TUNISNEWS
8 ème année, N° 2623 du 29.07.2007
الحقائق الدولية: العجمي الوريمي.. 16 سنة سجن، التهمة فيلسوف صـابر:السابع للطيران .. والسبعة بالشبعة جريدة « الصباح »:التسجيل الجامعي عن بعد جريدة « الصباح »:حاتم الشعبوني المترشح للأمانة العامة لحركة التجديد:مطلوب الانفتاح على الشباب لإخراجه من الانتظارية… صحيفة « الوطن »:منـارات : من تونس إلى بغداد ومن فلسطين إلى الرباط صحيفة « الوطن »:ثورة يوليو .. رؤية الماضي ودلالات الحاضر والمستقبل موقع « إسلام أونلاين.نت »: »يو تيوب ».. يكشف وقائع فساد بالمغرب صحيفة « الشرق »:بتهمة تعاطي الرشوة …موقع على الإنترنت يحيل رجال أمن مغاربة إلى القضاء زيق زاق: أفكار حول قناص الحسيمة أم أسيل :عباس وهنية علـي شرطـاني :خلفاء الإستعمار (3) رشيد خشانة: الرئيس الفرنسي يحصد في طرابلس الغرب صفقات استثنائية … احميده النيفر: الحركات الإسلامية والديموقراطية: أنكون أمام حالة استعصاء؟ توفيق المديني: انتصار أردوغان يعزز موقع الإسلام المعاصر صحيفة « الشرق »:تركيا: نعم للديموقراطية ،لا للعسكر حسن شامي: الانتخابات التركية إذ تحضّنا على معرفة تاريخنا عبد اللطيف الفراتي: سمعة في الحضيض زهير الخويلدي: في أزمة تدريس الفلسفة الياس خوري: الممرضات والعقيد الحياة: اللقاء الأميركي – الإيراني الثاني: العراقيون آخر من يعلم! الجزيرة.نت: وفي أوروبا مسلمون أصليون أيضا:ستمئة عام من الإسلام في البوسنة
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
العجمي الوريمي.. 16 سنة سجن، التهمة فيلسوف
حوار الطاهر العبيدي باحث في الفلسفة، مختص في دراسة أحد رموز الفلسفة الغربية المعاصرة، وتخصيصا المفكر » يورغن هابرماس » فيلسوف ألمانيا الأول، ورائد الخطاب السياسي النقدي، من مواليد سنة 1961 بشط مريم بالساحل التونسي، التحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس العاصمة سنة 1981 لدراسة الفلسفة، وقد عرف بنباهته وتفوقه ونتائجه الجيدة جدا، تعرّض لمظلمة بيداغوجية ذات خلفية إيديولوجية، ممّا جعله ينتقل للمغرب سنة 1985 لمواصلة دراسته بكلية الآداب بالرباط، حيث تحصّل على الإجازة في الفلسفة بتقدير جيد جدا، تحت إشراف الفيلسوف المغربي محمد سبيلا، هناك في المغرب اشتغل بالكتابة، وشارك في السجّال الفكري في مجلة » أنوال » التي كانت تصدرها مجموعة من اليسار الديمقراطي، عاد إلى تونس لمواصلة رسالة الدكتوراة، وقد أشرف على إدارة وتحرير أسبوعية « الحدث الطلابي »، تعاون مع مجلة المغرب العربي في ركن مشاغل الطلبة، التحق بهيئة تحرير جريدة الفجر مسؤولا عن القسم الجامعي الشبابي والشؤون الدولية، إلى جانب اشتغاله أستاذ يدرّس الفلسفة لتلاميذ الباكالوريا بالمدارس الحرّة، اعتقل سنة 1991 وتعرّض لتعذيب كبير فقد على إثره الذاكرة لعدة شهور، وفي سنة 1992 حوكم بالمؤبد، ذاك هو باختصار العجمي الوريمي المشهور باسم « هيثم » الذي يوقّع به مقالاته وكتاباته، والذي أفرج عنه يوم 25 جويلية 2007 بمناسبة مرور خمسين سنة على ميلاد الجمهورية التونسية.. الحقائق الدولية كانت أول من اتصلت به لإجراء هذا الحديث الصحفي السريع، وسط أجواء فرحة الأهل بعودة الابن السجين. ** حوكمت بالمؤبد من أجل أفكارك ونشاطاتك السياسية، وقد تعرّضت لتعذيب شديد، وصل إلى حد رشّ عينيك بمادة l’Ether الحارقة، حسب شهود عيان وحسب أقوال محاميك، أفرج عنك اليوم بعد مضي 16 سنة في المعتقلات والسجون، ففي أي وضع صحّي خرجت، وما هي انعكاسات كل هذه السنين عليك فكريا وسياسيا؟ -بالنسبة لما تعرضت له وغيري كانت فيه أشياء قاسية، والأشكال التي مورست عديدة ونالت الكثير، وإن عفا عنها الزمن إلا أنها لا شك خلفت آثارا نفسية وبدنية يصعب أن تمحّي، حتى وان توفرت الإرادة والعزيمة، وتبقى آثارها قائمة في اللاشعور وفي الوعي. هل الزمن بالنسبة لك توقّف لحظة اعتقالك باعتبار التغيير الحاصل في البلاد، وعلى مستوى إقليمي ودولي، مما يجعلك كالقادم من كهوف الماضي؟ -لا أعتقد أن الزمن يتوقف أو يعود للوراء، بالنسبة للإنسان داخل السجن أو خارجه، بالنسبة لصاحب عقيدة وصاحب مشروع وصاحب رؤيا، يشعر دوما بالأمل والتفاؤل، وعدم الاستكانة للإحباط، والإيمان بالحل وإن تأخر، لأنه ليس هناك مشكلة دون حل. كيف مرّت عليك كل هذه السنوات وأنت بين العزلة الانفرادية وعنابر السجون؟ -إن أفظع ما أصابني في هذه المحنة وأبلغ من التعذيب الجسدي، هو حرماني أكثر من 13 سنة من القراءة ورؤية كتاب، وأنا الشغوف بالقراءة إلى حد كبير، رغم أن قانون السجون ينص صراحة على ضرورة حث المساجين على مواصلة الدراسة، لتسهيل اندماجهم في المجتمع، غير أنه في المدة الأخيرة سمح لنا بدخول بعض الكتب ذات البعد الدعائي. هل تعتبر الإفراج عنك مرحلة جديدة في اتجاه تصالح تونس مع كل أبنائها، وخطوة نحو أفق جديد؟ -باختصار الآن دائرة من يطالبون بالمصالحة الوطنية تكبر، ومن يطالبون بفتح دائرة أفق سياسي تتسع باستمرار، وتجد هذه المطالب صدّا ومقاومة في البداية، وشيئا فشيئا ونتيجة للتراكمات، تصبح الحلول ممكنة والنتائج مثمرة. ماذا تقول في ختام هذه المقابلة السريعة، حيث نسمعك مشتت الذهن بين رد السلام، واستقبال الضيوف، وهتافات الفرح، ووشوشة الأطفال من حولك؟ -الإفراج عني يبقى منقوصا طالما ما زال هناك سجناء رأي آخرين ينتظرون خلف القضبان..
(المصدر: صحيفة « الحقائق الدولية » (بريطانيا) بتاريخ 29 جويلية 2007)
السابع للطيران .. والسبعة بالشبعة
بقلم: صـابر لعل الكثيرين لم يسمعوا بهذا الخبر ومفاده أن شركة طيران تونسية تسمى شركة طيران السابع , وقد إقتنت هذه الشركة أخيرا طائرة جديدة كندية الصنع نوع » ديدون » دعّمت بها أسطولها الجوي , والطائرة وصلت منذ يوم الجمعة الماضية إلى المطار الأول بتونس وهو مطار قرطاج الدولي . و شركة طيران السابع تابعة للخطوط الجوية التونسية بحسب وزير النقل والمدير المسؤول عنها يبدو أنه على صلة قرابة بوزير النقل الحالى عبد الرحيم الزواري ويدعى المنصف الزواري , ولعله تشابه ألقاب لا غير لقد أصبح الرقم سبعة هو الرقم الأكثر حظا في تاريخ البلاد التونسية منذ جاءت » سبعة حناش » إلى تونس , فقد إتخذت شوارع وأزقة أسماءها بهذا التاريخ لتتملق إلى السابع , وغيرت رياض أطفال و مدارس ومعاهد وكليات ثوبها لتتوشح بالرقم , وإستبدلت ساحات عامة ومشاريع ومؤسسات أسماءها بالرقم , وغيرت قناة التلفزة الرسمية إسمها لتصبح قناة تونس سبعة دون أن تكون في البلاد ست قنواة أخرى , وشيدت مشاريع إقتصادية وتنموية وملاعب وقاعات رياضية ومنتزهات وحدائق وساحات عامة بإسم الرقم , وإكتسح الرقم سبعة كل المجالات وأصبح سيد الأرقام , ولم يأتي الدور إلا على مثل المخيط والإبرة ليتبركوا بالرقم ولعلنا نسمع يوما بأسماء مثل إبرة سبعة نوفمبر , ومخيط سبعة نوفمبر , وتسريحة سبعة نوفمبر , وكعب سبعة نوفمبر والذى خبرناه في الكذب والتدليس وليس في الأحذية إلى حد الآن على الأقل في اللعبة الورقية المعروفة بـ » الكارطة » هناك ورقة ذات أهمية خاصة في اللعبة وهي » السبعة الحية » , والأمر مع سبعة » التغيير » في تونس لا يبعد كثيرا عن ذلك , وإذا كان في اللعبة الورقية هناك » سبعة حية » واحدة , فإن في لعبة نظام السبعة هناك حيات كثيرة توالدت على مدى 20 عاما الماضية من حكم نظام السبعة لتشكل فيالق من أصحاب النفوذ المالي والسياسي . أبرز أوراق السبعة الرابحة عائلتي الحكم ( عائلة بن على وأصهاره الطرابلسية ) , وكل من يسير في ركبهما أطرف ما سمعت في هذا الباب موقف حصل لأحد المواطنين التونسيين بعد إنقلاب 7 نوفمبر , فقد كانت في تلك الفترة ظاهرة أن يتخذ الكثير من الناس أسم » سبعة نوفمبر » خوفا أو طمعا في الحاكم الجديد كأسماء لمحلاتهم . وكان أن أحد المواطنين البسطاء إفتتح محل قصابة جديد وإتخذ له من الأسماء » مجزرة 7 نوفمبر » فوقع إغلاق المحل وإعتقال صاحبه , وإنقلب شأن المسكين من طامع في رضى السلطان الجديد إلى ضحية نيته الحسنة والتى قوبلت بالتنكيل و » الجيول » بدل الشكر والثناء
التسجيل الجامعي عن بعد
رغم ما توفره عملية التسجيل الجامعي عن بعد من افادة للطلبة خاصة تجنيبهم التنقل مئات الكيلومترات فان بعض الطلبة يشتكون من قلة الاعلام واحتجاب البلاغات الجامعية المشيرة الى رزنامة التسجيل حيث يتفاجأ البعض بفتح آجال التسجيل عن بعد لايام قليلة وغلقها دون سابق اعلام ولا نشر في الصحف كما جرت العادة.. فما ضرّ لو تواصلت البلاغات الجامعية الخاصة بايام ورزنامة الترسيم خاصة ان اغلبية الطلبة من الصعب عليهم الرجوع في كل مرة الى الانترنات للاطلاع على البلاغات الجامعية. المتعاونون التونسيون بالخارج يناهز العدد الجملي للمتعاونين التونسيين بالخارج 9560 متعاونا.. اكبر عدد منهم بتواجد بالبلدان العربية بنحو 7800 متعاون وتتوزع البقية بين أوروبا وامريكا وافريقيا. وتتميز ملامح المتعاونين بتطور ملحوظ في عدد الاطارات والخبرات المختصة في مجالات عليا منها التعليم العالي والهندسة وطب الاختصاص وقد ارتقت نسبة هذه الاطارات الى 12% مقابل 3% خلال المخطط الثامن وهي مرشحة لمزيد التطور. المصبات العشوائية انطلقت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات في غلق واستصلاح 13 مصبا عشوائيا في مرحلة اولى وذلك بالتوازي مع بداية استغلال المصبات المراقبة ومراكز التحويل التابعة لها بكل من ولاية قابس (وذرف، الحامة، شنني النحال، مارث، قابس) وولاية بنزرت (منزل عبد الرحمان، منزل جميل، ماطر) وجزيرة جربة (الغوش والرياض والغري بجربة حومة السوق، البحيرة وقلالة بجربة أجيم). كما تدخلت الوكالة ببعض الجهات لتحسين الوضعية البيئية بالمصبات البلدية في انتظار وضع منظومة المصبات المراقبة، وقد تم التدخل بالعديد من المصبات (الحمامات، المكنين، بوسالم، رفراف، جبنيانة، سيدي بوزيد، منزل بورقيبة، راس الجبل، القيروان، زغوان).
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
حاتم الشعبوني المترشح للأمانة العامة لحركة التجديد: مطلوب الانفتاح على الشباب لإخراجه من الانتظارية ينبغي التخلص من بعض المقولات التقليدية لليسار التونسي
تونس ـ الصباح يختتم اليوم بفندق المشتل المؤتمر الوطني لحركة التجديد الذي انطلق مساء اول امس بكلمة افتتاحية للامين العام المتخلي السيد محمد حرمل وكلمات ممثلي عدد من الاحزاب والمنظمات الوطنية.. وحضور شخصيات سياسية وحقوقية ومثقفين مستقلين.. ومن المنتظرأن يسفر المؤتمر مساء اليوم عن انتخاب مجلس وطني جديد من 67 شخصية.. ينتخبون لاحقا مكتبا سياسيا وهيئة قيادية مصغرة والامين العام الجديد.. ومن بين المرشحين للامانة العامة السيد أحمد ابراهيم الامين العام المساعد للحزب الذي نشرنا حديثا معه في عدد امس والسيد حاتم الشعبوني مدير صحيفة «الطريق الجديد» حاليا وعضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان.. الذي كان لنا معه الحوار التالي : * السيد حاتم الشعبوني أنت مترشح للامانة العامة لحزب التجديد.. بمناسبة مؤتمره الوطني.. فماذا تنتظر أولا من هذا المؤتمر الذي عقد بعد موعده بمدة طويلة؟ ـ ننتطرمن هذا المؤتمر تكوين قوة سياسية جديدة مؤثرة تقدر على تجاوز الاستقطاب الثنائي بين السلطة من جهة والتيار الاصولي من جهة ثانية.. وتؤكد على المطلب الديمقراطي في سياق التمسك بالثوابت والعدالة الاجتماعية.. كما ننتظرمن المؤتمر التأليف الايجابي بين العناصر التجديدية سابقا والمستقلين سابقا في كيان حزبي يتميز بالوحدة والتنوع في نفس الوقت.. واخيرا ننتظر من المؤتمر تجديدا وتشبيبا في قيادة الحزب.. الإرث الإيديولوجي بعد حوالي 15 عاما عن مؤتمر1993 الذي أسفر عن تأسيس حركة التجديد اساسا من بين مناضلين سابقين في الحزب الشيوعي.. هل نجحت الحركة في ان تصبح فعلا قطبا للديمقراطيين وان تتحرر من الموروث الايديولوجي لبعض قياداتها..؟؟ ـ لقد كان تأسيس حركة التجديد في 1993 محاولة اولى لبناء حزب تقدمي وديمقراطي على اساس برنامج سياسي.. حزب ليس له اية صبغة ايديولوجية مهما كانت.. وقد نجحت التجربة نسبيا في القطع مع ماضي اليسار التونسي وابراز توجه جديد.. لكن المطلوب اليوم هو بناء حزب له تاثير على اوساط واسعة من الراي العام قادر على التاثير على مجرى الامور والمساهمة في التأثير في مصير البلاد.. الذي اصبح يكتنفه كثير من المغموض.. نتيجة سياسة الانغلاق والانفراد بالرأي وبالقرارات. ونعتقد ان تظافر جهود التجديديين والمستقلين في هذا المؤتمر وسياسة التحالفات مع القوى الديمقراطية داخل حركة التجديد يمكن ان يحققا المطلوب وبناء القطب الديمقراطي والتقدمي الذي تحتاجه الحياة السياسية..
أمين عام جديد؟ * وماذا عن مشروع تعديل القانون الاساسي واحداث خطة رئيس للحزب تسند الى السيد محمد حرمل.. ثم انتخاب امين عام جديد؟ ـ هناك مقترح يحظى بتأييد لا باس به لاحداث منصب رئيس للحزب وتكليف السيد محمد حرمل بهذه المسؤولية.. نظرا لدوره النضالي في الماضي والحاضر وكضمان لانتقال هادئ للمشعل من جيل الى جيل.. هذا الانتقال سيتمثل في انتخاب امين عام جديد وقيادة جماعية ينبغي ان تمثل في نظري الاجيال الجديدة في الحزب فتوفق بين الاستمرارية والتجديد والتداول على المسؤولية.. الرهان على الشباب * أنت مترشح لللامانة العامة فهل لديك مشروع سياسي وبرنامج جديد؟ ـ تحثني مجموعة من التجديديين والمستقلين على الترشح للامانة العامة للحزب الذي نحن بصدد بنائه وذلك لتحقيق التجديد الحقيقي وتاكيد الطابع المتفتح لهذا الحزب الذي نريده ان يتخلص من التصورات التقليدية لليسار.. التي تجعله مقتصرا على حلقات ضيقة من المناضلين والمناضلات المقتنعين بأطروحاته.. بينما المطلوب التفتح على الراي العام الشعبي الواسع.. والدخول في الحياة السياسية من بابها الكبير واخراج الشباب من الانتظارية والعزوف عن العمل السياسي.. ان خطابنا الديمقراطي والتقدمي يجب ان يكون عصريا ومقنعا وعقلانيا يرفض الانتهازية من جهة والمعارضة الشعاراتية والعقيمة من جهة أخرى.. حاوره كمال بن يونس
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
منـــارات
من تونس إلى بغداد ومن فلسطين إلى الرباط إصلاح التعليم مهمة قومية عاجلة
بقلم: كمـــال الســـاكــري sekrikamel@yahoo.fr الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله! أخيرا اهتدت جامعتنا العربية إلى طريق النجاة بعد أن ظلت عقودا تائهة فاقدة الاتجاه فاقدة الحياة مذبذبة لا تدري أتبدأ بالإصلاح السياسي أم بالإصلاح الاقتصادي أم بإصلاح التعليم. ويبدو أن منارة تونس هي التي أنارت السبيل وأمنت لها الرسو وعودة الاطمئنان بعد الحيرة والهداية بعد الضياع. أجل لقد اتفق العرب وهم يعيشون أسوأ حالات ضعفهم وتمزقهم وتقتيلهم وتقاتلهم وضياعهم الحضاري على أولوية مهمة إصلاح التعليم ومناهجه التربوية وقيمه الثقافية في خطة عشرية من 2008 إلى 2017 وسمها السيد الأمين العام للجامعة العربية بـ »عقد تطوير التعليم » وذلك على إثر مصادقة المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في دورته الاستثنائية الرابعة بتونس يومي 13 و14 جويلية على خطة تطوير التربية والتعليم العالي في الوطن العربي. وهو حدث على غاية من الأهمية لعدة أسباب. فمن حيث الشكل انعقد هذا المؤتمر التاريخي على أرض العلم والمعرفة والإبداع تونس. أرض أول جامعة إسلامية بالمغرب العربي وإفريقيا كلها جامعة الزيتونة وأعظم بها من منارة علم! وأرض أعظم قاعدة عسكرية وعاصمة حضارية في عصرها بعد دمشق وبغداد. ألا وهي القيروان حامية المقاومة وحاضنة العلم والشعر وفاتحة الحضارة وخاتمتها أو تأكد فمازال في البال قاهرة المعز! وهي ذاتها قاهرة عبد الناصر ! وتونس صلة الوصل عبر جميع – الحقب والأعصار- بين الشرق والغرب قامت على الدوام رسول حوار واتصال تجيد مخاطبة المغاير دون إفراط ولا تفريط بقدر ما تجيد مقارعة العتاة الجبارين دون غلو ولا تهوين واسألوا حنبعل ويوغـرطة وطارق بن زياد وجوهر الصقلي والدغباجي وبشير بن سديرة ومرغاد ومئات الألوف من القدامى والمحدثين! وتونس منجبة العلماء والفقهاء والأدباء والساسة والأبطال والرياضيين وكفى بابن خلدون والطاهر بن عاشور والخضر الحسين والشابي والثعالبي والقمودي قطرات من بحر تونس الزاخر بالعلماء والمبدعين ومؤتمر الألسكو الأخير بتونس جاء بعد إطلاق القمة العربية في الخرطوم في العام 2006 لمبادرة التطوير التربوي ثم تبني هذه المبادرة في قمة الرياض بالسعودية في مارس 2007. لقد استلمت تونس مبادرة عاصمة دولة عربية عزيزة على العرب تذكرهم باللاءات الشهيرة « لا صلح لا اعتراف لا تفاوض بالعدو الصهيوني رفعتها قمة الخرطوم والعرب في حضيض الهزيمة سنة 67. بعد أن مرت تلك المبادرة بعاصمة أخرى مقدسة أراضيها ومدنها ولا سيما مكة والمدينة مهبط الدين الإسلامي وبانية المجد العربي الأثيل. أما من حيث المضمون فلقد حفلت الخطة العشرية لإصلاح التعليم بعدة نقاط مهمة جدا زادها أهمية قصوى ربطها بين إصلاح التعليم وتربية الأجيال على قيم العصر وقيم الديمقراطية من جهة وتطوير المجتمع من جهة أخرى. إذ نصت على التحول التدريجي نحو الديمقراطية والشورى والاهتمام بمجال التربية على المواطنة وحقوق الإنسان واعتبار عمليات التطوير والإصلاح التربوي جزء من عملية إعادة الهيكلة التي تطول الاقتصاد الوطني والجوانب الاجتماعية. ونادت هذه الخطة العشرية بالالتزام بتوفير التعليم الجيد للجميع وضرورة الربط بين الكفاءة وتوظيف الموارد والعدل في التوزيع. وشددت هذه الخطة الواعدة على لسان السيد المنجي بوسنينة المدير العام لمنظمة الألسكو ووزير الثقافة بتونس سابقا على ضمان استقلالية القرار التربوي ووطنية منفذيه قائلا «إن تجسيم مضمون الخطة التربوية الجديدة لا يمكن أن يكون إلا بأيدينا وبإرادتنا وكفاءتنا، وفي إطار العمل العربي المشترك بعيدا عن فرضها من الخارج». ولعل ما يلفت الانتباه هو إيلاء جامعتنا العربية ومنظمتها التربوية المجتمع المدني المكانة اللائقة به فحضّت على الشراكة ما بين السلطات الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني، (أنظر خطة الإصلاح). وتبنت هذه الخطة مبدأ « تعميم التعليم والارتقاء بنسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي إلى ما يقارب 70 في المائة في مجمل الفئة العمرية المعنية بالإضافة إلى تحسين نسب الالتحاق بالتعليم المهني والتقني وربطه بقطاع الإنتاج والمؤسسات الاقتصادية والارتقاء بمستوى الالتحاق بالتعليم العالي مع تطوير المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وحاجات التنمية الشاملة والمتكاملة »، (الصباح، 15 جويلية 2007) ودعت هذه الخطة أيضا إلى محاربة الأمية والانخراط الفعلي في اقتصاد المعرفة والارتقاء بكفاءة الإطار التربوي. إن مثل هذه النقاط المضمنة في خطة إصلاح التربية والتعليم قطريا وقوميا تعتبر تقدما تاريخيا في وعي العرب بمطالب واقعهم وتحديات عصرهم وعزما قوميا على توحيد مبادئ تربيتهم وقيم تعليمهم وخصائص ثقافتهم بعد تفرق كلمتهم وتشتت شملهم وفقدان رؤيتهم الموحدة. إنها خطة حاسمة إذ رفضت ما رسم للعرب من خرائط للطريق في السياسة والاقتصاد والتربية ولا تفضي كلها إلا إلى الانسداد والتمزق والاحتراب. لقد قال العرب في منظمتهم التربوية من خلال هذه الخطة، « لا » مدوية لمشاريع تجفيف منابع الثقافة العربية الإسلامية خيمة العرب الواحدة وموردهم العذب وصرحهم الخالد ورفضوا الاتهامات التي تكال لهم بسبب وبدون سبب على نحو ما قاله كولن باول في مشروعه الخاص للشراكة الأمريكية – الشرق أوسطية أواخر العام 2001 من أن ثقافة العرب وتعليمهم « تستعمل لغة الكراهية والاستعباد والتحريض على العنف » وهي اتهامات باطلة لأنها تستهدف مسخ القرآن في دعوته إلى مجاهدة المعتدين من صهاينة وامبرياليين وطواغيت، كما أنها دعوة مغرضة وتستهدف احتقار اللغة القومية واستبدالها بلغات العصر المفروضة. إنها دعوة إلى الانمحاء والانحناء للغرب الاستعماري والتنكر للذات وطمس لها. ولذلك اطّرحت هذه الخطة الجديدة الإملاءات الأجنبية مالية ومادية ومعنوية ثقافية واتجهت إلى تجديد ثقافتها وتنوير مناهجها وضرورة مواكبة العصر والانتقال من ثقافة « الرواية » الأحادية للتاريخ والماضي إلى استشراف المستقبل على أساس الثوابت الحضارية والمتغيرات العصرية نابذة الانغلاق والتعصب منادية بالتفتح والتعدد رافضة الاكتفاء بالنقل محرضة على الانفتاح على الأساليب التطبيقية العملية والطرائق التجريبية الفاتحة سبل الإبداع العقلي والاكتشاف العلمي. خلاصة القول إن روح هذه الخطة التربوية القومية تبنيها مشروعا حضاريا ثقافيا يقطع مع ثقافة تفسير العالم التي باتت ممجوجة وينخرط في ثقافة تغيير العالم التي أصبحت مطلوبة. إن تبني منظمة التربية والثقافة والعلوم ومن ورائها جامعة العرب والعرب جميعا مثل هذا المشروع الاستراتيجي المهم في مثل هذه اللحظة التاريخية قوميا يعادل في دلالته ومناسبته القرار الاستراتيجي الذي اتخذته قمة الخرطوم في 1967. وإذ رفعت هذه القمة التاريخية لاءاتها الثلاث المدوية » لا صلح لا اعتراف لا تفاوض » وصنعت من الهزيمة نصرا ومن الضعف قوة ومن الإحباط انطلاقة خلاقة رأينا بعض ثمارها في حرب العبور 1973 وبعضها الآخر في اشتداد عود المقاومة في فلسطين ثم في لبنان وأخيرا في العراق الصامد فإن قرارات تونس 2007 رفض للهيمنة الأجنبية بكل أشكالها ودعوة إلى الوحدة في أعمق مستوياتها وأبعادها ورفض للاستبداد والدكتاتورية في كافة أرجاء الوطن العربي ولكن بصيغة إيجابية هذه المرة عنوانها: نعم للإصلاح الديمقراطي نعم للتجديد التربوي والحضاري نعم للتغيير الشامل… كل هذا جيد لكن هل سيشرك الشعب العربي كله في تجسيد هذه المبادئ والشعارات؟ وهل سيفتح الباب للخبراء والمفكرين والساسة والنقابيين والمربين لتقديم مساهماتهم النوعية والمختلفة؟ وهل تتكفل الدول العربية ولا سيما النفطية بتمويل هذا المشروع الجبار واضعة حدا للإقراض الأجنبي واشتراطاته المجحفة؟ ! هذا ما نرجوه و نلح عليه. وإلى أن يتحقق: كل عام وتونس عاصمة العرب العلمية ومنارة للتقدم والإصلاح..
