الأربعاء، 28 ديسمبر 2005

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2046 du 28.12.2005

 archives : www.tunisnews.net


عريضة مساندة للصحفي التونسي الطاهر العبيدي

حسين المحمدي: رسالة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة و رئيس البنك الدولي والمدير العام لصندوق النقد الدولي ورجال الحرية عبر العالم

علي شرطاني: التنمية في ظل استشراء مظاهر الفساد المالي أي معنى؟ الجزء الثالث

عبد المنعم حمدوني:  ما بعد حركة 18 أكتوبر إقصاء جزء من الوطن إقصاء لكل الوطن

الشاذليّ العيّادي: الكرامة بين نيّء و المطبوخ

محمد العروسي الهاني: رسالة مفتوحة لأعلى هرم السلطة في المملكة العربية السعودية حول موسم الحج لهذا العام و قبل غلق الموسم الحالي

عادل الحامدي: تنبيه الغافلين من الإخوان والآخرين

خميس الماجري: أأسود عليّ !!!  « الجزء الأخير  »


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

 

باريس في 27 كانون ألأول/ ديسمبر 2005

عريضة مساندة للصحفي التونسي الطاهر العبيدي

 

نحن الموقعون

 

نطالب السلطات الفرنسية، بالبحث من أجل الكشف عن نتائج التحقيق،  حول التهديد بالقتل، الذي تعرّض له الصحفي الطاهر العبيدي.

 

وللإشارة فإن السيد الطاهرالعبيدي، هو لاجئ سياسي بفرنسا، منذ سنة 1993 وتحت حماية السلطات الفرنسية والمفوضية العليا للاجئين، وقد تلقى يوم 13 ديسمبر 2005 حوالي السادسة مساء، على هاتفه النقال مكالمتين من مجهول يهدده بالقتل، وهذه أول مرة يتلقى فيها معارض تونسي تهديدات بمثل هذه الخطورة، التي ستنعكس رعبا عليه وعلى عائلته،

 

ندعو كل النساء والرجال الأحرار، للتنديد بمثل هذه التهديدات اللفضية والجسدية، ضد المعارضين السلميين، ومساندة صديقنا الطاهر العبيدي لتجاوز هذه المحنة. 

الموقعون

 

لطفي حجي / صحفي

كمال العبيدي / صحفي

سلامي الحسني / صحفي

عبد الوهاب الهاني / صحفي

عبد الباقي فتحي / مستشار في الإعلامية  والاتصالات

نجيب بكوشي / باحث

 

لمن يرغب في مساندة هذه العريضة الرجاء إرسال اسمه إلى العنوان الإلكتروني التالي:

yfethi@yahoo.fr

 


(تسرب خطأ في عدد الأمس في نشر هذا البيان حيث لم نذكر أن السيد نبيل أبو شقرا يتقلد حاليا منصب رئيس المنتدى الثقافي اللبناني، ونحن نعيد نشره مع الإعتذار للسيد أبو شقرا وللقراء الكرام)

 

دفاعا عن حرية الرأي والتعبير في تونس والعالم العربي

حمل الفنان الكبير مرسيل خليفة قضايا الشعوب المضطهدة وقضايا حقوق الإنسان والحرية والعدالة منذ بدا رحلته الفنية وكان ولا يزال من ابرز المدافعين عن القضايا العربية في العالم.

في نفس العام الذي تكرم فيه منظمة اليونسكو الفنان مرسيل خليفة، أول فنان عربي يحمل لقب فنان السلام، تفاجئنا السلطات التونسية بقرار منعه من دخول تونس، متذرعة بدفاعه عن الأسرى في السجون العربية وخاصة عن سجناء الرأي في تونس.

إننا إذ ناسف وندين هذه الأساليب، التي تنتهك ابسط قواعد الديمقراطية وحرية التعبير، نعلن تضامننا الكامل مع مرسيل خليفة ونطالب السلطات التونسية والسلطات العربية عامة باحترام حقوق الإنسان العربي والتوقف عن الإساءة لرموزه الخلاقة القادرة على جعل المستقبل أقل ظلامية.

 نبيل أبو شقرا

رئيس المنتدى الثقافي اللبناني

 

 


رسالة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة والسيد رئيس البنك الدولي والمدير العام لصندوق النقد الدولي ورجال الحرية عبر العالم

 

.تحية لكم من تونس…عرض فكرةالأيدي والعقول النظيفةالأولى من نوعهاعربيامن مواطن تونسي ومن داخل تونس..متحدياالبطش والإرهاب والترهيب…عجّلت بإبراز تحالفات التطرف يسارا ويميناووسطا…وتحريك الخيوط في غباء واستبلاه..
المقدمة
..داخل الأنظمة العربية في تفاوت..من بيت الى بيت ومن مكان عام الى آخر وحيثما جلس اثنان
..ترديد من النظام الأمني والشيوعية المنكسرة والقومية الشوفينية..لذات الكلمات والمعاني والتفسيرات..الليبراليون مصيبة المصائب..والسير باتجاه الحرية اليوم خيانة وطنية؟
.بوش ومعه رايس وتشيني ورامسفيلد وولفوويتز تحديدا هذه العناصر وصفت بالارهاب والتطرف والعمل على تدمير العالم وهز الاستقرار في نفس الوقت يحسب عليهاعناصر الليبرالية والحرية والتغيير؟ذهن عربي غريب.
.كل الفضائيات العربية وبالمثل الصحف وخاصة منها المتمركزة في الغرب مع امتياز لجون افريك والمال العربي والحوارات هنا وهناك…اخرجت وتخرج الدكتاتوريات وتحالفات ما ذكرنا في شكل رجال حكماء ووطنين؟واهل الحرية من زكّارة بوش؟
.اذا كان بوش مجرما فكيف يقترب منه الليبراليون؟الاولى أن يذهب إليه ما يشبهه تطرفا ودمارا وتدميرا؟واعني تطرف اليمين واليسار والوسط.
.أمس في وطني تونس شكلت الشيوعية المنكسرة إلى جانب حركة النهضة احد أدوات اللعب على التونسيين والعالم وإيصال بنعلي إلى الحكم منذ18سنة.
.بعد مدة قليلة تحالف النظام مع الشيوعية الباهتة والقومية الشوفينية وعناصر أخرى مرتدة من هنا وهناك لذبح حلفاء الامس.
.اليوم ذات اللعبة تتكرّر مع إضافة تقدم اللاعبين في السن بثمانية عشرة سنة كاملة؟وما حملت
معها من سلبيات وأمراض على كل المستويات..لا لذبح النهضة فعليا بل الليبراليين ومن فيه رائحة التغيير؟ومن خلال ختلة الأمم المتحدة ذاتها وهي المتضرر الأول.ورأينا هذا عمليا مؤخرا في انتخابات مصر.ذبح نور؟وفتح الباب واسعا أمام الإخوان(وهو حقهم)في محاولة لئيمة لجر أمريكا إلى حالة الجزائر1990واحياء فزاعة الإسلام السياسي وجدلية الدكتاتورية والإخوان؟
هذا العقل لم يدرك بعد أن هذا منتوجه الطبيعي والوحيد بعد ما يزيد عن الستين سنة.
اذا اردت أن تعرف معدن الرجال أوكل إليه مسئولية ما.ستبرز الذهنية دون مكياج.ذهنية ارهاب؟مال؟كذب؟قتل وبطش؟…
.كتابنا وعرضه كما سنرى فكرة الأيدي والعقول الالنظيقة بدا ينكشف معه دوليا إخطبوط التطرف والإرهاب الحقيقي.
دكتاتور يملك اليقين والسلطة المطلقة والحقيقة والرجولة والوطنية ومفتاح الجنة إلى جانبه شيوعية تحاول أن تنهض من انكسارها باستغلال العامل الدولي؟وبالمثل إسلام سياسي في الظاهر هذا يناقض ذاك ولكن خبرا وكتابات  وعلاقات وتحاليل ونتائج قتل للحرية والتغير باعتبارها اليوم اجراما أمريكيا؟ووصم كل من يصرّ على ذلك بالخائن والمتخلي عن عروبته وإسلامه؟العروبة والاسلام تعني لدى الثالوث الرهيب القمع والبطش والتخلف ومحاربة التونسي لاخيه كل فترة من اجل مجرم ما؟
.الثالوث الرهيب يستمد جانبا من غلوه ومكابرته من خلال الاستناد إلى رفض أطراف أوروبية
لهيمنة بوش عليها؟وهو ما قد يعني من منطقها انتظار قدوم ديمقراطيا تتكفل أوروبا بترويضه على عكس بوش؟هل الديمقراطي مغفلا إلى هذا الحد؟ذهنية للحكم والتصور.. .هكذا هي الدولة لدى رجال النظام ومتحالفيه..مراهنات لا تنتهي..صناعات لأعداء وهميين قصد جعل المواطن المحارب هو المستنجب عوض المنتج..العدو اليوم الليبرالية…
.وجدنا هذه المرة ما به سنخرج نهائيا من الدوران في الفراغ عبر طرح حاليا فكرة الأيدي والعقول النظيفة بمثابة الرد العملي الهادئ والعقلاني على ذهنيات القمع والكذب.نراها قادم الأشهر وليدا طبيعيا لا دخل فيه لرجل امن ولا مستشار ولا رئيس يأذن ويكلف ويستقبل فيمنح حزبا لمعارض؟الشعب هو من سيمنحنا الإذن والمولد.وسنرى أن هو مع الليبرالية أو مع الفساد والطغيان والتزوير…
هذا العمل والفعل مهدنا له من خلال…
أولا
أصدرت منذ بداية جويلية2005 على وجه الخصوص بيانا وجهت نسخة منه إلى السيد الأمين العام للأمم المتحدة ومختلف الهيئات الأممية ذات العلاقة بالنزاهة والشفافية وإعداد تقارير التنمية البشرية والارهاب وصناعاته…تضمن فيما تضمن…
 1الاشارة إلى عناصر جامعية تتخصص في تزوير نتائج الانتخابات من خلال تحملها مسئوليات على علاقة بكل مراحل العملية’وقدمت مثالا صارخا تعيين سمير العبيدي مباشرة اثر خدماته الجليلة يوم 24اكتوبر2004 كمنسق عام للمرصد؟والذي خاطبته شخصيا مثلما هو حال رئيس المرصد عميد المحامين الأسبق والذي بدوره اكرم بعد أن ترأس مرصد بلديات2005 بان صار مستشارا بالغرفة الوليدة ليتقاضى راتبا محترما جدا؟والحال أن نتائج هذه الانتخابات وقبل إجرائها كانت لدى الهيئات الدولية وهي عينها ما نطق جناب وزير الداخلية؟
انتخابات فاسدة وباطلة في كل مراحلها وتزكية لها من جامعيين وحقوقيين؟
2هكذا شخصيات وما شابهها تترشح لهيئات أممية في شتى المجالات وتذهب لمراقبة انتخابات هنا وهناك؟أو تكلف برفع تقارير ما وفي أي مجال؟كيف يكون حال الأمم المتحدة؟
3اذا كانت بعض الدول المشكلة للأمم المتحدة قائمة أساسا على انتخابات منعدمة وعلى البطش وأسال السيد كوفي عنان كيف كان تعامله خلال قمة المعلومات؟هو نفسه كان يختار الكلمات ويحتاط من غضب هذا وذاك ومع ذلك لحد علمي لم يسلم؟وتستنجب نماذج وتزرعها ضمن هيئات أممية بطريقة ما تحدد مصير البشرية في جوانب كثيرة كيف يكون الحال؟الشخص المرشح من دولته على غرار تونس (وسنرى هذا اسما اسما وفعلة فعلة)يعد ترشيحه تكريما له
على مشاركته في الانتخابات والاستفتاء والتزوير؟وهكذا يكون تكملة الحلقة.قمع في الداخل
وعين داخل الأمم المتحدة وصداقة مع رجل أعمال وعلاقات دبلوماسية وتحرك أيها الرجل؟
4الهيئات الأممية يتلقى رجالها رواتبهم من ميزانيات الدول وفق حصصا يعني من الضرائب وهو ما يعطينا حق النقد والمتابعة والمطالبة بالتحقيق.
ثانيا
أصدرت كتابا عبر تونس نيوز تعمّق في هذه المعاني وفصّل ذهنية الأنظمة العربية من خلال منطوقها وسلوكها الخارجي مقدّما المثال التونسي في كل مجالات الحياة واعتمادا على ما هو رسمي وصادر من الدولة ومنشور للعموم..انتخابات..حرية..شفافية..نزاهة..فقر..بطالة..تضامن..صناديق خاصة..حكاية النظام والنهضة..الاستفتاء..اعتداء جربة..الماليةوالبنوك..الاقتصاد..المناهج التربوية..
ثالثا
ركز الكتاب أيضا على صناديق دولية ومشاركتها في برامج تنموية محددة على غرار برنامج إزالة الأكواخ الذي كان انطلق سنة1986 والى اليوم جمع المال الرهيب؟والحديث عن هذا كأحد إبداعات بنعلي؟إلى جانب برامج تنموية أخرى شاركت فيها معها فرنسا والكويت والسعودية…
رابعا
مضمون الكتاب ازعج النظام فحرّك خيوطه بسرعة ودون تفكير يراعي المتغيرات الدولية.وكل شيئ باجره.
خامسا
هذا السلوك عبرت عنه هيئة ما توجهت الى الامم المتحدة من خلال استبطان مضمون وصيغ واليات رجال الحكم في تونس بوشاح جمعياتي أو حقوقي بحثا عن طابع الاستقلالية؟(البارحة بشارالأسد يتحدث الى قناة تركية…فهوالأخلاق والعفةوالرجولةوالمدنيةوالتفتح واحترام المعاهدات الدولية؟وبوش بمامعناه الإرهاب وتمزيق العالم و…؟هذاهومنطق الدكتاتور)
وترويج دعايات سخيفةقدتضعف مصداقيةصاحب الكتاب.النظام يتهمه بالموالاةلجهةغربية ما وحلفائه بالنقيض تماما؟انه العجزوالاضطراب.
سادسا
هذا التحرك جاء بعد أن ارهبني البوليس في تونس منذ سنوات وبعد أن دعاني الى أعلى سلطة لديه في 30جويلية2005؟ثم تنازل عن عليائه ليكلف منطقة شرطة بنعروس بدعوتي يوم26ديسمبر2005؟والسبب كما سنرى لاحقا لأسباب شكلية تتعلق بصيغةالاستدعاء والجهة المخولة؟وبعد أن اصدرت كتابا…ليقوالوالامين العام للأمم المتحدة بان صاحب الكتاب ليس ليبراليا؟دعاية مجانية للكتاب…
سابعا
حكاية النهضة في تونس صارت بالية على من يستعملها.فهو اظهر لعالم عجزه وعيشه بجماجم البشر وعليها.والحال أن النهضة كانت احد أسباب وصوله الحكم وهو باق عبر التخويف بها ومنها.المتاب حكى القليل مؤقتا.
ثامنا
الكتاب يعرّف بما خفي وظهر من من أفكاري الى جانب مكاتاباتي الأخرى وخاصة منذ10نوفمبر2005 عبر تونس نيوز وخطبي المرتجلة(لا يكتب لي أيا كان ولا أقرامكتوبا) والتي لها من العمر18سنة؟
تاسعا
التوجه الى الامم المتحدة.هو حيلة تدلّل على ذهنية ونوعية تحرك المعني أو المعنيين بالأمر ومن دفعهم الى ذلك اعتبارالخلفية الكتاب الذين لا يعلمون لحد اليوم بما فيه من وثائق؟ استبلاه واستغفال للمجتمع الدولي بعيون مفتوحة؟
عاشرا
استغلال للظرف الدولي المحارب للارهاب عبرالخلط المتعمدبين فكرشيوعي منكسر ودكتاتورية لئيمة ومحاولة حشر في زاوية صغيرة كل من يتحرك ضد تيار موت الحرية؟
إحدى عشر
هذا التحرك الشيوعي بوشاح السلطة وان لاح جمعياتيا مستقلا بريئا رايناه قبل وخلال ومنذ7نوفمبر1987وهو دمر الرابطة والمجتمع والأحزاب في نفس الوقت الذي يهلل فيه لتجاوز الأطر الايديولوجية…التقاء النهضة وحمة الهمامي…عبر اضراب 18اكتوبر وهوفي نظري يحسب لحمة الهمامي وليس عليه…وهو ما جعل التوجه الى الجامعة لتحريك عناصر تقلق حمة نفسه والشابي وتجري اتصالات للحصول على امضاءات لحاجة لا أخلاقية ولا تونسية ولا حزبية…
أثنى عشر
الرهان على التحرك من الخارج والأمن من الداخل وخيوطه المعلومةلدينا خيطا خيطا وتدبيرا تدبيرا والتركيز من الامم المتحدة ربما في محاولة لاضعاف تاثير الكتاب؟لن يكون ذلك لانه وثائقي.ومحاولة التاثير في كوفي عنان شخصيا اعتبارا لاستحضار ذهن الجماعة لتورط ابنه في قضية النفط مقابل الغذاء؟
ثلاثة عشر
ذهن الجماعة منذ المنطلق والرسم والترويج والاستهداف للجانبين ’لي وله’إجراميا’كان الاختيار على هدف والاعتقاد معه الآذان مفتوحة.عنان كبير على هذه التفاهات وعلى غيرها وعبر عن هذا في تونس بكثير من الخبرة والحنكة والصنعة الدبلوماسية.
اربعة عشر
الضجة انطلقت والنظام ميدانه إدارة الضجيج والبكاء والتباكي وسبق له أن فعل هذا مع قنوات تلفزية؟وهدفها الكبير منع قيام حركة الأيدي والعقول النظيفة عبر تشويهها قبل الولادة؟فاته
أنها الاولى عربيا مولدا ونشأة طبيعية لا تتم بإذن من رئيس ولا من وزير ولا من مستشار ولا من امن ولا من مخابرات في أية دولة.بل من التونسين والتونسيان.لنرى ويرى العالم هل هم مع الحرية والليبرالية؟أم مع الفساد والبطش ورجال السمسرة السياسية؟سيكون أفضل اختبارا عربيا بعد11سبتمبر حول توجهات المواطن العربي؟باتجاه الحرية؟أو الدكتاتوريات؟
حركة ليبرالية على عكس ما يصرخ فيصل القاسم ومن شاكله.بل حركة وطنية تتكامل مع باقي المكونات الحقيقية للفعل السياسي والاجتماعي.حركة لا تعمل بمفهوم قم لأجلس.حركة تأسيس لجمهورية جديدة.بيننا وبين النهضة والشيوعية فوارق شاسعة جدا على كل المرجعيات.لسنا من دعاة الذبح والنفي ولا وقودالانظمة أمنية ..وفق اله السيد كوفي عنان ورجاله المخلصين ومكن السيد ولفويتز من قراءة الكتاب قراءة متانية.
واحد أسباب تشنج رجال الحكم في تونس هو نتائج زيارة احد مسئولي صندوق النقد الدولي
وتركيزه على بعض ما ورد في الكتاب بحسب احد رجال النظام؟
الكتاب حري بالدراسة والمتابعة.ولكم مني الشكر.
حسين المحمدي تونس 28ديسمبر2005

التماس من السيد حسين المحمدي

 

تابعت باهتمام بالغ ما كتبته على صفحات « أخبار تونس » وما دعوت إليه من اقتراحات. أود أن أقول لك باختصار شديد أن جرأتك على قول الحق مما يُعتز به، وأدعوالله أن يكتب ذلك في ميزان حسناتك وأن يرفع به شأن الساسة والسياسيين في القطر التونسي.

 

غير أنني استسمحك أن تتقبل مني ملاحظة تتعلق باللغة العربية، ذلك أن النصوص التي تكتبها توحي بأنها كُتبت على عجل شديد، فشابتها أخطاء صرفية ونحوية ورسمية من شأنها أن تنفّر القارئ وتفسد عليه قراءته، فلو اجتهدت، من فضلك، في تصحيح نصّك، فإن قرّاءك سيسعدون بذلك. أسعد الله بك يوم تونس وغدها.

 

حيّان – فرنسا


علي شرطاني:

 

التنمية في ظل استشراء مظاهر الفساد المالي

أي معنى؟ الجزء الثالث:

أما التنمية الصناعية والتجارية وفي قطاع الخدمات فقد أصبحت ـ في ظل سياسة التفويت في القطاع العام وانسجاما مع التوجهات الجديدة للرأسمالية المتوحشة في سياق الحركة الإستعمارية الحديثة في إطار نظام العولمة الذي تشرف عليه الأمراطورية الأمريكية، وتعمل على فرضه بقوة السلاح والعقوبات الإقتصادية ،وغير ذلك من الأساليب والضغوطات المختلفة، وانسجاما كذلك مع سياسة واملاءات وشروط المؤسسات المالية الدولية المدانة شعوبنا لها، والمعادة جدولة ديوننا لديها، ووضع اقتصاد البلاد وبرامج التنمية بين يدي الرأسمال الخاص، وتوجه الدولة التي يجب أن تصبح بعد ذلك دولة أصحاب رؤوس الأموال نحو الإكتفاء بجمع الضرائب سواء على المستهلك العادي أو على هذا الرأسمال الخاص ـ مقتصرة على تنمية الرأسمال الخاص وأخذ الضرائب .
هذه الضرائب التي غالبا ما تكون مرتفعة، مما يجعل المواطن العادي وبصفته مستهلكا وأجيرا أو موظفا الأكثر تضررا. لأنها تضاف الى الأسعار الملزم بدفعها للسوق المزودة له بالسلع الإستهلاكية، ويتم خصم تلك المسلطة على إيراده الشهري  مباشرة من راتبه أو أجره، ثم يأتي بعد ذلك دور صاحب رأس المال ـ الذي وان كان لا يختلف في التزامه بدفع الضرائب المجرات على السلع الإستهلاكية عن الموظف والأجير بصفته مستهلكاـ فان الأمر يكون مختلفا فيما يتعلق بالدفع الضريبي باعتباره منتجا ومؤجرا هذه المرة، و لأن ارتفاع الضرائب يترتب عنه حتما لدى الجشع الرأسمالي تزوير حقيقة الدخل وتفشي ظاهرة الرشوة والتهرب الضريبي بما ينقص أكثر ما يمكن من القيم المادية الواجبة الدفع، مما يمكن أن يكون سببا في ضعف إيرادات الخزينة العامة، وذلك ما قد يضطر السلطة التشريعية  فالتنفيذية أحياناـ وتفاديا لإعلان البعض الإفلاس، وحرصا من الدولة على المحافظة على استمرار هذه القطاعات في الوجودـ إذا كانت هناك رغبة في ذلك طبعا، وإذا كان تقدير المصلحة الوطنية يتجه نحو ذلك، وإذا كانت هناك جدية في التعامل مع هذه القضايا الحيوية بروح وطنية عالية ـ لتوفير أكثر ما يمكن من حظوظ الدفع الضريبي ،وللمحافظة على استيعاب  مؤسسات هذه القطاعات المنتجة أكثر ما يمكن من اليد العاملة المختلفة ـ أن تقدم لأصحابها  من التسهيلات ومن التشريعات ما يخفف من تلك المخاوف، وتتحقق به تلك الأهداف .
 أن هذه اليد العاملة هي التي ـ من موقع المضطرـ توفر على الأعراف  فائضا كبيرا من الوقت زائدا عن الوقت القانوني وبدون مقابل، وهم الذين ليس أمامهم ـ في إطار إتباع  سياسة الخوصصة والتفويت في القطاع العام،  و في غياب نظام ديمقراطي تعددي  حر مستقل وشفاف يمارس فيه الشعب صاحب السيادة عن طريق مؤسساته ومكونات مجتمعه المدني والسياسي الرقابة والمحاسبة، ويمكن فيه لحقوق الإنسان بكل مسؤولية وهو  الضامن لها ـ إلا أن يرضوا بذلك ويقبلوا به تفاديا للطرد، ومقابل العمل على مزيد استيفاء شروط الإستمرار في الشغل، وبكامل شروط الأعراف . وغالبا ما يكون العمال في مثل هذه القطاعات، وفي   إطار هذه السياسة الإقتصادية المفروضة، وفي غياب كل شروط وتشريعات نظام السوق الضامنة ولو للحدود الدنيا من حقوق العمال، في بلد لا يعرف فيه الكائن البشري الحي عموما صفة للمواطنة ـ بدون ترسيم، وفي أعداد غفيرة منهم محرومين من كل الضمانات، و حتى من بعض  الحقوق التي تكفلها لهم بعض القوانين المنظمة للحياة المهنية، في التغطية الإجتماعية وغيرها. لتكون النتيجة أن الخاسر الأكبر في سياسة هذا النظام الجائر الوافد علينا من حيث تولد المصائب و الشرور، ومن حيث لا يفد علينا منه إلا ما قل وندر من الخير، هو العامل. وليظل ـ وهو العنصر الأنشط في عملية الإنتاج وفي حركة الإقتصاد ـ هو الأضعف. وهو الذي عليه في النهاية القسط الأكبر حتى من الدفع الضريبي العائد الى الخزينة العامة. وهو الذي يعود منه ذلك للأعراف كذلك، ومن ثمة للرأسمال الخاص في حال عدم الترسيم وفي حال غياب حتى بطاقة خلاص له في أحيان وحالات كثيرة. وهو الذي لاحظ له في القطاع العام الذي أصبح مزودا لساحات البطالة بالآلاف من المسرحين من الشغل. والذي ليس أمامه إلا الغرق في وحل البطالة أو الإستغلال الفاحش، سواء من طرف سلطة الإشراف السياسي بدفع الضرائب و الآداءات  والمكوس، أو من طرف الأعراف وأصحاب رؤوس الأموال المحليين منهم والأجانب، الذين وضع اقتصاد البلاد بين أيديهم .
فهو الذي كمستهلك يدفع ضريبة القيمة المضافة المرتفعة جدا، والمسلطة على جل إن لم يكن كل السلع والخدمات الإستهلاكية الضرورية، وغيرها من الضرائب الأخرى الكثيرة المختلفة الثقل، كتلك المسلطة عليه على استهلاك الماء والكهرباء والهاتف والعتبة وحق الجولان في بنية أساسية وشبكة طرقات ومسالك توزيع مهترئة تفتقر لأكثر مواصفات وشروط السلامة، في بلاد مقبلة على تنفيذ اتفاقيات شراكة مع دول الإتحاد الأروبي ابتداء من سنة 2007، مقابل مضاعفة هذه الضرائب والأداءات كل عام، من غير أن يرى بعدها أثرا يذكر على تلك البنية الأساسية. فالطرقات ـ وفي جانب كبير منهاـ هي هي. وهي التي في جانب منها مازالت تلك التي مدها المستعمرون الفرنسيون لبلادنا فيها لنقل أكثر ما يمكن    ـ في إطار حركة النهب الإستعماري لثرواتنا ولعقود من الزمن ـ منها الى حيث ينتفع بها من ليس له حق في الإنتفاع  بها. والى حيث تصنع الأسلحة التي يقتلون بها أبناء شعبنا، وكذلك الجسور والموانئ  والمطارات ـ عدى بعض الإصلاحات والإضافات القليلة التي لا تفي الى الآن بالحد الضروري لتسهيل تنقل المسافرين ونقل البضاعة، قياسا دائما لما كان يجب أن يكون عليه الوضع في إطار الزمن، وقياسا للإعتمادات المالية التي من المفروض انه يتم رصد ها لها، والتي من المفروض أن يكون دائما لمستعمليها القسط الأكبر منها     بقلم : علي شرطاني  قفصة  تونس


