TUNISNEWS
6 ème année, N° 2067 du 18.01.2006
إسلام أون لاين: بعد علماء تونس.. حقوقيون يرفضون حظر الحجاب
الصباح: آلاف الهكتارات من الأراضي الاشتراكية والأوقاف في انتظار التصفيةالصباح: رصـد فـرص تشغيـل بالأسـواق الجديــدة حسين المحمدي: للحرية ومعها ولها نكتب فقطالشيخ راشد الغنوشي: مشاهد التغيير.. مصر وتونس نموذجا د.خالد الطراولي: معركة الحريات والمعركة المنقوصة!الهادي بريك: شروط النهضة ثلاث نوفل المعاوي : حركة النهضة التونسية: الهجمة على التيار السلفي, هل هي عرض لحرب بالوكالة؟! (2 من 2) د. منجية السوايحي: من الذاكرة التونسية: » فتاوى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور » د. أحمد القديدي: أسرار جديدة عن النووي الإسرائيلي والإيراني محمد كريشان: حماس والانتخابات الفلسطينية
محمد الرميحي: دور العسكر العرب في السياسة هل انتهى أم بدأ؟!
د. مجدي سعيد: مصر بحاجة إلى تيار يساري جديد
فهمي هويدي: إهانة نبي الإسلام تجدد السؤال: من يكره من؟
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
بعد علماء تونس.. حقوقيون يرفضون حظر الحجاب
بسم الله الرحمان الرحيم
والد الأخ محمود البلطي فى ذمة الله
تــــعزيـــــة
والد أخونا السّجين السّياسي محمودالبلطي
عن سن يناهز الثمانين.
التعاون الفنّي
استقطاب البلدان العربية لأكثر من 80% من عدد المتعاونين
رصــد فــرص تشغيــل بالأسـواق الجديـــــــدة
هذه حصيلة نشـاط وكالـة التعـاون الفنّي على امتداد السنة الماضيـة
تونس – الصباح:
احتضنت الوكالة التونسية للتعاون الفني أمس لقاء حضره ممثلون عن كافة الوزارات، وقد أشرف السيد عبد الحميد بوحوالة الرئيس المدير العام للوكالة على هذا اللقاء الذي دار حول نشاطات الوكالة والنتائج التي تحققت خلال سنة 2005 بخصوص انتدابات اليد العاملة والاطارات التونسية للعمل بالخارج، كما خصص اللقاء أيضا لطرح جملة من المواضيع المتصلة بنشاط الوكالة وتوسيع آفاقها ومكانتها عبر افريقيا والشرق العربي وأوروبا، علاوة على علاقتها بالمنظمات الدولية لانجاز المشاريع أو الانتدابات للكفاءات التونسية للمشاركة في برامج هذه المنظمات عبر المشاريع التي يتم بعثها في كافة البلدان.
وقد تولى الرئيس المدير العام للوكالة تقديم بسطة شاملة عن أنشطة الوكالة متعرضا لأبرز المشاريع التي تم تحقيقها وكذلك نتائج الانتدابات المسجلة خلال السنة الفارطة مع الاشارات الى الصعوبات التي لا تزال تعترض جملة من المشاريع خاصة مع بعض البلدان الافريقية.
فماذا حققت الوكالة على مستوى نشاطاتها خلال السنة الفارطة؟ وما هي أبرز الاشكاليات المطروحة حاليا وماذا عن برنامجها للسنة الجارية؟
أهم انجازات الوكالة
أفاد السيد عبد الحميد بوحوالة في الكلمة التي افتتح بها اللقاء أن الوكالة قد حققت جملة من الانجازات، وذلك على مستويات عديدة دولية كانت أم ثنائية، كما تسعى الى الاسهام بشكل فاعل في تطعيم المنظمات الدولية بالكفاءات التونسية.
وقد أبرز في هذا المجال قيمة الكفاءات التونسية وفاعليتها وتأقلمها مع الخطط التي تسند لها وادارتها بكفاءة كاملة.
وفي هذا المجال أشار إلى أن الوكالة قد توصلت إلى غاية السنة الفارطة إلى:
– وضع أكثر من 25 ألف متعاون لفائدة 30 دولة شقيقة وصديقة من بينهم 8300 تقريبا متواجدين حاليا بالخارج.
– إيفاد أكثر من 1100 خبير واستشاري للعمل لدى منظمات دولية.
– انتداب أكثر من 130 متطوعا للعمل في نطاق برنامج متطوعي الأمم المتحدة وعدة حملات تطوعية وانسانية أخرى.
– تنظيم أكثر من 180 دورة تدريبية لفائدة أكثر من 2500 اطار من بلدان عربية وافريقية.
– انجاز ما يزيد عن 60 مشروع معونات فنية في بلدان نامية.
– تأطير أكثر من 330 طالبا افريقيا يدرسون بمختلف الجامعات التونسية ممنوحين من قبل البنك الاسلامي للتنمية ومن دولة جيبوتي.
التوظيف بالخارج ونتائج 2005
بخصوص التوظيف بالخارج، والنتائج التي حققتها الوكالة في هذا المجال سنة 2005 الماضية أفاد السيد عبد الحميد بوحوالة أنه على الرغم من الصعوبات التي يعرفها قطاع الهجرة والتشغيل في العالم، نظرا لاحتدام المنافسة بين طالبي الشغل وسياسات التوطين التي أصبحت تعتمدها جل بلدان الخليج، فقد تزايد النشاط لمواصلة نسق التوظيف بالخارج، وقد شهدت تونس في هذا المجال حلول 55 لجنة والحصول على 134 عرضا لانتداب مترشحين تونسيين.
وأفاد أن الوكالة قد تمكنت خلال سنة 2005 من تمكين 1283 تونسيا من الحصول على عقود عمل بالخارج، يتوزع هؤلاء المتعاقدون على 1083 متعاونا (82%) بالأسواق الخليجية (دولة قطر 99 متعاونا)، تليها سلطة عُمان 296 متعاونا، والامارات العربية المتحدة 218 متعاونا ثم المملكة العربية السعودية 294 متعاونا، ومملكة البحرين 30 متعاونا، اما البقية وعددها 245 متعاونا فانها تتوزع على بلدان أخرى.
وأشار الرئيس المدير العام للوكالة أنه يجري الحرص على رصد فرص تشغيل بالأسواق الجديدة وذلك لتكثيف الانتدابات بها، حيث تم التمكن سنة 2005 من الحاق 50 ممرضا وممرضة بمراكز عملهم إيطاليا كما تم تمكين 33 تونسيا ممن تم تأطيرهم بالوكالة من الحصول على تأشيرة الاقامة بكندا.
وبناء على هذا يصبح العدد الجملي للمتعاونين والخبراء المقيمين بالخارج 8300 متعاون موزعين على النحو التالي:
توزيع المتعاونين التونسيين والخبراء حسب الميدان
يتوزع المتعاونون التونسيون والخبراء على عدد من الجهات والبلدان في العالم ومن ابرز هذه الجهات نجد البلدان العربية وافريقيا وأمريكا وآسيا وأوروبا وكذلك النمظمات الدولية، وبخصوص الميادين التي تجري فيها أوجه التعاون نجد التعليم والرياضة، الصحة، الادارة، النقل، الهندسة، الكهرباء، والميكانيك، الفلاحة والصيد البحري، المعلوماتية، السياحة، البترول والغاز، وكذلك جملة من الميادين، الأخرى وتستوعب البلدان العربية وحدها 6833 من الكفاءات التونسية في هذه المجالات ، أما في افريقيا فهناك 151 من كفاءاتنا، وبخصوص أمريكا فإن عدد المتعاقدين التونسيين بها يصل الآن الى 228 بينما يوجد بآسيا 28 اطارا تونسيا، وفي أوربا يصل عدد هؤلاء الى 676 متعاونا.
أما في المنظمات الدولية فيبلغ عدد التونسيين العاملين بها الى 413 متعاونا في حين يتوزع 153 اطارا وفنيا تونسيا في مجالات اخرى، وهكذا فإن مجموع المتعاونين التونسيين والخبراء يصل حاليا الى 8369 خبيرا ومتعاونا في المجالات المشار إليها آنفا.
علي الزايدي
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 18 جانفي 2006)
بنوك معطيات
تتجه نية وزارة الشؤون الدينية الى تكوين بنوك معطيات حول الاطارات المسجدية، يقع اللجوء اليهم عند حصول شغورات في المساجد او الجوامع.. وسيشرع العمل بهذا البرنامج انطلاقا من السنة الجارية بالتعاون مع الولايات..
وزير العدل وحقوق الإنسان يحاضر حول «الموظف وواجب الولاء للدولة»
ألقى الأستاذ البشير التكاري وزير العدل وحقوق الإنسان بعد ظهر يوم الاثنين 16 جانفي 2006 بمقر المدرسة القومية للإدارة محاضرة بعنوان: «الموظف وواجب الولاء للدولة». وتعرّض الوزير في هذه المحاضرة إلى مفهوم الولاء للدولة حسب ما تضمنه القانون الأساسي للوظيفة العمومية مبينا تفرع واجب الولاء إلى ولاء عادي محمول على كافة الأعوان العموميين مهما كانت درجاتهم وولاء خاص مفروض على الموظف السامي، وتولى في الأثناء تقديم تفاصيل ضافية حول مقتضيات واجب الولاء وأشكال احترام سلطة الدولة.
دراسة عروض
تنكب اتصالات تونس منذ فترة على دراسة نحو 14 عرضا من شركات ومؤسسات عربية واوروبية لتخصيص نسبة 35% من اتصالات تونس. ومن المتوقع الافصاح عن المؤسسة المعنية في غضون شهر مارس القادم..
اهتمامات
يتوقع ان يتمركز اهتمام وزارة الصحة خلال المدة القادمة على تعزيز الجانب الوقائي والتركيز على مصالح الصحة الانجابية والطب الاستعجالي، بالاضافة الى تطوير التجهيزات والمعدات الطبية..
دورة تدريبية
انطلق المركز الاقليمي لتدريب الشباب في مجال تكنولوجيات الاعلام والاتصال الحديثة الذي يشرف عليه المرصد الوطني للشباب في تنظيم دورة تدريبية لفائدة مكوني الوكالة التونسية للتكوين المهني في مجال الاعلامية والانترنيت وذلك خلال الفترة من 16 الى 27 جانفي الجاري.
تربية الأسماك
تهدف الخطة الوطنية للنهوض بقطاع تربية الأحياء المائية بالمياه العذبة والمالحة إلى الترفيع في الانتاج من 2000 إلى 12000طن وتنمية الصادرات من 340 طن إلى 7 آلاف طن مع إحداث 1200 موطن شغل مباشر في حدود سنة .2013
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 18 جانفي 2006)
ملفات عقارية على طاولة الدرس:
آلاف الهكتارات من الأراضي الاشتراكية والأوقاف في انتظار التصفية
برنامج لتسوية الوضعيات العقارية لكثير من المدارس والمساكن الإدارية المقامة على الأراضي الدولية
تونس ـ الصباح:
ملفات عديدة تتعلق بالمسائل العقارية، ستتم دراستها خلال السنة الجارية..
فعلى مستوى التسجيل العقاري ينتظر ان تقوم المحكمة العقارية وادارة الملكية العقارية وديوان قيس الاراضي ورسم الخرائط بتسجيل 186 الف هكتار منها 180 الف هكتار تسجيل اجباري و6 الاف هكتار تسجيل اختياري.
وستقوم ادارة الملكية العقارية باحداث قرابة 52 الف رسم منها 50 الفا تنفيذا لاحكام التسجيل وألفا رسم تبعا لعمليات استخراج..
