TUNISNEWS
7 ème année, N° 2170 du 01.05.2006
تونس نيوز: 1 ماي 2000 – 1 ماي 2006
قناة الحوار تستعيد البثّ ابتداء من الأحد المقبل 7 ماي 2006 بيان مشترك لعدة فروع للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات : بـــلاغ الوسط التونسية: الصحفي التونسي عبد الله الزواري يطلق مبادرة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الجزيرة نت. تيارات أقصى اليسار التونسي تسعى لقطب سياسي جديد البيان الختامي لمؤتمر دور القضاة في الإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي نواة: حوار مع المناضل الصحفي سليم بوخذير محمد زريق: علينا فعلا التفكير!! علي شرطاني: دفاعا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (3 من 3) العربية.نت: تونسيون يبحثون عن الحرية وفتاة احلامهم في غرف الشات
جمال الدين أحمد الفرحاوي: كلمات في الصمت واللغةو الإغترابالأزهر مقداد: شراع الشوق السينمائي علي العبيدي لأ قلام أون لاين : أفلامي تعبير عن هموم الوطن وقضاياه.. واختلف مع بعض المخرجين لأنهم منبتون
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
ماي 2000 – 1 ماي 2006
تمر اليوم بحمد الله وفضله وتوفيقه 6 أعوام كاملة على الإنطلاقة الرسمية لقائمة مراسلات « تونس نيوز ». ونحن إذ نغتنم هذه المحطة على أعتاب السنة السابعة من عمر هذا المشروع التطوعي، نتقدم بالشكر الجزيل إلى كل السادة المشتركين والقراء والمساهمين والمساهمات بالكتابة والتعليق والنقد والنصيحة، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا – من خلال هذا العمل المتواضع- لما فيه خير وطننا وأهلينا ونفع قومنا وأمتنا.
مرة أخرى، نشعر اليوم بثقل المسؤولية الملقاة على عاتق فريقنا الصغير جدا في سعينا اليومي لتوفير المعلومة الدقيقة والتحليل الجيد والفضاء الإيجابي لتبادل الآراء وإدارة الحوار باحترام وتكافئ بين التونسيين والتونسيات مهما اختلفت توجهاتهم وآراؤهم وأفكارهم.
ومرة أخرى، نجدد الإلتزام الصادق لقرائنا وأبناء وطننا وأصدقائنا بأننا سوف نحرص على الإستمرار في نفس الطريق وبنفس المنهجية من أجل مواصلة التدرب المشترك الطويل والشاق على ممارسة حرية التعبير والرأي والمساهمة عبر « تونس نيوز » بإحدى اللبنات التي نأمل في أن تساعد على صياغة وبلورة ملامح « تونس المستقبل » التي نريدها بحق وطنا لجميع التونسيين والتونسيات لا مجال فيها للإقصاء أو للتمييز أو للإهانة والتحقير.
في هذه المناسبة، نود الاعتذار مجددا للجميع عن عدم تمكننا من تسوية بعض المشاكل التقنية التي تظهر من حين لآخر في الرسالة اليومية أو على الموقع لأسباب مادية وبشرية وسوف نعمل بكل ما نستطيع من أجل تجاوزها.
مرة أخرى، شكرا لكم جميعا على ثقكتم الغالية ودعمكم الثمين واهتمامكم الجميل والأمل في الله كبير في أن لا تنقضي هذه السنة السابعة من عمر « تونس نيوز » إلا وقد زال الضيم عن كل المظلومين وانجلت الغمة عن جميع الأمة وعادت البسمة للأمهات والزوجات والبنات والأبناء والآباء.
فريق « تونس نيوز »
1 ماي 2006
تجمع أمام مقر الاذاعة و التلفزة التونسية
بمناسبة اليوم العالمي للصحافة (3ماي) تدعو هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات للتجمع من أجل المطالبة:
قناة الحوار تستعيد البثّ ابتداء من الأحد المقبل 7 ماي 2006
– أ- شجبنا لهذه الممارسات الأمنية التي تستهدف خنق الرابطة وشل نشاطها.
-ب- مطالبتنا للسلطة برفع الحصار عن المقر المركزي ومقرات الفروع وعدم مضايقة مناضلي الرابطة و الكف عن إقحام القضاء في محاولتها استهداف المنظمة .
-ج- استعدادنا للنضال بكافة الوسائل القانونية المتاحة من اجل انجاز المؤتمر السادس للرابطة في تاريخه المحدد لتواصل نشاطها، بعيدا عن كل وصاية أو احتواء.
-د- دعوتنا لكل مكونات المجتمع المدني والقوى الديمقراطية و الشخصيات الوطنية للوقوف إلى جانب الرابطة حتى تنجز مؤتمرها وتواصل القيام بعملها الحقوقي في كنف الاستقلالية.
– عن فرع القيروان: مسعود الرمضاني – عن فرع المهدية : محمد عطية
– عن فرع مدنين :صلاح الوريمي – عن فرع توزر نفطة : شكري الذويبي
– عن فرع المنستير : سالم الحداد – عن فرع سوسة : جمال المسلمي
– عن فرع جندوبة : الهادي بن رمضان
تيارات أقصى اليسار التونسي تسعى لقطب سياسي جديد
البيان الختامي لمؤتمر دور القضاة في الإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي
2- موقف الحكومة التونسية وتدخلاتها السافرة في شئون جمعية القضاة التونسيين وتحرشها ضد أعضاء مكتبها التنفيذي وهيئتها الإدارية، وبصفة خاصة كل من القضاة: مختار اليحياوي ومحمد خليفي وعبد الباقي كريب وأحمد الرحموني وكلثوم كنو وروقية قرافي ووسيلة الكعبي وليلة بحرية، ويدعون المنظمات الدولية إلى عدم الاعتراف بالتغييرات التي تمت في الهيئة الإدارية لجمعية القضاة التونسيين تحت ضغط الحكومة التونسية، وإدانة ما تبثه من فرقة بين قضاتها.
3- ممارسة بعض الحكومات العربية للضغوط على القضاة للانضمام للحزب الحاكم، وبصفة خاصة في سوريا والسودان واليمن، والتأكيد على أن انضمام أي قاضٍ إلى أي حزب سياسي يفقده صلاحيته للقضاء، لتعارضه مع ما يجب أن يتوفر له من حياد واستقلال. 4- موقف غالبية الحكومات العربية لإهدارها للمبادئ الأساسية لاستقلال القضاء، خاصة في القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها، وقضايا الرأي والحريات الأساسية والصحافة. 5- موقف السلطات المصرية لمنعها لعدد من القنوات الفضائية من نقل وقائع هذا المؤتمر، مما يدل على رغبتها في حجب ما طُرح فيه من آراء وحقائق عن القضاة واستقلال القضاء عن الرأي العام في مصر والعالم.
حوار مع المناضل الصحفي سليم بوخذير
(المصدر: موقع نـواة بتاريخ 29 أفريل 2006)
وصلة الجزء الأول: http://www.nawaat.org/portail/article.php3?id_article=986
بسم الله الرحمن الرحيم
علينا فعلا التفكير!!
محمد زريق، كندا
بهذه الدعوة إلى التفكير أنهى برهان بسيس مقاله الصادر في جريدة الصباح بتاريخ 27 أفريل 2006 ونقلته « تونس نيوز » في نفس اليوم، وهذه الدعوة إلى التفكير تتجه نحو ما لاحظه من انحراف لشباب تونس إلى أحد طرفي نقيض إما غلو وتطرف ديني أو إنحلال وفساد أخلاقي.
لا ندري إلى من يتوجه برهان بسيس بهذه الدعوة، هل يتوجه بها إلى عموم التونسيين، بكل فئاتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية؟ والحال أن الموضوع يهم شباب تونس أي مستقبل تونس، ومستقبل تونس ملك للجميع، أم أنه يتوجه بهذه الدعوة إلى ولاة أمره ومن لف لفهم من دوائر أصحاب النفوذ والمصالح.
فإن كان يتوجه إلى عموم التونسيين، فلعله يعلم أن عموم التونسيين ممنوعون من التفكير، ومن تجرأ منهم على التفكير، يمنع من التعبير عما فكر فيه، وعموم التونسيين من أحزاب وجمعيات ومنظمات ومفكرين لا يملكون حق المساهمة في تدبير شؤون بلادهم، فضلا عن التفكير في مستقبلها، ولا يملك هذا الحق إلا من كان مواليا أعمى أو ناعقا أبله.
أما إن كان يتوجه بدعوته إلى الحاكم والدوائر التي تحوم حوله، فلعله يعلم أن هؤلاء هم صانعوا هذه البضاعة، وأصحاب المصلحة في تواصل رواجها، فالوضع الشبابي اليوم، والذي لم نكن نعرفه في الثمانينات، نتيجة سياسات ومناهج وخطط رسمية مدروسة وضعت بعناية فائقة وإرادة قوية، بدأ بخطة تجفيف منابع التدين و برنامج الإصلاح التربوي، مرورا بخنق الحريات وسد كل منافذ المبادرة والعطاء الإيجابي، إنتهاء بسياسة إجتماعية ظالمة ولدت حالة من اليأس والقنوط.
أفبعد كل هذا الجهد الجهيد والعناء المضني، وبعد كل هذه النتائج الباهرة المتمثلة في وجود جيل من الشباب فاقد لتوازنه، فاقد لثقتة في ما حوله، يأتي برهان بسيس ليطالب صناع التطرف الشبابي بالتفكير في مراجعة سياساتهم.
إن ما يراه برهان بسيس وضعا سلبيا وحالة خطيرة، يراه أصحاب أمره من الدوائر المتنفذة، تجارة رابحة يجب الحفاظ عليها وإنماؤها، ألم يصبح الشباب المتدين الذي فتح عينيه على واقع الإستبداد ورواج فهم متشدد للإسلام، لقمة سائغة في يد أصحاب دائرة القمع والبطش، ليثبتوا دورهم و يبرروا وجودهم و يضمنوا لأنفسهم مقعدا في نادي محاربة الإرهاب، أما الشباب الذي انحرف نحو الإتجاه الآخر وسقط في الإنحلال والرذيلة فكان من نصيب دائرة مافيا المال والفساد والمخدرات والدعارة، تبقى دائرة الضباع التي رفعت شعار « علي وعلى أعدائي » من الذين لم يبق لهم من هدف سوى العداء لكل ما هو دين وثقافة إسلامية، فهؤلاء يتوهمون أن كل حالة تبعد الناس عن دينهم الحق انتصارا لهم وتعويضا لهم عن فشلهم.
هل تناسى برهان بسيس كل هذه الدوائر ليصب كل المسؤولية على « الاستقالة المدهشة لسلطة الأولياء والضبط العائلي » وكأنه يتجاهل أن العائلة نزع منها حق مراقبة و توجيه و محاسبة أبناءها، وكم من قصص أليمة تروي لنا كيف اشتكى الأبناء إلى الحاكم « تحديد حرياتهم من الآباء » فكان الحكم لصالحهم، وأصبح الأولياء عرضة للتهديد إن لم يكن الإعتقال والحبس إذا حدثتهم أنفسهم بالوقوف ضد انحلال وتفسخ أبنائهم.
أقول لبرهان بسيس، إن كان هناك فائدة في القول، وقبل ذلك، إن كان يعتبر أن لي الحق في التفكير معه ومع جماعته، إذا كنت صادقا مع دعوتك للتفكير، فعليك أن تعلم أن التفكير في الشأن التونسي عامة وشأن شبابها خاصة، حق وواجب كل تونسي مهما كان فكره وأي كان انتمائه، وأن التفكير يجب أن يكون حرا غير محكوم بمقدمات ونتائج مسبقة، وأن يكون في مناخ من الحريات حتى يفجر كل تونسي طاقاته الخلاقة في البناء والتشييد دون خوف ولا ارتياب.
في الأخير، وجوابا عن سؤاله ما العمل، أقول لبرهان بسيس، وبكل إيجاز، أن أي معالجة لواقع الإنحراف الشبابي لن تكون خارج إطار إرساء الحريات والديمقراطية وتحقيق العدالة والمساوات وإعادة الإعتبار للهوية العربية الإسلامية، وخارج هذا الإطار لن يكون إلا العلاج « الساذج السطحي الخالي من كل طعم أو استراتيجية »
محمد زريق
مونتريال في 30 أفريل 2006
بسم الله الرحمن الرحيم دفاعا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (3 من 3)
الصعوبة الخامسة:المؤتمر السادس:
والذي بدا واضحا أن الضجة التي أثيرت حول انعقاد المؤتمر السادس والطعون المكثفة التي وجهت لأداء الهيئة المديرة في التحضير له من خلال إعادة النظر في وضعيات الفروع بالزيادة والنقصان والإبقاء والإلغاء، لم تحصل في الأعمال التحضيرية للمؤتمر الخامس ولم تكن كتلك التي حصلت فيه.