 

ما بعد حركة 18 أكتوبر

إقصاء جزء من الوطن إقصاء لكل الوطن

عبد المنعم حمدوني (*)

 

إن حركة 18 أكتوبر لا يمكن اعتبارها إلا فاصلا بين فترتين متباينتين: فترة اتسمت فيها أفعال المعارضة في تونس بردود الفعل، وفترة انتقلت فيها أفعال المعارضة إلى الفعل، إلى المبادرة… وما كان يمكن لهذه الخطوة أن تحدث لولا انتقال عمل المعارضة من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي، حيث التنسيق والتشاور حلّ محل التنافر والتخاصم والتباين.. أي الانتقال من العمل العشوائي الغالب عليه تحقيق مكاسب جزئية زائلة إلى العمل المنسق والمخطط الغالب عليه المصلحة الوطنية.

 

إن التخطيط بالغ الأهمية بالنسبة للفرد والمجموعة على السواء، فما بالك إذا تعلّق الأمر بأحزاب وشخصيات مدنية حاملة لهموم أوطانها، وواعية بما يحصل لها من نهب خارجي وداخلي.. نهب نتج عن استئثار فئة قليلة بهذه الأوطان، تتصرف فيها باعتبارها ملكية خاصة، لا يمكن لأحد أن يشاركها فيها أو في بنائها إلا مشاركة التابع الذي لا حول له ولا قوة..

 

إن التخطيط هام جدا في بناء الأوطان، وفي درء المخاطر عنها، لذلك فمن لا يخطط يكون ضمن خطط الآخرين. وهنا تكمن القفزة النوعية في حياة المعارضة في تونس من خلال حركة 18 أكتوبر، حيث انتقلت المعارضة بفعل التنسيق والتخطيط فيما بينها من إطار »ضمن خطط الآخرين »، حيث السلطة تخطط للتفريق والتشتيت، إلى مرحلة التخطيط الذاتي، حيث الاتفاق على حد أدنى مشترك، تتمحور كل الجهود وتنصب جملة واحدة من أجل تحقيقه، لأن وجود المعارضة ومصداقيتها متوقفة عليه، بل إن وجود الوطن أصلا وعدم ضياعه متوقف عليه.. هذا الحد الأدنى المشترك إذن هو الحريات: حرية التنظم، وحرية الإعلام، وحرية المساجين السياسيين.. كما أكد عليها المضربون عن الطعام.

 

فبدون هذه الحريات لا يمكن أن تتوفر شروط المشاركة في بناء الوطن، إذ لا يمكن بناء الوطن إلا بجهود كل أبنائه، دون إقصاء، لأن إقصاء جزء من الوطن هو إقصاء لكل الوطن. وعلى السلطة الحاكمة أن تعي هذا كل الوعي، وعليها الإقلاع عن هذا الأسلوب المتخلف، القائم على الإقصاء لكل مخالف لها، والاتجاه إلى أسلوب حضاري، يقوم أولا على التنازل وتبني هذه المطالب، التي أكد عليها أصحابها بأسلوب حضاري..

 

ولتعلم أن « التنازل » لقبول هذه المطالب هو تنازل للوطن، ومن يتنازل للوطن لا يتنازل لأحد، بل يتنازل من أجل انتصار الوطن. إذ إننا لسنا في حلبة ملاكمة، يسعى كل طرف للنيل من الطرف الآخر بأقوى اللكمات، كي يطرحه أرضا بالضربة القاضية.. أو لتسجيل أكثر ما يمكن من النقاط. إن الأمر في هذا الخصوص يختلف كل الاختلاف، لأن كل طرف لا يجب أن يسعى إلى إقصاء الطرف الآخر أو التغلب عليه، بل يجب أن يسعى إلى تسجيل أكثر نقاط ممكنة لفائدة الوطن، أو من أجل تسديد ضربة قاضية لا للخصم السياسي، بل لخصم مشترك، خصم الجميع، مثل التخلف أو الظلم أو القهر…. أي بمعنى آخر تسديد الضربة القاضية إلى أعداء الوطن، وليس لجزء من الوطن، مهما كان خلافنا معه في وجهات النظر.

 

فبعد التحول أخطأت كل الأطراف السياسية لأن جل حساباتها كانت حسابات حزبية ضيقة ولم تكن حسابات وطنية، فقد كان الجميع يخطط لإقصاء الخصوم لا لبناء الوطن، في حين أن التعدد شرط ضروري وجوهري لبناء مجتمع ديمقراطي، يفسح فيه المجال للنقد والنقد المضاد، إذ بذلك يمكن لكل طرف أن يبصر الطرف الآخر بأخطائه، ويمنعه من التمادي فيها، وبالتالي إنقاذ المجتمع من المفاسد التي ستنجر عن هذه الأخطاء المتراكمة، ومن أهمها توفر المناخ الذي ينبت سلطة مطلقة، لا علاقة لها بالحكم الصالح.

 

ويمكن أن أسوق مثال في هذا الخصوص عن حادثة عايشتها بنفسي، ولكنها ذات دلالة كبيرة، توضح كيف أن مآل السلطة المطلقة عمت الكثير ممن يعتقد أنه محسوب عليها: ففي يوم الثلاثاء الموافق لـ20 جويلية (تموز) ، 2004على الساعة التاسعة والربع صباحا، فوجئ جمع من المواطنين الوافدين على معهدي الهادي الرايس وصالح عزيز ومستشفى الأطفال بتونس، بتعطل حركة المرور على الطريق الموازي لشارع 9 أفريل بتونس العاصمة. وعند التثبت وجدوا أن سيارة آتية في الاتجاه الممنوع امتنعت صاحبتها عن الرجوع إلى الوراء كي تفسح المجال لمرور السيارات المتجهة نحو المراكز الصحية المذكورة أعلاه.

 

وعندما استنجد الجمع بالشرطي فوجئ مرة أخرى باستهتار هذه المرأة واستخفافها بالجميع. وحاول البعض إقناعها بأنها هي المخطئة، وأنها مخالفة لقانون حركة المرور، الذي يمنع السيارات من المرور في هذا الاتجاه.. وحاولوا إقناعها أن رجوعها إلى الوراء أسهل وأيسر من رجوع السيارات المواجهة لها، خاصة أنها المخطئة والآخرين غير مخطئين، والطريق وراءها شاغر، ووراء الآخرين مكتظ بطابور من السيارات.

 

 وفي غمرة هذا « الحوار » تقوم هذه المرأة- بكل غطرسة- بالنزول من سيارتها وغلق أبوابها، وترك المكان نهائيا.. لقد صدم الجميع بهذا السلوك الشاذ، الذي كان يتم أمام أعين وأنظار الشرطي، الذي لم يتجرأ حتى على سحب أوراقها، واكتفى بإعلام منطقة الأمن. وقد جن جنون الحضور بهذا السلوك المتعجرف، خاصة وأن الكثير منهم من الأطباء والفنيين والممرضين المتجهين إلى مراكز عملهم، بالإضافة إلى المرضى وأقاربهم المصاحبين لهم.

 

وقد استمرت هذه السيارة ساعة كاملة معطلة لحركة المرور، التي انسدت بشكل كامل.. كم كان مؤلما عندما تبين أن صاحبة هذه السيارة هي فنانة، وأن سلوكها الشاذ هذا نابع، حسب ملاحظة بعض الحضور، من اعتقادها أنها فوق القانون، لأنها فنانة لها علاقات تستطيع « حمايتها » من كل سلوك مخالف للقانون.

 

 وفعلا فإن قدرة فرد على أن يستهتر بكل الضوابط القانونية والأخلاقية والإنسانية، بهذا الشكل، أي أن يترك سيارة وسط الطريق العام طيلة ساعة كاملة، معطلا بذلك حركة المرور ومصالح المواطنين، لا ينم إلا عن خلل كبير في قيمنا الاجتماعية السائدة، والتي يمكن أن تؤدي إلى مثل هذه الغطرسة.

 

وبالمناسبة فإن « فنانة » صاحبة هذا السلوك الأعوج لا أعتقد أن بنيتها النفسية والروحية لها علاقة ما بقيم الفن والجمال.. إن الفنان الحق هو الذي يسعى إلى نشر هذه القيم لا أن يدوسها. لذلك فإنه إذا كان صحيحا قولنا إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فصحيح أيضا قولنا إن السلطة الجزئية المستندة على سلطة مطلقة هي الأخرى مفسدة مطلقة.

 

طبعا هذا المثال هو مظهر من المظاهر المنتشرة الآن بكثافة، لا في الطريق العام فقط، بل أساسا وبأشكال وطرق مختلفة في كل الميادين، وفي كل المؤسسات، حيث لا سلطة للقانون، بل للجاه والمحسوبية التي تخول لصاحبها الدوس على كل الضوابط، التي تنظم المجتمع، وتحمي حقوق المواطن والوطن من كل اعتداء.

 

 ولمثل هذه الأسباب أفرز المجتمع التونسي حركة 18 أكتوبر، التي لا يمكن لأي ملاحظ غيور عن وطنه إلا أن يعتبرها حركة معبرة عن ضمير المجتمع، وعن حرقته ورغبته في التخلص من هذا الداء، الذي أنهكه، وأوشك على قتله، وعن طوقه لبناء مجتمع حر مستقل، يخطط للتنمية المستديمة وليس للإقصاء والظلم والقهر.

 

ولهذا فإن هذه الحركة يجب أن تستمر استمرارا يبدع أشكالا أخرى في النضال، محافظة على الخيار السلمي، الذي من شأنه أن يفوت الفرصة على كل من يحاول تغيير وجهتها إلى عنف، لا يؤدي إلا إلى خسارة الجميع حاكم ومحكوم..

 

وأعتقد أن من الشروط التي يمكن أن تؤدي إلى التفاف متصاعد من الجماهير حول هذه الحركة هو قيام كل الأطراف المشاركة بنشر دراسات نقدية، باعتبار أن هذه الأطراف، حسب رأيي، جميعها قد أخطأ طوال السنوات السابقة منذ التحول… لأن من شأن هذا النقد الذاتي أن يفسح المجال لبناء مناخ من الثقة لكل الأطراف، التي تتأكد أن الجميع يعمل من أجل مصلحة الوطن، فالكشف عن الأخطاء هام جدا، لا للوقوف عنده، بل للاعتبار واستخلاص الدروس، فكيفية تعاطي المعارضة القانونية وغير القانونية مع تحول 7 نوفمبر من الأسباب التي ساهمت بنسب متفاوتة في تردي الأوضاع.. وكم يكون الأمر ينم عن شجاعة بالغة إذا ساهم الحزب الحاكم بنشر نقد ذاتي صريح.. وأقول ساهم لأن الجميع مطالب بالمساهمة في بناء الوطن، ولا يمكن لهذه المساهمة أن تكون مثمرة إذا أصر طرف على أنه يتمتع بنقاء وبطهر سلوكي، نابع من عصمة لا تجوز لغير الأنبياء في التبليغ عن ربهم..

 

فالنظام الحاكم أخطأ عندما جنح للخيار الأمني، وهو اختيار كارثي أدى إلى إقصاء طاقات كبرى، مما فوت الفرصة على البلاد من الاستفادة من أبنائها المبدعين في مختلف الميادين، لذلك فإن من مصلحة السلطة أن تستمع إلى من يبصرها بأخطائها، لأن هؤلاء هم المخلصون حقا، وهم الذين يسوقونها إلى شاطئ الأمان.

 

أما الذين يتعامون عن أخطائها، ويكثرون من المديح، ويزينون الباطل، ويطمسون الحقيقة، فهؤلاء هم الأعداء الحقيقيون للسلطة، لأن الذي يحركهم ويدفعهم إلى كل هذا هو فقط مصلحتهم الشخصية، وروحهم الانتهازية، فعلى السلطة أن تفرق بين من يريد ثم يفكر، وبين من يفكر ثم يريد.. إن المحيطين بالسلطة هم الذين جعلوا تفكيرهم وراء إرادتهم، فقد أرادوا أن يحققوا مكاسب مادية ومنافع اجتماعية وسياسية، فصوبوا تفكيرهم نحو هذا الهدف، وجعلوه وراء إرادتهم، يزينون الباطل، ويزيفون الحقيقة، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.

 

والفرق شاسع وجلي بينهم وبين من جعلوا إرادتهم وراء تفكيرهم.. يفكر ثم يختار ثم يريد.. إن حركة 18 أكتوبر لا يمكن تصنيف أفرادها إلا ضمن هذه الفئة، التي تفكر ثم تريد، وبالتالي فإن الخير كل الخير في المواطن الذي يكون هذا شأنه، وليس في ذلك الذي يقصي ذاته وإرادته، فيقصي إنسانيته وبالتالي وطنه؟

 

فمثل تونس كمثل حافلة يقودها سائق وحوله مجموعتان تحاول الأولى تصويب مسار الحافلة، حتى لا تنحرف عن الطريق، وتنبه السائق إلى كل انحراف ناتج عن سوء استعمال المقود، بينما المجموعة الثانية تحاول تأكيد هذا الانحراف، مشددة على محاسنه وصوابه، متجاهلة المخاطر التي يمكن أن تنجر عن هذا الانحراف، فقط لأن مصالحها الشخصية مرتبطة بهذا الانحراف كل الارتباط؟

 

 ولهذا السبب بالذات فإن على عقلاء الحزب الحاكم ومخلصيه أن يتحرروا من سلبيتهم، وأن يبذلوا كل الجهد لإخراج حزبهم من سيطرة الانتهازيين والأصوليين. وفي نفس الوقت على الأحزاب المعارضة وكل من يهمه الشأن الوطني، وخاصة أبطال حركة 18 أكتوبر أن ينجزوا، في أقرب وقت ممكن، الشرط الهام والضروري، حسب رأيي، والذي تتوقف عليه كل الخطوات اللاحقة، المؤدية إلى التغيير الجذري القائم على التعدد، والمرتكز على الحرية والتحرر.

 

إن هذا الشرط المطلوب من الجميع إنجازه هو النقد الذاتي لكل طرف، حتى يطمئن الجميع إلى أن هؤلاء الذين يعيبون على السلطة الاستبداد بالرأي، متحررون من هذا الاستبداد، وقابلون وقادرون على الاعتراف بالخطأ، لأن الذي لا يعترف بالخطأ لا يعترف بأنه في حاجة إلى الآخرين المخالفين له في الرأي، ومن لا يعترف بالآخرين يقصيهم عن المشاركة في بناء الوطن، رغم أنهم جزء فاعل من الوطن.. ومن أقصى جزء من الوطن فقد أقصى كل الوطن.

 

(*) كاتب وباحث تونسي

 

(المصدر: مجلة أقلام أون لاين – العدد 16 السنة الرابعة، نوفمبر – ديسمبر 2005)

 


الكرامة بين نيّء و المطبوخ

 بقلم الشاذليّ العيّادي
يا من بعضكم يدعي الكرامة يا من جعلتم المعارضة في الوطن نصفها زعماء و نصفها الآخر علماء و الحال إن اكثركم لا يفقه أو لا يريد معرفة اركان نفسيّة نظام بن عليّ و لا الَطْرق المثلى لمجابهته .
هنا اوجه كلامي الى كل من يدعي زعامة خط معين من المعارضة و هو في الأصل مرتبط بطريقة مجانية باحد فروع النظام لا لشيّ إلا للحصول على كبر المقام الإجتماعي و المجتمعي و الحفاظ على طاقته الشرائية و اخص بالقول منهم على سبيل المثال  من يدعي خلع مكتبه من طرف بعض فرق إدارة أمن الدولة و لم يقدم حتى عريضة بسيطة الى القضاء . وكذلك من راود الأستاذ عبد الرؤوف العيّادي على التعامل مع السلطة لإتقاء شرها من جهة و الحصول على كبر المقام التنظيمي و المادي على حساب تاريخه النضالي و عفة نفسه .
كما اوجه لبعض الأسماء ممن يسمون انفسهم بالمعارضة و يدّعون الكرامة و هم في الأصل مستعبدون من طرف بعض جهات ماسونية ساقطة و المنتمون الى نادي روما قصد البروز على الساحة الوطنيّة و العالمية على حساب شرف الدم و الساعد. و اقولها بكل صراحة حتى إخواننا من اهل الكتاب اتباع النبي موسي يحتقرونهم بالجملة و يصنفونهم بالكلاب الجربانة لأنه بكل بساطة لا شرف و لا كرامة لهم. و في العموم إن اخواننا في الكتاب من ابناء كليم الله يحتقرون كل من يستعين على نظامه و وطنه بالغريب. إتعظوا بطرق المعارضة و بعد النظر السياسي لإخواننا في الكتاب و شركائنا في الساميّة !!!.
    بسم الله الرحمن الرحيم
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ {19}. سورة لقمان.‏  صدق الله مولانا العظيم
هل فكرتم في طريقة الوقوف امام طُرق و اساليب المجرم الأكبر محمد على القنزوعي الذي عيّنه سيلفان شالوم لتأديب المعارضة المنهكة في تونس ؟ هل فكرتم في الطرق الملتوية لممثل الجريمة المنظمة العالمية في تونس المدعو السرياطي ؟
إستفيقوا يا أولوا الألباب من بني وطني وتذكروا ملك الموت و سؤال الملكين فإنّ المجتمع الدولي غير قادر لفعل ايّ شيّ لجلادي نظام بن عليّ و على رأسهم القنزوعي ما دام يحميهم مستشار بن عليّ سيلفان شالوم .
               ‏28‏‏/‏12‏‏/‏2005‏ 03:44:23 م                                                                                    دُمتم كما رمتم في الوطنيّة و طرق النضال  


 

بسم الله الرحمان الرحيم                                    تونس في 25/12/2005

و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين                 الموافق 23 ذي القعدة 1426 هجري

 

 

رسالة مفتوحة لأعلى هرم السلطة في المملكة العربية السعودية حول موسم الحج لهذا العام و قبل غلق الموسم الحالي

 

بقلم محمد العروسي الهاني

مناظل دستوري من الرعيل الثاني

 

على بركة الله تعالى و عونه و توفيقه و تبعا للرسالة التي نشرتها يوم 8/12/2005 بموقع الأنترنات تونس نيوزبفرنسا و التي تقدمت فيها بمقترحات عملية و خواطر حول موسم الحج لهذا العام و قد توجهت بهذه الرسالة إلى كل المسؤولين بالمملكة العربية السعودية و على رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود رعاه الله و سدّد خطاه و أعانه على مواصلة السير على نهج والده المرحوم عبد العزيز آل سعود رحمه و إخوانه الملوك فيصل و خالد و فهد رحمهم الله و أسكنهم فراديس جنانه.

 

و أشرت في الرسالة الأولى المؤرخة في 08/12/2005 إلى موضوع موسم الحج و ما يطمح إليه إخواننا في تونس و في كل دولة عربية و إسلامية لزيارة البقاع المقدّسة لأداء مناسك الحج و أداء الفريضة الدينية التي أذن و امر بها الله سبحانه و تعالى. و قال في كتابه العزيز  » و لله حج البيت من إستطاع إليه سبيلا و من كفر فأن الله غني على العالمين » صدق الله العظيم.

 

هذه الشعيرة الدينية أصبحت في الأعوام الأخيرة لها أوجه عديدة من الإشكاليات و الصعوبات في خصوص الحصول على التأشيرة للسفر للبقاع المقدّسة و هي كالأتي:

 

·        العدد المحدّد لكل دولة

·        طريقة القرعة لمدّة 5 أعوام للعدد المرشح و يلعب الحظ دوره.

·        إيجاد شركات تجارية تحتكر موسم الحج و العمرة.

·      حرمان الأفراد من أداء الحج بصفة فردية بتدخل من الشركة المحتكرة و الوحيدة .

·        إيجاد ظاهرة عدد إضافي له إمكانيات مادية يعطونه الأولوية في أداء الفريضة بالعملة الصعبة و كأن فريضة الحج أصبحت مقرونة و مشروطة بالعملة الصعبة للعدد الإضافي …

·        منح الأولوية لأصحاب العملة الصعبة بعد القائمة المحدّدة.

·        في الخاتمة تمنح السفارة العربية السعودية عدد من التاشيرات في حدود 5 % من جملة المشاركين في أداء فريضة الحج كما فعلت السنة المنصرمة مشكورة.

 

هذا بالنسبة للأعوام المنصرمة أمّا هذا العام فإن عددا هاما يفوق 500 مواطن تونسي يترددون على السفارة و القنصلية العامة للمملكة العربية السعودية بتونس صباحا مساءا. و لحد هذه الساعة لم تمنح السفارة تأشيرة واحدة حسب ما أعلم.

