الأحد، 24 سبتمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2316 du 24.09.2006

 archives : www.tunisnews.net


قدس برس : القيادي التونسي حمادي الجبالي – ضرب المعارضة وعلى رأسها « النهضة » ضرب للمجتمع كله العربية.نت: المعارضة التونسية تتهم السلطة بشن حملة لمنع الحجاب بالكليات لـهـا أونلاين: وزيرة بريطانية تطالب بظهور الحجاب في التليفزيون وفتيات تونس ممنوعات من ارتدائه! الموقف : القيروان: تجمع احتجاجي للتضامن مع الرابطة خميس الشماري: وإذا أتتك مذمتي من نـاقـص…. محمد الحمروني: بعد تقديم موعد المؤتمر بداية لعبة الموازين والتحالفات غسّان بن خليفة: الفيفا ترفض الإعتراف بالرئيس الجديد لجامعة كرة القدم التونسيّة علي شرطاني:في ثقافة الهدم والبناء(2)

راشد الغنوشي: شهر يجدد أمة

أم أسيل: يا رجال تونس كرمكم الله فكرموا أنفسكم !

عبدالحميد العدّاسي:لماذا الحجاب؟ فلنعد إلى التقاليد

مرسل الكسيبي: حوار تونسي بين الألغام:كيف لنا أن نطفئ هذه النيران ؟

د.أحمد القديدي : بشائر الوفاق في وطني

سلوى الشرفي: حقيقة « البابا » أم حقيقة الإسلام ؟

ابوبكر الصغير: تصريحات البابا- إنكار للعقل المسلم

جمال العرفاوي: منطقة تجارة حُـرّة مع الولايات المتحدة ؟

حيـاة السايب: أزمة الرسوم الكاريكاتوريّة محاضرة « البابا »:جهل بالآخر وريبة منه ونفي لحقه في الاختلاف

وحيد عبد المجيد: درس أميركا اللاتينية لقوى اليسار العربي

الصباح:في ندوات جمعية الدراسات الدولية: تغييرات منتظرة لخارطة المنطقة

الشروق: السيدة «روزا ليندا» (هولندية): وقفت على فضائل الاسلام فأسلمت

الحياة: ليبيا تهيب بالدول المتقدمة معالجة الهجرة غير المشروعة

الحياة: شيرين عبادي: متمسكة بالإقامة في وطني إيران ونضالي خيار شخصي والجائزة تسببت لي بمشاكل  

 


 

Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 

 


القيادي التونسي حمادي الجبالي:

ضرب المعارضة وعلى رأسها « النهضة » ضرب للمجتمع كله

 

أكد القطب الإسلامي البارز، ورئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة النهضة التونسية، ومدير تحرير صحيفة /الفجر/ الممنوعة من الصدور منذ أكثر من خمسة عشرة عاما في حوار مع « قدس برس » إنه مع كل حوار حقيقي وجاد ومثمر من أجل تغيير نهج السلطة « الأمني والقضائي »، في التعامل مع ملف « الإسلاميين »، إلى منهج « سياسي وحضاري »، حسب وصفه.

 

وقال المهندس الجبالي، الذي قضى أكثر من 15 عاما في السجون التونسية، إن احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، هو المطلب الأساسي والملحّ في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.

 

وأوضح الجبالي أن الحركة الإسلامية في تونس تؤمن بتعدد الأفكار والأحزاب والمؤسسات داخل المجتمع، مضيفا أن « هذه التعددية هي نتاج وفرع عن قيمة حريّة الإنسان، التي نناضل من أجل إرسائها وترسيخها في مجتمعنا« .

 

كما أكد الجبالي أن الحريّة قيمة محورية في المنظومة الإسلامية، معتبرا أنه كلّما شاعت الحرية في المجتمع، وتعددت فرص الاختيار الحرّ عبر انتخابات نزيهة وشفافة إلا وبرهنت المنظومة الإسلامية على تجذرها في النفوس، وشعبيتها في المجتمع، وكذلك احترامها المبدئي لقيم الحرية وحق الاختيار.

 

وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه مراسل « قدس برس » في تونس، الزميل محمد فوراتي، مع القيادي الإسلامي البارز حمادي الجبالي، في مقر إقامته بمدينة سوسة الساحلية.

 

* كيف كانت تجربة السجن. وما هي تأثيراتها على صحتك؟

 

السجن هو عبارة عن محطة تكاد تكون « ضرورية » في حياة كل مناضل أو بالأحرى لكل من أراد أن يكون ضمن الطليعة المقاومة للاستبداد، من أجل إقرار وتجسيم مشروع « الإنسان الحر« .

 

هذا المشروع الحضاري العظيم الذي بشر به الإسلام وكل الأديان السماوية، وجعلها قيمة محورية ومقتضى التكليف المناط بعهدة الإنسان، وهي الخلافة في أرض الله على أساس من الحق والعدل والمساواة.

 

أقول محطة ضرورية لأن طبيعة الصراع أو التدافع بين الحريّة والاستبداد تقتضي من حملة لواء المقاومة دفع الضريبة من حياتهم أو صحتهم أو مالهم…وتلك سنة الله في خلقه، فليس ثمة طلب دون دفع مقابل « وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ». وذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة « وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر« .

 

إذا نظرنا إلى تجربة السجن من خلال هذه الزاوية وهذا الفهم فإن تأثيراتها على صحّة وتفكير المناضل تكون كلها ايجابية بوصفه يؤدي واجبا شرعيا، « الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر »، تنصهر فيه كل طاقاته المادية والذهنية، مهما كبرت الصعاب والتضحيات، بل لا تكون هذه الأخيرة ذات بال أمام ما يشعر به المناضل من سعادة وطمأنينة وهو يكرّس حياته كلّها لإنجاز هدفه الأسمى.

 

* ما هي خصائص السجن الانفرادي كما عشتها؟ وكيف يستطيع الإنسان تحمل هذا النوع من السجن؟

 

إذا كان السجن هو أسوأ ما أنجز الإنسان على وجه البسيطة، فإن الحجز الانفرادي هو من أبشع ما ابتكر السجان داخل هذا السجن. والقصد من وراء هذا الإجراء التعسفي كما هو الشأن من سجن المناضل السياسي عامة هو تحطيم مقومات صبره وصموده، أي هزمه وإخضاعه، أو بعبارة أدقّ تحطيم إرادته لأن الحياة كلها تدور حول محور « تدافع الإرادات ». فالمقصود أو مدار النصر والهزيمة هنا ليس « ماديا »، بل هو بالدرجة الأولى معنوي نفسي. فإذا استطاع المناضل السجين استجماع عوامل الصمود والقوة من داخله بالارتفاع فوق ضعفه »، وخلق الإنسان ضعيفا »، فإن المعادلة ستنقلب رأسا على عقب ويصبح « السجين سجانا والسجان سجينا ». وهو ما لا يتسنى إلا باستشعار المناضل في كل لحظة من حياته بعدالة ونبل وسموّ قضيته ورسالته، واستلهامه من مصدر القوة.. قوة الحق.

 

* هل وقعت مبادرات للحوار معك من خلال وساطات ما؟

 

إذا كان المقصود من داخل السجن فلم يقع الحوار معي إطلاقا رغم سعيي المتكرر لإرساء حوار حقيقي وجاد ومثمر من أجل استبدال التعاطي « الأمني القضائي » مع ملف المساجين الإسلاميين بتعاطي « سياسي حضاري »، لأنه السبيل الأنجع والوحيد لمعالجة المسائل المجتمعية الشائكة.

 

* لكن تردد أن هناك مبادرات للوساطة تمت بين حركتكم والسلطة بعضها جاء من شخصيات سعودية؟

 

لقد علمت بعد خروجي من السجن بوجود مثل هذه المبادرات، وأنا أحيي وأثمّن كل مبادرة صلح « والصلح خير » وكل خطوة قطعت من أجل تخفيف الغبن والمعاناة على كل المساجين وأسرهم. ولعلي أخص بالذكر هنا ما بلغني من سعي السلطات السعودية، وعلى رأسها الملك عبد الله لإيجاد حل لهذه الأزمة ورجائي أن تثمر مثل هذه المبادرات الطيبة ويبارك فيها المولى عز وجل. كما أغتنم هذه الفرصة لأوجه تحية شكر وتقدير لكل من ساهم ويساهم في الدفاع عن الحرية بالكلمة والموقف الشجاع. فبقدر ما نحن طلاب حق وأصحاب مبادئ نناضل من أجلها ونتشبث بها ونصرّ عليها مهما كانت العراقيل والتضحيات، فإننا في نفس الوقت لا نغلق بابا للصلح ونترفق في الأسلوب، ونتبع المنهج الإسلامي ولا نحيد عنه.

 

* إذن كيف تتصور الحل السياسي بين الحكم وحركة النهضة؟

 

هذا السؤال يحمل في طياته الجواب لأن الخلاف هو في جوهره خلاف سياسي يقتضي معالجته بالطرق والوسائل السياسية، ضمن مقاربة شاملة متكاملة حتى وإن كانت متدرجة المهمّ أن تكون الخطوات واضحة جادة وعمليّة.

 

لكن الأهم في هذا الصدد أنّ المشكلة الآن ليست بين الحركة والسلطة، إنما المسالة تهمّ المجتمع ككل في أقدس مقوماته، ألا وهي احترام الحريات الأساسية، وحقوق الإنسان، وهو المطلب الأساسي والملحّ في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.

 

* يلاحظ أن هناك تيارات إسلامية جديدة بدأت تظهر على الساحة التونسية، ومنها التيار السلفي بتفريعاته، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيرات على مكونات الحركة الإسلامية، كيف تنظرون إلى ذلك؟

 

نحن كحركة سياسية مدنيّة يقوم داخلها على أساس ديمقراطي لا يمكنها إلا أن تقبل بل تؤمن بتعدد الأفكار والأحزاب والمؤسسات داخل المجتمع، وهذه التعددية هي نتاج وفرع عن قيمة « حريّة الإنسان » التي نناضل من أجل إرسائها وترسيخها في مجتمعنا. وانطلاقا من هذه القناعة فإنه من الطبيعي بل الإيجابي أن تكون هناك تعددية فكرية وسياسية داخل الساحة الإسلامية بوصفها جزء من المجتمع، وهذه التعددية لها جذور في تاريخنا الإسلامي ( تعدد المدارس والاجتهادات والمذاهب الفقهية)، وهي ظاهرة إيجابية وضرورية لنماء وتطور الاجتهاد والفكر الإسلامي والإنساني عامة.

 

أما عن التسميات والنعوت مثل « السلفية » فليس هذا المهم، بل غالبا مع الأسف ما توصم به مختلف الحركات الإسلامية بهدف زجها في تصنيف مغرض لتحقيق أهداف لم تعد خافية على أحد (كالإرهابيين والمتطرفين والظلاميين…). ثم إن هذه التيارات كما توصف متكونة في معظمها من أبنائنا وإخواننا الشباب الذين أنتجتهم المحنة في زمن ضرب الحركة وما تبعه من فراغ فكري وسياسي.

 

أما عن تأثير هذه التعددية على خطنا، فهي لن تزيدنا إلا يقينا ورسوخا لأننا ننطلق من ثوابت أهمها:

 

إن الإسلام هو دين الفطرة والوسطية ( في كل شأن) وهو الأقرب إلى فطرة الإنسان، وهي حالته الطبيعية التي نستمد منها منهجنا في التعامل معه ومع المجتمع عامة. فمثلا قول كلمة الحق والدفاع عنها والثبات عليها وعدم المساومة فيها. وبالتالي إعطاء القدوة في الصبر والصمود قولا وفعلا..هو أبلغ وأنفذ في تغيير العقليات والسلوك عند الفرد والمجتمع من استعمال « السيف » والرصاصة والقنبلة التي تبقى في المنهج الإسلامي حالة أو ملاذ استثنائي يلجأ إليه تحت الإكراه والعدوان المسلح السافر والدفاع الشرعي عن النفس والدين.

 

إننا لا ندعي التحدث باسم الإسلام لأنه دين الأمة كلها أو الوصاية على معتقداته لأننا جزء من هذه الأمة، وننأى بأنفسنا على الإدعاء بأننا وحدنا نملك الحقيقة لأنها ملك للجميع ولا نفرض رأينا على غيرنا لأننا نؤمن بالحريّة للجميع. وانطلاقا من قيمة الحرية فإننا لا نقصي ولا نكفر أحدا سواء أكان فردا أم طرفا أو مؤسسة أو مجتمعا، بل نحن ندعو في إطار العقل الإسلامي إلى وحدة الغاية والهدف مع التعاون والتكامل في المناهج والوسائل، ولا يتم ذلك إلا بإحياء معاني الأخوة الإسلامية خاصة، والإنسانية عامة، ومن أهم مستلزمات الأخوة: تحريم هدر دم الإنسان بغير حق، لأنها من أكبر المحرمات عند اللّه بعد الشرك.

 

* بعد بروز « حركة 18 أكتوبر » التي تضم عدة تيارات سياسية من قوميين وإسلاميين ويساريين أصبح هناك حديث عن إمكانية توحيد المعارضة حول مطالب معينة، كيف ترى مستقبل هذا المشروع؟

 

إلتقاء مكونات المعارضة شكّل حدثا هاما ومنعرجا في الساحة السياسية التونسية بالرغم من أنه لم يكن اللقاء الأول من نوعه، ولكنه يتميز اليوم بنضج الرؤية عند مكوناته، والوضوح في أهدافه، والواقعية في مطالبه، والجديّة في أعماله.

 

هذه المستلزمات تعتبر اليوم الحدّ الأدنى أو القاسم المشترك الذي يمكن أن يقام عليه أي عمل جاد ومؤثر على الساحة، من أجل بلوغ حياة سياسية ديمقراطية جديرة بالاحترام من طرف المواطن والمجتمع التونسي الذي مازال وللأسف الشديد بعيدا عن كل مشاركة مؤثرة في الشأن العام. ولعل من أهم وأبرز عوامل وأسباب هذا العزوف والاستقالة السياسية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب أجواء الكبت والترهيب ورواسب الجهل والخوف، عوامل كامنة في صلب المعارضة من نخبوية معزولة عن هموم الشعب، وعدم توفر قدوة أو أسوة لقيادة هذه المعارضة. ومن أبرز شروط القدوة أو القيادة المقاومة والنضالية دون كلل أو ملل، ودون حسابات ضيقة، وبوضوح كبير في الأهداف والوسائل.

 

ولعل من أبرز مميزات « حركة 18 أكتوبر » أنها بدأت تستجمع بعض الشروط رغم أن الطريق مازال أمامها طويل وشاق. ولكنها بداية تبدو لحدّ الآن صحيحة وموفقة خاصة في مطالبها المرحلية، من إفراغ للسجون من السياسيين، وإطلاق حرية التعبير والتنظم والإعلام، كركائز أساسية لمجتمع ديمقراطي تعددي.

 

هذه الخطوة الأولى المتمثلة في الالتقاء أو التقاطع بين أطياف المعارضة تأتي لسدّ الفراغ الخطير في المجتمع التونسي والمتمثل في الانفراد بالحكم من طرف واحد، في كل مقاليد ومصائر المجتمع، مما انجر عنه انخرام مخيف في التوازن على كل المستويات، فأدى إلى إشاعة اليأس والاستقالة الجماعية ومظاهر العنف التي بدأنا نلمح تجلياتها، خاصة عند الشباب التائه عن هويته والحائر على مستقبله.