ذلك أن الطعون التي وجهت للمؤتمر الخامس لم توجه إليه إلا بعد انعقاده وإفراز الهيئة المديرة الجديدة
المنبثقة عنه. ولم يكن هناك من مشاكل تحول دون انعقاده قبل ذلك. ولم يكن الطاعنون سوى بضعة أفراد بعد
أن ثبت للسلطة أنها على وشك فقدان سيطرتها عليها أو على الأقل على وشك فقدان وجودا محترما لها بها.أما هذه المرة فقد كان عدد الفروع الطاعنة 10 فروع، وعدد المتقدمين بطعون ورفعوا في ذلك قضايا لدى المحاكم 22 شخصا منخرطا وأعضاء في هيئات فروع. واستطاعوا بذلك أن يمنعوا انعقاد المؤتمر بحكم قضائي، بل حتى منع انعقاد المجلس الوطني للتحضير له بقوة البوليس. وكان ذلك دافعا للسلطة للقيام بهجمة أمنية شرسة على كل نشطاء حقوق الإنسان المستقلين والإستقلاليين وعلى كل الفروع بالبلاد، في إطار إيمان النظام بحكم طبيعته العلمانية الإستبدادية الهجينة المعادية للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بالخيار المبدئي وبالمعالجة الأمنية لكل مناشط وتحركات مختلف منظمات وفعاليات ومكونات المجتمع المدني والمعارضة السياسية. وهو الخيار الإستراتيجي الذي انتهجه النظام منذ تشكله. وهو الخيار الطبيعي الذي يتفق مع طبيعته وتركيبة الجهات المكونة له. سواء تلك القديمة من بقايا الدستوريين، أو الجديدة من العناصر الأمنية والعسكرية، أو تلك الملتحقة والحليفة والداعمة والمعلنة ولاءها ومساندتها له ،من شخصيات ومنظمات وأحزاب الحركة العلمانية الدخيلة على الشعب والتي لا أصل لها في ثقافته وفي تاريخه وحضارته. ولا عجب في ذلك، فتلك هي ديمقراطية نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب ككل النظام العربي خاصة، والذي لا يقبل إلا بأن تكون له السيطرة الكاملة على كل شيء وعلى كل الأوضاع. وإذا عبرت الإرادة الحرة للشعوب وللأحرار في منظمات المجتمع المدني وفي المعارضة السياسية عن نفسها في مناسبات معينة ومختلفة باتجاه الإستقلال والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنه ينظر إلى ذلك من جانبه على أنه عصيان وتجاوز وخروج عن المألوف وعن الحياد المطلوب، وخيانة وطنية، وتآمرا على الوطن واستقواء من المعارضة والأطراف المخالفة والمعارضة له معارضة حقيقية وجادة بالأجنبي عليها
ويكون ذلك مبررا كافيا عنده للتدخل لإعادة الأمور إلى نصابها باسم القانون الذي أصبح معلوما أن أكثر الجهات والأطراف تجاوزا ومخالفة له هي السلطة ورموزها ومكوناتها وعناصرها. ويكون ذلك على قاعدة العصا لمن عصا. هذه السلطة التي لا تتكلم إلا لغة واحدة، ولا تعلم غيرها. وليست مستعدة أن تكون لها أي لغة أخرى وأي خطاب آخر وأي أسلوب آخر غير لغة وخطاب وأسلوب القمع والحل والمصادرة والمعالجة الأمنية لكل المسائل العالقة مع كل من يختلف معها. وهي التي كان ذلك منها حتى مع أولئك الذين ابتعدوا عنها بعد قرب واختلفوا معها بعد اتفاق وائتلاف وأنهوا مساندتهم ودعمهم لها، والتقاءهم وتحالفهم معها. فضلا عن إبداء معارضتهم لما في ما كانوا مساندين وموافقين لها فيه بالمشاركة الفعلية أو بالصمت الذي علامته الرضا والقبول وليكون ذلك من حجتها عليهم.
– لماذا هذا الصراع بالرابطة ومن أجلها الآن ؟:
ليس الصراع بالرابطة ومن أجلها في الحقيقة جديدا، وهي التي مرت بمرحلة التأسيس والتطور في إطار
الإستقلالية والدفاع عنها، ثم بمرحلة الإحتواء والتبعية بعد أن ألحقها أصحاب المزاعم القديمة في الدفاع عنها وعن استقلاليتها بالسلطة لما اقتضت مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية السياسية ذلك. ثم هي اليوم تنزع لانتشال نفسها من ذلك المستنقع لتأخذ موقعها بالساحة الوطنية في إطار الإستقلالية مرة أخرى ،بعد أن أنهت العناصر والقوى ذات النفوذ بها مرحلة الإنسجام المغشوش والتوافق الخادع مع السلطة. وهي التي تسعى اليوم للرجوع بها إلى المربع الأول، بعد أن جعلت في رصيدها التاريخي ما لا يليق بها ،وما أفقدها دورها ونصاعة تاريخها وقداسة مهامها. هكذا تصبح الهياكل والأطر لعبة بيد العابثين والإنتهازيين الذين يعملون دائما على أن يجعلوا من مثل هذه المنظمات عنوانا لقناعاتهم الشخصية ولوجودهم القانوني أو لنزعتهم الجهوية أو صفتهم الحزبية أو توجهاتهم الفئوية وغيرها من الميولات والطموحات والمصالح والأهداف والغايات المختلفة. وأدوات يستعملونها في خدمة كل ذلك بعيدا كل البعد عن معنى الإنسانية والحق والعدل والحرية وكل هذه القيم السامية العامة الكونية. وليس أدل على ذلك ما حدث وما يحدث وما يعلمه شعبنا وما يعيشه من المعانات التي مازالت النخبة المتغربة تتسبب له فيها سواء من خلال السلطة أو من خارجها.
وبما أن نفس الجهات والأطراف في الحركة العلمانية هي المنقسمة اليوم على نفسها داخل السلطة وخارجها وهي بين مؤيد وداعم وخادم لها ،ومستعيد دوره خارجها في ساحة المعارضة. فالصراع اليوم يدور بين المعارضة المستقلة التي بقيت مراوحة مكانها بساحة الصراع السياسي والإجتماعي والثقافي والمعرضة للقمع والإضطهاد والإقصاء والتهميش والاستئصال، وتلك العناصر والقوى الملتحقة بها بعد غياب طويل، بعد أن غنمت ما غنمت من تحالفها مع السلطة والتقائها معها، أو على الأقل صمتها عنها في سياستها القمعية الظالمة التي اختارتها منذ البداية، أو بعد أن يئست من الحصول عما كانت تطمح إليه أو ما كانت تطمع في الحصول عليه من المكاسب والمواقع والمصالح، وعلى المغانم التي كانت تعتقد أنها ستغنمها، وبين من مازال من نفس هذه العناصر والقوى والتيارات والأحزاب والشخصيات مراوحا مكانه بالسلطة ومحافظا على مواقعه وملتزما بمعاضدتها ومساندتها والسير في ركابها والدوران في فلكها. فبعد انصهار الحركة العلمانية بجل مكوناتها في النظام ،وبعد أن أمضت سنين طويلة وهي على ذلك، ها هي اليوم منقسمة على نفسها ،والصراع محتم بينها من أجل المواقع في مختلف الساحات والفضاءات والميادين والقطاعات. فالذين في السلطة يعملون على المحافظة على الإبقاء على الوضع تحت السيطرة كما كان عليه حين كانت كل هذه الجهات والأطراف ملتقية بالسلطة في مواقع مختلفة وفي منظمات وقطاعات مختلفة، والمغادرين لها والمنسحبين منها والمتخلين عن مواقف التأييد والمساندة لها، أصبحوا جادين في البحث لأنقسمهم عن مواقع يحققون من خلالها وجودا محترما لهم خارجها، ويؤكدون من خلالها ذواتهم ،ويعبرون من خلالها عن استقلاليتهم مع المعارضة الجادة التي لم تغادر ساحة المعارضة ولم تفرط في استقلاليتها ولم تتخلى ولم تتنازل عنها.
هذه المجموعات والشخصيات الحرة هي التي كون الكثير منها حركة 18 أكتوبر المجيدة، سواء بالممارسة أو بالتأييد والمساندة. لقد تجلى هذا الصراع بين هذه العناصر في أوضح صورة له بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وبالإتحاد العام لطلبة تونس ،وبدرجة أقل وأكثر ضعفا وفتورا بالإتحاد العام التونسي للشغل مثلا. إن الصراع الدائر بالرابطة اليوم ومن أجلها، هو صراع بين الذين قدموها وقدموا كل هذه المنظمات وكل منظمات المجتمع المدني في بداية تسعينات القرن الماضي للنظام في طبق من ذهب. وهم الذين حشروا فيها كل من هب ودب بدون تحفظ ولا خوف من أحد هذه المرة، باعتبار أن الصفقة التي أبرمت بين كل مكونات الحركة العلمانية الدخيلة تجعل كل عناصرها في السلطة، من مواقع مختلفة وفي مواقع مختلفة. وتجعل الطرف الوحيد المتفقة في ما بينها على أنه في دائرة الإستهداف بالتصفية والإستئصال وليس مجرد الإقصاء والتهميش من طرف الكل – إلا من رحم ربك مما قل من شخصيات وطنية – هو الطرف الإسلامي. وبالتالي فلا حرج بل لم يعد هناك من حرج من تكثيف الإنخراطات ومضاعفة الفروع طالما أن العلمانية هي المسيطرة (جرابة صافيين)كما يقال في المثل التونسي، وأنه لا خوف من أي وجود لأي إسلامي في أي موقع من المواقع فيها .حتى بلغ عدد المنخرطين بالرابطة حدود 4100 منخرط ،وبلغ عدد نواب المؤتمر 320 نائبا حتى عام 2000 على حد قول عبد العزيز بن ضياء وزير الدولة المستشار لدى رئيس الجمهورية والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في تصريح له بمناسبة الذكرى الـخمسين « للإستقلال »، حسب ما أوردته الإلكترونية « تونس نيوز »في العدد:2128 ليوم 20 مارس 2006. إلا أن الوضع لم يتفجر بالقوة وعلى النحو الذي كان عليه قبل وأثناء وبعد إنهاء المؤتمر الخامس أشغاله، لأنه ربما كان من الإعتقاد غير السائد لدى النظام وأتباعه وعيونه ومساعديه، أن تكون تركيبة الهيئة المديرة على النحو الذي كانت عليه، وأنهم لم يكونوا يتوقعوا ربما أن السحر قد بدأ في الإنقلاب على الساحر ،وأن زواج المتعة بين مختلف مكونات الحركة العلمانية الواحدة قد انتهى .والتي لم يكن للعناصر الموالية للنظام فيها وجودا هذه المرة وربما كان لها مجرد حضور عبر عناصر قد تكون أقرب إليها منه لأصحاب النزعة الإستقلالية فيها مثل الرفيق صالح الزغيدي عضو الهيئة المديرة ،والذي يبدو مستقلا وبعيدا عن السلطة ومختلفا مع الموقف الرسمي، ولكنه الأقرب في مواقفه في مجمل القضايا المطروحة بالساحة من مواقف النظام منه من مواقف العناصر الإستقلالية بالرابطة ولعله بحدة أكبر، ومن العناصر الأكثر تطرفا من تلك المتحصنة بالسلطة. وإذا كان قد فات النظام تسجيل وجودا له في الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الخامس ،وأوتي على حين غرة حيث فوجئ باتجاه الأمور إلى غير الوجهة التي ألفها والتي كان يريدها والتي كانت الأمور مستمرة ومستقرة عليها على مدى أكثر من عقد من الزمن. ومع ذلك فقد استطاع من موقع القوة وتوظيف أصحاب الهمم والعزائم الضعيفة ،ومن خلال احتواء سلطة القضاء ،أن يوجد من الأسباب الواهية ما يستطيع به ظلما وزورا وعدوانا أن لا يقبل بشرعية الهيئة الجديدة المنتخبة، لتظل في صراع معه طيلة هذه السنوات من أجل فرض الذات والوجود.وإذا كان لم يستطع لتحصنها بمنظمات المجتمع المدني الآخذ في النهوض والتشكل ،والعامل على استعادة وجوده ودوره مجددا في الساحة، إنهاء وجودها وتعطيل نشاطاتها ،فإنه قد استطاع أن يهمشها من حيث أنها وإن كانت قادرة على إحداث الكثير من الضغوطات المختلفة عليه وجره إلى الكثير من التنازلات والتراجعات ،إلا أنه ظل موصدا باب الحوار معها ورافضا القبول بها كطرف قانوني شرعي وكشريك حقيقي للتباحث معها في ما أصبح من عاداته وتقاليده ومن الشغل اليومي له من انتهاك سافر لحقوق الإنسان ،لم تستطع أن تحقق من النجاحات والمكاسب ما كانت ربما تستطيع أن تحققه بموجب الإعتراف بها وبعدم الطعن في مشروعيتها القانونية.
وظل الوضع مراوحا مكانه على امتداد كل هذه السنوات الطويلة التي كانت المدة القانونية لانعقاد المؤتمر تصل إلى الضعف، والتي يبدو أن أطرافا كثيرة سواء داخل الهيئة المديرة أو النظام، لها مصلحة في طولها. وفي الوقت الذي أنهت فيه الهيئة المديرة إعادة انتخاب الفروع في أضعاف المدة الزمنية التي حددها الحكم القضائي الطاعن في شرعيتها والداعي لذلك في ظرف سنة ،لنجد أنفسنا أمام هيئة غير شرعية وغير معترف بها ،مدعوة قانونيا لإنجاز مهمات تكون نتائجها قانونية ومعترف بها .ولعل ذلك ما يمكن أن يكون ضربا من ضروب إخراج الحي من الميت ،وليس ذلك في الحقيقة واستنادا للعقل وللمنطق وللواقع إلا اعترافا ضمنيا بقانونية الهيئة المديرة ،وهي المدعوة قانونا كذلك لإنجاز المؤتمر السادس بعد ذلك. ولأن الحكم كان سياسيا، وليست السلطة القضائية المنحازة والتابعة فيه للسلطة التنفيذية تبعية كاملة إلا غطاء قضائيا له، كان يجب أن يكون في هذا المستوى من التناقض، بعيدا عن أحكام العقل وعن منطق العلم.وما إن بدأ الإعداد لعقد المؤتمر السادس حتى تحرك رصيد السلطة أو حركت السلطة رصيدها من الفروع ومن الأعضاء ومن المنخرطين بالرابطة ما لم تحركه منها ومن لم تحركهم منهم بها في المؤتمر الخامس ،ومن فاتها تحريكهم مبكرا للطعن مرة أخرى في قانونية المؤتمر من خلال الطعن في الطريقة والأسلوب اللذين اتبعتهما الهيئة في إعادة تنظيم انتخابات الفروع وإعادة هيكلة الرابطة المطالبة بإعادة هيكلتها أوروبيا والممنوحة تمويلا ماديا من الإتحاد الأوروبي من أجل ذلك. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الأستاذ مختار الطريفي رئيس الرابطة أن « …الهيئة المديرة حينما قررت إعادة هيكلة الفروع ليست لدينا أي حسابات انتخابية لأنه لو كانت هناك حسابات لقمنا بزيادة فروع أخرى كما كان يقع في السابق ولكن هدفنا أن تكون هناك فروع حقيقية وناشطة متحركة« .
ويقول رؤساء الفروع الطاعنين في نزاهة إعادة هيكلة الفروع ورافعي الدعوة القضائية ضد الهيئة المديرة لمنع وإيقاف كل الأعمال التحضيرية للمؤتمر « نحن مسؤولو فروع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي وقع إقصاؤها بشكل اعتباطي من قبل الهيئة المديرة للرابطة… نناشد الرأي العام الوطني والدولي وكل مكونات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المعنية للوقوف على حقيقة الممارسات اللاقانونية واللامشروطة للهيئة المديرة الحالية والرامية إلى الإستحواذ على الرابطة بإقصاء كل من لا يشاطرها التوجه أو قد يكون شاهدا من داخل الرابطة على نواياها الحقيقية وخروقاتها التي لا تشرف منظمة إنسانية بحجم الرابطة لإلغاء فروع دمج وابتلاع فروع أخرى عدم تجديد الإنخراطات، تقسيم فروع أخرى تصنيف المنخرطين حسب انتماءاتهم منع قبول انخراطات الجديدة توظيف سياسي للعمل الرابطي مزايدات عنف مادي ولفظي من قبل رؤساء فروع منصبة وبعض أعضاء الهيئة الحالية إلخ…)
إن هذه التصرفات ترمي إلى الإنفراد بالقرار في الرابطة وتركيع المناضلين لجملة من الأهداف لم تعد خافية على أحد وهذا ما يجعل المنظمة بعيدة عن نيل الأهداف التي بعثت من أجلها« .
