الاثنين، 17 يوليو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2247 du 17.07.2006

 archives : www.tunisnews.net


المجلس الوطني للحريات بـتونس: من أجل كف العدوان على فلسطين ولبنان ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات:بيــــان إثر الاعتداءات الإسرائيلية الهمجيّة التي تستهدف لبنان و قطاع غزة حركة النهضة بتونس: بيان مجموعة الأساتذة المسقطين عمدا في مناظرة الكاباس: بلاغ إعلامي موقع سويس إنفو:مئات التونسيين يعتصمون دعما لحزب الله صحيفة القدس العربي :الإعدام شنقا لمغتصبي طالبتين حتى الموت بتونس الصباح: «الدنيا واقفة» صحيح.. لكن من أين يأتي هؤلاء بالمال؟ بعد دفنه مباشرة الحوار نت تحاور زوجة الشهيد الهاشمي المكي لحبيب امباركي: مأساة مساجين الرأي في تونس – الصحة و التغذية عبدالباقي خليفة: التحالف العربي الرسمي الإسرائيلي ضد الحركة الإسلامية .. حرب من ؟ وضد من ؟ كلمة: أربعينيّة المرحوم عادل العرفاوي كلمة  أستاذ يختتم الموسم العلمي ببيع شهائده بنعيسى الدمني :انخراط الإسلاميين في الانتخابات.. هل يكون للمشاركة أم للمغالبة؟ فريد خدومة: آثار المشروع البورقيبي في الشخصيّة التونسيّة موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي: كــرامـــة محمد العروسي الهاني:رسالة تاريخية عميقة و صريحة بمناسبة عيد الجمهورية 25 جويلية 1957  رشيد خشانة :عقبات التطبيع الكامل بين واشنطن وطرابلس توفيق المديني: تعريب المقاومة


 
Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 

 

 

المجلس الوطني للحريات بـتونس تونس في 17 جويلية 2006

من أجل كف العدوان على فلسطين ولبنان ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين

 

      تشنّ الآلة الحربية الإسرائيلية منذ أسابيع بغزّة والأراضي الفلسطينية المحتلّة ومنذ 13 جويلية في لبنان حملة تقتيل للمدنيّين وهدم لمنازلهم وضرب للمنشآت المدنيّة بها من مخازن ماء وكهرباء وجسور وطرقات وغيرها من المرافق، بعد ضرب حصار جوّي وبرّي وبحري بما نتج عنه إزهاق المئات من الأرواح وبثّ الرعب بين الأهالي بهدف  خلق عملية تهجير واسعة. وجاء ذلك العدوان بعد أن نفّذت جماعات المقاومة التابعة لحزب الله عملية أسر لجنديّين إسرائيليّين على الحدود اللبنانية. وكانت قد سبقت هذه الهجمة حملة تقتيل عشوائية في فلسطين واختطاف لنوّاب ووزراء في الحكومة الفلسطينية من قبل الجيش الإسرائيلي إثر أسر أحد أفراده. وقد عبّرت إسرائيل عن عزمها على استباحة كل لبنان حسب القيادة العسكرية الإسرائيلية التي أكّدت عزمها على ترهيب السكّان وتهجيرهم نحو الشمال قصد إخلاء جنوب لبنان من سكّانه. ويتم ذلك في ظل صمت وتبرير دوليين لجرائم الحرب هذه، بمواقف تعتبر سلوك إسرائيل « حالة دفاع شرعي ». ويسجّل المجلس عدم اتخاذ أي موقف من قبل الأمم المتحدة إزاء الاعتداء على سيادة لبنان من قبل جيش احتلال في حين سبق أن يسارع هذا الهيكل لإصدار قرارات تدين البلدان الرافضة للدور الإسرائيلي في المنطقة. وقد ارتكز الموقف الأممي على المساواة بين عملية حزب الله والحرب العشوائية الشاملة التي تشنّها إسرائيل. وأحجم مجلس الأمن حتى على المطالبة بوقف الحرب. كما جاء الموقف الأوروبي كذلك مسوّغا للهجمة على لبنان مبررا الحرب بعملية حزب الله العسكرية. ولم يختلف عن سابقيه موقف مجموعة الثماني الذي سمح بإطلاق يد إسرائيل بدعوى حقها في الدفاع عن النفس. وقد شجّع الحكومة الإسرائيلية على التمادي في ارتكاب المزيد من أعمال التقتيل والتدمير ما صدر من مواقف عن عدة حكومات غربية وخاصة منها الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت أنّ ما تقوم به إسرائيل هو من باب الدفاع عن النفس.   وازدادت عزلة لبنان بعد الموقف العربي الرسمي الذي لم يقدّم موقفا موحّدا أو أبسط دعم مادي أو معنوي للشعب اللبناني. وذهبت بعض الدول العربية إلى تحميل مسؤولية الأوضاع لحزب الله. ولم تكتف الحكومات العربية بالتنصّل من مسؤولياتها، بل منعت المواطنين حتى من حق التظاهر والاحتجاج على هذه الجرائم، في حين تتظاهر بشكل يومي في إسرائيل مجموعات السلام مطالبة بوقف الحرب والانسحاب من لبنان. وفي هذا الإطار يندّد المجلس بما وقع اليوم في العاصمة تونس من منع لمظاهرة سلمية انطلقت من ساحة المقر المركزي لاتحاد الشغل وقع التصدّي لها باستخدام العنف الشديد، ممّا أدّى إلى إصابة 7 نقابيين من بينهم كمال الزنايدي (كاتب عام نقابة مستشفى شلرل نيكول) وزهير نصري (عضو جامعة الصحّة) ولطفي الأحول (نقابة التعليم الثانوي) ونقلهم إلى المستشفى وإيقاف بعض المشاركين في التجمّع النقابي.

والمجلس الوطني للحريات:

–       يطالب بوقف تقتيل المدنيّين. ويدعو منظمة الأمم المتحدة التي لم تتردد من قبل في اتخاذ حصار شامل وقاس ضد الشعب العراقي إلى القيام بدورها واتخاذ عقوبات صارمة على إسرائيل ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وإحالتهم على المحكمة الجنائية الدولية. –         يدعو إلى تفعيل آليات الشرعية الدولية لإجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي وكف عدوانها والتعويض عن الخسائر التي ألحقتها بلبنان. –       يطالب الحكومات العربية بالوقوف بجدية لحماية الشعبين الفلسطيني واللبناني وتسخير الإمكانيات اللازمة لتلبية حاجياتهم الملحّة عوض التجنّد لقمع تعبيرات التضامن الشعبي.   عن المجلس الناطقة الرسمية سهام بن سدرين


التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات

بيــــان إثر الاعتداءات الإسرائيلية الهمجيّة التي تستهدف لبنان و قطاع غزة

 
تونس في 15 جويلية 2006   إنّ المكتب السياسي الموسّع للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات المجتمع اليوم السبت 15 /7/2006 بمقرّه بتونس، إذ يتابع بانشغال كبير الاعتداءات الإسرائيلية الفظيعة المتكررة التي طالت لبنان واستهدفت منشآته الحيوية وشعبه الشقيق، وإذ يتابع باستياء استمرار الاعتداءات الهمجيّة على قطاع غزة وما خلّفته من ضحايا بشرية مدنيّة وخسائر فادحة في البنية الأساسية، فإنّه:   1- يقف إجلالا وخشوعا أمام ضحايا العدوان الغاشم. 2- يدين هذه الاعتداءات الإجرامية المتكرّرة ويحمّل إسرائيل مسؤوليتها كاملة. 3- يندّد بالصمت الرسمي العربي وخاصّة المواقف المتخاذلة التي اتخذتها بعض الأنظمة. 4- يشجب الدعم الذي ما انفكّت تقدّمه بعض الدول لإسرائيل وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تميّزت مرة أخرى بانحيازها لقوى الاحتلال. 5- يدعو كافة القوى المحبّة للعدل والسلام في العالم إلى الوقوف إلى جانب القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس. 6- يطالب جامعة الدول العربية بالتحرك القوي الحازم لدى منظمة الأمم المتحدة والهيئات الدولية والإقليمية من أجل توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ومن أجل إدانة المعتدي ووقف الاعتداءات على الأراضي العربية وإطلاق سراح آلاف المعتقلين في السجون الإسرائيلية.   إنّ خطورة الوضع تحتّم على الحكومات العربية الإسراع بتنظيم قمّة استثنائية فورية لاتخاذ التدابير المناسبة ومن ضمنها تجميد العلاقات مهما كانت صيغتها مع إسرائيل.   الأمين العام مصطفى بن جعفر


بسم الله الرحمان الرحيم

 

حركة النهضة بتونس

 بيان

 

مرة أخرى يقدم الاحتلال الصهيوني الغاشم على ارتكاب جريمة بحق الأبرياء و المدنيين العزل وتدمير البنى التحتية والمنشآت في كل من فلسطين ولبنان بذريعة تحرير ثلاثة من جنوده تم أسرهم على أيدي المقاومة في كلا البلدين، بينما تعج سجونه بآلاف الأسرى والمعتقلين منذ عشرات السنين.

ومما لا شك فيه أن هذه الجريمة  التي تدور رحاها في وفلسطين لبنان تهدف أولا وقبل كل شيء إلى إجهاض ما يجري على الساحة من إرهاصات تشكل ميزان قوة جديد على يد المقاومة الوطنية والإسلامية بعد ما فشل الاحتلال الصهيوني في فرض إستراتجية التسلط والهيمنة وجر جميع الأطراف إلى مشروع التسوية المنهار وإجهاض التجربة الديمقراطية في فلسطين.

 

إن حركة النهضة وهي تراقب تطور الأحداث في المنطقة وإزاء ما يجري اليوم من انتهاكات و عدوان:

 

1- تعبر عن تنديدها الكامل بهذه الجرائم الوحشية التي تدور بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف دولية أخرى وفي ظل صمت وخذلان من دول عربية عدة.

 

2- تعتبر ما يجري اليوم بمساندة غربية من شأنه أن يغذي مقولة صراع الحضارات وشحن المشاعر

 

3- تساند بكل قوة صمود الشعبين الفلسطيني واللبناني وتصديهما للهجمة الصهيونية الجديدة.

 

4- تحيي قوى المقاومة الباسلة في فلسطين ولبنان وتترحم على الشهداء الذين يتساقطون يوما بعد يوم من جراء القصف الهمجي للطائرات الصهيونية.

 

5- تدعو الشعوب العربية والإسلامية وكافة أحرار العالم إلى الوقوف إلى جانب فلسطين ولبنان.

 

                  » ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز «  الحج 40 صدق الله العظيم

عن حركة النهضة بتونس

عامر لعريض

 

دعــــــــــوة
 
يتشرف  الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بدعوتكم لحضور الندوة المشتركة التي ينظّمانها تحت إشراف الأستاذ سليم اللغماني حول موضوع: « أساس النظام الديمقراطي ».   وذلك يوم الثلاثاء 18 جويلية 2006 على الساعة السادسة مساء   بمقر التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الكائن بـ4 نهج أنقلترا – تونس  

بلاغ إعلامي

 

      نحن مجموعة الأساتذة المسقطين عمدا في مناظرة الكاباس يهمنا دائما أن نخبر الرأي العام و المتعاطفين و المساندين و المنددين بأكبر فضيحة بوزارة التربية و التكوين أنه تم اليوم 17 جويلية 2006 على الساعة الحادية عشر إيقاف الأستاذ الحسين بن عمر عندما كان بصدد متابعة أخبارنا على الانترنات بمقر عمومي بشارع مدريد حينما توجهت له السيدة التي تشتغل هناك و طالبته بإغلاق موقع تونس نيوز لأنه ممنوع في تونس و لما رفض الانصياع لأوامرها استدعت شرطة نهج كولونيا و عندما بلغ الخبر بقية الأساتذة المسقطين عمدا توجهنا إلى مقر إيقافه هناك ساعتها طلب منا المحافظ رضا الشنني مغادرة المكان و كأنه لم يحدث شيئا و إن موقع تونس نيوز ليس ممنوع في تونس، رفضنا الخروج من المكان و قمنا بالاتصال ببعض المحاميين المتابعين لقضيتنا، ساعتها قام المحافظ باتصالاته و اعتذر على الإزعاج غير أننا طلبنا منه الاعتذار في مقر الانترنت أما السيدة التي استدعته و في الطريق تجاذبنا الحديث و عرف أن قضيتنا متعلقة بظاهرة الرشوة فصرح المحافظ أن الرشوة لا يمكن ان تنتفي من المؤسسات و منها يتمعش العديد على حد تعبيره و عند وصولنا الى مقر الانترنت نبه السيدة إلى أن المواقع التي يمكن للمستخدم فتحها هي غير ممنوعة و دعاها أن تحترم حرية الإبحار على النت هذا و نذكر الرأي العام أننا مستمرون في فضح ما يقع في وزارة التربية بالوثائق و الأدلة و الشهادات الحية.

 

الامضاءات:

 

– البشير المسعودي ( 37 سنة) أستاذية فلسفه 1999

– محمد المومني ( 33 سنة ) أستاذية فلسفة   وباحث في ماجستير الفلسفة.

– الجيلاني الوسيعي ( 36 سنة) استاذية عربية 1999

– الحسين بن عمر (30سنه )الأستاذية في الإعلامية 2001 وشهادة الدراسات العليا

المتخصصة في نظام الاتصالات والشبكات 2003

– علي الجلولي ( 33سنة ) أستاذية فلسفة 2001

لطفي فريد (32 سنة ) أستاذية فلسفة 2002

– محمد الناصر الختالي (26 سنة ) أستاذية فلسفة 2005

– حفناوي بن عثمان ( 33 سنة ) أستاذية عربية 2005

 

التنسيقية  المؤقتة لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
بـــلاغ إعلامــــي                            
                                                     تونس في 12 جويلية 2006 في إطار مواصلة وزارة الداخلية هرسلة مناضلي إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ،قامت قوات البوليس بإيقاف الرفيق سالم العياري من مقهى في العاصمة و إقتياده إلى منطقة الأمن بباب بحر وذلك يوم 10 جويلية 2006 على الساعة الحادية عشر ونصف صباحا حيث تم توجيه جملة من التهم من بينها:

-التحريض على التجمع و التضاهر وسط العاصمة -التجمع بنهج الكويت و القيام بإجتماعات عامة و التهجم على المسؤولين بمكتب التشغيل -التظاهر و التجمع أمام الإدارة الجهوية للتعليم و إيقاف حركة المرور وثلب المسؤولين بالإدارة -إحداث الشغب و النشاط في منظمة غير معترف بها قانونيا

وعليه قام مناضلي إتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل بالإعتصام داخل بهو منطقة الأمن بباب بحر مطالبين بإطلاق سراح الرفيق الذي تم إيقافه وإقتياده إلى المنطقة من دون موجب قانوني و بأسلوب همجي عودنا عليه البوليس التونسي، وقد تم الإعتداء بالضرب و الشتم على كل المعتصمين و إخراجهم بالقوة في محاولة لتفريقهم و ترهيبهم ،ولكن أعضاء الإتحاد تظاهروا أمام المنطقة بحضور جمع غفير من المواطنين رافعين شعارات تتمحور حول حق التشغيل وإطلاق الرفيق المحتجز.وتواصل إعتصامهم لمدة ثلاثة عشر ساعة ،تم على إثرها إطلاق سراح الرفيق على الساعة منتصف الليل. ختاما يوجه أعضاء الإتحاد تحية نضالية الى كل من ساند الإتحاد من أجل إطلاق سراح الرفيق سالم العياري ويهيب بكل المناضلين الأحرار مساندته من أجل حق المعطلين ،أبناء الشعب المفقر في العمل و الحياة الكريمة. لن يكلفنا النضال أكثر مما كلفنا الصمت.              التنسيقية  المؤقتة لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل       الشريف خرايفي   20850131       فلة الرياحي        21591905     الحسن رحيمي     21918197                                               سالم العياري        97433958        


مئات التونسيين يعتصمون دعما لحزب الله

 
تونس (رويترز) – تجمع يوم الاثنين المئات من التونسيين المنتمين لنقابات ومنظمات مهنية في وسط العاصمة للتعبير عن استنكارهم للهجمات الاسرائيلية على لبنان وغزة ودعوا حزب الله « للصمود في وجه العدو الصهيوني ». ورفع نحو 500 متظاهر تجمعوا في ساحة محمد علي بالعاصمة امام الاتحاد العام التونسي للشغل لافتات تنادي بالموت لاسرائيل وامريكا. وردد المتظاهرون الذي رفعوا اعلام لبنان وفلسطين والعراق شعارات « صامدين صامدين في لبنان وفلسطين » وبالروح بالدم نفديك يا نصر الله » و »المقاومة المقاومة لاتفاوض لا مساومة ». وتواصل اسرائيل لليوم السادس على التوالي هجماتها على اهداف تابعة لحزب الله ودمرت عددا من المنشات المدنية اللبنانية وقتلت عشرات المدنيين رغم انتقادات عالمية لاساليبها منذ اسر مقاتلون من حزب الله جنوديين اسرائيليين وقتلوا ثمانية اخرين. واستهدفت الطائرات الاسرائيلية ايضا مقرات وزارت فلسطينية ومنازل في قطاع غزة ضمن حملة لتحرير جندي ثالث محتجز ومنع الحكومة التي تقودها حركة المقاومة الاسلامية (حماس) من ممارسة مهامها. والرد الاسرائيلي الذي اعقب اسر جنودها هو الاعنف منذ عام 1996 عندما شنت اسرائيل هجوما استمر 17 يوما على معاقل حزب الله في جنوب لبنان قبل اربعة اعوام من انتهاء احتلالها الذي دام 22 عاما للمنطقة. واحرق المتظاهرون علم اسرائيل واصفين قادة اسرائيل بانهم (مصاصو دماء). وحاولوا الخروج في مسيرة باتجاه الطرق الرئيسة بالعاصمة غير ان العشرات من قوات الشرطة التي طوقت المكان منعتهم من الخروج من ساحة محمد علي. وقال بيان لثماني نقابات تابعة للاتحاد التونسي للشغل التي دعت للتجمع ان هذه الخطوة تاتي » احتجاجا على الهجمة الصهيونية على شعبنا في فلسطين ولبنان ». الى ذلك دعا حزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات المعارض الى « ضرورة الاسراع بنتظيم قمة عربية استثنائية لاتخاذ التدابير المناسبة ومن ضمنها تجميد العلاقات مهما كان صيغتها مع اسرائيل ».   (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 17 جويلية 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


بوش يستخدم عبارة غير معتادة بشأن الشرق الأوسط

 
سان بطرسبرج (روسيا) (رويترز) – التقط مكبر للصوت يوم الاثنين عبارة غير معتادة في لغة الساسة قالها الرئيس الامريكي جورج بوش في حديث خاص اذ قال ان على سوريا أن تضغط على حزب الله « كي يتوقف عن فعل هذا القرف » وان وزيرة الخارجية الأمريكية قد تذهب الى الشرق الاوسط. وكان بوش يتحدث الى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على مائدة الغداء في قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى في سان بطرسبرج دون أن يدرك أن مكبر الصوت مفتوح وانه كان يسجل ما قال. وقال بوش « أعتقد أن كوندي (وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس) ستذهب قريبا جدا. » ورد بلير قائلا « صحيح هذا هو ما يهم حقا وسيتطلب ترتيب الأمر بعض الوقت. » وتناول الزعيمان أيضا عرضا من بلير بتقديم العون. وقال بلير ان رايس « يجب أن تنجح » اذا ذهبت الى المنطقة. ورد بوش قائلا « ما يجب أن يفعلوه هو أن يجعلوا سوريا تجعل حزب الله يتوقف عن فعل هذا القرف. » واعترض بوش فيما يبدو ايضا على تركيز كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة على وقف إطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله. وقال بوش « لا يعجبني هذا التسلسل… فموقفه هو في الأساس وقف إطلاق النار ثم يأتي كل ما عداه. » وقال بلير « أعتقد أن الأمر الصعب حقا هو أنه ليس بوسعك أن توقف هذا الأمر الا بالتوصل الى اتفاق على هذا الوجود الدولي. » وبعد قليل قال بوش انه يميل الى أن يطلب الى عنان الاتصال هاتفيا بالرئيس السوري بشار الاسد « ليجعل شيئا ما يحدث. » وأضاف بوش « نحن لا نلوم إسرائيل ولا نلوم الحكومة اللبنانية. » وعندما لاحظ بلير مكبر الصوت المفتوح سارع لإغلاقه ولكن بعد أن سجل ما وصل إلى وسائل الإعلام من حديثهما.   (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 17 جويلية 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


الإعدام شنقا لمغتصبي طالبتين حتى الموت بتونس

 
تونس ـ قدس برس: قضت محكمة تونسية السبت حكما بالإعدام شنقا علي رجلين قتلا تلميذتين، هما مروي (14 عاما) وحليمة (15 عاما) بعد اغتصابهما. وكانت الجريمة البشعة التي شهدتها احدي ضواحي العاصمة في نيسان/أبريل 2004 قد هزت الرأي العام وتحولت الي حديث الناس، كما بعثت اللوعة والحسرة في قلوب عائلتي الضحيتين وأهالي العاصمة. وتقول أوراق القضية ان بعض المواطنين عثروا بعد حوالي 24 ساعة من اختفاء مروي وحليمة علي جثتيهما عاريتين في غابة قرب جبل عمار، وقد تعرضتا للاغتصاب والضرب حتي الموت. وكان أهالي البنتين أبلغا عن اختفائهما عشية يوم الواقعة، ولكنّ قوات الأمن لم تتمكن من العثور عليهما. وكانت أصابع الاتهام قد انحصرت في بداية الأبحاث في 4 أشخاص أحدهم كهل معتوه، تم ايداعه مستشفي الرازي للأمراض العقلية بالعاصمة، والثاني حفظت التهمة في حقه، فيما تورط في الجريمة المتهمان الأخيران وأحدهما متزوج وأب لطفلة. ويبدو أن المتهمين تناولا يوم الواقعة أقراصا مخدرة وخطرت لهما فكرة تحويل وجهتي التلميذتين من المدرسة القريبة. وقد نجحا في تحويل وجهة الفتاتين الي غابة مهجورة، تحت التهديد، ثم قاما باغتصابهما. وعند التفطن إلي خطورة الفعلة التي قاما بها عمدا إلي ضرب الفتاتين بالحجارة حتي فارقتا الحياة. وخلال محاكمتهما أنكر المتهمان أمام القاضي ما نُسب إليهما، وذكر المتهم المتزوج (27 عاما) أن الأول هو من ارتكب الجريمة وأجبره علي مواقعة الهالكتين، وكانت إحداهما ميتــة والثانية تحتضر. وبعد المداولة رأت هيئة المحكمة أن الادلة كافية لإدانة المتهمين، فقضت بإعدامهما شنقا طبق أحكام الفصول 201 و202 و204 و227 من القانون الجنائي التونسي، والمتعلق بالتهم التي وجهتها لهما دائرة الاتهام وهي قتل نفس بشرية عمدا مع سبق الاصرار والمسبوق بجريمة معاشرة أنثي غصبا عنها.   (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 17 جويلية 2006)


«الدنيا واقفة» صحيح.. لكن من أين يأتي هؤلاء بالمال؟

 
حافظ الغريبي   قال لي صاحب المقهى الذي اعتدت الجلوس فيه وفي عباراته الكثير من الحزن «لا أدري ما أصاب الناس فرقم معاملاتي أنحدر للربع مقارنة بما كان عليه خلال نفس الفترة من الصيف المنقضي».. اجابه صديق لي وكان رجل أعمال يملك عدة شركات «لا تحزن يا أخي فلست وحدك.. فحتى رقم معاملاتي انخفض بدور رغم تنوّع قطاعات نشاطي» أجبتهما بموضوعية «علّها المنافسة احتدت في مواقع انشطتكما او مجالاتها» فكان الردّ الثنائي «بل الجميع يقولون لك الدنيا واقفة!!».   هذه العبارة البسيطة لكنها المعبّرة تستوجب أكثر من مجرّد عمود في صحيفة أسبوعية لأنها تتردد على أكثر من لسان وفي أكثر من مكان.. لكن الغريب في كل ذلك انه كلّما توجهت لمساحات تجارية معروفة الاّ ووجدت صعوبة في المرور وسط جحافل البشر المتسوقين وكلّما سلكت طريقا رئيسية في اتجاه ضاحية سياحية الاّ ووجدت عناء ومشقة كبيرين في المرور لكثرة الازدحام.. وكلّما اردت ان تذهب الى مطعم الا ووجدت صعوبة في العثور على طاولة رغم ان العشاء يكلّف الشخص الواحد ما لا يقل عن الستين دينارا.. وكلّما ذهبت لنهج «سيدي بومنديل» او الى «سوق باب الفلة» او «مارشي سيدي البحري» او «المارشي سنترال» إلاّ وفوجئت بحجم ما يقتنيه روّاد هذه الاسواق الشعبية الذين يعدون بالآلاف.. وكلما ولجت نهج القصبة او نهج جامع الزيتونة إلاّ ووجدت صعوبة كبرى في المرور منهما لكثرة المتسوقين..   وكلّما أردت ان تقضي اياما بفندق الا واستعملت «الاكتاف» للحصول على غرفة.. فهل بعد كل هذا يقولون «الدنيا واقفة»؟   سؤال يحيّر المواطن البسيط لكنه لا ينفي حقيقة تقدّمها أرقام هذا وذاك.. لذلك أريد ان افهم هل حقيقة «الدنيا واقفة» وان كانت حقا «واقفة» فكيف يتحرّك هؤلاء ومن أي الخزائن ينفقون وبأي الاموال تقتنى كل تلك السيارات الفارهة التي أضحت ارفع عددا مما تتوفر ببعض الدول الأوروبية ومن أين يأتون بمئات الالاف من الدنانير لشراء شقق أحياء النصر وفللها.. أسئلة حبذا لو تنظم ندوة وطنية او ملف تلفزي للإجابة عنها.   (المصدر: جريدة الصباح الأسبوعي التونسية الصادرة يوم 17 جويلية 2006)
 

بعد دفنه مباشرة، الحوار.نت تحاور زوجة الشهيد الهاشمي المكي:

زوجة الشهيد هاشمي المكي: زوجي فارق الدنيا يضحك، وخرج من بيته يضحك!

