الهادي بريك: نجم الدين أتاتورك ورجب الفاتح.باقة دروس بليغة على مائدة الحوار الإسلامي. الحلقة الأولى
افتتاحية صحيفة « القدس العربي »:انتصار الإسلاميين في تركيا
موقع سويس إنفو:حزب العدالة والتنمية الحاكم يحقق نصرا مدويا بانتخابات تركيا
موقع سويس إنفو:العدالة والتنمية الحاكم يفوز بانتخابات تركيا في ضربة للعلمانيين
عبد القادر الذهبي :حـذار من الفـخ النووي الـساركوزي !
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
تصريحات جريئة يُدلي بها السيد محمد بوعبدلي صاحب المؤسسة التي يتبع لها معهد باستور لقناة الحوار التونسي في حصتها رقم 63 ليوم الأحد 22 جويلية 2007
لمشاهدة الحصة اضغط على الرابط التالي: http://www.arcoiris.tv/modules.php?name=Downloads&d_op=viewdownload&cid=1045
بمناسبة مضي نصف قرن على إعلان الجمهورية في تونس ( 25 يوليو 1957 ). نحن الممضين أسفل هذا نطالب السّلطة التّونسية بإطلاق سراح المهندس كريم الهاروني الأمين العام الأسبق للإتّحاد العام التّونسي للطلبة والسّجين السّياسي المعتقل منذ عام 1991 والمحاكم أمام المحكمة العسكرية بالمؤبّد ( تموز 1992 ) بتهمة إنتمائه لجمعية غير مرخّص فيها وهي المحكمة التي وصفها أهل الإختصاص القضائي ( منهم الأستاذ المحامي محمّد النوري ) بالإستثنائية وعدم الدّستورية، وكذا جميع المساجين السّياسيين ومساجين الرّأي ،ومنهم الأستاذ المحامي محمّد عبّو المسجون منذ ربيع 2005 بسبب مقال صحفي يعترض فيه على زيارة » شارون » إلى تونس، والدّكتور الصّادق شورو الرّئيس الأسبق لحركة النّهضة ومن معه من قيادات وأعضاء الحركة، وكذا المعتقلين على إثر ما عرف بأحداث سليمان في كانون الأول الماضي ( ديسمبر 06) وهم بالمئات. كما نجدّد الدّعوة إلى المنظّمات الحقوقية والأحزاب السّياسية والأحرار والإعلاميين في تونس وخارجها لتكثيف الضّغوط المناسبة لحمل السلطة التونسية على إطلاق سراح كلّ المساجين السّياسيين سيما أن مخلّفات السّجن المطوّل ( 17 عاما ) ضدّ القدرات الصّحية للمساجين في ظروف إقامة بالغة الرّداءة مخيفة مماّ إضطرّ أولئك المساجين في مرّات كثيرة إلى شنّ إضرابات مطوّلة عن الطّعام تجاوز بعضها شهرين كاملين… إنّنا لندعو بحرارة كلّ عشاق الحرّية من كلّ دين ووطن ولون فكري وسياسي إلى دعم ومساندة هذه العريضة لعلّ بسمة السّرور تعانق شفاه الأطفال والنّساء والمحرومين والمضطهدين من جديد فوق ربوع تونس الخضراء. العريضة برعاية: الحوار نت + الوسط التونسية + تونس نيوز يرجى من كل من يدعم هذه العريضة إرسال موافقته إلى البريد التالي liberez_harouni@yahoo.fr مع حرصنا الشّديد على عدم الإمضاء بالأسماء المستعارة سعيا لمصداقية هذا العمل. الإمضاءات الأوّليّة : 1 – أسرة الحوار نت www.alhiwar.net info@alhiwar.net 2 – أسرة تونس نيوز www.tunisnews.net redaction@tunisnews.net 3 – أسرة الوسط التونسية reporteur2005@yahoo.de ww.tunisalwasat.com 4 – الهادي بريك ـ ألمانيا 5 – القادري الزرّوقي ( مؤسّس موقع الحوار نت ) ألمانيا 6 – مرسل الكسيبي : اعلامي تونسي ( رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية) ألمانيا 7 – نصر الدين سويلمي – ألمانيا 8 – محسن جندوبي – تقني- ألمانيا 9 – عبدالله النوري – اطار تربوي- ألمانيا 10 – حبيب الخليفي – أستاذ – ألمانيا 11 – محمد الصالح محفوظ – فني سامي -ألمانيا 12 – صالح محضاوي – ألمانيا 13 – الطاهر الرمّة – ألمانيا 14 – محمد علي بلقاسم – ألمانيا 15 – محمد الهادي الزمزمي – ألمانيا 16 – فتحي العيادي – ألمانيا 17 – عبد الله ثابت – ألمانيا 18 – رشيدة نفزي – ألمانيا 19 – فائزة بوعزة – ألمانيا 20 – هاجر بريك – ألمانيا 21- طه العزاوي – ألمانيا 22- آمنة عبد الرحيم – ألمانيا 23 – كوثر الزروي – ألمانيا 24 – الهاشمي بن حامد – ألمانيا 25-خميس بن علي الماجري باريس ـ المشرف على موقع تونس المسلمة – فرنسا 26- محمد المنصف قاره – سويسرا 27- عبد الحميد الحمدي ـ أستاذ علوم اسلامية _ الدانمارك 28-المشرف على موقع طلبة تونس www.tunisie-talaba.net 29-منذر عمار: باحث – ألمانيا 30-رافع القارصي: حقوقي – ألمانيا 31-علي سعيد – النرويج 32-أ.فتحي نصري : محامي وحقوقي تونسي 33-وليد البناني-بلجيكا 34-المنجي الفطناسي- محاسب -علوم تجارية – ألمانيا 35-كوثر الجزار- أستاذة انجليزية- ألمانيا 36-محمد شمام – السويد 37-الطاهر القلعي -سويسرا
38كمال الخضري-باحث-ألمانيا 39-خالد الجميعي-النرويج 40-علي حميدي-هولندا
41 ــ الأسعد الجوهري ـ حقوقي تونسي وسجين سياسي سابق.
42 ــ عطاء الله الجوهري ـ تونس
43 ــ آمال الجوهري ـ تونس
44 ــ سلسبيل الجوهري ـ تونس
45 ــ حسان الجوهري ـ تونس
46 ــ تسنيم الجوهري ـ تونس
47 ــ علي الجوهري ـ تونس
48-علي بن عرفة- رئيس هيئة حقوقية – لندن 49-محسن الذهيبي-باريس فرنسا 50-عائشة صفوة- مناضلة حقوقية – سويسرا 51- سليم بن حميدان – باريس- فرنسا 52- خليل أحمد – اعلامي 53-عبد الحميد عبد الصادق – كندا 54- محمد حمزة – ألمانيا 55- جمال الطاهر – كندا 56-المكتب الحقوقي والاعلامي لجمعية الزيتونة – سويسرا 57- اسماعيل الكوت : عضو المكتب الحقوقي والاعلامي لجمعية الزيتونة بسويسرا 58- بوكثير بن عمر – سويسرا 59- جميلة نوير – سويسرا 60- رياض الحوار – تونس 61- خميس قسيلة – السكرتير العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان . 62- محمد النوري- خبير اقتصادي -باريس -فرنسا 63- كمال الحجام 64-عبد الناصر نايت ليمان – رئيس مؤسسة حقوقية سويسرا 65- المسعدي سحيمي – سويسرا 66- أحمد الامام – لندن بريطانيا 67 – سعاد القوسامي : عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي – تونس 68- مراد راشد – جرجيس – تونس 69- عبد الحميد العداسي – الدنمارك 70- حسين الدويري – سويسرا 71- منصف مقدود – سويسرا 72- الهادي لطيف – سويسرا 73- خميس قشة – هولندا 74-الأزهر مقداد – سويسرا 75- عبد الله بريك – طالب – ألمانيا 76- نبيل بن محمد – سويسرا 77- رياض بوخشانة – مهندس- / ألمانيا 78- امنة عبد الرحيم- ألمانيا 79- عبد الرحمن خلادي – كندا 80- جنات عبيدة – كندا 81- ابراهيم العموري – السويد 82- أسامة اللموشي – كندا 83- محمد لسعد بوزيد – ألمانيا 84 – معز الجماعي –عضو هئية جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي 85 – جمال دلالي – بريطانيا 86 – المختار الطريفي : رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان 87- خالد فتريش – هولندا 88- بلقاسم النقاز ـ ألمانيا 89- صالح التقاز فرنسا 90- شكري يعقوب – سويسرا 91- سمير العيادي – باريس 92 – نور الدين ختروشي – فرنسا 93- الهاشمي بن حامد – ألمانيا 94- كريم مسعودي – ألمانيا 95- أنور الغربي – جنيف – سويسرا 96- مراد التواتي – ألمانيا 97 – أنور عز الدين – فرنسا 98 – عادل الماجري ( عضو سابق في هيئة الإتحاد العام التونسي للطلبة فرع كلية العلوم بتونس ) – سويسرا 99 – عفيف غانمي، سويسرا 100 – سليم الوكيل – ألمانيا 101- بوبكر مصدق – سويسرا 102 – سالم خليفة – تونس 103- محمد الصادق الشطي 104 – فتحي حاج بلقاسم 105- منصور بن يحيي – مهندس ومناضل حقوقي – سويسرا 106- عزيز العرباوي – كاتب وباحث من المغرب 107 – أحمد الورغمي – معارض تونسي – باريس 108 – محسن المحمودي – الجمهورية التونسية 109 – حبيب فافي – الجمهورية التونسية 110- أحمد قعلول – مجلة اقلام اونلاين 111- عبد الرزاق الادريسي – مناضل حقوقي المغرب 112- طارق سويد – لبنان 113- عبد الله الزواري – صحفي تونسي – جرجيس / الجمهورية التونسية 114- عبد المجيد السبوعي – سويسرا 115- جمال السلامي – سويسرا 116- فائزة السلامي – سويسرا 117- محمد الحمروني – صحفي بجريدة الموقف – تونس 118 – جمال الدين أحمد الفرحاوي – شاعر تونسي مقيم بلاهاي 119 – حافظ الجندوبي – الجمهورية التونسية 120 – سمير ديلو – محامي – تونس 121- جلال الماطري – جنيف – سويسرا 122 – عماد الدائمي – مهندس – فرنسا 123 – محمد الطرابلسي – فرنسا 124 – محمود قويعة – القيروان – تونس 125- عبد الباسط مسعي – سجين سياسي سابق (سويسرا) 126 – يسمين صليحي مسعي 127 – محمد امين مسعي 128 – عبد الهادي التيمومي – ألمانيا 129 – رضا عثمان – ألمانيا – لاجىء سياسي نقابي سابق جامعة الكهرباء والغاز 130 – امال الرباعي – أستاذة – ألمانيا 131- صالح بن يحيى – كندا 132- سيف النوري – طالب – ألمانيا 133 – سلمان النوري – ألمانيا 134 – راشد الغنوشي – رئيس حركة النهضة التونسية – لندن – المملكة المتحدة . 135 – بشير العبيدي – مهندس معلوماتية – باريس . 136 – الأستاذة جنات بن علي – عضو اتحاد منظمات الطفولة بالمملكة المتحدة – بريطانيا 137 – عبد الرحمن بن ابراهيم – تونس 138 – د. خالد الطراولي (اللقاء الإصلاحي الديمقراطي) 139 _ عمار الفرجاني – ايطاليا 140- مفيدة بشيني إيطاليا 141 – فتحي الجلاصي إيطاليا 142 – عباس عباس إيطاليا 143 – سمير خالدي إيطاليا 144-محمد بن محمد إيطاليا 145 – سامي الطالبي إيطاليا 146 – بلحسن دراويل إيطاليا 147 – محمد صابر مهذبي إيطاليا 148- محجوب شباب إيطاليا
149 -هند الهاروني – تونس 150-عمر الهاروني – تونس 151- ماهر الهاروني- تونس 152-الياس الهاروني- تونس 153-كريمة الهاروني – تونس 154- عمر القايدي – سويسرا 155- منظمة SOS TUNESIEN – النجدة تونس – ألمانيا 156- محسن الشريف – سويسرا 157- سمير فالح – مهندس – فرنسا 158- رافع الفتحي – سويسرا 159 – عبد الله بن عمر – أستاذ جامعي – تونس 160 – منجي بن عقيل 161 – عامر بن عقيل 162- مريم بن عقيل 163- محمد بن عقيل 164- أسماء بن عقيل 165- أيمن بن عقيل 166- مهدي النفطي – طالب مرحلة ثالثة – جامعة بنزرت – كلية العلوم – الجمهورية التونسية 167- وحيد الشريف – لجنة حقوق الانسان بأوسلو 170- عبدالحميد الفياش – سويسرا 171- نجاة النفيسي – سويسرا 172- توفيق العيادي – سويسرا 173- د.شكري الحمروني – فرنسا 174- عيادي دبابي– ألمانيا 175- فتحي العابد – ايطاليا 176- مصطفى عبدالله الونيسي/باريس ـ/فرنسا 177 – عبد العزيز شمام – فرنسا 178- عامر العريض – رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة التونسية / فرنسا. 179 – محيي الدين فرجاني 180 – حسن الأمين – مشرف موقع ليبيا المستقبل – بريطانيا 181- محسن الغربي – هولندا 182 – الطاهر بوبحري – باريس 183- طه الدريدي – مهندس باريس – فرنسا : » إنّ أمثال عبد الكريم الها روني هم مناعةٌ ضد من إحترفوا صناعة السيارات المفخّحة » . 184- رجب العبدلي – السويد 185- حبيب مباركي – سويسرا 186- سامي مروعي – ألمانيا 187 – سكينة النوري – ألمانيا 188 – البشير مباركي – ألمانيا 189 – رشيد خشانة – رئيس تحرير جريدة الموقف – السكرتير العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدمي . 190 – فتحي رافع – سويسرا 191- منصف زيد – فرنسا 192- صالح حمراوي 193- موسى بن أحمد – مهندس – ألمانيا 194- فاخر لترش – تاجر – فرنسا 195- حسين بن خليفة – الجزائر 196 – صالح الحمراوي 197- محمد القرضاني – هولندا 198- عمر القايدي 199 – مصطفى البعزاوي – الجمهورية التونسية 200- عادل بلكحلاء– جامعي – الجمهورية التونسية