وفيما يتعلق بتصفية ملك الدولة الخاص وحمايته من التجاوزات ستقوم لجان تحديد واستقصاء ملك الدولة الخاص بتحديد 500 قطعة ارض و300 مسكن اداري..
كما ان ديوان قيس الاراضي ورسم الخرائط سيعمل على تنفيذ هذه الخطة خلال السنة الحالية محاولا تجاوز الصعوبات التي اعترضته.
وينتظر تسجيل 500 قطعة ارض مقامة عليها مدارس ومساكن ادارية.. اضافة الى مواصلة انجاز مشروع التطبيقات الاعلامية (SAIBE) والخارطة الرقمية لاملاك الدولة.
الاراضي الدولية
لايجاد صيغ جيدة لاستغلال الاراضي الدولية، وفي اطار تصفية الوضعية العقارية لهذه الاراضي الدولية الفلاحية سيتم تكثيف مراقبتها..
وبالنسبة لاعادة هيكلة الاراضي الدولية الفلاحية.. ستتم خلال العام الجاري هيكلة 10 الاف هكتار لاحداث شركات احياء مقاسم الفنيين الفلاحيين والفلاحيين الشبان.
كما سيتواصل القيام بمعاينات ميدانية في اطار مشروع الابحاث العقارية الشاملة على مساحة اربعة الاف هكتار تهم ولاية منوبة..
وفي اطار تصفية الوضعيات العقارية القديمة يشير منوال التنمية لسنة 2006 الى انه ستتم تصفية 25 الف هكتار من الاراضي الاشتراكية، و5600 هكتار من اراضي الاوقاف الخاضعة لنظام الانزال دون اشهار.
سعيدة بوهلال
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 18 جانفي 2006)
إحداث 2000 فضاء ترفيهي للأطفال والشباب
للحرية ومعها ولها نكتب فقط
مشاهد التغيير.. مصر وتونس نموذجا
معركة الحريات والمعركة المنقوصة!
د.خالد الطراولي*
أغلقتُ منذ أيام خلت، ولمدة أسبوع تصفحي للمواقع التونسية المعارضة أو ما يلامسها، وجعلت حالي يقارب حياة التونسي داخل الوطن! كان الدافع حيرة واستفسارا حول واقع قريب بعيد، شهد ولادتنا وطفولتنا وأيام صبانا، وغيّبته الأيام عنوة عنا، يظنه البعض ويأملون أن يكون طلاقا بائنا بيننا وبينه، ونأمل يقينا أن لكل فراق لقاء، ولكل غيبة حضور، ولكل خروج عودة، والأيام دول…
هل نحن في واد والشعب في واد؟..أسئلة الحيرة والأمل!
تساؤلات عديدة طرحت نفسها وأنا أدخل هذه « التجربة » من معايشة بعيدة لمواطني الداخل، ماذا يسمع التونسي عن الانترنت المعارض، والتصورات والمبادرات والنداءات والمقاربات التي تحفها؟ ماذا يصل إلى التونسي وهو في مغارته وقد رُفعت حوله أسترة من حديد؟ كيف يصل صوتنا؟ كيف نجعل شعبا بأكمله يعيش معنا مشاريعنا وأطروحاتنا؟ كيف نحقق له آماله وأحلامه؟ كيف نجعله يحس بوجودنا، بنصرتنا؟ كيف نخبره أن الأيام دول، وأن ليس للصبر حدود وأن ساعة الحقيقة قد قربت أيامها وانتهت لياليها؟
ومرّ الأسبوع ووجدت نفسي في أرض غير أرضي! كنت في واد وكانت تونس في واد! كانت المعارضة في واد والجماهير في واد! كان التونسي في واد وكانت الانترنت في واد! وكان همّ المواطن في واد وكنا في واد!…
ما العمل؟ ما هو الحل؟.. هل نغادر معاقلنا ونلقي بآلامنا وآمالنا ونعلن على الملأ إحباطنا ومرارتنا ونهايتنا؟ أم نقول و لا تحقّرنّ من المعروف شيئا ولا تحقّرنّ من العمل من أجل تونس شيئا ولو من وراء الحجب والخنادق وبين المطارق والسندان..؟
أم نقول ما في اليد حيلة، وأن هذا العمل من أجل الوطن العزيز، قبل أن يكون سياسة وكرّ وفرّ هو أخلاق وأخلاقية تلزم العطاء دون حساب..؟
أم نقول أن المواطن التونسي وقد مرت عليه سنوات عجاف يستحق التضحية من أجل إعادة البسمة إلى ثغره، من أجل أن يحلم من جديد، من أجل أن يعيش الأمل، من أجل أن يكون إنسانا وكفى، من أجل رجال ونساء وأطفال، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم المنكوب ومنهم المكلوم، ومنهم المعذَّب ومنهم المشرَّد، ومنهم اليتيم ومنهم الشهيد!!!!
هل غابت الجماهير على المشهد، ولماذا؟
لن نجانب الصدق إذا لمسنا هذا الغياب النسبي للجماهير في جل المبادرات والتحركات التي قامت بها المعارضة، لن نُتهمَ في وطنيتنا إذا لاحظنا هذه اللامبالاة النسبية التي صبغت علاقة المعارضة بالجماهير، لن نعمّم حتى لا نقع في فخ التعميم و خطأ التضليل، لكن الغالب في الأمر هو هذه القطيعة غير المرئية، وهذه الخنادق التي فصلت بين المعارضة والجماهير.
لا تخلو جعابنا من تفاسير لهذه العلاقة المهتزة، منها درجة الخوف التي عليها الجماهير، و »الدرس » الذي استوعبته بعد قسوة الردّ، والمعالجة الحديدية لمن تجرأ على الوقوف أو تجاوز حدود المسموح ولو قليلا!، ومنها تشرذم المعارضة لسنوات، ومنها فقدان الزعيم الكارزماتي الأوحد في صفوفها…كل هذه التفسيرات والمبررات تقدم إضافة ولا شك في البحث عن الجواب، وكل منها يمثل في حد ذاته أحد مكامن ضعفنا، وقد عرجنا عليه بأكثر تفاصيل في كتابات سابقة (1)
لكننا رغم محاولات التقارب بين الصفوف، والتي مثلتها مبادرة 18 أكتوبر مع بعض الدَّخَن الذي بدأ يطل من هنا وهناك، فإن الجماهير في أغلبها لم تخرج إلى الشارع ولم تحمل هموم المعارضة من حريات مهمشة وتعدد حقيقي معدوم وديمقراطية مترهلة..، فهل حملنا نحن همومها؟ هذا هو مربط الفرس وهذا هو سؤال الحيرة والأمل ، هذا الغياب يجب أن يمثل رجة لنا لبداية عودة الوعي، وتفهم الوضع التونسي، وفهم عقلية التونسي والثقافة التي كونته، والإطار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحتى النفسي الذي أنبته و وبلوره، فالتونسي هو التونسي بتاريخه القريب والبعيد وهموم اللحظة وتأمينات المستقبل، ولعل التونسي لا يخرج عن بوتقة كونه إنسان وكفى، إنسان متعدد الأبعاد والميولات ولكن يحمل في داخله بُعْدَ الطموح نحو الأفضل والأسلم والأنجع، رغم أنه يبقى في النهاية الإنسان ذلك المجهول…
إن الستار الحديدي الذي نزل على البلاد منذ حقبة من الزمن قد بدأت تتطاير شظاياه ولا شك، ولقد ساهمت مبادرة 18 أكتوبر في رفع هذا الكابوس، ولكن التونسي البسيط الذي لا يفقه من عالم الانترنت الشيء الكثير، والذي يواجهه الرغيف وفاتورة الماء والنور في كل يوم تطلع شمسه، لن يعبأ الكثير لمطالب الحقوق والحرية وهو لا يجد إشباعا لحاجاته وحتى ضروراته.
لا تسألوا من ليس في بيته دقيق!
كثيرا ما خيم البعد الحقوقي السياسي على مشاريعنا، وانحسرت مطالبنا في التحرر والتحرير والحرية، وظننا أن هذا كاف لجلب الناس إلى صفنا..، عشنا غياب الحرية ونحن في المنافي يعيش بعضنا المنغصات والأحزان والأشواق وهموم الوطن..، وينعم بعضنا بظلالها ويحكي عن أشواقه إلى ارتياد تراب الوطن وهو على أريكته أو أمام مائدته..، نادينا باستفحال الاستبداد والاستخفاف والدكتاتورية، ونسينا أن البطون الجائعة لا تفكر، وإن فكرت فعن لقمة رغيف تسد رمقها ورمق من حولها. كانت نقاشات البعض ترفا فكريا، تجمعه صالونات الشاي أو دردشات المقاهي والنوادي، وكانت الجماهير في الوطن ترتاد المقاهي « لقتل الوقت »..
إن دعوة التغيير ونجاحه، مرتبط بشموليته وملامسته لهموم الناس، ولن يفقه عاقل أن يجتمع قوم على حقوق، وينسون حق الأكل والشرب والحياة الطيبة. ولقد نجح النظام، أحببنا أم كرهنا، في تسويق بضاعة النجاح الاقتصادي لأكثر من عقد من الزمن، وصدّقه الخارج ولعل الداخل سايره، وكنا نرى بكل أسف، الحيرة والغياب النسبي للتوصيف والنقد لهذه المقولة، وطرح البدائل لها من طرف المعارضة.
ستظل معايشة هموم الناس ولو كانت بسيطة أو متواضعة، هي الوسيلة الناجعة لاستقطاب اهتماهم، ولن نستطيع ربح معركة التحرر والحرية، إذا غيبنا من مطالبنا وأهدافنا هذا البعد الذي تعيشه الجماهير، والذي تجاهلناه أو همشناه.
فلا يجب أن تتوقف مطالب الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، عند بوابة الحاجيات المادية الملموسة، فمن حقوق الفرد الأولى أن يعيش كفاية في المسكن والملبس والمأكل، وليس عيبا أو ضعفا أو سقوطا، أن يُنادَى بها من فوق الأبراج، وأن يتوقف عليها انتسابه أو تخلفه عن ركب ما.
نريد ولا شك أن تشاركنا الجماهير أتعابنا وهمومنا، نريد منها نصرتنا ومعاضدة جهودنا، نريد منها أن تع أن الشأن العام حمل عام، وأن الديمقراطية والحرية كفاح مشترك يحمله النخبة والعوام!..هذا مرادنا، ولكن… ماذا تريد الجماهير؟ تريد أن نشاركها همومها ومشاغلها، تريد أن نع أن الشأن العام لا يلغي حاجيات اليوم والليلة…وأن الحديث عن الخبز والماء هو من أولويات حقوق المواطنة الكاملة، وحق المواطن في العيش في رفاه… هذا ما يريد، وذلك ما نريد، ولن يكون إلا ما يريد!
إن الدعوة التي أُوجِّهها إلى أي مبادرة سابقة أو لاحقة، وإلى أي برنامج جبهة أو ائتلاف أو تحالف، ألا يقتصر البرنامج أو تنحسر المطالب على الجانب السياسي أو الحقوقي البحت على أهميته واستعجاليته، ولكن أن يجمع على نفس المستوى وعلى نفس الوتيرة، المطلب المادي البسيط، الذي بدأت تتأكد أهميته مع بوادر ترهلات الاقتصاد التونسي في أيامه القادمة. فتبنّي المعارضة لمطلب الحقوق المادية وجعلها في نفس مستوى مطالب الحريات والديمقراطية، هو تبنٍّ لمطالب العامة من الناس واقتراب من مشاغلهم ومشاركة في همومهم، وهو أيضا كشف الغطاء عن حقائق مدفونة حول الحالة المعيشية الصعبة التي بدأت تدب في أطراف المجتمع.