حاورتها : آمال الرباعي حاولت الاتصال بها يوم الوفاة فلم تسعفني الخطوط. انتظرت موعد الدفن وعودة الناس بعد أن أودعوا شهيدنا الغالي الذي حمل من أطهر الأماكن الإسمين « الهاشمي والمكي » جمعك الله بأفضل بني هاشم فقد حملت اسمهم واسم أحب مكان وأفضله لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكة التي باركها الله وأودع فيها أفضل بيت. وها أن الخطوط تيسرت كنت أتمالك نفسي وأنا أقدم تعازي للأخت الحبيبة سعيدة زوجة الشهيد، نعم زوجته ولا أقول أرملته فقد فوجئت بها صابرة محتسبة فصرت أنا التي أواسى على أيام الغربة التي عشناها وأترفنا فيها فما زادنا ذلك إلا زهدا في الآخرة وحبا للدنيا ولكن الله شاء وما شاء الله كان. وكان بيننا هذا الحوار حاولت أن أنقله كما سمعته وحاولت التحري في كل كلماته التي أحيانا تأتي غير واضحة بسبب خفوت صوتها فالدار كانت دار تعزية عفوا ….تهنئة: الحوار نت : أختي الحبيبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا فلانة …….. عظم الله أجركم وكتبه الله مع النبيين و الصديقين من الشهداء والصالحين وكتب الله لكم الأجر العظيم ورزقكم الله صبرا وأنسا. السيدة سعيدة: جزاك الله خيرا أختي الكريمة وبوركتم فالله كتب له هذه الميتة ونسأل الله حسن الختام لكل المسلمين… نحن راضين بقضاء الله وفي الحقيقة أهل الشهيد يهنون بشهيدهم ولا يعزون! نسأل الله الثبات والرحمة في الدنيا والدين. الحوار نت : نحن بقلوبنا معكم يؤلمنا ما يؤلمكم ويفرحنا ما يفرحكم ولقد شاهدنا الشهيد و وبقية الإخوة و الأخوات عن طريق النت فسبحان الله أثر ذلك في نفوسنا أن يظهر الشريط في أسبوع وفاته فأنت لا تتصورين وقع ذلك على أنفسنا. ولما سمعنا الخبر هرعنا إلى أجهزة الكمبيوتر نشاهد الشريط من جديد ونحاول أن نشارككم مشاعركم فكانت قلوبنا تتقطع لما رأيناه من وداع المرحوم للناس ولكم . السيدة سعيدة : سبحان الله ! كان مرضه قد اشتد منذ أن كان في السجن ويظهر ذلك للعيان لكنه ما كان يشتكي كان راضيا بقضاء الله وكان يتألم لبقاء إخوانه في السجن وهم يعانون مثله وأكثره . في آخر أسبوع من حياته انتهت الآلام ، لم يعد يتألم من شيء ، تحولت الأورام إلى الرقبة بعد أن كانت في جنبه لكنه لم يكن يحس بألم. الحوار نت : كيف كانت وفاته هل يمكن أن تحدثيني عنها…؟ السيدة سعيدة: يوم الجمعة كان يقول لي :متى سننتقل إلى الدار الأخرى ؟قلت له : أي دار أنت في دارك ، قال : هذه دارك أريد أن ننتقل إلى دارنا فهي أوسع. ثم سكت برهة وابتسم ثم قال :اسمعي يا صبيحة إن لزم الأمرنذهب بالطائرة . فهمت أنه يتحدث عن الآخرة فقلت له عندما يشاء الله نذهب إلى البيت الجديد. الحوار نت : كيف كانت نفسيته هل كان مهموما أم مطمئنا ؟ السيدة سعيدة : في الليل قمت بقيام ليل مع أخت لي فافتقدني وقد ظننته نائما لكنه لم يكن يستطيع النوم وكان يتأمل ما هو فيه. لما دخلت الغرفة سألني عن سبب غيابي عنه فقلت له: ألم تنم ؟ هل شعرت بغيابي عنك ؟ قال: نعم قلت له: كنت أقوم الليل، ظننتك نائما. قال لي : تقبل الله منك . كنت أحس أنه يتأمل ويشعر بشيء ما ولم يكن يتألم. وكان وجهه سعيدا وكأنه يرى شيئا . وكانت أطرافه قد بدأت تبرد وفي الصباح تمادى الأمر على حاله. بعد الفجر سمعته يتمتم قائلا : لا أصدق فاقتربت منه سألته: ماذا لا تصدق يا زوجي، قال: لا أصدق الوضعية التي أنا فيها فقلت له: اختارك الله لما أنت فيه أحبك فأعطاك. كنت فهمت منه مقصدين الأول ظاهري ما هو فيه من مرض وهذا أستبعده لأن الآلام لم تعد تظهر على وجهه بل كان وجهه فيه رضاء شديد والثاني ما كان الله قد أطلعه عليه من حسن الخاتمة وهو الأرجح عندي لذلك كانت إجابتي له بهذا الشكل على محملين.  

سكت بعض الوقت ثم قال لي: متى ستأخذيني إلى فوق متى سنصعد؟ قلت له: عندما يأذن الله في الصباح كان يمضغ فتحت له فاه خشية أن تكون إحدى أسنانه قد وقعت فلم أجد شيئا أعاد المضغ وكان حاله هكذا. في الساعة الأخيرة، يعني قبل الحادية عشر بقليل وقد كان في الغرفة ابنتي وابني وبعض أفراد العائلة قال لي: من هذا الرجل الذي يقف وراء رأسي، قلت له: ليس هناك أحد ثم خطر ببالي أن يكون ملك الموت فلم أشأ أن أقول له ذلك ، كرر السؤال: من هذا الرجل ؟ قلت له: الملائكة. ظل يتأمل حوله وكانت أختي معنا في الغرفة وابنة أخته. الحوار نت : كيف كان شعورك بعد أن أحسست أنه يرى ملك الموت وكيف كان حاله عندما أخبرته أن ذلك ملائكة؟ السيدة سعيدة : لا أستطيع وصف ذلك ولكن كأنه اطمأن بالإجابة . بعد برهة من الزمن جاء أخوه فعرفه. سلم عليه فرد عليه السلام بكل وعي أشعرت أخاه بالإشارة أن الأطراف بدأت تبرد نظر إليه أخوه وسأله كيف حالك ؟ أجاب بإشارة كأن لم يعد من الأمر ما بقي مع أنه لم يشتك أبدا وهو يعاني الآلام الشديدة كان هادئا جدا كانت رائحة الإفرازات معطرة حتى أنني ما صدقت نفسي فطلبت من أختي أن تشم ذلك فشهدت ما شهدت. في اللحظات الأخيرة نظر إلى أخيه محدقا ثم نظر إلي وأسدل عينيه وارتخى رأسه. استسلمت أنا لحالة من البكاء لأنني ما أجبته أن هذا ملك الموت وظننت أنه قد مات فحزنت لذلك أكثر وأنني لم أسلم على رسول ربي إلينا من الملائكة فكأنني تجاهلت ذلك فضاعف ذلك من حزني. الحوار نت : هل مات حينها ؟ السيدة سعيدة : أفقت على هبوب أختي إليه تلقنه الشهادتين فأفاق ونطق بهما ثم ضحك ضحكة كعهدي به وهو حي. ضحكة وليست إبسامة. زوجي فارق الدنيا وهو يضحك أقول يضحك وليس يبتسم وقد كان في حياته دائم الضحك مع القريب والبعيد. خرج من بيته للدفن وهو بهاته الضحكة. أقول إني رضيت وأرضى بموتة كهذه فماذا نريد أكثر من أن نخرج من الدنيا ونحن نضحك وتخرج الروح بهذا اليسر بضحكة.!!!!!!! الحوار نت : كيف كانت الجنازة ؟ السيدة سعيدة: كان خروجه بالتهليل والتكبير من النساء والرجال وقد رافقته مجموعة من الطيور تظلل جثمان و المارين بجنازته. كان المشيعون له يتلقفون نعشه بسرعة غير عادية كما بدا القبر فسيحا لمن رآه. رافقته مجموعة كبيرة من أعوان البوليس لكن الجو كان هادئا. وأخذت له الصور من بعض الإخوة الذين حملوا كاميرا معهم. الكل كان يريد المساهمة في الدفن وذر التراب فمر الأمر كله بسرعة فائقة. كل هذه العلامات والبشائر هي لي عزاء لفراق زوجي الذي غاب عني طيلة 15 عاما وقد دام زواجنا 21 سنة لم نقض منها إلا 6 سنوات مجتمعين. أسأل الله أن يجمعني به في الجنة.  

هذه كلمات الأخت الفاضلة الصابرة سعيدة زوجة الشهيد الهاشمي المكي تصدقها الآيات والأحاديث وشهادة الواقع فقد رأينا أخانا في شريط مأساة عائلات المساجين يتحدث عن معاناة المساجين ولم يتعرض للحديث عن حاله إلا للمقارنة.

إن الذي يلقى الله وهو عنه راض لا يخاف هول الآخرة وقد أثر عن الكثيرين أن الميت يرى منزله من الآخرة عند مفارقته للحياة فإما سعيدا وإما شقيا. وها أن أخانا يعبر عن استعداده للتحول لبيت واسع فسيح بعيد يسأل عن موعد انتقاله إليه برغبة فهذا مصير أخينا الهاشمي الرضا والسعادة فالله ما كتب على مؤمن خوفين ولا أمنين. وقد عاش الدنيا زاهدا فيها وما استكان وما تراجع حتى وهو في أعقد الأوضاع الصحية موصيا بإخوانه ممن خلفهم في السجن .

 

نعم لقد رأى أخونا ملك الموت ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :

 

فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُون وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُون(الواقعة:85)

 

وكان لا يصدق ما يراه من نعيم أعده الله له مصداقا لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:

 

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- في جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً ثُمَّ قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِى إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ – قَالَ – فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِى السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِى ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِى ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ….

 

 

     نم قرير العيني أخي                   ستكون شمعة تضيء الطريق لمن بقي

  ها أن القريب والبعيد يشهد                 أن الصلاح والتقى هو الأحمد

  أما الذين عذبوا ونكلوا                 فالله قادر على محقهم وإن مكروا.

 

(المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 17 جويلية 2006)

 


 

مأساة مساجين الرأي في تونس

الصحة والتغذية:

 

الكلمة المشهورة لفيصل الرماني مدير سجن برج الرومي سنة 1996:

« الأكلة كافية لتقفوا على أرجلكم للتعداد الصباحي والمسائي »!!

 

 

الفصل 14 من النظام الداخلي للسجون:  » للسجين الحق في: التغذية, المعالجة و الدواء داخل السجن أو المستشفى بإشارة من طبيب السجن إن تعذرت المعالجة بمصحة السجن, و توفير مستلزمات النظافة ».

 

الفصل 27 :  » تقدم للسجين وجبتان غذائيتان أساسيتان ذات قيمة غذائية كافية الأولى عند الزوال والثانية في المساء و يقع تمكين السجين العامل بإحدى الو رشات أو الحضائر السجنية من وجبة غذائية إضافية صبيحة كل يوم عمل كما يقع تمكين السجين المريض من الغذاء الموصوف من طرف طبيب السجن « .

 

الفصل 31 :  » يجب أن تتوفر في محلات الإيقاف و ورشات التكوين المتطلبات الأساسية اللازمة لحفظ الصحة ».

 

الفصل 41: » يقع نقل السجين المريض إلى المستشفى بإشارة من طبيب السجن إذا ما تعذرت معالجته في المصحة السجنية ».

 

إن الرقم المفزع لعدد السجين الإسلاميين المصابين بأمراض مختلفة ( و خاصة الأمراض المزمنة حوالي الثلثين) و الذين تبدو عليهم أعراض سوء التغذية، ينطق بالإهمال الصحي المتعمد و بانعدام ابسط شروط التغذية السليمة و المتوازنة بالإضافة إلى أن محلات الإقامة تفتقد إلى التهوئة الكافة والإنارة المناسبة و تغلب عليها الرطوبة الشديدة…

 

و لئن شهدت السنوات الأخيرة تحسنا جزئيا و طفيفا في جانب الرعاية الصحية( نتيجة لتحركات وتشكيات والضغوط المختلفة) فان الأسباب بقيت قائمة و لم يطرأ عليها أي تطور يذكر, فلا يزال السجين الإسلامي يقيم في نفس الغرفة مع عشرات المدخنين و يقاسى الاكتظاظ و الرطوبة و نقص الإنارة و يفرض عليه في أحيان كثيرة إن ينام مباشرة على الأرض… فأمراض الجهاز الهضمي (المعدة , الأمعاء…) منتشرة بسبب تردي الأكلة و نقص الغذاء السليم, و الضغط النفسي المستمر (أعصاب المعدة و الأمعاء…), و كذلك إمراض القلب و الشرايين بسبب الضغوطات النفسية و التوتر stress كما ينتشر مرض البواسير بسبب قلة الحركة و اشتداد الضغط النفسي , و مرض الربو بسبب أوضاع الإقامة السيئة (نقص التهوئة, الرطوبة الشديدة , الاكتظاظ , التدخين…), أما الأمراض الجلدية ( الجرب, الحساسية, الطفيليات…) فلا يكاد ينجو منها سجين بسبب انتشار الأوساخ و كثرة الاكتظاظ هذا فضلا عن تعدد حالات الإصابة بمرض السل و تكاثر عدد الذين يشكون من الأمراض النفسية أو الانهيار العصبي…

 

و لئن تم التعلل دائما بضعف الإمكانيات لتبرير رداءة الأكلة و عدم توفر الرعاية الصحية المناسبة , وغياب الشروط الصحية في محلات الإقامة, فان حقيقة الواقع تأكد عدم وجاهة هذه التبريرات ففي بعض السجون مساحات واسعة تكفي لبناء غرف جديدة و تخفيف الاكتظاظ كما أن أشغال التزويق وتجميل المداخل لا تنقطع , بل وصل الأمر ببعض المسؤولين إلى حد تعمد زيادة ظروف الإقامة سوءا ( كما حصل في سجن برج الرومي سنة 1993 لما قام مديره آنذاك المدعو بلحسن الكيلاني بتصغير نوافذ الغرف) , و حتى السجون المشتملة على ضيعات فلاحية فان التغذية فيها ليس أفضل بكثير من السجون الأخرى ( و كل من أقام بسجن برج الرومي في سنوات 93-94-95 يشهد بان المادة الرئيسة للأكلة في اغلب أيام الأسبوع هي الحشائش « علفة الأغنام »)

 

أما الإهمال الصحي فكان مقصودا بدافع التشفي و بخلفية العداء المتأصل الذي لم يخفيه اغلب المسؤولين عن السجون ( كقول الملازم فؤاد مصطفى:  » من لم يغادر السجن معاقا فسيغادره مصابا بأمراض لن تسمح له بالقيام بأي نشاط سياسي »)

 

و قد كان من الاجراءات الصارمة – إبان تولي المدعو أحمد ألحاجي مهام المدير العام للسجون– عدم السماح للسجين الإسلامي بالمتداوي بالمستشفيات العمومية مهما كانت وضعيته الصحية و درجة خطورة مرضه ؟ مما انجر عنه تفاقم بعض الأمراض لدى مجموعة من المساجين الإسلاميين أصيب بعضهم بإعاقات و توفي عدد منهم .

 

و من الاجرائات الغريبة التي عمل بها انه لا يسمح بإصلاح الأضراس بل فقط بقلعها ( حتى وإن كان التسوس بسيطا جدا) , و كان المصاب بفتق يقال له غالبا: « مازال الفتق يسيرا. » و المطالب بنظارات طبية لا يجاب طلبه إلا إذا بلغ قصر النظر درجة تحددها الإدارة العامة (-2.5 ) و كذلك إذا تعلق الأمر بتركيب طاقم أسنان ( رغم انه يتم على حساب السجين).

 

و إن الأسس التي تقوم عليها الصحة السليمة المتماسكة لا تجد مكانا لرسوخها في أرضية السجون, فالنظافة ليست مسؤولية شخصية أو سلوك فرديا فحسب بل تحكمها كذلك الضر وف العامة التي يستوي فيها جميع المساجين و يصعب على أي منهم المحافظة الكلية عليها مهما اجتهد إذا لا حيلة له أمام رداءة الخدمات أو غياب اللوازم الضرورية لها , فطيلة سنوات طويلة كانت شفرة الحلاقة الواحدة تستعمل لحلاقة لحي ما يقارب ال20 سجينا (دون أي إمكانيات لرفض أو الاحتجاج رغم مخاطر العدوى التي لا تخفى على احد ) بل انه يتم الحرص على فرض الحلاقة بمعدل يصل إلى 3 مرات في الأسبوع خلافا لشعر الرأس الذي قد  تمر عليه اشهر طويلة دون حلق ( و يتعلل المشرفون أحيانا بعدم توفر المقصات أو إرسالها للإصلاح).

 

و كذلك الشأن بالنسبة للأظافر التي يضطر السجناء لقطعها باستعمال الخيوط الرفيعة أو بردها على الاسمنت أو قضمها , و رغم أن من حقوق السجين التمتع بالاغتسال مرة على الأقل أسبوعيا فقد تمر الأسابيع العديدة دون أن يتمكن من ذلك(مع تحجير الاغتسال داخل الغرفة : برج الرومي, تونس).

و كذلك الشأن في حلق العانة و الإبطين قد تطول المدة حتى لستة اشهر و يتعلل المسئولون بالخوف من إدخال شفرة الحلاقة داخل الغرفة لعل يترتب عليها ضرر ( التي يضطر السجناء لإزالة الإبطين بالنتف و حرق العانة إذا اشتممت رائحة حرق في الغرف تأكد أن هناك سجين في الحمام بصدد فعل ذلك).

 

وتبعا للنقص الكبير في التزويد بالماء و عدم تهيئة أماكن مخصصة لتجفيف الثياب فإن تنظيفها ليس مهمة سهلة خاصة و أن قيام الأهل بذلك ليس متيسرا دائما لتباعد الزيارات – بالنسبة للبعض- ولتعرضها في اغلب الأحيان للسرقة, فيضطر المساجين إلى تجفيفها داخل الغرف مما يساهم في رفع نسبة الرطوبة بها.

 

و هذه بعض الشهادات – وغيرها كثير- تؤكد ما سبق بيانه عن مدى تردي الخدمات و إسهام ذلك بالإضرار بصحة المساجين .

 

سنمدكم بالشهادات .

 

لحبيب امباركي – سويسرا


 

أخـبـار تُـغـنـي عن الـتـعـلـيـق..

 
سامي نصر   بوليس الكاف يواصل هرسلة وتجويعه المواطنين: تشهد مدينة الكاف منذ ما يزيد عن السنة هرسلة متواصلة من البوليس لمجموعة من الشباب، وذلك بسبب التردد على المساجد وارتداء القميص وإطلاق « اللحية »، حيث يقع اعتقالهم ومساءلتهم وتعنيفهم… ومن بين ضحايا هذه الهرسلة نذكر السيد هشام اللمّوشي صاحب مخبر « المنبع » لصنع وزراعة الأسنان والذي ذكر بأنّه لم يعد قادرا على دفع أجرة كراء المحل الذي يسترزق منه جرّاء إقامته شبه اليوميّة بمركز الأمن وتخويف كل من يتردّد عليه. كما أصبح السيد سفيان الدشراوي صاحب شركة التأمين « سليم » هو الآخر يعاني نفس المصير… فمتى يتوقّف أمن الكاف عن هرسلة مواطنيه ويكفّ عن قطع أرزاقهم؟   (المصدر: مجلة « كلمة » الالكترونية، العدد 43 بتاريخ 16 جويلية 2006)


فتوى لحماية الجلاّد

 

إذا كانت الصورة المعهودة هو أن يجد الجلاّد حمايته في تلك السلطة التي تصدر أوامرها وتعليماتها، فإنّ في حادثة اليوم انقلبت الصور والمفاهيم لتصبح الضحيّة نفسها الحامي والمتستّر على الجلاّد وأعوانه… فقد فاجئنا شاب من مدينة الكاف يتعرّض باستمرار إلى اعتقالات الأمن أين يمارسون عليه مختلف أشكال التعذيب من ضرب وإهانة وتجويع… هذا الشاب رفض تبني قضيته من طرف المنظمات الحقوقيّة والإنسانيّة، كما اعترض على ذكر اسمه، ليس خوفا من الأمن ومن مضاعفة التنكيل به وإنّما بدعوى أن عمل الصحافة والمنظمات ينقص من قيمته عند الخالق ويقلّل من الأجر والثواب الذي يحصل عليه كلّما وقع تعذيبه !!! وحفاظ على « الثواب » الذي سوف يحصل عليه، تجاوبنا معه بعدم ذكر اسمه في هذا الخبر… ولكن ما نخشاه هو أن يتحوّل في المستقبل الجلاد نفسه إلى إحدى مروّجي هذه الفتاوي.   (المصدر: مجلة « كلمة » الالكترونية، العدد 43 بتاريخ 16 جويلية 2006)


حالة طوارئ في منزل بورقيبة وبنزرت: عاشت مدينتا منزل بورقيبة وبنزرت يوم السبت 24 جوان حالة طوارئ، فمنذ الصباح الباكر قام عدد كبير من البوليس بالزي المدني بمحاصرة منازل ضحايا قانون الإرهاب وإضافة للمراقبة اللصيقة لكل من يغادر منزله مثلما وقع مع السيدة زينب الشبلي والدة الشاب خالد العرفاوي، وقع استدعاء البعض منهم إلى مراكز الأمن أين تم مسائلتهم وتحذيرهم من أي اجتماع ومن أي تحرّك احتجاجي أو مطلبي، كما ذكرت لنا عائلة الزياني بأن والدهم منع من مغادر المنزل قبل أن يقع استدعاءه إلى مركز الأمن…     استنفار عائلات ضحايا قانون مكافحة الإرهاب: مع اقتراب موعد محاكمة العديد من الشباب المحالين ضمن قانون مكافحة الإرهاب وتعيين ثمان جلسات منها انطلاقا من 11 جوان و تتواصل طيلة شهر جويلية، بدأت عائلات ضحايا هذا القانون تستنفر وتستنجد بكل الجهات المسؤولة ومكونات المجتمع المدني لعلّها تجد صدى لندائها واستغاثتها… وفي هذا الإطار تكوّنت مؤخرا « لجنة أمهات وأخوات ضحايا قانون مكافحة الإرهاب » لتضيف صوتها إلى صوت المنظمات المدافعة عن ضحايا الانتهاكات والاعتقالات. وقد وصلنا مؤخرا نصّ تم توقيعه من طرف 16 عائلة ورد فيه  » إنّ الأمـــهات الممضيات أسفله، بعد اختطاف أبنائهنّ واختفائهم قسريّا لمدد مختلفة تتجاوز الفترة القانونيّة وتعريضهم لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي … من استعمال وسائل التعليق ونزع الثياب والضرب بمختلف أشكاله … إلى التهديد بالاغتصاب والاعتداء على الكرامة… وتهديدهم بإرجاعهم للتعذيب في صورة عدم المصادقة لدى التحقيق على محاضر الأمن، وسجنهم بتهم تتعلّق بقانون مكافحة الإرهاب في ظروف غير صحيّة ولا إنسانيّة وصلت حتى الاعتداء على العديد منهم بالتعذيب داخل السجن وحرمانهم من حقوقهم كسجناء… إنّ الأمهات الممضيات تعلن تجمعهنّ من أجل إطلاق سراح أبنائهنّ واحترام جميع حقوقهم الأساسيّة. »   فرحة عائلات شبان جرجيس لا تزال متواصلة توجهت عائلات مجموعة جرجيس بدعوى لكل مناضلي ومناضلات المجتمع المدني للمشاركة في تظاهرة احتفاليّة تحييها هذه العائلات بعد الإفراج عن أبنائها في الأشهر الأخيرة وذلك يوم السبت 15 جويلية 2006 في مدينة جرجيس. علما وأنّ ما يعرف بمجموعة جرجيس تم إيقافهم بمدينة جرجيس بين يومي 8 و 10 فيفري 2003 وحوكموا بـ13 سنة سجن بتهم تكوين عصابات قصد التحضير لارتكاب اعتداءات…ثم أفرج عليهم في 25 فيفري 2006.    منع من حضور الاجتماع أم منع من دخول السجن؟ ! بعد الحصار والمضايقات البوليسيّة المفروضة على تحرّكات لجنة 18 أكتوبر ومنع اجتماعاتها وتظاهراتها… تمّكنت مؤخرا من عقد اجتماع بمقر التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، ولكن البوليس السياسي الذي طوّق المكان المذكور تدخل في اللحظات الأخيرة ليمنع السيد علي العريض، ممثل حركة النهضة من حضور الاجتماع. علما وأنّ السيد العريض سبق له وأن تلقّى تحذيرا شفاهيّا من الأمن وتهديده بإعادته للسجن في صورة مواصلة حضور اجتماعات 18 أكتوبر… فهل يدخل منع السيد العريض ضمن سياسة إبعاد حركة النهضة المحظورة من المشاركة السياسيّة، أم أنّه حماية له من الوقوع في المحظور بإعادته للسجن كما ورد في التحذير والتهديد الذي تلقّاه؟   (المصدر: مجلة « كلمة » الالكترونية، العدد 43 بتاريخ 16 جويلية 2006)