(المصدر: صحيفة « الوطن » (لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي – أسبوعية)، العدد التاسع بتاريخ 27 جويلية 2007)
ثورة يوليو .. رؤية الماضي ودلالات الحاضر والمستقبل
في تاريخ الشعوب والأمم محطات وتجارب تاريخية متميزة. وفي الحركات التحررية وثوراتها نماذج مختلفة قدمت للإنسانية تجارب حية تمكنها من المضي قدما نحو أهدافها، وتساعدها في تحقيق مسيرة النمو والتطور والبناء. وتختلف استفادة كل شعب وأمة من تجاربها التاريخية، والاقتداء بسير لنماذج وشخصيات استطاعت إحداث تحولات حقيقية في مجتمعاتها ساهمت بشكل فاعل في بنائها وتطورتها. وذلك ينطبق كثيرا على فكر وتجربة ثورة 23 يوليو. وتبقى أهمية الثورات ومدى نجاح خياراتها وأهدافها مقرونة بما يتم تطبيقه على الواقع ومدى ملاءمته لهذا الواقع، وقدرته الحقيقية على إحداث التغيير فيه.لسنا هنا في تقييم لتجربة ثورة يوليو وقائدها العظيم جمال عبد الناصر، فذلك يفوق مقدراتنا ومعرفتنا، ولكننا ونحن نحتفي بهذه الثورة، وبعد مرور أكثر من خمسة عقود على قيامها، ندرك تمام الإدراك عظمة هذه الثورة الخالدة وسعة أفق قادتها، مصداقية الأهداف والخيارات التي ناضلت من اجلها. والشواهد من الواقع كثيرة جدا .فثورة يوليو منذ اليوم الأول لانطلاقتها، حددت خياراتها وأسسها ومنطلقاتها، وقدمت رؤية للمشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري والأمة العربية والإسلامية، وحددت من هم أعداءها. وها هي تلك الخيارات تتأكد اليوم، فمازالت التحديات التي واجهتها هي ذاتها التي يواجهها الوطن العربي اليوم، وأن اختلفت الاشكال والمسميات، فالعدو هو العدو، وعقلية الإمبراطورية والسيطرة سارية المفعول، والواقع أكثر بؤسا ومأساوية، والتشتت والتمزق والخضوع بلغ مرحلة غير مسبوقة في التاريخ. ما يحدث في الوطن العربي اليوم يدحض كل التقولات التي تقال عن فكر ثورة يوليو وخيارات قائدها، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك » أن الحق بغير القوة ضائع، وأن السلام بغير إمكانية الدفاع عنه استسلام » و » أن الآمال العظيمة تصنع الأمم العظيمة اذا ما وعت وتعلمت ».مروجو إشاعات نهاية القومية العربية وعدم صلاحية الفكر القومي وفشل التجربة القومية، لن نكلف أنفسنا عناء الرد عليهم، فها هي تجربتنا تؤكد أن السلام مع العدو الصهيوني وهم وسراب وأن المقاومة هي الحل، وأن أمريكا هي العدو الأول للعرب وللمسلمين، وأن المواجهة بمختلف أشكالها هي الطريق الوحيد لاستعادة الأرض المحتلة وإنهاء زحف الطامعين المتربصين. لا أستطيع في هذه الفترة القصيرة حشر كافة المفردات والاستشهاد بكل ما حدث على صحة خيارات ثورة يوليو، وأكتفي هنا بالإشارة لما يحدث اليوم في فلسطين الباسلة المجروحة وعراق التحدي بالمقاومة وما هو مواقف الأنظمة المستسلمة المستبدة المتهالكة ومواقفنا جميعا مما يجري. في هذه الذكرى ذكرى ثورة يوليو المجيدة وفي كل ذكرى من ذكريات الأمة العربية نتوجه بأكبر معاني الشكر والوفاء والامتنان لكل من يدافعون عن أرضنا وعرضنا فأولئك الرجال المقاتلون المخلصين في فلسطين والعراق ولبنان، هؤلاء الميامين الذين لا يدافعون عن القدس وبغداد وبيروت فقط بل يدافعون عن صنعاء والرياض والرباط وعن كل ذرة طاهرة من تراب وطننا العربي الكبير. لهم جميعا ولقادة ثورة 23 يوليو وصناع مجدها أسمى معاني التقدير. وللمقاومة وتجربة وفكر 23 يوليو الناصرية. المجد والخلود للمقاومة وشهدائها… والخزي والعار للمستسلمين الخائفين والمتخاذلين. (المصدر: صحيفة « الوطن » (لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي – أسبوعية)، العدد التاسع بتاريخ 27 جويلية 2007)
بتهمة تعاطي الرشوة …موقع على الإنترنت يحيل رجال أمن مغاربة إلى القضاء
الرباط – الشرق : بعد الصحافة المستقلة، دخل المبحرون داخل الشبكة العنكبوتية حلبة المصارعة لصناعة معارضة جديدة، تقلق راحة المسئولين في المغرب، في ظل واقع تتسم به المعارضة السياسية بالضعف، وتنشغل فيه الأحزاب بالحفاظ على مواقعها على حساب الشأن اليومي للمواطن البسيط. وفي هذا السياق صنع « قناص ترجيست » الحدث خلال هذا الصيف من خلال الموقع العالمي « يوتوب ». فقد لجأ مواطن مغربي أطلق على نفسه لقب « قناص ترجيست » إلى تصوير لقطات ملتهبة تدين شخصين ينتميان إلى جهاز الدرك الملكي (جهاز أمني تمتد صلاحياته خارج المدن) بالرشوة. واستطاع القناص أن يوقع بالدركين بعد بث شريط في أكثر من ست دقائق، يحمل عنوان « الوعد الصادق » وقد صورهما وهما يأخذان « الإتاوة » من السيارات التي تمر من حاجزهما الأمني دون أن يكلفا نفسيهما عناء تفتيشها. ومباشرة بعد بث الشريط، الذي اقتطفت منه الصحف المغربية بعض الصور، تم إيقاف الدركيين وتمت إحالتهما إلى التحقيق في انتظار محاكمتهما التي ستتوج لا محالة بإعفائهما من مهامهما. كما أصدرت القيادة العامة للدرك الملكي، قرارا يقضي بنشر مجموعات مراقبة أمنية بزي مدني داخل حافلات الركاب، وعلى طول الطرق التي تخضع لمراقبة رجال الدرك لمراقبة سلوكياتهم. وبعد أيام قليلة عاد « قناص ترجيست » المجهول الهوية بشريط جديد، يتداوله حاليا رواد موقع « يوتوب »، وتبلغ مدته حوالي عشر دقائق، وقد أطلق عليه اسم « البرهان القاطع » ووصفه بأنه « تصوير لحاجز أمني مزيف » حيث يبدو فيه دركيين آخرين في منطقة أخرى، وهما يتناوبان على جمع الرشوة من السائقين، الذين يبدو أنهم يفهمون أصول اللعبة جيدا، ودسها داخل جيوبهم، مقابل عدم تفتيش سياراتهم وعدم اعتراض طريقها. وكان الجديد في الشريط الأخير، أنه انتهى برسالة موجهة إلى العاهل المغربي محمد السادس، حيث طالبه صاحب الشريط بـ « التدخل العاجل والفوري لإنقاذ هذه المدينة « ترجيست » (الشمال الشرقي) من فساد مسيريها والمسئولين عن الشأن المحلي بها، ومحاسبة كل من كان وراء عرقلة تقدمها ». ومن المنتظر أن يسقط بطلا الشريط الجديد في قبضة العدالة خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد أن بدأت دائرة تداوله تتسع بين المواطنين، وقد يجد مكانه على صدر الصفحات الأولى للصحف دون حجب وجهي الدركيين المتلبسين بابتزاز المواطنين. ويعلق عدد من المراقبين، بأن موقع « يوتوب » العالمي، قد يشكل منعطفا حقيقيا في حياة المغاربة الذين يعتبرون من أكثر الشعوب إبحارا عبر الإنترنت، حيث استطاع بعض الأعضاء في هذا الموقع بث مشاهد ممنوعة، ونشر لقطات لم تستطع أي قناة تلفزيونية نشرها، مثل اللقطات التي تصور التدخلات الأمنية العنيفة ضد المتظاهرين في قلب العاصمة الرباط، أو تلك التي تصور رجال الأمن، وهم ينكلون بالمطالبين بتوفير فرص شغل من المعاقين وحملة الشواهد العليا. كما أن منع الموقع من التداول داخل المغرب خلال الأسابيع الماضية، لم يزده إلا شعبية وسط المواطنين، بعد أن دخلت على الخط التنظيمات الحقوقية والبيانات والتصريحات الغاضبة التي نددت بحجبه، معتبرة أن حق جميع المواطنين في الوصول إلى المعلومة وفي الإبحار بحرية في الإنترنت، جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، مما أرغم السلطات المغربية على التراجع عن قرارها وتمكين المغاربة من مشاهدة الموقع.
(المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
« يو تيوب ».. يكشف وقائع فساد بالمغرب
أحمد حموش
الرباط ـ تمكن مغربي من كشف واقعة فساد بصفوف الشرطة في بلاده، مستغلاً موقع « يو تيوب » الإلكتروني الخاص بتبادل التسجيلات الصوتية والمرئية بالمجان عبر شبكة الإنترنت. وبث المغربي الذي يلقب نفسه بـ »قناص تارجيست » شريط فيديو على موقع « يو تيوب » يصور مشاهد لشرطيين يجمعان الرشاوى من ملاك سيارات تمر عبر حاجز مروري وصفه القناص بأنه « غير قانوني » في منطقة تارجيست بالقرب من مدينة الحسيمة شمال المغرب. وتم تحميل الشريط الذي أطلق القناص عليه اسم « البرهان القاطع » على الموقع بتاريخ الثلاثاء الموافق 24-7-2007. وختم القناص شريطه برسالة مصورة يلتمس فيها من الملك محمد السادس التدخل بشكل عاجل لإنقاذ مدينة تارجيست مما سماه « فساد مسيريها والمسئولين عن الشأن المحلي فيها ». ويأتي نشر مقطع الفيديو بعد عدة أسابيع من قيام نفس « القناص » بعرض شريط آخر أطلق عليه « الوعد الصادق »، وأثار ضجة كبرى في المغرب، بحسب مراسل « إسلام أون لاين ». ويظهر شريط فيديو « الوعد الصادق » هو الآخر بعض رجال الشرطة المغاربة وهم يوقفون السيارات العابرة من أمامهم لتلقي « الرشاوى »، ثم تركها تمر دون تفتيش ظاهري. وحظي « الوعد الصادق » بنسبة مشاهدة مرتفعة وفقا لإحصائيات « يو تيوب » التي تظهر أن الرقم تجاوز 120 ألف مشاهد حتى يوم الأربعاء 25 -7- 2007. وأفادت تقارير إخبارية بأنه عقب عرض الشريط، تمكن رجال الأمن من إلقاء القبض على الدركيين (رجلي الشرطة) اللذين ظهرا في الشريط. استشراء الفساد وفي مسعى منها للقضاء على هذه الظاهرة نشرت القيادة العامة للدرك الملكي مؤخرا مجموعات مراقبة بلباس مدني، هدفها رصد دوريات مراقبة الطرق، في محاولة لضبط رجال الشرطة الذين يتقاضون رشاوى من السائقين المخالفين للضوابط القانونية في السير. وتوضح جريدة « الأحداث المغربية » أن هذه الفرق، وعددها عشر، موزعة على مختلف الجهات، وتضم كل فرقة ما يتراوح بين اثنين وثلاثة من عناصر الدرك. وتقر الحكومة المغربية بتأثير الفساد في البلاد وتدرس إنشاء وكالة لمحاربته؛ خاصة مع تحذير منظمة الشفافية الدولية، المعنية بمكافحة الفساد، من أن الفساد بالمغرب أصبح مقلقا بعد تراجع المغرب على مؤشر قياس انتشاره على المستوى العالمي من المرتبة 45 عام 1999 إلى المرتبة 72 عام 2006. وسجل المغرب 3.2 نقاط على مؤشر مدركات الفساد الخاص بمنظمة الشفافية عام 2006، وتتدرج درجات المقياس من صفر (فساد مرتفع/ مستشر) إلى 10 (غياب الفساد). عرب الـ »يو تيوب » وتتباين استخدامات الجمهور العربي لموقع « يو تيوب » الإلكتروني، حيث تتراوح بين النكات السياسية، ووقائع تعذيب بيد السلطات الأمنية، والاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن الواحد. ففي مصر، يستخدم عدد من النشطاء موقع « يو تيوب » في تحميل مقاطع فيديو تتضمن مشاهد سخرية من الأوضاع السياسية القائمة بالبلاد، كما استغل نشطاء آخرون الموقع في كشف وقائع تعذيب عدد من المواطنين بيد ضباط الأمن داخل أقسام الشرطة. وفي الأراضي الفلسطينية، انتقلت مشاهد الاقتتال الذي دار بين مسلحي حركتي فتح وحماس، قبل سيطرة الأخيرة على قطاع غزة منتصف يونيو الماضي، إلى موقع « يو تيوب » عبر بعض نشطاء الإنترنت الذين شرعوا يوثقون لأحداث الاقتتال عبر كاميراتهم المنزلية، غير أنه بدا من خلال التعليقات المكتوبة أحيانا على هذه المقاطع أن هناك حربا أخرى تدور رحاها بين أنصار فتح وحماس على « يو تيوب »، وسباقا بين الفريقين على نشر مقاطع تصور قيام كل طرف بقتل أنصار الطرف الآخر.
(المصدر: موقع « إسلام أونلاين.نت » (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 28 جويلية 2007) لمشاهدة عمليات الرشوة: الشريط الأول لقناص تارجيست بعنوان: « الوعد الصادق » http://www.youtube.com/watch?v=h1QwZolcjm0 الشريط الثاني لـ « قناص تارجيست » بعنوان « البرهان القاطع »
http://www.youtube.com/watch?v=R3RAVxcXYRg
أفكار حول قناص الحسيمة
et la boite de nuit OASIS
اليوم و بعد تصفحي لبعض المواقع على الشبكة اكتشفت وجود مغربي اطلق على نفسه لقب قناص تارجيست والذي والحق يقال ابهرتني مبادرته.
هاذا الشاب اراد فضح المرتشين وذلك بمحاصرتهم وتصويرهم بحالة تلبس ومن ثما عرض الصور على النات
النتيجة:
مباشرة بعد مشاهدة أكثر من تسعين ألف مشاهد لشريطه سارعت الأجهزة الأمنية إلى توقيف الدركيان المذنبان ، واعتقالهما بأحد سجون المنطقة.
تستحضرني الآن حادثة مماثلة وقعت في السجون المصرية لأحداث تعذيب وتجاوزات كان الفضل للأنترنت لفضحها
السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
أين نحن(التوانسة) من هذا؟
ما الذي يمنعنا لنقوم بمثل هذا،علما و أن الدولة وبمباركة أعلى هرم السلطة، اخذت على عاتقها مهمة محاصرة هذه النعاج الجرباء وعزلها.
ام هي عقلية او ثقافة الخنوع والاستخفاف التي تأصلت فينا،
خلينا توا موش وقتو ياخي شبيك ماسمعتش انوحلت اخير في الحمامات oasis، ياخي اش يفهموا منو هوما المغاربة ،تي راهي أكبر بوات في الأفريك.
نخليكم مع الفيديو الي يغني عن أي تعليق
(المصدر: مدونة Zig Zag بتاريخ 28 جويلية 2007)
الرابط: http://scoubidou1.blogspot.com/2007/07/et-la-boite-de-nuit-oasis.html
عباس وهنية بقلم : أم أسيل
فلسطين يا حبيبة القلب أهديك التحية يا شريـــفة أرادوك مومسا يتسامرون على ردائك الشفـــا ف يتاجرون بالقضية يا شرف العروبة ينتهك يتفجر انهارا من الدماء وأهلها منشغلون بالشرعية دحلان و عباس ضد بطش وهنية وإسرائيل تبطش بالجميع بنو صهيون يتبادلون التحية حماس في غزة فاضت حماسا وفتح في الضفة تفتح نـــارا جهنمية يتبادلون ثأرا وتصفية حسابات على اللحية والهوية وشعب يعانقه اللظــى يموت على المعــا بر والحواجز بقرارات دولية تدبرها الرؤوس على الكؤوس وتحيكها أصابعهم خفيــــة فيا امة الإسلام هل من لبيب يوقف فصول هكذا مسرحية يا حسرتــي على فلسطـــين والمسلمون غثــاء بين غيبوبة وعجز وجــاهلية.