(1) انظر مقالاتنا « رأي في تشكل المعارضة التونسية » جوان 2003 و « المعارضة وغياب المهدي »
المصدر
: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي http://www.liqaa.net
شروط النهضة ثلاث
الحلقة الاولى
هل إهتم الاسلام بقضية النهضة وإلى أي مدى كان ذلك ؟
لو وجهت السؤال إلى المسلمين والمتدينين اليوم لوقفت على عجب عجاب فمن قائل بأن الاسلام لا يعرف النهضة مصطلحا ومقتضى ذلك معنى كذلك وربما بدعك صاحبك ومن قائل بأن الاسلام منهج النهضة ولكنها عند صاحبك نهضة غريبة عن القرآن والسنة أو بعض مواضعهما على الاقل أو منهجهما العام فهي نهضة ككل النهضات وبالخلاصة فإن الخطاب الاسلامي المعاصر حيال قضية النهضة من منطلق إسلامي يتوزع على خمس توجهات :
ــ خطاب إجتراري يقتصر على كون السلف نهض في حين قعد الخلف وذلك مبلغه من العلم والحلم معا مع أن الاجترار مفيد لبعض الكائنات يغذيها أما التمسح على أعتاب سلف لم يشهد له أحد بالعصمة وقارب وإجتهد فأصاب وأخطأ ضمن محيطه الذي هو محكوم به شاء أم أبى فذلك هو الاجترار الذي لا يصلح سوى بالصغار الذين يقتصرون على المنهج الببغاوي القرودي وليس ما فوق ذلك مما أقدم عليه السلف من إجتهاد وتجديد فيه الصواب وفيه الخطأ في متناولهم .
ــ خطاب إنعزالي والانعزال لئن إتخذ في السابق شكل الهروب المادي والفرار الحقيقي إلى الكهوف والمغاور كذبا على العبادة فإنه اليوم يتخذ له شكل الهروب من مواجهة التحديات الواقعية الحقيقية الماثلة التي تعترض الناس ضمن سنة الاسباب وقانون الابتلاء والحقيقة أن الفارين القدامى كانوا أصدق مع أنفسهم حتى لو أخطؤو الاخذ بالمنهج الاسلامي الاوفق بسيرته عليه السلام وسيرة صحبه ومن تبعهم من خيرة القرون الاولى أما العيش مع الناس والفرار من مشاكلهم بحق كانت أو بباطل فذلك هو الانعزال الذي يؤدي إلى اليأس من الناس ثم من رب الناس أو إلى الانتقام وفي الحالين سيادة السلبية والحرمان من أجر العمل وثواب المشاركة .
ــ خطاب إنتحاري يبدأ بالغضب ثم بالتكفير ثم بالتفجير إنتقاما من الناس الذين هم برأي صاحب ذلك الخطاب مسؤولين جميعا عن وضع ما والحقيقة أن الخطاب الانتحاري له أصل آصل في الخطاب الانعزالي عزلة شعورية وليست عزلة مادية كما كانت في السابق ولا يختلف الانعزالي عن الانتحاري سوى أن الثاني دخل في نوبات عصبية حادة لفرط ثقل الشعور بالمسؤولية على الوضع العام بخلاف الاول الذي ركن إلى السلبية وقنع بها .
ــ خطاب إشتجاري نسبة إلى الاشتجار أي إفتعال الشجار أي الخصومات والخلافات فيما يرد فيه التنوع والتعدد وهو أكثر ما في الدين والواقع مطلقا وهو خطاب يتستر بالعلمية ويختلف عن الخطاب الانتحاري الذي يتستر بالتضحية وقضية العلم قضية خطيرة ليست دوما مأمونة العواقب لان طالب العلم عليه أولا أن يفقه منهج طلب العلم ثم منهج قيام ذلك العلم الذي يطلبه ثم حقل تطبيق ذلك العلم الذي حصله وكل طالب علم في العادة لا يتأهل في ذلك من لدن مدرسة منظمة المناهج تقدم المنهج على المادة العلمية ومضمونها ثم تقدم العلم على العمل والعقل على التقليد يتخرج بعد حين تماما كما يتخرج حاطب بليل ربما تسعفه حية إحتطبها ضمن لفيفه حتى تشرق الشمس من غد وربما تجهز عليه قبل ذلك .
الامر الكبير الذي يجهله أصحاب الخطاب الاشتجاري هو أن أكثر ما في الاسلام من مادة كمية ظني وليس قطعي ومجال الظنيات مفتوح للاجتهاد والاجتهاد في المجال السني بخلاف الشيعي ليس مؤسسة دينية بمثل ما هو في الكنيسة مثلا بل هو مفتوح للصواب والخطأ ومرجعية الامة قاطبة بوحدتها حول ثوابتها القاطعة هي المسؤولة وحدها عن تصحيح هذا وتخطئة ذاك وذلك أوفق مع أمرين أولهما حرية الرأي والتفكير وما يورثه ذلك من وحدة في الامة وثانيهما إنفتاح الاسلام على بوابات الاجتهاد والتجديد لمواكبة التطورات والتحولات . وبذلك يغدو الخطاب الاشتجاري الذي يعكف على التحقيق العلمي خارج دائرته الاكاديمية المعروفة حول الخلافات الفرعية التي تحتل من الاجتهاد الاسلامي أكثر من تسعة أعشار منه عملا عابثا يهدد وحدة الامة من ناحية وحريتها الفكرية من ناحية أخرى ويغري المنافس والخصم والعدو بالتسلل ويؤجل القضايا الاكبر والاهم والاولى بالتجشم فتنعرج المسيرة ويسود الانحطاط والتخلف مجددا.
ــ الخطاب الانبهاري وهو مستويات وإتجاهات فأما إتجاهاته فهي اليوم إثنتان كبيرتان واحدة صوب السلف الماضي يتخذ قبلة لحل مشاكل العصر وأكرم بها من سذاجة عقلية وأخرى صوب الخلف اليوناني السائد اليوم بقوته وجبروته وعلومه وسحره معا يعول عليه لانشاء معركة بين الدين وبين العلم في أرض لا تعرف تلك الخصومة وأما مستوياته فهي إنبهار شامل كامل وهي العلمانية الكاملة التي تفصل بين الاسلام وبين الحياة بأسرها وإنبهار جزئي وهي العلمانية الجزئية التي تفصل بين الاسلام و بين السلطة والدولة والسياسة وإنبهار تلقائي غير متأدلج يراوح بين الاعجاب بعظمة الاسلام في الماضي وبين الاعجاب بإنجازات الغرب في الحاضر.
ما يهمنا هنا في الخطاب الانبهاري هو حد الاعجاب بالحضارة الغربية إلى حد الصيرورة في مقام العبودية لها وما يقتضي ذلك من تأخير لدور الاسلام في الحياة العامة والشخصية . وهو خطاب إسلامي يظل دوما كذلك لانه لا يرفض الاسلام جملة وتفصيلا ومنطلقا وصيرورة بل يحاول الملاءمة والمواءمة ولا يعنيا في ذلك سوى دعاوي أصحابه ولسنا مسؤولين عن السرائر والنوايا . إذ الفكر الاسلامي نتاج تفاعل عقلي مع الاسلام إقرارا بوجوده على الاقل ومن ذلك الاستشراق لما فيه من غث وسمين وكل خلط بين التفكير الاسلامي وبين الاسلام من جانب المساندين أو من جانب الرافضين هو خلط في المنهج يفضي إلى غش في التفكير وتنزيل معيب.
محل تلك المقدمة عن مناهج التفكير الاسلامية المعاصرة في مشروع النهضة :
النهضة عملية تبدأ من العقل الذي ينتج الفكر وهذا بدوره يتحسس سبل التنزل ذلك من جانب نظري أولي عام ثم من جانب عملي فإن رصد مناهج التفكير الاسلامي المعاصرة كفيل برصد منهج للنهضة الاسلامية المعاصرة يقوم على الملاءمة في وسطية عجيبة بين حقيقة السلفية معنى وتطبيقا وبين حقيقة الاقتباس معنى وتطبيقا ولا جدل عندي أن من جسد السلفية الاسلامية الحقيقية الجامعة بين مبدإ الاسلام وضرورة الانفتاح ليس هو سوى المرحوم محمد عبده ضمن كوكبة ضمت معه رشيد رضا والافغاني والبنا وهي ذات السلفية التي توغل في التاريخ حتى تلتقي بأسماء ومشاريع أخرى من مثل الشاطبي وإبن تيمية ومالك ثم تتصل بالفاروق عمر عليه الرضوان خير من واكب بين القطعي الاسلامي وبين المتغير المعاصر . ولا مناص من الاستفادة من كتابات رجال خصصوا لقضية النهضة كثيرا منهم المرحوم بن نبي والدكتور محمد عماره.
منهج النهضة في الاسلام يقوم على أركان ثلاث هي :
ــ العلم ولذلك كان عنوان رسالته النهضوية بالانسان ـ كل إنسان ـ هو » إقرأ بإسم ربك « .
ــ الحرية ولذلك خصص لها سورة كاملة هي سورة الشورى وطفح كتابه بمعاني الحرية طفحا.
ــ القوة ولذلك خصص لها سورة الحديد وقال » وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة « .
العلم والحرية والقوة هي شروط النهضة الاسلامية المعاصرة وهي أيضا أركانها ضمن منهجها القائم على إخلاص التوحيد له وحده سبحانه وتكريم الانسان ـ كل إنسان ـ ليتأهل لمنزلة الخلافة والاستئمان والاستعمار والتعليم والامانة والحكم بالعدل والقسط بين الناس .
وإلى حلقة تالية تنقلنا إلى الركن الشرط الاول من مشروع إستئناف النهضة الاسلامية المعاصرة وهو ركن العلم أستودعكم من لا تضيع ودائعه .
الهادي بريك / ألمانيا
حركة النهضة التونسية: الهجمة على التيار السلفي, هل هي عرض لحرب بالوكالة؟!
(2 من 2)
نوفل المعاوي ـ كاتب تونسي
* العنف في تونس هل هو سلفي أم نهضوي؟
والمفارقة التونسية هي أنه لم تسجل في تونس أبدا حادثة عنف واحدة أو كشف تنظيم مسلح ذو توجه سلفي, في حين اتهمت حركة النهضة مرارا بممارسة العنف أو التخطيط لذلك, ولعل من أمثلة ذلك محاولة انقلاب 8 نوفمبر1987, التي نسبت إلى الجناح المسلح للحركة, وحادثة باب سويقة الشهيرة في تونس ربيع1991, التي كانت قاصمة الظهر وتسببت في انقسام الحركة وخروج أعداد واسعة من صفوفها وعلى رأسهم كوكبة من القياددين الكبار من بينهم الأستاذ عبد الفتاح مورو وفاضل البلدي رئيس مجلس شورى الحركة, الذين نددوا بلجوء الحركة إلى العنف, هذا فضلا عن حوادث الاعتداء بماء النار التي اتهمت بها الحركة في مناسبات متفرقة.
أما حادثة جربة فلم تكن لها علاقة بالداخل وشباب الصحوة الجديدة في تونس, فقد كان مرتكبها مقيما في فرنسا ونفذ العملية في ارتباط مع شبكة دولية مقيمة في أوروبا قيل إنها مرتبطة بتنظيم القاعدة. أما التيار السلفي في تونس ولا أتحدث هنا عمن يعرفون بالمداخلة, بل عن غيرهم, سواء منهم الذين ينتمون إلى مدرسة كف الأيدي, التي تركز على التصفية والتربية والعلم, أو المتعاطفين مع تيار العنف المسلح في البلاد العربية, فهو أبعد ما يكون عن التفكير في خيار العنف في تونس, تقديرا منهم لحجم تونس, واتعاظا بالتجارب المجاورة وإدراكا منهم لواقع الشعب التونسي الذي بلغ الانحلال والتفسخ التغريبيين بين أوساطه مداهما….