أربعينيّة المرحوم عادل العرفاوي

 
بقلم سامي نصر احتضن الاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة بمقرّه إحياء أربعينيّة المناضل عادل العرفاوي صبيحة يوم الأحد 9 جويلية 2006. وقد انتظمت تظاهرة جماهيريّة حضرها عدد كبير من مناضلي ومناضلات الجهة، إضافة للعديد من ممثلي الجمعيات والأحزاب السياسيّة القادمين من جهات مختلفة، مثل السيدين مختار الطريفي وعبد الرحمان الهذيلي عن الهيئة المديرة للرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان، والأب الروحي للمجتمع المدني التونسي السيد علي بن سالم ممثلا عن الودادية الوطنيّة لقدماء المقاومين، والسيدة سهام بن سدرين وسامي نصر عن المجلس الوطني للحريات بتونس، والسيد محمد جمور عن الهيئة الوطنيّة للمحامين…   وقد وجد ممثلو الجمعيات والأحزاب وأصدقاء المرحوم عادل العرفاوي في هذه المناسبة فرصة لذكر أهم خصال المرحوم، جمعها الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل المولدي الجندوبي في جملة واحدة: « مع كل مداخلة من هذه المداخلات أكتشف وجها جديدا للمناضل عادل العرفاوي الذي تعتز به عائلته وتعتز به منطقة جندوبة ويعتز به المجتمع التونسي ».   هذا المناضل الذي وصفه رئيس الرابطة بكونه الركيزة الأساسيّة للهيئة المديرة، وأنّ مساهمة المناضل عادل العرفاوي كانت حاضرة في كل أعمال الرابطة (التقارير ورصد الحالات…).   واختزلت ناطقة المجلس الوطني للحريات بتونس السيدة سهام بن سدرين خصال المرحوم في ثلاث نقاط: مناضل صامد، عاش مع المجلس أصعب مراحل هذه المنظمة وهي مرحلة التأسيس وهو مدرسة في العمل الحقوقي وذلك بتركيزه للمنهج العلمي والأكاديمي في العمل الحقوقي وهو أوّل من مزج العمل الاجتماعي بالعمل الحقوقي (مثل فيضانات بوسالم).   أمّا السيد علي بن سالم الذي عادة ما تكون مداخلته في تظاهرات المجتمع المدني مقتضبة، فإنّه وجد نفسه في هذه المناسبة يخرج عن عادته، ليذكر للحاضرين والحاضرات العديد من خصال المرحوم وخاصة الصعوبات والمضايقات التي كانت يتعرّض لها جرّاء أعماله النضاليّة، ثم ختم مداخلته بسؤاله « بعد أن ذكرنا خصال المرحوم ماذا يمكننا أن نقدّم لصديقنا المناضل عادل العرفاوي؟ »   ولكن في مقابل المداخلات التي عدّدت خصال المرحوم عادل العرفاوي، كبّلت الدموع ومشاعر الحزن والأسى لسان بعض المتدخلين مثلما وقع مع السيد نجيب العرفاوي (شقيق المرحوم) عندما حاول قراءة الرسالة المؤثّرة للطفلة « مريومة » التي تزامن عيد ميلادها مع أربعينيّة والدها.   الاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة بقيادة المولدي الجندوبي رسّخ تقليدا استثنائيا داخل المنظمة الشغيلة لايعترف بالإقصاء ويسعى لجمع مختلف المكوّنات الموجودة على الساحة دون الالتفات إلى وضعها القانوني أو حجم تمثيليتها أو طبيعة علاقتها بالسلطة. وكانت إدارته للجلسة نموذجا يحتذى في منحه الكلمة للمتدخّلين دون استثناءات أو تحيّز.   (المصدر: مجلة « كلمة » الالكترونية، العدد 43 بتاريخ 16 جويلية 2006)


أستاذ يختتم الموسم العلمي ببيع شهائده

 
لطفي حيدوري   كنّا يوم الأربعاء الماضي 5 جويلية على موعد مع مشهد ضاحك باك. تقدّم الحسين بن عمر نحو نصب العلامة ابن خلدون ورمى برزمة من شهاداته العلمية على الأرض ودعا جمهور المارة الذي تحلّق حوله إلى اقتناء شهادة الماجستير أو شهادة الأستاذية بأبخس الأثمان. قال « هذه شهاداتي التي لم تؤهّلني لرزق أبيعها بخبز يومي ». لكنّ البوليس السياسي وأعوان الأمن لم يمهلوه وجرّوه إلى منطقة باب بحر أين احتفظوا به لتسع ساعات. حصل الحسين على الأستاذية في الإعلامية سنة 2001 وعلى الدراسات العليا المتخصصة في 2003. واشتغل بالتدريس بالجامعة متعاقدا منذ ثلاث سنوات.< /P> هذه السنة نجح الطلبة الذين تلقّوا تكوينهم على يديه في اجتياز مناظرة الكفاءة في الأستاذية (كاباس) وصُفّي هو في امتحان الشفاهي. هي مفارقة عجيبة ليس لها من تبرير في قناعة الحسين سوى نشاطه النقابي الطلاّبي خلال سنوات دراسته الجامعية، ذلك الرصيد النضالي الذي يظلّ سابقة لاتغتفر مادامت أجهزة الاستعلامات يقظة لتنقية مؤسساتنا التربوية من « المشبوهين » غير التائبين وما دامت آفاقه المحدودة لم تطل الوسطاء المرتشين لمحو « الجريمة » وإطعام كلّ فم. وكانت وزارة التربية قد أقرّت بحاجة هذه المناظرة للإصلاح وأنّها تسعى « لتطوير الاجراءات والقضاء على هامش المحاباة والخطإ » كما ورد على لسان مديرة الامتحانات. يقول حسين بن عمر في نبرة ساخرة: لقد تدخّلت الديبلوماسية التونسية لدعم حظوظ مترشحة تونسية في برنامج « ستار أكاديمي »، أمّا أنا فتتجنّد جميع الأجهزة لإسقاطي بدءا من أرذل « عيون » الجامعة إلى الفرق المختصّة إلى مُصدري التعليمات بوزارة الداخلية… » ويقف إلى جانب حسين عدد من الناشطين النقابيين السابقين في الجامعة التونسية الذين يعتقدون أنّ أسماءهم قد محيت من سجلّ الناجحين بمعيار الفرز الأمني. وفي كلّ سنة منذ انطلاق مناظرة الكاباس أصبح النجاح منحة قطرة قطرة للطلبة النشطاء والسجناء السياسيّين السابقين. ويقوم معظمهم بالتسجيل في هذه الامتحانات تمسّكا بحق من الحقوق في حين قاطع كثيرون هذه المناظرة ويئسوا منها وتوجّهوا إلى حياة أخرى بعيدا عن التربية والتعليم نحو الزراعة وبيع الأكلات الخفيفة… والاشتغال بالحضائر. ولم يفلح التطبّب بما سمّي المشاريع الصغرى فحجم القروض البسيطة الممنوحة وجدها البعض كافية فقط… للزواج. يقول الحسين بن عمر: « لقد تخرجت من الجامعة بأستاذية إعلامية غير موجّهة لتربية النحل أو الدواجن… » لذلك يجد هو ورفاقه أنّ مقاومة الإقصاء هي سبيل النجاة من التهميش والحفاظ على رصيد التكوين العلمي وشرف الشهادة التي يحملها.   (المصدر: مجلة « كلمة » الالكترونية، العدد 43 بتاريخ 16 جويلية 2006)


التحالف العربي الرسمي الإسرائيلي ضد الحركة الإسلامية .. حرب من ؟ وضد من ؟

التحالفات الإستراتيجية في  » الشرق الأوسط الكبير « : تونس نموذجا  

 
 » التحالفات المستقبلية في الشرق الأوسط ستكون بين الأنظمة العربية وإسرائيل من جهة والحركة الإسلامية من جهة أخرى  » – ريتشارد نيكسون (*)   عبدالباقي خليفة – كاتب تونسي    نحن نشاهد الآن على الميدان وبالألوان ، ما قرأناه للرئيس الاميركي الاسبق ريتشارد نيكسون ، في تسعينات القرن الماضي ، وتحديدا في كتابه  » نصر بلا حرب ، 1999  » وهو كتاب استشرافي مستقبلي، حاول فيه قراءة مستقبل العالم والتحالفات والصراعات ، ولا سيما نهضة العملاق الصيني ، وتوحد أوربا ، وانقلاب الموازين في  » الشرق الاوسط  » بحيث تتحالف الأنظمة العربية واسرائيل في حرب الحركة الاسلامية . وقد قمت بعرض الكتاب في حينه في إحدى المجلات الآسيوية بإسم مستعار في ذلك الوقت ، وياليتني مافعلت .   ومنذ ذلك الحين والتقارب الاسرائلي العربي ، الرسمي ، يتطور ، حتى أصبحت زيارة رموز الكيان الصهيوني إلى البلدان العربية ، تلقى من الاهتمام والحفاوة ما يلاقيه العرب في بلدهم ، الثاني ، بيد أن تطور العلاقات العربية الرسمية مع الكيان الصهيوني لم تبدأ منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشئومة في نهاية سبعينات القرن الماضي ، كما يتخيل البعض ، وإنما سبقتها وبمراحل تعود لثلاثينات وأربعينات القرن العشرين ، رغم المقاطعة المنافقة لمصر السادات عقب ذلك ، حيث لم يزد السادات عن تحويل اللقاءات السرية من وراء الشعوب إلى لقاءات علنية رغم أنفها ، بعد ترويضها عن طريق أجهزة القمع ،كما تروض الاسود في السيرك . و لم يقتصر الاختراق الصهيوني للمنظومة العربية على الانظمة الحاكمة الساعية للحفاظ على كراسيها و ارتباطاتها الدولية للمكوث أكثر فترة ممكنة في الحكم فحسب ، بل تخطاها لاختراق النخبة و في كل تفريعاتها حتى غدا بيننا عرب صهاينة و كتاب صهاينة و صحافيين صهايينة ، وهو ما يعرف بالطبخة الصهيونية في البلاد العربية ، وهي طبخة تخطئ ثقافتنا ومواقفنا و تبرئ العدو من جرائمه ، و تلصقها بالمقاومة لمشاريعه .   حماس وحزب الله: هذه الايام تعيش الأمة أصعب مرحلة في حياتها ، إذ أنها معركة حياة أوموت ، ولم يكن العرب و المسلمون ،ولا سيما الحكومات والشعوب أبعد عن بعضهم البعض ، كما هو الحال اليوم ، ولا سيما في ما يتعلق بالعدوان الصهيوني على لبنان ، فلم يقف النظام العربي الرسمي في صف دولة العدو بشكل سافر ، كما هو اليوم ،رغم كل المساحيق وكل التصريحات الكاذبة ، التي تحاول ترميم الموقف المنهار ، ومواراة الخزي والعار الذي تتسربل به . فمن لم يحمل حزب الله المسئولية عن العدوان الصهيوني ،حاول الغمز بأنه كان عليه اشراك الحكومة اللبانينة أو اعلامها قبل ذلك بنصف ساعة !   لكن الجميع أحس الحرج ، بعد أن أسقط حزب الله ورقة التوت التي تخفي عورات الجميع ، فالكل يحرص على بقاء الاوضاع على ما هي عليه ، و تثبيت الوضع القائم ، لا تحرير لفلسطين ولا لمزارع شبعا ولا الجولان أو غيره ، و لكن حزب الله حرك المياه الراكدة ، وفاجأ الجميع ، الذين شعروا بالحرج مرتين ، أولا أمام شعوبهم ، وثانيا أما الحليف الاستراتيجي في حرب الحركة الاسلامية المسمى ( اسرائيل ) ، لذلك يسكت الكل أمام  المذابح التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على أمل أن يقضي ذلك على حماس ، والجهاد الاسلامي ، وعلى تدمير لبنان على وهم التخلص من حزب الله ، أما الخسائر المادية فقد تكفلت الدول العربية بتعويضها ، وليس العدو ، بينما تتولى تلك الانظمة تصفية الحركات الاسلامية داخليا لحساب العدو ، فبعدها لن يكون هناك من يتحدث عن تحرير فلسطين واستعادة القدس وغير ذلك ، فيستريحون من وجع الرأس و خطر الانقلابات ، و يهنأوا بالسلطة ، ويستريح العدو من المقاومة و يهنأ بالارض و عرض العرب و المسلمين .   وإذا ما انتقلنا إلى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فقد  رأينا النظام العربي الرسمي يتخاذل في دعم حماس بل يتآمر عليها ، بالتعاون مع الصهيونية ، لأنها امتداد للحركة الاسلامية ، وتحديدا للإخوان المسلمين ، راينا كيف حوصرت حماس ،و الحكومة الفلسطينية ماليا ،لاضعافها ومن ثم اسقاطها ، حتى لا تقدم الدليل من خلال الايادي النظيفة على فساد من سبقها وخيانته وسرقته للمال العام ، ووجدنا ليس الصهيونية فحسب ، بل الغرب  » بأوربته وأميركته  » والعرب بمختلف أطيافهم  الديكتاتورية يقفون ضد حماس ، و يطالبونها بالاعتراف باسرائيل و بدون مقابل ، حتى سقط في ايديهم ، و حاولوا بعد ذلك إثارة الشارع الفلسطيني ضدها ، وقتلوا على يد العملاء الظاهرين و الخفيين بعض رموزها ، لبلبلة الاوضاع و منع حماس من التركيز على الهم الفلسطيني ، ومنعوها من تنفيذ برامجها ، بما في ذلك بسط الأمن في الشارع الفلسطيني عن طريق القوة المساندة للشرطة . و في الوقت الذي كان يموت فيه الشعب الفلسطيني جوعا ، كانت الاموال تغدق بسخاء على جماعة أبو مازن ، و ساهمت الدولة الصهيونية في تسليح قوات أبو مازن بشرط أن لا تستخدم تلك الاسلحة ضد ( اسرائيل ) ترى لمن توجه فوهات تلك الاسلحة إن لم تكن ضد الاحتلال ، وقبل ( بكسر الباء ) أبو مازن والأنظمة العربية من ورائه بذلك ، ترى هل هناك عدو آخر غير الاحتلال في فلسطين ؟   نظرة تاريخية: وأذكر هنا أول مصافحة علنية بين حاكم عربي ، مات ، مع الرئيس الصهيوني الاسبق اسحاق رابين ، حيث ذكر بأن  » هذه اليد أعرفها منذ عقود  » ووصل الأمر إلى وصف  » غولدمايير  » ب  » الام الحنون  » . وإذا ماعدنا إلى الوراء قليلا نجد الحكام العرب في ثورة 1936 وراء خيانة مشروع تحرير فلسطين ، بنداء الخيانة التاريخي الموجه للمقاومة ، بزعم أن بريطانيا وافقت على شروطها ، وكان ما كان ، و تكرر ذلك في حرب 48 على يد  » الرجعية العربية  » وفي 1968 على يد  » التقدمية العربية  » ، وما تلاها من هزائم للنظام العربي الرسمي أمام شراذم الصهيونية ، تحت تعلة إنهم  » زبدة الشعوب  » ( الهزيمة النفسية ) كما كان يكرر بورقيبة المقبور، أو مدعومين من الغرب كما يعلق النظام الرسمي العربي على هزائمه . لكن الانجاز غير المكتمل ، أو الذي تم اجهاضه عربيا أيضا هو  » نصر 1973  » و الذي تحقق بنداء الله أكبر ، وتم بث الحماس والغيرة الخلاقة في صفوف الجنود المصريين قبل المعركة باسم الله ، فحطموا خط برليف ، وكادوا يحققون المعجزة ، لولا سوء القيادة السياسية والعسكرية معا .   النموذج التونسي: لم تغفرالصهيونية للاسلام ذلك ، فوضعته على قائمة أعدائها ، وعملت جاهدة على التخويف منه ، ليس في الغرب فحسب ، بل داخل البلاد العربية والاسلامية ،حتى غدا الاسلام العدو الاول للكثير من الأنظمة في المنطقة وعلى رأسها النظام التونسي ، باسم محاربة الارهاب والتطرف ، وتجفيف ينابيع التدين ، وتحت لافتة عريضة تعبر عن كذبة كبرى اسمها  » الحداثة  » واللحاق بركب الدول المتقدمة . وقد حاز النظام التونسي على استحسان الصهيونية لما قام و يقوم به من تدمير للاسلام وقيمه ورجالاته ومظاهرالاتزام به ، بما في ذلك الصلاة و الصوم و الحجاب و حفظ القرآن ، جاعلا من توصيات ميكافيلي في كتابه الشهير ، الأمير ، دستورا أوحد ، فحول كل القيم النبيلة المتعلقة بحقوق الانسان و الحكم الرشيد ، إلى شعارات يكبها الواقع من كل صوب ، و لا سيما ( المعجزة الاقتصادية ) التي دفعت بالمتربصين في الخارج على نفقة الدولة ، البقاء في المهجر ، كما حدث لبعثة المهندسين إلى فرنسا مؤخرا . كما تدفع تلك المعجزة لانبياء تونس الكذبة ، الآلاف من أبناء تونس لركوب الموت عبر البحر أو ما يسمى في تونس ب  » الحرقان « وهو ما جعل الكثير من الكتاب يتفنون و يبدعون في تعريف المصطلح ودلالاته المختلفة بما فتح الله عليهم من قدرة على التفكيك .   وكانت الصهوينية من المروجين اعلاميا وغير ذلك  » للمعجزة التونسية  » وبشهادات مزورة من جهات تصدر تلك الشهادات بمقابل مادي ، بما يشبه الراشي والمرتشي ، الملعونين في الكتاب . بل أن الصهيونية ساهمت في تثبيت حكم الجنرال بن علي ، ففي برنامج للبي بي سي اعترف الكثير من الصهاينة ولا سيما المقيمين في فرنسا ، بمساعدة بن علي في حربه على الاسلاميين ، و لجم الجهات الدولية المختلفة عن انتقاد النظام التونسي ، و النيل من المعارضة ، و لا سيما الاسلامية و منع اي تقارب بينها و بين الجهات الغربية و لا سيما في الولايات المتحدة الاميركية ، إلى درجة إلغاء تأشيرة كان قد حصل عليها الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس للولايات المتحدة الأميركية . واستمرت العلاقات الحميمة بين النظام التونسي والنظام الصهيوني في فلسطين المحتلة إلى درجة استقبال طائرة تحمل وزير الخارجية الصهيوني على أحد جهاتها العلم التونسي و على الجهة الأخرى العلم الصهيوني ، والصورة موجودة ، وكان قد فرش البساط الأحمر لخاخام الدولة الصهيونية في فلسطين في مطار تونس قرطاج ، واستقبل استقبال العظماء .   التعاون الاستخباري: ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فتطور إلى التعاون الاستخباري ، ضد المعارضة التونسية من جهة ، و ذد المقاومة في فلسطيم و لبنان ، و الجميع يذكر ما أعلن عنه في وقت سابق عن خلية تونسية تم اعتقالها في لبنان قبل عدة أشهر من بينهما إمرأة و جميعهم عناصر في الاستخبارات التونسية ، كما حاولت الاستخبارات التونسية جمع معلومات عن نشطاء فلسطينيين في الخارج لصالح الدولة الصهيونية ، والجميع يعلم ما حصل في حمام الشط ، وعملية اغتيال خليل الوزير أبو خالد في تونس ، والتي تمت بتواطئ من الاستخبارات التونسية ، ورغم الزعم بأن ضابطا كبيرا قد تم إعدامه إلا إنه لا يوجد ما يؤكد ذلك ، ولو بمعدل مثال ذرة من الحقيقة حول هذه القضية .   أمر آخر في غاية الأهمية يدل على مدى التعاون الأمني بين الدولة الصهيونية والديكاتوترية الحاكمة في تونس ، و يتمثل في ايواء عملاء الصهيونية في فلسطين ، المطلوبين لدى المقاومة ، والذين كانوا سببا في ازهاق ارواح أبطال فلسطين وقادتهم العظام من حماس و الجهاد و فتح و بقية الفصائل الفلسطينية . وفي مقدمة هؤلاء العملاء المدعو ، عدنان ياسين ، والذي لم يعد موجودا في تونس حاليا ، بعد ترحيله إلى أوربا الشرقية ، وكان سببا في إقالة أحد السفراء الفلسطينيين ، فقد ظل في تونس مع غيره فترة طويلة ، ينعم في خيراتها بين الاحرار من شعبها يقبعون في السجون تحت التعذيب و الخضوع للقتل البطئ الذي أودى بحياة العشرات من أبناء تونس البررة كان آخرهم الشهيد البطل الهاشمي المكي رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته مع الشهداء و الانبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقا .   واستمر التعاون على كافة المجالات بين الدولة الصهيونية والنظام الديكتاتوري في تونس ، حتى جرت بلادنا إلى الحلف الصهيوني ضد العروبة والاسلام ، وغدا النظام القمعي ، نموذجا يحتذى به في تل أبيب حول كيفية التعامل مع الاسلام وأهله ، حيث تتم الإشادة بالنظام على كافة المستويات ، بما فيها الاكاديمية والسياسية ، و من ذلك ما قاله الرئيس الصهيوني ، قصاب ، أمام طلبة جامعة القدس نهاية العام الماضي  » تونس تعتبر نموذجا في محاربة الاسلام المتطرف  » انظر هنا كيف ينعت العدو الاسلام بالتطرف ، ولم يقل الاسلاميين المتطرفين على سبيل المثال .   تذكّـــروا ما قاله نيكسون .    (*) الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه: « نصر بلا حرب ».
 

