في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس
Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia
|
TUNISNEWS
9 ème année, N 3401 du 14.09 .2009
archives : www.tunisnews.net
كلمة:بعد أن اقنعه قنصل تونس بعنابة… السلطات التونسية تعتقل مواطن اجتاز الحدود
معز الباي:إضراب عمّال فلورتاكس بصفاقس من أجل الحق النقابي وحقّ الشغل
كلمة: تواتر ردود الفعل المندّدة بالإحالة على لجنة النظام الجهوية بصفاقس لنقابيين
الكاف :الاساتذة ونقابيو التعليم الثانوي يعتصمون من جديد امام الادارة الجهوية للتربية والتكوين
سليم بوخذير:وكالة أنباء الحكومة تتراجع عن الضغط على الصحافية آمال البجاوي
الأسبوعي:إثر حكم القضاء الايطالي عليه باطلا في قضية اغتصاب:مهاجـر تونسي يموت بعد إضراب عـن الطعـام دام 50 يـومـا
بسام بونني:حرب افتراضية على قوى الرفض
صـابر التونسي:إرهاب الفيروسات
حمادي الغربي:هدية العيد إلى الرئيس التونسي
ناجح الزغدودي:الشيخ العالم عبد الرحمان خليف: أحد علماء القيروان المعاصرين ومسيرة حافلة ومآثر باقيــــــة
الأسبوعي:قريبا الإدارات الجهوية للتربية والتكوين تتحوّل إلى مندوبيات
الأسبوعي:مطـار النفيضـة: بدايـة الاستغـلال الشهـر القـادم
الاسبوعي:ربـط جـوي مبـاشر بين جـربة وطـرابلس
مراد رقية:بورصة القيم المنقولة السياسية تكرم المكنين وتهمش قصرهلال في ذكرى 3 سبتمبر1934
العجمي الوريمي :وزير في العاصفة
رياض الشعيبي:تحديث الدعوة من خلال مفهوم ‘التوحيد السياسي’ في كتاب ‘السياسة والحكم’ لحسن الترابي
د.منصف المرزوقي:إنما الأمم بالأخلاق
توفيق المديني :حين يغيب المشروع الوطني تتأجج الطائفية
د. عمرو حمزاوي:عن إنسانية الديمقراطية
منير شفيق:إدارة أوباما والانتخابات المزوّرة
العودة في رسالة للظواهري: إلى متى المضي في سياسة الإحراق؟
العرب:فضل الله يصدر فتوى تحرم التطبيع مع إسرائيل خليل العنانـــــــــــــي:سبتمبـــــــــــــــــر صالح النعامي:هكذا يضمن أوباما بقاء إسرائيل تحت سيطرة اليمين !!
وائل الحديني:شيخوخة تصارع الزمن
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
جويلية 2009
بعد أن اقنعه قنصل تونس بعنابة… السلطات التونسية تعتقل مواطن اجتاز الحدود
المولدي الزوابي في الأحد, 13. سبتمبر 2009 اعتقلت السلطات التونسية مطلع الاسبوع المنقضي السيد كمال بن علي بن محمود بوكحيلي (42 سنة) اصيل قرية عين الحراث معتمدية عين دراهم الذي سبق وان اجتاز الحدود احتجاجا على حجز اعوان الحرس بالجهة لبقرة على ملكه مدعين انها مهربة عبر الحدود. وقالت السيدة خروفة البوكحيلي زوجة كمال في اتصال براديو كلمة ان مغادرة العائلة للبلاد جاءت كرد فعل على ما اعتبرته ظلما خاصة وان البقرة التي حجزت كانت مورد رزقهم الوحيد وان زوجها توجه بها الى سوق الفرنانة لبيعها قصد شراء لوازم ابنائها المدرسية وتسديد دين متخلد بذمتهم لفائدة احدى الدكاكين غير ان السلط الامنية حجزت لهم البقرة التي كانت على ملكهم. وذكرت البوكحيلي عودتهم الى ارض الوطن تاسست على الوعد الذي ضربه لهم القنصل التونسي بعنابة والمتعلق باستعداد السلطات التونسية لتقديم المساعدة والاستماع الى مظلمتهم غير انه وفور وصولهم للمنطقة الحدودية الببوش اعتقل رئيس العائلة وأودعته السجن المدني ببلاريجيا في انتظار محاكمته اليوم الاثنين 14 سبتمبر الجاري وحدد بمحمكة الناحية بعين دراهم. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 13 سبتمبر 2009)
إضراب عمّال فلورتاكس بصفاقس من أجل الحق النقابي وحقّ الشغل
معز الباي في الأحد, 13. سبتمبر 2009 يشنّ عمّال مصنع فلورتاكس للدهن بصفاقس إضرابهم الثامن على التوالي منذ تأسيس نقابتهم، أيّام 14 و15 و16 سبتمبر، وذلك احتجاجا على تصعيد المؤجّر لتوتّر المناخ الاجتماعي من خلال طرده لثمانية وعشرين عاملا من بينهم نقابيّون. وحسب ما أفدنا به العمّال فإن المؤجّر لجأ في لحظة سابقة إلى استعمال العضلات المفتولة لإكراههم على فكّ الاعتصام الذي يخوضونه داخل المؤسسة ممّا تسبب في إصابة بعضهم إصابات خطيرة، كما أكّدوا أنّه قام بالضغط على العمّال الموسميّين لإمضاء ورقة بيضاء لا يدرون فحوى ما سيدرج فيها لاحقا. وقد ذكر لنا بعض أعضاء النقابة أنّ هذا الإضراب يندرج ضمن دفاعهم عن الحق النقابي والحق في الشغل وأنهم يستعدّون لخوض تحرّكات أخرى إثر العيد مباشرة إن لم تتمّ الاستجابة لمطالبهم. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 13 سبتمبر 2009)
تواتر ردود الفعل المندّدة بالإحالة على لجنة النظام الجهوية بصفاقس لنقابيين
معز الباي في الأحد, 13. سبتمبر 2009 ما زالت ردود الفعل على قرار إحالة ثلاثة أساتذة ومسؤولين نقابيين بصفاقس على لجنة النظام الجهويّة تستثير ردود الفعل لدى القطاعات والقواعد النقابيّة فقد عبّر ممثلو الهياكل النقبية الجهوية للتعليم الثانوي المجتمعون يوم 12 سبتمبر تحت إشراف النقابة العامة في ندوة إطارات الجهات في بيان-عريضة تحصلت كلمة على نسخة منه عن شجبهم لقرار المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس دعوة كل من منصف بن حامد ونبيل الحمروني ومحمّد البكوش للمثول أمام لجنة النظام، واعتبروها اعتداءا صارخا على قطاع التعليم الثانوي وعلى بعض هياكله، محمّلين المكتب التنفيذي الجهوي مسؤولية عرقلة النشاط العادي للنقابة الجهوية ولهياكلها الأساسية، وطالبوا بإيقاف كلّ الإجراءات التي اتخذت في هذا الاتجاه. هذا وقد علمت كلمة من مصادر مطّلعة أن العديد من القطاعات النقابية الجهويّة قد توجّهت إلى القيادة الجهوية ببرقيات ورسائل تنديد بهذه الإحالة إضافة إلى التنديد بالعنف المسلّط على المناضلين النقابيين إبّان إحياء ذكرى شهداء 4 و5 أوت والتي كان راديو كلمة قد تعرّض لها في مناسبات سابقة. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 13 سبتمبر 2009)
الكاف :الاساتذة ونقابيو التعليم الثانوي يعتصمون من جديد امام الادارة الجهوية للتربية والتكوين
نفذ اليوم 14 / 09 / 2009 جمع غفير من اساتذة ونقابيي التعليم الثانوي في الكاف وقفة احتجاجية جديدة امام الادارة الجهوية للتربية والتكوين بالكاف احتجاجا على على تعنت الادارة وعدم تشريكها الطرف النقابي في حركة النقل علما ان هذه الوقفة الاحتجاجية هي الثالثة . وبعد هذه الوقفة امام الادارة الجهوية توجه النقابيون والاساتذة الى الاتحاد الجهوي للشغل بالكاف حيث جرى نقاش ثري وصريح حول الخطوات النضالية التصعيدية التي يمكن يمكن القيام بها مع مفتتح السنة الدراسية الاسبوع القادم , ولهذا من المنتظر ان تتواصل الحركة الاحتجاجية وبنسق تصاعدي لدى نقابيي واساتذة التعليم الثانوي في جهة الكاف . مراسلة خاصة بالمرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicals
وكالة أنباء الحكومة تتراجع عن الضغط على الصحافية آمال البجاوي
أضيف من قبل سليم بوخذير في الأحد, 13. سبتمبر 2009 تراجعت وكالة الأنباء الحكومية « تونس إفريقيا للأنباء » عن قرار سحب حق الصحافية المستقلية آمال البجاوي في الإنتفاع بالعمل في أيام الآحاد. وقالت البجاوي ل »كلمة » : « نعم أخيرا تراجعت إدارة التحرير عن قرار حرماني تعسفيا من الإنتفاع بالعمل بالآحاد » . وأضافت « التراجع تم الجمعة الماضي وسُجّل إسمي فعلا في قائمة العاملين بالآحاد » . وكانت البجاوي إشتكت من الضغط الذي كان إستهدفها في عملها بوكالة الأنباء الحكومية « تونس إفريقيا للأنباء » بِسحب حقها في الإنتفاع بالعمل في أيام الآحاد، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات . و وصفت ماجرى بأنها كانت « محاولة مُريبة وتمت عن قصد »هدفها النيل منها ماديا . وعُرِفت الصحافية المستقلة آمال البجاوي بنضالها الطويل في أكثر من منظمة تونسية بينها جمعية « نساء ديمقراطيات » ،فضلا عن مساهماتها في تأسيس أول نقابة مستقلة للصحافيين في تونس . (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 13 سبتمبر 2009)
إثر حكم القضاء الايطالي عليه باطلا في قضية اغتصاب
مهاجـر تونسي يموت بعد إضراب عـن الطعـام دام 50 يـومـا
الهالك فقد 21 كلغ من وزنه وعائلته تتحدث عن مكيدة أحد أطرافها شاب تونسي منظمات حقوقيـة تنتقد تعامل إدارة السجن مع الوضعية العائلة تستعد لتتبع مدير السجن ومحامي الضحية عدليا
سامي هاجر منذ 21 سنة الى «الجنة المزعومة» الى إيطاليا كغيره من الشباب بحثا عن المال والمنزل والسيارة بأسرع وقت ممكن سلاحه الوحيد دعوات والدته له بالتوفيق في مسعاه.. استقر سامي بميلانو وبدأ رحلة البحث عن عمل.. بعد فترة نجح في مسعاه وبدأ حلمه يتحقق.. في الأثناء تعرّف على فتاة مغربية وتوطدت العلاقة بينهما.. ولكن بعد سنوات من الصداقة شاءت الأقدار أن تقطع حبال الود بين سامي وصديقته. محنة وراء محنة واصل سامي عمله وحاول تناسي تلك الصداقة بفتح صفحة «عاطفية» جديدة في حياته فربط علاقة بفتاة إيطالية أنجبت له ثلاثة أبناء وتواعدا على الزواج والعيش الى الأبد تحت سقف واحد.. ولكن فجأة انقلبت حياة المهاجر التونسي رأسا على عقب عندما غرّر به من قِبل إحدى العصابات ووجد نفسه خلف القضبان يواجه حكما بالسجن. تحامل سامي على نفسه وتحمّل وحدته وعذاب الأيام داخل سجن «طوري ديل قالو» ببافيا بميلانو وقسوة المعاملة التي يلقاها من حراس السجن شأنه شأن عشرات المهاجرين الافارقة والعرب.. ومرت الأيام رغم مرارتها وبدأ المهاجر التونسي يستعد للمغادرة نحو الحرية.. نحو بيته حيث شريكة حياته وأطفاله ولكن مرة أخرى تجري الرياح بما لا يشتهي سامي فصدم وصاح بأعلى صوته «أنا بريء ..أنا بريء».. الحقيقة التائهة المهاجر التونسي فاجأته الشكاية التي تقدمت بها صديقته السابقة (المغربية) والتي تتهمه فيها بالاعتداء عليها جنسيا.. أدرك سامي أن تلك الفتاة ظلت تحقد عليه ولذلك كادت له هذه المكيدة رغم مرور فترة طويلة نسبيا على نهاية علاقتهما.. ظلّ المسكين داخل سجنه هائما.. يبحث عن حقيقة تائهة.. ضائعة.. الخالة بُرنية- والدة سامي – التي التقينا بها ساعات قبل وصول جثمان فلذة كبدها كانت في حالة نفسية متدهورة.. كيف لا وهي تفقد ابنها الاكبر وعائلها الوحيد في ديار الغربة.. كيف لا تبكي وهي تستمع لبكاء زوجة ابنها الايطالية على الهاتف وتخبرها بوفاة سامي.. كيف لا تذرف الدموع على فراق الابن البكر الذي هاجر حاملا آمالها في بناء مستقبل مشرق له ولعائلته وإذا به يعود اليها في صندوق بعد أكثر من 21 سنة من الهجرة والغربة والفراق.. الخبر الأليم محدثتنا قالت وهي تذرف الدموع على رحيل ابنها: «لقد اتصلت بي زوجته الايطالية -هاتفيا -وأعلمتني بالخبر الأليم.. لقد اسودت الدنيا في عيني حينها ولم أدر ماذا حصل من بعد.. فالنبأ صدمني وصدم جميع أفراد الأسرة.. لم نصدق الذي حصل وكيف مات سامي؟ كل ما نعلمه أنه أضرب عن الطعام داخل السجن الى أن تدهورت حالته الصحية وفارق الحياة». قضية أخلاقية وعن دواعي إضراب سامي عن الطعام والشراب قالت الأم الملتاعة وهي تجفف مقلتيها «كان ابني يستعد لمغادرة السجن في الاسابيع القادمة ولكن فجأة تقدمت صديقته السابقة بشكاية الى السلط القضائية الايطالية ادعت فيها أن سامي احتجزها سابقا في شقته طيلة أربعة أيام بلياليها وواقعها دون رضاها متسببا في حملها وطالبت بتتبعه عدليا وبسماع أقوال ابني من طرف المحققين تمسك ببراءته ونفى جملة وتفصيلا التهمة المنسوبة اليه واعتبرها مجرد مكيدة حاكتها له صديقته السابقة مع مهاجر تونسي كان ورّطه في القضية الاولى». من جانبها قالت وسائل الاعلام الايطالية التي حولت الواقعة من مجرد وفاة إثر إضراب جوع الى قضية رأي عام وتابعت أطوارها لحظة بلحظة أن المحكمة الابتدائية بميلانو أدانت يوم 7 جويلية الفارط المهاجر التونسي سامي مبارك (من مواليد 4 ديسمبر 1967) في القضية الأخلاقية المرفوعة ضده وقضت بسجنه لمدة ثمانية أعوام وخمسة أشهر اي أنه (الهالك) لن يغادر السجن قبل موفى العام 2018 . صفعة جديدة والدة الضحية أكدت في حديثها الينا على براءة ابنها من التهمة واعتبرت القضية كيدية «ولكن القضاء الايطالي اقتنع بأقوال الفتاة المغربية رغم عدم إجراء أية مكافحة بينها وبين سامي» – تتابع الأم الملتاعة – «كذلك لم تجر التحاليل الطبية المتعارف عليها وهو ما أحبط ابني وجعله يعيش في صراع مع ذاته فهو مقتنع ببراءته ولكن صدور ذلك الحكم القاسي ضده جعله ينهار نفسيا ورغم ذلك فقد حاولنا الرفع من معنوياته والوقوف الى جانبه في محنته واتصلنا عن طريق محاميه بالفتاة المغربية ومحاميها لتسوية الوضعية في ظل الانحياز التام للقضاء الايطالي ففوجئنا بمحامي زاعمة المضرة يشترط 40 ألف دينار لإسقاط الدعوى وبالتالي إيقاف التتبع العدلي بموجب التسوية ورغم المبلغ المجحف فإننا أرسلنا اليه المال ولكن بعد تسعة أيام تلقينا صفعة جديدة عندما قررت النيابة العامة تنفيذ الحكم». شعور بالظلم صعق سامي حين سماعه الخبر واتصل بوالدته هاتفيا.. بكى وهو يسرد لها التطورات «يامي راني باش نموت..راني مظلوم….والله مظلوم». كان المسكين يمسك بالهاتف ويبث شعوره بالصدمة لوالدته متوهما أنه بين أحضانها ولكن صوت حارس السجن وهو يعلمه بانتهاء مدة المكالمة قطع عنه مواصلة التوهم ليقضي ليلته حائرا بين جدران السجن لا يدري ماذا سيفعل ليثبت براءته الضائعة.. الاضراب.. الحل! لم يجد المهاجر التونسي النزيل بسجن «طوري ديل قالو» من حلّ لإثبات براءته سوى الدخول في إضراب جوع -وفعلا- بدأ التنفيذ ورفض الأكل والشرب فتدخل أعوان السجن ثم المدير فالإطار الطبي ولكن سامي قرر المواصلة.. زارته زوجته الايطالية وترجته إيقاف الاضراب فتجاهلها ومع تواتر الأيام تدهورت حالته الصحية ما دعا محاميه يوم 05 أوت الفارط الى التقدم بطلب الى النيابة العامة لإطلاق سراحه بسبب حالته الصحية السيئة.. طالت إجابة المحكمة.. وظل سامي صامتا.. صامدا.. غير آبه بحياته.. فالموت من أجل حريته وإثبات براءته لم يكن يخيفه. يوم 25 أوت جاء ردّ النيابة العمومية برفض الطلب.. ومعه رفض سامي تناول أية فيتامينات أو إخضاعه لأية فحوصات رغم الخطر الذي أصبـح يهـدد حيـاتـه.. فكـل المحــاولات « الودية» باءت بالفشل الى أن تدهورت الحالة الصحية للسجين التونسي فنقل في حالة إغماء يوم غرة سبتمبر الجاري الى المستشفى ولكن قاضي التحقيق أذن بنقله الى مصحة «سان ماتيو» ببافيا بأحواز ميلانو حيث احتفظ به تحت العناية الطبية المركزة وهو في حالة حرجة.. وبعد بضعة أيام كانت نهاية المهاجر التونسي ..كانت الموت التي لم يخشها في سبيل حريته وإثبات براءته.. لينزل الخبر على عائلته بإيطاليا نزول الصاعقة قبل أن يصل الى زغوان حيث الأم والأهل والاصدقاء فيصدم الجميع. زغوان تتألم فزغوان لم تنس بعد أوجاعها حين شيعت جثماني ابن وزوجة عزوز مرزوق اللذين قتلا بمدينة إيربا الايطالية رفقة شخصين آخرين حتى استقبلت نهاية الاسبوع المنقضي جثمان أحد أبنائها الذين غادروها بحثا عن «الخبزة» فالوجع والحزن سيطرا في نهاية الاسبوع على زغوان التي لبست رداء أسود واحتضنت أرضها ابنها سامي الى الأبد فيما تحولت واقعة وفاته الى قضية الشارع هناك. الحقيقة البعض يقول أن سامي قتل.. البعض الآخر يدعي أنه انتحر وعائلة مبارك تتمزق وجعا وألما على فراق ابنها ومن أقاويل الناس لمعرفتها بالحقيقة كاملة.. هذه الحقيقة تداولتها أيضا وسائل الإعلام الايطالية مشيرة الى أن سامي ظل مضربا عن الطعام وعن الشراب طيلة 50يوما فقد خلالها 21 كيلوغراما من وزنه الذي لم يتعد حين نقله الى المستشفى الـ 62 كيلوغراما بعد أن كان يزن 83 كيلوغراما مما أدى الى تدهور حالته الصحية. هذا الاضراب المطول دفع ببعض المنظمات الحقوقية والصحف الايطالية الى انتقاد إدارة السجن وطلب مساءلتها حول سماحها لنزيل بالاضراب طيلة 50 يوما دون إرغامه عن الأكل أو تناول الماء وبعض الفيتامينات وهو ما دفع بمدير السجن الى الإدلاء بتصريحات دافع فيها عن نفسه وعلى أعوانه. قضايا في الطريق أما والدة الضحية التي لم تنس بعد، أيام العزّ التي عاشتها في ضيافة ابنها بإيطاليا أو المغرب وتركيا حيث كان يصطحبها معه في جولات ترفيهية قررت تقديم قضية عدلية تتهم فيها إدارة السجن بالإهمال الناجم عنه وفاة كما ستقوم بتتبع محامي ابنها الايطالي لعدم اتخاذه أية اجراءات قانونية تجبر إدارة السجن على العناية بابنها ونقله الى المستشفى منذ بداية الاضراب بالطرق الضرورية. الخالة برنية التي ودعناها والدموع تترقرق على وجنتيها تناشد وزارة الخارجية وسفارتنا بإيطاليا متابعة القضية للحفاظ على حقوق ابنها الذي «راح ضحية للمكائد التي حيكت له من مهاجر تونسي بالتنسيق مع أطراف أخرى من بينها الفتاة المغربية» حسب قولها.. فكانت نهايته التراجيدية التي خلّفت ثلاثة أطفال يتامى وألما ووجعا لا تمحوه الأيام. صابر المكشر (المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » الصادرة يوم 14 سبتمبر 2009)
حديث الجمعة
حرب افتراضية على قوى الرفض
بسام بونني – صحفي تونسي مقيم بالدوحة لم يعد يتسع الصدر لأي نقد مهما كان مصدره. فالغضب استشرى والعنف اللفظي وأحيانا الجسدي بات خيارا لبعض الجهات التي لم تعد تتحمل سماع أي صوت مخالف. أقلّ ما لاحظناه في الآونة الأخيرة اشتداد الحملات ضدّ « بؤر » الرفض التي تمتدّ من الحزب الديمقراطي التقدمي ومرشحه الرئاسي المنسحب إلى حركة التجديد وزعيمها المترشح لانتخابات الرئاسة. ولسائل أن يسأل هنا : إذا الانحساب رجس من عمل الشيطان وكذا الترشح فما الذي يمكن فعله لنيل الرضا ؟ إلى هذا الحدّ، من الممكن تفهّم الموقف من المعارضين، كيف لا و »مصادر تمويلهم مشبوهة » وهم « يتسوّلون على عتبات السفارات الغربية ». كما أنهم « غير معروفين لدى عامّة الشعب » – هذا افتراء تكذّبه الصدارة التي تحتلّها صحيفتا « الموقف » و »الطريق الجديد » على مستوى الصحف الحزبية -. ثمّ إنّ هؤلاء المعارضين لا يحفظون الجميل. فقد تمّ تمكين حركة التجديد والتكتل من أجل العمل والحريات علي سبيل المثال والحصر – نعم والحصر، عزيزي القارئ – من قاعات عامة لعقد مؤتمراتهم. ماذا تريدون أكثر من ذلك ؟ أيّ مصداقية ل »مزاعم » الشابي وإبراهيم وبن جعفر ومن سار في ركبهم بشأن التضييق والتنكيل بهم وبمسانديهم والمتعاطفين معهم ؟ في المقابل، من العسير في هذه اللحظة بالذات تفسيرالهجمة التي يتعرّض لها من َرفَضَ الأطر الحزبية والحقوقية والنقابية في ممارسة حقه كمواطن في نقد الواقع السياسي للبلاد والتعبير عن رأيه دون تتبعات أو ترهيب. ومن أبرز مظاهر هذه الهجمة حملةً قرصنة حسابات البريد الالكتروني والفيسبوك والتي طالت قضاة ومحامين وصحفيين مستقلين وطلابا وعاطلين عن العمل وفلاّحين إلخ … في العالم الافتراضي، أيضا، تمّ تدمير مواقع الكترونية بالكامل ومسح محتواها نهائيا وإلى الأبد. بل إنّ الزميل زياد الهاني بات قريبا من نيل شرف الدخول إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد حجب مدونته 18 مرّة !!! وتتخذ الهجمات الافتراضية عدّة أشكال. فهناك القرصنة والاستحواذ على الحسابات والصور المفبركة والفيديو إلخ … وتختلف لهجة التعامل حسب مدى « خطورة » الأشخاص المستهدَفة. فيتعرّض البعض للتهديد والوعيد، بينما يُهتك عرض البعض الآخر بشكل مقزز لا يمت بأخلاق التونسي – نعم التونسي ذو أخلاق عالية أحب من أحب وكره من كره – بِصلة. كما تمّ تداول أوراق رسمية على مواقع مختلفة على شبكة الإنترنت ل »النيل » من بعض الأشخاص ومن بينهم من لا ناقة له ولا شاة في حقل السياسة أو أي مجال آخر من المجالات « التشويشية ». ومن بين هذه الوثائق أحكام قضائية وبطاقات السجل القضائي ومضامين ولادة وصور جواز سفر إلخ … طبعا، من الصعب تدوين كلّ مظاهر الحرب التي تُشنّ على آلاف المواطنين على شبكة الانترنت. لكن، من السهل الانتهاء إلى معناها الأساسي وهو أنّ من يرفض صوتا في عالم افتراضي لن يرحمه في الواقع.