* حقيقة « التيار السلفي » المعاصر في تونس ونشأته:
من المعلوم أن أوائل علماء المالكية في تونس كابن أبي زيد القيرواني وابن عرفة كانا على عقيدة أهل السنة والجماعة, لكن لو لتفتنا إلى التاريخ المعاصر، فإننا نجد عددا من الزيتونيين من علماء وطلاب علم قد أخذوا بمذهب السلف الصالح في العقيدة، فمنهم على سبيل الذكر لا الحصر, الشيخ المكي بن عزوز أكبر علماء الزيتونة في وقته الذي كان قد عمل على تكوين مجموعة من المجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي حتى نفاه الاستعمار ومات في الآستانة، ومنهم العلامة الشيخ محمد بن الخضر حسين, الذي تولى مشيخة الأزهر بعد نفيه من تونس, ومنهم الشيخ عبد القادر بن عمر سلامة, أحد الرعيل الأول المؤسسين للحركة الإسلامية المعاصرة في تونس وقد كان مديرا لمجلة المعرفة, وآخرين ساهموا مثله في تأسيس الحركة الإسلامية.
كما شهدت أواسط الثمانينات انضمام مجموعة من الشباب السلفي من بعض الأحياء الشعبية في العاصمة إلى الحركة, على رأسهم عثمان بن محمود طالب الهندسة, الذي قتلته الشرطة وهي تطارده رميا بالرصاص سنة 1986, والذي تسبب مقتله في انتفاضة طالبية…, ولكن منذ انقلاب الثمانينات في المنهج العقدي والفكري للحركة، بدأت هنالك حركة تململ متزايدة شيئا فشيئا في ساحة العمل الإسلامي في تونس من توجهات حركة النهضة التي عيب عليها إهمالها للعلم الشرعي وللتربية وسياستها العلمانية, فظهرت مجاميع من الشباب الذي يهتم بالعلم الشرعي والتربية في بعض ضواحي العاصمة وبعض الأحياء الشعبية وخاصة حي التضامن وفي مدينة صفاقس, وقد كان من رموز تلك المرحلة الشيخ أبو عبد الله المظفر, كما كان لإحدى مؤسسات الحركة, الدكتورة سميرة شيخ وزوجها ـ بعد خروجهما من الحركة ورفضهما لمنهجهاـ دورا في نشر الدعوة في صفاقس مسقط رأسهما وفي الضواحي الشمالية للعاصمة حيث يقيمان.
ومع نهاية الثمانينات كانت الأعداد تتضاعف نتيجة رفض متزايد بين البعض في الساحة لمنهج حركة النهضة, ثم انقسم السلفيون إلى تيار التصفية والتربية والعلم وتيار آثر خوض العمل التنظيمي والمواجهة مع النظام وجسدته ما عرف بـ »الجبهة الإسلامية »، وهو التنظيم الذي سرعان ما كشفته السلطات واعتقلت كل قياداته باستثناء واحد لجأ إلى الخارج. ثم ساهم صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في نمو قوي للتيار السلفي في تونس في أواخر الثمانينات… وبقطع النظر عما آلت إليه أمور هذين التيارين بعد ذلك, فقد كان للسلفيين وجود متصاعد قبل انهيار « حركة النهضة » في تونس, وكانت المؤشرات تدل على أن دعوتهم تسير إلى التمدد في الساحة نظرا لما أسلفته من تململ جانب من شباب العمل الإسلامي داخل حركة النهضة وخارجها من « الخط الترابي » الذي هيمن على الحركة، والتي تحولت تقريبا إلى حركة سياسية بحتة تهمل العلم الشرعي والتربية إهمالا شبه تام، ولا تعبأ بالتأصيل الشرعي لمواقفها.
ولذلك فمن باطل القول الزعم بأن خلو الساحة من حركة النهضة هو السبب في انتشار الدعوة السلفية، ومحاولة تصنيف الدعاة السلفيين في تونس تحت خانة الإرهاب!! في حين تعلم الحركة جيدا أن هنالك ثلة من العلماء التونسيين وطلاب العلم، الكثير منهم من حملة الدرجات العلمية الرفيعة في العلوم الشرعية, يتبنون عقيدة ومنهج السلف، ولكن رغم اختلافهم معها فهم ليسوا من المحرضين على حمل السلاح في تونس، ولولا الإحراج لذكرت أسماء بعضهم في الداخل والخارج, وأغلبهم يدرسون خارج تونس لسياسة التحالف الماركسي الفرنكفوني الاستئصالي, المندس داخل السلطة ضد الإسلام والعمل الإسلامي.
* حركة النهضة والمأزق الصعب وقلة الخيارات المتاحة:
منذ انهيار حركة النهضة في تونس ولجوء قياداتها المتبقية إلى بلاد الغرب, والدائرة تضيق حولها. فبعد خسارتها لأغلب قياداتها في تونس بين السجن أو الانسحاب من الحركة كما أسلفنا, شهد المهجر الأوروبي حيث يقيم أغلب أعضاء الحركة في الوقت الحالي, نزيفا حادا ومزمنا لأعضائه من القيادة أومن القاعدة، كما تم طرد العديدين ممن اختلفوا مع خط راشد الغنوشي في الحركة, وأغلب قيادات الحركة اليوم هم من الشباب الملتفين حول شخص راشد الغنوشي، والذين نشأوا على فكره ومنهجه السياسي, وغابت القامات الكبيرة والكارزماتية عن ساحة الحركة بالانسحاب أو الطرد, إذ لوا ألقينا نظرة على الشخصيات المؤثرة التي عرفت بها الحركة, لا يوجد منها داخل الحركة اليوم إلا واحد فقط هو الغنوشي, أما عبد الفتاح مورو الذي كان يعد عند قواعد الحركة في تونس سابقا الرجل الثاني للحركة، فقد ترك الحركة وندد بها منذ عملية باب سويقة الشهيرة، وأما الدكتور صالح كركر, الذي فرضت عليه السلطات الفرنسية منذ سنوات المنفى القسري في جزيرة في فرنسا, فقد طرده الغنوشي من الحركة, وهو اليوم طريح فراش المرض…
وقد تحولت بقايا الحركة أو ما يعرف بنهضة المهجر, إلى حركة بيانات احتجاج أو تنديد ومواقع الكترونية وبعض التظاهرات الصغيرة التي تقيمها الحركة من حين إلى آخر في بعض العواصم الأوروبية, ولم تستطع الحركة في بلورة نشاط فاعل في الساحة الفرنسية، حيث الجالية التونسية المهاجرة الكبيرة العدد نسبيا, وذلك بسبب مضايقات السلطات الفرنسية التي لم تفلح الحركة في كسب ودها، رغم ما صرح به أحد قياداتها هناك حبيب المكني من تعاون الحركة الوثيق مع المخابرات الفرنسية{1}، وحتى جيل الصحوة الإسلامية من أبناء التونسيين المهاجرين فقد فشلت الحركة في استقطابهم، وذلك نظرا للخطاب الحداثي الغريب الذي تتبناه، ومن سماته البعد عن التأصيل الشرعي لأفرادها وعدم تأهلهم للعمل في الساحة الدعوية الإسلامية، وهم الذين قدموا من الساحات الجامعية التونسية حيث الصراعات السياسية مع اليسار والتلبس بخطابه….
أما السلطات التونسية، فالظاهر أنها اتخذت قرارا لا رجعة فيه بعدم العفو عن حركة النهضة وعدم السماح لها بالعودة إلى الساحة, وبقطع النظر عن مدى صحة ما يقال بأن الرئيس التونسي شخصيا له تصفية حسابات قوية مع الحركة التي يتهمها بالتخطيط لاغتياله ولانقلاب عسكري …. فإن موازين القوى تنبئ بأن حركة النهضة قد تلاشت من الساحة وتجهلها الأجيال الجديدة في تونس ولا تكاد تعرف عنها شيئا يذكر، بمن فيهم شباب الصحوة الإسلامية الجدد.
ومن الواضح أن قيادة نهضة المهجر قد استوعبت ذلك، فرأت أنه لم يبق لها من خيار إلا السعي إلى التحالف مع اليسار وما يسمى بالديمقراطيين ومحاولة ركوب سفينة الإصلاح الأمريكي الذي يحط أنظاره على منطقة المغرب العربي, علها تستطيع تعديل دفة السفينة من الداخل.
لكن البعض الآخر من إسلاميي المهاجر التونسيين، يرى أن الحل يكمن في حل حركة النهضة, والدخول في مفاوضات جدية مع السلطة لإطلاق سراح المساجين, والعودة إلى العمل الدعوي والتربوي وترك العمل السياسي الذي يقتضي منطق المغالبة في ظل ميزان قوى محلي وعالمي غاية في الاختلال، وصف هزيل، وتحالف مكلف مع اليسار المعادي للتدين, في بلد يعاني شعبه من جهل كبير بأساسيات الدين، ونخر التغريب كيانه، حتى يوشك أن يقارب حالة مسلمي أو بقايا مسلمي ألبانيا وكوسوفا.
إن الطريق المسدود الذي وصلته حركة النهضة من أهم أسبابه هو الخطأ في فهم الطبيعة الثقافية للشعب التونسي وعلاقته بالدين, فقد تميز الشعب التونسي عن بقية الشعوب العربية, باحتكاكه المبكر بالحضارة الغربية إلى جانب مصر محمد علي, وهو ما ذهب إليه عديد الباحثين مثل د. إبراهيم حيدر علي, وإذا ما كانت مؤسسة الأزهر قد ساهمت في تعديل الانحراف في مصر وكذلك « التوجه العروبي » لمصر في العهد الناصري, فإن البورقيبية قد زادت الطين بلة بإلغائها للتعليم الزيتوني بعد أن كان جامع الزيتونة, قلعة الإسلام في شمال إفريقيا, وبانبهارها بالغرب وبكمال أتاتورك ـالذي كان يعبر عن إعجابه البالغ به ـ مقابل النفور الشديد من الإسلام والعروبة, اللذان كان يرمزان عنده إلى التخلف, وباستقطاب بورقيبة لعناصر شيوعية للحزب الدستوري مثل محمود الماطري ومحمد الصياح الذي ظل فترة طويلة مديرا للحزب..
وتتواصل الحرب الاستئصالية على الإسلام اليوم في تونس عبر العناصر الفرنكفونية الماركسية التي التحقت بكثافة بالحزب الحاكم في تونس منذ أواخر الثمانينات، لتتولى مراكز حساسة في مجالات التنظير الحزبي وفي قطاعات التربية والتعليم والثقافة. لقد كان لغفلة الحركة عن خصوصية المجتمع التونسي هو الذي دفعها إلى العجلة في خوض غمار العمل السياسي، بينما كانت الدعوة لا تزال غضة طرية العود، والقيادة نفسها تشكو من قصور شديد في العلم الشرعي وبعضها قادم من تجارب قومية ناصرية، وحمل معه إلى الحركة الطبيعة السياسية الجافة للأحزاب العلمانية.
ولكن إذا كان ما يعرف بالتيار الترابي في « الحركة الإسلامية التونسية » بقيادة الغنوشي يدفع اليوم باتجاه التحالف مع اليسار والضغط على السلطة من هذا الباب، وبعضهم يطالب الحركة بمحاكاة تجربة أردوغان حرفيا وإعلان العلمانية بسبب خصوصية المجتمع التونسي …فإن هناك تيارا آخر ومنهم كاتب هذه السطور, يدعو إلى ترك العمل السياسي والتنظيمي السري, والمصالحة مع السلطة مقابل رفع يدها عن الإسلام, والعودة إلى ساحة الدعوة والتربية والعلم للمحافظة على دين الشعب الذي يهدده التحالف الماركسي الفرنكفوني داخل السلطة, وذلك من باب فقه الموازنات بين المصالح المفاسد، وأن ذلك أفضل من تقديم التنازلات المبدئية للأعداء الأيديولوجيين للإسلام من اليساريين الذين تتحالف معهم نهضة المهجر اليوم.