 

و قد تقدمت شخصيا بطلب التأشيرة قبل نشر المقترحات بموقع الأنترنات تونس تيوز يوم 08/12/2005 و إعتبارا لقرب غلق أبواب التـأشيرة يوم الخامس من ذي الحجة الذي يفصلنا عنه حوالي 12 يوما فقط, ألتمس من أعلى هرم السلطة في المملكة وفي طليعتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله آل سعود -في أول عام يتولى فيه قيادة البلاد بعد وفاة الملك فهد رحمه الله- أن يعطي أوامره لوزارة الأوقاف و وزارة الخارجية العربية السعودية و لكل السفراء في الدول العربية قصد فتح الأبواب و منح 5 % لفائدة المترددين على السفارات و القنصليات قصد إدخال الفرحة و السرور و البسمة و البهجة على قلوبهم فهم في شوق عظيم لأداء مناسك الحج و الطواف بالكعبة و الوقوف على جبل عرفات و السعي بين الصفا و المروة و زيارة روضة الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم بالمدينة المنّورة.

 

وجزى الله خادم الحرمين الشريفين الجزاء الأوفى على مساعيه الطيبة و مواقفه الجريئة و أعانه الله على أداء رسالته المقدّسة التاريخية على رأس المملكة العربية السعودية دولة الحق و العدالة و البلد الأمين أم القرى و نزول الوحي و القرآن الكريم على أفضل و أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليم و سلم . و الله التوفيق

 

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري تونس

 

ملاحظة:

لمزيد الإطلاع مع إجراء التخفيض في ثمن الطائرة على غرار الخطوط الأردنية والمصرية وطرح الفائض الذي تجاوز 300 دينارفي موسم الحج و السلام.  

 


تنبيه الغافلين من الإخوان والآخرين

عادل الحامدي (*)

 

عندما تكون مؤسسة الأمن الداخلي في منأي عن الصراع الحزبي فإن المواطن يهرع إلي هذه الأم الرؤوم كلما حز به أمر. ولست مبالغا في ذلك فالمواطن الغربي الذي أتقاسم معه رغيف الحياة لا يثق في أمه ولا في أبيه بل يثق إلا في الدولة، بينما يثق المواطن العربي في كل شيء باستثناء الدولة لسبب بسيط وهو أن السلطة في هذه البلدان التي يمثلها الشرطي هي السلطة التي تهيمن علي الجميع بدون استثناء. وقد رأيت بأم عيني نائب رئيس الوزراء البريطاني ومواطنا في الساحة العامة يتلاكمان ثم يأوي كل منهما إلي بيته آمنا تحت أعين الشرطة وتحت حمايتها. فأجهزة الأمن هي ملك للجميع وهي من أدوات الدولة التي تحمي بها أمنها وأمن مواطنيها ولا يسمح لها بالتسلط علي أي حزب ولا علي أية هيئة ولا علي أي فرد وهي حيادية بصرامة القانون وصرامة الدستور وصرامة الواقع، يستوي عندها الشيوعي والإسلامي والليبرالي القديم والجديد.

 

وإذا قدر لك أن تكون مواطنا في هذه البلدان وقررت أن تقوم بواجبك الإنتخابي فتأكد أنك لن تجد حول الصندوق رجل أمن واحد، ولكن ستجد أمثالك ممن ينتمون إلي أحزاب أخري يقومون جميعا بواجبهم الإنتخابي والجميع يبتسم. وهنا لا بد من التعريج علي أن مشكلتنا الثقافية تكمن في أن مخيالنا الجمعي يري في رجل الأمن رمز الدولة بينما هو حارس يحرس أمن الجميع. ولقد رأيتني سكرانا من هول ما رأيت بين الناخب الإخواني والشرطي المتصدي لهذا الناخب يتبادلان حجارة الانتفاضة والرصاص المطاطي والحي علي مرأي ومسمع من الإعلام العالمي كله.

 

لم تعدم المنطقة العربية أمثلة متناثرة علي طرائق حقن المصل الإخواني في شرايين السياسة العربية المصابة بالتصلب المزمن لعل أقدمها التجربة الكويتية المبكرة وسبق هذا البلد الصغير إلي دمقرطة الحياة السياسية متحدية بذلك محيطا سياسيا عائما في دياجير الماضي يحسب معظمه باطلا علي إسلام هذه الأمة ـ يبدو كما لو أنه لم يعرف محمدا صلي الله عليه وسلم ولا سقراط ولا حتي عفلق ذلك المفكر المستنير، لكن الإخوان في البرلمان الكويتي تقوقعوا علي أنفسهم وعضوا بالنواذج علي الخوض في سياسة الفروج كأن لم تكن الكويت وأموال الكويت مسخرين لخدمة قضايا العرب والمسلمين متناسين الدور الريادي لبرلمان كويت ما قبل الغزو فأدركهم الفناء السياسي المحتوم مكفنين في عباءة من الجمود الفكري الإخواني وعمومياته يوم تمرد علي كل من الخرافة ومشاعية أربعينات القرن الماضي، فلما أسقطهما ظل (هذا الفكر) مربوطا إلي آخيته لا يكاد يخوض إلا فيما هو معلوم ـ حتي للقطط ـ من الدين بالضرورة.

أما ملكيتنا الدستورية في مغرب العرب والعجم وكدت أقول العلوج لولا أن الصحاف رحمه الله حيا وميتا كان يومها يخوض حربا باطلة أريد بها حق أباحت له السباب..

 

قلت إن يسار المملكة الوطني الذي وثق به ملك البلاد بدا بعد التجريب والتمحيص كما لو أن إيمانه بالتعددية لا يساوي عند الله ولا عند الناس جناح بعوضة، إذ لم تكد تمر أشهر معدودات علي تفجيرات الدار البيضاء حتي انتكس الإسلام السياسي المطلوب رأسه علي الدوام فلم نعد نسمع لأهل دياره حسيسا ولا ركزا، كما لم نعد نقرأ لشعراء أهل الدار في البرلمان المغربي ولو معلقة أو حتي مرثية إبداع تنعي إلينا مصير الديمقراطية الفتية رغم أنني لا أعول كثيرا في أحكامي علي التفسير التآمري للأحداث ولا للتاريخ حياء من الشرط واستحياء من إلياسين والجابري والمنجرة! إذا، من للإخوان قبسا يستلهمون منه نارا كاشفة لصرف المال العام المصري وضمان حق تقرير المصير للشعب المصري عبر صناديق الاقتراع؟ عندما يزور واشنطن مسؤول عربي يلقي حسن الضيافة وجميل الترحاب من مضيفيه الأمريكان تماما كالأوروبيين ومن عداهم. لكن ثمة بونا شاسعا بين من يلقي الثناء لأنه يسمع ويطيع وبلا أدني نقاش حول ما يستر عورة هذا السياسي أمام شعبه وبين من يلقي ما يليق بمن يمثل شعبه المكافح الحر والمبدع والذي انتصر علي الجوع الداخلي وعلي القهر الداخلي والحيف الداخلي، فهو قوي يحس أنه شريك للولايات في المغنم والمكره والمصير. فعلي الإخوان أن يعوا جيدا أن يوم الزينة الانتخابي يوم أن حشر خمسة ملايين من المصريين أماناتهم في صناديق الامتحان ليس إلا تعبيرا عن الجوع إلي قيم الجمال من عدل وإنصاف وإحسان وحاجة أشد إلي قيم الجلال من إدارة محايدة وشرطة أشد حيادا ودوائر محاسبات في كل حتة تسهر بالليل والنهار علي كيفية صرف المال العام، ووزارات سيادة ومؤسسات دستورية تليق بتمثيل سبعين مليون مطلوب منهم جميعا وبكل إلحاح إنجاز العبور الديمقراطي المنشود وضمان الخير المصري المفقود.

 

وللدكتور عصام العريان الناطق باسم الإخوان المسلمين في مصر الذي عرت لنا القنوات الفضائية العربية والغربية بعض أفكاره أقول له بتواضع المتعلم ولكن المكتوي بل الملتاع من الواقع العربي اللازمني، أقول له إن آخر ما أريد أن أسمعه منك ومن الإخوان ما أسمعه منذ عقود من أن الإسلام هو الحل، فهذه المقولة تشبه لا إله إلا الله تماما لا يمكن أن تكون محل خلاف حتي بين المسلمين وكثير من المنتسبين إلي الأديان الأخري ولكن الذي نخاف ونخشي هو ما تعنيه، لا أقول مثل من يجحد نعمة ربه عن أي إسلام تتحدث فتلك مقولة فاجرة، ولكن أقول هات لنا برنامجك السياسي والإقتصادي ونحن معشر المصريين أقباطا ويسارا وأمواجا من المسلمين سوف نقبل بكم وبأطروحاتكم. وأهمس في أذن الناطق باسم الإخوان أن تجربة حزب الرفاه التركي الذي انتقل إلي حزب العدالة والتنمية هي تجربة تقطر إسلاما استطاعت بالأمانة وحدها أن تطعم أفواه الجياع وتعيد نسبة الدين الخارجي في ظرف ثلاث سنوات من 91 بالمئة إلي 63 بالمئة، دون ترديد شعارات يحتاج مطلقها إلي تفسيرها ليس لخصومه من السياسيين بل لقواعده من العوام والمثقفين.

 

أما رأيي للكتاب والسياسيين من المصريين والعرب والغربيين الذين يخشون من المشاريع الشمولية المنفلتة للإخوان وبعبع الإسلام السياسي الذي يتزيا أصحابه بالدين لأغراضهم الشخصية والحادبين علي مصالح وحقوق الأقباط المصريين فإن المطلوب منهم جميعا الاحتكام لقيم المواطنة وتغليب حسن الظن وإفساح المجال للتجربة الديمقراطية الواعدة في مصر كي تشرق علي العالم العربي قبل أن تعم الفوضي ويصول المحتل ويجول في كل شبر من أراضينا الملتهبة.

 

ومع أن صاحبي ـ فرج الله كربه ومد في عمره ـ يحمد الله إذ أنعم عليه فأخرجه من بلاد العرب وجاء به إلي أوروبا العلوج!!! حيث الغرب الذي أنعم الله عليه بحكومات غلب خيرها شرها، ويقسم أن أدناها أقرب إلي الإسلام وإلي روح الإسلام وإلي شرائع الإسلام من أغلب الحكومات العربية.. مع ذلك أهمس في أذنيه ولكل الذين اكتووا بالاستبداد وهفت أرواحهم إلي أن تشرق شمس يوم علي أوطانهم وهم أحرار، أقول أهمس في أذني صاحبي بأن الحرية والديمقراطية المرجوتان اختطفتا في زحمة المعاناة الشديدة وأن أس البلاء المتمثل في السلطة لم يحسم بعد حتي مع الديمقراطيين الجدد ولو كان بعضهم من الإخوان…

 

(*) كاتب وإعلامي تونسي يقيم في بريطانيا

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم يوم 28 ديسمبر 2005)


 

أأسود عليّ 

« الجزء الأخير « 

 
 
………………………….
ولقد إتّخذ الأخ الهادي  ـ هداه الله وأصلح حاله  ـ مناهج عجيبة في الرّدّ على مسألة أقرّ هو أنّها من مسائل الفروع .
ومن هذه المناهج ، ولا أريد أن أطيل على القارئ الكريم ، فسأكتفي بالإشارة ، واللّبيب بالإشارة يفهم .
 
منهج المسح في الشّيخ القرضاوي :
 
فلقد حاربني بفتوى الشّيخ . والشّيخ منه براء لأنّ الرّجل عالج مسألة خاصّة في وضع خاصّ  ، وكم من مرّة يفعلونها ثمّ يمسحونها في  القرضاوي ، ويقولون قال القرضاوي ،  قال القرضاوي والرّجل لا يدري ، وهو لا يعلم أنّه أفتى لخصوص مساجين تونس .
 
منهج إمتحان المخالف برأي إمامه في العلم دون بحث عن الأدلّة : لقد رأينا ناسا يقفون حيث يقف محبوبهم من اهل العلم أو السّياسة أو غير ذلك ، فهم معهم أينما كانوا ويدورون معهم حيث داروا وقد يتردّون معهم ـ لا قدّر الله ـ حيث تردّوا . وأهل العلم والعدل في حلّ من هذا كلّه ،لأنّهم لا يحملون النّاس على قول عالم مهما كان كعبه وطارت شهرته ويمتحن النّاس به ، فمن وافقه فهو على حقّ ومن خالفه فهو على باطل . ولقد كان هذا من ملهمات الإمام مالك رحمه الله تعالى انّه لا يجوز لأحد مهما كان أن يفرض اجتهاده على الآخر كما لا يجوز حمل الأمّة على قول رجل أو رأي واحد . قال عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: شَاوَرَنِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي أَنْ يُعَلِّقَ (المُوَطَّأَ) فِي الكَعْبَةِ، ….فَقُلْتُ: أَمَّا تَعلِيقُ (المُوَطَّأِ)، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي الفُرُوعِ، وَتَفَرَّقُوا، وَكُلٌّ عِنْد نَفْسِه مُصِيْبٌ……………  
 
وعلى ذلك درج أهل السّبق والفضل  ، فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : ((لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلا .إن آمن آمن ، وإن كفر كفر،  فإن كنتم لا بدّ مقتدين فبالميّت ، فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة )) السّنّة للالكائي .
قال الإمام الشّاطبي رحمه الله :  » إنّ  تحكيم الرّجال من غير آلتفات إلى كونهم وسائل للحكم الشّرعي المطلوب شرعا ضلال .. »  الإعتصام 2/355 . كما ذكر رحمه اللّه تعالى أنّ من النّاس من آتّخذوا الرّجال ذريعة لأهوائهم وأهواء من داناهم . الآعتصام 2/ 510. وقال رحمه الله : فتأمّلوا يا أولي الألباب ! كيف حال الاعتقاد في الفتوى على الرّجال من غير تحرّ للدّليل الشّرعيّ ، بل لمجرّد العرض العاجل . الإعتصام 2 /511 . وقال رحمه الله :ليس كلّ ما قال رجل قولا  ـ وإن كان له فضل ـ يتبع عليه ، لقول الله عزّ وجلّ :  » الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه  » الزّمر 18 .  الإعتصام 2 /515 .
 
إنّ الإسلام يبغض التّعصّب لعالم أو مذهب أو جماعة من الناس ذلك أنّ الله عزّ وجلّ  لم يجعل العصمة إلاّ للكتاب والسّنّة وما أجمعت عليه الأمّة ، فلا ينبغي أن نتعامل مع أيّ عالم فضلا عن مفكّر أو مذهب أو جماعة على اعتبار أنّ كلّ ما يصدر عنهم حقّ لا يجوز مخالفته ولا التّخلّي عنه ، وأنّ من خالفهم يجب عليه  أن  يستتاب ، بل يجب أن يكون شعارنا كلّ يؤخذ من قوله ويردّ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وآله  وسلّم .ولكن – مع الأسف الشّديد – هذا الدّاء فتك بالسّاحة الإسلاميّة ،وشتّت شمل الدّعاة ،ومزّق صفوفهم ،  حتّى أنّ بعض الدّعوات التي كان شعارها وخاصّيتها نبذ التّقليد والتّعلّق بالدّليل  أصبحت أقوال منظّريها – الّذين لا حظّ لهم في العلم –  حقّاً مطلقاً لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ،حتى وإن كان هذا القول شذوذاً خالف فيه الأمّة سلفاً و خلفاً .
 
منهج ردّ الحقّ من المخالف :
 
لم ير الهادي في مقالي إلاّ حسنة واحدة ، وهذا من الشّدّة في إنكار الحقّ وبطره وهذا من الكبر الّذي بيّنه النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم  » الكبر بطر الحقّ وغمط النّاس . »
 
والأصل في المسلم أن يكون أوّابا حليما ، يلزمه الخضوع للحق ولو نطق به الخصم كما قال الشافعي : ما ناظرت أحداً إلا قلت : اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه ، فإن كان الحق معي اتبعني ، وإن كان الحق معه اتبعته . قواعد الأحكام 2 / 176 .
 
منهج الجرأة على الله وتّمييع الشّرع :
 
لقد إختطف أكثر النّاس المصطلح الشّرعيّ المنضبط وميّعوه وهوّنوا  قولهم على الله بغير علم ، فهذا يجعل الإضراب جهادا ، وهذا يوافق بالهوى والولاء ، وهذا يرجّح دون مرجّحات الشّرع وآلات العلم  ،  وهذا يتّهم ويكفّر ويخرّج  ، وهلمّ جرّا . فالإضراب عند الأخ الهادي ومن وافقه ليردّوا على المخالف جهاد . وآخرون قالوا : الدّفاع عن صندوق الإنتخاب جهاد ، والرّياضة كما قال الأستاذ راشد جهاد و  » زيدان » لأنّه من أصول عربيّة مجاهد في كرة القدم ، ومحمّد علي كلاي مجاهد ، وهكذا تتميّع الأمور وتفقد معاني الشّريعة هيبتها  وتعمّ الفوضى فكلّ يوم لنا جهاد جديد ،…والله المستعان !!!
 أليس الجهاد من أعظم القربات ؟ وهل القربات يتحكّم فيها الرّأي ؟ ألم يقل أهل العلم  : إنّه لا يشرع القياس في القربات  ، لأنّها مبنية على نصوص الكتاب والسنة فلا يدخلها النظر والاعتبار ، قال ابن كثير في تفسيره ( 4/401 ) :  » وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء . »   
 
قال ابن القيم رحمه الله ينكر على من رشّح نفسه للفتوى وهو ليس أهلا لها : من أفتى الناس ، و ليس بأهل للفتوى فهو آثم عاصٍ . و من أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضا . ثمّ نقل عن أبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله قوله  : ( …. و هؤلاء ـ يقصد من أفتى دون علم ـ  بمنـزلة من يدل الركب و ليس له علم بالطريق ، و بمنـزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة ، و بمنـزلة من لا معرفة له بالطب ، و هو يطب الناس ، بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم، و إذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى فكيف بمن لم يعرف الكتاب و السنة و لم يتفقه في الدين ) ! إعلام الموقّعين : 4 / 17.
 
منهج تقديس المسجونين وتعظيمهم وجعلهم معصومين :
 
إنّ من النّاس من يريد أن يجعل من إخواننا المساجين معصومين  ، ألا يعتري أحدهم  ضعفا ؟ ألسنا بشرا نحطئ ونصيب ونقوى ونضعف .
يا أخي الهادي  لماذا خاطب الله أنبياءه بالصّبر والمصابرة والثّبات ؟ ألا يقتضي ذلك أنّ حالات من الضّعف قد تصيب الأخيار فكيف لا تصيب من هم دونهم  . ؟
نعم قلت هل وصل الإخوة إلى هذا الحدّ من اليأس ؟ فما هو العيب في ذلك ؟. لماذا تقوّلونني ما لم أقل وقلتم إنّي وصفت إخواننا بالجبن !وأعوذ بالله من ذلك !!! لقد قال توفيق بن بريك مثل هذا الكلام في أحد الإخوة وبلعتموها ! وأنا لم أقل ذلك وقوّلتموني إيّاها ، فأسأل الله أن يهديكم !!!
ألم يضعف عمّار بن ياسر رضي الله عنه ؟ ألم يقتل صحابيّ نفسه بعد  جرح  أصابه في ساحة الوغى ؟ أفلم ييئس الرّسل وأتباعهم .أليسوا بشرا ؟ ألا يعتريهم ما يعتري البشر ؟ ألم يقل الله تعالى :  » حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين «  آنظر إلى تفسير الإمامين إبن كثير والقرطبي للآية . فهذا إبن كثير يقول :  يذكر تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إلى ذلك كقوله تعالى  » زلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله  »
وهذا القرطبي يقول  : عن ابن عباس قال : كانوا بشرا فضعفوا من طول البلاء , ونسوا وظنوا أنهم أخلفوا ، ثم تلا :  » حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله  » [ البقرة : 214 ] وقال المهدوي عن ابن عباس :  » ظنت الرسل أنهم قد أخلفوا على ما يلحق البشر ، واستشهد بقول إبراهيم عليه السلام :  » ربّ أرني كيف تحيي الموتى ؟ » [ البقرة : 260 ] الآية تفسير القرطبي
 
ألم يثبّت الله تعالى حبيبه وصفيّه من خلقه في لحظات ضغوط الجاهليّة  » وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا  73وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا 74 إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا   » 75  الإسراء ألم يكثر الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم  من دعاء : » يا مثبّت القلوب ثبّت قلبي …. »
لقد قال لي أحد الإخوة : والله لقد مررنا بفترات لو وجدنا من أفتى لنا بالإنتحار لآنتحرنا .  نعم يصل الإنسان إلى لحظات ضعف ثمّ يقوى حتّى يحبّب إليه السّجن . أليس السّجن جنّات ونيران …وليس من جرّب كمن سمع !!!
والعبد الفقير الّذي يسطّر لكم هذه الورقات وصلت أيّام التّحقيق إلى مرحلة ضعف أفعل في نفسي أيّ شيء لأفرّ من جحيم التّعذيب الّذي لا يعلم مداه إلاّ الله تعالى ، ولأنقذ الحركة من مؤامرة حيكت ضدّها وضدّي  . فلقد إختطفت في 22 / 12/ 1990 من بيتي وأمام أعين أولادي الصّغار الثّلاثة وأمّهم ، ليحيكوا لي مقلبا ما رأيته في منام ، فوضعوا لي مسرحيّة خلاصتها أنّني أنسّق مع عقيد لإعداد عمليّة انقلاب على السّلطة ،  فرفضت أن أستجيب فعذّبوني عذابا شديدا حتّى أشرفت على الهلاك ، وأمضوني على وثيقة وأنا في حالة غيبوبة ولا أدري ما فيها ،  ثمّ نزعت هذه المسرحيّة تحت إكراه عظيم وصوّروا إعترافاتي الباطلة المنتزعة تحت الموت  في شريط سمعيّ بصريّ . وفعلا جاؤوا بالسّيّد النّاصر الورتاني وهو شرطيّ برتبة عقيد يسكن في حيّنا بالورديّة . ووقعت المكافحة أمام محمّد علي القنزوعي المبعوث خصّيصا من القصر ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّ المؤامرة عطّبتها إخلالات كبيرة فأسقطوا هذه المؤامرة . ولقد وصلت في تلك المرحلة إلى إنهيار لا يعلمه إلاّ الله تعالى ، فأصبحت أعتقد أنّهم يقدرون ـ وأنا بين أيديهم ـ أن يفعلوا بي ما يشاؤون ، فبدأت أضرب رأسي على الحيطان خاصّة عندما وضعوني في غرفة نظيفة جدّا ، و أعدّوا سريرا جديدا ، فقلت في نفسي : هؤلاء يعدّون لي تهمة أخلاقيّة خبيثة ، وعندما تفطّنوا أنّني بلغت تلك المرحلة من الإنهيار خافوا خوفا شديدا فما تركوني لوحدي بل جعلوني مع ثلاثة من الحقّ العام في غرفة كبيرة يحرصونني بعدما كنت في زنزانة خبيثة المنظر نتنة الرّائحة . نعم والله هذا ما حصل لي . ويحصل لكلّ إنسان  بين ذبّاحين إلاّ أن يشاء الله .
 ولا تقل أخي الكريم إنّي وقعت في تناقض بين ما أدعو إليه من ثبات ، وبين هذه الواقعة الّتي عشتها ، لأنّه لا بدّ أن تفرّق أخي القارئ بين رجل يريد أن ينقذ حركة كاملة من ورطة عظيمة أوقعنا فيها الخصم  ، وبين عدم تحمّل مظلمة سجن قد طالت ، رغم إقرارنا بتعاسة السّجن التّونسيّ وشدّة رعبه .والفرق هائل كبير بين مرحلة التّحقيق ومرحلة السّجن !!!
فلماذا تذهبون تعظّمون الرّجال وتجعلون من مسألة السّجين ركازا أو محرقة من لامسها من قريب أو من بعيد ترجمونه بشهب الخيانة لهم والعمالة للطّاغية والطّعن فيّ بأنّي قلت إنّهم جبناء ؟ فهل وجدت صياغة لي أصف فيها إخواني الّذين أعرفهم أكثر منكما  يا هادي و يا ساكن لندن أنّي قلت فيهم أنّهم جبناء ! سبحانك هذا إفك عظيم !!!
 