عن صحيفة الموقف بتاريخ 11 سبتمبر 2009
إرهاب الفيروسات
صـابر التونسي في الأحد, 13. سبتمبر 2009 صح عن « صباحنا » الغراء أن زعيمنا « المحبوب » مهموم هذه الأيام بسبب خطر يهدد سلامة شعبه! … ذلك أن فيروسا إرهابيا خطير تحالف مع القوات المعادية في الداخل والخارج وعقد العزم على بث البلبلة وإشاعة الرعب والخوف في صفوف المواطنين الآمنين! … تسلل هذا الفيروس عبر الحدود خلسة! … أو ربما يكون قد استقل باخرة مهربة من الأعداء! … لا يهم الطريقة التي دخل بها أو من ساعده في ذلك! المهم أنه دخل وبدأ يهدد إستقرار الوطن وأمن شعبه! لكن هيهات فالعيون يقظة وزعيمنا بالمرصاد لكل ما يهدد أمن بلده! … لذلك صدرت التعليمات الصارمة! بتغيير العادات والتقاليد وبناء الحواجز لمحاصرة « الفيروس الغازي » وتضييق الخناق عليه حتى يغادر بلادنا مذموما مدحورا مهزوما! أصدر الزعيم توجيهاته: ممنوع التقبيل والمصافحات لمسة على الصدر تكفي لإظهار الود والترحاب! ولا يجوز بأي حال التساهل في ذلك! … مطلوب الجدية اللازمة وعدم التساهل! وتفاعلا مع أهمية الحدث قرر سيادته أن تكون الحرب على « الفيروس الإرهابي » هي أساس حملته الإنتخابية للرئاسيات القادمة! … فكان هذا جزء من بيانه الإنتخابي: أيها المواطنون أيتها المواطنات، إن حرصي شديد منذ أن قلدني الله أمر القيام على شؤونكم أن أطعمكم من جوع وأأمنكم من خوف! … وقد قطعنا في ذلك خطوات عملاقة وانتقلنا بكم من مصاف الشعوب النائمة إلى شعب يحكمه « الأمن » و « اليقظة »! وقد بادرنا منذ التغيير أن نكون سباقين في الحرب على الإرهاب، وظلت حربنا مستمرة دون تراجع أو هوادة فقطعنا في ذلك أشواطا كبيرة وضيقنا على الإرهاب بما نشرنا من « الأمن » وسددنا عليه كل المنافذ وتخطّفناه من كل المواقع! وكانت تجربتنا رائدة! … صدرناها لأصدقائنا وجيراننا! … وكنا بفضل جهودنا قدوة ومثالا يحتذى في الحرب على الإرهاب بأشكاله وألوانه! أيها المواطنون أيتها المواطنات، إيمانا منا بالمسؤولية التي حملتموها إيانا! وبالثقة التي وضعتموها فينا! ونظرا للمناشدات المستمرة وتلبية لنداء الواجب قررنا أن نواصل معكم المشوار! ( تصفيق وهتاف) « شكرا! شكرا! … بارك الله فيكم! بارك الله فيكم! … اتفضلوا! تفضلوا »! قررنا أن نواصل على بركة الله وعونه المشوار! … وأن نستمر في نهجنا الرشيد وحكمنا السديد! … « الأمن » أولا وأخيرا! ، ولا قوام لأمة لا يحكمها « الأمن »! أيها المواطنون أيتها المواطنات، إنه ورغم الإنجازات التي حققناها والجهود التي بذلناها في السنوات الإحدى والعشرين الماضية من تحملنا المسؤولية عن جدارة وبكفاءة أمنية عالية، فإن هناك كثير مما ينبغي علينا فعله في مقبلات عهدنا من حكمكم! … ذلك أن مهمة الأمن لم تنته بعد! … فقد بدأ الإرهاب يعيد تنظيم نفسه ويظهر في أشكال وألوان أخرى، ونحن لها كلها بالمرصاد! أيها المواطنون أيتها المواطنات، لعله قد بلغكم أن الإرهابيين قد أرادوا أن يحاربونا « بفيروس الخنازير » اعتقادا منهم أن لحمنا له أشهى! … ونحن قد آولينا على أنفسنا أن نحاصره ونمنع تسربه لأبداننا، وسنحاربه بسياسة الأرض المحروقة، فلن يقصد الفيروس بدنا إلا وجدنا قد سبقناه إليه ولم نترك له فيه ما يقتات عليه! كما نوصي شعبنا بشيء من الخشونة والغلظة وترك المصافحة والتقبيل فهو من السبل التي يسلكها الفيروس للأبدان! … واعلموا أن معالجة الأمر أمنية وليست طبية كما يزعم بعض المغفلين! (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 13 سبتمبر 2009)
هدية العيد إلى الرئيس التونسي
توطئة : مبادرة وُلدت ميتة : أسباب فشل المبادرة : الاتجاه الوطني السليم : بنود عقد الاتفاق : توطئة : سيد الرئيس بالتأكيد أن هديتك ستكون مختلفة عن سائر هدايا العيد الاخرى نظرا لموقعك الرئاسي و مكانتك السياسية و على حد معرفتي المتواضعة لم يسبق لكم ان استلمتم عيدية من هذا القبيل آمل أن تجد لديكم القبول الحسن و الصدر الرحب و تُدخل على قلبك و قلب الشعب التونسي البهجة و السرور و يبارك الله لنا و لكم في رمضان العظيم و يُعيد علينا فرحة العيد سنين تلو سنين . طالعتنا أخيرا الصحف التونسية برغبة رهط من أبناء الحركة الاسلامية بالعودة إلى البلاد رافعين شعار الولاء و الطاعة لكم يائسين من معارضة المغالبة و المكابرة ظنا منهم أن الارتماء في حضن النظام الحاكم الحل الامثل للخروج من المأزق الوطني و جعله حدا للمهاترات السياسية و الخصومة المستمرة و أن المعارضة من الخارج لا تُجدي نفعا و لا تزيد إلا في تمزيق الرابط الوطني و تشتيت الجهود التونسية في البناء و التعمير و عليه إختارت مُبايعتكم المطلقة و رمت بكل ماضيها الدعوي و السياسي و تنكرت لتاريخها و جهادها و القضية التي من أجلها هاجرت و أدارت ظهرها لإخوان النضال السابقين و شروط البيعة المشفوعة باليمين و حسبت بذلك أنها حلت المشكلة و أغلقت بابا لن يُفتح أبدا و أنها تسير على أرضية صلبة . مبادرة وُلدت ميتة : إلا أننا نرى غير ذلك و أن هذا الطريق الذي سلكه بعض الاخوة مليئا بالالغام و القنابل المزروعة و حتما لن يصل أحد منهم إلى نهاية السباق حيا و إن كُتبت له الحياة سوف يقطع المسافة مبتور الاطراف أو مقطوع الاواصل لا يُرجى منه فائدة و يكون بذلك خسر كل شيء و يصل إليكم كالبضاعة الفاسدة أو منتهية الصلوحية و أن هذه النهاية الحزينة دُبرت له من البداية من قبلكم بخطة مدروسة و مُحكمة لأنكم تعتقدون أنه من خان إخوانه و أحب الناس إليه كيف لا يخون عدو الامس و ما الذي يمنعه أن لا يخون مرة ثانية …إذا ، مشروع البيعة وُلد ميتا من الاساس و ذلك لافتقاده لعامل الثقة التي تعتبر العنصر الاساسي و الركيزة المهمة في مثل هذه الاتفاقات و عليه بدأت تطفو على السطح بيانات الصحوة و الانسلاخ من هذا الطريق المشؤوم و أحسب أن الايام القادمة ستشهد العشرات من بيانات التراجع و الانسحاب من هذه المبادرة الميتة و بالتاكيد سيجدون الترحاب و العفو من إخوانهم و الحضن الواسع لاستقبالهم من جديد . أسباب فشل المبادرة : عدم توفر عنصر الثقة و إن كان من طرف واحد . .1 2. يطغى على المبادرة الحل الامني من خلال الأفراد الذين يمسكون بملف المبادرة من قبل الحكومة و هم رجال أمن و الكيفية التي يتم بها معاملة التائبين عند عودتهم . 3. أسباب القضية ماتزال قائمة يعني أن المشكلة لم تُحل و بالتالي لاتوجد نية صادقة للوئام و التعايش المشترك . 4. تفتقر المبادرة لبرنامج واضح و مُعلن و السؤال عن التنازلات التي قدمها النظام للمنشقين و عن الثمن السياسي الذي كسبه الموقعين عن المبادرة . 5. المبادرة تفتقر لمرجعية شرعية و سند فقهي و تأييد وطني و مباركة من المعارضة على مختلف توجهاتها فهي مبادرة يتيمة لا جذور لها . الاتجاه الوطني السليم : لا يختلف إثنان على أن تونس تُعاني من أزمة وطنية كبرى إختلط فيها السياسي بالاقتصادي و الاجتماعي بالثقافي و الحقوقي بالانساني و رغم مجهودات النظام البائسة لتلميع صورته ألا ان تونس الامنة و الخضراء بسماحتها و جمالها و تعدد ثقافتها أصبحت اليوم في عيون الكثير من المراقبين سوداء قاتمة بكبت الحريات فيها و الاعتداء على أبسط الحقوق المدنية لمواطنيها و محاربتها لهويتها و ثقافتها الاسلامية و طرد مواطنيها خارج الوطن و ملاحقة كل من يحمل فكرا يُخالف فكر السلطة و أصبحت تونس سجنا يسع لكل التونسيين إلى مرحلة أصبح يُفكر فيها التونسيون بتأسيس منظمة لحق الخروج من البلاد لكثرة المعاناة و المأساة التي يلقاها أبناء الوطن الواحد بالداخل . إن المصالحة الحقيقية و التعايش المشترك لا يتم إلا من خلال وجود إرادة سياسية قوية و شجاعة يتسم بها الطرفان و من خلالها يُقدم كل طرف تنازلا ليس نقصا من قيمته أو تقليلا من وزنه إنما تنازلا للوطن و تعبيرا عن شجاعة و ثقة في النفس و ليس ضعفا أو خوفا من المجهول أو نقصا من قيمة أحد الطرفين و بذلك نضمن المصالحة الحقيقية و مستقبل آمن بعيدا عن المشاحنات و التوتر و يتفرغ الجميع لبناء الوطن . بنود عقد الاتفاق : من طرف الحركة الاسلامية : تُعلن عن عودتها للوطن و التوقف عن معارضتها للنظام الحاكم و انتقاد سياسته عل جميع الاصعد بالداخل و الخارج . تتنازل الحركة الاسلامية عن حقها للترشح للرئاسة أو البرلمان أو مجالس البلدية لمدة عشرين سنة . الحركة الاسلامية لا تعارض في أن يتولى رئاسة الجمهورية من بعد الرئيس بن علي من يراه الرئيس الحالي مناسبا له و لا مانع لديها إن كانت زوجته أو ابنه او صهره . تتنازل الحركة الاسلامية عن حقها في التعويض لسنين العذاب و التشريد و السجون و الخسائر التي لمت بها بسبب الازمة . تتعهد الحركة الاسلامية بتوفير حياة كريمة للعائلة الحاكمة من بعد تخليها عن السلطة و لا تسألها عما سلف من يوم توقيع الاتفاق . هذا الاتفاق مُلزم لكل أبناء الحركة الاسلامية لمدة عشرين سنة و إن لم يشهدوا توقيعه . من طرف الحكومة : أن تُلغي ما سمي بقانون الارهاب و سياسة تجفيف المنابع . أن تضمن الحرية المسؤولة لكل التونسيين بدون استثناء . السماح للتونسيين بحرية تشكيل جمعيات و منظمات واحزاب شريطة ان لا تتعارض مع البنود السابقة الملزمة للحركة الاسلامية . السماح لكل التونسيين بالنشاط الثقافي و المدني و الخدمي تحت مظلات قانونية . سيد الرئيس أحسب أنه عرض وطني لا يتسم بالتطرف أو العصبية إنما غلبت عليه الروح الوطنية و المسؤولية و ان عناصر المصلحة لجانبكم اكثر بكثير من مصالح الطرف الثاني و أعتبر أنها أفضل هدية عيد نُقدمها لكم نهاية الشهر الفضيل …كلنا أمل في استجابتكم الكريمة و طي صفحة الماضي و أن تكون رئيس كل التونسيين بدون استثناء و انه بين يديك فرصة تاريخية لا تتكرر ابدا و بذلك تقطع دابر الشر و سوء الفهم . و السلام في : 09 09 14
حمادي الغربي Al_gharbi@live.com
الشيخ العالم عبد الرحمان خليف: أحد علماء القيروان المعاصرين ومسيرة حافلة ومآثر باقيــــــة
ناجح الزغدودي قائمة علماء القيروان طويلة. جهابذة أسهموا في بناء الحضارة في شتى الميادين. والحديث عن الأعلام يجعل البعض يتجه الى عمق تاريخ القيروان. بالأمس كان هنا بين أبناء القيروان يتجول في هذه المدينة يخطب في جامعها المعمور يصلح مساوئ الأمور ويوجه دروس العلم والإملاء والإفتاء ومنذ وقت قريب رحل آخر صرح في القيروان. هو العالم الفاضل الجليل شمس عصره وزينة بلده الشيخ عبد الرحمان بن علي بن محمد العربي خليف القيرواني. ولد يوم 5 شعبان 1335 هجري الموافق للسابع والعشرين من ماي 1917. نشأ في أسرة فقيرة. دخل الكتاب وحفظ القرآن على يد الشيخ المؤدب عليَة بن غانم. فكان له الأثر الكبير في تكوينه فنبغ بتفوّقه وأتم حفظ كتاب الله في ثلاث سنوات. وكانت له المبادرة بإنشاء معهد للطلبة خارج الجامع الأعظم فكان الحي الزيتوني بالوسط (والمعروف الآن بمعهد ابن رشيق) وتم تكليف لجنتين لجمع التبرعات عن طريق مقتطعات ذات 100 و500مليم. اللجنة الأولى فيها الشيخان سالم الشعباني وعلي بوحولة واللجنة الثانية فيها السيدان خالد القهواجي والمختار الحولة. وفي أكتوبر 1960 تم عزل الشيخ عبد الرحمان عن إدارة المعهد مع بقائه به كأستاذ ولكن في 17 جانفي حدثت واقعة أطلق عليها «الله أكبر ما يمشيشي» بعد إزاحته من إدارة المعهد الى حامة قابس بالجنوب التونسي لإبعاده عن النشاط الديني في القيروان. وصدر في شأن الشيخ في تلك الفترة حكم بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة. قبل أن يتم الافراج عنه في أوت 1962 بناء على عفو رئاسي. وتم نقله إلى مدينة سوسة للتدريس بالمعهد الثانوي للذكور مع الإقامة الجبرية بها. وبقي بها حتى سنة 1970 وفي الأثناء أصبح مرشدا تربويا في التربية الإسلامية. حين عاد الى القيروان عام 1970 كان جامع عقبة مازال تحت الترميم وإعادة البناء. فتولى التدريس في جامع الباي إثر صلاة العصر وذلك خلال شهر رمضان. ولما فتح جامع عقبة تولى الإمامة والخطابة على منبره مع الشيخ الطاهر صدام. وعادت الدروس الليلية مع الإملاء القرآني. أنشطته باشر الخطابة في أحد جوامع تونس كخطيب نائب وذلك ارتجالا حين تغيب الإمام الراتب. وسمي خطيبا بجامع عقبة بالقيروان سنة 1955 فكان كتلة من النشاط. كان في النهار يسافر الى بعض المعاهد خارج القيروان (القصرين، سبيطلة…) ثم يعود مع المغرب الى الجامع. وبقي على هذا النسق حتى أواخر التسعينات حيث بدأ المرض يفل من قواه. فبدأ يتغيب عن الإملاء القرآني ثم عن الدروس ثم عن الخطابة. ولكن كلما شعر بتحسن في صحته عاد الى نشاطه في التدريس أو الخطابة. فكانت آخر دروسه في صيف 2005 حول فقه الصيام وذلك قبل حلول رمضان. في عهد التغيير حظي الشيخ الجليل بالاحترام والتبجيل من الرئيس زين العابدين بن علي. وقد كان محل ترحيب من لدنه وعناية بجامع عقبة ومنها الجدار البلوري الذي يحفظ المنبر. وقد سمي في عهده عضوا بالمجلس الاسلامي الأعلى بتونس بداية من سنة 1988 حتى وفاته كما انتخب عضوا بمجلس النواب بتونس لدورة واحدة من 1989 حتى 1994، وعرف بمواقفه البناءة والصامدة وبالأخص في مسألة التعليم. تلاميذه ومؤلفاته تخرجت على يدي الشيخ الجليل أجيال عديدة لا تحصى من الشخصيات الوطنية التي بلغت شأنا كبيرا. كما حفظ على يديه العديد من الرجال والولدان والنسوة فمنهم من توفي ومنهم من هو على قيد الحياة. ولعل استعداد الشيخ وتحمسه لخدمة الدين الاسلامي وغيرته على تبليغ معالمه جعلته معطاء في التأليف خاصة بعد تفرغه من عمله هدفه تبليغ المعلومة المفيدة والنصح بلغت عشرة مؤلفات. وفاته وجنازته توفى رحمه الله تعالى واسكنه فراديس جنانه ورضي عنه عصر الأحد 19 محرم 1427 لموافق لـ19 فيفري 2006. ودفن صباح الاثنين 20 فيفري. ولم تشهد القيروان جنازة مماثلة لجنازته من حيث حجم المشيعين قط في القيروان. فكان ممن شهد جنازته وفود رسمية من وزراء (أوفد رئيس الدولة وزير الشؤون الدينية نيابة عنه) وكتاب دولة ورؤساء مصالح ومن تلاميذه وأصدقائه ومن عامة الناس ما لا يحصى قدرت الجموع بحوالي ثلاثين ألفا. وكان لوفاة الشيخ صدى واسعا في كثير من البلدان والقنوات الفضائية التي تناولت خبر الوفاة وكذلك الصحف الوطنية والعربية. (المصدر: « الشروق » (يومية – تونس) بتاريخ 12 سبتمبر 2009)
خاص: ستتمتّع بالاستقلالية المالية والإدارية
قريبا الإدارات الجهوية للتربية والتكوين تتحوّل إلى مندوبيات