خلفاء الإستعمار (3)
بقلـــــــم: علـــي شرطــــــاني – تونس
– السلطان عبد الحميد وزعماء الإصلاح ومشروع الجامعة الإسلامية: في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة الإسلامية، وقد انتهت إلى أسفل درجات العد التنازلي، وأصبحت لقمة صائغة في أفواه أعدائها التاريخيين المتربصين بها الدوائر، وينتظرون منذ زمان بعيد بلوغها حالة الضعف والإنهيار الذي تفقد معه كل قدرة على القيام والنهوض، فانقضوا عليها يمزقونها إربا إربا. فكان لكل من إمبراطورية النمساء وروسيا القيصرية وفرنسا وأنقلترا حظ وافر من تركة الإمبراطورية العثمانية الإسلامية. ومما سهل لهذه القوى الدولية الصليبية اقتسامها، هم أعداء الإسلام والمسلمين، وأعداء والجامعة الإسلامية من داخل الجسم العثماني نفسه، والذي يمثله العرب بمختلف معتقداتهم وطوائفهم، والأتراك الذين أبوا بقيادة منظمة الإتحاد والترقي إلا أن يكونوا طورانيين أتراك، وغير ذلك من الحركات والمنظمات والجمعيات الإنفصالية القومية والعرقية والطائفية. في هذه المرحلة، وجد تيار يختلف جذريا وجوهريا عن كل هذه الأطراف التي تلتقي في النهاية مع القوى الإستعمارية الصليبية واليهودية الصهيونية في القضاء على كل شكل من أشكال الوحدة الإسلامية أو العربية أو العربية الإسلامية. كان هذا التيار عربيا إسلاميا بأتم ما تعنيه الكلمة من معنى، في زمن مازال التلازم فيه بين العروبة والإسلام ليس محل نظر ولا إعادة نظر. وكان يتزعمه علماء ومفكرون من خير ما أنجبت الأمة الإسلامية في ظل الحكم العثماني التركي الجائر، والذي كانوا يعلمون أنه كذلك. وكانوا يقولون بذلك. وكانوا يعملون بكل جد وحرص وإخلاص على إصلاحه. وهم الذين عرفوا بناء على ذلك وبمقتضاه بذلك، والمشار إليهم بزعماء الإصلاح، من أمثال رشيد رضاء ومحمد عبده وعبد الرحمان الكواكبي وجمال الدين الأفغاني وشكيب أرسلان ورفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين باشا وعبد العزيز الثعالبي وعرابي ومصطفى كامل ومحمد فريد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم وعثمان بك غالب وعمر بك لطفي والشيخ فضل الله ورفيق بقلادم ومحمد كرد علي وغيرهم من أهل العلم والورع والتقوى وأهل المروءة والشهامة والعزة. وكانت هذه الرموز الفكرية والسياسية والعلمية تمثل تيارا فكريا سياسيا إصلاحيا يختلف كل الإختلاف عن غيره من القوى السياسية والفكرية التي عرفتها تلك الحقبة من تاريخ الأمة. والمتفحص لرموز هذا التيار يلاحظ أن ما يجمع بينها ليس العروبة كغاية وهدف ووسيلة مثلما هو الشأن لدى القوميين في الحركة القومية، ولكن إذا كانت قد اختلفت في الجنس والعنصر والطرح، فإن الذي كان يجمع بينها كلها أو جلها على الأقل هو الإسلام كعامل أساسي وقاسم مشترك بين مختلف الأجناس والأعراق والأقوام والشعوب والأوطان يضمن جمع شتات الأمة ويوحدها، ويجعل منها قوة متضامنة ومتحدة إن لم تكن موحدة في مواجهة عدوها التاريخي المشترك ومن تحالف معه من قوى الردة التي جعل لها الإستعمار الصليبي الغربي من إخوانها غرباء ومن أصدقائها أعداء، وتوصل إلى إقناعهم تحت تأثير عاملي الخوف والطمع أن الخلافة العثمانية المسلمة على ما هي عليه من جور واستبداد وفساد إنما هي استعمار وخاصة للعرب. والغريب في الأمر أنهم قد قبلوا عليهم أن ذلك الذي أقنعوهم به واقتنعوا به فعلا لا يهم كل العرب ولا ينسحب عليهم جميعا. وأنه لا عرب معنيين بهذا المعنى للإستعمار ثم للإستقلال والوحدة الموعودة بعد ذلك إلا عرب الشرق الأوسط من الحجاز إلى بلاد الشام. وأي معنى للإستقلال يكون عندئذ إن لم يكن استعداد الحركة القومية للتنازل عن الأقاليم العربية الواقعة تحت نفوذ الخلافة العثمانية والتي من المفروض أن لا تكون الحركة القومية العربية غير معنية بها، لفائدة الدول الغربية الإستعمارية فعلا. ولا يمكن أن يوجد معنى للصلح كذلك إن لم يكن يعني قبول العثمانيين بالتنازل عن مناطق نفوذهم وجعلها تحت الحماية الأوروبية والتي مفادها ضمان الإستقلال عن تركيا. إن عرب الشرق الأدنى وحدهم والذين انتظموا كلهم أو جلهم في الحركة القومية العربية وساهموا في قيام « الثورة العربية الكبرى » هم الذين اقتنعوا بهذه المعاني للإستعمار والصلح والحماية والإنتداب، بخلاف ما هي عليه الحال في مناطق النفوذ الراجعة بالنظر للخلافة العثمانية كليا أو جزئيا، والتي كان تصدي الوطنيين فيها للهجمة الإستعمارية الغربية مباشرا وبدون مهادنة، رافضين الوجود الإستعماري الغربي رفضا مطلقا وتحت أي شعار كان، مثلما هو الشأن بالنسبة للجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وغيرها من الأوطان التي لم يكن فيها من يملك استعدادا للقبول بوجود استعمار كالإستعمار الفرنسي أو الأنجليزي أو الإيطالي في المنطقة العربية الإسلامية خاصة. كان زعماء الإصلاح وأنصار الجامعة الإسلامية يتحركون في هذه الظروف وفي هذا المناخ الذي أوجده الغرب الصليبي بالتنسيق مع الصهيونية العالمية والحركة القومية العربية والحركة الطورانية التركية وقد وجد من المتعاونين معهم من أصحاب النفوس الصغيرة ممن أغشى أبصارهم وأعمى بصيرتهم الجهل والطمع والغباء والخيانة، فكانت سباحتهم ضد التيار الإستعماري الصليبي الغربي الجارف ومن كان في انتظاره من اليهود والنصارى والعملاء من المتغربين المحسوبين على العروبة والإسلام، وما أشبه اليوم بالبارحة وما حصل مرة يمكن أن يحصل ألف مرة. وإذا كانت الحركة القومية العربية قد جاءت في ذلك الوقت على دبابات العدو الإستعماري البريطاني والفرنسي للإطاحة بالمنطقة العربية من نفوذ « الخلافة الإسلامية العثمانية » ليظل وضعها على صورة الإنقسام والتشتت الذي مازالت عليه بفعل ذلك، إلى أن عاد إليها الإستعمار مرة أخرى، فإن مكونات الشعب العراقي من الحركة العلمانية والطائفة الشيعية ومن القوميين الأكراد هي التي جاءت كذلك هذه المرة وبدعم من النظام العربي الفاسد والدولة الصفوية المذهبية في إيران « الثورة الإسلامية » على دبابات القوات الأمريكية والبريطانية لغزو العراق. والذي استحال بمقتضى ذلك إلى ساحة صراع دولي وطائفي وعرقي وأثني لا يعلم إلا الله إلى ما يمكن أن ينتهي إليه أمره. وقد بدت حقيقة تقسيمه على أساس طائفي وعرقي، ونسف هويته العربية الإسلامية شبه مؤكدة إذا لم يرعاه الله بعنايته ويقيض له من الصالحين ومن الأسباب ما يحفظ له وحدة شعبه ووحدته الترابية. ولم يكن يراد بدعوة الجامعة الإسلامية إقرار شرعية الخلافة العثمانية أو تبرئة ساحتها من الظلم والجور والإستبداد والفساد الذي أصبح من تقاليدها في الأقطار التي لها عليها سيطرة ونفوذ قوي، ولكنها دعوة تستهدف إصلاح ما فسد وتمثل ضجة في وجه الأعداء والخصوم، وصرخة لاستنهاض الهمم وتوعية الشعوب وتنبيهها وإشعارها بخطورة الوضع وبعظم الكارثة وبصعوبة المهمة. في نفس الوقت، ولذلك كان خطاب زعماء الإصلاح موجها لكل الشعوب ولكل أصحاب العزائم الصادقة يدعوهم للإنتباه، ويرسم لهم معالم طبيعة المعركة، وينبههم إلى عدوهم الحقيقي، وإلى خططه الجهنمية وأساليبه الخبيثة وخطابه الكاذب. هذه الخطط وهذه الأساليب وهذا الخطاب الذي استطاع العدو أن يقدم به نفسه لهذه الجهات المخدوعة الغبية على أنه ناصح وحامي لها، وأن يجعل به من رمز وحدة المسلمين وجمع شتاتهم، قوة استعمارية طالما أبقت عليهم تحت نير ظلمها واستبدادها على ذلك الأساس. يقول شكيب أرسلان: » إن الخلافة الصحيحة لم تقم إلا في عهد الراشدين .. وبعد ذلك فالخلافة لم تكن إلا ملكا عضوضا قد يوجد فيه المستبد العادل والمستبد الغاشم .. وما انقادت الأمة إلى هذا الملك العضوض المخالف لشروط الخلافة سواء أكان من العرب أو من الترك إلا خشية الفتنة من الداخل والإعتداء على الحوزة في الخارج »(1) لقد كان هؤلاء الأعلام الأحرار يعلمون طبيعة المرحلة وحقيقة المعركة وطبيعتها. ولم يكن وقوفهم الذي يبدو مساندا لمركز الخلافة ومتمسكا بها إلا من قبيل الحفاظ على الشيء على سوئه مع العمل على إصلاحه حتى لا يحل محله الذي هو أسوأ منه. وهم يعلمون أن مواجهة الظالم المستبد لا تكون في الوقت الذي يكون فيه العدو المشترك بين الظالم والمظلوم في الموقع الذي يستفيد فيه من الصراع بين الطرفين، مما يتيح له الفرصة المناسبة للتدخل في النهاية لحسم الصراع لفائدته بأقل ما يمكن من الخسائر، أو بدون خسارة أصلا. وفي هذا المعنى (يكتب محمد عبده لرشيد رضا: » إن كثيرا من وجهاء المصريين يكرهون الدولة العثمانية ويذمونها وأنا أيضا أكره السلطان .. ولكن لا يوجد مسلم يريد بالدولة سوءا فإنها سياج في الجملة .. وإذا سقط نبقى نحن المسلمين كاليهود بل وأقل من اليهود ».(2) إن هؤلاء الأحرار حقا يعلمون أن القوى الإستعمارية الغربية الصليبية تجعل على رأس اهتماماتها ومن أهدافها الكبرى التي لا يتحقق لها شيء مما تصبوا إلى تحقيقه من أهداف بدون إسقاط الخلافة رمز الثقافة والحضارة والوحدة. وهي إنما جاءت تستهدف الإسلام ووحدة المسلمين، لأن الصليبيين الإستعماريين يعلمون أن الخلافة لا تستمد قوتها ووثوق عرى وحدة شعوبها ومناطق نفوذها إلا من الإسلام. ولذلك كان نشاط وتوجه المصلحين في عملهم الإصلاحي على أساس الإبقاء والمحافظة على الجامعة الإسلامية بمثابة الصاعقة على رؤوس الإستعمار الصليبي الصهيوني. » وفي الحقيقة شعر الأوروبيون بخطر هذه السياسة على نفوذهم .. وانبرى رجال لهم شأن في تاريخ الإستعمار كالمسيو » هانوتو « … واللورد كرومر واللورد غراي إلى مهاجمة الجامعة الإسلامية واعتبارها بؤرة للتعصب الديني .. وأن ليس القصد منها سوى تحدي قوات الدولة المسيحية .. ودعوا الأمم الأوروبية إلى مراقبتها مراقبة دقيقة والحذر منها ».(3) يقول العقيد بارون سنة 1920 : » إن الشكل الذي عليه حركة الجامعة الإسلامية اليوم خطير بحيث أصبحت لها اتجاهات واقعية وأهداف عملية قابلة للإنجاز .. تطمح في النهاية إلى عدم فائدة وجود الوصاية الأوروبية على البلدان الإسلامية وقد أصبح كل المسلمين بجميع طبقاتهم يؤمنون بذلك ».(4) إن مشروع الجامعة الإسلامية مشروع ثوري، ولكنه لم يجد آذانا صاغية ولا قبولا إلا لدى السلطان عبد الحميد الذي وقع لفت نظره له واقتراحه عليه ونصحه به. فلم يجد بدا من قبوله في تلك المرحلة من تاريخ الأمة الإسلامية التي جاءت أنباء مؤتمر برلين بتقسيمها بين الدول الإستعمارية. وأصبح حريصا على العم به ويسنده في ذلك هذا التيار من العلماء والمفكرين الأحرار الذين كان يعز عليهم أن يروا البلدان الإسلامية ترصف في أغلال الإستعمار. ولقد كان تصورهم لهذه الدعوة متكاملا، ويحمل أفكارا جديدة بما يضمن بقاء الأمة موحدة متضامنة في ظل الحكم االإسلامي. يقول جمال الدين الأفغاني في مجال شرحه لفكرة الجامعة الإسلامية: » لا ألتمس بقولي هذا أن يكون مالك الأمر في الجميع شخصا واحدا فإن هذا ربما كان أمرا عسيرا ولكن أرجو أن يكون سلطان جميعهم القرآن ووجهة وحدتهم الدين وكل ذي ملك على ملكه يسعى بجهده لحفظ الآخر ما استطاع حياته بحياته وبقاءه ببقائه .. إلا أن هذا – بعد كونه أساسا لدينهم – تقضي به الضرورة وتحكم له الحاجة في هذه الأوقات ».(5) لم يكن أحرار دعوة فكرة الجامعة الإسلامية عربا، بل كانوا مسلمين كما كان عرب الثورة العربية عربا وكانوا مسلمين وغير مسلمين، ولم يكونوا مسلمين كما كان دعاة الجامعة الإسلامية مسلمين. ولذلك فلا غرابة أن يكون التنازع قائما بينهم. وأن توجه إليهم أصابع الإتهام في المنطقة العربية خاصة، بالعمالة للنظام العثماني الذي يعتبره العرب في الحركة القومية العربية والدول الإستعمارية الغربية الصليبية استعمارا. لم يكن السلطان عبد الحميد على ظلمه واستبداده كما تشير إلى ذلك المصادر التاريخية تركيا طورانيا، ولكنه كان تركيا مسلما. وكان على ظلمه واستبداده قادرا على أن يكون طورانيا تركيا فقط، في مرحلة اقتطع فيها الإستعمار الغربي أغلب الأقاليم الإسلامية من السيادة العثمانية: » (يقول الدكتور « توفيق برو » : » ولكن عبد الحميد كان يتبع سياسة تقضي بالإعتماد على كافة العناصر. مثلما كان ظلمه واستبداده يشمل كافة العناصر ولم يكن ينظر على الفوارق الجنسية والمذهبية .. فكنت ترى في الوزارة العثمانية وفي البلاط والمجالس المختلفة أفرادا من الألبان والعرب والترك والأرمن والإغريق .. وهذا دليل على أنه كان ينظر إلى الشعوب العثمانية بنظر واحد .. وأيضا لم يكن من سياسة عبد الحميد ترويج فكرة القومية التركية بل عمل على خنق كل صوت يخوض في بحث الفكرة والقومية التركية .. لا في مجال السياسة فقط .. بل في مجال الأدب أيضا .. وقد منع الخوض في قضايا اللغة التركية ونشر البحوث المتعلقة بذلك »).(6) وهو الذي يكون قد قطع بذلك الطريق أمام جمعية الإتحاد والترقي الطورانية التكوين والأهداف والتي انتهت بالإطاحة به في انقلاب دستوري سنة 1908 والتفريط في كل ما كان السلطان عبد الحميد غير قابل للتفريق فيه، مثل وحدة المسلمين، والتصدي للغزو الإستعماري الغربي، وتسليم البترول العراقي للأنجليز عندما عرض عليه توقيع الإتفاق، واقتطاع أرض فلسطين الإسلامية وتسليمها إلى اليهود الصهاينة عندما جاءت الإغراءات المادية في الوقت الذي كان فيه في أمس الحاجة إلى المال، وجاءت العروض الصهيونية المسيلة للعاب والتي يطلبونه فيها أن يبيع لهم فلسطين بأي ثمن يريد. وكان اليهود في تلك المرحلة من التاريخ قد أخضعوا كثيرا من البلدان الأوروبية خاصة لسلطانهم المالي تمهيدا لإحداث الضغط على الطرف المناسب فيها في الوقت المناسب لتحقيق هدفهم في إقامة وطن قومي لهم على أن يكون ذلك في فلسطين بالذات. يقول ماري أليس الكاتب الأمريكي : » …فإن أسرا يهودية عديدة قد ارتفعت في عدة بلدان في أوروبا خلال القرن التاسع عشر إلى مواقع ذات تأثير عظيم في المجال الإقتصادي وكمثال بارز البيت المصرفي روتشيلد تلك القوة المالية في ألمانيا وإيطاليا والنمسا وفرنسا وإنقلترا وأن أحد أبناء الأسرة المسمى ليونيل مد دزرائيلي بالأموال التي ساعدت الحكومة البريطانية في الحصول على حصة مهيمنة في قناة السويس وقد أصبح ليونيل أول يهودي غير معمد يجلس في مجلس العموم كما أصبح ابنه ناثان ماير الذي منح لقب بارون روتشيلد أول عضو يهودي غير معمد في مجلس اللوردات « .(7) كان السلطان عبد الحميد الذي أصبح قابلا بالإصلاحات التي دعاه إليها فرسان الجامعة الإسلامية ليس مستعدا للخضوع بسهولة على الأقل لكل ما تدعوه إليه البلدان الإستعمارية واليهود في الحركة الصهيونية أبناء عمومة الشريف حسين وابنه فيصل الذين توجهما العرب في الحركة القومية العربية أكبر رموزها في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة والعالم، ولم يتاجر بالقضية الإسلامية ولم يبع فلسطين بالأموال الطائلة المعروضة عليه، ليسلمها القوميون العرب بعد ذلك للحركة الصهيونية مقابل خيانة الأمة وطعنها في ظهرها بالتحالف مع أعدائها التاريخيين : » وفي سنة 1900 دخل قره صوه أفندي على السلطان بفضل الفريق عارف بك وأبلغه أنه موفد من قبل الجمعية الصهيونية وأنه قادم يطلب إليه إعطاء تلك الجمعية الأراضي الواقعة في المثلث القائم بين يافا وغزة والبحر الميت مقابل خمسة ملايين ليرة ذهبية عثمانية تدفعها الجمعية الصهيونية هدية إلى الخزينة السلطانية الخاصة. وعشرين مليونا تعرضها الجمعية إلى الحكومة دون فائدة لمدة تعينها الحكومة .. فغضب السلطان وطرده من حضرته. » (8) هذا السلطان الذي تأكدت لديه أطماع حركة اليهود الصهاينة في فلسطين هو الذي أصدر سنة 1888 مرسوما بمنع الهجرة الجماعية اليهودية إلى أراضي الدولة كلها ومنها فلسطين، كما قرر عدم السماح للحجاج اليهود بعدم البقاء في فلسطين أكثر من ثلاثة أشهر. لقد أدرك رجال الإصلاح أن الوضع يتطلب إصلاحات جذرية تتحقق بها الشورى والعدالة والحرية والمساواة، وكان السلطان عبد الحميد متفهما لهذا المسار الإصلاحي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإمبراطورية المنهارة، وبدأت تداعى إليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. يقول محمد فريد: » ثم أصغى لمشورة نبهاء وزرائه الميالين لمنح الدولة العثمانية نظاما دستوريا شوريا.. يحفظ لجميع رعايا الدولة حقوقهم .. ويكون بمثابة رابطة بين جميع الشعوب والملل المكونة منها المماليك العثمانية .. فيكون الجميع سواء في الحقوق والواجبات وتبطل بذلك المنافسات والضغائن الجنسية والدينية لاشتراك الجميع في نظر شؤون الدولة ووضع القوانين الملائمة لحالة الأهالي ودرجة ارتقائهم في سلم المدنية والعمران .. ويتنبه كل منهم إلى الدسائس ولفظ الخائنين من بينهم لفظ النواة ». » وقد ازداد تعلق جلالة السلطان الأعظم بتأييد النظامات الجديدة ووثق الأهالي ببلوغ أمانيهم ولم شعث الأمم المختلفة وإيجاد أمة واحدة عثمانية تكون كرجل واحد أمام العدو وحاجزا حصينا ضد تدخل الدول بحجة إصلاح أحوال الشعوب المسيحية .. بما أن كل شعب يسن له بمعرفة النواب عن الجميع قوانين تلائم أحواله المذهبية ويعيش الكل في راحة ورغد بال »(9) فبعد سياسة فرق تسد التي يذكر المؤرخون أن سلاطين الخلافة العثمانية كانوا يعتمدونها بمن فيهم السلطان عبد الحميد، نجح زعماء فكرة الجامعة الإسلامية إلى جر هذا الأخير إلى ما يمكن أن يتحقق به صلاح الأمة في وقت من التاريخ عصيب. وشرع السلطان عبد الحميد بمؤازرة طائفة من الأحرار في إقامة مؤسسات شورية. وأحاط نفسه بالرجال والطاقات البشرية المؤهلة في كل الميادين من كل الأجناس والقوميات والعقائد والأديان والأقطار، مما جعل كل أطراف الدولة العثمانية تبتهج له وتسر به وتنشرح صدورها له، بما في ذلك العرب بمختلف طوائفهم، الشيء الذي جعل القوى الدولية الإستعمارية المتحالفة مع الصهيونية العالمية تضيق به وبحركة الإصلاح ورجالها من حوله ذرعا، وتجعل من جمعية الإتحاد والترقي التي كان من أبرز رموزها مصطفى كمال أتاتورك التركي الطوراني ذراعا تجعل بها حدا لإصلاحاته ولدستوره ولبرنامج الإصلاح الذي بدأ يتجه به لإنقاذ الموقف وصهر كل طاقات المسلمين وغيرهم من الملل والنحل من مكونات الدولة وجعلها في جبهة واحدة وعلى خط واحد لمواجهة عدو الأمة الحقيقي المتمثل في الإستعمار الصليبي الغربي وربيبته الصهيونية. كانت هذه المرحلة من تاريخ الأمة والتي انطلقت فيها إصلاحات السلطان عبد الحميد الكبرى والتي أصبح يمثل فيها حجر عثرة أمام أطماع اليهود في محاولة إيجاد موطئ قدم لهم في فلسطين، سواء بمحاولة عروضهم المغرية بشراء فلسطين، أو ببرنامجهم القاضي بتنشيط الهجرة والإستيطان بها، وبكل محاولة للإستلاء على أي شبر من أراضي المسلمين، تمتاز من بين ما تمتاز به ظهور تيارين رئيسيين في أوطان شعوب الأمة العربية الإسلامية أحدهما حر أصيل والثاني هجين عميل. 1- تيار العرب المسلمين الإصلاحيين الأحرار: أ- وهو تيار الهوية والأصالة: وهو الذي أوجد البرنامج الإصلاحي الذي أقض مضاجع الإستعمار والصهيونية. وهو الذي وقعت الإشارة إليه في ما سبق، والذي كان يمثله زعماء الإصلاح وأنصار فكرة الجامعة الإسلامية التي جعل منها السلطان عبد الحميد برنامج عمل له كما أسلفت. فكانت الفكرة متكاملة تهدف إلى العمل بكل أسباب القوة والتحرر والوحدة على كافة الأصعدة. فكانت حركة إسلامية أصيلة تدعو إلى التطور والنهوض مع المحافظة على الهوية والأصالة. يقول شكيب أرسلان: » أنصح المغاربة أن يقتبسوا العلوم الأوروبية مع المحافظة على معتقداتهم وشخصياتهم، وأنا لا أعتقد أن هناك علما أوروبيا وعلما شرقيا فالعلم مشاع بين البشر أجمعين، واليابانيون أخذوا عن الغرب ما نفعهم وحافظوا على شخصيتهم ودينهم والتفرنج في نظري شر الأشياء والأمم مهما كانت فمن شأنها أن تحافظ على كيانها فكيف بأمة عظيمة لها تاريخ مجيد »(10) كان السلطان العثماني يواجه حركة إصلاح انتظمت في حركة تركيا الفتاة وكان فيها من المخلصين على حد ما يقرره المؤرخون الداعين إلى إصلاحات حقيقية في إطار المحافظة على الهوية الإسلامية للخلافة العثمانية. وكانت هذه المحاولة تجد في الأول مقاومة عنيفة من طرف المخابرات والأجهزة الأمنية السلطانية. وإلى جانب المخلصين فيها، يبدو أن الخلافة تفطنت إلى وجود اطراف لم تعد خيانتها للقضية العثمانية تخفى على العارفين بطبيعة الحركة والعالمين بأهدافها والذين لهم صلاة بالعناصر المنتظمة فيها والداعية إلى إصلاحاتها والعاملة على تحقيق أهدافها الرامية إلى إنقاذ الخلافة بالعمل بأسباب الوحدة والسعي إلى امتلاك أسباب القوة اللازمة لمواجهة الطامعين في اقتسام تركة الرجل المريض كما كان الغرب يسمي الخلافة العثمانية التي بدأ فيه نجمها في الأفول. لقد أدام السلطان عبد الحميد الصراع مع هذه الحركة بما فيها من مصلحين ومن مخربين وخونة حتى تم له القضاء عليها سنة 1897. وهي التي انتهت بانسحاب المخلصين منها وانصرافهم عن الإطار التنظيمي الذي كان يجمعهم بالعناصر المشبوهة ذات الصلة بتحقيق أهداف الإستعمار والصهيونية. وبتسريع وتيرة النصح للسلطان عبد الحميد من طرف الكثير من المخلصين من المقربين له، ومن الذين لا يشك في صدقهم وإخلاصهم للخلافة وللإسلام، والذين لا يخفى على أحد حقدهم على الإستعمار وعملائه، وكراهيتهم له ومقتهم للصهيونية والدائرين في فلكها، وقد كان لهذا المزيج من المخلصين من الوزراء والمقربين ومن العلماء والمفكرين من دعاة الجامعة الإسلامية خاصة تأثير عليه، انتهى للقبول بالإصلاحات الدستورية الشورية والمضي قدما في تطبيقها. 2- تيار الطورانيين الأتراك الخونة الأشرار: أ- وهو تيار التغريب والعمالة: ولكن وتيرة عمل طابور الخيانة للأمة من المخلصين المخدوعين ومن الماسونيين والصهاينة وعملاء المخابرات الإستعمارية على ما يبدو كان أسرع. لأن إسراعها بالإنتظام في جمعية الإتحاد والترقي التي تأسست في بلغاريا كما يؤكد ذلك العارفون بالتاريخ، والمنبثقة عن فلول حركة تركيا الفتاة، لم تمهل السلطان عبد الحميد إلا قليلا حتى أطاحت به وأتت على إصلاحاته التي كانت تقض مضاجع الإستعمار والصهيونية سنة 1908، وطرحت دستورها الذي صاغته دوائر الإستعمار وختمته الحركة الصهيونية، للإنتهاء بخلع السلطان عبد الحميد سنة 1909 ونفيه بعد 33 سنة من الحكم ومبايعة السلطان رشاد خليفة صوريا للمسلمين، مما حدا بالزعيم الصهيوني بن غوريون أن يعتبر أن المناخ قد أصبح ملائما لانتقاله شخصيا إلى اسطنبول: » وذلك لأن ثورة حزب الإتحاد والترقي في تركيا في هذا العام جعلت اليهود يأملون بالعمل في الإستيلاء على فلسطين بحرية لعلاقة الحكام الجدد بهم ورأوا أن باستطاعة بن غوريون وأمثاله من المهاجرين سرا أخد الجنسية التركية »(11) ولم لا يفرك اليهود الماسونيون والصهاينة أيديهم فرحا واستبشارا وقد نجحوا بانخراطهم في جمعية الإتحاد والترقي وبالتسلل إلى الجيش المكون للقوة الإنقلابية على مركز الخلافة، في إزالة أكبر عقبة تقف في طريقهم وتعطل بل تمنع هجرتهم إلى فلسطين، وترفض في أشد الظروف عجزا ماديا بيعها لهم. لقد كان تيار المحافظة على الهوية والأصالة والإصلاح يتنقل في ساحات مزروعة ألغاما ومحاطة بأدوار من الأسلاك الشائكة، وكان المخلصون الأحرار يجذفون في بحر لا شاطئ له تدفعهم إليه رياح الإستعمار الغربي العاتية بدسائسه وقوته، وعواصف الصهيونية الماكرة بتخطيطها وتحالفاتها وتنظيماتها وإمكانياتها المادية الهائلة، وأعاصير المخدوعين والخونة والعملاء الذين أعطوا الدنية في دينهم وأرضهم وعرضهم وأمتهم من أبناء هذه الأمة الذين أبوا إلا أن يكونوا منفذين أمناء لجرائم الإستعمار والصهيونية في حقهم وفي حق إخوانهم من العرب والمسلمين من حيث يعلمون أو لا يعلمون ومن حيث يشعرون أو لا يشعرون، وهؤلاء هم خلفاء الإحتلال والإستعمار الذين استمر وجودهم بعده في المستعمرات على أنحاء مختلفة وبخلفيات مختلفة وبطرق وأساليب ومناهج ومذاهب مختلفة، ومازال وجودهم مستمرا حتى بعد أن فقد مبرره إن كان له عندهم في يوم من الأيام مبرر وبعد أن أصبحوا تجارب فاشلة ولم تجن الشعوب والأمة من خلال حكمهم لها إلا الفرقة والتخلف والمهانة والتبعية. لم تكن الحركة القومية العربية في المشرق العربي خاصة في النهاية إلا إطارا لبعض مكونات الحركة العلمانية التي تباينت فيه عبر الوقت، وخاصة مع قوة الإستقطاب الإشتراكي الذي قدم فيه المعسكر الإشتراكي الشيوعي نفسه للعالم على أنه الأعدل، وأنه نصير المستضعفين والمساند والداعم لحركات التحرر في العالم، مع الحركة التقليدية التي كانت الإطار الأول عبر تعبيرات مختلفة الحاضن للحركة القومية العربية، وقد انقسم فيها العرب بين معسكري الغرب، بين تقدمي اشتراكي قد يمم وجهه المعسكر الشرقي، ورجعي ينح منحا ليبراليا قد يمم وجهه المعسكر الغربي الليبرالي الرأسمالي، وكان بأس الجميع بينهم شديدا. وهكذا أخذت الأمة طريقا لمزيد الإنقسام الجغرافي والبشري والإجتماعي والثقافي والفكري والسياسي. وحل محل الإنقسامات التقليدية المذهبية والطائفية والشعوبية القديمة التي كانت متآلفة في إطار الإسلام الجامع، انقسامات أخرى لا علاقة لها بالإنقسامات القديمة. وقد أصبح الحديث عن القومية والليبرالية الرأسمالية والإشتراكية والشيوعية وغيرها من الأصول التي لها تقسيماتها وفروعها، وليس لها كلها من إطار جامع إلا الولاء للمعسكر أو الإلحاق والتبعية الثقافية والحضارية للغرب، حتى أن اللغة العربية قد أضحت استثناء لفائدة لغات المحتل المستعمر، التي أصبحت ومازالت أصلا في النظام الإداري والمالي والعلاقات الخارجية، وفي برامج التعليم في أكثر من بلد عربي، وفي أكثر من مادة من مواد العلم والتدريس بالرغم من بعض المحاولات في أوقات مختلفة في بعض اوطان شعوب أمة العرب بالمنطقة العربية. ولقد كان التقليديون، والقوميون العرب في الحركة العلمانية، الأكثر جدية في هذا التوجه من الليبراليين والشيوعيين. وفي وجه هذه التقسيمات الدخيلة الجديدة التي تجد لها مبررا عند أصحابها بأنها من مقتضيات مسيرة العصر والتطور والحداثة ومن مقتضيات الواقعية، ظلت حركة الأصالة والهوية العربية والإسلامية الخالصة الصادقة تعبر عن نفسها استمرارا لثقافة المقاومة والممانعة، ولحركة الإصلاح العربي الإسلامي، ولحركة أنصار الجامعة الإسلامية التي ليست بديلا منذ البداية عن الحركة القومية العربية، ولكنها تجاوزا لها باعتبارها الأشمل والأوثق والأعم، والرابطة الروحية والحضارية الجامعة لكل الأعراق والأجناس والألوان واللغات. وهي التي كان فيها لكل هذه الشرائح والجهات والأقوام والشعوب والأمم إسهام في البناء الحضاري الذي ليس الإسلام إلا الإطار الجامع لكل هذا التنوع بمختلف أديانه ومعتقداته وثقافاته ومواقعه الجغرافية وتاريخه وعاداته وتقاليده. وبعد أن فرغت ساحة أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، وخاصة المنطقة العربية من العالم الإسلامي، من الصراع المباشر في كل المستويات وفي كل المواقع مع قوى الهيمنة الإستعمارية، حتى كانت كل هذه الساحات والمساحات مفتوحة أمام صراع داخلي بين التعريب والتغريب، بين الأصالة والهجانة، بين حركة الإصلاح وحركة الإفساد، بين الهداية والغواية، وفي كلمة بين الثقافة العربية الإسلامية التي هي ثقافة شعوب الأمة في كل أوطانها، والثقافة الغربية التي هي ثقافة الإستعمار بمعسكريه الشرقي والغربي، هذا الإختلاف الثقافي هو الذي يمثل اليوم محور الصراع بين الحركة العربية الإسلامية والحركة العلمانية اللائكية. هذه الحركة التي أرادها المستعمرون خلفا له في أوطان أمة العرب والمسلمين. وهي التي تتكون من عناصر حرصت حركة الغزو الإستعماري أن تفسح لها المجال لإدارة الشأن العام في أوطان شعوب الأمة، وهي التي ساعدتها مقابل ذلك على الخروج ببعض ماء وجهها، وذللت لها الصعاب، وأذابت الجليد بين هذه الحركة الإستعمارية المستمرة والشعوب، بما يحقق مصالح هذه الأنظمة وبما يتحقق به من مصالح لهذه القوى الإستعمارية بعد خروجها أكثر مما كان يتحقق لها به قبله. ولتبق الشعوب هي الخاسر الوحيد في النهاية ، وقد ترك الإستعمار في تلك المستعمرات من الأوضاع ومن الخلفاء والصنائع ما يجعل هذه الشعوب أمام سياسة المكر بالليل والنهار، تتنازل مقتنعة أو مكرهة عن حقها في التعويض، وتنسى ما جرعها من مرارة وويلات ومن خسائر وحرمان. هذه هي مهمة خلفاء الإستعمار ووكلاءه الذين حرص على صناعتهم وتكوينهم والحفاظ عليهم وتكليفهم بمهمة رعاية مصالحه تحت عناوين مختلفة ومن مواقع مختلفة، وهو على أهبة الإستعداد دائما للتدخل لحمايتهم وتثبيتهم، وللوقوف بكل قوة في وجه كل من تسول له نفسه طرح نفسه بديلا وطنيا أصيلا عنهم. وليس ما يحصل بالشيشان وأفغانستان، وبباكستان والعراق، وبالجزائر ومصر والسعودية، وبالكويت وفلسطين والصومال إلا خير مثال على ذلك.