يرجى من كل من يدعم هذه العريضة إرسال موافقته إلى البريد التالي liberez_harouni@yahoo.fr تاريخ اخر تحديث 23 يوليو 2007- س 17 بتوقيت تونس . نشرت العريضة رسميا ابتداء من مساء السادس عشر من تموز/يوليو 2007
ما حدث اليوم الاثنين 23 جويلية 2007
المنظمة الوطنية لحقوق الانسـأن بتونس
شـارع مدريـد تونس
الهـاتف : 409 544 97
تونس بتاريخ : 24 جويليــة 2007
بيـــــــــــــان
بمنـاسبة عيد الجمهوريــة
تولي شعوب العالم لعيد الجمهورية اهمية خاصة نظرا لما يكتسيه من اهمية بالغة في تاريخها اذ ان الجمهورية كنظام سياسي جاء لارساء جملة من القيم والمثل العليا للنهوض بالبلدان التي اخذت بهذا النظام بعد حقب طويلة من النضال المرير ضد قوى الملكية وما مثلته من طغيان سياسي واستبداد اجتماعي وتامر مع الجهات الاجنبية المعادية للمصالح الوطنية وكانت البلاد العربية جزءا من هذا المشهد العام الذي تتوج باعلان الاستقلال واحلال الجمهورية محل الملكية في اغلب اقطارها وقد تطلعت الجهاهيرلهذه التحولات واملت منها تغيرات عميقة في كافة مناحي حياتها وذلك بارساء الحرية علىالمستوى السياسي وتوزيع الثروةالوطنية توزيعا عادلا وبناء اقتصاد وطني قائم علىالعلم والمعرفة غير ان ظروف الحرب الباردة والاستقطاب الدولي الحاد منعت هذه الاحلام من التحقق وفرضت على الانظمة العربية الوليدة حالة من التخندق الدولي وراء الشرق او الغرب دفعتها احيانا الى الصراع فيما بينها واحيانا اخرىعلى الاحتراب المباشر الشيء الذي اثر سلباعلى هذه الاقطاب وحرم شعوبها من الحيات الخاصة والعامة واقيمت المحاكامات لكل من طالب بتشكيل احزاب معارضة او جميعات مخالفة للخظ الرسمي للدولة ولو حق دعاة الراي والراي الاخر وحق الاختلاف وقد رفضت الجماهير الشعبية الواسعة هذه الاوضاع ودخلت في صراعات وصدمات دموية مع حكومتها ادت على حملات قمع رهيب هددت الاستقرار الوطني والسلم الاجتماعي وكانت تونس طيلة العقود التي تلت اعلان الجمهورية في قلب هذه الاعاصير فدفعت القوى التقدمية المناضلة ثمنا باهظا لرفضها الاستبداد والتهميش واحتكار ادوات الحكم والسيطرة الكاملة على الشارع السياسي من طرف الحزب الحاكم وكان نتيجة هذه الاوضاع حرمان تونس من وجود مجتمع مدني فعال قادر على ايجاد التوازن السياسي المطلوب بينه وبين السلطات العمومية مما يساعد على درء الازمات والصعوبات ويمكن البلاد من التطور والتقدم ويشكل ضمانة اساسية ضد الرجعية المحلية ومشاريعها الظلامية المتكئة على الدعم الاجنبي الواسع
وقد جاء تغيير السابع من نوفمبر ليضع حدا لهذا الانسداد السياسي والاحتقان الاجتماعي فتم اقرار قانون خاص بالاحزاب كرس التعددية وانهى نظام الحزب الواحد الا ان الجمعيات ( النقابية والثقافية والنسائية والحقوقية والانسانية) لم تشملها التعددية وبقيت اعلبها محتكرا اما من طرف الحزب الحاكم او من طرف مجموعات لا تستسيغ رؤية التعددية تصل اليها اذ ان هذه الجمعيات توفر لاصحابها الكراسي الوثيرة والميزانيات المغرية والوجهات المزعومة عبر الصحف والفضائيات والعلاقات الخارجية التي لا يعلم طبيعتها الا اصحابها ولا يهمها من الشان العام الا بقدر ما يدره على مسؤوليها من منافع وقد مثل هذا التاخر الطويل في وصول التعددية لقطاع الجمعيات باستثناء تجربة جميعية النساء الديمقراطيات التي شكلت شجاعة متميزة في المنافسة في القطاع النسائي اعاقة عضوية امام قيام مجتمع مدني قادر على القيام بمسؤولياتها في الدفاع عن المراطنين وتمثيل مصالحهم لدى السلطات العمومية بعيدا عن الشطحات الاعلامية ونيابة الاجانب في الصراع ضد الدولة وخدمة مصالحهم وقد وفقت هذه الجمعية في ادارة أزمتهـا مع الحكومة و حققت نتـائج ايجابية و نحن اذ نعبر عن تأييدنـا لهـذا المخرج الجريئ فاننـا نتمنى أن تشمل حـالة الانفراج هـذه كـافة الاحزاب و الجمعيات بمـا فيهـا منظمتنـا .
ان وجود مجتمع مدنى مسؤول سيوفر على البلاد و على الناس الوقت و الجهد لخدمة القضايا العالقــــة و المعقدة و التى يعانى منهـا الكثيرون و كذلك النضـال ضد البيروقراطية و الرشوة و المحسوبية التى أرهقت النـاس حتى يمكن أن يكون مستقبلنـا أفضل من حـاضرنـا . و فى هـذا السياق و انسجامـا مع التطلع لحياة حرة و كريمة فى بلد يسوده القانون و يستند على المؤسسات قامت المنظمة الوطنية لحقوق الانسان بتقديم مطلب لولاية تونس يوم 8 مـاي 2006 تطلب فيه الترخيص لهـا بمباشرة نشاطهـا على قاعدة قانون الجمعيات و على خلفية التعددية الواردة بنص الدستور . و هي اذ تنتظر الترخيص القانونى الى حد الان فانهـا تنظر باستغراب و استياء للتجاهل الذى تبديه ولاية تونس نحوهـا فى مخالفة صريحة للقانون و للالتزامات الدولية الخـاصة بحقوق الانسان و التى انخرطت فيهـا تونس منذ سنوات طويلة . ان السيد والى تونس و هو الذى ترجع اليه سلطة الترخيص فى قيام الجمعيات يمكن أن يقدم خدمة كبرى للبلاد بالترخيص للمنظمة الوطنية لحقوق الانسان بتونس باعتببارهـا حـاجة موضوعية و ضرورة موضوعيـة علمـا و أن شرطة مدينة تونس منعتنـا فى الاشهر المـاضية و لمرتين متتاليتين و نحن نستعد للاحتفال بالذكرى الخمسين لعيد الجمهورية من رفع اللافتة التى تشير الـى اسم المنظمة على واجهة مقرهـا .
ان المنظمة الوطنية لحقوق الانسـان بتونس و هي تحتفل مع باقى مكونات المجتمع المدنى بعيد الجمهورية المجيد مزهوة بنضالات الشعب و تضحياته من أجل الحرية فانهـا تطـالب السلطات العمومية بفتح باب الاعتراف بالتشكيلات الحزبية و الجمعيات التى قدمت مطـالب فى الترخيص لهـا بمباشرة نشاطهـا و لم تحصل عليه الى حد الان .
ان قيم الجمهورية فى العدل و المساواة و حرية الرأي و الرأي ارخر و حق الاختلاف و الاحترام المتبادل و التوازن السياسي تأبى أن ترى عكس ذلك .
و الســـــلآم
بشيــر البجـــاوى
رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الانسـان بتونس
الهـاتف : 409 544 97
حصــاد الأسبـــوع بمناسبة « عيد الجمهورية » رحمه الله
25-07-1957***25-07-2007
في الذكرى الخمسين لعيد الجمهورية
ضرورات تطوير نظامنا السياسي
فتحي التوزري محمّد القوماني
مالك كفيف
جويلية
2007
مقدمّــــــــــة
يكتسي إحياء التونسيين للذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية أهمية استثنائية. فالخمسينية في حد ذاتها محطة هامة للتقييم واستشراف المستقبل وضبط أولويات المرحلة القادمة، إضافة إلى أن هذا الموعد يتوسط الإحتفال منذ نحو سنة ونصف بخمسينية الاستقلال والاحتفال بعد بضعة أشهر بعشرين سنة من تغيير السابع من نوفمبر1987الذي أُعلن أنه سيكون مناسبة لمراجعة المسيرة والأخذ بالمقترحات للتطوير وتحسين الأداء.
كان النظام الجمهوري الذي اختاره غداة الاستقلال أعضاء » المجلس القومي التأسيسي » وأعلنوه في جوّ احتفالي بهيج مساء الخميس 25 جويلية 1957 « تدعيما لأركان استقلال الدولة وسيادة الشعب وسيرا في طريق النظام الديمقراطي الذي هو وجهة المجلس في تسطير الدستور« ، كما جاء في نص قرار إعلان الجمهورية.
جاء النص الأصلي لدستور الجمهورية التونسية المؤرخ في غرة جوان 1959 مستلهما لأهم مبادئ الجمهورية وأسس النظام الديمقراطي. فنص على أن الشعب التونسي هو صاحب السيادة وأقر أهم الحريات الفردية والعامة وفصل بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية ومنح التونسي حق الترشح للمناصب العامة والتداول عليها عبر نظام انتخابي عام حر وسري ومباشر وقيد الفترات النيابية لرئيس الجمهورية.
غيرأن دستور 59 تضمن عدّة نواقص لعل أهمها تقييد ممارسة الحريات والحقوق بعبارات مقصودة تحيل على القانون، والاختلال بين السلطات وعدم إخضاع رئيس الجمهورية والحكومة عامة للمراقبة والمساءلة، وانعدام آلية تضمن دستورية القوانين إضافة إلى قصور الفصول المنظمة للسلطة القضائية عن ضمان استقلال هذه السلطة العامة الحيوية في حماية قيم الجمهورية.
ليس هذا العمل الذي نحن بصدده نصا في القانون الدستوري، ولا رسالة جامعية حول الجمهورية، وإنما أردناه نصا سياسيا في سياق مناسبة محددة. فالجمهورية عنوان سياسي بامتياز. نروم من خلاله تتبع مسار الجمهورية التونسية خلال خمسين عام، في سياقات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، محلية ودولية. فنقف على التحديات ونرصد أهم النجاحات والإخفاقات، معتمدين منهجا تفهميا في تقييم الإنجازات وإبراز الصعوبات،خلال الخمسين سنة مما أطلقنا عليه الجمهورية الأولى. متطلعين إلى المستقبل في تواصل ايجابي مع الماضي، منشغلين في المقام الأول بإبراز ضرورات الإصلاح التي تحتاجه أوضاع بلادنا، في المجال السياسي خاصة، على طريق الجمهورية الثانية التي نتطلع إليها.
هذا النص السياسي الموجه لعموم التونسيين، وللنخب السياسية خاصة، سواء في السلطة أو في المعارضة، نريده مساهمة في الحوار الوطني المتأكد بين أبناء البلد الواحد، الذين تظل أهدافهم مشتركة في التطلع إلى مستقبل أفضل لهذا الوطن ولأهله، مهما اختلفت آراؤهم في النظر إلى الماضي أو المستقبل، ومهما تباينت اجتهادا تهم.
مسار الجمهورية: بناء لم يكتمل
غداة الاستقلال ومع إعلان الجمهورية عمّت البلاد أجواء استثنائيّة من الأمل والحماس.من المهم أن لا نغفل عن استحضار تلك الظروف و لا تغشي بصيرتنا المآخذ المشروعة على طبيعة النظام السياسي الذي انبثق عن الجمهورية.و إذ نستحضر الحالة المعنويّة التي انطلقت فيها البلاد غداة الاستقلال وعند قيام الجمهورية، فإننا نتمنّى أن تتوفّر لنا اليوم الظروف المناسبة، حتّى ننطلق في رسم مقومات جمهوريّة ثانية بنفس الرّوح ونفس المعنويات خاصة و أن التحدّيات القادمة أصعب وأشدّ وطأة علينا وأنّ كابوس الاستعمار وما يحمله من دمار وإذلال عاد ليطلّ من جديد على العالم بقسوته المعهودة وبقوّة تدميريّة أشدّ وأعتى.
تميّزت فترة قيام الجمهوريّة التونسية بخصائص عديدة منها:
· شعور وطني قوي ونخوة نادرا ما توفّرا للبلاد وشكلا محركا قويّا للبناء والتنمية والتطوير.
· تغلّب روح الوحدة على ما دونها من عوامل التشرذم والانقسام.
· إرادة طوعية للعمل وإيمان عميق بمستقبل أفضل.
· تآزر وتضافر الجهود في سبيل التغلّب على مصاعب عديدة.
· نزعة إصلاحيّة تحديثية عميقة اخترقت جلّ النخب.
· قبول واسع للقيم التي قامت عليها الجمهورية كالحريّة والمساواة والعدالة والمسؤوليّة.
· التفاف شعبي حول قيادة حملت حلمه وحقّقت تطلّعه.
· جرأة نادرة في شقّ طريق صعب محفوف بالمخاطر لإطلاق العنان لبناء الدولة ومؤسّساتها .
· حالة تعبئة عالية لإطلاق مشروع تحديثي تنموي مستقبلي.