الهامش:
{1} أنظر كتاب « ذكرياتي من السلطة إلى المنفى » للدكتور أحمد القديدي, حيث ذكر أن حبيب المكني أحد القيادات العليا المعروفة لحركة النهضة وهو يقيم في باريس قد حدثه عن التعاون الوثيق بين حركة النهضة والمخابرات الفرنسية، والدكتور أحمد القديدي أستاذ علوم الإعلام في كلية الإعلام في جامعة قطر, والرجل معروف اليوم بحياده وله توجهات إسلامية، وقد نشرت له سلسلة « الأمة » القطرية أحد مؤلفاته.
(المصدر: مجلة العصر الألكترونية بتاريخ 18 جانفي 2006)
» فتاوى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور »
أسرار جديدة عن النووي الإسرائيلي والإيراني
د. أحمد القديدي (*)
لا حديث في الاتحاد الأوروبي هذه الأيام بلهجة التهديد والوعيد سوى عن رفع الأختام عن مولدات تخصيب اليورانيوم في الجمهورية الايرانية، وبالطبع تدعي ترويكا الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا بأن طهران خالفت اتفاق باريس، وتتفق هذه الدول مع ارادة واشنطن في احالة ملف ايران الى مجلس الأمن لتبدأ عجلة الضغوط الدولية في الدوران حسب السيناريوهات التقليدية المعروفة التي شهدناها في العراق واليوم في سوريا. والأخطر في هذا الملف هو أنه محاط بمناخ مخيف من الأزمات المتفجرة في بغداد بكل أبعاده العسكرية والاستراتيجية والطائفية، وكذلك غير بعيد منه بمعضلة فلسطين وهي تدخل نفق الصراعات الداخلية المتشعبة بسبب التناقض بين حقيقة التركيبة السياسية في الداخل وشروط الأطراف العالمية لحل المشكلة بدون حماس والجهاد وفصائل فتح أي بدون شعب فلسطين، وهو وضع تاريخي غير مسبوق في المنطقة. وهذا الاطار المحيط بالملف النووي هو الذي يضعه في الصدارة لأنه يرشح الأزمة بمعاركها التقليدية الى أن تتحول الى حروب نووية، وهو ما تخشاه الدول البعيدة جغرافيا والقريبة استراتيجيا. وقد سمعنا رئيس هيئة مصلحة النظام الايراني الرئيس الأسبق للجمهورية الاسلامية السيد هاشمي رفسنجاني يقول للغرب يوم الاربعاء الماضي إن كل من يسبب متاعب ومشاكل لطهران سوف يندم على فعلته، ويكرر تلك الحقيقة التي رددها الايرانيون منذ بداية الأزمة وهي أن لايران الحق في امتلاك طاقتها النووية السلمية وما على البرادعي ووكالته الدولية سوى حق المراقبة والتقييم.
واليوم أريد أن أكشف لقراء صحيفتنا الغراء عن بعض الأسرار المتعلقة بالنووي في كل من ايران واسرائيل، وهذه الأسرار ليست من عندي ولكني أكتشفها حين أراجع المذكرات الثمينة التي كتبها في الأزمنة الماضية صناع السياسة وأصحاب القرار في أعلى هرم الحكومات الغربية، حينما كانت شعوبنا اما ترزح تحت نير الاستعمار في ذلك العهد أو غارقة في مآسيها الداخلية. وفي الحالتين لم يقرأ العرب تلك المذكرات وهي منشورة ومع الأسف قرأها أعداء العرب وعرفوا بفضلها كيف يخططون لمزيد من قمعنا واخضاعنا واخراجنا من دائرة التاريخ! والحقائق التي أعرضها على القراء مكتوبة بقلم رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق السيد موريس كوف دي مرفيل تحت رئاسة الجنرال شارل ديجول وهو الذي كان أيضا وزير خارجية فرنسا من عام 1958 إلى 1968 أي على مدى عشر سنوات كاملة كانت هي السنوات الحاسمة في تمكن اسرائيل من السلاح النووي بفضل مساعدة باريس. وهنا سوف أترجم للعربية خفايا أعتبرها جديدة تماما كتبها بوضوح من كان في قمة الدولة الفرنسية انذاك وعاشها بل وكان مهندسها الأول. يقول السيد كوف دي ميرفيل في الصفحة 98 من مذكراته المنشورة بمؤسسة بلون للنشر بباريس:
«حين قابلت الرئيس الأمريكي جون كيندي يوم 7 أكتوبر 1963 في البيت الأبيض، أجريت معه جولتين من المحادثات، عبر لي الرئيس خلالهما عن مخاوفه الخطيرة من اسرائيل وامكانية حصولها على السلاح النووي، لأننا في باريس وحسب اتفاقية بيننا وبين اسرائيل وقعناها عام 1957 التزمنا بمساعدة تل أبيب في إنشاء مفاعل ديمونة في صحراء النقب وتمكين الدولة العبرية من مخصبات اليورانيوم من نوع ماركول أي من انتاج البلوتونيوم» ويضيف رئيس حكومة فرنسا الأسبق قائلا: «منذ عام 1958 حاولنا أن نحد من طموحات اسرائيل واخضاع منشآتها النووية للمراقبة بحرص من الجنرال ديجول منذ توليه رئاسة الجمهورية عام 1958، ولكننا كنا مدركين بأن اسرائيل في مقدورها الحصول على اليورانيوم من جهات أخرى غير باريس».
هذا ما قاله السيد كوف دي ميرفيل بالحرف، وهو يكشف حقائق لم نكن نعرفها من قبل وهي:
1- الرئيس جون كيندي كان ضد امتلاك اسرائيل للسلاح النووي وعاتب باريس على تزويدها للدولة العبرية بما يؤهلها لامتلاكه، وهو موقف مختلف تماما عن موقف الادارات الأمريكية التي جاءت بعده والتي اعتبرت التفوق الاسرائيلي على العرب أولوية استراتيجية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
2- الرئيس كيندي عبر عن موقفه هذا قبل أسابيع قليلة من اغتياله على يد لي أوزوالد الذي كان متهما بعلاقات مع الأجهزة السرية الروسية والاسرائيلية.
3- لي أوزوالد قاتل كيندي أغتيل بعد ثلاثة أيام من ايقافه على يد جاك روبي أحد غلاة اليهود الأمريكان المتطرفين، وجاك روبي هو ذاته مات في السجن بمرض شبيه بمرض ياسر عرفات بعد ثلاثة شهور من ايقافه!
هذا فيما يتعلق بالنووي الاسرائيلي، أما النووي الايراني فيقول السيد توني بين الوزير العمالي البريطاني للصناعة أنه عام 1977 في عهد شاه ايران عندما قابل المسؤولين الأمريكان كانوا يحثون لندن على مساعدة طهران في امتلاك السلاح النووي لأن واشنطن تعتبر ايران في ذلك الزمن حارسة المصالح النفطية الغربية في المنطقة.
نلمس من خلال هاتين الشهادتين من أهلها أن الخيارات الاستراتيجية للدول العظمى يمكن أن تتحول من الضد للضد ومن الموقف الى نقيضه بحسب مصالحها دون أي اعتبارات عاطفية أو أخلاقية أو قانونية. فالمصالح حين اقتضت تفوق ايران كانت واشنطن مع تسليح طهران بالنووي ثم حين أصبحت اسرائيل هي حامية حمى المصالح الغربية تحول الخيار الأمريكي والأوروبي من تسليح طهران الى تجريد طهران من سلاحها والى عقيدة انفراد اسرائيل بالقوة النووية.
هذا هو منطق العلاقات الدولية كما يفرضه علينا العالم اليوم وعلينا نحن العرب قراءة ردود فعل شعوب أمريكا اللاتينية على هذا النظام العالمي الظالم للاستلهام منها بعد أن أعلن هيجو شافيز رئيس فينزويلا وموراليس رئيس بوليفيا وميشال باشلي رئيسة تشيلي بأنهم لا يقبلون ذلك المنطق المؤسس على القوة والهيمنة!
(*) كاتب وسياسي من تونس
(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 18 جانفي 2006)
حماس والانتخابات الفلسطينية
محمد كريشان
قبل أسبوع واحد فقط من توجه الفلسطينيين إلي صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في المجلس التشريعي الفلسطيني تزداد الصورة تشويقا فيما يتعلق بحظوظ حركة حماس في هذه الانتخابات واحتمال مشاركتها في الحكومة المنبثقة عنها وما يترتب عن ذلك من تحديات أو مجازفات للحركة والفلسطينيين عموما في ظل هذا التكرار الأمريكي المحذر من هكذا احتمال.
منذ البدء لم يكن قرار حماس المشاركة في هذه الانتخابات سهلا لأنه يعني تحولا استراتيجيا يقبل بالمشاركة في مؤسسات الحكم المنقوص في الأراضي المحتلة عوض الاكتفاء بمراقبة أدائها وإشباعها لوما وتقريعا، وهو استراتيجي أيضا لأنه يـُـدخل إلي حيز التنفيذ شعار شركاء في القرار.. شركاء في المسؤولية بعد أكثر من عشر سنوات ظلت فيها الحركة تقوم بالعمليات الفدائية داخل العمق الإسرائيلي والسلطة الوطنية هي من يسدد الفواتير التي لم تكن آخرها تلك التي سددها الزعيم الشهيد ياسر عرفات من حريته وحياته، وهو استراتيجي كذلك لأنه يجعل حماس أمام تحدي إعادة صياغة مشروع المقاومة الذي ترفعه ليتلاءم مع هذا الوضع الجديد فحماس الممثلة في المجلس التشريعي والمحتمل مشاركتها في الحكومة المقبلة، ولو بوزير واحد، لا يمكنها أن تكون حماس التي نعرفها حتي وإن أنكرت ذلك نزاهة منها أو مكابرة. وربما تجنبا لحرقة مواجهة هذه المعضلة فضلت حركة الجهاد الإسلامي عدم المشاركة حتي تبقي مع نفسها ومع الآخرين الحركة التي يعرفها الجميع.
وإذا كان ما أقدمت عليه حماس رهانا يعكس نضج تجربتها التي جعلتها تري في الأمر تحديا يستحق المغامرة وربما حتي المجازفة، ولهذا فهو جدير بالتحية، فإن قبول السلطة الفلسطينية وعمودها حركة فتح وأساسا الرئيس محمود عباس بتحمل قواعد اللعبة التعددية والديمقراطية حتي مع من يناقض تجربتها جدير بتحية أقوي، خاصة عندما يعرف الجميع ما كابده أبو مازن شخصيا في الدفاع عن حق حماس في الترشح لهذه الانتخابات لأن عكس ذلك كان يعني أن هذه السلطة، وهي تحت الاحتلال، تختزن من آليات القمع والإقصاء العربية الرسمية ما سيجعلها نموذجا أرقي بعد أن تنال استقلالها وقد استبسل الرجل في ذلك مع الأمريكيين والأوروبيين حتي لان موقفهم بعض الشيء وقبلوا بوجاهة بعض مما طرحه ولو عن مضض، فالرئيس الفلسطيني يعلم تماما أن فوز فتح في هذه الانتخابات، وبمشاركة حماس، يعني فوزا لسياسات الاعتماد الأقصي علي خيار التسوية والمفاوضات وضبط مظاهر التسلح وغير ذلك من الاستحقاقات التي التزمت بها السلطة ودافع هو شخصيا عنها وبالتالي فهو تفويض جديد له بعد تفويض فوزه بالرئاسة قبل عام…
أما إذا أعطي الجمهور صوته بشكل كاسح لحماس فذلك يعني أن هذا الجمهور سيتحمل تبعات خيار كهذا سواء ترجم علي الأرض بوجود سلطة جديدة متمردة علي أصول عمل السلطة التي سبقتها وما التزمت به أو سلطة خاضعة لذات الأصول.. أما إذا منحها الجمهور من الأصوات ما هي به جديرة ويعكس ثقلها الحقيقي في المجتمع دون تضخيم أو تقزيم فستستقر الأوضاع في النهاية علي أن حماس هي احد المكونات السياسية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال لذا عليها أن تتعايش مع البقية بروح المسؤولية القابلة لقواعد اللعبة التي ارتضتها دون أن تصادر حق الآخرين ولا أن يصادر حقها أحد مع ضمان احترام الجميع لمنطق المؤسسات التي ارتضوا الدخول إليها والمرجعيات التي تحكمها دون أن يعني ذلك إنكار حق أي كان في تحسين سقف هذه المرجعيات وتطوير مضمونها.