انخراط الإسلاميين في الانتخابات.. هل يكون للمشاركة أم للمغالبة؟

 

بنعيسى الدمني   إن خوض التيار الإسلامي غمار العمل السياسي وفق قواعد تعدد الأحزاب بات اليوم ظاهرة لافتة تحظى باهتمام دوائر البحث، وتحيّر مراكز صناعة القرار في جميع أنحاء العالم. ولا غرو، فقد عُرف عموم هذا التيار في بداياته الأولى، منذ عشرينات القرن الماضي، بطغيان الفكر العقائدي على الفكر الاجتماعي والسياسي لديه، وبصدوفه عن التشكل الحزبي(1)؛ إلى حد أن بعض رواده الأوائل اعتبروا أن دعوتهم تسمو على السياسة، ونادوا حتى بحل الأحزاب السياسية القائمة في زمانهم (2).    وإذا كانت ظروف القمع الداخلي والتسلط الخارجي قد دفعت ببعض مكونات التيار الإسلامي في بلدان بعينها منذ الخمسينات، إلى اعتماد خيار العنف فكرا وممارسة، دون الانخراط في المنظومة الحزبية أو في العمل الانتخابي(3)، فإن تلك الظروف قد أسهمت في الدفع بآخرين إلى تشكيل أحزاب سياسية تعتمد السرّية، وتنأى بنفسها عن خوض الانتخابات، لأنها لا تقول بالديمقراطية ولا بالنظام الجمهوري، بل تعتبرهما من المحرمات(4).   غير أن القطاع الأوسع قي التيار الإسلامي رفض الانجرار وراء غواية العنف الأعمى، وأبى تبني أسلوب العمل السري، والتورط في نهج التحريم المفضي إلى تضييق المباح، وربما إلى تكفير الناس على غير بصيرة. بل آثر قي مقابل ذلك أن يباشر العمل السياسي في كنف العلنية، وبالوسائل السلمية المشروعة. وها هو اليوم يمثل إحدى أهم القوى الانتخابية التي يُقرأ لها أكثر من حساب في معظم البلدان العربية والإسلامية.   ورغم أن الأنظمة الحاكمة والجماعات العلمانية ظلت تجادل الإسلاميين إلى اليوم حول مدى مشروعية الجمع بين الصفة الدينية والصفة السياسية(5)، فقد تجاوزت أغلب الحركات الإسلامية هذا الجدل(6)، بعد أن ترسخ لديها اقتناع بأن العمل السياسي، بما يقتضيه من انتظام حزبي، وانخراط في الانتخابات العامة، هو جزء أصيل من رسالتها الشاملة، وأنه هو المدخل الضروري إلى إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية على جميع المستويات. وقد حصل هذا التطور في خضم تحديات نظرية وأخرى عملية مستجدة، تطلبت ولا تزال تتطلب كثيرا من النظر والاجتهاد ودقة التخطيط.    وهذا ما حفزنا على تخصيص هذه الصفحات للنظر في مسيرة الانخراط السياسي، ومتطلباتها الإستراتيجية، والتساؤل خصوصا عن غائية التعامل الميداني مع الانتخابات، ومدى تأثير تلك الغائية على حجم ذلك التعامل وعلى كيفيته ووسائله، ضمن المرحلة التاريخية التي يتنزل فيها؛ مجتنبين التقيّد ببلد بعينه، أو بتجربة مخصوصة، ومحاولين، في نفس الوقت، عدم الوقوع في التعميم المخلّ، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.   السياق التاريخي للمشاركة السياسية   لقد عَرف المسلمون طيلة القرون الخوالي حقبة من الخمول الحضاري بسبب حال الانحطاط الذي زُرعت بذوره السياسية الأولى بانتصاب نظام المُلك الوراثي غصبا وعدوانا على أيدي الأمويين (سنة 41 للهجرة)، وظهرت بوادره الفكرية في القرن الخامس الهجري بفعل تعطل حركة الاجتهاد، وغلبة تيار التصوف. ثم استتب ذلك الانحطاط في الأمّة بشكل شامل في أواخر القرن الثامن الهجري الموافق للقرن الرابع عشر الميلادي: قرن عبد الرحمان بن خلدون، وتقي الدين المقريزي، وأبي إسحاق الشاطبي. وثلاثتهم قد مثلوا تقريبا آخر من أنتجتهم الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط من مجددين في علوم الدين، وفي علوم الإنسان والمجتمع، لم يتوافر في الأمة آنذاك مَن واصل مشاريعهم التجديدية من بعدهم، لنضوب المعين، واكتفاء المسلمين بتقليد مذاهب السلف وعكوف علمائهم في الغالب على شرح المتون والحواشي.   وقد استمرت حالة الخمول قرونا، عمّ فيها الجهل على أوسع نطاق، واستحكم الاستبداد بالشعوب، واستشرى الفقر، وضعف كيان الأمة العام. فكان من نتائج ذلك أن توافرت في المسلمين قابلية للاستعمار، استغلتها القوى الأوروبية، التي بنت نهضتها في تلك الأثناء، فغزت أغلبَ البلدان الإسلامية في القرن التاسع عشر الميلادي، بدعوى أنها جاءت تحمل إليها « رسالة تمدينية » (7). غير أن تلك « الرسالة » لم تكن في حقيقة الأمر سوى جريمة احتلال بغيض، جثم على صدر البلدان الإسلامية طيلة حقبة زادت على القرن ونصف القرن، وظل ينهب ثرواتها، ويستغل شعوبها في أعمال اقتصادية وحربية أملتها مصالح الأوروبيين وأطماعهم التوسعية. مما زاد البلدان الإسلامية تخلفا وهوانا.   ولئن اجتهدت حركات النهضة والإصلاح المعاصرة في طرح الأسئلة الجوهرية من أجل فهم أسباب « تأخر المسلمين وتقدم غيرهم »(8)، وحاولت بلورة إشكاليات النهضة ورسم سبلها، فإن ما قدمته من إجابات ومقاربات غالبا ما كان نظريا، وذهب في تصور الإصلاح مذاهب شتى: فقد تفرق روادها بين مُطالِب بإعطاء الأولوية للتربية والتعليم (مثل محمد عبده)، وقائل بضرورة مقاومة المحتل وإصلاح النظم السياسية (مثل جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمان الكواكبي)، وداع إلى الإصلاح الديني (مثل محمد رشيد رضا) ومناد بالإصلاح الاجتماعي (مثل الطاهر الحداد وقاسم أمين).   وإذا تجاوزنا الوقوف على ما وجهه بعض الدارسين ومؤرخي الأفكار من نقد إلى بعض هذه الحركات فيما يخص أصولها الفكرية وصفاء رؤاها الحضارية، فإنه يمكن القول إن جملة أفكارها قد شكلت إضافة مهمة في رصيد نهضة المسلمين وتقدمهم. لكن تلك الأفكار الإصلاحية لم تكن كافية وحدها لزحزحة الاستعمار عن بلاد المسلمين. بل تطلب الأمر قيام حركات التحرر الوطني التي، لئن أفادت من تلك الأفكار كثيرا أو قليلا، فإنها قد اعتمدت أسلوب الجهاد المسلح المسنود بالنضال السياسي لتحرير كل البلدان الإسلامية من الاستعمار، عدا فلسطين التي انتقلت مباشرة من حكم الانتداب البريطاني إلى حكم الاحتلال الصهيوني بتواطؤ غربي سوفييتي غادر، أتاح للبريطانيين تحديدا وللأوروبيين بشكل عام ضرب عصفورين بحجر واحدد:    – فهم قد وفروا لليهود أرضا يهاجرون إليها، وتمكنوا بذلك من خفض كثافة الحضور العبري الذي طالما أزعجهم على أراضيهم، ونجحوا موضوعيا في تحقيق ذات الهدف العنصري الذي ابتغاه هتلر حين قام باضطهاد اليهود وترحيلهم قسرا عن بلاده وعن مجال نفوذه الأوسع.   – وهم، منذ وعد بلفور سيء الذكر، قد تصرفوا في أرض فلسطين تصرف المالك، بدون وجه حق، فوهبوها ظلما لليهود، وأصابوا الجسم الإسلامي الكبير بجرح مفتوح، ظل يستنزف قوى الأمة، ويعطل نهضتها إلى اليوم. لكن ذلك الجرح أضحى بمرور الزمن حافزا على إذكاء جذوة المقاومة، وتوقد روح التحرر لدى جميع المسلمين، وجلب تضامن كل أحرار العالم مع الشعب الفلسطيني المظلوم.    وإذا استثنينا الحالة الفلسطينية، التي لم تزل بعدُ في مرحلة نضال وطني من أجل الاستقلال، يجوز القول إن سلسلة الاستقلالات، التي تحققت في البلاد العربية والإسلامية فيما بين ثلاثينات القرن العشرين وستيناته تقريبا، قد آلت إلى نشأة دول وطنية سرعان ما طوت صفحة الماضي، واستبدلت المهام التحررية بمهام تنموية، رغم أنها لم تستكمل بعدُ شروط التحرر الوطني التام من الوصاية الاستعمارية التي أصبحت، بعد إمضاء وثائق الاستقلال، تتخذ أشكالا غير مباشرة. وغنيّ عن القول إن تلك الدول الفتية لم تستوف كذلك شروط النهضة الشاملة من باب أولى. لذلك فإنها غالبا ما أخفقت في النهوض ببلدانها إخفاقا ذريعا، وعجزت عن تلبية مطالب شعوبها في ترسيخ هويتها الحضارية، وتأسيس الحكم على الشرعية الانتخابية، وإقرار الحريات، وكفالة العدالة والعيش الكريم لجميع فئات المجتمع في كنف الاكتفاء الذاتي وبعيدا عن التبعية للخارج.    ويجد هذا العجز تفسيره تاريخيا في كون دول الاستقلال في العالم الإسلامي لم تتأسس على رؤى دستورية راسخة في الديمقراطية، ولم تنهض لتنفيذ خياراتٍ وبرامج سياسية اختارتها شعوبها بحرية، بل تأسست على مقاسات أفكار زعمائها ومصالحهم، وحتى أمزجتهم الخاصة أحيانا. كما عملت تلك الدول على فرض برامج منبتة، وسمحت بأن تكون الأحزاب الحاكمة أدوات لانفراد زعمائها بالسلطة: ولئن اتسمت تلك البرامج بعدم الاستقرار في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية – لأنها غالبا ما كانت تعكس أصداء تقلبات الفكر التنموي في العالم الثالث طوال النصف الثاني من القرن العشرين – فإنها كانت، في جوانبها السياسية، ثابتة عموما في ترسيخ أنظمة حكم سلطوية غالبا ما كان قادتها يستعيضون عن الشرعية الانتخابية بشرعية تاريخية أو نضالية مزعومة، كانوا يوظفونها من أجل البقاء في السلطة مدى الحياة.   لقد رفض جيل الاستقلال هذه الأوضاع. ولم تنطل عليه مزاعم خطاب الأنظمة الرسمي الذي دأب على تصوير الحكام على أنهم أبطال وطنيون. ورغم إمعان أغلب الأنظمة العربية والإسلامية في قمع الحريات، وتأجيل الديمقراطية، بذريعة التفرغ لإنجاز مهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية حينا – وهو الحال الغالب – أو بدعوى إعطاء الأولوية لمقاومة الاحتلال الصهيوني حينا آخر – على غرار ما فعلت ولم تزل تفعل بعض أنظمة المشرق العربي، التي اعتاشت على القضية الفلسطينية طوال عقود – فإن كل ذلك لم يفلح في إثناء جيل الاستقلال عن التطلع إلى التغيير والحرية.   فقد رأيناه عبّر عن ذلك التطلع في أكثر من بلاد، وأثناء أكثر من انتفاضة، وبأكثر من أسلوب؛ وخاض في سبيله عدة مواجهات ضد أنظمة سياسية، لم تدرك جيدا أنها بإزاء جيل مستعص، حنكته التجارب، وتراكم لديه إلى جانب رصيد المقاومة والكفاح الوطني، الذي ورثه عن آبائه وأجداده، تراثٌ وفير من فكر النهضة والإصلاح، وتفتحَ ذهنه على مبادئ وقيم تحررية، تعلم بعضها في المدارس الحديثة، ونهل البعض الآخر من معين الفكر الإسلامي المعاصر، ومن معين الفكر الإنساني الحر.    وإذا كان الرعيل الأول من التيار الإسلامي المعاصر قد اضطلع، بالتوازي مع كفاحه ضد الاستعمار، بمهام التأسيس التنظيمي، وإعادة الاعتبار لعقائد الإسلام وقيمه الثقافية والاجتماعية، مستلهما ذلك من فكر حركة الإصلاح، التي هو امتداد لها؛ فإن جيل الإسلاميين الثاني، الذي نشأ معظمه في مرحلة الاستقلال، قد تجاوز المتطلبات التأسيسية، ولم يكتف بالأنشطة الدعوية والاجتماعية، بل انخرط في العمل السياسي الرافض للهيمنة الخارجية والاستبداد الداخلي، والمناضل من أجل التحرر والإصلاح. فأمكنه أن يسهم بمعية المخضرمين من جيل التأسيس الأوائل، في تطوير الحركات الإسلامية على هذين الصعيدين المتوازيين:   1- فعلى صعيد التحرر الوطني، أحيى التيار الإسلامي في النفوس روح المقاومة، وكرسها عمليا في جبهات التماس مع المعتدين. وناضل من أجل كسر روابط التبعية للغرب بكل أشكالها الثقافية والاقتصادية وغيرها. فكان بذلك قوة ممانعة في وجه ممارسات الهيمنة والتهديدات الأجنبية؛ وحال بالتالي دون انسلاخ الأمة عن مهام التحرر التي تعاظمت إلحاحيتها الإستراتيجية، في ظل أوضاع العولمة، وبعد عودة ظاهرة الاستعمار من جديد، بوجه أقبح مما كانت عليه في الماضي، إلى كل من أفغانستان والعراق إضافة إلى فلسطين.    2- وعلى صعيد الإصلاح الداخلي، عمل التيار الإسلامي في كل الأقطار التي يتحرك فيها، على دخول مرحلة جديدة من العمل السياسي بالوسائل السلمية والقانونية وفق قواعد تعدد الأحزاب، من أجل تنشيط المجتمع المدني، والإسهام بمعية بقية الأطراف المؤمنة بضرورة التغيير الديمقراطي، في إصلاح ما فسد من أوضاع الحكم، وانتزاع ما أمكن من مكاسب لفائدة الحريات العامة وحقوق الإنسان. وقد مثل ذلك تطورا تاريخيا مهما، استدعى إنجازه جهودا محمودة بذلها المجددون من أهل العلم، بتقحّمهم مجالات من البحث نادرا ما ولجوها من قبل – رغم أن لها أصولا ثابتة في النصوص والمقاصد الشرعية – وبحسمهم إشكاليات نظرية أفرزتها تحديات المرحلة الجديدة.   من التجديد الفكري إلى التخطيط الاستراتيجي   لقد استند هذا التطور في مسار التيار الإسلامي بالفعل إلى رصيد من التجديد الفكري الذي نهض به جمهرة من العلماء المجتهدين والمفكرين الأكاديميين والقادة التنظيميين الذين نمَوْا داخل الحركات الإسلامية أو قريبا منها، والذين أفادوا من تجاربها الفائتة كثيرا من العبر والقرائح التجديدية. ولئن تحققت على هدا الصعيد النظري مكاسب لا بأس بها، من أبرزها الاستعاضة عن فكرة المفاصلة مع الواقع بفكرة المشاركة فيه، فإن جهودا إضافية من الاجتهاد ما زالت تنتظر من ينهض بها حتى يزداد العقل الإسلامي تشبعا بهذه الفكرة وفهما لأبعادها ومتطلباتها النظرية والعملية. وعلى أية حال، فإن البحث الفكري لم ينقطع يوما داخل الإسلاميين – بالتزامن مع مشاركتهم الفعلية في العملية السياسية- حول كثير من القضايا والإشكاليات النظرية ذات الصلة بالشأن السياسي من قبيل: الديموقراطية، والمواطنة، والمجتمع المدني، وسلطة الشعب، وحرية الضمير، والحق في المغايرة إلخ… وهو ما من شأنه أن يساعد كثيرا على تأصيل الخيارات، وتوضيح الرؤى، وتسديد المسيرة.    وتزامنا مع سياقيْ التجديد النظري والنضال السياسي، تبدّت إشكاليات من جنس استراتيجي آخر، نحسب أنها لا تقل أهمية عن القضايا النظرية، وأنها جديرة بكل عناية. إذ لا يكفي أن يكون للإسلاميين رؤى فكرية واضحة ومتطورة لكي تكلل مشاركاتهم السياسية بالنجاح مبدانيا، بل يحتاج الأمر فوق ذلك إلى تخطيط استراتيجي محكم وكفيل بأن ينزّل تلك الرؤى في الواقع. ويتعين على هذا التخطيط أن يأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات الميدانية، الذاتية والموضوعية، التي لا يجوز إغفالها في أيّ عمل سياسي. ذلك أن المخططات هي التي تترجم الأفكار النظرية إلى برامج مفصلة قابلة للتطبيق، وتجيب على جميع الأسئلة العملية المرتبطة بالممارسة. وهي التي تحُول بالتالي دون تورط الإسلاميين في الاندفاع الأرعن الذي قد يحوّل عملهم السياسي ومشاركاتهم الانتخابية إلى منازلات تعبوية مبهمة المقاصد ومشوّشة المضامين والوسائل. ونحسب أن أهم سؤال عملي يتعين على الاستراتيجيين الإسلاميين اليوم أن يجيبوا عليه هو: كيف يتم ضبط هدف واضح لكل مشاركة في الانتخابات تعتزم حركاتهم خوضها مستقبلا؟ لأن وضوح الهدف يعد شرطا لازما لتحديد حجم المشاركة وضبط كيفيتها ووسائلها.    وإذا أردنا مزيدا من الدقة، فلنقل إن المطلوب هو الاختيار، في حدود كل ظرف سياسي وضمن كل مرحلة تاريخية، بين أحد هذين الخيارين:    * إما أن تكون مشاركة الإسلاميين في الانتخابات مشاركة قوية وكاسحة، تحدو أصحابها إرادة المغالبة من أجل اعتلاء سدة الحكم بتفويض شعبي، واستبدال رئيس برئيس أو حزب حاكم بآخر،    * وإما أن تكون مشاركةً محسوبة، غايتها ترسيخ التقاليد الانتخابية، والتدرب عليها، وتحصين المجتمع بمؤسسات ديموقراطية وبدفاعات مدنية قوية، والانخراط في مشروع تغيير تدريجي يشترك في تبنيه وإنجازه أكثر ما يمكن من أطراف سياسية فاعلة في المجتمع.    ومن المعلوم أن لكل واحد من هذين الخيارين خلفيات تصورية سياسية محددة، وأن له كذلك شروطا ظرفية تمليه، ومستلزمات على مستوى الوسائل والاحتياطات، مما يعَد من مشمولات التخطيط المسبق. وإذن فإن حسن الاختيار يحتم على الاستراتيجيين توخي الدقة في قراءة الشروط الظرفية لكل استحقاق انتخابي، وفهم خصائص المرحلة التي يتنزل فيها، سواء على مستوى قدرات قوى التغيير، أو على مستوى محيطها الموضوعي وما يتحمله من تغيرات.    ولا مندوحة، في هذا السياق، عن الاتعاظ بتجارب الماضي القريب: فبعد حصيلة وفيرة من المشاركات التي خاضها الإسلاميون في كثير من البلدان ترشيحا وتصويتا، طيلة العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، وفي ضوء تباين نتائج تلك المشاركات واختلاف تداعياتها من بلد إلى آخر، يتحتم القيام بنقد ذاتي، ينتهي إلى تقويم شامل لتلك التجارب، من أجل الإفادة بجوانبها الإيجابية، وتلافي الوقوع في نقائصها أو تكرار أخطائها.   وإن أهم فائدة عملية يؤمل أن يخرج بها الإسلاميون من هذا العمل النقدي، هي عدم تحول مشاركتهم الانتخابية في المستقبل إلى عمل صِدامي يخرج عن القواعد المدنية ويصب موضوعيا في خدمة سياسات كثير من الأنظمة التي تتبنى الديمقراطية شعارا للمزايدة وتلميع الصورة، لكنها لا تتردد في تزييف الانتخابات والسطو « سلميا »، أو بوسائل القرصنة السياسية العنيفة، على اختيارات شعوبها، كلما أحست بخطر قلب موازين القوى لغير صالحها بواسطة صناديق الاقتراع.   في سبيل إستراتيجية للمشاركة   لم يعد خافيا على أحد أن أنظمة الحكم التي تعمد إلى تزييف الانتخابات وتعطيل الديمقراطية في العالم الإسلامي، عادة ما تبرر صنيعها « بمقاومة المد الأصولي » وحماية المجتمع من مخاطره، في محاولة منها لتحييد الأطراف العلمانية أو لاستمالتها في الداخل، ولاسترضاء القوى الدولية في الخارج. وهي كثيرا ما تستند في ذلك التبرير، علاوة على ضخامة المشاركة الإسلامية وطابعها الاندفاعي المثير، إلى تفرد الإسلاميين أحيانا بمطالب وشعارات عامة لا تشاركهم فيها أطراف حزبية أخرى، ولا تحظى بأي تفهم غربي: من قبيل »المطالبة بتطبيق الشريعة » وإعلان أن « الإسلام هو الحل ».    إن تبني هذا النوع من المطالب السياسية في الحملات الانتخابية لهو في حاجة أكيدة إلى مراجعة حكيمة تستند إلى تصور جديد للعمل الانتخابي قوامه الاعتماد على البرامج العملية أكثر من الاعتماد على الشعارات النظرية التي، لئن كانت لا اعتراض على مضامينها من الناحية المبدئية، إلا أنها لا يمكن بحال أن تقوم مقام البرامج من حيث الوضوح والتفصيل والفاعلية السياسية. فضلا عن كونها شعارات قد تسببت في كثير من سوء التفاهم بين الإسلاميين وبين أحزاب أخرى ليست كلها معادية للدين، وساهمت أيضا، في أكثر من بلاد، في الحيلولة دون قيام عمل مشترك لفائدة الحريات والمصلحة العامة، رغم أن ما يجمع بين أبناء البلد الواحد على هذا الصعيد هو عمليا أكثر مما يفرّق.   إن واقع المسلمين الذين يواجهون اليوم تحديات مصيرية على جميع المستويات، لا يتحمل مزيدا من التفرقة السياسية وتشتت جهود العاملين من أجل الإصلاح. لذلك فإن المسؤولية ملقاة على الإسلاميين بشكل خاص لكي يسعوا إلى توحيد الجهود والإرادات الخيّرة داخل مجتمعاتهم لمواجهة تلك التحديات بأنجع الوسائل الجماعية. ونحسب أن ذلك لا يتسنى لهم إلا بوضع إستراتيجية مشاركة تجنبهم التحرك الانفرادي العقيم، الذي قد تدفع إليه الثقة المفرطة في النفس أو الرغبةً في إبراز التميز والخصوصية.    فلا مراء في أن الإسلاميين، أيا كانت أحجام حضورهم الشعبي أو قوتهم الانتخابية، لا يمثلون إلا مكونا واحدا من مكونات مجتمعاتهم وطرفا من أطرافها السياسية الفاعلة؛ وأن ثمة إلى جانبهم أطرافا أخرى تطمح إلى ذات ما يطمحون إليه في مجال الإصلاح السياسي. وبالتالي فإن عليهم أن يضعوا أيديهم في أيدي تلك الأطراف، وأن يقبلوا بها شريكة في عملية التغيير، لأن اشتراك أبناء المجتمع الواحد في الانتماء وفي المصير يفرض أن يكون مشروع التغيير والإصلاح مشروعا جماعيا ينهض بإنجازه كافة أبناء المجتمع ولا يتحمل أعباءه طرف واحد بمعزل عن الآخرين. ففي ذلك ضمان لنجاح المشروع وتماسك المجتمع.   إن هذه الإستراتيجية التي ترفض النزعة الاحتكارية في مجال العمل السياسي، تقتضي تربية الفرد على روح الانتماء الوطني وتنشئته على عقلية المشاركة. وهي عقلية يتم اكتسابها عندما تترسخ قيم السماحة واحترام الآخرين في النفوس، ويقع الإقرار للجميع بالحق في المغايرة والاختلاف، أيا كان المعتقد أو الرأي أو الانتماء الحزبي. عندئذ يلتقي كافة المواطنين على التعاون فيما اتفقوا فيه من مبادئ ومصالح مشركة، ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه، تاركين للشعب كلمة الفصل في حل خلافاتهم بواسطة صناديق الاقتراع.   إن المدخل العملي إلى إدخال هذه الإستراتيجية حيز التنفيذ هو وصل جسور الحوار بين أبناء الوطن الواحد، الذين يرون في الديمقراطية سبيلا إلى الإصلاح أو هم يعلنون ذلك في خطابهم، أيا كانت مرجعياتهم الإيديولوجية ومواقعهم داخل المجتمع وحتى داخل السلطة.   إن الهدف الأول من هذا الحوار هو التعارف وتوفير مناخ من الثقة المتبادلة التي يمكن أن تأخذ شكل ميثاق شرف سياسي يلتزم به الجميع. أما الهدف الموالي منطقيا، فهو البحث الجماعي عن أرضية سياسية مشتركة، وإيجاد صيغ من التعاون للوصول إلى هدف استراتيجي أبعد هو التغيير السلمي والمدني الذي لا يستهدف استبدال الحكام بقدر ما يرمي إلى إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية والسياسية على أسس تعاقدية جديدة تكفل تماسك المجتمع وتضمن الحرية والعيش الكريم لجميع أفراده.    ومن الطبيعي أن ينتج أي سعي في هذا الاتجاه فرزا للصفوف. فيتمايز العاملون بصدق من أجل الإصلاح عن أولئك الذين يتحذلقون بالخطاب الإصلاحي ويتخذونه وسيلة للمزايدة ومغالطة الرأي العام، بينما تراهم لا يعملون في الواقع إلا على وضع العصي في عجلات الإصلاح، من أجل البقاء في مواقعهم وضمان مصالحهم الخاصة تحت لافتة « المحافظة على الأمن والاستقرار ».    ولا حاجة إلى بيان أن الذين يتبنون هذا الخطاب المزدوج ويتمسكون بهذا الموقف المحافظ في أكثر البلاد الإسلامية غالبا ما يفعلون ذلك من مواقع السلطة. وإذن فإن من مصلحة أنصار الإصلاح أيا كانت مشاربهم الفكرية، أن تتوحد جهودهم ليشكلوا سلطة مضادة تعمل على فرض التغيير بواسطة الاحتجاج والضغط بالوسائل الشعبية والمدنية، وإلزام السلطة الحاكمة بأن تكفل نزاهة أي انتخابات عامة. وبذلك ينشأ في المجتمع حراك تدافعي هو من شروط حيويته وتقدمه.    