قامت الجمهورية على أنقاض دولة ضعيفة مترهلة لم تبن مؤسسات قوية مما جعلها لقمة سائغة للاستعمار، لذلك كان حرص واضعي الدستور غداة الجمهورية على إرساء دولة قوية بما فيه الكفاية و حكم قوي قادر على الإصلاح. ونتيجة لذلك قامت الجمهورية على مؤسسات و نظرية في الحكم اعتمدت على دولة الحزب الواحد و الفكر الواحد و الزعيم الأوحد ومارست التحديث بطريقة ايديولجية و في بعض الأحيان إكراهية مما عمق الأزمة الثقاقية، وعطلت بعض الآفكار التحررية و قيدت الحياة السياسية واستغنت على المواطنة بتشجيع الزبونية و الولاء، وهذا ما سيكون له تأثير مباشر على الأزمات السياسية اللاحقة.
واجهت الجمهورية في بدايتها تحدّيات وصعوبات ضخمة ومع ذلك تمكّنت من تحقيق إنجازات رائعة للجيل الأوّل والأجيال القادمة. كانت البدايات مثقلة بهموم تخلّف المدن وفقر الرّيف وضعف رأسمال الوطني وغياب صناعة وطنيّة وعدم توفر نسيج اقتصادي حديث وانتشار الأمّية والأمراض والأوبئة، وضعف رهيب في البنى التحتيّة والكفاءات البشريّة.
واجهت الجمهورية التخلّف وانتصرت في جولات عديدة وقلّصت من الفقر بشكل ملحوظ وبنت منظومة صحّية مرضية وراهنت على الإنسان رجالا ونساء وعملت على تحرير المرأة من القيود المكبّلة لطاقاتها وبنت منظومة تعليميّة عصرية كان لها الأثر العميق في تحديث البلاد وتطويرها.
وأرست اقتصادا قابلا للحياة فالتزمت بالنّهوض بالصناعة الوطنيّة وطورت كفاءة الإدارة وسخّرت تمويلات ضخمة لإقامة بنية تحتيّة تدعم النموّ. وسنّت القوانين الاجتماعية التحرّرية وشجّعت على العمل والإنتاج والبناء وألهبت حماس الأجيال وساعدت على بروز طبقة وسطى أصبحت تمثّل القاعدة الاجتماعية للنظام ومصدر استقراره وعنوان نجاحاته.
كما نجحت الجمهورية في دعم القدرات البشرية للبلاد وتحكمت في نسق النموّ الديمغرافي بما لا يثقل كاهل البلاد في عمليّة التنمية وتمكنت من خلق ملايين مواطن الشغل على مدى نصف القرن الماضي وفجّرت طاقات التونسيّين ليكتسبوا العلم والمعرفة والمؤهّلات العالية ويساهموا بذلك في رسم صورة ايجابية عن تونس .
ساهمت هذه الحركيّة وهذه الإنجازات في إرساء دعائم الاستقرار ونشر بذور الازدهار وعزّزت عناصر السيادة ومكّنت من تحسين العيش. و لم تدخل الجمهورية البلاد في أتون حروب إقليمية خاسرة ولا صراعات وهميّة ولا إنفاق عسكري مشطّ، بل نأت بنفسها وشعبها عن المغامرة والارتجال إلاّ في حالات استثنائية، وحصنت الدولة من التدخّلات والتأثيرات الخارجيّة قدر المستطاع، وحافظت على سيادة البلد رغم الضغوطات المتزايدة بفعل العولمة والتحوّلات الاقتصادية وواجهت التحدّيات الإقليمية الخطيرة، وهي كيثرة، برصانة مكنت البلاد من التمتّع باستقرار ثمين.
كانت الجمهورية وفية للشهداء من النساء والرجال و للتضحيات الجسام التي انبنى عليها الاستقلال وحقّقت جزءا هائلا من تطلعات الناس في العيش الكريم، والاستقرار والأمان والتحرّر.
قامت الجمهورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على قطيعة مع حكم البايات المنهار و اعتمدت على نخبة حاكمة تشكّلت من جيل مستنير تحديثي منحدر في أغلبه من الطبقات الشعبية المتوسطة، واستفادت من مكتسبات البلاد و تراثها التحرّري وعمقها الحضاري، استندت إلى الهوية العربية الإسلامية المتجذرة وعزّزتها بروافد مشعّة ومدعّمة لتقدم البلاد واستقرارها. و لكنها أيضا أخذت من موروث البلاد الاستبدادي نصيبا وافرا .
وبانتقال الحكم من الرئيس بورقيبة إلى الرئيس بن علي، تواصل المجهود للحفاظ على قوة الدولة وتطوير قدراتها ومتابعة مسيرة التنمية والإصلاح والتطوير في عديد المجالات.
شهدت البلاد خلال الفترتين أحداثا هامة وخطيرة أبرزها تحول البلاد نحو مزيد من الانفتاح الاقتصادي في فترة تميّزت بالتخبّط السياسي والصعوبات الاقتصادية وتنامي الاحتجاج وتدهور مستوى المعيشة و بروز معارضة سياسية قوية ذات خلفية دينية و ضعف لمؤسسات الدولة.
وبالرّغم من الأزمات العديدة تمكّنت الدولة من تحقيق الاستقرار، وتمكّنت من تنويع قاعدة الاقتصاد، وعزّزت قدرته الإنتاجية والتنافسية ولم تخفت الروح الإصلاحية والتحديثية إلاّ في مجالات سيقع شرحها. تراجع القطاع الفلاحي في الحجم وفي التشغيل، ونشط القطاع الصناعي وكان قطاع الخدمات المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد. وبالرغم من البطء في التموقع الإستراتيجي تبعا للتغييرات على مستوى التوزيع الدولي للعمل، فإنّ تونس انطلقت وبشيء من التأخير والارتباك في تقليص اعتمادها على قطاع النسيج الذي كان رأس حربة التصدير والتشغيل والاستثمار إلى قطاعات جديدة واعدة.
كما تواصل السعي إلى تقليص مخاطر الفرقة والانشقاق والاهتزاز سواء من حيث التهديدات الخارجية أو الداخلية، بالتشجيع على توفر فرص التنمية الجهوية والحفاظ على المكاسب الاجتماعية رغم الخيارات الاقتصادية الجديدة وبتعزيز اللحمة الوطنية والمحافظة على استقرار البلاد. ولم يكن الاستقرار الذي نعم به التونسيّون نتيجة نظام أمني قوي فقط، بل أيضا نتيجة سياسات اجتماعية شاملة.
إلاّ أنه لم يتوفّر للإصلاح السياسي نفس الزخم ونفس الحظوظ كما في بقية المجالات، إذ تواصلت الجمهورية خلال الخمسة عقود بتعزيز مفهوم الدولة القوية و النظام الرئاسي الفردي و هيمنة الحزب الواحد.
كانت الجمهورية في مجملها، باستثناء المجال السياسي، محررة ومطوّرة ومحدّثة. وما تحقّق إلى حدّ الآن ليس إلاّ دعائم كفيلة بفسح المجال لمزيد التطوير خلال الجمهورية الثانية، والمراهنة في المستقبل لا على حجم التنمية والتحديث فقط، بل على سلامة العلاقاتّ، ونوعية المؤسسات، وذلك بإرساء جمهورية قائمة على المواطنة و القانون، وضمان حقوق الأفراد والمجموعات. ولن يتمّ ذلك إلاّ بتفعيل آليات المشاركة وإصلاح النظام السياسي وتوسيع الحريات وإدخال عناصر أساسية للحكم الراشد كالمحاسبة والشفافية والمساءلة والتداول. وتوفير فرص حقيقية للمواطنين ليكونوا طرفا فاعلا في صياغة الخيارات السياسية داخل مؤسسات تضمن التعددية و حرية الرأي.
تعطل التنمية السياسية
إنّ الجمهورية الناشئة التي تأسّست غداة الاستقلال لم تكن جمهورية فاضلة. فقد اعترتها أزمات قاسية وأوقات عصيبة وشهدت صراعات كانت في بعض الأحيان عنيفة ودموية. اقتتل الأخوة مبكرا، واستقوى بعضهم على الآخر، ووقعت طيلة نصف القرن أخطاء كثيرة ومريرة، وكان هناك ظالم ومظلوم وغالب ومغلوب، وعزيز ومقهور ومنتشى بالنّصر ومهزوم.
اهتزّت الجمهورية في بعض الفترات، وانزاحت انزياحا خطيرا في فترات أخرى كما وقع سنة1975 وبعده وكانت انتكاسة ومأساة. ابتعدت الأمور مرارا عن القيم والمثل التحررية للحركة الوطنية الملهمة، وتم اللعب بالعواطف وبالمبادئ وبالإيديولوجيات ووقع التأليب والتحريض وكانت المصالح الآنية والسلطة والهوية في قلب الصراعات، وزجّ بالبلاد في نفق مظلم أحيانا، افتقدنا العدل وكانت الكلفة البشرية باهظة وحجم المآسي مروّعا وأخذنا نصيبا من الخوف الفرص الضائعة والأحلام المفزعة والإحباط. وتعالت على مدى الخمسة عقود أصوات عديدة وصادقة للإصلاح والتطوير ولكنّها جوبهت بالرفض و بقسوة شديدة أحيانا.
لم تكن المشكلة في النخبة و لا في كفاءتها و لا في غيرتها على الوطن بل في طبيعة النظام السياسي و مؤسساته التي لا تضمن الاختلاف و لا توفر أرضية للتعددية و لا تسمح بحرية النشاط و حولت الدولة إلى رهينة للحزب الواحد و عطلت المؤسسات و أفرغتها من محتوياتها.
فمنذ الاستقلال كانت منهجية الحزب الحاكم فرض خياره السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أيّ كان نوعه (ليبراليا، اجتماعيا، أو مختلطا) كخيار أوحد ومواجهة الاحتجاجات بسلة من المقايضات مع المعارضين ولم تكن المعركة إيديولوجية بقدر ما كانت براجماتية ووقع قمع كل من سولت له نفسه معارضة الخيارات الاقتصادية أو الاجتماعية المفروضة سلطويا.
و منذ الاستقلال بقي النظام السياسي قائما على الحزب الواحد و بقيت الدولة مركزية و سلطوية و لم يسمح إلا بهامش محدود من الحريات. و لم تمض سنوات عديدة على الاستقلال حتى عمد النظام إلى إلغاء الحريات و أقام نظاما فرديا مطلقا و حاد عام 1975عن مبادئ الجمهورية بإعلان الرئاسة مدى الحياة. و حين شهدت البلاد بعض الانفراج سنة 1981 لم تكن هناك مقومات المنافسة السياسية حتى انهار الوضع سنة 1987 . وظل التنافس السياسي معطلا إلى اليوم.
و في عهد الإحتكار المطلق كان ينظر إلى التونسيين على أنهم « دستوريون » بالضرورة و كان الحزب الحاكم ينظر إلى الديمقراطية على أنها قيمة ممكنة داخله فقط. و لقد اضطر الناس للانضمام للحزب الحاكم للحصول على الشغل والمعونات و الخدمات الاجتماعية خاصة في الريف و أحزمة الفقر، وهو خيار الهشاشة والخصاصة وليس خيار المواطنة والمسؤولية. لقد فشلت الجمهورية في فصل الحزب الحاكم عن الدولة و كان للزبونية السياسية الأثر المدمر على تطوير مؤسسات حكم عصرية.
تمكن الحزب الحاكم بفعل الاحتكار والهيمنة المطلقة من التغلغل في أجهزة الدولة وفي الإدارة بدرجة تزيد في صعوبة تصحيح الوضع نحو حياد الإدارة كمدخل لتأهيل الحياة السياسية وهو أحد كوابيس الإصلاح السياسي. كما لا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن الدولة ومنذ الاستقلال إلى اليوم لم تبرز أي رغبة في إعطاء الحزب الحاكم دورا عاديا في الساحة السياسية ولم تفعل أي شيء لتقليص نفوذه وهيمنته على أجهزتها، في حين أنّها أبدت رغبة عالية في تقزيم الأطراف السياسية الأخرى الموجودة على الساحة واحتوائها. كما لم تقتنع النخبة الحاكمة على مدى العقود الخمسة بأنّ الديمقراطية أفضل صيغة للحكم. ولم يقبل الحزب الحاكم مطلقا إشراك أي طرف آخر في صناعة القرار وضبط السياسات وأبقى ذلك حصريّا في نخبه.
وبعد خمسين سنة لم تستطع البلاد انجاز انتخابات تنافسية حقيقيّة ولا خلق بيئة سياسة تعدّدية حقيقية. فلم تكن الانتخابات فرصة لتعزيز التعدّدية بل وسيلة لتكرار الحكم لنفسه والدعاية للانجازات والمواضيع المحبّذة للسلطة (الازدهار الاقتصادي عن طريق السياسات الاقتصادية اللّيبرالية المؤطّرة للسلم الاجتماعي ومقاومة التطرف )،بما لم يسمح بتطوير المؤسسات في اتجاه الحكم الراشد، إذ بقي القضاء فاقدا للاستقلالية عن السلطة التنفيذية والإعلام مطوعا والبرلمان مجرد غرفة مصادقة تابعة وطيّعة وفاقدة للتمثيلية. و بقيت مؤسسة الرئاسة قوية وعمقت التنقيحات الدستورية الواسعة لسنة 2002 هذا الخلل المؤسساتي وتراجعت عن الإصلاحات المسجلة سنة 1988.
لم توفق الجمهورية في إرساء التعدّدية، وصاحب التحرّر الاقتصادي مزيد من التسلّط والانغلاق السياسي. وزادت الأزمة مع المعارضة عموما و مع حركة النهضة خصوصا في تعقيد الوضع وانغلاقه، وقاد الصراع العنيف مع النهضة إلى توسيع نفوذ الأجهزة الأمنية وسطوتها وتشديد قبضتها على المجتمع. وكان القمع عنصرا حاسما في تجذير المعارضة. وتطور الحزب الحاكم في قطيعة مع فكرة الانتقال للديمقراطية بل وبتأسيس هيمنة اعتمدها كنظرية في الحكم تغذّت من الجذور الثقافية للاستبداد.