(1) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك. (2) نفس المرجع. (3) نفس المرجع. (4) الحزب الحر الدستوري التونسي – يوسف مناصرية. (5) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك. (6) نفس المرجع. (7) الصهيونية ليست حركة قومية – بديعة أمين.
(8) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك. (9) نفس المرجع.
(10) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك. (11) نفس المصدر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) ملاحظة: يلاحظ القارئ لهذه الدراسة أني اعتمدت اعتمادا شبه كلي على كتاب: القومية والغزو الفكري: لـمحمد جلال كشك. ولمن أراد أن يتأكد من الغرض من هذا الإعتماد فسينتهي إلى حقيقة أني لم اعتمده للنقل منه ولكن للنقل عنه.
الرئيس الفرنسي يحصد في طرابلس الغرب صفقات استثنائية …
ثلاث سيدات يقدن المنافسة الأوروبية – الأميركية على المغرب العربي
رشيد خشانة (*) زار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأربعاء الماضي ليبيا، بعد أسبوعين من جولة على كل من الجزائر وتونس كانت الأولى له خارج أوروبا، وشكلت الزيارة مؤشراً قوياً إلى تزايد وتيرة المنافسة الأميركية – الأوروبية على المغرب العربي، ولم ترتد طابعاً بروتوكولياً لترضية الليبيين بعد زيارة البلدين المجاورين، وإنما كان مدلولها السياسي وحصادها المالي واضحين إذ تُوجت بصفقات مهمة في مجالي الأسلحة والطاقة النووية. كذلك تزامنت الزيارة مع تسوية ملف الممرضات البلغاريات الخمس اللائي كن سجينات في ليبيا منذ ثماني سنوات، برفقة طبيب فلسطيني يحمل الجنسية البلغارية، وكان الثمن التوقيع على اتفاق هو الأول في نوعه بين ليبيا والاتحاد الأوروبي، وقعت عليه مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بنيتا فريرو فالدنر ومساعد وزير الخارجية الليبي عبدالعاطي العبيدي، وهو يسهل إدخال المنتوجات الزراعية والصناعية الليبية الى الأسواق الأوروبية. لكن فرص تنفيذ الاتفاق ضئيلة لأن الاقتصاد الليبي يعتمد أساساً على تصدير النفط والغاز. واللافت أن زيارة ساركوزي وقبلها اتصالات مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بنيتا فريرو فالدنر، أتت في أعقاب تحركات أميركية، أبرزها زيارة وفد من النواب الأميركيين لتونس والمغرب في إطار الجمعية البرلمانية لمنظمة الحلف الأطلسي، وجولة مستشارة الأمن الداخلي في البيت الابيض فرانسيس تاونسيند على كل من ليبيا والجزائر مطلع الشهر الجاري. وأظهرت محادثات ساركوزي في الجزائر وتونس كما في ليبيا سعي باريس الى استعادة المواقع الضائعة وتعزيز فرص المنافسة مع الولايات المتحدة خصوصاً في قطاع النفط والغاز والطاقة النووية والأسلحة، وبعدما تعرض ساركوزي لانتقادات قوية من الإعلام الليبي الذي عاب عليه «حشر أنفه في قضية الممرضات البلغاريات»،إذ صحيفة «الشمس» على كلمة ساركوزي بعد فوزه والتي تعهد خلالها تبني قضية الممرضات بالقول: «إن دماء الأطفال الليبيين ليست سلعة انتخابية»، لكن العلاقات تحسنت وتهاتف ساركوزي مع القذافي أربع مرات قبل سفره إلى ليبيا، والثابت أن الرئيس الفرنسي يشعر، بعيداً من التصريحات الموجهة للاستهلاك الانتخابي، بـ «خطر» تمدد الشركات الأميركية في بلد غني بالنفط ومُقبل على عملية «انفتاح» واسعة على الشركات الغربية. أكثر من ذلك، فساركوزي مؤتمن على «إرث» من الصفقات التي حصدتها فرنسا في عهد سلفه جان شيراك، ويشعر أن عليه استكمال تنفيذها وزيادتها. ويُعتقد أن الاتفاق العسكري الذي لم يُعلن عن فحواه، يخص الصفقة المتعلقة بتحديث 30 طائرة حربية من طراز «ميراج أف 1» كانت اشترتها ليبيا من فرنسا قبل فرض حظر دولي على تصدير الأسلحة إليها. وفي هذا الإطار أجرت شركتا «أستراك» و «داسو للطيران» مفاوضات فنية مع الجانب الليبي لتحديد كلفة التحديث التي تتراوح بين 10 و20 مليون يورو لكل طائرة. كذلك أبرمت مجموعة «إيدس» EADS)) للتصنيع الحربي صفقة مع ليبيا لتجهيزها بنظام رادار لمراقبة الحدود والمواقع النفطية، وأبدى الليبيون ميلاً الى نظام الدفاع الجوي «أستر» (Aster). ولم تقتصر خطة التحديث الليبية على القوات الجوية إنما شملت أيضاً صفقة مماثلة مع فرنسا لتطوير الدفاعات البحرية، إذ وقع الليبيون بالأحرف الأولى في تموز (يوليو) الماضي على صفقة مع شركتي «تيليس» (Thales) و «المنشآت الميكانيكية» في مقاطعة نورماندي (شمال) لبناء ست خافرات سواحل مجهزة بالصواريخ الفرنسية – الإيطالية «أوتومات» بقيمة 400 مليون يورو، فيما توصلت مجموعة «إيدس» إلى اتفاق مع مؤسسة «ليبيا أفريكا بورتوفوليو» لإقامة مركز للتدريب والصيانة في مجال الطيران الحربي. ومعلوم أن الصفقات مع فرنسا شملت كذلك اتفاقاً مبدئياً بين مجموعة «إيدس» EADS)) والخطوط الليبية (الأفريقية) في شراء 14 طائرة من طرازي آرباص أ319 وآرباص أ320 ، وست طائرات أخرى من طراز آرباص أ330 ، وتقدر قيمة الصفقة بـ1.7 بليون دولار. وتعتبر الصفقة الأكبر التي حصدتها المجموعة الفرنسية منذ ثلاثين سنة. وما زالت فرنسا تسعى الى حصة رئيسة من المشاريع العسكرية الكبيرة التي تخطط لها ليبيا للمرحلة المقبلة، والتي تُقدر موازنتها الإجمالية بنحو 20 بليون دولار. وأعطت الحكومة الفرنسية السابقة موافقتها على بيع طائرات جديدة من طرازي «رافال» و «تيغر». وعلى رغم تلاقي المصالح الأميركية – الأوروبية في ملف الممرضات البلغاريات، فليس خافياً السباق لضمان حصة مهمة لكل طرف في السوق الليبية. وبعدما حقق الأميركيون تقدماً لافتًا في مجال النفط أعلنت المفوضية الأوروبية بعد تسوية ملف الممرضات عن رفع علاقاتها مع ليبيا إلى مستوى الشراكة أسوة بالبلدان المغاربية المشاركة في مسار برشلونة. وكانت المساعي لتسوية ملف الممرضات مرآة عكست السباق الخفر بين أوروبا وغريمتها أميركا على خطب ود الليبيين، مع الوفاء بالتعهدات التي قطعتاها لبلغاريا. وبرزت في المفاوضات الماراتونية التي قادت إلى تسوية الملف وعودة الممرضات الخمس إلى بلدهن، ثلاث سيدات هن قرينة الرئيس الفرنسي سيسيليا ساركوزي التي زارت ليبيا والتقت القذافي مرتين الأسبوع الماضي قبل زيارة زوجها، ومستشارة الأمن الداخلي الأميركية فرانسيس تاونسيند ومفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بنيتا فريرو فالدنر. زارت تاونسيند طرابلس الغرب في 9 تموز الجاري واجتمعت مع القذافي في خيمته في ثكنة العزيزية، وحرصت على تسليمه رسالة من رئيسها جورج بوش وبحثت معه في مسائل ثنائية وملفات حساسة في مقدمها ملف «لوكربي» ومسألة الإفراج عن الممرضات البلغاريات. وأعلنت تاونسيند من العاصمة الليبية عن قرار واشنطن تسمية سفير في طرابلس الغرب للمرة الأولى منذ 35 سنة، وهو جين كريتز الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس البعثة في السفارة الأميركية في تل أبيب، وقالت إن بلادها ستبني سفارة كبيرة في طرابلس، وهو مؤشر إلى أن العلاقات مقبلة على مرحلة جديدة. والطريف أن سيدة أخرى سبقت تاونسيند إلى ليبيا لبحث المواضيع نفسها تقريباً هي بنيتا فريرو فالدنر التي زارتها في 15 و16 حزيران (يونيو) مع وزير الخارجية الألماني جوزيف شتاينماير بصفته رئيس المجلس الوزاري الأوروبي، ثم عادت إليها خلال الشهر الجاري في إطار مسعى الى رفع العقبة الرئيسة أمام التطبيع الليبي – الغربي، وهو ملف الممرضات. وعادت فالدنر إلى ليبيا خلال الشهر الجاري مرتين لمرافقة سيسيليا ساركوزي التي يبدو أن دورها كان حاسماً في إقناع المسؤولين الليبيين بضرورة التعهد بدفع تعويضات الى أسر الأطفال الليبيين الـ460 المصابين بالفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في مستشفى بنغازي، خصوصاً أسر الأطفال الـ56 الذين توفوا بهذا المرض. والأرجح أن باريس هي التي توسطت لدى قطر لتأمين قسم من التعويضات التي تُقدر بـ460 مليون دولار بواقع 1 مليون دولار لكل أسرة. وتكفلت فالدنر بالتفاوض مع وزير الخارجية الليبي عبدالرحمن شلقم ونائبه عبدالعاطي العبيدي على مشروع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، الذي اشترط الليبيون التوصل إليه قبل الموافقة على صفقة الممرضات. والظاهر أن جهود السيدات الثلاث تكاملت لإنضاج الاتفاق مع الجانب الليبي، لكنها جعلت الطريق سالكة أيضاً لمزيد من المنافسة في المستقبل. ومع العودة المرتقبة لساركوزي إلى المنطقة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل والتوافد المرتقب للشركات الأميركية ورجال الأعمال على البلدان المغاربية، يُرجح أن تُبصر المنافسة انعطافاً جديداً في المرحلة المقبلة. وسيكون الصراع على الصحراء الغربية عنواناً لتعديلات لافتة في مواقف الفرقاء الغربيين لاح بعضها في الأفق، إذ بدا أن واشنطن التي كانت الأقرب تقليدياً الى الموقف الجزائري باتت أميل الى المغرب في هذا الملف مع زيارة ساركوزي الى العاصمة الجزائرية. وفي الوقت نفسه ظهرت تسريبات من باريس مفادها أن فرنسا قد تُلجم اندفاعها التقليدي لدعم المغرب في الملف الصحراوي. وفي كل الأحوال يساهم انقسام الدول المغاربية وصراعاتها الصغيرة في إضعاف موقعها أمام الدول الغربية، ويُفوت عليها فرصاً ثمينة للتنمية ويجعلها رقماً صغيراً في الصراع الدولي على مناطق النفوذ. (*) صحافي من أسرة «الحياة»
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
الحركات الإسلامية والديموقراطية: أنكون أمام حالة استعصاء؟
بقلم: احميده النيفر (*) في الطرف الأقصى من غرب العالم العربي الإسلامي صدر حديثاً كتاب «الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب» للدكتور فريد الأنصاري، هو نقد ذاتيّ من الداخل الثقافي واجه به المؤلف «عجز الحركات الإسلامية عن القيام برسالتها». في السودان، الطرف الأفريقي الآخر، نشر الصادق المهدي الزعيم الروحي والسياسي منذ سنة «نحو مرجعية إسلامية متجددة» بيّن أيضاً من الداخل الثقافي أبرز العوائق التي تعطّل الحركات الإسلاميّة التي بقيت على رغم حيويتها أسيرة الانكفاء الحزبي والغياب البرامجي. في مصر، المركز الإرهاصي في العالم العربي، أعلن الدكتور عبدالله ابو عزّة في كتابه «مع الحركة الإسلاميّة في الدول العربيّة» عن سبب مغادرته حركة الإخوان التي انتسب إليها عام 1952 ثم تركها 1972 نتيجة «ضعف الجماعة واستحالة قدرتها على تجديد نفسها». بعد ذلك بعقد نشر المحامي الإسلامي منتصر الزيات كتاب «الجماعات الإسلامية… رؤية من الداخل» سائلاً عن طبيعة العلاقة بين «الإخوان» وبين دوائر السلطة المختلفة في مصر ومعتبراً أن العلاقة ظلّت «شأناً غامضاً لم يتمكّن أحد من فكّ طلاسمه». بالعودة إلى الغرب الإسلامي طالب عدد من المنضوين في حركة الاتجاه الإسلامي بتونس وبعد أقلّ من سبع سنوات من التأسيس – أوائلَ السبعينات – بمراجعة كلّ مكونات الرؤية النظريّة والحركيّة. توالت أسئلتهم: هل مجتمعنا جاهليّ؟ هل يمكن تغيير المجتمعات من خارج أنساقها ومؤسساتها؟ هل الشعار الإسلامي كافٍ لمواجهة واقع متحرّك ومعقّد؟ الديموقراطية خيار أم صنم؟ الغرب لعنة أم وجوه؟ أفضت هذه الأزمة الداخليّة إلى بروز توجّّه عُرف بـ «الإسلاميين التقدميين» تأكّد لديه تعذّرَ المراجعة من الداخل وأنّ لا بد من تحديد رؤية مختلفة من عدّة مسائل اجتماعيّة وعقديّة وحضارية. تؤكّد هذه الشهادات على اختلافها أن الحضور المكثّف للحركات الإسلامية في البلاد العربيّة لا ينبغي أن يخفي ضعفاً شديداً في صدقية خطابها السياسي ومحدودية قدرتها على التطوّر الفكري. تلك هي مفارقة الحركات الإسلامية اليوم: حضور ونجاح ملحوظان مع عجز في إثبات أنها بديل نوعيّ لنظم الحكم العربية. ذلك ما عبّر عنه الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح المغربية بقوله «إن التجربة السياسية للإسلاميين ليست مقنعة». لهذا جاز أن نسأل عن دلالة تلك الحيوية الظاهرة وذلك الحضور المتباين: هل يستطيعان المساهمة في إبعاد المجتمعات العربيّة من بين فكّي القمع والخرافة اللذين يهدّدان تطوّرها في مؤسساتها الاجتماعية والسياسية والثقافية؟ بتعبير أدقّ: هل يمكن الحركات الإسلامية قبول نظام ديموقراطي والعمل ضمنه؟ نقتصر هنا على خطاب عموم الحركات المعاصرة في الوطن العربي في علاقتها بالديموقراطيّة من دون الخوض في الجانب النظري للمسألة. في هذا المستوى يلاحَظ أوّلاً غياب أيِّ تأسيس ممنهج للقبول بالديموقراطية ضمن البرامج التكوينية لعناصر الحركات وفي سياستها المعلنة وعلاقاتها مع الأطراف الاجتماعية والسياسية. تضاف جملةُ عناصر داخليّة كالتربية القائمة على السمع والطاعة والإدانة لكل مراجعة وكإدارة التنظيم ونوعية التعامل مع حالات الانشقاق. فوق هذا تتضخّم ظاهرة المشيخية في القيادة بما يحوّل التربيّة الحركيّة إلى تكوين نموذج عاجز عن أيّ تحرر داخل جماعته وعن الإبداع أو التطوير خارجها. إلى جانب هذا فإن الطابع الإيديولوجي للحركة يفضي إلى ما يسمّيه الأنصاري التضخم في الشعور بـ «الأنا الجماعي» فيصير التنظيم وسيلة لبناء «وهم الجماعة الإسلاميّة الكبرى المتعالية عن الخطأ فينمو لديهم الشعور بأنهم الأصل وأنّ على غيرهم أن يكونوا لهم تبعاً». يصعب القول إذاً إنّ الحركات الإسلاميّة تعتمد الحدّ الأدنى الإجرائي للديموقراطية وأنّها تعمل ضمنه في إدارتها لشأنها الداخلي وفي ضبط طرق التداول على مراكز التسيير وإدارة الاختلاف بين عناصرها. في هذا تعبّر الحركات الإسلاميّة عن مفهوم تقليدي للسياسة التي تعني: «استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجّي في الدنيا والآخرة فهي من الأنبياء على الخاصة والعامّة في ظاهرهم وباطنهم ومن السلاطين والملوك على كلّ منهم في ظاهرهم». لذلك لا تجد الحركات غضاضة في التداخل الدائم بين صفتها التربوية الدعوية الهادفة إلى تنشئة الأفراد والجماعات على سلوك ورؤية وخُلق مرتبطة بالقيم الدينية وبين صفتها الحزبية السياسية الساعية إلى أفضل السبل لإدارة الشأن العام. أكثر من ذلك، فإن تلك الحركات إمّا أنّها لا تتردد في رفض الديموقراطية جهرة أو أنها تدعو إلى ديموقراطية إسلامية مرجعيتها الشورى. لكن إذا كانت الشورى لا تتعارض مع الديموقراطية فإنها ليست إيّاها وهي ليست ديموقراطية بالضرورة. على رغم هذا التوجّه اللاديموقراطي فإن تزايد الإقبال على خطاب الحركات الإسلامية بمختلف توجهاتها خاصة الجهادية يستدعي البحث عن أسبابه لخطورة الظاهرة على الفكر السياسي الوطني ومستقبل المجتمعات العربيّة. توضيحاً لهذه المفارقة لا بد من التذكير بأن ظهور الحركات الإسلامية في البلاد العربيّة اقترن باتفاق حول شعار «الإسلام: دين ودولة». ظهر هذا الشعار حديثاً على أنقاض مفهوم «السمع والطاعة». لكن تعثّر الدولة القطرية مشرقاً ومغرباً أعجزها عن إقامة تجارب حديثة ناجعة سياسياً واجتماعياً وثقافياً وهيأ مناخاً للاحتجاج القويّ على النخب الحاكمة تجاوز مطلعَ الثمانينات مجال نصيحة أولي الأمر. بذلك انطلق مبدأ الخروج على الحاكم بتكفير الدولة والمجتمع ضمن سياقِ تراجعٍ واضح لكل منافسة جديّة من قِبَل معارضة قومية أو يسارية فضلاً عن الليبرالية. من ثم ظهر مبدأ «الحاكمية لله» معتبراً السياسة شأناً تعبديّاً يمكّن الشريعة من الهيمنة على أوجه الحياة جميعِها. على هذا فإنه لا يمكن فهم مبدأ الحاكمية، قمّةِ التنظير للإسلام السياسي، إلاّ ضمن تخبّط المشروع الحداثي العربي ثم ما آل إليه من ارتداد خصوصاً في المستوى السياسي حين اعتبر أن الدولة القوية لا تحتاج إلى معارضة قوية بل لا تحتاج إلى معارضة أصلاً. هكذا وُلدت الحاكمية من رحم مشروع حداثي كليانيّ لم يكن يتردد في الإعلان على «أن قوّة الدولة وحدها هي القادرة على ضمان أمن الأفراد وسعادتهم وإعطاء محتوى حقيقي لمفاهيم التقدّم والحضارة». على هذا النمط من التفكير وقع تدشين تجربة حديثة في الوطن العربي بتوسيعٍ كاملٍ لحقل ولاءاتها على حساب تفكيك مؤسسات المجتمع التقليدي وصهرها داخل جهاز إداري مركزيّ. بعد أن تحوّلت الدولة إلى القلب النابض للمشروع الوطنيّ القطريّ الحديث بدأ انحسار مفهوم الدولة ذاتِه إلى جانب توالي مظاهر العجز عن الاستجابة لمطالب شرائح واسعة من المجتمع. من خيبات الأمل المتواصلة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن حرمان من المشاركة السياسية وقع ترسيخ مسار للمعارضة المتجذرة التي لم تجد مجالاً تمتَحُ منه سوى العودة إلى الأصول لمواجهة الانسداد الإيديولوجي للمشروع الحداثي القطري أي تركيز إسلام سياسي أداته بعض رموز من الثقافة الدينية التي وقع اعتمادها ليحقّق من خلالها الإسلاميُّ ذاتَه وحاجياته. أمكن ذلك بعدما أصبح الدين تابعاً للدولة التي تراجعت جدّياً فاعليتُها عندما أصبحت علاقتُها بالمجتمع علاقة إخضاع ووصاية. من هنا يمكن أن نفهم جانباً مهماً من مفارقة الحركات الإسلامية السريعةِ في توسّعها، الهزيلة في إنتاجها الفكري. حين ننزّل هذه المفارقة في سياق النظم العربية تتكشّف الإعاقة السياسية والفكريّة للحداثة العربيّة: مفارقة هذه تُخفي إعاقةَ تلك ومن ثَم استعصاءَ الخروج من هذا المأزق بالإلحاح على عنصر واحد من المعضلة. عبر هذه الشبكة للقراءة الأنتروبولوجية يظهر أنّ تنامي حركات الاحتجاج الإسلامي بتنوّعها وتجذّرها موعود بمستقبل ممتد، على رغم ما اعتراها من انشقاقات وأدواء. إن تواصل الإقبال على هذا التعبير المتوسع يرتبط بأزمة الدولة القطريّة الفاقدة لرؤية عربيّة، تلك الأزمة هي التي تفرز باستمرار محبَطين جدد من فئات مختلفة. هؤلاء يجدون في الحاكمية وفي تديين حياة المجتمع الردَّ الأمثل على المنظومة الحديثة في صيغتها العربية. أصبح الإسلام بذلك – وليس الشيوعية أو الفوضوية – العنصر الثقافي المتاح والفاعل من أجل تموقع فئات اجتماعية واسعة ضمن مجتمع سياسي محلّي ودوليّ سَدّ عليها سبلَ حداثة مبدعة. عموم الحركات الإسلامية هي في جوهرها – من خلال هذه الشبكة للقراءة – حركات سياسية ذات مرجعية تحيل على الثقافي الرمزي أكثر من كونها حركات دينيّة لتجديد الإيمان أو الفكر الديني. ما نعنيه هو أن ظاهرة الإسلام السياسي شديدة التعقيد وأن ما يُظَنُّ من استعصائها عن كلّ توجّه ديموقراطي إنما مردّ الجزء الأهم منه إلى السياق العربيّ العام والحديث وليس إلى المرجعيّة الدينية. نحن إزاء ظاهرة مركّبة تتطلب معالجة سياسية حديثة بالأساس لأنّ هذه الحركات غدت عنصراً فاعلاً في معادلة الحياة السياسية وما يرتبط بها من تطوّر اقتصادي وتغيير اجتماعي وإبداع ثقافي. لذلك صار كلُّ رهان على التنمية مرتبطاً في النهاية باعتماد المداولة في المجال السياسيّ وأضحى كل اختيار استبدادي مزيداً من تقويّةٍ للقائلين إن ليس للإنسان أن يشترع القوانين وأنّ تطبيق الشريعة هو تأسيسٌ للمدينة الفاضلة. في كلمة، يتعذّر إحداث أيّ تغيير في سلوك الحركيين الإسلاميين وفي تفكيرهم إذا لم يتخلّص المجال السياسي من ادّعاء القدرة على إرساء الجمهوريّة المُثلى، تلك الجمهورية التي يزعم كل طرف حصريّةَ تحقُّقِها على يديه. إذا أراد النظام العربيّ الخروج من دوامّة تدمير المجال السياسي فلا بد من أن يعيَ بتواضع أن الممكن الوحيد هو مدينة أفضل، مدينةٌ تقوم على التعايش والتعددية لأنها تثبت صدقية مقولة: مصدرُ الحقّ لا يكون «إملائياً» من خارج الإنسان بل هو نابع من إرادته وفعله وتفاعله. المدينة الأفضل وليس الجمهورية المثلى مقولةٌ لا تناقض الحداثة وهي لمصلحة الغالبية، فضلاً عن كونها تتيح المجال لقراءة تجديدية للفكر الإسلامي. (*) كاتب وجامعي من تونس
(المصدر: ملحق « تراث » بصحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 28 جويلية 2007)
انتصار أردوغان يعزز موقع الإسلام المعاصر
توفيق المديني
حقق حزب العدالة والتنمية التركي الإسلامي المعتدل، فوزاً ساحقاً في الانتخابات العامة التي أجريت يوم الأحد 22 يوليو/ تموز ،2007 وواجه فيها أحزاباً مؤيدة لتطبيق صارم لمبدأ علمانية الدولة، الأمر الذي يوفر للحزب الحاكم المؤيد لعالم الأعمال، تفويضاً لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية ومساعيه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإن يكن يمهد لمزيد من التوتر مع النخبة العلمانية، بعد أشهر من خلاف على اختيار رئيس الدولة أدى إلى تنظيم انتخابات مبكرة. وقدحصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 47 في المائة من أصوات الناخبين متقدماً بنحو 12 في المائة على النتيجة التي حصل عليها في انتخابات عام ،2002 عندما فاز بنسبة 34 في المائة من الأصوات، ما أتاح له الحصول على 351 مقعداً. ومع أن النسبة التي حصل عليها هذه المرة أكبر، فقد فاز بعدد أقل من المقاعد، نظراً إلى دخول حزب جديد مجلس النواب، إضافة إلى نواب مستقلين، ولأن النظام الانتخابي نسبي. تركيا تتقدم وتعيش حالة تطبيع مع ذاتها. فلأول مرة في هذا البلد، كانت تقديرات استطلاعات الرأي التي تنبأت بفوز كاسح لحزب العدالة والتنمية صحيحة، إذ أصبحت الحياة السياسية التركية أكثر شفافية. وتمثل هذه النتيجة الباهرة لحزب العدالة والتنمية، انتصاراً معنوياً لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي دعا إلى انتخابات مبكرة بعد خسارته معركة مع المؤسسة العلمانية التي تضم جنرالات الجيش الذين لا يريدون وصول حليفه ذي الجذور الإسلامية وزير الخارجية عبدالله جول إلى رئاسة الجمهورية. وبالمقابل شكلت هذه الانتخابات هزيمة مدوية للأحزاب العلمانية القريبة من المؤسسة العسكرية: حزب الشعب الجمهوري برئاسة دنيز بايكال والحزب القومي برئاسة دولت بهجلي. وهما مختلفان لأن الأول حزب ينتمي إلى يسار الوسط، والثاني حزب قومي محافظ. وكان لديهما الهدف نفسه: وضع حد لسلطة أردوغان. تقف تركيا أمام منعطف ربما يكون الأهم في تاريخها منذ انهيار امبراطوريتها العثمانية، وسقوط الخلافة فعلاً من طرف كمال أتاتورك في 3/3/،1924 الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة، وغيّر هويتها الإسلامية، وأحل العلمانية الأوروبية منهاجاً للحكم. ففوز حزب العدالة والتنمية الحاكم سيمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، ومن دون أي ائتلاف مع أحزاب أخرى، وسيسهل مهمته في انتخاب أول رئيس إسلامي للبلاد. لا شك أن هذه النتائج ستثير موجة من القلق ليس في أوساط العلمانيين الأتراك فقط، وإنما في أوساط المؤسسة العسكرية التي نصبت نفسها حامية لإرث أتاتورك، ومعارضة عودة الإسلام مجدداً إلى البلاد، والحفاظ على هويتها العلمانية بكل الطرق والوسائل. فالعسكر تدخلوا أربع مرات، وبمعدل مرة كل عشر سنوات، لضبط إيقاع الديمقراطية، وبما يؤدي إلى عدم هيمنة الإسلاميين على مقدرات البلاد في نهاية المطاف. الزعيم التركي أردوغان أعلن بوضوح أنه يريد “الاستمرار في الطريق الأوروبية”، رافضاً بذلك اتخاذ أي خطوة من خطوات الأسلمة، قد تُثير ردود فعل غاضبة أيضاً لدى فئات من تلك البلاد التي نشأت أجيالها على العلمانية منذ ثمانين عاماً. ويريد أردوغان أن يبقى حزبه في السلطة ثلاثة عشر عاماً بعد. أي بطول المدة التي قد تستغرقها المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. وإذا أراد هذا الرجل الخمسيني تحقيق هذا الهدف فعلاً، فهو لا يستطيع تجاهل آراء وتوجهات نُخب البلاد التي تتبنى العلمانية: من رجال الأعمال ووسائل الإعلام الكبرى، والجامعات والطبقة الوسطى بالمدن، والتي دخلت في المجتمع الاستهلاكي العصري. هذه الدوائر كلها لن تسير مع أردوغان إذا أعرض عن الطريق التي توصل للاتحاد الأوروبي والدخول فيه. وكان نجم الدين أربكان، معلم كل الإسلاميين الأتراك، ومعلّم أردوغان أيضاً، والذي نشأ في أحياء اسطنبول الفقيرة، قال لأردوغان قبل شهور: لا تسلك سلوك ذوي العقول المقفلة! أدرك أردوغان أن المسلم المتدين، هو الذي يستطيع أن يكسب أكثريات في تركيا، وأن ينتهج سياسة معتدلة تدخل الإسلام إلى عالم الحداثة، وتدخل في الوقت عينه الحداثة إلى عالم الإسلام. ومن الواضح أن تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا تقدم لنا صورة مشرقة عن وجه الإسلام المعاصر القادر وحده على محو التهمة الشائعة في الأوساط العلمانية، والمتمثلة في عداء الإسلاميين للديمقراطية، الأمر الذي يتطلب التحذير من دخولهم طرفاً في المنتظم السياسي القانوني إن في موقع السلطة أو المعارضة، وهو اتهام خطير لما يحمله من رسالة تحريضية استعدائية وترهيبية شديدة لأنظمة هي أصلاً ما اعتادت أسلوباً للحكم غير أسلوب الانفراد. ورغم المحاولات المتكررة للعلمانيين المتطرفين لأدلجة النظام الديمقراطي بما يقيم رباطاً لا ينفك بينه وبين شتى ضروب العلمنة وإقصاء الدين من المجال العام وحتى الخاص كلما تمكنوا، إلا أن واقع التطبيقات المتنوعة للنظام الديمقراطي يشهد على توفره على أسس متينة لحيادية آلياته وعدم ارتباطها بأي منظور أيديولوجي، علمانياً كان أم دينياً. إنه نظام يقوم على تسويات يتوصل إليها الفرقاء يستعيضون بها عن الوسائل العنفية بالوسائل السلمية في حل خلافاتهم سواء كانوا من عرق واحد أو دين واحد أو لغة واحدة أو كانوا مختلفين في كل ذلك أو بعضه. بعد تشكيله الحكومة الإسلامية المعتدلة، يستعد البرلمان التركي لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد بداية الشهر المقبل مع استمرار اعتراض القوى العلمانية ومعها القيادات العسكرية على انتخاب عبدالله جول رئيساً للجمهورية. ويريد أردوغان السيطرة على هذا المنصب الأول في البلاد أياً يكن الثمن، والسبب بسيط جداً، فمن خلال رئاسة الجمهورية، يمكنه إدارة السلطتين العسكرية والقضائية بحيث يعين أشخاصاً قريبين من الوسط الإسلامي لعضوية المجلس الأعلى للتعليم العالي والمحكمة الدستورية العليا والمحاكم الأخرى وهي من أهم ضمانات النظام العلماني القائم في البلاد. القضاء والجيش هما السلطتان الوحيدتان اللتان يعجز عن السيطرة عليهما مباشرة الآن في تركيا.