 

هذا الواقع خطير ونتيجته المستقبلية أخطر على الكل وعلى السلطة القائمة أولا. وما لم تستوعبه هذه السلطة بعد أن في ضرب وصدّ المعارضة وعلى رأسها حركة النهضة هو ضرب وإضعاف للمجتمع كله ولمناعة واستقراره لأن للمعارضة دور ومهمة اجتماعية لا غنى عنها، وهي الضامن الحقيقي لكل توازن واعتدال، لذلك فإن مستقبل هذا العمل المشترك يكاد يكون مرتبطا أو مرادفا للمستقبل الذي نريده لمجتمعنا. فبقدر ما تكون المعارضة قويّة في مطالبها ومصداقيتها وبالتالي في شعبيتها وموحدة في سعيها يكون المجتمع محصّنا من كلّ استبداد وانفراد بالحكم ويقترب إلى المجتمع المدني الوسطي الذي نسعى إليه جميعا.

 

وبالتالي فإن دعم وإنجاح أي عمل جاد للمعارضة حول أهداف مرحلية مشتركة ثم التدرج به وتطويره إلى  » تحالف استراتيجي لبديل ديمقراطي » يتسع إلى أوسع جبهة ممكنة من شخصيات فاعلة ومنظمات أهلية وأطراف اجتماعية وأحزاب سياسية تتفق على هدف كبير هو أن تونس تتسع للجميع اليوم وغدا دون استثناء ولا إقصاء. وهذه التعددية والتنوع هو أفضل ضمان لوحدة شعبنا وتماسك مجتمعنا. وفي انتظار تحقيق هذه الجبهة فإن هدف ومشروع « حركة 18 أكتوبر » هو النضال والمقاومة من أجل إرساء مناخ للحريات، وهو المدخل الوحيد والصحيح لكلّ بناء ديمقراطي.

 

* بعد وصول بعض الحركات الإسلامية للحكم وخاصة في تركيا وفلسطين وحصول الإخوان في مصر على عدد من المقاعد البرلمانية، كثر الحديث عن علاقة الإسلاميين بالديمقراطية. هل ترى أن الحركات الإسلامية في هذه الدول ستنجح في إعطاء صورة ايجابية عن مشاركة الإسلاميين في تجارب الحكم؟

 

قبل الجواب هناك ملاحظة أولية أريد أن أسوقها بكل لطف ولكن بكل صراحة ووضوح للذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على قيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان أن يلزموا أنفسهم بما يطالبون به غيرهم. وخاصة عندما يطالبوننا بعدم التفرّد والوصاية على معتقدات الناس ودين الأمة، لأن مثل هذه العقلية تشكّل استبدادا بقيم نؤمن بها جميعا، فلا تمايز ولا فرق إذن إلا بالعمل والالتزام بها اليوم وغدا. فلندع جميعا التشكيك في النوايا وإعطاء الدروس واحتكار لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان ومطالبة بعضنا البعض بتقديم شهادات براءة…لأن ذلك يصبّ في خانة واحدة وهي تبرير الاستبداد والإقصاء المتبادل.

 

أما عن تجربة أو نجاح بعض الحركات الإسلامية فأعتبره دليلا إضافيا بأن الحريّة قيمة محورية في المنظومة الفكرية العقدية الإسلامية. فكلّما شاعت في المجتمع فرص الاختيار الحرّ عبر انتخابات نزيهة وشفافة إلا وبرهنت المنظومة الإسلامية على تجذرها في النفوس وشعبيتها في المجتمع، وكذلك احترامها المبدئي لقيم الحرية وحق الاختيار، وليس ذلك من قبل التكتيك المرحلي، بل من قناعة متأصلة ترتفع إلى درجة ومرتبة الواجب الشرعي. فنجاح هذه التجارب الإسلامية مرتبط أشدّ الارتباط بنجاحها ذاتيا في الالتزام بهذه القيم، أي حريّة الرأي والاختيار في صفوفها والتطوّر في الفكر والمنهج وأساليب العمل والتداول على مواقع القيادة.

 

ونجاحها مرتبط أيضا بقناعتها بضرورة وحتمية التعددية داخل المجتمع وايجابيّة المشاركة والمساهمة مع غيرها في إرساء مجتمع حرّ في الاعتقاد والاختيار، متضامن بين أفراده، وعدل بين فئاته، ومعتدل في خياراته، متفتح على غيره.

 

ومن مقومات النجاح أيضا بناء الدولة الحديثة ذات المقاربة البراغاماتية في تناول قضايا المجتمع والاشتغال في حلّ ومعالجة القضايا التي تهمّ البنى التحتية للمجتمع كالأمية والبطالة والمساواة في توزيع الثروات والخيرات والنمو والعدالة الاجتماعية والتعليم… وبخلاصة إقامة المجتمع المتحضّر والمعاصر في إطار القيم الاسلامية والانسانية المشتركة.

 

* ولكن هناك تحديات تواجه اليوم دولنا الوطنية منها الفساد والبطالة والفقر والامراض والتخلف الاقتصادي وغيرها، هل بإمكان الحركات الاسلامية ان تقدم حلولا واقعية؟

 

هذه فعلا التحديات التي تواجه مجتمعاتنا جميعا ونحن تجاهها بمثابة ربان السفينة الواحدة ذات المصير الواحد. ولكن في البحث عن الحلول والعلاج لهذه القضايا وجب قبل كلّ شيء معرفة الأسباب والمعوقات لحلّها. أوما يعبّر عنه بتشخيص الداء ومسبباته بصفة موضوعية.

 

أضرب مثلا وضعنا في تونس فهناك ولا شكّ أسباب موضوعية من مثل شحّ الموارد الطبيعية من ماء وطاقة وغيرها، وكذلك ضيق السوق الداخليّة (مع التركيبة الشبابية لمجتمعنا)، وضعف البنية التحتية للاقتصاد أمام المزاحمة العالمية والتكتّلات الإقليمية والدولية وغيرها من الأسباب، والتي وجب التصدي لها جماعيا، وذلك باستجماع كل القوى والطاقات دون إقصاء أو تهميش (لأنها تهم مستقبلنا ومستقبل الأجيال من بعدنا) وحسن استغلالها لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وليس لنا من حلّ آخر لأن كل إقصاء أو تهميش لأي فئة ولأي جهد أو الاستبداد بالرأي والقرار هو هدر لهذه الطاقات وتضييع للفرص وعجز عن رفع التحدي، ولكن عمليّة التجميع هذه وحشد الطاقات لها شروطها ومقومات نجاحها ومن أبرزها رفع كل القيود المادية والمعنوية من أمامها وأعني بالأساس:

 

طي صفحة الماضي وتضميد الجراح وأعني به إطلاق سراح المساجين السياسيين ورفع المعاناة والحصار على المسرّحين، وتمتيعهم بحقّ المواطنة، وعودة المغتربين، وسن العفو التشريعي العام.

 

إشاعة الثقة والأمان في صفوف الناس دون تمييز (سياسي أو اجتماعي) وذلك باحترام الحريات وحقوق الإنسان نصّا وتطبيقا لأن المواطن الفاقد لحريته وكرامته غير قادر على رفع التحدّي.

 

سيادة واحترام القانون من الجميع دون توظيف فئوي أو سياسي تجسيدا لدولة القانون والمؤسسات.

 

التشريك الفعلي لكل مكونات المجتمع بالرأي والإنجاز ضمن منهجيّة واضحة تقوم على العمل المؤسساتي بعيدا عن الارتجال والمناسباتية.

 

هذه هي الأرضية الصالحة لقيام أي حوار أو مصالحة وطنيّة تمهّد لاستنفاد كل القوى الفاعلة في المجتمع والتصدي للتحديات التي تواجه أوطاننا.

 

* تتحدث بعض الأوساط الغربية على أن غياب الديمقراطية في المشرق هو سبب الإرهاب ولذلك تتهاطل مشاريع الإصلاح المدعومة من الخارج. ويقرن البعض الآخر بين هذه المشاريع والاستعمار كما حدث في العراق ويحدث الآن في لبنان؟ فهل يمكن إيجاد حوار متوازن مع الغرب دون السقوط في فخّ المشاريع الاستعمارية؟

 

الغرب مصطلح واسع وجب تحديده حتى لا نقع في فخ الأحكام المسبقة كمقولة « رفض الغرب جملة وتفصيلا » ولا أيضا اتخاذه قبلة تشدّ إليها القلوب والرحال.

 

وكلتا الحالتين تنمان عن ضعف ونقص فينا حيث هي أقرب إلى المواقف الارتجالية المزاجية، وهي أبعد ما تكون عن المواقف الرصينة المبنية على قواعد سليمة في الحكم والتعامل ومن أهمها:

 

مبدئية المنطلقات وأعني بها قيم الإسلام في التعامل مع غيرنا من الشعوب والثقافات والمبنية على التعارف عوض التنافر، وتبادل الاعتراف عوض القطيعة، وعدم العدوان والسلم عوض التصادم والتقاتل، لأن الإسلام دعوة عالمية جاءت بالأساس استجابة وتلبية لفطرة الإنسان من توفر مناخات السلم والحرية والعدالة والحوار وضمان حقوق الإنسان.

 

عمق الفهم والتحليل وواقعية التنزيل وهي مع الأسف نقيصة عندنا فنحن في العالم العربي كأفراد أو مجموعات أو حكومات نفتقر لحدّ الآن إلى التقاليد العلمية في معرفة وفهم الآخر بكل أبعاده ومكوناته. في حين نجد أن الغرب مثلا يزخر بالآلاف من المعاهد ومكاتب الدراسات الاستراتيجية والدولية والاستشراف والتحليل والإحصاء إلى جانب الجامعات التي تنتج أبحاثا أكاديمية تركز على النظريات والمفاهيم والأساليب في معالجة القضايا. ومنذ عقود شهد الغرب إنشاء ما يسمى بخزانات الفكر لردم الهوة بين الأبحاث الأكاديمية والممارسة العملية في كل المجالات.

 

وهذه المفارقة تكفي لوحدها لتبيان الهوة الشاسعة التي تفصلنا عن فهم ومعرفة هذا الجزء من العالم وخاصة دراسة العناصر المؤثرة في صناعة القرار عندهم ليتسنى لنا نحن أيضا اتخاذ القرار الصحيح.

 

ومن هنا أعرّج على القاعدة الثالثة في التعامل مع الغرب فبعد المنطلقات والفهم نأتي إلى الواقعية ولا أعني بالواقعية الخضوع للأمر الواقع بل المقصود هي عملية تنزيل النظرية إلى الواقع والتكيّف معه بقصد تغييره تدريجيا نحو الهدف الأعلى عبر أهداف مرحلية.

 

إن همّ الغرب كان ولايزال تحقيق أمنه وهذه المنطقة تشكل بالنسبة إليه من أهم وأخطر المناطق، فهي أكبر خزان لاحتياطي البترول والغاز في العالم، وهي من أكبر المناطق، ومتاخمة لقارات عدة كما تربط بينها ممرات مائية استراتيجية، وتحتوي على موارد هائلة، وسوق استهلاك واسعة.

 

كل هذه المعطيات جعلت منها محط أنظار ومصالح ورهانات كبيرة منذ زمن بعيد..منذ الحملات الاستعمارية والإجهاز على الخلافة العثمانية، واحتلال فلسطين وإنشاء الدويلات الوطنية بالانقلابات أو التنصيب والتي انقسمت بدورها إلى بيادق خلال الحرب الباردة بين مؤيد للغرب الشيوعي بقيادة روسيا ومؤيد للغرب الرأسمالي بقيادة أمريكا. وحسمت المعركة ولو لحين لصالح أمريكا وحلفائها، وهو ما دفع الغرب الرأسمالي الليبرالي وخصوصا أمريكا إلى التطلع إلى آفاق أرحب في الخارطة الجيوسياسية للعالم ولتوسيع « مفهوم الأمن القومي » إلى رحاب « الأمن العالمي » للنظام الدولي الجديد الذي تخطط لإقامته.

 

وأول مجالات هذا التطلع المنطقة العربية الإسلامية ثم جاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 لتعجل من نسق هذا الصدام الذي نظر له فوكوياما وهينتينغتون.

 

الواضح إذن أن منطقتنا تمر بمخاض عسير وعلى كل المستويات وهي مفتوحة ومرشحة لكل الاحتمالات، خاصة إذا لم تعي شعوبها دقة المرحلة.

 

* في ختام هذا اللقاء ماذا تقول للإسلاميين، للمعارضة عموما، وللمنظمات الحقوقية؟

 

لا أريد أن انتصب واعظا أو مدرّسا لأن مستوى المتلقي تطوّر ولا بدّ من المراهنة على وعيه.

 

أقول لإخواني المناضلين أن الإسلام دين الفطرة الإنسانية، دين الرحمة ودين الرفق والاعتدال والحكمة، كما هو أيضا دين العزّة والأنفة وعدم القبول أو الرضوخ للظلم وللاستبداد أو الطغيان.

 

وأقول أن الإسلام وأرض الإسلام هي اليوم مدار مطامع وصراع وتحدي ورهان كبير يتوقف مآله على كيفيّة إدارتنا لهذا الصراع المحتدم، وكيف نتعامل مع انفسنا ومع الآخر؟ وكيف نقدّم ديننا لشعوبنا ولغيرنا من الشعوب التي ترصدنا وتنتظر ماذا نقول وكيف نتصرّف؟ كما أؤكد أننا في أمسّ الحاجة إلى إحياء قيمة الأخوة من محبة وخفض جناح الذل من الرحمة وأن نحترم بعضنا ونتعاون فيما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. كما لا بدّ أن ندير الحوار بيننا ونحترم حرية الرأي والاجتهاد داخلنا.

 

أضيف أيضا أنه علينا أن نحرّم دماءنا ولا نكفّر بعضنا وأن ندع الفتنة الطائفية والمذهبيّة وأن يرتقي آداؤنا إلى تحديات العصر وقضايا الأمّة وتطلعات شعوبنا. كما لا بدّ أن نكون مع غيرنا الرحمة المهداة نيسّر ولا نعسّر ونكون القدوة الحسنة ندافع عن الحق ولا نخشى فيه لومة لائم، نناضل لإقرار الحرية لنا ولغيرنا.

 

أما لإخواني في المعارضة عموما فأقول إن شعوبنا ترزخ تحت ثقل الماضي البائس والحاضر الرديء والمستقبل المجهول. فشعوبنا تبحث عن الخلاص من خلال نخبها ولكنها لا تأبه بالشعارات والخطب والبيانات بقدر ما تبحث عن قدوة تقودها نحو التحرر والانعتاق من قيود الجهل والتخلف واللامبالاة والاستقالة الجماعية، وكذلك من الذلّ والهوان والخضوع للاستبداد، ولن يتمّ ذلك إلا باستعداد هذه النخبة للتضحية وأن تكون « الطليعة المقاومة » من أجل إقرار الحرية في كل أبعادها..فالحرية للجميع دون إقصاء ولا استثناء.

 

وأقول للمنظمات الحقوقية شكرا لنضالكم ودفاعكم اللامشروط عن كل ضحايا الإرهاب والظلم والاستبداد.

 

إن مهمتكم نبيلة وإنسانية في عالم الأحادية الثقافية، والتوحش الاجتماعي، والتغول الاقتصادي، والهيمنة السياسية العسكرية.

 

فأنتم بصيص الأمل في هذه الغابة البشرية المتوحشة، وتستحقون كل تقدير ودعم من كل المناضلين ومن كل المستضعفين من أجل إشاعة قيم ومبادئ إنسانية مشتركة.. قيم العدل والحرية والمساواة.