هذا ما جاء بالبيان الصادر عن فروع منفلوري والسيجومي وتونس المدينة والحمامات وتطاوين والكاف وفرع القصرين الذي نشرته الإخبارية الالكترونية اليومية أخبار تونس – Tunis News يوم 5/09/2005.
وبما بين الموقفين من اختلاف وتناقض وتضارب ،فإني لا أستطيع أن أحمل أحد الرأيين والقولين على الخطإ والآخر على الصواب ،ولا أستطيع أن أصدق هذا وأكذب ذاك ،ولا أستطيع أن أقطع أن هذا على حق والآخر على باطل لأن ذلك سيكون شهادة مني للتاريخ لهذا أو لذاك على حساب هذا أو ذاك وفي ذلك مسؤولية لي أو علي لهذا أو لذاك أو على هذا أو على ذاك، وأنا مسؤول عنها كذلك أمام الأجيال وأمام العالم .والأهم والأخطر من كل ذلك ،هي شهادة مني أمام الله يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيء وحين يكون الأمر كله يومئذ لله.
وبحكم انتماء كلا الطرفين لطائفة واحدة ،ولعائلة فكرية علمانية لائكية واحدة ،يحكم الجميع فيها قاعدة الغاية تبرر الوسيلة .والمرجعية الفكرية التي ينطلقون منها ويعودون إليها تجيز لهم الكذب والزور والخداع ،ولا يجدون حرجا في ذلك ،ويعتبر ذلك عندهم من المهارات السياسية ومن الحرفية التي يتنافس الناس على كسبها.ويبقى بذلك موقف الحياد هو الأفضل بالنسبة للملتزم بالصدق والأمانة والحق. وإذا كان لابد من إنحياز فلا يمكن إلا أن يكون على غير هذه الأسس ،وعلى غير هذه الإعتبارات التي يتساوى فيها الفريقان بالمدرسة الواحدة وبالطائفة الواحدة وأصحاب المرجعية الواحدة والحركة الواحدة .والذي يمكن أن يكون على أساس استقلالية المنظمة والإنحياز لها وللحق والعدل والحرية والكرامة والصدق والأمانة والديمقراطية وحقوق الإنسان .ولذلك وعلى أساس هذه القيم والمبادئ يجب على كل صادق وحر أن يكون إلى جانب الهيئة المديرة في صراعها من أجل استقلالية الرابطة واستعادة دورها الحقوقي والإنساني، بقطع النظر عن تحفظاتنا عن أعضائها ورأينا في مواقفها. ولكنها تبقى في النهاية رمز النضال من أجل الإستقلالية في وجه التبعية والإلحاق والموالاة .ورمزا للدفاع عن حقوق الإنسان ولو دفاعا متخاذلا منقوصا أحيانا ومغشوشا أخرى ،في وجه الذين جعلوا قوتهم أنهم ينتهكونها من خلال مؤسسات نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب ،نظام التجمع الدستوري الديمقراطي، نظام الرئيس بن علي ومن معه ومن خلال الرابطة نفسها ،والذين مازالوا يريدون أن يستمروا في القيام بتلك الإنتهاكات من خلالها ،لألا تتصدى لها ولا تقف في وجوههم ولا تقوم شاهدا عليهم.
إن المختلف فيه اليوم بالرابطة كما في باقي مؤسسات المجتمع ،هو ما تم التوافق عليه والإتفاق فيه بعيد حلول كارثة 7 نوفمبر بالبلاد بين مختلف مكونات الحركة العلمانية اللائكية الهجينة الدخيلة ،وتيارات النخبة التغريبية المعادية في مجملها لهوية البلاد والشعب والأمة ،والمتآمرة بعضها مع بعض عليها. إن المختلف فيه اليوم بالرابطة ،هو ذلك التراكم السلبي الكارثي الذي كانت كل هذه الأطراف المتنازعة والمتصارعة اليوم قد أقامته بعضها مع بعض حجرا حجرا بالأمس، يوم كانت كلها سمنا على عسل. ويوم جعلت من الرابطة نفسها كما سبقت مني الإشارة إلى ذلك سالفا طرفا في أوسع وأكبر عملية انتهاك لحقوق الإنسان بالبلاد على امتداد أكثر من عشر سنوات ،دون أن أنكر على الذين استفاقوا منذ أواسط التسعينات على عظم الكارثة ،وراحوا يستنهضون الهمم وينبهون لخطورة الوضع ،ويتصدون للظلم والدكتاتورية والفساد ،ولتلك الحملة التي مازالت متواصلة على حقوق الإنسان ،والتي تطال اليوم كل عاق وكل آبق وكل رافض للطاعة وكل خارج من بيت طاعة نظام التحالف العلماني الإستبدادي الذي ظاهره الرئيس زين العابدين بن علي وباطنه مختلف الطيف السياسي والفكري الإنتهازي.
وبما أن الرابطة كانت مهيكلة على أساس التبعية والإلحاق والإستقالة والجمود فإنه لابد من إعادة هيكلتها ،وقد حان الوقت لذلك ،وليكن ذلك على أساس الإستقلالية والفاعلية والديمقراطية والحرية .وقد اندلع الصراع والخصام بين القديم والحديث، فإنه لابد في إعادة الهيكلة من تغيير وتبديل ،وزيادة ونقصان ،وإلغاء وإبقاء… وإذا كان القديم في إطار التبعية والإلحاق بنظام التحالف قد اقتضى الكثرة والتراكم على حساب الفاعلية والديناميكية والحضور ،فإن إعادة بعض مكونات الحركة العلمانية اليوم هيكلة الرابطة قد رجعت بها إلى ما يشبه أجواء وظروف مرحلة التأسيس ،وإلى ما يشبه معاناة ومشاكل تلك المرحلة بل وأكثر من ذلك وأشد تعقيدا .لأن مشاكل وصعوبات التأسيس كانت أقل وأيسر من مشاكل وصعوبات الإفتكاك باتجاه استرجاع الإستقلالية بعد الإحتواء ،والإحياء بعد الموت ،والحرية بعد الأسر والحركة بعد الجمود…
ذلك أن كلا من الهيئة التأسيسية والهيئة المديرة للرابطة لم تجد أي منها نفسها في مرحلة التأسيس تعاني من فائض كبير في الفروع ،وليس لهيئتها المديرة في ذلك الوقت فروع مندثرة ،ولا تقوم بأي نشاط ،كما لها الآن، ولم تكن تشكوا انخفاضا في الإنخراطات ،إلى غير ذلك من المشاكل والأمراض المستفحلة فيها الآن ،وفي هذه المرحلة التي هي من أسوإ وأصعب وأخطر المراحل التي مرت بها في تاريخها .وبذلك تكون الرابطة قد جعلتها قوى المجتمع المدني ذات مشروع النمط المجتمعي العلماني في وضع أكثر حرجا وأشد تعقيدا .وتعاني من مشاكل ومصاعب لم يسبق أن حصلت في تاريخها.
– في العلاقة بالأجنبي :
وما أن أثيرت قضية الرابطة مرة أخرى وطغت على مسرح الأحداث ،وهي القضية التي ظلت مثارة في الحقيقة منذ الإطاحة برئيسها المنتخب محمد المرزوقي إلى اليوم ،وخاصة بعد الظهور الأخير المفاجئ، والذي ربما لم يكن منتظرا خاصة من جانب النظام وأزلامه فيها وخارجها لصعود الكثير من مؤيدي الإستقلالية من أعضاء الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الخامس ،خاصة وقد سقطت كل الأقنعة ،وتبين لكل من انخرط من قريب أو بعيد في أكبر جريمة إلحاق أضرار كبيرة وخسائر لا تعوض بالوطن، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ولحقوق الشعب التونسي وإهانته وإذلاله، بعد عقد من التبعية والإلحاق والإحتواء ،حتى ترددت أصداؤها في الأوساط الحقوقية والإنسانية والسياسية والإعلامية في العواصم الغربية وخاصة بفرنسا الإستعمارية بأسرع من ترددها في أوساط الرأي العام التونسي والعربي والإسلامي .وسرعان ما صدرت بيانات التأييد والمساندة هناك .وعقدت الندوات لتدارس أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في تونس ،وسط انقسام حاد في مكونات الحركة العلمانية المتصارعة في ما بينها ،بعد أن حل بينها الإختلاف بعد فترة من الإختلاف وهي التي لا علاقة لها في تاريخها بأدب تجاوزه ،وليس لها في أدبياتها ما يمكنها من ذلك ،ولم تكن يوما مؤمنة بآليات النظام الديمقراطي التي تساعد على حله وتجاوزه ،وبعد أن حلت بينها الفرقة بعد أن كانت مجتمعة. وبعد أن اختلفت مواقفها باختلاف مواقعها بعد أن تناقضت مصالحها،وبعد أن انتهت مطامعها، وبعد أن أنهت المهمة وأهم قضية التفت حولها واجتمعت عليها وجمعت بينها، أي بعد الإنتهاء من وضع الآليات والتراتيب اللازمة لمواصلة العمل بالخطة المتفق عليها لاستئصال الحركة الإسلامية عموما وحركة النهضة الإسلامية تحديدا. فكان من الندوات التي سرعان ما عقدت ،تلك التي دعت لها عدة منظمات حقوقية أجنبية غير رسمية بحضور الحزب الشيوعي الفرنسي الذي ظل مساندا وداعما لحركة بلاده الإستعمارية طول تلك الحقبة من الزمن في مختلف مستعمراتها ،والحزب الاشتراكي الفرنسي يوم 09/09/2005 على الساعة العاشرة والنصف صباحا بالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان الدائرة الثانية عشر بباريس.
أقول هذا ليس اعتراضا على طلب التأييد والمساندة والبحث عنهما ولا لعدم إيمان مني بذلك ولا رفضا له، ولكن من خلال الإيمان والإقتناع من أنه وإذا كان لابد من ذلك ،بل ويجب أن يكون ذلك مطلوبا ،ولكن وفق رؤية غير الرؤية التي عليها مكونات الحركة العلمانية اللائكية الهجينة في بلادنا كما في مختلف أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين ،والتي فيها تعويل على الأجنبي في التدخل لإيجاد حلول للمشاكل التي توجد بها أو يوجدها بعضنا لبعض أو نوجدها لبلادنا وشعبنا ،أو يوجدها هذا الأجنبي نفسه لنا، وهو الذي لا يوجد لنا إلا المشاكل ولا يجر علينا إلا الويلات والكوارث والأتعاب والمصاعب، ولا يضع أمامنا إلا العقبات والحواجز والعراقيل، إذا ما استثنينا بعض الشخصيات وبعض الجهات وربما حتى بعض الجمعيات الإنسانية أحيانا ،والتي لا يكاد يكون لها تأثير في معظم الساحات وفي معظم القضايا.
وكان طبيعي أن تعود هذه الفروع في النهاية دائما إلى أصولها ،وأن لا يفارق الظل أصله وموضوعه ،وأن يظل الصنيعة ملتقيا بصانعه والتابع بمتبوعه، في ظل التوافق الحاصل بين الأصيل والهجين، و بين النخبة العلمانية الغربية الأصيلة في أوطان شعوبها وامتداداتها في أوطان هذه الشعوب كهذه التي ببلادنا. إلا أن طلب المساندة والتأييد المطلوبين ،وإن كان لابد منهما ،فإنه لا يجب أن يكونا على أساس التعويل على الأجنبي المعادي في الأصل لشعوبنا والضار بمصالحنا ،ولا على أساس التبعية المطلقة العمياء والإلتحاق الكامل به ولا على أساس التغريب الثقافي والسياسي والفكري والإجتماعي.
ذلك أن الإستقلالية والحرية يقتضيان من الأحرار أن يكونوا مستقلين عن الأجنبي قبل أن يكونوا مستقلين عن أي جهة أخرى داخلية .وأن يكونوا متحررين من قيود الأجنبي وشروطه وضغوطاته قبل أن يكونوا متحررين من قيود وشروط وضغوطات أي جهة دخيلة أخرى .وليس ذلك ممكنا في الحقيقة بالنسبة للحركة العلمانية المتغربة ،لأن الإستقلالية والتحرر لا يمكن أن يجدا طريقهما إلى الشعوب ونخبها ،وإلى الأوطان وشعوبها إلا بالإستقلالية الثقافية والحضارية ثم الإستقلالية السياسية والإقتصادية .ولعله من أوكد أسباب تخلفنا إلى الآن خاصة ابتداء من إعلان الشعوب التي كانت مستعمرة استقلالها ،هو انشداد النخب العلمانية لشعوب الأمة ،تلك التي منها شعبنا في تونس إلى جلادينا وناهبي ثرواتنا من الإستعماريين العنصريين الغربيين البيض . هذا الإنشداد الذي ظل به شعبنا كغيره من شعوب الأمة وباقي الشعوب المستضعفة في العالم، أقرب إلى حالة الإستعمار منها إلى حالة الإستقلال ،والى حالة العبودية منها إلى حالة الحرية. لأنه ما من وطن من هذه الأوطان انزاحت عنه صخرة الإحتلال إلا وحل به الإستبداد كوريث غير شرعي لحركة الإستعمار ،والذي ظلت فاقدة به للحرية والإستقلال الحقيقيين. وهي التي ظلت بذلك ترزح تحت نير الإستبداد ،وأبعد ما تكون عن الحرية والديمقراطية والإستقلال. ذلك أن جل هذه النخب قد توجه شرقا في ظل الإنقسام الدولي بين وجهي العملة الواحدة للحضارة الغربية ،وأعرضت عن الثقافة الديمقراطية والفكر السياسي الليبرالي والثقافة الأصيلة لشعوب أوطانها ،وخاصة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين وكان ذلك منها لثلاثة أسباب رئيسية :
1- لاعتبار وهم الواهمين القائل أن المعسكر الشرقي يقع خارج الحركة الإستعمارية الغربية الرأسمالية الليبرالية ومناهض لها، ورافع راية العدالة الإجتماعية ،وداعم حركات التحرر في العالم.