(المصدر: صحيفة الخليج رأي ودراسات بتاريخ 29 جويلية 2007)
تركيا: نعم للديموقراطية ،لا للعسكر
بقلم: محمد نور الدين (*) واجهت تركيا بنجاح كبير المواجهة المنتظرة بين حزب العدالة والتنمية والمؤسسة العسكرية ومن معها من قوى علمانية متشددة في الانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي. وما حاول الجيش ان يأخذه او يخطفه من طريق التهديد عبر بيان 27 ابريل الماضي ومن طريق الضغط على المحكمة الدستورية لتشترط نصاب الثلثين لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية سرعان ما ردّ عليه الناخب بما يشبه الثورة المدنية وعبر أرقى اشكال التحدّي وهو صندوق الاقتراع. ضغط العسكر في اتجاه اجراء انتخابات نيابية على امل تبديل موازين القوى عبر إخافة الناخب التركي من أن التصويت لحزب العدالة والتنمية سيجر على البلاد توترات وأزمات اقتصادية واجتماعية. غير ان الناخب التركي أكد شجاعته ولم يرهب جانب المؤسسة الأقوى في تركيا. وكان الرهان قويا على ان الفرصة ذهبية لتثبيت خيار الديموقراطية في ظل انجازات الحكومة خلال الأربع سنوات ونصف الماضية وفي ظل التحولات الاقتصادية الدولية والمشكلات التي يعاني منها العالم الإسلامي بسبب غياب الديموقراطية والحريات. وبدلا من الـ 34 في المائة التي نالها عام 2002 قفزت أرقام الحزب يوم يوليو الى مستوى قياسي غير متوقع حتى من جانب قادته ومؤيديه اذ بلغت 47 في المئة بزيادة 13 نقطة. وفي الوقت نفسه لم يستطع اليسار العلماني رغم تحالف احزابه من زيادة نسبة التأييد له ووقف عند نسبة العشرين في المئة اي كما كانت عام 2002 .فيما كان الظاهرة الأبرز هي دخول حزب المجتمع الديموقراطي المؤيد احزب العمال الكردستاني البرلمان لكن عبر الترشّح بصفة مستقلين.وهذا سيضفي على البرلمان التركي حيوية بالنسبة للمسألة الكردية ولا يستبعد أن يكون الوجود الكردي في البرلمان سببا لشجارات وتوترات بسبب الخلافات الحادة مع نواب آخرين ولا سيما نواب حزب الحركة القومية. وقد تؤدي محاولة قمع النواب الأكراد الى احراج تركيا وخصوصا حكومة حزب العدالة والتنمية امام الرأي العام العالمي. ولا شك ان دخول حزب الحركة القومية وبنسبة أصوات مضاعفة عن العام 2002(من 8 الى 15 في المائة) يعكس تصاعد النزعة القومية في تركيا ويحرج حزب العدالة والتنمية في مسألة التدخل العسكري في شمال العراق. فقبل الانتخابات كان اردوغان يتذرع بالانتخابات وإعطاء فرصة للمساعي السلمية مع بغداد. أما وقد انتهت الانتخابات فلن يستطيع العدالة والتنمية الاستمرار قي موقفه المتردد وقد يعطي الضوء الأخضر لعملية عسكرية قد تكون كبيرة لكنها محدودة الزمان والمكان بحيث تطول المناطق التي يوجد فيها مسلّحو حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل ولا تتحول الى حرب مفتوحة تمتد الى اكراد العراق. وتبقى المسألة الأساسية من انتخابات 22 يوليو وهي انتخابات رئاسة الجمهورية. ولا شك ان النجاح الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية فاجأ الجيش وقد يغلّ يده في اي محاولة جديدة لمنع وصول اسلامي وعبدالله غول تحديدا الى رئاسة الجمهورية. وإذا كانت العقبة الماضية هي تأمين نصاب الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس فإن حزب العدالة والتنمية قادر على ذلك بالتعاون مع النواب الأكراد وثلاثة نواب مستقلين.لكن موقف حزب الحركة القومية المفاجيء بأنه سيحضر جلسة انتخاب الرئيس وله سبعون نائبا يعني ان مشكلة النصاب حُلّت جذريا وباتت الطريق معبدة امام وصول عبدالله غول الى الرئاسة. وهنا يُشار الى قرب حزب الحركة القومية من المؤسسة العسكرية مما يفيد أن المؤسسة العسكرية ستحترم ،من حيث المبدأ، نتائج الانتخابات وإرادة البرلمان في انتخاب عبدالله غول رئيسا للجمهورية على ان يكتفي بمراقبة سلوك الرئيس ولا سيما في ما يخص طبيعة النظام العلماني »المؤتمن » الجيش على حمايته وفق الدستور!. اذا ما وصل عبدالله غول الى الرئاسة تكون الطريق ممهدة أمام استكمال حزب العدالة والتنمية مشروعه الإصلاحي وسيكون مطالبا بحل قضية منع دخول المحجبات الى الجامعات كأولوية. عودة حزب العدالة والتنمية الى السلطة تفترض مزيدا من الزخم على طريق الاتحاد الأوروبي وكذلك استمرار العلاقات الجيدة مع سوريا وايران والعالم العربي والإسلامي خصوصا ان « الرئيس المقبل » غول كان حجرا اساسيا في توطيد هذه العلاقات. كذلك قد تضطلع تركيا كوسيط موثوق فيه كما صرّح الرئيس السوري بشّار الأسد بدور اضافي في عملية التسوية بين سوريا واسرائيل كما في الشأن الفلسطيني حيث للعدالة والتنمية علاقات جيدة مع حركة حماس. (*) كاتب لبناني
(المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
الانتخابات التركية إذ تحضّنا على معرفة تاريخنا
حسن شامي
ما إن انتهت الانتخابات التركية مسفرة عن فوز كاسح لـ «حزب العدالة والتنمية الإسلامي»، حتى بدأت ترتفع أصوات في بعض أوساط النخبة العربية داعية الى الاستفادة، وربما الاتعاظ، من التجربة التركية. والدعوة هذه تتطلع، بطبيعة الحال، الى بعث التفاؤل والأمل في منطقة تبدو مشكلاتها عصية على الحل. ونحن بالفعل في منطقة تنظر وتتفرج وتستهلك أكثر مما ترى وتنتج وتصنع. في وضع من هذا النوع لا يعود أمراً غريباً أن يتسقط أصحاب النظر في تجارب هذه الأمة أو تلك نماذج ومثالات تصلح للاقتداء والاحتذاء. يمكن القول ان اصطياد العبر بات سمة لسلوك ذهني يرقى الى عصر النهضة ويضرب بجذوره بطريقة شعورية أو لا شعورية، في موروث ثقافي إسلامي يدور على مبدأ «التقليد» في المعنى الواسع للكلمة. والحال التركية مؤهلة أكثر من غيرها ربما لمخاطبتنا ليس بسبب القرب الجغرافي فحسب، بل كذلك بسبب الموقع الملتبس الذي تحتله في المخيلة التاريخية للنخب العربية الحديثة. والالتباس هذا يجعل تركيا الحديثة قريبة منا وبعيدة في آن معاً. وقد يرى البعض مفارقة في أن نفتح النافذة التركية كي ننظر الى أنفسنا. ولا شيء يضمن أن يرى الناظر الى المشهد التركي ما يستحق بالفعل أن يُرى. ولا يمنع هذا من أن يكون الالتباس بناء، إذ ثمة التباسات بناءة كما تفيدنا تجارب التحديث والإصلاح في العالم العثماني منذ أواخر القرن الثامن عشر. لا نعلم على وجه الدقة ما هي الدروس التي يمكن صائدي العبر التاريخية أن يستخلصوها من الانتخابات التركية. ولا نعلم إذا كانت هذه الدروس تندرج في وجهة واضحة ولا إذا كانت تتوقف عند حدود معينة. فليس مستبعداً أن تقتصر العبرة على حصول انتخابات ديموقراطية تتمتع بالنزاهة والشفافية، في ظل وضع مأزوم سياسياً، ما يدل إلى إمكان إنتاج تسوية سياسية تحترم القواعد المشتركة والجامعة لسائر أطياف الكيان الوطني. على أن العبرة هذه يمكن أن تطاول وجوهاً أخرى تتعدى مجرد مرور الانتخابات على خير في ظل انقسام حاد بين العلمانيين والإسلاميين بحسب ما يستدل من التظاهرات الصاخبة التي شهدتها مدن تركية عدة في الأسابيع الأخيرة. في مقدم هذه الوجوه يأتي الحفاظ على التعددية السياسية في مجتمع يعجّ بهويات إثنية وفرعية لا تعدم الجموح والنبذ لدى أوساط ناشطة فيها. وجاء تصريح رجب طيب أردوغان، زعيم «حزب العدالة والتنمية» الذي حصد نحو 47 في المئة من المقاعد، بمثابة طمأنة لقطاعات اجتماعية ومدينة ناشطة. فهو أعلن إثر الانتخابات عن تمسكه بمبدأين كبيرين يلخصان تقريباً برنامجه السياسي، وهما الحفاظ على علمانية الدولة ومؤسساتها ومواصلة السعي الى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. صدور مثل هذا الكلام الجامع المانع عن زعيم أكبر قوة إسلامية تحظى بشعبية كبيرة في البيئة التقليدية التركية وما يعرف بتركيا العميقة المنتشرة في الأرياف والجبال وضواحي المدن الكبرى، من شأنه أن يجعل الكثير من الدعاة الإسلاميين في منطقتنا يفركون عيونهم في حال ما أثارت التجربة التركية اهتمامهم. وها هنا تجد العبرة التركية الوجه الأبرز والأكثر جاذبية لوجاهتها. ونعني بذلك نجاح «حزب العدالة والتنمية» في تقديم تصور توليفي لا يموت فيه الذئب ولا يفنى الغنم. ثمة بالطبع البيئة المحافظة للحزب الإسلامي، وعلى أطرافه، أوساط متشددة وجذرية تفترض استحالة المصالحة بين الشريعة الإسلامية والحداثة. وثمة أيضاً في أوساط العلمانيين والعسكر جذريون يقفون عند الطرف المقابل. على أن المنحى الغالب هو العمل على تثبيت تقليد ثقافي وسياسي جديد بعض الشيء يقوم على صيانة التعددية والاحتكام السياسي الى الشرعية الوطنية. وإذا قيض لهذه التجربة أن تأخذ مداها من دون خضّات كبيرة، قد نصل بالفعل الى نوع من صياغة علاقة جديدة بين الإسلام والعصر الذي نعيش فيه. وبحسب هذه الصياغة يمكن الهوية الإسلامية أن تكون قيمة مرجعية ثقافية في وعي ذاتي مركب للوطنية التركية. وهذا ما يفسر ربما إقبال أوساط واسعة من الأقليات، الكبيرة والصغيرة، الاثنية أو الدينية، على الاقتراع لمصلحة الحزب الإسلامي الموصوف بالاعتدال والانفتاح. على انه يستحسن من الآن الالتفات الى تاريخية أو سوسيولوجية التجربة التركية، هذا إذا شئنا تفادي تحويلها الى وصفة شمولية جاهزة. ويتطلب هذا أن ننظر الى الظاهرة الإسلامية التركية وأن نقاربها بطريقة تتعدى المدى الزمني القريب لتطاول مستويات أبعد وأشد إيغالاً في الزمن التاريخي. بعبارة أخرى ستكون صياغة المركب الإسلامي للهوية الثقافية الوطنية هي صياغة تركية في نهاية المطاف. فنحن أمام بلد كان مركزاً لامبراطورية واسعة الأرجاء، وكانت العاصمة اسطنبول في أواخر القرن التاسع عشر مقر السلطان العثماني ومدينة كوزموبوليتية في آن، بحيث ان أكثر من نصف سكانها والمقيمين فيها هم من غير المسلمين، الأمر الذي يستحيل العثور على ما يناظره في أي عاصمة أوروبية آنذاك وربما الى اليوم. وقد خبرت السلطنة تجارب في الإصلاح والتحديث في ما عرف باسم «التنظيمات» منذ أن أدرك عدد من كبار موظفي الإدارة العثمانية، في أواخر القرن الثامن عشر، أن التوسع الأوروبي ليس حادثاً طارئاً، بل هو تحد مصيري لا يمكن مواجهته بالأسلحة المعهودة، بما في ذلك الأسلحة المعنوية والذهنية. ومحاولات التحديث والاصلاح التي شهدتها الولايات العربية للسلطنة، خصوصاً محاولات محمد علي في مصر، كانت تستلهم تجارب التحديث في مركز السلطنة وعاصمتها، أي في ما سيصبح بعد الحرب الأولى تركيا الحالية. أضف الى ذلك أن هذا المركز لم يتعرّض لاحتلال أجنبي ساهم في توسيع الهوة بين دائرة حديثة تتطلع نحو أوروبا ومثالها الوضعاني ودائرة إسلامية تقليدية تحتكم الى الشريعة. وينطبق هذا التوصيف، على رغم بعض الاختلافات والفوارق، على إيران. وإذا كانت مصر (وفي معنى ما المغرب الأقصى) تمتلك منذ زمن قديم مواصفات كيان جغرافي خاص، إضافة الى تقاليد دولة مركزية متوارثة وتبلور هويات اجتماعية في المدن والأرياف، فإن هذه المواصفات من الصعب العثور عليها في كيانات المشرق العثماني الأخرى، وإن كان هناك سمات مشتركة للجماعات الموزعة على بلاد الشام. قصارى القول ان هناك شرعية وطنية مستقرة نسبياً في تركيا منذ التخلي عن الخلافة عام 1924، ويمكن أن نرى في التجربة التركية اليوم نوعاً من استئناف تاريخي، ولكن في شروط كيانية وطنية حديثة، لمناظرات وانقسامات ترقى الى القرن التاسع عشر، على غرار تلك التي دارت حول «دار الفنون» و «مجلة الأحكام العدلية» ومدرسة غلطة سراي عندما اعتبرت القوى التقليدية وجهاز العلماء ان التحديث عمليات قضم لمواقعها ونفوذها. العالم العربي شهد مساراً آخر، خصوصاً منذ اضطراب العلاقة بين قومية طورانية تركية حاولت بطريقة قاسية ومرتجلة أن تنقل منطق السيطرة من المدار الامبراطوري الى مدار الدولة القومية، الأمر الذي أدى، بعد انقلاب عام 1908 وخلع السلطان عبدالحميد الثاني الى نشوء ردة قومية عربية توالدت صياغاتها وتناسلت، ولكن بقي وجه الارتجال غالباً عليها. وفي هذا المعنى، إذا كان ثمة درس عربي يستقى من التجربة التركية فهو يكمن في تعهد تاريخ ومجتمعات لا تخلو من التنوع والتعدد، بما في ذلك التاريخ العثماني. يمكن عندئذ التخفف من سطوة شعارات شمولية وهويات جاهزة مثل الإسلام هو كذا وكذا والغرب هو كذا وكذا. هناك مجتمعات وثقافات متعددة تحتاج الى إطار وشرعية وطنيين.