أما الإدارة الأمريكية وبعض الأصوات الأوروبية المؤيدة لها فيفضل، في هذا الأسبوع تحديدا، التزام بعض التكتم لأن الإكثار من نقد حماس وتهويل احتمال مشاركتها في الحكومة المقبلة قد يدفع بالجمهور إلي التصويت المكثف لها، لا لشيء سوي النكاية.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 18 جانفي 2006)
مصر بحاجة إلى تيار يساري جديد
د. مجدي سعيد (*)
في أعقاب فوز الإخوان بـ88 مقعدا في مجلس الشعب الجديد وحصول قوى اليسار المصري على 5 مقاعد فقط، هرعت قوى اليسار إلى عقد مؤتمر بنقابة الصحفيين يوم 28 ديسمبر 2005 بدعوة من مركز الدراسات العربية ومركز النديم، كما دعا كل من مركز الدراسات الاشتراكية ومركز الدراسات العربية إلى لقاء يوم الأحد 15 يناير 2006 بعنوان « أزمة اليسار المصري ومستقبله ».
والحقيقة أن تلك التحركات لإنقاذ اليسار المصري من أزمته جاءت متأخرة حيث لم تحركها إلا تلك الانتخابات، وهذا أمر جد خطير ألا يدرك هؤلاء المفكرون والمناضلون أن قواهم باتت في أزمة حقيقية خسرت معها تأييد الشارع المصري إلى حد كبير، والحقيقة أيضا أنه بالرغم من ذلك فإن الشارع السياسي المصري بات في حاجة ماسة إلى « يسار مصري جديد » مبني على أسس جديدة. أقول هذا وأنا في موقع الإسلاميين الذين تربوا في مدرسة الإخوان المسلمين، ومن ثم فأنا في موقع خارج دائرة اليسار الذي بحاجة إلى سماع رؤية من موقع الجماهير.
الجذور التاريخية لأزمة اليسار
لا أزعم تقديم تحليل سياسي ولا تاريخي لأزمة اليسار المصري، لكنني أحاول تقديم رؤية مثقف مصري عام لتلك الأزمة؛ فأزمة اليسار المصري فيما أرى لم تبدأ اليوم فقط، ولا هي وليدة عهد مبارك، بل بدأت جذورها منذ النشأة الثانية لليسار في الأربعينيات (إذا اعتبرنا أن البداية الأولى له كانت في عشرينيات القرن الماضي) حينما كان تابعا في الرؤية والأيديولوجية لقوى اليسار العالمية، ولم يقدم رؤية مصرية خالصة لجوهر دعوة اليسار: تحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن الأزمة تفاقمت أكثر حينما ارتضت تلك القوى اليسارية لنفسها أن تعقد صفقة مع النظام المصري الناصري، أو أن تكون محل صفقة بين الاتحاد السوفيتي ومصر على حساب حرية قطاع من الشعب المصري، ومن ثم ارتضت تلك القوى بأن تكون جزءا من الاتحاد الاشتراكي، ثم المنابر المصرية، ثم الأحزاب التي نشأت في عهد السادات بسماح أو توجيه منه لخلق ديمقراطية مصرية شكلية، بينما انحاز جزء آخر من اليسار المحسوب على النظام الناصري إلى قوى الرفض العربية حينما رأت أن السادات قد انقلب عليهم عشية ما أسماه بثورة مايو.
وفي تلك الأثناء كانت الجامعات المصرية تشهد ولادة تيار جديد، ولد أولا من رحم أزمة الثقة التي خلفتها هزيمة يونيو 1967، حينما أفاقت أجيال الثورة على وهْم كبير عاشت فيه الأمة المصرية ما بين عامي 1956 و1967، وإذا كانت قوى اليسار قد اتهمت السادات بأنه هو الذي صنع هذا التيار الديني الجديد، فإن مسار هذا التيار في عهد السادات نفسه ينفي هذه المقولة، وقد ظلت قوى اليسار تعيش على قوى الدفع الذاتي التي اكتسبتها من الثوب الاشتراكي الذي ارتداه نظام عبد الناصر.
ومع تصاعد القوى الإسلامية، وتساقط شعارات القومية العربية والاشتراكية، وانهيار قوى اليسار العالمي ممثلة في الكتلة الشرقية، كان اليسار المصري يفقد شيئا فشيئا قواه في الشارع المصري.
غير أن استخدام النظام المصري في عهد مبارك لهم في مواجهة الإسلاميين بزعم مواجهة الإرهاب غطى على تلك الأزمة في تسعينيات القرن الماضي، وقد كرس هذا المسار التاريخي الطويل صورة ذهنية لليسار في الوعي الشعبي المصري أظنه في حاجة إلى تصحيحها إذا أراد أن يبدأ من جديد.
الصورة الذهنية لليسار المصري
الصورة السلبية التي ارتسمت لليسار المصري تتكون من النقاط التالية:
* أولا أنه يسار تابع وليس أصيلا، فقد كانت قوته تنبع من امتداده الفكري والتنظيمي العالمي ومن مساندة دول الكتلة الشرقية لوجوده.
* ثانيا أنه التصق داخليا وخارجيا بقوى قمعية معادية للديمقراطية وحرية الشعب، على الرغم من مزاعمه بانطلاقه من الدفاع عن مصالح الشعب وقواه الكادحة.
* ثالثا أنه معادٍ للدين والحرية الدينية، وقد تكرست تلك الصورة أيضا من ممارسة البلدان الشيوعية ضد مسلميها وحرياتهم، ومن ممارسة النظام المصري ضد القوى الإسلامية السلمية.
* أنه يمثل تبعية فكرية وأيديولوجية لأسلافه، فلا يزال جامدا على أفكار أنتجت منذ قرن-أكثر أو أقل- بينما قوى اليسار في العالم تعدل من مواقفها الفكرية وتستجيب للمستجدات، ولا يزال هو لا يستطيع الاستجابة لتلك المستجدات على الساحة المصرية.
* أنه صار تيارا للنخب الفكرية المثقفة المعزولة عن الشارع المصري والتي تدعي في نفس الوقت أنها تعبر عنه وتصر على إدارة أسطوانات مشروخة في الندوات والصالونات الفكرية المغلقة عليهم.
* أنه حينما أراد أن يجدد نفسه تحول إلى دكاكين لما يسمى بمنظمات غير حكومية، تتلقى تمويلها من المنظمات غير الحكومية الخارجية وهي كلها أو جلها منظمات غربية الأموال والأجندات.
ضرورة وجود يسار جديد
طرأت على الساحة العالمية والمحلية المصرية عدة مستجدات تدعو قوى اليسار إلى إعادة النظر في مواقفها الفكرية والعملية:
* أولا أن قوى الاستكبار الرأسمالي العالمي صارت منفردة تتحكم في شعوب العالم، من خلال سياسات اقتصادية تفرضها على حكوماتها، ومن خلال أنماط حياة استهلاكية رأسمالية تعيشها شعوبها، ومع هذا الانفراد تتكرس التمايزات الطبقية وتتآكل الطبقة الوسطى في المجتمعات، وتتفاقم أزمة الفقر والتهميش في العالم.
* ثانيا أن الحالة المصرية ليست نشازا عن تلك التبعية الاقتصادية والحياتية ونتائجها الوخيمة، في ظل سياسة تنموية عليلة أسلمتنا إلى الفساد والتخلف والفوضى والاستبداد.
* ثالثا أن الدين صار مكونا مهما في هوية الشعوب العربية والإسلامية؛ وهو ما أثبتته الانتخابات الأخيرة، ومن ثم فلم يعد نافعا اتخاذ المواقف اليسارية التقليدية والقديمة منه.
* رابعا أن صعود الإخوان المسلمين، ولو أنه لن يغير من الأوضاع السياسية كثيرا، حيث ما زالت السلطة تقبض على زمام الأمور بالحديد والنار، فإنه من المفيد للإخوان ولعموم الحالة المصرية وجود تيار يساري قوي؛ فتجربة الإخوان مهما كانت هي تجربة بشرية تحتاج إلى من يصوبها، ووجود قوة أخرى تسعى لتحقيق مصلحة الشعب المصري يصوب من مسيرتها، ويمنعها من الانفراد بالساحة، حيث إن الانفراد مهما كان نقاء وطهر القوة التي تنفرد قد يكون مدعاة للاستبداد أو مدعاة لأن لا يرى الإخوان كبشر وكتجربة بشرية عيوبهم ونقائصهم، ومن ثم فنحن في حاجة إلى وجود يسار جديد وقوي يعدل كفة الميزان.
* خامسا أن السياسات الاقتصادية التي باتت تسود العالم، أفرزت قطاعات جديدة من المهمشين في المجتمع، قطاعات لا هي بالفلاحين ولا هي بالعمال بالمعنى الكلاسيكي الذي عهدته تلك القوى وما زالت تتغنى بالدفاع عنها، وهي قطاعات ما يسميه المصريون بـ »الأرزقية »، ومن ثم لم يعد نافعا أيضا الحديث حول الدفاع عن مصالح الفقراء والمهمشين والدعوة إلى العدالة الاجتماعية والعمل لتحقيقها دون أخذ هذا المتغير في الاعتبار.
ملامح اليسار المصري المرتجى
لعله من المفيد محاولة رسم ملامح أولية لليسار الجديد الذي نتمناه:
* أن يعيد صياغة أفكاره بعيدا عن الجمود الأيديولوجي، وبما يتفق مع متغيرات الزمان والمكان، فحتى شرع الله تتغير تفاصيل في تطبيقه بتغير الزمان والمكان، فما بالكم بالأيديولوجيات البشرية!.
* أن يحترم هوية هذا الشعب الدينية، ويتعامل معها كمعطى، ربما ينطلق منه في أفكاره حول العدالة الاجتماعية وسبل تحقيقها، وينطلق منها أيضا في تحريك الناس لتمويل أنشطته لتحقيقها على الأرض، بدلا من الاعتماد على مصادر التمويل الخارجية.
* أن يبتعد عن التهويل حينما يتحدث عن خصومه وخصوماته أو الأوضاع التي يريد تصحيحها؛ فالإنصاف حتى مع العدو يجلب احترام الجميع.
* أن يكف عن دغدغة المشاعر بكلام رنان أجوف فات زمانه، وأن يستبدل به كلاما حقيقيا نابعا من الإحساس بمشكلات الشعب المصري وبالمتغيرات التي طرأت على أحواله.
* أن ينحاز بكل وضوح إلى الشعب وإلى الناس، ويبتعد عن الانحياز للسلطات المستبدة، وأن ينظف صفوفه من أزلام الأجهزة الأمنية التي كانت تتلاعب به في وجه أعدائها، ولمصلحة تكريس استبدادها وانفرادها بالساحة، وأن يعلن بكل وضوح انحيازه للديمقراطية وحقوق الإنسان وتبرؤه من التطبيقات الشيوعية التي جارت عليهما.