 

 (المصدر: موقع وكالة قدس برس إنترناشيونال  بتاريخ 24 سبتمبر 2006 )


الأحد 24 سبتمبر 2006م، 02 رمضان 1427 هـ

مصادر حكومية تعتبر قرار المنع قانونيا المعارضة التونسية تتهم السلطة بشن حملة لمنع الحجاب بالكليات

« مبالغات سياسية » تونس- سليم بوخذير

انتقدت جمعيات و أحزاب تونسية ما وصفته بـ »حملة واسعة » من السلطات « لمنع الحجاب » ، فيما دافعت مصادر قريبة من الحكومة لـ »العربية نت » عن هذا المنع، مؤكدة أنه « قرار قانوني ». وقال بيان لحركة « النهضة » الإسلامية المعارضة – تسلمت العربية.نت نسخة منه السبت 23-9-2006 – إن « معاناة المحجبات في تونس تتواصل »، مشيرا إلى أن  » عددا من الكليات و المعاهد العليا بالبلاد شهدت منع طالبات محجبات من الدخول للدراسة » .. وذكر البيان أمثلة منها  » ما جرى بالمعهد العالي للعلوم التكنولوجيّة في مدينة « ماطر » شمال تونس، حيث عمد الكاتب العام( عميد ) للمعهد إلى منع الطالبات المحجبات من الدخول قبل نزع الحجاب ». ووصفت حركة النهضة هذه الحملة، بأنها « إستجابة إلى أمر من وزارة التعليم أرسلته إلى كل مديري المعاهد وعمداء الكليات بالبلاد يذكرهم بالتطبيق الصارم للمنشور108 « ، على حد وصف البيان. جدير بالذكر أن المنشور 108 في تونس ينص على منع الحجاب في البلاد، و يعتبره « لباسا طائفيّا ». من جانبه ، تحدث نائب رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية عبد الرؤوف العيادي في تصريح لـ »العربية نت « ، عن « حملة في وسائل النقل و الشوارع و المعاهد و الكلياتة لمنع الحجاب ».وتابع أن » رجال الأمن لجئوا إلى نزع حجاب بعض الفتيات بالقوة » ، على حد قوله. وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد نددت مؤخرا في بيان لها بحملة السلطات لمنع الحجاب، وإعتبرت ذلك « إعتداء من سلطة الإشراف في المعاهد و الكلّيات على حريّة الّلباس » « مبالغات سياسية » وتعليقا على ما اعتبرته المعارضة حملة لمنع الحجاب ، وصف مصدر إعلامي قريب من الحكومة رفض الكشف عن إسمه، هذه الإنتقادات بـ »المبالغات و المزايدات السياسية  » مشير الي أن قرار منع الحجاب إن نفذ فهو »قانوني تماما ». وقال إن « تونس لم تمنع النساء من إرتداء أشكال أخرى من اللباس المحتشم و منها الملابس النسائية التقليدية للبلاد » ، واصفا الحجاب بانه « غريب عن التقاليد التونسية » . وقال المصدر إن « تونس تحترم تماما حقوق المعتقد و حرية التدين » مشير الي أن « تشجيعات الحكومة التونسية لمعالم الدين الإسلامي الحنيف يعرفها القاصي و الداني بالبلد »، على حد قوله .

(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 24 سبتمبر 2006)

الرابط وفيه تعليقات القراء: http://www.alarabiya.net/Articles/2006/09/24/27710.htm


وزيرة بريطانية تطالب بظهور الحجاب في التليفزيون وفتيات تونس ممنوعات من ارتدائه!

لندن ـ تونس: أكدت وزيرة شئون الجاليات البريطانية روث كيلي أنها مقتنعة بأن النساء المسلمات اللاتي يلبسن الحجاب يجب أن تتاح لهم فرصة أكبر في الظهور بشكل واضح في مختلف الوسائل الإعلامية. وقالت الوزيرة البريطانية: « نحتاج إلى ظهور نساء يلبسن حجاب في وسائل الإعلام وخاصة على شاشات التليفزيون؛ وذلك لتشجيع النساء المسلمات بشكل أكبر على تقديم أنفسهن والاحتكاك بالمجتمع ». وبحسب صحيفة التليجراف أضافت روث كيلي: الحكومة كانت تعطي الأولوية لمساعدة الأقلية العرقية للنساء للتغلّب على التمييز في العمل، وحتى تلعب المرأة دورًا أكثر بروزًا في الحياة العامة؛ لأن الأقليات العرقية عندها معدل عمالة أقل من بقية السكان، وخاصة بالنسبة للنساء البنجاليات والباكستانيات فالنسبة منخفضة وتصل إلى 24 بالمائة، رغم أن معدل النساء العاملات في بريطانيا 70 بالمائة ». وفي تونس استنكرت منظمات حقوقية تعرض المحجبات التونسيات إلى مضايقات بسبب الحجاب وإجبارهن على خلعه في المدارس والمؤسسات التربوية. وكشفت الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين عن تعرض بنات السجناء الإسلاميين في تونس إلى المضايقة بسبب ارتدائهن الحجاب. وأضافت الجمعية في بيان أن « بعض مدراء المعاهد الثانوية وموظفيها عمدوا مؤخرًا إلى نزع الحجاب عنوة من فوق رؤوس التلميذات المحجبات تحت إشراف الوالي ورؤساء خلايا الحزب الحاكم ». وفي سياق متصل، ندّدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ـ في وقت سابق ـ بـ »اعتداء السلطات التربوية التونسية على حرية اللباس »، في إشارة إلى منع المحجبات من دخول المؤسسات التربوية. وحمّلت الرابطة في بيان بمناسبة العودة إلى المدارس السلطات التونسية مسؤولية ما يمكن أن ينتج عن قرارها من تجاوزات واعتداءات على الحقوق الأساسية للمواطنين. وكشفت مصادر حقوقية أن تعليمات صدرت إلى مدراء المدارس والمعاهد والكليات لمنع دخول المؤسسات التربوية على كل فتاة ترتدي ما تسميه السلطات « اللباس الطائفي ـ والمقصود به الحجاب ـ واللباس الخليع. ورغم تأكيدات الجماعات الحقوقية ومصادر إسلامية بتعرض المحجبات لمضايقات، تنفي السلطات التونسية أنها تمنع الحجاب، حسبما نشر موقع مفكرة الإسلام على الإنترنت .. وتقول السلطات إنها تحث على « اللباس المستور والمحتشم الذي يتماشى والتقاليد التونسية »، بحسب وصفها، وترفض السلطات في المقابل ما تسميه « الأشكال المستوردة » في اللباس التي يقدمها أصحابها على أساس أنها اللباس الإسلامي. (المصدر: موقع « لـهـا أونلاين » بتاريخ 24 سبتمبر 2006) الرابط:http://www.lahaonline.com/index.php?option=content&task=view&sectionid=1&id=11258


اقتصاد – مداخيل

تونس – واس – بلغ دخل تونس من تصدير زيت الزيتون منذ بداية العام الحالي 602 مليون دينار / 453 مليون دولار ويتوقع ان يصل الى مليار دينار / 752 مليون دولار / حتى نهاية العام الميلادي. في شان اقتصادي اخر وصل انتاج تونس من التمور لموسم 2006م زهاء 127 الف طن مقابل 113 الف طن الموسم الماضي .. ومن المنتظر تصدير نحو 40 الف طن من انتاج الموسم الحالي الى اكثر من 50 دولة. وتتوقع مصادر اقتصادية ان يتعدى حجم الاستثمارات المنجزة في القطاع السياحي بتونس خلال السنة الحالية 290 مليون دينار / 218/ مليـون دولار مسجـلا ارتفاعا بنسبـــة 7 ر17 بالمائة عن العام الماضي. (المصدر: وكالة الأنباء السعودية بتاريخ 24 سبتمبر 2006)


ارتفاع نسبة التضخم في تونس

 

تونس – واس – ارتفعت نسبة التضخم / اسعار الاستهلاك / في تونس بنسبة 8ر4 بالمائة خلال شهر اغسطس الماضي مقارنة بنفس الفترة من عام 2005م. وتعود اسباب ارتفاع اسعار المنتجات عند الاستهلاك في المقام الاول الى غلاء المواد الغذائية التي تمثل 5ر36 بالمائة من تركيبة مؤشر اسعار الاستهلاك العائلي حيث بلغ نمو اسعار المواد الغذائية 4ر6 بالمائة. كذلك ارتفعت اسعار النقل بنسبة 2ر7 بالمائة بسبب ارتفاع اسعار المحروقات المرتبطة باسعار النفط … حيث طرأ على اسعار المحروقات في تونس اربع زيادات متتالية في ظرف عام واحد. اما السكن الذي يشكل 9ر17 بالمائة من المؤشر العام للاستهلاك العائلي فقد ارتفعت تكلفته ايضا بنسبة 2ر5 بالمائة بسب ارتفاع اسعار مواد البناء العائد الى ارتفاع اسعار الطاقة. وسجلت كل من اسعار النظافة والصحة والملابس والترفيه والثقافة ارتفاعات محدودة خلال اغسطس الماضي بنسب تتراوح بين 2و5ر2 بالمائة. (المصدر: وكالة الأنباء السعودية بتاريخ 24 سبتمبر 2006)


 
غبــــــــــــاوة مؤسس «السّي آن آن» رجل مجرّب ومحنك سياسيا… فإذا تكلم تأكّد أنه قال شيئا أساسيا. ولقد تحدث عن حرب العراق التي يقودها الأمريكان… فقال إنها أغبى حرب عرفها تاريخ الإنسان! وهذه غباوة لا يجرأ أحد على تكذيبها… سوى ذاك الذي أذكى لهيبها. محمد قلبي (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 24 سبتمبر 2006)

 

خوصصة

أخيرا وكما كان منتظرا تم الإعلان عن نتيجة طلب العروض لخوصصة شركة « النقل » التي تمتلك تمثيلا حصريا لكل من شركات  » فولكس فاقن و اودي ورونو – الشاحنات الصناعية » . و » فاز » بهذا العرض  » مجمع الماطري » . و المعروف أيضا أن هذا العرض قدم يوم 15 أوت لكن سرعان ما أعلن عن فوز المجمع بهذا العرض بمبلغ 22 مليون دينار يوم 9 سبتمبر.

 

وعلى اثر ذلك علقت نشرية « webmanagercentre  » التى تصدر على الانترنت والمعروفة بكفاءتها في الشؤون المالية والاقتصادية واعتدالها، علقت بما يلي  » وهكذا تطلب الفرز بين المنافسين اقل من شهر وهي مدة قياسية للبتّ في مثل هذه العروض ولعلّ السّبب الوحيد ولا شك هو الامتياز « التقني » للعارض الذي فاز بالصفقة بغض النظر على أي تأثير سياسي » !!!

 

و للتذكير فان المجمع المذكور تمكن منذ 6 أشهر من شراء أسهم البنك الإيطالي الذي كان من مؤسسي بنك الجنوب ليبيعه بعد 8 أيام من بيع البنك إلى الطرف المغربي والأسباني الذي اشترى أغلبية بنك الجنوب. وهذه العملية تمت من خلال قرض حصل عليه المجمع …من بنك الجنوب. وكانت نتيجة هذه العملية ربحا فاق 8 ملايين دينار.

 

الموقف

 

(المصدر: موقع

pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 373 بتاريخ 15 سبتمبر 2006)

 


 

القيروان: تجمع احتجاجي للتضامن مع الرابطة

بمناسبة مرور سنة كاملة على منع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من عقد مؤتمرها السادس ومحاصرة مقرات فروعها وشل نشاطها دعا فرع الرابطة بالقيروان عديدي المناضلين والنقابيين إلى تجمع تضامني يوم الأحد 10 سبتمبر أمام مقر الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان .. وقد حوصر مقر الاتحاد منذ الصباح الباكر وطوقت قوات الأمن المنافذ المؤدية إليه ومنعت العديد من الرابطيين والنقابيين والمواطنين من الوصول إليه ، ورغم الحصار الأمني غير المسبوق فقد أكد أعضاء فرع رابطة حقوق الإنسان للمنخرطين والنقابيين الذين تمكنوا من الحضور على: أ- تمسكهم بحقهم في النشاط القانوني وعقد الاجتماعات ومد المنخرطين وعموم المواطنين المهتمين بالشأن الحقوقي بكل المستجدات التي تحصل في ملف ، مع مواصلة العمل على نشر ثقافة حقوقية ورصد كل التجاوزات والعمل على تجاوزها .. ب- المطالبة بفك الحصار الأمني المضروب على مقرات الفروع حتى تتمكن من القيام بنشاطها الحقوقي الذي انتخبت من اجله. ج – دعوة السلطة كي تعمل على تجاوز الأزمة الحالية عبر حوار جدي ومسؤول مع الهياكل الشرعية للرابطة حتى تواصل المنظمة عملها الحقوقي في كنف الاستقلالية. عن هيئة الفرع مسعود الرمضاني (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية العدد 382 بتاريخ 15 سبتمبر 2006)


ملاحظة :

كان من المقرر أن يُنشر هذا المقال الذي كتبه السيد خميس الشماري (في معرض حق الرد المكفول قانونيا على مقال سابق في « الشروق » للمدعو « المكي الجزيري ») في صحيفة « الموقف » (العدد الصادر يوم الجمعة 15 سبتمبر 2006) ضمن محتويات عددنا ليوم 22 سبتمبر 2006 ولكن أسبابا تقنية بحتة (خطأ حصل في عملية الترتيب وحفظ النص النهائي المعد للنشر باللغة العربية في وقت متأخر من مساء ذلك اليوم) أدت إلى عدم نشر بعض المقالات المبرمجة ومن بينها المقال المنشور أسفله بعنوان « وإذا أتتك مذمتي من ناقص ». ونحن إذ ننشره بتأخير يومين، نعتذر للسادة القراء وللسيد خميس الشماري شخصيا عن هذا التأخير غير المقصود.

  

وإذا أتتك مذمتي من نـاقـص….

 

خميس الشماري

 

أتحفنا المسمى  » المكي الجزيري » الذي عرف في الفترة الأخيرة بولائه للحكومة في إطار أنشطة الهيئة الوطنية للمحامين ودوره في مبادرة الـ 108 بمقال صدر في جريدة « الشروق » بتاريخ الثلاثاء 12 سبتمبر 2006 هاجمني فيه شخصيا وبالاسم بطريقة غير لائقة واتهمني بالولاء إلى الخارج وانتظار الضغوط الخارجية متسائلا باي صفة ادافع عن الرابطة و مذكرا بالصراع الذي حدث بيني وبين صديقي – رغم الخلافات – الدكتور المنصف المرزوقي و خاصة أثناء جلسة الافتتاح للمؤتمر الرابع لما تحملت مسؤولية « سحب المصدح من رئيس الرابطة انذاك ».

 

و اعتمادا على المقولة « وإذا أتتك مذمتي من ناقص فتلك الشهادة لي باني كامل … » والكمال لله، فاني اكتفي بالملاحظات التالية بأسلوب برقي اعتبره  » شلبوق » للمسمّى مكّي الجزيري والذي تبادلت معه طيلة حياتي كلمتين فقط وهي السلام عليكم، وكانت في غير محلها.

 

1- تدخلت في موضوع ما يسمى بأزمة الرابطة وفي الحقيقة فهي أزمة السلطة مع الرابطة بصفتي عضوا سابقا من الهيئة المديرة وأمينا عاما سابقا و نائب رئيس سابقا من سنة 1982 إلى سنة 1994 وبصفتي كذلك منخرطا في الرابطة بدون انقطاع رغم مدد السجن والمنفى من سنة 1981 إلى اليوم. ولقد دخلت السجن في 1987 بصفتي أمينا عاما للرابطة (والملف موجود).

