الاثنين، 23 يوليو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2617 du 23.07.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


تحديث عريضة المساندة للسجين السياسي عبد الكريم الهاروني

هند الهاروني: ما حدث اليوم الاثنين 23 جويلية 2007 المنظمة الوطنية لحقوق الانسـأن بتونس: بيــان بمنـاسبة عيد الجمهوريــة عبدالله الـزواري: حصاد الأسبوع بمناسبة « عيد الجمهورية » رحمه الله فتحي التوزري – محمّد القوماني –  مالك كفيف : في الذكرى الخمسين لعيد الجمهورية , ضرورات تطوير نظامنا السياسي جعفر الأكحل: معا من أجل جمهورية الغد الاستـاذ فيصل الزمنـى: بمنــاسبة عيد الجمهورية مرسل الكسيبي: جرحان عميقان في جسد نصف قرن يمر على تأسيس الجمهورية التونسية د. عبد السلام المسدي: الخيار الجمهوري وتجديد الوعي جريدة « الصباح »:بمناسبة الذكرى الـ50 لإعلان الجمهورية:أي دور للمجتمع المدني في تدعيم مكاسب الجمهورية وصيانتها؟ جريدة « الصباح الأسبوعي » :في الذكرى الخمسين لإعـلان الجمهورية:أي تونسي نريد؟ افتتاح الموقع الرسمي للشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله محمد الحمروني: هل نحن على أبواب حل لمشكلة الرابطة قناة المستقلة: نص الحلقة الأولى من برنامج « فضاء ديمقراطي »
سفيان الشّورابي: الاتحاد العام لطلبة تونس – مسار التوحيد يقطع أشواطا هائلة

الهادي بريك: نجم الدين أتاتورك ورجب الفاتح.باقة دروس بليغة على مائدة الحوار الإسلامي. الحلقة الأولى

افتتاحية صحيفة « القدس العربي »:انتصار الإسلاميين في تركيا

موقع سويس إنفو:حزب العدالة والتنمية الحاكم يحقق نصرا مدويا بانتخابات تركيا

موقع سويس إنفو:العدالة والتنمية الحاكم يفوز بانتخابات تركيا في ضربة للعلمانيين

عبد القادر الذهبي :حـذار من الفـخ النووي الـساركوزي !


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


تصريحات جريئة يُدلي بها السيد محمد بوعبدلي صاحب المؤسسة التي يتبع لها معهد باستور  لقناة الحوار التونسي في حصتها رقم 63 ليوم الأحد 22 جويلية 2007

لمشاهدة الحصة اضغط على الرابط التالي: http://www.arcoiris.tv/modules.php?name=Downloads&d_op=viewdownload&cid=1045


 

بمناسبة مضي نصف قرن على إعلان الجمهورية في تونس ( 25 يوليو 1957 ). نحن الممضين أسفل هذا نطالب السّلطة التّونسية بإطلاق سراح المهندس كريم الهاروني الأمين العام الأسبق للإتّحاد العام التّونسي للطلبة والسّجين السّياسي المعتقل منذ عام 1991 والمحاكم أمام المحكمة العسكرية بالمؤبّد ( تموز 1992 ) بتهمة إنتمائه لجمعية غير مرخّص فيها وهي المحكمة التي وصفها أهل الإختصاص القضائي ( منهم الأستاذ المحامي محمّد النوري ) بالإستثنائية وعدم الدّستورية، وكذا جميع المساجين السّياسيين ومساجين الرّأي ،ومنهم الأستاذ المحامي محمّد عبّو المسجون منذ ربيع 2005 بسبب مقال صحفي يعترض فيه على زيارة  » شارون  » إلى تونس، والدّكتور الصّادق شورو الرّئيس الأسبق لحركة النّهضة ومن معه من قيادات وأعضاء الحركة، وكذا المعتقلين على إثر ما عرف بأحداث سليمان في كانون الأول الماضي ( ديسمبر 06) وهم بالمئات. كما نجدّد الدّعوة إلى المنظّمات الحقوقية والأحزاب السّياسية والأحرار والإعلاميين في تونس وخارجها لتكثيف الضّغوط المناسبة لحمل السلطة التونسية على إطلاق سراح كلّ المساجين السّياسيين سيما أن مخلّفات السّجن المطوّل ( 17 عاما ) ضدّ القدرات الصّحية للمساجين في ظروف إقامة بالغة الرّداءة مخيفة مماّ إضطرّ أولئك المساجين في مرّات كثيرة إلى شنّ إضرابات مطوّلة عن الطّعام تجاوز بعضها شهرين كاملين… إنّنا لندعو بحرارة كلّ عشاق الحرّية من كلّ دين ووطن ولون فكري وسياسي إلى دعم ومساندة هذه العريضة لعلّ بسمة السّرور تعانق شفاه الأطفال والنّساء والمحرومين والمضطهدين من جديد فوق ربوع تونس الخضراء. العريضة برعاية: الحوار نت + الوسط التونسية + تونس نيوز يرجى من كل من يدعم هذه العريضة إرسال موافقته إلى البريد التالي   liberez_harouni@yahoo.fr مع حرصنا الشّديد على عدم الإمضاء بالأسماء المستعارة سعيا لمصداقية هذا العمل. الإمضاءات الأوّليّة : 1 – أسرة الحوار نت www.alhiwar.net info@alhiwar.net 2 – أسرة تونس نيوز www.tunisnews.net redaction@tunisnews.net 3 – أسرة الوسط التونسية reporteur2005@yahoo.de ww.tunisalwasat.com   4 – الهادي بريك ـ ألمانيا 5 – القادري الزرّوقي ( مؤسّس موقع الحوار نت ) ألمانيا 6 – مرسل الكسيبي : اعلامي تونسي ( رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية) ألمانيا 7 – نصر الدين سويلمي – ألمانيا 8 – محسن جندوبي – تقني- ألمانيا 9 – عبدالله النوري – اطار تربوي- ألمانيا 10 – حبيب الخليفي – أستاذ – ألمانيا 11 – محمد الصالح محفوظ – فني سامي -ألمانيا 12 – صالح محضاوي – ألمانيا 13 – الطاهر الرمّة – ألمانيا 14 – محمد علي بلقاسم – ألمانيا 15 – محمد الهادي الزمزمي – ألمانيا 16 – فتحي العيادي – ألمانيا 17 – عبد الله ثابت – ألمانيا 18 – رشيدة نفزي – ألمانيا  19 – فائزة بوعزة – ألمانيا  20 – هاجر بريك – ألمانيا 21- طه العزاوي – ألمانيا 22- آمنة عبد الرحيم – ألمانيا  23 – كوثر الزروي – ألمانيا  24 – الهاشمي بن حامد – ألمانيا 25-خميس بن علي الماجري باريس ـ المشرف على موقع تونس المسلمة – فرنسا 26- محمد المنصف قاره – سويسرا 27- عبد الحميد الحمدي ـ أستاذ علوم اسلامية _ الدانمارك 28-المشرف على موقع طلبة تونس www.tunisie-talaba.net 29-منذر عمار: باحث  – ألمانيا 30-رافع القارصي: حقوقي – ألمانيا 31-علي سعيد – النرويج 32-أ.فتحي نصري : محامي وحقوقي تونسي 33-وليد البناني-بلجيكا 34-المنجي الفطناسي- محاسب -علوم تجارية – ألمانيا 35-كوثر الجزار- أستاذة انجليزية- ألمانيا 36-محمد شمام – السويد 37-الطاهر القلعي -سويسرا

38كمال الخضري-باحث-ألمانيا 39-خالد الجميعي-النرويج 40-علي حميدي-هولندا

41 ــ الأسعد الجوهري ـ حقوقي تونسي وسجين سياسي سابق.

42 ــ عطاء الله الجوهري ـ تونس

43 ــ آمال الجوهري ـ تونس

44 ــ سلسبيل الجوهري ـ تونس

45 ــ حسان الجوهري ـ تونس

46 ــ تسنيم الجوهري ـ تونس

47 ــ علي الجوهري ـ تونس

48-علي بن عرفة- رئيس هيئة حقوقية – لندن 49-محسن الذهيبي-باريس فرنسا 50-عائشة صفوة- مناضلة حقوقية – سويسرا 51- سليم بن حميدان – باريس- فرنسا 52- خليل أحمد – اعلامي 53-عبد الحميد عبد الصادق – كندا 54- محمد حمزة – ألمانيا 55- جمال الطاهر – كندا 56-المكتب الحقوقي والاعلامي لجمعية الزيتونة – سويسرا 57- اسماعيل الكوت : عضو المكتب الحقوقي والاعلامي لجمعية الزيتونة بسويسرا 58- بوكثير بن عمر – سويسرا 59- جميلة نوير – سويسرا 60- رياض الحوار – تونس 61- خميس قسيلة – السكرتير العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان . 62- محمد النوري- خبير اقتصادي -باريس -فرنسا 63- كمال الحجام 64-عبد الناصر نايت ليمان – رئيس مؤسسة حقوقية سويسرا 65- المسعدي سحيمي – سويسرا 66- أحمد الامام – لندن بريطانيا 67 – سعاد القوسامي : عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي – تونس 68- مراد راشد – جرجيس – تونس 69- عبد الحميد العداسي – الدنمارك 70- حسين الدويري – سويسرا 71- منصف مقدود – سويسرا 72- الهادي لطيف – سويسرا 73- خميس قشة – هولندا 74-الأزهر مقداد – سويسرا 75- عبد الله بريك – طالب – ألمانيا 76- نبيل بن محمد – سويسرا 77- رياض بوخشانة – مهندس- / ألمانيا 78- امنة عبد الرحيم- ألمانيا 79- عبد الرحمن خلادي – كندا 80- جنات عبيدة – كندا 81- ابراهيم العموري – السويد 82- أسامة اللموشي – كندا 83- محمد لسعد بوزيد – ألمانيا 84 – معز الجماعي –عضو هئية جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي 85 – جمال دلالي – بريطانيا 86 – المختار الطريفي : رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان 87- خالد فتريش – هولندا 88- بلقاسم النقاز ـ ألمانيا 89- صالح التقاز   فرنسا 90- شكري يعقوب – سويسرا 91- سمير العيادي – باريس 92 – نور الدين ختروشي – فرنسا 93- الهاشمي بن حامد – ألمانيا 94- كريم مسعودي – ألمانيا 95- أنور الغربي – جنيف – سويسرا 96- مراد التواتي – ألمانيا 97 – أنور عز الدين – فرنسا 98 – عادل الماجري ( عضو سابق في هيئة الإتحاد العام التونسي للطلبة فرع كلية العلوم بتونس  ) – سويسرا 99 – عفيف غانمي، سويسرا 100 – سليم الوكيل – ألمانيا 101- بوبكر مصدق – سويسرا 102 – سالم خليفة – تونس 103- محمد الصادق الشطي 104 – فتحي حاج بلقاسم 105- منصور بن يحيي – مهندس ومناضل حقوقي  – سويسرا 106- عزيز العرباوي – كاتب وباحث من المغرب 107 – أحمد الورغمي – معارض تونسي – باريس 108 – محسن المحمودي – الجمهورية التونسية 109 – حبيب فافي – الجمهورية التونسية 110- أحمد قعلول –  مجلة اقلام اونلاين 111- عبد الرزاق الادريسي – مناضل حقوقي المغرب 112- طارق سويد – لبنان 113- عبد الله الزواري – صحفي تونسي – جرجيس / الجمهورية التونسية 114- عبد المجيد السبوعي – سويسرا 115- جمال السلامي – سويسرا 116- فائزة السلامي – سويسرا 117- محمد الحمروني – صحفي بجريدة الموقف – تونس 118 – جمال الدين أحمد الفرحاوي – شاعر تونسي مقيم بلاهاي 119 – حافظ الجندوبي – الجمهورية التونسية 120 – سمير ديلو – محامي – تونس 121- جلال الماطري – جنيف – سويسرا 122 – عماد الدائمي – مهندس – فرنسا 123 – محمد الطرابلسي – فرنسا 124 – محمود قويعة – القيروان – تونس 125- عبد الباسط مسعي  – سجين سياسي سابق (سويسرا) 126 – يسمين صليحي مسعي 127 – محمد امين مسعي 128 – عبد الهادي التيمومي – ألمانيا 129 – رضا عثمان – ألمانيا  – لاجىء سياسي  نقابي سابق جامعة الكهرباء والغاز 130 – امال الرباعي – أستاذة – ألمانيا 131- صالح بن يحيى – كندا 132- سيف النوري – طالب – ألمانيا 133 – سلمان النوري – ألمانيا 134 – راشد الغنوشي – رئيس حركة النهضة التونسية – لندن – المملكة المتحدة . 135 – بشير العبيدي – مهندس معلوماتية – باريس . 136 – الأستاذة جنات بن علي – عضو اتحاد منظمات الطفولة بالمملكة المتحدة – بريطانيا 137 – عبد الرحمن بن ابراهيم – تونس 138 د. خالد الطراولي  (اللقاء الإصلاحي الديمقراطي) 139 _ عمار الفرجاني – ايطاليا 140- مفيدة  بشيني   إيطاليا 141 – فتحي  الجلاصي   إيطاليا 142 – عباس   عباس   إيطاليا 143 – سمير   خالدي   إيطاليا 144-محمد بن محمد  إيطاليا 145 – سامي   الطالبي  إيطاليا 146 – بلحسن   دراويل   إيطاليا 147 – محمد  صابر  مهذبي   إيطاليا 148- محجوب  شباب   إيطاليا

149 -هند الهاروني – تونس 150-عمر الهاروني – تونس 151- ماهر الهاروني- تونس  152-الياس الهاروني- تونس  153-كريمة الهاروني – تونس 154- عمر القايدي – سويسرا 155- منظمة SOS TUNESIEN – النجدة تونس – ألمانيا   156- محسن الشريف – سويسرا 157- سمير فالح – مهندس – فرنسا 158- رافع الفتحي – سويسرا 159 – عبد الله بن عمر – أستاذ جامعي – تونس 160 – منجي بن عقيل 161 – عامر بن عقيل 162- مريم بن عقيل 163- محمد بن عقيل 164- أسماء بن عقيل 165- أيمن بن عقيل 166- مهدي النفطي – طالب مرحلة ثالثة – جامعة بنزرت – كلية العلوم – الجمهورية التونسية 167- وحيد الشريف – لجنة حقوق الانسان بأوسلو 170- عبدالحميد الفياش – سويسرا 171- نجاة النفيسي – سويسرا 172- توفيق العيادي – سويسرا 173- د.شكري الحمروني – فرنسا 174- عيادي دبابي– ألمانيا 175- فتحي العابد – ايطاليا 176- مصطفى عبدالله الونيسي/باريس ـ/فرنسا 177 – عبد العزيز شمام – فرنسا 178- عامر العريض – رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة التونسية / فرنسا. 179 – محيي الدين فرجاني 180 – حسن الأمين – مشرف موقع ليبيا المستقبل – بريطانيا 181- محسن الغربي – هولندا 182 – الطاهر بوبحري – باريس 183- طه الدريدي – مهندس باريس – فرنسا :  » إنّ أمثال عبد الكريم الها روني هم مناعةٌ ضد من إحترفوا صناعة السيارات المفخّحة  » . 184- رجب العبدلي – السويد 185- حبيب مباركي سويسرا 186- سامي مروعي ألمانيا 187 – سكينة النوري ألمانيا 188 – البشير مباركي – ألمانيا 189 – رشيد خشانة – رئيس تحرير جريدة الموقف – السكرتير العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدمي . 190 – فتحي رافع – سويسرا 191- منصف زيد – فرنسا 192- صالح حمراوي 193- موسى بن أحمد – مهندس – ألمانيا 194- فاخر لترش – تاجر – فرنسا 195- حسين بن خليفة – الجزائر 196 – صالح الحمراوي 197- محمد القرضاني – هولندا 198- عمر القايدي 199 – مصطفى البعزاوي – الجمهورية التونسية 200- عادل بلكحلاء– جامعي – الجمهورية التونسية   

 

يرجى من كل من يدعم هذه العريضة إرسال موافقته إلى البريد التالي   liberez_harouni@yahoo.fr تاريخ اخر تحديث 23 يوليو 2007- س  17 بتوقيت تونس . نشرت العريضة رسميا ابتداء من مساء السادس عشر من تموز/يوليو 2007

 


 

السّلام عليكم جميعا

ما حدث اليوم الاثنين 23 جويلية 2007

ذهبنا هدا الصّباح لزيارة أخي الحبيب عبد الكريم أي : الوالد عمر و اختي كريمة و ذأخويّ ماهر و الياس و بعد أن فتحت ادارة السّجن أبوابها لطابور الزّوّار على السّاعة التّاسعة صباحا و بعد انتظار حلول دورنا للدّخول الى قاعة الانتظار أخذ العون المكلّف بتسلّم بطاقة الزّيارة مع بطاقات تعريفنا القوميّة للّسّماح لنا بالمرور الا أنّه أخد يتصفّح أسماء بطاقاتنا و يسأل أين هند و كان أخي الّذي قدّم البطاقات قد سمح له بالدّخول الى تلك القاعة فقلت ها أنا ذي فقال لي ابقي هناك و أشار الى خارج السّجن بعيدا عن هذا الباب فسألته لمذا تقول لي ابقي هناك ؟ فلم يجبني  و في الّحطة نفسها أدركت أنّ أمرا ما خطيرا و غامض يحذثا و أنّ حياة أخي عبد الكريم في خطر أكيد خصوصا و أنّ قد أوصانا من قبل أن لا نأتي بقفّة الطّعام في زيارتنا له هذا اليوم ثمّ حذّرنا و قال لنا اذا جئتم لزيارتي في 23 جويلية و قالوا لكم أنّني أرفض الزّيارة فلا تصدّقوهم بأيّ حال من الأحوال أنا لا أرفض أبدا زيارة عائلتي و قد بيّن لنا و أنّ ااسّبب وراء ذلك هو : امّا أنّ صحّتي في خطر أكيد و امّ انّهم منعوني من الخروج اليكم للزّيارة و امّا السّببين معا و عندها أعلموا العالم بأنّي مفقود. و في تلك اللّحظة ناديت على أخي أن ارجع فخرج و عندها أخذ الأعوان يتهامسون على ذلك و بقينا كلّنا ننتظر في المكان نفسه بجانب مكان الطّابور وعندها أقبل مساعد مدير السّحن و اسمه عماد و معه مسؤولا آخر يحمل رتبة صابط و شخص آخر تابع لادارة السّجن بزيّه المدني المعتاد و ازداد عدد الأعوان الى جانب عون من فرقة الطّلائع و وقفوا في الباب أمامنا ينظرون الينا  و يتهامزون  خاصّة باتّجاهي أنا  و ذلك حتّى أنهوا ادخال طابور الزّوّار أي حتّى لا يستمع أحد الى ما سيحدث و يقال و عند انتهاء هدا الطّابور قدم عون ثاني مكلّف أيصا بتسّم البطاقات و ادخال العائلات للزّيارة ثمّ قال: عائلة الهاروني من سيدخل يزور؟ فأجبته أنا كلّنا سنزور فقال لي الا هند لا لا تزور فقلت له و لمذا فقال لي انّها تعليمات فسألته تعليمات مّمّن فشدّد على أنّها تعليمات و لم يجب بالطّبع فما كان لي الا أن التفتّ الى العائلة و قلت لهم هيّا بنا نذهب و كان هذا أيضا قرار والدي و اخوتي و أختي لأنّ منعهم لي من الزّيارة هو بمثابة منع عائلتنا كلّها من زيارة أخي من ناحية و منع أخي في نفس الوقت من هذا الحقّ . و كلّ هذا يجري بحظور كلّ هؤلاء الّدين ذكرت من مسؤولين و أعوان. لأوّل مرّ منذ 17 سنة لم يأت أيّ عون أو مسؤول في أيّ سجن من السّجون و يمنعني هكذا من زيارة أخي عبد الكريم  اذ أنّ عادتهم تتمثّل دائما في منعهم لنا زيارة أخي بالكذب و القول أنّ يرفض الزّيارة و نحن نعرف الحقيقية و لا نصدّق ما يقولونه لنا. —–ثمّ انّي ألفت انتباهكم الى خطورة الوضع خاصّة لما سبق أن نبّهنا منه أخي عبد الكريم ممّا سيحدث في هذه الزّيارة ثمّ انّني أؤكّد لكم انّ أخي عبد الكريم مازال في اضراب عن الطّعام و قد تأكّدت من ذلك ممّن زار بعدنا لأحد من الاخوة مع أخي عبد الكريم من حركة النّهضة و هو الدّكتور حمد الأبيض. الوصعيّة وصلت الى ذروتها في الخطورة على حياة أخي عبد الكريم و أرجو منكم جميعا أن تكثّفوا جهودكم أكثر فأكثر للقيام بصغوط قويّة على هذا النّظام ليرفع أيديه و بلاءه عن أخي عبد الكريم و نحن اذ نجدّد تحميل المسؤوليّة له كاملة لما يقومون به من استهداف لأخي عبد الكريم فلن نتنازل و قد قال لنا أخي في مناسبات عديدة بدأت في المقبرة عند تأبينه لوالدتنا رحمها الله يوم 17 أوت2006 بأنّه لا يحقد لأنّ الحقد يعمي عن الحقّ و لكنّه لن يتنازل عن حقوقه  و عن أن يعيش حرّا في وطن حرّ و في شعب حرّ حتّى و لو كلّفه ذلك الموت في السّجن. المطلوب الآن الوقوف وقفة كبيرة لانقاذ حياة أخي عبد الكريم الّذي ما عرفنا عنه الا الدّفاع عن حياة و كرامة الآخرين و يؤثرها حتّى على نفسه. نطالب دائما بالعيش بكرامة و خاصّة في  هذه المناسبة القالدمة بعد يومين بادن الله ,عيد الجمهوريّة لأنّه عيد لنا جميعا لكلّ التّونسيّين و التّونسيّات الف تحيّة شكر وامتنان لكلّ من يقف هذه الوقفة الى جانبنا منّي أنا هند الهاروني شقيقة عبد الكريم الهاروني و من والدي عمر أبقاه الله و من أخويّ و أختي هند الهاروني


المنظمة الوطنية لحقوق الانسـأن بتونس

شـارع مدريـد  تونس

الهـاتف : 409 544 97

 

                                                                              تونس بتاريخ : 24 جويليــة 2007

بيـــــــــــــان

بمنـاسبة عيد الجمهوريــة

 

تولي شعوب العالم لعيد الجمهورية اهمية خاصة نظرا لما يكتسيه من اهمية بالغة في تاريخها اذ ان الجمهورية كنظام سياسي جاء لارساء جملة من القيم والمثل العليا للنهوض بالبلدان التي اخذت بهذا النظام بعد حقب طويلة من النضال المرير ضد قوى الملكية وما مثلته من طغيان سياسي واستبداد اجتماعي وتامر مع الجهات الاجنبية المعادية للمصالح الوطنية وكانت البلاد العربية جزءا من هذا المشهد العام الذي تتوج باعلان الاستقلال واحلال الجمهورية محل الملكية في اغلب اقطارها وقد تطلعت الجهاهيرلهذه التحولات واملت منها تغيرات عميقة في كافة مناحي حياتها وذلك بارساء الحرية علىالمستوى السياسي وتوزيع الثروةالوطنية توزيعا عادلا وبناء اقتصاد وطني قائم علىالعلم والمعرفة غير ان ظروف الحرب الباردة والاستقطاب الدولي الحاد منعت هذه الاحلام من التحقق   وفرضت على الانظمة العربية  الوليدة حالة من التخندق الدولي وراء الشرق او الغرب دفعتها احيانا الى الصراع فيما بينها واحيانا اخرىعلى الاحتراب المباشر الشيء الذي اثر سلباعلى هذه الاقطاب وحرم شعوبها من الحيات الخاصة والعامة واقيمت المحاكامات لكل من طالب بتشكيل احزاب معارضة او جميعات مخالفة للخظ الرسمي للدولة ولو حق دعاة الراي والراي الاخر وحق الاختلاف وقد رفضت الجماهير الشعبية الواسعة هذه الاوضاع ودخلت في صراعات وصدمات دموية مع حكومتها ادت على حملات قمع رهيب هددت الاستقرار الوطني والسلم الاجتماعي وكانت تونس طيلة العقود التي تلت اعلان الجمهورية في قلب هذه الاعاصير فدفعت القوى التقدمية المناضلة ثمنا باهظا لرفضها الاستبداد والتهميش واحتكار ادوات الحكم والسيطرة الكاملة على الشارع السياسي من طرف الحزب الحاكم وكان نتيجة هذه الاوضاع حرمان تونس من وجود مجتمع مدني فعال قادر على ايجاد التوازن السياسي المطلوب بينه وبين السلطات العمومية مما يساعد على درء الازمات والصعوبات ويمكن البلاد من التطور والتقدم ويشكل ضمانة اساسية ضد الرجعية المحلية ومشاريعها الظلامية المتكئة على الدعم الاجنبي الواسع

وقد جاء تغيير السابع من نوفمبر ليضع حدا لهذا الانسداد السياسي والاحتقان الاجتماعي فتم اقرار قانون خاص بالاحزاب كرس التعددية وانهى نظام الحزب الواحد الا ان الجمعيات ( النقابية والثقافية والنسائية والحقوقية والانسانية) لم تشملها التعددية وبقيت اعلبها محتكرا اما من طرف الحزب الحاكم او من طرف مجموعات لا تستسيغ رؤية التعددية تصل اليها اذ ان هذه الجمعيات توفر لاصحابها الكراسي الوثيرة والميزانيات المغرية والوجهات المزعومة عبر الصحف والفضائيات والعلاقات الخارجية التي لا يعلم طبيعتها الا اصحابها ولا يهمها من الشان العام الا بقدر ما يدره على مسؤوليها من منافع وقد مثل هذا التاخر الطويل في وصول التعددية لقطاع الجمعيات باستثناء تجربة جميعية النساء الديمقراطيات التي شكلت شجاعة متميزة في المنافسة في القطاع النسائي اعاقة عضوية امام قيام مجتمع مدني قادر على القيام بمسؤولياتها في الدفاع عن المراطنين وتمثيل مصالحهم لدى السلطات العمومية بعيدا عن الشطحات الاعلامية ونيابة الاجانب في الصراع ضد الدولة وخدمة مصالحهم وقد وفقت هذه الجمعية في  ادارة أزمتهـا مع الحكومة و حققت نتـائج ايجابية و نحن اذ نعبر عن تأييدنـا لهـذا المخرج الجريئ فاننـا نتمنى أن تشمل حـالة الانفراج هـذه كـافة الاحزاب و الجمعيات بمـا فيهـا منظمتنـا .

 

 

ان وجود مجتمع مدنى مسؤول سيوفر على البلاد و على الناس الوقت و الجهد لخدمة القضايا العالقــــة و المعقدة و التى يعانى منهـا الكثيرون و كذلك النضـال ضد البيروقراطية و الرشوة و المحسوبية التى أرهقت النـاس حتى يمكن أن يكون مستقبلنـا أفضل من حـاضرنـا . و فى هـذا السياق و انسجامـا مع التطلع لحياة حرة و كريمة فى بلد يسوده القانون و يستند على المؤسسات قامت المنظمة الوطنية لحقوق الانسان بتقديم مطلب لولاية تونس يوم 8 مـاي 2006 تطلب فيه الترخيص لهـا بمباشرة نشاطهـا على قاعدة قانون الجمعيات و على خلفية التعددية الواردة بنص الدستور . و هي اذ تنتظر الترخيص القانونى الى حد الان فانهـا تنظر باستغراب و استياء للتجاهل الذى تبديه ولاية تونس نحوهـا فى مخالفة صريحة للقانون و للالتزامات الدولية الخـاصة بحقوق الانسان و التى انخرطت فيهـا تونس منذ سنوات طويلة . ان السيد والى تونس و هو الذى ترجع اليه سلطة الترخيص فى قيام الجمعيات يمكن أن يقدم خدمة كبرى للبلاد بالترخيص للمنظمة الوطنية لحقوق الانسان بتونس باعتببارهـا حـاجة موضوعية و ضرورة موضوعيـة علمـا و أن شرطة مدينة تونس منعتنـا فى الاشهر المـاضية و لمرتين متتاليتين و نحن نستعد للاحتفال بالذكرى الخمسين لعيد الجمهورية من رفع اللافتة التى تشير الـى اسم المنظمة على واجهة مقرهـا .

 

ان المنظمة الوطنية لحقوق الانسـان بتونس و هي تحتفل مع باقى مكونات المجتمع المدنى بعيد الجمهورية المجيد مزهوة بنضالات الشعب و تضحياته من أجل الحرية فانهـا تطـالب السلطات العمومية بفتح باب الاعتراف بالتشكيلات الحزبية و الجمعيات التى قدمت مطـالب فى الترخيص لهـا بمباشرة  نشاطهـا و لم تحصل عليه الى حد الان .

 

ان قيم الجمهورية فى العدل و المساواة و حرية الرأي و الرأي ارخر و حق الاختلاف و الاحترام المتبادل و التوازن السياسي تأبى أن ترى عكس ذلك .

 

  و الســـــلآم

         بشيــر البجـــاوى

 

                                                رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الانسـان بتونس

                                                               الهـاتف : 409 544 97


 