تونس -الأسبوعي: علمت الأسبوعي من مصادر مطّلعة أن وزارة التربية أعدّت مشروع قانون يتعلّق بتغيير تسمية الإدارات الجهوية للتربية والتكوين التابعة لها والموزّعة على كامل أنحاء البلاد لتصبح المندوبيات الجهوية للتربية والتكوين وقد عرضت هذا المشروع على مجلس الوزراء المنعقد مؤخرا. استقلالية واستنادا إلى ما جاء في المشروع فإن المندوبيات الجهوية للتربية والتكوين ستكون مؤسسات عمومية ذات صبغة إدارية تتمتع بالشخصية المعنية والاستقلال المالي وتخضع لإشراف وزارة التربية والتكوين. وتتمثل مهمة المندوبيات الجهوية خاصّة في تطبيق سياسة الدولة في مجال التربية والتكوين على مستوى الجهة والعمل على تكريس مبادئ النجاعة والجودة والإنصاف في مختلف أوجه العملية التكوينية والتعليمة. كما ستتولّى المندوبيات تمثيل وزارة التربية والتكوين على المستوى الجهوي وهي تمارس بهذه الصفة المشمولات ذات الصبغة الإدارية والمالية والبيداغوجية في ميدان التربية والتكوين طبق التراتيب والقوانين الجاري بها العمل. وسيكون على هذه المندوبيات مهمّة إدارة جهاز التربية والتكوين ومؤسّساته الجهوية وتعهّدها وتطويرها والإشراف الإداري والمالي على المؤسسات التربوية الراجعة إليها بالنظر ومتابعة التصرف المالي للمؤسسات وهياكل التكوين المهني الراجعة بالنظر إلى الوزارة بالجهة. وسيصدر على إثر المصادقة على هذا القانون أمر ينظم طرق سير المندوبيات الجهوية للتربية والتكوين ويضبط تنظيمها الإداري علما أن مواردها تتكون من المنح والإعتمادات المتأتية من ميزانية الدولة والمقابيض المتأتية من رسوم تسجيل التلاميذ بالمدارس الابتدائية والمقابيض المتأتية من إسداء الخدمات والهبات والعطايا طبقا للتراتيب الجاري بها العمل. مشمولات ويتنزّل مشروع القانون في إطار تطوير الإدارات الجهوية للتربية والتكوين التي تعتبر حاليا مصالح خارجية تابعة لوزارة التربية والتكوين تجسيما لما أذن به رئيس الدولة من ضرورة تفعيل مبدإ اللامركزية وتمكين الجهات من صلاحيات أكبر ومسؤوليات أوسع في ضبط أولوياتها التربوية وإعطائها المزيد من الاستقلالية بما يعزز مقوّمات المبادرة ويشجع على الاجتهاد والتجديد لتكون عنصرا فاعلا في الإشراف على سير المنظومة التربوية بالجهة والسهر على تنفيذ مشاريعها ومتابعتها وعلى مواصلة إصلاح الشؤون التربوية بصفة عامة وتطوير مردود المدرسة التربوية بصفة خاصّة بوصفها قاعدة المنظومة التربوية التي تحدّد التوجّه الدراسي للتلاميذ. كما ستمكن الهيكلة الجديدة من تحسين ظروف العمل في المؤسسات التربوية. وتتعلّق الغاية من هذا المشروع في تدعيم اللاّمركزية في المجال التربوي والتكويني وتمكين الهياكل الجهوية من صلاحيات أكبر ومشمولات أوسع تؤهل الجهة لتصبح قطبا تربويا وتكوينيا فاعلا علاوة على تدعيم مشمولاتها في مجال التصرف المالي كاستخلاص الموارد المتأتية من معاليم تسجيل تلاميذ المدارس الابتدائية خاصة أنّ الأمر الصّادر في سنة 2007 لم يعط هذا الجانب ما يستحقه إذ اقتصر على توسيع بعض المشمولات الموجودة وأبقى على جوانب أخرى من مشمولات الإدارة المركزية. (المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » الصادرة يوم 14 سبتمبر 2009)
مطـار النفيضـة: بدايـة الاستغـلال الشهـر القـادم
تونس ـ الصباح أيام قليلة مازالت تفصلنا عن انطلاق نشاط مطار النفيضة الدولي حيث بات هذا الانجاز الكبير جاهزا بنسبة 90 بالمائة تقريبا. ومن المنتظر أن يكون المطار جاهزا في أواخر شهر أكتوبر المقبل لاستقبال الطائرات والمسافرين وليكون هذا المطار الرئيسي والاول في تونس وهو ما سيطرح عديد الاسئلة حول مصير مطار تونس قرطاج الدولي الذي ظل لسنوات المطار التونسي الاول منذ انشائه سنة 1972 وخاصة بعد توسيعه وإضافة محطة ثانية له سنة 2006. وكان مطار تونس قرطاج الدولي شهد سنة 2008 عبور 4 ملايين و188 الفا و914 مسافرا،بنسبة نمو قاربت 6.6 بالمائة. كما سجل مرور أكثر من 18570 رحلة شحن بنسبة نمو بلغت 15.4 بالمائة. وبانطلاق نشاط مطار النفيضة الدولي يتساءل البعض وخاصة منهم القاطنين في العاصمة وضواحيها والمدن القريبة منها عن مصير مطار تونس قرطاج الدولي وهل سيواصل نشاطه؟ مطار تونس/ قرطاج بعض المصادر أكدت أن المطار سيواصل نشاطه ولكن ليس بالشكل الحالي باعتبار ان مطار النفيضة سيكون المطار الاول وستحول نحوه عديد الرحلات.وأضافت مصادرنا أن مطار تونس قرطاج أصبح يمثل مشكلة وسط العاصمة خاصة بعد ان احاطت به الاحياء والمساكن والعمارات.واصبح اقلاع ونزول الطائرات يمثل ازعاجا للجميع.. اضافة الى أن إمكانية توسيع مطار تونس قرطاج الدولي باتت مستحيلة امام الامتداد العمراني المحيط بالمطار من جوانبه الاربعة.وأضاف محدثّنا أن جميع مطارات العالم تتواجد بعيدا عن العواصم. واشارت بعض المصادر لـ »الصباح » أن هناك دراسة جارية تبحث في امكانية تشييد مطار ثان بالعاصمة يكون بديلا لمطار تونس قرطاج الدولي.وافادت مصادرنا ان البحث تركز على امكانيات اقامة هذا المطار في منطقة برج العامري. وحول التنقل من والى مطار النفيضة، ذكر محدثنا أن البداية ستكون صعبة ومقلقة خاصة للذين تعودوا على مطار تونس قرطاج الدولي لكن مع مرور الوقت سيتم التعود على هذا المطار خاصة انه لا يبتعد كثيرا عن العاصمة اضافة الى أنه قريب من مدن الوسط والساحل. ويتواجد مطار النفيضة على بعد 75 كلم فقط من تونس العاصمة في المنطقة الواقعة بين هرقلة والنفيضة جنوب العاصمة.في منطقة إستراتيجية هامة تمثل مفترق طرق بين المناطق الساحلية على غرار الحمامات ونابل وسوسة والمنستير والمهدية من جهة والعاصمة تونس من جهة أخرى إلى جانب قربه كذلك من مدن صفاقس والقيروان ومدن الشمال الغربي التي ستكون مرتبطة بالمطار عبر الطريق السريعة التي أنجزت مؤخرا تونس ـ مجاز الباب.ويرتبط المطار بجميع الولايات القريبة منه بطريق سريعة. مطار النفيضة.. وكان مطار النفيضة أسند عن طريق عقد لزمة انجاز واستغلال (تمويل كامل) بتكاليف إستثمارية قدرت ب850 مليون دينار تونسي لفائدة إحدى الشركات التركية،وهي » مجمع تاف » للمطارات (TAV) الذي كان فاز في أفريل 2007 بطلب العروض المتعلق بإنشاء وإستغلال مطار النفيضة وإستغلال مطار المنستير لمدة 40 سنة. وتعهد » مجمع تاف » بمقتضى كراس شروط بإدارة مطار المنستير بداية من سنة2008 وإدارة مطار النفيضة بداية من منتصف 2009 وذلك على إمتداد 40 سنة. ويذكر أن مطار المنستير يبعد حوالي60 كلم عن مطار النفيضة وتقدر طاقة إسيتعابه بـ3.5 مليون مسافر وهو المطار الثاني في تونس من حيث النشاط.ورغم قرب مطار المنستير من مطار النفيضة،فانه سيواصل نشاطه بصفة عادية بل أن مصادرنا أشارت الى أن هذا المطار سيتم دعمه وسيمثل متنفسا لمطار النفيضة وقت الذروة. وتبلغ طاقة الاستيعاب الاولية لمطار النفيضة الـ 5 مليون مسافر في السنة، مع إمكانية تطويرها إلى 30 مليون مسافر في السنة، وقد تم تخصيص مساحة 5500 هكتار تقريبا للمطار لبناء البنية التحتية والمسالك اللازمة وياتي هذا المطار لدعم المطارات التونسية البالغ عددها اليوم 8 مطارات دولية وهي تونس قرطاج ـ المنستيرـ طبرقة ـ صفاقس ـ قفصة ـ توزر ـ جربة وقابس. وقد بلغ العدد الجملي للمسافرين 11 مليون و336 ألفا و130 مسافرا مقابل10ملايين و996 الف و727 مسافرا سنة 2007 وبنسبة نمو قدرت بـ3.1% وأسهمت الرحلات الدولية المنتظمة بأهم نسبة نمو في عدد المسافرين بـ7.9% اذ تطور عددهم من 3 ملايين و968 الفا و481 مسافرا سنة 2007 الى 3 ملايين و968 ألفا و481 مسافرا مسافرا سنة 2008. وحسب مخطط المشروع فان مطار النفيضة سيكون في شكل مربع، ودائري من زاوية ممرات الطائرات. مغطى بسقف يشبه الاجنحة العملاقة. وسيكون للمطار عديد الطوابق، وشكله الخارجي ذو وجهة بلورية كاملة تكشف كل الطوابق المنفتحة على بعضها البعض. قاعات الرحيل ستكون منفتحة على المتاجر والمطاعم والمقاهي الموجودة بالداخل وسط حدائق اصطناعية غنّاء.. وسيجمع ديكور المطار بين العصري والتقليدي. سفيان رجب (المصدر: « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) بتاريخ 14 سبتمبر 2009)
ربـط جـوي مبـاشر بين جـربة وطـرابلس
تونس ـ الاسبوعي علمت «الاسبوعي» أن طيران السابع سيفتح خطّا جديدا لربط جزيرة الاحلام جربة بالعاصمة الليبية طرابلس بداية من الموسم الشتوي الذي ينطلق نهاية أكتوبر القادم.. وسيكون تسيير الرحلات بمعدّل رحلتين في الأسبوع يومي الخميس والسبت على متن طائرة من نوع آين آر ..72 وتمّ اختيار اليومين لمواكبة عطلة نهاية الاسبوع في ليبيا والتي على عكسنا تكون يوم الجمعة.. يذكر أن الناقلة تسيّر رحلات من تونس نحو طرابلس على متن طائرة السي أر جي التي تتسع لـ 90 مقعدا. (المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » الصادرة يوم 14 سبتمبر 2009)
بورصة القيم المنقولة السياسية تكرم المكنين وتهمش قصرهلال في ذكرى 3 سبتمبر1934
مراد رقية لقد سبق لي وأن تناولت هذا الحدث الرمز مطالبا كلا من التجمع الدستوري الديمقراطي ومن المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية بضرورة وضع النقاط على الحروف واعادة الحق الى أصحابه الشرعيين؟؟؟ لقد فكر مسؤولو المكنين منذ أعوام في تنظيم معرض وثائقي حول أحداث 5 سبتمبر1934 فوقع لفت نظرهم من قبل القائمين على المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية بأن هذا المعرض سوف يكرّس أسبقية قصرهلال على المكنين تنظيما وانجازا ونتائج على اعتبار أن كل شهداء الحدث هم من أصيلي قصرهلال؟؟؟ الجميع يعلم بأن المظاهرة انتظمت يوم الاربعاء أي يوم السوق الأسبوعية وكيف أن أهالي المكنين رفضوا الانخراط في هذا الحدث المميز حركيا على أساس أنه سوف يدخل الاضطراب ويفشل نشاط السوق ولعلهم أدرجوا ذلك ضمن سياق الصراع التاريخي بين المدينتين وبأنه لا يعدو بأن يكون لتصفية حساب قديم متجدد الأطوار؟؟؟ نحن لسنا في وارد وبصدد المجادلة بأن المظاهرة دارت برغم العقبات المذكورة بمدينة المكنين،ولكن الشهداء الذين اقترنت بهم الحادثة جميعم في ماعدا واحد أصيل شراحيل أي أنه كان من الضروري خصوصا مع اشراف وزير الداخلية والتنمية المحلية على الحدث أن يكون الترحم أمام النصب التذكاري لشهداء قصرهلال وأن استخلاص العبرة يكون لا بأس في ذلك بالمكنين؟؟؟ الوطن التونسي وطن واحد يشترك جميع مواطنيه في الأفراح والأتراح وفصول الذاكرة ولا اعتراض على هذه الشراكة المقدسة،ولكن الذي يلاحظ والذي يحز في النفس هذه الأيام هو تهميش قصرهلال مدينة شهداء 5 سبتمبر1934 وتكريس أسبقية المكنين،فأصبحت قصرهلال مجرد نقطة عبور المسؤولين الزائرين لمدينة المكنين،فوقع توظيف هذه الذكرى المحول وجهتها لجلب عديد المنافع والفرص والخدمات خصوصا وأن مدينة المكنين هي التي تتمتع بالأولوية تجهيزا وتكريما وزيارة لا رتفاع أسهمها في بورصة القيم المنقولة السياسية الحالية للأسباب المعروفة من الجمبع؟؟؟ وقد مررت صدفة من المكنين يوم السبت5 سبتمبر2009 وشاهدت اللافتات المرحبة بالمسؤولين الوطنيين والجهويين ولا حظت خاصة هرولة عديد تجمعيي قصرهلال الذين جاؤوا خصيصا لمواكبة الحدث فاعتبرت الأمر جللا وعلامة من علامات انهيار قصرهلال لتحول المكنين الى محج لمسؤولي قصرهلال والحال أن الشهداء هم شهداء قصرهلال ليرحمهم الله ويرحم الأحياء المنبتين؟؟؟ لقد أصبحت قصرهلال في وضعية رديئة تهمشها السلط الوطنية والجهوية بدعم من السلط المحلية ملتزمة »مغارة علي بابا » ولعل أكبر دليل على ذلك الاعلان عن زيارة والي المنستير والكاتب العام للجنة التنسيق للسوق المركزية-السوق الفضيحة،بؤرة الرشوة ومخالفة القانون وتسويق العفونة والغاء هذه الزيارة،فحبذا لو توقف وزير الداخلية والتنمية المحلية مصحوبا بالمسؤولين الجهويين للاطلاع على الوضعية المزرية التي تعيشها مدينة2 مارس1934 التي أعارت شهدائها لتظاهرة المكنين لتجعل منها ولا حسد »مدينة5 سبتنبر1934″؟؟؟
وزير في العاصفة
العجمي الوريمي
الثّقافة حقل من الألغام، وعلى مسرحها تُحسم الرّهانات السياسية، منها تأتي المتاعب ومنها تُستمد الشرعية ورغم أنّ الثقافيّ يُلحق بالسياسي ويُجعل في خدمته فإنّ الذي يُعطي قيمة حضارية وتاريخية للمشروع السياسي هو المضمون الثقافي. ويُقال عن حاكم ما في باب المدح وذكر الفضائل أنّه صاحب مشروع ثقافي بنفس الدرجة التي يقال بها عنه إنه إمام عادل أو حاكم ديمقراطي. ولأنّ ولاء المثقفين ومساندتهم أمر حيويّ لصاحب السلطة ولأنّ المنشقين والمعارضين المنتسبين إلى الحقل الأكاديمي والفكري والثقافي مصدر إزعاج للحاكم فبداهةً يوضع المثقفون تحت المجهر وتُبسط يد السّلطان على المؤسسات الثقافية فشخصيّات مستقلة أو منشقة يمكن أن تمثل تهديداً حتمياً لأنظمة حصينة تحكم بالحديد والنّار مثلما كان الأمر مع سلجينتسين مؤلف «أرخبيل الغولاك» في مواجهة الستالينية وفاكلاف هافل المنشق عن النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا وعالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم. هي معارك الفرد ضد الدولة الباطشة ينتصر فيها حلم الفرد ويقينه على مكر الدولة وجبروتها. لذلك يخصص النصيب الأكبر من ميزانية وزارة الثقافة لكسب ود المثقفين وتأليف قلوبهم، وتكمن براعة القائمين على القطاع الثقافي في مدى قدرتهم على التحكم في الإنتاج الثقافي وتكييفه كمّا ونوعا، وغالبا ما يُحسم الخيار الثقافي لجهة الرداءة على حساب الالتزام فيغدو المشهد الثقافي مزيجا من الفولكلور والاستعراض التهريجي ويُهمّش الفنّ الرّاقي والإبداع الحر والثقافة الأصيلة. وإذا كانت دولة ما تنشد العظمة وترك بصمة حضارية لا تُمحى فبوّابة الثقافة هي المدخل الآمن إلى المجد والخلود. أمّا الوزراء فأنواع، بعضهم لا يعدو أن يكون موظفا مغمورا إمّا ناكرا لذاته وإما لا يُسمع له رِكْز، فهو مُسند إلى المجهول أكثر من انتمائه إلى المعلوم. وبعض الوزراء يطغى اسمهم وسمعتهم على نُظرائهم ويطبعون بسيماهم مرحلة بأسرها. بعضهم الآخر مُثير للجدل يحوز من الرضا مقدار ما يصيب من النقمة والغضب. فالوزارة خطة قديمة قدم المجتمع السياسي وإن فقدت ألقها وصيتها. الوزارة باب للوجاهة والشهرة والإثراء وهي في بعض البلدان باب للمتاعب. فاروق حسني وزير الثقافة المصري المرشح لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة من أكثر وزراء مصر الحديثة إثارة للجدل بسبب مواقفه المعلنة أو الصادرة عنه في مجالسه الخاصة وهو يخوض غمار المنافسة على منصب مدير عام اليونسكو مثقلا بالأخطاء مكبّلا بالتناقضات الشخصية وبمفارقات واقع مصري وعربي عنوانه الرسمي التّطبيع منقوصا أو كاملا وعنوانه الشعبي الممانعة والمقاومة والمقاطعة. لقد جعلت جمهورية مصر العربية من ترشيح فاروق حسني لمنصب مدير عام اليونسكو قضية سيادة وحشدت له الدعم من الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية بل إن موضوع فاروق حسني كان على طاولة المحادثات بين مبارك ونتنياهو في شرم الشيخ؛ حيث صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بأنه لا اعتراض لديه ولدى حكومته على وصول فاروق حسني إلى منصب المدير العام، وبحسب صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية فإن حسني مبارك قد ألحّ إلحاحا شديدا على ساركوزي كي تدعم بلاده، وهي بلاد المقرّ، ترشيحَ الوزير المصري وهذا ما حصل عليه؛ إذ إنّ لفرنسا أكثر من سبب يدعوها لتزكية فاروق حسني، فإضافة إلى كونه فرانكوفونياً حتى النّخاع تحتاج فرنسا ساركوزي إلى دعم مصر في تمرير وإنجاح مشروع الاتحاد من أجل المتوسّط، وإلى ضمان أن تكون باريس إحدى المحطّات الرئيسة في أيّة تسوية لملف الشرق الأوسط الذي تكاد أميركا، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، تملك كلّ أوراقه وتلجه بعض القوى الدولية الأخرى مثل روسيا عبر الحليف السوري. فبين فرنسا والنظام المصري شراكة تمتدّ من لبنان إلى أفغانستان مرورا بفلسطين والعراق. ولولا أخطاء فاروق حسني وتصريحاته المثيرة للجدل لكانت الطريق إلى رئاسة اليونسكو ممهّدة؛ إذ لا يوجد منافس جدّي من بين المرشحين الـ9 لنفس المنصب ولكان الدعم العربي لترشيحه قويّا وغير محدود أو مشروط. وعلى موقعه على الإنترنت يعرض فاروق حسني