 

2 – افتخر بما تمتعت به من فضل التضامن الدولي لنشطاء حقوق الإنسان ولولا هذا التضامن لكنت قضيت في السجون في تونس عوض 4 سنوات ما لا يقل عن 10 سنوات. وافتخر كذلك بأنني ساهمت بقسط متواضع في التضامن الدولي من اجل إرساء مبادئ وثقافة حقوق الإنسان. فلا يهمني إذا القيل و لا القال ( وتشقشيق الحناك) والسبّ والشتائم وتهمة التخوين… والكل يعرف الثمن الذي دفعته منذ سنة 1960 إلى يومنا هذا دفاعا عن الحرية والسيادة الحقيقية لتونسنا العزيزة.

 

3 – أما فيما يخص علاقتي بالمنصف المرزوقي فإنها أرقى من تراث الأستاذ العاجز واذكر انه عندما تمت الحادثة التي أشار إليها فان هذا الأستاذ كان هو ورفاقه في الجوقة الحالية من ألد أعداء المنصف المرزوقي..( سبحان مغير الأحوال).

 

4 – وختاما أقول  » الأيام بيننا  » للمقارنة والاستنتاج بين من كان على حق واختار القيادي السابق للرابطة الذي تشبث بمبدأ المساندة للمؤسسة واستقلاليتها و « المسؤول » الحالي في احد فروعها الذي انتخب على أساس الاستقلالية والذي يدّعى باطلا انه لم يطعن في شرعية الهيئة المديرة ولكنه يوميا يهاجم هذه الهياكل في المقاهي و(التراكن) ويتدخل لدى قياديين ومسؤولين سابقين في هيئات وطنية لإقناعهم بان مساندتهم للرابطة ستؤدي إلى إثارة غصب السلطة عليهم، معتمدا أساسا على عقلية جهوية ضيقة تتنافى تماما والالتزام الوطني السابق.

 

لقد أتحفنا  » الأستاذ » بذكر بيت شعر للأخ منصف المزغني يتحدث عن المعزة والذئب في خاتمة مقال هجومي يتسم بالعقلية غير المتسامحة « معيز ولو طارو » وأنا من جهتي أود أن اختم هذا  » الشلبوق » بذكر المرحوم  » حمادي الجزيري  » وكان مهرجا بارعا بعكس المكي الجزيري ويقول سي حمادي رحمه الله  » الخدعة رخيصة ..أما كيف تجيء من بيت الطاعة خسيسة ».

 

(المصدر: موقع

pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 373 بتاريخ 15 سبتمبر 2006)

 


 

 

بعد تقديم موعد المؤتمر بداية لعبة الموازين والتحالفات

محمد الحمروني

 

على عكس ما كان منتظرا لم تشهد الساحة النقابية أي نوع من أنواع الحملات الانتخابية، ظاهريا على الأقل، في علاقة بالمؤتمر القادم للاتحاد. فلم يعلن إلى حد الآن، ورغم قرب موعد المؤتمر عن فتح باب الترشيحات للمنافسة على عضوية المكتب التنفيذي للمنظمة، كما لم تعلن أي جهة عن نيتها خوض غمار الانتخابات القادمة، ولم تشاهد إلى حد الآن أي تحركات ذات علاقة بحملة انتخابية ما.. استعدادا للمؤتمر. إضافة إلى ذلك لم يتم طرح مسالة الترشيحات للمؤتمر في أي من اجتماعات المكتب التنفيذي التي تلت انعقاد الهيئة الإدارية بالمنستير. فما الذي يحدث داخل اتحاد الشغل؟ هل هي حالة الشلل التي أصابت الجميع بسبب تقديم موعد المؤتمر؟ هل نجحت القيادة النقابية في إصابة منافسيها بالصدمة حتى تحد من فاعليتهم وتخلط أوراقهم؟ هل بدأت لعبة التحالفات وهل تعيش فعلا الأطراف المناكفة للقيادة النقابية حالة من الصدمة؟ ما هي التحالفات الممكنة وما هي توجهات الرأي العام النقابي في المرحلة القادمة؟

 

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الساحة النقابية تعيش حالة من الترقب الحذر والحسابات التي لا بد أن تكون دقيقة، فأي خطإ قد يكلف صاحبه ثمنا غاليا. و انغمس كل طرف في تفقد قواعده وتعهدها والنظر في ما تداعى منها واصلاح ما تضرر. فالأطراف التي دعت إلى تقديم موعد المؤتمر، لابد أنها دخلت في حالة من التقويم وإعادة النظر في حساباتها خاصة بعد ما أبداه الرافضون لموعد التقديم من قوة وصلابة وحسم في مواقفهم مما اكسبهم تعاطفا كبيرا خاصة لدى الأعداد المتزايدة من الغاضبين على التمشّي الحالي وطريقة تسيير المنظمة. إضافة إلى ذلك فان هذه الأطراف (أي دعاة التقديم) كان لا بد لها أن تقف لتعيد حساباتها بعد الاصطفاف غير المتوقع لعدد كبير من الأطر النقابية وراء الرافضين لفكرة التقديم، خاصة أنها تعلم أن العدد الكبير من الذين تحفظوا هم عمليا في خانة الرافضين، وان تحفظهم يدخل في باب عدم حرق الأوراق مرة واحدة. كما أن هذه القيادة تعلم أيضا أن عددا كبيرا ممن صوتوا بنعم قد يكون لهم رأي آخر غير معلن أو يمكن أن يغيروا رأيهم في أي لحظة. لهذه الأسباب، على ما يبدو، لم تبادر القيادة النقابية بالإعلان عن تحالفاتها أو القائمة التي ستخوض بها الانتخابات القادمة للمؤتمر ولعلها، فضّلت التروّي ومراقبة تحركات الخصوم ومزيد تقييم كل ورقة على حدة حتى لا تقع المراهنة على الجياد الخاسرة أو التفريط في الأوراق الرابحة.

 

الرافضون

 

وفي المقابل، نجد مجموعة الرافضين لتقديم موعد المؤتمر. ومن رموز هذه المجموعة السادة على رمضان وعبد النور المداحي والاتحادات الجهوية التي صوتت ضد التقديم. وكان هذا الثنائي ترشّح من خارج قائمة الأمين العام في مؤتمر جربة. يذكر أن السيد على رمضان تحصل خلال ذلك المؤتمر على279 من الأصوات وحل ثانيا بعد الأمين الحالي السيد عبد السلام جراد. وحسب متابعين للشان النقابي فان هذا الثنائي المداحي ورمضان سيمثل قوة انتخابية لا يستهان بها خاصة إذا نجح في ضم الجهات التي صوتت ضد تقديم المؤتمر خلال الهيئة الإدارية الأخيرة، وكسب ثقة وتعاطف الغاضبين من التمشي الحالي للمنظمة. ويمكن لهذا الثنائي المراهنة على حصيلة عمله خلال الفترة الماضية، حيث قدم كل من قسم التشريع والنزاعات الذي يشرف عليه السيد على رمضان وقسم القطاع الخاص على وجه الخصوص مجهودا متميزا في السنة الماضية وهي سنة المفاوضات الاجتماعية بامتياز.

 

البين بين

 

الى جانب هاتين المجموعتين توجد مجموعة كبيرة من القيادات النقابية التي لا تعرف موقعها بالضبط. فلا الأمين العام حسم أمره في ضمها إلى قائمته ولا هي مع المعارضين. وتبقى هذه المجموعة بين خيارين: انتظار يد تمتد لها من الأمانة العامة، أو الانضمام إلى المعارضين، أو تكوين خط ثالث. ولكن في جميع الحالات يؤكد المراقبون أن على هذه المجموعة أن تعمل وتبذل كثيرا من الجهد لتبقى في سباق الوصول إلى المكتب التنفيذي.

 

هذه صورة أولية للتحالفات الانتخابية الممكنة للمؤتمر القادم للاتحاد، ولكن هذا لا يعني أن هذه التحالفات نهائية. فالمناورات الانتخابية ومحاولات شقّ الصفوف وحتى شراء الولاءات ستظل قائمة إلى آخر لحظة. ومن تلك المناورات ما تداولته بعض الأوساط النقابية عن إمكانية سعي قيادة الاتحاد لشق قائمة المعارضين بفصل نواتها الصلبة المداحي- رمضان وذلك بمحاولة ضم الأخير إلى قائمة الأمانة العامة. وفي ذلك كما يرى المراقبون ضرب عصفورين بحجر واحد: أولا تفتيت النواة الصلبة للمعارضين كما قلنا، وثانيا ضمان ولاء على رمضان حتى لا يظل يمثل قلقا للقيادة الحالية.

 

مواطن القوة

 

أكيد أن القيادة الحالية للاتحاد تدرس باستمرار وبتأن مختلف الاحتمالات الممكنة والأكيد أيضا أنها تضع في حسبانها أسوأ السيناريوات والاحتمالات، خاصة ان المناخ الاجتماعي المتوتّر سواء في التعليم الثانوي او الابتدائي وعدد الملفات التي ظلت مفتوحة مثل الصحة والتامين على المرض وغيرها تخدم بشكل كبير المعارضين. إضافة إلى ذلك فان عوامل ذاتية مثل الكبر والمرض الذي أصاب عددا من ابرز الوجوه في القيادة النقابية الحالية وما يتردد عن عدم احترام القوانين الداخلية للاتحاد تجعل العديد من النقابين يفكرون مليّا قبل التصويت لهذا الطرف أو ذاك، ويطالبون بفتح الباب أمام التجديد وصعود الوجوه الشابة الأكثر قدرة على خدمة قضايا الاتحاد.

 

في مقابل ذلك نجد أن القيادة الحالية ستراهن بالأساس على الثقل الذي تمثله، وعلى حنكتها وتجربتها الطويلة في العمل النقابي. كما يمكن لها ان تراهن على الخصال القيادية التي أظهرتها خلال الفترة الماضية، والتي جعلت الجميع يحترمها ويهابها. كما أن القيادة الحالية تراهن على ما تقول أنها حققته خلال السنوات الماضية إذ تمكنت من العبور بالاتحاد بسلام من مؤتمر جربة إلى الآن وجنبته العديد من الهزات. وتشدد القيادة النقابية على أن ما تحقق في المفاوضات الاجتماعية الأخيرة من مكاسب يحسب لها حتى وان قلل البعض كما تقول من أهمية ما تحقق. أخيرا تعتمد القيادة ولا شك على الدعم الذي تلقاه من السلطة في أعلى مستوياتها والذي تمثّل مؤخرا في استقبال رئيس الدولة للامين العام في قصر قرطاج ووعده إلى جانب حل كل الملفات العالقة بدعم مالي كبير لإنجاز المؤتمر.

 

(المصدر: موقع

pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 373 بتاريخ 15 سبتمبر 2006)


 

الفيفا ترفض الإعتراف بالرئيس الجديد لجامعة كرة القدم التونسيّة

سؤال مُتجدّد يطرح نفسه : « لماذا لا نبادر بأنفسنا الى إصلاح أوضاعنا؟ »

غسّان بن خليفة

 

رفضت الفيفا (الجامعة الدوليّة لكرة القدم) كما كان مُتَوقّّعًا قرار تعيين السيّد علي الأبيض على رأس الجامعة التونسيّة لكرة القدم الى جانب أربعة أعضاء أخرين من قِبل وزير الرياضة يوم 08 أوت المنصرم ، وذلك بسبب عدم تقيّد السلطات التونسيّة بقوانين الفيفا المعمول بها في هذا المجال والتّي تنصّ على ضرورة انتخاب رئيس المكتب الفيديرالي للجامعة وجميع أعضائه الخمسة عشرة ، وقد علّل المكتب الإعلامي للفيفا بسويسرا هذا القرار ب » عدم احترام اتّحاد كرة القدم التونسي للقانون الأساسي واللوائح الداخليّة للفيفا وانّ هذه الأخيرة دعته الى القيام بالإجراءات الضروريّة لتصحيح الوضع » (1) ، وعلى اثر ذلك بادر أكثر من مسؤول تونسي الى التقليل من أهميّة الأمر والى التأكيد على انّ المسألة سوف تُحلّ في غضون أسابيع قليلة بمجرّد انعقاد الدورة الجديدة للبرلمان والمصادقة على التنقيحات المطلوبة للقانون الأساسي المؤرّخ في 6 فيفري 1995 المتعلّق بالهياكل الرياضيّة والذي ينصّ على ضرورة انتخاب ثلثي المكتب فقط بينما تقوم وزارة الإشراف بتعيين الثلث المتبّقي ومن ضمنهم رئيس المكتب الفيديرالي. وفي هذا السياق نظر مجلس الوزراء المنعقد يوم 06 سبتمبر الجاري في مشروع قانون أساسى جديد « يهدف الى جعل التشريع الرياضي في تونس يواكب التحوّلات والتطوّرات التي تشهدها أنظمة الهياكل الدولية »(2) . وبغضّ النظر عن « النهاية السعيدة » المُرتقَبة لهذا الموضوع، يبدو من الطبيعي، بل ومن الضروريّ بمكان ان يتسائل كلّ تونسيّ واعِ وغيور على سمعة بلاده عن الأسباب التّي تجعلنا نصل الى حدّ « التصادم » مع مؤسّسة دوليّة ذات نفوذ واسع كالفيفا؟ خاصّة وانّ الحكومة لم تتوقّف يومًا والحقّ يقال عن الإهتمام _وخاصّة تشجيع النّاس على الإهتمام _ بقطاع الرياضة ! ام انّ لهذا الحدث الذي يبدو « رياضيًا » بحتًا دلالات أعمق ممّا توحي به الصورة؟

 

حادثة عابرة أم خلل بنيوي؟

 

تأتي هذه الحادثة في الوقت الذي لايزال فيه التونسيّون يجترّون طعم المرارة والحسرة بعد الفشل المدوّي للمنتخب الوطني لكرة القدم في مونديال ألمانيا الذي جرى بداية الصائفة المنقضية، فبعد مشاركة محتشمة لم تكن في مستوى الطموحات والوعود، ولا في مستوى المصاريف والأموال الطائلة التّي ارتأت الحكومة ان تستثمرها في رياضة كرة القدم على وجه الخصوص، بدأت بعض الأقلام الصحفيّة والمحطّات الإعلاميّة تطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذا الإخفاق بجرأة غير مسبوقة وصلت الى حدّ مطالبة البعض بإستقالة وزير الرياضة (وهو أمر يُعدّ رغم بساطته استثنائيًا نظرًا لواقعنا الإعلامي الإستثنائي) ، ولكن كالعادة اختار أصحاب القرار ان لا يستخلصوا الدروس كاملة من التجربة ، فقد « استقال » الرئيس السابق للجامعة السيّد حمّودة بن عمّار دون ان يُحاسبه أحد على بعض قراراته المثيرة للجدل ومن أهمّها قراره ابرام عقد طويل الأمد وجدّ مُكلف (حوالي 40 ألف دينار شهريًا …يتقاضاها بالعملة الصعبة !) مع الممرّن الفرنسي روجيه لومار الذي لم يحقّق تلك النتائج الباهرة التّي قد تبرّر جرايته الخياليّة وعدم التعويل على ممرّن تونسي يكون أقلّ كلفة وقد يكون أكثر نجاحًا أيضًا. وعوض ان يبادر المسؤولون الى ارساء تقاليد تسيير جديدة تعتمد مبادئ الشفافيّة والمحاسبة والتنافس الإنتخابي على المسؤوليّات قرّروا تجاهل قوانين الفيفا والقوانين الموضوعيّة للنجاح وعيّنوا رئيسًا جديدًا لم ينتخبه أحد، وهو نفس الأمر الذي تكرّر بأشكال مشابهة مع الجلسات العامّة للجمعيّات الرياضيّة (خاصّة الكبرى منها) حيث غابت الترشّحات والإقتراع السرّي وحضرت التزكية والموافقة برفع الأيدي (كما حصل عند اختيار رئيس الجمعيّة في الجلسة العامّة للنادي الإفريقي على سبيل المثال) على التمديد للرؤساء الحاليّين أو على من اختير لخلافتهم. وهو ما يضع أكثر من نقطة استفهام على مدى « تدخّل السلطات السياسيّة في الشأن الرياضي » حسب بلاغ الفيفا ( في شهر ماي 2005) حول وضع كرة القدم في تونس، وبشكل أوسع التساؤل عن مدى « تسييس الرياضة » في تونس خاصّة على ضوء ما تتناقله الصحف في بداية كلّ موسم رياضي عن عزم بعض الشخصيّات المتنفّذة التي لا يُعرَف لها ماضِ رياضي أو اداري الترشّح لرئاسة بعض الجمعيّات العريقة.