2- لاعتبار المعسكر الغربي الديمقراطي الرأسمالي الإستعماري هو الذي يقف وراء تأجيج الصراع ،خاصة بالمنطقة العربية ،بزرع الكيان الصهيوني فيها واستمراره في دعمه وتأييده ورعايته.
3- لمحاولتها إيجاد علاقة بين الاشتراكية والهوية العربية الإسلامية لشعوب أمة العرب والمسلمين، هدما للإسلام وإعراضا عنه ورفضا لنظامه والبحث لأصل للفكر الاشتراكي فه.وبذلك تكون قد نشأت وهي لا تفهم في الديمقراطية ولا في الثقافة والفكر الديمقراطيين، ولا في الإسلام ولا في الفكر الإسلامي ولا في الثقافة الإسلامية ،بل كانت بالمقابل مناهضة لكل ذلك ورافضة ومحاربة له.
ومازالت مكونات هذه الحركة غير مستقرة، وتزداد تشتتا يوما بعد ويوم، ويغلب عليها بحكم طبيعتها المادية الميل مع النعماء حيث تميل.وكل الذي مازلت مناهضة له أكثر من غيره من المناهج والمذاهب أكثر من قبولها به هو الإسلام والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية في معانيها ومفاهيمها وتصوراتها الأصلية ،في محاولة للإنحراف بكل ذلك نحو العلمانية واللائكية والتغريب باتجاه علمنة الإسلام وإضفاء شرعية وقداسة به عليها تظل في النهاية فاقدة بها هي نفسها معانيها وأصولها وصفتها وتميزها وخصائصها ويفقد بها الإسلام كذلك بريقه و تميزه وخصائصه وثوابته ونقاءه…
هذه النخبة ،وبهذه الخصائص ،وعلى هذا المستوى من التناقض والإرتباك،وبهذا الإنشداد للغرب ،هي المتصارعة اليوم في تونس بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومن أجلها، وهي المنقسمة على نفسها بين مؤيد للإحتواء لها من طرف السلطة وعامل عليه ،وبين مؤيد لاستقلاليتها وعامل عليها. وهي التي سرعان ما حجرت لها المنظمات الحقوقية الأجنبية المستقلة فضاءات للمساندة والتأييد، والتي عززها في ذلك اليسار الفرنسي منشئ اليسار التونسي في ظل احتلال فرنسا الإستعمارية لبلادنا والأب الروحي له .وإذا كان لا حرج في الأمر إلى هذا الحد ،فإن دخول الأجنبي الرسمي على الخط ،والتدخل المباشر في الخلاف ،يؤكد الإرتهان الصريح والواضح ،والتبعية والإلحاق ووضوح استمرار الوصاية وحماية الأجنبي لهذه النخبة واحتمائها به ،والسماح له بما لا يسمح أبناء الوطن به بعضهم لبعض ،وقبول منه ما لا يقبل أبناء الوطن به بعضهم من بعض ،وإعطائه من الهيبة والتقدير والإجلال ما لا يعطيه أبناء الوطن بعضهم لبعض ،وتقديم له من التنازلات ما لا يقدمه أبناء الوطن بعضهم لبعض ،والسمع له والطاعة أكثر مما يسمع أبناء الوطن لبعضهم ويطيع فيه بعضهم بعضا…ويتجلى ذلك بوضوح لا لبس فيه في زيارة وفد برلماني أوروبي مكلف بالعلاقات مع بلدان المغرب العربي برئاسة لويزا فرناندو إيدبا لتونس « وقد استقبل الوفد حاتم بن سالم كاتب الدولة لدى وزير الخارجية المكلف بالشؤون الأوروبية والذي دعا الإتحاد إلى مزيد دعم الجهود المبذولة من قبل بلادنا في تنفيذ برنامجها التنموي وفي التصدي لظواهر الإرهاب والتعصب والهجرة غير المنظمة« .
وبعد أن وقف الوفد على لغة الإستجداء التي استقبله بها المسؤول التونسي والمطالبة بمزيد الدعم المادي لبرنامج النظام التنموي بالبلاد ،وبعد أن قدم النظام نفسه على أنه ملتزم بالتصدي لظواهر الإرهاب والتعصب والهجرة غير المنظمة ،وهي من أهم القضايا والمشاكل التي تشغل الإتحاد الأوروبي ويعاني منها ويخشاها، وهو الذي يعلم أن العطايا باتجاه مزيد إثقال كامل البلاد بالديون ممكنة على هذا الأساس ولهذا الغرض الذي يتحقق له به أمنه، جاءت رئيسة الوفد قائلة في تصريحاتها « لا يجب أن ننسى أنه على الرابطة الإسراع بمواصلة إعادة هيكلتها بعد انتفاعها بمنحة لهذا الغرض من الإتحاد الأوروبي » واكتفت بالقول « لقد أبلغنا بأن الخلاف الذي يحصل في الرابطة هو شأن داخلي » وأضافت « ما لاحظناه أن الآراء متباينة للغاية بين طرفي النزاع وما ندعو إليه نحن هو الحوار« 1 .
وبعد التأكيد لكلا الطرفين المتنازعين على أن هيكلة الرابطة هي مطلب أوروبي وكان يحضى بموافقة الأوروبيين ،وأنهم هم الممولون لها، وقد بدا في ذلك إلزام للهيئة المديرة لمواصلتها والإلتزام بها وإتمامها، ولعل في ذلك تحذيرا للسلطات كذلك من خطورة تعطيلها أو منعها أو التصدي لها أو إفسادها إلا ما كان من إجراءات وتوجهات تقتضيها الضرورة والمصلحة.
وقد وجد الوفد نفسه ولي نعمة الجميع الذين كانوا بين طرف يعول على دعم الإتحاد ويطلب المزيد مقابل مواصلة سياسة القمع والترويع والإرهاب والتجويع لحماية الحدود ،وطرف مدعوما ماديا وينتظر المزيد
مقابل إحداث توازن في الصراع بين طرفي مكونات الحركة العلمانية الواحدة، وهم بين قامع مدعوم من أجل ذلك يطلب مزيدا من الدعم، ومدافع ينتظر المزيد من المساعدة والتأييد والمساندة من أجل ذلك كذلك.
وبما أن النزاع كان بين طرفي النخبة الواحدة التي شهدت فترة طويلة من التآلف والتوافق حتى المؤتمر الخامس للرابطة ،فقد اعتبرت رئيسة الوفد البرلماني الأوروبي أن النزاع هو شأن داخلي بحسب ما أبلغها النظام ،وهو شأن داخلي في إطار النخبة الواحدة المنقسمة على نفسها داخل الرابطة وخارجها وليس داخل المنظمة ،أي بين شقي النخبة الموالية منها للنظام والمدعومة منه والمساند والمؤيد والمحتضن لها، والأخرى المنفصلة المستقلة الحرة الملتقية مع تلك التي انفصلت وسعت إلى الإستقلال عنه ،لم تجد رئيسة الوفد بدا من دعوة الطرفين لحل الأزمة بالحوار خروجا من حرج مساندة طرف على حساب الآخر ،ومن خذلان طرف على حساب الآخر، وهما اللذان اعتبرا منذ البداية ،وقبل مراجعة الموقف من قبل الكثير من مكوناتهما ،سواء ذلك الذي داخل الرابطة ويعمل على استقلاليتها ،أو ذلك الذي هو داخلها ويعمل على احتوائها وإلحاقها بالنظام أو أولئك الذين يمثلون النظام ويتخذون موقعهم فيه، وأولئك المساندين والمعاضدين والداعمين له من بقية الأحزاب الإدارية والمنظمات والجمعيات ذات التوجهات والمناشط المختلفة، بأنه لا مصلحة في النهاية من وجود رابطة نشيطة وجادة ومستقلة لأي من هذه الجهات والأطراف إلا للإسلاميين .ولعل هذا ما جعل وفد الإتحاد الأوروبي الذي لم يتخلى يوما عن النظر إلينا والى قضايانا بالعين الصليبية والعنصرية والتفوق العرقي والإستكبار الإستعماري رغم وضوح المظلمة ،لا يبحث مع الطرفين على حل الأزمة وتجاوز النزاع.
– ألا يكون ذلك توافق على تهميش الرابطة ؟ !
فإذا كان ليس أمام الرابطة ،وقد اختارت بها الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الخامس سنة 2000 طريق الإستقلالية بعد التبعية المطلقة والإحتواء الكامل إلا تبني مطلب العفو التشريعي العام ،الذي لم يتبادر إلى ذهن قيادات وهيئات أحزاب الموالاة ،أو حتى بعض أحزاب المعارضة وبعض الجمعيات ،خاصة تلك المكونة عناصرها من مناضلي كل من اليسار الماركسي واليسار القومي العربي ذات المنزع البعثي خاصة ،وغيرها ممن لها ماض تاريخي في معارضة نظام بورقيبة، أن المستفيد الوحيد من ذلك هم الإسلاميون وحدهم، بعد أن أهدرت هذه الجهات والعناصر فرصتها في الحصول على ذلك لأكثر من 18 سنة ،والذي لم تقبل هذه المكونات به ،ولم تراجع منه موقفها ،ولم تؤيد وتساند فيه الرابطة ،إلا بعد أن أعطته مفهوما رجعيا يجعل لكل من اضطهد منذ سنة1956 حق التمتع به ،فإن خصومها من داخل الرابطة نفسها من التجمعيين وغيرهم يعتبرون أن الهيئة المديرة الجديدة قد شذت عن القاعدة ،وخرجت عن المألوف وعن الإجماع،وخالفت خطة
الإستئصال التي تمت المصادقة عليها من طرف مكونات الحركة العلمانية الملتحقة بالانقلابيين، والمكونة لنظام تحالف 7نوفمبر الرهيب في مؤتمر الإنقاذ الذي تحالف فيه « الديمقراطيون » في إشارة إلى اليسار الماركسي والقومي العربي الملتحق بالسلطة ،والذي أبرم صفقة التحالف مع بقايا الدستوريين والعناصر الأمنية والعسكرية لتكوين حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وأنها لم تفعل ذلك إلا للتنفيس عن الإسلاميين. وإن كان ليس الأمر في الحقيقة كذلك فقط ،ولكن لإعادة الإعتبار لكل المضطهدين ،وليستفيد منه كذلك بعض الذين اضطهدوا من العلمانيين واللائكيين خاصة في المرحلة الأخيرة من حكم التجمع بقيادة زين العابدين بن علي .وبذلك يتم تقديم الرابطة للإتحاد الأوروبي نفسه من طرف النظام على أنها قد أصبحت على خلاف ما كانت عليه من قبل، وعلى خلاف ما عليه النظام والأحزاب والجهات الداعمة له والمتخالفة معه.
ففي الوقت الذي مازال فيه النظام وأطراف الموالاة المختلفة ،وبعض المنظمات والشخصيات المستقلة ،والتي تلتقي من خلال ذلك الموقع مع بعض مواقف وخيارات وسياسات النظام في ما يتعلق بحقوق الإنسان وإطلاق سراح المساحين السياسيين والعفو التشريعي العام ،وفي المواقف من الحركة الإسلامية وحركة النهضة خصوصا ،كانت الرابطة متمسكة بهذه المطالب، وبما يعطي انطباعا لتبنيها لمشاكل وقضايا الإسلاميين باعتبارهم الطرف الأكثر اضطهادا والأكثر تضررا من الخيار الأمني في التعامل معهم منذ أكثر من25 سنة. وقد تبين أن ذلك كان خيارا لتأديب الشعب كله ،ومعاقبته من أجل مساندته للحركة الإسلامية وانخراطه فيها، ودعمها وتأييده لها ،مثلما تم تأديب ومعاقبة الشعب الجزائري من قبل من قبل « ديمقراطيات الأنظمة العلمانية الغربية » وامتداداتها الهجينة الداخلية الدخيلة ،ومؤسسات القمع البوليسي والإستخباراتي والعسكري ،من أجل اختياره في انتخابات حرة نزيهة ،جاءت فيها صناديق الإقتراع بالجبهة الإسلامية للإنقاذ لسدة الحكم .وكما يعاقب الشعب الفلسطيني من قبل القوى الدولية الإستعمارية والصهيونية العالمية ،وحلفائها من الأنظمة العربية الإستبدادية ،ومن الطابور الخامس العلماني بالداخل الفلسطيني ،من أجل اختياره الحر كذلك لحركة حماس لقيادته بمشروع المقاومة إلى الإصلاح والإستقلال والحرية ،دون أن يعفي ذلك الرابطة من الوقوع في ما يشبه تبرئة الذمة بالسقوط في اللامبالاة وعدم الإكتراث ببعض القضايا والتجاوزات التي تحصل كل يوم أحيانا في حق العشرات والمئات من المظلومين والمضطهدين ،خاصة حين يكونوا من الإسلاميين ،وفي التباطئ وغض الظرف عن بعض ما لا يتفق مع قناعات بعض أعضائها على الأقل .وهي التي وصل بها الأمر إلى تكريس الإضطهاد والمشاركة فيه وإقراره مع بعض الجهات والأطراف ،في بادرة تلتقي فيها مع السلطة ومع أحزاب الموالاة وبعض الجمعيات الحرة والمستقلة ،كالبيان المشترك الذي أصدرته الهيئة المديرة مع جمعية ما يسمى بالنساء « الديمقراطيات »، وفرع منظمة العفو الدولية بتونس ،والذي كان يتضمن كما هو معلوم دعوة صريحة للتمسك بتطبيق المنشور رقم 108 سيئ السمعة المتعلق بمنع نساء الشعب التونسي المسلم من حرية ارتداء اللباس الشرعي ،ومساندة السلطة في التمسك بالعمل به ،ولم يكن ذلك إلا استجابة لقناعات بعض عناصرها والشق الإستئصالي فيها .ورسالة إلى أطراف خارجها وإلى رفاق لهم في السلطة ،لإثبات استمرارهم على خط المناهضة للإسلام وللإسلاميين .وإلى رفاق لهم في المعارضة وفي أحزاب الموالاة .ثم كذلك وهذا مهم جدا، للأجنبي وللإتحاد الأوروبي تحديدا كجهة ممولة وداعمة للمشروع العلماني وللجهات والأطراف العلمانية داخل السلطة وخارجها وداخل الرابطة وخارجها ، ويراد الحفاظ على تمويله للمنظمة ودعمه لها.