بقيت الحكومة بقدر ما تطالب بالاعتراف بالمكتسبات ترفض أن تتحمّل مسؤولية الإخفاقات أو جزء منها على الأقل وترفض أن تحاسب على خياراتها. و بقي الحزب الحاكم يستفيد من هيمنته على مقاليد الحكم عن طريق الزبونية ويطلب من المجتمع أن يتعقل أمام أزماته وإخفاقاته. وما زالت الحكومة تواصل تقديم خياراتها وقيمها كإجماع شعبي ، في حين أنّها أجندة سياسية خاصة بها مرتبطة بمصالح سياسية وفئوية وحزبية. و أمام تحدّيات المعارضة لها، بقيت السلطة تحرك استراتيجيات عفا عنها الزمن، وخير مثال على ذلك ما حدث أثناء انعقاد المؤتمر الدولي لمجتمع المعلومات في 2005 حيث بدت كأنها تحارب من أجل قضية مخسورة سلفا مما شنج الوضع وعبأ الإعلام الدولي ووحد المعارضين من أجل انجاز إجراءات انفراجية عاجلة .
دروس من الماضي
نستحضر هذه المسيرة للجمهورية فنترحّم على أرواح من قدّم حياته في سبيل البلاد والحرية والقضايا العادلة. ونقف إجلالا لكلّ المناضلين الذين قدّموا تضحيات جسام في سبيل الوطن، ونعتز بما تحقّق لبلدنا في هذه الفترة من مكاسب، إيفاء لكلّ ذي حقّ حقّه. داعين إلىترك الباب مفتوحا لمصالحة ممكنة تردّ الاعتبار للذين ذاقوا مرارة العيش وقسوة الظرف وتضمّد جراح العائلات المظلومة وتطفئ نار الشعور بالإهانة والقهر الذي صبغ فترات من تاريخ الجمهورية.
لم يتم خلال الفترة الماضية إشراك كل الكفاءات والنخب في أخذ القرار وصياغة السياسات و كانت إدارة الشأن العام مركزية ومتسلطة. بالرغم من أنه على مدى العقود الخمسة توفّرت للبلاد من داخل الحزب الحاكم و من خارجه نخب مؤمنة بالديمقراطية وملتزمة بقضايا الحريات، إلا أنه وقع إقصاؤها أو تهميشها أو محاصرتها. ولم يكن النظام السياسي و لا المؤسسات القائمة تمكن من الاستفادة من هذه الأفكار و لا تنمية مثل هذا التحرر.
خمسون سنة من عمر الجمهورية فترة وجيزة في عمر الدول لكنها فترة كافية في حدّ ذاتها لإستدعاء الحاجة للتطوير. قد نتفهم تخوفات البعض من تداعيات التطوير. إذ لا أحد يعتبر التغيير الديمقراطي في بلدنا أو في المنطقة سهل الانجاز في القريب العاجل. ولكن علينا حتما أن نتقدّم أكثر ونعمل بشكل أفضل و نواكب لحظتنا و نغذّي مسارنا الإصلاحي بقيم المشاركة والحرية والكفاءة وذلك بتوفٍّر الإرادة القويّة والنوايا الصادقة والتعقّل في ظلّ شعور وطني قوي بالاعتزاز بمكاسب البلاد وإيمان صلب بمستقبلها. هذا التطلع من شأنه أن يمكّننا من خلق نهوض مجتمعي وحسّ وطني ومعنويات عالية، كالتي توفرت غداة انبعاث الجمهورية، و هو ما سيمكننا من تخطّي المصاعب والتحديات التي تواجه البلاد.
الجمهورية والتحـولات الكبرى
الخيارات الإقتصادبة
أنجزت تونس تحوّلا اقتصاديا ليبراليا مصيريا بداية من السبعينات أرسى دعائم السوق وفتح البلاد لرأس المال الأجنبي وأقر انخراط الاقتصاد الوطني في الاقتصاد الدولي المعولم ممّا جعل القدرة التنافسية والإنتاجية قضية حيوية بالنسبة لاقتصاد بلادنا. كان الخيار اللّيبرالي بإيعاز وتشجيع من الدوائر المالية العالمية، انخرطت فيه تونس وأقرّته الحكومة وفرضته بسياسات غير ليبرالية وبتعدّدية شكلية.
مرّت فترة التحرّر الاقتصادي التدريجي ببرنامج إصلاح هيكلي مؤلم أواسط الثمانينات، كان من أبرز اتجاهاته أنّ التنمية سوف تتمّ مستقبلا من خلال السّوق والمنافسة. دفعت إخفاقات الإقتصاد الموجه والأزمة الإقتصادية لفترة الثمانينات إلى القبول بشروط القوى الخارجية مزيد التوجّه نحو اقتصاد السوق، ونظرا لشحّ الموارد الطبيعية واحتياجات البلاد لرأس المال كانت لتونس خيارات محدودة للحصول على التمويلات الضرورية لإنجاز برامجها التنموية وتحريك عجلة الاقتصاد وتلبية احتياجاتها مما دفعها نحو تنويع مصادر التمويل بالاقتراض والاعتماد على رأس المال الأجنبي والدخول في شراكات إستراتيجية. وبذلك أصبح للعنصر الخارجي دور في تحديد السياسات الاقتصادية، سواء بموجب الإقراض الشرطي أو بموجب اتفاقيات شراكة أو لترابط وتداخل الاقتصاد في المنظومات الإقليمية والدولية. وهي اختيارات ذات كلفة اجتماعية وثقافية وأمنية في علاقة بالسيادة والأمن القومي. وبالرغم من أن الوضعية الحالية أفضل من وضعية الثمانينات حيث واجهت تونس هذه التحديات من موقع الضعف وذلك لأسباب خارجية وداخلية أهمها ترهل النظام السياسي وانهيار الاقتصاد الموجه، إلا أننا ما زلنا في وضعية صعبة نتيجة لاعتمادنا الأساسي داخل السوق الأوروبية على القطاعات المتدحرجة في سلم تقسيم العمل الدولي وهو ما يجعلنا نفكر بالضرورة في توسيع خياراتنا وتجنب التبعية. لقد كان للعولمة تأثير كبير على اتجاه تونس نحو اللّيبرالية الاقتصادية مضعفا قوة الحكومة في ضبط السياسات الاقتصادية والخيارات عموما. وتبدو الحكومة تمارس قدرا من الانضباط لعرقلة الإملاءات الخارجية بإبقائها على التخطيط واعتماد التدرج والحذر والتعاطي بواقعية مع الظروف الخاصة بالبلاد.
كان لهذه الخيارات مردود على النمو الذي لم ينتفع الجميع بثمراته بنفس القدر، وتحملت الطبقة الشغيلة والطبقة الوسطىالعبء الأكبر من التضحيات عبر الضغط الجبائي والتقلص النسبي للتحويلات الاجتماعية مما زاد في تعميق الهوة بين شرائح المجتمع.
إنّ المنحى اللّيبرالي للدولة الذي انطلق في السبعينات وتواصل في الثمانينات وتعزّز في التسعينات وتسارع في الألفية الجديدة جعل قضية اللّيبرالية الاقتصادية في قلب الصراع في داخل اتحاد الشغل وفي داخل الحزب الحاكم وخارجه وفي داخل البلاد وخارجها. تباينت الأطراف والمواقف بين مبرر لاقتصاد السوق وبين منبه لرأسمالية كاسحة واقتصاد سوق يتمّ على حساب الطبقة الشغلية والفقراء. وكثر الجدل حول الخصخصة والإجراءات التحرّرية في أجواء ساخنة .
تسببت العولمة في بروز فروقات اجتماعية كبيرة، وبدا للعديد من الخبراء أنها أفقرت الفقراء وأغنت الأغنياء ولم تأت بالديمقراطية باعتبارها عنصر ضغط على الأنظمة المطالبة بضبط التذمر الشعبي وتقييده وخاصة الفئات المحرومة من منافع العولمة, وهو ما يشكل أرضية خصبة للاحتجاج.
إنّ الإجراءات اللّيبرالية ليست صعبة على البلاد فقط ولكنّها أيضا صعبة على النخبة الحاكمة من حيث أنّها تقلّص نفوذها وسيطرتها وزبونيّتها. فقد طور النظام السياسي غداة الاستقلال عقدا اجتماعيا مع العمال والفلاحين والمستثمرين الخواص والطبقة الوسطى وعديد مكونات المجتمع. و تطورت العلاقات بتفاعل كبير مع السياسات الاقتصادية، و لكن السمة الأبرز كانت المقايضة و الزبونية. و مع دخول تونس موجة الليبرالية تغيرت الأنشطة الاقتصادية التابعة للدولة بفعل الخصخصة، وبالنتيجة تغيرت الوظيفة الزبونية من إعانات ومنح ووظائف (وإن بقيت بحجم أقل). ومع تراجع الدولة عن التدخل المباشر في الاقتصاد ستتراجع أيضا قدرتها على الزبونية التقليدية وعلاقات الولاء والتبعيّة. لقد وقع إنجاز الخصخصة في ظروف لم تكن دائما شفّافة ووقع تلكؤ في إنجاز العديد منها وتسرع في أخرى. وما يخشاه البعض هو أن تتحول الخصخصة لمؤسسات القطاع العام إلى رأس مال صديق لفئة متنفذة كما نشاهده في دول أخرى أثناء تحوّل الدولة للإقتصاد الحرّ. و هو ما من شأنه أن يعيد إنتاج علاقات زبونية من نوع جديد.
إنّ الإصلاح الاقتصادي يجعل النظام السياسي التونسي تحت ضغط عال بعد أن اختارت الحكومة إستراتيجية تقوم على التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي وتأجيل الإصلاحات السياسية. ووقع قمع كلّ من حاول مساءلة أو محاججة هذا التمشي. و لكن في بلد توجد به طبقة وسطى كبيرة ومثقفة، فإن مثل هذه الأوضاع تنسف الثقة والدعم الذي تقدمه هذه الطبقة لحزب الدولة والسلطة. و هذه الإستراتيجية تبدو محدودة جدا خاصة إزاء البيئة المحيطة بتونس ( فضاء أوروبي مفتوح وفضاء مغاربي يتحول سياسيا نحو مزيد من التحرّر هذا إلى جانب الصعوبات الاقتصادية المرتقبة الذي يتطلب تحملها صبغة سياسية تشاركية لا إكراهية) وهذا ما يفرض على الدولة ضرورة إعادة صياغة نظامها السياسي ومؤسساتها وإدماج قطاعات واسعة من المجتمع بقيت مهمشة و إشراكها في صياغة القرار السياسي و القطع مع الدولة الزبونية.
التحولات الإجتماعية
إن التحولات الديمغرافية (طفرة الشباب المستمرّة) والصعوبات الاقتصادية ومحدودية نسق النموّ ومشاكل التكوين والإدماج جعلت من مسألة البطالة مشكلة مزمنة تتطلب حلولا معقدة و وتضافر كل الجهود والإرادات ومناخ محفز للعمل والاستثمار للخروج من نفق البطالة والتخلص من هذا الكابوس الجاثم على كاهل الشباب والكهول وخاصة المتعلمين وأصحاب الشهائد وأصحاب العائلات. ولا يكفي التعويل على الانفراج الديمغرافي المرتقب في السنوات العشرة القادمة بل لا بدّ من وضع البلاد في حالة تعبئة عامة لمواجهة هذا التحدّي وتبنّي سياسات اقتصادية واجتماعية ومناخ استثمار كفيل بدفع نسق النموّ. كما أنّ التحولات الاقتصادية الكبرى وعولمة الاقتصاد وإعادة توزيع العمل على المستوى الدولي تتطلب مراجعة شاملة وعميقة لمنظومتنا التربوية والتكوينية ومنظومتنا الذهنية كي نكون قادرين على الاستفادة من العولمة وتقليص آثارها السلبية والتأقلم مع محيطنا الدولي. ولقد تأخرت الإصلاحات في هذا المجال واتسمت مرارا بالارتجال والتخبّط والارتباك ولم تتوفر الموارد الضرورية لذلك. وإذا لم تكن قدرة البلاد على التأقلم عالية وسريعة فإننا نخشى فقدان مكاسبنا في مجال الاستقرار الاجتماعي.
إنّ الضغط المتزايد على الدولة لتحسين اقتصادها وتطويره وتعزيز قدرته التنافسية ورفع إنتاجيته
يطرح أيضا تحديات ومشاكل بيئية هامة لم تطرح للنقاش إلاّ في دوائر ضيقة. إذ هناك تحديات على مستوى نقص المياه، والتلوّث، والنفايات السامة، وتآكل الشريط الساحلي، واستنزاف التربة . إنّ تطور الاقتصاد يجب أن يبقى مرتبطا بالمحافظة على التوازن الجهوي للتنمية والعمل على إرساء منظومة اقتصادية تحافظ على البيئة وتحقق التنمية المستدامة وتساهم في الحفاظ على هوية الشعب وخصوصياته. وهي حزمة من الإصلاحات تتطلب درجة عالية من الوعي والمشاركة والمواطنة.
التحولات الدولية
إنّ النظام العالمي الجديد قيد التشكل مليء بالمخاطر والصراعات الدولية والإقليمية ومثقل بمشاريع مبهمة، إلى جانب تهديد الإيديولوجيات المتطرفة التي تهدّد الشباب وتضغط على المجتمع وتتغذى من الظلم والإحباط والعنف والانكفاء على الذات.