صور نُسخ من وثائق رسمية عن تأييد مجلس وزراء الخارجية العرب والقمّة الإفريقية لترشيحه كما لا ينفكّ يؤكد في تصريحاته أنه ضمن دعم 32 دولة من أصل 58 هي أعضاء المكتب التنفيذي لليونسكو، ومن المؤسف أن الدول العربية التي لم تتولّ رئاسة اليونسكو ولو مرّة واحدة منذ تأسيسها لم تفكر في الأمر بجدّية ولم تُعدّ له أحسن الإعداد من حيث اختيار أفضل مرشح ممكن وتحديد خطّة تحرك جماعية لضمان فوزه وهذا لا ينمّ فقط عن تشتّت الموقف العربي بل عن غياب استراتيجية ثقافية عربية لمرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي ضاعفت من المخاطر ومن الفُرص، فبعد الحملة الأطلسية بقيادة أميركا على ما يُسمّى بالإرهاب التي أدّت إلى كارثة أفغانستان والعراق والصومال وإلى تورّط أميركا والغرب في حروب باهظة التكلفة بشريا وماديا وبيئيا وحضاريا، كان بإمكان العرب والمسلمين اغتنام حاجة الغرب إلى فتح صفحة جديدة مع العالم العربي والإسلامي بعد أن أخفقت دعوات صِدام الحضارات ومخطّطات فرض نموذج حضاري واحد على الثقافات الأخرى عن طريق تأكيد الهيمنة والتفوّق العسكري والتكنولوجي والاقتصادي. وبالعودة إلى السيرة الذّاتية لفاروق حسني ينتابنا الشّكّ في إمكانية أن يُحقق للعرب المسلمين والأفارقة ما يصبون إليه من إبراز ميزاتهم الحضارية وخصوصياتهم الثقافية وما يطمحون إليه من حوار بين الثقافات والحضارات متكافئ وقائم على الاحترام. ويذكر وزير التعليم العالي التونسي الأسبق السيد عبدالسلام المسدّي، وهو شخصيّة ثقافية وفكرية مرموقة، يذكر في أكثر من مقال على صفحات «العرب» دقّة الرّهانات والتوازنات ورُسوخ أعراف معينة وتداخل الثقافي مع السياسي في أيّ مسعى لحيازة موطئ قدم في أية هيئة دولية، فما بالك بمؤسسة ثقافية بامتياز مثل اليونسكو يُفترض فيمن يترشّح لرئاستها أن يكون، فضلا عن إتقانه للغتي التداول الإنجليزية والفرنسية متبوعتين بالإسبانية، ذا سُمعة ثقافية وأخلاقية لا غُبار عليها، ما يقتضي الإمساك بمعادلة دقيقة يبدو أن السيد فاروق حسني غير مسيطر عليها رغم أنّه منذ سِنِي تحصيله الجامعي وهو في صلب الحياة الثقافية، فقد خرج من صميمها وتمرّس بتعقيداتها وتنعّم في فيء ظلالها وناله من لفحات لهيبها.. لكنه وقع أكثر من مرّة في حُفرها التي حفرتها السياسة والأيديولوجيا عدوّتا الفنّ والإبداع. وبالعودة إلى الموسوعة الحرّة (ويكيبيديا) في مقال مخصص للتعريف بفاروق حسني، تناقلت الصحف العالمية أجزاء منه لا نعلم إن كان ذلك بعد التحرّي أم من دونه، نعرف أنّ فاروق حسني خريج كلية الفنون الجميلة قد شغل سنة 1970 خطة ملحق ثقافي بسفارة مصر في باريس ومديرا للمركز الثقافي المصري بالعاصمة الفرنسية كما عمل لحساب المصالح الأمنية المصرية برفع التقارير عن الطلبة المصريين المقيمين بباريس مثلما أورد ذلك أستاذ القانون الدولي يحيى الجمل في مذكراته المعنونة «قصة حياة عادية» وهو وزير مصري سابق عمل أيضا ملحقا ثقافيا في باريس. وأيّاً ما كانت صحّة هذه المعلومات فمن الصعب أن نصدّق وزيرا عُرف بازدواجية الخطاب وبأنّ برنامجه في صورة فوزه بمنصب إدارة اليونسكو هو «إعطاء مضمون حقيقي للتنوع الثقافي» الذي يكثر الحديث عنه لكنه يبقى في الأغلب مجرّد شعار. وكيف يمكن تصديق ذلك من أقدم وزير في الحكومة المصرية ظلّ يردّد على مدى اثنين وعشرين عاما أنه مع حرية التعبير وأنّ مصر دولة ديمقراطية تُحترم فيها حقوق الإنسان وهو موقن بأنّ ما يقوله لا يعدو أن يكون شعارات مفرغة من أيّ مضمون وأنه ما كان ليبقى في منصبه أكثر من عقدين لولا دعم سوزان مبارك ولولا براعته في تمرير التطبيع وحماية المطبّعين في بيئة ثقافية ومزاج مصريّ مناهضين للتطبيع. إنّ صفقة ما قد عُقدت مع الجانب الإسرائيلي كي لا تتم عرقلة وزير الثقافة المصري في مسعاه وما كانت الموافقة الإسرائيلية لتأتي لولا معرفة الإسرائيليين بتفاصيل ملفّ المرشّح المصري الذي قال في ثورة غضب «لو أعلم بوجود كتب إسرائيلية في المكتبات المصرية لأحرقتها بيدي» قبل أن يقدّم اعتذارا عن ذلك في شهر مايو المنقضي على صفحات جريدة «لوموند» الفرنسية. إنّ اعتراضات أمثال الفيلسوف الصهيوني برنار هنري لفي وإيلي فايزل الحائز على جائزة نوبل للسلام على ترشح فاروق حسني، وإن كانت شديدة التأثير على الرأي العام الغربي، ليست ذات مصداقية بل يمكن أن تجلب مزيدا من التعاطف في الشارع المصري والعربي، لكنّ ما يكتسي قيمة هو اعتراض أمثال المفكر العربي عبدالوهاب أفندي الذي يرى أنّ ترشح فاروق حسني لن يقدّم أيّة خدمة للثقافة العربية ولن يخدم أية مصلحة عربية ولعله لنفس السّبب نصح بعض مُحبّي وأنصار فاروق حسني على صفحات الفيس بوك أن ينسحب من سباق الإدارة العامة لليونسكو وأن يعود إلى مرسمه.. آنذاك يمكنه أن يأخذ مكانا في بهو اليونسكو كعارض للوحاته التجريدية عوض أن يقبع خلف مكتب الرئيس. ( المصدر: جريدة العرب ( يومية – قطر) بتاريخ 12 سبتمبر 2009 )
تحديث الدعوة من خلال مفهوم ‘التوحيد السياسي’ في كتاب ‘السياسة والحكم’ لحسن الترابي
رياض الشعيبي توطئة: يعد كتاب « السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع » لحسن الترابي من أهمّ الكتابات ذات الطابع التأسيسي التجديدي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر. ورغم تسليط الضوء عليه عند صدوره من طرف بعض الباحثين، إلا أن ما ضمه الكتاب من مفاهيم وأفكار إستراتيجية في أبعادها، ظلّ بعيدا عن متناول المثقف العربي. فالكتاب زاوج بين الهم النظري التأسيسي والتحدي العملي الاستراتيجي، الأمر الذي يعكس عمق ثقافة المؤلِّف وعضوية تفكيره حسب التعبير الغرامشي. وفي الحقيقة، لا يمكن الوقوف عند كل القضايا التي لامسها الشيخ الترابي في كتابه، لكن نحسب أن مفهوم « التوحيد السياسي »، يعد المفهوم المركزي الذي نسج حوله ومن خلاله نحت نسق أفكاره، لذلك بدا الأبرز في المناولة والأولى بالدراسة.
المقدّمة: أصبح مفهوم العمل الدعوي في الفكر الإسلامي المعاصر مفهوما إشكاليا، اعتبارا لشبكة العلاقات المعقدة التي تنشأ عن تداخله مع غيره من المفاهيم. لكن أيضا بالنظر إلى حاجات الواقع ومتطلباته. فمن حيث الجهاز المفهومي الذي يعتمده نجده يعود إلى تصورين: ـ تصوّر عقدي: حيث إنّ تقديم الإيمان باعتباره ما وقر في القلب وصدّقه العمل يجعله وثيق الصلة بمفهوم الدعوة. فالدعوة لا تقوم إلا على بنية عقائدية تسليمية هي الخلفية التي على أساسها ينبثق أي عمل، ولأن هذا العمل مرتبط عضويا بالإيمان، فإنه لا يمكن له أن يخرج عن دائرة العقائد التي تمثل مضمون الإيمان، بل إن العمل الأجلّ هو ذاك الذي يدعم الإيمان العقائدي ويوفر له سبل الانتشار والتمكين. وفي الحقيقة، لقد تواترت النصوص القرآنية والنبوية في تأسيس هذه العلاقة بين الإيمان والعمل لتمكين الإيمان في الذات من خلال مفهوم المجاهدة، وفي الواقع الاجتماعي من خلال مفهوم الدعوة. ـ تصور ثقافي اجتماعي: إن مفهوم العمل الدعوي يرتبط بمفهوم الإصلاح التربوي الاجتماعي. فالدعوة لا تبقى مجردة في مستوى النداء التوحيدي بل تتحول إلى خطاب. وإنّ هذا التحول لا يمكن أن يحصل إلا بتوفر جملة من المقتضيات. إن البعد الثقافي الاجتماعي هو الذي يمنح الخطاب الدعوي المشروعية الواقعية التي يبحث عنها. لذلك نجد هذا الخطاب يعتمد أسلوب الحجاج وقياس الشاهد على الغائب وغيرها من الأساليب المنطقية لتبرير مضامينه. ما يمكن رصده إذن هو أن تحول الدعوة من نداء إلى خطاب، دشن دخولها مرحلة جديدة هي مرحلة الانفتاح المفهومي. وأنه انطلاقا من هذا التحول بالذات، يواجه الخطاب الدعوي الوقائع المتجددة والحاجات المتحفزة لضرب من الإجابات المقنعة. وإذ يبدو أن التحدي الأخلاقي والسلوكي لم يعد لوحده الموضوع المفضل للخطاب الدعوي فان ما يطلق عليه روّاد العمل الدعوي بانحراف الفكر السياسي أصبح التحدي الأكبر الذي يسعى العمل الدعوي لتجاوزه. في هذا الإطار بالذات يلاحظ المفكر الإسلامي حسن الترابي أنّ « أمّ القضايا اليوم هي قيام الدين السياسي ». من هذا المنطلق بالذات، نشأت الدعوة السياسية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر. ولأن هذا الفهم للعمل الدعوي قد تحوّل إلى ظاهرة لا اجتماعية فحسب بل أيضا ثقافية وفكرية، ونظرا للتشعبات النظرية والسياسية وتأثيرها في تشكل العلاقات الدولية، فإنه جدير بنا العودة إلى تحليل مفهوم الدعوة الإسلامية وإشكال تحديثها من خلال مدرسة فكرية طبعت ولا تزال مرحلة هامة من مراحل العمل الإسلامي المعاصر. سنحاول إذن في هذا الدراسة تحليل مفهوم العمل الدعوي من خلال كتاب حسن الترابي « السياسة والحكم »، وبالتحديد من خلال مفهوم آخر ورد في هذا الكتاب وقد عبر عنه الكاتب عبر عدة مصطلحات مثل « التوحيد السياسي » أو « التوبة السياسية »، تجذيرا لهذه العلاقة المستشكلة بين الاعتقاد الديني من جهة والممارسة السياسية من جهة ثانية. فالخطاب الدعوي عند الترابي قد تجاوز الحقل الدلالي التقليدي لمفهوم الدعوة كتصحيح للاعتقاد وإصلاح للسلوك وإقامة للشعائر إلى مفهوم آخر للعمل الدعوي ينبني على تصور أن أهمية هذا العمل تكمن في راهنتيه. إن العمل الدعوي وفق مفهوم التوحيد السياسي عند الترابي يقوم ضرورة على تجاوز المعاني التقليدية التي يثيرها إلى معنى آخر يترجم الحاجة الواقعية والآنية المتمثلة فيما يسميه « تفاصل الدين والسلطان ». لخّص الترابي في كتاب « السّياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع » تجربته الفكرية والسياسية، فكان ثريا بحكمة خِبْرية (empirique) بين موقعه في المعارضة ثم في السلطة ثم في المعارضة وبحكمة نظرية حصلت له من خلال مطالعاته الواسعة للتراث الفكري العربي الإسلامي والملامسة القريبة لمسيرة وتطورات الفكر الفلسفي والسياسي الغربي. فقد قال في هذا الصددّ « بعضها علم أخذه المرء من مصادر غربية ناظرة في مطروح تلك القضايا، أو راوية للمعمول به منها قديما وحاضرا وبعضها عبرة تلقاها مباشرة من مشاهد الواقعات في حكم الغرب، وبعضها زاد حكمة من ممارسة التجربة في الحياة السياسية لعشرات السنين في السودان, وبعضها أضواء اطلاعات من قريب أو بعيد على واقع الحياة العامة في كثير من ديار الإسلام ». لكن هذه المشارب الفكرية التي أثّرت على تفكير الترابي لم تمح خصوصية هذا المفكر. فالحركة الصوفية المهدية واسعة الانتشار في السودان والممتدة تاريخيا والمتمكنة نفسيا والمتشابكة ثقافيا ودينيا مع بنية الإنسان السوداني، هذه الحركة قد أثرت أيضا في مسار تفكير الترابي. ورغم وعيه بهذا التأثير، إلا أنه يستحسنه في غالب الأحيان ويعتبره الطابع المميز لتفكيره، فيضيف على ما تقدم من مناهل « وقراءات لمنشورات حديثة شتى من ملة المسلمين تصدر عن ذوي علم أو تجربة، بعضهم يحمل ميول المذاهب التقليدية ». هذا حصر لأهمّ التأثيرات التي حصلت في فكر الترابي والتي ظهرت جلية خاصة في هذا الكتاب. وهو كتاب لم يكن مكان تأليفه (السّجن) ولا الظرف المحلي (الخصومة السياسية مع شركاء سابقين) ولا الدولي (الحرب العالمية على الإرهاب), ظروفا مانعة لدراسة علمية متأنية ورصينة تحاول استشراف آفاق الفكر الإسلامي السياسي لعقود قادمة. لكن ما يسجل على هذا الكتاب هو غياب الجانب التوثيقي الأكاديمي. وهي نقيصة مفهومة بحكم السجن وعدم التمكن من توثيق المراجع، لكن القارئ يكتشف في دقة الكاتب وعرضه المستفيض لمختلف الأفكار وإرجاعها إلى المدارس التي صدرت عنها، عملا يحاول تجاوز هذا العائق الموضوعي وبرهانا على الثقافة الموسوعية العميقة التي يحملها هذا المفكر. يتكون كتاب « السياسة والحكم » لحسن الترابي من مقدمة وأربعة عشر فصلا وخاتمة. أمّا المقدمة، فقد حدّد فيها الكاتب موضوع الكتاب والجمهور المستهدف ثم خلص إلى الإشكالات التي سيثيرها والى أبعادها. الفصول 1/2/3: تتعلق بعلاقة الدين بالدولة في تاريخ الفكر السياسي العربي الإسلامي والغربي وما ترتب عن هذه العلاقة من حيث الوحدة والفصام من أشكال للسلطة ومن أحكام دستورية ومن أنماط من المشروعيات الجماهيرية أو الإرثية… الفصلان 4/5: يتعلقان بالحقوق والحريات والحرمات كما هي مخترقة في الواقع السياسي العربي وما يكفلها من منظور إسلامي. الفصول 6/7/8/9/1: محاولات لتقصي الفكر السلطاني: السلطتان التشريعية والتنفيذية وما يتعلق بهما من أحكام. ثم عرض التقسيم الإداري والمهامي بين هاتين السلطتين. وفي النهاية الخلوص إلى السلطة القضائية ودورها في حفظ العدل وإقامة نظام الحسبة. الفصول 11/12/13/14: علاقة السلطات فيما بينها وعلاقة الدّولة الوطنية بوحدة الأمة ثم علاقتها بالمجتمع الدولي. يبقى أن نشير إلى أنّ عبارة وردت في مقدمة الكتاب كانت غاية في الأهمية. فقد ابتدأ كتابه بالقول: « هذا كتاب من هدي الإسلام، وربما يحق أن تبين نسبته تلك لدى عنوانه ليجتذب القراء المهتمين بالإسلام السياسي أو تغيب ليمضي سبيله بين سائر القراء الذين تعنيهم شؤون السياسة ». فالكتاب موجه إذن ابتداء إلى جمهور حاصل ومعلوم. والدعوة التي توجّه إلى هذا الجمهور المسلم تراعي هذا المعطى في الخطاب الذي توجهه إليه. فالدعوة هنا « للاستتابة السياسية » على اعتبار أن الإنسان مخلوق بهدف العبادة، « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون »، ولا بد عندئذ من توظيف الممارسة السياسية من أجل إتمام العبادة عن طريق « التقوى السياسية9 ». من ناحية أخرى، فإن توجيه الكتاب إلى هذا الجمهور يغني الكاتب عن الدّخول في نوع من البرهنة الجدلية لافتراض عدم الحاجة لذلك. فالكتاب ذو منزع تأسيسي ينبني على مسلمات مفهومية ويستعلي عن الدخول في سجال عقيم مع الآخر أو المختلف أو المناقض. ربما هذا ما سمح للكاتب بالتحرك بنوع من الأريحية في هذا المستوى. لكن هذه الأريحية الافتراضية الحاصلة بالاستغناء عن الطابع السجالي للفكر، تصطدم بتوتر آخر في مستوى معالجة التحديات الواقعية التي يواجهها. فالمكتبة الإسلامية ضعيفة في مستوى الفكر السياسي والحقوقي الإسلامي التأسيسي « ذلك أنّ الشائع في سوق المنشورات السياسية العربية الحاضرة، يغلب فيه المترجم أو المقتبس من الثقافة السياسية الأوروبية أو المستمد من هديها ». وأمام وعي الكاتب بهذا التناقض بين الأريحية والتوتر، نجد أن الكتاب ورغم كونه يتخذ شكل الخطاب الداخلي، فإن وقوفه العميق والجدي أمام التحديات الواقعية يجعله جديرا بالدراسة والمتابعة. ستكون هذه الدراسة في جزأين: يتعلق الجزء الأول بالدعوة السياسية من حيث المعنى الذي تحمله في فكر الترابي وما يتطلبه هذا التحديد من إعادة موقعة الإنسان في هذا الكون ونسج شبكة العلاقات التي تحدد هذه المكانة. ثم المرور إلى الاستتباعات السياسية والحقوقية لهذا المفهوم لمكانة الإنسان، فرسم معالم أزمة المسلم المعاصر في هذا المستوى السياسي. . أما في الجزء الثاني فيتعرض إلى مشروعية الحديث عن آليات الدعوة وشروطها، ثمّ تنزيل النظم السلطانيّة الإسلامية في الواقع العربي حيث يعكس ذلك وعيا من الكاتب بالتباعد بين الفقه السياسي النظري وإمكانية تحويل هذا الفكر إلى ممارسة سياسية مشروعة..(يتبع).
قائمة المصادر والمراجع المصدر: الترابي (حسن) — السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع — دار الساقي — الطبعة الثانية 2001- 527 صفحة.