 

الدلالات العميقة لهذه الحادثة:

 

انّ هذه الحادثة تُثبت من جديد مدى تخوّف السلطات في بلادنا من فكرة العمل بقاعدة « الشخص المناسب في المكان المناسب » وهي القاعدة التّي لا يمكن ان تنجح دون تنظيم انتخابات تنافسيّة نزيهة ودون الإلتزام بمبادئ المحاسبة والشفافيّة الماليّة والإداريّة، ودون وجود صحافة حرّة تتجرّأ على وضع الإصبع على مكامن الداء، ودون وجود سلطة قضائيّة مستقلّة عن غيرها من السلط وعن نفوذ بعض الفئات والأشخاص. وهذا التخوّف يدلّ على مدى رغبة الدولة في السيطرة على المجتمع ومنعه من التعبير عن نفسه من خلال مؤسّسات مستقلّة عنها، وهو ما يمكن ملاحظته في شتّى المجالات من الثقافة الى القضاء مرورًا بالإعلام، فحتّى عندما لا تتمّ الإستعاضة عن الإنتخاب بالتعيين كما صار الحال منذ سنوات في اختيار مديري اللجان الثقافيّة، يتمّ الإلتجاء الى الإنتخابات الصوريّة التّي تنتهي بإعتماد هيئات موالية للحكم (كما هو حال اتحادّي الكتّاب والصحافيّين) ، أو الى المؤتمرات الإنقلابيّة والعقوبات الجماعيّة كما حصل مع جمعيّة القضاة ..

 

كما انّ هذه الواقعة تثير التساؤل مرّة أخرى عن اشكاليّة « الإصلاح الداخلي والضغوطات الخارجيّة » ، اذ تبدو وزارة الرياضة في معالجتها لقضيّة المكتب الجامعي وكأنّها ملتزمة بسياسة الحكومة حيال مطالب المجتمع المدني التونسي ونخبه الحيّة بالإصلاح والدمقرطة ، فهذه الحكومة لم تبدي يومًا اقتناعًا ملموسًا بفكرة اصلاح الأوضاع الداخليّة استجابة لطموحات شعبها، مكتفية ببعض الإجراءات السطحيّة والشكليّة هنا وهناك بهدف المناورة واعطاء الإنطباع بأنّها ملتزمة بما وقّعت عليه من اتّفاقيّات ومواثيق تقضي بإحترامها حقوق مواطنيها ، وهي لا تغيّر من شكل ووتيرة هذه « الإصلاحات » الاّ استجابة لبعض الضغوطات والمطالبات من هذه الدولة الكبرى أو تلك المؤسّسة الماليّة العالميّة. وهو ما يجعلنا نتسائل بكلّ مشروعيّة وبحيرة صادقة:  » اما آن الأوان لإصلاح أوضاعنا بأنفسنا دون انتظار لتدخّل الأخرين؟ ! ».

 

يبدو انّ الردّ الإيجابي على هذا السؤال لن يأتي في القريب العاجل ، فالأمر يحتاج الى صحوة شاملة للضمير الوطني الجمعي لن تتحقّق دون بذل ما تستحقّه من تضحيات. وعلى كلّ حال فإنّه من غير المُتوقّع ان يبدأ التغيير من جامعة كرة القدم خاصّة على ضوء  » تطمينات » رئيسها المتخلّي لإحدى الجرائد الأسبوعيّة بأنّه بمجرّد التغيير المُرتقب للقانون فإنّ « الرئيس الجديد سيُصبح مُنتَخَبًا والذين وقع تعيينهم سيصبحون مُنتَخَبين »(3) !.

 

غسّان بن خليفة

 

هوامش:

(1):تقرير لمجلّة « المغاربيّة » الإلكترونيّة :  

  www.magharebia.com

(2): عن موقع : »أخبار تونس » الرسمي.

(3): من حوار أجراه السيّد حمّودة بن عمّار مع جريدة الإعلان الأسبوعيّة ، العدد 1645، ص32.

 

(المصدر: موقع

pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 373 بتاريخ 15 سبتمبر 2006)


 

بشائر الوفاق في وطني

 
 
د.أحمد القديدي عندما أتابع أخبار وطني تونس هذه الأيام ، أتنسم رياحا مباركة تهب من جانب النخبة الحاكمة و من النخبة المقابلة و لا أسميها المعارضة، رياح خير تبشر بأن الخريف القادم سيكون ان شاء الله فصل الوفاق و التضامن. و أنا ما أزال على اعتقادي بأن تونس مؤهلة لطي بعض صفحات الماضي بالنظر الى هذه النخب التي مهما كان انتماؤها الفكري فهي تبقى نخبا وطنية فاعلة داخل و خارج السلطة. و من الخطأ أن تسود بينها علاقات الخشية و الحذر و الاقصاء المتبادل.
 
و أنا باركت ما أعلنه السيد رئيس الجمهورية منذ أيام قليلة حينما ندد بأساليب هتك الأعراض و مس الحرمات في سياق حديث سيادته عن الاعلام، موصيا بتوخي التحاور الجاد و الأخلاقي عبر وسائل الاتصال الوطنية. وهو موقف يشرف الرئيس و الدولة، خاصة و أن منتهكي الأعراض يعتقدون أنهم يقدمون خدمة للدولة باهانة منتقديها و التعريض بهم بلهجة سوقية هجينة عن تونس، وهو ما هب للتنديد به حتى الصحفيون العاملون في تلك الصحف القليلة الصفراء، و عدد متزايد من كوادر الدولة و الحزب الحاكم. و نحن نؤمن بأن كلام السيد الرئيس صدر عن أعلى قمة السلطة التنفيذية، و الرئيس هو في نفس الوقت رئيس المجلس الأعلى للقضاء و الضامن لتطبيق الدستور و القانون، و من المنطقي أن تتبع كلامه هذا محاسبة هؤلاء الذين انتهكوا الأعراض بل احترفوا هذه الممارسات على مدى السنين الأخيرة بلا مساءلة و لا حتى حق رد قانوني، هابطين بالاعلام التونسي العريق الى حضيض لم يبلغه من قبل، مورطين النخبة الحاكمة التي تمثل حزبا دستوريا أصيلا نشأ على احترام الذات البشرية والارتفاع بالحوار الوطني الى درجات عليا، قبل أن تنشأ بعض الصحف التجارية الساقطة لتسيء للدولة أولا قبل الاساءة للضحية المستهدف.
 
و نحن نحمل محمل الجد و التقدير كلام السيد الرئيس عن موقفه ضد هتك الأعراض ونثمن هذه الخطوة الرئاسية على طريق الوفاق و التحلي بروح الحوار السليم. و سبقت هذا العمل الصالح اجراءات العفو الرئاسي الذي شمل عددا من المساجين في فبراير الماضي، و عاد جمع منهم الى أهلهم وأولادهم، بالاضافة الى رجوع عدد من المنفيين الذين غادروا البلاد في ظروف مختلفة، و بعضهم هاجر قبل السابع من نوفمبر 1987 و انقطع عن الوطن لمدد طويلة، بل و حالفني الحظ عندما أقمت في فرنسا او بلدان الخليج العربي أن ألتقي من بينهم الكثير ممن بلغ درجات عليا من العلم والثقافة والخبرات التكنولوجية ما جعلهم يعيدون النظر في القضايا السياسية و العقائدية التي أبعدتهم عن الوطن، و منهم من أصبح طبيبا تخصصيا أو مهندسا مبدعا أو خبيرا في التكنولوجيا المتقدمة و حتى بعضهم انتخب عضوا في مجالس بلدية في المدن الأوروبية التي احتضنتهم. و ان الأوان لعودتهم الى تونس بمبادرة من السيد الرئيس الذي هو رئيس كل التونسيين.
 
أما المؤشر الثاني الذي حملني على التفاؤل فهو الحوار الراقي و المتحضر الذي أتابعه على صحيفة الصباح الغراء و على موقع الوسط الالكتروني وعلى شاشة المستقلة وهو حوار هادىء و بناء بين الاستاذ برهان بسيس والاستاذ مرسل الكسيبي، و هما مثقفان متميزان أقرأ لهما بكل اعتزاز، أعتقد بأن هذا الحوار أنموذج نادر من احترام الاختلاف و مناقشة الرأي الاخر بلا تشنج أو قمع فكري. لكني أود أن أعرف رأي الاستاذ بسيس فيما أشرت اليه من هتك الأعراض على الصحيفة التي يعرفها و التي تخصصت في تصنيف المختلفين و لو قليلا مع الموقف الرسمي بأن رجالهم شواذ جنسيا و نساءهم مومسات و أطفالهم لقطاء! ولم يسلم حتى الزميل محمد كريشان و لا أنا ذاتي الذي أعتبر نفسي الى اليوم دستوريا لكن مع بعض الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية، خاصة والاستاذ بسيس انتقد لهجة الشتم التي استعملها أحد مناقشيه، وهو على حق، لكن قذف أعراض الناس وتهديدهم و النيل منهم بالبهتان هو ظاهرة أخطر. فالتكفير الديني الذي أدانه الأستاذ بسيس و ندينه نحن معه لا يختلف جوهريا عن التكفير الفكري والسياسي الذي تمارسه صحافة العار ضد من تحددهم لها جهات مجهولة و خارجة عن القانون، لأن التكفير الأول يخرج الناس من الملة بدون وجه حق و التكفير الثاني يخرج الناس من الوطن بدون وجه حق.وأنا على ثقة من أن رئيس الدولة الذي ندد بهتك الأعراض مستعد لتحفيز القضاء على ملاحقة مرتكبيه في اطار ما يسمى في القانون قيام وكيل الجمهورية أو رئيس محكمة التعقيب بدعوى لمصلحة القضاء حتى لو لم يرفع المظلومون قضايا عدلية.
 
ان هذا السلوك الرفيع هو الذي يؤسس لدولة الحق و القانون، الى جانب ما نقرأه للاستاذ برهان بسيس من اراء تشرفه و تشرف السلطات العليا التي تشجعه بالتفهم و الاحترام، كما قال هو في مقاله الأخير.
 
هذه بعض الأسباب الموضوعية التي تدفعني للتفاؤل، و أتمنى أن تعزز الأحداث القادمة تفاؤلي، حين نرى من تبقى من المساجين يغادرون السجن و يعودون لأطفالهم، و حين نرى من تبقى من المنفيين يرجعون الى أرض الوطن، و يندمجون في مجتمعهم. فتونس لها على مدى القرون عبقرية التوفيق بين المختلفين فكريا دون فتح أبواب الفتنة و القهر. ثم ان الانجازات الاقتصادية و الاجتماعية و التربوية التي تحققت في تونس تدفع باتجاه هذا الوفاق المرتقب.
 

(المصدر: مجلة « الوسط التونسية » الأللكترونية بتاريخ 24 سبتمبر 2006)

عنوان الموقع: http://www.tunisalwasat.com

 


 

 

في ثقافة الهدم والبناء(2)

 علي شرطاني

 

أنا لا أشك في أن اليسار الماركسي المعزز في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا باليسار العربي واليمين الدستوري هو قوة هدم وتدمير.ولعله يعتبر نفسه وغيره من مكونات الحركة العلمانية قد قطعوا أشواطا مهمة في عملية الهدم أو لعله يعتبر نفسه ومن تظافرت جهودهم معه من مختلف مكونات الطائفة العلمانية قد أنهاها على حد قول الرفيق « نور الدين » بن خذر ولعل المسألة مسألة خلاف في ما بينه وبين نفسه وفي ما بين مختلف عناصره ومكوناته وفي ما بينهم جميعا وهو اليوم يقدم نفسه على أنه قوة بناء وتشييد.وإذا كنت لا أستطيع أن أشكك في نوايا كل الناس ولا أشك كذلك في أن البعض من هذه العناصر على الأقل هم صادقون مع أنفسهم ومع الآخرين في توجههم نحو العمل على بناء هذا الوطن وعلى العمل على بلوغ به أرفع وأرقى وأعلى مستويات الرقي والتقدم إلا أني أستطيع أن أقول وأؤكد ولعلي بالغ في ذلك مسوى كبيرا من درجات اليقين أنهم لم يسلكوا إلى ذلك الطريق الصحيحة.ولكن إذا كنا قد رأينا منه قدرة فائقة على الهدم، وهي من المهمات الرئيسية ومن الإستراتيجيات المعلومة في الحركة العلمانية الغربية الإستعمارية الأصيلة التي ليست الحركة العلمانية الدخيلة الهجينة في بلادنا وفي مختلف بلاد الوطن العربي والعالم الإسلامي وعالم المستضعفين عموما إلا من إنتاجها وصنيعة من صنائعها،خاصة في المواجهة الإستباقية التي أعد لها من خلال السلطة ومن خارجها في بلادنا وفرضها على الحركة الإسلامية التي يصنفها ولا شك هذا المكون من مكونات الحركة العلمانية العبثية الهجينة، في القديم الذي يجعله بها في دائرة عملية الهدم في الحملة الوقائية التي  يعتبر أنه من الواجب استنادا إلى قناعة عناصره وقواه ومكوناته وإلى مرجعيته وبناه الفكرية القيام بها أحيانا اجتنابا لوقوع البلاد في قبضة الرجعية والظلامية عدوتا الحرية والديمقراطية والتقدم وحقوق الإنسان وللتصدي لخطر نظام تيوقراطي على حد زعمهم يجد في المقدس مبررا للدكتاتورية والإستبداد الملازمين عادة في نظرهم طبعا واستنادا إلى المنابع الفكرية والثقافية الغربية التي كرعوا ونهلوا منها للدولة الدينية  ويستمد من الوحي ومن السماء دليلا عليه- فإننا لم نر من هذا التحالف الرهيب أي خطوة إيجابية في البناء. فإذا كنا قد رأينا هدما فإننا لم نر إلا مزيدا من الهدم والإنهيار والدمار ولم نر بناء إلا ما كان استبدادا وقهرا وقمعا وقفرا وانحلالا وإقصاء واستئصالا وتهميشا…

وهذا ما تعترف به كل مكونات الحركة العلمانية اللائكية نفسها والتي كان اليسار الماركسي والقومي العربي على رأسها في هذا الدمار الهائل الذي أحدثاه بالبلاد والذي أتى على مكاسب نصف قرن من الزمن والذي وجدت فيه البلاد نفسها في أواسط الخمسينات بل في وضع أكثر فضاعة وأكثر تخلفا وأكثر خطرا.والأشد غرابة والأكثر صفاقة والأقل حياء من كل ذلك أن نرى أن كل هذه المكونات وخاصة اليسار الماركسي الإنتهازي يعملون بكل قوة على أن لا تحسب مرحلة حكم بن علي الذي كان يحكم بهم والذين كانوا يحكمون  البلاد من خلاله كلها عليهم. هذه الفترة التي أخذ ت بعض العناصر وبعض مكونات الحركة العلمانية وبعض مكونات طائفة اليسار الماركسي تبحث فيها لنفسها عن مكان في المعارضة التي أصبحت منحصرة تقريبا في الحركة الإسلامية وحدها وفي حركة النهضة الإسلامية تحديدا عندما اعتقدت خطأ ككل مرة تكون حساباتها فيها خاطئة وهي التي كانت حساباتها دائما خاطئة والتي لم يحالفها الحظ في الإصابة ولو مرة واحدة أن الفترة القانونية لحكم بن علي قد أوشكت على النهاية.