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
سمعة في الحضيض
عبد اللطيف الفراتي (*) انتهت مأساة الممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني الذي أصبح بلغاريا في طرابلس بحل سعيد تمثل في ترحيلهم جميعا إلى صوفيا بمرافقة سيسيليا ساركوزي زوجة الرئيس الفرنسي المتحرك والقادر على تجميع أوراق كل الألعاب بين يديه والاستفادة منها محليا في تعزيز مكانته من جهة ودوليا بالظهور بمظهر الحكيم القادر على الوساطات الناجحة من جهة أخرى. وانتهى مسلسل من ثماني سنوات ونصف، نال فيه العرب القدر الأكبر من الأوصاف والنعوت غير المشرفة. فليس سهلا أن تقضي 5 ممرضات وطبيب فلسطيني ثماني سنوات ونصف في السجون الليبية وما أدراك ما هي السجون الليبية، وليس سهلا أن ينام أولئك ويستيقظون على وقع أحكام بالإعدام، وحبل المشنقة ملتف حول الرقاب يمكن أن يقصم الرقبة في كل صباح، وليس سهلا على الأقارب والأصدقاء رؤية الأعزاء في تلك المواقف. ليس سهلا كذلك ولا شك موت حوالي 50 من الأطفال بالإيدز ولا إصابة بقية من 350 طفلا أصبحوا اليوم في عداد الشبان والصبايا بهذا المرض في أحد مستشفيات مدينة بنغازي، فالمأساة ولا شك كبيرة. أما المأساة الأكبر فهي تلك المحاكمات التي اعتبرت أكبر نيل من صورة العرب، كبلدان بينها وبين السير الطبيعي للمحاكمات شأوا كبيرا. فالتهمة الموجهة للممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني فظيعة، ولا يبررها مطلقا ما حصل للأطفال الليبيين على جسامته، باعتبار أن الإصابة بمرض الإيدز جاء بشهادة كبار الاختصاصيين في العالم جاء قبل وصول مجموعة الممرضات إلى بنغازي للعمل فيها والارتزاق، ثم إنه وعلى فرض أن يكون ذلك حصل في زمن وجودهن، فإن إصدار حكم بالإعدام لا يستقيم وفقا لأي قانون للجنايات في العالم، إلا إذا كانت التهمة تقوم على توافر النية القصدية لتمرير المرض المؤدي للموت أو المهدد به. وفي ما عدا ذلك وحتى فرضا إذا كان الإهمال من قبلهن – وهذا لم يثبت قطعا – مؤكدا فإن إخصائيي القانون يعتبرون أن صيغة التهمة مخالفة لما تم اعتماده، ولا تؤدي مطلقا لإصدار أحكام بالإعدام هي في أحسن الظروف عبارة عن قرار بالقتل العمد. واليوم وقد تم إطلاق سراح الفتيات والطبيب الفلسطيني الذين انسلخت من أعمارهم 8 سنوات ونصف وهم بين الحياة والموت، لا يعرفون في أي فجر كان يمكن أن يساقوا لأعواد المشانق ويعلقوا تحتها ، فإن للمرء أن يتوقف لتقدير ضرر مثل هذا الذي حدث لا على الدولة الليبية وحدها بل على صورة العرب ككل يظهرون بمظهر الشعوب التي بينها وبين القانون ومقتضياته، بون شاسع كبير. وهناك ثلاثة مظاهر رئيسية في هذه القضية ذات تأثير سلبي على صورة العرب عموما: أولها: أن القانون ليس له قدسيته عندنا، وإذا كان ذلك معروفا في الغالب، فإن أثره لم يكن ممتدا عربيا أو في غالب البلدان العربية إلا للمجال السياسي، حيث يستخدم القضاء لتصفية حسابات سياسية. أما في هذه الحالة، فلا يمكن تصور أن هناك امتدادا سياسيا، لهذه القضية، وقد تمت الفبركة لحسابات لا يمكن لليوم للمرء أن يتصور دوافعها أو خفاياها. ثانيهما: أن السؤال يبقى مطروحا، لماذا محاكمة الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات، هل كانت هناك مؤامرة لإصابة الأطفال الليبيين بالإيدز، وما هو الدافع، ثم ألم تكن هناك مشاركة ليبية من أطباء أو ممرضين، وهل يستقيم اتهام بهذا الحجم، وهذه الأحكام والملف خال من أي إثبات كما سيظهر خلال المحاكمات المتتالية والتي انتهت كلها بتوقيع حكم إعدام بالواضح أنه ليس له ما يبرره ولا يستند إلى أي أساس لا قانوني ولا فعلي، ويتناقض وفقا الاختصاصيين حتى مع مقتضيات القانون الليبي. وليس كل ذلك لا من شأنه تلميع صورة العرب، ولا خاصة صورة القضاء الليبي الذي لم يدافع عن نفسه برفض الدخول في لعبة مفضوحة. ثالثها: أن القضية انتهت بعد وساطات كثيرة توجتها وساطة الرئيس الفرنسي وزوجته سيسيليا بنهاية سعيدة، سعيدة لمن؟ طبعا سعيدة بالنسبة للممرضات ورفيقهن الفلسطيني الذي نال الجنسية البلغارية لأغراض شموله بإطلاق السراح، الذين شهدوا فترة عذاب انتهت، عذاب السجن، عذاب الاتهامات غير المستقيمة، وعذاب الشك من أن يلتف حبل المشنقة في فجر يوم من الأيام حول الرقبة. ولكن كيف تكون سعيدة بالنسبة لعائلات الـ400 من المصابين الأطفال الذين قضى بعضهم نحبه، وبقي بعضهم ينتظر، فهذه العائلات لم تعرف حقيقة من المسؤول الفعلي عن إصابة أطفالها، وهل سيناله العقاب، هل هي إدارة مستشفيات غير كفؤة، أم هل هي الجهات التي قدمت الدواء « الشافي » للاستعمال في حقن الأطفال وتم استعماله دون اتخاذ الاحتياطات الواجبة، وما هي فعلا مسؤولية الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، وهل هي مسؤولية منفردة أم إنها مسؤولية مشتركة مع بقية من الأطباء والممرضين والجهات الإدارية المختلفة؟ على أن الظاهرة الأسوأ والتي لا بد من إفرادها بالتوقف عندها، فهي المتمثلة في ما صاحب كل المفاوضات بشأن إطلاق السراح، من مساومات، قد تكون مقبولة ولو بتحفظ من دولة متخلفة مغرقة في الفقر، ولكن ليس من قبل ليبيا الدولة الغنية، أما إذا كانت الدولة الليبية أرادت استعمال هذه القضية المؤلمة المتمثلة في إصابة مئات الأطفال بالإيدز، ومأساة الفتيات البلغاريات للتطبيع مع الدول الكبرى فإن المصيبة أدهى وأمر. ولقد تم الاضطرار للتعامل الدولي مع هذه القضية بالصورة التي رأينا، إي أنه اضطرار ليس مشرفا بالمطلق، وهو يزيد في قتامة الصورة التي يحملها العالم الخارجي ليس عن ليبيا وحدها، بل عن كل العالم العربي. وما دامت هناك أنظمة عربية بهذا الشكل فالصورة ليست في طريقها مطلقا لأن تصبح أكثر إشراقا. (*) كاتب من تونس
(المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
في أزمة تدريس الفلسفة
زهير الخويلدي » العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث أنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل يوجه النظر فيها إلى أهل الملل كلهم ويستوون في مداركها ومباحثها. وهي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة.وتسمى هذه العلوم علوم الفلسفة والحكمة… » [1] مقدمة: « Enseigner, ce n’est pas remplir un pot, c’est allumer un feu » Montaigne ربما تكون أزمة الوجود التي اجتاحت اليوم الساحة التربوية إلى حد أنها شغلت بال المفكرين وحيرت عقول المتحاورين قدرا محتوما في نظر البعض من الواقعين المتشائمين وربما يستوجب فهمها والغوص في كنهها في نظر المتفائلين الطوباويين إحالتها على هذه الخلفية النظرية والعملية المتأتية من غائية التاريخ ولكن ماهو أكيد بالنسبة إلى الفكر الحاذق أن هذه الغائية لا نقدر على الكشف عنها إلا بواسطة الفلسفة والتفلسف وذلك لأن هذه الحضارة نشأت عن جملة من المعاني الصادرة عن دور تفكري وقولي وأن هذه الأزمة يمكن أن نعثر لها على مخرج بإتباع مسلكين: 1 ـ فإما أن تضمحل هذه الحضارة باغترابها أكثر فأكثر عن جوهر معناها العقلاني الديني الذي هو كنه وجودها فتقع بذلك في الحقد على الفكر وتضيق بذلك معنى الوحي وتسير بالناس إلى الظلمة والوحشة. 2 ـ وإما أن تبعث من جديد بفضل عمل بطولي يقوم به العقل ويرتكز على تأويل الشرع بتدبر التراث وتحويل الضاد إلى مقام للوجود في العالم وذلك بتفكيك التلفيقية الغائمة والتحجر الفارغ بصورة حاسمة. بيد أن هذه الأزمة ناتجة من بعيد أو من قريب من أزمة تدريس الفلسفة وغياب فلاسفة بالمعنى الحقيقي للكلمة من حضارة اقرأ، وقد بينت الأحداث بالواضح ما تمثله الفلسفة من خطورة على حياة الأمم سواء إذا حظر تدريسها أو درست بشكل سيئ. عندئذ تبدو حياتنا اليومية متأثرة بالأحداث الفلسفية حتى تلك التي تبدو لأول وهلة طفيفة وليس لها معنى.كما أن الفلسفة هي وحدها القادرة على أن تفتح حوارا حرا وعميقا حول قضايا المستقبل وهي وحدها التي بإمكانها إبداع إمكانيات أرحب للوجود. هكذا يكون الحديث عن الفلسفة والتربية تنبيها على خطورة الموقف وبؤس الأوضاع في المجتمعات التي يكتسحها الطغيان والتزمت عندما تتعرض إلى فترات اضطهاد للفكر وخنق للحرية وقتل للمدارك الطبيعية للبشر إبرازا إلى ما ينتظر الشعوب من شقاء عندما يهون الفكر فيها ويمتهن أو عندما ينتشر فيها البغاء العقلي ويطارد الفلاسفة وتحاصر كتبهم من طرف دعاة الجنات الموعودة وأصحاب الأقاويل المغشوشة وتضيق عليهم أوقات الدرس ومواده بما لا يلبي انتظارات الجمهور. إن الفلسفة عبر تاريخها الطويل لم تعرف فترة من الهدوء والاطمئنان بل كلما سجلت انطلاقة جديدة وبعث إلا وتعرضت لأشكال جديدة من المنع والمحاصرة ونظر إليها على أنها خطر يهدد الأمم,فهي ما انفكت تزعزع أركان النظام القائم وتبحث عن مثل أعلى يفتح للإنسان آفاق جديدة للرقي والتقدم. إن طبيعة الفلسفة هي أن لا ترتاح إليها السلطة التي لا يعنيها غير الحفاظ على امتيازاتها ولذلك فهي تشجع الركود وتبرر ماهو سائد وتمنع الفكر الحر من الانبجاس والانتشار، في حين تحافظ الفلسفة على ما في الإنسان من نزوع دائم نحو ممارسة حرية التفكير والتعبير وتنتهج طريقا مخالفا للتفكير السائد إذ تقض مضاجع المستسلمين وتثور على الواقع لأنها في جوهرها تحير وسؤال ونزوع إلى القيم والمعنى تعمل على فضح كل أشكال الاستلاب التي يتعرض لها البشر. يترتب من هذا القول أنه ثمة أزمة في فلسفة اليوم تمظهرت في ثوب تأزم التعليم الفلسفي عبر عنه أحد الطلاب عندما اكتفى بكتابة هذه الأسطر في احد الاختبارات الجامعية في شعبة الفلسفة : « إن المتعة في برامجكم التعليمية, ندخل مع كل درس داخل كهوف رمادية يكسوها الغبار, جدرانها مكتسية بأنسجة عناكب رهيبة ومقرفة، نسمع صدى أصوات قادمة من وراء خط الزمن, صادرة عن هياكل عظمية تآكلت رؤوسها ونقشت أطرافها، نقرأ نقوشا حجرية بلغة لا نفهمها بل ولا نراها. هناك لا نجد مرايا نرى فيها أنفسنا، نحاول إصدار صوت ,فلا نتذكر لغتنا بل ولا نستطيع حتى فتح أفواهنا وان أردنا أن نكتب فان أيدينا مشلولة عما نريد كتابته وكأننا أطفال يجهلون الأبجدية فيأتي شخص آخر من غير زماننا ليمسك و يخط بأقلامنا أشياء وأشكال لسنا نعرف معانيها وليس تعرف معانينا.هناك نخضع لغير إرادتنا, نسمع غير أصواتنا،نتكلم غير لغتنا…لذلك فمن يدخل الكهف،عفوا الدرس, يكون لاشيء بل ولا يكون،فلم تطلبون منا أن نتكلم ونحن أصنام… » [2] فهل هذا التأزم الدائم ناتج عن طبيعة الفلسفة أم أنه صادر عن طبيعة الناس الذين تتوجه إليهم؟ هل ستفضي هاته الأزمة إلى تضييق الخناق عليها أم تنذر بانطلاقة جديدة تقوم على نبذ التفاهات والاهتمام بالجوهر؟ هل أن تعثر كل التعليمات السابقة هو الذي أدى إلى تقلص حضور الفلسفة في الفضاء العمومي أم هو إثبات لها وتنشيط لآلياتها وتجديد لكينونتها ؟ هل تعود أزمة الفلسفة إلى إخفاق في نقل الإبداعات الفلسفية الغربية إلى اللغة العربية وتعذر الترجمة أم إلى استحالة ملائمة هذه الإبداعات للبيئة الثقافية المحلية والأهلية؟ واذا ما رمنا الإصلاح والتجديد فماهي شروط إمكان تأسيس تعلمية فلسفية ناجحة ؟ أي صعوبات يواجهها تدريس الفلسفة في مجتمعنا؟ لماذا لا تتحول هذه الخطة إلى تعلمية فلسفية ناجحة ؟ ماهي أركان وخصائص هذه التعلمية الفلسفية الجديدة ؟ ماذا لو كان الفيلسوف مقتصرا على ذاته أو منحصرا في التأليف الأكاديمي دون أية علاقة له بالعالم؟ أليست الفلسفة في جوهرها حوار وجدل ونقاش وتدريب وتعليم وطريقة لتوليد المعاني من العقول المتحاورة عبر السخرية والتهكم وعبر الدور القولي الذي يدور بين المعلم والمتعلم؟ ما الفرق بين البحث الفلسفي والتعلمية الفلسفية ؟ هل يأخذ الأستاذ بعين الاعتبار المعرفة الموجودة بشكل مسبق في ذهن المتعلم ويوظفها في عمله؟ أليس القصد من التدرب الفلسفي هو الفوز بهذه المعرفة وإعادة بنائها على أسس متينة ؟ ماهي العلوم والمعارف الإعدادية التي ينبغي أن تتعلم قبل الاهتمام بالفلسفة ؟ ما الغاية من تعلم الفلسفة؟ هل هو التعود على حسن قيادة العقل نحو الحقيقة أم تأمل الخير والجمال ؟ هل الفلسفة محتوى متناسق من أصناف المعارف والعلوم أم أنها في جوهرها منهج للبحث والتأمل؟ إلى أي مدى تعتبر الفلسفة رياضة فكرية تدفع بالإنسان إلى اكتشاف المعاني والاقتراب من إبصار العلل الأولى والقيم القصوى؟ هل هدف الفيلسوف هو تلقين الناس ما اكتشفه بنفسه أم تدريبهم على الجهد والسعي للتغلب على الصعاب قصد الفوز بالحقيقة بأنفسهم؟ هل الفلسفة أقرب إلى التعليم التقليدي أم إلى التعليم العصري ؟ أليس أرسطو هو المسئول عن تحنيط الفلسفة وحصرها في قوالب جامدة عندما فصل بين البحث النظري وبين تعليم الفلسفة حسب برنامج محدد وفق أبواب ومفردات مضبوطة ؟ ما القصد من تعلم الفلسفة ؟ هل الفلسفة مادة تعليمية ؟ وهل يتعلم الإنسان الفلسفة أم الإنسان فيلسوف بالطبع ؟ أو بعبارة أوضح هل الإنسان في حاجة إلى الفلسفة ؟ وماهو القصد من تعلم الفلسفة؟ ولماذا تصلح الفلسفة اليوم ؟ هل يمكن أن نقيسها بالمعايير المتداولة للعلم والتقنية؟أي أهمية لتدريس الفلسفة في المؤسسة التربوية ؟ إذا كان مقصودنا هو بناء تعلمية ناجحة من وجهة نظر الفلسفة العربية فان استيفاء هذا الغرض يتطلب منا العودة للنصوص الأصلية التي حملها إلينا التاريخ العربي والشروع في إعادة استنطاقها قصد استخراج ما يمكن استخراجه منها ولذلك ارتأينا أن نقسم مراحل بحثنا إلى الأبواب التالية : 1 ـ أهداف التعليم بصفة عامة 2 ـ أزمة تعليم الفلسفة 3 ـ شروط نجاح تعليم الفلسفة إن ما نراهن عليه هو بناء تعلمية فلسفية ناجعة تقرب الأفكار من الأفهام وتخاطب الناس على قدر عقولهم تساعدهم للتمرس على التفكير وتكسبهم القدرة على فهم المايحدث وإجادة فن تقييمه. فإلى أي مدى تستوفى هذه الخطة مطلبنا في بناء هذه التعلمية ؟ وهل تقدر النصوص الفلسفية العربية التي سنستنطقها أن تلبي حقيقة غرضنا ؟ 1 ـ في أهداف التعليم: » قيمة كل امرئ فيما يقدر عليه » قول مأثور » فقبل كل شيء يجب أن نتساءل عماهي أغراض التربية؟هل هي كسب الرزق؟هل هي التعليم والتهذيب؟ أو هي العلم لذاته أو هي الأخلاق؟وهل هي راجعة لمصلحة الفرد وحده أو للجماعة وحدها؟ »[3] اعلم أن التعليم هو إيجاد الفضائل النظرية في الأمم والمدن وزرع القيم الحميدة في النفوس من أجل تربية الناشئة تربية سليمة متكاملة وحفز الهمم وشحذ العقول واعلم كذلك أن التعليم فن عزيز المذهب جم الفوائد إن تلقفته الأرواح بالقبول وأمسكته بيد الصناعة ظفرت بكنز عظيم وغنمت بذخيرة دائمة وأتحفت بمنزلة عالية « لا يستوي فيها من يعلم بمن لا يعلم » و »يرفع الناس فوق بعض درجات ».في هذا السياق يصرح ابن خلدون: »إن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما وإلقاء وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة. إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخا »[4]. إن للتعليم أهداف ومحتويات ومناهج ويتطلب التدرج والمرور بعدة مراحل إذ يتعاقب المعلمون على المتعلمين أحدهم لضبط القراءة والكتابة والثاني لعلم العربية والشعر والثالث للتدريب في الحساب والطبيعيات والرابع للعقليات والمنطقيات ويراعى في ذلك التنوع والاستعداد والمشاكلة والملائمة إذ لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمرام دون المشاكلة والمواءمة ما كان أحد غفلا من الأدب وعاريا من الصناعة فلذلك ينبغي لمدبر المتعلم إذا رام اختيار الصناعة أن يزن أولا طبعه ويسبر قريحته ويختبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب ذلك. من هذا المنطلق يرى حكماء العرب أن التعليم ينقسم إلى بعدين تعليم ابتداء وتعليم انتهاء فأما تعليم الابتداء فهو ما يعلمه المتعلم في أول أمره من قراءة وكتابة ولغة وشعر وحساب وأما تعليم الانتهاء فهو إتقان كل ما سبق والزيادة عليها بالاشتغال بأحكام النجوم والمنطق والطبيعيات والتاريخ والتدرج إلى ما بعد الطبيعة بعد التدرج بالمنطق العلي في فهم الطبيعة وأسرارها. في هذا الموضوع يقول ابن خلدون: » اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان على التدرج شيئا فشيئا وقليلا قليلا يلقى عليه أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال. ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم إلا أنها جزئية وضعيفة. » [5] إن أيسر طرق هذه الملكة هو فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة والعناية بالحفظ دون إهمال الحاجة إلى الفهم والإفهام لأن التعليم الصحيح يكون بدعم ملكة التصرف في العلم لدى المتعلم لأنه إن حصلت له ملكة في علم استعد بها لقبول ما بقي من العلوم لذلك لا ينبغي أن يخلط عليه علمان معا فانه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما. إن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا أول الأمر يكون المتعلم عاجزا عن الفهم بالجملة إلا على سبيل التقريب والإجمال والأمثال ثم يتقوى الاستعداد بالتكرار والمداومة حتى يصل إلى درجة الاستيعاب والتحصيل والإحاطة بمسائل ذلك الفن. قال بعض العلماء « من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم » وإن كان للدربة دورا في تنمية القدرة على التذكر فان الفهم له دور في ترسيخ هذه القدرة فهو شرطا للحفظ ويكون بادراك الموجودات وتصورها كما يكون بتصديق القضايا والتسليم بأحكامها. في هذا السياق يصرح الماوردي: » العلوم مطالبها من ثلاث أوجه قلب مفكر ولسان معبر وبيان مصور فإذا عقل الكلام بسمعه فهم معانيه بقلبه وإذا فهم المعاني سقط عنه كلفة استخراجها وبقي عليه معاناة حفظها واستقرارها لان المعاني شوارد تضل بالإغفال والعلوم وحشية تنفر بالإرسال فإذا حفظها بعد الفهم أنست وإذا ذكرها بعد الأنس رست… وإن لم يفهم معاني ما سمع كشف عن السبب المانع منها ليعلم العلة في تذر فهمها فانه بمعرفة أسباب الأشياء وعللها يصل إلى ما شذ وصلاح ما فسد » [6] لما كان العلم من الأدب والأدب لا يستقر إلا بالتعليم فان التعليم هو غير بعيد عن التأديب لكن التعليم قد يقتصر على القول باللسان بينما التأديب فيكون بالقول والفعل معا لإنهاض العزائم وتحريك الهمم نحو فعل ذلك الشيء حتى يصير مستوليا على النفوس ومتغلغلا في العقول ومترسخا في القلوب. على هذا النحو فإن مواد التعليم أدوات لضمان تكوين متكامل للمرء إذ تعود العقل النظام والتنظيم في درس الأمور وحسن التصرف في الشؤون. لكن إذا كان التربية تراوح بين الطبع والتطبع وكان الأدب ينقل الطبع المذموم إلى الطبع المحمود فانه ينبغي أن يعمل الأستاذ على إصلاح أخلاق المتعلمين وحسن سياستهم فقد قال بعض الحكماء « العادة طبيعة ثانية » وتشمل العادة الوظائف العقلية الرمزية والمواقف الأخلاقية الاجتماعية والأفعال الحسية الحركية.هكذا يقوم التعليم على الوازع الذاتي أكثر من قيامه على الرادع الخارجي وماذا كانت التربية التزام دائب لا يعرف بالفشل. اعلم كذلك أنه يراعى في التعليم بين التحصيل الشكلي والاستبصار الواعي وبين الاستيعاب وضرورة الاختصاص في مجال معين وإذا ادعى معرفة كل شيء وبقي في العموميات كان كالحمار الذي يحمل أسفارا. ولذلك يتطور التعليم من مجرد التبليغ إلى الاختصاص المهني وقد قال ابن خلدون في هذا الشأن: » صار العلم ملكة تحتاج إلى التعلم فأصبح من جملة الصنائع والحرف « [7] ويضيف « إن التعليم لهذا العهد من جملة الصنائع المعاشية البعيدة من اعتزاز أهل العصبية »[8] فإذا كان المراد من التعليم التفهيم والتكوين بالنسبة للمرء فان التكوين هو إيجاد شيء مسبوق بالمادة أما التفهيم فهو إيصال المعنى إلى فهم السامع بواسطة اللفظ وهو كذلك التفسير أي الكشف والإظهار دون تعريض في الكلام أو تعقيد لأن الكلام إذا كان مغلقا فان معناه لا يظهر بسهولة ولذلك يستلزم التعليم التطبيق والتطويل لأن الفائدة لا تحصل في التعليم إلا بالزيادة في أصل المراد ومقابلة الاسم بالاسم والفعل بالفعل وبالتكرار. وقد أقر التوحيدي بأن الفضائل لا تقتني إلا بالشوق إليها والحرص عليها والطلب لها وهذا أمور كلها لا تكون إلا بمشوق وباعث وداع والمشوق والباعث والداعي هو التعليم فهو سبب الأريحية والهزة والشوق والعزة، فالأريحية للروح والهزة للنفس والشوق للعقل والعزة للإنسان فإذا بلغ المرء درجة من النضج لابد أن تتعلق همته بالجوهر ويهمل العرض ويستفيد من العلوم العقلية في فهمه للعلوم النقلية ويعمل على اكتساب جودة التمييز والقدرة على الاستنباط والتفكير دون الاتكال على الغير ودون الاقتصار على جودة الحفظ. لقد قال الشيخ الرئيس ابن سينا في هذا الإطار: »لابد أن يكون التعليم والتعلم بعلم سبق ومنه صناعي كالخياطة وإنما يحصل باستعمال أفعال تلك الصناعة والمواظبة عليها ومنه تلقيني كتعليم اللغة وإنما يحصل بالمداومة على التلفظ بها لتحصل ملكة ومنه تأديبي ويحصل بالمشاورة ومنه تقليدي وإنما يحصل بالثقة بالمعلمين ومنه تنبيهي لمن خاطب بالأوليات العقلية ونحوه ». فإذا كان التعلم لما سبق إليه الغير ممن تقدم أو تأخر وكان العلم بما هو عرفاني صرف وبما هو مهني وحسي وحركي وعملي فان التعليم يكون لما تمت الخبرة به. ويميز ابن سينا بين التعليم الفكري والتعليم الذهني الأول هو الذي يكتسب بقول مسموع أو معقول من شأنه أن يوقع اعتقادا أو رأيا لم يكن أو يوقع تصورا ما لم يكن أما الثاني فيكون بين اثنين وقد يكون بين إنسان واحد مع نفسه من جهتين فمن جهة لحدس بالحد الأوسط في القياس يكون معلما ومن جهة استفادة النتيجة منه متعلما مدلا.