المراجع: بن عاشور (محمد الطاهر) — مقاصد الشريعة الإسلامية — الشركة التونسية للتوزيع 1985. عاقل (نبيه) — تاريخ خلافة بني أميّة — د ار الفكر — بيروت — الطبعة الرابعة 1983. قطب (سيّد) — معالم في الطريق — دار الشروق 1980. الماوردي ( أبو الحسن) — الأحكام السلطانيّة والولايات الدينية — دار الكتاب العربي – 1988. المودودي ( أبو الأعلى) — تذكرة دعاة الإسلام 6 دار الراية للنشر — 1988. المقالات: جدعان ( فهمي) — نحن والديمقراطية — عالم الفكر — الكويت — العدد3 — المجلد29 — يناير/مارس 2001 — ص 143-167.
http://www.alasr.ws/index.cfm?metho d=home.con&contentid=11066
(المصدر : موقع مجلة العصر الإلكتروني بتاريخ 14 سبتمبر 2009)
إنما الأمم بالأخلاق
د.منصف المرزوقي نشرت الجزيرة نت قراءة فهمي هويدي لتقرير » مؤشرات السير والسلوك في المجتمع المصري ».ويمكن سحب استنتاجاته على أقطار الوطن العربي. ربما فرح النظام المصري لنتيجته وهي تظهر نجاحه « الكبير » في تحطيم الركائز الروحية لشعب عريق كان يبطش به منذ زمن لو كانت الأغلبية متشبعة بالقيم.العظمى. تذكير بزبدة التقرير أي أن هناك اليوم في مصر » تراجع القدوة وقيم العمل والعلم وقيمة الأسرة وقيمة الانتماء للوطن وقيمة الإحساس بالأمان ». الأخطر من هذا انتشار الشعور بالظلم نتيجة » غياب العدالة الوظيفية بسبب المحسوبية، والعدالة السياسية جراء تزوير الانتخابات، والعدالة الاقتصادية بسبب الرشوة والفساد، والعدالة الاجتماعية بسبب تصعيد المنافقين والمؤيدين « . والخلاصة من الوضع أن : » قيم النفاق والوصولية والنفعية والتواكل والصعود على أكتاف الآخرين باتت هي الصفات الغالبة، وغدا التفاني في العمل أو العلم والابتكار وتعليم الأجيال من الأمور غير المرحب بها » لنؤشّر على ضعف التبرير بأن الظاهرة عالمية وليست اختصاصا مصريا.أو عربيا. أنت لا تستطيع أن تكتب مثلا أن » قيم النفاق والوصولية والنفعية الخ …هي الصفات الغالبة » في المجتمعات السكندنافية ، أو أن « العمل أو العلم والابتكار من الأمور غير المرحب بها » …في المجتمع الأمريكي أو الياباني ثمة فوارق هائلة في التدهور الأخلاقي بين الشعوب وإن سلّمنا أنه لا يوجد مجتمع أخلاقي مائة في المائة والآخر منعدم الأخلاق تماما. السؤال إذن ما الحجم الحقيقي للفجوة مقارنة بالآخرين وبوضعنا سابقا ؟ لا ردّ عليه حيث ليس لنا مؤشرات موضوعية في هذا الميدان (مثل نسبة السكر في الدم للأطباء والدخل القومي الخام للاقتصاديين ) ولم نقم بدراسة لحالتها في الخمسينيات وعدنا لها بنفس المنهجية العلمية لقياسها اليوم. كل ما في الأمر أننا نشعر حولنا بانحسار سلوكيات واجتياح الفضاء العام لأخرى مخالفة تثير فينا قلقا مشروعا. ربما ليست الأمور بالخطورة التي نظنّ والدليل على ذلك نشر هذا التقرير وحدة ردود الفعل عليه. ثم ألا نرى عبر ما يسمى الصحوة الإسلامية مظاهر الرفض للوضع ومحاولة لتغييره ؟ يقول المتنبي. والظلم في شيم النفوس فإن تجد ……….ذا عفة فلعلّة لا يظلم. لكن لو كان الظلم المكوّن الوحيد لسلوكيات الناس لغرقت المجتمعات منذ الأزل في الحرب الأهلية والفوضى. أليس بوسعنا أن نكتب دون أن نجافي الصواب والعدل في شيم النفوس فإن تجد…ذا زلة فلعلّة لا يعدل. ربما لم ينظر التقرير إلا للنصف الفارغ من الكأس أو في أسوأ الأحوال لثلاثة أرباعه الفارغة ؟ فثمة بالضرورة في المجتمع المصري صراع بين التوجهين وأنه لا زال هناك قسط من حب العمل والعلم ، الخ ، ولولاه لوصل المجتمع إلى حالة من الهمجية لا زال بعيد منها. أليس السؤال إذن: كيف تدبرت القيم أمرها للعيش في كنف الوضع الصعب المتمثل في اكتساح التصرفات غير الأخلاقية للفضاء العمومي وما هي حظوظها لاستعادة المساحة التي خسرت ؟ بعد آخر للموضوع . إذا قلنا أن هناك انتشار واسع للظلم، وإذا اعتبرنا أن كل مجتمع يلهث وراء العدل منذ وجد، فلا استنتاج غير إن مثل هذا الوضع مفروض وبالضرورة بأشدّ العنف. يصبح السؤال الأخطر من السبب في الفعل( الظلم والعنف) التي أدت لردود الفعل ( الانتهازية والجبن والاستقالة) المسئول بالطبع النخبة الحاكمة وهي الشريحة الاجتماعية الوحيدة القادرة على فرض وضع مرفوض من الأغلبية الساحقة :. لقائل أن يقول تبسيط للأمور وتكرار لنفس الاتهامات المغرضة. ليسمح لي هنا بالتذكير أن كاتب هذه السطور ليس عارضة أزياء تأتي كل سنة بموديل جديد لإثارة الاهتمام وإنما واحد من آلاف العاملين بصمت أو تحت الأضواء لتدمير الغشاء الحديدي الذي يحاول به الاستبداد وعملائه عبر كل أصناف التضليل تغليف الدماغ الجماعي، والمناط بعهدتهم غرس وتعهد المفاهيم والقيم الكفيلة بإخراجنا يوما من وضع جعل من أمّة كأمّتنا…أمّة كأمّتنا. ومما يردّده خادمكم دون كلل أن خطورة الاستبداد ليست في تكلفته الإنسانية الباهظة من منفيين ومشردين ومساجين وموتى تحت التعذيب وتخلف وتبعية وفساد، وإنما في تدميره البطيء للأنظمة الاجتماعية السبعة الضرورية لتقدم الشعوب ومناعتها أي النظام القانوني والاقتصادي والقضائي والتعليمي والإعلامي والثقافي والأمني. كيف ؟ عبر التسبب في كارثة أخلاقية تتولّد عنها بقية الكوارث . لفهم هذه النقطة المحورية لا بدّ من عودة لبعض النظرية. * ثمة عدّة مداخل لإدراك معاني مفهوم معقّد كالقيم وله كقطعة النرد أكثر من سطح . يمكن أن نكتب مثلا أن الأخلاق هي نفاق القوي واحتجاج الضعيف. أنها المواقف والتصرفات المطلوبة من الآدمي لكي يصبح إنسانا أي الكائن المثالي الذي نحمله في أعماقنا كمشروع المشاريع. أنها غريزة قوية حبانا بها الله لضمان بقائنا وأنه لغرضه هذا وضع فيها جمالا أخاذا يجعلنا نعجب بالفروسية والشهامة والوفاء إعجابنا بشروق الشمس ، في الوقت الذي جعلنا ننفر من قبح الظلم والجبن والفساد نفورنا من قبح المزابل. وفي نفس السياق لنتمعّن في أهم مواصفات المواقف والتصرفات الموصوفة بالأخلاقية مثل حب العمل والاستقامة والعدل في معاملة الآخرين. الخ . كلها مطلوبة لأنها ضرورية في مختلف مجالات الحياة العامة لتماسك المجتمع وأمنه وتطوره. مما يعني أن القيم هي السقف الأعلى للمواقف والتصرفات- التي تحدد الثقافة والدين والأعراف والقوانين قائمتها ومواصفاتها -المطلوبة من الأفراد والمجموعات للمحافظة على المصلحة العامة التي تضمن مثل هذا التماسك والأمن والتطوّر. لنسارع بالتأكيد على أن كل الأفعال التي تخدمها ليست آليا أخلاقية وإلا اعتبر تدمير غزة من قبل الصهاينة عملا أخلاقيا قاموا به لأنه في خدمة للمصلحة العامة لشعبهم. بديهي أن ضمان هذه المصلحة العامة لا يكون أخلاقيا إلا أذا استوفى شرطا بالغ الأهمية هو عدم الإضرار بالغير وحقوقه ومصالحه المشروعة. تحفّظ هام أخير يتعلّق بطبيعة السعي للمصلحة الخاصة حيث لا يجوز اعتبارها لا أخلاقية إلا إذا هدّدت بدوافعها وأهدافها ووسائلها المصلحة الجماعية أو خرجت من سياقها. * يمكننا الآن فهم منطلق الكارثة وتبعاتها. نعرف ستار الدخان اللفظي الذي يتعهده خدم المستبدّ العربي يروجون لأكذوبة تدعي بصفاقة منقطعة النظير أن الزعيم الفذّ هو الضامن الأوحد للمصلحة الجماعية وحتى لوجود المجتمع نفسه.لكن الجميع يعلم أنه صادر دولة أصبحت مهمتها الأساسية خدمة نرجسيته وضمان سلطانه الأبدي له – ولأولاده إن أمكن الأمر- وحماية مصالحه ومصالح عصابته أو عائلته أو طائفته والتغطية على أخطائه وخطاياه. لنذكّر هنا أن النظام السياسي هو للدولة والمجتمع بمثابة الجهاز العصبي للجسم .فهو الذي يقود ويطوّر وينسّق بين الأنظمة المكلفة بالإنتاج الاقتصادي والأمني والتعليمي والتشريعي والقضائي والثقافي والصحي.والتي لا وجود لشعب بدونها. وبقدر ما تتلقى هذه الأخيرة من مركز القرار التعليمات السليمة والأدوات الفعالة ناهيك عن التشجيع بقدر ما تستطيع تأدية مهامها على أحسن وجه. لكن أنظر كيف تخرّب أنظمة الاحتلال الثاني التي ابتليت به بلداننا نظمنا الحيوية. 1-القدوة السيئة : ولأن الناس على دين ملوكهم ، تتسلل من فوق إلى تحت كل مظاهر وممارسات النرجسية والعنجهية والتسلّط والإذلال وبقية سلوكيات الشخصية الاستبدادية. أضف لهذا أن المسئولين الثانويين يعرفون جيّدا أن أسيادهم يتصرفون تحت سحاب الدخان اللفظي في الدولة كملك الخاص، فينهجون على منوالهم، كل في مستواه وحسب طاقته . هكذا تصبح موجة الفساد المنطلقة من القمة تسونامي يمسح كل القاعدة . لا يعني هذا أنه لا يوجد داخل الأنظمة أشخاص يرفضون هذه السلوكيات ، بل يمكن القول أن جهادهم الصامت والسرّي هو الذي يمنعها من الانهيار، لكنهم أغلب الوقت مضروب على أيديهم والقرار الفعلي بأيدي الزبانية. 2-الاصطفاء المعاكس القاعدة في الطبيعة وفي المجتمعات السليمة اصطفاء أحسن الأشخاص لأعلى المراكز،أو وصول الشخصيات القوية لها بفضل قوة شخصيتهم أو تفوقهم العلمي أو الأخلاقي، فينتفع منهم المجتمع أيّما نفع. لكن الاستبداد يعكس هذا القانون. فأولى أولويات المستبدّ إزاحة كلّ الشخصيات التي لا تخضع لأهوائه فما بالك بمن تشكل له منافسا ، لذلك يبدأ من أول يوم تحجيم الرؤوس ذات القيمة. أضف لهذا أن المحيطين بالمستبد الأكبر، أو بمسخه وظله في هذه الوزارة أو تلك، يفهمون تلقائيا أن ارتقائهم سلّم النفوذ ومن ثم الثروة عبر الفساد، رهن باستجابتهم لرغبات سيدهم من تملق وانبطاح ونفاق وتأدية الخدمات التي عينوا من أجلها. هم أيضا سيطالبون من يأمرون بما طولبوا به . هكذا تمتلئ بطول الزمان كل درجات السلم بما هو تافه ومنبطح وعاجز وانتهازي . ومثل هؤلاء الناس هم الذين سيعهد إليهم بإدارة شؤون الناس في أخطر المستويات أي لقمة عيشهم وأمنهم وصحتهم!!! استحالة التصحيح في الإبان: كل عمل بشري معرض للخطأ ولا بدّ من التصحيح الذي لا ينتهي، لكن هذا يتطلب حرية النقد والتقييم وهو الحرام المطلق في أعلى الهرم لأن المستبد يبيت ويصبح على خوف عميق من افتضاح فساده وجرائمه واكتشاف أنه ليس إلا شخصا عاديا وأحيانا أقلّ من عادي . آليات الإصلاح الداخلي معطلة إذن لأن الزبانية يفهمون أنهم ليسوا في الأمكنة التي وضعوا فيها لحلّ المشاكل وإنما للتغطية عليها ، أما أصحاب آليات الإصلاح الخارجي ففي السجون أو المنافي. هكذا يمكن لباخرة معطوبة امتلأت في أعلى مراكز القرار بشتى أصناف الوصوليين العاجزين أن تغرق ببطء لغياب حرية الصراخ بوجود الثغرات وحق المسارعة لها بالإصلاح . ومن طبيعة مثل هذا الوضع المفروض بكل أنواع الخبث والعنف خلق نوعين من ردود الفعل: مقاومة نشيطة تصل حد التمرد و يقودها أناس يحملون الهمّ العام لأنهم يدركون بالفطرة أن مصالحهم الخاصة الحقيقية مضمنة داخل الصالح العام ، أو لوعيهم المرهف أن الأخلاق حصيلة تجارب الأجيال وأن الأخذ بها يقيهم من العودة لنقطة الصفر و يحميهم ويرفع من قدرهم . مقاومة سلبية تزيد الطين بلة وهي تضيف لتخريب غير الأكفاء والانتهازيين تخريب المستقيلين بلامبالاتهم وحتى محاولتهم هم أيضا اغتنام الفرص . ثمة من يستغرب بعد هذا أداء مؤسساتنا ، أو يعجب لمكانة بلداننا في سلّم التقدم …أو يفضّل وضع كل هذا على كاهل الصهيونية والامبريالية والاستعمار وكلها جراثيم اغتنمت ضعف الجسم لتقضي حوائجها لا يهمّها بل يساعدها أن ذلك يزيده مرضا على مرض. * ما يجب أن يكون حاضرا في أذهاننا أن كل نظام اجتماعي مثل هرم قمته الموارد البشرية والمادية وهيكله التنظيم والقوانين ، لكن قاعدته القيم، إذا انهارت أو مادت ، انهار أو ماد كل المبنيّ فوقها. أي فعالية لجهاز قضائي بلا عدل أو لجهاز صحي بلا إنسانية ؟ في تشبيه آخر القيم هي وقود المحرك. أي محرّك يشتغل بصفة مرضية بوقود مغشوش ؟ السؤال هل فهمنا الدرس؟ كم محبط رؤية السلطات في غزة وفي السودان تبادر للطقوس القشورية كما لو كانت لبّ أخلاق الإسلام أو كأنّ بإمكانها المزايدة في هذا المجال على نظام عائلة أطلقت اسمها على بلد بأكمله ، وكبلته بمثل هذه الطقوس في الوقت الذي فرضت فيه على المجتمع ظلما ضد النساء والأجانب وفسادا وحدّا من الحريات الأساسية لا يعرف له مثيل. على سطح الأرض . الغائب في مثل هذا النظام المتشدّد على الأقصى في المظاهر قيم العمرين وأبو موسى الأشعري وصلاح الدين والحلاج وابن عربي. إنه نفس الفراغ القيمي الذي نشهده في ديمقراطية لبنان والعراق وقد أصبحت آلية الانتخاب التي تفترض لنجاحها الحرية والنزاهة ومقارعة البرامج بالبرامج سوقا الرابح فيها من يدفع أكثر ومن يضلل أكثر ومن يحسن استغلال الغرائز. حدّث ولا تسل عمّن يدعون الليبرالية وهم ينسون أنها نتاج الإيمان بأن العمل زلفى إلى الله والطريق إلى الخلاص لا إلى الثراء السريع والاستهلاك الرخيص. معنى هذا أن الثورة، الحتمية التي تنتظرنا وقد أغلقت أنظمة غبية على نفسها وعلينا كل الأبواب، – الأمل والسعي أن تكون سلمية- إما تكون أخلاقية وإلا فسندفع ضريبة باهظة من الدم لإعادة ما جاهدنا للتخلّص منه. نعم لن نعيد لقيم النصف الوضاء من شيم النفوس الصدارة والريادة طالما لم يقتنع كل عربي أن له حقوق غير قابلة للتصرف صادرتها أقلية خرجت عن العقد الاجتماعي وأن عليه تطليق الخوف والسلبية لاسترجاعها وفرض علوية الصالح العام على الخاص… طالما لم يقتنع كل من حبته الأقدار بشرف تمثيل الشعوب وقيادتها أن السيّد ليس من يعطي الأوامر وإنما من يعطي المثل. ***** (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 14 سبتمبر 2009)
حين يغيب المشروع الوطني تتأجج الطائفية
بقلم :توفيق المديني تكشف أعمال العنف الدموية التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد عن الحقد والاستهانة بحرمة الإنسان، والهوس الطائفي، وثقافة العنف الطائفي التي تتفاخر القوى الطائفية بممارستها على الملأ.إنها ثقافة القتل والعنف الطائفيين، ثقافة العراق الجديد، ثقافة عراق الولايات المتحدة الأمريكية. فقد قال الأميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة في مقابلة أجرتها معه شبكة سي.إن.إن،معلقا على التفجيرات التي هزت بغداد يوم 19 أغسطس الماضي وأسفرت عن سقوط 95 قتيلا على الأقل ومئات الجرحى: «المسألة هي ما إذا كان هذا مؤشرا على عنف طائفي في المستقبل».. أما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فقدقال خلال لقائه يوم السبت الماضي عددا من الوزراء وأعضاء مجلس النواب وعلماء دين ووجهاء وشيوخ عشائر :«لقد كان التمحور والاختلاف السياسي سببا في الأعمال الإرهابية الأخيرة». ويعيش العراق اليوم مدًا غير مسبوق للقوى الدينية الطائفية والمذهبية، في ظل عجز حكومة نوري المالكي عن بلورة مشروع وطني لإعادة إنتاج الدولة الوطنية الحديثة، دولة الحق والقانون، المعبرة عن الكلية الاجتماعية والقائمة على مبدأ المواطنة.فالقوى السياسية التي استلمت السلطة في ظل الاحتلال الأميركي للعراق لم تستطع أن تتحرر من الروابط والعلاقات ما قبل الوطنية كالعشائرية والعرقية والمذهبية والطائفية، ولم تع أن الاندماج في فضاء الدولة الوطنية هوالذي يمنح الأفراد هويتهم الوطنية، ويمنح الجماعات والفئات الاجتماعية والأحزاب السياسية والتيارات الفكرية هويتها الوطنية، ولا سيما أن الوطنية هي الانتماء إلى الوطن /الدولة، فلا وطن بلا دولة. فالقوى السياسية التي لا تبني سيادتها على أساس بناء الدولة الوطنية بوصفها ممثلة للمجتمع كله، حيث تتماهى مصلحتها مع المصلحة العامة، وثقافتها مع الثقافة الوطنية والقيم الوطنية للدولة، تكرس بذلك قوى الطوائف التي تضعف دور القوى الوطنية والديمقراطية، وتهدد بقيام «دول » أحادية الطائفة، ليس في العراق فحسب، بل في معظم بلدان الشرق الأوسط، لأن الوفاق الطائفي مستحيل، ما لم يلبّ مطالب كل الطوائف، أويفرض هيمنة بعضها على بعضها الآخر. ولأن السياسة الأميركية — الإسرائيلية تؤيد التبلور الطائفي هذا، الذي يقود حتماً إلى تقسيم العراق. في السنوات الست الماضية من عمر الاحتلال الأميركي، المشكلة الأخطر التي تواجه المجتمع العراقي، هي المشكلة الطائفية والمذهبية، لأنها تحول المواطن من مواطن يفكر على صعيد الوطن إلى فرد يفكر على صعيد الطائفة والمذهب. ولما كانت الطوائف متداخلة ومتشابكة في المعيشة والحياة، فإن اتجاه طائفي سوف يثير عداء بين مواطنيها، ويقود إلى صراعات طائفية وحرب أهلية، كحرب لبنان الأهلية، مما يسهل استقطاب المواطنين على أسس طائفية ومذهبية، ويبعدهم عن البرنامج الوطني الديمقراطي.وعليه فإن التوجيه الطائفي هوما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وبعض دول الجوار الجغرافي لاستخدامه سلاحا في معركتها من أجل تفتيت إرادة المواطنين العرب، لتوجيه الصراع في اتجاه خاطئ، مضاد للاتجاه التاريخي. بيد أن الأحزاب السياسية المتبرقعة بالطائفية والقبلية والمذهبية،ورثة الدولة الشمولية العراقية في زمن الاحتلال الأميركي، عجزت أن تبني دولة عصرية، لأن هذا ليس في برنامجها، ولا هي مؤهلة لذلك، كما أنها استبدلت ثقافة العنف الوطني الذي كان سائدا في العهد السابق بثقافة العنف الطائفي — المذهبي، الذي يتبجح بطائفيته. فانتقل المجتمع العراقي بذلك من ثقافة عنف الدولة الشمولية إلى ثقافة كابوس العنف الطائفي، وفرق الموت، والإرهاب الأعمى والقتل على الهوية.تلك هي صورة العراق الجديد الذي يتماهى مع إيديولوجية الفوضى الخلاقة، التي روج لها المحافظون الجدد. وقد أسهمت مجموعة من العوامل في تبلور القوى الطائفية والمذهبية. أولها:إعطاء الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العالم العربي اهتماماً خاصاً بحكم موقعه الإستراتيجي، وتحكمه بمضائق ومحيطات وبحار عديدة، واحتضانه في مخزونه الجوفي ثروة نفطية هائلة، واحتمال فقدان العالم العربي لمصلحة القوى الوطنية والديمقراطية، الأمر الذي يشكل ضربة قاصمة للعالم الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، والطبقات والفئات المحلية التابعة. ثانيها:قيام دولة إسرائيل، سنة 1948، وحرصها على منع تحررالعالم العربي من ربقة الأنظمة الشمولية،ومنع وحدته بكل الوسائل. ثالثها: ازدياد تغلغل العولمة الرأسمالية في المجتمعات العربية، حتى هزّ كل البنى التقليدية( المدينة، القرية، القبيلة، الطائفة) ودفع قطاعات تقليدية للدفاع عن مواقعها، خشية أن يجرفها سيل «الحداثة» الجارف. ورابعها:عجزإيران عن تصدير «الثورة الإسلامية»،وعن كسب معركة احتلال العراق والخليج في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وإقامة دولة «إسلامية مذهبية»في العراق. خامسها:انشغال الأطراف الدينية والطائفية بالمعارك الداخلية عن المعارك مع السياسة الأميركية، وإسرائيل، ومحاولة إشغال كل الأطراف، على الصعيد العربي، أوعلى صعيد الدول الإسلامية بالصراعات الداخلية. وقد التقت هذه العوامل جميعا، لتدفع القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، وإسرائيل، إلى البحث عن وسائل ناجعة للجم قوى التغيير الديمقراطي وفرض هيمنة القوى الطائفية. واكتشفت هذه القوى مجتمعة ما يلي: أولا: أنها تستطيع توظيف الدين، ضد الوطنية والديمقراطية. فتجند جماهير واسعة من المؤمنين وترد على الهجوم الإيديولوجي بهجوم إيديولوجي واسع، له جذوره التاريخية، وركائزه الشعبية. وهكذا يرد على البرنامج الوطني ببرنامج إسلامي ذي بعد طائفي ومذهبي، ويواجه الوحدة الوطنية بوحدة إسلامية، ودولة الحق والقانون بدولة إسلامية، والديمقراطية بالشورى، والحريات الديمقراطية بتطبيق الشريعة. فيكون الرد إيديولوجيا وسياسيا شاملا، ويصبح الديمقراطيون كفرة وملحدين خارجين على الدين.. ثانيا: أنها تستطيع أيضا حشد قوى الطوائف وراء زعامات طائفية، فتسحب من الأحزاب معظم قواعدها ورصيدها الشعبي، وتغلق تجمعات الطوائف في وجه الديمقراطية والقومية، وتثير نزاعات ليس لها حدود، لا تمنع وحدة الوطن فحسب بل تخلق فيه شروخا عديدة جديدة، وتستنزف قواه في صراعات داخلية متجددة. ثالثا: إنها تستطيع انتزاع زمام المبادرة بتكوين أحزاب طائفية مسلحة، لها مليشيات مسلحة، تمتلك الوعي السياسي، والتنظيم والتدريب. مع سقوط الدولة الشمولية العراقية، وفي ظل الاحتلال الأميركي، ارتبط الهجوم السياسي والإيديولوجي للقوى الطائفية على اختلاف انتماءاتها والمسنودة لوجيستيكيا وماليا من جانب بعض دول الجوار،بتكوين ميليشيات مسلحة، مستعدة للمواجهات، وقادرة على المبادرات. وتخوض هذه القوة الطائفية والمذهبية معارك غير معارك القوى الوطنية والديمقراطية، لأنها معنية بإقامة سلطة الطائفة، ونشر ثقافة العنف المذهبي. (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 14 سبتمبر 2009)