لقد اكتشف التونسيون في نهاية ديسمبر2006 تهديدا جديدا على أراضيهم واكتشف الأولياء أنّ أبناءهم في صلب تنظيمات مسلحة وأنهم هاجروا بمهجتهم ووجدانهم إلى هذا العالم المرعب، واكتشفوا أن تونس ليست محصّنة وأنّ أي عائلة ليست محصنة. التف الناس حول الدولة وتمنوا لها النجاح في درء المخاطر والتهديدات ولكن لم يقع إشراكهم في أيّ من مسؤوليات الأمن القومي سوى الحيطة واليقظة والحذر. وبقي في الأذهان أن أمن البلاد واستقرارها مسؤولية الحكومة والحزب الحاكم فقط. تمنوا أن تعالج المحكمة هذه القضية وأن يفتح نقاش واسع ووطني ومسؤول عن الأسباب المباشرة والخفية والعميقة حول هذه الظاهرة التي تهدّد استقرار البلاد ومناعتها وسهلت انخراط الشباب في هذه التنظيمات والإيديولوجيات، ولكن خيّبت الحكومة أملهم واكتفت بالحلّ الأمني وتعبئة الحزب الحاكم وتهميش القضية وإبعادها عن ساحة الحوار الوطني
التحولات الثقافية
خيب النظام السياسي الأمل في خلق بيئة ثقافية متعددة و مبدعة و مشبعة بالعقلانية و متناغمة مع هوية البلاد و قيم التسامح و الحرية. لم تكن طبيعة النظام السياسي تسمح بأكثر من مساحة ضيقة من الحريات و التعبير مما زاد في أدلجة المنتوج الثقافي الذي أنجز بقدر كبير من الرقابة ليكون في تناغم مع خيارات الحكومة و يقدم كمنتوج ثقافي وطني يحاكي الإجماع المطلوب كما هو الحال في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.
وقع تبني سياسات ثقافية مذبذبة و مشوهة بتضاريس الأزمة السياسية و وقع تهميش قضية تطوير الفكر الديني داخل حلقات مضيقة من الجامعيين و لم تتوفر بيئة مناسبة لطرح قضايا فكرية وثقافية مصيرية للبلاد بل و بدا للكثير أن الدولة تشجع أطرفا فكرياة على حساب آخرى كما نلاحظه في سياسة البرمجة الثقافية (مسرح، سينما، كتاب، موسيقى، مهرجانات) أو في خصخصة الإعلام (التلفزات الخاصة و الإذاعات الخاصة) مما عمّق الإقصاء, و لا غرابة في أن موجة التدين الملفتة للانتباه ينظر إليها حسب بعض المحللين كنوع من التعبير الاحتجاجي على حالة الاحتقان المهدد للوحدة الوطنية.
التحديات الكبرى
تواجه البلاد اليوم صعوبات وتحدّيات ومشاكل عالقة لم توفق الجمهورية في إيجاد حلول لها، من أبرزها إصلاح النظام السياسي وإرساء الحكم الراشد والإقرار بمبدأ الاختلاف وضبط إطار جديد لإدارة الصراع. لقد ولى الزمن الذي كانت فيه الدولة تتعامل مع المشاكل وكأنها لا تريد « إثقال كاهل الناس » بإشراكهم في الخيارات وتحميلهم المسؤولية.
فبعد 50 سنة من إعلان الجمهورية وقعت تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية هائلة داخل المجتمع إلى جانب التغييرات الدولية الكبرى في علاقة بالعولمة وصياغة نظام دولي جديد وإعادة التوزيع الدولي للعمل، وهو ما أدى إلى طرح أسئلة أكثر تعقيدا.
فلقد نعم الناس بالتعلم والصحة وارتفع مستوى العيش وتغيرت العقليات وانفتحت البلاد على العالم وتشكلت طبقة وسطى تمثّل ما يقارب 80 % من السكان وتقلّصت أهمّية الريف وتجاوزت نسبة التمدن 65%. وأدت التحولات الاقتصادية و الاجتماعية إلى بروز مشاكل معقدة من نزوح، وبطالة وجريمة، و مدن فوضوية ومشاكل في الهوية وتدهور للبيئة وغيرها من المشاكل المعهودة في الدول النامية.
نتيجة لهذا تغيرت البلاد وتغير الناس، وتغيرت مشاكلهم واحتياجاتهم وانتظارتهم ورؤيتهم للموقع الاجتماعي ووعيهم بحقوقهم. تفاعل حزب الدولة سياسيا مع التحولات الاجتماعية التي صاحبت الإصلاحات الاقتصادية. إذ أصبح الفضاء الحضري داعمه السياسي الأبرز وأهمّ عنصر استقرار مقابل تهميش الريف، ونمت بسرعة طبقة وسطى محافظة. برزت نخبة جديدة امتطت الحزب والدولة لضمان مصالحها. أمّا الفلاحون الصغار والتجار الصغار والحرفيون و العاملون في القطاع الموازي فتأقلموا مع هذا الوضع عن طريق الزبونية. و مع ذلك بقي الحزب الحاكم مصرّا على احتكار الحكم والسلطة، وبقي نشاط الحزب الحاكم في الجهات يطلب المزيد من الهيمنة. وهذا ما يجعل شرائح عديدة مرشحة بالخروج من فلك الحزب الحاكم (فقراء الريف والمدن، الشباب العاطل والمحروم والنخب المهمّشة).
ومع تحول المجتمع السريع نحو الإستهلاك و تراجع المقدرة الشرائية و بروز مظاهر الثراء الفاحش الذي لم يكن من ثقافة المجتمع، و تعمق الفوارق الاجتماعية و اقتراب الحكومة من مواعيد تقدم الحزمة الأكثر إيلاما والأقل شعبية والأسوأ على مستوى رمزية الانتقال من دولة الرعاية إلى الليبرالية المخيفة بدت أصوات التذمر تتعالى داخل الطبقة الوسطى. ولا غرابة في أن أصبحت الطبقة الوسطى المتآكلة والطبقة الكادحة التي تشعر بالتهديد من اللّيبرالية الزاحفة، تنادي بالمشاركة السياسية وبحرية التعبير. وليس من المصلحة التغاضي عن شرعية هذه التطلعات بل يجب إدراجها كجزء لا يتجزأ من عملية تطوير البلاد وتحديثها وتعزيز مناعتها. وسوف يصبح من الصعب جدّا على الحكومة فرض الحزمة القادمة من الإصلاحات غير الشعبية بالإكراه والقوة نتيجة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والدولي الضاغط.
لقد أنجزت الجمهورية جزءا لا بأس به من عملية التحديث، فوصل مستوى دخل الفرد إلى 4000 دينار، ومستوى الأمية دون 16 % و تشكلت طبقة وسطى عريضة واقتصاد نام في حدود 5 % سنويا. إن هذه المعطيات تسهل بانتشار قيما الديمقراطية مما يجعل من المشاركة السياسية وتشكيل مجتمع مدني مستقل وقوي مطالب شرعية، وضرورية.
إنّ التغييرات التي طرأت على مستوى تحديث البلاد، بفعل الإصلاحات الجريئة، لم يكن الهدف منها في النهاية إلا تحقيق المواطنة، و تأهيل البلاد لحياة سياسية متطورة، و عليه يكون من التناقض بعد ذلك التنكر لتلك النتائج المنتظرة. فهدف مؤسسي الجمهورية ليس الازدهار الاقتصادي فقط, بل بناء مشروع وطني تحديثي يضمن الكرامة والتحرّر والتمكين وهذا لن يكتمل إلا عن طريق تطوير الحياة السياسية.
ضرورة الإصلاح السياسي
اختارت الحكومة مقاربة حذرة جدّا في إصلاح النظام السياسي، اعتبرتها المعارضة جمودا وانغلاقا باعتبار التضييق الشديد على الحريات. إنّ اختيار السياسة الأفضل أمر معقّد ، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار العنصر الزمني وتداخل الذاتي بالموضوعي والمحلي بالدولي والمصلحة الخاصة بالمصلحة العامة. برهنت التجربة الأولى للجمهورية أنّ التعدّدية الشكلية عقيمة وأنّ القمع غير فعّال و أن الولاءات و العلاقات الزبونية لها مضاعفات ثانوية خطيرة على مستوى بناء الروح الوطنية، فلا مناص إذا من أشكال أرقى وأنجع. ويكفي أن نستحضر آخر عهد الرئيس بورقيبة وما آلت إليه الدولة من ترهل وضعف، لولا عملية الإنقاذ التي تمّت بسلام وأخرجت البلاد من مخاطر الانفجار والانهيار.
لقد كرّس الرئيس بورقيبة الحكم الفردي ، ومع الإعتراف بخصاله كرجل دولة وصاحب مشروع تحديثي ، فإنه جسد الحكم المطلق و أرسى دولة الحزب الواحد و همش بقية مؤسسات الدولة ممّا خلق، خاصة في نهاية حكمه و تعاظم الأطماع، حالة من السّلطة الهشة غير المستقرة أدخلت البلاد في نفق مظلم لم تخرج منه إلا بعملية التغييرفي7نوفمبر1987 التي أنقذت النظام و أنقذت الدولة و فتحت أفقا جديدا.
لم تكن الانتخابات خلال العقود الماضية من الجمهورية فرصة للتداول و لتعزيز التعدّدية بل كانت مناسبة لتكرار النظام لنفسه و الدعاية لإنجازاته بما يبرر إبقاء الوضع على حاله واحتكار الحزب الحاكم للحياة السياسية وتعزيز قبضته على دواليب الدولة والمؤسسات مما أفرغ الجمهورية من مضامينها التحررية و التحديثية و احتكامها لسيادة الشعب. وبقي الحكم فرديا وبقي الإعلام عموما وسيلة الحزب للبقاء واحتكار السلطة حتّى وإن خفّت حدّة القمع وتغيّرت أساليبه و أدواته. لم يوفّر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي أرضية للانفتاح السياسي كما لم ينفع الضغط الخارجي والإكراه. وتأخرنا في إنجاز قدر من الإصلاح السياسي يؤمن مستقبل الدولة من الأزمات. توفّرت عديد المرات فرص حقيقة للتقدم بسلام نحو تطور سلس للمشاركة السياسية يأخذ بعين الاعتبار مصلحة البلاد وخصوصيّتها ولكن حالت دون ذلك عوائق عديدة يجب الاعتبار منها حتّى لا نبقى نعيد تكرار نفس الأخطاء ونراكم الفرص الضائعة. وعلى عاتق رئيس الدولة اليوم مسؤولية ثقيلة تتمثّل في العبور بالبلاد بسلام نحو مرحلة سياسية جديدة في ظروف دقيقة وعويصة.
لن نستطيع مستقبلا إدعاء أنّ عملية التطوير والتغيير والخيارات السياسية الكبرى للدولة القائمة على الحداثة و الليبرالية محل إجماع أو مجرد مهمة تكنوقراطية. لن نستطيع مواصلة تسويق هذا الكلام وتجاهل الخلافات في الرأي وفي السياسات وحتى في المرجعيات الفكرية. فمن الضروري أن تعترف الدولة صراحة بالتعدد الموجود أصلا في المجتمع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والفكري، فلا تعمد لتأليب شقّ على آخر أو محاربته أو التشجيع على الاصطفاف، بل عليها تكييف النظام السياسي بما يكفل الحق لكل الأطراف الدفاع عن مصالحها وآرائها وقناعاتها في أجواء من الاحترام والتعايش والتصارع المؤطّر في ظلّ القانون. إنّه لمن ضيق النظر، حرمان تونس من تضاريسها الاقتصادية والاجتماعية و الفكرية الجديدة.
من الضروري فسح المجال للاختلاف والاحتجاج والتنافس بين الخيارات، لا كرها للوفاق ولا حبا للخلاف ولا رغبة في زعزعة الاستقرار، بل لأنّ الاقتصاد اللّيبرالي بالضرورة وبالطبيعة يخلق تباينات، واختلافات في المصالح وفي الأدوار. وعلى الدولة ضبط آليات سليمة وفعالة وعادلة لإدارة الصراع. ومن الأفضل أن يتمّ هذا داخل مؤسسات الدولة كالمجالس البلدية والنيابية والمنابر الإعلامية والفضاءات المخصصة لذلك، لا في الصالونات وفي المساجد والكهوف والجبال، في إطار قواعد عادلة ومنصفة وغير مجحفة ومؤطرة بقوانين يمتثل لها الجميع بالتساوي. وهنا لا نجانب الحقيقة إذ قلنا أنّ كلّ الانتخابات السابقة على مدى الخمسة عقود فشلت في تجسيد هذا التمشي وفشلت في توفير البيئة الصحيحة للمنافسة السياسية النزيهة بل كانت الانتخابات دوما أداة لمواصلة الهيمنة المطلقة للحزب الحاكم على الحياة السياسية برمّتها. ولقد برّرت الحكومة دوما موقفها هذا، والذي تصفه بالحذر، بالخوف من أنّ الانفتاح في اتجاه تحرير الحياة السياسية سيشجّع التيّار السياسي ذا المرجعية الدينية المهدّد للمشروع التحديثي للدولة ومكاسب الجمهورية. لكن لا أحد اليوم بقادر على إدعاء الديمقراطية دون قرن القول بالفعل. على الدولة أن تجد الحلّ لمعضلة استعمال الدين في السياسة. ولن يتمّ ذلك بالمقاربة الأمنية ، بل بفتح مجال المشاركة السياسية للجميع وإقامة مؤسسات فاعلة وقوية وبتوفير بيئة اقتصادية واجتماعية مزدهرة وخاصة بيئة ثقافية غنية بالحوار العقلاني والتلاقح الفكري.
أنّ البيئة المنفتحة المشجّعة للحوار والتفاعل والتوافق والتسامح تفسح المجال نحو تعزيز خيار الديمقراطية لدى كلّ الأطراف. وإذا اعتبرنا التدرج خيارا مجسدا للحذر المشروع و بناء المؤسسات السليمة، فسيكون إدماج التيارات السياسية مهما كانت خلفيتها الفكرية خير ضمان لسلامة المسار الديمقراطي و تجنب سيطرة طرف على طرف آخر و الهيمنة عليه و تطويعه.