وخلافا لما يدعي المناهضون للإصلاح، فإن هذا التدافع السياسي لا يؤدي بالضرورة إلى انخرام أمن المجتمع وزعزعة استقراره، ولا يتعارض مع أسس المجتمع المدني من باب أولى. بل إن التدافع الذي نقصد يحترم تلك الأسس ويقويها. فهو بتم في إطار القانون وبالوسائل السلمية والشعبية. وإن غايته هي تشريك كافة أفراد الشعب في إقامة الأمن والاستقرار على أسس تعاقدية رضائية صلبة ودائمة، لا دخل في إرسائها لوسائل القمع والترهيب… فلا يأتي بعد ذلك من يجرؤ على وصف الركود الاجتماعي والسياسي بأنه علامة على استتباب الأمن، أو من يتخذ من اللامبالاة السائدة في أوساط الشعب دليلا على رسوخ الاستقرار؛ والحال أنه ليس أخطر على الأمن والاستقرار وأدعى لاستشراء الفساد وعموم البلوى في المجتمعات من مناخ الركود السياسي واللامبالاة الشعبية.   الإصلاح رهان تاريخي ومجتمعي   للمرء أن يتساءل: ما المانع من أن يشارك الإسلاميون بما أوتوا من قوة وكثافة في أي انتخابات وأن يكتسحوا البرلمانات، ومن ثم مواقع السلطة، بقطع النظر عن الظروف الموضوعية، ودون اشتراط التنسيق أو المشاركة في ذلك مع بقية مكونات المجتمع المدني، ما دام ذلك حقا مشروعا تمارسه كل الأحزاب، وما دام الإسلاميون يمتلكون القاعدة الشعبية التي تخوّل لهم الفوز، وما دام التغيير وفق المنهج الديمقراطي يكفيهم شر الانقلابات والثورات وسفك الدماء؟   لا مناص من التوضيح، بادئ ذي بدء، وبكامل الاختصار، أن الإشكال الذي نحن بصدده ليس متعلقا بالمفاضلة بين أسلوبين في العمل السياسي، أحدهما سلمي والآخر عنيف. لأن هذا الأمر محسوم لدينا مبدئيا بناء على اقتناع بأن العنف ما دخل على شيء إلا شانه(9)، وأن مفهوم الجهاد ليس مقصورا على القتال، بل يعَد العمل السياسي القائم بالقسط من أفضله(10)، وأن المؤمن ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرَهما ما لم يكن إثما(11).   كما أن الإشكال ليس متعلقا بالاختيار بين منهجين في التغيير أحدهما ثوري والآخر ديمقراطي. لا بل إن النظر إلى الموضوع من هذا المنظور المانوي هو أمر مغلوط من الأساس: فإذا كان المقصود بالصفة الثورية لأي تغيير سياسي هو طابعه الجذري، وما ينتج عنه من تحولات وانعطافات نوعية، فإنه ليس ثمة من ثورية تفوق ما قد ينتج عن أيّ انتخابات ديمقراطية نزيهة من تغييرات جوهرية في بنية الدولة، وفي اختياراتها العامة وبرامجها التفصيلية. وإذن فإن العبرة ليست بأسلوب التغيير السياسي، وإنما العبرة بنتائجه: أي بنوع الاختيارات والبرامج السياسية الجديدة التي يأتي بها.   ومن المهم التأكيد على أن الانتخابات ليست غاية في ذاتها، بل هي وسيلة لتأسيس مشروعية السلطة السياسية على اختيار الكافة ورضاهم. وبناء على ذلك، فإن أسّ أي عمل إصلاحي هو تربية الفرد على روح التحرر والكرامة، والترقي بوعي الشعب إلى عدم التنازل عن حقوقه المشروعة في اختيار حكامه، وفي محاسبتهم، وفي عزلهم إذا ما أخطأوا. فإذا ما كفلت الانتخابية الحرة تحقيق ذلك، فذاك ما كنا نبغي، وإلا فلا خلاص إلا بإشاعة ثقافة نضالية على أوسع نطاق ممكن، والانطلاق بمعية كل القوى المؤمنة بضرورة التغيير، في كفاح مستمر يرمي إلى افتكاك ما أمكن من حقوق وحريات، وفرض الإصلاح فرضا.    وإذا علمنا أن الحكم الصالح في أي بلد لا ينشأ بين يوم وليلة، بل هو حصيلة تراكم تاريخي من التجارب والمنجزات والتقاليد الديمقراطية المتتابعة، فإن الإشكال المطروح على المسلمين اليوم هو: كيف يتم بناء ذلك التراكم في العالم الإسلامي المعاصر بعد أن انقطعت إنجازاتهم في مجال الشورى وانتخاب أولي الأمر والتداول السلمي على السلطة منذ ما يناهز الأربعة عشر قرنا من الزمن، أي منذ انقلاب بني أمية على المشروع السياسي الإسلامي الذي أسسه الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام؟    بهذه الصيغة من القول، يتضح أن التحدي الإصلاحي هو تحد تاريخي، وأن التعامل مع الانتخابات في ظروف المسلمين الراهنة، ينبغي أن لا يبقى حبيس الحسابات الآنية، وأن لا يظل هدفه هو غنم أكبر عدد من المقاعد البرلمانية وحسب، بل ينبغي أن يتجاوز هذا الأفق الضيّق، وأن يرنو إلى النتائج المجتمعية والحضارية البعيدة المرجوة منه.    وإذن فإن المطلوب في المرحلة الراهنة – ليس من الإسلاميين وحدهم، بل من كافة قوى المعارضة والتغيير في العالم الإسلامي – أن يعملوا على توفير أكثر ما يمكن من تراكمات إصلاحية. وهذا ما لا يتأتى إلا بضمان نزاهة الانتخابات وصدقيتها، أعني بتقليص احتمالات تزييفها من قبل الأنظمة القائمة، والتضييق على فرص تمرير ذلك التزييف أو تضليلِ الرأي العام عنه. فبذلك وحده يتم بناء تراث سياسي بديل، يقطع تدريجيا مع تراث الاستبداد.    وعلى هذا المستوى، تكون المسؤولية ملقاة على عاتق الإسلاميين أكثر من غيرهم: فباعتبارهم يشكلون الطرف الأقوى حضورا في الأوساط الشعبية، والأشد إثارة لمخاوف ذوي المصالح والنفوذ وطنيا ودوليا، فإنه يحسن بهم عدم تعجل أمرهم، والعمل بقاعدة « درء المفاسد مقدم على جلب المصالح »، وتجنب كل ما من شأنه أن يصورهم لدى أولئك المتخوفين ولدى الرأي العام عموما على أنهم طلاب سلطة لا طلاب إصلاح. ولعل أضمن سبيل لنجاح مشروع التغيير كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هو عدم التفرد بتحمل أعبائه، بل ربطه بمجمل الهيئة الاجتماعية، وجعله هما يوميا لكل فرد في المجتمع.   دروس من بعض التجارب الانتخابية   إذا كان مما لا ريب فيه، في ضوء كل ما تقدم، أن توخي الإسلاميين منهج تخطيط محكم هو، من الناحية المبدئية، من أوكد مستلزمات نجاحهم في الإصلاح السياسي عموما، وفي كسب الاستحقاقات الانتخابية على وجه الخصوص، فإن أي تخطيط لا يستوفي شروط الإحكام والنجاعة، من حيث المضمون، إلا إذا كان منطلقا من قراءة دقيقة للواقع ومستشرفا لأقصى ما يمكن من احتمالات المستقبل.   وأنى له ذلك إذا هو لم يأخذ بنظر الاعتبار قدرات الإسلاميين الذاتية، وقدرات خصومهم ومنافسيهم، ولم يراع خصائص المرحلة التاريخية التي يتنزل فيها ومعادلاتها الوطنية والإقليمية والدولية، وما تقتضيه من ترتيب أولويات وتقديم تنازلات وعقد تحالفات واجتناب منزلقات وتحديد أساليب عمل وخطاب؟   وإن من أخطر ما تقع فيه الخطط السياسية من أخطاء، التقصير في إدراك مدى قبول القوى الداخلية والخارجية بمستلزمات الإصلاح عموما، وبوجود الإسلاميين في مواقع السلطة تحديدا، ومدى سماحها بوصولهم إلى تلك المواقع عن طريق صناديق الاقتراع.    وقد لاحظ الجميع أن في المناسبات الانتخابية التي شارك فيها الإسلاميون بدون تخطيط يقضي بأن يكون حجم المشاركة متناسبا مع متطلبات المرحلة – وهذا ما حصل مثلا في تونس سنة 1989، وفي الجزائر سنة 1991- كانت مشاركتهم عبارة عن منازلة ميدانية أو قُلْ اختبار قوة موكول إلى الاعتباط ومحكوم بخلفيات وطموحات تعوزها الرويّة.   إن تلك المشاركة لم تكن بالفعل صادرة عن منهج تغيير تدريجي – رغم أن لذلك المنهج مستنداته الثابتة في الكتاب والسنة – ولم تكن مندرجة ضمن مسعى لترسيخ مبادئ الإصلاح في الضمائر ومراكمة تطبيقاتها في الواقع؛ بقدر ما كانت نابعة من رغبة ظاهرة في مغالبة السلطة، وقلب موازين القوى رأسا على عقب، و »خلط أوراق اللعبة » السياسية بشكل كامل (12). فكانت النتيجة أن قُطعت الطريق أمام التعبير الحر عن إرادة الشعبين، وفُقدت السيطرة على مسار الأحداث فيما بعد، فدخل أحد هذين البلدين مرحلة من الملاحقات الأمنية والمحاكمات السياسية التي استنزفت الجميع، ودخل البلد الآخر مرحلة أسوأ، تخللتها حرب أهلية دامية ذهب ضحيتها، مع الأسف الشديد، زهاء مائة وخمسين ألف قتيل.   والظاهر أن حركة الإخوان المسلمين في مصر قد وعت الدرس. فهي قد أحجمت – بخاصة في الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2006 – عن المشاركة بكل ثقلها، ورفضت استغلال المناسبة لاستفزاز السلطة وقلب موازين القوى بشكل كامل، بل آثرت أن تكون مشاركتها بحجم محسوب وفي دوائر محدودة ومدروسة، وسعت في سبيل ذلك إلى نوع من التنسيق مع بعض أحزاب المعارضة، مما عبر عن نضج في التخطيط وعن حكمة أغنت البرلمان المصري بمعارضة فاعلة، وزادت بلاد الكنانة دعما للحريات، وحركية سياسية، وتقدما مرحليا ثابتا على طريق الإصلاح الفعلي إن شاء الله. إن المعترضين على هذا التقويم قد يردّون إخفاق التجربتين الأوليين إلى أسباب تتعلق بطبيعة النظامين السياسيين في كل من تونس والجزائر وبممارساتهما غير الديمقراطية، لا إلى خلل في تخطيط الإسلاميين. وقد يستشهدون، في المقابل، بالانتخابات البلدية ثم البرلمانية التي جرت في تركيا في السنوات القليلة الماضية، وبتلك التي تمت في فلسطين المحتلة مطلع عام 2006، للتأكيد على أن مغالبة الأحزاب الحاكمة عن طريق صناديق الاقتراع هو أمر ممكن واقعيا رغم الصعوبات والعراقيل، فضلا عن كونه أمرا مشروعا من الناحية المبدئية: ألم تتح الانتخابات فعلا في تركيا، لحزب العدالة والتنمية أن يمسك بزمام الحكم، وأن يضطلع – وهو ذو التوجه الإسلامي الواضح – بقيادة هذا البلد لأول مرة منذ الإطاحة بنظام الخلافة وقيام نظام أتاتورك سنة 1924، مما يعَد ثورة بيضاء فرضت نفسها على سلطة العسكر المستأمَن على حماية العلمانية في تركيا؟..   ألم تتح الانتخابات في فلسطين لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) كذلك أن تشكل حكومة تستند إلى أغلبية برلمانية مريحة، وأن تقود السلطة الوطنية إلى تبني خطاب سياسي وقواعد عمل مغايرة لما دأبت عليه في السابق؟..   ليس بإمكان أحد أن ينكر أن التجربتين سالفتي الذكر قد تكللتا فعلا بالنجاح على مستوى المنافسة الانتخابية. لكن الحكم على حصيلتيهما السياسيتين بالنجاح أو بالفشل على المدى الأبعد، ببقى أمرا سابقا لأوانه في الوقت الراهن، خصوصا بالنسبة إلى فلسطين، نظرا إلى قصر عمر التجربة، وإلى تسارع المضاعفات والتطورات الخطيرة الناجمة عنها. ومهما يكن من أمر، فإن كل تقويم يقتضي أخذ الأفكار والمعطيات التالية بعبن الاعتبار:   أولا- رغم أن البلدان الإسلامية تشترك في أغلب الخصائص الحضارية العامة، فإن لكل تجربة سياسية داخلها خصوصياتها الجغراسياسية التي لا يجوز تعميمها أو القياس عليها في جميع الأحوال.    ثانيا- وإذا كانت تجربة حزب العدالة والتنمية التركي تجربة مغالبة موفقة بكل المقاييس. فإن توفقها لم يكن محض مصادفة، بل هي قد استمدته من اهتراء تركيبة الأحزاب العلمانية في ذلك البلد، ومن إخفاق أقطاب تلك التركيبة في تحقيق التنمية وفي رفع التحديات الحضارية التي تواجهها تركيا. كما استمدتها أيضا مما ورثه حزب أردوغان الفتي عن حزبه الأصلي الذي انشق عنه ( أي حزب السلامة الذي حمل اسم الفضيلة ثم الرفاه، بقيادة المهندس نجم الدين أربكان) من رصيد مشاركات متكررة في البرلمان وفي الحكومة، تولى بمقتضاها أربكان منصب نائب الوزير الأول في عهد حكومة حليفه الأسبق سليمان ديميريل منذ سبعينات القرن الماضي. ومن البديهي أن نجاح المغالبة بواسطة الانتخابات يكون أوفر حظا داخل بلد تراكمت فيه المنجزات الديمقراطية عبر تاريخه القريب، وتمرّس مجتمعه السياسي على تقاليد التعددية والانتخابات، منها في بلد لم يزل بَعدُ يخطو خطواته الأولى والمتعثرة على هذه الطريق.   وليس خافيا أن المجتمعات الإسلامية ليست متماثلة من هذا الوجه بتاتا. فإذا كان بعضها، مثل المجتمع التركي والمجتمع الماليزي، والمجتمع الأندونيسي، قد ترسخت فيه تقاليد التداول السلمي على السلطة، بحكم عوامل تاريخية ليس هذا مجال بحثها، فإن بعضها الآخر – خصوصا في العالم العربي – لا يعرف للأحزاب وللجمعيات المستقلة وجودا، أو إن لديه أحزابا وجمعيات ونقابات عريقة، لكنه يعيش تحت حالة الطوارئ منذ عقود. لذا يجدر الانتباه وعدم استنساخ التجارب.   فوز حماس حالة استثنائية   وإذا اعتبر البعض أن تجربة حركة حماس في فلسطين هي نموذج يحتذى في مجال المغالبة الانتخابية الناجحة، فما ينبغي الغفلة أبدا عن أن لتلك التجربة من الخصوصية ما يجعلها ذات طابع استثنائي لأكثر من وجه:   1- الوجه الأول يتمثل في كونها قد جرت موضوعيا تحت ظروف الاحتلال الصهيوني، مما يجعل القياس عليها متعذرا منطقيا إلا في حال البلدان الخاضعة للاحتلال.   2- أما الوجه الثاني، فيتمثل في أن مشاركة حماس في الانتخابات كانت مندرجة، فيما نفهم، ضمن إستراتيجية مقاومة هدفها تحقيق التحرر الوطني ونيل الاستقلال. ولم تكن قط واردة ضمن إستراتيجية إصلاح مدني وحسب. لذلك فإن النتائج المبتغاة منها قد تختلف كثيرا عن تلك التي تبتغيها أي حركة تخوض انتخابات عامة في إطار دولة مستقلة ومجتمع مدني حر.   3- وأما الوجه الثالث، فلا بد، إحقاقا للحق، من الإقرار بأنه رغم كل المناورات التي مارستها سلطة الاحتلال الصهيوني لتعطيل الحياة السياسية في فلسطين عامة، ولمنع الإسلاميين من المشاركة في الانتخابات بخاصة، فقد حظيت حركة حماس بما لم يحظ به إلا قليل من الأحزاب الإسلامية قي العالم، من ظروف مشاركة انتخابية مواتية، وذلك بفضل النزاهة التي أبانت عنها السلطة الوطنية بقيادة حركة فتح:   فبدافع إثبات جدارة الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة وبحياة سياسية حرة، وتحت وطأة الخشية من استمرار أكذوبة أن « الدولة الصهيونية هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة »، اختارت السلطة الوطنية الفلسطينية أن تكفل شفافية الانتخابات ونزاهتها، مما يُعد إنجازا سيحفظه التاريخ للأحرار من أبناء حركة فتح، لأنهم جعلوا خدمة شعبهم ونصرة قضيتهم فوق المحافظة على مواقعهم في السلطة، وأثبتوا للمرة الثانية في التاريخ العربي المعاصر، بعد سابقة عبد الرحمان سوار الذهب التي شهدها السودان في الثمانينات، أن التداول السلمي على السلطة ليس حكرا على غير العرب.   وليت بقية الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي تتأسى بهذه الشهامة الوطنية..   وليت الفتحاويين خصوصا يثبتون على هذا الموقف التاريخي المشرف، ولا يفكروا أبدا في أن يسترجعوا باليد اليسرى ما قدموه باليد اليمنى، لا سمح الله. فهم أدرى الناس بأن تنكبا من هذا القبيل قمين بأن يثير فتنة داخلية لن يعلم مداها إلا الله، ولن تكون في نهاية المطاف إلا في خدمة المحتل الصهيوني وحلفائه أعداء الشعب الفلسطيني.   على أنه من غير الممكن الحكم على اعتلاء حركة حماس سدة الحكم في هذا الظرف بالذات، بدون إجراء موازنة دقيقة بين منافعه ومحاذيره، في ظل الواقع المحلي والإقليمي والدولي الراهن. ولأن هذه الموازنة تتطلب دراسة مستقلة ليست من مقاصد هذه الصفحات، فحسبنا في هذا المقام أن نوجز المعاني التالية:   من الثابت أن هذا الاعتلاء يعد إنجازا تاريخيا للحركة الإسلامية المعاصرة، وأنه قد حظي بمباركة كل المناضلين الحقيقيين من أجل الحق والحرية في العالم. لكنه في المقابل قد ألقى على كاهل الحركة مسؤولية ضخمة، ووضعها أمام تحديات لا تحسَد عليها، ليس أهونها تحدي: تصريف خيار المقاومة مع مقتضى السلطة. وهو تحد لم تسبَق إلى مواجهته أيّ حركة تحرر في العالم المعاصر حسب علمنا. مما يتطلب روح إبداع وابتكار عالية، ندعو الله أن يوفق إليها الحماسيين وأن تسندهم في ذلك كافة قوى الشعب الفلسطيني المناضل.   ولولا أن هذا الاعتلاء قد فتح أبواب الأمل عريضة لإيقاف مسلسل الخسائر السياسية والميدانية المنجرة عن التزام السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة حركة فتح بمسار أوسلو،، ولولا أنه فضح نفاق أغلب الدول الغربية، ولا سيما أمريكا، التي طالما بشرت المنطقة بالديمقراطية المعلبة، ثم ما لبثت أن رفضت الاعتراف باستحقاقاتها في فلسطين،، ولولا أنه أسقط ورقة التوت عن أنظمة عربية كانت تتظاهر بدعم الكفاح الفلسطيني لكنها سرعان ما أبانت عن حقيقة سياساتها الرامية إلى ممالأة القوى العظمى وجر الفلسطينيين إلى تطبيع مخز مع الكيان الصهيوني المحتل،، لولا ذلك لقلنا إنه لا قِبَل لحركة حماس بتحمل مسؤولية الحكم، ولا قدرة لها على رفع تلكم التحديات في المرحلة الراهنة، لِقلة الظهير الرسمي في ظل حالة العجز والانهيار التي يشهدها العالمان العربي والإسلامي، والتي لا يقابلها إلا تنمّر أمريكي وصلف صهيوني منقطعا النظير.   أما وقد أنتج فوز حماس فرزا غدا اليوم مطلوبا أكثر من أي وقت مضى، في الساحات الفلسطينية والعربية والدولية، فانكشف الأصيل من الزائف؛ وأحيى في الأمة روح البذل والنصرة رغما عن اعتراض المعترضين؛ وسخّف تهمة « الإرهاب » التي ظلت الإدارة الأمريكية المتصهينة تلاحق بها حركات المقاومة وطلاب الحرية؛ وألزم الجميع بتغيير قواعد اللعبة فيما يتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإحلال السلام في المشرق العربي، فإنه لا مجال لتقويم هذا الفوز بمقاييس الربح والخسارة، ولا حتى بمقاييس الإصلاح السياسي. بل الأجدر أن يُنظر إليه بحسب آثاره التصحيحية على مسار المقاومة، وضمن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني والإسلامي الأشمل.   الخلاصة   فليس المطلوب إذن، هو تحريم استغلال الانتخابات العامة لمغالبة الأنظمة الحاكمة. ذلك أنه قد يجوز، من الناحية النظرية الصرف، فمن المؤكد أن القارئ اللبيب قد أدرك جيدا أن مقصد هذا البحث ليس تعميم صورة نمطية للعمل السياسي وللتعامل مع الانتخابات باعتبارها أهم آلية للإصلاح، بل إن مقصده الأساسي هو بيان أهمية مراعاة خصوصيات الواقع الميداني في هذا المجال.    ليس المطلوب إذن تجريم فكرة المغالبة بالوسائل الانتخابية. فمن الناحية النظرية الصرف، قد يجوز أن يكون الهدف من خوض انتخابات ما، في مرحلة بعينها، هو إثبات حضور سياسي قوي لتحقيق مقاصد تكتيكية محددة، أو الدخول في اختبار قوة من أجل الإطاحة بطاغية مستبد أو بحزب حاكم ما عن طريق صناديق الاقتراع. لكن ذلك الهدف لا يجوز أن يتم تبنيه في أي مرحلة اتفق، فضلا عن أن يكون المضي في إنجازه متروكا للارتجال والعرضية. بل يلزم أن يتم اختياره في التوقيت المناسب وفي الظرف الذي يتيح تحقيقه وفق تصور استراتيجي محكم.    وفي جميع الأحوال، فإن الحكمة تقتضي من الإسلاميين ومن كل قوى التغيير قي العالم الإسلامي أن لا يجعلوا تعاملهم مع الانتخابات محكوما بحسابات النتائج الآنية، بل الأجدر أن يؤسسوه على تصور أعمق للعمل السياسي، يأخذ في الاعتبار أبعاده المجتمعية والحضارية والتاريخية، حتى لا تنحصر همتهم في المنازلات الانتخابية الموسمية من أجل الظفر بمواقع في أجهزة السلطة، بل تنصرف إلى النهوض بالوعي العام، وإصلاح العلاقات الاجتماعية، وتقوية إرادة التغيير والإصلاح لدى أوسع القطاعات الشعبية. آنذاك تأخذ الانتخابات حجمها المناسب ضمن مشروع الإصلاح الشامل، ولا تغدو هي بداية العمل السياسي ومنتهاه، بل يكون خوضها تتويجا لمسار من الكدح اليومي الدائب في سبيل تغيير ما بالأنفس.     الهوامش:    (1)- يقول الإمام حسن البنا في هذا المعنى: « أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة… » انظر: الإمام حسن البنا، بين الأمس واليوم، ص31، طبعة عويدات، بيروت، بدون تاريخ.    (2)- انظر: الإمام حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، ص56، طبعة عويدات، بيروت، بدون تاريخ.    (3)- ينطبق هذا القول على أغلب التنظيمات التي توصف اليوم بالجهادية في جميع أنحاء العالم.    (4)- يقول تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي: « فلا يجوز مطلقا أن يقال الجمهورية الإسلامية، ولا يجوز أن يقال إن الإسلام نظام جمهوري؛ لوجود التناقض بينهما في الأساس الذي يقوم عليه كل منهما؛ إذ أساس النظام الجمهوري أن السيادة للشعب، والنظام الإسلامي يجعل السيادة للشرع لا للشعب ولوجود الخلاف بينهما في التفاصيل ». النبهاني، نظام الحكم في الإسلام، ص 106، دار الكشاف، ط 2، بيروت 1953.    (5)- انظر فصل: « حول الصفة الإسلامية لحركة الاتجاه الإسلامي » في كتاب: الذكرى الثالثة، ص 16، بدون دار نشر، تونس 1984.    (6)- لقد ظهر هذا الجدل مع نشأة الحركات الإسلامية المعاصرة، لكنه اتخذ صبغة نظرية أعمق منذ سبعينات القرن الماضي، حيث حفلت به الأدبيات المتنوعة. وقد انعكس ذلك في مجلة « المسلم المعاصر » التي دار على صفحاتها، على امتداد أعداد متتالية ، حوار حول: حق المسلم في الانتماء السياسي. انظر مجلة « المسلم المعاصر »، العدد، 14( أبريل – مايو – يونيو 1978) وما بعده.    (7)- لقد ظل كثير من قادة الفكر والساسة الفرنسيين يروّجون لهذا الزعم الاستعماري على الدوام. لا بل ظلت الدولة الفرنسية ذاتها تتبناه رسميا إلى اليوم: فقد صادقت الجمعية الوطنية الفرنسية ( البرلمان) مؤخرا ( في فبراير/ شباط 2006) على قانون استفزازي يعتبر أن الاستعمار الفرنسي كان ظاهرة   إيجابية.    (8)- هذا السؤال مقتبس من كتاب ألفه المفكر المصلح شكيب أرسلان تحت عنوان: « لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ».    (9)- عن عائشة رضي الله عتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يا عائشة عليك بالرفق فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه » رواه مسلم.    (10)- ورد في الحديث النبوي الشريف: « إن من أعظم الجهاد عند الله كلمة عدل عند سلطان جائر » رواه أبو داود والترمذي.    (11)- عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان رسول الله ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما » رواه البخاري.    (12)- لقد وضعت حركة النهضة التونسية إبان انتخابات 2 أبريل/ نيسان 1989 خطة انتخابية صادق عليها مجلس شوراها، قررت فيها المشاركة الرمزية بصيغ مختلفة في خمس دوائر انتخابية على أقصى تقدير، أي في أقل من ربع جملة الدوائر الموجودة في كامل البلاد وقتها. لكن اندفاع أبنائها وبعض قيادييها كرس على الأرض واقعا آخر، وجعل الحركة تنزلق إلى المشاركة المدوية في جميع الدوائر الانتخابية، مما أزعج خصومها في داخل البلاد وخارجها.   (المصدر: مجلة أقلام أون لاين، العدد الثامن عشر، السنة الخامسة / جويلية – أوت 2006) وصلة الموضوع: http://www.aqlamonline.com/benissa18.htm