حصــاد الأسبـــوع بمناسبة « عيد الجمهورية » رحمه الله

25-07-1957***25-07-2007  

 
عيد بأي حال عدت يا عيد؟ للصّحفي المنفي في وطنه ظلما وعدوانا: عبد الله الزواري 1- علمت: 1) لا يزال السيد عبد الكريم الهاروني مضربا عن الطعام 2) قطع كل من السادة رضا البوكادي و لطفي السنوسي و فرج الجامي إضرابهم هن الطعام بعد تدهور حاد في رضا عند علرضه على الطبيب المختص الذي يباشر علاجه من التهاب حاد في الكلى… و وعد صريح بعلاج فرج الجامي… 2- تدبـّرت:  
علمٌ ودستورٌ ومجلس أمة كلٌعن المعنى الصحيح محرف كثـرت دوائرها وقل فعالها كلطبل يكبر وهو خالٍ أجــوف معروف الرصافي 3-  سمعت: 1) مسجد للبيع… أسمعت مثل هذا الخبر؟؟ حقيقة أم خيال؟؟؟ انتظر حصاد الأسبوع القادم…. 2) قرارات أو تعليمات للتنفيذ تلك التي أمر أحد المسؤولين في اجتماع بإحدى المدن… ممنوع تلاوة القرآن بمكبرات الصوت فجرا، ممنوع نقل خطبة الجمعة و صلاتها مكبرات الصوت ( ولعلكم تذكرون ما كان من أمر مكبرات الصوت في انتخاات 1987 حيث توضع داخل القاعات و ممنوع وضعها خارجها)، ممنوع إلقاء الدروس و العظات منعا باتا… و عند سؤاله عن مؤذن لا يقيم الصلاة كانت الإجابة صريحة: المؤذن موظف لدى وزارة الشؤون الدينية و هو مطالب إداريا بالآذان لا غير و علاقة الإدارة به لا تتعدى هذا المجال… إجابات شافية كافية مثل تلك التي كانت في موسم الحج… 3) نشرنا سابقا منذ أسابيع عديدة إعلانا يدعو الراغبين في حفظ القرآن تسجيل أسمائهم و تقديم نسخة من بطاقات التعريف الوطنية للمكلفين بهذه المهمة…سجل كثير من الطيبين أسماءهم بعد تقديم نسخ من بطاقات هوياتهم.. و لم يحدث إلى يوم شيء مما كانوا ينتظرون إذ لا أماكن لإلقاء هذه الإملاءات القرآنية فالمساجد- وهي الأماكن المعتادة لمثل هذه الأنشطة- ممنوع إقامة أي نشاط بها.. و عندما سأل أحدهم عن الأمر قيل له المطلوب الآن كراء محلات لإقامة هذه النشاط… 4- رأيت: نقلت « الجزيرة مباشر » احتفال حزب العدالة و التنمية التركي بفوزه بالانتخابات التشريعية .. فتيات يلبسن الحجاب و أخريات حاسرات الرؤوس يلوحن بالأعلام و يرقصن على نغمات أغنية تركية، شباب على مختلف الهيئات يغنون و يرقصون.. و ذلك الشيخ الذي وخط الشيب رأسه يرقص كذلك فرحا بانتصار الحزب، نسي تقدمه في السن و هزه الانتصار…. و ذكرت الألاف المؤلفة من العرب المقهورين الذين تحرمهم أنظمة مستبدة مثل هذه الفرحة بدعاو زائفة يجمع بينها وصاية على الشعوب و اتهام لها بالقصور و عدم النضج، ذكرت الآلاف المؤلفة التي لا تجد في الأحزاب المعترف بها من يمثلها و من ترى فيه المعبر الوفي عن مشاغلها و آمالها و آلامها… لم أتمالك، و قلت مرة أخرى أفرح لغيري، بل نفرح لغيرنا، فرحنا لجبهة الإنقاذ… و فرحنا لحماس و للإخوان و جبهة العمل و الإصلاح و لحزب الله… لكننا سنفرح يوما لأنفسنا، يقينا سنفرح يوما لأنفسنا مهما كشر الطغاة عن وجوههم الفظة الغليظة المقيتة و مهما نصبوا العراقيل و العوائق، ومهما كادوا و مكروا…. هنيئا لحزب العدالة و التنمية، بل هنيئا لنا كذلك، هنيئا للشعب التركي، هنيئا للمقهورين… هنيئا للشعوب الرازحة تحت الطغم المستبدة الفاسدة و المفسدة… هنيئا للشعوب التي تريد الحياة…. 5-  قرأت « لأن غزة تحت المجهر » منذ أسدل الستار عن ظاهرة الفلتان الأمني في قطاع غزة بالقضاء على أوكارها وفرار رؤوسها، يعيش القطاع هدوءاً غير مسبوق فاجأ أهل القطاع قبل غيرهم، وهو ما تشهد عليه ساحات وحدائق وشواطيء غزة المغتصة بالآمنين على أنفسهم وأرزاقهم، وتشهد عليه غياب عمليات العربدة والقتل وقطع الطريق التي كان يقوم بها مرتزقة مأجورون لكن مع عودة الهدوء والأمن والأمان باتت غزة تحت المجهر، وهو مجهر يتصيد العثرات والزلات، ويكبّر التجاوزات، ويصور الأمر وكأنه جرائم مبرمجة وبقرار سياسي من أعلى المستويات، ولهدف اقصائي فصائلي، مجهر يقف عليه ابواق جاهزة لنفخ الكير، وتصعيد الأمور لتمنح مجرمي عبّاس ودحلان أنواط القدس، وتحولهم إلى مساكين ضحايا لا حول لهم ولا قوة. ولأن غزة وقعت تحت ذلك المجهر، فإن كل خطوة بل كل نفس محسوب اليوم على الممسك بزمام الأمور هناك، لذا وجب الوقوف في وجه أي تجاوز للقانون أياً كان مصدره، ومن هذا المنطلق فإن القوة التنفيذية التابعة للشرطة الفلسطينية التابعة بدورها لوزارة الداخلية لها أن تستجوب، وتستدعي وتحقق، لكن ما لا يمكن قبوله أن يتم ذلك من خلال كتائب الشهيد عز الدين القسام، التي لا صفة رسمية لها في وزارة الداخلية، حتى وإن كانت تساعد وتساهم في حفظ الأمن، وبطلب رسمي من الهيئات الشرعية. ما استوجب هذه المقدمة هو حادثتين وقعتا مؤخراً في قطاع غزة، أثناء « الاعتقال » وسجلوا على أساس « انتحار »، ولابد من الاشارة والتأكيد أن الشخصين المعنيين لم يكونا رهن التحقيق بسب انتماء سياسي، إنما على خلفية جنائية معروفة، الحادثة الأولى كانت وفاة فضل محمد سليم دهمش (31 سنة) في سجن غزة المركزي بتاريخ 10/07/2007 بعد أن تم تسليمه للسجن من قبل سرايا القدس التي اعتقلته بتاريخ 04/07/2007 بتهمة العمالة ونشرت تصويراً بذلك، وقد سجلت وفاته على أنها توقف في عمل القلب وعملية التنفس، واعتبرت سرايا القدس أنه « انتحر في السجن الذي تشرف عليه القوة التنفيذية. الحادثة الثانية وقعت بعد أيام وتحديداً في 15/07/2007 بوصول جثة وليد سلمان أبو ضلفة الموقوف بتهمة جنائية للمستشفى من مقر « المشتل » الذي تشرف عليه اليوم كتائب الشهيد عز الدين القسام، وقد صرّح ابو عبيدة الناطق باسم الكتائب أنه قتل أثناء محاولته الهرب والتفاف السلاسل الحديدة حول رقبته مما أدى إلى وفاته اختناقاً! التجاوزات موجودة وحدثت، والأخطاء موجودة وحدثت، وجرائم حدثت وسجلت، لكن هناك حقيقة بسيطة يجب الانتباه لها، حتى يعطى كل ذي حق حقه: كل ما حدث خلال وبعد الأحداث الأخيرة في قطاع غزة كان بشكل فردي وبدون غطاء سياسي أو فصائلي رسمي، وتمت إدانته والاعتذار عنه من أعلى الهرم السياسي لحركة حماس، ولم يتم تبريره، مقابل تبني عبّاس وعصابة العشرة لكل أعمال البلطجة وقطع الطريق سابقاً في قطاع غزة، وسابقاً وحالياً في الضفة الغربية، بل وصلت لدرجة توزيع أنواط القدس على أمثال المجرمين قطاع الطرق سميح المدهون ومحمد غريب، ووصلت لدرجة احتماء عبّاس بأزعر جنين زكريا الزبيدي، وعربيد نابلس أبو جبل، دون تقديم كلمة اعتذار واحدة للشعب الفلسطيني عن إحراق عشرات المؤسسات والجمعيات، وعن اعتقال عزل وجرهم من بيوتهم بسبب انتمائهم السياسي. وقبل أن يدعي أي بوق من الأبواق الناعقة الزاعقة يومياً بأن العشرات وفي بعض الأحيان المئات من ابناء حركة فتح يعتقلون ويعذبون ويقتلون، أقتبس هنا فقرات من تقرير نشر في صحيفة الحياة بتاريخ 18/07/2007، وهو عن مؤسسات تعنى بحقوق الانسان استند إليها جمال نزال وفهمي الزعارير وحتى عبّاس في التنديد بالاعتقال السياسي الموهوم، متحدياً إياهم في ذات الوقت أن ينشروا قوائم بهؤلاء المعتقلين السياسيين إن كانوا صادقين، وهم بالتأكيد ليسوا كذلك. يقول التقرير: في سابقة هي الاولى منذ سيطرت حركة «حماس» على قطاع غزة بالقوة المسلحة في الرابع عشر من الشهر الماضي، سمحت كتائب القسام الذراع العسكرية للحركة لناشطين في منظمات حقوقية في قطاع غزة بزيارة قسم التحقيق في سجن «المشتل» التابع لجهاز المخابرات العامة الفلسطيني غرب مدينة غزة امس. وكشف المحامي في مركز الميزان لحقوق الانسان جميل سرحان لـ «الحياة» النقاب عن وجود سبعة فلسطينيين في قسم التحقيق محتجزين على خلفية أمنية تتعلق بالتعاون مع جهاز الأمن العام الاسرائيلي «شاباك». ونفى سرحان وجود أي معتقلين سياسيين في قسم التحقيق في مبنى السجن المؤلف من طبقات عدة. وقال ان اثنين من المعتقلين صدر في حقهما حكم بالاعدام رمياً بالرصاص قبل سنوات عدة، احدهما محمد الزطمة المتهم بالمشاركة في اغتيال القائد العام لكتائب القسام الشهيد صلاح شحادة في الثاني والعشرين من تموز (يوليو) 2002. اما السجين الثاني المحكوم بالاعدام فهو حيدر غانم المتهم بالمشاركة في اغتيال احد كوادر حركة «فتح» جمال عبدالرازق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2000 أي بعد اسابيع قليلة على اندلاع الانتفاضة الحالية. وهناك متهم ثالث بالتعاون مع الاحتلال ينتظر المحاكمة منذ خمس سنوات. والسجناء الثلاثة كانوا من بين نحو 90 معتقلاً امنياً اطلقهم قادة الاجهزة الامنية المتحصنون في مقر قيادة الاجهزة الامنية «السرايا» قبل ساعات قليلة من سيطرة حركة «حماس» عليه في الرابع عشر من الشهر الماضي. وكان قادة الاجهزة الامنية الذين فر معظمهم الى مدينة رام الله في الضفة الغربية اطلقوا هؤلاء المتعاونين مع اكثر من 600 معتقل جنائي من «السرايا». وقال سرحان ان المعتقلين الاربعة الآخرين في «المشتل» اعتقلوا اخيرا ويجري التحقيق معهم على خلفية تهم بالتعاون مع «شاباك». واوضح ان قسم التحقيق المؤلف من نحو 25 زنزانة تحتل نصف ممر طويل تشغل نصفه الآخر على الجانبين مكاتب المحققين. ويبلغ طول بعض الزنازين مترين وعرضها متراً واحداً وتشمل مرحاضا وصنبوراً للمياه ولا توجد فيها أي اضاءة. واشار الى ان غرفة التعذيب في السجن الذي صممه خبراء اميركيون اسوة بمقر المخابرات العامة المعروف باسم «السفينة» حولت الى «صالة استقبال» امس في اعقاب مقتل وليد ابو ضلفة اول من امس تحت التعذيب في السجن نفسه. ولفت الى ان فريق النشطاء المؤلف منه ومن محامين من الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان ومؤسسة الضمير لحقوق الانسان التقوا السجناء الذين بدت على بعضهم أثار تعذيب ليست حديثة، بل مضت عليها ايام عدة. وقال ان ما لفت نظره اثناء الزيارة التي جاءت بناء على دعوة وجهتها كتائب القسام لهم اول من امس في اعقاب الضجة التي اثارها مقتل أبو ضلفة ان كتائب القسام تستخدم «المشتل» للاغراض نفسها التي كان يستخدمها جهاز المخابرات العامة قبل سيطرة «حماس» على القطاع. واضاف انه لاحظ ان كتائب القسام التي تدير السجن وحدها من دون القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية اقامت هيكلاً ادارياً منظماً في ما يتعلق بالسجناء والعاملين فيه. واشار الى انه لاحظ وجود تعليمات مطبوعة معلقة على لوحات الجدران وارشادات تتعلق بكيفية التصرف والعمل، والحراس يجرون اجراءات نظامية في ما يتعلق بالعاملين والزائرين، معتبرا ان كتائب القسام نقلت نفسها من كيان مقاوم سري الى كيان علني يعمل داخلياً ونظامياً. وقال ان مسؤولي السجن تعهدوا امامهم احترام حقوق الانسان والقانون، وقالوا ان ما يهمهم هو ارضاء الله قبل ارضاء البشر. انتهى التقرير. أضيف للتقرير السابق أن قادة حركة فتح في قطاع غزة يتحركون بحرية، وعقدوا المؤتمرات الصحفية، وهاجموا من شاءوا، دون أن يعترضهم أحد، في وقت يعتقل سياسياً وبدون تهمة كل من يشتبه مجرد الاشتباه أنه موال أو داعم لحركة حماس من قبل ميليشيات عبّاس، وكتائب شهداء الأقصى في قطاع غزة بكل فروعها لا زالت تمتشق سلاحها وتتحرك به بحرية مطلقة في قطاع غزة، بينما يتم شراء سلاح الفصائل في الضفة الغربية بحجة أنها ميليشيات خارجة عن القانون، فمن هو الطرف الذي كان ولا زال يجرم بحق الانسان الفلسطيني؟ لكن ولأن غزة تحت المجهر، ولأننا جميعاً وقفنا بوجه عمليات التعدي على حقوق الانسان الفلسطيني من قبل عصابات الوقائي وغيرها، ولأننا لا نجامل أحد في هذا المجال رغم تصنيف البعض أن الشخصيين المعنيين هم من أعداء الشعب، ورغم أن التوقيف لم يكن على خلفية سياسية، كان لابد من توضيح التالي دون مواربة: المتهم بريء حتى تثبت إدانته توقيف أي شخص لا يكون إلا بإذن كتابي ومن الجهات المخولة قانوناً لا يحق لكتائب الشهيد عز الدين القسام توقيف أي مواطن أو التحقيق معه لا يجوز تكبيل المتهم بالسلاسل الحديدة ومن ثم تبرير التفافها حول عنقه المسؤولية تقع على الجهة المشرفة على السجن حتى وإن كانت الحوادث انتحار لأن مراقبة الموقوفين والحفاظ على حياتهم مسؤوليتها، خاصة في ظل ما يجري من تشويه للحقائق فتح تحقيق علني وبحضور جهات محايدة بالحادثتين الإعلان عن نتائج التحقيق دون تأخير وتحديد المسؤولية بشكل مباشر يجب محاسبة كل من قصر في أداء مهامه مهما كان منصبه أخذ العبرة من التجاوزات والأخطاء الماضية والحرص على أمن وسلامة المواطن التأكيد على مبدأ سيادة القانون في كل نواحي العمل الفلسطيني وأخيراً تحويل المقار الأمنية التي تفننت بتعذيب أبناء الشعب الفلسطيني إلى متاحف وطنية يزوها أبناء هذا الشعب لأخذ العبر، لا أن يتغير السجانون، وتبقى السجون والمعتقلات. إن التمسك بهذه المباديء يقطع الطريق على رؤوس الفتنة المتباكين على الحريات في غزة، ويمنع حدوث أية تعديات أو جرائم تمس الانسان الفلسطيني، وتعيد الأمور لنصابها القانوني الطبيعي، ولا يعني إطلاقاً الانتقاص من حالة الأمن والأمان في قطاع غزة، التي يقابلها عربدة وبلطجة لا حدود لها. هذا عهدنا أن لا نجامل أحد، وأن نبقى أوفياء لنضال شعبنا وحقوقه، وأن نبقى على طريق الثوابت، فكلمة الحق واجب لا منة فيه، ولا عصمة أو قدسية لأحد، وجل من لا يخطيء. والله من وراء القصد. د.إبراهيم حمّامي 22/07/2007 6- نقلت: أيٌها النٌاس أنا الأوٌل, و الأعدل و الأجمل, من بين جميع الحاكمين و أنا بدر الدٌجى, و بياض الياسمين, و أنا مخترع المشنقة الأولى و خير المرسلين: كلٌما فكٌرت أن اعتزل السٌلطة, ينهاني ضميري … من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطٌيٌبين؟ من سيشفي بعدي… الأعرج… و الأبرص… و الأعمى… و من يحيي عظام الميٌتين؟.. من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟ من ترى يرسل للنٌاس المطر؟.. من ترى؟ يجلدهم تسعين جلدة… من ترى؟ يصلبهم فوق الشٌجر؟ من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر؟.. ويموتوا كالبقر؟ كلٌما فكٌرت أن أتركهم فاضت دموعي كغمامة وتوكٌلت على الله و قرٌرت بأن أركب الشٌعب من الآن…إلى يوم القيامة. نــــــزار. 7-  دعــــــاء  » اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء، اللهم لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت و لا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم اجعل يومنا خير من أمسنا و اجعل غدنا خيرا من يومنا، اللهم اغفر لنا تقصيرنا في أمرك… » ملاحظة: استشهد أخونا رضا الخميري في اليوم الخامس و العشرين من شهر جويلية 1997 في السجن المدني بجندوبة الذي كان يديره آنذاك الملازم أول رياض العماري… دخل رضا في إضراب عن الطعام احتجاجا على إعادته للسجن بعد ساعات ( يوم تقريبا) من خروجه من السجن بموجب انتهاء المدة المحكوم بها عليه (8 سنوات) ، وقد اعيد إلى السجن نفس التهم التي سبق له أن حكم من أجلها… وبهذه المناسبة نسأل الله تبارك و تعالى أن يتقبل أخينا مع الشهداء و الصالحين و رزق الله والديه وعائلته جميل الصبر و حسن المثوبة… عبدالله الـزواري abzouari@hotmail.com (المصدر: المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت بتاريخ 23 جويلية 2007)


 

في الذكرى الخمسين لعيد الجمهورية

ضرورات تطوير نظامنا السياسي

فتحي التوزري       محمّد القوماني

 مالك كفيف

 جويلية  

2007

  

مقدمّــــــــــة

   

 يكتسي إحياء التونسيين للذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية أهمية استثنائية. فالخمسينية في حد ذاتها محطة هامة للتقييم واستشراف المستقبل وضبط أولويات المرحلة القادمة، إضافة إلى أن هذا الموعد يتوسط الإحتفال منذ نحو سنة ونصف بخمسينية الاستقلال والاحتفال بعد بضعة أشهر بعشرين سنة من تغيير السابع من نوفمبر1987الذي أُعلن أنه سيكون مناسبة لمراجعة المسيرة والأخذ بالمقترحات للتطوير وتحسين الأداء.

     كان النظام الجمهوري الذي اختاره غداة الاستقلال أعضاء  » المجلس القومي التأسيسي  » وأعلنوه في جوّ احتفالي بهيج مساء الخميس 25 جويلية 1957 « تدعيما لأركان استقلال الدولة وسيادة الشعب وسيرا في طريق النظام الديمقراطي الذي هو وجهة المجلس في تسطير الدستور« ، كما جاء في نص قرار إعلان الجمهورية.

    جاء النص الأصلي لدستور الجمهورية التونسية المؤرخ في غرة جوان 1959 مستلهما لأهم مبادئ الجمهورية وأسس النظام الديمقراطي. فنص على أن الشعب التونسي هو صاحب السيادة وأقر أهم الحريات الفردية والعامة وفصل بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية ومنح التونسي حق الترشح للمناصب العامة والتداول عليها عبر نظام انتخابي عام حر وسري ومباشر وقيد الفترات النيابية لرئيس الجمهورية.

غيرأن دستور 59 تضمن عدّة نواقص لعل أهمها تقييد ممارسة الحريات والحقوق بعبارات مقصودة تحيل على القانون، والاختلال بين السلطات وعدم إخضاع رئيس الجمهورية والحكومة عامة للمراقبة والمساءلة، وانعدام آلية تضمن دستورية القوانين إضافة إلى قصور الفصول المنظمة للسلطة القضائية عن ضمان استقلال هذه السلطة العامة الحيوية في حماية قيم الجمهورية.

    ليس هذا العمل الذي نحن بصدده نصا في القانون الدستوري، ولا رسالة جامعية حول الجمهورية، وإنما أردناه نصا سياسيا في سياق مناسبة محددة. فالجمهورية عنوان سياسي بامتياز. نروم من خلاله تتبع مسار الجمهورية التونسية خلال خمسين عام، في سياقات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، محلية ودولية. فنقف على التحديات ونرصد أهم النجاحات والإخفاقات، معتمدين منهجا تفهميا في تقييم الإنجازات وإبراز الصعوبات،خلال الخمسين سنة مما أطلقنا عليه الجمهورية الأولى. متطلعين إلى المستقبل في تواصل ايجابي مع الماضي، منشغلين في المقام الأول بإبراز ضرورات الإصلاح التي تحتاجه أوضاع بلادنا، في المجال السياسي خاصة، على طريق الجمهورية الثانية التي نتطلع إليها.

         هذا النص السياسي الموجه لعموم التونسيين، وللنخب السياسية خاصة، سواء في السلطة أو في المعارضة، نريده مساهمة في الحوار الوطني المتأكد بين أبناء البلد الواحد، الذين تظل أهدافهم مشتركة في التطلع إلى مستقبل أفضل لهذا الوطن ولأهله، مهما اختلفت آراؤهم في النظر إلى الماضي أو المستقبل، ومهما تباينت اجتهادا تهم.

 

 

 

 

مسار الجمهورية: بناء لم يكتمل

 

غداة الاستقلال ومع إعلان الجمهورية عمّت البلاد أجواء استثنائيّة من الأمل والحماس.من المهم أن لا نغفل عن استحضار تلك الظروف و لا تغشي بصيرتنا المآخذ المشروعة على طبيعة النظام السياسي الذي انبثق عن الجمهورية.و إذ نستحضر الحالة المعنويّة التي انطلقت فيها البلاد غداة الاستقلال وعند قيام الجمهورية، فإننا نتمنّى أن تتوفّر لنا اليوم الظروف المناسبة، حتّى ننطلق في رسم  مقومات جمهوريّة ثانية بنفس الرّوح ونفس المعنويات خاصة و أن التحدّيات القادمة أصعب وأشدّ وطأة علينا وأنّ كابوس الاستعمار وما يحمله من دمار وإذلال عاد ليطلّ من جديد على العالم بقسوته المعهودة وبقوّة تدميريّة أشدّ وأعتى.

 

 تميّزت فترة  قيام الجمهوريّة التونسية بخصائص عديدة منها:

·          شعور وطني قوي ونخوة نادرا ما توفّرا للبلاد وشكلا محركا قويّا للبناء والتنمية والتطوير.

·          تغلّب روح  الوحدة على ما دونها من عوامل  التشرذم والانقسام.

·          إرادة طوعية للعمل وإيمان عميق بمستقبل أفضل.

·          تآزر  وتضافر الجهود في سبيل التغلّب على مصاعب عديدة.

·          نزعة إصلاحيّة تحديثية عميقة اخترقت جلّ النخب.

·          قبول واسع للقيم التي قامت عليها الجمهورية كالحريّة والمساواة والعدالة  والمسؤوليّة.

·          التفاف شعبي حول قيادة حملت حلمه وحقّقت تطلّعه.

·          جرأة  نادرة في شقّ طريق صعب محفوف بالمخاطر لإطلاق العنان لبناء الدولة ومؤسّساتها .

·          حالة تعبئة عالية لإطلاق مشروع تحديثي تنموي مستقبلي.

 

قامت الجمهورية على أنقاض دولة ضعيفة مترهلة لم تبن مؤسسات قوية مما جعلها لقمة سائغة للاستعمار، لذلك كان حرص واضعي الدستور غداة الجمهورية على  إرساء دولة قوية بما فيه الكفاية و حكم قوي قادر على الإصلاح. ونتيجة لذلك قامت الجمهورية على مؤسسات و نظرية في الحكم اعتمدت على دولة الحزب الواحد و الفكر الواحد و الزعيم الأوحد ومارست التحديث بطريقة ايديولجية و في بعض الأحيان إكراهية مما عمق الأزمة الثقاقية، وعطلت بعض الآفكار التحررية و قيدت الحياة السياسية واستغنت على المواطنة بتشجيع الزبونية و الولاء، وهذا ما سيكون له تأثير مباشر على الأزمات السياسية اللاحقة.

 

واجهت الجمهورية في بدايتها تحدّيات وصعوبات ضخمة ومع ذلك تمكّنت من تحقيق إنجازات رائعة للجيل الأوّل والأجيال القادمة. كانت البدايات مثقلة بهموم تخلّف المدن وفقر الرّيف وضعف رأسمال الوطني وغياب صناعة وطنيّة وعدم توفر نسيج اقتصادي حديث وانتشار الأمّية والأمراض والأوبئة، وضعف رهيب في البنى التحتيّة والكفاءات البشريّة.

 

واجهت الجمهورية التخلّف وانتصرت في جولات عديدة وقلّصت من الفقر بشكل ملحوظ وبنت منظومة صحّية مرضية وراهنت على الإنسان رجالا ونساء وعملت على تحرير المرأة من القيود المكبّلة لطاقاتها وبنت منظومة تعليميّة عصرية كان لها الأثر العميق في تحديث البلاد وتطويرها.

وأرست اقتصادا قابلا للحياة فالتزمت بالنّهوض بالصناعة الوطنيّة وطورت كفاءة الإدارة وسخّرت تمويلات ضخمة لإقامة بنية تحتيّة تدعم النموّ. وسنّت القوانين الاجتماعية التحرّرية وشجّعت على العمل والإنتاج والبناء وألهبت حماس الأجيال وساعدت على بروز طبقة وسطى أصبحت تمثّل القاعدة الاجتماعية للنظام ومصدر استقراره وعنوان نجاحاته.

كما نجحت الجمهورية في دعم القدرات البشرية للبلاد وتحكمت في نسق النموّ الديمغرافي بما لا يثقل كاهل البلاد في عمليّة التنمية وتمكنت من خلق ملايين مواطن الشغل على مدى نصف القرن الماضي وفجّرت طاقات التونسيّين ليكتسبوا العلم والمعرفة والمؤهّلات العالية ويساهموا بذلك في رسم صورة ايجابية عن تونس .

 

ساهمت هذه الحركيّة وهذه الإنجازات في إرساء دعائم الاستقرار ونشر بذور الازدهار وعزّزت عناصر السيادة ومكّنت من تحسين العيش.  و لم تدخل الجمهورية البلاد في أتون حروب إقليمية خاسرة ولا صراعات وهميّة ولا إنفاق عسكري مشطّ، بل نأت بنفسها وشعبها عن المغامرة والارتجال إلاّ في حالات استثنائية، وحصنت الدولة من التدخّلات والتأثيرات الخارجيّة قدر المستطاع، وحافظت على سيادة البلد رغم الضغوطات المتزايدة بفعل العولمة والتحوّلات الاقتصادية وواجهت التحدّيات الإقليمية الخطيرة، وهي كيثرة، برصانة مكنت البلاد من التمتّع باستقرار ثمين.

كانت الجمهورية وفية للشهداء من النساء والرجال و للتضحيات الجسام التي انبنى عليها الاستقلال وحقّقت جزءا هائلا من تطلعات الناس في العيش الكريم، والاستقرار والأمان والتحرّر.

 

قامت الجمهورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على قطيعة مع حكم البايات المنهار و اعتمدت على نخبة حاكمة تشكّلت من جيل مستنير تحديثي منحدر في أغلبه من الطبقات الشعبية المتوسطة، واستفادت من مكتسبات البلاد و تراثها التحرّري وعمقها الحضاري، استندت إلى الهوية العربية الإسلامية المتجذرة وعزّزتها بروافد مشعّة ومدعّمة لتقدم البلاد واستقرارها. و لكنها أيضا أخذت من موروث البلاد الاستبدادي  نصيبا وافرا .

وبانتقال الحكم من الرئيس بورقيبة إلى الرئيس بن علي، تواصل المجهود للحفاظ على قوة الدولة وتطوير قدراتها ومتابعة مسيرة التنمية والإصلاح والتطوير في عديد المجالات.

 

شهدت البلاد خلال الفترتين أحداثا هامة وخطيرة أبرزها تحول البلاد نحو مزيد من الانفتاح الاقتصادي في فترة تميّزت بالتخبّط السياسي والصعوبات الاقتصادية وتنامي الاحتجاج وتدهور مستوى المعيشة و بروز معارضة سياسية قوية ذات خلفية دينية و ضعف   لمؤسسات الدولة.

وبالرّغم من الأزمات العديدة تمكّنت الدولة من تحقيق الاستقرار، وتمكّنت من تنويع قاعدة الاقتصاد، وعزّزت قدرته الإنتاجية والتنافسية ولم تخفت الروح الإصلاحية والتحديثية إلاّ في مجالات سيقع شرحها. تراجع القطاع الفلاحي في الحجم وفي التشغيل، ونشط القطاع الصناعي وكان قطاع الخدمات المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد. وبالرغم من البطء في التموقع الإستراتيجي تبعا للتغييرات على مستوى التوزيع الدولي للعمل، فإنّ تونس انطلقت وبشيء من التأخير والارتباك في تقليص اعتمادها على قطاع النسيج الذي كان رأس حربة التصدير والتشغيل والاستثمار إلى قطاعات جديدة واعدة.

 

كما تواصل السعي إلى تقليص مخاطر الفرقة والانشقاق والاهتزاز سواء من حيث التهديدات الخارجية أو الداخلية، بالتشجيع على توفر فرص التنمية الجهوية والحفاظ على المكاسب الاجتماعية رغم الخيارات الاقتصادية الجديدة وبتعزيز اللحمة الوطنية والمحافظة على استقرار البلاد. ولم يكن الاستقرار الذي نعم به التونسيّون نتيجة نظام أمني قوي فقط، بل أيضا نتيجة سياسات اجتماعية شاملة.

إلاّ أنه لم يتوفّر للإصلاح السياسي نفس الزخم ونفس الحظوظ  كما في بقية المجالات،  إذ تواصلت الجمهورية خلال الخمسة عقود بتعزيز مفهوم الدولة القوية و النظام الرئاسي  الفردي و هيمنة الحزب الواحد.

كانت الجمهورية في مجملها، باستثناء المجال السياسي، محررة ومطوّرة ومحدّثة. وما تحقّق إلى حدّ الآن ليس إلاّ دعائم كفيلة بفسح المجال لمزيد التطوير خلال  الجمهورية الثانية، والمراهنة في المستقبل لا على حجم التنمية  والتحديث فقط، بل  على سلامة العلاقاتّ، ونوعية المؤسسات، وذلك بإرساء جمهورية قائمة على المواطنة و القانون، وضمان حقوق الأفراد والمجموعات. ولن يتمّ ذلك إلاّ بتفعيل آليات المشاركة وإصلاح النظام السياسي وتوسيع الحريات وإدخال عناصر أساسية للحكم الراشد كالمحاسبة والشفافية والمساءلة والتداول. وتوفير فرص حقيقية للمواطنين ليكونوا طرفا فاعلا في صياغة الخيارات السياسية داخل مؤسسات تضمن التعددية و حرية الرأي.

 

تعطل التنمية السياسية

 

إنّ الجمهورية الناشئة التي تأسّست غداة الاستقلال لم تكن جمهورية فاضلة. فقد اعترتها أزمات قاسية وأوقات عصيبة وشهدت صراعات كانت في بعض الأحيان عنيفة ودموية. اقتتل الأخوة مبكرا، واستقوى بعضهم على الآخر، ووقعت طيلة نصف القرن أخطاء كثيرة ومريرة، وكان هناك ظالم ومظلوم وغالب ومغلوب، وعزيز ومقهور ومنتشى بالنّصر ومهزوم.

 

اهتزّت الجمهورية في بعض الفترات، وانزاحت انزياحا خطيرا في فترات أخرى كما وقع سنة1975 وبعده وكانت انتكاسة ومأساة. ابتعدت الأمور مرارا عن القيم والمثل التحررية للحركة الوطنية الملهمة، وتم اللعب بالعواطف وبالمبادئ وبالإيديولوجيات ووقع التأليب والتحريض وكانت المصالح الآنية والسلطة والهوية في قلب الصراعات، وزجّ بالبلاد في نفق مظلم أحيانا، افتقدنا العدل وكانت الكلفة البشرية باهظة وحجم المآسي مروّعا وأخذنا نصيبا من الخوف الفرص الضائعة والأحلام المفزعة والإحباط. وتعالت على مدى الخمسة عقود أصوات عديدة وصادقة للإصلاح والتطوير ولكنّها جوبهت بالرفض و بقسوة شديدة أحيانا.

 

لم تكن المشكلة في النخبة و لا في كفاءتها و لا في غيرتها على الوطن بل في طبيعة النظام السياسي و مؤسساته التي لا تضمن الاختلاف و لا توفر أرضية للتعددية و لا تسمح بحرية النشاط و حولت الدولة إلى رهينة للحزب الواحد و عطلت المؤسسات و أفرغتها من محتوياتها. 

فمنذ الاستقلال كانت منهجية الحزب الحاكم فرض خياره السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أيّ كان نوعه (ليبراليا، اجتماعيا، أو مختلطا) كخيار أوحد ومواجهة الاحتجاجات بسلة من المقايضات مع المعارضين ولم تكن المعركة إيديولوجية بقدر ما كانت براجماتية ووقع قمع كل من سولت له نفسه معارضة الخيارات الاقتصادية أو الاجتماعية المفروضة سلطويا.

 

و منذ الاستقلال بقي النظام السياسي قائما على الحزب الواحد و بقيت الدولة مركزية و سلطوية و لم  يسمح إلا بهامش محدود من الحريات. و لم تمض سنوات عديدة على الاستقلال حتى عمد النظام إلى إلغاء الحريات و أقام نظاما فرديا مطلقا و حاد عام 1975عن مبادئ الجمهورية بإعلان الرئاسة مدى الحياة. و  حين شهدت البلاد بعض الانفراج سنة 1981 لم تكن هناك مقومات المنافسة السياسية حتى انهار الوضع سنة 1987 . وظل التنافس السياسي معطلا إلى اليوم.

و في عهد الإحتكار المطلق كان ينظر إلى التونسيين على أنهم « دستوريون » بالضرورة و كان الحزب الحاكم ينظر إلى الديمقراطية على أنها قيمة ممكنة  داخله فقط. و لقد اضطر الناس للانضمام للحزب الحاكم للحصول على الشغل والمعونات و الخدمات الاجتماعية خاصة في الريف و أحزمة الفقر، وهو خيار الهشاشة والخصاصة وليس خيار المواطنة والمسؤولية. لقد فشلت الجمهورية في فصل الحزب الحاكم عن الدولة و كان للزبونية  السياسية الأثر المدمر على تطوير مؤسسات حكم عصرية.

 

تمكن الحزب الحاكم بفعل الاحتكار والهيمنة المطلقة من التغلغل في أجهزة الدولة وفي الإدارة بدرجة تزيد في صعوبة تصحيح الوضع نحو حياد الإدارة كمدخل لتأهيل الحياة السياسية وهو أحد كوابيس الإصلاح السياسي. كما لا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن الدولة ومنذ الاستقلال إلى اليوم لم تبرز أي رغبة في إعطاء الحزب الحاكم دورا عاديا في الساحة السياسية ولم تفعل أي شيء لتقليص نفوذه وهيمنته على أجهزتها، في حين أنّها أبدت رغبة عالية في تقزيم الأطراف السياسية الأخرى الموجودة على الساحة واحتوائها. كما لم تقتنع النخبة الحاكمة على مدى العقود الخمسة بأنّ الديمقراطية أفضل صيغة للحكم. ولم يقبل الحزب الحاكم مطلقا إشراك أي طرف آخر في صناعة القرار وضبط السياسات وأبقى ذلك حصريّا في نخبه.

 

وبعد خمسين سنة لم تستطع البلاد انجاز انتخابات تنافسية حقيقيّة ولا خلق بيئة سياسة تعدّدية حقيقية. فلم تكن الانتخابات فرصة لتعزيز التعدّدية بل وسيلة لتكرار الحكم لنفسه والدعاية للانجازات والمواضيع المحبّذة للسلطة (الازدهار الاقتصادي عن طريق السياسات الاقتصادية اللّيبرالية المؤطّرة للسلم الاجتماعي ومقاومة التطرف )،بما لم يسمح بتطوير المؤسسات في اتجاه الحكم الراشد، إذ بقي القضاء فاقدا للاستقلالية عن السلطة التنفيذية والإعلام مطوعا والبرلمان مجرد غرفة مصادقة تابعة وطيّعة وفاقدة للتمثيلية. و بقيت مؤسسة الرئاسة قوية وعمقت التنقيحات الدستورية الواسعة لسنة 2002 هذا الخلل المؤسساتي وتراجعت عن الإصلاحات المسجلة سنة 1988.

لم توفق الجمهورية في إرساء التعدّدية، وصاحب التحرّر الاقتصادي مزيد من التسلّط والانغلاق السياسي. وزادت الأزمة مع المعارضة عموما و مع حركة النهضة خصوصا في تعقيد الوضع وانغلاقه، وقاد الصراع العنيف مع النهضة إلى توسيع نفوذ الأجهزة الأمنية وسطوتها وتشديد قبضتها على المجتمع. وكان القمع عنصرا حاسما في تجذير المعارضة. وتطور الحزب الحاكم في قطيعة مع فكرة الانتقال للديمقراطية بل وبتأسيس هيمنة اعتمدها كنظرية في الحكم تغذّت من الجذور الثقافية للاستبداد.

 

بقيت الحكومة بقدر ما تطالب بالاعتراف بالمكتسبات ترفض أن تتحمّل مسؤولية الإخفاقات أو جزء منها على الأقل وترفض أن تحاسب على خياراتها. و بقي الحزب الحاكم يستفيد  من هيمنته على مقاليد الحكم عن طريق الزبونية ويطلب من المجتمع أن يتعقل أمام أزماته وإخفاقاته. وما زالت الحكومة تواصل تقديم خياراتها وقيمها كإجماع شعبي ، في حين أنّها أجندة سياسية خاصة بها مرتبطة بمصالح سياسية وفئوية وحزبية. و أمام تحدّيات المعارضة لها، بقيت السلطة تحرك استراتيجيات عفا عنها الزمن، وخير مثال على ذلك ما حدث أثناء انعقاد المؤتمر الدولي لمجتمع المعلومات في 2005 حيث بدت كأنها تحارب من أجل قضية مخسورة سلفا مما شنج الوضع وعبأ الإعلام الدولي ووحد المعارضين من أجل انجاز إجراءات انفراجية عاجلة .

 

دروس من الماضي

 

نستحضر هذه المسيرة للجمهورية فنترحّم على أرواح من قدّم حياته في سبيل البلاد والحرية والقضايا العادلة. ونقف إجلالا لكلّ المناضلين الذين قدّموا تضحيات جسام في سبيل الوطن، ونعتز بما تحقّق لبلدنا في هذه الفترة من مكاسب، إيفاء لكلّ ذي حقّ حقّه. داعين إلىترك الباب مفتوحا لمصالحة ممكنة تردّ الاعتبار للذين ذاقوا مرارة العيش وقسوة الظرف وتضمّد جراح العائلات المظلومة وتطفئ نار الشعور بالإهانة والقهر الذي صبغ فترات من تاريخ الجمهورية.

 

لم يتم خلال الفترة الماضية إشراك كل الكفاءات والنخب في أخذ القرار وصياغة السياسات و كانت إدارة الشأن العام مركزية ومتسلطة. بالرغم من أنه على مدى العقود الخمسة توفّرت للبلاد من داخل الحزب الحاكم  و من خارجه نخب مؤمنة بالديمقراطية وملتزمة بقضايا الحريات، إلا أنه وقع إقصاؤها أو تهميشها أو محاصرتها.  ولم يكن النظام السياسي و لا المؤسسات القائمة تمكن من الاستفادة من هذه الأفكار و لا تنمية مثل هذا التحرر.

 

 خمسون سنة من عمر الجمهورية فترة وجيزة في عمر الدول لكنها فترة كافية في حدّ ذاتها لإستدعاء الحاجة للتطوير. قد نتفهم تخوفات البعض من تداعيات التطوير. إذ لا أحد يعتبر التغيير الديمقراطي في بلدنا أو في المنطقة سهل الانجاز في القريب العاجل. ولكن علينا حتما أن نتقدّم أكثر ونعمل بشكل أفضل و نواكب لحظتنا و نغذّي مسارنا الإصلاحي بقيم المشاركة والحرية والكفاءة وذلك بتوفٍّر الإرادة القويّة والنوايا الصادقة  والتعقّل في ظلّ شعور وطني قوي بالاعتزاز بمكاسب البلاد وإيمان صلب بمستقبلها. هذا التطلع من شأنه أن يمكّننا من خلق نهوض مجتمعي وحسّ وطني ومعنويات عالية، كالتي توفرت غداة انبعاث الجمهورية،  و هو ما سيمكننا من تخطّي المصاعب والتحديات التي تواجه البلاد.

 

 

الجمهورية والتحـولات الكبرى

 

الخيارات الإقتصادبة

أنجزت تونس تحوّلا اقتصاديا ليبراليا مصيريا بداية من السبعينات أرسى دعائم السوق وفتح البلاد لرأس المال الأجنبي وأقر انخراط الاقتصاد الوطني في الاقتصاد الدولي المعولم ممّا جعل القدرة التنافسية والإنتاجية قضية حيوية بالنسبة لاقتصاد بلادنا. كان الخيار اللّيبرالي بإيعاز وتشجيع من الدوائر المالية العالمية، انخرطت فيه تونس وأقرّته الحكومة وفرضته بسياسات غير ليبرالية وبتعدّدية شكلية.

 

 مرّت فترة التحرّر الاقتصادي التدريجي ببرنامج إصلاح هيكلي مؤلم أواسط الثمانينات، كان من أبرز اتجاهاته أنّ التنمية سوف تتمّ مستقبلا من خلال السّوق والمنافسة.  دفعت إخفاقات الإقتصاد الموجه  والأزمة الإقتصادية لفترة الثمانينات إلى القبول بشروط القوى الخارجية مزيد التوجّه نحو اقتصاد السوق، ونظرا لشحّ الموارد الطبيعية واحتياجات البلاد لرأس المال كانت لتونس خيارات محدودة للحصول على التمويلات الضرورية لإنجاز برامجها التنموية وتحريك عجلة الاقتصاد وتلبية احتياجاتها مما دفعها نحو تنويع مصادر التمويل بالاقتراض والاعتماد على رأس المال الأجنبي والدخول في شراكات إستراتيجية. وبذلك أصبح للعنصر الخارجي دور في تحديد السياسات الاقتصادية، سواء بموجب الإقراض الشرطي أو بموجب اتفاقيات شراكة أو لترابط وتداخل الاقتصاد في المنظومات الإقليمية والدولية.  وهي اختيارات ذات  كلفة اجتماعية وثقافية وأمنية في علاقة بالسيادة والأمن القومي. وبالرغم من أن الوضعية الحالية أفضل من وضعية الثمانينات حيث واجهت تونس هذه التحديات من موقع الضعف وذلك لأسباب خارجية وداخلية أهمها ترهل النظام السياسي وانهيار الاقتصاد الموجه، إلا أننا ما زلنا في وضعية صعبة نتيجة لاعتمادنا الأساسي داخل السوق الأوروبية على القطاعات المتدحرجة في سلم تقسيم العمل الدولي وهو ما يجعلنا نفكر بالضرورة في توسيع خياراتنا وتجنب التبعية.  لقد كان للعولمة تأثير كبير على اتجاه تونس نحو اللّيبرالية الاقتصادية مضعفا قوة الحكومة في ضبط السياسات الاقتصادية والخيارات عموما. وتبدو الحكومة تمارس قدرا من الانضباط لعرقلة الإملاءات الخارجية بإبقائها على التخطيط واعتماد التدرج والحذر والتعاطي بواقعية مع الظروف الخاصة بالبلاد.

 

كان لهذه الخيارات مردود على النمو الذي لم ينتفع الجميع بثمراته بنفس القدر، وتحملت الطبقة الشغيلة  والطبقة الوسطىالعبء الأكبر من التضحيات عبر الضغط الجبائي والتقلص النسبي للتحويلات الاجتماعية مما زاد في تعميق الهوة بين شرائح المجتمع.

 إنّ المنحى اللّيبرالي للدولة الذي انطلق في السبعينات وتواصل في الثمانينات وتعزّز في التسعينات وتسارع في الألفية الجديدة جعل قضية اللّيبرالية الاقتصادية في قلب الصراع في داخل اتحاد الشغل  وفي داخل الحزب الحاكم وخارجه وفي داخل البلاد وخارجها. تباينت الأطراف والمواقف بين مبرر لاقتصاد السوق وبين منبه لرأسمالية كاسحة واقتصاد سوق يتمّ على حساب الطبقة الشغلية والفقراء. وكثر الجدل حول الخصخصة والإجراءات التحرّرية في أجواء ساخنة .

 

تسببت العولمة في بروز فروقات اجتماعية كبيرة، وبدا للعديد من الخبراء أنها أفقرت الفقراء وأغنت الأغنياء ولم تأت بالديمقراطية باعتبارها عنصر ضغط على الأنظمة المطالبة بضبط التذمر الشعبي وتقييده وخاصة الفئات المحرومة من منافع العولمة, وهو ما يشكل أرضية خصبة للاحتجاج.

إنّ الإجراءات اللّيبرالية ليست  صعبة على البلاد فقط ولكنّها أيضا صعبة على النخبة الحاكمة من حيث أنّها تقلّص نفوذها وسيطرتها وزبونيّتها. فقد طور النظام السياسي غداة الاستقلال عقدا اجتماعيا مع العمال والفلاحين والمستثمرين الخواص والطبقة الوسطى وعديد مكونات المجتمع. و تطورت العلاقات بتفاعل كبير مع السياسات الاقتصادية، و لكن السمة الأبرز كانت المقايضة و الزبونية. و مع دخول تونس موجة الليبرالية تغيرت الأنشطة الاقتصادية التابعة للدولة  بفعل الخصخصة، وبالنتيجة تغيرت الوظيفة الزبونية من إعانات ومنح ووظائف (وإن بقيت بحجم أقل). ومع تراجع الدولة عن التدخل المباشر في الاقتصاد ستتراجع أيضا قدرتها على الزبونية التقليدية وعلاقات الولاء والتبعيّة. لقد وقع إنجاز الخصخصة في ظروف لم تكن دائما شفّافة ووقع تلكؤ في إنجاز العديد منها وتسرع في أخرى. وما يخشاه البعض هو أن تتحول الخصخصة لمؤسسات القطاع العام إلى رأس مال صديق لفئة متنفذة كما نشاهده في دول أخرى أثناء تحوّل الدولة للإقتصاد الحرّ. و هو ما من شأنه أن يعيد إنتاج علاقات زبونية من نوع جديد.