وإنّ كانت الديمقراطية في المطلق لا تضمن الحكم الراشد ولا تبدو مضمونة النتائج فإن ذلك لا يبرر تعطيلها وعدم اعتمادها. فأكبر فضائل الديمقراطية أنها تفتح الطريق لخيارات عديدة ومشاريع تصحيحية ممّا يقلّص من تفاقم الصراع والإنزلاق إلى التغيير العنيف. و في ظلّ نظام ديمقراطي ينضج بطريقة طبيعية سيكون النجاح متوفرا للتعاطي مع الخلافات وتضارب المصالح بين مكونات المجتمع وذلك بتشجيع التوافق (compromis) وتغليبه على التنافي.
لا مفر إذا من تغيير طريقة تفكيرنا وطريقة تخاطبنا وطريقة تعاملنا مع المشاكل السياسية والأمنية والدولية. وفي غياب إدماج عنصر الصراع في الحياة السياسية، وتأطيره عبر تعزيز قدرة الأحزاب على الحوار والتفاوض والتعبئة وقوة الاقتراح والمشاركة وتوسيع الخيارات أمامهما. في غياب هذا سيكون العنف جذّابا للبعض. إذا قدر النظام أنّه من غير الممكن المجازفة بالإصلاح فإنّ هذا سيكون ربّما مؤشّرا بأن الإنتقال سيكون بطريقة غير سلمية.
مقومات الإصلاح السياسي
رد الأعتبار للروح الوطنية و للمواطنة
ليس المطلوب اليوم تزيين النظام السياسي بمؤسسات مفرغة من السلطات و انتخابات مفرغة من أي تنافس وتعددية مغشوشة. إذ لا مناص بعد كلّ ما ذكر من مواصلة مسيرة التنمية والتطوير والتغيير بإشراق الحريات. ولن يتمّ ذلك إلاّ بتسهيل دخول المواطن معترك الحياة العامة و الارتقاء به إلى مستوى المواطنة بما تحمله من حقوق و واجبات والتعبير عن رأيه والمشاركة الفاعلة في صياغة القرار و نقاشه في بيئة تنبض بالأمل ومطعمة بعقلانية خلاقة، ذلك أنّ الازدهار الاقتصادي وحده غير كاف للشعور بالانتماء للوطن.
لن نستطيع مواصلة مسيرة البلاد المزدهرة في ظلّ الأوضاع الراهنة بإرادة فردية مهما كان نبلها وخبرتها. لن تستطيع الدولة معالجة المشاكل ومواجهة التحديات ودرء المخاطر مع إبقاء المواطن في وضع سلبي فاقد الاهتمام بالشأن العام، منسحبا ومستقيلا كلّيا من الحياة العامة ونافرا من العمل الاجتماعي ومشكّكا في أيّ تجربة وفي مؤسسات الدولة ، و فاقدا الثقة في المعارضة وفي الحكومة متّهما الجميع بشتّى التّهم ومكتفيا بعلاقته الزبونية ومتخلّيا عن مواطنته ومسؤوليّته.
من المؤسف أن تبقى الرياضة، على أهمّيتها، أهمّ محرّك شعبي للشعور بالانتماء للوطن. كيف نطلب من فرد مهمش، مذبذب الانتماء، وضعيف الإلمام بواقع البلاد المعقد، كيف نطلب منه :
– أن ينتصر لبلاده
– أن يدافع على المكتسبات
– أن يلتزم بالحوار والتسامح
– أن يتحمل تكلفة إصلاحات غير شعبية
– أن يتفهّم موقف بلاده من قضايا دولية
– أن يحافظ على البيئة
– أن يطور سلوكه الحضاري
– الخ
إنّ هذه المطالبة، في ظلّ تنامي واقع سياسي يتّسم بالزبونية والتبعيّة والولاء وغياب الرأي الحرّ وانتشار اللامبالاة، تبدو كصرخة في واد. يعلم القاصي و الداني أن العدد الضخم والمضخّم لمنخرطي الحزب الحاكم، ليس نتيجة قناعة بمبادئه وأفكاره السياسية كما كان الحال غداة الاستقلال، إنّما بقدرته على تحريك وتوفير موارد زبونية. فإذا فقد ذلك فإنه سيرى بسرعة قطاعات عديدة من المجتمع تخرج من سطوته وتتموقع في المطالبة والاحتجاج. إنّ تخلف الوضع السياسي يسهل بروز خدم وحشم مهمّتهم السياسية الوحيدة التكرار الملل لمكاسب التغيير ومعجزات العهد الجديد وتعداد الإنجازات. إنّ هذا يشوّه الصورة ويشوش على المجهود الإصلاحي، وينفر الناس وخاصة الشباب منهم ويهمّش النخبة النيّرة في الحزب الحاكم.
من مسؤولية الدولة والنخبة الحاكمة في هذه المرحلة بذل الجهد الكافي لتقديم المعلومات الصادقة والصحيحة مع استعمال الخطاب المناسب لا الدعاية السهلة. لا يجدي نفعا أن نخفي الحقائق ونغطي على المشاكل بتعلّة أنّها تحدّيات ونركّز فقط على المحاسن و الإيجابيات. كما لا يكفي أن نعزو كل مشاكلنا لعناصر خارجية (عولمة، بترول، …) ونتعلّل بالتهديد الأصولي لتأخير الإصلاحات ذات الطابع السياسي.
إنهاء هيمنة الحزب الحاكم و احتكار السلطة
يصعب أن نتقدم نحو الديمقراطية، بحزب حاكم مهيمن ومتداخل مع أجهزة الدولة (خاصة على مستوى السلط الجهوية والمحلية) وبأحزاب تابعة كليا للدولة، ضعيفة و فاقدة للكفاءة والمصداقية وغير قادرة على تطوير فكر سياسي أو تأطير أو تعبئة الجماهير وغير منغرسة في المجتمع وعاجزة عن أية إضافة، و بمؤسسات شكلية صيغت في فترة تاريخية محددة لإدامة هيمنة الحزب الحاكم وتضخيم مؤسسة الرئاسة وتجريم المعارضة. ولن نستطيع أن نتقدم مع حزب حاكم يبرر هيمنته واحتكاره للحكم باعتباره يمثل كلّ التونسيين وكل الطبقات وكل القطاعات في تبسيط لطبيعة المجتمع وفي مغالطة لواقع البلاد الحالي.
ابتعد الحزب الحاكم عن القيم التحررية والتحديثية للحزب الدستوري عند نشأته. ولم يعد تلك المؤسسة المفعمة بالحيوية والتي حملت نخبها مشروعا تحرّريا تحديثيا قوامه تحرير الإنسان من كلّ المعوقات وخاصة الجهل والذلّ والحرمان والاستبداد.
لا يعني هذا أن الحلّ يكمن في إضعاف الحزب الحاكم أو إزاحته. بل في تعديل دوره وتحديد هويته، والمصالح التي يمثلها. الحلّ يكمن ايضا في أن تتحرك الدولة بوضوح ومن باب المصلحة العليا للوطن، بإعطاء فرص حقيقية للأحزاب المعارضة ومدّها بالقدرات والدعم وتسهيل عملها والتعريف بانشاطها في الإعلام وإبراز زعاماتها وإيصال آرائهم وتوفير المناخ السليم للتواصل مع المواطنين. وذلك عبر إجراءات عملية مثل توفير الموارد وفتح الفضاءات العامة، وإيصالها إلى المعلومة وكذلك عبرتحييد الأجهزة الأمنية والمسؤولين والسلط على المستوى الجهوي والمحلي و اعتبار المعارضة شريكا مدنيا محترما و مؤسسة من مؤسسات الدولة وجب حمايتها و المحافظة عليها. حياد الإدارة والسّلط المحلية والجهوية يعني أن تكون قادرة على التعاطي والتجاوب مع كلّ مكونات المجتمع التي هي بصدد العمل على تعزيز التنمية بالبلاد بمفهومها الشامل. لذلك فإنّ من أوكد المهام للانتقال الديمقراطي الإسراع بفصل أجهزة الدولة والإدارة عن الحزب الحاكم وتطوير إدارة محايدة عن الأحزاب واامصالح. إن لم نوفق في ذلك فسنجد مقاومة شرسة للإصلاح السياسي من قوى متنفذة قد ربطت مصالحها ببقاء الحال.
بناء شراكة سياسية
الأولوية اليوم، تتمثل في تأسيس شراكة جديدة و العمل بقواعد جديدة مع الأحزاب السياسية والإعلام و المجتمع المدني كوسائط أساسية للوصول إلى الناس و إنهاء حالة الإحتكار القائمة تحت عنوان » الحزب الحاكم مؤتمن على التغيير ». مسؤولية تغيير أوضاع البلاد نحو الأفضل هي مسؤولية كل الأطراف السياسية ذات المصداقية التي تمثل آراء وأفكارا وخيارات و تطلعات شعبية مختلفة. ولن يتمّ هذا إلا بإنهاء علاقات الولاء والتبعية العقيمة الناسفة للمصداقية واستبدالها بعلاقات جديدة بين الحكومة والأحزاب و المجتمع المدني قائمة على استقلالية الأطراف في الرأي والاحترام لكلّ الآراء والشراكة الجدية تحت مظلة الدولة.
تأهيل الحياة السياسية
تواجه الدولة اليوم تحدي الإصلاح السياسي و سيحدد مدى النجاح فيه المسار المستقبلي الذي ستكون عليه البلاد. إما مسارا سالكا متدرجا أو مسارا تعصف به الأزمات و التهديدات من كلّ جانب في مشهد مكرر. يتمثل هذا التحدي في إرساء أسس متينة للمواطنة الحقيقية عبر تأهيل الحياة السياسية وبتحقيق تقدم كبير على مستوى تطوير الحريات المدنية وتوسيع قاعدة المشاركة ومبدأ المحاسبة.
لقد وقع تأهيل كلّ شيء في البلاد، باستثناء الحياة السياسية. ووقع التخطيط لتنمية كل شيء إلا تنمية الحياة السياسية. يتطلب تأهيل الأحزاب تقاسم مستوى الوعي مع الحكومة بالتهديدات والتحديات، والتمسك بالجمهورية و قيمها ومبادئها، وتوفير بيئة تسهل العمل السياسي وتعطيه شرعية قوية ، حتى تكتسب الأحزاب مصداقية ومقدرة حتى تكون حاملة لأفكار بديلة وسياسات مختلفة.
خيار إضعاف المعارضة و تهميشها و بناء آلة دعائية على أنقاضها يقلص من فرص بروز معارضة وطنية كفأة و مسؤولة و ديمقراطية. ذلك أنّ الإحتجاج الشعبي كالسيول إذا لم تجد مراقدها الطبيعية تفيض وتأخذ مسالك غير مؤطّرة وتكون هناك أضرار فادحة.
اتجاهات الإصلاح السياسي
المشاركة السياسية
الجمهورية بعد 50 سنة بحاجة إلى حلم جديد ومثالية جديدة وعقلانية جديدة و قيم أصيلة متجذرة في الواقع ومتفاعلة معه تحرر الإنسان من الخوف والتواكل والاستقالة ، وتفجّر طاقاته وتحسّن أداءه الاجتماعي. فكما كانت الجمهورية إبان الاستقلال فعالة وسخية في تحرير المجتمع من الدونية، فهي مطالبة اليوم بتحريره من الاستبداد و التسلط والتشنج الإيديولوجي. و لطالما كانت هذه الجمهورية حلما راود العديد من المصلحين من خيرة أبناء هذا البلد ولم تتوفر لهم فرصة لمعايشة تجسيد هذا الطموح الذي دفع البعض من أجله ثمنا باهظا.
الجمهورية المنشودة في المستقبل بحاجة إلى كلّ أبنائها دون إقصاء، تجمعهم وتقدم لهم فرص حقيقية للعيش المشترك، وتوسع خياراتهم في المشاركة وتعزز شعورهم بالانتماء وتفجر طاقاتهم للإبداع والعمل بالمساهمة في القرارات التي تخصّهم وتقدّم لهم حلولا عملية لمشاكلهم، ولن يتمّ هذا إلا في ظلّ مؤسسات حكم تؤطر الاختلاف و تمنع الإقصاء و التهميش و تضمن فرص حقيقية للجميع .
إذا توصل الناس إلى إدراك أو قناعة أن الجمهورية والدولة حكر على فئة متنفذة، او مجموعة لا تهتمّ إلاّ بمصالحها المادية والاعتبارية وغير معنية بعلاج مشاكل الناس المستعجلة كالتداين المرهق والبطالة، وتعليم الأبناء والصحة والسكن اللائق، فإن ذلك سيحبط العزائم وينشر الاستقالة والصمت والتقوقع وانتظار أوّل فرصة للتعبير الجماعي عن الغضب والاحتقان . وبذلك ينهار المجهود الوطني الذي بذل لبناء اللحمة الوطنية والتضامن حول الحداثة والنموّ والمصير المشترك. ستوجد دوما أصوات قادرة على اختزال الأزمات المعقدة في تعبيرات بسيطة ووصفات سحرية وساذجة لتأليب الجماهير وجرّ المجتمع للإحتراب. كما إن استعمال رمزية دينية أو غيرها للتعبير عن طهارة موقف سياسي وشيطنة الخصم في ثنائية مقيتة، من شأنه تأجيج العواطف وتغذية الخوف وإخراج الوضع من دائرة الصراع السياسي إلى التناحر.
إن توافقا وطنيا حول التهديدات و المخاطر، وفسح المجال للمشاركة السياسية الحرة دون إقصاء، وفتح أفق للمستقبل مفعم بالأمل، سيخفّض بالضرورة من الإحتقان وننقذ الشباب المتحمس من الإحباط وقوارب الموت او الزجّ به في أتون حروب خاسرة.