آثار المشروع البورقيبي في الشخصيّة التونسيّة

 

فريد خدومة (*)   مازالت الشخصيّة التونسيّة اليوم تتجرع مرارة تعليمات « الأب » بورقيبة.. الزعيم الأوحد والمجاهد الأكبر. فقد استلم بورقيبة شعبا لتوه قد خرج من مرارة تجربة استعماريّة استئصاليّه استهدفت « بالفَرنسة » صلب شخصيته، إلاّ أنها لم تفلح في ذلك، ولكنها خلفت له جراحات قاتلة. ومن تلك الجراحات الجهل والأميّة والفقر والفرنسة التي كانت الأخطر.   فقد استطاعت فرنسا استمالة نفر من أبناء هذا البلد كي يفكروا بعقلها الغربي، وينطقوا لا بالفرنسيّة ولكن بلسان عربي مبين. وكان من أبرز هؤلاء الحبيب بورقيبة المحامي الشاب، الذي برز طموحه في القيادة في أكثر من مناسبة، وبرزت مع الطموح قدرة خلاقة على الاستقطاب والخروج من المآزق.   كان الرجل يملك ألف وجه كما يقال، فقدمت شخصيّته الفريدة لفرنسا مبتغاها على طبق من ذهب. استطاعت فرنسا، وهي الراحلة عن تونس لا محالة، أن تترك خلفها رجلا يحفظ لها مصالحها الماديّة والثقافيّة، بل ويبرر غزوها لتونس كي تبقى صورتها ناصعة أمام الأجيال القادمة ليستمرّ حبل الودّ موصولا.   يقول بورقيبة في أحد خطبه « إنّ فرنسا دخلت هذه البلاد عندما وجدت بها أناسا متأخرين، وبقطع النظر عن الصراع والكفاح، كانت نتيجة وجود الفرنسيين بهذا البلد تفتح الأدمغة، وظهور رجال قادرين على تسيير تونس في طريق التقدّم والرقيّ، بعد أن خرجت منه فرنسا، واختفى منه الحلم الفرنسي، فهو أمر يعتزّ به الفرنسيون ويفتخرون[1].   كان بورقيبة يبرر استعمار فرنسا لتونس، ويعتبره مجرّد دخول لابدّ من خروج بعده، وكان سبب ذلك الدخول جهلنا وضعفنا وحاجتنا إلى من يأخذ بأيدينا إلى الحضارة والمدنيّة. ويصوّر بورقيبة استعمار فرنسا لتونس على أنه مشروع إصلاحيّ يفتخر به الفرنسيون، وقد ضحّوا بأرواح أبنائهم من أجل رفع المظلمة عن هذا الشعب المتخلف، وكان من نتاج هذا المشروع بروز رجالات « مفرنسين » أكثر من الفرنسيين، وهو يعتبر بروز هذه النخبة من « مفاخر » هذا « الدخول » كيف لا وبورقيبة زعيم الفرنسيين التونسيين.   الأب القوّي

عندما استلم بورقيبة سنة 1956 الحكم كان يعي جيّدا ماذا يريد من التونسيّ، أو كيف يريد أن تكون شخصيته، ولكن التونسي لم يكن يعي جيّدا ماذا يريد من بورقيبة، وذلك لأنّ بورقيبة مارس دور الأب، الذي عزز به صلاحيات رئيس الجمهوريّة، إذ لا يمكن للأخير أن يتعامل مع المواطن إلاّ من خلال المراسيم والقوانين واللوائح. أمّا الأب فإنّه:   – يأمر وينهي – يتدخل في العموميات – يتدخّل في الخصوصيات – يتدخل في الإستراتيجي – يتدخل في التكتيكي – يتدخل في الواقع – يتدخل في الأحلام – يتدخل في التفكير وفي نسق التفكير.   وفعلا فقد مارس بورقيبة كلّ ذلك، لأنّه كان أبا قويّا حكيما ذكيّا، والأخطر والأدهى أنّه كان يعي جيّدا ماذا يفعل.   إنّ بورقيبة الأب « الزعيم » غرس في الأذهان من خلال خطبه « الديماغوجيّة » المتتاليّة،، وقراراته وسيطرة الحزب الحاكم والمتحكم في كلّ شيء، أنّه الزعيم الأوحد، والزعامة تمنحه العصمة المطلقة، و »البطاقة البيضاء » في أن يفكّر بدلا من الشعب، وأن يقرر بدلا من « مجلس الأمّة »، وأن ينفذ بدلا من السلطة التنفيذيّة. فقد كان الوزراء في عهد بورقيبة، كما هو معلوم للجميع، مجرّد سعاة « بسطاجيّة ». يقول الأستاذ عدنان المنصر « أوّل سمات الزعامة الحضور القويّ لصورة الأب، ويعتبر ذلك في الوقت نفسه تواصلا مع مرحلة الكفاح من أجل التحرر، الذي جعل من بورقيبة أب الأمّة التونسيّة[2].   ونستنتج من خطب بورقيبة تضخّم الأنا، مع تغيّب واضح لصورة الأب، ما عدا خطاب 25 جويلية (تموز) 1957، الذي أفرده بورقيبة للحديث عن والده. ويرى البعض أنّ تقديم بورقيبة لشخصه على كونه المعلم، منحه الحقّ في السيطرة على الشخصية التونسية وتوجيهها، فبورقيبة « لا يعتبر نفسه مسؤولا عن حاضر هذه الأمّة فقط بل عن مستقبلها، وفيما عسى أن تصطدم به أو تعترضها من محن الدهر أو « بلاياه » [3].   هنا نسأل هل أفلح بورقيبة في إعادة صياغة الشخصيّة التونسيّة على الشكل الذي يجعل التونسي فرنسيّا، يتكلّم بالفرنسيّة ويفكّر بها، ويدين بالولاء للغرب لا لأمّة الإسلام كما كان بورقيبة وأتباعه؟ وقبل ذلك علينا أن نسأل عن أهمّ مقومات الخطّة التي انتهجها بورقيبة لخلق تونسي جديد كادت تعصف به رياح فرنسا، لولا تدخل العديد من العوامل لإنقاذه، وقد أشرنا سابقا إلى بعضها.   وقبل أن نتطرق إلى هذه النقاط نشير إلى الخيط الرفيع الرابط بين الشخصيّة التونسيّة في التسعينيات والمشروع البورقيبي، الذي انطلق رسميّا سنة 1956. ونؤكّد أنّ المشروع البورقيبي لا يمكن أن نقومه تقويما صحيحا إلاّ برحيل صاحبه، فبرحيله أغلقت دفتا الكتاب، وأصبح المشروع قابلا للنقاش. إذا فشخصيّة التسعينيات هي بالأساس من نتاج المشروع البورقيبي، وإن كانت أزمة التسعينيات تعتبر امتدادا له.   على صهوة الجواد

دخل بورقيبة تونس على صهوة جواد، أعدّ له منذ سنوات، وسبق الجموع يلوح بيديه إلى المتعطشين من أبناء هذا الشعب الذي عانى من ويلات الاستعمار. أجمع الكلّ على ألاّ بديل عن بورقيبة حتّى الرافضين من اليوسفيين والزيتونيين، لأنّ بورقيبة بيده الحلّ والربط.. بورقيبة بيده الحزب، حزب التحرير والنضال، الذي أوجدته المؤسسة الدينيّة حاميّة هويّة البلد أقصد « الزيتونة »، وسرعان ما انقلب بورقيبة العلماني على الشيخ المؤسس عبد العزيز الثعالبي.   كان بورقيبة يشكّل الإجماع الحقيقي بدون ريب، لأنّه لم يتردد لحظة في نزع سلاح المقاومة، ولم يتردد لحظة واحدة في محاربة من شقّ عصا الطاعة من اليوسفيين، ولم يتردد لحظة واحدة في الولاء لفرنسا. لم يتردد لحظة واحدة في الجزم على أنّه المجاهد الأكبر، لم يتردد لحظة واحدة في محاربة اليسار ثمّ الإسلاميين.   غرس بورقيبة في الأذهان أنّه بطل التحرير، وأنّه بطل الجلاء، ففرنسا كانت ستخرج من بنزرت لا محالة وفي أسرع وقت ممكن.   بطل الجلاء

قرر بورقيبة المجاهد الأكبر أن تتحرر بنزرت ليحتفل بعد ذلك بعيد الجلاء، فهل كان الشعب فعلا في حاجة إلى تلك المعركة، أم أنّ بورقيبة كان في حاجة أكثر لها. فمن أهمّ الأسباب الدافعة لمعركة بنزرت:   – دحض حجّة من قال إنّ بورقيبة مجاهد قلم وخطب.   – التخلص من الذين رفضوا تسليم أسلحتهم بحجّة أنّ المعركة لم تنته بعد صدّ فرنسا وفتح جبهة لهم تقدم لهم الشهادة، التي حرمهم منها بورقيبة بالتفاوض مع فرنسا على الخروج السلمي من تونس.   – بعث رسالة إلى الجميع مفادها أنّ بورقيبة « الأب » الذي يجازي ولده المحسن يعاقب ولده المسيء بدون رحمة.   ومع ما ذكرنا من أسباب وجيهة يمكن أن نشير إلى أنّ الظرف كان كذلك وراء الحادثة وداعما لتلك الأسباب ولاعبا أساسيّا في أبعادها، ومن نقاط هذا الظرف:   – تصلب المعارضة اليوسفيّة بالخارج بمساعدة مصر الناصريّة.   – تلويح منظمة عدم الانحياز برفت تونس من عضويتها بسبب سياستها الخارجيّة التي اعتبرت كثيرة الانحياز للمعسكر الغربي.   – التطورات المتفاعلة لحرب التحرير الجزائريّة من جهة، وللساحة السياسيّة الفرنسيّة من جهة أخرى[4].   المدرسة

لم يكن بورقيبة رئيسا لجمهوريّة فتيّة فقط، ولم يكن كذلك زعيما حربيّا تقليديّا، ولم يكن مجرّد محامي ألمعي استهلكت نجوميته ساحات المحاكم. لقد أكدت التجربة البورقيبيّة الطويلة أنّ الرجل مفكّر بأتمّ معنى الكلمة. وكان صاحب مشروع متكامل يستهدف الشخصيّة التونسيّة، ولا يمكن التأكيد على ذلك تاريخيا إلاّ من خلال خطبه العديدة، وأعماله المشهورة، فالرجل كان مدرسة.   التماهي