عن إنسانية الديمقراطية
د. عمرو حمزاوي (*) للديمقراطية ملامح إنسانية جميلة نغفلها كثيرا في نقاشاتنا حولها كالنموذج الأرقى الذي طورته البشرية لإدارة شؤون مجتمعاتها. لم يفارقني هذا المعنى أثناء متابعتي لجنازة وحفل تأبين السيناتور الأميركي الراحل إدوارد كنيدي ثم حين مطالعتي للعديد من مقالات الرأي وشهادات السياسيين والمشرعين الأميركيين التي تناولت سجل الرجل المهني وحياته. أما الملمح الأول، التواصل والاحترام المتبادل بين رموز وقيادات المجتمع على تنوع مواقعها وعمق اختلافاتها، فأظهرته جنازة كنيدي بجلاء شديد. شارك في الجنازة الرئيس الحالي للولايات المتحدة باراك أوباما وثلاثة من الرؤساء السابقين هم بترتيب الأحدث فالأقدم جورج بوش الابن وبيل كلينتون وجيمي كارتر. حضرها أيضا عدد كبير من المشرعين الأميركيين الحاليين والسابقين من الحزبين الديمقراطي الذي انتمى له السيناتور كنيدي والجمهوري. قارنوا أعزائي القراء بين هذا الملمح الذي يذكر مواطني الدول الديمقراطية بسلمية واستمرارية حياتهم السياسية وبين مشاهد وداع الحكام وسياسيي نخب الحكم في الدول غير الديمقراطية، العربية منها وغير العربية. هل تجدون رؤساء سابقين بجوار الرئيس الحالي، بل هل ستلمحون رئيسا سابقا واحدا؟ هل ستعثرون على سياسيين من أحزاب وحركات المعارضة، إن وجدت، في الصفوف والمقاعد الأمامية بجوار ممثلي الحكومات؟ الملمح الثاني هو شيوع ثقافة التسامح في التعامل مع الخلاف السياسي مهما بلغت حدته. ذكر أوباما خلال جنازة كنيدي بتعاونه مع المشرعين الجمهوريين خلال سنواته الأربعين في مجلس الشيوخ الأميركي وبسعيه المستمر للوصول إلى تشريعات وقوانين يقبلها الحزب الديمقراطي والجمهوري. العديد من المشرعين الجمهوريين الذين ثمنوا وطنيته وتسامحه في إدارة الخلاف السياسي معهم داخل الكونجرس وخارجه على الرغم من حدة هذا الخلاف المتصاعدة خلال الأعوام الماضية. شيوع ثقافة التسامح في الممارسة العملية للسياسة في الدول الديمقراطية يعني تثمين وطنية الجميع عوضا عن تخوين فريق أو حزب لآخر، وكذلك التسليم بدفاع الجميع عن المصلحة الوطنية وإن تفاوت الطروحات. الملمح الثالث هو التواصل الطوعي والمستمر بين السياسة برموزها وقياداتها والمواطنين. سجلت وسائل الإعلام الأميركية العديد من المشاهد الإنسانية لمواطنين حضروا ولأسباب مختلفة لوداع السيناتور كنيدي. الهام رصده هنا، وهو أيضا مصدر تميز هذا الشكل من التواصل في الديمقراطيات عن أشكال أخرى تتسم بها الدول غير الديمقراطية، هو ارتباط التواصل بآليتي الديمقراطية الرئيسيتين انتخاب السياسيين من مشرعين وتنفيذيين والرقابة الشعبية عليهم. انتخب كنيدي لمجلس الشيوخ للمرة الأولى في بداية الستينيات وجدد الناخبون له بعد ذلك سبع مرات متتالية طواعية دون قسر لسجله المهني الناجح كمشرع. وإلى هاتين الخاصيتين تحديدا، طوعية الاختيار والتقييم الإيجابي لسجل السيناتور، استند التواصل بينه وبين المواطنين واستمراره الطويل في منصبه على عكس أغلبية معاصريه. أخيرا، يبدو أن للديمقراطيات قدرة خارقة على التعاطي مع رموز وقيادات السياسة والمجتمع بإنسانية لا تنسى أبدا كونهم بشرا يجيدون ويخطئون في متوالية حياتية لا تتوقف سوى بالرحيل عن عالمنا هذا. تورط كنيدي بعد سنوات قليلة من بداية عمله كمشرع في حادث سيارة أودى بحياة رفيقة له وأثار حول سلوكه الشخصي العديد من الشكوك وكاد أن يضع نهاية لمستقبله السياسي لولا اعترافه علنا بخطئه واعتذاره عنه. نجاح كنيدي في تجديد ثقة ناخبيه به بعد حادثة البدايات هذه يدلل بوضوح على أن ثقافة القطاع الأوسع من مواطني الديمقراطيات حين يقيمون السياسيين لا تعرف البحث عن الخير الخالص أو الشر المطلق، بل تتسامح مع الأخطاء شريطة اعتراف السياسيين بها ورجوعهم عنها واحترامهم مهنيا وشخصيا لثقة المواطنين. لا أريد أن أرسم صورة مثالية للديمقراطية ولا أنسى إخفاقاتها المتعددة في الولايات المتحدة وخارجها، إلا أنها تظل النموذج السياسي والمجتمعي الأرقى والأكثر إنسانية الذي أنتجته البشرية على مدار تاريخها والذي يتوجب على من حرم منها السعي لتحقيقها بكل السبل والوسائل، السلمية فقط بالطبع. (*) باحث أول – مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط في بيروت تعليق من القارئة سلوى حمدان (من الأردن) أولئك يرون في الوطن بيتا والشعب أهلا والسياسة والرئاسة خدمة للأهل وحفظا للبيت ونحن نرى في الوطن صيدا والشعب فريسة والسياسة افتراسا إذن الفرق بيننا وبينهم أبسط من بسيط! (المصدر: « الغد » (يومية – الأردن) بتاريخ 7 سبتمبر 2009)
إدارة أوباما والانتخابات المزوّرة
منير شفيق (*) عندما تتواتر تصريحات مسؤولين في حلف الأطلسي بأن لا نيّة لديهم للانسحاب من أفغانستان قبل أن يستتب الأمن، وتنهي قوات الأطلسي مهمتها، فذلك يعني أن موضوع الانسحاب الاضطراري، أو الهزيمة، قد أصبح على الأبواب. فمثل هذه التصريحات لم تصدر عندما كانت يد تلك القوات أشدّ سيطرة على أفغانستان. وكانت قوّة المقاومة أضعف. الأمر الذي يؤكد بأن هذه التصريحات تستهدف رفع معنويات الجنود والرأي العام في أميركا وأوروبا، والذي أخذ يطالب بالانسحاب بعد أن يئس من إمكان تحقيق انتصار عسكري. بل إن الانتصار العسكري أصبح غير ممكن حتى في نظر المسؤولين في أميركا وأوروبا. وقد عقدوا أملهم على نجاح المساعي السياسية لتعزيز الوضع العسكري وإضعاف مقاومة طالبان. يبدو أن الأمور بعد الانتخابات الأخيرة أخذت بالتدهور على المستوى السياسي بما راح يهدّد الوضع الداخلي في جبهة حلف الأطلسي بالتصدّع. فالتزوير من جانب الرئيس كرزاي ضد عبدالله عبدالله أصبح مسلّماً به من قِبَل ريتشارد هولبروك مبعوث أوباما الخاص إلى أفغانستان وباكستان، كما من الاتحاد الأوروبي. وقد أصبح الجميع في ورطة سواء أجاء موقفهم مع التزوير، عملياً أم وقفوا ضده. وهكذا تكون الحاجة إلى الرئيس الأفغاني كرزاي لا بديل لها حتى لو قامت على تزوير الانتخابات، تماماً، كما هي الحال مع محمود عباس الذي انتهت ولايته منذ تسعة أشهر، وراح يزوّر أو يحتال على القانون في استمرارها وتعزيزها بانتخابات مزورّة في المؤتمر السادس لفتح أو بتشكيل لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير بمخالفة صريحة للنظام الداخلي، كما أكد على ذلك الدكتور أنيس القاسم واضع ذلك النظام. ثم ناهيك عن تشكيل حكومتيْ سلام فيّاض من دون الرجوع إلى المجلس التشريعي. وبعد ثلاثة أشهر سيكون أمام إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي التعامل مع الانتخابات الفلسطينية بمثل ما تعاملوا به مع الانتخابات الأفغانية. والسؤال كيف يمكن لإدارة أوباما أن تتميّز عن إدارة بوش وتقنع الآخرين بوعودها إن كانت متواطئة مع التزوير وتزييف إرادة الناخبين إلى هذا الحد في أفغانستان وفلسطين وستلحق، بالتأكيد، الانتخابات القادمة في العراق. هذا ومن دون أن يُصار إلى الحديث عن الأموال الأميركية التي تصبّ في أثناء المعركة الانتخابية للتأثير على نتائجها، وهذا بدوره نوع من تزييف إرادة الناخبين وإفساد ضمائرهم. لأن النتائج ستخرج بعيدة عن التمثيل الحقيقي لإرادة الشعوب. ثم تأتي انتخابات الغابون التي أُعلنت نتائجها في 3/9/2009 حيث فاز بالتزوير المكشوف والمعلن علي بونغو ابن الرئيس المتوفى عمر بونغو، الذي ربض على صدر البلاد لمدّة 41 عاماً. كانت أولى علامات التزوير، في الغابون، التأخير في إعلان النتائج، كما حدث مع نتائج المجلس الثوري وقبله اللجنة المركزية في المؤتمر السادس لحركة فتح. ولهذا تتعرّض الغابون في هذه الأيام إلى ما يشبه الانتفاضة الشعبية احتجاجاً على هذا الاستهتار بتزييف إرادة الشعب. وهنا أيضاً رانَ صمت على التزوير في أروقة البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، تمهيداً للتعامل مع الانتخابات المزورّة ونتائجها باعتبار الأولى نزيهة أو طبيعية وعادية، والثانية باعتبارها شرعية. ولكن كيف يفسّر الموقف إزاء حالات التزوير المفضوح المخالف للقوانين والدستور مقابل الموقف الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن في الاحتجاج الأميركي- الأوروبي على الانتخابات الرئاسية الإيرانية. البيت الأبيض وعلى لسان باراك أوباما، ووزارة الخارجية الأميركية وعلى لسان هيلاري كلينتون، أطلقا تصريحات كادت تكون شعراً في مديح النزاهة والشفافية واحترام إرادة الناخبين، في مواجهتهم للانتخابات الإيرانية التي اتهمّوها بالتزوير، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالرغم من عدم امتلاكهم دليلاً سوى ما تدّعيه المعارضة. وقد أعيد فرز عيّنة اختبارية أكدت عدم وجود التزوير، ومع ذلك ما زال التحريض قائماً للتشكيك في شرعية نتائجها. من هنا تكون إدارة أوباما قد تخطت إدارة بوش في دعم الانتخابات المزورّة كظاهرة أخذت تصبح عالمية. وقد وضعت في الأدراج حتى التظاهر بالحرص على الإصلاح والديمقراطية. فهي الآن «عينك عينك» تدعم كل تزوير ينسجم مع سياساتها. وتقف ضد إرادة الشعوب إن جاءت مخالفة لتلك السياسات. (*) مفكر فلسطيني (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 14 سبتمبر 2009)
العودة في رسالة للظواهري: إلى متى المضي في سياسة الإحراق؟
وإذا اعترفت بأنك لست عالماً فكيف تفتي في الدماء والتكفير؟!
وجّه فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة « الإسلام اليوم » ـ في الذكرى الثامنة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر رسالة إلى الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري، معتبراً إياه المنظّر الحقيقي لتنظيم القاعدة وأنه من بين الآونة والأخرى يصدر عنه عدد من الخطابات تشكّل توجيها لهذا الفكر وتنظيمه في أنحاء العالم، مطالباً إياه بأن تكون هناك مراجعة لإيقاف هذه الدماء والتوقف عن هذا التغرير المستمر الذي يستنزف جهود المسلمين وشبابهم. وقال الشيخ العودة في بيان على موقعه: إن الدكتور أيمن الظواهري سُئل ذات مرة في مقابلة هل أنت عالم؟ فأجاب لا، واعتبر العودة أن هذا اعتراف محمود من رجل كالظواهري ، ولكن الغريب أن هذا الاعتراف وفي ذات المقابلة لم يتجاوز بضع صفحات حتى تحدث الظواهري عن أخطر القضايا التي يجبن العلماء عن الكلام فيها ولا يجرؤون في الحديث عنها مثل موضوع التكفير وإخراج المسلمين من دينهم أو الحديث عن القتل والقتال. لماذا بلاد المسلمين؟ وأكد الدكتور سلمان العودة أن حالات القتل التي تتبناها القاعدة في العالم الإسلامي هي نوع من اليأس أمام الغرب الذي استطاع أن يُحصّن نفسه مؤخراً بحكم قدراته الأمنيّة ضد أي أحداث، ولم يعد يقع في الغرب الآن إلا أحداث بسيطة أو أمور تُكشَف فقط للإعلام ولمزيد من إثارة النعرة العنصرية في بعض البيئات الغربية ضد الإسلام وضد المسلمين ، أما العالم الإسلامي فلا يزال لهشاشة الأنظمة الأمنيّة في غالب دول العالم الإسلامي، و لوجود قدر من الغضب و عدم الرضا عند الشعوب الإسلامية وأيضاً لاستجابة شعوب المسلمين للخطاب الديني وتأثيره عليهم. أين تقدير العلماء؟! وأوضح الشيخ العودة أن هذه الأسباب هي التي جعلت العالم الإسلامي مناطق مفتوحة لاحتمال وجود أحداث عنف وتفجير، وأن هذه الأحداث لا يمكن أن تكون سوى أحداث للقتل والتدمير وتحويل بلاد المسلمين إلى رماد ولقتل المزيد من المسلمين، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، بينما هذه التفجيرات إنما تقتل الناس وتميتهم وتحرق كل شيء ؛ ولذلك أنا أنادي الدكتور أيمن الظواهري الذي يقول ويعترف بأنه ليس من العلماء : أين دور العلماء ؟! وأكد العودة أنه لا يعلم أبداً عالماً يصح أن يوصف بأنه عالم شرعي حق في العالم الإسلامي كله لا في مصر ولا في السعودية ولا في أي بلد آخر يقبل بمثل هذه الأعمال التي تقع وتجري في كثير من بلاد العالم الإسلامي، أو يقبل بالعبث باللغة الشرعية مثل لغة التترس التي تجعل أي إنسان كان، أو حتى الجندي عدواً وخصماً، فيُقتل أعداد غفيرة من النار أو يقبل الجرأة على التفجير في مجتمع أو في مسجد أحياناً أو في مصلى أو في قاعة أفراح أو حتى في مأتم ومكان عزاء أو حتى لو كان هذا في ملهى أو مكان معصية فإن الله تعالى لم يأذن بقتل الناس بهذه الطريقة بحال من الأحوال. القاعدة قتلت من المسلمين أكثر مما قتلت من الكفار وبيّن الشيخ سلمان أن الله -سبحانه وتعالى- يقول في محكم تنزيله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)، وأنه في هذه الآية قد نهى الله تعالى عن سبّ آلهة المشركين لئلا ينعكس ذلك فيسبوا هم الله تعالى (عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ). متسائلاً إن كان هذا انعكاسًا عند سب آلهتهم فكيف إذا كان الأمر اندفاعًا في القتل، وهذا القتل الذي ينعكس على المسلمين، كما نراه الآن في أفغانستان، هذا البلد الذي عاش طويلاً في ظل الحروب، وفي هذه المرحلة الأخيرة ربما قُتل فيه أكثر مما قتل أيام الغزو السوفيتي! وتابع الشيخ سلمان: إن أفغانستان على سبيل المثال بلد تحت خط الفقر ، لم يؤخذ رأي الناس في أفغانستان ، لا العلماء ولا الشعب ولا العامة في أحداث سبتمبر ، ولا في الزج بهذا الشعب وهذه الدولة الفتية في أتون أحداث هي أكبر من قدرتها وأكبر من إمكانياتها. مستنكراً أن نظل ندخل في حروب طويلة المدى دون أن نتوقف. دعوة لجرد الحساب وتابع الشيخ سلمان حديثه إلى الظواهري وقال: أقول للدكتور أيمن الظواهري وقد كتب كتاباً اسمه (الحصاد المر) يتكلّم فيه عن سبعين عاماً من تجربة الإخوان المسلمين، وأنا أؤيد أن يكون هناك مراجعة للجماعات الإسلامية من الإخوان المسلمين أو السلفيين أو الجهاديين أو سواهم ، وللشعوب وللحكومات_ والحديث للعودة_، فالمراجعة مبدأ شفاف ونظيف ، لكن أما وقد كتب الظواهري في شأن جماعات ربما يكون الأمر الذي وقع أصابها هي نفسها ولم يتعدّ إلى غيرها من الشعوب والجماعات ، ولم يكن هناك مغامرات بهذا المستوى الذي نتحدث عنه، أفلم يكن جديراً وقد عاش أيمن الظواهري مع جماعة الجهاد الجماعة الإسلامية في مصر والتي معظم رفاق الطريق فيها غيّروا آراءهم ومواقفهم وأعلنوا مراجعاتهم بما في ذلك « سيد إمام » وسواه ، أليس جديراً بعد ثماني سنوات من أحداث سبتمبر أن يكون وقفة لجرد الحساب وجرد عدد الذين ذهبت دماؤهم في هذا السبيل ، وحساب كم من الشعوب الإسلامية التي تضررت ؟! ألا يخاف الله؟ وواصل الشيخ سلمان نداءه قائلاً: ألا يخاف الله -سبحانه وتعالى- أن يأتي يوم القيامة يحمل هذه الرقاب الضخمة وهي تقول : » يا رب سل هذا فيم قتلني بغير الحق » ! مؤكداً أن هذه المراجعة قضية تتطلب بصيرة وشجاعة أكثر من الشجاعة في قتل الآخرين، في أن يكون عند الإنسان شجاعة مواجهة نفسه وفي مراجعتها. ووصف العودة هذه الجرأة في القتل كأنها نار انطلقت شراراتها إلى كل بلد إسلامي، فأنت تجد اليوم الجزائر، وتجد في السعودية ، وتجد في العراق ، وفي الصومال أحداثاً كثيرة وشباباً أصبح القتل عندهم مهمة مقدّسة ، وهم : لا يَسأَلونَ أَخاهُم حينَ يَندُبُهُم *** في النائِباتِ عَلى ما قالَ بُرهانا غياب المرجعية الشرعية وأكد الشيخ سلمان أن كثيراً من هؤلاء الشباب لا ينطلقون من قناعات شرعية ، ولا من قناعات عقلية وإنما ينطلقون من وضع مأسوي نفسي ، ونوع من الإحباط والإحساس الداخلي بالكبت والقهر ، فهي حالة من العدمية تجعل هذا الشاب مستعداً أو يملك أرضيّة أن يتقبّل مثل هذه الأفكار ويذهب فيها. وذلك في الوقت الذي يتحدث الإعلام عن دموية الإسلام بسبب ممارسات بعض الشباب الذين لم يعطوا أنفسهم فرصة أن يتوقفوا. وأشار الدكتور العودة إلى أن معتنقي هذا التوجه في التكفير والقتل يعتبرون مسألة التفاوض أو الحوار حتى مع إخوانهم غير واردة، بينما نحن نجد أن كثيراً من العسكريين حتى في العالم من الجيش الجمهوري الأيرلندي إلى جنوب السودان إلى الجماعات الإسلامية المقاتلة التي أعلنت تراجعها، أن كثيرا من الناس أصبحوا يدركون أن بإمكانهم الحصول بالسلم وبالتفاوض وبالحكمة وبالصبر وبالوسائل العصرية الحديثة ما لا يستطيعون الحصول عليه بالقسوة والقوة، بل إن القوة والقسوة لم يحصل الناس فيها على شيء قط على الإطلاق، اللهم إلا مزيداً من النزيف ومزيداً من الدماء وتشويه صورة الإسلام، وأن يتحدّث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. موضحاً كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك قتل المنافقين ليس لأنهم لا يستحقون القتل وهم الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أيضاً ميثاق شرفهم ووطنيتهم لدولتهم ، ولكن « لِئَلاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ » ، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- !