الواقعية في الإصلاح
تطالب المعارضة بجمهورية ديمقراطية وبإصلاحات سياسية تختزلها في التنصيص في الدستور على توازن حقيقي بين السلطات وتحديد ولاية رئيس الجمهورية بدورتين فقط وإقرار مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب وضمان استقلال القضاء وإرساء محكمة دستورية لمراقبة القوانين يحق للمواطنين التظلم لديها، وهي مطالب مشروعة، نتفق على أهميتها وحيويتها، ونختلف في سبل تحقيقها. اعتبارا للواقع الصعب والمعقّد في أبعاده الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية السالف شرحه.
يجب أن نفرق بين دمقرطة البلاد والديمقراطية. الدمقرطة مسار معقد لتحويل النظام السياسي التسلّطي إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقرّ. قد نتّفق على الأهداف العامة ولكن التكتيكات والخطى الواجب إتباعها للوصول إلى الأهداف يجب أن تأخذ بعين الاعتبار خصوصية البلاد. فالناس إذ يرفضون القمع والأساليب التسلّطية، فإنهم لا يتطلعون بالضرورة إلى نفس الأهداف، خاصة بعد نصف قرن من الزبونية و قرون من الإستبداد وثقافة اجتماعية تختلف فيها نسبة التحررالاجتماعي ( و العائلة مثال لذلك). التدرج يقتضي أننا لا ننطلق من صفحة بيضاء و كأننا نؤسس دولة جديدة، بل ينطلق من المكتسبات و الواقع الموروث و يطوره بما يمكننا من تجنّب النكسات والمطبات.
هناك تخوف مشروع من تبعات تسريع نسق تحرير الحياة السياسية. و هناك حاجة أكيدة إلى بناء الثقة وطمأنة كل الأطراف حول اتجاهات الإصلاح. ذلك أنّ تأهيل الحياة السياسية يتطلب الوقت الكافي لتجاوز تراكمات المرحلة السابقة ومعوقات البيئة السياسية. نتفهم التريث ولكن نفرق بين الحذر المشروع والمطلوب وبين الجمود والانغلاق السياسي المكرسين للاحتكار. فالحذر لا يبرر عدم الإقرار بحيوية الإصلاح والبدء فيه دون تردد وتثبيت اتجاهاته.
و لا نجانب الحقيقة إن اعترفنا بأن سرعتنا بطيئة جدّا في المجال السياسي ومكبلة للطاقات ومعطلة لحركة التغيير، وعالم اليوم لا يعيش فيه الأقوى فقط بل الأسرع. و التاريخ مليئ بالعبر والنتائج الكارثية للأنظمة السياسية التي لا تتطور و لا تصلح نفسها في الوقت المناسب، ونظام البايات أقرب إلى الذهن من أي مثال خارجي. ولاكتساب هذا النسق الضامن للبقاء علينا تغيير سرعتنا بالتأقلم مع معطيات التحولات الكبرى التي تشهدها بلادنا.
نّ اعتبار التيارات السياسية ذات الخلفية الدينية تحت مسمى الإسلام السياسي، دون الإقرار بتنوعها ودون تمييز بين اتجاهاتها، تهديدا للأمن القومي و الديمقراطية، لم يعد مقنعا ولا يسهل التوافق والتقدم على طريق الإصلاح فقد برزت حدود هذا الخيار في القضاء على ما سمي بالإسلام السياسي ولم يمنع بروز العنف المسلح ذو الخلفية الدينية. إنّ تحديد موقف موحد من المخاطر الحقيقية التي تهدد أمن البلاد واستقرارها، لايتم إلا عبر حوار وطني يمهد لبناء الديمقراطية التوافقية.
إنّ التدرج جزء من الثقافة السياسية التونسية،التي اتسمت طوال العقود الخمسة بهذا المنهج سواء في سياسة المراحل للرئيس بورقيبة أو في تطبيق البرنامج الهيكلي أو في التوجه الليبرالي للاقتصاد والخروج من الاقتصاد الموجه أو في التجاوب مع الأوضاع الدولية أو في إدخال حزمة الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والمشروع التحديثي. وكان التدرج سمة أساسية في التحولات الحاسمة التي عرفتهاالبلاد . ولكن السمة الأخرى للثقافة التونسية هي الجرأة في الإصلاح مع احتساب المخاطر وتدقيقه كما حصل في اقرار مجلة الاحوال الشخصية واصلاح التعليم . فبدون جرأة وجرعة من المخاطرة لا تتقدّم الأمور، وبدون جرأة لم يكن تغيير السابع من نوفمبر ليحصل.
رفض الديمقراطية المفروضة من الخارج
أخذت تونس حظها داخليا وخارجيا من برامج نشر الديمقراطية التي علا سهمها منذ ما يقارب العشرين سنة. نشطت أمريكا بقوة في نشر الديمقراطية في العالم ولكن صورتها ومصداقيتها تدهورت بشكل فضيع خاصة بعد الحرب العدوانية و الإستعمارية على العراق سنة 2003 . كما نشطت أوروبا أيضا وبقوة ولكن بطريقة أقل صدامية من الولايات المتحدة الأمريكية ومصداقيتها أفضل وأسلوبها أقل فظاظة ورعونة وتعجرف من أمريكا التي تسوق نفسها كمدافع للحرية في العالم مع سجلّ سيء من المتناقضات، وسجلّ من المساندة الفظّة لإسرائيل ولأنظمة استبدادية حتى في أوجّ الدعوة للحرية والديمقراطية.
أخذت الحكومة على عاتقها تطوير الحياة السياسية ، وتمتعت ببرامج دولية لتشجيع الديمقراطية (برامج مدرسية، تكوين، جمعيات، انتخابات تعدّدية، إلخ.). كانت النتائج إيجابية إذا أخذنا ظاهر الأمور وتعداد المنتوجات والبرامج (عدد الأحزاب التي وقع الترخيص لها، عدد الانتخابات التعددية التي أنجزت، وعدد الجمعيات (9000) وعدد البرامج التكوينية للأحزاب والجمعيات والمنظمات المهنية والإعلاميين والقضاة والبرلمانيين) وهي أرقام كبيرة. لكن بالنظر إلى النتائج النوعية، يبدو المشهد مختلفا تماما. ويتساءل المرء بكل موضوعية إلى أيّ مدى ساهم كلّ هذا المجهود المحلي والدولي في تطوير وتغيير الحياة السياسية. فما هو تأثير عدد الصحف والمجلات والمنشورات والإذاعات والتلفزات الخاصة (إذ وقع خصخصة القطاع بطريقة معينة لا تعزز استقلالية القطاع) في درجة استقلالية الصحافة والإعلام؟ وحتى حين يسمح للجرائد المستقلة بالعمل فإنه يمارس عليها ضغوطات شتى لتوجيه محتويات وممارسة الرقابة الذاتية. و ما هو تأثير عدد البرامج الحوارية و الملفات الإجتماعية في وسائل الإعلام الرسمية على حرية التعبير و تشجيع الحوار؟ وما هو تأثير عدد الجمعيات على قدرة المجتمع المدني في التأثير على السياسات وصياغة القرار؟ وما هو تأثير الانتخابات التعددية الشكلية في خلق منافسة سياسية حقيقة؟ حيث نجد في المقابل سعيا محموما لعرقلة المنافسة في شتى مراحل الانتخابات .
إنّ هذه الإنجازات الشكلية والعددية لم تساهم إلاّ بشكل متواضع في تقليص الفجوة بين نفوذ الدولة ونفوذ المجتمع المدني والسياسي وبشكل أخص لم تغير في الهوة الساحقة التي تفصل بين سلطة الحكومة وسلطة المعارضة.
ومع ذلك ساهم كل هذا الوضع إلى جانب نضالات المجموعات السياسية و الحقوقية و الفكرية و الفنية الجريئة و الشجاعة و التي تعاقبت على مدى الخمسة عقود في تقليل عمق الفجوة بين الدولة والمجتمع ولكن الفارق ما زال شاسعا جدّا. إنّ الخطر في إبقاء هذا الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع يخلق الظرف المناسب لاحتمال وجود ضغط خارجي وحتى تدخل دولي تحت غطاء « تشجيع الديمقراطية » بالإكراه الذي قد تتوفر له ظروفه ليصبح خيارا دوليا لتونس إذا لم تمتثل البلاد لمصالح القوى الكبرى ويكون التدخل عادة عن طريق مساندة المجتمع المدني في وجه الحكومة. إن تصحيح هذا الخلل ليس فقط مدخلا ضروريا للانتقال الديمقراطي بل له أهمية إستراتيجية حيوية لأمن البلاد و مستقبلها.
لقد كانت الضغوط الدولية المحتشمة لاعتبارات إستراتيجية تواجه بتجميل المشهد الرسمي حتى يبدو قريبا من « ماركة » الديمقراطية الغربية. وعشنا فترات لم نود رؤيتها حيث كانت بلادنا تؤنب نفاقا لمزيد الإصلاح الديمقراطي من بعض القوى الكبرى في محاولة لإبتزاز مواقف دولية وخدمة لمصالح اقتصادية. وحين يقع إرضاؤها تعود تلك القوى للحديث عن ضرورة أخذ وضع البلاد بعين الاعتبار في لعبة مفضوحة مكشوفة تفقدها أيّ مصداقية في إعطاء دفع للإصلاح السياسي خاصة إنّ ديمقراطية الإكراه أخذت في عديد الأحيان شكل محاولة لقلب الأنظمة وبعيدا عن مسار الإصلاح السياسي. يجب رفض التدخل الأجنبي الذي يريد ظاهريا تقوية المجتمع في وجه الحكومة ولكنه يسعى في نفس الوقت لمزيد النفوذ والتأثير القوي على البلاد و سياستها. لا نريد ديمقراطية بالإكراه ولا بالاستعمار المباشر أو المقنع. نريدها خيارا وطنيا مشبعا بالوفاق والعقلانية .
الحوار الوطني مدخل للديمقراطية التوافقية
أمامنا اليوم فرص حقيقية، يجب التقدم نحوها، واستثمارها لبناء أوسع وفاق وطني حول جمهورية ثانية ومؤسساتها ومضمونها وقيمها واتجاهاتها في قطيعة ضرورية مع الزبونية و التبعية والسلبية وعدم التوازن.
مثل هذا الوفاق بتتطلب في بدايته وبالضرورة حوارا وطنيا معمقا وواسعا يرعاه رئيس الدولة بصفته رمز الدولة ويضمّ الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والتيارات السياسية والفكرية و مكونات المجتمع المدني والنخب دون إقصاء.
يتطلب نجاح هذه المبادرة شراكة حقيقية تضمن عدم الالتفاف عليها أو إفراغها من مضمونها وبعدها الوطني . ويشكل هذا الحوار في حدّ ذاته بداية انفراج سياسي ومنطلقا لتجاوز سلبيات الوضع الراهن، والعطالة السياسية، ومبادرة واقعية لإنضاج أفكار خلاقة تستمدّ قوتها من بعدها الوطني وتلازم الحقوق والواجبات واعتماد الاحترام المتبادل في التعاطي مع الخلافات.
هذا الحوار لا بد أن يتطرق لقواعد المشاركة السياسية التي تمرّ بالضرورة بتعريف المصلحة الوطنية، والأمن القومي، والهوية الوطنية ودور السلط ومفهوم التضامن الوطني والتحديات التي تواجهها البلاد والقيم التي تقوم عليها الجمهورية. ويصحح هذا الحوار المقولة الخاطئة في أنّ استقرار البلاد و أمنها هو مسؤولية الدولة فقط ولا دخل فيه للأحزاب والمجتمع المدني والأفراد.
هذا الحوار سيمكّننا من الوصول إلى فهم الجذور العميقة والأسباب الحقيقية وراء احتقان المعارضة وتجذرها، وامتعاض السلطة وتباطئها في الإصلاح، وغياب المشاركة، وفقدان الثقة والتواصل ومواطن التوتر وعوامل التشنّج والسلوك العدواني.
أجندة الحوار الوطني قد ينظر إليها من طرف البعض كحيلة الضعيف ومن ليست له قوة المواجهة ، أو كطريقة للالتفاف على المطالب المشروعة وإعادة إنتاج ولاء سياسي زبوني جديد أو كمناورة من طرف السلطة لامتصاص الغضب وتنفيس الاحتقان وسحب البساط من المعارضة. هذه التقديرات وإن اختلف تموقع أصحابها، فهي تشجّع التمشي المتصلب و المعطل ، وتتناسى أننا نطلب الحوار في صلب الوطن الواحد، بين أبناء الشعب الواحد داخل الدولة المجمعة وإن اختلفت أفكارنا وثقافاتنا ومقارباتنا السياسية.
خاتمــــــــــــة
تدل عديد المؤشرات على توفر الظروف الملائمة للإنتقال الديمقراطي في تونس: دولة قوية، غياب صراع إثني أو طائفي، نموّ اقتصادي، نخبة مثقفة و منفتحة ، عقد اجتماعي، طبقة وسطى، قوى مساندة للديمقراطية …كلّ هذه المؤشرات تسهل تأهيل الحياة السياسية.
المشكل في تونس ليس في ضعف الدولة، ولكن في موازين القوى المختلة بين حكومة ممسكة بكل خيوط اللعبة السياسية وقادرة على القمع ، ومعارضة مشتّتة ، وغير قادرة على الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع التي قد ترى فيها من يمثل مصالحها. ربما تستطيع الحكومة إطالة هذا الوضع إلى أن تبرز معارضة قوية تفرض التغيير. كما تستطيع الحكومة طوعيا وإراديا قلب هذه المعادلة لمصلحة البلاد، باختيار نهج الإصلاح، وهذا ما نعمل عليه.
خلال الثمانينات والتسعينات كانت أهمّ قضية واجهتها البلاد هي نسق اللّيبرالية الاقتصادية وانعكاساتها ونتائجها الاجتماعية في عالم تحول برمّته في هذا الاتجاه. ولقد مرّت البلاد خلال هذه الفترة بمناخات متقلّبة وموجات من الاحتجاج والتمرّد، وخاصة من الشرائح التي طلب منها تحمل العبئ الأكبر، أي الشغالين والطبقة الوسطى، مما كاد يعصف بالنظام وبالدولة.