بهذه الشروط والمواصفات، وبغيرها مما يمكن أن يخرج به المفكرون المخلصون لهذا الوطن، يمكن أن يخرج اليسار من أزمته ليعيد -جنبا إلى جنب مع القوى الإسلامية وفي طليعتها الإخوان المسلمون- الحيوية المفقودة للشعب والمجتمع المصري التي افتقدها أو يكاد طوال خمسة عقود أو يزيد.
(*) مشرف وحدة البحوث والتطوير بشبكة « إسلام أون لاين.نت ».
(المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 16 جانفي 2006)
دور العسكر العرب في السياسة هل انتهى أم بدأ؟!
محمد الرميحي(*)
حفظنا عن ظهر قلب في السابق، بعدما توالت العٌصب العسكرية على اغتصاب السلطة و»الثروة» في الكثير من البلدان العربية، وبعد فترة قصيرة من تجربة ما يعرف اليوم بالليبرالية الديموقراطية العربية، حفظنا مقولة «الديمقراطيون العرب يقتلون الديموقراطية، والعسكريون يوقعون شهادة الوفاة». كان ذلك منذ الخمسينات حتى التسعينات من القرن الماضي. حتى الأحزاب الأحادية العربية، التي ضمّت بعض المدنيين، ارتكزت على العسكريين في طريق القفز على السلطة، وما لبث المدنيون فيها، وإن لم يحصلوا على أي تدريب عسكري، أن لبسوا «الكاكي» (أو الخاكي في بعض اللهجات العربية) تيمناً بالعسكر.
دور العسكر العرب في السياسة كان متوقعاً في فترة الحرب الباردة، اذ كان العالم ينقسم إلى قسمين، رأسمالي واشتراكي، ومع التطاحن بين القوتين، والعرب في وسط جغرافي وتحت أرضهم تكمن الطاقة المحركة (النفط)، لم يكن بمقدور أية قوة أن تستغني عن اطموح الاستيلاء على أرضهم وثروتهم، ولا كان بمقدورهم هم ان ينفكوا من ذلك الأسر.
لم يعد سراً أن معظم الانقلابات العسكرية العربية كان بموافقة أو حتى بتصميم أو على الأقل بسماح القوة المنتمية للمعسكر (الرأسمالي). بين أيدينا اليوم وثائق دامغة تقول لنا ذلك، من دمشق إلى بغداد إلى القاهرة إلى طرابلس الغرب إلى الخرطوم إلى صنعاء. المشكلة أن بعض العسكر وجد بعد حين أن «التنظيم الاشتراكي للمجتمع» القائم على القمع والمنع، يسهل عليهم القبض على «السلطة والثروة». كل ذلك تم بالطبع تحت شعارات رنانة اكتسحت معظم عقول العرب من الخليج إلى المحيط.
انتهى المطاف بفشل كامل للمشروع القادم من الثكنات، كان ارتكازه على عدد من الشعارات، لم يستطع أن يحققها، لا في «التحرير» ولا في «التنمية». ورغم أن العسكر قد ورًثوا عسكراً في الحكم أو شبه عسكر، إلا أن الاعتماد كان على «حزب» واحد انضوت فيه سيطرة الدولة وجشع الأفراد.
تغيرت الأحوال في الخمس عشر سنة الأخيرة، تدريجياً لكن بعمق، ودارت الدائرة، وتبين ان من شبه المستحيل لنظام استبدادي الحفاظ على السلطة في مجتمع حديث يتفاعل مع المنظومة الاتصالية الحديثة بالغة السرعة كثيفة التأثير، كما تبين أن الحكومات المتحررة من الكوابح الزجرية القانونية على سلطتها المطلقة تصبح دائماً فاسدة، ويسكت المفسدون عن المفسدين حتى تظهر «السرقة» في خطيئة ارتكبت هنا أو مجموعة أخطاء تمت هناك كهزيمة أو جور على جار. كما ظهر للجميع أن أنظمة الحزب الواحد الأوحد، لا تملك حوافز أصلية لإعادة صياغة للنظام والحكم الذي يحقق مصالح الأكثرية أو يتواءم مع المتغيرات، فتحولت الأكثرية من مواطنين إلى «موالي».
منذ عشرية خلت، وبسبب تفاقم الفشل من جهة، وعدم القدرة على تحقيق التنمية من جهة أخرى وتغير العالم المحيط، عادت النغمة العربية الجديدة الى العزف مع المعزوفة الدولية (الاقتصاد الحر، الحريات الديموقراطية، حقوق الإنسان) والكثير من الأفكار الحديثة، مما أصبح خبزاً ومرقاً للصحافة العربية السيارة اليوم والإعلام الفضائي، حتى عاد بعض أقلام العبيد السابقين للدكتاتورية يروج لما لم تفه به بكلمة أيام «لا صوت يعلو على صوت المعركة»!
لكن المعضلة تكمن في أن الأماني الجديدة تلك لم تجد لها عربة اجتماعية تحملها إلى مقصدها الأخير ومحطتها النهائية، فلم تهيئ الفرص لظهور ولا لنمو مجتمع مدني حقيقي وحديث في عالمنا العربي، جراء القمع المتواصل للنخب المستنيرة، التي أما أقصيت أو صمتت أو هاجرت أو ارتضى بعضها التمرغ بـ «تراب الميري». هنا جاءت الفكرة الجديدة وهي العودة من جديد الى العسكر، لكن بشروط جديدة، فبدلاً من توقيع شهادة الوفاة للديموقراطية طلب منهم هذه المرة توقيع شهادات الميلاد.
تجارب العسكر في الاتجاه المضاد مشهودة أيضاً، فهناك تجربة عسكر تركيا، الذين تدخلوا في شؤون الدولة حين أصبحت سفينة الدولة في رأيهم يحدوها الخطر، فهم انتهوا إلى أن يكونوا «بيضة القبان» للحفاظ على الدستور وتطبيقه، أما المفاجأة – وهي ليست مفاجأة – فجاءت من عسكر موريتانيا، الذين بدأوا اليوم بتحضير شهادات الميلاد إلى ديموقراطية معقولة في تلك البلاد، عن طريق تنظيم هياكل سياسية، والسماح لكل القوى بأن تتنافس في ساحة السياسة، بضمانات، من بينها عدم تدخل «الجونتا) العسكرية في صيرورة المسيرة القادمة، والامتناع حتى عن ترشيح أنفسهم.
هذه الروح العسكرية/ الديموقراطية، على ما في المفهوم من تناقض، نجد لها أصولاً في العسكر المصري، في ما عرف اليوم بأزمة «مارس 1954» التي طالب فيها بعض العسكر (من مجلس قيادة الثورة المصرية) بالعودة إلى الديموقراطية وحكم الأحزاب، إلا أن شهوة البعض (للسلطة والثروة) أفسدت ذلك المسعى، ليس من دون شعارات ضخمة، وعواطف نبيلة من بسطاء القوم.
حصل العسكر العرب على امتيازات ضخمة في مجتمعاتهم من بينها أنهم اُعدوا للحرب، لكنهم لم يحاربوا، باستثناء قلة قليلة منهم، معظم العسكر العرب من الضباط في السنين الخمسين الأخيرة ماتوا في فراشهم، بعضهم أصبح من أهل الجاه والمال والسلطة، كما أن الامتيازات التي حصلوا عليها في حياتهم فاقت كل امتياز، مرتبات كبيرة في مجتمعات فقيرة، وسلطة غير محدودة على رؤوس الفقراء، واستهتار كامل بكل من العلم والقانون.
أصبح الضباط العرب في الكثير من دولهم «مبشرين بالحصانة» حتى أدمنت وسائل الإعلام (شرائط السينما والتلفزيون بعدها والصحف قبل هذا وذلك) في تقديم الضابط على أنه إيقونة المجتمع وهوى المراهقات.
علينا أن نتذكر العسكر على الجانب الآخر من الصورة، في إسرائيل، حيث تداخل العمل السياسي بالعسكري، فأصبح عدد من قادة إسرائيل ضباطاً سابقين في الجيش، مع فارق أنهم التحقوا بالأحزاب المدنية قبل ذلك، وانتموا إلى المجتمع المدني. المقارنة مجحفة بالطبع، اذ توفر مجتمع مدني وقانوني لهم لم يتوفر لنظرائهم العرب، بسبب زملائهم العرب أيضاً من أهل العسكر.
بعد كل الأزمات السابقة التي مرت بنا ولا يزال بعضها عالقاً في الحلق، أمام بعض العرب تجربتان لا غير في الوصول إلى الحرية المبتغاة، أما تحرك الشارع في انتفاضته التي رأينا ألوانها المختلفة في الثلاث سنوات الأخيرة، منها الزهري والأرجواني أو البرتقالي إلى آخره من الألوان، وهو أمر لا يبدو أن الأرض مهيأة له بعد، أو أن ينخرط العسكر العرب من جديد في التغيير إلى الأفضل، هذه المرة من اجل تغيير مشروط، وهو مسايرة هذا العالم الكبير المتنوع باحترام الديموقراطية والتعددية وإعلاء حقوق الإنسان.
يكتشف العاملون مع العسكر الذين امتطوا السياسة، في نهاية الأمر، أن الطريق مسدود، والمثال هو السيد خدام، وان تكن إفاقة متأخرة إلا أنها لها دلالة، إفاقة الأستاذ عبد الحليم خدام الأخيرة المحمودة، الذي وجد نفسه أمام خيارين، أما الرضوخ للعسكر أو الموافقة التامة لأهل «الميري» التابعين، فلا مكان لرأي آخر غير ذلك ولو كان اختلافه طفيفاً.
وتجربة السودان ذات الدورة الكاملة في الثلاثة عقود الأخيرة، تنبئ أيضاً عن المسيرة ذات الأفق المسدود، وفي الاحتفال الأخير بالعيد الخمسين لاستقلال السودان، أصبح التوجه لما ليس منه بد، المشاركة في السلطة والثروة، محاربة الفساد، حقوق الإنسان، الاعتراف بالتعددية والأحزاب، إلى آخر المقولات العالمية المستحبة. يقوم بتنفيذها عسكريين يبقى سؤال هل تحقق تلك الخطوات أهدافها أم لا؟ ذلك أمر آخر لا يستطيع أحد في هذا الوقت المبكر أن ينبأ به، إلا أن الإشارة هي لتأكيد التوجه الجديد، مع تأكيد عقم التوجه السابق.
السؤال الذي يبدو انه لا يسبق زمانه هو هل يعود العسكر العرب، كونهم القوة الاجتماعية المنظمة الوحيدة والمنتمية إلى وسط اجتماعي مقهور، في فضاءات العرب الحالية، إلى لعب دور جديد يُكفر عن دور سابقيهم باحتضان الديموقراطية ووضع مجتمعاتهم على سكة التطور بعد طول اغتراب؟ ذلك سؤال مطروح لدور جديد.
(*) كاتب كويتي.
(المصدر: صحيفة « الحياة الصادرة يوم 18 جانفي 2006)
إهانة نبي الإسلام تجدد السؤال: من يكره من؟
فهمي هويدي (*)
صدمة الرسوم الدنماركية الفاحشة التي أهانت نبي الإسلام وسخرت منه وحطت من شأن كل ما يمثله، ينبغي ألا تمر من دون أن نتوقف عند وقائعها ونستخلص دروسها، لأنها تشكل نموذجاً للكيفية التي تتعامل بها بعض الحكومات والنخب في الغرب مع الإسلام، وللكيفية التي ترد بها الأطراف الإسلامية على الإهانات التي توجه إلى عقيدتهم ونبيهم.