إنّك إذا حاولت استقراء بورقيبة من خلال فترة حكمه، أو استقراء الدولة الفتيّة فكريّا وعلميّا من خلال بورقيبة، نجد أنّ بورقيبة كان يريد التماهي بينه وبين الوطن والشعب، ولا مجال في تونس للزيتونيين ولليوسفيين ولليسار، ولا مجال بعد ذلك للإسلاميين.   كان بورقيبة يعي جيّدا أنّ مشروعه الأساس « التونسي »، فعليه ركّز، وإليه اتجه، وبالحديد والنار قاوم كلّ من أراد أن يقف بينه وبين هذا المشروع. كان بورقيبة يعتبر كلّ التونسيين أبناء للحزب، وهو الحزب، وهو تونس، ومن ينتمي إلى الحزب فهو ينتمي إلى بورقيبة رأسا. قال بورقيبة: « لقد أردت أن تكون هذه المعركة مثل المعارك الأخرى التي سبقتها… وأن يكون المذهب الذي نتخذه شعارا فيها هوّ ما أحب أن أسميه مذهب الحزب الدستوري الجديد، والذي سمي في الخارج بالمذهب البورقيبي تماشيّا ونزعة حبّ الأشخاص، والتسميتان لا تختلفان مع بعضهما لأنّي والحزب واحد [5] .   معالم البورقيبيّة   ترتكز البورقيبيّة بعد الاستقراء النسبي على المعالم التاليّة:   1- نظريّة الأمّة التونسيّة:   لقد اتجه بورقيبة رأسا إلى التونسي في صلب انتمائه العربي والإسلامي، وألقى به في زنزانة العزلة، بدعوى التميّز. وأخرج مصطلح الأمّة الجامع المانع من مدلوله المتعارف عليه، وأسقطه على الشخصيّة التونسيّة، ليزيد في عزلتها، كي لا تتأثّر ولا تؤثّر فيما حولها.   إنّ الشخصيّة الوطنيّة وإن تميزت فهي لا تعدو أن تكون جزء فعّالا من الأمّة الأم، وهي لا يمكن أن تكون أمّة على الأقلّ من المنظور الفكري العربي الإسلامي. أمّا الذين تربّوا في الغرب فهم تشبعوا بروح فرنسا الأمّة وإنجلترا الأمّة.   لقد كان مشروع الدولة الوطنيّة يسير جنبا إلى جنب مع مشروع الأمّة التونسيّة، ولقد أوجد الحزب منظرين لهذه الإيديولوجيا، وشراح لفلسفة بورقيبة، كان من أبرزهم محمد مزالي والبشير بن سلامة [6].   وكان من أكثر طروحاتهم خطورة اعتبار الزعيم حافظا لكيان « الأمّة »، لا مجرّد رئيس جمهوريّة، تنتهي ولايته بعد خمس سنوات، وربما ينتخب لولاية أخرى فقط ثم يكرّم ويرحل، ويحفظ حقّه التاريخي في الكتب والصدور ومتحف باردو. يقول البشير بن سلامة « من هنا فإنّ الزعيم هو الذي يحفظ كيان الأمّة وليس الدولة »[7] .   2- اعتبار المعارضة السياسيّة خارجة عن الأمّة، وبالتالي يحقّ للزعيم حامي « الأمّة » التصدّي لها بالحديد والنار. يقول عدنان المنصر « يتضح لنا بُعد هام من أبعاد نظريّة الأمّة التونسيّة في علاقتها ببرامج الدولة الوطنيّة، كما اتضحت لدى منظري ذلك المفهوم، فالدولة الوطنيّة إنما تضع نفسها في مسار البناء والإنشاء والمدنيّة والحضارة، في حين أنّ جميع الأخطار الداخليّة التي تسعى لتقويض مجهودها لا يمكن إلاّ أن تكون من إحياءات روح التهديم والتخريب[8].   3- اعتبار تونس أمّة قائمة الذات كباقي الأمم، وبالتالي فصلها عن الأمّة العربيّة والإسلاميّة، وهذا الفصل يدفعها مختارة إلى أحضان فرنسا، بدعوى البعد المتوسطي. ولقد نظر للمتوسطيّة كثيرا ولكنها ما تلبث أن تفشل أمام عدم استيعاب التونسي لهذا الفصل العنيف عن كيانه العاطفي والروحي والديني، والزجّ به في كيان لا تربطه به إلاّ المصلحة، بل يربطه به تاريخ من العداء، آخره الاستعمار المباشر.   والغريب أنّ شراح فلسفة بورقيبة يعتبرون أنّ « الأمّة » هي من نتاج الحزب الدستوري الجديد، تأسست يوم تأسس، على حدّ تعبير البشير بن سلامة [9]. ويتساءل محمد مزالي « إذا كانت أمتنا التونسيّة أمّة بأتمّ معنى الكلمة فما هي خصائصها وما هي مقوماتها » [10]. ويقول أيضا: « إنّ وحدتنا القوميّة تقتضي منّا الإيمان بأننا أمّة قبل كل شيء [11]. ويضيف: « هذا هوّ الأهمّ إنّي أعتقد أنّ تونس كبلاد لها كيانها منذ زمن طويل، رغم أنّ وعي شعبها بأنه أمّة يختلف حدّة ووضوحا عبر العصور [12].   2- الزعامة والإمامة   كان بورقيبة زعيما، وكانت كلّ مقومات الزعامة حاضرة في شخصيّته، دون كبير عناء، فقد كان الرجل ذكيّا إلى أبعد الحدود، ومازال يذكر بقايا « الزيتونيين » كيف كان يتلاعب بأفكارهم وآرائهم متى شاء، ومن الأبيض إلى الأسود، ولم يكن الزيتونيون أغبياء، ولكن الرجل كان من دهاة العرب.. لقد قابله  » الزيتونيون » مرّة في بيته ليحتجوا عليه إثر تصريحه لجريدة فرنسيّة بأنّه يريد إنشاء دولة لائكيّة في تونس، فخرج لهم بورقيبة تقطر أطرافه من ماء الوضوء، فتهامس القوم بأنّ الرجل مسلم، وربما نكون قد ظلمناه، وبعد أن استمع إلى احتجاجهم أخبرهم بأنّه كان من العبث وعدم الحنكة السياسيّة أن يصرّح للجمهور الفرنسي وللحكومة الاستعمارية بأنّه يريد إقامة دولة إسلاميّة في تونس، تهدد أمن واستقرار ولائكيّة ومسيحيّة فرنسا، وبعد أن قرّعهم ولامهم عن شكّهم في إخلاصه ووطنيته ودينه طلب منهم وهم علماء البلد « أهل الحلّ والعقد » أن يعفوه من مهمّة تمثيل تونس أمام فرنسا وباقي المحافل الدوليّة، فكان أن ضجّ القوم وصدموا وعزموا عليه أن يتولّى الصدارة، وبالتالي أمر التفاوض[13].   كان الرجل يواصل شحن التونسي المرّة تلو المرّة ببطولاته، حتّى لا يتجرأ التونسي مرّة بدعوى النسيان على الزعيم البطل، فخطبه لا تخلو من ذكر المعتقلات والسجون والمنافي. وممّا ذكر: « وكان أوّل هجوم عليّ بواسطة القوّة الغاشمة في المنستير يوم 03 سبتمبر 1934، وكان منفاي في برج القصيرة، ووقع بعد ذلك ما وقع في أشهر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، وغدونا نتنقل من منفى إلى منفى ومن قرية إلى أخرى في قلب الصحراء[14].   كان للرجل قدرة عجيبة على مسك العصا من الوسط. ففي حين قرّب الكثير من « الدستوريين » قاد العديد من المنشقين « اليوسفيين » إلى الموت والسجون بعصا من حديد. وحين انقلب عليه الشعب في ثورة « الخبز » في الثمانينيات استطاع الرجل بخطاب وجيز أن يرجع الشعب إلى الشوارع ليهتفوا باسمه « يحيا بورقيبة ».   وكان الرجل مهووسا « بجنون العظمة » كأغلب زعماء القرن العشرين، وكان يرى في بناء القصور إحدى علاقات الزعامة وبهرجتها وهيبتها، رغم أنّ الشعب يعاني من الفقر والخصاصة.   كان الزعيم يروّج لفكرة أنّ بناء القصور الفخمة لم يكن لإرضاء غروره بل لتونس، لأنّ بورقيبة هو وجه تونس أمام الآخرين. يقول بورقيبة في خطاب 18 جانفي (يناير) 1963 إثر المحاولة الانقلابية، التي كادت تؤدّي برأسه، متهما الشيوعيين بالمشاركة فيها « إنّهم يستعيضون عنها ببثّ السموم في الأفكار مبتدئين بالقصور التي يشيدها بورقيبة، فما معنى هذا الكلام، هل معناه أنّي استبحت أموال الشعب والشعب مازال جانب منه يسكن الأكواخ… ويعلم الله أنّي لم أعد أملك ولو شبرا من الأرض حتّى في المنستير التي هيّ مسقط رأسي، فقد أعطيت كلّ ما كسبته، فأنا قد أعطيت لحمي ودمي وعصارة دماغي، فما قيمة ضيعة أو أرض أو زيتون أو دار، بالقياس لما قدمته من تضحيات[15] .   إنّ هذه الزعامة قد أدخلت تحت جبتها المنبهرين بها، وخوفت وروعت بسياطها المتآمرين عليها، إلاّ أنّه ليست لها السطوة على القلوب المؤمنة بدينها وهويتها، فمشروع بورقيبة يهدف إلى إحلال روح لائكيّة في الجسد التونسي، والزعامة لا مكان لها في قلب من كان تونسيّا بأتمّ معنى الكلمة وأقصد بالزعامة هنا الزعامة المنافيّة للروح الدينيّة المتأصّلة في الشخصيّة التونسيّة، لأن التونسيّ كان دوما ملتصقا بزعامته الدينيّة من قبل سحنون إلى ما بعد الشيخ عبدالعزيز الثعالبي.   قدم الزعيم بورقيبة نفسه كذلك إماما شرعيّا يأمر فيطاع، ويجوز له كذلك الإفتاء الشرعي. يقول بوقيبة: « وللإمام في الإسلام منزلة عظيمة، تجب طاعته فتقرن بطاعة الله ورسوله »[16]. ولقد رأينا كيف أنّ بورقيبة استغلّ الإمامة لضرب الإسلام في الصميم يوم أعلن دعوته الصريحة للإفطار في رمضان، وترك الأضحيّة والحجّ [17]. لقد استفزّ بورقيبة مشاعر التونسيين، حين عمد إلى شرب كأس عصير في شهر رمضان أثناء خطابه [18]   لقد شاع في أوساط كثيرة خطورة هذا الرجل وجرأته على الدين من داخل جبّة الإسلام، إذ لم يكن الرجل إلاّ محاربا للإسلام بسيف الإسلام ففي مجتمع مسلم لن تستطيع إخراجه من دينه بكفرك مهما كنت في الزعامة عملاقا، لكن من داخل الدين فبمجرّد أن تلقى الشكوك في قلوب أبنائك والمنبهرين بك وبخطابك، فقد حققت غرضك ووفيت الكيل.   لقد كانت النخبة كذلك على قلق كبير، فكيف يمكن أن يقود هذا البلد المسلم رجل مشكوك في إيمانه، مطعون في دينه. قال وزير الخارجيّة الأسبق محمد المصمودي لبورقيبة بينما كانا على متن الطائرة في اتجاه المملكة العربيّة السعوديّة لملاقاة الملك عبد العزيز آل سعود سنة 1951 قصد التحسيس بالقضيّة التونسيّة، قال له سيّدي الرئيس. « إنّ الناس يتساءلون إن كنت مؤمنا بالله أم لا، ونحن لم نفهم حقيقة اعتقادك وموقفك ». صمت بورقيبة لحظة . ونظر إلى المصمودي نظرة ثاقبة ثمّ أجابه.   – على كلّ حال فإنّ الله سيدخلني الجنّة. ابتسم المصمودي ابتسامة ساخرة لأنه أدرك أنّ بورقيبة لم يجبه على سؤاله.. ألقى عليه السؤال ثانيّة مصرّا على اقتلاع جواب منه فقال له بورقيبة: في بعض الأحيان أنا مؤمن وفي أحيان أخرى ينتابني الشكّ… وتتوالى في ذهني الأسئلة الوجوديّة.   أعاد المصمودي طرح السؤال على بورقيبة بصيغة أخرى:   – والآن هل أنت مؤمن سيّدي؟   فأجابه بورقيبة.   – نعم فأنا ذاهب إلى مكّة المكرمة[19]   إلاّ أنّ الزعيم كان كثيرا ما يتراجع عن مواقفه الجريئة كلما أحسّ بالخطر يداهمه. كان الرجل يركّز بكلّ حنكة على إحداث صدمات في شخصيّة التونسي، حتّى يجعلها مهتزّة مع الوقت، ولكن أمام ثبات الشخصيّة التونسيّة الضاربة جذورها في « التربة المحمديّة » ما كان من الرجل إلاّ التراجع بكلّ ذكاء خرافي، ودهاء أسطوري، حتّى تنتهي العاصفة، لأنّه يعلم أنّ التونسي « طيّب » بطبع الخلقة.   سبق الإعلان عن مجلّة الأحوال الشخصيّة في 13 أوت آب) 1956 جدل واسع في الأوساط السياسيّة والدينيّة، باعتبار ما حوته من بنود غير معهودة في ضمير التونسي. ولمّا رأى شيخ الإسلام (مفتي الديار التونسيّة كما أصبح يسمّى فيما بعد) الشيخ محمد عزيز جعيط ما في المجلّة من جرأة لن يتقبلها عامّة المسلمين بيسر، اقترح على بورقيبة الذي كان يتحاور معه باستمرار حينذاك، أن – يتولّى – أي الشيخ جعيّط – إلقاء سلسلة من الخطب التمهيديّة التي تهيئ الأذهان لتقبّل التشريع الجديد، دون ردّة فعل عنيفة.   لم يفكّر بورقيبة طويلا وأجاب الشيخ بقوله: دعك من الخطب والفتاوى إنني أريد الإعلان عن المجلّة كما هي لأحدث الصدمة النفسيّة [20]   ومارس بورقيبة فعل الصدمة في الرواية قبل السابقة، أي إنه تناول كوب العصير في رمضان، وقصد إيقاع الصدمة في نفسيّة التونسي: في شهر فيفري (شباط) سنة 1960 وقد وافق ذلك الشهر رمضان وقف بورقيبة خطيبا في قاعة البلمريوم بالعاصمة تونس، ودعا الناس إلى إفطار رمضان، حتّى يتمكّنوا من القيام بأعباء الجهاد الأكبر وهو مقاومة التخلّف… فشرب كأس عصير أمام دهشة الحاضرين [21].   كان بورقيبة حريصا كلّ الحرص على معالجة ما يراه إشكالات بطريقة الصدمة المباشرة، لاعتقاده أنّ « العلاج » قطرة قطرة لا يجدي في تغيير عقليات وعقائد الشعوب، ولكن الرجل كان من الحنكة بحيث كثيرا ما سارع إلى النكوص والتخفيف من الصدمة التي تورّط فيها.   فقد ذكرت بعض الروايات المتواترة أنّ العديد من الشخصيات السياسيّة والفكريّة، ممن كانوا على علاقة بالحبيب بورقيبة عبّروا له عن خطورة ما أقدم عليه، من ذلك أنّ صديقه: « الحبيب جاء وحده »، الذي يثني عليه بورقيبة كلما ذكره، وكان يحبّذ الجلوس إليه، لأنّه ينظم الشعر الهزلي والهادف، والتقاه لمدّة طويلة، وحدّثه عن ردود الأفعال، مشيرا إلى أنّه بدأ يلعب بالنار عندما اقتحم تلك المنطقة، وأنّه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال المسّ من معتقدات الناس ومقدساتهم بتلك الطريقة. بعد فترة وجيزة من خطاب البلمريوم الشهير ألقى الزعيم بورقيبة خطابا أكّد فيه أنّ الصوم فرض إلى يوم القيامة[22].   كان الرجل يعتقد أنّه عظيم، وكان يحبّذ أن يمدحه الناس، ومازلنا نذكر المدائح والأذكار، التي تسبح بحمده صباحا مساء، والجحافل من الفرق « الإسلاميّة »، والمداخيل التي تتسابق إلى المنستير في ذكرى ميلاد « المجاهد الأكبر »، وكانوا يمتدحونه إلى درجة التأليه، بل وكان الرجل يحرص في أكثر من مناسبة على مقارنة نفسه بالنبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم.   يؤكّد عدد من الذين واكبوا المسيرة السياسيّة لبورقيبة واستمعوا بانتباه وتأثّر لخطبه، أنّه لم يتردّد في إحدى خطبه في مطلع السبعينيات في مقارنة نفسه بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: « إنّ الرسول اعتمد أسلوب العصا والجزرة، وأنّ الرسول الذي عاش في بيئة صحراويّة رغّب الناس في الأنهار والجواري، والرسول كان أميّا، في حين أنّي استفدت من تراث الحضارة الإنسانيّة على امتداد أربعة عشر قرنا.. وأمّا ما قمت به فكان من جهدي الخاصّ، ومن استعمال « المادّة الشخمة » في حين أنّ الرسول كان يأتيه الوحي[23]   وكذلك بعدما هاجم بورقيبة فريضة الحجّ تراجع الرجل على عادته في الرجوع كلما أحسّ أنّه يتخطّى المنطقة الحمراء، فقد روى محمد المصمودي أنّ بورقيبة لم يهاجم الحجّ بل هاجم الذين يكثرون من زيارة الأماكن المقدسة، بدعوى الحجّ مرارا، في حين أن الشرع يفرض الحجّ مرّة واحدة في العمر، ولذا يرى بورقيبة في القيام بالحجّ مرات ومرات إنهاكا لخزينة الدولة، وتبذيرا لعملتها الصعبة، التي من المفروض تسخيرها لجهود التنميّة في بلد ناشئ كتونس[24]   العلمانيّة   لعلّ مصطلح العلمانيّة قد أصبح من الوضوح بمكان، خاصّة وأنّ التجربة البورقيبيّة أدخلته إلى كلّ بيت، وإلى كلّ عقل، فالأمّي في تونس وكذلك المطلع يدرك جيّدا إن كانت له علاقة ما بالدين أن « المثل الشعبي « صلّي وارفع صباتك » تمّ تعميقه في الضمير الشعبي، والخطير في آن واحد أنه يختزل كلّ المقولات التي قيلت في العلمانيّة.   فبورقيبة يريد « أن تساس الأمّة من قبل مؤسسات الحكم فيما يتعلّق بنظامها التربوي والثقافي والاقتصادي وعلاقتها بالدولة، اعتمادا على ما شرّعه العقل، دون اعتبار لما جاء في تعاليم الإسلام من بيانات تتعلّق بهذه المجالات، إلاّ إذا كانت مصادفة لما شرعه العقل، فإنها تعتبر بناء على ما استحسنه منها العقل لا بناء على ورودها في الوحي[25]. وعليه فقد عاش التونسي « الشخصيّة » أزمات تشتت وقمع فكري رهيب، إذ هو يجبر على غير ما يعتقد ويريد.   وقد رأينا تتالي فشل النماذج الاقتصادية المعتمدة من الاستقلال حتّى يوم النّاس هذا، ورأينا تحكّم الآخر في أخطر مؤسسات الشخصيّة التونسيّة والمؤسسة التربويّة تلك المؤسسة التي سقطت أو أسقطت في يدي « دوبياس » الفرنسي العلماني.. وقد استأصل ما تبقّى من ندرة خير راكدة في فؤادها العلماني بامتياز الدكتور محمد الشرفي فقد شهد التونسي كذلك غربة في شعائره الدينيّة، التي أفرغت من محتواها، واختزلت في:   – إسلام مناسباتي يعتني بالموالد والأعياد، ويقاوم الإسلام التجديدي بعصا من حديد. – إسلام طرقي بعيد كلّ البعد عن عقليّة التونسي التنويريّة، التي ورثت تفوّق ابن خلدون وتنوعه. – إسلام بالاسم لا بالمسمّى، حتّى أصبح التونسي ينعت « بمصلي »، وعليه فقد نجح بورقيبة إلى حدّ بعيد في إبعاد التونسي عن الإسلام المرتكز الأساسي للهويّة، والمرتكز الأساسي للشخصيّة، حتّى أصبح همّ الحركة الإسلاميّة الوليدة سنة 1969 و1970 القيام بزيارات استكشافية للمساجد صحبة الأطفال والشباب. بقول الشيخ عبد الفتاح مورو « حتّى صرنا نقول لهم هذا منبر وهذه قبلة وهذه قبة وهذه صومعة »[26].   كان بورقيبة يحرص كل الحرص على ألاّ تفوته المناسبات الدينيّة، ولا يقتصر على منبر جامع الزيتونة أو جامع عقبة ابن نافع. وكان كذلك يرسل أحفاده إلى كلّ الولايات لتمثيله في نفس المناسبة، وكان شديد الحرص على ارتداء اللباس التونسي التقليدي، فالإسلام في تونس لابدّ أن يمرّ عبر الجبّة وعبر المدائح ثمّ تكريم الأولياء، وربما يقف هناك ولا يتعداه.   وحرص بورقيبة منذ بداية الاستقلال على إلقاء خطاب سنوي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف بجامع عقبة بالقيروان، كما إنّه سيدعو التونسيين الراغبين في الحجّ، والباحثين عن البركة إلى توفير أموالهم وزيارة ضريح الصحابي أبو زمعة البلوي عوضا عن ذلك، وكأن القيروان أصبحت مكة جديدة.[27]   يحاول الطرح العلماني في تونس تبنّي العقيدة الإسلاميّة مقابل رفض الشريعة، وتقديم ما يصطلح على كونه عقلا مكانها، ولكنهم كذلك يعتبرون العقيدة شأنا فرديّا لا علاقة له بالشعب، فالدين في تونس جملة طقوس فرديّة يوميّة ومناسباتيّة. وأمّا شؤون الحياة، وخاصّة الاجتماع والاقتصاد والتربية، فهي شأن فردي مائة في المائة، فالسلطة في تونس لا هي رفضت الإسلام جملة وتفصيلا ولا هي أخذت به ولو جزئيّا.. إنها بكلّ بساطة حاولت اللعب على إسلاميّة البلد كي لا تفقد التونسي المتجذر في هويّته وشخصيّته، وفي آنّ واحد حاولت المرّة تلو المرّة طعنه في شخصيته من أمام ومن خلف، ولكنها تفشل دائما.   الحزب والدولة   لا يمكن الحديث في تونس عن الدولة إلاّ عبر الحديث عن الحزب، والعكس صحيح، ولا يمكن الحديث عنهما أو منفردين إلاّ عبر الحديث عن بورقيبة. فالحزب يزعم بأنّه صاحب الاستقلال، وبالتالي فله كلّ الحقّ في إدارة الدولة، فالحزب حزب الدولة لا محالة، وقاعدته الشعبيّة العريضة هي كلّ الأمّة بالمفهوم البورقيبي للأمّة، وعليه فهو الذي ينتج كوادر الدولة، وهو الذي يحكم مباشرة عبر هياكله، أو بطريقة غير مباشرة، عبر مؤسسات الدولة.   في تونس لا يمكن أن تميّز الفرق بين الوالي والكاتب العام للجنة التنسيق أو من يمثل الحزب على مستوى الولاية. والدولة لا يمكن الحديث عنها إلاّ عبر بورقيبة، وبورقيبة هو زعيم الحزب، والحزب حزب الأمّة، وبورقيبة زعيم الأمّة، والدولة دولة الحزب، وبورقيبة رئيس الدولة والحزب والأمّة. إنّ هذه المعادلة الخطيرة قد أسست لدكتاتوريّة خطيرة مازلنا نتجرع مرارتها حتّى الآن. فالخارج عن الحزب خارج عن الدولة وخارج عن الأمّة، وهو بالتالي خارج عن بورقيبة وعليه فلابدّ من سحقه حفاظا على الأمّة.   يقول بورقيبة: « إنّ كلّ من انعزل عن هذا الحزب يكون قد انعزل عن الوطن »[28] والذي ينعزل عن الوطن يجب محاربته وقمعه وفتح السجون لاستقباله وكان ذلك جليّا مع رفاق بورقيبة الأوائل وغيرهم. إنّ هذه النظرة الأحاديّة جعلت من بورقيبة لا يرى إلاّ بعين واحدة، فالرجل قالها صراحة، إنّه لا يتصوّر قيام حزب آخر يجمع حوله ولو جزءا بسيطا من التونسيين[29]   إنّ هذه النظرة للحزب والتحزّب والدولة والمؤسسات رفضها التونسي جملة وتفصيلا، إلاّ اللذين كانوا من داخل الدائرة يقتاتون وكانوا كثيرا ما يكتوون بنارها. وشجعت هذه التوجهات على العمل السياسي السري والحذر من العمل العلني. وعليه فقد نشأت في تونس العديد من الحركات والتشكيلات السريّة، بعضها محقته السجون والمنافي، والبعض الآخر ما زال يؤمن بسريّته، ولا يرى في العلنيّة أيّ مبرر، لأنّ الدولة والحزب وإن فقدا بورقيبة إلاّ أنهما لم يفقدا البورقيبيّة، التي لا تؤمن بالتعدديّة، ولا تؤمن بالتونسي، الشخصيّة المتميزة الخلاقة، ولا تؤمن بأنّ الدولة فوق الأحزاب.   لقد عانت الشخصيّة التونسيّة كثيرا من البورقيبيّة التي نالت منها، لكنها لم تصبها في مقتل، وذلك لرسوخ نزعات الصبر والبطولة فيها، فهي دائما ما تخرج منتصرة، وتنتحر الأزمات على أعتابها.   (*) شاعر وكاتب تونسي   الهوامش   [1] – خطاب 29 جانفي 1963 بالقصرين [2] – دولة بورقيبة لصاحبه عدنان المنصر ص 26 [3] – خطاب 16 مارس 1963 [4] – ص 128 من كتاب دولة بورقيبة لعدنان المنصر [5] – خطاب 24 جوان 1961 [6] – دولة بورقيبة ص 73 – 74 لعدنان المنصر [7] – الشخصيّة التونسيّة للبشير بن سلامة ص 259 [8] – دولة بورقيبة ص 74 [9] – دولة بورقيبة للمنصري [10] – ص 18 من مواقف لمحمد مزالي: الشركة التونسيّة للتوزيع [11] – ص 44 نفس المصدر السابق. [12] – ص 44 نفس المصدر السابق. [13] – أورد الحادثة الشيخ عبد الفتاح مورو في محاضرة له حول بورقيبة ألقاها في الخرطوم. [14] – ص 4 من رسالة ما وراء المؤامرة تونس 18 جانفي 1963 نشر كتابة الدولة لشؤون الثقافة والأخبار. [15] – ص 21 من وراء المؤامرة. [16] – خطاب 24 مارس 1975. [17] – ص 33 دولة بورقيبة [18] – [19] – ص 178 بورقيبة والإسلام الزعامة والإمامة، أمّا القصّة فقد رواها المؤلف محمود المستيري وزير الخارجيّة التونسي الأسبق وقد قصها عليه المصمودي نفسه [20] – ص 176 من بورقيبة والإسلام للطفي حجّي. [21] – ص 180 من المرجع السابق. [22] – ص 180 نفس المصدر السابق. [23] – ص 182 نفس المصدر السابق. [24] – ص 188 نفس المصدر السابق. [25] – صراع الهويّة في تونس للدكتور عبد المجيد النجار [26] من محاضرة ألقاها الشيخ عبد الفتاح مورو في الخرطوم في الثمانينات. [27] – هامش كتاب دولة بورقيبة لعدنان المنصر. [28] – خطاب 29 جويلية 1963 [29] – نفس المصدر السابق.   (المصدر: مجلة أقلام أون لاين، العدد الثامن عشر، السنة الخامسة / جويلية – أوت 2006) وصلة الموضوع: http://www.aqlamonline.com/khaddouma18.htm


بسم الله الرحمان  الرحيم كــرامـــة
 
قتلوا عشرين، ثلاثين… مائة، مائتين… فمن يزيد! من أجل فرد أو ثلاثة حطموا الجسور وأشعلوا النيران وأحرقوا البيوت والمزارع، ولم يسلم رضيع أو عجوز…   علا غضبنا، احمرت جباهنا، تتطاير الشرر من عيوننا، شمّرنا على سواعدنا… واستنكرنا ونددنا… كيف يعقل؟؟؟ من أجل عسكري مرمي على الجبهة، يعلو أطرافه الغبار، وتفوح منه رائحة السهر والنصب، يُنحر شعب أو شعبان… من أجل نفس يشرية يقتل كل البشر؟؟؟   هدوء سادتي وأعزائي… على من تغضبون، على ماذا تستنكرون؟ هل تغضبون من شعب يحب أفراده ويقدس أرواحهم؟ هل تستنكرون من حكومة جعلت الفرد جماعة، والجماعة أفرادا؟ هل تعجبتم من مقام أفرادهم، من كرامة مواطنيهم؟   هل أصبحنا نرى المستقيم معوجا والمعافى مصابا والأبيض أسود، واختلطت علينا السبل؟… لقد اختطف الاستبداد أحلامنا ومواطنتنا وآمالنا وكرامتنا، بحثنا عن ذواتنا تحت الأرض وبين الأموات فلم نجد غير السراب… عودونا على الفهم الأعوج، والوعي المغشوش، والرشد المفقود، فاتبعنا خطاهم وتربينا تحت وصايتهم، فتعودنا على الكرامة المفقودة والإنسانية المهزومة وفقدان كل إحساس بأننا مواطنون ونقطن وطن.   انظروا ياسادتي إلى تاريخكم، إلى مقدّسكم، إلى حضارتكم وسوف ترون من أين أنتم قادمون وإلى أين أنتم راحلون وعلى أي أرض تقفون…   دين يجعل من إسالة قطرة دم فرد واحد منكم يفوق هدم الكعبة على شرفها، يفوق دك أسسها والإطاحة ببنيانها…   رسالة، تجعل وحدتكم وتوحدكم وألفتكم وتوادكم وأخوتكم التزام ومسؤولية، كطرف من الجسم إذا اعتلّ تبعه كل الجسم بالسهر والحمى…   تاريخ، تنادي في معابره سيدة مشرّدة منفية وحيدة في بقعة نائية، ينالها الظلم والاستخفاف : « وامعتصماه « … فلا يكاد صداها يعود إليها حتى ينجدها الخليفة وهو على بعد مئات الأميال بجيش أوله عندها وآخره لم يتحرك بعد من بغداد!   هذه ياسادتي كرامتنا أيام عزنا، وهذه كرامتهم أيام سقوطنا… سقطنا فسقطت كرامتنا وعلَو فعلَت كرامتهم…   لا تلتفتوا إلى حكامكم فالكرامة عنوان لم يعرفوا يافطته إلا من رحم ربك وهم قليل قليل، ولا تسيّدوا أعدائكم فكرامتهم مجزأة على مقامهم… هم كرماء على بني جنسهم، وغيرهم لؤماء مهما تكرّمت موائدهم، هذا قاموسهم وهذه عقليتهم فليسوا أساتذة ولا نماذج، إنما الكرامة أجدادنا، إنما الكرامة تاريخنا، إنما الكرامة إرادة وتضحية عنونت وجودنا، ومتى حملناها من جديد عنوانا لبيتنا، وهدفا لحياتنا، ووسيلة في أيدينا، فسوف نكون خير الأحفاد لخير الأجداد ونكون سادة كرام!   بقلم : مواطــن المصدر: ركن خواطــر موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

بسم الله و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
الحلقة الثانية لعيد الجمهورية:

رسالة تاريخية عميقة و صريحة بمناسبة عيد الجمهورية 25 جويلية 1957

 

 
 
تونس في 17/07/2006 بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري  الرجل الصبور أكثر من 16 عاما  إنّ الكتابة حول التاريخ له طعم خاص و لذة و نكهة لمن عاشه و شارك فيه و عاش ما قبله حتى تكون المقارنة حيةّ وواقعية و صادقة و من أعماق الواقع و أنّ ما جاء في الرسالة الاولى بعنوان رسالة مفتوحة لرئيس الدولة. تترجم عن واقع حي حول معاني عيد الجمهورية المجيد عيد النخوة و الشرف و المسؤولية…   عيد الجمهورية له دلالات حضارية   إنّ عيد الجمهورية له أبعاده و دلالات حضارية و نخوة و مسؤولية و إعتزاز بشرف الإنتماء للجمهورية التي من اسسها و ثوابتها و مبادئها كرامة الإنسان و مشاركته الفاعلة في أخذ القرار تجسيما لما ورد في القرآن الكريم و أمرهم شورى بينهم صدق الله العظيم. الشورى واجبة دينيا و أخلاقيا و إجتماعيا و تربويا و من أهم  ثوابت أركان الجمهورية و بنودها الحكم للشعب و الشعب هو  صاحب السيادة و صاحب القول الفصل و صاحب القرار الجماعي . و صاحب المشاركة الفاعلة و  الحاسمة … و كلمته مسموعة و رأيه محترم و هو صاحب الرأي و يساهم في الحوار بكل حرية و الصحف مفتوحة  لكل الآراء و الأفكار ووسائل الإعلام متاحة و مفتوحة للمواطن تلك هي أهم ثوابت و قيم الجمهورية و كل المجالات متاحة للمواطن طبقا لدستور البلاد الذي أشرت إليه في الحلقة الأولى الدستور الرائد. حق التعبير و حرية الراي رافد هاما من أوكد الواجبات و الحقوق التي نصّ عليها الدستور الرائع دستور عام 1959 و المواطن الصالح هو الذي يساعد و يشارك و يساهم مساهمة  فاعلة في الشورى و الحوار و لفت النظر و كشف التجاوزات و مواطن الخلل و نقاط الضعف و يعلم بشجاعة و إقدام و روح المسؤولية على الأخطاء و التجاوزات مهما كان الشخص التي إرتكبها…   نظام ا لبايات و الحكم الفردي و لى و إندثر إنّ حكم البايات الذي دام حوالي 250 عاما في بلادنا و لّى و زال و إندثر بدون رجعة إن شاء الله بفضل حكمة قائد فذّا و زعيما شجاعا أنجبته تونس في مطلع القرن التاسع عشر.   القائد الرمز الحبيب بورقيبة رحمه الله
هذا القائد الزعيم حقق حلم الاجيال على إمتداد قرون و قد قال الحكيم يظهر دبير من المنستير فيه الدول تحير… و فعلا كان دبيرا هذا الرمز حرّر البلاد و العباد و ألغى النظام الملكي و عوضه بالنظام الجمهوري و الفارق بينهما شاسع . نظام البايات يستمد حكمه و نفوذه من الحكم الفردي المطلق لا سلطان عليه و  لا رقيب . إلا الله الواحد القهار بخلاف النظام الجمهوري فهو نظام شعبي يستمد قوته و شرعيته من الشعب الأبيّ و سلطة الشعب و إنتخاب الشعب المباشر و رقابة الشعب. و الكلمة للشعب و صوت الشعب و صوت واحد يحدث المفاجئة في النظام الجمهوري بينما  البايات  بالإرث العائلي و هذا  ما حرص الزعيم بورقيبة على إنهائه بعد 250 عاما لوضع حدّ للإرث الموضة الجديدة في بعض الدول  العربية… إعادة لحكم الملوك المطلق… نظرة  الباي للشعب   من ا لاشياء التي أصبحت مشاعة في شوارعنا و أحاديث الكبار و روايات الشرفاء من الشيوخ روو لنا بعض القصص منها حصل  في عام مجاعة عندما قرر القوم تشكيل وفد لمقابلة الباي للتعبير عن  مشاغل  الناس و ما حصل لهم من مجاعة و الجوع و لكن  في غياب تقاليد الحوار تجمعوا أمام القصر ينادون يا سيدي و تعالت الأصوات مكررة لهذه الجملة فخرج الباي و قال لهم ما ذا تريدون قالوا لم  نجد ما نأكل فقال لهم إذهبوا كلوا المحمص بالقديد…و كأنّ المحمص أكلة الضعفاء و الفقراء… هكذا كان  حكم الباي… أما النظام الجمهوري فهو عكس ذلك   يتابع دقات و خلجات الشعب و مشاغله و طلباته و إشاراته و طموحاته و حقوقه حتى الصحفي الذي وضعه مديره في الثلاجة يعرفه أو وضعية مناضل ضحى 32 سنة في العمل يعمل على فضّ مشكلته مع صندوق التقاعد حتى لا يحرم من حقه في المعاش أو حرمان 87 اسرة  من الماء الصالح للشراب بجهة ريفية بالحجارة معتمدية الحنشة يتابعها النظام الجمهوري ويحاسب المتهاونين و المتغافلين في الجهات عن سبب الحرمان لماذا هؤلاء تخلفوا على بقية المنطقة… أو أرملة حرمت من منحة المعوزين لماذا …أو شاب بالعشائش معتمدية منزل شاكر مجاز لم يحظى بالعمل و هو من أسرة فقيرة و عائلة معوزة … أو فلاح صغير إنتزعوا أرضه للمصلحة العامة بمنطقة أولاد عمر الحنشة و  لم يعوضوا إليه قطعة الأرض الذي يعيش منها أو موظف أرادوا إخراجه في التقاعد المبكر دون  ان يحصل على تقاعده كاملا أو مظلوما لم  يتحصل على حقه لأنه فقير الحال كل هذه الحالات تجد طريقها إلى الحل في النظام  الجمهوري شريطة شىء واحد فتح الابواب و النوافذ و إبلاغ المعلومة لرئيس البلاد هذا هو النظام الجمهوري و صلوحياته إذا فهم كل الأطراف بما في ذلك العاملين و المحيطين بالمسؤول فهم مسؤولون أمام  الله على كل الحالات التي ذكرتها  إذا تهاونوا أو تغافلوا أو تجاهلوا أو  قصروا في الإبلاغ و عدم الشعور بالمسؤولية و أخفوا الحقيقة و  كما يقولون المسؤول الأول طاقته محدودة و ليس كالشمس يطلّع على الكون و للله المثل الاعلى: و المسؤول الأول له عيون ينبغي و يجب أن  تكون مفتوحة للخير و إبلاغ كل شىء بأمانة و ليس مهمتنا هذا متعنا مثل قضية المرحوم محمد بوغنيم و هذا ليس متعنا والنظام الجمهوري هو نظام الشعب كله و لا يمكن أن نعلم برسالة  مفتوحة كتبها صاحبنا فلان رحمه الله في جريدة أخبار الجمهورية و الآخر كتب 6 رسائل نطفي عليه الضوء هذا حرام و ليس من  اخلاق الجمهورية و لا من سيادة النظام الجمهوري و لا من ثوابتها و قيمها : وأمام الله نقف للحساب في يوم الطامة و يوم  الفزع الأكبر . قال الله تعالى : أنك ميت و أنهم ميتون ثم إنكم عند ربكم يوم  القيامة تختصمون. صدق الله العلي العظيم و قال الله تعالي :بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى وأمرّ. صدق الله العظيم   فليكن المحيطون نزهاء آمناء حتى يأخذ كل ذي حق حقه و تلك من شيم و  قيم القائمين على دعائم أركان  النظام  الجمهوري و  المكلفين لمعاضدة رئيس الدولة و الساهرين على فتح رسائل الناس بأمانة و صدق و نزاهة خوفا من ربّ العزة . قال الله تعالى : أفمن زيّن له سوء عمله فرءاه  حسنا فإنّ الله يضل من يشاء و يهدي من يشاء  فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون . صدق الله العظيم سورة فاطر   و ذكرّ بالقرآن من يخاف و عيد سورة  ق  صدق الله العظيم   عيد الجمهورية عيد العرفان بالجميل لصانع الجمهورية   إنّ إعجابي يزداد كلما اسمع بذكر إسم بطل التحرير و صانع الجمهورية و باني الدولة العصرية و يتضاعف الإعجاب عندما نسمع و نقرأ شهادة المناضل الحبيب بولعراس الإعلامي البارز و رجل الوفاء عندما يقول في شهادته التاريخية  في جريدة الصباح أنّ البطل الأكبر الذي تأثرت به في حياتي هو الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله. و عندما نسمع شهادة  المناضل الباجي قائد السبسي الرائعة و  الهامة بأنّ بورقيبة العملاق لا يحتاج لمن يدافع عنه و لكن وفائنا واجب لهذا الرمز و عندما يقول مؤخرا رجل المسرح محمد إدريس أنّ أكبر شخصية في التاريخ المعاصر هي شخصية الحبيب بورقيبة و أنّ أفضل إسم يعشقه هو إسم الحبيب حبا في الزعيم.   مدن  تونسية خلّد التاريخ ذكراها لن ننسى وقفة أهالي قصر  هلال الرائعة عام 1934 حول منع شربة  الماء في رمضان المعظم التي كانت سبب في تحرير الوطن و بناء الدولة  العصرية و استقلال تونس و ميلاد الجمهورية و هم الاسود الذين وقفوا عام 1987 كالرجل الواحد و قالوا نعم  لإبقاء تمثال الزعيم الرمز في قصر هلال إلى آخر حياتهم إنه موقف خالد يدّل على الوفاء للزعيم حيا و  ميتا وتلك قمة الوفاء و العرفان بالجميل من أهالي قصر هلال. خنيس مدينة الوفاء و العرفان بالجميل عند الكبير و الصغير كلما ذكر إسم  الزعيم بورقيبة أو كتب كاتب أو صحفي أو مناظل وطني إلا و تهافت الناس بخنيس على المقال حبا ووفاء لزعيم الوطن ووفائهم فاق وفاء  غيرهم … هذا هو الإيجابي الذي يذكره التاريخ بأحرف ذهبية لأهالي خنيس و كذلك لمدينة صفاقس منذ مؤتمر البعث يوم 15 نوفمبر 1955 إلى اليوم أما السلبي فهو حقير في أعين الأوفياء و كم  من شخص كان له شأن و عندما شتم بورقيبة بعد وفاته إزداد في أعين الناس إحتقارا و بساطة و غابت صورته لأنه منافق كبير و الوفاء الحقيقي يأتي بعد رحيل الرمز حتى لا تكون هناك منافع و مطامع مادية كما يفعلون اليوم يمدحون لغايات مادية بينما الوفاء أسمى و  أنبل عند الأوفياء.