أمّا أهمّ قضية تواجهها البلاد اليوم، إلى جانب تبعات التوجه الليبرالي في مراحله المتقدمة، فهي نسق الإصلاحات السياسية، بما يضمن بقاء النظام السياسي المؤطر لنتائج العولمة والانفتاح الاقتصادي وإدخال مزيد من التطوير في منظومة الحكم. وذلك بالقطع مع الزبونية وبناء شراكة بين أطراف سياسية مستقلة عن الدولة تتصارع فيما بينها داخل مؤسسات وبقواعد واضحة وعادلة على طريق الديمقراطية التوافقية.
تعتبر هذه المرحلة أخطر بكثير من المراحل السابقة، باعتبارها تمس طبيعة النظام السياسي وتؤدي بالضرورة إلى تقاسم النفوذ بين الأطراف السياسية وهي قضايا حساسة ومثيرة ولها علاقة كبيرة ومباشرة بالاستقرار والأمن القومي. على المعارضة والسلطة استيعاب هذه المعطيات والتحلي بقدر كبير من المسؤولية وبعد النظر ، حتى تتمّ هذه المرحلة بسلام دون أن نضع البلاد في خطر. وهذه مسؤوليتنا جميعا.
********************************
للتفاعل مع هذا النص الإتصال على العنوان الإلكتروني: republiquetunisie@yahoo.fr
معا من أجل جمهورية الغد
يوم 26 جويلية 2007 الحلقة الثانية
بمنــاسبة عيد الجمهورية .
الاستــاذ فيصــل الزمنـى
تـوطئــة :
لقد كـان بودى أن أنشر هـذا المقـال بمنـاسبة احتفـال بلادنـا بعيد الاستقلال فى 20 مـارس الا أن وفاة والدتى رحمهـا الله و الانشغـال و التأثر… قد حـالا دون اتمـام و نشر المقـال فى موعده . لـذا فهو يـــــرد متأخرا بعض الشيئ و قد خيرت نشره بمناسبة عيد الجمهورية لمـا فى اعتقادى من علاقة عضوية بين النظـام الجمهوري من جهة و ضمانات الحفاظ على الاستقلال من جهة أخرى . لذا فالرجـاء لـدى السادة القراء أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار . و لا يفوتنى أن أتوجه بالشكر الـى كل الذين حضـــروا الـى مدينة نـابل أو اتصلوا بي من أجل المواساة و التعزية و لا سيمـا أولئك الذين حضروا موكب الدفن و معهم رمز الوطن المفدى ( علم البلاد ) محمول كمـا حمله أوفياء هـذه الارض فى كل وقت .
شكـــــــٍرا
المـداخلــة
تحصلت تونس على استقلالهـا و خرجت من تحت نير الاستعمـار الفرنسي منذ 1956 و كـان ذلك بفضل نضال أبنـائهـا الابطـال من » فلاقة » و مواطنين أحرار و نقابيين مناضلين نسجوا أروع الملاحم فى تاريخ البلاد و أطردوا المستعمرالغاشم من أجل أن يرحل من غير رجعـة .
كمـا اختار التونسيون النظـام الجمهوري ليكون الاطـار الذى يتم ممـارسة السيادة الوطنية من خلاله بمـا يتضمنه من مبـادئ عليا كمبدأ تفريق السلط … و اللجوء الى الاقتراع لانتخاب ممثل ي الشعب … الـى جانب ارسـاء دعـائم دولة القانون و المؤسسـات … لكي ننتهى على أرض الواقع الـى مـا انتهى اليه المفكر مونتاسكيو نظريا عندمـا أكد أنه اذا كـان من طبيعة الاشيـاء أن يتعسف كل ذى سلطة فى استعمـالهـا .. فانه من ضرورة الاشياء أن توقف السلطة تعسف السلطة … حتى لا يستبد أحد و لا يفرط فى استعمـال السلطة .
ان تونس التى تحصلت على استقلالهـا 1956 قد عرفت فى الفترة مـا بين 1957 و 1959 كيف تلتحق بالدول المتحررة و ترفع عنهـا استعمـارا من نوع أخر … و هو » استعمـار » البايات الذين تصرفوا فى البلاد تصرف المالك فى ملكه … و لعل البلاد التونسية قد تميزت حتى عن بعض جيرانهـا الذين استقلوا عن الاستعمـار الفرنسي الا أنهم حـافظوا على النظـام الملكى و أكدوا سلطة الملك و بحثوا لهـا عن شرعية جديدة …
الا أن تونـــــس قد اختارت الخروج من مرحلة الاستعمـار فى نفس الوقت الذى ألغت فيه النظـام الملكي و احلال النظـام الجمهولري محله .
ان الانقلاب على الباي من قبل وزيـــره الحبيـــــب بورقيبـــة و اعلان الجمهورية و الغـاء النظـام الملكى يعتبر فى بلادنـا أول تخطيط رسمي لنهج الحداثة…, فالجمهورية تعنى تفريق السلط و سيـــــادة الشعب … و الحكم الديمقراطــــى … و القضـاء بالعدل باسم الشعب … و عدة مبادئ و معـانى أخرى سامية … فاحت رائحتهـا و عبقت … عندمـا اختلطت بدمـاء الشهـــــداء الذين نادوا ببرلمـان تونسي … و بالحرية… و بعروبة تونس .
ليس هنـاك من شك أن الحزب الحر الدستورى القديم و من بعده الحزب الدستورى الجديد قد لعبا دورا هـاما فى السعي لتحرير البلاد و قد قـاد الحزب الدستورى نضـال لا يمكن لاحد انكـاره برغم بعض المأاخذ و التجاوزات التى حصلت فى حق رموز البلاد كموقفه من حركة محمد على الحـامى و حركة الطـاهر الحداد الاصلاحية فى بدايتهـا … و حتى توجهـات ابن القصر الملكى المنصف بـاي …. و كـان من الطبيعى أن يشب خلاف على مواقع القيادة من بعد ذلك حتى داخل جدران هـذا الحزب نفسه … الا
أنه من المؤسف و من العـار على تونس الفتيـة التى ضحى أبنـاؤهـا بدمـائهم من أجل أن ترفع رايتهـا عـاليا بين الدول … أن يقع حسم بعض الخلافات بالتصفية الجسدية و هو مـا حصل فى حق جل الزعمـاء تقريبـا و كـان ذلك بأيادى كشف عن بعضهـا … فى حين بقي البعض الاخر للمستقبل للكشف عليه و ان كـان الامر واضحـا …..
لم يخفى الرئيس السابق الحبيب بورقيبة مـا سجلته تونس بخصوص علاقاتهـا مع الدولة الفرنسية ,اذ أنه و فى الوقت الذى تحصلت تونس فيه على استقلالهـا فقد تحولت الدولة الفرنسية الاستعمـارية الى دولة صديقـة . و قد كـان ذلك فى اعتقادنـا ممكنـا لسببين اثنين :
ـ 1 ـ : يعود السبب الاول الى انتقال السلطة فى تونس الى مجموعة تبنت الحداثة و درست فى الغرب و تبنت جملة من القيم التقدمية منهـا تحـــرير المرأة … و توحيد تشريع الاحوال الشخصية بمـا جعل تونس تخطو خطوة و لو محتشمة نحو التقنين االلائيكى فى البلاد و اعتبار الدولة المستعمرة مثـال يحتذى به…. و لا يمكن أن ننسى » الدروس » التى كـانت تلقى أثنـاء خطابات الرئيس السابق الحبيب بورقيبــــة و هي التى تهدف الى دفع التونسييــــن الى العمل من أجل اللحاق بالغرب المتحضر و تقديم نقل المثـال الغربي على أنه الحل الامثل .
ان تولى المجموعة البورقيبية الحكم فى تونس قد ساعدته غلطة » تكتيكية » فادحة قام بهـا فى رأينـا الزعيم صالح بن يوسف الذى انتحى منحى شرقي و رفع شعـار القومية العربية فى وقت صعب جدا كـانت فيه القوى الاستعمـارية تخشى أن تتحول موجة استقلال دول شمـال افريقيا الى توجه كـامل قد ينقلب على الاستعمـار و يعيد الى أرض الواقع مشروع الوحدة العربية و مقاومة أذيال الاستعمـار وهو يتهيئ لاتخــــاذ شكل جديـــد يتمثل فى تركيز الاستعمـار الثقافى و الاقتصادى و السيطرة على القرار السياسي و توجيهه داخل بلداننـا .
نقول غلطة صـالح بن يوسف ليس من الباب المبدئي و لكن التكتيك وقتهـا كـان يملي عليه ألا يتخذ موقف الالتحـام بدعـاة القومية العربية و هو الذى يطرح نفسه بديلا لبورقيبة . ان صـالح بن يوسف فى تقديرنـا قد » أخاف » الغرب و بالاساس فرنسا و هو مـا دفعهـا الـى القبول السريع ببورقيبة ثم الى غض الطرف عن تصفية صـالح بن يوسف بالطريقة التى تم الكشف عنهـا لاحقا.
ـ 2 ـ : أمـا السبب الثانى فهو يعود الى اعتبـار فرنسـا و نظرا للظروف العصيبة التى مرت بهـا فى العـالم و اعتبارا لحركة التاريخ … أن الموافقة على استقلال تونس أمرا ممكنـا و يجوز تداوله فى المنطق الفرنسي …
ان الاستقـــلال فى تونس لم يكن قد تم على الشاكلة البسيطة التى يمكن أن تكــــون يومـا قد مرت بذهن » فلاق » حمل السلاح بالجبال قبل أن يتم تجميعه و تسليمه فى حملة تزعمهـا حزب الدستور … أو كمـا مر بذهأأأأن أحد الشبـان الذين استشهدوا يوم 09 أفريل …. و ذلك بأن يقع طرد الاستعمـار نهـائيا و تقوم
حكومة معادية له و تنتصب أمامه بشكل يتحداه و يواجهه . ان الاستقلال التونسي قد جـاء مصاحبا لجملة من الاتفاقيات و المصالح … التونسية الفرنسية… اذ أن بورقيبة قد أكد على تحول فرنسا الى دولة صديقة… تغير على صديقتهـا تونس… و لا تتحمل أن تراهـا تتضرر أو تتقلـــق… دون أن تدعمهــا … أو ترفع عنهـا » الشر » .
كل ذلك جـاء فى وقت عرف العـالم فيه جملة من القيم و المبادئ الكبرى التى ترددت فى مقرات الامم المتحدة و ناضل من أجلهـا زعمـاء العالم مثل » لوممبا » و » غـاندى » و » عبد الناصر » و » تيتو » … و غيرهم من القادة التاريخيين و من هـذه المبادئ : احترام السيادة الترابية للدول و حق الشعوب فى تقرير المصير و عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول .
ان هـذه المبادء قد طبعـت نضالات شعوب العـالم الثالث التى تاقت للاستقلال من أجل تحقيق السيادة الوطنية بمفهوم ممـارسة الشعوب للسيادة كـاملة على الاراضى الوطنية داخل حدود دولية معترف بهـا على تراب وطنى لا يتدخل فيه احد .
لكننـا اليوم و من بعد واحد و خمسون عـام من الاستقلال … و نحن على أبواب نصف قرن من النظـام الجمهوري …. فقد تغيرت بلادنـا و تغير العـالم من حولنـا فمفهوم السيادة الوطنية و سلطة الشعب على أرضه … لم يعد كمـا هو و مفهوم الحرمة الترابية ليس هو نفسه … و التدخل فى شؤون الغير صـار مباحـا … بل قل أن الدول الغظمى تعتبره واجبـا . فهل يمكن الحديث عن استقلال بالمفهوم الذى ألمعنـا اليه أعلاه؟ و هل يجوز أن نتحدث عن استقلال برغم مـا ألمعنـا اليه .؟ و هل يمكن للنظام الجمهوري أن يتولى حماية الاستقلال و توفير الاطـار السليم للممارسة الديمقراطية فى سنة 2007 ؟
لاجل كل هـذ ا سوف نحـاول أن نتعرض الى التغييرات العـالمية التى جدت على المفاهيم التى حفت بالاستقلال ثم الى المتغيرات التونسية قبل الانتهـاء الـى مطارحة امكانية الحديث عن مفهوم الجديد للاستقلال و الدور الذى يجب أن تلعبه الجمهورية ممستقبلا فى مرحلة حـاسمة و غير مسبوقة .
جرحان عميقان في جسد نصف قرن يمر على تأسيس الجمهورية التونسية
الخيار الجمهوري وتجديد الوعي
بمناسبة الذكرى الـ50 لإعلان الجمهورية: أي دور للمجتمع المدني في تدعيم مكاسب الجمهورية وصيانتها؟
أي تونسي نريد؟
الاتحاد العام لطلبة تونس مسار التوحيد يقطع أشواطا هائلة
هل نحن على أبواب حل لمشكلة الرابطة
افتتاح الموقع الرسمي للشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله
قناة المستقلة: نص الحلقة الأولى من برنامج « فضاء ديمقراطي »
لا تنسوا مشاهدينا الكرام أن ترسلوا لي بملاحظاتكم على البرنامج وبتعليقاتكم واقتراحاتكم، بالفاكس أو بالبريد الالكتروني.
الفاكس: 00442088382997 البريد الالكتروني: views@almustakillah.com وحتى الملتقى يوم الأحد المقبل إن شاء الله، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نجم الدين أتاتورك ورجب الفاتح. باقة دروس بليغة على مائدة الحوار الإسلامي.
الحلقة الأولى
انتصار الإسلاميين في تركيا
حزب العدالة والتنمية الحاكم يحقق نصرا مدويا بانتخابات تركيا
العدالة والتنمية الحاكم يفوز بانتخابات تركيا في ضربة للعلمانيين
حــــذار مــن الــفــخ الــنــووي الــسـاركــوزي !