إن عملية الهدم للبنى التقليدية أو القديم التي يؤمن بها اليسار الماركسي وكل مكونات الحركة العلمانية اللائكية الهجينة الدخيلة قد قام بها ومازال من خلال السلطة أكثر مما كان قادرا على فعله منها من خارجها، وبذلك يكون اليسار الماركسي والقومي العربي إلا قليل جدا منهما قد غادرا مواقع المعارضة منذ أن أتيحت لهما الفرصة لإبرام صفقة التحالف مع بقايا اليمين الدستوري على أساس من التصدي لما اعتبروه  وتوهموه وحاولوا أن يوهموا به الشعب خطرا إسلاميا داهما، وهو الذي كان المتضرر الأكبر من هذا الوهم. هذا اليسار الماركسي الذي لم يعد يسار السبعينات والثمانينات: »فاليسار ما عاد يسار السبعينات والثمانينات ولا نخال أن مواصفاته الحالية تؤهله للقيام بالدور المطلوب منه.إن شرائح منه تحولت هي نفسها إلى بيروقراطية ناشئة في جوهرها حتى وإن استمرت تتغلف بالقشرة اليسارية والثورية فقد تنكرت لقناعاتها الأصلية وتخلت نهائيا تقريبا عن رؤاها السياسية المتصلة بتغيير المجتمع وقبلت بالإحتماء بسقف « النقابوية »كمعبر لتحقيق مآرب مادية ضيقة ومحدودة مرتبطة في أحيان كثيرة بمصلحة رموزها أو رمز من رموزها « .(*)

 

فالذي بدا واضحا أنه لم يبق يسار السبعينات والثمانينات والسنين السابقة لتلك إلى تاريخ أول وجود منظم له وهو سليل الحركة الإستعمارية والذي لا أصل له في تاريخ بلادنا منذ أن بدأ لهذا الوطن تاريخ على تباين الأحقاب واختلاف الأمم عليه بعد التحاقه بالسلطة وبعد سقوط المعسكر الشرقي إلا عداءه للإسلاموللحركة الإسلامية وللإسلاميين كطرف سياسي أصبح يمثل على أي نحو ومستوى من الضعف هو عليه أكبر تحد له وأكبر منافس في ساحة السجال الفكري والصراع السياسي والإجتماعي والمنافسة الثقافية.

إن مهمة البناء أبعد ما تكون عن اليسار الماركسي كائن ما كان صدقه وعلى أي درجة من الصدق كان لأنه لا يحترم قواعد البناء ولا يحترم الأرض التي يريد أن يقيم عليها البناء وهو الذي يلتقي في ذلك مع اليسار القومي العربي واليمين الدستوري وهي الجهات التي لا تحترم الذين من المفروض أنهم الذين يجب أن يكونوا مستفيدين من عملية البناء التي يجب أن تلي عملية الهدم.

لقد استطاع اليسار الماركسي مستفيدا من ضعفه، ومن الفراغ الذي كان موجودا حول قائد الإنقلاب على الرئيس الهالك الحبيب بورقيبة من قبل، ومن قوة الإسلاميين والحركة الإسلامية، التي كان الجانب الكبير منها مستمدا من ضعف هذه الأطراف مجتمعة، ومما كان من مصلحة اليسار الماركسي خاصة من تضخيم لها تمهيدا لضربها، ومن رضا المخابرات الأمريكية والغربية عليه والقبول به رغم استمرار المعسكر الشرقي في الوجود ورغم علمها بعلاقاته به أن يصعد إلى السلطة وأن يرسم سياسة ابتزاز كل الأطراف الداخلية والخارجية بتنبيهها إلى وجود ما اعتبره خطرا جديا يهدد مصالح كل هذه الأطراف بالبلاد، ليقدم نفسه للجميع في النهاية على أنه المنقذ وأنه الجدير بالثقة في ذلك والمؤتمن عليه، وأن الخطر الحقيقي الداهم هو خطر التطرف الظلامي الأصولي الإسلامي.

وبعد أن كان يظهر مع الجميع كشخصيات و تنظيمات وأحزاب، أو من خلال وجود مكثف له في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الدفاع عن الجميع بمن في ذلك الإسلاميين، أصبح مدافعا عن السلطة في كل مظالمها وفي كل انتهاكاتها وفي كل سياساتها ومناهجها وخياراتها الخاطئة بعد أن أصبح أحد أهم مكونات نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب ويتخلل كل نسيجه بعد أن انضمت الكثافة من الملتحقين من عناصره بالمتسللين والمخترقين لنظام قائد اليمين الدستوري الهالك الحبيب بورقيبة وموجها نباله وسهام أقواسه ورصاص بنادقه إلى الضحايا والمظلومين والمضطهدين والمستضعفين من الأبرياء من النساء والرجال والولدان الذين كانوا يقولون »ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ».ومنذ مؤتمر 1994 زج بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نفسها في الصراع ضد الإسلاميين وانتهى الصراع فيها على المواقع لأنه كان  لجل من كانوا فيها إن لم نقل كلهم نفس الموقف من نفس الجهة ومن نفس القضية.فقد كان الكل مساندا للجلاد ومتنكرا للضحية وكان طبيعيا أن يكون الأمر كذلك بحكم انتساب الكل إلى طائفة واحدة وإلى منهل ثقافي واحد في نفس الإطار الإستراتيجي الثقافي والسياسي التغريبي للحركة الإستعمارية الإمبريالية الصهيونية شرقا وغربا. ولم تكن الحاجة داعية إلى تغيير الهياكل سواء على مستوى الهيئة المديرة أو على مستوى الفروع إلا سنة 2000 أي بعد زهاء الثماني سنوات حيث أعاد الكثير من الطامعين النظر في ما انتهى إليه الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي والإقتصادي بالبلاد والأهم من ذلك لدى الكثير من الأطراف والجهات والشرائح والمجموعات والأفراد في ما انتهى إليه بالنسبة لهم ومن زاوية ذاتية أو حزبية أو جهوية أو فئوية صرفة بعيدا عن الأبعاد الوطنية والشعبية. وقد وجدوا أن الجزاء والكسب كان أقل بكثير من المؤمل ومن التضحيات والجهد ومستوى الطموح في الطمع ومن المساهمة في عملية الهدم التي كانوا طرفا فيها والتي كانوا فيها ضمن التحالف في التصدي « لأعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة والمجتمع المدني… » من « أجل تونس »؟! فمن هذا الموقف ومن هذه الزاوية ولهذه الأسباب وبهذه الدوافع التحقت بعض الجهات والأطراف والعناصر لتعزز ،من حيث تريد أو لا تريد ومن حيث تقصد أو لا تقصد ومن حيث تعلم أو لا تعلم سواء من منطلق مبدئي أو انتهازي وهو الأقرب إلى الصواب لأن المبدئية قد قبرتها الأطماع والنزعة المادية لمكونات الطائفة العلمانية اللائكية منذ وقت مبكر إن كان يستقيم الحديث أصلا عن شيء اسمه المبدئية لديها، موقف ودور بعض الأحرار ممن لم يسكتوا لما سكت كل الناس وممن ظلوا متمسكين بالرفض للصخرة والإستعمال لما قبل كل الناس وممن تصدوا للظلم والإستبداد والقمع لما أعرض كل الناس عن التصدي وممن أقبلوا حين أدبر كل الناس وقالوا لا لتوظيف القضاء وحشره في القمع والإضطهاد والتعذيب والإقصاء والتهميش والإستئصال. لا للسجن والنفي والقتل لا للتنكيل والتجويع وقهر الرجال والشيوخ والنساء والأطفال ..نعم للحوار والديمقراطية والحرية والمساواة وحقوق الإنسان، وإن ظل الحديث عن هوية الشعب والوطن مستعصيا بين غير جاد وغير مرغوب فيه ومرفوض.نعم للكرامة والسيادة والإستقلال. نعم لتونس « ديمقراطية » عربية إسلامية لكل التونسيين أولا ثم لكل العرب ثانيا ثم لكل المسلمين ثالثا ثم لكل من يطيب له فيها المقام والعيش خادما وحاميا لها ولا ولاء له إلا لها ولا عداء له إلا لمن يعاديها ومن يعادي امتدادها العربي والإسلامي من كل أحرار العالم من كل الأعراق والأجناس والألوان والألسن والعقائد رابعا.

 

 (*) – مجلة الشيوعي عدد 14 فيفري 2004 – منشورات حزب العمال الشيوعي التونسي

 


بسم الله الرحمن الرحيم.

شهر يجدد أمة

 
 
راشد الغنوشي
 
1رمضان1627
 
 بدء، نهنئ الامة بقدوم الشهر الفضيل المبارك الذي  شرفه الرحمن من دون الشهور بأن اتخذه الوعاء الزمني الذي تم فيه استئناف الاتصال بين السماء والارض إثر انقطاع استمر لأكثر من ستة قرون، « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد منكم الشهر فليصمه  » البقرة183  مبتهلين الى منزل الكتاب، المتفضل بالرحمات السابغات أن يعم برحمته وواسع مغفرته كل السالكين طريقه الراغبين اليه ولو بزاد ضئيل وإن لم يزد عن ذرة خير في قلوبهم، أن لا يحرمهم الهداية والمغفرة والتوبة في موسم العطاء والكرم، وأن يفرج كربة المكروبين ويفك أسر الماسورين ويشد بأزر المجاهدين وأن يطعم الجائعين ويؤمّن الخائفين ويجمع على الحق قلوب أمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين، وأن يطهّر أوطانهم من حكم الغزاة المحتلين والمنافقين الجبارين، حتى لا يحول الحول إلا وقد أشرقت شمس الحرية والهداية على أرض الخضراء وكل بلاد الاسلام وارض الله. آمين آمين  
 
قال تعالى » فمن شهد منكم الشهر فليصمه » البقرة. والاصل في الامر وجوب النفاذ، ورغم أن الامر هنا يتعلق بشعيرة تعبدية، مما لا يتطلب التعليل، إلا أن الحكيم أبى إلا أن يكشف لعباده عن طرف من حكمته فيها، تشريفا وتكريما لعقولهم وندبا لهم الى طلب الحكمة في كل شيء إذ لا يصدر عن الحكيم إلا ما فيه حكمة ورحمة، فأبان لهم أن مقصد الصيام ليس تعذيبهم بالجوع والعطش فهو بهم رؤوف رحيم وإنما تحققهم بالتقوى أي بالحضور الالهي في حياتهم ، مدار صلاحهم وسعادتهم في الدارين.
 
وهو سبحانه لم يقل فمن كان حاضرا غير مسافر فليصمه وإنما عبر عن هذا التشريف بالشهود وهو حضور مخصوص، كما ألمع الى ذلك الشيخ أحمد الكبيسي،  حضور فيه تشريف، مثل حضور موكب مهيب أو حفل بهيج. وشهود رمضان من هذا القبيل وأعظم، فمائدته زاخرة مزدحمة بالطيبات، تشرق فيه الارواح وتمتد عموديا فتعانق السماء بالذكر والصلاة والقرآن وتمتد افقيا الى كل المحرومين بالرأفة والرحمة والعطاء والسماحة. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جوادا كريما « وكان أجود ما يكون في رمضان ، كان أجود بالخير من الريح المرسلة »  (  رواه البخاري ومسلم) وأعظم فتوحات الاسلام تنزلت في رمضان. فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين،فما تكون في شهر أذل منها في  هذا الشهر.     
 
هنا في هذا الموسم ابتدأ نزول الوحي على قلب الرسول الخاتم عليه السلام، حاملا خلاصات رسالات النبوات ومصححا ومتمما لها لتتأسس عليها وتنطلق من مبادئها أمة، وكلت اليها مهمة القيام على ذلك الارث العظيم للنبوات وللحضارات. فما أعظم دلالات هذا الشهر وما أعظم بركاته وموارد أفضاله على هذه الامة والبشرية جمعاء بما يحمله من تحولات عظمى في العوالم الروحية « اذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب…. (رواه الترمذي) وذلك عبر استعادة زمن التجلي والارتباط بين السماء والارض وتذكّرعظمة التكريم الالهي لهذه الامة ودعوة لها الى أن ترتفع الى المستوى الذي يتطلبه أداء هذه الامانة من تكاليف، وبما يحمله معه لها أفرادا وجماعات من معارج لتظهر عليها الى الافق الرفيع  الذي يجب أن تتسنمه حتى تكون في الموقع المناسب من القرب والرضوان وتجلي النور والقدرة على النهوض بالامانة.
 
إن الصوم أحد أعظم المعارج التي خولها الله لعباده حتى يظهروا عليها وتتجدد بها حياتهم النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية. إن مبتدإ هذه الرحلة وركنها الاساسي الامساك عن إتيان أشياء محددة هي في الاصل مباحة ومرغوبة، الامساك عنها في أوقات محددة مع تجريد القصد في ذلك لله تعالى. إنها عبادة صامتة. في الحديث القدسي » الصوم لي وأنا أجزي به »(رواه أحمد). إن الاقتدار على هذا الامساك مفرق الطريق بين الانسان والدابة. إن مشهد تحلّق الاسرة حول مائدة حافلة بمطعومات ومشروبات تهفو اليها نفوس تتضور جوعا، ومع ذلك تمسك، في انتظار الاذن الالهي، مشهد انساني بامتياز، ومشهد تعبدي من جوهر التربية التعبدية: أن تمتلك القدرة على كبح جماح نفسك، فلا تطلقها إلا وفق القانون. وذلك هو التمدن.
 
إن نظام التمدن الاسلامي غاية في التركيب والبساطة والواقعية. إنه نظام شامل للحياة في كل أبعادها الجسدية والخلقية الروحية والاجتماعية الدنيوية والاخروية. وعبادات الاسلام كلها تترجم وتجسد ذلك النظام ومنها عبادة الصوم،بأبعاده الروحية والاجتماعية الواضحة والعميقة والواسعة. إنه ركن من هذه البنية الشاملة والمعقدة ، كما أن من وظيفته المحافظة على هذه البنية شغالة مهما تعقدت الاوضاع أو ساءت، ذلك أن منزل هذا النظام لم يترك مصيره موكولا الى الاقدار المبهمة لأنه نظام معقول واقعي، بل خول للانسان المومن أمانة القيام على هذا النظام (فليبلغ الشاهد منكم الغائب)/ رواه ابن هشام/. ولذلك لم يتوقف تطبيق الاسلام ولا قيام المومن بعباداته الاساسية على وجود شكل محدد من المؤسسات :جماعة أو دولة أو مسجد أو رجل دين، رغم أهمية ذلك ووجوبه. لأن هذا النظام  هو من المرونة أنه قابل للتطبيق في كل الاحوال في البدو والحضر في الرخاء والشدة، فرديا وجماعيا .. »الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم « 190آل عمران.وعلى قدر إخلاصه في ذلك يجني الثمرة: سعادة في الدنيا والاخرة، ما دام موصولا بربه واعيا بأمانته، ذلك شان كل عبادات الاسلام.
 