ولقد جاء موقف الإتحاد الأوروبي داعما ومساعدا لشق العلمانيين في السلطة أكثر من دعمه ومساعدته ومساندته لشقهم في الرابطة وفي مكونات المجتمع المدني الآخذ في النشأة وبناء الذات رغم وضوح المظلمة، و استمرار السلطة في محاولة الإلتفاف على هذه المنظمة الحقوقية التي أصبحت لعبة في يد مكونات الحركة العلمانية وتوظيفها – وقد أثبت التاريخ في بلادنا ذلك – كيف تشاء ولصالح جهة دون أخرى، ولغايات وأهداف دون أخرى ،ولمصالح شخصية وفئوية وحزبية وطائفية معينة دون أخرى .وهي نفس الطريقة التي تعامل ويتعامل بها الغرب عموما مع مبادئ وقيم حقوق الإنسان في المجتمعات والشعوب غير الغربية وفي غير أوطان شعوب الغرب.
ولذلك فإن هذا الموقف نفسه من قضية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان هو موقف خاذل للمدافعين عن حقوق الإنسان، في ازدواجية في الخطاب وفي السلوك. ففي الوقت الذي يوفر فيه الإتحاد الأوروبي دعما ماديا للمنظمة ويؤكد على ضرورة هيكلتها،يوفر فيه كذلك دعما للنظام الإستبدادي في تونس ويحتضنه ويرعاه ويسنده ،في الوقت الذي كان يجب أن يساند الرابطة باعتبارها هيكلا وإطارا مدافعا عن حقوق الإنسان في بلاد أصبح لا يخفى فيها على العالم كلها أن نظامها السياسي هو من الأنظمة القليلة الأكثر انتهاكا لها ،لما جاء ماسكا للعصا من الوسط ،داعما هذه وذاك، ومساندا هذا ومؤيدا تلك، ومقر الظالم على ظلمه، وتاركا المظلوم يعاني الإضطهاد والقمع والإقصاء والتهميش. في محاولة لملازمة ما يشبه الحياد في ما يزعم أنه قد ظهر له فيه من التباس في الأمر ،ظاهره صراع داخلي بين نفس عناصر النخبة في نفس الإطار، تبدو الدعوة فيه إلى الحوار طريقا إلى الحل، وباطنه صراع بين الإستقلالية والإحتواء ،بين الحق والباطل ،بين القيد والحرية ،بين الظالم والمظلوم ،بين النظام عن طريق وكلاء وعناصر تابعة موالية له ،وبين الرابطة وضحايا القمع والإستبداد من مختلف مكونات المجتمع المدني.
فمن خلال هذا المشهد كما نتمثله وكما هو واقع وكما تؤكده الوقائع والأحداث ،تبين بكل وضوح أن حقوق الإنسان وأطرها وهياكلها في بلادنا وفي الكثير من بلدان العالم واقعة بين ثلاثة أطراف ،هي بين مهدد، وخاذل لها ،ومراوغ في التعاطي معها ،ليكون كل ذلك في النهاية وبفعل هذه الأطراف الثلاثة وبمواقفها تلك على حساب حقوق الإنسان نفسها ،وعلى حساب المضطهدين والمظلومين والمستضعفين خاصة .وأن كل الجهات في أي مكان وفي أي موقع قد أصبحت مسكونة بهاجس التصدي لما ترى فيه أنه تطرف وإرهاب يتهدد مصالحها ووجودها على حد فهمها القاصر والمغرض للظاهرة الإسلامية. أو كما تريد أن تظهرها عليه للشعوب ،وكما تريد أن تظهرها عليه كل جهة للأخرى من هذه الجهات المكونة في النهاية من طرف واحد ومن حركة واحدة وعلى منهج واحد وثقافة واحدة وإن اختلفت مواقعها ومواقفها ولغتها واختلف خطابها، وهي الطرف العلماني في الحركة العلمانية ،على الثقافة العلمانية وعلى نهج الغرب والتغريب ،وعلى قاعدة وضع العالم كله وإقراره على ثقافة واحدة ومنهج واحد ،وتوجه ونمط حضاري واحد ليس لأحد سوى الغرب عليه سلطان وليس لأي جهة رأي فيه ولا لأي كان بصمة وأثر عليه عداه.
ففي الوقت الذي ترى فيه الحركة العلمانية الأصلية الأصيلة في الغرب ،وتلك التابعة الهجينة الدخيلة في باقي أنحاء العالم ،وخاصة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين ،أن حقوق الإنسان هي حكرا عليها وتعتبر أنها الوحيدة التي لها الحق في الإشراف على تطبيقها وإدارتها وعلى مراقبتها. وتعتبر أنها الوحيدة التي تنطبق عليها ولها وحدها الحق في التمتع بها. وهي التي ترى أنه لا معنى لها خارج ثقافتها ،ولا معنى لها في أي مرجعية أخرى وفي أي ثقافة أخرى ،ولا حق فيها لمن ليسوا على ثقافة الغرب ودرب التغريب ،ولمن هم على أي ثقافة أخرى من الثقافات الكثيرة المختلفة في العالم ،وخاصة على من هم على الثقافة العربية الإسلامية. وإن كان في ذلك من الوجاهة ما يستحق الوقوف عنده لما يكون الأمر متعلقا بثقافة المعسكر الشرقي قديما، لما كانت عليه من كفر صريح بحقوق الإنسان وتنكر ورفض لثقافة حقوق الإنسان. وقد كان من المفارقات الغريبة ومن التناقض الصريح والعجيب، أن يوجد في بلادنا كما في العديد من بلدان العالم أن أغلب الذين يركبون موجة حقوق الإنسان ويتصدرون النضال الحقوقي والإنساني هم من عناصر اليسار الماركسي والتيار القومي العربي وإن بدرجة أقل ،بالرغم مما يجب أن يكونوا عليه في الأصل استنادا إلى مرجعيتهم الفكرية والرؤية الماركسية للإنسان والحياة والكون من كفر بها ومناهضة لها.أما إذا تعلق الأمر بالمعسكر الإسلامي وبالثقافة الإسلامية وبالمرجعية الإسلامية فإنه من الظلم والإجحاف ومجانبة الصواب ومن المغالطة اعتبار الإسلام في فهم وفكر وثقافة الحركة الإسلامية الوسطية المعتدلة ،وعملا بالأصل في الشيء فيه رافضا للديمقراطية وحقوق الإنسان أو معاديا لهما أو غير قابل بهما .وهو الذي فيه من الرحابة والمرونة ما يجعله يتسع لكل الثقافات ولكل الأمم والشعوب بمختلف لغاتها وثقافاتها بثوابته وبعقله الناقد غير القابل بالجمود ولا بالتسليم إلا في مواقعه كما في غيره من الأديان والمناهج والأنظمة. وإذا كانت ثقافة حقوق الإنسان بين سلطة ليس لها منها وليس لعناصرها فيها إلا انتهاكها ،ونخبة متطفلة في الأصل عليها ليس لها من الإيمان بها إلا توظيفها وخوص معارك بها من أجل غايات وأهداف ومآرب أخرى ،وبين أجنبي ليس له من إيمان بها خارج أوطانه ولا إيمان له بحق للشعوب الأخرى فيها ،ويعتبر أنه لا أهل لها عنده إلا شعوبه ،وليست عنده في ما عدى ذلك إلا أداة للتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب ليقطع بها الطريق أمام أي جهة ليس له عليها إشراف ،وليست على مرجعيته ولا على ثقافته ولا على مناهجه ،ولا تخدم مصالحه ولا تتحقق بها أهدافه الإستعمارية العنصرية.والعالم المستضعف كله يشهد وكل عقلاء العالم اليوم يشهدون بذلك ولا يختلفون فيه وليست الأمور في حاجة إلى دليل.فالحروب المدمرة ،والأمراض الفتاكة التي تؤدي بحياة الملايين من الأرواح البشرية كل عام ،والمجاعات والتلوث المسموم المتسبب في ظاهرة الإحتباس الحراري المهددة للحياة على سطح الكوكب الأرضي وفي أجوائه وأعماق بحاره كل ذلك دليل على فساد الخيار الثقافي وعلى عدم إيمان حقيقي للغرب ومن ورائه صنائعه ومقتفي أثره في أوطاننا بحقوق الإنسان وبمستقبله ومصيره.
وبذلك يمكن أن يكون هذا الذي يحصل في بلادنا بين هذه الجهات الثلاث ،نوع من التوافق المقصود أو غير المقصود من كل الأطراف ،أو المقصود من أطراف وغير المقصود من أخرى ،أو المقصود منها جميعا باتفاق أو بغير اتفاق على تهميش الرابطة وشل حركتها باتجاه الجهة الرسمية المعنية بالتحاور معها وإبلاغها بما يحصل من تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان من أجل معالجة صحيحة للقضايا المثارة ،والتدخل لإنهاء المظالم وتلك التجاوزات والإنتهاكات والجرائم والمأساة ،وجعل حد لتجاوز القانون واستغلال النفوذ، خاصة وأن الأمر سيكون متعلقا في أكثر الأحيان بطرح قضايا القتل البطيئ الذي يتعرض له الإسلاميون في السجون، وهي من القضايا التي لا يمكن أن لا تكون مصدر حديث وتحاور بين الهيئة المديرة للرابطة في حال الإعتراف بشرعيتها من خلال مؤتمر غير مطعون في شرعيته ،وقضايا الخاضعين للمراقبة الإدارية والإستمرار في مضايقة كل العناصر التي سبق أن تمت محاكمتها سواء في قضية حركة النهضة أو غيرها من التنظيمات والتيارات والأحزاب السياسية المعترف بها أو غير المعترف بها بالبلاد ،وقضايا عشرات الآلاف من المطرودين من عملهم والمصادرة أرزاقهم بسبب ماضيهم السياسي وخلافهم مع النظام في ذلك، ومن الطلبة والتلاميذ الممنوعين من حق مزاولة دراستهم والمقيمين داخل البلاد ،ومن المهجرين والفارين خارجها ،وقضايا مصادرة حق النساء إضافة إلى كل ذلك ،في حرية ارتداء اللباس الذي يردن ارتداءه بالمؤسسات العامة والخاصة والساحات والفضاءات المختلفة ببلادهم وخارجها. هذا المنع الذي لا سند قانوني له، وهي مصادرة لا أخلاقية ولا إنسانية لحق كان ومازال المرجع الوحيد المعتمد عليه فيه المنشور الفضيحة في تاريخ هذه البلاد العربية الإسلامية، وهو المنشور رقم 108.والذي مازالت الرابطة نفسها وحتى من موقع المطعون في شرعيتها والمسحوبة منها متمسكة بالإبقاء عليه.وماضية في عدم الإستعداد للتدخل للدفاع عن المتضررين منه والمضطهدين من أجل التمسك بحقهم في مخالفته وعدم الإعتراف به من الرجال والنساء في أوسع شرائح مجتمع شعبنا العربي المسلم ومتمسكة وبإصرار عجيب بتطبيقه .وغير ذلك من قضايا انتهاك حقوق الإنسان .ومن المضايقات والعقوبات التي أصبح كل مخالف للنظام السياسي بالبلاد من أي موقع ومن أي لون من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري والثقافي،ومن أي فئة من فئات المجتمع عرضة لها.
وإذا سلمنا بأن عناصر وأعضاء الهيئة المديرة جادين وصادقين في التعاطي مع كل أو جل قضايا انتهاك حقوق الإنسان ،والتي وإن كان قد أصبح كل مختلف مع النظام في الرأي وكل مختلف معه سياسيا وثقافيا واجتماعيا عرضة للمضايقات والعقوبات ،فإن الإسلاميين مازالوا دائما الأكثر عرضة لذلك من أي جهة أو طرف آخر ،وعاملين بكل جد وإخلاص وصدق على تحرير الرابطة للقيام بدورها في مواجهة الإنتهاكات وحماية ورعاية حقوق الإنسان وفق ما ينص عليه قانونها الأساسي ،ووفق ما جاءت به المواثيق والعهود الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،فإن النظام البوليسي الذي يحاول أن يغلف نفسه بقشرة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في تونس، والذي مازالت مكوناته الرئيسية الأولى من يمين دستوري ويسار ماركسي ويسار قومي عربي هي التي تدير الأوضاع بالبلاد ،وتشرف على الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية والإعلامية بها ،وتمعن في الفساد المالي والإداري وانتهاك حقوق الإنسان على أوسع نطاق ،لا يريد مطلقا للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن تفلت من قبضته وأن تخرج عن سيطرته وأن تنتهي من الدوران في فلكه ،ولا أن تستقل بذاتها بعيدا عن التبعية له والإلحاق به ،وتوظيفها في سياسة القمع التي ينتهجها ويستمد شرعية من مشاركتها في تلك السياسة وتلك الإنتهاكات وسكوتها عنه فيها .ولذلك هو حريص اليوم على الإبقاء عليها تحت سيطرته ،وفي دائرة نفوذه، أو المحافظة على الأقل على وجود ضاغط له فيها، يحول دون قيامها بالمهمة التي بعثت من أجلها. وإذا لم يكن ذلك كذلك ،فإنه لن يفسح لها المجال للعمل على إعادة الإعتبار لحقوق الإنسان. والوقوف إلى جانب حقوق ضحايا القمع والإرهاب والتعذيب والقتل والإستئصال ،باختلاق الأسباب الحائلة دونها ودون ذلك ،عبر بعض الجيوب والمرتزقة والمأجورين الذين مازال محافظا لوجود لهم بين أعضائها ومنخرطيها وفي هياكلها وهيئاتها ليقوموا في الوقت المناسب بكل ما يحول دون قيام المنظمة بأي دور للدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها وصيانتها ،ووضع ملف حقوق الإنسان الذي أخذ بعدا دوليا بين يدي المسؤولين عليه في النظام .والذين هم من الضالعين في الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب .والذين يجدون أنفسهم من خلال ذلك الملف وجها لوجه أمام ضحايا سياسة القمع والإستئصال التي انتهجها منذ انقلاب 7 نوفمبر 1987 من الإسلاميين وغيرهم .والذي مازال لا يريد أن يعترف بوجود انتهاكات واسعة لحقوقهم .ولا يعترف بما سلم العالم كله به من أن لديه ملفا يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان ضد حركة سياسية وضد معارضين سياسيين، وليس له مضطهدين سياسيين ولا مساجين سياسيين ولا مشاكل سياسية له في ظل نظام ديمقراطي تعددي تحتل فيه « المعارضة »أماكن لها في المؤسسة التشريعية. هذه المعارضة المعارضة للمعارضة والمنحازة بوضوح للنظام رغم بعض محاولات بعضها إيهام الرأي العام والمعارضة على أنها على خلاف ذلك. ولا يتعلق الأمر ببعض الأحزاب المعترف بها كحركة التجديد مثلا المحسوبة على المعارضة والتي تعمل جاهدة على حشر نفسها فيها ،ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى أحزاب وتيارات غير معترف بها كحزب العمل الوطني الديمقراطي، وحزب تونس الخضراء الذي لم يشفع له قربه من شيخ الرفاق محمد حرمل الذي ربما كان مناضلوه يرجون شفاعة لهم منه لدى سيده الرئيس لمنح حزبهم تأشيرة قانونية تعرضه لقرصنة سياسية مفاجئة غير مسبوقة ولم يحسب لها مناضلوه أي حساب، وأولئك الذين يسمون أنفسهم « الشيوعيون الديمقراطيون » وغيرهم … وقد بدأ ذلك واضحا منذ انطلاق حركة 18 أكتوبر التي أبدت هذه الأطراف بعض المساندة الشكلية والتمويهية لها.ولم تلتحق بهذه الحركة إلا بعد أن أصبحت واقعا.وهي التي أنهت تلك العلاقة لتراوح مكانها قريبا من السلطة ومن مكونات الحركة العلمانية المحافظة على مواقعها في إدارة الحياة السياسية والثقافية والإعلامية والأمنية بالبلاد، بعد أن نجحت هذه الحركة في تحقيق مكاسب محترمة.وتقدمت خطوات باتجاه الرأي العام الوطني والإقليمي والدولي.وأوجدت حراكا سياسيا لم يكن للبلاد إلا قديم عهد به. وفعلا فقد قاطعت هذه الأحزاب والتنظيمات هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات التي تم الإعلان عن تأسيسها يوم 7 ديسمبر 2005 في مؤتمر صحفي عقده أعضاؤها بمقر الحزب الديمقراطي التقدي ،ولم يكن هذا الموقف إضافة إلى أسباب كثيرة أخرى ترجع إلى طبيعة هذه الأحزاب والتنظيمات ،ولعلاقتها بالنظام وبالأجنبي ،إلا بسبب وجود بعض الإسلاميين في هذه الهيئة.