منهج تمييع الحقّ :
 
 ليس هناك سلطة أعظم من الحقّ يا أخي الهادي ، وإذا تبيّن فيجب المصير إليه ، أمّا المداهنة فيه ، ووضع قواعد مسك العصا من الوسط لا يعرفه القرآن الحكيم ولا النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولا أصحابه الفضلاء رضي الله عنهم ، ولا من إتّبعهم إلى يوم الدّين . كيف يعاتب الصّحابة في أحد وعند إشفاقهم من التّحرّك إلى  تبوك  . وآنظر إلى القرآن كيف يعاتب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأعمى وفي سورة التّحريم ، وفي الأحزاب في شأن زيد  » وتخفي في نفسك ما الله مبديه  وتخشى النّاس واللّه أحقّ أن تخشاه  » وفي سورة هود الّتي شيّبته صلّى الله عليه وآله وسلّم ويعظم الإنكار في الإسراء و في أسرى بدر وغير هذا لا يحصى ولا يعدّ ، وقاعدتك الّتي وضعتها ويتواضع العلماء بعضهم لبعض مراعاة للخلاف وليس للحجة والدليل تخالف ذلك كلّه . وما هي إلاّ قاعدة حزبيّة لا تلتقي مع الحقّ والعدل أبدا …إنّ هذه القاعدة الّتي أسّستها قد تصلح مع الّذين نريد أن ندعوهم إلى الإسلام وهم في أوّل تعرّفهم عليه ، أو من تخاف شرّه أو فحشه كما فعل الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مع إبن العشيرة أو أخو العشيرة عندما ذكره بشرّ قائلا : إئذنوا له فبئس إبن العشيرة أو بئس أخو العشيرة ‘ فلمّا دخل ألان له الكلام . وأهل العلم فرّقوا بين المداراة وهي من أخلاق المؤمنين وبين المداهنة  المنكرة في كلّ الأحوال .
إنّك بقاعدتك هذه تريد أن تضيّع الحقّ  قال الإمام الشّاطبي – رحمه الله تعالى – إنّ الحقّ واحد لا يختلف إذ لو كان للحقّ فرق أيضا لم يقل إلاّ واحدة. الاعتصام 2 / 249
 
 منهج إحتقار المخالف : والطّعن في شهادته العلميّة ووصفه بالمتطفّل وغير ذلك من النّعوت الّتي لا يجوز إطلاقها بأيّ حال . وإتّهامي بأنّ منهجي الفكري لا يعترف بفقه المقاصد والحال أنّ أكثر النّاس فقها بالمقاصد هم أكثر النّاس مخالطة وعشرة للكتاب والسّنّة وعلم السّلف الفاضل ، فهم أكثر النّاس علما وفقها بشهادة الله لهم وبشهادة رسوله ، وهم أكثر النّاس إجتهادا وفقها في المصالح و أكثر النّاس إستصلاحا لأحوالهم، وليس هنا مجال ذكر ما أقرّوه من مصالح مرسلة فهم أفقه النّاس بمسائل جلب المنافع وفقه الضّرورة ورفع الحرج ودفع الضّرر .
وهذه سنّة كونيّة فكلّ من فرح بما عنده من الكلام عيّر من تمسّك بسنّة خير الأنام وقال إبن تيميّة في كتاب علم الحديث: بعض أئمة أهل الكلام تكلموا في أهل الحديث ، وذموهم بقلة الفهم ، وأنهم لا يفهمون معاني الحديث ، ولا يميزون بين صحيحه من ضعيفه ، ويفتخرون عليهم بحذقهم ودقة فهمهم ، ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم ، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الفروع والأصول ، وآثار مفتعلة ، وحكايات غير صحيحة ، ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه  .
 
منهج إستعداء المخالف :
 
 تقوّلون مخالفكم ما لم يقله ، وتحاكمونه ظلما وعدوانا ، وتفسّرون كلّ شيئ تفسيرا كيديّا  ، فمن ليس معكم خاصمتموه ، وجعلتموه يقف مع السّلطة  ، وهذا معروف عن محترفي السّياسة ، خاصّة إذا جاء من ينافسهم واقرأ إلى تصريحات الغنّوشي وغيره من مكتبه السّياسي ، كيف يستعدون ويظهرون العداوة والحرابة ضدّ إخوانهم الشّباب في تونس والرّاجع إلى ربّه ، كيف يتّهمونهم أنّهم صنيعة السّلطة في تونس وبأنّ  » التي ترتدي النّقاب مسموح لها بالدّخول والخروج  بدون مشاكل حتى تعطي الصورة الكريهة للإسلام وللإسلاميين بشكل عام « . فبالله هل يجوز أن يقول مسلم يخاف ربّه أنّ النّقاب الشّرعي يعطي الصورة الكريهة للإسلام وللإسلاميين ، فبالله هل يستقيم هذا من قيادة تزعم أنّها تعمل للإسلام حيث يذهب الخلاف بعيدا إلى الطّعن في حقّ المسلمة أن تختار أيّ قول من أقوال الفقه في مسألة السّتر ؟ وهل تصدّق يا قارئي الكريم أنّ السّلطة في تونس تشجّع على ارتداء النّساء للنّقاب لتضرب به أختها الّتي ترتدي الحجاب ؟ وهل تصدّق أنّ السّلطة تشجّع على النّقاب لتضرب به النّهضة ؟وكيف يتّهمون مخالفيهم  ولم يروهم بالتّشدّد الوافد من المشرق ، أمّا الأموال السّائبة من هناك فليست متشدّدة !!!نحمدك اللّهمّ على نعمة العقل !!!إنّ منهج العفس في الآخر وآتّهامه بتهم الإستئصاليّين منهج قذر لا يقرّه شرع حكيم ولا خلق كريم  .
فبأيّ حقّ يزرع هؤلاء البغضاء والحقد والإختلاف بمثل هذه التّصريحات الظّالمة ؟ ووالله لقد كان اليسار في السّبعينات يقولون إنّ الإسلاميّين هم صناعة بورقيبة ومحمّد الصّيّاح ؟ فلماذا يتّهمون الشّباب الفارّ إلى ربّه بمثل هذه الإتّهامات ؟ ووالله إنّي لحريص على أن توقفوا مثل هذه التّصريحات الّتي تزرع الكراهيّة والإختلاف ، والّتي قد يعتمدها شباب طريّ يحتاج إلى رحمة منكم ـ يا أهل السّبق والسّنّ ـ  قبل أن يردّوا عليكم  ردود فعل الشّباب المتحمّسة  . وهذا هو الّذي تريده السّلطة الحراب بين الإخوان ، وهذا هو الّذي تعدّه لنا جميعا . 
 
منهج التّلوّن في الخطاب :
ولا يختلف إثنان أنّ الأخ الهادي يليّن خطابه مع العلمانيّين أو كلّ طاعن في السّلطة مهما يكن ، ولو كان الشّيطان نفسه ، ويراعي حقّ الإختلاف مع الدّيمقراطيّين ، ولكنّه ـ مع الأسف ـ شدّد معي الخطاب وقضى عليّ بالخارجيّة والجهل والطّعن في إخواننا الرّهائن وغير ذلك ، فاللّهمّ إهدنا إلى طريق الحقّ والحبّ .
 إنّ من المعروف عن محترفي السّياسة بالضّرورة  أنّ لهم موازين متناقضة وماعون عمل مزدوج ، فمع العلمانيّين يتكلّمون بلغة ، ومع الإسلاميّين يتكلّمون بلغة ، ومع السّلفيّين  يتكلّمون بلغة ، قال الأخ علي بن عرفة  : …معرضين عن حفظ الدين، ولو توقف السلف عند فهم هؤلاء لما كان هناك جهاد أو استشهاد .وهذا يناقض التّصريحات الرّسميّة الخطيرة الّتي جاءت على ألسنة أعضاء المكتب السّياسي الّذين حاورتهم مجلّة كلمة في عددها 39 والّذي نشرته تونس نيوز الغرّاء في 22 ديسمبر 2005
 إنّ من المعلوم أنّ دين الله واحد والتّلوّن ضلال ، إذ كيف يتلوّن المسلم ودينه واحد تامّ كامل ، ولذلك أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على من أراد أن يتّخذ له منهج التّلوّن ومنها الإزدواجيّة في الخطاب فقال  رضي الله عنه «  اعلم أنّ الضّلالة حقّ الضّلالة أن تعرف ما كنت تنكر وان تنكر ما كنت تعرف ، وإيّاك والتّلوّن في دين الله ، فانّ دين الله واحد . «   الحجّة في بيان المحجّة 1 /303 .
لقد رأينا ـ مع الأسف ـ من ينظّر للاختلاف وزرع بذور الطّائفيّة بالهوى والتّلوّن والمصلحة الشّخصيّة خارج الوطن ويمنعها داخله . قال الغنّوشي لإذاعة بحرينيّة  ـ ويبدو أنّها شيعيّة ـ  طبيعة الأمور أن يكون هناك مالكي وجعفري…وعندما يخاطب التّونسيّين ينكر ذلك و ينتقد الشّيعة بكلّ شدّة. وأنا معه في ذلك ! ولكن لست معه في التّلوّن !!!يبيحه في البحرين ويمنعه في تونس ؟؟؟
ولتلوّنهم أسباب كثيرة أهمّها منه ما هو نفسي ومنه ما هو سياسي ومنه ما هو ضحالة تأصيل مواقفهم  بالعلم الشّرعي وخاصّة منه السّنّة والتّمسّك بها . قال شيخ الاسلام – رحمه الله –  :  » وبالجملة فالثّبات والاستقرار في أهل الحديث والسّنّة أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة  » .
منهج ردّ الدّليل ، لأنّ العقول لا تقبلها والسّياسة لا تهضمها :
 
ردّ  الأخ الهادي الأدلّة كلّها الّتي ذكرتها في بحثي وضربها كلّها بفتوى الإمام وكذلك فعل علي إبن عرفة  فقد قلت له : إنّ البخاري ينكر على الحكم بالشّهادة للأشخاص بأعيانهم ، ولم يعارضه عالم في الدّنيا ، ورغم ذلك لا يزال مصرّا على أنّ موتى الحركة شهداء فماذا تفعل مع مثل هذا التّعصّب ؟
هذا والأفضل له أن يقول وهو يتحدّث عن قتلانا ـ نحسبهم شهداء ـ … ووالله إنّي لأسأل الله لهم الشّهادة .
 
منهج التّخليط العشوائي :
 
 سلكت أخي الهادي في مقالتك منهج الخلط إمّا  لتشابك المسائل في ذهنك أو تريد أن تقنع القارئ الكريم عن طريق الدّمغجة وهذا منهج يخالف البحث العلميّ الجادّ والمسئول  ، ومن ذلك :
 ـ  مسائل المسيرات وفلسطين والعمليّات الإستشهاديّة في الموضوع المطروح .
ـ الخلاف بين الشّيخ القرضاوي والعبيكان ؟
ـ التّعمّق في أبحاث المقاصد .
ـ الحالات الّتي ينحاز فيها إبن تيمية لصالح مقصد يجتهد في تخريجه وتحقيقه يكون مخالفا للنص الشرعي الأصلي .
ـ المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث ؟
ـ قد تجد من يتعاطف معك مع مشكلتك التنظيمية داخل الحركة ولكن توظيف الإسلام للإجهاز على حركة بأسرها مشروعا فكريا تجديديا رائدا ورؤية إصلاحية زكاها... عمل تورط فيه قبلك حميده النيفر ..
ـ إن الانتصار بإبن تيمية لتضييق دائرة الفقه المقاصدي الاستصلاحي ؟
 ـ اليأس والإنتحار وقتل عمد للنفس فما تعد الاستشهاد في فلسطين ….
ـ  النظام الذي برأته من دم عشرات من شهداء شعبنا
 ـ  منهجك الفكري
 ـ ومدارس المقاصد ووو فلقد تكلّم في كلّ شيء مرّة واحدة …
 
 قلت في مقدّمتي : إنّ الحوار الجاد ّ يشترط له تحديد مناط الخلاف وضبطه وعدم التّقوّل على من خالفك أو عدم جرّه إلى مهاترات . ولقد تكلّم الأخ الهادي في كلّ شيء تقريبا وخلّط كذلك . ولقد شرّق وغرّب ، وهذا هو الّذي جعلني أخي القارئ أردّ عليه في حلقات خوف الإطالة عليك ،  ولو إلتزم الهادي بمنهجيّة ضبط مناط البحث ولم يخلّط الأمور،  ما أتعبتك أخي القارئ في هذه الإطالة ، فمعذرة ، فباللّه ما علاقة كلّ هذه الأمور بمسألة إضراب الجوع ؟
ومن الخلط الّذي وقعت فيه أخي الهادي قولك وأنت تؤسّس للحزبيّة والتّفرّق وتؤصّل بقول إبن خلدون رحمه الله : … لا بل قال إبن خلدون بأنّ العرب لا يقوم لهم أمر إلا بعصبية دينية .  قلت : فهل قال إبن خلدون بعصبيّة حزبيّة أم بعصبية دينية ؟ أم أنّك يا أخي هادي  لا تفرّق بينهما ؟ أم تجعل حزبك هو الدّين والدّين هو حزبك ؟ ما عدت أفهم !  فلقد قال أحد أعضاء مكتبك السّياسي نحن لسنا حزبا دينيّا !
و لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟  كلّ هذا يزعج القارئ ! ويشوّش عليه ! غفر اللّه لك ؟  فماذا يهمّني كلّ هذا  ؟ وما علاقته بالموضوع المطروح  ؟ أضعت علينا الأوقات سامحك اللّه!!!  وهذا  ـ في الحقيقة  ـ  يكشف عن خلل منهجي في تناولك للموضوع الواحد . مثلك كمثل أكثر أئمّة المساجد اليوم تذهب لتستفيد فترجع حزينا لأنّ الإمام خلّط وتكلّم في كلّ شيء ولم يستفد النّاس شيئا ! فالله المستعان !!!
 
منهج الخوارج في التّكفير :
 ما زلت مصرّا على إفك من سبقك  الّذي رماني ب :  » التّكفيري  » . يا أخي الهادي:   الخارجي هي أخت التّكفيري وهما وجهان لعملة واحدة . إنّ هذا  المنهج  ـ عادة  ـ ما يعتمده من تعوزه الحجّة والدّليل فيتجاوز كلّ الحدود الشّرعيّة والضّوابط الأخلاقيّة في التّعامل مع المخالف ،ونحن نتحاور في مسألة إضراب جوع ، فكيف لو تطارحنا مسائل العقيدة ؟ إنّ من يرفع سيف التّكفير والتّخوين أحد إثنين : إمّا وصيّ كنسيّ على المؤمنين ، أو رجل أمن معادي ، وكلاهما يريدان الإستئصال . وهذا منهج لا يقرّه شرعنا العادل في كلّ الأحوال . وأنا أنزّهك أن تكون إستئصاليّا  مع أخ لك لا يزال عضوا في حركة النّهضة ، إختار أن ينافح عن الشّريعة  ويترك الخيمة لمن ظلمه .
يا أخي الهادي:  أنا خارجي على من ؟ هل على الخلافة الرّاشدة  ؟  أم على الفرقة النّاجية ؟ أم على الطّائفة المنصورة ؟ أم نقضت البيعة للجماعة الشّرعيّة والوحيدة ؟ فهل الّذي ينصحكم علنا على أمور أعلنت ،  ويريد لكم الخير يصبح خارجيّا ؟ والّذي يضحك عليكم من اليسار يصير وليّا ؟ أليست هذه من أصول الخوارج ؟ يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان !!!
أدعوكم إلى التّأصيل فتقولون خارجيّة وما أصل فساد الخوارج إلاّ في تأويلهم الفاسد للنّصّ الّذي وقعتم فيه. أدعوكم إلى إيقاف الموت والضّرر فتقولون بإستحلال الدّماء واَلإضراب جهاد وإستشهاد ؟ أوليس الخوارج هم الّذين يستحلّون الدّماء ؟ أقول لكم ما قال الله ورسوله  ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وكلوا وآشربوا ولا ضرر ولا ضرار وغير ذلك فتقولون الإضراب جهاد والموت به شهادة . أدعوهم إلى مرجعيّة أهل العلم فتنطلقون تفهمون الشّريعة من رؤوسكم ،  وما هذا إلاّ منهج الخوارج الّذين زهدوا في الصّحابة وهم مرجعيّة ذلك الزّمان .
يا أخي الهادي هذه من أصول الخارجيّة . وقعت فيها . ولكن لا أحكم عليك أنّك منهم كما فعلت ذلك معي  ظلما وعدوانا ،  و دليلك على خارجيّتي أنّي أستند إلى شيخ الإسلام إبن تيميّة ـ رحمه الله ـ  ، وهذه كلّها أدلّة تدينك ولكن لا أحكم عليك لأنّ من أصول أهل السّنّة أنّنا لا نكفّر من كفّرنا ولا نفسّق من فسّقنا ولا نبدّع من بدّعنا وإلاّ وقعنا في الظّلم المحرّم .  » إنّ العدل واجب لكلّ أحد على كلّ أحد في كلّ حال ، والظّلم محرّم مطلقا لا يباح بحال  » منهاج السّنّة 5 / 12 . إبن تيميّة .
إنّ هذا المنهج خطير جدّا على أصحابه حيث يريدون أن يقدّموا رؤوس مخالفيهم في أطباق أعداء الجميع . ومع الأسف الشّديد ينزل الهادي في مسألة فرعيّة في الحوار  الفكري والسّياسي إلى مستوى السّبّ في
 
ذات المخالف ،بل الحكم على عقيدته ، فعوض أن تناقش الفكر بالفكر والدّليل بالدّليل رحت تتهجّم عليّ فتتخبّطّ في أوحال  الخارجيّة و العمالة، فالله المستعان  !!! إنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم  ينهاك عن هذا نهيا شديدا فقال لك  » سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. »  وقال لك :  » خمس ليس لهنّ كفّارة  وذكر منها  وبهت مؤمن »  صحيح التّرغيب والتّرهيب للألباني  رقم 2847
لقد أصررت يا هادي  على طعني في عقيدتي بأنني أحمل منهج الخوارج بالظّنّ والتّأويل  الفاسد لرجل لا تعرفه ، وما يزال عضوا في الحركة ،   وأنت الدّيمقراطيّ المسلم  . و أهل السّنّة والإعتدال الحقّ  لا يقبلون ذلك أبدا لأنّهم لا يقبلون من  » ظانّ  متوهّم  » هذه المسائل ، كما لا يؤسّسون هذه الأحكام ممّن ظهر منه تشويشات وطعون ظالمة في مخالفه حيث قرّر أهل العلم أنّه لا تجوز شهادة من كان له حقد على أخيه لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم  » لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه  » رواه ابن ماجة 2366 وهو حديث حسن .
وإذا كان  الكلام المذموم عند السّلف أعظم من شهادة الزّور ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنّقل 3 / 384 ، فكيف بآدّعائك أنّني من خوارج العصر .
يا هادي العجلة مذمومة ولذلك وقعت ومن معك في إضطراب كبير.
يا هادي إيّاك أن تفتح باب الحكم عل النّاس ، فإنّه من أعظم الأمور ومن أخطر الأشياء لأنّه يترتّب عليه أحكام شرعيّة عظيمة في الدّنيا والآخرة .وإنّ أكثر النّاس فتحا له هم الخوارج أنفسهم ، فآحذر فإنّ القضاة ثلاثة إثنان في النّار وواحد في الجنّة . وقد يدخل القاضي النّار في ربع دينار لا يعطيه لأهله ، فكيف في مسائل الدّماء والأسماء والأديان !!!
ثمّ إعلم ياهادي أنّ هذه الأمور لها  » رجالها  » ، لأنّ الأسماء والأحكام بني عليها الدّين ، وقد أمرنا أن نسأل أهل العلم في اقلّ من ذلك فكيف بآستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم .ولو شئت لأخرجت لك نصوصا من أرشيفي ، واضحة الدّلالة تبيّن لك  من هو التّكفيري ومن هو الخارجي . ولكن لا أريد أن أخلّط الأمور .فهذه فتنة عظيمة ، أسأل الله أن لا تكوى بها الصّحوة في بلدنا .
إنّ الأصل فيمن يكون مسلما يا هادي ، أن تبقي عليه دينه ، حتّى يتحقّق زوال ذلك بيقين بمقتضى الدّليل الشّرعيّ من طرف عدول ، وإلاّ تقع في محذورين شرعيّين وكارثتين عظيمتين وهما :  افتراء الكذب على اللّه تعالى في الحكم حيث حكمت على مخالفك بما لم يحكم به اللّه تعالى ، وأمّا الثّاني فانّك وصفت المسلم بوصف مضادّ قد يرجع عليك إن كان مخالفك بريئا ،  ودليلي  قول الرّسول  صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذا كفّر الرّجل أخاه فقد باء بها أحدهما  رواه مسلم  وفي رواية إن كان كما قال و الآّ رجعت عليه  رواه مسلم …وهذا ينطبق على كلّ من أراد أن يشين أخاه بما يماثله من ملصقات الإقصاء والاستئصال كالخيانة والعمالة وما شابههما لأنّ ذلك يعدّ من قبيل التّكفير السّياسيّ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم  ومن دعا رجلا بالكفر ، أو قال عدوّ اللّه وليس كذلك إلاّ حار عليه  رواه مسلم أي رجع عليه . وصدق الحافظ الذّهبي رحمه الله تعالى القائل  : وإنّما يرى السّيف على من أخطأ في إجتهاده الحروريّة ـ أي الخوارج ـ .سير أعلام النّبلاء 7 / 142
 
منهج الحكم على أقوالي قٌبل أن تسمعها منّي :
 
  رغم أنّك  دعوت في مطلع مقالك أنّه لابدّ من الإستماع إلى المتنازعين من أجل الحقّ والعدل  فقلت لم يعاتب سيدنا داوود عليه السلام من ربه سبحانه سوى أنه إستمع إلى خصم فحكم له دون الاستماع إلى الاخر.
 فلماذا يا هادي  تتصوّر المسائل وتضع لها الإجابة دون أن أدلو بحرف  ؟ أليس هذا إمعان في الظّلم والتّعدّي  ؟
فبأيّ حقّ تسال و تجيب بالنّيابة عنّي  ؟ المسيرات والعمليّات الإستشهاديّة ….. هكذا تظلمون المسلمين وتدافعون عن أعداء الأمّة !!!    
 
منهج الجهل  بالشّيء  تجعله  حجّة عليّ :
 
لقد قلت : لم يقض المرحوم بوصاع بسبب إضراب الجوع ولنتحاكم إلى الوثائق الطبية.. وقلت : ولم نسمع بأحد المساجين مات مضربا عن الطعام فلله الحمد والمنة . وهذا ليس منهجا علميّا يقوّي حجّتك بل هو عل العكس من ذلك . فها هو عدم علمك  بموت الأخ أوقعك في حرج ، فهل يمكن أن تجعل عدم علمك بالشّيء حجّة عليّ فتقيم الدّنيا ولا تقعدها عليّ لأنّك لم تعلم بوفاة الأخ عبد الوهّاب بوصاع رحمه الله تعالى  ..
 