 إن الاسلام مركبة ضخمة تكفلت بانطلاقتها واستمرار اختراقها الفضاءات ومغالبة الصعاب وتادية المهام مجموعة من المحركات الدقيقة المتينة: الصلاة والزكاة والحج والصيام والتلاوة وإقامة الجماعة ولزومها.
 
ويمثل الصيام بالتأكيد أحد أهم هذه المحركات التي فيما إذا كانت صيانتها جيدة فعملت جميعها على أفضل صورة كان أداء المركبة عظيما  فغالبت كل المعوقات ولم يقف في وجهها شيء غير أنه حتى في ما إذا أصاب بعض المحركات عطل أو كانت صيانتها غير جيدة، انحط أداؤها ولكنها لا تتوقف عن الحركة مهما فعلت المعوقات الخارجية فعلها في التعويق، لأن نظام الصيانة والحراسة سرعان ما يشتغل، فيتنادى المصلحون الى استعادة فعالية ما تعطل منها عن الحركة وصيانة ما تباطأت فعاليته حتى تندفع المركبة في سيرها مجددا قوية فعالة. « يبعث الله على راس كل مئة سنة من يجدد لهذه الامة أمر دينها » (رواه أبو داود)
 
لقد جاءت على الامة حقب من الزمن أصاب محركات دينها – وهو سر بقائها وقوتها وتحضرها وتوحدها وانتصاراتها-، قدر غير قليل من الغبش والعطالة بما تشوش من عقائدها بفعل ما خالطها من معتقدات أخرى فتحولت من عنصر دفع وتوحيد الى عامل قعود وتبطل وتمزيق،وحتى فتن- كما هو حال بعض ما يحدث في العراق-  وكذا الامر فيما يخص بقية المحركات أصابتها أقدار غير قليلة من العطالة فأفرغت أركان الاسلام من معانيها وتحولت في كثير من الاحيان الى مجرد شكليات أو تعطلت جملة، فالمسلمون بين قائم بتلك الشعائر قياما شكليا وبين متخل عنها جملة، فكان من الطبيعي ألا تنتج ثمرتها، فكانت غلبة الامم علينا في نقطة الالتقاء بين نهوضها بفعل إصلاح محركاتها وبين ضعفنا بفعل فساد بنياننا السياسي والعقدي والخلقي والاجتماعي. وكانت تلك الغلبة هي بحد ذاتها قد أضافت الى عوامل الضعف والعطالة الداخلية عوامل ضعف ومعوقات خارجية، أضافت مزيدا من الاضطراب والتشويش لعالم الفكر والقيم والثقافة وتمزيقا أشد لما كان مجتمعا في أمتنا فلا عجب أن قامت حركات الاصلاح على فكرة التجديد الشامل للبنيان الفكري والقيمي وبعثا للحياة في أركان دين تحولت الى مجرد تقاليد وطقوس مفرغة من المعنى مفصولة عن أساسياتها العقدية من ناحية صلتها بالحياة من جوانب أخرى. ولذلك ألح المصلحون على أهمية أركان الاسلام في البنية الاسلامية، فذكّروا بأهمية الصلاة « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر » <العنكبوت40> وبأنها « عمود الدين » (رواه الترمذي) وبأثر الصلاة في الحياة- إن كانت حقيقية- فنبهوا الى أن « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له »كما قال عبد الله ابن مسعود. وفي الصيام ذكّروا بأهميته الركنية التي تخرج منكرها عن الملة أصلا، إلا أنهم نبهوا الى أن المسألة أبعد ما تكون عن مجرد مظاهر تقتصر على الامتناع عن الاكل والشرب من الصباح الى المساء، فذكّروا بـ « أن من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه »(رواه البخاري) محذرين من أنه، كما روى احمد) « رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش..الخ ».
 
ولقد أخذت هذه الجهود الاصلاحية – نفضا للغبار عن المحركات- تؤتي أكلها فانبعثت في الامة بعد خمول طويل طاقات حركية مهمة بعد أن فكت عنها بعض قيود عقائد الجبر والعطالة وأعادت للمسلم قدرا من وعيه التاريخي وإيمانه بما خول الله عز وجل للارادة البشرية من قدرات على الفعل التاريخي لا تحد، أعادت للمسلم شيئا مما دعاه المصلح الكبير الشيخ الثعالبي بـ « الروح التحررية للقرآن »Lesprit  liberal du Coran، فما مضى بعيدا حتى استعاد أقدارا من الارتباط  بين حياته اليومية وشعائره التعبدية، والحديث عمن ظل قائما بها شكليا، فتجددت لدى قطاع واسع مكانة تلك الاركان والشعائر في حياة الامة بعد عشرات من سني ما دعاه سيد قطب بـ « الفصام النكد » بين عقيدة المسلم ونظام حياته، في سياق « علمانية » ملفقة ومرحلة من الضياع  مرت على الامة ولا تزال تمسك برقبتها من فوق بيد من حديد من خلال جيل غارب نشا في محاضن الاجانب والمحتلين وربائبهم، ألقوا في نفوسهم أنه يمكن للمسلم أن يكون مسلما صالحا بمجرد انتساب شكلي تلخصه كلمة التوحيد « لا اله إلا الله « على أهميتها، وإن تكن منزوعة الطاقة بالكامل Light مكفوفة عن كل عمل وتأثير في حياة « المؤمن » اليومية وجملة علائقه. نعم مسلم صالح، بلا صلاة؟ ولا صيام؟ ولا زكاة؟ ولا حج؟ ولا التزام في معاملاته المالية وارتباطاته السياسية  والاسرية، بما هو حلال وعدل، بل يشبع غرائزه حسب المتاح؟!.
 
غير أنه قد جرت تحولات واسعة  في قاع المجتمع بخاصة ، ثمرة لجهود الحركة  الاصلاحية منذ قرنين، بما بسطته  من  وعي عام في الامة لا يزال يتسع يوما بعد يوم، وعي بتصور شامل للاسلام ترتبط فيه العقائد بالشعائر وترتبط هذه جميعها بكل مناحي السلوك الانساني وتوجهها.
 
من هنا تأتي أهمية رمضان في خضم مناخات التجدد والصدمات التي تتلقاها الامة، لا من حيث تنامي عدد الصائمين والقائمين والذاكرين  والمعتمرين والمتصدقين والمجاهدين والواصلين للارحام والمعلمين والمتعلمين، ليس ذلك فحسب- وما من شك أن صوّام رمضان هذا سيكونون أكثر عددا من اي رمضان مر في تاريخ المسلمين، وكذا عدد الحجاج  وعدد المصلين وعدد الذين يصومون لاول مرة في حياتهم بأثر البلوغ أو بالاهتداء أو بالتوبة، إنما من حيث أن هذه الفيئة العارمة الى شعائر الاسلام رجالا ونساء شيبا وشبانا  تأتي  معززة لوعي عام ينبث في الامة: أن سبب غلبة الامم عليها تفرقها وفساد واستبداد حكامها وما أصاب تصوراتها الدينية من خواء وانكماش ، وأنظمتها الفكرية من جمود وعطالة، مما أضعف قوى المقاومة فيها عن مواجهة الطاقات الحيوية التي تفجرت في أمم الضفة الاخرى بعد أن جددت حياتها الفكرية وأنظمتها المعرفية والسياسية ومناهج حياتها فزحفت على بلاد الاسلام تجهز على بوادر الوعي والتجدد المنبعثة فيها ولكنها، رغم الكوارث التي جلبتها والالغام التي زرعتها ولا تزال تتفجر كل يوم صراعات وفتنا بين الشعوب التي امتد وتوسع فيها الوعي بالاسلام في شموله وبين النخب وكيلة الاحتلال، لم تفعل من خلال ضروب عدوانها المتواصلة على الامة من دعم لنخب متغربة دكتاتورية فاسدة وعودة للاحتلال المباشر وزرع للكيان الصهيوني في قلب الامة والتجني المتكرر على عقيدة الأمة. وآخر نسخة منه تلك التي صدرت عن أعلى مرجعية دينية في الغرب يعتقدون فيه العصمة، إذ رمى الاسلام باللاعقلانية وبأن رسوله – بابي هو وأمي –  » لم يات للبشرية إلا بما هو شرير ولا انساني » …وكأنه من العقلانية في شيء الحكم بالجملة على مؤسس دين يوجه حياة ربع البشرية وحضارة من أعظم الحضارات. وأعجب ما في الامر أن تصدر مثل هذه الاتهامات للاسلام ورسوله باللاعقلانية والعنف من قبل راس مؤسسة الباباوية المؤسسة على عقيدة التثليث وترجمتها:   (3=1) والاعتقاد في سلطة مطلقة معصومة للبابا. وكأنه من العقلانية في شيء  محاكم التفتيش وتحريق العلماء وبيع تذاكر الجنة والتحالف مع الاقطاع والراسمالية  لشن حروب الابادة والنهب لشعوب وحضارات بكاملها .. وذلك مقابل عقيدة التوحيد الواضحة التي يشهد عليها كل شيء، واعتبار التفكر والعلم بكل شيء طريقها، إذ  » ازدياد العلم بالصنعة يزيد علما بالصانع » كما ذكر الحكيم الفقيه ابن رشد الذي علّم رواد النهضة الغربية- التي قاومها اسلاف البابا- تراث العقلانية الاغريقية الذي يتمسح به البابا اليوم وكان اسلافه لقرون طويلة لم يكونوا يقيمون المحارق للمتورطين في الاطلاع عليه..
 
ولكن لأن كل ضروب عدوانهم على الاسلام وأهله تاتي والامة تعمرها صحوة واسعة فهي لن تزيد وعيها إلا تاججا وصفوفها إلا توحدا ودعوتها إلا امتدادا وصفوتها يقظة وفيئة الى الاسلام المستهدف الذي يرمى على قوس واحدة من قبل السماسرة الدوليين وخدامهم من المتمسحين بالمقدس أحبارا ورهبانا ومشايخ، في مواجهة قوى التحرر من كل ملة .
 
 يعلم المتابعون لقصة سلمان رشدي ثم لغزو العراق وفظائع فلسطين والرسوم المسيئة … كم كان لها من أثر في استعادة الوعي بالهوية الاسلامية لدى جيل كامل اسلامي نشا في الغرب غائم الهوية … بل لدى قطاع واسع من النخبة المتغربة، أخذت تتحرر من وعي زائف بالاسلام أنه حليف للرجعية وقوى الظلام والفساد ومخدر للشعوب، وذلك لصالح وعي بوقائع صارخة أن الاسلام اليوم يقف في الصف الاول يواجه بكل الوسائل قوى العولمة الامبريالية الزاحفة بأسلحتها المدمرة وشركاتها الناهبة وفنونها المنحطة . وما يحدث في  فلسطين والعراق ولبنان .. وعلى كل الجبهات ليس سوى وجه من وجوه المقاومة التي يقودها الاسلام وحلفاؤه التحرريون ،وذلك بعد أن استسلمت دول وأحزاب وشخصيات كان يظن أنها حصن الشعوب.. حقائق الواقع أصدق إنباء من الكتب.
 
ومثل هذا الوعي حدث ويحدث مع كل صدمة جديدة تتلقاها الامة بأثر الصحوة العارمة التي ياتي رمضان شاحذا لها والتي تتلاطم أمواجها فتلقي الرعب في قلوب السماسرة الدوليين ووكلائهم المحليين وهم يرون مد الاسلام مد التحرر ينداح وقواه تتواصل حلقاتها وتحقق على الارض انجازات مذهلة للعدو هازة للتوازنات الدولية كالذي حدث في لبنان على أعتاب رمضان وفي فلسطين والعراق وافغانستان والصومال،: صمودا في وجوه غطرستهم وإحباطا لمخططاتهم .
 
 ولا يقتصر الامر على ما ينجز في ميادين القتال بل الانتصارات على صعيد الصراعات الفكرية والسياسية لا يقل أهمية عن ذلك. وكانت المسيرات المليونية التي نظمت في أكثر من عاصمة غربية ضد الهجمة الامبريالية في العراق وفلسطين ولبنان تجسيدا لتواصل الحلقات بين القوى المناهضة للعولمة الامبريالية :اسلامية وقومية ويسارية متنوعة، ظهر هذا التواصل في ساحات عربية في مصر بين الاخوان والناصريين واليسار، وفي اليمن خيضت أسخن معركة انتخابية رئاسية في العالم العربي بين الحزب الحاكم المتحكم في أدوات الدولة وبين تحالف من الاسلاميين والاشتراكيين والناصريين. ورغم أن التغيير قد صدّ بقوة الدولة، إلا أن الذي حدث هام جدا.  وفي تونس كانت صدمة السلطة الكبيرة وهي ترى السنوات الاخيرة انكشاف اللعبة المفضلة للدكتاتورية: تفجير التناقضات في معسكر الخصوم واشغال بعضهم ببعض: تحتوي هذا وتستاصل ذاك وتهمش الثالث، انكشفت اللعبة إثر عدد من لقاءات الحوار بين الضحايا استبانوا فيها بيقين أن ما يجمعهم أكثر من الذي يفرقهم وأنه لا سبيل لوضع حد للدكتاتورية، بفرض برنامج الاصلاح عليها، أو بحملها على الرحيل غير ماسوف عليها، فكان تحرك 18-10-2006 الذي أثمر « حركة الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان » جامعة بين أهم فصائل المعارضة الجادة ومؤسسات المجتمع المدني وشخصيات معتبرة ، من اسلاميين ووطنيين، وكان ذلك  ثمرة لهذا الوعي الجديد وجزء من تحرك عالمي تشارك فيه أحزاب ودول وشخصيات تنتمي الى خلفيات عقدية متنوعة يجمع بينها الوعي بالخطر الامبريالي الزاحف على كل مكاسب الجماهير لصالح حفنة من السماسرة الدوليين ووكلائهم المحليين .
 
في هذا السياق يحل ركب مبارك حافل بالخيرات والبركات ركب رمضان شهر التوبة والمغفرة شهر القرآن شهر الصلاة والصدقات، شهر الفتوحات والانتصارات، شهر التواصل الاسري والزكاء والنماء وشفافية الروح، شهر تتفتح فيه ابواب السماء فيتكثف التواصل بين الخالق والمخلوق فتتصلب الارادات الواهنة ويتعزز سلطان العقل على الغريزة وسلطان المبدإ على المنفعة وإيثار الباقي على الفاني والعام على الخاص ولذة الروح على شهوة الجسد. فالحمد لك ربنا على ما تفضلت علينا وأنعمت فمددت في أعمارنا حتى أدركنا هذا الموسم للغنائم، ونسالك اللاهم من فضلك أن تجعل لنا منها فضلا ونصيبا. » من صام رمضان إيمانا واحتسابا دخل الجنة »(رواه البخاري)             
 
 (المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 24 سبتمبر 2006)

يا رجال تونس كرمكم الله فكرموا أنفسكم !