والذي لا شك فيه أن انخراط كل هذه الجهات والأطراف مع النظام ومن خلاله في حملة الإستئصال التي قادها ضد الإسلاميين سنة 1990 ،والتي مازالت متواصلة إلى الآن، وتمسكها بالقطيعة مع الحركة الإسلامية والحرص على أن تظل قريبة من النظام ،وانسحاب ما يسمى حزب العمل الوطني الديمقراطي من ندوة بروكسيل من أجل وجود الإسلاميين فيها وحضورهم بها إلخ… هو الذي مازال يعبر عنه الإستئصالي صالح الزغيدي بقوله « … يتساءل العديد من المناضلين حول الخيار الذي أقره أصحاب الحركة الإضرابية والقاضي بتشريك ممثلي النهضة (…)في مثل هذه العملية السياسية وهو ما يحدث لأول مرة على الأقل بصفة واضحة وعلنية في تحرك سياسي مشترك… فالمسؤولية التي تحملتها مجموعة المضربين مسؤولية سياسية جسيمة تمثلت في إدماج حركة الغنوشي في العمل السياسي المشترك مع أحزاب وحساسيات ديمقراطية وليس بالأمر الهين أو الثانوي إرساء تحالف (….) بين القوى الداعية إلى الديمقراطية والقوى المنغمسة إلى أبعد الحدود في خيارات مذهبية ومجتمعية وسياسية ذات طابع إستبدادي « 2
ويتضح ذلك كذلك في البيان الذي صدر عن مجموعة من يسمون أنفسهم « الشيوعيون الديمقراطيون » والذي جاء فيه: « يحدث الإضراب بلبلة في الرأي العام الديمقراطي لأنه يضم جنبا إلى جنب الإسلاميين والديمقراطيين حول إمكانية الإلتقاء معهم ليس فقط حول الحد الأدنى والذي هو نفسه موضوع خلاف بل وأيضا حول نمط الحكم والمشروع المجتمعي المنشود والحال أن الخلافات في هذا الشأن إستراتيجية تقابل بين الديمقراطية والإستبداد باسم الدين« 3 .
إن في كل ذلك دلالات واضحة على أنه لا يستبعد ،بل وفي حكم شبه المؤكد، أن كل هذه الأطراف يمكن أن تكون ضالعة في استمرار أزمة الرابطة حتى لا تستقر على أمر ولا تستقر على وضع يسمح لها بالقيام بدورها الحقوقي والإنساني باتجاه طرح أهم ملفات انتهاك حقوق الإنسان على السلطة مباشرة وعلى أوسع نطاق في العالم ،سواء في الأوساط الحكومية أو غير الحكومية. والذي يجب أن تسعى إليه هذه الجهات والأطراف في عملية تكامل للأدوار بين مكونات النخبة العلمانية داخل النظام وخارجه ،هو الإستمرار في تهميش الرابطة كل ما كان ذلك ممكنا ولأكثر ما يمكن من الوقت.لأنه ليس من مصلحتها الفئوية والحزبية والشخصية والثقافية والإجتماعية أن تخرج البلاد من هذا الإختناق الذي تردت فيه والذي كانت كل هذه الجهات والفئات والتنظيمات والأشخاص طرفا فيه.
– كلمة الختام :
إذا كانت مكونات الحركة العلمانية اللائكية المكونة للنظام والمتحالفة معه والقريبة منه والداعمة والمعاضدة له والبعيدة عنه و حتى بعض المعارضة له ،وتلك التي تحشر نفسها في المعارضة والتي تريد أن تحسب عليها، وتلك التي تضع قدم هنا وقدم هناك، قد استطاعت أن تلتف على الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وتجعل منها أداة إستئصالية وقامعة ومنتهكة لحقوق الإنسان على امتداد أكثر من عقد من الزمن ،وهي التي استطاعت عناصر منها أن تعيد لها بعض الإعتبار ميدانيا على امتداد 5 سنوات ،فإنها تكون قد أمضت لها من
عمرها أكثر من 15 عاما في الإحتواء الكامل والتهميش والعطالة. ولفقدانها الحس المدني ومعاداتها للثقافة الديمقراطية، هذه العداوة التي اكتسبتها من عداوتها للمعسكر الغربي الرأسمالي الإمبريالي، ومن نشأتها منحازة للمعسكر الشرقي، ولإيمانها بالدكتاتورية وبنظام الحزب الواحد وبكاريزمية الزعيم الواحد وهيمنة
الطبقة الواحدة باتجاه ما تعتبر أنه الطريقة الوحيدة لإنهاء الصراع على السلطة والنفوذ من خلال صراع الطبقات- لم تستطع هذه النخبة أن تقبل باستقلالية الرابطة. وظلت تعمل على احتوائها والهيمنة عليها وتوظيفها لخدمة أغراضها السياسية، وليس لخدمة حقوق الإنسان التي أصبحت ذات معاني كثيرة في أذهان وفي قاموس وممارسات هذه النخبة. فلا قيمة إنسانية للمخالف لها في الرأي ولا حقوق له معها ولا عندها. ولا
تكتمل إنسانية الإنسان عندها إلا حين يكون على رأيها وعلى مرجعيتها وفي خطها السياسي. بل لا إنسانية له بغير ذلك عندها، ومن لا إنسانية له لا حق له.ومن كانت إنسانيته ناقصة فإنه إذا كان لابد من الإعتراف له
بحق من موقع الحرج أو مواقع الإضطرار فلا يمكن إلا أن يكون هذا الحق ناقصا.
هكذا يمكن تأويل مسيرة مكونات الحركة العلمانية فكرا وممارسة في تعاطيها مع ملفات وقضايا حقوق الإنسان ،ومع منظمات حقوق الإنسان ،ومع انتهاكات حقوق الإنسان ،وما ألحقت به الشعب في تونس من مظالم ومن دوس لكل ما له علاقة بحقوق الإنسان وبكرامة الإنسان روحا ونفسا وعقلا وجسدا.
ودفاعا عن الرابطة أقول: كفى عبثا بها وتوظيفا لها. وكفى سعيا لإحتوائها وامتهان الإنسان من خلالها. كفى تهميشا لها من أحل القيام بدور هي مؤهلة له وهي في الوقت المناسب لذلك ،والوطن والشعب والمستضعفون من النساء والرجال والولدان من أبنائهما في حاجة لهذا الدور ولهذه المنظمة التي لست ملكا لأحد وهي ملكا ومكسبا ليس للشعب التونسي فقط ولكنها للإنسان أينما كان للإنسان المضطهد وجود. فعلى الحركة العلمانية أن ترتقي إلى المستوى الإنساني والحقوقي المطلوب. وإلى مستوى النزاهة والإنسانية اللازمين. وإلى مستوى الحياد اللازم لمن يلقي بنفسه في ساحات الإنتصار للمظلومين والمضطهدين والدفاع عنهم. وأن تعتبر أن في ذلك دفاعا عن الحق والعدل والحرية والكرامة والأموال والأعراض، وليس على ذوات بشرية معينة تختلف قناعاتها وانتماءاتها وتوجهاتها منها وتختلف في تفكيرها وسلوكها معها، منها من له في نظرها وفي مواقفها وفي سلوكها وتعاملاتها الصفة الإنسانية ،ليكون له بذلك حقوقا يستحق أن تدافع له عنها، ومنها من لا صفة إنسانية له في ثقافتها وليس له أي حق إلا ما اقتضت الضرورة الملحة الإعتراف له به اضطرارا وتفاديا للحرج الشديد.وتوجيه الخطاب للحركة العلمانية والإلقاء باللائمة عليها دون غيرها،لا يعني بالضرورة أن الحركة الإسلامية يمكن أن يكون أدائها أفضل إذا سلكت نفس الطريق في التعاطي مع حقوق الإنسان ،وإذا اعتمدت نفس الأساليب في معالجة حقوق الإنسان، وإن كنت واثقا وأكاد أعتقد جازما من أن الحركة الإسلامية الوسطية المعتدلة ،هي وحدها التي يمكن أن تكون المؤتمنة حقا وعدلا وصدقا عليها أكثر من أي من الجهات الأخرى في الحركة العلمانية الأصيلة منها في الغرب وتلك الدخيلة منها في ما تبقى من مختلف أنحاء وأقطار العالم التابع المتغرب ،من منطلق المفهوم الإسلامي للإنسان والحياة والكون ،ولقداسة النفس البشرية في الفكر الإسلامي والثقافة الإنسانية وفي الشريعة الإسلامية وتكريمه لها حية وميتة يقول تعالى: « وكتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا من غير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا« .فالمنطلقات المبدئية تقتضي من الإسلاميين في الحركة الإسلامية أن يكون خطا بهم وسلوكهم الحقوقي والإنساني أفضل كما في الثقافة الإسلامية من قداسة للإنسان أكثر وأوضح من تلك التي له في الفكر والثقافة العلمانيين .ولما في حسن الأداء من طاعة لله سبحانه وتعالى ،ومن بعد إيماني ومن معان تعبدية شعائرية. وليست ثقافة حقوق الإنسان في الإسلام إلا تصورات وأنماط من التفكير مستجيبة للأمر والنهي الإلهي ،يقابلها إلزام رباني بالإلتزام بذلك سلوكا وممارسة وتطبيقا يعبد به الله سبحانه وتعالى « والله طيب لا يقبل إلا طيبا ». إلا أن الفرق بين الحركة العلمانية والحركة الإسلامية في هذا الموضوع ،أن الحركة العلمانية هي المسؤولة عن هذا الذي يحدث بالداخل وبالخارج ،سواء من خلال السلطة السياسية أو من خارجها ،وهي المسؤولة عن الإنقسامات العميقة التي شقت بها المجتمع والمنقسمة على نفسها بين منتصر لحقوق الإنسان ومدافع عنها وبين منتهك مصادر لها ،ويختلف الموقف من ذلك باختلاف المواقع والمصالح إئتلافا في ما بين مكوناتها أو اختلافا ،توافقا أو تشابكا .وهي الحليف الاستراتيجي والإمتداد الفكري والثقافي والسياسي للأجنبي المدير لقضايا حقوق الإنسان وغيرها من القضايا من خلالها بحسب ما يتحقق له من مصالح. هذا الأجنبي الذي لا معنى لحقوق الإنسان خارج أوطانه، ولا إيمان له في أوطان شعوب الأمة وفي أوطان عموم المستضعفين في العالم إلا بمصالحه.
ثم إني لا أستطيع أن أتوجه بالخطاب للحركة الإسلامية ،ولا أن ألقي باللائمة عليها سواء في تونس أو خارجها لأنها ضحية هذه الثقافة وهذه التناقضات .وضحية أداء الحركة العلمانية في التعاطي مع مبادئ وقيم حقوق الإنسان وغيرها من القضايا على النحو الذي تعيشه البلاد هذه الأيام .وهي التي لا علاقة لها بالأجنبي. وهي التي لا تقبل إلا أن تكون هده العلاقة علاقة حوار وتكامل وإخصاب حضاري مازال الغرب من موقع القوة والهيمنة رافضا لها .ولا قبول له بها إلا بمفهومه لذلك وبشروطه وبما يتحقق له من نفع ومصلحة ومجد. وهو الأسير النفع والمصلحة، والأبعد ما يكون عن قيم الحق والعدل والحرية والأمن والسلام والتعارف بين الشعوب.
وإذا كان يحلوا للبعض أن يحمل الإسلاميين تبعية ما يعتقد العلمانيون أن انتهاكات لحقوق الإنسان تحصل في بعض البلاد المحسوبة أنظمتها على الإسلام ،نقول أولا أن ذلك لا يرتقي إلى المستوى الذي عليه أوضاع حقوق الإنسان من السوء في الأنظمة السياسية العلمانية المتعددة ،وفي النظام العلماني العالمي الإستعماري العنصري ولا يتجاوزه. ثم إن ذلك لا يقوم مبررا لإنتهاك النخبة العلمانية في النظام العلماني الغربي وفي أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين لحقوق الإنسان على امتداد التاريخ الحديث لهذه الأوطان ثانيا.
ثم أن هذه النخبة ليست أقل انتهاك لحقوق الإنسان في البلاد المستولية فيها على السلطة من تلك التي قامت فيها تجارب جنينية وحديثة لبعض التصورات المرحلية للنظام الإسلامي ثالثا.