 

إنّ الإصلاح الاقتصادي يجعل النظام السياسي التونسي تحت ضغط عال بعد أن اختارت الحكومة إستراتيجية تقوم على التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي وتأجيل الإصلاحات السياسية. ووقع قمع كلّ من حاول مساءلة أو محاججة هذا التمشي. و لكن في بلد توجد به طبقة وسطى كبيرة ومثقفة، فإن مثل هذه الأوضاع تنسف الثقة والدعم الذي تقدمه هذه الطبقة لحزب الدولة والسلطة. و هذه الإستراتيجية تبدو محدودة جدا خاصة إزاء البيئة المحيطة بتونس ( فضاء أوروبي مفتوح وفضاء مغاربي يتحول سياسيا نحو مزيد من التحرّر هذا إلى جانب الصعوبات الاقتصادية المرتقبة الذي يتطلب تحملها صبغة سياسية تشاركية لا إكراهية) وهذا ما يفرض على الدولة ضرورة إعادة صياغة نظامها السياسي  ومؤسساتها وإدماج قطاعات واسعة من المجتمع بقيت مهمشة و إشراكها في صياغة القرار السياسي و القطع مع الدولة الزبونية.

 

التحولات الإجتماعية

إن التحولات الديمغرافية (طفرة الشباب المستمرّة) والصعوبات الاقتصادية ومحدودية نسق النموّ ومشاكل التكوين والإدماج جعلت من مسألة البطالة مشكلة مزمنة تتطلب حلولا معقدة و وتضافر كل الجهود والإرادات ومناخ محفز للعمل والاستثمار للخروج من نفق البطالة والتخلص من هذا الكابوس الجاثم على كاهل الشباب والكهول وخاصة المتعلمين وأصحاب الشهائد وأصحاب العائلات. ولا يكفي التعويل على الانفراج الديمغرافي المرتقب في السنوات العشرة القادمة بل لا بدّ من وضع البلاد في حالة تعبئة عامة لمواجهة هذا التحدّي وتبنّي سياسات اقتصادية واجتماعية ومناخ استثمار كفيل بدفع نسق النموّ. كما أنّ التحولات الاقتصادية الكبرى وعولمة الاقتصاد وإعادة توزيع العمل على المستوى الدولي تتطلب مراجعة شاملة وعميقة لمنظومتنا التربوية والتكوينية ومنظومتنا الذهنية كي نكون قادرين على الاستفادة من العولمة وتقليص آثارها السلبية والتأقلم مع محيطنا الدولي. ولقد تأخرت الإصلاحات في هذا المجال واتسمت مرارا بالارتجال والتخبّط والارتباك ولم تتوفر الموارد الضرورية لذلك. وإذا لم تكن قدرة البلاد على التأقلم عالية وسريعة فإننا نخشى فقدان مكاسبنا في مجال الاستقرار الاجتماعي.

 

إنّ الضغط المتزايد على الدولة لتحسين اقتصادها وتطويره وتعزيز قدرته التنافسية ورفع إنتاجيته

يطرح أيضا تحديات ومشاكل بيئية هامة لم تطرح للنقاش إلاّ في دوائر ضيقة. إذ هناك تحديات على مستوى نقص المياه، والتلوّث، والنفايات السامة، وتآكل الشريط الساحلي، واستنزاف التربة . إنّ تطور الاقتصاد يجب أن يبقى مرتبطا بالمحافظة على التوازن الجهوي للتنمية والعمل على إرساء منظومة اقتصادية تحافظ على البيئة وتحقق التنمية المستدامة وتساهم في الحفاظ على هوية الشعب وخصوصياته. وهي حزمة من الإصلاحات تتطلب درجة عالية من الوعي والمشاركة والمواطنة.

 

التحولات الدولية

إنّ النظام العالمي الجديد قيد التشكل مليء بالمخاطر والصراعات الدولية والإقليمية ومثقل بمشاريع مبهمة، إلى جانب تهديد الإيديولوجيات المتطرفة التي تهدّد الشباب وتضغط على المجتمع وتتغذى من الظلم والإحباط والعنف والانكفاء على الذات.

لقد اكتشف التونسيون في نهاية ديسمبر2006 تهديدا جديدا على أراضيهم واكتشف الأولياء أنّ أبناءهم في صلب تنظيمات مسلحة وأنهم هاجروا بمهجتهم ووجدانهم إلى هذا العالم المرعب، واكتشفوا أن تونس ليست محصّنة وأنّ أي عائلة ليست محصنة. التف الناس حول الدولة وتمنوا لها النجاح في درء المخاطر والتهديدات ولكن لم يقع إشراكهم في أيّ من مسؤوليات الأمن القومي سوى الحيطة واليقظة والحذر. وبقي في الأذهان أن أمن البلاد واستقرارها مسؤولية الحكومة والحزب الحاكم فقط. تمنوا أن تعالج المحكمة هذه القضية وأن يفتح نقاش واسع ووطني ومسؤول عن الأسباب المباشرة والخفية والعميقة حول هذه الظاهرة التي تهدّد استقرار البلاد ومناعتها وسهلت انخراط الشباب في هذه التنظيمات والإيديولوجيات، ولكن خيّبت الحكومة أملهم واكتفت بالحلّ الأمني وتعبئة الحزب الحاكم وتهميش القضية وإبعادها عن ساحة الحوار الوطني

التحولات الثقافية

خيب النظام السياسي الأمل في خلق بيئة ثقافية متعددة و مبدعة و مشبعة بالعقلانية و متناغمة مع هوية البلاد و قيم التسامح و الحرية. لم تكن طبيعة النظام السياسي تسمح بأكثر من مساحة ضيقة من الحريات و التعبير مما زاد في أدلجة  المنتوج الثقافي الذي أنجز بقدر كبير من الرقابة ليكون في تناغم مع خيارات الحكومة و يقدم كمنتوج ثقافي وطني يحاكي الإجماع المطلوب كما هو الحال في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.

 

 وقع تبني سياسات ثقافية مذبذبة و مشوهة بتضاريس الأزمة السياسية و وقع تهميش قضية تطوير الفكر الديني داخل حلقات مضيقة من الجامعيين و لم تتوفر بيئة مناسبة لطرح قضايا فكرية  وثقافية مصيرية للبلاد  بل و بدا للكثير أن الدولة تشجع أطرفا فكرياة على حساب آخرى كما نلاحظه في سياسة البرمجة الثقافية (مسرح، سينما، كتاب، موسيقى، مهرجانات) أو في خصخصة الإعلام (التلفزات الخاصة و الإذاعات الخاصة) مما عمّق الإقصاء, و لا غرابة في أن موجة التدين الملفتة للانتباه ينظر إليها حسب بعض المحللين كنوع من التعبير الاحتجاجي على حالة الاحتقان المهدد للوحدة الوطنية.

 

التحديات الكبرى

تواجه البلاد اليوم صعوبات وتحدّيات ومشاكل عالقة لم توفق الجمهورية في إيجاد حلول لها، من أبرزها إصلاح النظام السياسي وإرساء الحكم الراشد والإقرار بمبدأ الاختلاف وضبط إطار جديد لإدارة الصراع. لقد ولى الزمن الذي كانت فيه الدولة تتعامل مع المشاكل وكأنها لا تريد « إثقال كاهل الناس » بإشراكهم في الخيارات وتحميلهم المسؤولية.

فبعد 50 سنة من إعلان الجمهورية وقعت تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية هائلة داخل المجتمع إلى جانب التغييرات الدولية الكبرى في علاقة بالعولمة وصياغة نظام دولي جديد وإعادة التوزيع الدولي للعمل، وهو ما أدى إلى طرح أسئلة أكثر تعقيدا.

 

فلقد نعم الناس بالتعلم والصحة وارتفع مستوى العيش وتغيرت العقليات وانفتحت البلاد على العالم وتشكلت طبقة وسطى تمثّل ما يقارب 80 % من السكان وتقلّصت أهمّية الريف وتجاوزت نسبة التمدن 65%. وأدت التحولات الاقتصادية و الاجتماعية إلى بروز مشاكل معقدة من نزوح، وبطالة وجريمة، و مدن فوضوية ومشاكل في الهوية وتدهور للبيئة وغيرها من المشاكل المعهودة في الدول النامية.

نتيجة لهذا تغيرت البلاد وتغير الناس، وتغيرت مشاكلهم واحتياجاتهم وانتظارتهم ورؤيتهم للموقع الاجتماعي ووعيهم بحقوقهم. تفاعل حزب الدولة سياسيا مع التحولات الاجتماعية التي صاحبت الإصلاحات الاقتصادية. إذ أصبح الفضاء الحضري داعمه السياسي الأبرز وأهمّ عنصر استقرار مقابل تهميش الريف،  ونمت بسرعة طبقة وسطى محافظة. برزت نخبة جديدة امتطت الحزب والدولة لضمان مصالحها. أمّا الفلاحون الصغار والتجار الصغار والحرفيون و العاملون في القطاع الموازي  فتأقلموا مع هذا الوضع عن طريق الزبونية.  و مع ذلك بقي الحزب الحاكم مصرّا على احتكار الحكم والسلطة، وبقي نشاط الحزب الحاكم في الجهات يطلب المزيد من الهيمنة. وهذا ما يجعل شرائح عديدة مرشحة بالخروج من فلك الحزب الحاكم (فقراء الريف والمدن، الشباب العاطل والمحروم والنخب المهمّشة).

 

ومع تحول المجتمع السريع نحو الإستهلاك و تراجع المقدرة الشرائية و بروز مظاهر الثراء الفاحش الذي لم يكن  من ثقافة المجتمع، و تعمق الفوارق الاجتماعية  و اقتراب الحكومة من مواعيد تقدم الحزمة الأكثر إيلاما والأقل شعبية والأسوأ على مستوى رمزية الانتقال من دولة الرعاية إلى الليبرالية المخيفة بدت أصوات التذمر تتعالى داخل الطبقة الوسطى. ولا غرابة في أن أصبحت الطبقة الوسطى المتآكلة والطبقة الكادحة التي تشعر بالتهديد من اللّيبرالية الزاحفة، تنادي بالمشاركة السياسية وبحرية التعبير. وليس من المصلحة التغاضي عن شرعية هذه التطلعات بل يجب إدراجها كجزء لا يتجزأ من عملية تطوير البلاد وتحديثها وتعزيز مناعتها. وسوف يصبح من الصعب جدّا على الحكومة فرض الحزمة القادمة من الإصلاحات غير الشعبية بالإكراه والقوة نتيجة للوضع الاقتصادي والاجتماعي  والدولي الضاغط.

 

لقد أنجزت الجمهورية جزءا لا بأس به من عملية التحديث، فوصل مستوى دخل الفرد إلى 4000 دينار، ومستوى الأمية دون 16 % و تشكلت طبقة وسطى عريضة واقتصاد نام في حدود 5 % سنويا.  إن هذه المعطيات تسهل بانتشار قيما الديمقراطية مما يجعل من المشاركة السياسية وتشكيل مجتمع مدني مستقل وقوي مطالب شرعية، وضرورية.

 

إنّ التغييرات التي طرأت على مستوى تحديث البلاد، بفعل الإصلاحات الجريئة، لم يكن الهدف منها في النهاية إلا تحقيق المواطنة، و تأهيل البلاد لحياة سياسية متطورة، و عليه يكون من التناقض بعد ذلك التنكر لتلك النتائج المنتظرة. فهدف مؤسسي الجمهورية ليس الازدهار الاقتصادي فقط, بل بناء مشروع وطني تحديثي يضمن الكرامة والتحرّر والتمكين وهذا لن يكتمل إلا عن طريق تطوير الحياة السياسية.

 

ضرورة الإصلاح السياسي

 

اختارت الحكومة مقاربة حذرة جدّا في إصلاح النظام السياسي، اعتبرتها المعارضة جمودا وانغلاقا باعتبار التضييق الشديد على الحريات. إنّ اختيار السياسة الأفضل أمر معقّد ، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار العنصر الزمني وتداخل الذاتي بالموضوعي والمحلي بالدولي  والمصلحة الخاصة بالمصلحة العامة. برهنت التجربة الأولى للجمهورية أنّ التعدّدية الشكلية عقيمة وأنّ القمع غير فعّال و أن الولاءات و العلاقات الزبونية لها مضاعفات ثانوية خطيرة على مستوى بناء الروح الوطنية، فلا مناص إذا من أشكال أرقى وأنجع. ويكفي أن نستحضر آخر عهد الرئيس بورقيبة وما آلت إليه الدولة من ترهل وضعف، لولا عملية الإنقاذ التي تمّت بسلام وأخرجت البلاد من مخاطر الانفجار والانهيار.

 

لقد كرّس الرئيس بورقيبة الحكم الفردي ، ومع الإعتراف بخصاله  كرجل دولة وصاحب مشروع تحديثي ، فإنه جسد الحكم المطلق و أرسى دولة الحزب الواحد و همش بقية مؤسسات الدولة ممّا خلق، خاصة في نهاية حكمه و تعاظم الأطماع، حالة من السّلطة الهشة غير المستقرة  أدخلت البلاد في نفق مظلم لم تخرج منه إلا بعملية التغييرفي7نوفمبر1987 التي أنقذت النظام و أنقذت الدولة و فتحت أفقا جديدا.

 

لم تكن الانتخابات خلال العقود الماضية من الجمهورية فرصة  للتداول و لتعزيز التعدّدية بل كانت مناسبة لتكرار النظام لنفسه و الدعاية لإنجازاته بما يبرر إبقاء الوضع على حاله واحتكار الحزب الحاكم للحياة السياسية وتعزيز قبضته على دواليب الدولة والمؤسسات مما أفرغ الجمهورية من مضامينها التحررية و التحديثية و احتكامها لسيادة الشعب. وبقي الحكم فرديا وبقي الإعلام عموما وسيلة الحزب للبقاء واحتكار السلطة حتّى وإن خفّت حدّة القمع وتغيّرت أساليبه و أدواته. لم يوفّر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي أرضية للانفتاح السياسي كما لم ينفع الضغط الخارجي والإكراه.   وتأخرنا في إنجاز قدر من الإصلاح السياسي يؤمن مستقبل الدولة من الأزمات. توفّرت عديد المرات فرص حقيقة للتقدم بسلام نحو تطور سلس للمشاركة السياسية يأخذ بعين الاعتبار مصلحة البلاد وخصوصيّتها ولكن حالت دون ذلك عوائق عديدة يجب الاعتبار منها حتّى لا نبقى نعيد تكرار نفس الأخطاء ونراكم الفرص الضائعة. وعلى عاتق رئيس الدولة اليوم مسؤولية ثقيلة تتمثّل في العبور بالبلاد بسلام  نحو مرحلة سياسية جديدة في ظروف دقيقة وعويصة.

 

لن نستطيع مستقبلا إدعاء أنّ عملية التطوير والتغيير والخيارات السياسية الكبرى للدولة القائمة على الحداثة و الليبرالية محل إجماع أو مجرد مهمة تكنوقراطية. لن نستطيع مواصلة تسويق هذا الكلام وتجاهل الخلافات في الرأي وفي السياسات وحتى في المرجعيات الفكرية. فمن الضروري أن تعترف الدولة صراحة بالتعدد الموجود أصلا في المجتمع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والفكري، فلا تعمد لتأليب شقّ على آخر أو محاربته أو التشجيع على الاصطفاف، بل عليها تكييف النظام السياسي بما يكفل الحق لكل الأطراف الدفاع عن مصالحها وآرائها وقناعاتها في أجواء من الاحترام والتعايش والتصارع المؤطّر في ظلّ القانون. إنّه لمن ضيق النظر، حرمان تونس من تضاريسها الاقتصادية والاجتماعية و الفكرية الجديدة.

من الضروري فسح المجال للاختلاف والاحتجاج والتنافس بين الخيارات، لا كرها للوفاق ولا حبا للخلاف ولا رغبة في زعزعة الاستقرار، بل لأنّ الاقتصاد اللّيبرالي بالضرورة وبالطبيعة يخلق تباينات، واختلافات في المصالح وفي الأدوار. وعلى الدولة ضبط آليات سليمة وفعالة وعادلة لإدارة الصراع. ومن الأفضل أن يتمّ هذا داخل مؤسسات الدولة كالمجالس البلدية والنيابية والمنابر الإعلامية والفضاءات المخصصة لذلك، لا في الصالونات وفي المساجد والكهوف والجبال، في إطار قواعد عادلة ومنصفة وغير مجحفة ومؤطرة بقوانين يمتثل لها الجميع بالتساوي. وهنا لا نجانب الحقيقة إذ قلنا أنّ كلّ الانتخابات السابقة على مدى الخمسة عقود فشلت في تجسيد هذا التمشي وفشلت في توفير البيئة الصحيحة للمنافسة السياسية النزيهة بل كانت الانتخابات دوما أداة لمواصلة الهيمنة المطلقة للحزب الحاكم على الحياة السياسية برمّتها. ولقد برّرت الحكومة دوما موقفها هذا، والذي تصفه بالحذر، بالخوف من أنّ الانفتاح في اتجاه تحرير الحياة السياسية سيشجّع التيّار السياسي ذا المرجعية الدينية المهدّد للمشروع التحديثي للدولة ومكاسب الجمهورية. لكن لا أحد اليوم بقادر على إدعاء الديمقراطية دون قرن القول بالفعل. على الدولة أن تجد الحلّ لمعضلة استعمال الدين في السياسة. ولن يتمّ ذلك بالمقاربة الأمنية ، بل بفتح مجال المشاركة السياسية للجميع وإقامة مؤسسات فاعلة  وقوية  وبتوفير بيئة اقتصادية واجتماعية مزدهرة وخاصة بيئة ثقافية غنية بالحوار العقلاني والتلاقح الفكري.

 

أنّ البيئة المنفتحة المشجّعة للحوار والتفاعل والتوافق والتسامح تفسح المجال نحو تعزيز خيار الديمقراطية لدى كلّ الأطراف. وإذا اعتبرنا التدرج خيارا مجسدا للحذر المشروع و بناء المؤسسات السليمة، فسيكون إدماج التيارات السياسية مهما كانت خلفيتها الفكرية خير ضمان لسلامة المسار الديمقراطي و تجنب سيطرة طرف على طرف آخر و الهيمنة عليه و تطويعه.

وإنّ كانت الديمقراطية في المطلق لا تضمن الحكم الراشد ولا تبدو مضمونة النتائج فإن ذلك لا يبرر تعطيلها وعدم اعتمادها. فأكبر فضائل الديمقراطية أنها تفتح الطريق لخيارات عديدة ومشاريع تصحيحية ممّا يقلّص من تفاقم الصراع والإنزلاق إلى التغيير العنيف. و في ظلّ نظام ديمقراطي ينضج بطريقة طبيعية سيكون النجاح متوفرا للتعاطي مع الخلافات  وتضارب المصالح بين مكونات المجتمع وذلك بتشجيع التوافق (compromis) وتغليبه على التنافي.

 

لا مفر إذا من تغيير طريقة تفكيرنا وطريقة تخاطبنا وطريقة تعاملنا مع المشاكل السياسية والأمنية والدولية. وفي غياب إدماج عنصر الصراع في الحياة السياسية، وتأطيره عبر تعزيز قدرة الأحزاب على الحوار والتفاوض والتعبئة وقوة الاقتراح والمشاركة وتوسيع الخيارات أمامهما. في غياب هذا سيكون العنف جذّابا  للبعض. إذا قدر النظام أنّه من غير الممكن المجازفة بالإصلاح فإنّ هذا سيكون ربّما مؤشّرا بأن الإنتقال سيكون بطريقة غير سلمية.

 

مقومات الإصلاح السياسي

 

رد الأعتبار للروح الوطنية و للمواطنة

ليس المطلوب اليوم تزيين النظام السياسي بمؤسسات مفرغة من السلطات و انتخابات مفرغة من أي تنافس وتعددية مغشوشة. إذ لا مناص بعد كلّ ما ذكر من مواصلة مسيرة التنمية والتطوير والتغيير بإشراق الحريات. ولن يتمّ ذلك إلاّ بتسهيل دخول المواطن معترك الحياة العامة و الارتقاء به إلى مستوى المواطنة بما تحمله من حقوق و واجبات والتعبير عن رأيه والمشاركة الفاعلة في صياغة القرار و نقاشه في بيئة تنبض بالأمل ومطعمة بعقلانية خلاقة، ذلك أنّ الازدهار الاقتصادي وحده غير كاف للشعور بالانتماء للوطن.

 

لن نستطيع مواصلة مسيرة البلاد المزدهرة في ظلّ الأوضاع الراهنة بإرادة فردية مهما كان نبلها وخبرتها. لن تستطيع الدولة معالجة المشاكل ومواجهة التحديات ودرء المخاطر مع إبقاء المواطن في وضع سلبي فاقد الاهتمام بالشأن العام، منسحبا ومستقيلا كلّيا من الحياة العامة ونافرا من العمل الاجتماعي ومشكّكا في أيّ تجربة وفي مؤسسات الدولة ، و فاقدا الثقة  في المعارضة وفي الحكومة متّهما الجميع بشتّى التّهم ومكتفيا بعلاقته الزبونية ومتخلّيا عن مواطنته ومسؤوليّته.

 

من المؤسف أن تبقى الرياضة، على أهمّيتها، أهمّ محرّك شعبي للشعور بالانتماء للوطن. كيف نطلب من فرد مهمش، مذبذب الانتماء، وضعيف الإلمام بواقع البلاد المعقد، كيف نطلب منه :

–       أن ينتصر لبلاده

–       أن يدافع على المكتسبات

–       أن يلتزم بالحوار والتسامح

–       أن يتحمل تكلفة إصلاحات غير شعبية

–       أن يتفهّم موقف بلاده من قضايا دولية

–       أن يحافظ على البيئة

–       أن يطور سلوكه الحضاري

–        الخ

إنّ هذه المطالبة، في ظلّ تنامي واقع سياسي يتّسم بالزبونية والتبعيّة والولاء وغياب الرأي الحرّ وانتشار اللامبالاة، تبدو كصرخة في واد. يعلم القاصي و الداني أن العدد الضخم والمضخّم لمنخرطي الحزب الحاكم، ليس نتيجة قناعة بمبادئه وأفكاره السياسية كما كان الحال غداة الاستقلال، إنّما بقدرته على تحريك وتوفير موارد زبونية. فإذا فقد ذلك فإنه سيرى بسرعة قطاعات عديدة من المجتمع تخرج من سطوته وتتموقع في المطالبة والاحتجاج. إنّ تخلف الوضع السياسي يسهل بروز خدم وحشم مهمّتهم السياسية الوحيدة التكرار الملل لمكاسب التغيير ومعجزات العهد الجديد وتعداد الإنجازات. إنّ هذا يشوّه الصورة ويشوش على المجهود الإصلاحي، وينفر الناس وخاصة الشباب منهم ويهمّش النخبة النيّرة في الحزب الحاكم.

 

من مسؤولية الدولة والنخبة الحاكمة في هذه المرحلة بذل الجهد الكافي لتقديم المعلومات الصادقة والصحيحة مع استعمال الخطاب المناسب لا الدعاية السهلة. لا يجدي نفعا أن نخفي الحقائق ونغطي على المشاكل بتعلّة أنّها تحدّيات ونركّز فقط على المحاسن و الإيجابيات. كما لا يكفي أن نعزو كل مشاكلنا لعناصر خارجية (عولمة، بترول، …) ونتعلّل بالتهديد الأصولي لتأخير الإصلاحات ذات الطابع السياسي.

 

إنهاء هيمنة الحزب الحاكم و احتكار السلطة

يصعب أن نتقدم نحو الديمقراطية،  بحزب حاكم مهيمن ومتداخل مع أجهزة الدولة (خاصة على مستوى السلط الجهوية والمحلية) وبأحزاب تابعة كليا للدولة، ضعيفة و فاقدة للكفاءة والمصداقية وغير قادرة على تطوير فكر سياسي أو تأطير أو تعبئة الجماهير وغير منغرسة في المجتمع وعاجزة عن أية إضافة، و بمؤسسات شكلية صيغت في فترة تاريخية محددة لإدامة هيمنة الحزب الحاكم وتضخيم مؤسسة الرئاسة وتجريم المعارضة. ولن نستطيع أن نتقدم مع حزب حاكم يبرر هيمنته واحتكاره للحكم باعتباره يمثل كلّ التونسيين وكل الطبقات وكل القطاعات في تبسيط لطبيعة المجتمع وفي مغالطة لواقع البلاد الحالي.

 

ابتعد الحزب الحاكم عن القيم التحررية والتحديثية للحزب الدستوري عند نشأته. ولم يعد تلك المؤسسة المفعمة بالحيوية والتي حملت نخبها مشروعا تحرّريا تحديثيا قوامه تحرير الإنسان من كلّ المعوقات وخاصة الجهل والذلّ والحرمان والاستبداد.

لا يعني هذا أن الحلّ يكمن في إضعاف الحزب الحاكم أو إزاحته. بل في تعديل دوره وتحديد هويته،  والمصالح التي يمثلها. الحلّ يكمن ايضا في أن تتحرك الدولة بوضوح  ومن باب المصلحة العليا للوطن، بإعطاء فرص حقيقية للأحزاب المعارضة ومدّها بالقدرات والدعم وتسهيل عملها والتعريف بانشاطها في الإعلام وإبراز زعاماتها وإيصال آرائهم وتوفير المناخ السليم  للتواصل مع المواطنين.  وذلك عبر إجراءات عملية مثل توفير الموارد وفتح الفضاءات العامة، وإيصالها إلى المعلومة وكذلك عبرتحييد الأجهزة الأمنية والمسؤولين والسلط على المستوى الجهوي والمحلي و اعتبار المعارضة شريكا مدنيا محترما و مؤسسة من مؤسسات الدولة وجب حمايتها و المحافظة عليها. حياد الإدارة والسّلط المحلية والجهوية يعني أن تكون قادرة على التعاطي والتجاوب مع كلّ مكونات المجتمع التي هي بصدد العمل على تعزيز التنمية بالبلاد بمفهومها الشامل. لذلك فإنّ من أوكد المهام للانتقال الديمقراطي الإسراع بفصل أجهزة الدولة والإدارة عن الحزب الحاكم وتطوير إدارة محايدة عن الأحزاب واامصالح. إن لم نوفق في ذلك فسنجد مقاومة شرسة للإصلاح السياسي من قوى متنفذة قد ربطت مصالحها ببقاء الحال.

 

بناء شراكة سياسية

الأولوية  اليوم، تتمثل في تأسيس شراكة جديدة و العمل بقواعد جديدة مع الأحزاب السياسية والإعلام و المجتمع المدني كوسائط أساسية للوصول إلى الناس و إنهاء حالة الإحتكار القائمة تحت عنوان  » الحزب الحاكم مؤتمن على التغيير ». مسؤولية تغيير أوضاع البلاد نحو الأفضل هي مسؤولية كل الأطراف السياسية ذات المصداقية التي تمثل آراء وأفكارا وخيارات و تطلعات شعبية مختلفة. ولن يتمّ هذا إلا بإنهاء علاقات الولاء والتبعية العقيمة الناسفة للمصداقية واستبدالها بعلاقات جديدة بين الحكومة والأحزاب و المجتمع المدني قائمة على استقلالية الأطراف في الرأي والاحترام لكلّ الآراء والشراكة الجدية تحت مظلة الدولة.

 

 

 تأهيل الحياة السياسية

تواجه الدولة اليوم تحدي الإصلاح السياسي و سيحدد مدى النجاح فيه المسار المستقبلي الذي ستكون عليه البلاد. إما مسارا سالكا متدرجا أو مسارا تعصف به الأزمات و التهديدات من كلّ جانب في مشهد مكرر. يتمثل هذا التحدي في إرساء أسس متينة للمواطنة الحقيقية عبر تأهيل الحياة السياسية وبتحقيق تقدم كبير على مستوى تطوير الحريات المدنية وتوسيع قاعدة المشاركة ومبدأ المحاسبة.

 لقد وقع تأهيل كلّ شيء في البلاد، باستثناء الحياة السياسية. ووقع التخطيط لتنمية كل شيء إلا تنمية الحياة السياسية.  يتطلب تأهيل الأحزاب تقاسم مستوى الوعي مع الحكومة  بالتهديدات والتحديات، والتمسك بالجمهورية و قيمها ومبادئها، وتوفير بيئة تسهل العمل السياسي وتعطيه شرعية قوية ، حتى تكتسب الأحزاب مصداقية ومقدرة حتى تكون  حاملة لأفكار بديلة وسياسات مختلفة.

 

خيار إضعاف المعارضة و تهميشها و بناء آلة دعائية على أنقاضها يقلص من فرص بروز معارضة وطنية كفأة و مسؤولة و ديمقراطية. ذلك أنّ الإحتجاج الشعبي كالسيول إذا لم تجد مراقدها الطبيعية تفيض وتأخذ مسالك غير مؤطّرة وتكون هناك أضرار فادحة.

 

 

 

اتجاهات الإصلاح السياسي

 

 المشاركة السياسية

الجمهورية بعد 50 سنة بحاجة إلى حلم جديد  ومثالية جديدة وعقلانية جديدة و قيم أصيلة متجذرة في الواقع ومتفاعلة معه تحرر الإنسان من الخوف والتواكل والاستقالة ، وتفجّر طاقاته وتحسّن أداءه الاجتماعي. فكما كانت الجمهورية إبان الاستقلال فعالة وسخية في تحرير المجتمع من الدونية، فهي مطالبة اليوم بتحريره  من الاستبداد و التسلط  والتشنج الإيديولوجي. و لطالما كانت هذه الجمهورية حلما راود العديد من المصلحين من خيرة أبناء هذا البلد ولم تتوفر لهم فرصة لمعايشة تجسيد هذا الطموح الذي دفع البعض من أجله ثمنا باهظا.

 

 الجمهورية المنشودة في المستقبل بحاجة إلى كلّ أبنائها دون إقصاء، تجمعهم وتقدم لهم فرص حقيقية للعيش المشترك، وتوسع خياراتهم في المشاركة وتعزز شعورهم بالانتماء وتفجر طاقاتهم للإبداع والعمل بالمساهمة في القرارات التي تخصّهم وتقدّم لهم حلولا عملية لمشاكلهم، ولن يتمّ هذا إلا في ظلّ مؤسسات حكم تؤطر الاختلاف و تمنع الإقصاء و التهميش و تضمن فرص حقيقية للجميع .

إذا توصل الناس إلى إدراك أو قناعة أن الجمهورية والدولة حكر على فئة متنفذة، او مجموعة لا تهتمّ إلاّ بمصالحها المادية والاعتبارية وغير معنية بعلاج مشاكل الناس المستعجلة كالتداين المرهق  والبطالة، وتعليم الأبناء والصحة والسكن اللائق، فإن ذلك سيحبط العزائم وينشر الاستقالة والصمت والتقوقع وانتظار أوّل فرصة للتعبير الجماعي عن الغضب والاحتقان . وبذلك ينهار المجهود الوطني  الذي بذل لبناء اللحمة الوطنية والتضامن حول الحداثة والنموّ والمصير المشترك. ستوجد دوما أصوات قادرة على اختزال الأزمات المعقدة في تعبيرات بسيطة ووصفات سحرية وساذجة لتأليب الجماهير وجرّ المجتمع للإحتراب. كما إن استعمال رمزية دينية أو غيرها للتعبير عن طهارة موقف سياسي وشيطنة الخصم في ثنائية مقيتة، من شأنه  تأجيج العواطف وتغذية الخوف وإخراج الوضع من دائرة الصراع السياسي إلى التناحر.

 إن توافقا وطنيا حول التهديدات و المخاطر، وفسح المجال للمشاركة السياسية الحرة دون إقصاء، وفتح أفق للمستقبل مفعم بالأمل، سيخفّض بالضرورة من الإحتقان وننقذ الشباب المتحمس من الإحباط وقوارب الموت او الزجّ به في أتون حروب خاسرة.

 

الواقعية في الإصلاح

تطالب المعارضة بجمهورية ديمقراطية وبإصلاحات سياسية تختزلها في التنصيص في الدستور على توازن حقيقي بين السلطات  وتحديد ولاية رئيس الجمهورية بدورتين فقط وإقرار مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب وضمان استقلال القضاء وإرساء محكمة دستورية لمراقبة القوانين يحق للمواطنين التظلم لديها، وهي مطالب مشروعة، نتفق على أهميتها وحيويتها، ونختلف في سبل تحقيقها. اعتبارا للواقع الصعب والمعقّد في أبعاده الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية السالف شرحه.

 

يجب أن نفرق بين دمقرطة البلاد والديمقراطية. الدمقرطة مسار معقد لتحويل النظام السياسي التسلّطي إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقرّ. قد نتّفق على الأهداف العامة ولكن التكتيكات والخطى الواجب إتباعها للوصول إلى الأهداف يجب أن تأخذ  بعين الاعتبار خصوصية البلاد. فالناس إذ يرفضون القمع والأساليب التسلّطية، فإنهم لا يتطلعون بالضرورة  إلى نفس الأهداف، خاصة بعد نصف قرن من الزبونية و قرون من الإستبداد وثقافة اجتماعية تختلف فيها نسبة التحررالاجتماعي ( و العائلة مثال لذلك). التدرج يقتضي أننا لا ننطلق من صفحة بيضاء و كأننا نؤسس دولة جديدة، بل ينطلق من المكتسبات و الواقع الموروث و يطوره بما يمكننا من تجنّب النكسات والمطبات.

 

هناك تخوف مشروع من تبعات تسريع نسق تحرير الحياة السياسية. و هناك حاجة أكيدة إلى بناء الثقة وطمأنة كل الأطراف حول اتجاهات الإصلاح. ذلك أنّ تأهيل الحياة السياسية يتطلب الوقت الكافي لتجاوز تراكمات المرحلة السابقة ومعوقات البيئة السياسية. نتفهم التريث ولكن نفرق بين الحذر المشروع والمطلوب وبين الجمود والانغلاق السياسي المكرسين للاحتكار. فالحذر لا يبرر عدم الإقرار بحيوية الإصلاح والبدء فيه دون تردد  وتثبيت اتجاهاته.

 

و لا نجانب الحقيقة إن اعترفنا بأن سرعتنا بطيئة جدّا في المجال السياسي ومكبلة للطاقات ومعطلة لحركة التغيير، وعالم اليوم لا يعيش فيه الأقوى فقط بل الأسرع. و التاريخ مليئ بالعبر والنتائج الكارثية للأنظمة السياسية التي لا تتطور و لا تصلح نفسها في الوقت المناسب، ونظام البايات أقرب إلى الذهن من أي مثال خارجي. ولاكتساب هذا النسق الضامن للبقاء علينا تغيير سرعتنا بالتأقلم مع معطيات التحولات الكبرى التي تشهدها بلادنا.

نّ اعتبار التيارات السياسية ذات الخلفية الدينية تحت مسمى الإسلام السياسي، دون الإقرار بتنوعها ودون تمييز بين اتجاهاتها، تهديدا للأمن القومي و الديمقراطية، لم يعد مقنعا ولا يسهل التوافق والتقدم على طريق الإصلاح فقد برزت حدود هذا الخيار في القضاء على ما سمي بالإسلام السياسي ولم يمنع بروز العنف المسلح ذو الخلفية الدينية. إنّ تحديد موقف موحد من المخاطر الحقيقية التي تهدد أمن البلاد واستقرارها، لايتم إلا عبر حوار وطني يمهد لبناء الديمقراطية التوافقية.

 

إنّ التدرج جزء من الثقافة السياسية التونسية،التي اتسمت طوال العقود الخمسة بهذا المنهج سواء في سياسة المراحل للرئيس بورقيبة أو في تطبيق البرنامج الهيكلي أو في التوجه الليبرالي للاقتصاد والخروج من الاقتصاد الموجه أو في التجاوب مع الأوضاع الدولية أو في إدخال حزمة الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والمشروع التحديثي. وكان التدرج سمة أساسية في التحولات الحاسمة التي عرفتهاالبلاد . ولكن السمة الأخرى للثقافة التونسية هي الجرأة في الإصلاح مع احتساب  المخاطر وتدقيقه كما حصل في اقرار مجلة الاحوال الشخصية واصلاح التعليم . فبدون جرأة وجرعة من المخاطرة لا تتقدّم الأمور،  وبدون جرأة لم يكن تغيير السابع من نوفمبر ليحصل.

 

رفض  الديمقراطية المفروضة من الخارج

أخذت تونس حظها داخليا وخارجيا من برامج نشر الديمقراطية التي علا سهمها منذ ما يقارب العشرين سنة. نشطت أمريكا بقوة في نشر الديمقراطية في العالم ولكن صورتها ومصداقيتها تدهورت بشكل فضيع خاصة بعد الحرب العدوانية و الإستعمارية على العراق سنة 2003 . كما نشطت أوروبا أيضا وبقوة ولكن بطريقة أقل صدامية من الولايات المتحدة الأمريكية ومصداقيتها أفضل وأسلوبها أقل فظاظة ورعونة وتعجرف من أمريكا التي تسوق نفسها كمدافع للحرية في العالم مع سجلّ سيء من المتناقضات، وسجلّ من المساندة الفظّة لإسرائيل ولأنظمة استبدادية حتى في أوجّ الدعوة للحرية والديمقراطية.

 

أخذت الحكومة على عاتقها تطوير الحياة السياسية ، وتمتعت ببرامج دولية لتشجيع الديمقراطية (برامج مدرسية، تكوين، جمعيات، انتخابات تعدّدية، إلخ.). كانت النتائج إيجابية إذا أخذنا ظاهر الأمور وتعداد المنتوجات والبرامج (عدد الأحزاب التي وقع الترخيص لها، عدد الانتخابات التعددية التي أنجزت، وعدد الجمعيات (9000) وعدد البرامج التكوينية للأحزاب والجمعيات والمنظمات المهنية والإعلاميين والقضاة والبرلمانيين) وهي أرقام كبيرة. لكن بالنظر إلى النتائج النوعية، يبدو المشهد مختلفا تماما.  ويتساءل المرء بكل موضوعية إلى أيّ مدى ساهم كلّ هذا المجهود المحلي والدولي في تطوير وتغيير الحياة السياسية.  فما هو تأثير عدد الصحف والمجلات والمنشورات والإذاعات والتلفزات الخاصة (إذ وقع خصخصة القطاع بطريقة معينة لا تعزز استقلالية القطاع) في درجة استقلالية الصحافة والإعلام؟ وحتى حين يسمح للجرائد المستقلة بالعمل فإنه يمارس عليها ضغوطات شتى لتوجيه محتويات وممارسة الرقابة الذاتية. و ما هو تأثير عدد البرامج الحوارية و الملفات الإجتماعية في وسائل الإعلام الرسمية على حرية التعبير و تشجيع الحوار؟ وما هو تأثير عدد الجمعيات على قدرة المجتمع المدني في التأثير على السياسات وصياغة القرار؟ وما هو تأثير الانتخابات التعددية الشكلية في خلق منافسة سياسية حقيقة؟ حيث نجد في المقابل سعيا محموما لعرقلة المنافسة في شتى مراحل الانتخابات .