(المصدر: موقع أخبار البشير الإلكتروني بتاريخ 14 سبتمبر 2009)
فضل الله يصدر فتوى تحرم التطبيع مع إسرائيل
AFP أصدر المرجع الديني الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله الأحد فتوى تحرم التطبيع مع إسرائيل، داعيا المراجع الدينية الإسلامية إلى التحرك «لنزع الشرعية عن أية محاولة لإمضاء صك احتلال اليهود لفلسطين». وجاء في الفتوى الصادرة عن مكتب العلامة فضل الله «يحرم شرعا أية حالة للتطبيع مع العدو الصهيوني»، مؤكدا أن «الفتوى بحرمة التطبيع على كل مسلم». وشدد آية الله فضل الله على أن «عدم شرعية التفريط بأي شبر من أرض فلسطين، هو خط إسلامي شرعي لا ينطلق التنظير له من خصوصية مذهبية، وإنما يمثل قاعدة ينطلق منها كل تفكير فقهي شرعي اجتهادي أصيل». وتابع «نشدد في هذا المجال على علماء الأمة، من الأزهر، إلى أرض الحرمين، إلى النجف، إلى قم، إلى غيرها من حواضر المسلمين الدينية، أن يتحركوا لتحديد الموقف الإسلامي الواضح إزاء ما يحاك للأمة، ونزع الشرعية عن أية محاولة لإمضاء صك احتلال اليهود لفلسطين، أو الانخراط في التطبيع مع هذا العدو بأي شكل من الأشكال (..)». وذكر فضل الله في بيانه بالفتوى التي أصدرها سابقا والتي قضت «بحرمة التعامل التجاري مع الكيان الغاصب، وكل من يدعمه في احتلاله وتمكينه من قتل الفلسطينيين واضطهادهم وتشريدهم». وتأتي هذه الفتوى في الوقت الذي تضاعف فيه واشنطن جهودها الدبلوماسية لإعادة إحياء محادثات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، والتي ترجمت خصوصا بالزيارات المكوكية التي يقوم بها المبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل إلى المنطقة. وكان ميتشل حض، خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة في يوليو، الدول العربية على القيام بمبادرات إيجابية تجاه إسرائيل لإيجاد «المناخ» الملائم لمفاوضات سلام شاملة مع الدولة العبرية. وقال يومها إثر لقائه الرئيس المصري حسني مبارك «نحن لا نطلب تطبيعا كاملا في هذه المرحلة. نحن نقر بأن هذا الأمر يأتي لاحقا». وسبق لمصر، التي تربطها بإسرائيل معاهدة سلام، أن أعلنت مرارا أن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل يمكن أن يحصل بعد استئناف مفاوضات السلام وتجميد الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة.
(المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 14 سبتمبر 2009)
سبتمبــــــــر
خليل العناني 2009-09-14 أعطى وصول باراك أوباما للسلطة في الولايات المتحدة مذاقاً مختلفاً للذكرى الثامنة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وجعلها تبدو هذه المرة مختلفة تماماً عن سابقاتها. وهو اختلاف لا يرتبط فقط بالشكل ممثلاً في خروج المحافظين الجدد، الذين أشعلوا العلاقات الدولية، ووتَّروا النظام الدولي بشكل لم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإنما أيضا اختلاف يرتبط بالمحتوى والمضمون الذي أدخلته إدارة أوباما على المفاهيم الحاكمة للسياسة الخارجية الأميركية ومنظومة الأمن القومي. كلمة السر في مقاربة أوباما الجديدة هي «12 سبتمبر»، أي العودة بالزمن إلى اليوم التالي لأحداث سبتمبر 2001 ومحاولة التصرّف على نحو مغاير تماماً لما كانت عليه الحال عشية ذلك اليوم. يدرك أوباما جيداً أنه ورث تركة ثقيلة من أخطاء وخطايا المحافظين الجدد، بيد أنه يصرّ على التعاطي معها بمسؤولية وبرؤية مختلفة. وهو ما يمكن الإشارة إليه سريعاً في أربع نقاط، أولها تغيير الركيزة الأساسية للسياسة الأميركية من فكرة «الحرب على الإرهاب» بعموميتها وضبابيتها، إلى فكرة «عزل المتشددين والمتطرفين» بشكل واضح ومحدد. وثانيها، استبدال المبدأ الأساسي للحرب على الإرهاب وهو مبدأ «الضربات الوقائية» الذي أرساه المحافظون الجدد، وتم تطبيقه في أفغانستان والعراق، بمبدأ «مساعدة الحلفاء» مادياً ولوجستياً في مواجهة المتطرفين والمتشددين. وثالثها، التحول من سياسة «كسب القلوب والعقول» التي تم تنفيذها بشكل ساذج وغير مقنع، إلى سياسة بناء الثقة وتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي بشكل ملموس وواقعي. ورابعها التعاطي مع الجذور الحقيقية للإرهاب والتطرف، ما يعني النظر بجدية في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تضع البذرة الأولى لأفكار التشدد والتطرف. قطعاً لن يحدث تحول مفاجئ في العقل الأميركي، الرسمي والشعبي، وذلك فيما يخص النظر للإسلام والمسلمين، فتلك مسألة يداويها الزمن، وتدعمها إجراءات وسياسات لبناء الثقة يسهم فيها الطرفان بشكل جريء، بيد أن التحول الذي أحدثه أوباما في ميكانيزمات الحرب على الإرهاب (وهو بالمناسبة لا يحب استخدام هذه العبارة)، فضلاً عن رغبته في تحسين العلاقة مع العالم الإسلامي سيكون لها تأثير مهّم ومؤثر على نظرة كِلا الطرفين للآخر. السؤال الوحيد الذي قد يطارد باراك أوباما وينغّص عليه رئاسته هو: ماذا لو استغل تنظيم القاعدة، ومن يدور في حلقته، التغيّر في استراتيجية الحرب على الإرهاب، من أجل إعادة بناء شبكته وقدراته الذاتية، ثم قام بتوجيه ضربة موجعة للأمن القومي الأميركي سواء داخلياً أو خارجياً؟ وأغلب الظن أن أوباما يدرك جيداً إمكانية وقوع مثل هذا التحدي، لذا فهو قد حصّن نفسه بشكل ذكي حين أصرّ على إغلاق معسكر غوانتانامو وفتح باب التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات التعذيب التي جرت مع المحتجزين فيه، وذلك من أجل سحب أي مبرر قد يغلّ يده لاحقاً في مطاردة القاعدة حول العالم. كما أنه عمل على إحداث تحسّن جزئي في صورة بلاده في العالم الإسلامي، وذلك من أجل خلق رأي عام عربي وإسلامي قد يحتاج إليه لاحقاً إذا ما قرر القيام بهجوم ثقيل ضد قيادات القاعدة وخلاياها. وتبقى معضلتان أساسيتان قد تعطلان استراتيجية أوباما في مسألة الحرب على الإرهاب، وقد تكلفانه ثمناً سياسياً باهظاً. المعضلة الأولى هي كيفية مواجهة الهجوم الشرس الذي يتعرض له من أقطاب المحافظين الجدد وفي مقدمتهم ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق، وكارل روف مستشار بوش السابق، وبول وولفويتز مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد. وهؤلاء جميعاً لا يتورعون عن انتهاز أي فرصة للهجوم على سياسات أوباما فيما يخص حماية الأمن القومي الأميركي، وهم الآن يشنّون حملة ضارية على قرار أوباما بفتح تحقيق في انتهاكات وكالة المخابرات المركزية (C.I.A) في معاملة معتقلي غوانتانامو، لأنه قد يكشف الكثير من خباياهم وكوارثهم التي ارتكبوها طيلة السنوات الثماني الماضية. أما المعضلة الثانية فهي الوضع المزري للقوات الأميركية في أفغانستان. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية أخباراً سيئة لاستراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان سواء بسبب زيادة هجمات طالبان أو بسبب انخفاض التأييد الشعبي الأميركي للحرب هناك بوجه عام. وهو ما يضع ضغوطاً كبيرة على أوباما الذي يراهن على أن أفغانستان يجب أن تكون الجبهة الأساسية في الحرب على الإرهاب، وقيامه بضخ المزيد من القوات والأموال هناك، في حين تتزايد الرغبة لدى كثيرين بضرورة التفكير في وضع جدول زمني للانسحاب من أفغانستان. وهو ما يرفضه أوباما بشكل قوي، على الأقل حتى الآن.
kalanani@gmail.com (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 1 سبتمبر 2009)
هكذا يضمن أوباما بقاء إسرائيل تحت سيطرة اليمين !!
صالح النعامي ارتبط وزير خارجية بريطانيا الأسبق جيمس آرثر بلفور بوعده المشؤوم الذي منح اليهود ما لا يحق لهم بإقامة وطن » قومي » لهم على أرض فلسطين. حكومة بلفور في ذلك الوقت استغلت مكانة بريطانية الاستعمارية وكدولة انتداب في فلسطين و كأكبر قوة في العالم في التصرف بأرض فلسطين على النحو الذي عبر عنه الوعد المشؤوم. المفارقة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي بشر بعهد جديد في العلاقات الدولية يفاجئ كل الذين راهنوا عليه بالإصرار تحديدا على العودة إلى نمط التفكير الذي أملى على بلفور وحكومته إصدار الوعد إياه. والحقيقة إننا لا نطلق هذا الحكم جزافاً، بل نعتمد على البيان الرسمي الذي صدر عن وزارة الحرب الإسرائيلية مساء الإثنين الماضي والذي يدلل بشكل لا يقبل التأويل على أن أوباما في طريقه ليحتل نفس المكان الوضيع الذي احتله بلفور قبل 92 عاماً. فحسب البيان فإن قرار الحكومة الإسرائيلية ببناء مئات الوحدات السكنية في القدس ومحيطها والتجمع الإستيطاني » غوش عتصيون « ، ومنطقة الأغوار والمستوطنات الواقعة غرب الجدار تم بالتنسيق الكامل مع الإدارة الأمريكية، مع العلم أن هذه المناطق تشكل خارطة المصالح الإستراتيجية لإسرائيل في الضفة الغربية، والتي في حال تحقيقها فإن الحديث الأمريكي عن دولة فلسطينية يصبح ليس أكثر من استغفال وذر للرماد في العيون. دولة الكانتونات فتسليم إدارة أوباما بإقتطاع هذه المناطق التي تشكل أكثر من 50% من مساحة الضفة الغربية يعني أن الدولة الفلسطينية العتيدة التي يبشر بها أوباما لن تكون أكثر من كانتونات تفصل بينها المستوطنات اليهودية . وعندما سئل وزير البنى التحتية الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر عن تفسيره للبيانات الأمريكية » الغاضبة » التي صدرت عن البيت الأبيض في أعقاب القرار الإسرائيلي، قال بن اليعازر – المعروف بميله للثرثرة وعدم قدرته على حفظ الأسرار – أن الإنتقاد الأمريكي للقرار الإسرائيلي ليس أكثر من » ضريبة كلامية » تدفعها إدارة أوباما لإرضاء العرب، ملمحاً إلى أن كل التفاصيل المتعلقة بالبناء في المستوطنات قد تم الإتفاق عليها بين وزير الحرب إيهود براك والمبعوث الأمريكي جورج ميتشيل. ومن خلال التسريبات المتواترة والمتعلقة بالسر المعلن والمتمثل في الإتفاق الأمريكي الإسرائيلي بشأن المستوطنات، والذي يتحدث عن تجميد مؤقت للإستيطان لمدة تسعة أشهر، يتبين أن إسرائيل ستبني في المستوطنات خلال السنة الأولى في عهد أوباما عدداً من الوحدات السكانية يفوق العدد الذي بني خلال أي عام منذ العام 1967، وهذا بالضبط ما جعل غلاة المتطرفين في حكومة نتنياهو من أمثال أفيغدور ليبرمان وموشيه يعلون وبني بيغن يبلغون نتنياهو يعبرون عن تأييدهم لفكرة » التجميد المؤقت « . التجميد الكاذب فالإتفاق المتبلور ينص على أنه من حق إسرائيل خلال فترة التجميد مواصلة البناء في الوحدات السكنية التي هي قيد البناء، وبالفعل هناك 2500 وحدة سكنية ينطبق عليها هذا الشرط، لكن هذا العدد لا يكفي لإرضاء غرور اليمين الهاذي في إسرائيل، فما كان من ميتشيل إلا أن توصل لإتفاق مع براك بأن تقوم الحكومة الإسرائيلية بمنح التراخيص لبناء 1500 وحدة سكنية جديدة، وذلك حتى موعد الإعلان عن » التجميد المؤقت » في منتصف أكتوبر القادم، أي بعد أن يعلن أوباما عن مبادرته للتسوية. وعندما يتم الإعلان عن التجميد المؤقت فإن واشنطن وتل أبيب سترى في بناء الوحدات الجديدة أمر ينسجم مع مفهوم » التجميد المؤقت » على اعتبار أنه شرع في بنائها قبل الإعلان. من هنا فإن إسرائيل خلال فترة » التجميد المؤقت » تكون قد بنت 4000 وحدات سكنية في مستوطنات الضفة، ناهيك عن أن المستوطنات في القدس التي لا يشملها الاتفاق، أي أنه خلال العام الأول من عهد أوباما سيضمن قدوم 32 ألف يهودي للإستيطان في الضفة الغربية، وهذا ما لم تتمكن إسرائيل من إنجازه في عام واحد منذ العام 67. بلا مقابل أن من دواعي الاستفزاز العارم تجاه السلوك الأمريكي حقيقة أن أوباما تعهد لإسرائيل مقابل التجميد – الذي لن يكون – بأن تحصل على انجازين استراتيجيين من الطراز الأول. فمقابل مهزلة التجميد فإن أوباما سيعمل على إقناع دول العالم بفرض عقوبات جدية على إيران لإجبارها على وقف برنامجها النووي. وفي نفس الوقت ضمان قيام الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وحتى لا يكون هناك مجال لسوء فهم، فأنه من المعروف أن حكومات اليمين في إسرائيل لم تتشجع في يوم من الأيام للتطبيع مع الدول العربية، لكن حكومة نتنياهو تصر عليه وتعتبره شرطاً أساسياً قبل موافقتها على » التجميد الإفتراضي « ، لأن التطبيع في عرف وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم يجب أن يضمن إستعداد الحكومات العربية المطبعة للتعاون مع تل أبيب في مواجهة البرنامج النووي الإيراني. أن الخطورة في تعاطي أوباما مع القضية الفلسطينية لا تنحصر فقط في منح إسرائيل كل هذه الإنجازات على حساب الشعب الفلسطيني المظلوم وعلى حساب مصالح العالم العربي الذي منحت حكوماته أوباما الجرأة على هذا السلوك الذي يعكس عدم احترام وعي الحكام العرب وتحديداً أولئك الذين يمسكون بمقاليد الأمور في دول » محور الإعتدال « ، بل يتعداه إلى أن أوباما في الواقع يمنح اليمين في إسرائيل قوة دفع هائلة. فاليمين بقيادة نتنياهو بإمكانه أن يقول – وبحق – أن سياساته وبرامجه أثبتت نفسها، وأن بإمكان إسرائيل تحقيق مصالحها الإستراتيجية إنطلاقاً من هذه البرامج والسياسات. من هنا فإنه ليس من المستهجن أن تتعالى الأصوات داخل حزب » كاديما » المعارض المطالبة بالإنضمام لحكومة نتنياهو بعدما أثبتت جدارتها في مواجهة إدارة أوباما. من هنا فإن أوباما يضمن بقاء اليمين في الحكم في إسرائيل لفترة طويلة………. وهنيئاً للعرب هذا الإنجاز.