إلا أن الواضح أنه إذا كانت الثقافة العلمانية الأصلية الأصيلة في الغرب ثقافة حقوق الإنسان ،فهي ليست إلا ثقافة حقوق إنسان الغرب في الغرب ،وهي التي ليست خارجه إلا ثقافة انتهاك لحقوق الإنسان ،سواء من مصدرها الغربي الأصيل أو من مصدرها العلماني الهجين التابع الدخيل في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين خاصة ،وفي أوطان شعوب عموم المستضعفين في العالم. إلا أنه وعلى خلاف ذلك، فإن كل الدلائل النظرية والتاريخية للدارس المتجرد المحايد تفيد أن الثقافة الإسلامية هي ثقافة حقوق الإنسان بمفهومها الإنساني الكوني الشامل.يقول تعالى:« يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم« .
وبهذه المقاربة الثقافية المختصرة بين الثقافة العلمانية الغربية العنصرية البربرية والثقافة العربية الإسلامية الإنسانية الكونية نقول للنخبة العلمانية المتصارعة على الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و بها في بلادنا، أن مسؤوليتكم التاريخية على المنظمة كبيرة وخطيرة ،وهي إطار يصلح بصلاح من يقومون فيه بمهمة الإصلاح من المصلحين ،ويفسد بفساد من يقومون فيه بالمفاسد والإفساد من المفسدين ،وهي مكسب وطني ليست ملكا لأحد، بل هي ملك للشعب كله وللإنسان عموما. فلا تجعلوا منها فضاء لتصفية حسابات بعضكم مع بعض على حساب المظلومين والمضطهدين والمقهورين والمنتهكة حقوقهم من مختلف فئات الشعب، وعلى حساب الوطن الذي يجب أن تعلموا أنه وطن الجميع ،وعلى حساب تطوره و حركة التنمية فيه، وعلى حساب الأمة وعلى حساب كل من له علاقة أمن وسلام وتعارف بها من كل الملل والنحل ،وعلى حساب مبادئ وقيم حقوق الإنسان الكونية التي لا تعرف حدودا ولا تمييز فيها بين مختلف الأجناس والألوان البشرية في أي مكان وأي زمان، لأن في هذا الذي نراه ونسمعه مما هو قائم من صراع بين مكونات الحركة العلمانية الواحدة ببلادنا والذي تغذيه أطراف وجهات وقوى دولية معروفة ليس إلا اعتداء على هذا المكسب نفسه ومن خلاله اعتداء على حقوق الشعب والوطن والإنسان،وأن الذي يجب أن يعلمه الجميع أن اليوم الذي سيقول فيه شعبنا كلمته سوف لا يكون بعيدا ،وأن غدا لناظره لقريب ،وأن ما اقترف في حقه من مظالم وما أقترف في حق الوطن من مفاسد لا يمكن أن يسقط بالتقادم. فليحذر الذين لا قيمة عندهم لعالم الغيب والذين لا يؤمنون به أن من لم يدركه الموت محاسب لا محالة في عالم الشهادة .
وللعالم وللأمة العربية والإسلامية في صدام حسين وزمرته خير دليل، لتكون الدائرة من بعده على مومياء النجف ومفتي البيت الأبيض علي السيستاني وزمرته من أمثال الجلبي وعبد العزيز الحكيم وجلال الطالباني وإبراهيم الجعفري وإياد علاوي وغيرهم من عملاء أمريكا الذين يحاكمونهم، والذين قد يأتي اليوم الذي تخرج فيه المقاومة منتصرة ظافرة بعد تحرير العراق وإعادة الإعتبار لهويته العربية الإسلامية التي أصبحت في ظل الإحتلال الغربي الصليبي له بقيادة أمريكا وبمباركة وقبول ومشاركة من العملاء والخونة للشعب العراقي وللأمة وللوطن ولله وللرسول صلى الله عليه وسلم محل جدل ونقاش واخذ ورد وتشكيك وإعادة نظر فيها ،ويكون لها وحدها محاكمة الجميع لتكون المحاكمة عادلة وفي محلها .وليخضع للمحاكمة صاحب الحق في المحاكمة لمن يستحق ويجب أن يحاكم. وقبل أن يحصل هذا الذي يجب أن يحصل، فلا معنى للعدل ولا معنى لأي محاكمة عادلة في بلد يحاكم فيه العملاء والإستبداد يون بإشراف الغزاة بعضهم بعضا .ومن قبل صدام حسين مجرم الحرب سلودوفان ميلوسوفيتش وآخرين في طريقهم إلى ذلك« وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون«
يقول تعالى :« ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد« .
« تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساد والعاقبة للمتقين«
صدق الله العظيم.
1- أخبار تونس TUNIS-NEWS 17 /9 / 2005.
2- الطريق الجديد عدد 43 نوفمبر 2005
3- نفس المصدر.
علي محمد شرطاني
قفصة
تونس
تونسيون يبحثون عن الحرية وفتاة احلامهم في غرف الشات
كلمات في الصمت واللغةو الإغتراب
في الصمت تدلت حبائل صمتي تقاطر منها الزمن على صفحات إغتراب بنأي بعيد 2 تكاثرت القطرات إنهمرت على جانب آخرمن النأي إستحالت فيه زمانا غريبا تحللت فيه من كل عادات صمتي وأشهرت حرفي وحاصرت في متاهات سفري وجمعت في أناتي المبعثرة بين هجري …..وهجري 3 في اللغة تهاطلت قطرات النأي نزلت بذاتي بياضا جديدا يمحو البياض القديم يراكم نأيا تناءت مسافاته وامّحت فيه كل الجسور القديمة عدا جسر صمت تناءى هناك يلم شتاة الحروف يحيل بياض البياض سوادا جديد 4 تنحى الصمت من نأيي ليفسح للنص مجالا تلوح فيه القصيدة رفضا جديدا لصمت تراكم في الذات تبعثره الكلمات وتنسج منه الحروف مآلاتها تؤول فيه زمان المكان وترحل في مجال الكلام تعد كلاما يعد نصوصا تعري الكلام 5 في الإغتراب اخيرا تمرد نصك تسائلني الكلمات يحاصرها الإغتراب تضيق حروفي بغربتها تكتب نصها خارخ إرتدادات الوطن تنعتق من الناي في تحيلني إلى الهناك تناى بي لغتي عن متاهات السفر تباعد بيني وهجري تطيل المسافة بيني وبين كل مفردات الرحيل يلملم نصي إغترابي ويجمع صمتي ويمضي بلغتي هناك إلى حيث رفضي يسافر في المستحيل ليجعل صمتي المحال يحيل الحروف دليلي جمال الدين أحمد الفرحاوي لاهاي في 13 /3 2005
السينمائي علي العبيدي:
أفلامي تعبير عن هموم الوطن وقضاياه.. واختلف مع بعض المخرجين لأنهم منبتون
تونس – أقلام أون لاين
(محمد الحمروني)
الحوار مع رجل مثل على العبيدي رحلة أكثر من ممتعة، في واحد من أهم وأخطر مجالات الإبداع في عالمنا المعاصر. والمتعة ليست فقط في كون الرجل يملك من الخبرة السينمائية والإلمام بكل تفاصيل هذا الضرب من الفن، بل هي أيضا في كونه يملك من الصراحة والشجاعة ما لا تجده عند غيره. إلى جانب ذلك فهو يملك حسّا وطنيا نادرا وغيرة كبيرة على بلده.
عندما تراه منكبا « يعالج » الكاميرا.. يطوع حركتها لتواكب رقصات ممثليه فهو إنما « يعالج » قضايا بلده، ويطرح من خلال عين آلته الزجاجية مسائل تقض مضجعه، وتجعل الكرى يتفلت من بين جفونه. الرجل يحاول من خلال آلته الجامدة أن يستنطق شخصياته، ويدخل في حوار معها حول الأنا الفردي والانا الجماعي والآخر المتربّع على شواطئ الضفة الأخرى، يعدّ ما تراكم لديه من نقود بفعل سرقته المتواصلة لثرواتنا على مدى عقود… هو يطرح الأسئلة، ويحاول أن يجد بعض الأجوبة الممكنة، عسى أن تخبو نار الحيرة الحارقة التي تعتمل بداخله. وعلى الرغم من كل ما يمكن أن تسمع عنه فلا يمكنك عندما تلقاه إلا أن تحترمه، وأن تقّدر بساطته وعفويته، التي لازمته منذ غادر « الرديف » أواسط الستينيات من القرن الماضي.
المخرج السينمائي التونسي على العبيدي، كما جاء في تقديمه في كتاب « نظر » من مواليد 10 فيفري 1950 « بالرديف » بالجنوب التونسي. متخرج من كلية السينما ببوخاريست (رومانيا)، حيث تحصل سنة 1978 على الأستاذية في الفنون (إخراج سينمائي) وديبلوم الدراسات العليا اختصاص اللغة السينمائية سنة 1982.
للعبيدي عدة إنتاجات منها (برق الليل، عام 1990 ) و(الرديف 54، عام 1997) و(اللمبارة 2004). ويعمل العبيدي أستاذا بالجامعة التونسية، ويدرس بها منذ عام 1981 المسرح والسينما وعلم الجمال. نشرت له العديد من الدراسات والمحاضرات في النقد والفن والأدب. وله كتابان الأول بعنوان « إنشاءات في النقد والمسرح التونسي »، والثاني بعنوان « نظر… أو البحث عن الروح المستتر ». ويتحمل العبيدي الآن العديد من المسؤوليات أهمها رئاسة جمعية السينمائيين التونسيين. وفي ما يلي نص الحوار:
* السيد علي العبيدي مرحبا بك، ونشكر لك في البداية قبولك إجراء هذا الحوار. لنبدأ الحديث من الآخر أعني من آخر أفلامك « اللّمبارة »، لو تحدثنا عن قصة الفيلم؟
– نحن في العادة لا نبوح بقصة الفيلم قبل أن يعرض على الجمهور لكي نترك للمتفرج فرصة اكتشاف الأحداث بنفسه. في المقابل تعودنا أن نتحدث عن الموضوع. أنا اخترت موضوعا لهذا الشريط، وهو شريطي الروائي الثالث « اللّمبارة »، موضوع الهجرة السرية عبر البحر من بلدان المغرب العربي إلى أوروبا، وما يقوم به الشبان من محاولات عديدة للهجرة خلسة إلى أوروبا بحثا عن الشغل، وهو فيلم من تأليفي وإخراجي ولأول مرة أقوم بالاقتباس من أدبي الخاص.
* لماذا « اللّمبارة »؟
– « اللّمبارة » هي تسمية تونسية لسفينة صيد، وهذا الاسم مشتق من كلمة إيطالية هي lamparo وهو الكشّاف، الذي يستعمله البحارة لجلب السمك الأزرق واصطياده. والتونسيون أطلقوا هذا الاسم على السفينة التي تحمل هذه الأضواء. وهذه السفينة لم تعد تستعمل للصيد فقط، بل أصبحت تستعمل للسفر خلسة. ولقد استعرت هذه العبارة وجعلتها اسم الشريط الذي أخرجته، والذي يعالج قضية الهجرة السرية.
و »اللّمبارة » قد ترمز أيضا إلى أوروبا.. عالم النور الذي يجلب إليه شبّان العالم الثالث والبلدان النامية.
الشباب والهجرة السرية
* ما هي أهم المواضيع التي حاولت ملامستها من خلال طرح قضية الهجرة السرية؟
– موضوع الهجرة السرية ليس هو الموضوع الأساسي للفيلم، هو الإطار « والتعلّة » والسبب الذي تدور حوله مواضيع الفيلم. لكني قصدت بالأساس تحليل المجتمع التونسي، أردت تحليل نفسية هؤلاء الشبان.. هؤلاء الذين يخاطرون بحياتهم وهم مستعدون للموت، وطرحت التساؤل الآتي: لماذا يفرون من تونس هذا البلد الجميل؟ فنحن نتوفر على بلد جميل، ومع ذلك فان هذا الشباب يريد أن يفر من هذا البلد.. لماذا؟
فالفيلم إذن محاولة تساؤل ومساءلة لهذه الشخصيات على المستوى النفسي والاجتماعي والسياسي. لماذا يهرب هؤلاء من بلدهم؟… لماذا يهربون من تونس؟
أنا شخصيا لست مستعدا للهروب من تونس مهما كانت الظروف. لذلك أنجزت هذا شريط « اللّمبارة » علّني افهم هذا الشباب الذي يريد الهرب من تونس. لقد شعرت باني ممزّق… لأني لا أستطيع أن افهم هذا الشباب… لا أستطيع أن أفهم لماذا يهربون من بلدهم.. هذا السؤال يقضّ مضجعي وأحسّ أن عليّ أن أجيب عنه.
يقولون البطالة.. هل يكفي عدم حصول شخص على عمل لأن يغامر بحياته، وأن يلقي بنفسه إلى الموت؟ يمكن أن نذهب إلى الخارج للعلاج أو الدراسة أو النزهة. أما أن نهرب من تونس فهذا ما لا أستطيع أن أفهمه.
إذا فهذا الموضوع آني وراهني، وكل يوم نقرأ في الصحف التونسية الرسمية وغيرها عن غرق شبّان خلال محاولة لحاقهم بالضفة الأخرى. وحتى المؤسسات الرسمية مثل الإذاعة والتلفزة تتحدث عن هذا الموضوع وعن غرق الشباب وتنظم النقاشات حولها.
الخلاصة أنه لا يمكن لسينمائي مثلي أن يبقى مكتوف الأيدي أمام هذه الظاهرة، لان ما يهمني في كل عمل سينمائي هو الواقع التونسي خلافا للآخرين الذين يصورون الواقع التونسي من خلال رؤية أوروبية غربية.
* لو تحدثنا عن أهم الصعوبات التي اعترضتك في إنجاز هذا الفيلم؟
– صعوبات عديدة ولكننا تعودنا عليها… والصعوبات في السينما ليس خاصية تونسية، ففي العالم كله يعاني الإنتاج السينمائي من صعوبات. ما أزعجني حقا هو أنى إلى جانب الصعوبات العادية عانيت من العديد من المؤامرات، ومن بعض الأساليب الخسيسة، التي يستعملها بعض الزملاء، خاصة من المنتجين.
ولكن الحمد لله… بكثير من التعب تغلّبنا على كل المؤامرات التي حيكت قبل الشروع في التصوير وأثناءه وبعده، وهي مختلفة ومتنوعة ولا محدودة.. عراقيل ومؤامرات، حتى إنهم دفعوا ببعض الممثلين لإيقاف التصوير، ودفعوهم للدخول في مساومات رخيصة، وشمل هذا الأمر بعض التقنيين. وما يؤسفني وما يحزّ في النفس هو أن تبلغ الدناءة والصفاقة والهبوط الإنساني إلى درجة أنهم كانوا يفتعلون لي في كل يوم مؤامرة حتى يوقفوا التصوير، إضافة إلى الدعايات التي نشروها، والإشاعات والقيل والقال، وهذا متواصل إلى الآن.