 

 إنّ هذه الإنجازات الشكلية والعددية لم تساهم إلاّ بشكل متواضع في تقليص الفجوة بين نفوذ الدولة ونفوذ المجتمع المدني والسياسي وبشكل أخص لم تغير في الهوة الساحقة التي تفصل بين سلطة الحكومة وسلطة المعارضة.

 

ومع ذلك ساهم كل هذا الوضع إلى جانب نضالات المجموعات السياسية و الحقوقية و الفكرية و الفنية الجريئة و الشجاعة و التي تعاقبت على مدى الخمسة عقود في تقليل عمق الفجوة بين الدولة والمجتمع ولكن الفارق ما زال شاسعا جدّا. إنّ  الخطر في إبقاء هذا الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع يخلق الظرف المناسب لاحتمال وجود ضغط خارجي وحتى تدخل دولي تحت غطاء « تشجيع الديمقراطية » بالإكراه الذي قد تتوفر له ظروفه ليصبح خيارا دوليا لتونس إذا لم تمتثل البلاد لمصالح القوى الكبرى ويكون التدخل عادة عن طريق مساندة  المجتمع المدني في وجه الحكومة. إن تصحيح هذا الخلل ليس فقط مدخلا ضروريا للانتقال الديمقراطي بل له أهمية إستراتيجية حيوية لأمن البلاد و مستقبلها.

 

لقد كانت الضغوط الدولية المحتشمة لاعتبارات إستراتيجية تواجه بتجميل المشهد الرسمي حتى يبدو قريبا من « ماركة » الديمقراطية الغربية. وعشنا فترات لم نود رؤيتها حيث كانت بلادنا تؤنب نفاقا لمزيد الإصلاح الديمقراطي من بعض القوى الكبرى في محاولة لإبتزاز مواقف دولية وخدمة لمصالح اقتصادية. وحين يقع إرضاؤها تعود تلك القوى للحديث عن ضرورة أخذ وضع البلاد بعين الاعتبار في لعبة مفضوحة مكشوفة تفقدها أيّ مصداقية في إعطاء دفع للإصلاح السياسي خاصة إنّ ديمقراطية الإكراه أخذت في عديد الأحيان شكل محاولة لقلب الأنظمة وبعيدا عن مسار الإصلاح السياسي. يجب رفض التدخل الأجنبي الذي يريد ظاهريا تقوية المجتمع في وجه الحكومة ولكنه يسعى في نفس الوقت لمزيد النفوذ والتأثير القوي على البلاد و سياستها. لا نريد ديمقراطية بالإكراه ولا بالاستعمار المباشر أو المقنع. نريدها خيارا وطنيا مشبعا بالوفاق والعقلانية .

 

الحوار الوطني مدخل للديمقراطية التوافقية

أمامنا اليوم فرص حقيقية، يجب التقدم نحوها، واستثمارها لبناء أوسع وفاق وطني حول جمهورية ثانية ومؤسساتها ومضمونها وقيمها واتجاهاتها في قطيعة ضرورية مع الزبونية و التبعية والسلبية وعدم التوازن.

مثل هذا الوفاق بتتطلب في بدايته وبالضرورة حوارا وطنيا معمقا وواسعا يرعاه رئيس الدولة بصفته رمز الدولة ويضمّ الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والتيارات السياسية والفكرية و مكونات المجتمع المدني والنخب دون إقصاء.

 

يتطلب نجاح هذه المبادرة شراكة حقيقية تضمن عدم الالتفاف عليها أو إفراغها من مضمونها وبعدها الوطني . ويشكل هذا الحوار في حدّ ذاته بداية انفراج سياسي ومنطلقا لتجاوز سلبيات الوضع الراهن، والعطالة السياسية، ومبادرة واقعية لإنضاج أفكار خلاقة تستمدّ قوتها من بعدها الوطني وتلازم الحقوق والواجبات واعتماد الاحترام المتبادل في التعاطي مع الخلافات.

هذا الحوار لا بد أن يتطرق لقواعد المشاركة السياسية التي تمرّ بالضرورة بتعريف المصلحة الوطنية، والأمن القومي، والهوية الوطنية ودور السلط ومفهوم التضامن الوطني والتحديات التي تواجهها البلاد والقيم التي تقوم عليها الجمهورية. ويصحح هذا الحوار المقولة الخاطئة في أنّ استقرار البلاد و أمنها هو مسؤولية الدولة فقط ولا دخل فيه للأحزاب والمجتمع المدني والأفراد.

 

هذا الحوار سيمكّننا من الوصول إلى فهم الجذور العميقة والأسباب الحقيقية وراء احتقان المعارضة وتجذرها، وامتعاض السلطة وتباطئها في الإصلاح، وغياب المشاركة، وفقدان الثقة والتواصل ومواطن التوتر وعوامل التشنّج والسلوك العدواني.

 

أجندة الحوار الوطني قد ينظر إليها من طرف البعض كحيلة الضعيف ومن ليست له قوة المواجهة ، أو كطريقة للالتفاف على المطالب المشروعة وإعادة إنتاج ولاء سياسي زبوني جديد أو كمناورة من طرف السلطة لامتصاص الغضب وتنفيس الاحتقان وسحب البساط من المعارضة. هذه التقديرات وإن اختلف تموقع أصحابها، فهي تشجّع التمشي المتصلب و المعطل ، وتتناسى أننا نطلب الحوار في صلب الوطن الواحد، بين أبناء الشعب الواحد داخل الدولة المجمعة وإن اختلفت أفكارنا وثقافاتنا ومقارباتنا السياسية. 

 

خاتمــــــــــــة

 

تدل عديد المؤشرات على توفر الظروف الملائمة للإنتقال الديمقراطي في تونس: دولة قوية، غياب صراع إثني أو طائفي، نموّ اقتصادي، نخبة مثقفة و منفتحة ، عقد اجتماعي، طبقة وسطى، قوى مساندة للديمقراطية …كلّ هذه المؤشرات تسهل تأهيل الحياة السياسية.

 

المشكل في تونس ليس في ضعف الدولة، ولكن في موازين القوى المختلة بين حكومة ممسكة بكل خيوط اللعبة السياسية وقادرة على القمع ، ومعارضة مشتّتة ، وغير قادرة على الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع التي  قد ترى فيها من يمثل مصالحها. ربما تستطيع الحكومة إطالة هذا الوضع إلى أن تبرز معارضة قوية تفرض التغيير. كما تستطيع الحكومة طوعيا وإراديا قلب هذه المعادلة لمصلحة البلاد، باختيار نهج الإصلاح، وهذا ما نعمل عليه.

 

خلال الثمانينات والتسعينات كانت أهمّ قضية واجهتها البلاد هي نسق اللّيبرالية الاقتصادية وانعكاساتها ونتائجها الاجتماعية في عالم تحول برمّته في هذا الاتجاه. ولقد مرّت البلاد خلال هذه الفترة بمناخات متقلّبة وموجات من الاحتجاج والتمرّد، وخاصة من الشرائح التي طلب منها تحمل العبئ الأكبر، أي الشغالين والطبقة الوسطى، مما كاد يعصف بالنظام وبالدولة.

 

أمّا أهمّ قضية تواجهها البلاد اليوم، إلى جانب تبعات التوجه الليبرالي في مراحله المتقدمة، فهي نسق الإصلاحات السياسية، بما يضمن بقاء النظام السياسي المؤطر لنتائج العولمة والانفتاح الاقتصادي وإدخال مزيد من التطوير في منظومة الحكم. وذلك بالقطع مع الزبونية وبناء شراكة بين أطراف سياسية مستقلة عن الدولة تتصارع فيما بينها داخل مؤسسات وبقواعد واضحة وعادلة على طريق الديمقراطية التوافقية.

 

تعتبر هذه المرحلة أخطر بكثير من المراحل السابقة، باعتبارها تمس طبيعة النظام السياسي وتؤدي بالضرورة إلى تقاسم النفوذ بين الأطراف السياسية وهي قضايا حساسة ومثيرة ولها علاقة كبيرة ومباشرة بالاستقرار والأمن القومي. على المعارضة  والسلطة استيعاب هذه المعطيات والتحلي بقدر كبير من المسؤولية وبعد النظر ، حتى تتمّ هذه المرحلة بسلام دون أن نضع البلاد في خطر. وهذه مسؤوليتنا جميعا.

  

 

********************************

للتفاعل مع هذا النص الإتصال على العنوان الإلكتروني:       republiquetunisie@yahoo.fr

 


 
من وحي الذكرى الـ50 لإعلان الجمهورية بتونس وفاء للجمهورية

معا من أجل جمهورية الغد

يوم 26 جويلية 2007 الحلقة الثانية 

 
بقلم جعفر الأكحل كاتب وباحث – تونس أحوال البلاد التونسية أواسط القرن التاسع عشر جدير بنا التذكير بما كانت عليه البلاد قبل الاحتلال أي في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر وهي فترة مريرة اشتدت فيه وطأة الظلم والتسلط بعد فشل ثورة بن غذاهم والقاء القبض عليه، وخاصة مناطق الساحل التونسي والقيروان وصفاقس حيث ارسل الباي حملات عسكرية لردع هذه الجهات وما عاناه التونسيّون في هذه الفترة معروف ولايحتاج الى اضافة. لقد كانت الوضعية الاجتماعية للقطر سيئة جدا على كل المستويات وساهمت كذلك عوامل طبيعية مثل الجفاف والقحط الناتجة عن انحباس الامطار في تدهور الحياة الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما وان الفلاحة هي ركن واساس الحياة الاقتصادية في البلاد. وكانت اغلب الثروات بأيدي الاجانب حتى قبل انتصاب الحماية ففي سنة 1860كانت توجد بالبلاد 40 الف من الاوروبيّين(فرنسيين وايطاليين ومالطيين و40 الف يهودي يسيطرون على التجارة الخارجية والذهب وسوق المال والصناعةوكانت المدن والقرى الداخلية محرومة من كل ضرورات الحياة الكريمة والعاصمة فقط كانت تمتاز بجلب الماء لسكانها من زغوان. وقد ذكر الشيخ محمد بيرم الخامس في كتابه « صفوة الاعتبار » ان الناس يشربون في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر الماء المالح وقد ترتب عليه بيع الماء بالمال « حتى يبلغ ثمن القلة لمقادير وافرة مع التعب في جلبه(1) ولذلك كانت الامراض متفشية خاصة بين الاطفال مثل الحمى والكوليرا والطاعون وهي امراض حصدت عشرات الالاف من اهل هذه البلاد على مر العصور. لقد كان الفقر المدقع وسياسة التجويع التي كانت تمارسها السلطة الحاكمة مما جعل الرجال « يرسلون نساءهم لالتقاط الخشب وعروق الاشجار (2) بل ويؤكد الشيخ محمد بيرم الخامس على حقيقة فضيعة لابد من التذكيـر بها وهي قوله »ان هذا الشعب يجد « الهندي » خير غذاء لانه يكثر في السنوات العجاف فصار بذلك اهم النبات النافع للفقراء (3) حيث انه غني بالماء ويتحمل الجفاف خلافا لكل النباتات (4) وهذا ما يفسر كثرة زراعته الى الان في تونس وخاصة في المناطق الريفية وفي الجنوب وهو من الاعلاف الهامة للابل بالخصوص في وقتنا الحاضر فضلا عن استعماله كسياج يحمي الحقل من المواشي والاغراب. ولقد ادى سوء الادارة والفساد الذي كان يمارسه مصطفى خزندار وبطانته(1817-1878) الى اغراق البلاد في الديون، وبذلك ازداد الخطر الاجنبي، فازداد السخط الشعبي، وكانت ثورة بن غذاهم كما ذكرنا وكان فشلها ثم فشل حكومة خير الدين وانهيار برنامجه الاصلاحي ثم تولى مصطفى بن اسماعيل التي فتحت في ايامه الابواب على مصراعيها لدخول الاستعمار الفرنسي الذي جثم على اديم هذه الارض وعلى رقاب اهلها على امتداد 75 سنة.   لقد كان هناك  من المصلحين من نبه الى خطورة الاستبداد والعمل الفردي ولكن تذهب اصواتهم ادراج الرياح. فهذا الشيخ محمد بيرم الخامس نبه الى مثل هذه الممارسات ودعا الى اصلاحات سياسية وكانت نتيجة هذه المواقف ان اصيب الرجل بامراض عصبية خطيرة ثم هاجر الى فرنسا للعلاج ثم استقر باهله بمصر وبها توفي. لم تكن بالبلاد اصلاحات دستورية او سياسية اذن وحتى القوانين التي صدرت اواخر القرن التاسع عشر فهي لم تعمر طويلا لانها كانت خاضعة للادارة الخارجية ولم تكن نابعة من ارادة شعبية « فعهد الامان » مثلا املته السياسة الخارجية الفرنسية والانجليزية المتاحلفة ضد السلطة المركزية التونسية بهدف اضعافها واخضاعها. حيث صدر عهد الامان من طرف امحمد باي (1855-1859). في الوقت الذي كان فيه الاسطول الفرنسي سنة 1857م/1274هـ راسيا بتونس(5).     وقد أردنا التذكير بهذه المراحل باختصار، للاشارة الى كل محاولات الاصلاح التي قام بها خير الدين وجماعته وما بذله رفاقه من جهد، ومن محاولات لنشر الوعي عن طريق جريدة الرائد(1860م) وبناء مدرسة الصادقية وتطوير مناهجالتعليم الزيتوني سنة1875م ولكن دون جدوى. والسبب هو ان المطلوب اصلاحه هو جوهر النظام وطبيعته السياسية وهذا  لم يتحقق الا بعد الاستقلال حيث كان على الشعب ان يخوض معركة الكفاح الوطني على مدى اجيال، حيث تطورت ايضا رؤى وافكار الاصلاح ووسائله شيئا فشيئا، من نخب تعلمت باوروبا وعرفت نواحي القوة واسس العمل المطلوب. (1) صفوة الاعتبار الجزء 2 ص 15 (2)نفس المصدرص 34 (3)نفس المصدرص 114 (4)نفس المصدرص 114 (5) صفوة الاعتبار الجزء 2 ص10  وكانت قيادة حركة الدستور الجديد بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة ورفاقه مدركة لثقل المسؤولية تجاه الوطن وتجاه الشعب الذي عانى طويلا، وصبر وتحمل وزر البايات ونظامهم ثم ظلم الاستعمار البغيض وقهره، وكانت هذه القيادة تدرك ان عليها واجب تجسيم كل الرؤى والافكار الاصلاحية المتعاقبة منذ اوائل اللقرن التاسع عشر وانجازها على ارض الواقع.وما ان تحقق الاستقلال، والغيت معاهدة الحماية يوم 20مارس 1956، تكونت اول حكومة وطنية تونسية برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة وفي 13 اوت 1956 أي بعد 4 اشهر و23 يوما صدرت مجلة الاحوال الشخصية هذا الاجراء الاصلاحي الحضاري الرائد والذي سبق حتى اعلان الجمهورية انما جاء ليضع حدا لمعاناة وظلم المراة واقرار حقوقها في التعليم والكرامة والعمل والحقوق السياسية وهي الحقوق الرائدة التي تنفرد بها الى اليوم بلادنا عن سائر بلدان العالم الثالث. وهو مكسب ما انفك يتعزز في العهد الجديد بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي، حيث صدرت عديد التشريعات لتفعيل حقوق المراة وتدعيم دورها في المجتمع. وبعد انتخابات المجلس التاسيسي بعد الاستقلال مباشرة عقد اول اجتماع له يوم 8افريل 1956 أي عشية 9 افريل في اشارة رمزية ليوم 9افريل 1938 حيث سقط تونسيون شهداء برصاص الاستعمار الهمجي، الغاشم، وهم ينادون  » برلمان تونسي  » هذا الحلم الذي تحقق… ومواصلة للعمل الاصلاحي وبعد اعلان مجلة الاحوال الشخصية، ثم تلاه الغاء نظام الاحباس وحل جمعية الاوقاف التي ترعى هذه الاحباس كما تم في نفس الاطار الغاءنظام العروش وبالتالي الدخول في ظل المجتمع المدني الذي يقوم على القانون والتشريع وضبط الحقوق والواجبات التي سيكفلها الدستور الذي انتخب المجلس التاسيسي من اجل اعداده وضبطه. وحرصا على تامين كل الظروف وتوفير كل متطلبات الدولة العصرية والمدنية تم ابطال كل مظاهر البدع والاشكال المخلة بالكرامة والتي تتنافى وطبيعة المجتمع الحديث والتي كانت تمارسها بعض الطرق الصوفية. فضلا عن اصلاح التعليم وتطوير مناهجه ونشره وتعميمه على كل ابناء الشعب في كامل انحاء البلاد، بعد ان كان التعليم عموديا أي خاصا بابناء الذوات من الاسر الكبيرة والمعروفة والمرتبطة بمصالح الدولة الحسينية، فاصبح التعليم حقا لكل ابناء الشعب. كل هذه الاصلاحات المتتالية لاول حكومة استقلالية في تاريخ تونس المستقلة بينما كان الباي الاخير محمد الامين قابعا في قصره بباردو يرقب الاحداث ولايقدر على وقف هذا التيار الاصلاحي الجارف، وكان غير مرتاح ويشعر بالقلق الشديد بل وتذكر عديد المصادر انه كان يتصل سرا ببعض الاوساط الفرنسية لطلب النجدة ومحولة الانقلاب على الحكومة الجديدة وفي يوم مشهود، يوم 25 جويلية 1957 اجتمع اعضاء المجلس القومي التاسيسي بقصر باردو في يوم مشهود وتاريخي واصدروا القرار الخطير التالي:  » ان اعضاء المجلس القومي التاسيسي المجتمعين بقصر باردو يوم 25 جويلية 1957، بمقتضى مالنا من نفوذ كامل مستمد من الشعب وتدعيما لاركان الدولة يعلنون باسـم الشعب بما يلي : 1- نلغي النظام الملكي الغاء تاما. 2- نعلن ان تونس جمهورية. 3- نكلف السيد الحبيب بورقيبة رئيس الحكومة بمهام رئاسة الدولة ونطلق عليه لقب « رئيس الجمهورية » ريثما يصدر الدستور وتجرى انخابات رئاسية حسبما سيضبطه القانون.


 

بمنــاسبة عيد الجمهورية .

 

الاستــاذ فيصــل الزمنـى

 

 

تـوطئــة :

لقد كـان بودى أن أنشر هـذا المقـال بمنـاسبة احتفـال بلادنـا بعيد الاستقلال فى 20 مـارس الا أن وفاة والدتى رحمهـا الله و الانشغـال و التأثر…  قد حـالا دون اتمـام و نشر المقـال فى موعده . لـذا فهو يـــــرد متأخرا بعض الشيئ و قد خيرت نشره بمناسبة عيد الجمهورية  لمـا فى اعتقادى  من علاقة عضوية بين النظـام الجمهوري  من جهة و ضمانات الحفاظ على الاستقلال  من جهة أخرى . لذا  فالرجـاء لـدى السادة القراء أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار . و لا يفوتنى أن أتوجه بالشكر الـى كل الذين حضـــروا الـى مدينة نـابل  أو اتصلوا بي من أجل المواساة و التعزية و لا سيمـا أولئك الذين حضروا موكب الدفن و معهم رمز الوطن المفدى ( علم البلاد ) محمول كمـا حمله أوفياء هـذه الارض فى كل وقت .

 

                                                                                      شكـــــــٍرا

 

المـداخلــة

 

تحصلت تونس على استقلالهـا و خرجت من تحت نير الاستعمـار الفرنسي منذ 1956 و كـان ذلك بفضل نضال أبنـائهـا الابطـال من  » فلاقة  »  و مواطنين أحرار و نقابيين مناضلين نسجوا أروع الملاحم فى تاريخ البلاد و أطردوا المستعمرالغاشم  من أجل أن يرحل من غير رجعـة .

 

كمـا اختار التونسيون النظـام الجمهوري ليكون الاطـار الذى يتم ممـارسة السيادة الوطنية من خلاله بمـا يتضمنه من مبـادئ عليا كمبدأ تفريق السلط … و اللجوء الى الاقتراع  لانتخاب ممثل ي الشعب … الـى جانب ارسـاء دعـائم دولة القانون و المؤسسـات … لكي ننتهى على أرض الواقع الـى مـا انتهى اليه المفكر مونتاسكيو نظريا عندمـا أكد أنه اذا كـان من طبيعة الاشيـاء أن يتعسف كل ذى سلطة فى استعمـالهـا .. فانه من ضرورة الاشياء أن توقف السلطة تعسف السلطة … حتى لا يستبد أحد و لا يفرط فى استعمـال السلطة .

 

ان تونس التى تحصلت على استقلالهـا 1956 قد  عرفت فى الفترة مـا بين 1957 و 1959 كيف تلتحق بالدول المتحررة و ترفع عنهـا استعمـارا من نوع أخر … و هو  » استعمـار »  البايات الذين تصرفوا فى البلاد تصرف المالك فى ملكه …  و لعل البلاد التونسية قد تميزت حتى عن بعض جيرانهـا الذين استقلوا عن الاستعمـار الفرنسي الا أنهم حـافظوا على النظـام الملكى و أكدوا سلطة الملك و بحثوا لهـا عن شرعية جديدة …

 

الا أن تونـــــس قد اختارت الخروج من مرحلة الاستعمـار فى نفس الوقت الذى ألغت فيه النظـام الملكي و احلال النظـام الجمهولري محله .

 

 

ان الانقلاب على الباي من قبل وزيـــره الحبيـــــب بورقيبـــة و اعلان الجمهورية و الغـاء النظـام الملكى يعتبر فى بلادنـا أول تخطيط رسمي لنهج الحداثة…,  فالجمهورية تعنى تفريق السلط و سيـــــادة الشعب … و الحكم الديمقراطــــى … و القضـاء بالعدل باسم الشعب … و عدة مبادئ و معـانى أخرى سامية … فاحت رائحتهـا و عبقت … عندمـا اختلطت بدمـاء الشهـــــداء الذين نادوا ببرلمـان تونسي … و بالحرية… و بعروبة تونس .

 

ليس هنـاك من شك أن الحزب الحر الدستورى القديم و من بعده الحزب الدستورى الجديد قد لعبا دورا هـاما فى السعي لتحرير البلاد و قد قـاد الحزب الدستورى نضـال لا يمكن لاحد انكـاره برغم بعض المأاخذ و التجاوزات التى حصلت فى حق رموز البلاد كموقفه من حركة محمد على الحـامى  و حركة الطـاهر الحداد الاصلاحية فى بدايتهـا … و حتى توجهـات ابن القصر الملكى المنصف بـاي …. و كـان من الطبيعى أن يشب خلاف على مواقع القيادة من بعد ذلك حتى داخل جدران هـذا الحزب نفسه …  الا

أنه من المؤسف و من العـار على تونس الفتيـة التى ضحى أبنـاؤهـا بدمـائهم من أجل أن ترفع رايتهـا عـاليا بين الدول … أن يقع حسم بعض الخلافات بالتصفية الجسدية و هو مـا حصل فى حق جل الزعمـاء  تقريبـا و كـان ذلك بأيادى كشف عن بعضهـا … فى حين بقي  البعض الاخر للمستقبل للكشف عليه و ان كـان الامر واضحـا …..

 

لم يخفى الرئيس السابق الحبيب بورقيبة مـا سجلته تونس بخصوص علاقاتهـا مع الدولة الفرنسية ,اذ أنه و فى الوقت الذى تحصلت تونس فيه على استقلالهـا فقد تحولت الدولة الفرنسية الاستعمـارية الى دولة صديقـة . و قد كـان ذلك فى اعتقادنـا ممكنـا لسببين اثنين  :

 

               ـ 1 ـ : يعود السبب الاول الى انتقال السلطة فى تونس الى مجموعة تبنت الحداثة و درست فى الغرب و تبنت جملة من القيم التقدمية منهـا تحـــرير المرأة … و توحيد تشريع الاحوال الشخصية بمـا جعل تونس تخطو خطوة و لو محتشمة نحو التقنين االلائيكى فى البلاد و اعتبار الدولة المستعمرة مثـال يحتذى به…. و لا يمكن أن ننسى  » الدروس  » التى كـانت تلقى أثنـاء خطابات الرئيس السابق الحبيب بورقيبــــة و هي التى تهدف الى دفع التونسييــــن الى العمل من أجل اللحاق بالغرب المتحضر و تقديم نقل المثـال الغربي على أنه الحل الامثل .

 

ان تولى المجموعة البورقيبية الحكم فى تونس قد ساعدته غلطة  » تكتيكية » فادحة قام بهـا فى رأينـا الزعيم صالح بن يوسف الذى انتحى منحى شرقي و رفع شعـار القومية العربية فى وقت صعب جدا كـانت فيه القوى الاستعمـارية تخشى أن تتحول موجة استقلال دول شمـال افريقيا الى توجه كـامل قد ينقلب على الاستعمـار و يعيد الى أرض الواقع مشروع الوحدة العربية و مقاومة أذيال الاستعمـار وهو يتهيئ لاتخــــاذ شكل جديـــد يتمثل فى تركيز الاستعمـار الثقافى و الاقتصادى و السيطرة على القرار السياسي و توجيهه داخل بلداننـا .

 

نقول غلطة صـالح بن يوسف ليس من الباب المبدئي و لكن التكتيك وقتهـا كـان يملي عليه ألا يتخذ موقف الالتحـام بدعـاة القومية العربية و هو الذى يطرح نفسه بديلا لبورقيبة . ان صـالح بن يوسف فى تقديرنـا قد  » أخاف  » الغرب و بالاساس فرنسا و هو مـا دفعهـا الـى القبول السريع ببورقيبة ثم الى غض الطرف عن تصفية صـالح بن يوسف بالطريقة التى تم الكشف عنهـا لاحقا.

 

 

                  ـ 2 ـ : أمـا السبب الثانى فهو يعود الى اعتبـار فرنسـا و نظرا للظروف العصيبة التى مرت بهـا فى العـالم و اعتبارا لحركة التاريخ … أن الموافقة على استقلال تونس أمرا ممكنـا و يجوز تداوله فى المنطق الفرنسي …

 

ان الاستقـــلال فى تونس لم يكن قد تم  على الشاكلة البسيطة التى يمكن أن تكــــون يومـا قد مرت بذهن  » فلاق  » حمل السلاح بالجبال قبل أن يتم تجميعه و تسليمه فى حملة تزعمهـا حزب الدستور … أو كمـا مر بذهأأأأن أحد الشبـان الذين استشهدوا يوم 09 أفريل …. و ذلك بأن يقع طرد الاستعمـار نهـائيا و تقوم

حكومة معادية له و تنتصب أمامه بشكل يتحداه و يواجهه . ان الاستقلال التونسي قد جـاء مصاحبا لجملة من الاتفاقيات و المصالح … التونسية الفرنسية… اذ أن بورقيبة قد أكد على تحول فرنسا الى دولة صديقة… تغير على صديقتهـا تونس… و لا تتحمل أن تراهـا تتضرر أو تتقلـــق… دون أن تدعمهــا … أو ترفع عنهـا   » الشر » .

 

كل ذلك جـاء فى وقت عرف العـالم فيه جملة من القيم و المبادئ الكبرى التى ترددت فى مقرات الامم المتحدة و ناضل من أجلهـا زعمـاء العالم مثل  » لوممبا  »  و  » غـاندى  » و  » عبد الناصر  » و »  تيتو »  … و غيرهم من القادة التاريخيين و من هـذه المبادئ : احترام السيادة الترابية للدول و حق الشعوب فى تقرير المصير و عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول .

 

ان هـذه المبادء  قد طبعـت نضالات شعوب العـالم الثالث التى تاقت للاستقلال من أجل تحقيق السيادة الوطنية بمفهوم ممـارسة الشعوب للسيادة كـاملة على الاراضى الوطنية داخل حدود دولية معترف بهـا على تراب وطنى لا يتدخل فيه احد .

 

 

لكننـا اليوم و من بعد واحد و خمسون عـام من الاستقلال … و نحن على أبواب نصف قرن من النظـام الجمهوري ….  فقد تغيرت بلادنـا و تغير العـالم من حولنـا فمفهوم السيادة الوطنية و سلطة الشعب على أرضه … لم يعد كمـا هو و مفهوم الحرمة الترابية ليس هو نفسه … و التدخل فى شؤون الغير صـار مباحـا … بل قل أن الدول الغظمى تعتبره واجبـا . فهل يمكن الحديث عن استقلال بالمفهوم الذى ألمعنـا اليه أعلاه؟ و هل يجوز أن نتحدث عن استقلال برغم مـا ألمعنـا اليه .؟ و هل يمكن للنظام الجمهوري أن يتولى حماية الاستقلال و توفير الاطـار السليم للممارسة الديمقراطية فى سنة 2007  ؟

 

لاجل كل هـذ ا سوف نحـاول أن نتعرض الى التغييرات العـالمية التى جدت على المفاهيم التى حفت بالاستقلال ثم الى المتغيرات التونسية قبل الانتهـاء الـى مطارحة امكانية الحديث عن  مفهوم الجديد للاستقلال  و الدور الذى يجب أن تلعبه الجمهورية ممستقبلا فى مرحلة حـاسمة و غير مسبوقة .

 

جرحان عميقان في جسد نصف قرن يمر على تأسيس الجمهورية التونسية

 
مرسل الكسيبي (*) ما أكثر الغشاشين في بلدي حين يقدمون المشهد السياسي التونسي بمناسبة قرب احتفال تونس بالذكرى الخمسين لاعلان الجمهورية في أجمل صورة بريقية !, وماأتعس العمل المعارض حين يتحول الى بكائية جماعية لاترى من تونس الا مشهدا قاتما ليس فيه الا مخيال السجان ! … خمسون سنة تمر على تأسيس الجمهورية التونسية مع حلول فجر الخامس والعشرين من تموز أو يوليو الجاري .., خمسون سنة تمر على المكاسب والنقائص والخروقات أيضا , وماأعظمها من خروقات حقوقية وسياسية حين تتنكر الدولة وأجهزتها الرسمية لحقوق المسجونين وأرصدتهم الفكرية والسياسية وتنزع عنهم في خيلاء وكبرياء « الغول الحداثي » صفة المساجين السياسيين ! لنسلم في انصاف أن للدولة ونموذجها التحديثي مكاسب نلمسها في ادارة حديثة ورثتها وطورتها بالبناء على أرصدة استعمارية وامبراطورية سابقة , بالنظر لما عاشته تونس من حقبة استعمارية فرنسية ,وحقبة سياسية وادارية سابقة عايشت فيها ازدهار كما مرض الدولة العثمانية … لنسلم أيضا بأن شعبا تعداده عشرة ملايين وبموروث حضاري وتاريخي حي لايقل عن خمسة الاف سنة من الحضارات المتتالية , لايمكن أن يكون أداؤه الاقتصادي والعمراني أقل من مستوى الدول المجاورة والمطلة على الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط , ومن ثمة فان معدل نسبة النمو التونسي المتراوح بين 5 وستة بالمائة منذ حوالي عشرية كاملة هو أقل مايمكن أن تقدمه تونس من نسب نماء بين دول جنوب البحر الأبيض المتوسط . ما تحقق لتونس وشعبها من نسب تمدرس عالية مقارنة بنظيراتها في بلاد المغرب العربي يعتبر أيضا في تقديرنا طبيعيا بالنظر الى تاريخ الجامع الأعظم – جامع الزيتونة – ومااضطلع به من أدوار تعليمية وتنويرية متقدمة في المنطقة العربية والافريقية وحتى في البلاد الأوروبية المتاخمة , وهو ماجعل من تونس حاضنة ثقافية وفكرية واسلامية أشعت على مدار قرون بأنوار أعظم الأديان وأمتن اللغات … ولعلنا بهذا المدخل الايجابي والجميل عن تونس الجمهورية لانريد أن نكون من شعراء البلاط الذين ينسبون كل انجاز عمراني أو رياضي أو اقتصادي أو معرفي …الى القيادة السياسية وهو ما يحولنا جميعا الى أرقام في مملكة الحاكمين ,أو يحول الحاكمين الى الهة فوق الكرسي والعرش وفوق مقام رب العالمين … وبالمقابل فاننا لانبخس الناس أشياءهم , واذا كان لحكومات وقيادات سياسية تداولت على حكم تونس منذ نصف قرن دورا بارزا في الحفاظ على هذه المكاسب أو تطويرها , فاننا لانجد حرجا في الاعتراف بذلك من باب أن للسياسيين دورا هاما في قيادة الممالك والأمصار نحو الأمن والاستقرار الذان هما من أعمدة التنمية وشروطها الأساسية , وعلى العكس من ذلك فقد تكون بعض القيادات السياسية في أمصار أخرى سببا في خراب البلدان وذهاب العمران وهو ماسنحاول ابرازه من خلال نصح قادة الجمهورية الثانية في تونس المحروسة عبر ترسيخ الحريات وتوطين الحقوق والتمكين للعدل والتقرب من ذوي الكفاءة والأمانة والانفتاح على كل قوى الخير في مجتمعنا الأهلي. وحتى لايكون كلامنا ترديدا لما تروجه أجهزة الاعلام الرسمي عن مكاسب الجمهورية في عيدها الخمسين في اسطوانة شبه « مشروخة » تعودنا على سماعها مع حلول كل عيد أو مناسبة وطنية , فاننا نود بهذه المناسبة تذكير أولي الأمر بملفين أساسيين نعتبرهما جرحا غائرا في جسد الجمهورية التونسية : 1- ملف المعتقلين السياسيين وتواصل موجات الاعتقال السياسي . 2- ملف المنفيين وتواصل موجات الهجرة السياسية والاقتصادية . وفي وضوح تام تحتاجه الجمهورية وقادتها الرسميون فان تونس اليوم في حاجة ماسة الى غلق ملف الاعتقال السياسي , عبر وضع حد نهائي لحملات الاعتقال العشوائي المبنية على مجرد الوشاية أوالاشتباه , وهو مايحمل رئيس الجمهورية ومن حوله من قادة سياسيين وأمنييين مسؤولية أخلاقية ووطنية وانسانية تجاه المئات من شباب تونس الذين وضعوا في المعتقلات نتاج حملات أمنية لايخفى علينا فيها دور الضغوطات الخارجية والداخلية ولاسيما بعد احداث الضاحية الجنوبية . وفي وضوح اخر لايقل عن وضوح الشمس فان الاغلاق الحازم والنهائي لملف معتقلي حركة النهضة , عبر فك أسرهم ومعالجة وضعهم الاجتماعي والأسري والمادي والصحي القاسي , هو من متوجبات القرار الشجاع في العيد الخمسين للجمهورية , حيث تنتظر تونس وشعبها اندمال هذا الجرح الغائر وتكفيف دموع الالاف من العوائل والأسر التي حرمت دفئ وعطف ووجود ومساندة المئات من أبرز أطر الجمهورية . قرار انساني وحكيم وشجاع لابد من اتخاذه من قبل رئيس الجمهورية التونسية السيد زين العابدين بن علي تجاه هؤلاء الذين دفعوا ضريبة الحرية مرتين , وهو ماسيعزز من موقعه سياسيا وشعبيا مع اخراج البلاد من طور الانغلاق السياسي وادخالها في حقبة الاصلاحات السياسية التي لابد أن تعرفها تونس بالتوازي مع مايفتخر به الخطاب الرسمي من منجزات تنموية . اخلاء السجون التونسية من المعارضين وأصحاب القناعات السياسية و فتح ملف المنفيين باتخاذ قرار رسمي شجاع يمهد لعودتهم ومساهمتهم الايجابية في الحياة الوطنية يعتبر صمام أمان لمكاسب الجمهورية وتحصينا لها من تيارات اليأس والغلو , والتطرف الذي تصنعه تراكمات الاحباط مع تداعيات مشهد دولي يتسم بكثير من التوتر على أطراف محاوره العربية والاسلامية . ملفان وطنيان وجرحان غائران في جسد الجمهورية التي ضحت من أجلها أجيال متعاقبة , ملفان لن يفتحهما الا اعلام صادق وجريء وسياسيون مخلصون وأكفاء , وهو مايعني أن معالجة الاثار المترتبة عنهما من أوكد الواجبات الوطنية التي لاينبغي لقادة الجمهورية التردد في النظر اليهما بعين المسؤولية والأمانة الأخلاقية والدستورية … نزيف الحريات السياسية تشهد عليه السجون والمنافي التي تأكل وتنهش أجساد التونسيين والتونسيات , ومعضلات اقتصادية واجتماعية لابد من معالجتها خارج اطار الأرقام والنسب التنموية التي لاتحدثنا عن العاطلين من أصحاب الشهائد العليا وعن عدد المفقودين مع قوارب الموت والهجرة السرية … هذه هديتنا للجمهورية النامية في عيدها التونسي الخمسين , فهل تشهد الأيام القادمة قرارا رئاسيا شجاعا يعيد الأضواء لجمهورية الحريات ؟, وهل تعرف تونس نهاية نفق طالما استنزف من جمالية صورة تاريخية ,حضارية وطبيعية؟ (*) رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 22 جويلية 2007)