[9] هكذا يكون التعليم الجيد اتساق ما إلى اكتساب مجهول بمعلوم وحصول ملكة في أمر عملي فكري أي صناعة كاملة وراسخة ومن هنا يشترط التعليم الإجازة العامة والشاملة للمقروء والمسموع من المنظوم والمنثور ومن المعقول والمنقول على العموم والإطلاق والشمول والاستغراق وقد قيل تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر,لأن المتعلم أهل لأن يحلى بحلي الإعلام وينظم في السلك العلمي الرفيع الانتظام.ولا ينبغي أن يكتفي الأستاذ بالمختصرات لحاجته إلى التبسيط والاقتصاد لأن التعليم الذي يقوم على المختصرات لا يهيئ الفرصة لنضج الملكات لا يتيح الإيجاز والاقتضاب تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لذلك لابد من المغامرة في البحث عن الأمور العويصة والتنقيب عن المسائل العنيدة. اعلم كذلك أن انقطاع سند تعليم العلم يؤدي إلى اختلال العمران وتناقص الصنائع وفقدان الأمصار وأن انتشار التعليم و ترسخ العلم يؤديان إلى استبحار العمران وازدهار الصنائع وامتداد العصور,فبين إذن أن التعليم عامل من عوامل التحضر ومظهر من مظاهرها. وقد قيل العلم خزانة مفتاحها السؤال والسؤال يثمر العلم لأن العلم يدرك بسؤال سؤول وقلب عقول. إن الناس يتحدثون بأحسن ما يحفظون ويحفظون أحسن ما يكتبون ويكتبون أحسن ما يسمعون. فأن يموت الإنسان طالبا للعلم خير من أن يموت قانعا بالجهل. والعلم من التربية و »معنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه » كما يقول الغزالي. هذا عن دلالة العلم والتعليم بالجملة وعلى العموم الآن ماذا عن دلالة تعليم الفلسفة على الخصوص؟ هل يجوز لنا الحديث عن فلسفة للتربية في المخزون التراثي التعليمي للفلسفة العربية الإسلامية؟ ماهي ملامح الفلسفة التربوية عند العرب ؟ وأي دور تضطلع به في مستوى النهوض الحضاري الشامل وتجديد طرق التعليم وأثرها في بناء الشخصية الرسالية التاريخية للأمة ؟ كيف نفسر الرأي القائل بأن الفلسفة يمكن تدريسها ويمكن تعليمها بالنسبة للناشئة مهما كانت أعمارهم ولا توجد أي موانع تحول دون ذلك ؟ ماهي الشروط التي ينبغي أن تتوفر لإنجاح مشروع تدريس الفلسفة؟ ألا ينبغي أن نفكر في بناء تعلمية فلسفية عربية حتى تتماشى مع روح الثقافة الإسلامية ؟ 2- أزمة تعليم الفلسفة: جاء في رسائل إخوان الصفاء : » الفلسفة أشرف الصنائع البشرية بعد النبوة ». « La philosophie doit être enseignée et doit être apprise de la même manière que toute autre science. » Hegel إن كانت الفلسفة في عنفوانها تفتيشا وكدا عن الحقيقة دون إدراكها وسعيا متواصلا وراء اليقين دون الفوز به وطرحا لكل أصناف المعرفة المتداولة والدارجة في الملة على بساط النقد والمماحكة فهمنا لماذا كان وضعها في نظام التربية والتعليم وضعا قلقا مهزوزا يتأرجح بين الإقصاء والقبول وبين التوظيف والصد عنها وبين الإغراء والحيطة وعرفنا لماذا ظل تعليم الفلسفة منذ القديم لعبة بين يدي السلطات السياسية والدينية والعامية وبقي التعامل معها يتم بانتهازية ونفعية وبانتقائية كبيرة تلعب فيها المصالح والأهواء وتضرب حولها رقابة صارمة،الأمر الذي أدى إلى الإضرار بالفلسفة وعرقل إمكانية ازدهار تعليمها،فإذا كان تعليم الفلسفة قبل الاستقلال يجري وفق البرامج الرسمية الاستعمارية ولم يفتح قسم الفلسفة في المدرسة العربية إلا بعد الحرب العالمية الثانية ولم يرخص في إلقاء دروس في الفلسفة الإسلامية إلا فيما بعد وفي عدد قليل من الساعات وكان حضور الفلسفة في التعليم الديني في الزيتونة أو الأزهر محتشما وينحصر في تلقين بعض قواعد المنطق الجافة والتي تبعث على الملل وبعض العلوم الطبيعية والصحيحة المجردة والتي تعمل على تبليد الذهن عوض تحفيزه وتنشيطه فان تعميم تعليمها اليوم في كل المعاهد وعلى مختلف الشعب وتكاثر أقسام الفلسفة في الكليات وتنظيم دروس نظرية في عدة اختصاصات علمية إنسانية لم ينه حالة الحصار والإدغام التي تعرضت له في الماضي ومازالت تواجهه في بعض الدول ذات الأنظمة التقليدية بل ربما الغبن الذي تتعرض له اليوم أشد وطأة لأن منافسيها ليسوا الدين والسياسة فحسب بل وكذلك العلم والتقنية وفن التسويق. اللافت للنظر اليوم أنه ثمة صراع دائم حاصل بين الإيديولوجيات السائدة والفلسفة إذ يطلب منها دائما أن تبرر ماهو واقع وتضفي المشروعية على الممارسات الاجتماعية الشائعة بحيث تتحول إلى أداة لتكييف النظريات والأفكار الجريئة لإقحامها في نسيج ثقافي متساهل ومهادن فتذوب في صلب برنامج عام يخدم السائد ويجعلها توفي بالتزاماتها مع العولمة الضاغطة عليها. لكن إن كانت الديمقراطية قيمة كبرى أبدعها العقل الفلسفي أول مرة ووقع تصديرها إلى الفضاء العمومي أليس من الأولى أن تتمتع الفلسفة بمحاسن وثمار هذه النبتة التي زرعتها؟ هل يتسنى لنا القول اليوم بان ديمقراطية التعليم عامة أولى بها أن تطال تدريس الفلسفة بالخصوص؟ يشخص ابن عاشور أزمة الفلسفة عندنا في تعثر الترجمة بقوله: » أما كتب الفلسفة عندنا مثل المواقف فهي مأخوذة من فلسفة اليونان مغيرة بما يناسب قواعد علم الكلام فلا ينبغي أن تكون معدودة لدراسة الفلسفة وبالجملة فالحاجة اليوم إلى مترجمين نابغين لينقلوا ما يحتاج إليه من هاته العلوم لأهل اللسان العربي فيكفوهم كلل الخبط فيما لا طائل تحته ويسمو بهم إلى منزلة قرنائهم من الأمم المعاصرة » [10] ما يجدر ملاحظته أن تعليم الفلسفة واقع في كماشة متكونة من ثلاث أقطاب لا يقدر على الفرار منها، فهو من جهة واقع تحت ضغط المؤسسة التربوية القائمة ومن جهة ثانية مطالب بتحقيق المصالحة مع النسيج الثقافي الدارج ومن جهة ثالثة يطلب منه أن يخضع لمستلزمات القول الفلسفي ذاته وإلا فقد الماهية التي تخصه،فكيف تقدر الفلسفة على خدمة ثلاثة أسياد في الآن نفسه؟ *الفلسفة تظل في محور المؤسسة التربوية داخل سقف النظام التربوي السائد وتتماهى مع حرص الطبقة الحاكمة على التنظيم والتطويع وذلك عن طريق المراقبة والتقويم والتفقد والامتحانات والمناظرات بالإضافة إلى ضبط البرامج وانتقاء عناصرها بما يخدم المقاصد والترتيبات المسطرة في ذلك الزمان عن طريق تأليف الكتب المدرسية ومراقبة النشريات الصادرة عن المكتبات. إن النظام التربوي برمته لا يقوم إلا على أساس فلسفي وإن فلسفة التربية تقوم بالنسبة إليه مقام الروح من الجسد، إذ لا يتسنى تعليم فلسفي صحيح إلا إذا كان قائما على مبدأ التفاؤل بالإنسان وعلى احترام حريته والوثوق في قدراته وطاقاته الكامنة، وهذا الأمل لا يتحقق إلا في صلب نظام تربوي مقام على أساس من الديمقراطية والحرية والمسؤولية. هكذا ظلت الفلسفة في معناه المدرسي المتداول متوجهة نحو التعليم الثانوي وتأتي في هذه المرحلة من حياة الإنسان التي تبدأ بانتهاء الطفولة وتنتهي بانتهاء المراهقة. *أما محور التقاليد والسنن الثقافية فان تعليم الفلسفة في حضارتنا جاء قائما على مبدأ الازدواجية إذ هي تنهل من التراث الفلسفي العربي الإسلامي وكذلك من التراث الفلسفي الغربي الذي وصلنا عن طريق الفكر الفرنسي والثقافة الانجليزية والأمريكية. وهنا تكمن معضلة تعليم الفلسفة عندنا إذ كيف يمكن التوفيق بين هذه الثقافات المتنافرة أم أن الصراع بينهما هو أبدي؟ وماهو دور الفلسفة في التقريب بين هذه الثقافات ؟ أو بعبارة أخرى هل تجاوزنا الازدواجية في مرحلة التأليف والترجمة وأدركنا مرحلة الخلق والإبداع في كنف ما يسمى بالثقافة العالمية؟أم هل مازلنا في مستوى الاقتباس والتلفيق والنقل ؟ والحق أن نظامنا التربوي العربي مازال تغلب عليه صبغة التبعية والتقليد أكثر مما تبرز فيه صفات الأصالة والانطلاق, إننا مازلنا ممزقين بين تراث ننظر إليه نظرة الحنين وكأنه أصبح قطعة متحفية محنطة وحاضر نعيش على هامشه إذ ما برحنا ننتظر ما يتكرم به علينا الغرب من آراء ونظريات لا تستجيب إلى حاجياتنا الحقيقية والتحديات التي تواجهنا فنحن لا ننتمي إلى نفس زمنية الوجود حتى وان تقاسمنا كرها الانخراط في العولمة لأن الغرب فيها فاعلون بينما العرب منفعلون. * أما المحور البيداغوجي المتمثل بنوعية الصلة الحاصلة بين الأستاذ والتلميذ فان وجود كتاب مدرسي واحد واعتماد أسلوب التلقين وإفراغ البرامج من مضامينها بحجة ضرورة ملاءمتها مع الوضع العالمي قد أدى إلى نتائج عكسية تجلت في عزوف المتعلمين عن الاهتمام بالفلسفة والسخرية منها ومهاجمتها. فقد بقيت فتوى ابن الصلاح الشهرزوري توفي سنة 643 هجري المحرمة للاشتغال بالفلسفة حاضرة في العقول متغلغلة في النفوس سارية المفعول إذ يقول « الفلسفة أس السفه والانحلال ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المطهرة المؤيدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة, ومن تلبس بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان…وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر… » وقد برر ابن خلدون هذا الصنيع بأن الفلسفة ليست من علوم المقاصد بل هي آلة لغيرها وأن العلوم العقلية تركها العرب وانصرفوا عن انتحالها واختص بها العجم وحملها المعربون شأن الصنائع كلها زد على ذلك أن صناعة التفلسف غير مأمونة الغلط لكثرة ما فيها من انتزاع وتجريد وبعدها عن المحسوس ولعدم قابليتها للانطباق. لكن هذه التحفظات لم تحل دون انتشار الفلسفة بين السكان الافتراضيين لحضارة اقرأ لأن من وظيفة الفلسفة منذ القدم أن ينشأ عنها مشروع تربوي يعين على تكوين إنسان ترسم ملامحه من خلال ما يفوز به التأمل الفلسفي من تعرف على الذات الأخرى ومن ضبط لموقعها في الوجود ومن تحديد لصلته بالمطلق. إن تعليم الفلسفة في جوهره عمل تربوي هادف يرفض الترويض الإيديولوجي والاستغلال السياسي ويقطع مع الشعارات الزائفة والأفكار الدارجة في المجتمع ويقتضي الحرية الفكرية بالنسبة للمتعلم والمعلم على السواء، لذا يجب أن يضبط تعليم الفلسفة بأهداف واضحة تعزز الانتماء الحضاري وتصون الهوية من التفتت والضياع في العالم ويتطلب هذا الأمر الجلل بناء فلسفة للتربية تكون بمثابة الإطار الموجه له والنموذج المرشد في كل مسار تعليم الفلسفة،فماذا نعني بفلسفة التربية؟ وماهي فائدتها في تعليم الفلسفة؟ إن المطلب الأسمى والهدف الأقصى لنا في هذا المبحث هو بناء تعلمية ناجحة للفلسفة تتفحص العلاقة البيداغوجية الشرعية بين الوحدات الثلاث : المتعلم والمعلم والمادة المعلمة والمتعلمة. من هنا لابد من تخليص الفلسفة الذائعة والمشهورة من العيوب و تطهيرها من التحفظات والاعتراضات والعمل على حل الإشكاليات التالية : إن كان تعليم الفلسفة يعاني من أزمة حادة فهل يعني ذلك أن وجود الفلسفة ذاتها في خطر؟ أي سر وراء شيوع العزوف عن الفلسفة ؟ هل نفسر ذلك بأن الفلسفة لم تعد أم العلوم أم لأنها أصبحت معرفة لا تجلب المصلحة؟ ماهي الشروط التي ينبغي أن تتوفر حتى يمكن تجاوز هذه الأزمة؟ ماذا عن محاور الاهتمام الفلسفية الموضوعة لغرض التعليم ألا ينبغي أن تنتقي وتصطفى بحيث تلاءم مدارك المتعلمين و جودة فهمهم و تتناسب مع اقتدارات المعلمين والمتعلمين على السواء وتحترم السياق الاجتماعي والثقافي الذي يندرجون ضمنه؟ لماذا يقع التركيز اليوم على المنطق والفلسفة التحليلية ومقولات الألسنية والبنائية ويقع التشدق بمكاسب فلسفة الظنة ومزايا العلوم الإنسانية ويتم استثناء الفلسفة الإسلامية المشرقية وكل كنوز التراث العقلية ويترك الفكر الذي يطرح مسائل الهوية ويعزز المقاومة والصمود ؟ فماهي المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في تعليم الفلسفة ؟ ماهي هذه الفلسفة الناجعة التي يعمل الجميع على نشرها وتدريسها ؟ 3- شروط نجاح الفلسفة المتعلمة : » أن الفلسفة أفضل علم بأفضل معلوم » أبو نصر الفارابي « l’étudiant doit être traîné,doit être forcé dehors vers l’insécurité de toute chose,insécurité qui fonde la nécessité de l’engagement. Les études doivent devenir à nouveau une aventure,une entreprise hasardeuse,un risque » Heidegger أن تكون الفلسفة من جلائل الأعمال وخلائص الأفعال فان هذه الخصائص لم تصنها من هجمات الغرباء ومن مكائد الأعداء فالقوم قد اختلفوا حولها والآراء والتصورات قد تطارحت وتناطحت فهناك من استهجنها واستراب منها فمنعها وقيدها ووصل الأمر إلى حد تحريمها وطمس معالمها بحرق كتبها وهناك من استحسنها وأباحها وأجازها ووصل الأمر إلى حد فرضها وتأكيدها واعتبارها واجب شرعي كلف به العاقل المستخلف يخرج به من حال الجحود إلى حال الشهود. على هذا النحو عدها جهابذة المعرفة والراسخون في العلم فرض كفاية ودعوا إلي الجهاد للفوز بها وطلبها من المهد إلى اللحد ومن الغرب إلى الشرق وأكدوا على أنها من الأمور التي لا يستغنى عنها في تهيئة العقول وفلاح البصائر وصلاح الضمائر لما تفيد من زيادة القوة في القدر المحتاج إليه. بيد أن الطائفة الثالثة من الدهماء الرعاع الذين ينساقون مع كل داع ويستجيبون لكل مناد،يحسبونها من عوارض الأمراض ونزلات الأسقام التي تحل بالأمم ويحتجون بأنها من الأمور المذمومة المعطلة للعقول المحيرة المذهبة للاعتدال والمعرضة للاعتلال والمهلكة للأنفس وذلك لعسر العبارة فيها وغموض الدلالات وتشبعها بالالتباس ولكثرة ما تبطنه وقلة ما تظهره. لهذه الاعتبارات اتفق الجميع على إدانتها وتشكل رأي عام مشترك ضد تواجدها في الفضاء العمومي نازعا منه إمكانية الشيوع ومعترضا على إقامتها ضمن الوضع البشري وقد تم الإبقاء لها على حق التعشيش في التخوم والتحليق في الأعالي والتوطين في القمم أو السراديب والكهوف المظلمة أين تختبئ مثلما تدفن الذخائر النفيسة وآيتهم في ذلك أن الفلسفة من المتممات والكماليات وليست من الأصول والضروريات التي تدبر حياة الإنسان وتجعل حال الناس مستقيمة. على هذا النحو وصفت الفلسفة بأنها مغرس الفواحش ومنبت الأعمال المحظورة تزين الخطأ وتهادن العيوب وتنصر الظالم على المظلوم وتكثر اللخط والمجادلة في ما هو مظنون فتكون مصدر بدع وتشويش لعقيدة الجمهور وتقوم على التهويل حينا والتنقيص والاستصغار آخر. إذا شخصنا حال الفلسفة اليوم وأمعنا النظر في منزلتها في المجتمع بالمقارنة مع بقية العلوم والمعارف فإننا نلاحظ استقالة الفلاسفة وتحولهم إلى حراس أنظمة لكونهم يعيشون في حالة غياب فظيعة عن الواقع يمسكون عن إبداء الرأي ويهربون من مواجهة المسائل المستعصية ويتخاذلون عن اتخاذ أي موقف من مشاكل مجتمعاتهم بل يخونون الوعود التي قطعوها على أنفسهم في الالتزام والدفاع على الحرية. فماهي أسباب الاعتراض على تعليم الفلسفة ؟ 1-إن منشأ الالتباس وسوء الفهم للفلسفة متأتي من تحريف صاحب الظن لمقاصدها و تحويل أغراضها المحمودة إلى أغراض منفرة و جعل الأصول فروعا والفروع أصولا. 2-الظن بأن الفلسفة علم لا ينفع وجهل لا يضر وجودها مثل غيابها وحضورها مشابه لعدمها وإن وجدت لا تحقق الإضافة وإن انعدمت لا يؤثر تلاشيها في تماسك نظام الأشياء وتراتب الأفكار، فإذا كان ثمة من العلم جهلا ما ومن القول عيا ما فان الإنسان العامي يؤثر قليل من التوفيق خير من كثير من العلم . 3-زعم ضعاف النظر ورهيفو القلوب أن الفلسفة بعيدة المنال وعويصة المطلب لأنها عميقة ومجردة لا ترتقي إليها الفطر والأذهان إلا بعد مكابدة ومجاهدة, فالفيلسوف عملة نادرة تجود بها علينا الطبيعة لماما, كما أن التفلسف تدرب على الموت واستعداد له وتجربة قاسية ليس في استطاعة البشر العاديين ممارسته خصوصا وأن التفكير يشقي البشر أكثر مما يشقيهم أي شيء آخر. 4-الفلسفة ناتجة عن الصلف البشري وعناده وتعطشه نحو المطلق وفضوله و رغبته في إدراك الكلي وبلوغ الفكرة الشاملة والنظرة الموسوعية وكل هذه المقاصد هي مستغلقات إن تشبث بها الذهن البشري تاه في بيداء الوهم وكانت مصدرا مؤكدا للريبة والنزاع. 5-الاعتقاد بأن الفلسفة تسبب الضرر لصاحبها ولمتعلمها, تؤدي إلى التفرقة وتكثر اللجج بالرأي والاشتغال بالجدل, تجبر الإنسان على مغادرة المألوف وتجاوز السائد وتسقطه في ألم الغربة والوحشة. -6 الفلسفة علم قليله محمود وكثيره مذموم, ضرره يغلب نفعه, تجعل المهتم بها مشغولا تائها ولهانا بالحكمة منشغلا عن نفسه, متفرغا للوجود مع غيره فارغا من الوجود مع ذاته, يشتغل بإصلاح طريقة تفلسفه وترتيب نظام حياة الآخرين قبل اشتغاله بإصلاح نفسه وتدبير أمور حياته.على هذا النحو يذهب التفلسف الصحة والاعتدال ويورث السقم والاعتلال ويذبل العافية والجمال ويأتي بالذهول والداء العضال لأن الفيلسوف يعلم دقيق المعارف قبل عامها وخفيها قبل جليها ويصرف العمر عما هو أفضل ويهتم بتافهات الحياة ظانا أنها اللب والصميم ويهدر الجهد فيما هو أرذل معتقدا أنه اللدني والأشرف. تلك هي بعض الشوائب والأحكام المسبقة التي ترسخت عند العامة عن الفلسفة فحجبت روحها المتقدة وديناميكيتها المتجددة وجعلتها موجهة إلى غير مقاصدها ومقامة في غير محلها ومستخدمة في غير أصلها وهو يقتضي نوعا من التدبر والمعالجة لغرض تحطيم هذه الآراء وتنقية هذه الأدران بغية فك القول الفلسفي من عقاله والتشريع لإمكانية تدريسه بإعطائها تعلمية ناجحة خصوصا وأن كل إنسان فيلسوف والسؤال من هو الإنسان؟ هو السؤال الأول والأساسي في الفلسفة وبالتالي ينبغي تبديد الرأي الشائع بأن الفلسفة مسألة غريبة وشاقة لكونها نشاط متميز يتعاطاه فئة من الاختصاصيين و المنهجيين والمحترفين وإقرار أن كل البشر فلاسفة ولو على نحو غير واع وكل بطريقة خاصة وذلك لوجود فلسفة عفوية يمارسها الجميع كامنة في مجمل نظام المعتقدات وأنماط السلوك توجد في الأمثال العامية والحكمة الشعبية. فكيف تكون الفلسفة المتعلمة قنية ناجعة للتربية ؟ اعلم أن فلسفة التعلم أو تعلمية الفلسفة هي أعظم الصناعات وأشرف الفنون ولابد من الحث على ذلك والإكثار من حصص الدروس ورفع ضاربها بالمقارنة مع المواد الأخرى والترغيب في مطالعة الكتب الفلسفية بتنظيم المسابقات وإعطاء الجوائز للتلاميذ والطلاب لأن جميع الأمور موقوفة عليها بينما هي موقوفة على ذاتها ولا تحتاج لأي أمر خارجي وما هو مطلوبنا من تعليم الفلسفة ليس مجرد النظر ولا التأمل والتفكير بل حيازة جميع الهيئات واكتساب كل الملكات مع تهذيب النفوس وتطهير الأعراق وتنقية العقول. غني عن البيان أن شرف الفلسفة مدرك بضرورة العقل والعقل سراج منير لظلمات الحواس ومتشابهات وغوامض النصوص وكلما كانت معرفتنا بالعقل أتم كانت معرفتنا بالفلسفة وبتعليمها أتم ولعله من نافلة القول أن نكون الفلسفة حب الحكمة و أن يسمى المشتغل بها حكيما فالحكمة لا تؤتى إلا لمن شمر في طلبها وبذل الجهد للسعي نحوها ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا لأن الحكماء ورثة الأنبياء والأنبياء قدوة الحكماء ومثالهم الذي يحتذي, زد على ذلك أن الحكمة تزيد تعلمها الشريف شرفا وترفع المملوك حتى يدرك مدارك الملوك وأن الفلسفة لا تقل فضيلتها عن فضيلة وإيثارها واقتنائها خصوصا وأن كمالها في نفس المؤثر المحب هو غاية لا تدرك إلا بالزيادة في الفضل وبالتشارك في البذل والعطاء بين الراغب والزاهد. إن كانت الفلسفة من الدرر اللماعة والحقائق الفاخرة والفكر المضخمة والجواهر النفيسة وكان الجوهر النفيس منقسما بطبعه إلى ثلاث ضروب ما يطلب لغيره وما يطلب لذاته وما يطلب للاثنين معا وكان ما يطلب للاثنين أرفع شأنا من ما يطلب لغيره ومن ما يطلب لذاته فانه من البديهي أن تكون الفلسفة من الصناعات التي تطلب لذاتها ولغيرها من الغايات النبيلة الأخرى في الآن نفسه بحيث لا يتناقض فيها النظر مع العمل و المعرفة مع المنفعة و المتعة مع السعادة و التواضع مع الرئاسة والشهرة مع المجد. التفلسف هو تدرب على الحياة وتعلم التواجد على نحو أفضل في العالم حتى تستطيع التربية أن تستهل التطلع العربي للتطور والتنمية يجب أن تحدد معالم الفلسفة التربوية التي تترجم أهداف هذا الاتجاه , كما أنه يلزمها أن تعكس الواقع العربي المعاش وأن تعمل على توفير التواجد والدوام بالنسبة للإنسان العربي وتطلعه للمستقبل وتغلبه على التحديات. لكن ما ينبغي أن نضعه نصب أعيننا أكثر من أي وقت مضى هو أن هذه الأمة قد أبدعت علمها الخاص بنفسها وطريقتها الخاصة في تعليم نفسها وأن أي تجديد في تعليم الفلسفة ينبغي أن يستلهم جهود الأسلاف ويوظف ما تركوه من تعاليم وآداب في هذا الشأن وأي نسيان لجهودهم هو بمثابة عويل في الصحراء. كما أن نمط المقاومة الوحيد للإنسان العربي المسلم هو الخروج من القصور الذي أذنبه في حق نفسه وذلك عن طريق تعلم التفلسف وتدبر وجوده في العالم من جهة اعتباره ونظره وتفكره. إن قصدنا في هذا البحث هو معرفة الجهة التي ينبغي أن تكون عليها فلسفة التربية عندنا وذلك بالإجابة على هذين السؤالين:ما معنى أن نتفلسف في أفق ملة فقدت حرارة إبداع علمها الخاص بنفسها؟ كيف يمكن للفلسفة أن تعلم الجيل الذي هو نحن طريقته الخاصة في تعليم نفسه أي أسلوبها الخاص في تثقيف ملته أولا وتربية النوع البشري في مرحلة ثانية؟ تكمن حاجتنا الملحة لتخطيط فلسفة تربوية ناجعة لما يتصف به حالنا من تبعثر وفوضى وعودة للمكبوت وبروز الطائفية وتفشي الأزمات وتكاثر رؤى العالم وطرق الحياة وتردي فلسفاتها وتعارض هذه الطرق فيما بينها وتعصب بعض المجتمعات لها ومحاولة الدفاع عنها حتى باستخدام أفتك وسائل التدمير ومحاولة كل أمة اجتذاب غيرها نحو فلسفتها بوسائل نقل الأفكار كالدعاية وعن طريق الإكراه والإرهاب. لقد أدى غياب فلسفة عربية للتربية إلى تخلف مقومات البحث والنظر إلى اعتناق فكر تربوي وافد فرض علينا مفاهيمه ومناهجه وخلق فينا بلبلة وشكك في قيمنا الإنسانية وفي قابليتنا للتقدم والصمود في وجه الكوارث والمحن والتحديات والقدرة على تمثل الحضارة العلمية والتقنية. الفلسفة العربية للتربية ليست سوى المسار السليم لتحقيق أهداف العرب في التطور والنهوض وتعبر في جملتها عن موقف سياسي منحاز بطبيعته لأغلبية الناس له برنامج للعمل الاجتماعي يسعى لتحقيق التعاون بين الداخل والتواصل مع الخارج. وبذلك تعكس هذه الفلسفة معتقدات العصر وأنواع الصراع القائم فيه كما تؤكد على الهوية العربية وطموحات الطبقات الناشئة في الإصلاح والتغيير وآمالها في بناء مؤسسات مدنية مستقلة وفي تطوير الواقع وتثويره لتحرير الإنسان من كافة أشكال التبعية والتسلط الواقعة عليه. إن الفلسفة العربية للتربية هي تلك الرؤية الفكرية والنظرة الشاملة إلى مجموعة من الأهداف والمبادئ التي تتعمق في دراسة طبيعة الفرد وطبيعة المجتمع والعلاقة الجدلية بينهما كما تدرس طبيعة المعرفة وطبيعة القيم وتسعى للإجابة عن التساؤلات التالية : لماذا نربي؟ وبماذا ؟ كيف نربي؟ من أجل ماذا؟ ماهي الأسس الفلسفية التي يجب أن تستند إليها؟ * الإيمان العميق بالإنسان و بقدرته على تغيير العالم وتعمير الكون . * النظر إلي المعرفة على أنها عملية بحث مستمر وليست عملية تلقين للحقيقة المطلقة لأنه لا يوجد جهل مطلق أو علم مطلق وإنما المرء في منطقة وسطى بينهما. * النظر إلى العالم على أنه عملية متجددة متغيرة وليس وضعا ثابتا فيزيقيا واجتماعيا. * الوعي والنظرة الناقدة مفتاح الطريق إلى التعليم من أجل فهم العالم وتغييره وهو الذي يشكل جوهر الفرد. * التعليم ليس إجادة حرفة أو حذق مهارة وهو بعيد عن كونه عملا اجتماعيا بل هو عملية تحرير ثقافي لطاقات المرء الكامنة. * الحوار العقلاني التواصلي وليس الإكراه هو المفتاح الذي تقوم عليه العملية التربوية بأسرها. هنا نطرح الأسئلة التالية: كيف يمكن تحقيق كل هذه الأفكار عن الإنسان والمعرفة والعالم ؟ وكيف يمكن أن تكون التربية وسيلة للتحرر الاجتماعي والثقافي والسياسي ؟ ماهي الشروط الواجب توفرها لوجود فلسفة عربية للتربية؟ – أولا: يجب أن تكون نابعة من واقع المجتمعات العربية ومن مخزون التراث الفلسفي العربي الإسلامي ولا ينبغي أن تكون قائمة على تجميع عناصر متباينة من فلسفات متضاربة. – ثانيا: أن تهدف إلي بناء مشروع حضاري كوني يراعى الخصوصيات ويعمل على صقل المواهب ونحت الشخصيات وذلك بخلق حداثة دينية مع إعادة تأصيل الأصول. – ثالثا: لابد أن تنفتح على الفكر التربوي العالمي والاستفادة من طرق الحضارات الأخرى في تعليم نفسها دون الوقوع في التبعية الثقافية أو التقليد الأعمى. – رابعا: أن تعمل الفلسفة العربية للتربية على تأكيد الذاتية الحضارية العربية المسلمة دون الوقوع في التعصب العنصري والتمركز حول الذات وأن تكون أداة فعالة لمقاومة التحديات المعقدة التي تواجهها هذه الحضارة. القضايا التي يجب أن تتصدى لها الفلسفة العربية للتربية هي أولا القضايا التربوية التقليدية مثل الخبرة – الطبيعة الإنسانية- الفطرة – المعرفة – طرق وأساليب التدريس – البرامج – التعلميات – ثم تهتم بالقضايا والمشكلات الأشد خطورة مثل التبعية – القهر – الجهل – الفقر- الأمية- المرض – الحرب. أما الحلول التي تقترحها فهي استقلالية العقل العربي في التفكير – زرع نبتة الحرية في التربة العربية والعمل على إنباتها والاعتناء بها – القيام بثورة ثقافية ترسخ قيم التنوير والحداثة – تقسيم الثروة بشكل متساو والتشجيع على الاغتناء الروحي والكبرياء وعزة النفس والمقاومة والممانعة والاستثبات. كل هذه الوصفات السحرية لن تكون فاعلة إلا إذا تفلسف العرب في فن التربية وتجاوزوا الغربة التي تعاني منها الفلسفة في الفضاء العمومي, هذه الغربة ليست ناتجة عن موقف الفقهاء من الفلاسفة فحسب بل هي بنت المنزلة والموقف اللذين اختارهما الفلاسفة. أما الأهداف التي يجب أن تتضمنها الفلسفة العربية للتربية فهي تتمثل في الاهتمام بمعالم الكيان العربي المسلم وضمان نموه وتطوره وتعمل على بلورة معالم الثقافة العربية وتجديدها.كما يقع على كاهلها الاعتناء بتنمية العلاقات الإنسانية بين أعضاء المجتمع العربي والانطلاق من نظرة شمولية تستوعب أبعاد الصحوة العربية وتترك الأبواب مفتوحة أمام الذهن والإرادة لتحقيق الوحدة. علاوة على ذلك حري بها أن تنشئ منطقا فلسفيا قادرا على أساس التحليل والنقد لامتحان الواقع المعيش وانتزاع المعنى من اليومي التافه يتقاطع مع العقلانية النقدية المعاصرة التي تراوح بين التفكيك والتأويل. ينبغي على فلسفة التربية في حضارة اقرأ أن تهتم بالكليات العملية الكبرى مثل الحق والحرية والديمقراطية وتعمل على تجسيدها على أرض الواقع الحضاري وأن تقيم البرامج على أساس الفكر الناقد الخلاق والمبدع ذلك الذي يؤكد قدرة الإنسان على الاعتبار والتعلم ومتابعة تربية نفسه ويشرع لتعليم تكاملي يقع من خلاله إعداد المرء في نفس المبحث من عدة زوايا وحقول مختلفة وذلك بطريقة تنسيبية. من هذا المنطلق يبدو التعليم والتثقيف والتنشئة آليات مكونة لكل اجتماع والتعليم لا يمكن حصره في إعادة إنتاج النظام السائد وفي استهلاك وترسيخ القيم والأنماط المتداولة بل اختيار حضاري يستدعي تصورا معينا للناس ونمطا محددا للعلاقات بين البشر وممارسة متميزة للتربية تعيد تشكيل سلوكيات الأفراد. اللافت للنظر أن التعليم استثمار علمي وبشري هائل والثورة التقنية الراهنة غيرت كثيرا من الأسس والمناهج التي يرتكز عليها فهو لم يعد يقوم على عقلية الاستنساخ بل صار يحقق مطلب الفاعلية الحضارية. لذلك ينبغي التفكير في إستراتيجية عربية للتربية والتعليم تستند إلى ثلاث عناصر وهي التخطيط والدقة والضبط والشمولية. والكتاب المدرسي ليس مجرد ماعون من مواعين المعرفة أو أداة إيديولوجيا وقياس بل جملة من النصوص اللغوية التي تتضمن جملة من القضايا والأفكار التي توفر أرضية ملائمة لزرع الذكاء وصناعة الثقافة. خاتمة: » إذا وضعتم مشاريع سنوية فازرعوا القمح، وإذا كانت مشاريعكم لعقد من الزمان فاغرسوا الأشجار، أما إذا كانت مشاريعكم للحياة بكاملها فما عليكم إلا أن تثقفوا وتعلموا وتنشئوا الإنسان. » قول مأثور في نهاية المطاف حري بنا أن نعمل على ضبط الطريقة التعلمية بشكل لا يكون الأستاذ هو المصدر الوحيد للمعرفة والمتعلم في وضعية المتلقي المستهلك والبرنامج معدا بشكل مسبق وقد أكل عليه الدهر وشرب بل ينبغي المحافظة على حرية التفكير لدى الأستاذ أثناء بناء الدرس ولدى التلميذ وضرورة احترام القاعدة البيداغوجية الذائعة الصيت التي ترى أنه لا توجد فلسفة نتعلمها فكل ما نتعلم هو التفلسف وينبغي كذلك أن نحترم أمهات الكتب الفلسفية وألا نعتدي على النصوص الفلسفية الأصلية فشجرة الفلسفة عند أفلاطون وأرسطو والفارابي وابن رشد مازالت لم تذبل أوراقها بعد وفتوحات كانط واسبينوزا وبرجسن ودولوز بقيت تثير فينا العجب العجاب، فلماذا هذا الاستعجال على قبرها! تعلم التفلسف لا يعني فحسب أننا نتعلم كيف نستعمل المفاهيم استعمالا تقنيا بل أننا نتعلم بواسطة هذه المفاهيم كيف نفكر فعليا في المشكل الذي طرحناه على أنفسنا والذي يمت بصلة إلى التجربة الإنسانية. إن التعليم التفكري التكاملي المطلوب هو وسط بين رذيلتين التمجيد الغوغائي والتقليد الببغائي للثقافة الوافدة وللفلسفة الغربية المتمركزة على ذاتها. الفلسفة التي نريد غدا في حضارة اقرأ تراوح بين النقد والإجراء وبين التسويغ والتشريع وبين السرد والتاريخ وبين التفكيك والتأويل فهي غير بعيدة عن الفرد وملتصقة بالأرض باحثة عن سماء المطلق في النفس وعائدة للجسد كبؤرة مقاومة، تروض الشعرية من أجل تخطي القول المنطقي البرهاني الاقصائي وتفتح ذراع العقلانية العلمية على الممكن والاحتمالي والطارئ والنسبي،تجعل من الآداب اتيقا للوضع الإنساني وتبني الفلسفة أولى ايكولوجيا من خلال تحمل مبدأ مسؤولية الحياة في المعمورة. إن تعلم الفلسفة هو التدرب على السؤل والتسآل والسؤال والمساءلة لأن « السؤال عن المشكلات عرض مرض القلب إلى الطبيب والجواب له سعي لإصلاح مرضه. واعلم أن الجاهلين مرضى قلوبهم والعلماء الأطباء والعالم الناقص لا يحسن المعالجة والعالم الكامل لا يعالج كل مريض بل يعالج من يرجو فيه قبول المعالجة والصلاح. »[11] هذا ما قاله الغزالي عن السؤال بماهو جوهر تعليم الفلسفة وعن العلم بماهو شفاء من الجهل،فماذا ستقول الناشئة العربية الأبية حول جدارة الفلسفة في التعلم وأهليتها في قيادتها لصنع الحضارة وتعليم شعوب العالم مكارم الأخلاق وأصول التمدن الآتي؟ المراجع: ابن خلدون المقدمة تحقيق سعيد محمود عقيل دار الجيل الطبعة الأولى 2005 ابن سينا رسالة في أحوال النفس تحقيق أحمد فؤاد الأهواني الناشر عيسى البابي الحلبي طبعة1925 أبو حامد الغزالي مجموعة رسائل دار الفكر طبعة بيروت لبنان 2000 الماوردي أبو حسن علي أدب الدنيا والدنيا المكتبة العالمية القاهرة دون تاريخ جزء واحد علال الفاسي النقد الذاتي الدار البيضاء المغرب الطبعة الرابعة حميد بن عزيزة مقال ممكنات التفلسف اليوم المجلة التونسية للدراسات الفلسفية عدد32/33 محمد الطاهر بن عاشور أليس الصبح بقريب الشركة التونسية للتوزيع دون تاريخ ابن خلدون المقدمة تحقيق سعيد محمود عقيل دار الجيل الطبعة الأولى 2005 ص408 [1] حميد بن عزيزة مقال ممكنات التفلسف اليوم المجلة التونسية للدراسات الفلسفية عدد32/33 ص7 [2] [3] علال الفاسي النقد الذاتي الدار البيضاء المغرب الطبعة الرابعة ص343 [4] ابن خلدون المقدمة تحقيق سعيد محمود عقيل دار الجيل الطبعة الأولى 2005 ص 455 [5] ابن خلدون المقدمة تحقيق سعيد محمود عقيل دار الجيل الطبعة الأولى 2005 ص 449 [6] الماوردي أبو حسن علي أدب الدنيا والدنيا المكتبة العالمية القاهرة دون تاريخ جزء واحد [7] ابن خلدون المقدمة تحقيق سعيد محمود عقيل دار الجيل الطبعة الأولى 2005 [8] ابن خلدون المقدمة تحقيق سعيد محمود عقيل دار الجيل الطبعة الأولى 2005 [9] ابن سينا رسالة في أحوال النفس تحقيق أحمد فؤاد الأهواني الناشر عيسى البابي الحلبي طبعة 1925 [10] محمد الطاهر بن عاشور أليس الصبح بقريب الشركة التونسية للتوزيع دون تاريخ ص 229 [11] الغزالي مجموعة رسائل دار الفكر طبعة بيروت لبنان 2000 ص274
الممرضات والعقيد
الياس خوري
يصلح هذا العنوان لرواية خيالية، فالعقيد تفوّق على جميع نظرائه من الحكّام العرب، في القدرة على تجاوز الخيال. من محاولاته الفلسفية في « الكتاب الأخضر »، الى مجموعته القصصية، الى جنوحه الافريقي، فإلى خيمته وابله والى آخره…
الرجل الذي يحكم ليبيا منذ اعوام لا تحصى، لا يملّ من العروض الممسرحة. فهو لا يستطيع اخلاء المشهد، كأنه اصيب بإدمان على السلطة والشهرة، وصار اسير صورته التي لا يرى سواها. مشكلته ان خريفه ليس بطريركيا، على الطريقة الماركيزية. فقد انحدر العقيد من الواقعية السحرية التي تلفّع بها في كتابه الأخضر، الى مستوى القصص البوليسية الرديئة التي يعرف القارئ نهايتها منذ السطر الأول. انفضّ عنه سيل المثقفين العرب الذين دبّجوا المدائح لمحاولته الفلسفية التافهة، ولم يستطع ان ينجح في التحول من فيلسوف الى كاتب قصصي، فذهبت مجموعته القصصية هباء، وخاف من مصير زميله الروائي صدام حسين، فتوقف عن الكتابة، وارتضى الخنوع، وقام ببهدلة كل شيء في بلاده، وانتهت به الحال الى شرشحة القضاء في مسألة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني.
لا نستطيع ان نسأل العقيد من عقّده على بلاده، فهو ابن اللعبة الانقلابية، التي تحولت بعد غياب جمال عبد الناصر الى مرض العرب الأول، لكن يحق لنا ان نسأل المثقفين والمثقفات العرب، الذين كانت تمتلئ بهم اروقة المؤتمرات في طرابلس الغرب، ماذا حل بثقافتهم، وكيف لا يخجلون من مواصلة بيع البضاعة نفسها؟
بعد فضيحة لوكربي، جاءت فضيحة الممرضات. في لوكربي بيّض النظام الليبي سمعته بالأموال التي دفعت الى اهل الضحايا، اما في قضية الممرضات فقام ببيع كرامته، واثبت للعالم ان النظام القضائي العربي لا علاقة له بالقضاء. فإذا كان الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات ارتكبوا جريمة الايدز في حق اربعمئة طفل ليبي فإن العفو عنهم اهانة للضحايا، اما اذا كانوا ابرياء، وهذا ما رجّحه الجميع، فإن الفيلم القضائي الطويل كان محاولة للتغطية على الفساد في النظام الطبي الليبي. وفي الحالين، فإن الطائرة الرئاسية الفرنسية التي اقلّت الممرضات الى الحرية، اكبر ادانة توجَّه الى القضاء في بلاد العرب.
صحيح ان تعويضات دفعت، لكن ما لا يعلمه العقيد واصدقاؤه في الخليج ان المال لا يردّ كرامة، وهو ليس تعويضا عن حياة. وان هناك مسؤولية قانونية وجزائية في قضية الاطفال تمت لفلفتها بالمال النفطي، وان توحيش العالم العربي واخراجه من التاريخ والجغرافيا بلغا مرحلة متقدمة.
يقدّم القذافي صورة كاريكاتورية عن النظام العربي برمته. قضية الممرضات البلغاريات لا تختلف كثيرا عن الاخراج السوريالي الذي قامت به سلطة « حماس » في غزة من اجل اطلاق سراح الصحافي البريطاني الان جونستون الذي احتجزه « جيش الاسلام » في غزة مئة وثلاثة عشر يوما. اذ جرى الاحتكام الى الشيخ سليمان الداية الذي افتى بوجوب اطلاق الصحافي البريطاني! هل كانت « حماس » في حاجة الى الفتوى؟ لماذا انتظر المفتي كل هذه المدة؟ وما علاقة المفتي المذكور بوزير الخارجية السوري الذي اعلم البريطانيين بإطلاق سراح الصحافي؟
ثم تأتي حكاية المناضل السوري احمد المير الذي يُستجوَب ويُحاكَم في سوريا بتهمة الاتصال بالنائب الياس عطالله من اجل التعزية بالشهيد جورج حاوي!
هذا من دون ان ننسى حالات الطوارئ المزمنة، وجماعات الأمر بالمعروف، وامتهان فكرة العدالة في عالم عربي يعوم على النفط.
عدالة العقداء والجنرالات القاتلة، لا تختلف كثيرا عن العدالة الاميركية التي حولت سجن ابو غريب العراقي الى بورنوغرافيا دموية، قبل ان يتخذ اعدام صدام حسين شكل انتقام طائفي بغيض لا علاقة له بفكرة العدالة.
المسار توحيشي، والهدف تحويل المنطقة العربية رجل اميركا المريض في العالم، كي تصطفل به الآلة القمعية الاسرائيلية.
لم يكتف النظام الليبي بإدانة نفسه، بل ادان النظام العربي بأسره، واظهر كيف تكون النهايات مزيجا من التراجيديا والتهريج.
الجنرال العربي لا يملك السلطة إلا لأنه مهرّج. وتهريجه دموي في غالب الأحيان، وهو لا يُضحك العالم، لكنه يعطي القرار الاميركي بتهميش العرب كل مبرراته.
رواية بلا مؤلف. لقد قتل الديكتاتور المؤلف، وها هو يجلس اليوم على حافة شيخوخته وشيخوخة نظامه وحوله مقالات المدح وقصائد التزلف، لكنه سئم كل شيء، ولم يسأم السلطة.
لا يحيّرني العقيد او الجنرال، لكن يحيّرني من لا يزال يعتقد ان عقيدا او جنرالا مهووسا بالسلطة يستطيع ان يشكل علامة امل واحدة. واكثر ما يحيّرني هو المثقف الذي يخدع نفسه، ويصفق للديكتاتور او الاصولي او وحش السلطة، معتقدا ان هذا النوع من القادة يستطيع مواجهة عدو او بناء استقلال بلد.
اعتقد القذافي يوما انه صاحب النظرية الثالثة، وصدّق نفسه، وانتشى بالتصفيق. بعده جاء طوني بلير بنظريته عن الطريق الثالث. الأول لا يرى سوى مراياه، لذا صدّق كذبته، والثاني آتٍ من تراث ديموقراطي منعه من تصديق كذبته. لا يزال الاول يعتقد نفسه مخلّصا لأمته، حتى وهو يعفّر جبينه بالتراب امام الدول العظمى، اما الثاني فاكتشف ان الصحافة البريطانية كانت على حق عندما اطلقت عليه لقب كلب بوش الاليف، فقرر ان يتابع مهنته الجديدة الى النهاية.
غناء كأنه عواء، وعواء يدعو الى السلام!
وفي الحالين لا نملك سوى ان نردد مع الشاعر:
« اذا رأيت الكلب في ايام دولته
فاصنع لرجليك اطواقا من الزردِ
واعلم بأن عليك العار تلبسه
من عضة الكلب لا من عضة الأسدِ ».
(المصدر: الملحق الثقافي لصحيفة « النهار » (يومية – لبنان) الصادرة يوم 28 جويلية 2007)
اللقاء الأميركي – الإيراني الثاني: العراقيون آخر من يعلم!
سّيار الجميل هل يعقل ان يغدو العراق هزيلاً الى درجة لا يستطيع حكامه الجدد ان يحددوا مصالح بلادهم؟ هل يعقل ان يرسم كل من الأميركيين والإيرانيين مصير العراق؟ أليس من الديبلوماسية واحترام إرادة شعب العراق ان يقول العراقيون كلمتهم الى الطرفين اللذين يجتمعان في عاصمتهم؟ أليس من باب اللياقة التاريخية ان تتّم دعوة العراقيين للمشاركة في تحديد مصير بلادهم؟ بل وان الطرفين يجلسان على ارض عراقية للمرة الأولى في التاريخ؟ كيف يمكن للعراقيين خاصة والعالم عموماً الموافقة على هكذا تجاوزات تاريخية؟ بل وكيف يسمح العراقيون ان يكونوا ضيوفاً في بلدهم والغرباء يتلاعبون بمصيره؟ فليقرأ التاريخ بطوله وعرضه ليفقهوا معاني هذا «التهميش» وهذه الضآلة التي لم يعشها من قبل أياً من حكام العراق، واذا كان جوابهم من اجل إيجاد أي حلول لمشاكل العراق، فان المستقبل سيكون صعباً اذا ما رسمه غير أهله… وانها وصمة عار لمن سيعمل لما يقرره المجتمعون من الاميركيين والايرانيين على تراب العراق! سيجتمع الاميركيون والايرانيون ثانية، ليس من اجل العراق، بل من اجل ان يمرر كل طرف مصالحه على حساب الطرف الآخر… واذا كان العراقيون لا يعرفون ماذا دار في اللقاء الاول… فكيف سيعرفون ما سيدور في لقاءات اخرى؟؟ علّق السفير الاميركي في العراق كروكر على الاجتماع الاول بالتشديد أن تقترن الاقوال بالافعال! وهل اقترنت الاقوال بالافعال في سياسات الطرفين؟؟ ان أي عراقي لا يمكنه ان يطمئن الى نيات إيران عندما تساوم الأميركيين على مصالحها في العراق، وكأن العراق لم يجاورها منذ آلاف السنين؟ وكأنه سوف لن يجاورها الى الأبد! ما نفع ان تعلن صباحاً ومساءً احترامها للسيادة العراقية وان تتشدقّ بدعم الحكومة العراقية وانها ستمنع الاعمال الإرهابية وتوقف التسلل عبر الحدود المشتركة… وهي لا تحترم الإرادة العراقية ولا تتوقف عن التدخل في الشأن العراقي؟ ما نفع شعاراتها كلها وهي تتصّرف على عكس ما تعلن؟ ماذا لو رفعت يدها عن الشأن الداخلي العراقي ويرفع غيرها يده أيضاً؟ ان فعلت ذلك فسوف تمّكن العراقيين من درء مخاطر التدخلات الأخرى في الشأن العراقي وخصوصاً خلايا «القاعدة» التي يدرك العالم من الذي زرعها في قلب العراق، كما ستوفر إمكانية تعامل العراقيين بعضهم مع البعض الآخر. لقد كان جعل العراق أداة مساومة لمصالح أميركية او مصالح المجتمع الدولي ضد إيران ومشروعاتها أسوأ ما يمكن تصوّره ليمسي العراق كومة حجارة وكتلة من نار من دون التفكير بمصير شعب كامل وهو ينتقل من كارثة الى أخرى! ولقد كان جعل العراق مخزناً هائلاً لبترول العالم كله على مدى مئة سنة وحقنه بالبارود والألغام من كل جانب اسوأ كارثة يمكن ان تجعل العراق ساحة صراع دولي واقليمي لعدد قادم من السنين! أمسى العراق بلداً هزيلاً ضعيفاً هشاً لا يقوى على الحياة من خلال عملية سياسية تعج بالتناقضات والأخطاء، ويدرك الجميع ان العراقيين يقبلون بأي حلول على ان لا تكون بعيدة عن انظارهم اولاً او ان تكون ثمناً لمصالح الآخرين. ان ايران لاعب اساسي في العراق، وتلعب بالمنطقة العابها بذكاء ومغامرة تصل الى حد الجنون… نجحت في العبث بالعراق، ولكنها ستبقى مهزوزة العلاقات مع الجميع، وخصوصاً مع العراقيين الذين حاربوها لمدة ثماني سنوات عجاف بعد ان أخذت نصف شط العرب ظلماً وعدواناً… العراقيون لا يعرفون الآن مصير مئات الطائرات العسكرية والمدنية التي كان من غباء النظام السابق أن خبأها لدى إيران. ان خلط الاوراق التاريخية بالأوراق السياسية وبمثل هذه الصورة سيحجب عن العراقيين الصورة الكاملة، ولكن التاريخ سيقول كل شي… والجغرافية ستقول كل شيء!
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)
وفي أوروبا مسلمون أصليون أيضا ستمئة عام من الإسلام في البوسنة
تحيي جمهورية البوسنة والهرسك مرور ستمئة عام على دخول الإسلام إليها حسب التقويم الهجري, في قارة مهووسة بالهجرة القادمة في معظمها من الشرق, وكأنها تبعث برسالة مفادها أن هناك أيضا في القارة مسلمون من أصول أوروبية. وينطلق في الملعب الأولمبي في سراييفو حفل يدوم أربع ساعات للموسيقى الروحية يحضره نحو خمسين ألف شخص, يستمعون إلى 350 فنانا من البوسنة والهرسك ومصر وباكستان والسعودية وتركيا, يفتتحه مفتي البوسنة مصطفى تسيريتش. العام 1463 وسيطر الأتراك على أغلبية مناطق البوسنة عام 1463, ووجدوا بلدا منقسما على نفسه بين كنيسة كاثوليكية رومانية وكنيسة أرثوذكسية وكنيسة محلية بوسنية, ليبدأ انتشاره على مدى أربعة قرون, ويعتنقه الآن نصف سكان البوسنة تقريبا البالغ عددهم 4.4 ملايين. تسيريتش: أول حروب القرن الماضي بأوروبا بدأت بالبوسنة وبها كانت آخرها (الفرنسية-أرشيف) ويقول تسيريتش »باحتفالنا بستمئة سنة من الإسلام هنا نريد أن نجعل الإسلام شيئا طبيعيا في أوروبا », وقد أثبت مسلمو البوسنة ذلك حسب قوله. ويضيف تسيريتش »أوروبا مهووسة بالمهاجرين المسلمين القادمين من الشرق », وبهذا المعنى فإن الاحتفالات تذكير بأن في أوروبا أيضا مسلمون أصليون ». منظمة أوروبية ويحاول مسلمو البوسنة إيجاد منظمة ينضوي تحت لوائها ملايين المسلمين في أوروبا تشرف على ما يدرس في المدارس الإسلامية والمساجد. ولا يكتفي تسيريتش بتوجيه اللوم إلى أوروبا, لكن أيضا إلى المهاجرين من المسلمين, فـ »أوروبا لم تقبل بعد المسلمين بالشكل الذي يستحقونه, لكن وللأسف فإن المسلمين لم يتحملوا مسؤولياتهم في أوروبا ». ويضيف أن « المسلمين لا يملكون خيارا آخر إلا أن يجتهدوا من أجل حضورهم في أوروبا, وأن يظهروا أنهم جاهزون لقبول قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية والمحاسبة وسيادة القانون وكل القيم التي هي أيضا قيم إسلامية ».
(المصدر: موقع « الجزيرة.نت » (الدوحة – قطر) بتاريخ 29 جويلية 2007 نقلا عن وكالات الأنباء)