شيخوخة تصارع الزمن
وائل الحديني باستثناء القليل، يرتدي الباحثون المصريون عدسات أيدلوجية، ويغيبون العقل عند دراسة الأزمة التي تعيشها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ولا أقصد بالأزمة افتراض وجود خلل في الهيكل أو الرباط الفكري الذي يجمع ربما مئات الآلاف من الأشخاص المتباينين بما يهدد وجود الجماعة، بقدر ما أقصد الإشارة إلى المعارك التي تجد الجماعة نفسها فيها مرغمة أمام نظام مستبد، وبذا تتحول الدراسات التي يُفترض فيها أن تدرس الظاهرة بعمق إلى مجرد كتابات رأي سطحية تفتقد الرؤية وتبتعد عن الحيادية، لتعبر عن الآخر، وتتبنى فهمه، وتتفهم إجراءاته. لذا يجب التفريق بين الباحث والكاتب! لا أنكر أن الباحث خليل العناني يُشَرح الواقع فيما يخص العلاقة بين الإخوان والنظام بشكل -إلى حد ما جيد- لكن يبقى العنوان الذي استعرته منه عنواناً لمقالي –هذا- يمثل إطاراً كبيراً لفهمه لا يتجاوزه، كما يخرجه عن حياديته ويضعف من استدلالاته واستنتاجاته. بدايات الأزمة الأزمة الحالية مغالطات تحتاج إلى تصحيح فرص الإخوان في تجاوز الأزمة بدايات الأزمة » كلما كان النظام المصري يشيخ ويترهل كلما كانت أعراض الخوف تتزايد لديه من الجماعة الفتية التي أحكمت قبضتها في صفوف النخبة، وجمعت بين الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية » في الصفحات القادمة أحاول الوقوف على أبعاد الأزمة الحالية بين النظام والإخوان في مصر مع فتح باب النقاش حول عددٍ من الأفكار التي وضعها خليل العناني حول نفس القضية في مقال له بعنوان: « النظام والإخوان في مصر، هل تتغير قواعد اللعبة؟ » والذي نشر عبر موقع مركز الجزيرة للدراسات. ـ بداية أنا لا أفترض ما ذهب إليه من أن العلاقة بين الإخوان والدولة وصلت إلى مرحلة خطيرة وغير مسبوقة من التوتر والاحتقان! ربما التوتر والاحتقان هو الحالة الغالبة، وغير ذلك يمثل الاستثناء، فهناك إشارات إلى أن حادث الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992 كان نقطة تحول في علاقة نظام مبارك بالإخوان، مبارك الذي كان عائداً من الصين ووجد حكومته عاجزة عن الحركة أمام هول الصدمة، بينما كانت الجمعيات التابعة للإخوان قد قامت بجهود إغاثية وأدارت الأزمة بمهنية وحرفية، وتقدمت الجماعة خطوة إلى الأمام، في حين تراجع الآخرون خطوات إلى الخلف! في معرض حديثه عن قضية سلسبيل يقول حسام تمام الباحث المتخصص في الظاهرة الإسلامية تأكد « للنظام بالدليل قوة الجماعة وأنها صارت أقرب لدولة موازية له، لكنها تفتقد لكل عيوب وترهلات الدولة التي يديرها هو! » لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، عدد سبتمبر/ أيلول 2005. وكلما كان النظام المصري يشيخ ويترهل كما وصفه تقرير التايمز الذي نشرته مجلة المجتمع الكويتية في أواخر عام 1995: (قديم بِقدم مومياوات عصور ما قبل التاريخ ) كلما كانت أعراض الخوف تتزايد لديه من الجماعة الفتية التي أحكمت قبضتها في صفوف النخبة، وجمعت بين الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية. ما حدث في الجزائر أيضاً كان حاضراً في الصورة، فترك الإسلاميين بقدر من الحرية سيعطيهم أولوية لدى الناخبين في حال أجريت انتخابات بها قدر من الحرية، مما يقرب السيناريو الجزائري، ويدخل البلاد في دوامة العنف.. الاستقطاب هنا كان بين شيخوخة نظام منعزل، وفتوة جماعة متجذرة، ومن يغفل عن هذه الحقيقة يحتاج إلى إعادة إمعان نظر! في نقاش عن الديمقراطية في العالم العربي على قناة الجزيرة الفضائية طرح الكاتب اللبناني جهاد الخازن فكرة جديدة: قال من أفضل من بشار الأسد ليتولى الحكم في سوريا؟ ومن أفضل من جمال مبارك ليتولى الحكم في مصر؟ ، رد عليه د / برهان غليون: أنا أحملك المسؤولية، أنت الآن تدشن لعهود الجمهوريات الملكية! وهو ما كان! عودة جمال مبارك من بريطانيا! تزامن معها عودة مجموعة من رجال الأعمال المقربين إليه، حيث تزاوجت السياسة برأس المال تحت مسمى الإصلاحات الاقتصادية التي، كما نقلت الكثيرين إلى (جيوب الأغنياء) في المناطق الجديدة، أحدثت شروخاً في المجتمع، وانهيارات في القيم والمؤن، رممتها الجماعة بإمكانياتها المحدودة التي استفادت في شق منها بما حدث، وبنزاهتها المعروفة، مما ضخ دماءً جديدة على الدوام في شرايين النظام قللت من حجم الرفض وفرص العصيان والخروج إلى الشارع! الاستقطاب هنا كان بين الفساد والشرف، والهيمنة والبذل! في عام 1996 كانت الضربة الموجهة للإخوان قاصمة، لكن نتائجها ما كانت لتخرج النظام من شيخوخته، وتعافيه من غيبوبته، كما أنها لم تكن كافية لاستئصال جماعة خرجت سالمة من فم جمال عبد الناصر، وبراثن السادات. منذ ذلك الوقت والضربات لا تتوقف بمبرر أو بدون، تحركها مصالح جهات داخلية أو خارجية. في عام 2004 خرج الآلاف من أعضاء الجماعة في جنازة مهيبة وسط الدلتا لتشييع د / أنور شحاته أعقب ذلك ضربة قاصمة أخرى وخطط محكمة للتدمير أوقفتها جثة أكرم الزهيري الذي قضى تحت التعذيب وإهدار الكرامة، المشهد العراقي كان حاضراً في الصورة هذه المرة، فالتظاهرات التي حركتها الجماعة رفضاً للغزو، وإحراج الدولة، لم تكن لتمر بدون حساب. تم وضع عدد من أساتذة الجامعات في دواسات السيارات تحت أقدام غليظة لعساكر اختمرت في رؤوسهم عوامل الفقر والحاجة والعوز والجهل! وفي 2005 حققت الجماعة نصراً تاريخياً ساعد في تحقيقه عدداً من العوامل من بينها: ـ انهيار منظومة النظام القيمية والأخلاقية وانتشار الفساد. ـ تزايد حالات الفقر بشكل غير مسبوق، والفشل في القيام بأي استحقاقات للجماهير. ـ الضغوط الخارجية بعد خطاب كوندليزارايس الشهير في الجامعة الأمريكية في 20/6/2005، الذي كان امتداداً لخطاب مدير إدارة التخطيط السابق بوزارة الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس، حول الحاجة إلى إعادة تشكيل شرق أوسط جديد يتبنى قدراً من الديمقراطية، لتجاوز كراهية شعوب المنطقة لأمريكا، والناتجة عن دعم أمريكا الحكومات الديكتاتورية على مدى عقود. ـ خروج عشرات الألوف من أنصار الجماعة إلى الشارع في كل مركز وقرية لدعمها في مواجهة الدولة، والنظام والأمن، ووسائل الإعلام فمن يملك القدرة على التحريك هنا، ومن يقضي انعزالا وضعفاً؟ الأزمة الحالية » هُزِم إعلام الدولة الذي قام بحملة تشهير وقائية مبكرة ضد المقاومة، أمام حركة الشارع، ووضعت كتابات بعض رموز الحملة في موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، كمتبنين لخطابها، كما فشلت الدولة في الشارع، وفشلت إسرائيل في إعادة فتح، أو تحييد حماس، وهكذا هزمت إسرائيل وبالتالي هزم معسكرها في الساحة المصرية وغيرها » أعتقد أن هذه الأزمة وتوصيف أسبابها يمر عبر عدة سياقات متشابكة ومتداخلة: السياق الأول: عبر حرب غزة الأخيرة، لتصفية الحساب مع من اعتبروه هم حملة فضح حَركَتها الجماعة، ضد ما اعتبرته هي تواطؤا وانحيازا سافرا للكيان الصهيوني في حربه التي كانت تستهدف استئصال حماس، وإعادة فتح وذلك بسبب عدد من الإجراءات قامت بها الجماعة ومن بينها: إخراجها تظاهرات صاخبة بصورة أساءت إلى النظام ورموزه، وبشكل فشلت الدولة في التعاطي معه. قاد نوابها حملة لما اعتبروه فضح المخططات والتواطئ، (قدم د / حمدي حسن استجواباً به 12دليلاً يؤكد التواطؤ) قاد أنصار الجماعة في الخارج تظاهرات شهدت تجاوزات -قد لا تسأل الجماعة عنها- ضد رمز الدولة. تبنت أذرع الجماعة حملات للتوعية وجمع التبرعات، وصل بعضها إلى العريش أمام أعين الدولة، دخل جزء منه إلى القطاع المحاصر، وأعدم البعض بحضور محافظ شمال سيناء، وبيع الآخر في مزادات، أو تم نهبه! وكانت النتيجة: أن هُزِم إعلام الدولة الذي قام بحملة تشهير وقائية مبكرة ضد المقاومة، أمام حركة الشارع، ووضعت كتابات بعض رموز الحملة في موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، كمتبنين لخطابها، كما فشلت الدولة في الشارع، وفشلت إسرائيل في إعادة فتح، أو تحييد حماس، وهكذا هزمت إسرائيل وبالتالي هزم معسكرها في الساحة المصرية وغيرها. كان لابد من رد الصفعة، لكن يمكن القول إنه إذا كانت إسرائيل بترسانتها العسكرية وجيوشها الإعلامية، وجحافل من المتعاونين والمتواطئين، ودعم عربي، وأوربي، وأمريكي قد فشلت في استئصال شأفة حماس، فهل ينجح النظام المصري في استئصال شأفة الإخوان السياسية، وتحويل الجماعة إلى ما يشبه قطعة أثرية يمكن وضعها في متحف التاريخ المصري، كما يقول العناني؟! السياق الثاني: الإخوان حماس الهدف: قطع أذرع دعم حماس وخطوط إمدادها التي تمر عبر الإخوان في مصر وذلك لتحقيق عدد من الأهداف: إجبار الحركة على تنفيذ صفقة الأسرى بدون تحقيق نجاحات كبيرة تضاف إلى رصيدها. الحصول على تنازلات منها في ملفات الحوار ليس أقلها عودة آلاف جنود الأمن الوقائي إلى القطاع. تقييد الأذرع العسكرية لحماس، لضمان عدم استفزازها للكيان المحتل، ولإضعافها في أي حروب قادمة. ويؤكد هذا السياق عدداً من الإجراءات: – حملة إعلامية رهيبة قبل وأثناء وبعد الحرب الأخيرة. – اعتقالات في صفوف الإخوان لمنع خروج التظاهرات، ثم التعقل في مواجهتها، ثم اعتقالات بعد ذلك. – تبني خطاب يتماهى في كثير من أطروحاته مع الخطاب الصهيوني على المستوى السياسي والإعلامي. – مزاعم وفد الترويكا، وساركوزي حول رسائل منقولة لأولمرت بأهمية هزيمة حماس وخروج إسرائيل منتصرة. – ضرب لجان الإغاثة واعتقال قيادات نقابة الأطباء وإتحاد الأطباء العرب. – تحييد الصحف المستقلة ربما بصفقة طويلة الأمد لم تعلن للآن تفاصيلها. – التشكيك في إيصال الجماعة للمعونات للقطاع، رغم أن الكثير منها دخل تحت راية الهلال الأحمر، وكميات كبيرة ما زالت مكدسة في العريش، والبعض أعدم، أو أقيمت عليه المزادات. السياق الثالث: الضغط على الجماعة ليس بغرض الإضعاف، وإنما الضغط النفسي لإجبارها على صفقة بسقف منخفض، تمتنع الجماعة بموجبها عن الدخول في الانتخابات التشريعية القادمة والصمت حيال عملية التوريث، مقابل الإفراج عن أعضائها المعتقلين، وإغلاق ملف القضية الحالية، والإفراج عن معتقلي العسكرية الذين حكم القضاء الإداري بالإفراج عنهم. السياق الرابع: تدويل القضية ونقل المعركة من الداخل إلى الخارج للحصول على شرعية المحاكمات والإجراءات الاستثنائية تحت عنوان، حماية الكيان الصهيوني، ووقف الدعم عن حماس على اعتبار أن تلك المبررات قد تكون مقبولة، وتمرير ذلك الملف برمته كمقدم لعملية التوريث.. السياق الخامس: وجود صراع غير معلن بين عدد من أجنحة النظام، يتصور أحدهم أن تمرير التوريث لا بد أن يمر عبر ضرب الإخوان وملاحقتهم لاستنزاف قوة الجماعة، واستعراض القوة أمام الخصوم، بينما تتمنى الأطراف الأخرى أن تكون المواجهة محدودة بما يضعف الطرفين، ويصب في صالحها. السياق السادس: قد تكون هناك رغبة لدى بعض الأطراف في جر الجماعة إلى أتون مواجهة، يتخلص فيها النظام من عبء مشكلاته، ويلقي عليها تبعات الفشل في تحقيق أي إنجازات، أو استحقاقات. وكان الكاتب البريطاني روبرت فيسك قد أشار في دراسة مطولة نشرتها الإيندبيندنت تحت عنوان « مشاهد من حرب غير مقدسة » -في نهاية التسعينات- عن أدوار مؤكدة لقوى الأمن الجزائرية في الدس، والتحريض بهدف عدم التوصل إلى وسائل توقف نزيف الحرب الطاحنه التي شهدتها البلاد، وقضى فيه عشرات الآلاف، بسبب زيادة الاعتمادات، والمخصصات التي كانت تحصل عليها تلك الأجهزة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى زيادة الصلاحيات والنفوذ الذي تحظى به وقت الأزمات إلى مستويات لا تتحقق في حال السلم! مغالطات مطروحة، تحتاج إلى تصحيح » باعتقادي أن هذه الفكرة طرحت مراراً وتكراراً كنصح موجه للحركة الإسلامية بغرض الالتفاف على عمليات الحظر والتضييق الذي تتعرض له على مدى عقد من الزمن وتبنى الدعوة إليها في بعض الأوقات الكاتب الأردني ياسر الزعاتره! الذي كان يطالب بإرسال تطمينات مباشرة إلى النظم بما يمثل هدنة مؤقتة، ومقننة » – هل يمكن القول إن النظام استطاع تحييد الشارع تجاه الإخوان (كما يؤكد العناني)؟ أو على الأصح القول إن الإخوان لم يقوموا باستدعاء الشارع إلى ميدان مواجهتهم مع النظام؟ – هل توجد دلائل على أن الجماعة تعيش أكثر حالاتها عزلة سياسية، واجتماعية (كما يؤكد العناني )؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو، فلماذا إذن يلجأ النظام إلى عمليات تزوير واسعة للانتخابات، وعلى الملئ، إذا كان خصمه قد تم تحييده وعزله؟ – هل الإخوان معزولون جماهيرياً (كما يؤكد العناني): هل يمكن تعريف المعزول على أنه: من يستطيع تحريك الملايين في تظاهرات متزامنة، أم الذي يعجز عن إخراج العشرات إلى الشارع ويلجأ للجنود بعد تبديل الزي، وبقاء الهيئة؟ أيضاً لا يمكن الزعم أن جماعة بقدر جماعة الإخوان التي تدخل عامها التسعين، مرشحة للانهيار (كما يؤكد العناني)! فلا توجد إرهاصات تؤكد ذلك، فلم تحدث انشقاقات كبيرة في صفوف الجماعة، رغم ما تعرضت له من ضربات قاسية طوال العقدين الأخيرين، إلا في حالات فردية، لا يجوز الاستناد عليها في الإطلاق! المقارنة هنا بين كيان مؤسسي متماسك، وحزب نشأ في إطار رؤية معينة، وظرف معين، ويمر بأوضاع معينة، يعجز فيها عن إجراء انتخابات صغيرة بوحدات حزبية، تستخدم فيها الجنازير، والعصي. وعليه يصبح السؤال المطروح: – أيهما مرشح للانهيار وتحول أنصاره إلى جيوب صغيرة: الذي يخرج أفراده عن الالتزامات الحزبية، أم المتماسك، في الحركة، والسكون؟ – ثم: أي الرباط أقوى، القيمي، أم رباط المصالح؟ والمثير للاستغراب أكثر هو الزعم بأن النظام سمح للإخوان بالحركة الاجتماعية المنضبطة مقابل التوقف عن تعاطي السياسة؟ باعتقادي أن هذه الفكرة طرحت مراراً وتكراراً كنصح موجه للحركة الإسلامية بغرض الالتفاف على عمليات الحظر والتضييق الذي تتعرض له على مدى عقد من الزمن وتبنى الدعوة إليها في بعض الأوقات الكاتب الأردني ياسر الزعاتره! الذي كان يطالب بإرسال تطمينات مباشرة إلى النظم بما يمثل هدنة مؤقتة، ومقننة. ولكن هل يمكن أن يوافق نظام يعيش أزمة، ويفتقد إلى الجماهيرية على منح خصمه فرصة للتعايش مع الجماهير، وحل مشكلاتهم، مع وعد من الخصم بألا يؤرق مضجعه إلا بعد فترة زمنية يتم التوافق عليها؟! كذلك أستغرب الادعاء أن الجماعة فشلت في إدارة أزمة حرب غزة، بدعمها العلني لحماس، على اعتبار أن الدعم الرمزي كان يكفيها؟ فهل كان يتوقع أن تتركها الجماعة لقمة سائغة للاحتلال، أم تتبنى معها حرب لا هوادة فيها تحت شعار بقاء حماس، أو نموت معاً؟ المؤكد أن الجماعة تقرأ المزاج العام جيدا، وتعرف ما كان يحاك لها بعد انتهاء الحرب! لكن الإشكالية تكمن في التعاطي مع المشكلات، ووجود رؤية للتعامل مع الأزمات عبر أطر، وإجراءات وليس أكثر! فرص الإخوان في تجاوز الأزمة » تكمن فرص الجماعة في الضرب على وتر مؤهلات الوريث، والتشكيك في قدراته على قيادة البلاد وكذا الضرب على وتر حصار غزة والتواطؤ والتعاون مع الاحتلال أضف إلى ذلك ملفات الفساد والعجز عن القيام باستحقاقات الشعب، والأزمات والمرض، الفقر، والإضرابات، والاعتصامات » لا يمكن القول إن هناك قوة سياسية بوزن الإخوان لا تمتلك أوراق ضغط، كما يشير العناني، فإذا كان النظام في أضعف حالاته، وهذا لا يحتاج إلى برهان، فالجماعة تستطيع المقاومة إلى أبعد مدى. لكن عليها الإيمان بأنه توجد مسافات شاسعة بين الصمت والحركة، والاستسلام، والتثوير! وكذلك علاج بعض الأخطاء البسيطة التي وضع العناني يده عليها تحت عنوان الأخطاء السبعة الكبرى، مع أن كثيرا مما ذكره يفتقد للمنطقية، بل يميل للتضارب والتضاد! تكمن فرص الجماعة في الضرب على وتر مؤهلات الوريث، والتشكيك في قدراته على قيادة البلاد وذلك قد يكون حلاً. وكذا الضرب على وتر حصار غزة والتواطؤ والتعاون مع الاحتلال، وهذا أيضاً قد يمثل حلاً. أضف إلى ذلك ملفات الفساد والعجز عن القيام باستحقاقات الشعب، والأزمات والمرض، الفقر، والإضرابات، والاعتصامات وهي أوراق ربما تستطيع الجماعة بتفعيلها والابتعاد بها عن نفق الصفقة، نحو إيجاد مساحة للمقاومة! كما أنه يمكن للجماعة دعم أحد الأجنحة المتصارعة على حساب الآخرين! والبديل لذلك كله أن تميل الجماعة لقدر من الانعزال، وتتجه للداخل، وتعمل على تقوية أواصر العلاقة والترابط، والتلاحم بين أفرادها، في سبيل تجاوز أي فرصة للهدر البشري، مع تزايد الضغوط . وإذا كان العناني يخاف من استنساخ التجربة الجزائرية فيمكن التأكيد على أن السيناريو الذي اعتبره راجحاً عصي على الحدوث في مصر، ومع ذلك فإن الجماعة تملك القدرة على استلهام التجربة الإيرانية الأولى والثانية في الماضي والحاضر. في توصيفه لأسباب الثورة الإيرانية يرى برهان غليون أن إيران التي لم تستطع المرور عبر الحقبة القومية التي عاشها العرب بسبب السيطرة الغربية الطاغية عليها ممثلة في نظام الشاه -الذي عمل حارسا للمصالح الغربية، وكان من أقسى النظم وأكثرها فسادا وتمييزا ضد عامة الشعب- لكنها كانت سباقة في الولوج إلى مرحلة ما بعد الحقبة القومية بثورتها الإسلامية، التي جاءت ردا على حداثة قاهرة وسالبة معا، لا تعمل على تحقير الذات والتحلل من الهوية فحسب، ولكنها تحكم على الأغلبية الساحقة من الناس بالفقر والعطالة والذل والمهانة الأبدية. وفي ردها الاعتبار للناس العاديين -الذين احتقرهم النظام الأسبق وهمشهم تماما ورفض أن يعترف بأهليتهم السياسية، أي بمعاملتهم كمواطنين متساوين، وهو مكسب تجاوز في أهميته بكثير المكاسب المادية الأخرى- ردت الاعتبار في الوقت نفسه للعقيدة التي كانوا يحملونها، والتي تشير إلى هويتهم الثقافية، وتعبر عن شخصيتهم التاريخية، وهذا هو جوهر الترابط الذي حصل بين الإسلام والسياسة الإيرانية. إن ما حرك الجمهور الواسع في إيران ضد نظام الطغيان الشاهنشاهي لم يكن، كما سعى رجال الدين إلى تصويره فيما بعد، إتاحة فرصة أكبر لممارسة الشعائر الدينية، ولا صبغ معالم الحياة والعمل والتفكير جميعا بالصبغة الدينية أو الإلهية، ولا كان فرض الحجاب ومراقبة سلوك الأفراد الأخلاقي، ولا كان التسليم بسلطان الولاية الدينية وفرض وصاية رجال الدين على الحياة السياسية. كان محرك الثورة الإسلامية العميق الانعتاق من حياة الذل والهامشية والتمييز الاجتماعي والثقافي بما تعنيه من تكريس مبدأ المساواة واحترام الحقوق الإنسانية في الحرية والمشاركة السياسية. وكان لشخصية آية الله الخميني نصيبها أيضا في دفع الأفراد إلى التسليم بريادة الفقيه الولي، واعتباره الأمين على السلطة، والقيم على حسن ممارستها، بما يتميز به من بصيرة وشجاعة ونزاهة وابتعاد عن المصالح الشخصية.. خاتمة لا يجب أن يقف الباحثون أمام طبيعة الحرب التي يقوم بها النظام ضد فصيل من أبنائه، وكأن النزاع بين قوتين متكافئتين، لا يكفي الرصد والتحليل من خارج إطار الصورة الكلية، كما لا يجب غض الطرف عما يملكه الإخوان، وما يفتقده النظام، وقبل ذلك يجب تحييد الخلفية الثقافية للوصول إلى نتائج معتبرة. وكذا تقديم دراسات تُؤثر النصح، ولا تراهن على التحريض. لا يكفي رفضي أحد الخصوم مبرراً لهزيمته، ولا تكفي كلمة نظام، ودولة، ورمز لانتصار الطرف الفاعل! الحكم على الإخوان بالشيخوخة، غير عادل، لكن الحكم على النظام بها عادل بالبحث والرصد والاستقراء، وما كتبته هنا لا يتعدى مقالة فرضتها الحاجة، وقد تحتاج إلى بحث، واستكمال.. ولا يمكن التغاضي عن حقيقة سنن الانقراض والاستبدال الحضاري، فالنظام المستكبر الظالم مستحق للهلاك، وكذا الدعوات تحتاج إلى إعادة تقييم واستقراء للسنن. عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد… » فالحياة موقف وثبات على الحق ولو لم يجد الحق فرصة إلى التجمع البشري وإلى النصر، لكان الأولى بالأنبياء اعتزال الوحي، وخفض الراية، والانحياز إلى قيم الصفقة. كما أن إيقاظ الآخر من غيبوبته، وثوبته إلى مبادئ الحق والعدل هو في حد ذاته نصر، هكذا تُفهم سنن المدافعة والمغالبة في إطارها الأصغر والأكبر. _______________ كاتب مصري (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 14 سبتمبر 2009)