الخيار الجمهوري وتجديد الوعي

 
د. عبد السلام المسدي أستاذ اللسانيات – جامعة تونس ليس عندي – وأنا أهُمّ بالكتابة عن الذكرى الخمسين لقيام الجمهورية في البلاد التونسية – معلومات جديدة حجبتها عني أو عن غيري ستائر النسيان، وأغلب ظني أن المؤرخين – وأنا لست منهم – قد انتهوا إلى استفراغ كل مدوّنات الأرشيف، فأماطوا الغطاء عن المحجوب والمتواري من البواعث والأسرار بما لا يدع على هامش المتن فضاءً متسعا من الاجتهاد الفردي. إنما الذي عندي هو بعض الأفكار تمتزج فيها الخواطر والتقديرات، وأستعين عليها بجمع القرائن مجتهدا في إنجاز قراءتي الخاصة لبعض نتوءاتها. فإن لم تظفر معي – أيها القارئ – بما يفتح لك سبيلا في الرؤية فلا أقل من أن نظفر معا بلحظة من لحظات تجديد الوعي، وفي هذا سنستوي جميعا : من عاش منا زمن الحدث ومن لم يعش، وقد تعلم – مثلما أعلم – أنه كلما ضاق فضاء الاجتهاد اتسعت بضيقه فضاءات التأويل. إن في مرور خمسين عاما على « الحدث » إيذانا بأن موكبه قد اجتاز – على نهر الزمن – مسافة ما بين المَرفإ الفضيّ والمَرفإ الذهبيّ، وإرهاصا يبشر بالاتجاه صوب مرافئ الضفة الماسيّة على مركب الأمواج الهادئة. وإذا كان همّ المؤرخ أن يدوّن المنجزات كي يُرسِل من خلالها حكمه المعياريّ على الحدث وعلى صانع الحدث فإن المثقف الذي لا يحترف التأْريخ بقدر ما يحترف تأويلَ التاريخ يَهمّه البحثُ في القيم وما يمتدّ منها بين حيثيّات الحدث سواءٌ في حوافزه التي هيّأته أو في غاياته التي تتعاقب من بعده. وأول ما يحضرني خاطرةٌ إن أكُنْ قد سُبقت إليها فأنا المقصّر إذ فاتني أن أطلع عليها عند من سبقني إليها، أما فحواها فيتلخص في أن تونس قد فارقت – بتجربتها في هذا المجال – شقيقاتها عند نقطة البدء، وعن هذه المفارقة سينجُم مسارٌ مغاير يتيح قراءةً مغايرة. لقد ارتبطت نشأة الجمهورية في كل أقطارنا العربية الأخرى بالخيار الثوريّ، فتخلقت فكرة النظام الجمهوريّ – بحد ذاتها – في المدّ الانقلابيّ، واقترنت ولادتُه بنزيف الدماء القانية، فكان صورةً عالية الرمز لمجازات الولادة القيصرية. كذا حصل في اليمن وفي العراق وفي ليبيا، بل كذا حصل في مصر إذا ما أحسنا مراجعة السياق الأصغر في ضوء السياق الأكبر. إن طبيعة هذه النشأة قد وَصَمت فكرة انبثاق الجمهورية بطابع الصّراع الدمويّ الذي يكون الملاذَ الأخيرَ لاستفحال اليأس، وبناءً على ذلك كان إعلان الجمهوريات ألصقَ بقانون رد الفعل منه بآليات تطور المجتمعات بحسب نواميس الحركة التاريخية. فلم يكن الخيار الجمهوريّ قيمة يُبحث عنها في ذاتها بقدر ما كان أداة لتحريك سكون التاريخ، لم يكن هو الشرعيّة المفقودة التي يُسعَى إليها وإنما كان مطية لإثبات فقدان الشرعيةَ في الأنظمة القائمة. أما لحظة ولادة الجمهورية في تونس فتكاد تتفرد بحيثيات نوعية لا تضاهيها في خصوصياتها لحظاتُ النشأة في التجارب العربية الأخرى. فلقد نرى في سياق التاريخ صُورًا متماهية بين الظرف التاريخيّ الذي عرفته تونس وما عرفته الأقطار الأخرى، ولكن يبقى يقينا أن التجربة العربية الوحيدة التي يمكن أن نقول عنها « إن الجمهورية قد كانت فيها قيمة وخيارا » هي تجربة تونس. إن جنين الجمهورية في البلاد التونسية – على نقيض جل المشاهد العربية – قد تخلّق في رحم الاستفتاء الذي احتكم فيه السياسيّ إلى الاختيار الشعبيّ عن طريق العملية الانتخابية، وعنها انبثق « المجلس القوميّ التأسيسيّ » فكانت مهمته صياغة نص الدستور الذي حدد نظام الحكم للبلاد وأصدر قراره طبقا للصلاحيّة المستمدة من إرادة الشعب ونصّه : « نحن، نوّابَ الأمة التونسية، أعضاءَ المجلس القوميّ التأسيسّ، بمقتضى ما لنا من نفوذ كامل مستمَدّ من الشعب، وتدعيما لأركان استقلال الدولة وسيادة الشعب، وسيرا في طريق النظام الديمقراطيّ الذي هو وجهة المجلس في تسطير الدستور، نتخذ باسم الشعب القرار التاليَ النافذ المفعول حالا : أولا – نلغي النظام الملكيّ إلغاءً تاما، ثانيا – نعلن أن تونس دولة جمهورية (…) أصدرناه في قصر المجلس « بباردو » يوم الخميس 26 ذي الحجة سنة 1376 وفي 25 جويلية 1957 على الساعة السادسة مساءً ». وبصرف النظر عن مدى أهمية تلك الخاطرة، وما قد تتيحه من قراءة للحدث تتأوّلُهُ وَفقا لما سَبقه وهيّأ له، ولِما لَحِقه فأعقبه، فإن البحث في فرادة التجربة التونسيّة لا صلة له بأيّ حميّة شوفينيّة لأن تفكيك مكونات الحدث بالمنهج المقارن تحمي الخطاب من تجاعيد النرجسيّة الجمعيّة، بل لا يمكن لأي عربيّ موغل في أعماق الوعي القوميّ إلا أن يتحلى بالإنصاف فيَشهدَ على ما نحن بصدد إجلائه. ويكفي – لتتويج تلك الخاطرة – أن نستنبط بعض ملامح النظم العربية طيلة عقود دولة الاستقلال التي بلغت الآن في عمرها نصف القرن، أو تزيد، متوسلين بالمناظرة بين ما كان هنا وما كان هناك. لقد رَسّخت تجربة انبعاث الجمهوريات العربية – انطلاقا من ردة الفعل الثورية وانطلاقا كذلك من سطوة الفكر الانقلابيّ الثأريّ – سلطة المؤسّسة العسكرية فانبعثت حامية للأنظمة السياسية المتعاقبة، ومن أغرب ما حصل وأعجبه أن الفكر العسكري انبرى – في مستوى الخطاب – ناطقا باسم الخيار الجمهوريّ، وهكذا قفزت الممارسة السياسية فوق « منطق » التاريخ إذ أمست ترتدي أقنعة النظام المدنيّ لتغطيَ به أزياء السلوك العسكريّ، وفي هذا الملمح الدقيق تفارق التجربة التونسيّة كل التجارب العربية التي انبثقت فيها الأنظمة الجمهورية بالولادة القيصرية. أفنقول إن للشعوب طبائعَ، وإن تلك الطبائع قد تتباين كليّة حتى بين أقطار الأمّة الواحدة ؟ أم نقول إن أقاليم المعمورة تطبع من يَعمرها بميزات وخصائصَ تباعد بينها وبين أبناء عمومتها القاطنين في أقاليمَ أخرى ؟ أم سيَجمُح بنا التأويل حتى نرى في الشعوب « جنات » تكوينية يتوارثها أبناءها توارثا جمعيّا ؟ ليس شيء من ذلك يَثبت بمنطق التحليل العلميّ الصارم، ولكنها قرائن وإرهاصات لا يهملها المتأولون للتاريخ، ولا الطارقون لأبواب علم العمران، وربما أيضا بعض المجتهدين الحاليّين في مجال الأنتروبولوجيا. منذ ستة قرون تحدث عبد الرحمان ابن خلدون عن طبائع الشعوب وربطها بمكونات عديدة منها المكوّن الجغرافيّ بما يعتريه من الخصائص المناخيّة. وفي العصر الحديث انكبّ العالم الجغرافيّ الموهوب جمال حمدان على دراسة « شخصيّة مصر »، فنكاد – مع هذا وذاك – نسلّم بأن الحديث عن خصائص الشعوب حقيقة علمية ساطعة. فإن نحن عدنا إلى سياقنا أفلا نرى في شعب تونس خصيصة ذاتية تُحايِث مكوناتِه فتجعله بطبعه أميلَ إلى السلم منه إلى العنف، وأقربَ إلى السلوك المدنيّ منه إلى الإيقاع العسكريّ، وأكثرَ التئاما مع الحكم الجمهوريّ منه مع أيّ حكم استبدادي ؟ ثمّ ألا نرى كيف يستأنف الشعب موعده مع التاريخ : حين آل الأمر بدولة الاستقلال الأولى إلى التداعي، وتكشفت تجاعيد الوهن بعد أن اعتورتها الأعراض والعلل، انبعثت دولة الاستقلال الثانية لإنقاذ المشروع الحضاريّ الذي راهن فيه الشعب على اجتياز مناظرة العصر لإدراك منزلة الحداثة من أوسع أبوابها، ولكن الأهم في ذلك – والذي يعنينا تخصيصا في هذا السياق – هو أن الجسر الواصل بين الدولة الأولى والدولة الثانية قد كان سلسا، وأن عبوره كان منسابا، ولم يخف على أحد أن الحكم الجمهوريّ في هذه البلاد قد قام على سنن وعلى أعراف لم تألفها دول العالم الثالث على مدى خمسة عقود، ولا يقوَى أحد مهما يكن حسَدُه أن يماريَ في أن تلك اللحظة كانت درسا قطعَ جذريا مع تراكمات مكينة ترسبت في كثير من الأقطار العربية تحديدا. إن الأرضية التشريعيّة التي تهيّأت كمنصّة تنطلق منها حركة الفعل التاريخيّ والتي تجسمت في « المجلس القوميّ التأسيسيّ » فأتاحت للشعب التونسيّ عبر نوّابه المنتخبين أن يعلن لحظة ولادة الخيار الجمهوريّ هي نفسها قد هيّأت الأرضيّة الدستورية التي أتاحت حماية ذلك الخيار من فوضى المآل لو تركت الأحداث على عواهنها تنفلت بلا حَكَمٍ وبلا معيار. أفتكون الخاطرة – سواءٌ صحّ انسجامها في ذاتها أو صحّ بعد تركيبها وتأوّلها – ضربا من الإسقاط التاريخي نفسّر فيه السابقَ باللاحِق بدل أن نفسر اللاحقَ بالسابق ؟ أم تراها لونا من ألوان الأدبيات في السياسة تحوّل الخطاب من مجراه العقلانيّ إلى مجاري الترسب الإيديولوجي فيتخالط فيه الذاتيّ بالجمعيّ، ويتوالج الانتماء الأصغر مع الانتماء الأكبر، فإذا هو بين نرجسيّة الفخر وعُقدة الاستعلاء ؟ إن انبعاث الوعي الجديد بالقيم التاريخية يستوجب إعادة قراءة لحظات النشأة في ضوء مقارنة أوسع مما فعلنا. فالأنظمة الجمهورية – من خلال نماذجها في بعض أقطار الوطن العربيّ – قد اقترنت في نشأتها بمعادلة خاصة تختلف عن المعادلة التي نشأت فيها الأنظمة الجمهورية في أوربا عامة ولا سيما في مهدها الأول، فرنسا. صحيح أن الجامع المشترك بين ضفة الغرب وضفة الشرق هو التخلص من نظام الحكم الوراثيّ الذي جسمته الملكيات على الوجه الأخصّ حتى تحولت عبر العقود والقرون إلى نظم استبداديّة ساحقة، فأصبحت الشعوب خادمة للأسرة المالكة بدل أن تكون أسَرُ الحكام هي الخادمة لشعوبها. ولكن الفارق العميق تَمَثل في أن الحركات الشعبية التي جسمت الثورة – في فرنسا على الملكية وحتى في روسيا على القياصرة – قد كانت شعوبا مستقلة، دار صراعها الوحيد بين قواعد الهرم المجتمعيّ وقممه. أما في الأقطار العربية – حيثما انبثق الحكم الجمهوريّ – فإن نشأته قد ارتبطت بمعادلة ثلاثية : فيها الشعب، وفيها نظام الحكم الوراثيّ، وفيما المستعمر المتنفذ، ذاك الذي توسّل – في أغب الأحيان – بأنظمة الحكم الملكيّة كي تفتح له مسالك بسط النفوذ الاستعماريّ، ثمّ استخدمها ذريعة يموّه بها في خطابه المزدوج بين المهمة الاستعمارية والتبشير بنشر الحضارة والمدنية، وهكذا أوغلت الملكيات في التستر على أكذوبة التاريخ الكبرى، وأسلمت رقابها إلى المستعمر المستبد مقابل إبقائها على عروشها، والذين كانوا – من بين الملوك – على وعي خاص بأمانة شعوبهم فسعوا إلى كسر أضلاع المثلث (شعب، ومستعمر، وملك) فتماهَوْا مع شعوبهم في صراع ثنائي مع المحتل لم يتوان الاستعمار في تأديبهم سواء بالعزل كما حصل في تونس مع محمّد المنصف باي (13 ماي 1943) أو بالنفي كما حصل مع سلطان المغرب محمّد ابن يوسف الملقب بمحمّد الخامس الذي رحل به الفرنسيّون إلى مدغشقر (1953 – 1955). إن ثلاثية المعادلة التاريخية هي التي سوّغت لأغلب التجارب العربية بأن تكون ولادة الحكم الجمهوريّ فيها عن طريق العملية القيصريّة بينما تميزت نشأة الجمهورية في البلاد التونسية بأن كانت ولادة بدون ألم. فإذا ما قلنا إن الحكم الجمهوريّ في تونس هو اختيار يحمل بين طياته قيمًا فليس ذلك من الأدبيات التي يبرّرها الانتشاء المرافق للبهجة الاحتفائية، ويكفي – إن كنا في حاجة إلى التأكيد – أن نعود إلى متن النصّ لنرى كيف توَظبَ. لقد اتخذ المجلس القوميّ التأسيسيّ بكل الشرعية التمثيلية قراره الذي أسلفناه آنفا، ثم عكف على إعداد دستور للبلاد، فانتهى من صياغته وأصدره بتاريخ 1 جوان 1959، ثمّ توالت التعديلات بموجب القوانين الدستورية في 1965 و 1967 و 1969 و1975 و 1976 و 1981 وفيه تغير اسم « مجلس الأمة » إلى « مجلس النواب » ثم 1988 و2002. إنه ليكفي أن نعيد قراءة « التوطئة » في ضوء خواطرنا التأملية هذه حتى نتبين بجلاءٍ مغزى المرجعية القيمية في الخيار الجمهوريّ، فقد تأسست ديباجة الدستور على فاتحة وجيزة لخصت الحيثيات التاريخية الحافة : « نحن ممثّلي الشعب التونسيّ المجتمعين في مجلس قومي تأسيسيّ، نعلن أن هذا الشعب الذي تخلص من السيطرة الأجنبيّة بفضل تكتله العتيد وكفاحه ضد الطغيان والاستثمار والتخلف، مصمّمٌ… » ولا يخفى ما في هذا التقويم من إبراز للبطولة الجماعية وهو ما يلغي كلّ نزوع إلى جعل الزعامة الفردية في مرتبة تعلو مرتبة جمهور الشعب، ومعلوم – في بدائه العقل الأولى – أن الشعب يظل شعبا سواءٌ تزعمته قيادة أو لم تتزعّمْه، أما الزعامة فلا معنى لها، ولا وجود، إلا إذا انضوى حولها الشعب. ثمّ تأتي « التوطئة » إلى ذكر ثلاث حيثيّات غائيّة هي تلك التي « صمّم » عليها الشعب، وجاءت في فقرات ثلاث، وهي متعلقة بلفظة « مصمّم » السالفة الذكر : – « على توثيق عرى الوحدة القومية والتمسك بالقيم الإنسانية المشاعة بين الشعوب التي تدين بكرامة الإنسان وبالعدالة والحرية وتعمل للسلم والتقدم والتعاون الدولي الحر، – وعلى تعلقه بتعاليم الإسلام وبوحدة المغرب الكبير وبانتمائه للأسرة العربية والتعاون مع الشعوب الإفريقية في بناء مصير أفضل وبالتضامن مع جميع الشعوب المناضلة من أجل الحرية والعدالة، – وعلى إقامة ديمقراطية أساسها سيادة الشعب وقوامها نظام سياسي مستقر يرتكز على قاعدة تفريق السلط »، وهكذا – كما نصت الفقرة الثالثة – يتضح أن الغايات الحضارية المرسومة هي التي تستوي مُثلاً مقصودة لذاتها، وعلى هذا الأساس يأتي اختيار نظام الحكم كالنتيجة الطبيعية للأسباب المخصوصة، وفعلا تأتي الديباجة مباشرة بعد ذلك إلى التنصيص على الذي من أجله اختير الحكم الجمهوريّ : « ونعلن أن النظام الجمهوري خير كفيل لحقوق الإنسان وإقرار المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ولتوفير أسباب الرفاهية بتنمية الاقتصاد واستخدام ثروة البلاد لفائدة الشعب وأنجع أداة لرعاية الأسرة وحق المواطنين في العمل والصحة والتعليم. وبعدئذ يغدو طبيعيا أن ينص الفصل الأول من الدستور (ضمن فقرة الأحكام العامة من الباب الأول) على أن : « تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها » إنّنا بعودتنا إلى متن النص نستنطقه إنما نروم تثبيت الخاطرة التي جعلناها تحت مظلة تجديد الوعي بأن النظام الجمهوري، في تونس تحديدا، له حيثيات تاريخية لا تتطابق بالضرورة مع الحيثيات التي عرفتها تجارب الآخرين، وأهم فارق يكمن في مرجعية القيم، فمعلوم أن النخبة التونسية التي ناضلت في سبيل استرداد الحرية، فتصدت لضراوة المستعمر، قد كانت أمام معادلة دقيقة جدا: كانت تؤمن بسموّ القيم الإنسانية العامة التي عليها أنجز الغربُ نهضته الحديثة بعد أن استوعب بالهضم والتمثل المنجزَ الإنسانيَّ في مناهله اليونانية ثمّ العربية الإسلاميّة، وكانت في نفس الوقت تؤمن أن الحركة الاستعمارية نشازٌ فظيع انحرف فيه الغربُ الأوربيّ عن مدار شموس الأنوار، وبناءً على ذلك كله اجتهدت النخبة السياسية في اقتلاع حق شعبها في الحرية، وما أن أرغمت المستعمر على ترك البلاد لأهلها حتى اتخذت من القيم الإنسانية العامة المرجعيّة الأولى لتأسيس دولة الاستقلال، وكان في مقدمة ذلك تركيزُ نمط الحكم الذي يستجيب لمهجة الشعب ويؤسس له سلامةَ الحياة الديمقراطية كما نصت على ذلك ألفاظ المتن. ولكنّ منطق إحياء الوعي لابتعاث القراءة التأويلية الأصدق يقودنا إلى القول بأن رهانات التحديث التي انطلقت من نص الدستور ما كان يمكن لها أن ترسّخ قيمها في الفعل التاريخي لولا أنها وجدت شعبا آمن بها فانصاع إلى اقتضاءاتها، ولا يلزم في الاستدلال على ذلك إلا مثالٌ واحد هو الاستجابة المطلقة لخيار تعميم التعليم. وهذا أيضا من رقائق الأفكار التي تغيب عن الوعي الشائع فتستوجب – هي بحد ذاتها – ابتعاث وعي جديد. كلُّنا يعلم، من التاريخ أو من الحاضر، أزمة قياداتٍ حاولت أن تدفع بقطار شعوبها على سكة التحديث فلم تنصَعْ لها جماهيرُها، وتلكأت عجلات القطار عن الدوران حتى صدئت وصَدِئت معها أذرعُ السكك. وفي روائع الأدب العالمي سبق للشاعر والمسرحي المارتينيكي إيمي سيزير Aimé Césaire الذي احترف السياسة طويلا أن صوّر مأساة الزعيم حين لا يستجيب له شعبه في الانطلاق نحو التقدم الحضاري، وهو ما أجلته مسرحيته « مأساة الملك كريستوف » (1964). لقد اندفع شعب تونس في مغامرة التحديث مبكرا جدّا، وسابَق في ذلك سائرَ الشعوب العربية بلا استثناء، وكان الحكم الجمهوري مقودا لتفعيل المؤسسات وإلهام المجتمع أنفاسَ المدنية، وكان من أولويات القيم الجمهورية تحديدُ وظيفة الجيش بحماية البلاد من أي خطر محتمل، فلم تُتَحَْ للمؤسسة العسكرية الأطماعُ التي فتحت لها في كل الأقطار العربية الأخرى حيثما كانت جمهورياتٌ متولدةٌ من أرحام مجالس الثورة، وكان من أولوياتها أن وظيفة المؤسسة الدينية الاجتهادُ في شؤون الناس الروحية بحيث تُيسّرُ لهم الانسجامَ بين الإيمان والعبادة دون أن تُمَدَِّد صلاحياتها إلى شؤونهم السياسية. ولكن ما الذي آل بمشروع التحديث مع دولة الاستقلال الأولى إلى مآزق التاريخ ؟ ليس لي من جوابين، إنما هو واحد، وعبارته جلية واضحة: أن الممارسة السياسية قد جرّأت صاحبَ القرار على ميثاق الحكم الجمهوري في إحدى ركيزتيه الأساسيتين اللتين بفضلهما كان نقيضا للحكم الملكي: دوام الحكم بدوام الحياة وتوارث الحكم على أساس الانتماء السلالي. هكذا كانت القاعدة في الملوكيات، وهكذا بإلغائهما انعتق الحكم من سطوة الاستبداد. ولكن تجربة الحكم آلت إلى انتقاض صاحب الأمر على الدعامة الأولى، فتم تغيير الدستور بتاريخ (18 مارس 1975) مبتعثا من عَدَمها قاعدة دوام الحكم بدوام الحياة، أما عملية « الإخراج » فقد توظبت انطلاقا من مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري (المؤتمر التاسع – مؤتمر الوضوح – المنستير – 12 سبتمبر 1974). صحيح أن البلاد عرفت في تلك الفترة مصاعبَ كأداءَ أقحمتها سريعا في مآزق مُضْنية، ولكن شيئا من ذلك لا يبرر إطلاقا الانتقاض على روح الخيار الجمهوريّ، ولا النيلَ من نُسغه الروحيّ، لأن البعد القيميّ – في هذه الاختيارات – كليّ لا يقبل التجزئة، ومَن قد يجادلُ في أن مأزق دولة الاستقلال الأولى مع التاريخ قد بدأ في لحظة اختراق الميثاق الجمهوري ؟ إن حلّ معضلة سياسية – مهما يكن حجمها أو عمقها أو إسقاطاتها – لا يمكن أبدا أن يكون بحفر ثغرة دستورية. لقد سبق للطاهر بلخوجة أن أصدر كتابا بعنوان « الحبيب بورقيبة : سيرة زعيم » مضيفا إلى العنوان الأساسي عنوانا فرعيا هو « شهادة على عصر » سعى فيه إلى إماطة اللثام عن جملة من الحيثيات التي حفت بذاك التعديل الدستوريّ، وكان أعظمها خطرا ما كان يمور في منطقة المغرب العربيّ من مجاذبات متصارعة، ولم يكن منزعه في « شهادته على العصر » أن يفسّر الأحداث فقط، وإنما كان يوحي بتبريرها، فلم يكن مقنعا على الوجه الذي يتصوّره، وفي الذاكرة أن توصية الحزب إبان « مؤتمر الوضوح » قد زعزعت قناعة كثير من الوطنيين الدستوريين ولاسيما في صفوف النخبة، فانكفأ بعضهم، وتلاشى حماس البعض الآخر، ولكن شرف الانتماء يقتضي اليوم أن ينجز كل فرد ملتزم نقدَهُ الذاتيّ في ما يخص ذاك الحدث، ولا سيما إذا كان محسوبا على النخبة المفكرة، ولا يضيرُ الاعتراف النقديّ أحدا. ولا أدل على تعذر التبرير – كما سعى إليه الطاهر بلخوجة – من أنه استهلّ الفصل الثامن من كتابه – وعنوانه « الجمهورية » – بالقول : إن « غياب الديمقراطية في تونس عرقل التنمية الشاملة خلال العقود الثلاثة، وقد أعاقها نظامُ الحزب الواحد وطغيان الفكر الواحد الذي ولّد سلطة مطلقة اضطرت إلى مواجهات في مختلف الميادين من أجل المحافظة على نفوذها. فما انفكت النزاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنخر الجمهورية وتنعكس على سير مؤسساتها الشرعية التي لم تقم بدورها كمنتدًى للأفكار ومتنفَّسٍ للمجتمع. ولم ينتصب مجلس الأمة ولم تقف المنظمات الاجتماعية والمهنية والمجتمع المدني كجسور واقية أمام المتاهات والانحرافات ». ولا شك أن نص « الميثاق الوطني » الذي وَقَّعت عليه الأحزابُ السياسية والمنظمات الاجتماعية والمهنية بتاريخ 7 نوفمبر 1988 قد أحكم الموضوعَ وأوجزه في أدق عبارة : « … مَا أن انتصر شعبُ تونس بتحقيق الاستقلال حتى أُعلنت الجمهورية وصدر دستورٌ ينص على أن السيادة للشعب يمارسها عبر الانتخاب الحر وأن نظام الدولة جمهوريٌّ يعتمد التفريق بين السلط ويضمن استقلالَ القضاء وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. غير أن نظام الحزب الواحد وتهميش المؤسساتٍ وشخْصََََنَةَ الحكم والانفراد بالسلطة كانت كلها ممارساتٍ مخالفة لدستور البلاد وسببا في عديد الأزمات ». إن استذكار منعرجات خمسين سنةً من النظام الجمهوري هو جزء من الاحتفاء، لا سيما إذا وضعناه تحت نجمة ابتعاث الوعي الجديد. ولأن الحكم الجمهوريّ – في تونس – قد كان خيارا متأسسا على قيمٍ مُثلَى فإن تلك القيم هي التي ردت الفعلَ على « التحريف » فانبثقتْ منها حركة « التصحيح » التي حلّت بها دولة الاستقلال الثانيةُ محلَّ دولة الاستقلال الأولى. ويبقى بعد هذا وذاك أن التاريخ ليس أحداثا تتعاقب، ولا هو جدلية آلية تتلاحق، وإنما « التاريخ عِبَرٌ » كما نص عليه ابن هذه الأرض الطيبة عبد الرحمان ابن خلدون . (المصدر: مجلة « أفكار أونلاين » (فكرية اليكترونية – تونس) العدد 25، جويلية – أوت 2007) الرابط: http://www.afkaronline.org/arabic/articles/mseddi.html

بمناسبة الذكرى الـ50 لإعلان الجمهورية: أي دور للمجتمع المدني في تدعيم مكاسب الجمهورية وصيانتها؟

 
تونس ـ الصباح: «دور المجتمع المدني في تدعيم مكاسب الجمهورية وصيانة مكاسبها» كان يوم أمس محور ندوة احتضنتها مدينة العلوم وأقيمت ببادرة من عدد من الجمعيات في إطار الاحتفال بالذكرى 50 لاعلان الجمهورية تخللت فعاليات الندوة عدة مداخلات قدمها ثلة من الجامعيين وهم الاستاذ شفيق سعيد الذي قدم مداخلة حول النظام الجمهوري والدستور والاستاذ صلاح الدين بوجاه الذي حاضر حول قيم الجمهورية في حين اهتمت مداخلة الدكتور مصطفى المصمودي بمساهمة المجتمع المدني في بناء جمهورية الغد وترسيخ قيم المواطنة في زمن العولمة. تحدث الاستاذ شفيق سعيد في محاضرته عن مسار تأسيس وتدعيم النظام الجمهوري وتساءل في البداية هل انطلقنا في تونس بالدستور أم الجمهورية؟ وذكر في هذا السياق أن فكرة تأسيس النظام الجمهوري لم تطرح منذ البداية لانها لم تكن من مطامح المصلحين ولم تكن ضمن مطالب الحركة الوطنية مثل البرلمان والدستور والحريات العامة ولم يكن هناك جدل فكري حول مسالة الجمهورية، بل إن المجلس الدستوري شرع في تأسيس نظام ملكي قبل أن تنقلب الامور وتنشأ كما عبر على ذلك المحاضر ثورة هادئة أفضت في الاخير إلى اختيار النظام الجمهوري وسقوط الملكية دون عوائق أو معارضة بل برضاء شعبي يثبت أن بذور النظام الجمهوري كانت موجودة منذ البداية في المرجعيات الفكرية والسياسية للمصلحين. وخلص المحاضر على اثر ذلك إلى طرح مسألة الدستور ومسار تركيز وتدعيم النظام الجمهوري وعرج في هذا السياق على التعديلات التي عرفها الدستور على غرار تعديلات سنوات 76 و88 و95 متوقفا بالاساس عند تعديل غرة جوان 2002 من منطلق أنه من أبرز التعديلات التي أفضت إلى مفهوم جمهورية الغد وإلى تركيز وتدعيم مقوماتها. جمهورية الغد من هذه المقومات التي جاء بها تعديل 2002 تأكيد إرادة الشعب من خلال اللجوء لاول مرة إلى الاستفتاء وتركيز الآليات المدعمة لارادة الشعب وكذلك من خلال إقرار مبدإ دولة القانون والمؤسسات ودولة القانون والتعددية وهي ركيزة أساسية من ركائز النظام الجمهوري…فأي دور للجمعيات في بناء جمهورية الغد وترسيخ قيم المواطنة؟ دور المجتمع المدني أرضية العمل المريحة التي كفلها الدستور والنظام الجمهوري للمجتمع المدني تفضي إلى هذا التساؤل المشروع الذي حاول الدكتور مصطفى المصمودي الاجابة عليه في مداخلته وأشار في هذا السياق إلى أن عبارة جمهورية الغد تمثل شعارا رائعا يرمز إلى مجموعة من الاهداف والقيم الجديدة وإلى تطلعات الشعب التونسي للمزيد من تطوير نظامه السياسي وتوسيع قاعدته التشريعية وتعزيز الحريات والحقوق الاساسية للمواطن وتشير إلى متطلبات العولمة وضرورة التوفيق بين الحضور الفاعل على الساحة الدولية وحماية السيادة الوطنية والارادة الوطنية في مواكبة الثورة الرقمية…الخ وأكد المحاضر أن المجتمع المدني مدعو في هذا الاطار إلى تجسيم مفهوم جمهورية الغد بكل أبعادها ومظاهرها.. تجدر الاشارة إلى أن الندوة الوطنية للمجتمع المدني بمناسبة الذكرى 50 لاعلان الجمهورية أفضت إلى إصدار لا ئحة تضمنت التأكيد على مسؤولة المجتمع المدنى في إعلاء قيم الجمهورية وإعتبارها قيما مفتوحة تشيع الحرية والاختلاف وتعلي من شأن الفرد في ظل دولة القانون والمؤسسات…وأكدت اللائحة على دور المجتمع المدني في تحصين المجتمع ضد مظاهر التطرف والانغلاق وتكريس مبدإ الحوار والتشاور وحق الاختلاف شريطة أن يكون هذا الاختلاف مبنيا على الوعي بالمصلحة الوطنية.إلى جانب ذلك أكدت لائحة المجتمع المدني على دور هذا الاخير في تدعيم المسار التحديثي للبلاد عبر ترسيخ القيم المدنية وإحداث الديناميكية المطلوبة صلب النسيج الجمعياتي…  منى اليحياوي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 22 جويلية 2007)

في الذكرى الخمسين لإعـلان الجمهورية

أي تونسي نريد؟

 
تحتفل بلادنا هذه الايام بالذكرى الخمسين لاعلان الجمهورية.. ولئن طغى حدث الاستقلال والاحتفال به على مرّ سنوات طوال على حدث إعلان الجمهورية وذكرى الاحتفال بها باعتباره يمثل ذكرى تخلص تونس من كلاكل الاستعمار الفرنسي الذي روت التراب دماء زكية لعشرات الآلاف من الشهداء لأجل دحره فإن إعلان الجمهورية في إعتقادي لا يقلّ قيمة عن إعلان الاستقلال بل جاء تتمة مكنّت لأول مرة ابناء هذا الوطن من أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم إثر اسقاطهم الدولة الحسينية وإلغائهم نظام البايات الذين جاؤوا بلادنا غزاة بإذن من الباب العالي أي السلطان العثماني. اذا جاء الاستقلال ليضع حدّا لقرون طويلة من الحكم الاجنبي المتتالي لبلادنا بدءا بحلول عليسة ـ التي وان جاءت كما أوردته الاسطورة فارة من بطش شقيقها «بيغماليون» لتبني أسس الحضارة القرطاجنية فإن ذات الاسطورة لم تخف النوايا الاحتيالية والاحتلالية المقنعة لعليسة التي اشترت من السكان الأصليين للبلاد مساحة جلد ثور لتقوم بقطعه فيما بعد الى سيور كما لم تخف ذات الاسطورة سذاجة السكان الأصليين وطبعهم المسالم فقبلوا عليسة ومعها أسس اولى الحضارات الغازية لبلادنا.. ـ  وانتهاء بالاستعمارين العثماني والفرنسي. ويبدو ان الاسطورة على قدمها لم تخطىء قراءة نفسية أهل هذا البلد الذي أصبح يسمى فيما بعد تونس.. فسكانه المتغذيه سلالتهم من سلالات عدة حلّت غازية او مستوطنة او لاجئة لم يكونوا بالجبناء ولا من الذين تنقصهم النضالية او من ضمن اولئك الذين يفضلون العيش تحت سلطة الآخرين بل كانوا يقاومون الغزاة ويدحرونهم الى حين يتوفر لهم التوازن المرجوّ فيتفاعلون مع الحضارة الوافدة ويؤثرون فيها لتطويعها الى حدّ استسمح فيه البعض لنفسه بأن يسمي بلادنا بـ «آكلة الحضارات» لأن شعبها يأخذ من تلك الحضارات لبّها بما تحويه من عمق وعظمة ويلفظ الباقي. وقد كتب أحد الادباء الفرنسيين الذين زاروا تونس سنة 1885 يصف التونسيين «بأنهم من أصل عربي اختلط بعنصر أجنبي، أغلب الظن بربري وربما يكون مطعّما شيئا ما «بالوندال» مضيفا ان «تاريخ تونس الطويل وحده الجدير بشرح طبيعة هؤلاء السكان» أما بيار دوماس فكتب سنة 1937 يقول ان التونسي «يبدو وكأنه جوهر الانسان في شمال افريقيا فهو أكثر تطوّرا وأكثر تعلّما، وهو أكثر قربا من حضارتنا الغربية وفي نفس الوقت يبدو أكثر رفضا لسيطرتنا مما يبيح القول ان تونس كانت ملتقى للافكار المتناقضة». كانت تلك ملامح التونسي كما صوّرها الاجانب على امتداد العصور ويمكن القول اليوم أن هذا الانسان عرف كيف ينحت لنفسه شخصية إرتوت من معين مختلف الحضارات لتنجح في اخذ زمام أمورها بيدها فيصبح الشعب التونسي صاحب السيادة التي يباشرها على ضوء ما جاء به دستور البلاد منذ غرة جوان 1959 وان ذات الانسان كسب بعد معركة التحرير معارك عدّة خاضها ضد الجهل والتخلّف والفقر والتطرّف.. وهو اليوم يحتفل بكل نخوة واعتزاز بالذكرى الخمسين لاعلان الجمهورية مختلفا تماما عن ذلك التونسي الذي أطلّ عليه مساء 25 جويلية 1957 رئيس المجلس القومي التأسيسي جلولي فارس بقرار المجلس إعلان الجمهورية.. ورغم ان حياة الشعوب لا تقاس بنصف قرن من الزمن فإن هذه المدّة على قصرها تعلّم منها الشعب التونسي الكثير وحقق فيها ما لم يحققه على امتداد القرون الماضية من نهضة وتطوّر وقد لعب ذاك المزيج الحضاري المتكوّن منه وذلك الاعتدال والتوازن دورا أساسيا في كل ذلك.. لهذا فإنه بالقدر الذي يجب فيه على التونسي ان يحافظ على النظام الجمهوري الذي هو ضمانة أساسية لاستقلال البلاد بقدر ما هو مطالب بالحفاظ على تلك الصورة التي نقلها عنه كل من زار تونس من الاجانب صورة الانسان الوسطي، المعتدل، الحازم، الكاد، الجاد المتطوّر، المتعلّم وغيرها من الصفات التي تعتبر ضامنه الوحيد للتآزر والتحابب ونبذ العنف والتطرّف وللحفاظ على ثقة الآخرين ومزيد حثهم على الانفتاح على محيطنا والاطمئنان للاستثمار فيه.. حافظ الغريبي (المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 23 جويلية 2007)
 
 

الاتحاد العام لطلبة تونس مسار التوحيد يقطع أشواطا هائلة

تونس- سفيان الشّورابي اجتمعت « اللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد » للاتحاد العام لطلبة تونس، خلال الأسبوع الفارط للنقاش حول السبل الكفيلة بمزيد تمتين لحمة مسار توحيد اتحاد الطلبة (المنظمة الطلابية الوحيدة بالبلاد) و القطع النهائي و التام لحالة الازدواجية في التمثيلية التي كانت سائدة خلال السنوات السابقة. و انبثق عن الاجتماع المذكور الذي ضم أعضاء عن المكتبيْن التنفيذييْن للشقيْن الذين كانا يتصارعان، و الذي شهد أثنائه التحاق تيار « الشباب العربي البعثي »، بيانا جاء فيه بالخصوص تجديد التزامهم « باللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد إطارا للإعداد للمؤتمر الموحد وحسم كل الخلافات ». و تنديدهم الشديد بـ »ما أصدرته الأقلية المنشقة عن الاتحاد »، التي قفزت على قانون المنظمة من جديد، و أعلنت، بشكل غير شرعي تحديد موعد مؤتمر في أواخر شهر أوت القادم. و كان أربع أعضاء عن المكتب التنفيذي لاتحاد الطلبة (من مجموع 13 عضوا)، أعلنوا في وقت سابق، عن دعوتهم لمؤتمر ينعقد خلال هذه الصائفة، في عملية وصفها البعض بتجاوز للاتفاقات المعلنة منذ فترة، من أجل توحيد المنظمة الطلابية، و رأب الصدع الذي ساهم ، بشكل أو بآخر، في تآكلها و انهيارها. في حين اعتبارها آخرون، هروبا إلى الأمام و « محاولة للسيطرة الحزبية على المنظمة »، على حد تعبير أمينها العام، السيد عز الدين زعتور. و من المنتظر أن تنظم اللجنة الوطنية من أجل مؤتمر موحد، ندوة نقابية في موفى شهر أوت القادم حول الإعداد للعودة الجامعية، و ندوة أخرى تكوينية لإطارات اتحاد الطلبة وتجمع طلابي. و بهذا، يمكن القول، بأن صفحة كبيرة من تاريخ الاتحاد العام لطلبة تونس بدأت تدخل التاريخ، على أمل الانكباب على معالجة الملفات الطلابية المتراكمة، و التي تحتاج إلى الكثير من الاهتمام. المصدر: أخبار مكتوب بتاريخ 23 جويلية 2007 http://news.maktoob.com/?q=node/659794  


 