قال الله تعالي و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين. صدق الله العظيم 

 

عقبات التطبيع الكامل بين واشنطن وطرابلس

 
رشيد خشانة – تونس   على عكس ما أعلنه محمد بلقاسم الزوي، السفير الليبي في لندن، الذي أكد أخيرا أنه لم تعد هناك خلافات بين بلاده والولايات المتحدة، وأن طرابلس « طوت صفحة النزاعات وبدأت تُطور علاقاتها مع واشنطن بشكل كبير » مازالت هناك عقبات تؤخر الانتقال إلى التطبيع الكامل، واستطرادا إلى التعاطي مع ليبيا بوصفها دولة صديقة في المنطقة.   على عكس ما أعلنه محمد بلقاسم الزوي، السفير الليبي في لندن، الذي أكد أخيرا أنه لم تعد هناك خلافات بين بلاده والولايات المتحدة، وأن طرابلس « طوت صفحة النزاعات وبدأت تُطور علاقاتها مع واشنطن بشكل كبير »، مازالت هناك عقبات تؤخر الانتقال إلى التطبيع الكامل، واستطرادا إلى التعاطي مع ليبيا بوصفها دولة صديقة في المنطقة.   ولعل الزوي لم يشعر بالتناقض الذي انطوى عليه كلامه، إذ كشف في التصريحات نفسها، التي أدلى بها لوكالة الأنباء الفرنسية، أن وفدين من المحامين الأمريكيين والليبيين سيلتقيان في النصف الأول من الشهر الجاري « لحل جميع المشاكل العالقة عبر الحوار »، ووعد بالتعامل مع الأمريكيين « بكل حكمة ومن دون وساطات، مع استعداد ليبيا للإلتزام بكل ما سيتم الإتفاق عليه »، على حد تعبيره. لكن لم يتسن معرفة ما إذا كان الوفدان اجتمعا أم لا.   ومن أهم المؤشرات على تعثّـر التطبيع، مصادقة مجلس النواب الأمريكي يوم 30 يونيو الماضي على إدخال تعديل على موازنة وزارة الخارجية لعام 2007 يحول دون تخصيص الإدارة أي اعتمادات تتعلق بتطبيع العلاقات مع ليبيا.   وكان الهدف من الخطوة التي تمّـت بمبادرة من النائب الجمهوري جون سويناي، عرقلة فتح سفارة في طرابلس، طالما لم يُستكمل دفع التعويضات لضحايا الطائرة الأمريكية التي تفجّـرت في سماء « لوكربي » عام 1988.   وكانت الحكومة الليبية اعترفت بمسؤوليتها المعنوية عن الحادثة في رسالة وجّـهتها إلى الأمم المتحدة عام 2003، وانطلقت بناء عليها مفاوضات مع الأمريكيين والبريطانيين لدفع تعويضات للضحايا بواقع 10 ملايين دولار لكل أسرة، أي ما مجموعه 2.7 بليوني دولار، وكانت ليبيا صرفت 8 ملايين دولار لكل أسرة على دفعات، ومازالت الدفعة الأخيرة فقط مُستحقة، وهي بقيمة 2 مليوني دولار.   وفي هذا السياق، تقرر الاجتماع الذي أشار إليه الزوي بين وفدين من المحامين خلال الشهر الجاري لتذليل تلك العقبات. ويمكن القول أن الإفراط في التفاؤل لم يأت من الزوي فحسب، وإنما من جانب وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أيضا، التي أكّـدت لدى إعلانها عن التطبيع الكامل مع ليبيا في 15 مايو الماضي، أن السفارة الأمريكية في طرابلس « ستُعيد فتح أبوابها في وقت وشيك ».   والنتيجة أن اليزابيت سريتشلي، رئيسة الشؤون السياسية والإقتصادية في مكتب الإرتباط الأمريكي بطرابلس، ستبقى مؤقتا قائمة مقام السفيرة حتى تنجلي الصورة. أما في الجانب الليبي، فتتداول بورصة الترشيحات اسمين بارزين لتولي منصب سفير ليبيا لدى واشنطن، وهما محمد سيالة، رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار سابقا، وسعد مجبر، السفير السابق في باريس، وطبعا، سيَـحسم القرار العقيد معمر القذافي، وليس وزير الخارجية عبد الرحمان شلقم.   خمس عقبات   ويمكن إجمال العقبات التي تُعطَل التطبيع الكامل للعلاقات من الجانب الأمريكي بخمسة. فليبيا مازالت تفكّـر وتخطط للحصول على الطاقة النووية، ووقعت أخيرا على اتفاق مع فرنسا في هذا المعنى، يرمي لتزويدها بمفاعل يُستخدم للأغراض المدنية، إلا أنه يثير مخاوف لدى واشنطن، على رغم التطمينات الليبية والفرنسية. كذلك تتوجس واشنطن خيفة من خطط التسلح الليبية، والتي تجلت خلال الزيارة التي أداها لباريس العقيد الساعدي القذافي، النجل الأوسط للزعيم الليبي وقائد القوات الخاصة. وطلب الساعدي مقابلة وزيرة الدفاع الفرنسية ميشيل أليو ماري، لبحث تحديث طائرات « ميراج » التي اشترتها ليبيا في السبعينات، لكنه لم يُقابل سوى رئيس الأركان الفرنسي هنري بنتوجا.   وفي هذا السياق أيضا، وقّـع كيم هولز، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية مع أمين الشؤون الأوروبية في الخارجية الليبية عبد العاطي العبيدي اتفاقا في أواخر يونيو الماضي، تعهّـدت بريطانيا بموجبه بتعزيز الدفاعات الليبية وتحريك مجلس الأمن، إذا ما تعرضت ليبيا لهجوم بيولوجي أو كيمياوي. وقال هولز معلقا على الاتفاق « هذه الخطوة تبرز تقدير بريطانيا للمبادرة الجريئة والشجاعة التي اتخذتها ليبيا بالتخلي الطوعي عن إنتاج الأسلحة المحظورة دوليا ». ورأى المراقبون أن الاتفاق يؤكّـد التحولات الكبرى التي شهدتها ليبيا بصفتها صديقا جديدا، تتكفّـل أوروبا بمساعدته بعدما كانت تضعه على لائحة داعمي الإرهاب وتفرض عليه حصارا شاملا.   وبدا التوجس الأمريكي ظاهرا أكثر، عندما عاد الروس لليبيا بقوة من خلال زيارة رئيس اتحاد النفط والغاز الروسي يوري سفرانيك لليبيا، حيث رعى إنشاء مجلس أعمال ليبي – روسي. وأكد سفرانيك، الذي كان مرفوقا بممثلي شركات رئيسية عزم الروس على تطوير أنشطتهم الاقتصادية في ليبيا.   وفي الإطار نفسه، اعترضت الولايات المتحدة في مارس الماضي على صفقة كانت إسبانيا ستبيع بموجبها أسلحة لليبيا بقيمة 24 مليون يورو، بينها خاصة مروحيات من طراز « شينوك ». كما اعترضت واشنطن في الفترة نفسها على صفقة توصلت لها الحكومة الليبية مع شركة « إندرا » الإسبانية بقيمة 48 مليون يورو، وتعهدت الأخيرة بموجبها تحديث وسائل مراقبة حركة الطيران المدني في ليبيا. وكانت النتيجة أن الوفد العسكري الليبي، الذي كان مقررا أن يحل بمدريد يوم 9 مارس الماضي، أرجأ زيارته إلى وقت غير مسمى.   صحيح أن ليبيا كانت لا تزال على لائحة البلدان الداعمة للإرهاب في ذلك الوقت، إلا أن قوة الاعتراض الأمريكي دلَّـت على حجم التوجّـس من نوايا النظام الليبي وقلة الارتياح لرسائل الاعتدال التي أرسلها للغرب.   لوكربي والبلغاريات   وربط المراقبون أيضا تعذر استكمال التطبيع الأمريكي – الليبي بتأخّـر طرابلس عن دفع القسط الأخير من التعويضات في قضية « لوكربي »، وكذلك المنعطف المثير في قضية تفجير الطائرة التابعة لشركة « يو تي آي » الفرنسية فوق صحراء النيجر في سبتمبر 1989، إذ استأنفت ليبيا يوم 7 مارس الحكم الذي أصدرته المحكمة يوم 7 ديسمبر 2005، والذي أدان غيابيا ستة من عناصر المخابرات الليبية، وأقر تعويضات مالية للضحايا. وبعدما تعهّـدت ليبيا منذ يناير 2004 دفع تعويضات لجميع أسر الضحايا من دون استثناء (وهم أساسا من الفرنسيين والأفارقة)، بدا اللجوء للاستئناف تراجعا عن تلك التعهدات، إذ كانت الأسر تتوقع مصادقة آلية من طرابلس على قرار المحكمة.   أما الملف الشائك الرابع الذي يؤخر التطبيع، فهو قضية الممرضات البلغاريات الموقوفات منذ عام 1999، واللائي استأنفت محكمة بنغازي مؤخرا النظر في قضيتهن بعدما حُكم عليهن بالإعدام عام 2004 بتهمة حقن الإيدز لأطفال ليبيين في مستشفى بنغازي. ونتيجة لكل هذه الغيوم، التي تلبّـدت في سماء العلاقات الليبية – الأمريكية، أُرجئت زيارات كانت مرتقبة من الجانبين.   وكان العقيد معمر القذافي وجّـه دعوتين لكل من جورج وولكر بوش، ووزيرة خارجيته رايس عبر وفد مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي زار طرابلس في وقت سابق من العام الجاري، بقيادة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس ريتشارد لوغار (جمهوري). ولئن بدت الاستجابة للدعوتين صعبة في المستوى الراهن الذي بلغته المصالحة، فإن زيارة سيف الإسلام، النجل الأكبر للعقيد معمر القذافي إلى الولايات المتحدة كانت مُبرمجة ومتوقعة في كل لحظة، لكنها لم تتم حتى الآن.   مع ذلك، يشعر الأمريكيون بنوع من الرضا النسبي على جوانب أخرى من علاقاتهم مع ليبيا، وخاصة مسار الانفتاح الاقتصادي. فالليبيون لا يخفون سعيهم لاستقطاب الشركات الأمريكية الكبيرة باعتماد الإصلاحات واختيار اقتصاد السوق، والهدف من تشجيع الليبيين على المضي في مسار الإصلاح الاقتصادي مزدوج، إذ يتمثل أولا في جعل أمريكا شريكا اقتصاديا مهما، واستطرادا حليفا سياسيا بإقامة علاقات مميزة معها، وثانيا، إدماجها في السياسة الإقليمية الأمريكية على نحو يحقق لواشنطن تسديد ضربة قوية للنفوذ الأوروبي، وخاصة الفرنسي في المنطقة المغاربية وإفريقيا.   وهناك محور أساسي آخر ينبني عليه هذا التقارب، ويتمثل في المشاركة الليبية الفعالة في الحرب على الإرهاب، والذي وصل إلى حد الالتزام بقطع المساعدات على الفصائل الفلسطينية منذ سنوات، بالإضافة لمقاطعة الحكومة التي شكلتها حركة « حماس »، حرصا على عدم إغضاب الأمريكيين، ويذهب بعض المحللين إلى القول بأن ليبيا باتت تتصرف مثل الجزائر أملا بالتحول إلى حليف إقليمي لواشنطن.   انفتاح سياسي؟   ولوحظ أن أمريكا لم تكن غير مبالية إزاء تلك الرسائل الليبية، فهي تحرص من جانبها على عدم إثارة ملف حقوق الإنسان الذي تُحرَكه دوما إزاء البلدان المتمردة على « نصائحها ». وكان هذا الملف مطروحا، وإن بكثير من الخفر في بواكير المصالحة الليبية – الأمريكية، إذ وعد سيف الإسلام، الذي يحظى بسمعة جيدة لدى الأمريكيين، والذي يرأس « مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية » بالإفراج « قريبا » عن أكثر من 130 سجينا سياسيا من المقربين للإخوان المسلمين، والذين يقبع بعضهم في السجون منذ الثمانينات، لكنه لم يُعيّـن تاريخا محددا لذلك. كما دعا إلى سن قوانين وإجراءات تشجّـع على ظهور صحافة حرة وإذاعات مستقلة، وحرض الصحفيين على الإلقاء بالتعليمات عرض الحائط. كذلك، وعد سيف الإسلام برد البيوت والعقارات التي انتُـزعت من أصحابها، اعتمادا على منطق الثورة في مطلع السبعينات إلى أصحاب الحق، مما اعتبر تجاوبا مع الرغبات الأمريكية.   وأشاعت تلك المواقف آمالا بفتح باب التقارب مع المعارضة في الداخل والخارج، والتي سماها جناح في الحكومة الليبية « المصالحة الوطنية »، وتشمل تلك الإجراءات، الإفراج عن سجناء الرأي، والتعويض للمتضررين من « المحاكم الثورية »، إضافة لفتح قنوات الحوار مع المعارضة في الخارج وتشجيع رموزها على العودة إلى البلد. لكن الكلام الأمريكي عن الحريات وحقوق الإنسان في ليبيا، خفت تماما وغضت واشنطن الطرف عن هذه المسائل مركّـزة على الإستثمارات والمساومات السياسية.   وإجمالا يبدو استكمال فصول المصالحة الأمريكية – الليبية مؤجلا، ليس فقط لبقاء عدد من الأحجار على الطريق، وإنما بالأساس لأن مجلس النواب الأمريكي احتفظ بمفاتيح السيارة، واتخذ تدابير تحول دون تشغيل محركها قبل منتصف العام القادم … أو ربما أواخره.   (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 17 جويلية 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

تعريب المقاومة
 
توفيق المديني (*)   في الوقت الذي يستمر فيه العدو الصهيوني  ممارسة عدوانه  على قطاع غزة يوماً، فيقتل أطفاله ونساءه والرجال، دون أن يستطيع أن يرض على أهله المجوّعين والمحرومين من النور والمياه والغذاء والأدوية الاستسلام، أو سوقهم بناره الحارقة للضغط على المجموعة المقاتلة التي أسرت الجندي الصهيوني من موقعه الحصين إلى حيث تحتفظ به لتفاوض على إطلاق النساء والأطفال من بين التسعة آلاف أسير فلسطيني الذين يحتجزهم في سجونه والمعتقلات.   و في الوقت الذي تريد فيه القيادات العربية ، تغليب  » القطري » على القومي، و التسوية على التحرير، و أن تجعل من « السلام « الموهوم و الاستسلام الفعلي  بديلاً لكل معارك الوحدة والتحرير السياسي والاجتماعي ،و المقاومة للاحتلال ، و حولت التحرير و المقاومة إلى  مشروع تسوية استسلامية « قطرية »، فأصبحت التسوية قضية كل العرب، و فوق كل مصالحهم و قضاياهم،بينما يستمر الكيان الصهيوني في استعراض جبروت قوته العسكرية ولإفراط في استخدام تفوقه العسكري على مجموع الدول العربية ، الضعيفة بالولادة ، أو المستسلمة بقرار، اشتعلت جبهة الجنوب اللبناني عبر تنفيذ المقاومة اللبنانية عملية عسكرية نوعية  تخللتها معارك واشتباكات عنيفة بين « حزب الله » والقوات « الإسرائيلية »، أدت في محصلتها إلى أسر المقاومة لجنديّين « إسرائيليين « وقتل ثمانية وإصابة 21 آخرين، إضافة إلى استشهاد خمسة عشر مواطنا لبنانيا،  وجرح العشرات وتدمير خمسة جسور شملت جسري الدامور والأولي، ومنشأة كهرباء وقصف عدد كبير من المنازل في الجنوب، وتدمير مدرج مطار بيروت .   وعلى الرغم من التدمير الذي تتعرض له البنية التحتية في لبنان ، وتقطيع أوصال الجنوب بتدمير الجسور التي تربط أنحاءه بعضها بالبعض الآخر، أو تربطها جميعاً بالعاصمة، وحصول الانقسام  السياسي اللبناني حول مغزى المقاومة و ضرورتها ، فإن ما أكدته العملية النوعية هذه للمقاومة اللبنانية في هذا الزمن العربي الذي تبلورت فيه التسوية الاستسلامية ، وهيمنتها على السياسة العربية الرسمية، هي أن قضية فلسطين  ستظل قضية قومية عربية، لا قضية سورية أو فلسطينية. وهذا يعني  أن احتلال فلسطين ، ليس اعتداء على فلسطين حدود سايكس بيكو ، و لا على سكان فلسطين  الذين صورتهم خريطة الاحتلال الصهيوني ، إنه اعتداء على الوطن العربي كله،إذا اعتبرنا الوطن العربي واحدا، و الأمة العربية واحدة، و حدود سايكس بيكوو كل حدود الاحتلال الاستعماري.   و هاهي المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله تنجح مرة أخرى في توجيه ضربة مؤلمة جدا للصهاينة جعلتهم أسرى وضع معقد لا مثيل له في تاريخ الصراع العربي -الصهيوني.   إذ جاءت عملية « الوعد الصادق » لتؤكد نجاح المقاومة في أسر جنديين صهيونيين ، فاتحة الباب أمام عملية تفاوض غير مباشر مع الصهاينة من أجل القيام بعملية تبادل تشمل الأسرى اللبنانيين، وأيضا أسرى فلسطينيين وعرباً، من دون أن تخوض في تفاصيل القنوات التي سيصار إلى اعتمادها أو أية تفاصيل تتعلق بوضع الجنديين اللذين فرضت الرقابة العسكرية الصهيونية تعتيما كبيرا على اسميهما.   وإذا كان التوقيت الذي اختاره « حزب الله » هو توقيت لبناني فلسطيني محكوم في الدرجة الأولى بالاعتبارات الميدانية، فإن الأمين العام ل »حزب الله » السيد حسن نصر الله قد اختاره مناسبة لتوجيه نداء وجداني إلى العراقيين عموماً لوأد الفتنة التي بدأت تذر قرونها في أرض الرافدين تحت رعاية الاحتلال الأميركي.   و إذا كان الكيان الصهيوني قد تمكن من حرق من الأرض العربية متى شاء ذلك، وأن يحيِّد من الدول العربية أكثرها، فإنه لم يستطع أن يصفي المقاومة الرافعة لواء التحرير و دحر الاحتلال.فلا تزال المقاومة تشكل رافعة حقيقية حين توجه بنادقها ضد العدو القومي للأمة ، ضد الاحتلال الأجنبي على اختلاف مسمياته .   و تأتي العملية النوعية  للمقاومة في جنوب لبنان كجواب مباشر على التطاحن الطائفي  الذي يسيطر على الحياة السياسية والأمنية في العراق، حيث عملت الفئات  الرجعية على تحويل الطوائف  إلى « طوائف عسكرية » لكل منها ميليشياتها التي  تقتل على الهوية ، الأمر الذي قاد إلى شرذمة القوى واستنزافها في حرب داخلية  اسمها الفتنة الطائفية،بوصفها التجسيد الفعلي للمخطط الأمريكي – الصهيوني  ، الذي أصر على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية في العراق كجزء من الاستراتيجية الاميركية لتقسيم العراق إلى دويلات طائفية ، و القضاء على عروبته ، و على دوره الإقليمي و القومي  الذي كان العنوان البارز في السياسة العراقية تجاه العدو الصهيوني.   وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني ازداد قوة  ، بفعل ازدياد التغلغل الأمريكي  وتوسعه في الوطن العربي، حيث أن سياسة الكيان الصهيوني ، كما هي سياسة الامبريالية الأمريكية ، بقاء »إسرائيل  » أكبر قوة في المنطقة،  و كان هذا يتطلب دائما : دوام التجزئة واستمرار التنافر بين الأقطار العربية، و التفتت داخل كل قطر،و تفجير الصراعات الطائفية بوصفها ضرورية لبقاء الكيان الصهيوني، فإن المقاومة اللبنانية استطاعت أن تجبر الجيش الصهيوني الذي لا يقهر على الجلاء من دون ثمن .   وهاهي المقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة ، والتي آزرتها المقاومة اللبنانية ، تؤكدان مرة تلو الأخرى أن تعريب المقاومة ضد الاحتلال هو طريق التحرير ، و بناء الأوطان ، والدول المستقلة ، ووأد الفتنة الطائفية  التي تشكل أعظم فتكاً من الترسانة العسكرية الصهيونية ومعها الترسانة الأميركية مجتمعتين.   (*) كاتب تونسي، دمشق.   (المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 16 جويلية 2006)

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

14 octobre 2006

Home – Accueil – الرئيسية   TUNISNEWS 7 ème année, N° 2336 du 14.10.2006  archives : www.tunisnews.net C.R.L.D.H. Tunisie: FLASH –INFOS

En savoir plus +

31 juillet 2010

Home – Accueil TUNISNEWS 10 ème année, N° 3721 du 31.07.2010  archives : www.tunisnews.net  Zaghloul: Quelques remarques à propos de

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.