خلاصة الوقائع على النحو التالي: في الثلاثين من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي نشرت صحيفة «يولاندز بوسطن»، وهي من أوسع الصحف اليومية انتشاراً في الدنمارك، 12 رسماً كاريكاتورياً للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، أقل ما توصف بها أنها بذيئة ومنحطة إلى أبعد الحدود، ومع الرسوم نشرت الصحيفة تعليقاً لرئيس تحريرها عبر فيه عن دهشته واستنكاره إزاء القداسة التي يحيط بها المسلمون نبيهم، الأمر الذي اعتبره ضرباً من «الهراء الكامن وراء جنون العظمة»، ودعا الرجل في تعليقه إلى ممارسة الجرأة في كسر ذلك «التابو»، عن طريق فضح ما اسماه «التاريخ المظلم» لنبي الإسلام، وتقديمه إلى الرأي العام في صورته الحقيقية (التي عبرت عنها الرسوم المنشورة).
كان لنشر الصور الكاريكاتورية وقع الصاعقة على المسلمين الذين يعيشون في الدنمارك (180 ألف نسمة، يمثلون حوالي 3% من السكان البالغ عددهم 5.4 مليون شخص)، كما كان له نفس الصدى في أوساط ممثلي الدول الإسلامية في كوبنهاجن، فعقد 11 دبلوماسياً منهم اجتماعاً بحثوا فيه الأمر، وقرروا مطالبة الصحيفة بالاعتذار للمسلمين عن إهانة نبيهم، ولكن رئيس تحريرها رفض الاعتذار، فطلبوا مقابلة رئيس الوزراء الدنماركي لإبلاغه باحتجاجهم على نشر الصور، فرفض مقابلتهم بدوره، وأبلغهم من مكتبه بأن الأمر يتعلق بحرية التعبير التي لا تتدخل فيها الحكومة، وقيل لهم إن بوسعهم اللجوء إلى القضاء إذا أرادوا.
حين علم بالأمر الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور اكمل الدين احسان أوغلو، فإنه وجه خطابات إلى رئيس وزراء الدنمارك والمسؤولين في الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي دعاهم فيها إلى التدخل لوقف حملة الكراهية ضد المسلمين، واتخاذ موقف حازم إزاء الإهانات التي توجه ضد نبيهم، وكان محور الردود التي تلقاها ـ خصوصاً من رئيس الوزراء الدنماركي ـ أن قضية حرية التعبير تمثل ركناً أساسياً في الديمقراطية الدنماركية، الأمر الذي اعتبر رفضاً لاتخاذ موقف إزاء الحملة، في الوقت ذاته تحرك سفراء الدول الإسلامية في جنيف، وقدموا شكوى إلى مفوضية حقوق الإنسان في العاصمة السويسرية، اعتبروا فيها موقف الصحيفة الدنماركية محرضاً على العنصرية والكراهية للمسلمين، فقررت المفوضية تحري الأمر وإعداد تقارير عن الموضوع يفترض أن ينتهي إعدادها يوم 24 من الشهر الحالي.
أدرجت المسألة ضمن جدول أعمال القمة الإسلامية التي عقدت في مكة في السابع من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبناء على ذلك عبرت إحدى توصيات المؤتمر عن القلق إزاء الحملات الإعلامية المسيئة إلى الإسلام ونبي المسلمين، وأشارت إلى مسؤولية جميع الحكومات عن ضمان احترام الديانات المختلفة، وعدم جواز التذرع بحرية التعبير للإساءة إلى الأديان والمقدسات.
بعد ثلاثة أشهر من التجاهل والصمت، وفي أعقاب التفجيرات التي حدثت في لندن، علق على قضية الرسوم الكاريكاتورية المفوض العدلي بالاتحاد الأوروبي فرانكو فراتيني، قائلاً إن نشرها لم يكن تصرفاً حكيماً، باعتبار أنه من شأن ذلك أن يشيع الكراهية ويشجع على التطرف في أوروبا.
بينما الرسائل يتم تبادلها بين الأطراف المختلفة، انتقد 22 سفيراً دنماركياً، أغلبهم عملوا في البلاد العربية موقف حكومة بلادهم من المسألة، وقام وفد من مسلمي الدنمارك يمثلون 21 مركزاً إسلامياً ومنظمة بزيارة إلى القاهرة، التقوا خلالها شيخ الأزهر والأمين العام لجامعة الدول العربية، وانتقد وزراء خارجية الدول العربية سلبية الحكومة الدنماركية إزاء الإهانة التي لحقت بنبي الإسلام، ووجد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أنه لا مفر من اتخاذ موقف عملي يوصل رسالة الاحتجاج والغضب إلى حكومة الدنمارك، التي تعاملت مع الحدث بقدر لافت للنظر من عدم الاكتراث واللامبالاة، ولذلك قرر إعلان مقاطعة المنظمة لمشروع دنماركي، يتمثل في إقامة معرض كبير تحت عنوان «انطباعات عن الشرق الأوسط» تغطي حكومة كوبنهاجن جزءاً من تكاليفه، ويفترض أن تسهم الدول العربية (الخليجية) في تغطية بقية النفقات، وبعث الدكتور اكمل الدين أوغلو رسالة بهذا المعنى إلى الجهة المعنية في كوبنهاجن، أبلغها فيها بأن منظمة المؤتمر الإسلامي طلبت من كل الأعضاء مقاطعة المشروع، احتجاجاً على موقف بلادهم الرسمي من إهانة نبي الإسلام.
أخيراً، في أعقاب كل تلك التطورات، تطرق رئيس وزراء الدنمارك إلى الموضوع في بيان رأس السنة الميلادية، الذي بثه التلفزيون قال فيه إن حكومته تدين أي تعبير أو تصرف يسيء إلى مشاعر أية جماعة من الناس، استناداً إلى خلفياتهم الدينية أو العرقية، وبهذه الإشارة المخففة، تصور الرسميون في كوبنهاجن أنه تمت تسوية الأمر، في الوقت الذي بدا فيه لكل ذي حس سليم أن الجرح أكبر وأعمق بكثير من أن يداوى بكلمات عامة وخجولة من ذلك القبيل.
من ناحية أخرى، كانت بعض المنظمات الإسلامية في الدنمارك قد رفعت قضية ضد الصحيفة التي تبنت الإساءة البذيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن المدعي العام رفض القضية معتبراً أن نشر الرسوم الكاريكاتورية تم في إطار حرية التعبير التي يحميها القانون، وفي حين اختص رئيس تحرير صحيفة «يولاندز بوسطن» بالقرار، فإن صدوره شجع صحيفة مسيحية محافظة أخرى في الترويج «مجازينت» على إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية الاثني عشر، ومن ثم الترويج لحملة السخرية البذيئة من نبي المسلمين ودينهم.
ولا يزال الملف مفتوحاً، حيث قدم مسلمو الدنمارك طعناً في قرار المدعي العام، وثمة مشاورات حول الموضوع ما زالت جارية بين ممثلي الدول الإسلامية في جنيف ولدى منظمة اليونيسكو، وليس معروفاً بعد كيف سيكون موقف ممثلي تلك الدول من المسألة.
إن ما يثير دهشتنا واستياءنا ليس فقط أن يتطاول شخص أو منبر إعلامي على نبي الإسلام ومقدسات المسلمين، فالمتعصبون والموتورون والحاقدون والمغرضون، موجودون في كل مجتمع، وهم كثر في الغرب، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بالشأن الإسلامي، ومن أسف أن أصوات هؤلاء طغت على أصوات العقلاء والمنصفين من مثقفي الغرب، لكن ما يثير الدهشة والاستياء أيضاً وبدرجة أكبر هو مسلك الحكومة والقضاء في الدنمارك، حيث يفترض أن تتنزه مواقفهما عن الهوى والغرض، وأن يكون تعبيرهما أكثر التزاماً بمعايير الإنصاف وبمقتضيات المصلحة العامة.
فليس صحيحاً أن السخرية والطعن في نبي الإسلام ورموز المسلمين يعد من قبيل ممارسة حرية التعبير، لأن الذي تعلمناه في دراسة القانون أنه لا توجد حرية مطلقة إلا فيما يخص حرية الاعتقاد والتفكير، أما التعبير فهو سلوك اجتماعي يرد عليه التنظيم في أي مجتمع متحضر، وعند فقهاء القانون في النظام الأنجليسكسوني وفي النظم اللاتينية، فضلاً عن الشريعة الإسلامية، فإن حرية التعبير يسبغ عليها القانون حمايته طالما ظلت تخدم أية قضية اجتماعية، ولا تشكل عدواناً على الآخرين، وللمحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة أحكام متواترة بهذا المعنى، والعبارة المتكررة في تلك الأحكام تنص على أن حماية حرية التعبير تظل مكفولة طالما تضمنت حداً أدنى من المردود الاجتماعي النافع، ونصها بالإنجليزية كما يلي: A minimum of social redeaming value
إن كل القوانين تجرم سب الأشخاص والقذف في حقهم، حيث لا يمكن أن يعد ذلك نوعاً من حرية التعبير، لأن السب في هذه الحالة يعد عدواناً على شخص آخر، ومن ثم فأولى بالتجريم سب نبي الإسلام الذي يؤمن بنبوته ورسالته ربع سكان الكرة الأرضية، وحين حدثت في الأمر الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وهو خبير قانوني دولي، أيد ما ذكرت وأضاف أنه حتى إذا سلمنا بأنه لا توجد نصوص في التشريعات الدنماركية تعاقب على سلوك الصحيفة المشين، فإن هناك التزاماً أخلاقياً وسياسياً يفرض على المسؤولين في الدولة إدانة ذلك المسلك، انطلاقاً من الحرص على حماية المعتقدات الدينية ودفاعاً عن فكرة التعددية الثقافية.
إضافة الدكتور أبوالمجد بأن عدم اتخاذ موقف صريح وحازم من جانب حكومة الدنمارك إزاء الطعن في نبي الإسلام يفتح الباب لشرور كثيرة، من بينها فتح الأبواب واسعة لإشعال حروب ثقافية لا مصلحة لأحد فيها، الأمر الذي يهيئ المناخ لإحلال القطيعة بين الشعوب والثقافات محل التواصل، والصراع محل التعاون، وليس معقولاً أن يكون ذلك ما تسعى إليه حكومة الدنمارك.
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا لا تعلن حكومات الدول الإسلامية استهجانها واستنكارها لموقف حكومة الدنمارك بشكل صريح وحازم، أسوة بموقف منظمة المؤتمر الإسلامي التي دعت إلى مقاطعة المؤتمر الدنماركي عن الشرق الأوسط، ذلك أن مثل ذلك الطعن الجارح إذا وجه إلى أي رئيس دولة في منطقتنا لقامت الدنيا ولم تقعد، ولسحب السفير وتهددت العلاقات الدبلوماسية فضلاً عن المصالح الاقتصادية للقطيعة، فهل نستكثر على نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام أن نغضب لشخصه ولكرامته بما هو دون ذلك بكثير؟ وألا يخشى إذا استمر الصمت الرسمي في العالمين العربي والإسلامي، أن يخرج علينا من يطرح العنف بديلاً عن المعالجة الدبلوماسية الرصينة، فيفتي مثلا بإهدار دماء محرر الصحيفة الدنماركية ورساميها، وتكون هذه شرارة فتنة جديدة لا يعلم إلا الله مداها؟
أخيراً فإن الواقعة تجدد سؤالاً آخر طالما طرحناه حينما كان يفتح باب الحديث عن عداء المسلمين المزعوم للغرب، هو: من حقاً يكره من؟
(المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » الصادرة يوم 18 جانفي 2006)