هل نحن على أبواب حل لمشكلة الرابطة

 
محمد الحمروني عادت وضعية الرابطة التونسية لحقوق الإنسان لتطفو على السطح من جديد وتشغل بال الناشطين الحقوقيين والسياسيين على ضوء الاتّصالات الاخيرة لرئيس الرابطة مختار الطريفي مع منصر الرويسي رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان. وكثر الحديث عن التسوية القادمة وشروط إمكانها، وخاصة ما راج عن تمسك السلطة بتحقيق ثلاثة مطالب من اجل تسوية الملف بعد الرسالة التى وجهها الطريفي إلى رئيس الدولة طالبا منه التدخل لحل وضعية الرابطة وارتفاع الأصوات بالحديث عن قرب الحل. ويعد هذا حسب بعض الأطراف  مؤشّرا كاف لترسيخ القناعة بجدية السلطة في البحث عن مخرج للمأزق في مقابل رأي آخر، اعتبر متشددا، يرى أن السلطة تخاتل من اجل ربح الوقت وأنها ليست جادة في مسعاها.  فما حقيقة ما يروج عن شروط السلطة من اجل التوصل إلى الحل المنتظر؟ وهل أنهاّ طالبت حقا بـ »رأس الطريفي » ضمن هذه الشروط ؟ وماذا عن الورقة التي تنوي مجموعة من الرابطيين تقديمها للمناقشة؟ شروط السلطة بعد سلسلة اللقاءات الأخيرة راجت في الأوساط الرابطية أنّ السلطة طرحت رؤية للحل، وتتمثل في: –  ضرورة ان يوجد على راس الرابطة شخص مستقل لا يقع تحت تأثير أي تنظيم سياسي. – ان يتمتع الحزب الحاكم بتمثيلية معقولة داخل الهيئة المديرة. – ان تقع مراجعة عملية دمج الفروع التي قامت بها الرابطة خلال سنة 2003 بما يعيد للمتضررين من العملية من التجمعيين حقوقهم. غير أن عديد الأوساط الرابطية نفت هذا الخبر، وذهب السيد خميس الشماري الناشط الحقوقي المعروف إلى ان السلطة لم تقدم أي مقترح للخروج من الأزمة وبالتالي فهي لم تتعرض لمسألة رئاسة الرابطة ولا نسبة تمثيل التجمعيين في الهيئة المديرة ولا لإعادة النظر في مسالة الفروع. وأكد على أن كل ما يدور الآن في الساحة هو مجرد تكهنات ورؤى يغذيها في بعض الاحيان دس من قبل الأطراف التى لا تريد إلا أن تزيد في تعفين الوضع القائم. فما يدور لا يتعدى كونه أحاديث عن عمليات « بيع وشراء ومحاصصات، ولكن هذه الأشياء لا حقيقة لها والسلطة لم تقدم أي تصور للحل الى حد الان ». وفي نفس السياق اكد الطريفي ان السلطة لم تطرح مسألة الرئيس القادم للرابطة، وأضاف انه قدم للرويسي مطلبين أساسيين اعتبرهما أساسا لكل حل وهما رفع الحصار على المقر المركزي و الفروع والسماح بعقد المجلس الوطني القادم دون أن يتحصل إلى الآن على أي رد. كذلك اعتبر السيد محمد القوماني عضو الهيئة المديرة للرابطة ان السلطة لا يمكن ان تقدم مقترحا إلى الطريفي، وهو محاورها الرئيسي، يكون البند الأساس فيه تنحيته عن رئاسة الرابطة. وإذا ما استثنينا مسالة الرئاسة فان بقية شروط السلطة المتعلقة بتمثيلية الحزب الحاكم داخل الهيئة المديرة وقضية الفروع التي وقع دمجها، لا تمثل بالنسبة للرابطة عوائق حقيقية ، بغض النظر عن كون الحكم اشترطها فعلا أم لا.  وأكد الطريفي في هذا الإطار انه هو من اقترح بعث رسالة إلى رئيس الجمهورية يعبر له فيها عن استعداد الرابطة للبحث في كل القضايا العالقة على قاعدة رابطة مستقلة. ومن تلك القضايا نسبة تمثيل الحزب الحاكم في الهيئة المديرة، وما بات يعرف بإعادة الهيكلة. مبادرات بالجملة في هذا الإطار، وبحثا عن حلول ممكنة، نشطت المبادرات الفردية والجماعية لإعداد تصورات للحل وقدمت العديد من الورقات في هذا المجال. غير أن هذه الورقات لم تحض على ما يبدو بإجماع داخل الهيئة المديرة إلى حد الآن. ومن الورقات التي قدمت وينتظر أن تناقش خلال يوم دراسي في قادم الأيام  الورقة التي أعدتها مجموعة من الرابطيين منهم صلاح الدين الجوشي وصالح الزغيدي ومحمد القوماني وغيرهم. وتدعو الوثيقة إلى « اخذ المبادرة بتقديم حلول قابلة للتحقق ومراعاة الظروف الراهنة التى تمر بها البلاد »، والى « تنشيط الحوار داخل الهيئة المديرة وفي مختلف هياكل الرابطة ». وأرجعت الوثيقة التوتر بين السلطة والرابطة إلى خلاف جوهري ومزمن بين طرفين: رابطة تصر على القيام بوظائفها الأساسية في إطار الاستقلالية والمصداقية، وسلطة ترى نفسها مستهدفة من انشطة الطرف الأول. واعتبرت الوثيقة أن الأزمة الحالية طالت مقارنة مع الأزمات السابقة وان على الهيئة المديرة ان تبحث عن حلول للازمة التى تعيشها الرابطة لانها اصبحت تهدد وجودها. كما تحدثت عن شل نشاط الرابطة بسبب الهرسلة القضائية التى تعطل وظائفها، وعن تآكل الطاقات وتلاشي الحزام الداعم وانحسار القاعدة، في مقابل نجاح السلطة في حملة التشويش الإعلامي . ودعت إلى ضرورة  » اعتراف الهيئة المديرة بان صيغة الدمج التى اقترحتها وأنجزتها لم تحقق أهدافها على أحسن وجه ولم تحظ بالإجماع ». وقترحت الوثيقة أرضية للحل تقوم على استقلالية الرابطة ومراعاة التوازنات ورفض الاملاءات والاستعداد لتقديم تنازلات من اجل الوصول الى الحل. ومن تلك التنازلات قبول الهيئة المديرة بمبدإ مراجعة الهيكلة مقابل قبول المعترضين مبدأ استحالة التراجع الكلي عن هذا الامر، وفتح حوار دون شروط مسبقة والتوافق على التموقع الحقوقي للرابطة واتاحة الفرصة أمام إدارة حوار داخلي. غير ان المواقف من هذه الوثيقة بدت متباينة وإن أجمعت في مجملها على انها لا تعبر إلا عن رأي أصحابها وأنها لم تأت بجديد وهذه ما ذهب اليه رئيس الرابطة  الذي رأى أن الوثيقة لا تعبر إلا عن رأي من حررها وان هناك ورقة ستصدر قريبا تحوصل آراء الهيئة المديرة. فيما ذهب الشماري إلى اعتبار ما قدمته الورقة لا يخرج عن إطار الحلول التي توصلت إليها لجنة المصالحة، بما في ذلك اقتراح مبدأ مراجعة إعادة الهيكلة الذي قبلت به الهيئة المديرة. شرخ أم توافق وسط هذه الأجواء تحدثت بعض التقارير الصحفية عن وجود شرخ كبير بين أعضاء الهيئة المديرة يقوم على تباين عميق بين أنصار  » الحل مهما كان الثمن، ومن يصرون على ان لا يكون الحل على حساب الرابطة واستقلاليتها ». ويمكن حصر اتجاهات الرأي العام الرابطي، وإن باختزال إجرائي،  في رؤية تريد حلا مهما كان الثمن وكيفما كان، ورؤية تريد حلا مقبولا ينهي المشكلة ويحفظ للرابطة استقلاليتها وكرامتها، وثالثة لا ترى أي حل في الأفق وتعتبر انه لا توجد نية صادقة لدى السلطة لإيجاد حل لمشكل الرابطة وان كل ما يدور الآن من اتصالات وغيرها لا يخرج عن إطار المخاتلة. الشماري نفى أن تكون هناك مواقف متشكلة وواضحة لمجموعات داخل الرابطة، وانه ما لم يقم الحكم بخطوات واضحة باتجاه الحل فانه لا يمكن فتح الباب والحديث عن أي حوار. أما رئيس الرابطة فاعتبر ان هناك إجماعا لدى الهيئة على ضرورة التوصل إلى حل، نافيا بذلك وجود انقسام او شرخ داخل الهيئة المديرة بين من يدعون الى التوصل الى حل باي ثمن وتحت أي سقف، ومن يقال انهم متشددون لا يرون في الحراك الأخير الا مناورة من طرف السلطة. و يقر الطريفي في مقابل ذلك بان هناك آراء مختلفة،  وهو أمر اعتادت عليه الرابطة حسب رأيه. وخلف هذا التباين الظاهر على كل حال فان الإجماع حاصل داخل مختلف هياكل الرابطة على: – ضرورة التوصل إلى حل. – التعبير عن الاستعداد للنظر في كل القضايا موضوع الخلاف على قاعدة استقلالية الرابطة. ولكن هذا الإجماع على هذه المبادئ التي تبدو عامة قد يخفي خلافا في التفاصيل والشيطان كما يقال يكمن في التفاصيل. شدد السيد مختار الطريفي، رئيس الرابطة في حوار خص به « الموقف »، على أن السلطة لم تجر أي حديث عن الرئيس القادم، وانه هو الذي بادر بطلب اللقاء مع منصر الرويسي، اقترح خلاله ايصال رسالة الى رئيس الجمهورية يعبر له فيها عن استعداد الرابطة للبحث في كل القضايا العالقة. ومن تلك القضايا نسبة تمثيل الحزب الحاكم في الهيئة المديرة، على اعتبار « اننا لم نقص الحزب الحاكم، فإذا كانت هذه المسالة هي التي تعرقل المؤتمر فنحن لسنا ضد إيجاد حل لها ». اما بالنسبة للفروع وما بات يعرف بإعادة الهيكلة أكد الطريفي على أن هذه المسالة كانت تعلة للسلطة استعملتها لتجميد الرابطة ورغم ذلك عبرنا عن استعدادنا لإيجاد حلول لها. وقال الطريفي ان الرويسي عبر عن استعداده للمساعدة على إيجاد حل وانه سيعمل على ان يكون مسهلا للحوار دون أن تكون له صلاحيات التفاوض واخذ القرارات نيابة عن السلطة. وفي هذا الإطار أوضح رئيس الرابطة انه طلب من محاوره تحقيق جملة من المطالب اعتبرها ضرورية من اجل التقدم باتجاه أي حل مفترض. و هي رفع الحصار على المقرات، لان أي حل لا بد أن يصدر عن هياكل الرابطة، وتمكينها من عقد المجلس الوطني القادم في ظروف عادية حتى تتمكن هياكلها من نقاش الحلول المقترحة واتخاذ القرارت اللازمة. وبخصوص القضايا المرفوعة ضد الرابطة أكد الطريفى انه لا يمكن الوصول إلى أي حل إلاّ إذا أزيلت كل العوائق ومنها القضايا المنشورة أمام المحاكم. والحل لا يمكن ان يكون جزئيا والمطروح حسب رئيس الرابطة هي سلة من الحلول لكل القضايا. وبخصوص الورقة المقترحة للنقاش داخل الرابطة شدد الطريفي على أنها تعبر عن رأي من حررها وان هناك ورقة ستصدر قريبا تحوصل آراء الهيئة المديرة بهذا الخصوص. واعتبر أن هناك إجماعا لدى الهيئة على ضرورة التوصل إلى حل، نافيا وجود انقسام أو شرخ داخل الهيئة المديرة بين من يدعون إلى التوصل إلى حل بأي ثمن وتحت أي سقف ومن يقال أنهم متشددون لا يرون في الحراك الأخير إلا مناورة من طرف السلطة وبالتالي فهم يدعون إلى أن تكف الرابطة عن القيام بأي مساعي من جانبها طالما أن السلطة لم تقم بخطوات مماثلة. وبخصوص ما تسرب من معلومات عن كونه لم يستشر أعضاء الهيئة المديرة أو أيا من أنصار ومساندي الرابطة بخصوص الرسالة التي وجهها إلى رئيس الدولة، نفى أن يكون تصرف في هذا الأمر بطريقة فردية، وأكد أن كل الخطوات التي قام بها كانت بموافقة الهيئة المديرة من طلب اللقاء إلى الرسالة وغيرها. وعن سبب عدم نشر محتوى الرسالة وعدم عرضه على أعضاء الهيئة المديرة قال الطريفي أن هذه الرسالة ليست مفتوحة وبالتالي فهي ليست للنشر. وعن مستقبل هذا التمشي وما إذا كانت السلطة ستتجاوب مع الخطوات والمقترحات التى قامت بها الرابطة قال « الامتحان سيكون انعقاد المجس الوطني القادم، ومع ذلك فاني اشعر أن هناك أملا في الوصول إلى حل، فقد لاحظنا في الفترة الأخيرة تخفيضا للوجود الأمني حول المقر المركزي ..وعلى كل حال فنحن قمنا بما يجب علينا القيام به وننتظر في ردة فعل الطرف المقابل وما نرجوه حقيقة هو أن يقع التسريع في هذا المسار كي نخرج بنتيجة ».

إطلاق أول موقع تونسي مخصص لأحد كبار علماء الإسلام في بلد جامع الزيتونة المعمور   

افتتاح الموقع الرسمي للشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله

 
http://www.cheikhelif.net كلمــة الموقــع  منذ أكثر من سنة أصيبت مدينة القيروان بل البلاد التونسية و الأمة الإسلامية بصفة عامة بفقد علم من أعلامها الأفذاذ . علم شهد له القاصي و الداني بسعة علمه ودماثة أخلاقه .كان الشيخ عبد الرحمن خليف – رحمه الله – موسوعيا في دروسه بجامع عقبة بن نافع . إذ جمع رحمه الله بين علوم القرآن وعلوم الحديث و بين الفقه وأصوله وبين اللغة والآداب و بين العلوم الدنيوية و القدرة على الخطابة . كان عالما نحريرا و فقيها طَبِنا و كاتبا بارعا و خطيبا مصقعا و فصيحا مِدرَها و شاعرا مفلقا . باشر – قدس الله روحه – منذ أوائل السبعينات إثر إعادة افتتاح جامع عقبة , باشر الإملاء القرآنية والحديثية و ذلك كل ليلة بعيد صلاة المغرب و دون انقطاع إلا لعذر قاهر. و بعد الإملاء كان يقوم بإلقاء دروس علمية يستفيد منها كل الناس على اختلاف أفهامهم . تجد العامل البسيط بجانب المدرس والمحامي والطبيب و رجل الأعمال و التاجر..كانت دروسه تشدك إليه شدا حتى لا تكاد تشعر بمرور الوقت . كان ينتقل من تفسير آية إلى فائدة لغوية إلى قاعدة أصولية إلى طرفة لجلب الانتباه… و كان ذا ذاكرة حادة فكلما غاب أحد الحاضرين إلا و يشير إليه عند عودته ملمحا بيده : أين أنت ؟؟ كما أنه كان ذا قدرة على القراءة بين الأسطر : فعند قراءة الأسئلة التي يكتبها بعض الحاضرين في حصة يوم الخميس كان من خلال صيغة الكتابة و إلقاء السؤال يدرك قصد السائل . كما كانت له غضبات كثيرة عند انتهاك حرمات الله أو حرمات الجامع فلا يخاف في الله لومة لائم و مع ذلك كان شديد الحرص على إخماد كل شرارة فتنة يريد البعض إيقادها بين الشباب . كان محبوبا من الجميع حتى خصومه الذين كانوا يقدرونه حق قدره يرون فيه إنسانا فقيها عالما لا يتبوأ إلا صدارة المجالس. و لا شك أن هذا مصداق لما جاء في الحديث النبوي الذي رواه مسلم في صحيحه ( 4772 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  » إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ . » ولقد ترك شيخنا بصمة قلما تركها آخر في القرون الأخيرة في تاريخ جامع عقبة بن نافع . لقد كان مدرسة لوحده غذت و أنبتت أجيالا و أجيالا كالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها . ولله در من قال: لعمرك ما الرزية فقد مال *–* و لا فرس يموت ولا بعير و لكن الرزية فـقد حـر *–* يموت بموته خلق كـثير إنشاء هذا الموقع ليس فكرة جديدة .قبل خمس سنين التقينا بشيخنا الجليل وعرضنا عليه فكرة إنشاء موقع على الشبكة العنكبوتية. تحمس للمشروع الذي رأى فيه سبيلا حديثا لنشر العلم الشرعي و توجيه الشباب الذي تتخطفه الأفكار الدخيلة و تتقاذفه أمواج الإلحاد . وشرعنا عمليا في إنشاء الصفحات الأولى و الأساسية من الموقع . ولكن شاء الله أمرا آخر .إذ بدأ المرض ينهك جسد الشيخ فأصبح يتغيب عن الدروس الليلية ثم عن خطب الجمعة . وجُمد موضوع الموقع . و عند مرور سنة على وفاة الشيخ خامرتنا الفكرة من جديد بعد أن تمكنا من جمع كم هائل من آثار الشيخ (خطب و دروس و مقالات و شعر ..) فصممنا بعد التوكل على الله و بعد التشجيع من محبي شيخنا على بعث الموقع حتى يبقى صدقة جارية أخرى تضاف إلى ما تركه رحمه الله من صدقات جارية. يحتوي هذا الموقع على كل آثار الشيخ التي جمعناها و التي نسعى باستمرار للحصول عليها عسى أن تعم الفائدة في زمن ندر فيه العلماء الربانيون و كثر فيه الناعقون و لا حول ولا قوة إلا بالله . فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ  » إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا  » (البخاري – 98). يضم الموقع عدة أبواب : أبواب خاصة بإنتاج شيخنا الجليل رحمه الله و فيها : الخطب و الدروس و الفتاوى و المحاضرات. كما تحتوي على إنتاج الشيخ المخطوط من كتب ومقالات و شعر. و تشتمل أخيرا على نبذة من حياة الشيخ قدس الله روحه . وأبواب عامة وهي ما تتعلق بمدينة القيروان : صفحات من تاريخها و تعريف بعلمائها و أخبار المدينة و أخبار من دخلوا حديثا في الإسلام. كما تضم الأبواب العامة أبوابا للمتون العلمية والكتب القيمة التي لا غنى لطالب العلم عنها حتى يتسنى له الرجوع إليها لمزيد من البحث و العلم وذلك دون شديد عناء و كبير إجهاد بإذن الله تعالى . وفي الختام نرحب بآرائكم و اقتراحاتكم عن طريق مراسلتنا . فنحن منكم وإليكم . و لا شك أن أصعب الأمور مبادئها ولكن اتكالنا على الله وتعطش شبابنا إلى العلم النافع جعل هذا الموقع يبرز للوجود . والله نسأل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه . اللهم علمنا ما ينفعنا و زدنا علما. وصل اللهم وسلم في البدء والختام على حبيبنا محمد خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام. ترجمة الشيـــخ مولده ونسبه: هو العالم الفاضل الجليل الألمعي شمس عصره و زينة مصره الشيخ عبد الرحمن بن علي بن محمد العربي خليف القيرواني قدس الله ثراه و أكرم مثواه . ولد المغفور له – إن شاء الله تعالى – يوم 5 شعبان1335 الموافق للسابع و العشرين من ماي – آيار 1917 . كان والده فقيرا إذ كان يشتغل بنجارة المحاريث الخشبية . عرف بصدقه وأمانته و نصحه لمن يقصده. و كان محبا للقرآن وأهله لذلك حرص على إدخال ابنه عبدالرحمن إلى الكتاب رغم الموجة الرائجة آنذاك و التي ترى في المدارس مستقبلا واعدا . دخل الكتاب و حفظ القرآن كجُلِِ أترابه على الشيخ المؤدب عليََة بن غانم رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه .فكان له الأثر الكبير في تكوين الشيخ عبدالرحمن و الذي برز بتفوقه فأتم حفظ كتاب الله في ثلاث سنين أي سنة 1931. نشأته: التحق بالتعليم الزيتوني في جمادى الأولى 1350 – سبتمبر أيلول 1931 . ثم انتقل إلى تونس سنة 1934 و حصل على الشهادات التالية و كلها بتفوق: – شهادة الأهلية سنة 1355- 1936 . – شهادة التحصيل في القراءات السبع 1358 – جويلية 1939 – شهادة التحصيل في العلوم 1359- ديسمبر كانون أول 1940. – شهادة العالمية في فن القراءات 1360 – 1941 . – شهادة العالمية في العلوم بالقسم الأدبي 1363 – 1944 . مراحل دراسته: درس شيخنا رحمه الله على الأفاضل من المشايخ بكل من القيروان و تونس: فنذكر على سبيل المثال لا الحصر: – في القراءات : المشايخ الهادي بن محمود و محمد الباجي و حمودة بن يحيى . – في الفقه : المشايخ محمد بن عمر العلاني و محمود صدام ومحمد بوراس . – في البلاغة : الشيخ محمد الشاذلي النيفر . رحم الله الجميع و أجزل لهم المثوبة. شيوخه: شارك في مناظرة للتدريس بعد وفاة الشيخ عبد الملك بن فرحات وقبل فيها من بين 3 مرشحين وذلك سنة 1943. و بعدها شارك في مناظرة للتدريس من الطبقة الثانية في تونس سنة 1944 فقبل فيها وأقام بحمام الأنف ( ضواحي تونس الجنوبية ) وبقي فيها حتى سنة 1952 . عمله وبعض المحطات امتاز عام 1952 بوقوع حادث سير أليم على مشارف عين دراهم بالغرب التونسي حيث انقلبت سيارة تقل ستة أشخاص : الشيخ الأمجد قدية الذي توفي على عين المكان و الشيخ محمد بوشربية الذي توفي بعد أربعة أيام و الشيخ محمود قريبع و الشيخ الطيب الورتتاني و الأستاذ البشير جراد و الشيخ عبدالرحمن خليف الذي أصيب بكسر في عموده الفقري ألزمه الفراش أربعة أشهر . رحم الله الجميع برحمته الواسعة . وعاد الشيخ على إثر الحادث إلى القيروان و استقر بها للتدريس منذ أكتوبر تشرين أول 1952. و انطلقت مع سنة 1952 قراءة الحزبين القرآنيين اليومية إثر صلاة المغرب بجامع عقبة بن نافع و مازالت هذه الختمة الشهرية تقرأ إلى يومنا هذا , كما انطلقت إملاءات يشرف عليها خريجو الزيتونة من أمثال الشيخ صالح البحري حفظه الله ورعاه و الشيخ الطيب الورتتاني رحمه الله تعالى و شيخنا الفاضل عبدالرحمن رحمه الله و ذلك بالمساجد: الزيتونة , عقبة, المصلى. الحنفية وغيرها . وبعد حركة المديرين عين الشيخ عبدالرحمن على إدارة الفرع الزيتوني بالقيروان خلفا للشيخ يوسف بن عبدالعفو رحمه الله .. وذلك سنة 1956 . و كانت له المبادرة بإنشاء معهد للطلبة خارج الجامع الأعظم فكان الحي الزيتوني بالوسط (والمعروف الآن بمعهد ابن رشيق) و تم تكليف لجنتين لجمع التبرعات عن طريق مقتطعات ذات 100 و 500 مليم . اللجنة الأولى فيها الشيخين سالم الشعباني و علي بوحولة و اللجنة الثانية فيها السيدان خالد القهواجي و المختار الحولة . و في أكتوبر تشرين الأول 1960 تم عزله عن إدارة المعهد مع بقاءه به كأستاذ و لكن في 17 جانفي كانون الثاني حدثت واقعة ما أطلق عليها  » الله أكبر ما يمشيشي  » حيث عمدت السلطة آنذاك بعد إزاحته من إدارة المعهد إلى نفيه إلى حامة قابس بالجنوب التونسي لإبعاده عن النشاط الديني . مما أثار غضب القيروانيين الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم ذلك الإجراء . و على إثرها حوكم الشيخ مع العديد من المشايخ و من تلاميذ الشيخ بجامع عقبة . (المصدر: الموقع الرسمي للشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله، تصفح يوم 23 جويلية 2007) عنوان الموقع: http://www.cheikhelif.net

قناة المستقلة: نص الحلقة الأولى من برنامج « فضاء ديمقراطي »