منهج الرّأي في الدّين :
 
وجدتك جريئا جدّا ، تقول كلّ شيء من رأسك و ما وجدت في رسالتك تأصيلا لكلامك لا من كتاب ولا من سنّة ولا من قول عالم من علماء العتيق لا من مالك ولا من أحمد ولا من الشّافعي ولا من أبي حنيفة ولا من خليفة راشد ولا من فقيه رائد ولا من الشّاطبي ولا من إبن عاشور ولا من الغزالي ولا من القرافي ولا ولا ولا …
فمن أين لك هذا القول  :  من قال حقا بأن إثنين ظلما في تراثنا ظلما شنيعا بينا وهما الامام علي كرم الله وجهه غبنته الشيعة إلا قليلا وإبن تيمية شغبت على فقهه خوارج العصر  فمن قال هذا ؟ وهل كلّ قول يقال صحيح ؟ ألا يمكن أن يقول هذا القول حزبيّ طاعن في حزب آخر ؟ ألا يمكن أن يكون طعنا في عليّ رضي اللّه عنه وفي أبن تيميّة رحمه الله ؟ العلم بالإسناد يا هادي ! وإلاّ حصلت الفوضى ! أهكذا تسلّك الأمور وأنت رجل   » قياديّ  » في حزب إسلاميّ : أكتب وإرم في البحر.  إنّ هذا العلم دين فليتّق الله من يقول أو يفعل وينسب ذلك للدّين دون دليل !!!فلماذا وضع علم الرّواية والإسناد إلاّ لإيقاف هذه الفوضى غفر الله لك !
 
 ومن أين لك هذا : ويتواضع العلماء بعضهم لبعض مراعاة للخلاف وليس للحجة والدليل فمن قال بهذا أأنت أم سمعتها ؟ أتريد أن يميّع الدّين ؟ أليس السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس والمتكلّم بالباطل شيطان ناطق ؟؟؟ يا أخي هذه قاعدة مجاملات حزبيّة يبغضها الشّرع .
ومن اين لك أنّ إضراب الجوع جهاد ؟؟؟
وغير ذلك كثير …
 
منهج إقحام القرّاء و ترقيق عواطفهم في حملتك:
 
وذلك عبر تحريش القارئ الكريم ب »نجوميّة » الشّيخ القرضاوي و بمثل هذه العبارات  : وأود حثيثا من كل قارئ لهذه الكلمات المسارعة إلى قراءة ما كتبه السيد الماجري ليقف بنفسه  حكما ميزانا…. صبرا علينا أيها المساجين والمنفيون…….. عيب عليك والله عظيم عيب عليك والله عظيم أن تشغب عليهم في حين كان يمكن لك أن تكون لهم نصيرا
 
وهذا أسلوب يفهمه قرّاء تونس نيوز لأنّه يعدّ أسلوب تحريش وإثارة وإستعطاف القارئ لزرع الكراهيّة والبغضاء ضدّي . فهل من أعطى رأيه في مسألة جعلتموها من المحرّمات يصبح مشاغبا على إخوانه أو خائنا لهم ؟
 
منهج تنقّص القارئ الكريم  :
 
 وبعد أن تستعطف القارئ وتتحرّش به عليّ تنتقصه فتقول : قد لا يميز كل قارئ كريم بين كلمات من مثل دين وتدين وتوقيف وتوفيق وعادة وعبادة ….
 
منهج الظّنّ وتقطيع الكلام :
 
قلت غفر الله لك :  يوحي كلامك حين تشيد بمزاولة الأخ الوسلاتي للرياضة في السجن بأن المساجين الآخرين الحريصين على الانتحار وقتل العمد لأنفسهم يفرطون في كل فرصة لمزاولة الرياضة البدنية وفي المقابل يقبلون بشره كبير على إضراب الجوع إنتقاما من أنفسهم .
في حين أنّي  قلت قبلها : فالحاصل لا يجوز الإقدام على مثل هذا الإجراء  من أجل التّخلّص من مظالم السّجن مهما كانت. بل إنّ المتعيّن الأوجب هو المحافظة على النّفس . وكم كان يعجبني الأخ عبد اللّطيف الوسلاتي حفظه الله تعالى وقد كان يفاجئنا أحيانا  بقيامه  بتمارين رياضيّة في ساحة السّجن عند أوقات المشي !   .
وقلت  بعدها: إنّ الواجب هو الدفاع عن النفس والمحافظة عليها إلاّ في حالة واحدة وهي على من يُراد أن يُنتهك عرضه فهنا عليه أن يدفع ذلك العدوان  بما يندفع به ولو أدّى الأمر إلى قتله إن لم يندفع بغير ذلك، وإن قتل في هذه الحال فهو شهيد إن شاء الله تعالى .
 
منهج إلزام الدّين بالتعصّب الحزبي والولاء الحركي :
 
 فكيف يفسّر إجتماع أربعة عليّ أجمعوا على أنّ إضراب الجوع جهاد ؟ وهكذا تجعل الحزبيّة الدّين تحت إمتحان مبادئها وأصولها فعلى ضوء  قرارات الحزب ، يفهم الإسلام وعلى  مسلكه السّياسي يقرأ الإسلام  لأنّ الإسلام على قول الأستاذ منظّر النّهضة :  إنّنا نحمل وجهة نظر في الإسلام . من تجربة ص 269 . وهو عينه الّذي قصده إبن أبي العزّ ـ رحمه الله تعالى ـ « كلّ فريق من أرباب البدع يعرض النّصوص على بدعته وما ظنّه معقولاً، فما وافقه قال: إنّه محكم، وقبله واحتجّ به، وما خالفه قال: إنّه متشابه ثم ردّه وسمّى ردّه تفويضاً، أو حرّفه، وسمّى تحريفه تأويلاً، فلذلك اشتدّ إنكار أهل السنّة عليهم« . [شرح الطحاوية: ص: 399].إنّ جميع الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام ليس لهم وجهة نظر وما هم إلاّ مبلّغين ، فكيف يكون لمن دونهم وجهة نظر ؟؟؟
 
منهج رمتني بدائها وآنسلّت :
 
 فعندما تضعني مع الدّكتور حميدة النّيفر وأنا لم أتلوّن وأنت ترفع منهجه وتنتهج سبيله في الدّندنة حول فقه المقاصد عبر تعطيل النّصوص وغير ذلك كثير ، ويكفي هذا ،  ولا أريد أن أثقل عليك …
 
منهج تعقيد الشّريعة بتعقيد اللّغة :
 
وددت يا أخي الهادي وهذه نصائح السّلف الفاضل وأنت تدندن حول الخلافة الرّاشدة أن تبسّط أسلوبك وان تدقّق المعاني فهو أقبل للنّاس وأبعد عن إحداث التّشويش والاشتباه . فلقد جعل أهل الفقه اللّغة العربيّة آلة العلم فانظر في اللغة العربية واعمل على ما هو موافق لها مطابق لما كان عليه أهلها . واجتنب ما خالفها .
  قال ابن القيم :  » ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه ، فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فهو حكم مضمون له الصواب ، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان ، وقول الفقيه المعين ليس كذلك ، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين سلكوا على مناهجهم يتحرون ذلك غاية التحري حتى خلفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص واشتقوا لهم ألفاظاً غير ألفاظ النصوص ، فأوجب ذلك هجر النصوص ، ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان ، فتولد من هجران ألفاظ النصوص والإقبال على الألفاظ الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد ما لا يعلمه إلا الله ، فألفاظ النصوص عصمة وحجة ، بريئة من الخطأ والتناقض ، والتعقيد والاضطراب ، ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون كانت علومهم أصح من علوم من بعدهم وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كـذلك وهَلـُمَّ  جرَّا .. ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئلوا عن مسألة يقولون قال الله كذا ، قال رسول الله كذا ، ولا يعدلون عن ذلك و ما وجدوا إليه سبيلاً قط فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور . « . إعلام الموقعين ( 4/148 )
 
وقال شيخ الإسلام : » فطريقة السّلف والأئمّة أنّهم يراعون المعاني الصّحيحة المعلومة بالشّرع والعقل ، ويراعون أيضا الألفاظ الشّرعيّة ، فيعبّرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا .ومن تكلّم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسّنّة ردّوا عليه  » درء تعارض العقل والنّقل 1 / 254 
وقال الإمام الشّافعي :  » ما جهل النّاس ، ولا إختلفوا إلاّ لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطوطاليس  » …..

 
فقه المقاصد :
إنّ المقاصد تستنبط من أدلّة الشّرع ولا تؤخذ من غيرها وعليه فإنّ
الملاحظ أنّ أنصار الإضراب الإستشهادي لم يناقش أحد منهم أدلّتي من القرآن والسّنّة وأقوال المدارس الفقهيّة  الأربعة ، ولكنّهم توقّفوا عند فقه المقاصد ، كأنّهم وجدوا ضالّتهم فتنادوا أن آغدوا على مخالفكم إنّ هذا يوم الحصاد  !!ومعلوم عند كلّ مبتدئ في طلب أيّ فنّ من فنون الشّريعة أن ينطلق من القرآن أوّلا ثمّ من السّنّة ثمّ من أقوال أهل العلم السّابقين وأعلاهم الأئمّة الأربعة . وهذا لم يفعله الهادي ولا غيره …
نعم للمقاصد ، ولقد جعلتها الأصل الثّالث الّذي بنيت عليه وجهة نظري في مسالة إضراب الجوع ، ولكنّها المقاصد الشّرعيّة المنضبطة الماحقة للأهواء تمشّيا مع علم من أعلام المقاصد  وهو الإمام الشّاطبي رحمه الله تعالى الّذي قال:  » المقدّمة الثّامنة : العلم الّذي هو العلم المعتبر شرعا ـ أعني الّذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق ـ هو العلم الباعث على العمل ، الّذي لا يخلّي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان ، بل هو المقيّد لصاحبه بمقتضاه ، الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها  » الموافقات 1 / 89  .
ولست مع من يؤسّس  منهجه على شعارات مقاصد الشّريعة وفقه المآلات وفقه الواقع وفقه الضّرورة وفقه الإستضعاف وتحقيق المصالح وفيها قولان والأصل في الأشياء الإباحة .وقابليّة الإسلام للتّطوّر ، قابليّة الإسلام للعصرنة … وليس للإسلام كنيسة … ومرجعيّة الجماهير ……لتمرير الأهواء على النّصّ أو التّعسّف في تأويله فضلا عن إبعاده وتخطّيه والزّيادة فيه كما يفعل  » المتحرّرون من النّصّ   » عادة !!!. ذلك ليعلم القارئ الكريم ، وهو على علم ،  أنّ من القواعد المعتمدة عند  » المتحرّرين من النّصّ  » المتحلّلين منه أنّ كلّ شيء  عندهم جائز  ، وأنّ الأصل في كلّ شيء عندهم  الإباحة حتّى لقد حكى الخطّابي عن بعضهم أنّه يقول كلّ مسألة ثبت لأحد من العلماء فيها القول بالجواز  – شذّ عن الجماعة أو لا – فالمسألة جائزة .  الإعتصام 2 / 510 ووالله لقد سمعنا هذا الكلام نفسه من التّرابي .
 
نعم للمقاصد ولكن بشروطها المستنبطة من الأدلة والقواعد الشرعية، لا من مجرد التجارب الشخصية والنزعات العقلية .ومن شروطها :
 ـ أن لا تخالف نصّا شرعيّا من كتاب أو سنّة صحيحة ثبتت عنه صلّى الله عليه وأله وسلّم .
 ـ أن لا تعارض قاعدة كلّيّة من قواعد الشّريعة .
  ـ أن لا يترتّب عليها مفسدة تربو على المصلحة المتحصّلة منها .
 
وقبل الدّخول في هذه المسائل ـ إسمح لي أخي القارئ أن أذكّرك ونفسي ببعض الأصول والثّوابت الّتي أراها مفاتيح أساسيّة لكلّ من يريد أن يخوض في باب من أبواب علوم الشّريعة  حتّى لا تضيع الأمور و تتفلّت المعاني . ومن هذه الأصول :
 
1   ضبط المرجعيّة الموحّدة للأمّة : وهي الكتاب والسّنّة وإجماع الصّحابة :
 
 إذ لا تثبت عقيدة ولا يصحّ إيمان إلاّ بالتحكيم والانقياد والتسليم والإذعان للشريعة، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء:65]، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا[الأحزاب:36]
 ((فعليكم بسنَّتِي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ)).
ولا بدّ من الإحتكام إلى الله ورسوله في حال النّزاع كبر أم صغر ، دقّ أم جلّ : قال الامام الشّاطبي – رحمه الله تعالى – في قوله تعالى : «  فان تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرّسول 59″النّساء . …فلو كانت الشّريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرّدّ إليها فائدة ، وقوله في « شيء »  نكرة في سياق الشّرط . فهي صيغة من صيغ العموم فتنتظم كلّ تنازع على العموم . »
 
وقال ابن القيّم رحمه الله : ومن فوائد قوله تعالى { فردّوه إلى الله والرّسول }: أنّه جعل هذا الرّدّ من موجبات الإيمان ولوازمه , فإذا انتفى هذا الرّدّ انتفى الإيمان ،  ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه , ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين , وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر , ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم , وأن عاقبته أحسن عاقبة … ثمّ قال رحمه الله تعالى :
 والإيمان إنما يقتضي إلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول ، وبين كل ما خالفه من طريقة وحقيقة وعقيدة وسياسة ورأي ، فمحض الإيمان في هذا الحرب لا في التوفيق , وبالله التوفيق  .
 وعليه ، فإذا تقرّر ضبط المرجعيّة المعتدلة الكفيلة بتوحيد الأمّة الوسط ، يجب طرح كلّ المناهج ذات المرجعّات المركّبة والمتناقضة  وإلاّ وقعنا في التّناقض ، ولقد رأيناهم في اليوم الواحد يتكلّمون أكثر من لغة ، وينتهجون مناهج متعدّدة و مختلفة ومتضادّة وهذا إمام المقاصد  ، الشّاطبي – رحمه الله  – يسخر ممّن ليست لهم مرجعيّة واحدة ، مرجعيّة أهل السّنّة ،أهل الدّين الواحد  فقال – رحمه اللّه – فتراهم يرتضون اليوم مذهبا ويرجعون عنه غدا ، ثمّ يصيرون بعد غد إلى رأي ثالث . الإعتصام 1/144
 
2   ضبط جهة الفهم :
لا يختلف في أنّ  » الجيل الفريد »  لهذه الأمّة في كلّ شيء ،علما وفهما وفقها وعملا هم الصّحابة الكرام رضي اله عنهم ،ونحن ملزمون بآتّخاذ منهجهم سبيلا لنا للأدلة التّالية :
قال تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[ التوبة : 100].
قال الله تعالى:  { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115].
 
قال تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [ سورة يوسف : 108 ] .
قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران: 110].
وقال قال صلى الله عليه وآله وسلم:  » خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم « .وغيرها كثير جدّا ….
قال ابن قيم الجوزية: « فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن خير القرون قرنه مطلقاً، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير، وإلا لو كانوا خيراً من بعض الوجوه فلا يكونوا خير القرون مطلقاً. »
قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: « إن الله نظر إلى قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد؛ فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه… « .
وقال :  » عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة، وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ».
‌وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  » لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك « .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الافتراق:  » وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا ملة واحدة: ما أنا عليه وأصحابي « .
وبالجملة؛ فوجوب فهم الإسلام بفهم الصحابة ومن تبعهم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
قال ابن أبي زيد القيرواني في الجامع ( 117 ) : التسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدفع بقياس ، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه ، وما عملوا به عملناه ، وما تركوه تركناه ، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا ، ونتبعهم فيما بينوا ، ونقتدي بهم فيما استنبطوا ورأوه من الحديث ، ولا نخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه أو تأويله ، وكل ما قدمنا ذكره فهو قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث .
 
قال ابن قيم الجوزية: « إنه لم يزل أهل العلم في كل عصر مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله من فتاوى الصحابة وأقوالهم، ولا ينكره منكر منهم، وتصانيف العلماء شاهدة بذلك، ومناظراتهم ناطقة بهم « . ومن من المسلمين لا يوافق إلهام الإمام مالك بن أنس رحمه الله في قوله : » لا يصلح آخر هذه امّة إلاّ بما صلح به أوّلها  » .
 لقد طاف الإمام الغزالي رحمه الله بمناهج مختلفة في التّعامل مع الوحي تعامل معها بالذّوق وبالعقل وبالكلام فلم يجد راحته وسلامته إلاّ في إتّباع الصّحابة رضي الله عنهم . فقال في آخر كتاب له « إلجام العوام عن علم الكلام » المسمى بـ « رسالة في مذهب أهل السلف » وهو آخر ما كتب الإمام الغزالي، كتبه في أوائل جمادي الآخرة سنة 505 للهجرة أي قبيل وفاته بزمن قصير جدا، أقلّ من أسبوعين، حيث توفي رحمه الله يوم الاثنين14 جمادي الآخرة عام 505 للهجرة  » اعلم: أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه. فأقول: حقيقة مذهب السلف ، وهو الحق عندنا ، أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس، ثم التصديق، ثم الاعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة. » 
وفي هذا بيان واضح عن رجوعه إلى مذهب الصّحابة ومن تبعهم دون الإعتراض على شيء من الشّريعة .
3الاعتقاد في تمام الشّرعة وكمالها وإحاطتها بالسّعادتين :
 قال الإمام إبن القيّم رحمه الله تعالى في كمال الشّريعة : وهذا الأصل من أهمّ الأصول وأنفعها ، وهو مبنيّ على حرف واحد ، وهو عموم رسالته صلّى الله عليه وآله وسلّم بالنّسبة إلى كلّ ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم ، وأنّه لم يحوج أمّته إلى أحد بعده ، وإنّما حاجتهم إلى من يبلّغهم عنه ما جاء به ، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرّق إليهما تخصيص ، عموم بالنّسبة إلى المرسل إليهم ، وعموم بالنّسبة إلى كلّ ما يحتاج إليه من بعث إليه في أصول الدّين وفروعه ، فرسالته كافية شافية عامّة ، لا تحوج إلى سواها ، ولا يتمّ الإيمان به إلاّ بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا ، فلا يخرج أحد من المكلّفين عن رسالته ، ولا يخرج نوع من أنواع الحقّ الّذي تحتاج إليه الأمّة في علومها وأعمالها عمّا جاء به ، … وكذلك عرّفهم صلّى الله عليه وآله وسلّم من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه لآستقامت لهم دنياهم أعظم آستقامة . وبالجملة فجاءهم بخير الدّنيا والآخرة برمّته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظنّ أنّ شريعته الكاملة الّتي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة ، تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكمّلها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ، ومن ظنّ ذلك فهو كمن ظنّ أنّ بالنّاس حاجة على رسول آخر بعده ، وسبب هذا كلّه خفاء ما جاء به على من ظنّ ذلك ، وقلّة نصيبه من الفهم الّذي وفّق الله له أصحاب نبيّه الّّذين آكتفوا بما جاء به ، وآستغنوا به عمّا سواه ،وفتحوا به القلوب والبلاد ، وقالوا : هذا عهد نبيّنا إلينا ، وهو عهدنا إليكم .  إعلام الوقّعين 4 / 375  ـ 376 .
وقال شيخ الإسلام : » إنّ الرّسول بيّن جميع الدّين ،  أصوله وفروعه ، باطنه وظاهره ، علمه وعمله ، فإنّ هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان ، وكلّ من كان أعظم إعتصاما بهذا الأصل ، كان أولى بالحقّ علما وعملا .  » مجموع الفتاوى 19 / 155
وإذا تقرّر ذلك فلا يمكن لمسلم ورع أن يغيّر الشّريعة مهما كانت الأحوال ومهما كانت الظّروف . قال الإمام الشّاطبي :  » فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخا ، ولا تخصيصا لعمومها ، ولا تقييدا لإطلاقها ، ولا رفعا لحكم من أحكامها ، لا بحسب عموم المكلّفين ، ولا بحسب خصوص بعضهم ، ولا بحسب زمان دون زمان ولا حال دون حال ، ، بل ما أثبت سببا فهو سبب أبدا لا يرتفع ، وما كان شرطا فهو أبدا شرط ، وما كان واجبا فهو واجب أبدا أو مندوبا فمندوب ، وهكذا جميع الأحكام ، فلا زوال لها ولا تبدّل ، ولو فرض بقاء التّكليف إلى غير نهاية لكانت أحكامها كذلك « …الموافقات 1 / 78 ـ 79
فالواجبُ على كلِّ مسلم كمالُ التسليم لشريعةِ الله والانقياد لما فيها وتلقِّي ذلك بالقبولِ والتّصديق دونَ معارَضتها بخيالٍ باطلٍ ولو سمّاه النّاس معقولاً أو مصلحةً أو ضغطًا حضاريًّا. كما لا يجوز لأحدٍ أن يحمِّل الشريعةَ شبهةً أو شكًّا أو يقدِّم عليها آراءَ الرجال وزُبالةَ أذهانهم. ومن أراد أن يمارس السّياسة فلا يتعدّى على الدّين!!!
 
يقول سيّد قطب – رحمه الله تعالى – في الآية : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} :  … وهي آخر ما نزل من القرآن ليعلن كمال الرّسالة ، وتمام النّعمة … هذه الكلمات الهائلة ترد ضمن آية موضوعها التّحريم و التّحليل لبعض الذّبائح وفي سياق السّورة الّتي تضمّ تلك الأغراض الّتي أسلفنا بيانها ..ما دلالة هذا ؟ إنّ بعض دلالته أنّ شريعة الله كلّ لا يتجزّأ . كلّ متكامل .سواء في ما يخصّ بالتّصوّر والاعتقاد ، وما يختصّ بالشّعائر والعبادات وما يختصّ بالحلال والحرام وما يختصّ بالتّنظيمات الاجتماعيّة والدّوليّة ..وأنّ هذا في مجموعه هو الدّين الّذي يقول الله عنه  في هذه الآية انّه أكمله . وهو النّعمة الّتي يقول الله للّذين آمنوا انّه أتمّها عليهم .وأنّه لا فرق في هذا الدّين بين ما يختصّ بالشّعائر والعبادات وما يختصّ بالحلال والحرام وما يختصّ بالتّنظيمات الاجتماعيّة والدّوليّة ..فكلّها في مجموعها تكوّن المنهج الرّبّاني الّذي ارتضاه الله للّذين آمنوا ، والخروج عن هذا المنهج في جزئيّة منه كالخروج عليه كلّه ، خروج على هذا الدّين وخروج من هذا الدّين بالتّبعيّة …وهذا التّوجيه من الله للجماعة المسلمة في المدينة ، لا يقتصر على ذلك الجيل ، انّما هو خطاب عام للّذين آمنوا في كلّ زمان وفي كلّ مكان..نقول للّذين آمنوا الذين يرتضون ما رضيه الله لهم من هذا الدّين ، بمعناه الشّامل الكامل ، الّذين يتّخذون هذا الدّين كلّه منهجا للحياة كلّها ..وهؤلاء  – وحدهم – هم المؤمنون .. اليوم الّذي نزلت فيه هذه الآية في حجّة الوداع .. أكمل الله  هذا الدّين . فما عادت فيه زيادة لمستزيد . وأتمّ نعمته الكبرى على المؤمنين بهذا المنهج الكامل الشّامل . ورضي لهم الإسلام دينا ، فمن لا يرتضيه منهجا لحياته  – إذن – فإنما يرفض ما آرتضاه الله للمؤمنين …. فأعلن لهم إكمال العقيدة وإكمال الشّريعة معا فهذا هو الدّين . ولم يعد للمؤمن أن يتصوّر أنّ بهذا الدّين  – بمعناه هذا – نقصا يستدعي الكمال . ولا قصورا يستدعي الإضافة .ولا محلّية أو زمانيّة تستدعي التّطوير أو التّحوير..وإلا فما هو بمؤمن وما هو بمقرّ بصدق الله وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين !.. الأحكام التّفصيليّة جاءت لتبقى كما هي . والمبادئ الكلّيّة جاءت لتكون هي  الإطار الّذي تنمو في داخله الحياة البشريّة إلى آخر الزّمان دون أن تخرج عليه إلاّ أن تخرج من إطار الإيمان ….آنظر الى في ظلال القرآن في تفسيره للآية ففيه كلام نفيس نافع بإذن الله .
 