ومن الانتقادات التي توجه لي باستمرار هي كيف أني أعمل في السينما في الوقت الذي فيه أمارس مهنتي كموظف. وللعلم فان المبدعين الذين يعملون في الوظيفة عادة ما يجدون صعوبة في الحصول على التراخيص الكافية لإنجاز أعمالهم. وفي الوقت الذي يوجه فيه البعض انتقاداته إلينا بسبب هذا الموضوع، نجد أنهم يعملون في القطاع الخاص، ويحصلون على الملايين، مثلما يفعل منصف الذيب وعلي منصور وأحمد عطية ونجيب عياد… وأغلب هذه الأموال حكومية….
اليوم هناك قرار رئاسي يسمح للمبدع بإجازة تصل إلى 6 أشهر حتى يتفرغ لإبداعه. واعتقد أن هذا القرار جريء ويستحق أن نحييه. وأنا حقيقة سعيد لان هذا القرار يفسح المجال أمام آلاف الموظفين لكي يبدعوا شعرا ونثرا وسينما ومسرح… تخيل مثلا أن يطلب أحدهم من أولاد احمد أن لا يكتب شعرا لأنه موظف في وزارة الشباب، أو تخيل مثلا الشابي وهو يكتب « إذا الشعب يوما أراد الحياة » يأتيه الرقيب ويقول له لا تكتب لأنك موظف.
لا أفهم كيف يهرب الشباب من وطنه
* أين يضع على العبيدي شريط « اللّمبارة » في مسيرته السينمائية؟
– كما تعلم السينما صعبة وكل المبدعين في هذا المجال مقلّون. لقد أنتجت إلى حد الآن ثلاثة أفلام: الأول هو « برق الليل » والثاني « الرديف 54 » والثالث هو فيلم « اللّمبارة ». القاسم المشترك بين هذه الأفلام، وهو ثابت، هو ارتباطها بالقضايا الوطنية. فبرق الليل كان إطارها هجوم الجيش الإسباني على تونس، والرديف 54 كان محوره الاستقلال، و »اللّمبارة » موضوعه الهروب من تونس. مواضيع الأفلام كلها لها علاقة بالوطن وبتونس.
القاسم المشترك الثاني هو الاقتباس من الأدب بما في ذلك الأدب الخاص بي شخصيا أي الذي اكتبه أنا.
القاسم المشترك الثالث هو البحث في الأبعاد الاجتماعية والسياسية للمواضيع الثلاثة. ففي برق الليل وقع تناول تحرر العبيد، وفي نفس الانتصار بالأجنبي على الوطن. في الرديف وقع تناول مرحلة الاستقلال وما ترافق معها من أوضاع وتحولات. وفي « اللّمبارة » وقع تناول الهروب من الوطن وقضية المرأة. فأبطال شريط « اللّمبارة » ثلاث نساء: واحدة مغنية وممثلة والثانية أستاذة والأخيرة طالبة. وسعيت إلى أن أقدم المرأة في صورة جديدة، ليست المرأة المهزومة، المرأة في « اللّمبارة » مبادرة تحاول أن « تحرق » وهي تقاوم كل من يحاول أن يعتدي عليها.
لقد ذهبت في الفيلم الأخير إلى أقصى مراحل القلق والحيرة على بلدي. وليس لأني تناولت موضوع الهجرة أتنكر لمبادئي ووطنيتي، فالفيلم رغم أنه يتحدث عن الهجرة والهروب من الوطن يبدأ بأغنية هي في الواقع قصيدة للشابي وهي من أولى قصائده قام بتلحينها رضا الشّمك. يقول الشابي:
أنا يا تونس الجميلة في لج الهوى قد سبحت أي سباحه
شـرعتي حـبك العميق وقد تذوقــت مرّه وقراحه
* ما هو موقع سينما علي العبيدي في السينما التونسية؟، وهل صحيح أن العبيدي يقدم سينما مغايرة لما هو موجود على الساحة، أعني السينما القائمة على الصورة الجنسية وإثارة الرغبة ولوعة الاشتهاء؟
– شكرا على هذا السؤال، والشكر لأنه هام وأساسي، إذ كثيرا ما يطرح عليّ هذا السؤال من طرف العديد من الصحفيين، هذا يعني أن هذا السؤال مطروح وبقوة، ولذلك أصدرت مؤخرا كتابا عنوانه « نظر أو البحث عن الروح المستتر » فيه إجابة غير صحفية عن هذا السؤال، إجابة فكرية سياسية وإيديولوجية. وفيه تحليل لفن السينما وللسينما التونسية، ورؤية للأسلوب الوطني في تناول القضايا، وقراءة لمعنى الثقافة العالمية المهيمنة، ولمعنى وموقع تصوير العلاقات الجنسية في المشهد السينمائي التونسي.
وبيّنت أنني في خلاف مع سينمائيين آخرين، وقمت بتحليل مفهوم الفيلم، وما معنى الكتابة السينمائية، ومعنى علم الفيلم، ثم طرحت صورة السينما، التي أؤمن بها، وأخيرا ما أؤاخذه أنا على الآخرين. هذا الكتاب هو خلاصة تجربة وصراع بين رؤيتي للسينما ورؤية الآخرين لها، وتوصلت من خلاله إلى بناء تصورات فلسفية عامة، وقد أجبت على هذا السؤال إجابة قاطعة. الحاصل أن الشقّ الآخر، النوري بوزيد وغيره تألموا من هذا الكتاب ولكنهم لم يستطيعوا الرد عليه.
سينما برؤية استعمارية قديمة
* ما هي أهم مؤاخذاتك على من تسميهم بالشق الآخر؟
– أولا هي ليست مؤاخذات بل هي رؤيتي لما اعتبره انبتاتا في عمل الأطراف المقابلة. وأهم ما أؤاخذه على هؤلاء هي نظرتهم للواقع التونسي، إذ عندما نحلّل الصورة الموجودة في أفلام النوري بوزيد ومفيدة التلاتلي كلها، وفريد بوغدير، نجد أن المرجعيات الفكرية لهؤلاء هي مرجعيات غربية استعمارية، وهي تعود إلى القرن التاسع عشر منذ كان الاستعمار الغربي يمهّد للحملة الاستعمارية. وفي اعتقادي أن هذه النظرة خاطئة على مستويين:
1- المستوى الأول، أنه لا يمكن لكل مبدع أو فنان أو أديب أن ينطلق من فكر مسبق، ويقوم بإسقاطه على الواقع. لان الإبداع يجب أن ينطلق دائما من الواقع، وهذا برأيي خطأ منهجي كبير. أنا كمبدع انطلق من الواقع لابني فكرا لا العكس.
2- المستوى الثاني، هو أن هذا الفكر غير عربي غير تونسي.. هو دخي،ل إلى جانب كونه يتسم بالعنصرية، ويحقر ثقافتنا، ويهيننا.. إنه فكر ينطلق من أفكار مغلوطة عن العالم العربي الإسلامي قوامها أننا شعوب متخلفة ونضرب المرأة ونهينها.. وهذا لا يعني أن كل الفكر الغربي هو كذلك، فهناك مفكرون في الغرب أنتجوا فكرا جيدا من ماركس إلى جون جاك روسو وغيرهم.
إذا هذا هو أصل الخلاف، وهذه هي الأسئلة التي لازلت أصر منذ أكثر من عشرين سنة على أن يقدموا إجابات عنها، ولكنهم لم يفعلوا، وأنا أدعوهم للحوار حولها، واتحداهم بما أقول وبما أكتب وبأفلامي وبما « انظّر »، نعم بما « انظّر » فقد أصبحت لي الآن نظرية طرحتها في كتابي « نظر » فليتفضلوا بالرد، لان الآن المسألة لم تعد مجرد مشاكسات سيّارة عابرة وأقاويل في الصحف… الآن القضية منظّرة وموثقة بشكل علمي في كتاب. وأنا أقول هذا بكل فخر ولكن بكل تواضع أيضا.
* هل توافق من يعتبر أن ما أنتجته مجموعة النوري بوزيد ومفيدة التلاتلي.. ليس أكثر من تمرير الصورة الاستشراقية التي تشكّل العقلية الغربية؟
– بداية يجب أن ننبه إلى أن ليس كل الاستشراق سيّء، فهناك مستشرقون أرادوا اكتشاف الشرق، وأرادوا أن يبرزوا إيجابياته، ولذلك لا يجب أن نعمم أحكامنا. لكن للأسف وقعت ردّة داخل الاستشراق، فوقع استغلاله من قبل قوى الاستعمار، وأصبح الاستعمار المسلح بالاستشراق يستعمل بعض أبناء الشرق لدفعهم إلى إنجاز كتابات وأفلام وإبداعات ضد الشرق، حتى يقال شهد شاهد من أهلها.
بعض السينمائيين التونسيين يعاب عليهم أنهم من هذه الفئة، وهذا قد يكون صحيحا وقد لا يكون… أنا لست متأكدا. ما يهمني بالأساس هو الحكم على أفلامهم وأن أحلّلها وأن أنظر في كيفية مباشرتهم للواقع، سواء كان ذلك النوري بوزيد أو فريد بوغيدر أو علي العبيدي أو غيرهم. ما يهمني هو أن أنظر في كيفية مباشرة هؤلاء للواقع، وهل قاموا بإسقاط أفكار مسبقة عليه؟ وهل أن تلك الأفكار وطنية صحيحة، أم إنها خاطئة ولا تعبر إلا عن هواجس الآخر الاستعماري؟.
الغرائزية والأفلام التجارية
* بما يفسر علي العبيدي سيطرة وهيمنة الصورة الغرائزية والعجائبية على الأفلام التي صدرت في المدة الأخيرة؟
– الأفلام التي صدرت مؤخرا هي أفلام تدّعي أنها تبحث في قضايا فكرية نفسية وسياسية، ولكنها في الحقيقة أفلام تجارية. هم يدعون مثلا تطبيق نظرية التحليل النفساني لفرويد، ولقد عدت في كتابي إلى نظرية « فرويد » وحللت نصوصه. النوري بوزيد ومفيدة التلاتلي وغيرهم كانوا يدعون أنهم من « جماعة 68 » وهم لا يعرفون فكر « جماعة 68 » ولقد عدت إلى غي ديبورد (Guy Debord) وكان صديقا لي وتعرفت عليه شخصيا.. وقد شرحت ذلك في كتابي.
أفلام هؤلاء تجارية تصح عليها تعريفات « ديبورد »، وخاصة مفهمومه « لمجتمع الحفل ». « ديبورد » منظر ثورة 1968 أكد أن المجتمعات تتجه إلى ما اسماه « بمجتمع الحفل ». هؤلاء تجار، وهم يتذرعون ويدّعون التمسك بجملة من القيم مثل حرية الجنس وحرية الفرد… أنا لست ضد الحرية، ولكن أية حرية.. أنا أؤمن بالحرية المرتبطة بالضرورة، فالحرية ليست فوضى. « عصفور سطح » وغيره خلقوا ما يسمى بالسينما التجارية العربية. ذلك أنه لما وقعت السينما المصرية في أزمة، وخاصة سينما (الميلودراما) ظهر « النوري بوزيد » وتبعه « فريد بوغدير » و »مفيدة التلاتلي ». هؤلاء هم مثل الرأسمالية كلما تسقط تخلق لها بديلا. وما يطرحونه يدعون أنه تجديدا سينمائيا، ويصنعون الهالات وينجزون أطروحات جامعية حول بعض الأفلام.. لكني اعتبرها سخيفة ومتخلفة.
السيد الطاهر الشيخاوي والسيد الهادي خليل قاما باصطناع أطروحات جامعية حول بعض هذه الأفلام. والآن ظهر بالكاشف أن لا الأفلام ولا الأطروحات كانت في المستوى. وقد قمت بتحليل إحدى تلك الأطروحات مثل أطروحة سنية الشامخي، وكتبت في الصحافة أن طرحها كان متخلفا وسخيفا، وكله جهل.. وعندما نشرت هذا المقال في مجلة /حقائق/ هرعوا إلى السيد « الطيب الزهّار » واحتجّوا على نشر تلك المقالة، فما كان منه إلا أن طلب منهم أن يردوا على ما كتبت لكنهم لم يفعلوا… هؤلاء ليس لهم حجج… هؤلاء يدعون أنهم على دراية بفن السينما، ولكنهم في الحقيقة اجهل مما تتخيلون…
* هل السينما التونسية في أزمة؟
– لا أبدا.. السينما في تونس بألف خير، هناك الآن 8 أفلام جاهزة للعرض، و8 أفلام تستعد للتصوير.
* لماذا يتحدث البعض عن أزمة إذا؟
– هذا جيّد وهذا يدل على أننا نريد الأحسن.. السينما في تونس بخير. فمقارنة بعدد السكان فإن إنتاجنا السينمائي يعتبر جيدا. بعض البلدان تعد أكثر من 60 مليون نسمة ولا تنتج غير 3 أفلام في السنة. السعودية مع احترامي لها أنتجت مؤخرا أول فيلم في تاريخها، رغم الإمكانيات المالية الهائلة التي تتوفر عليها.
* كيف ترى مستقبل السينما في تونس؟
– حضرت مؤخرا في قاعة (هاني جوهرية) بتونس العاصمة تظاهرة بعنوان « ليلة الفيلم القصير »، وشاهدت إنتاجا عجيبا وجمهورا كله شباب.. كانوا أكثر حماسا منّي ويناقشون بجميع اللغات، وأفلامهم تحوي حبكة جيدة، وقد تكون خيرا من أفلامي ومن أفلام النوري بوزيد. أنا متأكد أننا سنتوفر في المستقبل على سينما قوية للغاية.
* هل ستساعد الوسائط المتعددة (الميلتي ميديا)، حسب رأيك، في تطوير السينما؟
– هذه بشرى للعالم ككل.. بشرى أنّ التعبير عن الرأي بالفكر وبالصورة وغيرها سينتشر، ولن يقتصر الأمر على النوري بوزيد مثلا لكي ينجز أفلاما.. سنرى ربّما الشعب الكريم نفسه ينتج أفلاما، وسنرى ديمقراطية في وسائل الإعلام. على فكرة فإن شريطي القادم عن وسائل الإعلام العربية.