 
يسر قناة المستقلة أن توفر للمهتمين نص الحلقة الأولى من برنامج « فضاء ديمقراطي » الذي قدمه الدكتور محمد الهاشمي الحامدي أمس الأحد. وللذين فاتتهم فرصة مشاهدة البرنامج، تنوه قناة المستقلة أنها ستعيد بث البرنامج في السادسة والنصف مساء بتوقيت غرينيتش،  الثامنة والنصف ليلا بتوقيت تونس، مساء الثلاثاء 24 جويلية. * * * مشاهدينا الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أرحب بكل مشاهدينا في البلدان العربية وفي كل أنحاء العالم، وأرحب بوجه خاص بمشاهدينا في تونس، في كل مدن تونس وقراها، إلى هذه الحلقة الأولى من برنامج « فضاء ديمقراطي ». برنامج فضاء ديمقراطي برنامج إخباري أسبوعي أقدم لكم فيه أهم أخبار تونس السياسية والإقتصادية وما يرد في السجالات الفكرية بين النخب التونسية، وهو يتمم البرامج الإخبارية الأخرى الكثيرة لقناة المستقلة والتي تهتم بأخبار بقية الدول العربية والعالم. مبدأ البرنامج هو الموضوعية والمهنية والنزاهة، وهدفه تقديم خدمة اخبارية محايدة وموثوقة للمشاهدين، شبيهة بما تقدمه وسائل الإعلام الغربية لمواطنيها، شبيهة خاصة بالروح وبالاسلوب المعتمد في البرامج الإخبارية لهيئة الإذاعة البريطانية، باعتبارها من أعرق المؤسسات الإعلامية الديمقراطية في العالم. مصادر البرنامج هي أساسا وبوجه خاص ما ينشر من أخبار ومقالات فكرية خلال الأسبوع في منابر الإعلام التونسية، وما ينشر أحيانا في منابر الإعلام العربية والدولية عن تونس أو بأقلام تونسية. كما تعلمون الأخبار كثيرة، والمقالات الفكرية للنخب التونسية أكثر. لذلك نحاول في كل حلقة الإشارة لأكبر عدد ممكن من الموضوعات الإخبارية والفكرية، ونأمل أن يسهم ذلك في ترويج ثقافة التعددية، والتسامح، والقبول بحق الإختلاف، ومبادئ حرية التفكير وحرية التعبير، وقيم حقوق الإنسان, ويتضمن البرنامج أيضا فقرات شعرية وموسيقية من حين لآخر، لأنه ليس نشرة أخبار بالمعنى الضيق للكلمة، ولكنه جولة في عالم الأخبار وفي قلب الحوارات والسجالات الفكرية التونسية. هذه هي فكرة البرنامج، وهذه هي صيغته، وأرحب بتعليقاتكم حول الفكرة والصيغة وكل ما يبث في البرنامج، وباقتراحاتكم، وبردودكم إذا وجدتم أن لديكم مبررا لاستخدام حق الرد. هذا الحق مكفول للجميع، والخطوة الأولى لممارسته هي الاتصال بنا كتابيا عبر الفاكس أو البريد الالكتروني، وسنؤمن ممارسة هذا الحق لصاحبه بسرعة وبيسر ودون أي تعقيدات. رقم الفاكس ورقم البريد الالكتروني موجودان دائما في الشريط الإخباري على الشاشة وفي موقع المستقلة في شبكة الانترنت. أجدد الترحيب بكم جميعا أيها المشاهدون الكرام، وفيما يلي عناوين الأخبار في هذه الحلقة: ـ الرئيس بن علي يؤكد خلال مجلس وزاري على ضرورة تحقيق أهداف البرنامج الرئاسي لتونس الغد  في الآجال المحددة. ـ نشاط حكومي مكثف: وزير الخارجية في ليبيا والكويت، ووزير الدفاع في الصين، ووزير الشؤون الدينية يلتقي نظيره الأردني. ـ الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي يعلن عن برنامج مكثف للإحتفال بعيد الجمهورية. ـ المجلس الوطني لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين يقرر عقد مؤتمر الحركة في النصف الأول من العام المقبل ويحدد شهر ديسمبر المقبل آخر أجل لإتمام تجديد هياكل الحركة. ـ عميد المحامين الأستاذ البشير الصيد يؤكد أنه لا عداوة بينه وبين السلطة ويؤكد أنه لم يتعرض لأية مضايقات أو تهجمات أثناء حملته الإنتخابية للفوز بعمادة المحامين. ـ أنباء عن قرب اكتمال أشغال تعبيد الطريق السريعة مساكن صفاقس، لتصبح جاهزة للإستخدام التجريبي في رمضان المقبل قبيل تدشينها رسميا في شهر نوفمبر. ـ صحيفة الصباح تنقل تصريحات للوزير الأول الأأسبق محمد مزالي ضمن ندوة خاصة نظمتها مؤسسة التميمي حول معارك بنزرت التي جرت في صائفة 1961. ـ استمرار التوتر داخل هياكل الإتحاد العام لطلبة تونس وصحيفة الشروق تقول ان هناك من المؤشرات ما يؤكد بصفة نهائية حدوث انقسام جديد داخل هياكل المنظمة. ـ مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يوقع على عريضة تطالب بإطلاق سراح المهندس عبد الكريم الهاروني الأمين العام السابق للإتحاد العام التونسي للطلبة. ـ على أبواب الذكرى الخمسين لعيد الجمهورية، معتمد سابق يوجه رسالة مفتوحة للرئيس بن علي. هذه أهم عناوين الحلقة الأولى من برنامج « فضاء ديمقراطي »، وفيه إذا سمح الوقت بعض الأخبار المهمة الأخرى، ولكننا نبدؤه برسالة غاضبة من شاب تونسي مهموم بقضية تشغيل أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل، بعد بث هذه القصيدة الجميلة، في مدح تونس، للشاعر العراقي الدكتور نبيل الجنابي. أعود إليكم بعد القصيدة مباشرة. +++ أهلا بكم من جديد، واليكم تفاصيل الأخبار التي عرضتها عليكم قبل قليل. يوم 17 جويلية الجاري أصدر فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في القيروان بيانا يعلن فيه تعاطفه وتضامنه مع عائشة العيساوي ، إجازة تصرف  ، جمال البرهومي ، إجازة عربية، مختار العيفاوي ، إجازة فلسفة، لطفي العيفاوي ، إجازة عربية ، الهادي العيفاوي ، إجازة فلسفة ،  زهرة السالمي ، إجازة تاريخ ، الصحبي السرحاني ، إجازة تاريخ. هؤلاء كلهم من أصحاب الشهائد المعطلين عن  العمل، توجهوا  إلى معتمدية بوحجلة ، طالبين مقابلة معتمد الجهة لشرح وضعيتهم في واقع البطالة لكنهم لم يقابلوا المعتمد وتم اخراجهم من المكان بالقوة. بعد صدور البيان بيوم، صدر هذا المقال في نشرة تونس نيوز اليومية الالكترونية بقلم السيد عبد الباسط الهمامي، وجاء فيه بالخصوص: أنني لأكتب لكم لسبب بسيط جدا اولا لاشكر السيد مسعود  الرمضاني الذي امضى عريضة الاحتجاج ولسبب اخر بسيط جدا أيها الإخوة..لان لا أحد سيكتب عنكم ولن تقرأو أبدا رسائل تنديد اخرى ؟؟!!!لأنكم يا سادة لن تلفتو أنظار معارضتنا الجميلة إليكم هم لا يتحدثون عنكم ولا يذكروكم إلا في الضرورة القصوى هم ياسادة حين يركل محامي تتهافت الاقلام وتتوالى التنديدات لأن المحامي فلان ركله عون امن أي نعم والله أما سيارة فلان فانها تستحق مقالات لما تعرضت له من عدوان تصوروا,,,,تقوم الدنيا ولا تقعد ,,,أما أنتم ايها المعطلون البسطاء أيها المسحوقون أيها المفلسون فلا أحد يحس ما تقاسونه من معاناة من ظلم ومن حيف ومن تعتيم إني أخاطبكم واخاطب كل زملائي المعطلين في المداشر وفي القرى البعيد ة في جدليان وتلابت و الشراردة والحامة ومارث وقابس والمكناسي وغار الدماء و منزل بوزيان وبئر علي بن خليفة وعقارب وبن قردان والمظيلة والرديف وسيدي علي بن عون و,,,و,,,صفاقس والكاف و,,,,إني اخاطبكم لأنني مثلكم اكتويت بنار البطالة القاتل وعلمت أن ماحك جلدك مثل ظفرك وأن معارضتنا لن تقدم شيئا لكم صدقوني هي معارضة لا تهتم كثيرا بالواقع المرير لالاف مؤلفة من المعطلين لشبان أشرفوا على سن الكهولة وهم يعيشون البطالة والفاقة والاحتياج معارضتنا لا تهتم بكم ولن تقراو ابدا مقالا يدين هذا الاعتداء فأنتم لستم ساق محامي ولا سيارة احد نجوم المعارضة لاتملكون مالا ولا تستطيعون حتى الدخول إلى محلات الأنترنات العمومية للعبير عن ظروفكم القاسية أنا أعلمها جيدا ادركها ,,,أما السادة معارضة الداخل والخارج على حد السواء باستثناءات قليلة جدا فهي لا تدرك حقا ظروفكم أو لعلها تتعلل بأولويات اي أولويات الله أعلم ؟؟؟ربما المساواة في ألأرث بين الجنسين ….؟؟؟تصوروا لقد أصبح بالكاشف أنها معارضتنا الفينو جدا اصبحت بورجوازية جدا في أطروحاتها فمن الحديث عن علاقتنا بايران إلى البحث عن حلول لمشكلة حماس وفتح  إلى الزيت والزيتون وربيع تونس وهنا افتح قوس لأخاطب السيد الهاشمي الحامدي بالقول ان يعرج ذات مرة للحديث عن إخوته واقاربه في الحوامد واولاد يوسف أصحاب الشهائد العليا والذين يعملون في السواني باجرة لا تتجاوز الخمس دنانير في اليوم الواحد !!!!هذا أن وجدو من يشغلهم !!وليكتب لنا بصدق كم من أقاربه عاطلا عن العمل وفي جيبه شهادة عليا أعتقد ان موضوع البطالة يمس كل عائلة تونسية وإنني أتحدى كل من قرا مقالي هذا ولم يتذكر أحدا من معارفه عاطلا عن العمل إذن رجاء خصصوا بعض الكلام على الأقل لهذا الموضوع حتى نصدق فعلا ان معارضتنا تحمس بمعاناة المواطن البسيط وإلا ما الفرق بينها وبين السلطة الحاكمة ؟؟ +++ ليس لي رد شخصي على الأخ عبد الباسط إلا اهتمامي بما كتب وبثي لمقالته في بداية هذا البرنامج. فأرجو أن يرضيه هذا الجواب. المعارضة التونسية بوسعها الرد على الأستاذ عبد الباسط، أما بالنسبة للحكومة التونسية فمن الواضح أن موضوع التشغيل على رأس أولوياتها. وكما ذكرت في عناوين الأخبار فقد خصص مجلس وزاري انعقد يوم الأربعاء بإشراف الرئيس زين العابدين بن علي للنظر في التقييم نصف المرحلي للبرنامج الرئاسي لتونس الغد 2004/2009 بالنسبة إلى المحاور الإقتصادية والمالية . واستعرض المجلس في هذا الإطار الأهداف والإجراءات التي أنجزت كليا أو التي بصدد الإنجاز بنسق عادي أو التي تستوجب نسقا أسرع والمتعلقة كلها بمجالات التشغيل والبحث والتجديد وإحداث المؤسسات ودفع التصدير وبناء إقتصاد المعرفة وتسريع النمو للإندماج في إقتصاد معولم وتطوير الجهاز المصرفي والمالي والتوجه نحو التحرير الكامل للدينار إضافة إلى المحور المتعلق بفلاحة حديثة ودخل أفضل للفلاح . وسجل المجلس التقدم المرضي في تجسيم الأهداف والإجراءات الواردة بالبرنامج الرئاسي في هذه المرحلة وبالنسبة إلى القطاعات المعنية حيث بلغت نسبة الإنجاز الكلي 23 بالمائة ونسبة الإنجاز بنسق جيد 71 بالمائة ونسبة انجاز ب 6 بالمائة بخصوص الأهداف والإجراءات التي تستوجب دفع نسق إنجازها. وأكد رئيس الدولة على استحثاث الجهود لتحقيق الأهداف المرسومة للبرنامج الرئاسي في الآجال المحددة . وسيتواصل عرض نتائج هذا التقييم نصف المرحلي بالنسبة الى بقية المحاور الأخرى في مجالس وزارية لاحقة. نبقى في الأخبار الحكومية وموضوع التشغيل حيث نقلت نشرة تونس نيوز أيضا عن جريدة الخليج الصادرة يوم 18 جويلية أن البرلمان التونسي أقر مشروعا استثماريا جديدا سيوفر 150 ألف فرصة عمل للتونسيين. جاء في الخبر: أقر المشرعون التونسيون مشروع قانون يمهد الطريق أمام أكبر تدفق استثماري إلى داخل البلاد في إطار صفقة مشروع عقاري فاخر شمالي العاصمة. وقال مسؤول إن شركة سما دبي ستقود المشروع الذي يشمل إقامة شقق سكنية ومكاتب ومراكز تجارية وفنادق على مساحة 837 هكتاراً بجوار بحيرة شمالي تونس العاصمة. وأضاف “تبنى البرلمان التونسي قانونا يتعلق بمشروع سما دبي وهو أكبر وأهم استثمار في تاريخ البلاد”. وقالت صحيفة تونسية ان صفقة دبي جارية وستوفر 150 ألف فرصة عمل للتونسيين. +++ في النشاط الحكومي زار السيد كمال مرجان وزير الدفاع التونسي الصين حاليا والتقى نظيره الصيني في بيكين الجنرال كاو غانغ شوان وبحث معه اوجه التعاون بين البلدين خاصة في الميدان العسكرى والسبل الكفيلة بمزيد تطويره وتنويع مجالاته. وزير الخارجية السيد عبد الوهاب عبد الله زار ليبيا محملا برسالة من الرئيس بن علي للزعيم الليبي، ثم زار الكويت للمشاركة في الإشراف على أعمال اللجنة التونسية الكويتية المشتركة والتقى أمير البلاد وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان ووزير الخارجية. وتشير التقارير أن الزيارة ناجحة وحققت أهدافها في تقوية العلاقات وتوثيقها، وتبديد أية غيوم محتملة في العلاقات التونسية الكويتية. وزير الشؤون الدينية التقى نظيره الأردني هذا الأسبوع، وبحسب ما نقلته نشرة تونس نيوز عن صحيفة الرأي الأردنية فقد اقرت اللجنة المشتركة الاردنية التونسية للتعاون في مجال الشؤون الدينية في اجتماعها الأول الذي عقد في مقر وزارة الشؤون الدينية التونسية في تونس عددا من التوصيات ابرزها تبادل المعلومات بشأن الاساليب المتبعة في كل من البلدين لمعالجة ظاهرة التطرف المتستر بالدين والانحراف عن سماحة الاسلام. +++ ننتقل الآن لأخبار حركة الديمقراطيين الإشتراكيين وتصريحات محمد مزالي وبقية الأخبار، وأقدمها لكم بعد هذه الأنغام المهداة لكم جميعا. +++ أهلا بكم من جديد. قالت جريدة الصباح في تقرير اخباري نشرته يوم 17 جويلية أن المجلس الوطني لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، قرر عقد مؤتمر الحزب خلال السداسية الاولى من العام المقبل(2008).. واتخذ هذا القرار بأغلبية مطلقة لاعضاء المجلس الذين حضروا أشغاله أول أمس بمقر الحركة، حيث لم يتحفظ عليه إلا شخصان اثنان فقط من مجموع المائة وأحد عشر عضوا حضروا أشغال المجلس. وكان موعد انعقاد مؤتمر حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، موضع خلاف كبير بين المجموعات التي تتشكل منها قيادة الحركة، خاصة بين مجموعة السيد محمد مواعدة، التي تصر على الذهاب إلى المؤتمر في موعده ووفقا لبنود النظام الداخلي، وهو الموقف وجد دعما كبيرا من كتلة السيد الطيب المحسني، فيما كانت مجموعة السيد إسماعيل بولحية، من دعاة ربط تحديد موعد انعقاد المؤتمر، بالانتهاء من عملية هيكلة الفروع والجامعات، وهو «الشرط» الذي يعتبره الشق الاول من باب الذرائع التي كانت تحاول سد الباب أمام انعقاد المؤتمر، أكثر منها حرصا على مسألة الهيكلة في حد ذاتها، على حد تعبير عديد المصادر في المكتب السياسي للحركة. وكاد هذا الخلاف بين الطرفين، أن يؤدي في وقت سابق إلى «شلل» تام للحركة التي يرى مراقبون أنها ضيعت الكثير من الوقت في جدل من هذا القبيل. وألمحت الصحيفة في تقريرها أن مجمل نتائج هذا المجلس تصب في صالح جناح السيد محمد مواعدة داخل حركة الديمقراطيين الإشتراكيين. +++ الصحفي التونسي المعروف الطاهر العبيدي المقيم بباريس، أجرى الاسبوع الماضي حوارا صحفيا مع الأستاذ البشير الصيد الذي انتخب قبل أيام عميدا للمحامين. طرح الطاهر العبيدي السؤال الآتي على الأستاذ الصيد: ما هي الظروف التي تمت فيها انتخابك لعمادة المحامين، وكيف استطعت أن تفوز وأنت المعارض المعروف، على رأس قطاع لطالما أزعج ويزعج السلطة، التي نزلت بكل ثقلها في هذه الانتخابات عبر الموالين لها، ولم تتمكن من الانتصار؟ وأقرأ عليكم الآن جواب الأستاذ البشير الصيد: أولا ليس هناك عداوة بيني وبين السلطة، ثانيا أن الجهات الرسمية قد رشّحت لعمادة المحامين البعض من أنصارها، وبواسطة عدد من المحامين المنتمين للحزب الحاكم، قامت لفائدة مرشحيها بحملة انتخابية قوية، غير أن للحقيقة لم أتعرض أثناء حملتي الانتخابية لأي مضايقات أو تهجمات، ومارست حملتي وبدعم من أنصاري بكل حرية، ولم تتدخل السلطة فينا، لقد كانت انتخابات توفرت فيها كل عناصر الحرية والديمقراطية، وكان صندوق المحامين حرا ونزيها وشفافا، وتمّت عمليات الانتخاب وفرز الأصوات، وانتخاب رئيس مكتب الأفراع وأعضاء المكاتب بكامل الحرية من المحامين والمحاميات، وبذلك تكون قد انتصرت الديمقراطية في قطاع المحامين. سأل الطاهر العبيدي العميد البشير الصيد عن أولوياته في المرحلة المقبلة، فأجاب: قضايا المحامين ومطالبهم متعددة وكثيرة، وأولوياتنا في التركيز على حلها، وفي مقدمة ذلك مطلب التأمين الصحي، إذ قطاع المحامين الوحيد المحروم من التغطية الاجتماعية، ثم مطلب توسيع مجال عمل المحامي، وتحسين أوضاعهم المادية، وتوفير الحصانة لهم، وتحقيق الإصلاحات المتعلقة بالمحامين المتمرنين، وسنطالب بإطلاق سراح زميلنا الأستاذ محمد عبو، وسنستعمل كل المساعي المتاحة في السعي لتحقيق مطالب المحامين عبر الحوار والتفاوض، لاعتقادنا بأنه السبيل الأفضل المؤدي للإصلاح المحاماة، ولذلك نؤكد على كل الدعايات التي تريد أن توجه لنا غايات سياسية، إذ لا هدف لنا إلا خدمة مهنة المحاماة والدفاع عن مصالح المحامين، ونتمنى من الجهات الرسمية أن تتفهم ذلك وتستجيب لمطالبنا، وقد وجّهت مذكرة إلى السيد وزير العدل بهذا الشان، طالبا فيها أن تفتح السلطة حوارا وتفاوضا مع هيئة المحامين، بهدف إصلاح أوضاع القطاع. ثم سأل الأستاذ الطاهر العبيدي: كيف تتوقعون شكل التعامل مستقبليا بينكم وبين السلطة؟ فأجابه: نتمنى أن تكون المعاملة معنا موضوعية وباحترام متبادل لتحقيق مطالب المحامي وأضاف الاستاذ الصيد. +++ ننتقل الآن لنشر تصريحات للوزير الأول الأسبق محمد مزالي في صحيفة محلية. هذا ما فعلته جريدة الصباح التونسية في عددها الصادر 15 جويلية لدى تغطيتها الندوة التي انعقدت بفضاء مؤسسة التميمي بالعاصمة حول معركة بنزرت 19 جويلية 1961 وما حف بها من ملابسات ونقاط استفهام في تونس وفرنسا وجدل سياسي حول مبرراتها السياسية والاعلامية. قالت الصحيفة: جاء في كلمة السيد محمد مزالي  ان كل الانتقادات التي وجهت الى الزعيمين بورقيبة وبن يوسف ينبغي ان تاخد بعين الاعتبارمعطيات تاريخية عديدة ..منها ان بن يوسف حاول تصفية بورقيبة. ونوه مزالي بالكثير من خصال الزعيم بن يوسف حيث اورد انه التقاه مرارا بما في ذلك في بيته بمنفلوري بصفته طالبا دستوريا يمثل الطلبة التونسيين بفرنسا.. لكنه تبين ان نظرة بورقيبة للتعامل مع فرنسا بسياسية المراحل كانت انجح. وبالنسبة لمعركة بنزرت في جويلية 1961 نوه مزالي بدور الجيش التونسي والدستوريين الذين ناضلوا لكسبها واورد انه التقى الزعيم بورقيبة مباشرة بعد وقوعها واثار معه حجم « المذبحة » التي جرت في بنزرت فقال له بورقيبة: »لم اكن اتوقع من الجنرال شارل ديغول ان يامر باطلاق النار على المدنيين وعلى الشباب الدستوري الذي دعاه الحزب للتظاهر.. وليكون نوعا من « الدرع البشري » لحماية العسكريين التونسيين والمقاومين الوطنيين.. اي ان بورقيبة لم يتوقع حجم الخسائر البشرية عند اصدار قراره بشن المعركة.. بحضور الاف المدنيين وجلهم من الشباب الدستوري المتحمس والاعزل ». وبالنسبة للخلاف بين انصار بورقيبة وصالح بن يوسف منذ 1955 اورد مزالي انه تمنى »لو ان بن يوسف وأنصاره اسسوا في تلك الفترة حزبا سياسيا معارضا لبورقيبة عوض الدخول في مواجهات مسلحة وعنيفة.. لان تاسيس مثل ذلك الحزب كان سيقبل به بورقيبة ولو حصل لأدخل البلاد مبكرا في التعددية السياسية والحزبية. » نصل الآن لأخبار الاتحاد العام لطلبة تونس وملف عبد الكريم الهاروني، وأوافيكم بالتفاصيل بعد هذه الأنغام المهداة لكم جميعا. +++ أهلا بكم جميعا: جريدة الشروق الصادرة يوم 18 جويلية نشرت هذا التقرير عن أوضاع الاتحاد العام لطلبة تونس. وقالت بالخصوص: يبدو ان الاوضاع داخل الاتحاد العام لطلبة تونس لن تهدأ خلال الأسابيع القادمة، وهناك من المؤشرات ما يؤكد بصفة نهائية حدوث انقسام جديد داخل المنظمة. البيان الختامي للهيئة الإدارية الوطنية التي عقدتها المجموعة المختلفة مع تيار الأمين العام السيد عزالدين زعتور أقرّ موعدا للمؤتمر القادم للاتحاد. وعلى ضوء التطوّرات الأخيرة والردود والردود المضادة أصبح من شبه المؤكد ان الخلاف القائم داخل اعضاء هيئة إدارية ومكتب تنفيذي منتخبين بلغ «ذروته» وان التجاذب سينتهي الى اعلان مجموعة زعتور لموعد آخر للمؤتمر وذلك على خلفية الصعوبات الموجودة حول ايجاد رؤية موحدة للمؤتمر المزمع انعقاده وطبيعة الاتهامات المتبادلة وحدّتها. المساعي التي بذلها الامين العام السيد عزالدين زعتور في إطار اللجنة الوطنية الموحدة لتوفير الارضية الملائمة لعقد «مؤتمر موحد وديمقراطي» يبدو انها في طريقها الى «الفشل» والخيبة وذلك بحكم الوزن والثقل الذي تمثّله المجموعة المقابلة والتي تضمّ عددا من اعضاء المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية.وقالت الشروق أيضا: سيكون السؤال الأهم في الفترة المقبلة حول امكانية حدوث معجزة تعيد الود بين الرفاق الفرقاء. الشروق لا تتوقع حدوث هذه المعجزة كما هو واضح من سياق تقريرها. ومن الاتحاد العام لطلبة تونس الى ملف الأمين العام الأول للاتحاد العام التونسي للطلبة، المهندس عبد الكريم الهاروني المعتقل منذ 1992. مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وقع على عريضة تطالب باطلاق سراحه هو وعدد من المعتقلين الآخرين الذين حوكموا معه في نفس القضية. أما أخت عبد الكريم الهاروني، هند الهاروني، فقد نقلت عنه أنه مضرب عن الطعام منذ أكثر من ثمانية أيام ويطالب بتحسين ظروف اقامته في السجن. غالبا ما تكون توقعات أصدقاء المهندس عبد الكريم الهاروني وبقية المعتقلين أن مناسبة الذكرى الخمسين لعيد الجمهورية قد تكون مناسبة لصدور عفو رئاسي عن المعتقلين. وقبيل هذه المناسبة بأيام نشر السيد محمـد العروسـي الهانـي، وهو معتمد متصرف سابق، نشر رسالة مفتوحة موجهة للرئيس بن علي في موقت تونس نيوز، مؤرخة في 17 جويلية. يقول السيد الهاني في رسالته: نصف قرن بالتمام والكمال – نصف قرن باليوم والشهر والعام والساعة – نصف قرن على الحدث السعيد حدث عيد الجمهورية المجيد لكل التونسيين والتونسيات. عيد الكرامة والشهامة والنخوة هذا العيد الوطني نتمنى أن يكون فاتح عهد جديد للتونسيين والتونسيات دون استثناء كلهم أبناء الوطن عليهم واجبات ولهم حقوق نتمنى أن يقع فيه العفو والصفح والتسامح. فلا أحد يبقى في السجون طبعا السجناء الذين ليس لهم جرائم جناحية. هؤلاء من مشمولات القضاء. ما عدى ذلك فكل السجناء هم في رحمة وعفو وتسامح ونخوة يوم 25 جويلية 1957 وبعد نصف قرن لا بد من صفاء القلوب وصفاء العقول وصفاء سماء تونس من الغيوم والرعد والزلزال والوشاية والقيل والقال والشحناء والبغضاء والاتهامات والتاويلات والكراهية. لا بد من عفو شامل يشمل جميع العائلات، وهي فرصة للجميع وتوبة للمذنبين وصفحا من أهل القيم والشيم حتى يعود الصفاء والمرح للعائلات التي حرمت من فلذات أكبادها طيلة عقود وحرمت من ريحة البلاد التي تغنى بها المطرب محمد الجموسي – ريحة البلاد. لا بد من عفو شامل لإعادة الأمل والبسمة للأسرة التي فقدت أبنائها وسندها وأباها وخالها وعمها وأخاها وأختها. فرصة يعطيها الرئيس زين العابدين بن علي للجميع للعودة إلى أرض الوطن مرفوعي الرأس والكرامة. فرصة ينتظرها الجميع للعودة سالمين معافين مبجلين. وهذا يتم بحول الله تعالى وبعونه وكل الدلائل والمؤشرات تؤكد على ذلك. العالم كله يدعو إلى المصالحة والوئام والتضامن والتسامح والتحاور حتى بين الأديان والحضارات- فما بالك بين أبناء الأمة الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة. والوطن الواحد. نتمنى أن يتم ذلك في عيد الجمهورية المجيد وبذلك يكون العيد عيد الجمهورية عيدين عيد الجمهورية وعيد التسامح وطي صفحة الماضي. وهذا ليس بعزيز على حكومة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي القادر بعون الله على تحقيق ذلك. وكل عام وتونس وشعبها وحكومتها ورئيسها بألف خير. قال الله تعالى :  » فمن عفا وأصلح فأجره على الله » صدق الله العظيم. قال الله تعالى :  » ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم » صدق الله العظيم. +++ أقدم لكم الآن تحليلين اخباريين لموضوعين مهمين في الساحة السياسية التونسية. الأول عن انتخابات عمادة المحامين، والثاني عن الاتصالات الجارية بين السلطة ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. فيما يخص انتخابات عمادة المحامين، قالت نشرية الارادة، التي يبدو أنها تصدر عن حركة التجديد، الحزب الشيوعي سابقا، أو عن هيئة مقربة منه، في تقرير أعاد نشره موقع تونس أون لاين الاخباري الالكتروني، قالت نشرية الارادة ما يلي: انتخب المحامون التونسيون يوم 01/07/2007 الأستاذ البشير الصيد (مستقل) عميدا لهم لمدة ثلاثة سنوات. علما وانه شغل هذه الخطة سابقا من سنة 2001 إلى سنة 2004. وتحصل الأستاذ الصيد على 1193 صوت متقدما على منافسه الأستاذ شرف الدين الظريف (مرشح الحزب الحاكم) بـ 108 صوت خلال دورة انتخابية ثانية. وكان الصيد تحصل خلال الدورة الأولى التي صوّت خلالها 2637 محاميا على 796 صوت، تلاه الظريف بـ 698 صوت ثم صلاح الدين الشكي بـ 437 صوت فإبراهيم بودربالة بـ196 صوت تليه راضية النصراوي بـ151 صوت ومحمد النوري بـ105 صوت.  ولقد استفاد البشير للفوز بالعمادة من تجند المستقلين وجل المحامين غير التجمعيين حوله في الدور الثاني من جهة ومن أخطاء الحزب الحاكم في إدارة وتسيير الانتخابات من جهة ثانية، إذ ضمّ أغلب أنصار الأستاذة النصراوي أصواتهم إلي العميد الصيد في الدور الثاني، فيما أحجم أنصار الأستاذ إبراهيم بودربالة ومنصور الشفي على مساندة الظريف نظرا وان الحزب الحاكم أحجم على مساندة مرشحيهما في الدور الأول. ولئن فاز مرشح مستقل بمنصب العمادة، فإن مقاعد مجلس الهيئة السبعة وقع تقاسمها بين مرشحي التجمع الدستوري الديمقراطي (5) والإسلاميين القريبين من النهضة (2) وهما سعيدة العكرمي ونجيب بن يوسف. وتضيف نشرية الارادة: ويعزى انتخاب هذين الأخيرين إلى السند الذي تلقياه من أنصار العميد البشير الصيد المنتمي للتيار القومي العربي (الناصري) وإلى جزء من الناخبين التجمعيين أنصار الأستاذ الطبيب الذين طغى عليهم هاجس المناورة الانتخابية، وباتوا يبحثون عن أصوات المحامين من اليمين والوسط واليسار من أجل دعم حظوظ شوقي الطبيب في انتخابات رئاسة فرع تونس. ومن الواضح أن العميد الجديد الذي حرص على التحالف مع التيار الإسلامي لضمان اعتلائه لسدة العمادة رغم تحذيره من مخاطر هذا التوجه على أصعدة عديدة، سوف يلاقي صعوبات جمة في إدارة مجلس الهيئة الوطنية للمحامين الذي خضع لأول مرة إلى استقطاب ثنائي (تجمع – نهضة) قد يهدف لخدمة الأجندا السياسية للطرفين، نعني بذلك المصالحة بينهما لكن لن يساهم في تجاوز الوضع السيئ الذي باتت تشكو منه المحاماة التونسية ماديا ومهنيا ومعنويا وخاصة المحاماة الشابة. ثم تضيف نشرية الارادة التي يبدو أنها تصدر عن حركة التجديد، الحزب الشيوعي سابقا، أو عن هيئة مقربة منه، فتقول: يمكن لنا أن نستخلص من انتخابات المحامين الدروس التالية: ـ أولا: لقد جرت هذه الانتخابات كالعادة في ظروف ديمقراطية وشفافة. وفي جو من المنافسة الجدية، الأمر الذي يضفي عليها بدون منازع كل المصداقية. ـ ثانيا: إن فوز البشير الصيد والنتيجة الباهرة التي تحصل عليها في الدور الأول تعزى بنسبة هامة للعمل الدؤوب والحملة المثابرة اللذين قاما بهما هو شخصيا. ـ ثالثا: إن المساندة الكبيرة للمحامين الشبان للمرشح البشير الصيد تعكس استعداد هؤلاء للنضال من أجل تحسين وضعهم المتدهور وراء وعد بأنه سوف لن يتوان على اللجوء إلى أشكال النضال النقابية المتاحة إذا لم يفض الحوار والتفاوض مع السلطة إلى النتائج المرجوة من عموم المحامين. ـ رابعا: إن مساندة الحزب الحاكم السافرة لأي مرشح لمنصب العمادة حتى ولو توفرت فيه خصال النزاهة ونظافة اليد والاستقامة وحبه لمهنة المحاماة غير كافية للفوز بمنصب العمادة بل إنها مضرة أيما ضرر بمن يقبلها لأنها تعني بالنسبة لعموم المحامين الارتهان للحزب الحاكم لأولوياته السياسية ونحن على عتبة انتخابات رئاسية وتشريعية. ـ خامسا: إن عدم انتصار عناصر يسارية في انتخابات العمادة وعضوية مجلس الهيئة هو نتيجة تقييمات خاطئة لموازين القوى، وتفكك في قوى اليسار وتركيزها على العمادة دون مجلس الهيئة، وقلة المرشحين الجدد الذين يتمتعون بإشعاع واسع وعدم إعداد قائمة وفاقية تؤمن حظوظا أوفر للمترشحين لعضوية مجلس الهيئة لخطة العمادة. ـ سادسا: لم يقم العميد البشير الصيد تحالفاته على أسس مبدئية واضحة وطغى عليه هاجس الفوز بالعمادة حتى وإن كان يتحالف مع طرف سياسي لا يحترم تعهداته. فلقد ساندت مجموعة البشير الصيد دون تحفظ مرشحي سعيدة العكرمي ونجيب بن يوسف و العربي عبيد، وأدلت لهم بأصواتها لكن الإسلاميين أحجموا عن التصويت لفائدة فيصل الجدلاوي ومنير التونسي القريبين من العميد الصيد. كما أن مجموعة البشير الصيد لم تبد حماسا لمساندة مترشحين حريصين على الدفاع عن استقلالية المهنة. ـ ولقد أفرز هذا المنحى لدى البشير الصيد، تحفظات مشروعة لدى العديد من الأطراف داخل المحاماة ومخاوف من أن يفضي الاستقطاب السياسي الثنائي داخل مجلس الهيئة إلى عرقلة نشاط العميد نفسه فضلا على تجنب مجلس الهيئة لأي عمل أو موقف نضالي أو مبدئي تفاديا لما تعتبره هذه الأطراف « تصعيدا » مع السلطة وسيسيء حتما لمصالح المحامين وطموحاتهم. يعتبر العديد من المحامين أن هذا المجلس هو مجلس « تهدئة » يغلب على أعضائه إنجاز هواجس سياسية وليست مهنية. ـ لكن المحامين التونسيين الغيورين على استقلال مهنتهم والرافضين لتوظيف هياكل المحاماة توظيفا سياسيا من أي طرف كان سيكونون دائما على يقظة للدفاع عن مصالحهم وتحقيق طموحاتهم. انتهى تحليل نشرية الارادة التي يبدو أنها تصدر عن حركة التجديد، الحزب الشيوعي سابقا، أو عن هيئة مقربة منه، وقد أعاد نشره موقع تونس أون لاين الاخباري على شبكة الانترنت. بعد لحظات أعرض عليكم مقالة السيد محمد القوماني بخصوص الاتصالات بين السلطة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. +++ أهلا بكم من جديد: نشر موقع تونس نيوز الصادر السبت 21 جويلية مقالة بعنوان: قضيّة الرابطة..على طريق الحل بقلم السيد محمد القوماني عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي. جاء في المقال ما يلي: تكررت اللقاءات خلال المدة الأخيرة بين رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الأستاذ مختار الطريفي وبين رئيس الهيئة العليا للحريات وحقوق الإنسان السيد منصر الرويسي. وهذا في حد ذاته مؤشر على بداية التواصل بين السلطة والرابطة بعد سنوات من القطيعة التي لم تعرف غير المنع وبيانات الاستنكار والحملات الإعلامية المتبادلة. ولئن لم تأخذ هذه اللقاءات إلى حد الآن عنوان الحوار، أو بالأحرى التفاوض، واكتفى فيها السيد الرويسي بالتأكيد على أن دوره يقتصر على السماع والتبليغ. وبالتالي لم تطرح أرضية للحل ولا أجندة محددة في المواضيع والزمن، فإنه لا يخفى على أي متابع أن مجرّد تكرار اللقاءات دليل على توفّر ظروف أفضل لحلحلة الأزمة. أما الحكم على مستقبل هذه الخطوة فيظل رهين ما ستكشف عنه الأسابيع القادمة من اختبار الإرادة السياسية للسلطة في وضع قضية الرابطة على طريق الحل، خاصة بعد الرسالة التي وجهها رئيس الرابطة إلى رئيس الدولة طالبا فيها التدخل في هذا الإتجاه. وبالتوازي اختبار مدى قدرة الرابطيين على إدارة حوار ديمقراطي  بينهم دون إقصاء والتوافق بينهم على صيغ عملية للخروج من الأزمة الحالية. وإذا كان اللغط حول هذه اللقاءات أكبر على ما يبدو مما يحصل فعليا، فإنه من المهم التنبيه إلى أن الاختلاف حول تقدير دوافع كل طرف إلى هذا الحوار المأمول وغاياته منه، لا يجب أن يحجب الاختلاف الحقيقي بين إرادتين على هذا الصعيد، داخل السلطة ودوائرها كما داخل الرابطة ودوائرها،أعني إرادة البحث عن حل مشرف والسعي إلى تحققه في المستقبل القريب، وإرادة التشكيك في النوايا واستمرار الأوضاع على ما هي عليه أو دفعها نحو مزيد التأزّم. صحيح أن العلاقة غير الصحيّة بين السلطة والرابطة تعود إلى تاريخ تأسيس هذه الجمعية ومشوارها الطويل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والتصدي للانتهاكات على هذا الصعيد، لكن صحيح أيضا أن كثيرا من التوتّرات وحتى الأزمات الحادة الطارئة في مراحل مختلفة، عرفت طريقها إلى الحل بمبادرات معلومة. لذلك يبدو من المستبعد، وغير الواقعي أصلا، أن نأمل في حل جذري ومرضي لجميع الأطراف من خلال هذا الحوار المأمول، لكن من الأكيد أن وضعا أفضل للعلاقة بين السلطة والرابطة ممكن جدا، وان حلولا لبعض المسائل الخلافية غير مستبعد. ذلك أن إنهاء هذه الأزمة مصلحة حيوية للطرفين. لم تنجح السلطة خلال السنوات الأخيرة من الأزمة، التي سبقت موضوع إعادة الهيكلة وتعود إلى نتائج المؤتمر الوطني الخامس في أكتوبر2000، لم تنجح في إخضاع الرابطة وفرض شروطها عليها، كما لم تنجح في تأليب الرابطيين، بمن فيهم المنتمين للتجمع الدستوري الديمقراطي، ضد الهيئة المديرة ولم تجد تجاوبا في استعمالهم ضدها من أغلب القاعدة الرابطية. وفي المقابل نجحت الهيئة المديرة والفروع في الصمود دفاعا عن استقلالية الرابطة. لكن لا أحد ينكر التداعيات السلبية الخطيرة للأزمة الأخيرة على وضع الرابطة، التي تعطلت أنشطتها مركزيا وجهويا وتراجعت قاعدتها وانحسر حزامها وتآكلت كوادرها وفقدت موقعها المتقدم داخل المجتمع المدني وفي شبكة حقوق الإنسان. ظلت السلطة خلال مرحلة الأزمة تؤكد على أن الرابطة مكسب وطني لا تنوي استهدافه و ظلت الهيئة المديرة تؤكد على أن يدها مفتوحة للحوار و أنها لا ترى حلا إلا عبره، وتلك أرضية يمكن البناء عليها . غير أن أيّ تقدم نحو الحل يفرض عدم الخطأ في عناوين الخلاف و أرضية الحوار ، فالخلاف بين السلطة  والرابطة سابق لمسألة إعادة الهيكلة و قضية الدمج كما اشرنا سابقا . و من المهم تبين عناصر الخلاف الجوهرية و التحاور فيها و التوافق حولها، فذلك مما يساعد على حل الخلاف حول إعادة الهيكلة . و إن توافقا إجماليا حول جميع عناصر الخلاف مع ضمان استقلالية الرابطة عن جميع الإطراف و اضطلاعها بدورها الحرفي في الدفاع عن حقوق الإنسان ، بعيدا عن املاءات أي جهة، يبدو ممكنا. و أزعم أن تقدم الهيئة المديرة بمقترحات للحل على هذه الأرضية، يجعلها ممسكة بالمبادرة و هو أفضل لها من الانتظارية . و في مثل هذه الخطوة تعبير عن الثقة بالنفس و مراهنة على قدرة الكوادر الرابطية على حسن تقدير الأمور و تطوير الأفكار و الاستفادة من خبرات ثلاثين سنة من عمر الرابطة. إنّ إشاعة أجواء من التفاؤل دون أوهام ، و تنشيط الحوار الداخلي مع جميع الرابطيين دون استثناء ،  والتقدم بمقترحات عملية للحل بعيدا عن العنتريات والمزايدات وتكلّس الأفكار والمواقف، عناصر من شانها أن تقرب الرابطيين من هدفهم في إخراج جمعيتهم من الأزمة التي باتت تتهددها في وجودها. و إنّ تفاعل السلطة الايجابي مع الإرادة الرابطية الصادقة و الحوار الجاري داخل الهياكل ، برفع الحصار عن المقرات وتسهيل مهمة الهيئة المديرة في تنظيم الحوار الداخلي ،خطوة ضرورية للتقدم على طريق الحل. إنّ حلاّ ممكنا لقضية الرابطة لا يتوقف على طرف دون آخر ، و إن خطوة من هذا الطرف أو ذاك يُردّ عليها بمثلها أو أحسن منها ، مُراكمة لعناصر التفاؤل على طريق الحل . و إن أيّة مبادرة من الهيئة المديرة تستفيد من هذه الأجواء و تحسن توظيف عنصر الزمن و الاستحقاقات الوطنية القادمة، سيكون لها أعظم الأثر الايجابي، فان لم تفعل فستكون فرصة أخرى مهدورة. انتهت مقالة السيد محمد القوماني، وهو أرخها في 17 جويلية، ونشرها موقع تونس نيوز السبت 21 جويلية. مزيد من الأخبار بعد الفاصل. +++ نصل الآن لآخر أخبار الحلقة الأولى من برنامج فضاء ديمقراطي. جريدة الصباح الاسبوعي قالت في عددها الصادر الأسبوع الماضي أن من المتوقع ان تنتهي أشغال الطريق السريعة مساكن ـ صفاقس خلال شهر رمضان القادم حسبما أفادتنا به مصادر مطلعة.. بحيث تصبح جاهزة للاستعمال في مرحلة تجريبية ـ إن صحّ هذا التعبير ـ الى حين التدشين الرسمي المتوقع أن يتم خلال شهر نوفمبر القادم. تقول الصحيفة ان هذا المشروع يأتي ليضع حدّا لمعاناة مستعملي طريق مساكن ـ صفاقس الذين يعانون الامرين لكثافة الحركة المرورية وضيق الطريق.. إضافة لكثرة المناطق العمرانية والتجارية المتمركزة حول الطريق الرئيسية التي تحدّ بشكل واضح من سيلان المرور. وينتظر ان يتوجه الاهتمام خلال المدة القريبة القادمة الى مواصلة انجاز الطريق السيّارة في اتجاه الجنوب لتربط صفاقس تدريجيا ببنقردان في اطار الطريق السيارة التي ستربط بلدان المغرب العربي ببعضها البعض والتي ستتجسّم على الاقل محليّا ولو بتأخير. +++ هناك خبر آخر طريف نقلته الوكالات: لم يجد لصان تونسيان طريقة أسلم وأضمن من سيارة إسعاف لنقل بقرتين مسروقتين لبيعهما في سوق أسبوعية للمواشي ! فقد قام اللصان بسرقة سيارة إسعاف من مستشفي مدينة (قليبية) – الواقعة شمال شرق العاصمة تونس – ونقلوا داخلها البقرتين المسروقتين ، واتجهوا بها إلى السوق التي تبعد 120 كلم من المدينة المذكورة . وقالت صحيفة (الأنوار) التونسية :  » إن اللصين لم يجدوا طريقة أفضل لنقل المسروقات إلي السوق البعيدة سوى حملهما علي متن سيارة الإسعاف .. التي لا يمكن لأفراد الأمن إيقافها أو تفتيشها  » . وأضافت :  » إن اللصين شغلوا بوق سيارة الإسعاف ؛ ما جعل السيارات وشرطة المرور يفسحون لهم الطريق ، وعند بلوغهم سوق الدواب ركنوا السيارة وأنزلوا منها البقرتين وعرضاها للبيع  » . وتابعت الصحيفة :  » إن المستشفي أبلغ الشرطة بسرقة سيارة الإسعاف ؛ فأصدرت فيها برقية تفتيش .. ليتم العثور عليها رابضة بسوق دواب علي بعد 120 كلم ، فتم حجزها مع البقرتين واعتقال اللصين « . +++ الخبر الأخير هو ما نقلته وكالة الأنباء التونسية الرسمية وصحف تونسية أخرى عن بيان صدر عن سماحة مفتي الجمهورية جاء فيه: يعلم مفتي الجمهورية التونسية أن يوم الاثنين 16 جويلية 2007 هو أول يوم من شهر رجب 1428هـ. كثيرون يتساءلون: لماذا لا يصدر عن سماحة المفتي إلا بيانات تحديد مطالع الشهور القمرية؟ هل لديه بيانات أخرى يصدرها ولا تنقلها وسائل الإعلام المحلية؟ هل ينوي الظهور في برنامج تلفزيوني قريبا للحديث عن موضوعات اسلامية تشغل الناس أو الرد على أسئلة الجمهور؟ هل سيحاضر في مكان عام بحيث تتاح الفرصة للاستماع له مثلما يستمع الكاثوليك لخطب باب الفاتيكان والبروتستانت لخطب زعيم كنيسة انجلترا؟ نرجو أن تصل هذه التساؤلات إلى سماحة المفتي فيتكرم بالإجابة عليها. هناك أخبار رياضية تخص أزمة فريق الترجي الرياضي بعد هزيمته أمام الأهلي المصري بثلاثة أهداف نظيفة وخلافة العلني مع مدربه السابق فوزي البنزرتي الذي انتقل لتدريب المنتخب الليبي. لكن ضيق الوقت يحول دون عرضها والتوسع فيها. وعلى كل حال فإن الصحف التونسية لديها صفحات كثيرة للشؤون الرياضية ولا مجال للمنافسة معها في هذا المضمار. أكتفي هنا بنقل هذه الفقرة من تصريحات نشرتها جريدة الشروق لسفيان الشعري صهر فوزي البنزرتي، بتاريخ 19 جويلية، قال فيها: «شوف نحبّ نشد العصا من الوسط». فوزي لم يتخلّ عن الترجي في وقت قاتل، هو لم يُقضّ معهم وقتا طويلا اي مازال في البداية، ماذا لو استغنى عنه رئيس الجمعية! ألم يكن ذلك واردا؟ حتى ننصف (فوزي) لابدّ ان نكون في مكانه ونُقدّر دوافعه ثم هل ينسى الترجيون ان (فوزي) هو الوحيد الذي حقق لهم بلوغ انبل الكؤوس (رابطة الابطال عام 1994) وفي اعتقادي نجاح (فوزي) مع المنتخب الليبي هو نجاح الرياضة التونسية، وأتمنى له شخصيا على امتداد عقده (ثلاث سنوات) التوفيق والتألق ». انتهت تصريحات سفيان الشعري، ولعل كثيرين من أنصار الترجي يستحضرون هذه الأيام القول المشهور: اشتدي أزمة تنفرجي. وعلر كل حال، أغلب المراقبين الرياضيين يعرفون أن الترجي فريق عريق، وقادر على تجاوز الصعوبات الحالية والعودة لمواقع الريادة محليا وعربيا وأفريقيا. نرجو التوفيق للترجي، ولكل الفرق التونسية المشاركة في البطولات العربية والأفريقية. +++ بهذا مشاهدينا الكرام، نختم الحلقة الأولى من برنامج فضاء ديمقراطي. أرجو أن تكون قد نالت رضاكم ووجدتم فيها فائدة وخدمة لحرية الإعلام. أريد أن أوضح أنني كنت أفكر منذ مدة طويلة في انتاج وتقديم مثل هذا البرنامج، وأحاول أن أجد له أفضل شكل، وأفضل أسلوب يتماشى مع أذواق المشاهدين التونسيين وتطلعاتهم. قبل أسبوع كتب كاتب تونسي باسم مستعار، في القسم الفرنسي من نشرة تونس نيوز، مقالة يطلب فيها مني نقل بعض الحوارات والمساجلات الفكرية التي جرت في بعض المواقع الاخبارية التونسية في الانترنت، نقلها إلى شاشة المستقلة، ويستغرب فيها من عدم وجود برنامج خاص عن تونس في قناة المستقلة. هذا العتاب سمعته مرارا وتكرارا في السنوات الماضية. كثير من مشاهدينا في تونس والعالم العربي كانوا يسألوننا دائما: أين تونس في جدول برامجكم؟ أين تونس في برامجكم الاخبارية والحوارية؟ برنامج « فضاء ديمقراطي » هو جواب المستقلة على هذا السؤال وهذا العتاب. أريد أن أقول أيضا لكاتب المقالة خاصة، الأخ بلهة بوجادي، ولعموم المشاهدين، أن قناة المستقلة وجهت الدعوة بالفعل للدكتورة رجاء بن سلامة، والدكتور سلوى الشرفي، والدكتور عبد الرزاق الحمامي، الأكاديمي التجمعي، والدكتور أبو يعرب المرزوقي، للقدوم الى لندن وتدشين الندوات الحوارية بين النخب التونسية حول اللائكية والهوية الديمقراطية والتسامح والمرأة وموقع الدين في الحياة العامة. الدكتور عبد الرزاق وافق ثم اعتذر. والدكتور أبو يعرب وافق ثم اعتذر. والدكتورة سلوي وافقت ثم اعتذرت. والدكتورة رجاء بن سلامة لم ترد على الدعوة الكتابية التي وجهناها لها. علما بأن القناة كانت ستتكفل بنفقات السفر والإقامة في لندن. وبدل اتخاذ هذه الاعتذارات من الدكاترة الكرام عذرا للتخلي عن فكرة البرنامج، قررنا التصرف بطريقة أخرى، أي التعجيل في وقت انطلاقة البرنامج، بالصيغة التي قدمتها لكم، اي بعرض أهم الآراء والأطروحات والأخبار المهمة على ملايين المشاهدين، والمساهمة بذلك، مساهمة متواضعة في خدمة حرية الإعلام في تونس. هذه الصيغة تحررنا تماما من معاناة الجري وراء الضيوف الذين يعدون بالمشاركة ثم يغيرون آراءهم لأسباب لا نعرفها. وربما يشعر قراء الصحف والمواقع الاخبارية التونسية في الانترنت أنهم يعرفون هذه الأخبار والتحليلات، لكن عليهم أن يتذكروا أن أغلبية الناس لم يطلعوا على هذه الأخبار والتحليلات، وفائدة البرنامج هو تقديم هذه الخدمة لملايين التونسيين وليس لعدد محدود منهم فقط. أعزائي المشاهدين في تونس: هذا البرنامج مرآة للتعددية الفكرية والسياسية في تونس. ينقل آراء النخب والتيارات الفاعلة. وهو ليس موجها ضد السلطة،  ولا ضد المعارضة. وهو لا يعكس أية اجندة شخصية أو حزبية على الإطلاق. هذا برنامج لخدمة الناس. وخدمة الإعلام الحر. ولذلك فأنا آمل أن يلقى التشجيع والترحيب من المشاهدين، ومن الكتاب والساسة، من مختلف العائلات الفكرية والسياسية التونسية دون استثناء.

لا تنسوا مشاهدينا الكرام أن ترسلوا لي بملاحظاتكم على البرنامج وبتعليقاتكم واقتراحاتكم، بالفاكس أو بالبريد الالكتروني.

الفاكس: 00442088382997 البريد الالكتروني: views@almustakillah.com وحتى الملتقى يوم الأحد المقبل إن شاء الله، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


نجم الدين أتاتورك ورجب الفاتح. باقة دروس بليغة على مائدة الحوار الإسلامي.