4 التّسليم لها كلّها :
 
 فلا يصحّ إيمان ولا تسلم عقيدة إلاّ بالتحكيم والانقياد والتسليم والإذعان للشريعة، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء:65]، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا[الأحزاب:36]
 فلا يحقّ له أن يتصرّف في دين الله كما يريد ويهوى ولا يحقّ له أن يفارق ما أجمع عليه كلّ الأنبياء . إنّها شريعة الله تعالى فما كان ينبغي له أن يتعرّض لها بأيّ شكل من الأشكال . وما كان الأنبياء عليهم السّلام إلاّ متبعون لما أوحي إليهم من ربّهم .قال تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ .18الجاثية  قال ابن كثير في تفسيره: أي اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين . قال تعالى أيضا: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِي أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به الله  21 الشّورى .
 قال ابن كثير في تفسيره :  أي أوصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن الافتراق والاختلاف . وقال تعالى قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ  203 الأعراف . قال الإمام إبن كثير  أي أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء وإنما أتبع ما أمرني به فأمتثل ما يوحيه إلي فإن بعث آية قبلتها وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها إلا أن يأذن لي في ذلك فإنه حكيم عليم ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبينات فقال  » هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون » . ولذا فلا يعترض مسلم على النّصوص الثّاّبتة . لأنّ هذا من التّعمّق والتّكلّف كما بيّن ذلك الإمام الشّاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات تحت مسألة :   » الإعتراض على ظواهر النّصوص غير مسموع  » .
 
   فالحاصل إنّ ّمن المسلّمات الشّرعيّة واليقينيّات العقائديّة عند كلّ مسلم كمال ديننا وتمام شريعتنا وأنّ من آبتغى العزّة في  غيره أذلّه الله عزّ وجلّ. وما أعظم عمر وما أعظم قولته لقد كنّا قولا ضلاّلا فهدانا الله ومن آبتغى العزّة في غير دينه فقد أذلّه الله  .
والّذين يعتمدون على حادثتين لعمر وجعلوهما منهجا لهم لتعطيب الشّريعة ، ما أبعدهم عن عمر ، وما أبعدهم عن عزّة عمر ، ووالله لو قابلهم عمر لضربهم بدرّته كما فعل مع عقلاني زمانه من مثل صبيغ والعبدي  !!!
 
  5  الحرص على تجميع الأمّة على الأصول والثّوابت :
الواجب على المسلمين جميعا أن يعملوا على تجميع الأمّة على الأصول والثّوابت ونبذ الخلاف والفرقة بينها ، وهذا هو الّذي يضمن سلامة المسلمين ومناعتهم وقوّتهم  ، وهذا هو منهج الخلافة الرّاشدة ..
قال عليّ رضي اللّه عنه آقضوا كما كنتم تقضون ، فانّي أكره الآختلاف ، حتّى يكون النّاس جماعة ، أو أموت كما مات أصحابي . البخاري في مناقب عليّ3707 وتابع المسألة في الإعتصام فانّه هام ومفيد  1/ 83-84.   إلاّ أنّه يجب أن أنبّه إلى أمر حتّى لا أفهم خطأ وهو أنّ هناك سعة شرعيّة يعذر فيها الخلاف وهو هنا يكون رحمة ، وأهله معذورون قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شرٍ عظيم من خفاء الحكم ولهذا صنف رجل كتاباً سماه :كتاب الإختلاف فقال أحمد : سَمّه كتاب السَّعَة ، وإن الحق في نفس الأمر واحد ، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه .، لما في ظهوره من الشدة عليه ) مجموع الفتاوى 14/159. وقد وقع الخلاف بين السابقين من أفضل قرون هذه الأمة من الصحابة والتابعين ولم يوجب افتراقاً ، ولذا لم يكن مذموماً ونقل الشاطبي جملة مما اختلف فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ممّا هو من محالّ الاجتهاد ثم قال : ( وغير ذلك مما اختلفوا فيه ، وكانوا مع ذلك أهل مودّة وتناصح وأخوّة الإسلام فيما بينهم قائمة فلمّا حدثت الأهواء المردية التي حذّر منها الرّسول صلّى الله عليه  وآله وسلّم ، وظهرت العداوات وتحزّب أهلها ، فصاروا شيعاً ، دلّ على أنّه إنمّا حدث ذلك من المسائل المحدثة الّتي ألقاها الشّيطان على أفواه أوليائه ) الاعتصام 2/231.
 
وعليه فإذا تقرّر ذلك ،،فإن للخلاف المشروع أسبابه التي لا يمكن دفعها ولا رفعها ،ولا يذم من كان خلافه مبنياً عليها ، لأنها مراعاة في الشرع العزيز ،غاية ما في الأمر، أن المشرّع الحكيم  جعل لها آداباً وشروطا وضوابط تضبط بها ،ويتأدب بها المختلفون ،وحينئذ فلا ضير من وجود تلك الخلافات.
وقد أشار لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن قوله تعالى : {وَدَاوُدَ وسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فيِ الحّرْثِ إذْ نَفَشَتْ فَيهِ غَنَمُ القَوْمِ وَكنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ 78 فَفَهَّمنَاهَا سُلَمَانَ وَكلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً 79   الأنبياء
فقال : ((  إنّ الخلاف وقع بين الأنبياء ،والعلماء وورثة الأنبياء ،ومن لوازم هذه الوراثة وقوع الخلاف بينهم ،بل وقوع الخلاف بين العلماء من باب أولى ))  الفتاوى: (33/29)
كما يجب أن يعلم التفريق بين مواضع الإجماع ومواضع الخلاف ، والتفريق من جانب آخر بين مواطن الخلاف السائغ والخلاف الذي لا يسوغ ولا يجوز :
فأما مواطن الإجماع فقد تجاوزت القيل والقال ،والبحث والسؤال ،وأصبح الالتزام بها معلوماً من الدين بالضرورة ،مثل قطعي الكتاب والسنة .ولذلك شدّد أهل السّنّة على كلّ من خرج على هذه القواعد وتوعّدوه . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( نعم ،من خالف الكتاب المستبين،أو السنة المستفيضة ،أو ما أجمع عليه سلف الأمة ،يعامل بما يعامل به أهل البدع الفتاوى (14/172).
 
6  لا نميّع الحقّ لأنّه واحد لا يتعدّد
 قال ابن القيّم : قال القاضي عبد الوهاب وقد نصّ مالك على منع القول بإصابة كلّ مجتهد فقال(  ليس في اختلاف أصحاب رسول الله صلّى الله عليه  وآله وسلّم ورضي عنهم سعة إنّما هو خطأ أو صواب . ) وسئل أيضا : ما تقول في قول من يقول إنّ كلّ واحد من المجتهدين مصيب لما كلف؟ فقال: ( ما هذا ! هكذا قولان مختلفان ! لا يكونان قط صوابا . )
وقال ابن القيّم   »  .. قال أبو عمر بن عبد البرّ ولا أعلم خلافا بين الحذاق من شيوخ المالكيين ثم عدهم ثم قال كل يحكي أن مذهب مالك في اجتهاد المجتهدين والقائسين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام أن الحق من ذلك عند الله واحد من أقوالهم واختلافهم إلا أن كل مجتهد إذا اجتهد كما أمر وبالغ ولم يأل وكان من أهل الصناعة ومعه آلة الاجتهاد فقد أدى ما عليه وليس عليه غير ذلك وهو مأجور على قصده الصواب وإن كان الحق من ذلك واحدا . قال وهذا القول هو الذي عليه أكثر أصحاب الشافعي . قال وهو المشهور من قول أبي حنيفة فيما حكاه محمد بن الحسن وأبو يوسف والحذاق من أصحابهم . قلت قال القاضي عبد الوهّاب وقد نص مالك على منع القول بإصابة كل مجتهد فقال ليس في اختلاف أصحاب رسول الله ورضي عنهم سعة إنما هو خطأ أو صواب . وسئل أيضا ما تقول في قول من يقول إن كل واحد من المجتهدين مصيب لما كلف؟ فقال ما هذا هكذا قولان مختلفان لا يكونان قط صوابا . وقد نص على ذلك الإمام أحمد فقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه إذا اختلفت الرواية عن النبي فأخذ رجل بأحد الحديثين وأخذ آخر بحديث آخر ضده فالحق عند الله في واحد وعلى الرجل أن يجتهد ولا يدري أصاب الحق أم أخطأ . وأصول الأئمة الأربعة وقواعدهم ونصوصهم على هذا وأن الصواب من الأقوال كجهة القبلة في الجهات وعلى هذا أكثر من أربعين دليلا قد ذكرناها في كتاب مفرد وبالله التوفيق . .   كتاب أحكام أهل الذمة 1/ 116 – 117 و 118.
وقال الامام الشّاطبي – رحمه الله تعالى – إنّ الحقّ واحد لا يختلف إذ لو كان للحقّ فرق أيضا لم يقل إلاّ واحدة ، ولأنّ الاختلاف منفي عن الشّريعة بإطلاق لأنّها الحاكمة بين المختلفين لقوله تعالى  فان تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرّسول 59 النّساء . إذ ردّ التّنازع إلى الشّريعة فلو كانت الشّريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرّدّ اليها فائدة ، وقوله في شيء نكرة في سياق الشّرط . فهي صيغة من صيغ العموم فتنتظم كلّ تنازع على العموم ، فالرّدّ فيها لا يكون إلاّ أمرا واحدا فلا يسع أن يكون أهل الحقّ فرقا ، وقال تعالى وانّ هذا صراطي مستقيما فآتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل 153 الأنعام ، وهو نصّ فيما نحن فيه فانّ السّبيل الواحد لا يقتضي الافتراق بخلاف السّبل المختلفة . الاعتصام 2 / 249
وعليه فإنّ من يريد أن يميّع الحقّ ويكثر من قوله فيه خلاف دون تحرّي الحقّ بين المختلفين خاصّة في مسائل الأصول فهو غير جادّ في إدراك الحقّ وبالتّالي لا يضمن فشله وخيبته !!!
                                                                                     
7 لا يقدّم العقل على الشّرع في كلّ حال :
 
 جاء في شرح العقيدة الطّحاويّة ص 196 : «   ومن تكلّم برأيه وما يظنّه دين الله ولم يتلقّ ذلك من الكتاب فهو مأثوم وإن أصاب ، ومن أخذ من الكتاب والسّنّة فهو مأجور وان أخطأ ، ولكن إن أصاب يضاعف أجره . « 
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى » إذا تعارض النّقل وهذه العقول  ـ يعني عقول أهل التّأويل والزّيغ ـ أخذ بالنّقل الصّحيح ورمي بهذه العقول تحت الأقدام ، وحطّت حيث حطّها الله  وأصحابها « . درء تعارض العقل والنّقل 1/ 147
لا بدّ من تقديم الشّرع على العقل في كلّ حال. قال الشّاطبي – رحمه اللّه تعالى –  إذا تعاضد العقل والنّقل على المسائل الشّرعيّة فعلى شرط أن يتقدّم النّقل فيكون متبوعا ، ويتأخّر العقل فيكون تابعا ، فلا يسرّح العقل في مجال النّظر إلاّ بقدر ما  يسرّحه النّقل …  الموافقات 1/87 ، إذ لا شكّ أنّ منهج تحكّم العقل في النّقل ولو في مسالة واحدة يبطل الشّرع كلّه قال الشّاطبي – رحمه اللّه تعالى – فان جاز للعقل تعدّي حدّ واحد ، جاز له تعدّي جميع الحدود ، لأنّ ما ثبت للشّيء ثبت لمثله ، وتعدّي حدّ واحد هو معنى إبطاله ، أي ليس هذا الحدّ بصحيح ، وان جاز إبطال واحد ، جاز إبطال السّائر ، وهذا لا يقول به احد لظهور محاله ..نفس المصدر ..
ولا يحسّن العقل ولا يقبّح إذ النّصّ الصّحيح لا يعارض العقل الصّريح قال الشّاطبي  فالعقل الصّحيح هو الّذي يستحسن ما يستحسنه الشّرع ، ويستقبح ما يستقبحه. الآعتصام 1/93.. وممّا أثر عن إبن تيميّة– رحمه اللّه تعالى – أنّ النّصّ الصّحيح لا يعارض العقل الصّريح ..
إنّ من قدّم عقله على النّصّ فقد شرّع ، ومن شرّع فقد أشرك . قال الشّاطبي : إنّ اللّه جعل للعقول في إدراكها حدّا تنتهي إليه لا تتعدّاه ، ولم يجعل لها سبيلا إلى الإدراك في كلّ مطلوب ، ولو كانت كذلك لآستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان ، وما يكون ، وما لا يكون ، فمعلومات اللّه لا تتناهى ، ومعلومات العبد متناهية ، والمتناهي لا يساوي ما لا يتناهى .الإعتصام 2/318  
إنّ العقلانيّين أو الأحرار في النّهاية يبطلون الشّريعة كلّها ، ولا يلتفت هنا إلى النّوايا . فهم يبطلون الدّين آبتداء بالجزئيّ للانتهاء بالكّلّي وبالفرعيّ للقضاء على الأصليّ وبالمتشابه للإطاحة بالمحكم . وهكذا فالتّعدّي الواحد على الشّريعة هو في الحقيقة وفي النّهاية تعدّ على الشّريعة كلّها .
 
إنّ الّذين يريدون أن يعطّلوا الشّرع هم الّذين يرفعون العقل إلى غير ما خلق له . إنّ الشّرع شرع صرف فلماذا يتكلّف العقل فيما ليس له قال الشّاطبي إنّنا لو حكّمنا العقل فيما الأصل في الحكم فيه للشّرع لبطلنا الشّرع بالعقل ، وهذا ما لا يقول به أحد . الموافقات 1 /88
إتّهموا الرّأي في الدّين شعار عظيم أعلنه الصّحابة  نادمين على ما حصل منهم يوم الحديبية وقد آعترضوا على رسول الله  صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عقد الصّلح مع قريش . قال  الإمام الغزالي :  » فقد علمتكم كيف يوزن المعقول بالإسناد الى المنقول ليكون القول منهما أسرع إلى القبول، واياكم أن تجعلوا المعقول أصلاً والمنقول تابعاً ورديفاً ، فإن ذلك شنيع منفر، وقد أمركم الله سبحانه بترك الشنيع والمجادلة بالإحسن، واياكم ان تخالفوا الأمر فتهلكوا وتهلكوا وتضلوا وتضلوا . » القسطاس المستقيم ، مجموعة الرسائل، ج3 ، ص 44
 إذا تعارض النّقل وهذه العقول  ـ يعني عقول أهل التّأويل والزّيغ ـ أخذ بالنّقل الصّحيح ورمي بهذه العقول تحت الأقدام ، وحطّت حيث حطّها الله  وأصحابها . درء تعارض العقل والنّقل 1/  147 إن الأستاذ بحكم الممارسة السّياسيّة دبّ إلى عقله شبهات ومكابرات، فقد فيها  نور الصراط، والخلاص من  التّيه ، بوقوعه في الازدواجية الممقوتة ، عبر وسائل التلقي المختلفة، والتي يتعارك فيها الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والعقل والشرع، والزين والشين، يبرز الحق فيها مرة، والباطل فيها مرات،…. فراح يخوض فيما يسمى: « تمجيد العقل وإكباره »،والتّلقّي عن غير المسلمين  وجعلهما  حَكمًا قهريًا على عدد ليس بالقليل من النصوص الشرعية الإسلامية، فعرض الحاكمية في الشريعة على العقل، وعرض الحدود والجنايات على العقل، وعرض الولاء والبراء في الإسلام على العقل، وعرض بعض المسلمات في قضايا المرأة المسلمة وشؤونها على العقل،وعرض مسائل المنهج على العقل … ومثل هذا ليس ببعيد على من أطلق العنان لعقله، يصول به ويجول في شرع الله بلا خطام ولا زمام، ولا غرو في ذلك فقد قال ابن القيم رحمه الله: « وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الراي على الوحي »ومن أعظم معصية العقل إعراضه عن كتاب الله وحيه الذي هُديَ به رسله، والمعارضة بينه وبين كلام غيره، فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل »    إعلام الموقعين (1/68). الصواعق المرسلة (3/865). من خطبة الشّخ الشّريم
إن سنن الله جل وعلا وشريعته لا تخاصَم، ولا ينبغي لها أن تُتْبع بالعقل، ولو فعل الناس ذلك لم يمض يوم واحد إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولعمرو الله إن بعض السنن لتأتي أحيانًا على خلاف الرأي ومجانبته خلافًا بعيدًا، فما يجد المسلمون بدًا من اتباعها والانقياد لها، ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، ولقد رأيت رسول الله يمسح على  ظاهر خفه) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة [162]، والبيهقي في الكبرى (1/292)، وحسنه الحافظ في الفتح (13/ 289)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود [147]: « صحيح ». إنّ المؤمن الحقّ هو الّذي يسلّم إلى من هو أعلم منه قطعا ورسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو أعلم النّاس في أمور الدّين بلا شكّ فمن وجد في عقله ما يتنازع أمرا واحدا من أمورالشّرع ولو كان في الفروع يجب أن يسلّم إلى من هو أعلم به منه . قال آبن القيّم رحمه الله تعالى … فإذا علم الإنسان بالعقل أنّ هذا رسول الله وعلم أنّه أخبر بشيء ، ووجد في عقله ما ينازعه في خبره ، كان عقله يوجب عليه أن يسلّم موارد النّزاع إلى من هو أعلم به منه ، وأن لا يقدّم رأيه على قوله ، ويعلم أنّ عقله قاصر بالنّسبة إليه ، وأنّه أعلم باللّه واسمائه وصفاته واليوم الآخر منه ... درء تعارض العقل والنّقل  1/ 141 .
وجماع ما مضى ذكره هو ما ذكره أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله بقوله: « العقل نوعان: عقل أعين بالتوفيق، وعقل كيد بالخذلان، فالذي أعين بالتوفيق يدعو صاحبه إلى موافقة الأمر المفترض بالطاعة، والانقياد لحكمه، والتسليم به، والعقل الذي كيد يطلب بتعمّقه الوصول إلى علم ما استأثر الله بعلمه وحجب أسرار الخلق عن فهمه، حكمةً منه بالغة« .
 
        8 إتّباع السّنّة كلّها :
يثير المقاصديّون الجدد مسائل لم يثرها السّلف ليؤسّسوا عليها مناهجهم منها لا يعمل بالحديث الآحاد في العقائد وأوّل  من لم يحتجّ بأحاديث الآحاد هم المعتزلة لردّ ما لا تستسيغه عقولهم والقدح فيها وعدم الإحتجاج بها و، ويسقطون بذلك أكثر الشّريعة بل عرّفوا حديث الآحاد بما لم يعرّف به أهل الحديث فقالوا فيه : هو  » الحديث الّذي لا يعلم كونه كذبا أو صدقا  » أمّا أهل الحديث فقالوا :  » هو ما رواه واحد او أكثر ولم يجمع شروط التّواتر  » . ومن أراد التّوسّع فلينظر إلى  » الفصل في الملل والنّحل والأهواء والبدع « 
وأوّل  من لم يحتجّ بأحاديث الآحاد هم المعتزلة لردّ ما لا تستسيغه عقولهم والقدح فيها وعدم الإحتجاج بها ، ويسقطون بذلك أكثر الشّريعة بل عرّفوا حديث الآحاد بما لم يعرّف به أهل الحديث فقالوا فيه : هو  » الحديث الّذي لا يعلم كونه كذبا أو صدقا  » أمّا أهل الحديث فقالوا :  » هو ما رواه واحد او أكثر ولم يجمع شروط التّواتر  » . ومن أراد التّوسّع فلينظر إلى  » الفصل في الملل والنّحل والأهواء والبدع « 
ولست هنا في باب إثبات حجّيّة السّنّة في كلّ مسائل الشّريعة عقيدة أم غيرها ولكن إسمح لي أخي القارئ بذكر هذه النّصوص القليلة :
فقد وضع أهل العلم في كتبهم أبوابا منها : النّهي عمّن إعتمد على القرآن دون الحديث ، آنظر مثلا الآجري في الشّريعة ص 56 . ورحم الله الإمام مالك الّذي  عدّ أهل الرّأي أعداء للأصل الثّاني للشّريعة حين قال إيّاكم وأصحاب الرّأي فإنّهم أعداء السّنّة .. مناقب مالك للزّواوي ص148 .
 
قال القرطبي -رحمه اللّه تعالى- : لا حجّة في قول أحد مع السّنّة .. تفسير القرطبي 10/ 131
قال الإمام الشّافعيّ – رحمه اللّه تعالى –  :أجمع المسلمون على أنّ من آستبانت له سنّة رسول اللّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد . إعلام الموقّعين 1/7 .
 قال إسحاق بن راهويه : » من بلغه عن رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ – خبر يقرّ بصحّته ثمّ ردّه بغير تقيّة فهو كافر . الإحكام في أصول الأحكام لآبن حزم  1 / 89 .
 وقال إبن الوزير :  » إنّ التّكذيب لحديث رسول الله مع العلم أنّ حديثه كفر صريح  » العواصم والقواصم في الذّبّ عن سنّة أبي القاسم لآبن الوزير 2 / 374 . ط 1 . س 1412 هجريّة . وقال إبن بطّة :  » لو أنّ رجلا آمن بجميع ما جاءت به الرّسل إلاّ شيئا واحدا كان بردّ ذلك الشّيء كافرا عند جميع العلماء  » الإبانة عن شريعة الفرقة النّاجية ومجانبة الفرق المذمومة .ص 211 إبن بطّة الحنبلي ط 1 س 1409 هجريّة . دار الرّاية .
 وقال البربهاري :  » ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتّى يردّ آية من كتاب الله عزّ وجلّ أو يردّ شيئا من آثار الرّسول – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ –  ، فإذا فعل شيئا من ذلك ، فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام .  » شرح السّنّة للبربهاري ص 31
قال الإمام الخطّابي رحمه الله ـ وهو يشرح حديث الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم  الّذي رواه الإمام مسلم  » لا يؤمن عبد ـ وفي رواية ـ الرّجل حتّى أكون أحبّ إليه من أهله وماله والنّاس أجمعين  » قال : فمعناه ، لا تصدق في حبّي حتّى تفني في طاعتي نفسك ، وتؤثر رضاي على هواك ، وإن كان فيه هلاكك .. شرح النّووي على صحيح مسلم 2 / 15
9   تخليص الشّريعة ممّا علق بها من مشوّشات وضغوطات :
 ورحم الله الحافظ ابن حجر حيث يقول شاكيًا ما يراه في زمانه من انتشار وصف الإمَّعَة حتى في صفوف المنتسبين للعلم، فيقول: « وقد توسّع من تأخّر عن القرون المفضّلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مَزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردّون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مُستكرَهًا، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتّبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأنّ من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامّي جاهل، فالسعيد من تمسّك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف » . فتح الباري (13/253).
وأهل المصالح بمن فيهم السّياسيّون يعرضون الشّريعة على خياراتهم وقراراتهم فمالا يعجبهم يخفونها أو يسقطونها أو يحرّفونها وهم في الهزيمة قد وقعوا ،  ويغطّون هزائمهم برداء فقه الواقع  وكساء المصالح وزينة المآلات .
 قال شيخ الإسلام وهو يتحدّث عن منهج المبتدعة في تعاملهم مع الشّرع … اعتقدوا معاني ثمّ أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها ..مقدّمة في أصول التّفسير ص 81 . وهو عين ماقاله ابن أبي العز: « كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته وما ظنه معقولاً، فما وافقه قال: إنه محكم، وقبله واحتج به، وما خالفه قال: إنه متشابه ثم ردّه وسمّى ردّه تفويضاً، أو حرّفه، وسمّى تحريفه تأويلاً، فلذلك اشتد إنكار أهل السنة عليهم ». شرح الطحاوية: ص: 399 . وقال الإمام الشّاطبي– رحمه اللّه تعالى -…فكلّ هذه الأمور مذمومة أشدّ الذّمّ لأنّ هذا من عمل الجاهليّة فقد كان النّاس في الجاهليّة يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطباعهم فجاء النّبيء صلّى اللّه عليه وآله وسلّم  فردّهم إلى الشّريعة . الإعتصام1 /93
 
المصلحة الحقيقيّة في الشّريعة :
 إنّ المصلحيّين يصطنعون حربا مع النّصوص حيث أنّهم بمخالفاتهم لها ينزعون منها مقاصدها وكأنّ النّصوص عندهم فضلة والمقاصد هي الأصل أو كأنّ النّصوص لا مقاصد لها  . ويحاكمون الكلّيّ بالجزئيّ بمعنى أنّهم يستعملون المقاصد لإبعاد النّصوص وخاصّة منها السّنّة . أمّا المقاصدي الشّرعيّ هو الّذي يفهم الجزئيّ في ضوء الكلّيّ .
لا يختلف عاقلان متديّنان  أن المصلحة الحقيقيّة هي في الالتزام بقول الله ورسوله  ، وأنه لا اجتهاد مع نصّ ولا تعطيل لنصّ ولا توقيف لنصّ ولا يردّ على نصّ ولو كان حديثا واحدا جاء عن طريق الآحاد ، هذا هو منهج أهل السّنّة وعلى رأسهم الأئمّة الأربعة الأعلام ، ولذلك أجمعوا على هذه الأقوال : «إذا صح الحديث فهو مذهبي» و«إذا خالف قولي الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط» و«كل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول ». «لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الثوري، ولا الأوزاعي، ولكن خذ من حيث أخذوا».
وكل حكم شرعيّ سنده  قرآن قطعيّ الدّلالة  أو سنة صحيحة صريحة فهو ثابت لا يتغير ولا يتبدل سواء كان في العبادات أو المعاملات أو الأمور المعايشة فلا فرق، ومن أخذ ببعضها وترك بعضها فقد فرّق الشّريعة الواحدة وفرّط فيها ولحق بسنن من قبلنا أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض   .
والمسائل الظّنّية الدّلالة فهي مناط للبحث من طرف أهلها المجتهدين  وضمن شروط وضوابط معلومة .
 
نعم للمقاصد القائمة عل أصول صحيحة وثابتة
رأيت من النّاس من يعمل للإسلام دون أصول لا كلّيّة ولا جزئيّة بل تتحكّم فيه ظروف ردود الأفعال وظروف الهزائم .  قال شيخ الإسلام :  » لابدّ أن يكون مع الإنسان أصول كلّيّة يردّ إليها الجزئيّات ليتكلّم بعلم وعدل ثمّ يعرف الجزئيّات كيف وقعت ، وإلاّفسيبقى في كذب وجهل في الجزئيّات ، وجهل وظلم في الكلّيّات ، فيتولّد فساد عظيم .  » منهاج السّنّة 5 / 83 . ومن أراد أن يكون عمله صحيحا لابدّ أن تصح ّ أصوله ومن صحّت أصوله صحّت فروعه . قال شيخ الاسلام ومن المعلوم أن العلم أصل العمل وصحة الأصول توجب صحة الفروع والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين إما الحاجة وإما الجهل.. كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 4، صفحة 53
ومن هذه الأصول الّتي لا يسع أحدا الخروج عنها قال شيخ الإسلام : فالأصول الثّابتة بالكتاب والسّنّة والإجماع هي بمنزلة الدّين المشترك بين الأنبياء ليس لأحد خروج عنها . ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض وهم أهل السّنّة والجماعة   ، وما تنوّعوا فيه  من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوّعت فيه الأنبياء الفتاوى 19/ 117.

 

وأصل أصول مقاصد الشّريعة هو التّوحيد :
 وأصل هذه الأصول وأعظمها : التّوحيد فهو الضّامن للتّجميع وهو الأساس الّذي تبنى عليه جميع الأعمال ،  ومن أراد أن يبني مجد الإسلام دون تصحيح الإعتقاد فهو محرّف مغرض لا ظهر أبقى ولا طريقا قطع . قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى –  » انّ سبب الاجتماع والألفة جمع الدّين والعمل به كلّه ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا ، وسبب الفرقة ترك حظّ ما أمر العبد به والبغي بينهم . ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدّنيا والآخرة وبياض الوجوه .ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرّسول من أهلها  » الفتاوى  1/17
 
أمّا فقهاء الحزب فيقدّمون مصالح الحزب على مصالح الإسلام لذلك  تراهم  يؤجّلون  التّوحيد ويقدّمون مقاومة الدّكتاتوريّة ويبعدون العقيدة  بإسم فقه المآلات. وبهذا خالفوا كلّ الأنبياء عليهم السّلام وزلزلوا الثّوابت وأماتوا الأصول الّتي بنيت أساسا على حفظ الدّين . والمرء حقيقة يعجب كيف يمكن أن نغيّر واقعنا ونحن لم نغيّر أنفسنا؟ كيف لم نصلح قلوبنا بتطهيرها من العقائد الفاسدة ولم نزكّ أرواحنا بقطعها عن محاب الدّنيا وأغيار الآخرة . إنّ أيّ إنشغال عن ذلك لا يصلح أوضاعنا أبدا قال تعالى إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم   .لقد غيّر فقهاء المصالح الثّوابت وخلخلوا الأصول ثمّ بعد ذلك يتساءلون لماذا نحن في هذا الوضع البائس ؟؟؟إنّ منهج الله ثابت لا يمكن أن يغيّره أحد بمن فيهم الأنبياء ، فكيف بمن دونهم ؟
  قال سيّد قطب وهو يتحدّث عن ثبات المنهج   (إنّ منهج الله ثابت، وقيمه وموازينه ثابته، والبشر يبعدون أو يقربون من هذا المنهج، ويخطئون ويصيبون في قواعد التصور وقواعد السلوك. ولكن ليس شئ من أخطائهم محسوبا على المنهج، ولا مغيرا لقيمه وموازينه الثابته. وحين يخطئ البشر في التصور أو السلوك، فإنه يصفهم بالخطأ وحين ينحرفون عنه فإنه يصفهم بالانحراف ولا يتغاضى عن خطئهم وانحرافهم – مهما تكن منازلهم وأقدارهم – ولا ينحرف هو ليجاري انحرافهم! ونتعلم نحن من هذا، أن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج! وأنه من الخير للأمة المسلمة أن تبقى مباديء منهجها سليمة ناصعة قاطعة، وأن يوصف المخطئون والمنحرفون عنها بالوصف الذي يستحقونه – أيا كانوا – وألا تبرر أخطاؤهم وانحرافاتـهم أبدا، بتحريف المنهج، وتبديل قيمه وموازينه. فهذا التّحريف والتّبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار الشّخصيات المسلمة بالخطأ أو الانحراف. فالمنهج أكبر وأبقى من الأشخاص) انظر كتاب (في ظلال القرآن) (1/533) من تفسير سورة آل عمران.
 
الأصول الفاسدة لفقهاء مقاصد الحزبيّة :
 
إنّ الّذي خضع لظروف الهزائم المتتالية وما زال مصرّا على الإستحقاق السّياسي سيلغي بالضّرورة كثيرا من مسائل الشّرع ويعدّل بعضه الآخر ويستحدث ما شاء له من أمور  حتّى تقبله السّاحة العلمانيّة المتطرّفة في بلد الزّيتونة  ،  ومن ثمّ لا تعجب من قوله  » إنّنا نحمل وجهة نظر في الإسلام . »  من تجربة ص 269 . إنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس له حقّ وجهة النّظر في الإسلام  ، فكيف تكون لمن دونه ؟
     1الخضوع للضّغوط :
 
لقد وضع المقاصديّون الحزبيّون أصولا جديدة رهينة مصالح وهميّة تتبدّل كلّ حين وتتلوّن كلّ يوم ، ومعاذ الله أن تكون هذه هي الشّريعة ، وما هذا إلاّ لعب بدين الله تعالى ، فآنظر مثلا إلى موقف منظّر النّهضة في السّبعينات وهو يواجه اليسار الإسلامي التّونسي  المتحرّر في فهمه للنّصّ ولعدم إنضباطه لما عليه أهل السّنّة:  » لم تقف هذه العناصر عند حدّ ، حيث أنّ التّطوّر في إطار هذا الجسم إنضبط بحدود هي ما تطيقه النّصوص ، ما يطيقه منهج تفسير النّصّ الإسلامي الّذي تواطأ عليه المسلمون ، وخلاصته بأنّ التّطوّر ينبغي أن يتمّ في إطار المعلوم من الدّين بالضّرورة ، فما هو ثابت نصّا يقينيّا ، ما هو يقيني في مورده واضح في معناه من النّصوص لا نملك أمامه إلاّ التّسليم .. يمكن أن لا نطبّق بعضه الآن لأنّ ظروف التّطبيق غير متوفّرة ، ولكنّنا لا نستطيع أن نحوّله عن إتّجاهه ، ولا فائدة هنا في ضرب بعض الأمثلة القليلة في هذا الصّدد للتّدليل على فساد هذا المنهج .، لأنّ المنهج البديل أن نعطي لعقولنا إمكانيّة التّحرّر من النّصّ بتخريج مقاصدين وأنّ النّصوص كلّها جاءت لتحقيق مقاصد .. هذا في النّهاية يلغي سلطة النّصّ .. يلغي سلطة الوحي هنا !!! على هذا إفترقنا  »  255 ـ 256 . من تجربة الحركة الإسلاميّة في تونس .
ومع الأسف فما أشبه اللّيلة بالبارحة !!! اللّهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر !!! فلقد تغيّر الغنّوشي ومن معه وأدرك حميدة ، ويعيّرونني أنّي من جماعة حميدة في حين أنّني أدعوهم إلى الثّبات على ما كنّا عليه . فالله المستعان !!!
 
2 الخضوع لشروط العصرانيّة والحداثة والتّنوير وغيرها من الشّعارات البرّاقة المخادعة   :
 لا شكّ أنّ الممارسة السّياسيّة تخضع لأحوال متعدّدة منها ضغوط الواقع المتميّز في تونس : تميّز شراسة تطرّف العلمانيّة سواء كانت السّلطة أو العائلات الفكريّة الأخرى فضلا عن التّحدّيات الأمنيّة القاسية أضف إلى ذلك فشل التّجربة الإسلاميّة وضعف مرجعيّتها العلميّة ، بل هناك ضغوط المناكفات الشّخصيّة أيضا ، هذا فضلا عن التّحدّيات الإقليميّة والدّوليّة . كلّ هذه الأمور وغيرها تجعل السّياسيّين الإسلاميّين تحت رحي التّنازلات وتغطّي كلّ ذلك التّحريف تحت عنوان المقاصد ، وآنظر إلى المقاصديّين الجدد ‘ فكلّهم تقريبا منخرطون تحت خيمة حزبيّة واحدة .
 
لا يمكن أن يمارس المرء عملا تحت إكراه ، ومن رخّصت له الشّريعة لا يجوز أن يتحوّل ذلك إلى عزيمة مؤبّدة  . ولقد أخذ البعض الرّخصة عزيمة مؤبّدة وماتت فيهم العزيمة والعزم والحزم ، فأعلن زعيم النّهضة هذه المسائل الّتي أعلنها اليسار الإسلاميّ التّونسيّ قديما :
ـ «   نحن لا نتصوّر أنّ الشّريعة الإسلاميّة جاهزة حاضرة للتّطبيق ، وإنّما نحتاج إلى تجديد أساسيّ والى فهم إسلاميّ معاصر ونحتاج إلى صياغة سياسيّة في إطار برنامج سياسيّ .« .. حقائق حول حركة الاتّجاه الإسلامي في تونس  ص 20 .
 
ـ    » تتّجه ـ الحركة الاسلاميّة ـ إلى مزيد من النّضج  والرّشد والاستفادة من تجاربها وعلى إعطاء العقل والتّأهّل في التّخطيط حجما أكثر من حجم الاندفاع والعاطفة والإيديولوجيا . من حوار أجراه محمّد مصدّق يوسفي  25 أكتوبر2001  .
 ـ   » كم تكون الحاجة ماسّة إلى إجتهاد جديد ، إلى ثقافة إسلاميّة متحرّرة من تأثيرات بيئات أخرى ، إلى ثقافة إسلاميّة غربيّة أو تديّن غربيّ يستوعب التّطوّر الحضاري هنا وثقافة القوم  » . الإنسان ع 9 ص 12 س 2 .
  ـ  » فكيف بنا لا نجرؤ على إستحداث ثقافة إسلاميّة جديدة تستوعب ثقافة العصر ….لإنتاج مولود جديد أي ثقافة إسلاميّة جديدة .  هناك عمليّة تزاوج بين الإسلام وبيئة معيّنة الإنسان ع 9 ص 11 س 2 .
 
 3 إعتقد ثمّ إستدلّ :
 
لقد قعّد السّياسيّون قواعد أصّلوا بها الشّريعة ليمرّروا مخطّطاتهم ، ومن هذه القواعد : إعتقد ثمّ إستدلّ : الّتي إعتمدتموها في منهجهم في العمل السّياسي أصّلنا والّتي أكثر منها الأستاذ الغنّوشي بعدما تعجبه مسألة من المسائل الحركيّة أو المنهجيّة يضمّها إلى الفكر وإلى الممارسة السّياسيّة ولذلك تجده يكثر من  :- تأثّرنا – بدأت نظرتنا تتغيّر –  كما بدأنا نكتشف نصوص أحاديث نبوية –  سرعان ما حدث تحول في عملنا – ص60 من تجربة .. لقد تغيّرت نظرتنا إلى الأمور- نفس المرجع –     مثّل مصدرا مهمّا من مصادر تطوير فكر الحركة  – لقد كان لمالك بن نبي تأثير ص72–  ثمّ بعد  جاء الخميني ليضيف إلى تكويننا في نهاية السّبعينات بعدا آخر وأداة تحليليّة… إنّ آكتشاف التّجربة السّودانيّة …مثّل مصدرا مهمّا من مصادر تطوير فكر الحركة من تجربة  ص 71. لقد جاءت الثّورة الإيرانيّة في الوقت المناسب لتعطينا أدوات تحليليّة... ص62 من تجربة..
وهذا في الحقيقة منهج غريب فمنهجه قابل لكلّ شيء وهو مستعدّ ومنفتح إلى أبعد الحدود . قال ابن القيم يردّ على أمثال من حمل هذا المنهج ممّن عاصروه: أما أن نقعّد قاعدة ونقول هذا هو الأصل ، ثمّ تردّ السّنّة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله ، لهدم ألف قاعدة لم يؤصّلها الله ورسوله أفرض علينا من ردَّ حديث واحد . » إعلام الموقعين ( 2/368 )
 
4  التّوظيف السّيّئ لقواعد علميّة ومن أهمّها :
 
أ ـ   تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان : وهذه قاعدة أسّسها إبن القيّم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين ولم يضرب بها الشّريعة أبدا . فارجع إليه فإنّه  لم يقدّم مصلحة على نصّ أبدا …
يقول الإمام ابن حزم مؤكدًا هذه الحقيقة :
« إذا ورد النص من القرآن أو السنة الثابتة في أمر ما على حكم ما فصح أنه لا معنى لتبدل الزمان ولا لتبدل المكان، ولا لتغير الأحوال، وأن ما ثبت فهو ثابت أبدًا في كل زمان وفي كل مكان على كل حال، حتى يأتي نص ينقله عن حكمه في زمان آخر أو مكان آخر أو حال أخرى». (الأحكام في أصول الأحكام)، ابن حزم، ج 5، ص 771-774.
     ب  ـ أينما المصلحة فثمّ  شرع الله : وهذا القول صحيح ولكن لم يحسن هؤلاء تنزيله ‘ فآعتدوا على الثّوابت والأصول المجمع عليها  ، فلم  يُبقوا شيئًا من أحكام الشّرع غير خاضع للاجتهاد.
 
      ج ـ    أثر العرف في تغير الأحكام : ويغنيني بالرّدّ عليهم إمام المقاصد : «العوائد المستمرة ضربان؛ أحدهما: العوائد الشرعية التي أقرها الدليل الشرعي أو نفاها، ومعنى ذلك أن يكون الشرع أمر بها إيجابًا أو نَدْبًا، أو نهي عنها كراهة أو تحريمًا، أو أذن بها فِعْلا وتَرْكًا. فالثانية: هي العوائد الجارية بين الْخَلْق بما ليس في نفيه وإثباته دليل شرعي.
فأما الأول: فثابت أبدًا كسائر الأمور الشرعية.. فهي إما حسنة عند الشارع أو قبيحة.. فلا تبديل لها.. فلا يصح أن ينقلب الْحَسَن فيها قبيحًا ولا القبيح حَسَنًا.. إذْ لو صَحَّ مثل هذا لكان نَسْخًا للأحكام المستقرة المستمرة، والنسخ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم  باطل.. فرفع العوائد الشرعية باطل».
 
       د ـ     التمييز بين بشرية النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته:
أن السنة تشريع كلها ما كان منها أقوالا أو أفعالا. يقول ابن تيمية: «إن جميع أقواله يستفاد منها شرع… ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب».   وقد روي أن عبد الله بن عمرو كان يكتب ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له بعض الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في الغضب فلا تكتب كل ما تسمع، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «اكتب.. فوالّذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حق» يعني شفتيه الكريمتين. (فتاوى ابن تيمية)، 18 / 8
وعليه فكلّ نصّ شرعيّ سواء كان أصليّا أو فرعيّا لا يجوز للمسلم أن يفرّط فيه أبدا لأنّه دين من ربّ العالمين .
 
    هـ ـ     التّفريق  بين الدليل المتواتر والآحاد
 
في حين أنّ السلف الصالح لا يفرقون في شيء من القواعد والأحكام بين المتواتر والآحاد ، بل التفريق بين المتواتر والآحاد بدعة حدثت بعدهم ، فقد أخذ الصحابة بقول الواحد في النسخ وذلك لما كانوا في الصلاة تجاه بيت المقدس وأخبرهم شخص واحد بأن القبلة تحولت إلى الكعبة فتحولوا وهم في الصلاة وفي جمع القرآن أخذوا آية من صحابيّ واحد .
قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 236 ) بعد أن ذكر أن الآحاد يخصص عموم المتواتر : واحتج ابن المسمعاني على الجواز بإجماع الصحابة فإنهم خصوا قوله تعالى : { يُوصَيكُمُ الله فِي أوْلادِكُمْ }[ النساء : 11 ] بقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنا معشر الأنبياء لا نورث )) وخصوا قوله (( فاقْتُلُوا المشْرِكِينَ )) بخبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس وغير ذلك كثير ، وأيضا يدل على جواز التخصيص دلالة بينة واضحة ما وقع من أوامر الله عز وجل باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تقييد فإذا جاء عنه الدليل كان اتباعه واجبا وإذا عارضه عموم قرآني كان سلوك طريقة الجمع ببناء العام على الخاص متحتما ودلالة العام على أفراده ظنية لا قطعية فلا وجه لمنع تخصيصه بالأخبار الصحيحة الآحادية ، وقد استدل المانعون مطلقا بما ثبت عن عمر رضي الله عنه في قصة فاطمة بنت قيس حيث لم يجعل لها سكنى ولا نفقة كما في حديثها الصحيح ، فقال عمر :  » كيف نترك كتاب ربنا لقول امرأة ؟  » يعني قوله :{ أسْكِنُوهُنَّ }  [ الطلاق : 6 ] وأجيب عن ذلك بأنه إنما قال هذه المقالة لتردده في صحة الحديث لا لرده تخصيص عموم الكتاب بالسنة الآحادية فإنه لم يقل كيف نخصص عموم كتاب ربنا بخبر آحادي بل قال : كيف نترك كتاب ربنا لقول امرأة ؟ ويؤيد ذلك ما في صحيح مسلم وغيره بلفظ قال عمر : لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لعلها حفظت أو نسيت فأفاد هذا أن عمر إنما تردد في كونها حفظت أو نسيت ولو علم بأنها حفظت ذلك وأدته كما سمعته لم يتردد في العمل بما روته . انتهى .
وبيَّن الشنقيطي في كتابه مذكرة في أصول الفقه (86) خطأ من قال إن الآحاد لا ينسخ المتواتر
قال ابن القيم يردّ هذه القاعدة الفاسدة :   » أما أن نقعّد قاعدة ونقول هذا هو الأصل ، ثمّ تردّ السّنّة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله ، لهدم ألف قاعدة لم يؤصّلها الله ورسوله أفرض علينا من ردَّ حديث واحد . » إعلام الموقعين ( 2/368 )
 
و   ـ إكثارهم من فقه التّرخّص :
 النّاس في العلم أحد رجلين : مجتهد أو مقلّد ، ويسمّيه أهل العلم بالعامّيّ ، والعامّي لا يجوز له تتبّع الرّخص أبدا . والحزبيّون حلو لهم تتبّع الرّخص مطلقا ، فأينما يجدون رخصة جعلوها عزيمة وحاربوا دونها ، وقد جمعوا بهذا المنهج دينا رقيقا ضعيفا . وتتبّع الرّخص مذموم أشدّ الذّمّ عند العقلاء .  قال الإمام السّفاريني :  » يحرم على العامّيّ الّذي ليس بمجتهد تتبّع الرّخص في التّقليد … وقال :قال علماؤنا : ويفسق بذلك لأنّه  لا يقول بإباحة جميع الرّخص أحد من علماء المسلمين ، فإنّ من قال بالرّخص في مذهب لا يقول بالرّخصة الأخرى في غيره ..وقال الإمام أحمد رحمه الله : ط لو أنّ رجلا عمل بكلّ رخصة يعمل بمذهب أهل الكوفة في النّبيذ وأهل المدينة في السّماع وأهل مكّة في المتعة لكان فاسقا « 
قال إبن مفلح في أصوله :  » وذكر بعض أصحابنا في فسق من أخذ بالرّخص روايتين  » الإنصاف للماوردي 11 / 196 . ومثل هذا كثير جدّا جدّا … آنظر لوامع الأنوار للسّفاريني 2 / 466 .
 