الحلقة الأولى

 
كلمة أتاتورك معناها في اللغة التركية : أبو الأتراك. وهو لقب أطلق على مصطفى كمال. أما لقب الفاتح فقد أطلق على الفتى الشاب محمد مراد الذي فتح الله به وبالمجاهدين أول المدينتين اللتين بشر سيد الأنام محمد عليه الصلاة والسلام الناس بفتحهما. قال الأسد المرابط في عرينه الصديق العزيز عبد الله الزواري بمناسبة فوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات البرلمانية المعجلة 07 :  » .. أفرح لغيري بل نفرح لغيرنا .. فرحنا لجبهة الإنقاذ وفرحنا لحماس وللإخوان وجبهة العمل والإصلاح ولحزب الله … لكننا سنفرح يوما لأنفسنا .. يقينا سنفرح يوما لأنفسنا مهما كشر الطغاة عن وجوههم الفظة الغليظة المقيتة … هنيئا للمقهورين .. هنيئا للشعوب التي تريد الحياة .. ». ( من حصاد الأسبوع بالحوار.نت ). لا علاقة لهذه الكلمات بالتحاليل السياسية بسبب أن الفوز العريض الذي حققه حزب العدالة والتنمية بتركيا للمرة الثانية على التوالي ـ حتى قطف بالأمس ( 22 يوليو 07) تزكية مواطن تركي واحد من كل مواطنين إثنين ( 48 بالمائة ) وعمره لم يتجاوز عمر طفل مازال ينام تحت جناح أمه ( 2001 ـ 2007 ) ـ  يجعل كل تلك التحاليل تجمع على كلمتين كبيرتين ولكن بإخراجات وتلاوين شتى تحفظ ماء وجه هذا وتفيء بالتوبة على ذاك : 1 ـ إذا كانت العلمانية ذات الأصول الغربية بالضرورة شجرة خبيثة إجتثت من فوق الأرض العربية ( تونس ) والإسلامية ( تركيا ) بسبب غربتها عن التربة والأديم فإنها اليوم تطهر منها أرض الخلافة ويطردها الشعب التركي بسبب محضنها العسكري الذي لاذت به عقودا طويلة. إنه لأبرز دليل على أن التحالف العلماني الحكومي آيل إلى التصدع يوما لأن الظلم لا يزيد الفكرة إلا خواء وأيما فكرة لا يحميها نظامها الدفاعي الذاتي لا تحمى من خارجها بقوة الإكراه أبدا. 2 ـ إذا كان كثير من الإسلاميين ـ حتى من التيار الوسطي المعتدل فضلا عن تيارات التكفير والتفجير ـ قد زرعوا بينهم وبين قيم الحداثة والمعاصرة بإسم الأصالة ألغاما وأخاديد غائرة فإن الإسلام ـ كما عبرت عنه التجربة التركية الإسلامية على مدى نصف قرن كامل ـ لجدير بعقد القران بين كتابه وبين الميزان الذي أنزله جنبا إلى جنب مع الكتاب. الكتاب في الكتاب يرمز إلى الأصالة والميزان في الكتاب يرمز إلى المعاصرة والحداثة. فالحاصل هو : خصومة الإسلام مع الحداثة خصومة لا ترحب بها غير الحلبة الداخلية الضيقة في هوى أو جهل كل واحد منا. الدرس الأول : أيهما أولى لنا : ديمقراطية أوردوغان أم رعونات التكفير والتفجير؟ هما مشهدان يستأثران اليوم بالحياة السياسية في وطننا العربي والإسلامي الكبير. تكاد لا تطلع عليك شمس جديدة حتى تسمع عن خبر تفجير إستهدف الآمنين بإسم الجهاد وتطبيق الشريعة فإن كان في العراق وأفغانستان حيث يعربد الإحتلال رانت عليك شبهة المقاومة ولكن عندما يكون ذلك مدويا في الجزائر والمغرب ومصر وحيثما حللت بنظرك وإرتحلت فعلام تحمل ذلك؟ كما لا تكاد تنسيك الأيام الحبلى خبر إنتصار إسلامي ديمقراطي أو عسكري مقاوم للإحتلال حتى يهل عليك آخر. لقد إشتاقت صناديق الإقتراع إلى الشهادة الإسلامية بعدما سحقتها دبابات العسكر بمباركات غربية في الجزائر كما إشتاق العربي والمسلم إلى تزكية المقاومين الخلص لا المغشوشين في كل ساحة إنتخابات وساحة وغى حامي الوطيس. جلبت علينا رعوانات التكفير والتفجير التي إنداحت في أرضنا إندياح الطاعون بعد كارثة نيويورك في سبتمبر 01 نكبات لا تحصى ولا تقدر بثمن : في الغرب بل في قلبه المؤثر أوروبا كانت قافلة العمل الإسلامي بعد أكثر من نصف قرن من العمل الهادئ تتهيأ لحصد ثمار يانع من خلال التأثير السياسي حزبيا ورسميا فضلا عن إنجازات إغاثية عظيمة تدعم مقاومة المحتل حينا ومقامة التنصير حينا آخر وغير ذلك وعن مؤسسات تربوية وإجتماعية حفظت على الجيل الثاني وما تلاه دينه. فأصبح اليوم كل مسلم أو عربي ينظر له أينما توجه على أنه حزام ناسف يحمل الموت الزؤام. أما في الحقيقة فإن نسبة كبيرة من الشباب المراهق يطمح أن يكون كذلك في مخالفة صريحة صحيحة لعنوان الإسلام الأعظم : كرامة الإنسان ونفي الإكراه والدعوة بالتي هي أحسن. أما في البلاد العربية والإسلامية فإن ما جلبته علينا رعونات التكفير والتفجير غير قليل : هرولة أنظمة الحكم لمزيد من تضييق مساحات الحرية على ضمورها وهزالها وهو تضييق يكون الإسلاميون به أكثر الضحايا والخاسرين و إختلاط الحابل بالنابل في صفوف ملايين مملينة من عامة المسلمين في شأن حقيقة رسالة الإسلام : هل هي رسالة الكرامة والحرية والعدل والحكمة وفقه إشارات الميزان أم هي رسالة الإكراه والإذلال والظلم والفوضى وتخريب العمران وترويع الآمنين وخفر الأعراض والدماء والنفوس البريئة؟ ماذا فعل دعاة التكفير والتفجير من خلال إيداعهم لكلمة السر العجيبة  صدر مراهق حديث عهد بالتدين تتلقفه أساطين الإرهاب الدولي والغربي والمحلي : إن بقي في بلده عاش عاطلا عن العمل مكمم الفم مغلول اليد لا حق له في شيء سوى حق الموت وإن هاجر إلى الضفاف الشمالية للمتوسط عومل معاملة العبد غير المرغوب فيه فلا هو يتمتع بأمن حق الإقامة ولا بحق العمل القانوني وإن حملته قدماه إلى مكان آخر فهو المتهم بالإرهاب أصالة وبداية حتى تثبت براءته ولن تثبت حتى تسحقه السجون السرية الأمريكية في أروبا أو مقبرة الأحياء في قوانتنامو… ماذا فعل من خلال شحن صدر ذلك المراهق المطحون بكلمة السر العجيبة  » كفر بالجملة وفجر بالجملة « ؟ ها قد فجر ناطحات السحاب في نيويورك ( وستثبت الأيام لمن يخلفنا على هذه الأرض يوما بأن من فجرها هو السيد الأبيض ولم يكن دور العبد العربي فيها سوى دور التياس ) وقاطرات مدريد ولندن ونيروبي ودار السلام وما زال يتوعد فلم يسلم منه الإخوان في مصر ولا حماس في فلسطين بسبب  » جريمة  » إعتماد الديمقراطية لنصرة الإسلام وتحرير الأرض المحتلة… هل يمكن أن يصدق عاقل له أدنى علاقة بقضايا التغيير والإصلاح أن وراثة الأرض وإقامة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة العظيمة يتوسل لها بالتكفير بالجملة وبالتفجير بالجملة؟هل يمكن أن يصدق عاقل بأن ذلك مشروع إصلاحي يهدي الناس إلى الحق ويجعل من المستضعفين أئمة ويمكن لهم في الأرض؟ حتما سيعربد التكفير فينا مدججا بأحزمة التفجير الناسفة يحمل الموت الذي لا تخرج من رحمه الحياة ولكن لن يبني دولة حتما ولن يجدد حضارة حتما ولن يبسط رداء الحرية على المقهورين ليفيؤوا إلى ربهم الحق سبحانه حتما. ألم يكن الأولى ألا يشغب على الصحوة الإسلامية المعاصرة تقاوم بنجاح هنا وتربح مع مطلع كل شمس مترا من التحرر هناك؟ ما ذا فعل أكثر من أنه أهدى أثمن فرصة يبحث عنها أعداء الإسلام في السماء وفي حجور المشعوذين فوجدوها في الأرض غنما مغنوما لا نصب دونه : فرصة لم يمربها تاريخ الدعوة الإسلامية منذ عهد النبوة حتى يومنا هذا عنوانها : الإسلام هو الخطر الأكبر والمسلم هو طاعون العصر. هاهي تيارات الوسطية والإعتدال في المقابل تربح مع كل مناسبة مترا تقدما على الطريق المفتوح : في فلسطين جمع بين المقاومة العسكرية والمقاومة السياسية ونجاحات كبيرة رغم أن أصل الداء من داخل البيت الفلسطيني وفي لبنان كذلك وفي كل محطة إنتخابية على مدى عقد كامل ونيف منذ محطة الجزائر 1991 حتى محطة أنقرة 2007 وبينهما تونس والمغرب ومصر والأردن واليمن بل حتى دول الخليج العربي التي كانت تأنف من الديمقراطية لإعتبارات دينية مزيفة أو سياسية عشائرية أصبحت تسقط واحدة بعد الأخرى في هذا  » المستنقع الآسن  » ولو بإحتشام. هاهي أعتى وأول علمانية تخترق الحصون الإسلامية في عاصمة أرض الخلافة تتدحرج القهقرى بعد نصف قرن كامل من الحكم العسكري الشمولي الصارم. ماذا لو قامت في تركيا معارضة إسلامية مسلحة بدل منهج المهندس أربكان؟ ها قد قامت فعلا منذ عقود طويلة معارضة كردية مسلحة كبدت الحكومة ونفسها والشعبين خسائر لا حصر لها ثم هاهي تيمم وجهها شطر البرلمان أما عن كسوبها العسكرية بعد إعتقال أوجلان فلا تسمع لها ركزا. هل بعد هذا الدرس التركي من درس آخر يقنعنا بأن سياسة الإكراه التي يتوخاها تيار التكفير والتفجير بإسم الإسلام يمكن أن تكون بديلا ولا حتى جناحا مكملا لسياسة الحرية والديمقراطية التي يتوخاها التيار الوسطي المعتدل؟ ماذا تفعل لمن وهبه الرحمان سبحانه عقلا يفقه به الحياة بمحكمات الكتاب ومعايير الميزان المنزلين منه سبحانه سواء بسواء ثم يحكم على عقله ملك هبات الله له بالإجازة المفتوحة. حتى حلقة تالية أستودعكم من لا تضيع ودائعه ودائعه. الهادي بريك ـ ألمانيا.

 


 
 
 

انتصار الإسلاميين في تركيا

 
تقف تركيا امام منعطف ربما يكون الاهم في تاريخها منذ انهيار امبراطوريتها العثمانية، وتولي جمال اتاتورك زمام الامور فيها، وتغييره لهويتها الاسلامية واحلال العلمانية الاوروبية كمنهاج للحكم. ففوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بحوالي خمسين في المئة من مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية التي جرت امس سيمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، ودون اي ائتلاف مع احزاب اخري، وسيسهل مهمته في انتخاب اول رئيس اسلامي للبلاد. هذه النتائج ستثير موجة من القلق ليس في اوساط العلمانيين الاتراك فقط، وانما في اوساط المؤسسة العسكرية التي نصبت نفسها حامية لارث اتاتورك، ومعارضة عودة الاسلام مجددا الي البلاد، والحفاظ علي هويتها العلمانية بكل الطرق والوسائل. فالعسكر تدخلوا اربع مرات، وبمعدل مرة كل عشر سنوات، لضبط ايقاع الديمقراطية، وبما يؤدي الي عدم هيمنة الاسلاميين علي مقدرات البلاد في نهاية المطاف. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة هو عما اذا كانوا سيكررون الشيء نفسه في الايام والاسابيع المقبلة، ويرسلون الدبابات الي الشوارع ويعلنون الاحكام العرفية، ام انهم سيتقبلون رأي الشعب ونتائج صناديق الاقتراع؟ هذا الانتصار لحزب العدالة والتنمية يضع اوروبا نفسها في مأزق حرج، لانها لن تكون سعيدة بهيمنة الاسلاميين، وتراجع العلمانيين، وترسُخ المؤسسات الديمقراطية التركية، لان اليمين الاوروبي، والفرنسي علي وجه التحديد، يعارض انضمام تركيا الي الاتحاد الاوروبي، وهذا الانتصار الكاسح ربما يعطي هؤلاء سببا اضافيا لاغلاق الابواب في وجه تركيا. حزب العدالة والتنمية لم يفز في هذه الانتخابات لانه حزب اسلامي، وانما بسبب انجازاته الكبيرة، وابرزها تحقيق معدلات نمو زادت عن سبعة في المئة سنويا، ورفع مستويات المعيشة للمواطن التركي، وتحسين الخدمات العامة، والقضاء بشكل شبه كلي علي البطالة، وتثبيت الاستقرار السياسي والامني. ولا بد ان معظم الحكومات العربية تعيش اسوأ ايامها، فها هي تركيا الدولة الاسلامية تقدم تجربة ديمقراطية ناجحة، جنبا الي جنب مع اقتصاد قوي، وليبرالية اجتماعية، والاهم من ذلك يتسع صدرها لحزب اسلامي يتولي زمام الامور فيها. وربما لا تتوفر هذه الصفات عند معظم الاحزاب الاسلامية العربية التي تعمل علي فرض رؤيتها بالكامل علي مجتمعاتها، وتصادر اي اسلوب معيشة آخر. فلا نعتقد ان هناك اي حزب اسلامي عربي يقبل بتعطيل عقوبة الاعدام، او غض النظر عن بعض الممارسات، مثل العلاقات بين الرجل والمرأة خارج رباط الزوجية، او السماح ببيع الخمور. وهي تنازلات قدمها حزب العدالة والتنمية التركي مكرها من اجل تجنب الصدام مع العلمانيين، وازالة كل الذرائع والحجج التي تحول دون انضمام البلاد الي الاتحاد الاوروبي. تركيا امام مفترق طرق حقيقي، فاما الاستمرار في نهج الديمقراطية واحترام نتائج صناديق الاقتراع، وفي هذه الحالة ستحرم الاوروبيين من ذريعة كبري لمنع انضمامها الي ناديهم، واما الانقلاب العسكري بحجة حماية العلمانية، وهو انقلاب ربما ينسف كل انجازاتها ومكتسباتها، ويعيدها الي مرحلة عدم الاستقرار واغلاق باب الانضمام الي الاتحاد الاوروبي لعشرات السنوات المقبلة، وربما بصفة نهائية. (المصدر: افتتاحية صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 23 جويلية 2007)

حزب العدالة والتنمية الحاكم يحقق نصرا مدويا بانتخابات تركيا

 
انقرة (رويترز) – حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا فوزا مدويا في الانتخابات يوم الاحد يمنح الحزب ذا الجذور الاسلامية المشجع لقطاع الاعمال تفويضا باجراء اصلاحات لكنه قد يمهد الطريق لمزيد من التوتر مع النخبة العلمانية. وتمثل هذه النتيجة نصرا معنويا لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي دعا الى انتخابات مبكرة بعد خسارة معركة مع المؤسسة العلمانية التي تضم جنرالات الجيش الذين لا يريدون وصول حليفه ذي الجذور الاسلامية وزير الخارجية عبد الله جول الى منصب رئيس الجمهورية. وبعد فرز جميع الاصوات تقريبا حصل حزب العدالة والتنمية على 47 في المئة بزيادة كبيرة عما حصل عليه في انتخابات عام 2002 لكن المعارضة الاكثر تماسكا في مواجهته تعني أنه قد لا يحصل على الكثير من المقاعد الاضافية. وقال اردوغان لآلاف من انصاره المبتهجين خارج مقر حزبه في العاصمة التركية حيث أضاءات الالعاب النارية السماء »هذه اول مرة منذ 52 عاما يزيد حزب موجود في السلطة من اصواته للمرة الثانية. « سنواصل العمل بتصميم لتحقيق هدفنا (بالانضمام) للاتحاد الاوروبي. » ولم يتجاوز حاجز العشرة في المئة الضرورية كحد أدنى لدخول البرلمان سوى حزبين علمانيين اخرين هما الحزب الشعبي الجمهوري القومي وحصل على 21 في المئة وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف على 14 في المئة. وحقق مستقلون اغلبهم من الاكراد فوزا ايضا مما يجعلهم اول اكراد يدخلون الى البرلمان منذ بداية التسعينات مما اثار احتفالات صاخبة في معقل الاكراد في شرق البلاد. ورقص انصار اردوغان واطلقوا ابواق السيارات ولوحوا باعلام ضخمة عليها شعر حزب العدالة والتنمية في مدن في شتى انحاء تركيا. وتركز الجدل بين الاحزاب حول الاصلاح الاقتصادي وكيفية التعامل مع عنف الانفصاليين الاكراد والانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي الذي يبدي فتورا لضم تركيا اليه ومكان الدين في تركيا الحديثة. وتجاهل الناخبون على ما يبدو تحذيرات المعارضة من أن حزب العدالة والتنمية يسعى سرا الى اقامة دولة دينية على النمط الايراني رغم المسيرات الحاشدة التي خرجت الى الشوارع هذا العام دفاعا عن الفصل الصارم بين الدولة والدين في تركيا وهي واحدة من الديمقراطيات القليلة في العالم الاسلامي. وقاد أردوغان طفرة اقتصادية وفي علامة على ابتهاج الاسواق المالية بنتيجة الانتخابات التي تجسد واحدا من أقوى التفويضات في تاريخ تركيا الحديث حققت الليرة التركية ارتفاعا بنحو 2 في المئة أمام الدولار في أوائل التعاملات الاسيوية. وقال خبراء اقتصاديون ان أردوغان (53 عاما) أكثر الساسة شعبية في تركيا يستطيع الان مواصلة سياسات السوق الحر واستئناف محادثات العضوية مع الاتحاد الاوروبي رغم التململ المتزايد في تركيا من مماطلة الاتحاد في قبول انضمام تركيا. وقال المحلل سيمون كويجانو ايفانز « هذا هو السيناريو الامثل للاسواق … السؤال الان كيف سيكون رد فعل المؤسسة (العلمانية) وهذا شيء ستكون الاسواق قلقة بشأنه. » ويعتبر الجيش نفسه الضامن الاول للدولة العلمانية في تركيا وأطاح بأربع حكومات في الاعوام الخمسين الماضية أحدثها حكومة ذات توجه اسلامي سابقة لحكومة حزب العدالة والتنمية عام 1997. وقال سميح ايديز وهو كاتب تركي بارز « لا أعتقد أن (الجيش) راض لكنه لن ينشر الدبابات. سيبحث عن وسائل ليجعل وجوده محسوسا واضعا في الاعتبار أنها حكومة تتمتع بتفويض قوي. » لكن الحكومة الجديدة لن تلبث أن تواجه تحديات جديدة. اذ يتعين عليها أن تجد مرشحا للرئاسة يحظى بموافقة جميع الاطراف والتحرك بحذر لتحافظ على ابتعاد الجيش وتسرع من وتيرة الاصلاحات الضرورية للانضمام للاتحاد الاوروبي أو المخاطرة بمواجهة ردة اقتصادية وأن تقرر ما اذا كانت سترسل الجيش الى شمال العراق لسحق المتمردين الاكراد المتمركزين هناك. وتقاتل قوات الامن التركية متمردي حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 في صراع راح ضحيته أكثر من 30 ألف شخص. وتصاعدت الاشتباكات العنيفة على مدى العام الماضي. وتثير احتمالات اقدام تركيا على هذه الخطوة قلق الولايات المتحدة بشكل متزايد. من حيدر جوكتاس وسلجوق جوكولوك (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 23 جويلية 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

العدالة والتنمية الحاكم يفوز بانتخابات تركيا في ضربة للعلمانيين

 
أنقرة (رويترز) – حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا فوزا مدويا في الانتخابات يوم الاحد يمنح الحزب ذا الجذور الاسلامية المشجع لقطاع الاعمال تفويضا باجراء اصلاحات لكنه قد يمهد الطريق لمزيد من التوتر مع النخبة العلمانية. وتمثل هذه النتيجة نصرا معنويا لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي دعا الى انتخابات مبكرة بعد خسارة معركة مع المؤسسة العلمانية التي تضم جنرالات الجيش الذين لا يريدون وصول حليفه ذي الجذور الاسلامية وزير الخارجية عبد الله جول الى منصب رئيس الجمهورية. وبعد فرز جميع الاصوات تقريبا حصل حزب العدالة والتنمية على 47 في المئة بزيادة كبيرة عما حصل عليه في انتخابات عام 2002 لكن المعارضة الاكثر تماسكا في مواجهته تعني أنه قد لا يحصل على الكثير من المقاعد الاضافية. ولم يتجاوز حاجز العشرة في المئة الضرورية كحد أدنى لدخول البرلمان سوى حزبين علمانيين اخرين هما الحزب الشعبي الجمهوري القومي وحصل على 20 في المئة وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف وحصل على 15 في المئة . ويتوقع أيضا أن يفوز بعض المستقلين وأغلبهم من المرشحين الاكراد ليصبح هذا أول وجود للاكراد في البرلمان البالغ عدد مقاعده 550 مقعدا منذ أوائل تسعينات القرن الماضي. وقال صالح كابوسوز وهو من نواب البرلمان الكبار عن حزب العدالة والتنمية لرويترز « استقرار تركيا سيستمر. » وأضاف أن الحزب سيحكم الان منفردا لولاية ثانية مدتها خمس سنوات في بلد يبلغ عدد سكانه 74 مليونا ويمتد من شرق الاتحاد الاوروبي الى ايران والعراق. وتركز الجدل بين الاحزاب حول الاصلاح الاقتصادي وكيفية التعامل مع عنف الانفصاليين الاكراد والانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي الذي يبدي فتورا لضم تركيا اليه ومكان الدين في تركيا الحديثة. وتجاهل الناخبون على ما يبدو تحذيرات المعارضة من أن حزب العدالة والتنمية يسعى سرا الى اقامة دولة دينية على النمط الايراني رغم المسيرات الحاشدة التي خرجت الى الشوارع هذا العام دفاعا عن الفصل الصارم بين الدولة والدين في تركيا وهي واحدة من الديمقراطيات القليلة في العالم الاسلامي. وقال سامي كوهين وهو كاتب بصحيفة ميليت الليبرالية لرويترز ان « الجدل الذي شهدناه بشأن العلمانية في مواجهة الاسلام لم يتجسد على أرض الواقع. « الرسالة التي بعث بها الناخبون هي أننا سعداء بالتقدم الاقتصادي وسياسة (الاتحاد) الاوروبي. » وقاد أردوغان طفرة اقتصادية وفي علامة على ابتهاج الاسواق المالية بنتيجة الانتخابات التي تجسد واحدا من أقوى التفويضات في تاريخ تركيا الحديث حققت الليرة التركية ارتفاعا بنحو 2 في المئة أمام الدولار في أوائل التعاملات الاسيوية. وقال خبراء اقتصاديون ان أردوغان (53 عاما) أكثر الساسة شعبية في تركيا يستطيع الان مواصلة سياسات السوق الحر واستئناف محادثات العضوية مع الاتحاد الاوروبي رغم التململ المتزايد في تركيا من مماطلة الاتحاد في قبول انضمام تركيا. وقال المحلل سيمون كويجانو ايفانز « هذا هو السيناريو الامثل للاسواق … السؤال الان كيف سيكون رد فعل المؤسسة (العلمانية) وهذا شيء ستكون الاسواق قلقة بشأنه. » ويعتبر الجيش نفسه الضامن الاول للدولة العلمانية في تركيا وأطاح بأربع حكومات في الاعوام الخمسين الماضية أحدثها حكومة ذات توجه اسلامي سابقة لحكومة حزب العدالة والتنمية عام 1997. وقال سميح ايديز وهو كاتب تركي بارز « لا أعتقد أن (الجيش) راض لكنه لن ينشر الدبابات. سيبحث عن وسائل ليجعل وجوده محسوسا واضعا في الاعتبار أنها حكومة تتمتع بتفويض قوي. » لكن الحكومة الجديدة لن تلبث أن تواجه تحديات جديدة. إذ يتعين عليها أن تجد مرشحا للرئاسة يحظى بموافقة جميع الاطراف والتحرك بحذر لتحافظ على ابتعاد الجيش وتسرع من وتيرة الاصلاحات الضرورية للانضمام للاتحاد الاوروبي أو المخاطرة بمواجهة ردة اقتصادية وأن تقرر ما اذا كانت سترسل الجيش الى شمال العراق لسحق المتمردين الاكراد المتمركزين هناك. وتقاتل قوات الامن التركية متمردي حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 في صراع راح ضحيته أكثر من 30 ألف شخص. وتصاعدت الاشتباكات العنيفة على مدى العام الماضي. وتثير احتمالات اقدام تركيا على هذه الخطوة قلق الولايات المتحدة بشكل متزايد. وقال تلفزيون سي.ان.ان التركي ان واشنطن سارعت الى وصف الانتخابات التركية بأنها نجاح للديمقراطية. (شاركت في التغطية دارين بتلر وألكسندرا هدسون في اسطنبول وجاريث جونز وايما روس توماس وبول بنديرن في أنقرة وتوماس جروف في دياربكر) من حيدر جوكتاس وسلجوق جوكولوك (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 23 جويلية 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

حــــذار مــن الــفــخ الــنــووي الــسـاركــوزي !

 
بــقــلــم: عــبــد الــقــادر الــذهــبــي بـعــيــدا عــن الــخــوض فــي الاعــتبــارات التـاريـخـيـة والـسـيـاسـيـة الـتـي تــطــبـــع الـعـلا قــات الـمـتعـثـرة بيــن الـجـزائـر وفـرنـسـا، وعـلـى وجـه الـخـصـوص، إسـرار الـدولـة الـفـرنـسـيـة – مـنـذ نـصـف قـرن – عـلـى رفـضــهــا لأي اعـتـراف بــجـرائـم الاسـتـعـمـار الــفــرنــســي فـي حـق الـشـعـب الـجـزائـري، أود الــتــطــرق هــنــا إلـى مـا يـسـمـى ب « مـلـف الـتـعــاون » بـيــن بلـديـنـا فـي مـيـدان الـطـاقـة ولــفــت نــظــر الــمــواطــن إلــى مــا قــد يــحــاك للــجــزائـــر مــن دســائــس، بــيــن بــاريــس و…….تــل أبــيــب. قــبــل كــل شــيء، يــنــبــغــي الــتــذكــيــر بـالــوضــع الــمــتــــمــيـــز لــفــرنــســا، فــي ميــدان تــكــنــولـــوجــيــة الــطــاقــة الــكــهــر- نــوويــة، حــيــث أنــهـــا الــبــلــد الــوحــيــد فــي الــعــالـم الــمــتــصــنــع الــذي ورط نــفــســه مــنــذ أكــثــر مــن 30 ســنــة بــتـــعــويــلــه الــمــفــرط عـــلـــى الــطــاقـــة الــنــوويـــة لــتــولــيــد الــكــهــربــاء، حــيــث تــبــلــغ نــســـبـــة الــنــووي %80 مــن إنــتـــاجــه الــكــلــي, وتــحــاول فــرنــســا الآن جــاهــدة، الــوصــول إلــى درجــة مــا مــن الــتــوازن بــيــن تــكــنــولــوجــيــتــي الــعــنــفـــات (turbines) الــمــزودة بــالــغـــاز الــطــبــيــعــي والــمــحــطــات الــمــســتــخــدمــة للــوقــود الــنــووي، والــتــي يــفـــوق عــددهـــا 60 وحـــدات. وهـــذا مــا يــفــســر جــانــبـــا كــبــيــرا مــن اهــتــمــامــهــا الــمــتــنــامــي بــالــغــاز الــجــزائــري، طـــالــمــا أن الــغــاز الــروســي لا يــزال مــرهــونــا بــعــدم الــثــقــة بــيــن الــغـــرب وروســيــــا… وحــــرصــا مــنــا عــلــى مــعــالــجــة الــجـــانــب الــتــقــنــي لــهــذا الاقــتــراح الــمــشــبــوه، – وبــاخــتــزال شــدــيــد -، نــود الــتــذكــيــر بـــأن تــكــنــولــوجــيـــاتـ الــمــولــدات الــكــهــرو- نــوويــــــة تــشــهــد الآن تــراجــعــا كــبــيــرا عــبــر الــعــالـــم، عــلــى إثــر الــحــوادث الــمــتـكــررة هــنــا وهنــاك مــن أمــركــا إلــى فــرنــســـا، مــرورا بــألــمــانــيــا وروســيــا ووصـــولا إلــى مــأســـاة « تــشــرنـــوبـــيــل » بــأوكـــرانـــيــا، ومــؤخـــرا، حــادثـــة تــســرب الإشــعــاعــات الــنــوويــة مــن مــحــطــة كــاشــيــوازاكـــي، إثـــر الــزلــزال الأخـــيـــر بــالــيــابــان – يــولــيــو 2007 – والــتــي تــقــرر إغــلاقــهــا فـــورا لــمــدة ســنــة، مــن طـــرف ســلــطـــات طـــوكــيــو. لــقــد أصــبــح الآن، الــعــامـــل الأمـــنـــي بــالــنــســبــة لــلإنــســان والــبــيــئــة هــو الــعــامــل الــرئــيــســي الـــذي يــقــوض فــرضــيــات وتــقــويــمــات ورشـــات الــبــحــث الــعــلــمــي والــدراســـات الــهــنــدســيــة الــمــنــهــمــكــة الــيــوم عـــبــر الــعـــالــم فــي تـــطــويـــر مــا يــســمــى ب « مــحــطــات الــقــرن 21 أو الــجــيـــل 4″، لأنــه اتــضــح الــيــوم لــدى الــخــبــراء، ضــرورة إعــادة نــظــر كـــامــلــة، تــشــمــل الــمــفــاهــيــم والــحــســابــات والــتــصــمــيــمــات، فــي مــيــدان تــشــيــيــد الــمــحــطــات الــجــديـــدة، والــتــي يــراد لــهــا أن تــخــتــلــف بــالــكــامــل عـــن الــمــحــطــات الــمــشــتغــلــة الــيــوم عــبــر الــعــالــم – وهــي كــلــهــا مــن طــراز الــجــيــل 2، إذ لا كــلام عــمــا يــســمــى ب »الــجــيــل 3 » الــمــصــنــع مـــن قــبـــل شـــركـــة AREVA الــفــرنــســيــة – الألــمــانــيــة، والــذي لا وجــود لــه فــي الــمــيــدان، حــيــث لا يــزال فـــي طــور الإنـــجـــاز ولا يــتوقــع تــســلــيــم الــمــحــطــتــيــن الــمــطــلــوبــتــيــن، مــن قــبــل الــشــركــة الــفــرنــســيــة للــكــهــربــاء «  »EDF والــثــانــيــة مــن قــبــل حــكــومـــة فــنــلــنــدا قــبــل ســنــة 2015. ويــمــكــن الــقــول أن « الــجــيــل الــثــالــث » بــات مــجــهــضــا، إذ لــم يــحــظ بـــأي رواج تــجــاري نــظــرا لكــونــه لا يــخــتــلــف كــثــيــرا عــن ســابــقــه مـــن الــجــيــل الــثــانـــي ولــم يــأت بــأي جـــديــد يـــذكـــر. ونــصـــل هــنــا إلــى بــيــت الــقــصــيــد، حــيــث يـــأت إلــيــنــا الـسـيـد سـاركــــوزي – الــيــهــودي الأصــل والــغــنــي عــن الــتــعــريــف بــانــتــمــائــه الـــصــهــيــونــي وعــقــدـتــه الــعــنــصـــريــة الاســتــعــمــاريــة – لــيــعــلــن عــزمــه عــلــى بــنــاء « شـــراكـــة » مــع الــجــزائــر فــي مــيــدان الــطــاقــة…..بــمــا فــي ذلــك الــطــاقــة الــنــوويـــة. مــمــا يــعــنــي فــي الــقــامــوس الــســاركـــوزي: إقـحــام بــلــدنـــا فـي مـغـامـرة الــتــجــهــيــز بــتــكـنـولــوجـيـة فــرنــســيــة للـمـحـطـات الــكــهــرو- نــوويـــة آتــيــة عــلــى الــتــقــادم والانــدثــار، وهـــو يــعــلــم جــيــدا أن الــجــزائـــر غــــيــر مـعــنـيــة بـتــاتـا فــي الــوقــت الــراهــن، بــالــخــوض فــي هــذه الــمــغــامــرة، – إن لــم نــقــل الــمــؤامــرة…..- ســواء أكــان هـــذا عـلــى الــصــعــيــد الاقــتــصــادي أو علــى صــعــيــد تـهـيـئتـهــا وقـدرتهـــا، فـي ظــروفــهــا الــحــالــيــة، عــلـــى الــتـحــكـم فــي مـشـروع كــهــذا، مــحــفــوف بــالــمــخــاطـــر عــلــى الإنــســان وعــلــى بـــيـئــتـه الــطــبــيــعــيــة. نــهــيــك عــن مــخــاطــر أكــثــر ورودا: وهـــي الــمــخــاطـــر « الــجــيــوســتــراتــيــجــيــة » الــتــي قــد تــفــتــح أبــوــابــهــا عــلــي بــلــدنــا، بــعــد بــضــع ســنــوات فــقــط مــن إنــجــاز مــشــروع كــهــذا عــلــى أرض الــوطــن، ومــا قــد يــحــيــط بــالــجــزائــر مــن مــكــايــد الاتــهــامـــاـت الــصــهــيــونــيــة – الــغــربــيــة الــزائـفــة، عــلــى مــنــحــى الــســيــنــاريــو الــمــأســاوي الــذي نــزل بــســاحــة الــعــراق الــشــقــيــق…… ولــيــســت عــنــا بــبــعــيــد، الاتــهــامــات الــمــلـصــقـــة بـــإيـــران مــن قــبــل مــا يــســمــى ب « الــمــجــمــوعــة الــدولــيــة » الــتــي يــتــقـنــع الــغــرب بــقــنــاعــهــا، مــتــعــامــيــا كــعــادتـــه عـــن أســلــحــة إســرائــيــل الــنــوويـــة وغــيــرهـــا….. هـــذا مــا يــنــبــغــي أن يــكــون حــاضــرا فــي دهــن كـــل مــواطــن جــزائــري غــيــور عــلــى اســتــقــلال وطــنــه، كــلــمــا جـــاء الــحــدــيــث عــن اقــتــراحــات ســاركــوزي لــبــنـــاء أي نــوع مــن الــشــراكــة بــيـــن بــلــديــنــا فــي مــيــدان الــطــاقــة، طــالــمــا يــتــبــيــن جــلــيــا، أن هــنــاك مــن وراء هـــذا الاهــتــمــام الــغــريــب الــمــشــكــوك بـمــصــلــحــة بــلــدنــا ومـســتــقــبــلــه، أقـــول إن هــنــاك دســيــســة مــا تــحــدق بـــالــجــزائــر. فــحــــذار ! أجـــل، لــقــد اشــتــهــر الــرجــل، حــيــن كــان وزيــرا للـــداخــلــيــة الــفــرنــســـيــة، بــســيــاســتــه الــقــمــعــيــة الــمــنـاهــضــة للــجــالــيــة الــعــربــيــة الــمــســلــمــة وهـــو الــزعــيــم الــســيــاســي الــيــمــيــنــي الــمــتــطــرف الــذي كــان وراء إصــدار الــقــانــون الــعــنــصــري الــمــمـجـــد لــلاســتــعــمــار والــمــتــبــجــح بــمــا وصــفــوه بــكــل وقـــاحــة وتــعــجــرف وزور، ب « إنــجــازاتــه الــحــضــاريــة »…… فــلــيــبــق الــســيــد ســاركــوزي إن شــاء، عــلــى تــجــاهــلــه ! فــالــجــزائـــر تـتـــوفــر- بــفــضــل اللـــه – عـلــى مــخــزون مــن الــغــاز الــطــبــيــعــي يــبــلــغ حــجــمــه أكــثــر مــن 11.000 مـلــيـــار مـــتــر مــكــعــب، مــمـــا يــجــعــلــهــا فـــي غــنـــى تــام عــن مــقــترحــات الــســيــد ســاركــوزي الــمــشــكــوكــة ومــتــاهــاتــه ومــخــادعــاتــه، حــيــث أمـــامــهـــا أكــثـــر مـــن 60 ســنــة اســتــهــلاكــا، قــيــاســـا عــلــى الــمــســتــوى الــســنــوي الــحـــالـــي، – 20 مـلــيــار مــتــر مــكــعــب ، مــن أصـــل إنــتــاج كــلــي يـــقــدر ب 80 مــلــيــار مــتــر مــكــعــب ســنــويــا – بــصــرف الــنــظــر عــمــا قـــد يــحــدث مــن اكــتــشــافــات جــديـــدة. فــمــا مــعــنــى هـــذا الــتــكــالــب يـــثـــرى عــلــى إقــحــام بــلــدنـــا فـــي مــغــبــة تـــولــيــد الــكــهــربــاء مــن خــلال تــكــنــولــوجــيــة أكــــل الــظــهـــر عــلــيــهــا وشـــرب، وفــي الــوقــت بــالـــذات الـــذي يـــريـــد الآخـــريـــن الــتــخــلــص مــنــهــا ؟ ألــيــس أجــدر بـــالــجــزائــر أن تــدفــق ثـــرواتــهــا مــن الــغــاز الــطــبــيــعــي – الــــذي هــو مــلــك لــكــل الــمــواطــنــيــن – بــالأســبــقــيـــة عــلــى تــلــكــم الــطــوابــيـــر الــمــنــتــظــرة لــشــاحــنــات الــتــمــويــن أم عــلــى أطــفــالــنـــا الــمــنــهــمــكــيــن فــي تــدحرجــهــم للـــقــارورات، جــنـــب الــطــرقــات، فــي مــعــظــم الــمــنــاطــق الــنـــائــيــة مـــن الـــوطـــن، بـــدء بــأهــل قــرى الــجــنــوب الـــذيـــن يـــنــدفــع الــغــاز مــن تــحــت أرجــلــهــم لــيــصــل دونـــهـــم، إلــى أوروبـــا ؟ آســف مـــن أنــنـــي لا أمــلـــك الــجــواب….. (المصدر: مدونة عبد القادر الذهبي بتاريخ 19 جويلية 2007) الرابط: http://abdelkader.blogs.nouvelobs.com/

 


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.