     ز  ـ  إعتمادهم على حادثتين  لعمر رضي الله وإدّعاؤهم أنه بذلك عطّل بعض الأحكام الشرعية !!
 إنّ من المفارقات العجيبة ومن سخرية الأقدار أنّ الهادي يدندن هذه الأيّام دندنة الدّكتور حميدة النّيفر في السّبعينات على تعطيل نصوص قطعيّة في أكثر من مناسبة ، والغريب أنّ الهادي يحشرني مع النّيفر . فسبحانك سبحانك !!!ووالله ياهادي ما غيّرت وما تغيّرت ، فما زلت بحمد الله وفضله على الخطّ الأصيل .  وهذه أقوالك  الّتي تحشرك في  اليسار الإسلاميّ العقلاني التّقدّمي :
الحالات الّتي ينحاز فيها إبن تيمية لصالح مقصد يجتهد في تخريجه وتحقيقه يكون مخالفا للنص الشرعي الأصلي …. الإسلام التشريعي مقسم عند الفقهاء إلى أمرين : منصوص موقف ثابت قطعي وهذا إجتهادنا فيه إجتهاد تطبيق وحسن تنزيل ورغم ذلك يتعرض في جوانب معينة منه للاجتهاد …. أن النص إذا كان ظنيا أو قطعيا حالت ظروف معينة من العابد أو من غيره لاستثنائه أو تأجيله أو تخصيصه أو تقييده قصد وعلل على نحو يؤدي مراد الشارع منه فينا وتلك العملية تسمى إستصلاحا وإستحسانا وإستصحابا وإستعرافا وغير ذلك …
 كلّ أقوالك هذه يا هادي  تصبّ في مصبّ واحد وهو تعطيل النّصوص أمام أوهام مصالح السّياسيّين .ومن المفارقات العجيبة أنّي سأورد نصّا تاريخيّا مهمّا لأحد إخواننا في تونس وهو الأستاذ محسن الميلي حفظه الله تعالى  يردّ فيه على حميدة وجماعته في السّبعينات ، وهو نفس النّصّ الّذي أردّ به اليوم على الهادي ونهضة المهجر كلّّها الّتي تبعت أثر من إعترضت عليهم من اليسار الإسلامي وقد فارقناهم  وقتها بسبب منهجهم في فهم الإسلام . ألم أقل لكم إنّ حميدة قال للغنّوشي يوما في 1981  لو أحسن الزّغردة لزغردت !
قال الأستاذ محسن الميلي : ( قد يَعْتِرض البعض قائلين: إنَّ هناك حَوادث َفي تاريخ الإسلام ظهر فيها «تعطيل» بعض الأحكام الشرعية. وغالبًا ما يَقَع الاستدلال بِعُمَرَ بِنِ الخطاب و «إِيقافِه» لِحَدِّ السَّرِقة عامَ المَجَاعة، أو عدمِ إِعطائِه سَهْم المُؤَلَّفَة قلوبُهم من الزكاة. وهذه الحُجة- إذا جاز أن  نُسَمِّيها حُجةً – يُوَظِّفُها بَعض أنصار «الفَهم التَّقَدُّميِّ» لِتَعْطيل النصوص إذا خالفت بعض اخْتيارتهم العقلية.
والحقُّ أنَّ عمر بن الخطاب في الحادِثَتين لم «يُعَطل» نَصَّاً، ولم يُحِلّ حراماً، ولم يُحَرِّم حلالاً، ولم يَعْتبر أنَّ النصوص الواردة في شأْنِ الحادِثَتَين أصبحت لاغِيةً. فلَم يَقُل عمر: إنَّ إِقامة الحَدِّ على السارِق أصبح وَحْشِيةً واسْتِهانةً بِكرامة الإنسان، وحِرْماناً للمجتمع من بعض قُوَى إنتاجه… كما لم يَقُل بأن قطْعَ يَدَ السارق كان مُلائماً للإنسان وقت نزول الوَحْيِ، وإِنَّه فَقَد صَلاحِيتَّه الآن. إن ما فعله عمر هو دراسته لِواقِعِهِ، أيْ للمَيْدان الذي يَتَنَزَّل فيه حُكْم الله، فَرَأى أنَّ الشروط لم تَتحقق كلها لإقامة الحد، فقد يَلْتَجِئُ الإنسان إلى «السَّرِقة» حِفْظًا لنفسه من الهلاك لا اختيارًا للسرقة، أو اغْتِصابًا لأموال الآخرين دُون جُهْد أو عمل، فَتَقَع الْتِباساتٌ عديدةٌ، وتختَلِط البَيِّناتُ بالشُّبُهات، وكما هو معلومٌ في قواعد الفقه:«ادْرَؤوا الحدود بالشُّبُهات،، و «الضرورات تُبِيحُ المَحْظورات»… فإنَّ عمر كان حكِيماً في عدم تَطْبيقه الآلِيِّ لِحُكمٍ لم تَتَوفر شروط تحقيقِه، لأنه فَهِم بِوَعْيٍ وعُمْق مُلابَسات تطْبيق الحُكم الشرعي. لم يكن عمر مُجَرَّد«آلَةِ تَسْجيْلٍ وتَرْديْد» لنصوص وأحكامٍ لم يَفْهَمْها، وإنما كان يَتَفَهَّم الحُكم والحِكْمة منه، ويبحث عن شروط تَنْفيذه… لقد كان عمر يَتَدبَّر القرآن ويقرأ نصوص الْوَحْيِ بِبَصيرةٍ وتفْكيرٍ.
نفس الأمر يُمْكن أنْ يقال في شأن «إسقاط» نصيب المُؤَلَّفة قلوبهم من الزكاة. فقد رَأَى عمر أنَّ الإسلام قد أصْبح عزيزًا بين الناس, فلا يمُكن أنْ يَبْقَى دائمًا مُعْتمِداً على المُؤَلَّفة قلوبهم، فقد رُوِيَ أنَّه قال لبعضهم: إنَّ الله قد أعَزَّ الإسلامَ وأغْنَى عنْكُم. لهذا ولأسبابٍ أُخْرَى تَصَرَّف عمر بِهذه الطريقة. فكلُّ ما فعَله أنَّه لم يَجِد في عصْرِه مَنْ يَسْتحِق التَّأَلُّف في نَظَرِه، وليس من الضروري أنْ يَظَلَّ الذين أُلِّفُوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  مُؤَلَّفَةً إلى الأبَد. فالمسألة مسألة تَفَهُّمٍ للشريعة، ودِرايةٍ بالواقِع، وحِكْمةٌ في تطْبيق الأحكام الشرعية، وليست مسألةَ «اختياراتٍ عقليةٍ» تسْتَوْجِب تعطيل النصوص. إنَّ عمر لم «يَنْسَخ» الآيتين الوارِدتَين في شأْن الحادِثتين: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }؛ { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، ولم يُبْطِل أحكامَها، ولم يُحِلّ السرقة، ولم يُحَرِّم إِعْطاء سَهْم المُؤَلَّفة قلوبهم من الزكاة.
 لم يَقُل عمر بأنَّ القرآن كان يُراعِي عصْر نُزولِه ومُستوَى وَعْيِ الناس، وأنَّ علينا نَسْخ هذه الأحكام بأُخْرَى أكثرَ «تَقَدُّماً» منها، وأكثر مُلاءمةً لِعَصْرنا وأكثر «إنسانيةً»كما يقولُ البعض… فَلَيس مِن حقِّ عمرَ أو غيره أنْ يُعَطل هذه الأحكام، لأنَّ تعطيل النصوص هو تعبيرٌ عن هَوَىً لا عن فَهْمٍ لمَقاصِد الشريعة، إِذْ ليس مِن مَقاصِد الشريعة أن تُعَطَّل أحكامُها ). ظاهرة اليسار الإسلامي ، عبدالسلام بسيوني ، ص 124-126
 
التّنبيه على مسائل دخيلة في علوم الشّريعة :
 
إنّ أوّل من صنّف في علوم الشّريعة هم أهل السّلف فقد كتب  في الحديث والفقه الإمام مالك موطّأه ، و في أصول الفقه كتب الإمام الشافعي الرسالة وقد إعتمدوا  على الأدلة الشرعية والآثار السلفية ، ثم كثرت التصانيف بعد ذلك ، وأختطف المعتزلة والأشاعرة والماتريديّة والصّوفيّة وغيرهم  بعد ذلك علوم الأصول والمقاصد وأدخلوا فيها بدعهم  القائمة على علم الكلام ونحوه  ، ووضع قواعد باطلة لا يقرّها السّلف الأوّل من مثل عدم حجّيّة خبر الآحاد في العقائد وغيرها ، وبيّنت لك أعلاه عودة الإمام الغزالي إلى منهج السّلف في آخر حياته كما فعل ذلك أبو الحسن الأشعري والجويني وغيرهم كثير ، ولا زالت هذه المسائل يردّدها أحفاد المعتزلة العقلانيّون وكذلك الأشاعرة الّذين توقّفوا على منهج الأشعري القديم . وزاد الطّين بلّة أنّ أكثر المدندنين على المقاصد هم إخوانيّون ومن في دائرتهم من ترابيّة وغيرها أدخلوا الشّريعة في صراع مرير ضمن اللّعبة السّياسيّة …، ولقد بيّن العلامة طاهر الجزائري في كتاب توجيه النظر إلى أصول الأثر، أنّ أشياء عديدة دخلت في أصول الفقه ـ مثلا ـ وهي ليست منه فليرجع إليه …
لقد وضع المقاصديّون الحزبيّون أصولا بدعيّة ألزموا بها الشّريعة البيضاء ، تحت أصول القدريّة المنهزمة الّتي خضعت لشروط  الغالب الشّرس فهبّوا يلغون كثيرا من مسائل الشّرع ويعدّلون بعضه الآخر ويستحدثون ما شاء لهم من أمور  والغريب أنّهم فرحوا بذلك وآفتخروا به ، وصاروا يصكّون من خالفهم بصكوك الجمود والإنغلاق والتّشدّد والخارجيّة والمشرقيّة ، وهلمّ جرّا….قال إبن أبي العزّ ـ رحمه الله تعالى ـ « كلّ فريق من أرباب البدع يعرض النّصوص على بدعته وما ظنّه معقولاً، فما وافقه قال: إنّه محكم، وقبله واحتجّ به، وما خالفه قال: إنّه متشابه ثم ردّه وسمّى ردّه تفويضاً، أو حرّفه، وسمّى تحريفه تأويلاً، فلذلك اشتدّ إنكار أهل السنّة عليهم« . [شرح الطحاوية: ص: 399].
 
نعم للمقاصد ولكن من ثقة متخصّص لا من حزبيّ متحلّل مترخّص دون ضوابط :
 وإذا أقررنا أنّ المقاصد لا بدّ من ضبطها حتّى لا تتميّع . قال سفيان الثّوري رحمه الله إنّما العلم عندنا الرّخصة من ثقة ، فأمّا التّشدّد فيحسنه كلّ أحد « 
قال الإمام الشّاطبي  : «  … وقد زاد هذا الأمر ـ أي التّرخّص دون ضبط ـ على قدر الكفاية ، حتّى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة …فربّما وقع الإفتاء في المسالة ، فيقال : لم تمنع والمسألة مختلف فيها ؟ فيجعل الخلاف حجّة في الجواز لمجرّد كونها مختلفا فيها ، لا لدليل يدلّ على صحّة الجواز ، ولا لتقليد من هو أولى بالتّقليد من القائل بالمنع ، وهو عين الخطإ على الشّريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدا ، وما ليس بحجّة حجّة .  » الموافقات 4 / 78
 
 ـ  فلا لأغلوطات فقه المقاصد ولا للمصالح المفتقرة للأدلّة الشّرعيّة والمناقضة لها
  ـ لا لآختطاف المصالح واحتوائها وتدجينها ضمن شعارات الحداثة والتّنوير والمجتمع المدني والدّولة العلمانيّة والدّيمقراطيّة ….
   ـ  لا للمقاصد  من حزبيّ متحللّ مترخّص .
     ـ  لا للمقاصد الّتي تميّع معاني الشّريعة .
  ـ  لا لمناهج  المقاصد القديمة للأشعري والغزالي والجويني
   ـ  لا للمقاصد المسيّسة السّائبة الّتي جعلت محمّد أركون يخوّفكم بالله !!!
ـ   لا لتوظيف فقه عمر الفاروق الرّاشد المجتهد  في مسالتين أو ثلاث وآختطافها وجعلها منهجا كاملا في الفقه أصولا وفروعا ونعم للتّمسّك بمنهج عمر الرّاشدي بحذافيره .
  ــ  لا لمخاصمة الشّريعة تحت عنوان فكر المقاصد .
  ــ  و نعم للمقاصد المستندة إلى الأصول
      ــ  نعم للمقاصد ولكن من علماء  ثقات ثابتين غير مبدّلين ولا متلوّنين  لا يلغون سلطة النّصّ أبدا
  ــ  كونوا من منهج إبن تيميّة والشّاطبي ثمّ إجتهدوا في المقاصد …..
 
ووالله مازال في الجعبة الكثير ، ولكنّ هذا يكفي ، وإذا قبل الهادي بالمناظرة فسنريكم المزيد . والله المستعان .
 
 
خاتمة  :
إنّه علم وارفعوا عنكم غشاوة الحزبيّة والعلم لا بدّ أن يؤسّس على العتيق : قال إمام المقاصد الشّاطبي : فلذلك صارت كتب المتقدّمين وكلامهم وسيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم وخصوصا علم الشّريعة الّذي هو العروة الوثقى والوزر الأحمى . الموافقات 1/65 .الوزر بفتح الزّاي  هو الملجأ والمعتصم .

إنّ كلّ ما صدرعنك أخي الهادي من
إستقواء بالقرّاء ضدّي والتّحريش والقول عليّ بغير حقّ وقراءة مقالاتي بنظّارة خاصّة مصنّعة في مصانع خاصّة والإنتصار عليّ بأسماء من أهل العلم وما زلت تصكّني بالخارجيّة مثل أحدكم من قبل لتشابه قلوبكم وتوحّد مشكاتكم ،  وألصقتني ظلما مع النّيفر وإنّي على يقين أنّك لا تعرفه  و برهان بسيس وبوبكر الصغير كما حشرني أحدكم من قبل مع عفيف الأخضر.. قل لي بربّك يا أخي الهادي : أيّهما أقرب إليك عقيدة حميدة النّيفر وأبو بكر الصّغير وهما مسلمان يشهدان أن لا إلاه إلاّ اللّه محمّدا رسول اللّه أم حمّة الهمّامي الّذي يقول ويعتقد في لا إلاه والحياة مادّة  ؟  فلماذا تعادون حميدة وأبو بكر الصّغير وهما مسلمان فيما أعلم !!! بل لماذا تعادونني وأنا أدعوكم إلى تأصيل مواقفكم على الشّرع ! أليس هذا هو أساس ديننا ؟ ألم يقرّر مؤتمر  1984قرار التّأصيل وقد كنت وللّه الحمد أحد رجاله مع الأخوة الصّابرين الصّادق شورو والحبيب اللّوز والصّحبي عتيق وغيرهم  وكلّ من عبد الرّؤوف العريبي وسحنون الجوهري و الشّيخ مبروك الزّرن أسأل اللّه أن يحشرهم في الشّهداء …
لقد أسقطتم في تعاملكم مع النّاس بل مع إخوانكم الولاء وسمّنتم وتعلّقتم بمن يجب في حقّهم  البراء !!! لقد صمتم ودعمّتم إبن بريك أوتدري ماذا قال بعد ذلك في الأخ راشد في قناة المستقلّة ؟ ألم يسبّه سبّا شنيعا وطعنه طعنا قبيحا ؟
أو تحشرونني مع العفيف الأخضر لأنّني إختلفت معكم سياسيّا ؟ أهكذا علّمكم الدّين ؟ أهذه هي عقيدة أهل السّنّة والجماعة ؟ فها أنا أراكم مع المرتدّين المحاربين للشّريعة الّذين وضعوا خطّة الإستئصال والتّجفيف . فهل يجوز لي أن أحشركم معهم ؟ لا ، قطعا !!! لأنّني على بيّنة من منهج السّنّة . أمّا أنتم ، فتعادون أهل الإيمان والقبلة لأنّهم خالفوكم ،  وتوادّون أهل الرّدّة لأنّهم داهنوكم ويضحكون عليكم  !!! فاللّه المستعان !!! أليست هذه أصول الخوارج ؟ فأين عصمة الأخوّة والهجرة والنّضال المشترك لمدّة عشرين سنة تقريبا أو يزيد  ؟ أفكلّما إختلفنا في مسائل الإجتهاد ترفعون السّيف ؟ فما أكثر مسائل الإختلاف في الإسلام ؟ أفكلّما وقع خلاف أقصيتم واستأصلتم ؟   أهذه هي الدّيمقراطيّة الّتي تعدوننا بها ؟  قال شيخ الإسلام: وأمّا الإختلاف في الأحكام فأكثر من أن تنضبط ولو كان كلّما  اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوّة .  مجموع الفتاوى 24 / 173 
أرأيت يا أخي الهادي لماذا قلت لك يجب أن نتقيّد بمناط البحث فهو الّذي يضيّق الخلاف ويصفّي الصّدور ويبعد الشّيطان !!!.
 
إنّ مقالك الإضراب عن الطّعام جهاد في سبيل اللّه ومن وافقك معه من رفاقك لا يعدّ حوارا علميّا جادّا ومسؤولا بل هو محاكمة سياسيّة لمخالف عنيد لآستئصاله  ولذلك أبحتم كلّ الوسائل الّتي تصل  إلى جريمة التّحريض على الكراهيّة والحقد على شخصي الضّعيف  ،ومن ضغط على بعض المواقع حتّى لا تنشر مقالاتي ، وهذا ما يثبت مع الأسف أنّكم لستم محاورين لضعف بضاعتكم العلميّة وتلقون ألقاب الفجور على من خالفكم من جهل وتطفّل ووو غير ذلك بل حتّى حسناتنا لو تجدون تقليعها لفعلتم ولقد ردّ أحد العقلاء على شبح مهاجر بن محمّد  في شبكة الحوار أنني أجيد تلاوة القرآن فردّ أنّني لا أفهمه !!!
إذا كان محاسني اللاّئي أدلّ بها  ***********  كانت عيوبا فقل لي كيف أعتذر ؟
على كلّ حال أدعوك وغيرك  أن تتوبوا وأن تتوقّفوا عن مثل هذا ولا تعودوا له أبدا  . ومرحبا بالحوار العلميّ الجادّ والمسؤول  والقرّاء الكرام عقلاء والحقّ له نور.
إنّ مبلغ مقالي أنّي دعوت المساجين للمحافظة على أنفسهم إستعدادا ليوم التّلاق  ،، أفيعاب عليّ هذا ؟ فكيف أعتذر ؟؟؟
إنّ المساجين ليسوا ركازا من أجل الإعتراف ، والحركة ليست خيمة خاصّة أو ملكا خاصّا …و ما أنا إلاّ آخذ مشعل الشّيخ عبد القادر سلامة رحمه الله تعالى الّذي كان دائما يقول لي يا إبني ، يا أستاذ ردّ على القوم وآنصح وأنكر فإن لم تفعل أنت فمن يفعل وأنت طالب علم ؟؟؟
 

وبناء على كلّ ما تقدّم فإنّ الأخ الفاضل الهادي بريك الّذي لم يحصل لي شرف التّعرّف عليه  ـ فقد أخذ عن الجهاز الجديد معطياته عنّي وحنّطوا له شخصي وهرع يحاكمني ظلما ، وهو غضبان .
إنّ ردّك عليّ  أخي الهادي كان  مشحونا بإدانتي فلقد  ضغطت على كلمات مقالي وحبّلتها وولّدتها قسرا ونطّقتها بما أوهمته لك عصبيّتك للحزب وتصيّدت الواضحات  وجعلتها متشابهات لتدين به بريئا ، فغفر اللّه لك ! وعلى كلّ حال  فلقد كتبت وأنت منزعج ! وكان الأسلم أن لا تتسرّع فإنّك برسالتك ضربت موعدا مع التّاريخ أغفره لك ، وها أنّي أقولها لمن يحلو له أن ينال منّي ها هو عرضي أحللته لكم فآفعلوا ماشئتم .
كما وددت أخي الهادي أن يكون ردّك علميّا متجرّدا من أيّة  خلفيّة في إطار أخوّة الإسلام العظيم وأن تناديني ولو مرّة واحدة يا أخي خميس من بين 22 مرّة . وآعلم ياأخي الهادي أنّ المساجين كنت أحدهم وكنت آخر العهد بهم ومازلت مسؤولا عنهم أخدم قضاياهم ، بطريقة قد أختلف فيها معك والّتي منها أن يبادروا إلى حلّ أبواب السّجن عنهم ولو بالتّنازل عن العمل السّياسي فليس الحزب أولى من الإنسان . المهمّ أن يطلق سراح إخواننا وأن يكونوا خارج السّجن لا داخله . واللّه يشهد ما أدنت أحدهم ولتأتينّي بدليل واحد ممّا كتبت يقول إنّي أدين أحدا منهم أو جعلتهم يائسين أو غير ذلك ، فكيف أجعلهم كذلك ثمّ أدعوهم أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم كاملة ؟. ومعاذ الله أن أتنقّص من رفاق درب وأخوّة دين قضيت أعزّ حياتي وأمتعها وأنقاها بينهم ومعهم  فما قصدي إلاّ أن نتجاوز العقبة بأقلّ التّكاليف فيما يبدو لي بعد تلك المآلات الأليمة. وما دفعني أن أتناول الموضوع إلاّ يوم علمت أنّ أحدهم قضى وآخرون صمّموا العزم على الإضراب حتّى الموت وقد نشر ذلك في موقع نهضة نت ، فلم آت بشيء من عندي ، فوجهة نظري كان لها سبب ورود حقيقي وليس وهميّا.
وأمّا ما ذهبت إليه من أنّ الإضراب عن الطّعام جهاد فهو تسرّع مذموم أخذك الهوى فجعلته شرعا قال الإمام القرافي – رحمه الله – أماّ آتّباع الهوى في الحكم والفتيا فحرام إجماعا . الإحكام ص79 .
إنّي أدعو نفسي و إ خواني ونحن نعالج مسائل العلم أن نتحرّر من المشوّشات والّتي من أعظمها التّعصّب الأعمى للحزب فإنّ التّعصّب يعمي ويصمّ . نعوذ بالله من ذلك !!!
 
فنعم للحوار القائم على العلم والعدل والأخوّة والحبّ لا على الجهل والظّلم والتّعصّب والبغض ومن معه الحجّة يكرّم ولا يهان ويشكر ولا يكفر ويذكر ولا يدبر فنحن أمّة الوسط والشّهادة أحقّ النّاس بالحوار والصّدق وتقصّد الخير والعدل لأننّا ولله الحمد أكمل النّاس عقلا ، وأتمّهم إدراكا وأصحّهم دينا وأشرفهم كتابا وأفضلهم نبيّا وأحسنهم شريعة وأصفاهم قلوبا وأكثرهم مودّة وأنقاهم سريرة وأكثرهم في الجنّة …
 
 
أخي الهادي إنّ الطّريق الأمثل والمنهج الأسلم والسّلوك الأمثل لحوار علميّ جادّ وهادئ لا بدّ أن ينطلق من طلبة العلم الشّرعي دون غيرهم من المشوّشين والمتشبّعين بما ليس فيهم وان ينفضوا من أذهانهم الظّنون ومن قلوبهم الأحقاد ومن أهوائهم الأطماع إلا ّفي ربّهم وأن يؤثروا فيما عند الله تعالى ولو بإسخاط النّاس فمرضاة الله هي المبتغى وفي الحديث العظيم :  »  من أرضى النّاس بسخط الله سخط الله عليه واسخط عليه النّاس ومن أرضى الله بسخط النّاس رضي الله عنه وأرضى عنه النّاس  » . هذا الحديث الشّريف منهج عظيم في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ .  .
إنّه لا بدّ من التّمسّك  بالشّرع بأصوله الثّابتة وأخلاقه الرّاقية دون مقرّرات تصوّريّة أو شعوريّة أو حزبيّة سابقة .هذا هو أصل أصول الحلّ لأزمة العمل الإسلامي في تونس وفي غيرها ، بل هو الحلّ لكلّ مشاكل الأمّة كلّها .
 

هذا هو موقفي لم أكن فيه بدعا أمام أهل العلم صدعت به وألقى به ربّي حتّى لا أكون مشاركا في الكوارث الّتي وقعت ، وألقى به أحبّتي المحتجزين  يوم نجتمع بهم قريبا إن شاء الله تعالى !!! ولا يستطيع من تفنّن في إقتناص كلمة أو إثنتين وتحبيلهما من أجل  التّشفّي من صوت آثر إعلان وجوب الإصلاح داخل نهضة المهجر ، ومن حوّل رأيا علميّا إلى سجال وتصفية حسابات أسأل الله أن يهديه ويبعد عنه الوسواس الخنّاس .
 
وأقول للقارئ الكريم أنّي أنهيت هذا الحوار في الموضوع وأغلقته لأتفرّغ لأمر أهمّ . وأنا في إنتظار ردّ البريك على المناظرة ، ولتكن سابقة طيّبة تتقارب فيها المعاني وتتوحّد فيها القلوب وليعلم البريك وغيره أنّي مازلت عضوا في حركة النّهضة ، إخترت أن أنسحب من الخيمة بعد غلبة فقه مقاصدكم ، وأتركها لشباب لا يعرفون سابقيهم ولا يقدّرون الرّجال حقّ قدرهم ، ولأتحرّر من ضغوط الحزب وأذبّ عن  الشّريعة بكلّ حرّيّة ما آستطعت إلى ذلك سبيلا ، والله المستعان . والله غالب على أمره .
والشّكر الجزيل للإخوة الّذين إتّصلوا بي وراسلوني وشدّوا على يديّ ، والشّكر الخاصّ للسّاهرين على موقع تونس نيوز فالله أسأل أن يعينهم وأن يحشرهم وأزواجهم وأبناءهم في جنده المخلصين وحزبه المفلحين !!!
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

18 février 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 6 ème année, N° 2098 du 18.02.2006  archives : www.tunisnews.net Observatoire pour la liberté de

En savoir plus +

5 avril 2007

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2509 du 05.04.2007  archives : www.tunisnews.net CNLT: Lourdes condamnations et atteintes

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.