 
وأنا أتصفح المقالات المنشورة هذه الأيام على موقع النشرية الإلكترونية « تونس نيوز » التي يشهد لها التاريخ بهذه الحيادية والموضوعية في تقديم الرأي والرأي الآخر، وخاصة المقالات المتحدثة عن مسألة الحجاب في تونس خلت نفسي أمام « حلبة صراع الثيران »وما تذكرنا به من استعراض عضلات ومخاتلات، ولكن لئن كانت حلبة الثيران يختلط فيها الإنسان بالحيوان فإن هذه الحوارات كانت بين » بني آدم » جنس البشر الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا فمن المعقول أن يستشعر هؤلاء آدميتهم وإنسانيتهم ويحافظوا على مستوى أدنى من الآداب وحسن الخلق بعيدا عن تبادل الشتائم والإتهامات الرخيصة فهم يتحاورون حول مسألة شرعية مستمدة من شريعة متميزة جاء رسولها ليتمم مكارم الأخلاق داعية إلى آداب التحاور والعقلانية.

فيا رجال تونس – باختلاف توجهاتكم السياسية والفكرية – إن كانت لكم حسابات لتصفيتها فانأوا بمسألة الحجاب عنها ، فقد ابتعدتم بهذا الحكم الشرعي عن مقاصده لتحقيق مقاصدكم ! لقد كرمكم الله جميعا  فكرموا أنفسكم ولا يضيعن أحدكم ما معه من الحق والصواب في خضم ما ينطق به من الهوى في الخطاب ، ولا ينسوا أنكم جميعا وجه هذا البلد العزيز فلا تجعلوا عين العالم ترقب ما تتبادلونه من هبوط مخجل واقلعوا عن عقلية »بالسواك الحار » وحاولوا لملمة هذا الشتات لتحقيق وحدة وطنية تشريعا وتنفيذا في إطار حوار هادئ ، فكلنا تونسيون عرب ومسلمون ولا تعوزنا القواسم المشتركة.

 
أم أسيل

لماذا الحجاب؟ فلنعد إلى التقاليد

كتبه عبدالحميد العدّاسي

إذا أشرت إلى منع السلطات التونسية الحجاب في دور الدراسة وفي مواقع العمل والاستشفاء وغيرها، بادرتك ذات السلطات بنفي ما يروّج عن هذا المنع وقالت: أنّها – على عكس ذلك – تحثّ على اللباس المستور والمحتشم الذي يتماشى والتقاليد التونسية، غير أنّها مقابل ذلك ترفض  » الأشكال المستوردة  » في اللباس التي يقدمها أصحابها على أساس أنّها اللباس الإسلامي… فكلّ ما طابق التقاليد التونسية هو  » إسلاميّ « ، ولكن ليس كلّ إسلامي مطابق للتقاليد التونسية، وهو ما يعني أنّ المرجعيّة عند هذه السلطات هي التقاليد التونسية وليست التعاليم الإسلاميّة. أو لنقل بأنّ فهم هذه السلطات للإسلام لا يخرج عن إطار التقاليد وأنّ تعاملها مع مواطنيها تضبطه التقاليد التي هي في أصلها مستوحاة من الإسلام.

على هذا الأساس وسعيا لإنهاء هذا الجدل وهذا السجال الطويل حول لباس يراه المسلمون جميعا شرعيا ويراه مسلمو النّظام التونسي طائفيّا، فإنّي اقترح الرّجوع الفعلي إلى التقاليد التونسية الأصيلة، فأدعو أخواتنا وبناتنا الطالبات والتلميذات على حدّ السواء إلى الإلتزام بلبس الملاءة والسراويلات تحتها مع الاكتفاء بتغطية الرّاس بمنديل من غير الأبيض أو الأسود ( إذ البياض لا يكون إلاّ في الكفن وإذ السواد لا يكون إلاّ في لون شعر صاحب التغيير )، إلى جانب طبعا السفساري أو اللحاف وذلك حسب اختلاف التقاليد في مختلف الجهات التونسية، دون أن أنسى طبعا  » الخامة  » وهي ما يعرف بلغة المسلمين من غير التونسيين المنتظمين، بالنّقاب، فقد كانت والله تقليدا تونسيا حرّا لا تتخلّى عنه الحرائر في ولاية الجلاء بنزرت مثلا…

لنجرّب الرّجوع إذن إلى التقاليد فقد تكون الوسيلة الوحيدة لإيقاف هذا التردّي… وليلتزم الرّجال كذلك بالتقاليد: فلا يبادر الرّجل الأجنبيّ مثلا المرأة بالكلام، فإنّ في ذلك قلّة حياء صارخة في التقاليد التونسية، ولا يسير الرّجل خلف المرأة فإنّ في ذلك قلّة رجولة وتسريح نظر فيما لا يجوز له حسب التقاليد التونسية، ولا يرتاد الخمّارات فإنّها أوكار الكفرة والفاسدين حسب التقاليد التونسية، ولا يرفع صوته على من هو أكبر منه ولا يقول أو يفعل في حضرته ما يخدش الحياء فإنّ ذلك من صميم التقاليد التونسية، ولا نسيء لصاحب العلم فإنّ المعلّم والمؤدّب من أكثر النّاس حظوة في تونس حسب تقاليدنا التونسية، ولا نوقّر الظالم والمفسد والمرتشي والفاحش فإنّ هذه الأنماط من أوّل الأصناف محاربة في تونس حسب التقاليد التونسية، ولا نكرم الغانيات وبائعات الهوى فإنّهنّ رمز الرّذيلة في عرف تقاليدنا التونسية …. ولا … ولا … والقائمة طويلة واستعراضها يبيّن مدى محاربة النّظام التونسي للتّقاليد التونسية التي كانت ترفض فيما ترفض الانصياع لأبناء الحرام والظلمة والمتاجرين بأعراض النّاس أو المتعرّضين لأبناء وبنات التونسيين بالأذى…

فلنعد إذن إلى التقاليد ولننظر، فلعلّ النّظام التونسي يستجير بالطّوائف الأخرى ( وهو الذي يحارب  » الطائفية  » الإسلامية ) للتحرّر من التقاليد التونسية وذلك بعنوان مسايرة الحداثة والتطوّر وثقافة العصر…

تافه ذلك الذي يكذب على الله ثمّ على عباده، والنّظام التونسي يفعل ذلك…

دنيء ذلك الذي يخون الأمانة: أمانة الحكم وأمانة العدالة وأمانة التعليم وأمانة الإعلام وغيرها من الأمانات، والنّظام التونسي يفعل ذلك.

أرذل ذلك الذي يتّخذ التقاليد سلاحا لمحاربة التقاليد، والنّظام التونسي يفعل ذلك.

وضيع ذلك الذي يتعامل مع الظالم ويبشّر بمظالمه، والكثير من التونسيين يفعلون ذلك.

رجل ذلك أو تلك التي تلقم أفواه التافهين الحصى، ولا بدّ لنا جميعا أن نفعل كذلك…. 


 

حوار تونسي بين الألغام:

كيف لنا أن نطفئ هذه النيران ؟

 

مرسل الكسيبي (*)

 

قبل بضعة ايام من الاعلان عن أول أيام رمضان المعظم ,كانت عيني ترقب ماسيكتب الزميل الاعلامي الطموح الأستاذ برهان بسيس تعليقا على ما كتبتُه في افتتاحية صحيفة الوسط التونسية تحت عنوان » الديمقراطي العقلاني وثقافة التصنيف والتحريض « ,وفعلا لم يخب ظني حيال ما توقعت بل انني سررت بعيد ذلك بيوم واحد بتلقي مكالمة هاتفية صباحية منه ,سارع فيها الى توضيح جملة من النقاط التي لم تكن قطعية اللفظ والمبنى في مقاله المنشور حينها على صحيفة الصباح التونسية ليؤكد من خلال مكالمته أن المقصود في مقاله المذكور هو السيدة أمينة فاخت ذاك الصوت التونسي الطروب والغارق في عوالم الهيام الجسدي المفتوح, ومن ثمة كانت هذه المكالمة جسرا حقيقيا من اجل التعرف عن قرب عن واحد من أنشط الشخصيات الإعلامية التونسية.

 

لا اخفي عليكم كم كنت قلقا في كثير من الأحيان من الجرأة المتناهية التي كان زميلنا برهان يتعاطى بها في قضايا تمس الدين والمقدس في الذهن الجمعي ,غير أنني في كل مرة كنت احترم حقه في التعبير عن قناعاته الفكرية والسياسية لولا ملامتي عليه في برنامجه المقدم على شاشة الا ان بي (

ANB، التحرير) ,حيث قصره على من شاطره الرأي تقريبا والرؤية الفكرية والأيديولوجية…

 

وفي كل مرة كنت أتابع فيها برنامجه المذكور كنت بلا شك اعلم بانه يوجه رسائل معلنة وخفية الى كثير من أنصار المدارس الفكرية الإسلامية وخاصة في ساحتها التونسية,ومن ثمة كانت الفرصة سانحة للاعتراف بأن ما يطرحه صديقنا برهان لم يكن في إجماله مرفوضا من وجهة نظر شرعية او عقلية الا فيما شذ وندر ,كمثل حواره السابق مع الد.منجية السواحلي التي صرحت بمقولات لقيت ثورة العلامة الراحل عبد الرحمن خليف والمفتي الأسبق الفقيه محمد مختار السلامي وغيرهما من الشخصيات العلمية الاسلامية البارزة ,ولعلني أكون صادقا حين أقول بان واجبه الإعلامي يحتم عليه إثارة لحظات الولادة والتنوير في أي حوارات مطروحة ولكن مع مراعاة ثوابت ومعتقدات هذه الأمة كما ثوابت تونس الخضراء.

 

الملف الشائك الذي تألق فيه زميلنا برهان في جرأة المحاججة كان الملف السياسي التونسي ,غير انني أعتب عليه صراحة وبشدة موقفه أيام زمان من دعوة شارون للبلاد التونسية قبيل اشهر من تاريخ انعقاد قمة مجتمع المعلومات,لكنني أحييه صراحة عندما راجع هذا الموقف عندما اندلعت الحرب السادسة في لبنان,هذا ولا يفوتني أن أعاتبه أيضا على مرافعاته التي اتسمت بحدة سياسية مبالغة تجاه ملف حركة النهضة المحظورة رسميا في تونس,وذلك من خلال تعاطيه مع الموضوع بنظرة تملكها كثير من غياب المعلومات ولاسيما بعد مرور أكثر من عقد ونصف على ما استجد من أحداث في بداية التسعينات.

 

ولكن برغم كل ما ذكرت يبقى الزميل برهان وبكل صراحة محاورا متميزا وذكيا ولبقا يستحق منا حتى وان اختلفنا معه في كثير من القضايا كثيرا من الاحترام.

 

وعودة الى مقال جريدة الصباح الغراء والذي عنونه صديقنا برهان بعنوان قصير ومشحون تحت يافطة « ضد التطرف »,فانني لا أخفيكم قولا بأن كثيرا من الكلمات الواردة فيه كانت محملة بالالتباس بحيث انها دفعت اكثر من قلم للرد الهادئ عليه,غير انني فوجئت صراحة بمقال الأخ عبد الحميد العداسي والذي ورد في قالب من شانه أن يحكم على الآخرين بالعدمية ومن ثمة استقبحت صراحة استعماله للفظ الخناس في توصيف الأستاذ بسيس ثم الانحدار في حالة حوارية غير رصينة كنت أتوقع ان تثير كل من يقرؤه من المتابعين.

 

وعلى مدار اليومين الأخيرين كنت أتقلب بين أجنحة الغراء الصباح التونسية عساني أرى ردا غير مباشر في ركن البعد الاخر,حتى أنني رفعت السماعة لمخاطبة الأستاذ بسيس متسائلا عن مصير مقاله الدوري بجريدة الصباح ,فكان أن علمت بأن الرد في طريقه الى البريد الأليكتروني.

 

قرأت رده هذا اليوم السبت 23 سبتمبر 06 تحت عنوان عن التكفير ومدرسته ,فضحكت حين أيقنت مرة أخرى من بشريتنا وآدميتنا وطينتها نحن معشر المتخاصمين سياسيا,ولكنني حييت فيه جرأته مرة أخرى وقدرته على تصعيد الخصومة كما تبين مواطن ضعف المحاورين المشاكسين,ولكنني في نفس الوقت أسفت لحدته في معالجة ملف النهضة بشيء من التعميم والتسطيح وذلك بحكم أن النهضة كمدرسة فكرية هي اكبر من الأستاذ راشد الغنوشي ونهجه السياسي الذي يحق لنا أن نختلف معه فيه…

 

أحيي الزميل برهان على وضوحه ومبدئيته في الدفاع عن مساجين حركة النهضة ولو من منطلق انساني,ولكن أدعوه الى عدم اثارة جراحات الماضي من منطلق أن الوطن بعد مضي 15 سنة غفور للسلطة التي قمعت وسجنت وهجرت, وللنهضة التي ارتكبت بلا شك أخطاء سياسية فادحة ترتب عنها إخلال بتوازنات الفضاء السياسي وضعف للمجتمع المدني.

 

أدعوه في صدق وأدعو من ورائه الرئيس بن علي شخصيا بصفته يتابع كتاباتنا باهتمام شديد الى طي صفحة الماضي واحتضان أبناء تونس بروح العفو والصفح ومد الجسور بين الفرقاء وتجسير الهوة بين الحزب الحاكم وكل التيارات السياسية المشكلة للساحة الوطنية,على أرضية انهاء هذا الجرح النازف وتفكيك الألغام بين الدولة والمعارضين على مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية ..

 

كل ذلك من أجل بذل قصارى ما في الوسع على طريق دخول تونس ساحة الأمن والوئام من منطلق الوفاق الوطني وليس القمع السياسي ,وحينئذ فان تصفية ملف الاعتقال السياسي وبشكل نهائي ورفع المضايقات الأمنية والاجتماعية وغيرها… عن كل من أطلق سراحهم بموجب قرارات العفو الرئاسي الخاص مع التمهيد بقرارات شجاعة من أجل عودة المنفيين في ظل ضمانات قانونية يكون تاجها سن عفو تشريعي عام.

 

جماع هذه التسويات والحلول يعد وبدون أدنى شك الطريق الوحيد من اجل إنهاء هذه الحوارات والخصومات السياسية الحادة والتي من شانها أن تصعد من وتيرة الاحتقان الوطني وتبعد البلاد مسافات شاسعة عن أرضية التعايش والوئام المدني المفترض والمرقوب .

 

(*) كاتب واعلامي تونسي

      

 reporteur2005@yahoo.de

 

(المصدر: مجلة « الوسط التونسية » الأللكترونية بتاريخ 24 سبتمبر 2006)

عنوان الموقع: http://www.tunisalwasat.com


  

 

حقيقة « البابا » أم حقيقة الإسلام ؟

سلوى الشرفي

 

أثار كلام « البابا » ردود فعل تبدو متباينة لكنها تنحصر في النهاية في خانتين.

خانة المنددين بتطاول البابا على الإسلام كذبا و بهتانا و خانة الداعين إلى مواجهة « حقيقتنا المرّة » (أنظر مقال ترشيشي أمس « لماذا الهروب من الحقيقة ؟ »)

و يجد الطرفان، دون عناء، حججا يستندان إليها في النص و التاريخ. و الأمر ليس من قبيل المفارقة و لا هو بسابقة. فالنصوص و التاريخ حمالة وجوه.

 إنما تكمن المفارقة في استناد الفريقين في النهاية إلى نفس الأدوات التحليلية.

 فهما يقاربان حدثا، حصل من أسبوع، بمعلومات و أحداث و ممارسات، و إن صحت، فقد مرت عليها قرون ، و يطالبان الناس بعدم الهروب من الحقيقة.

أيّ حقيقة ؟ حقيقة البابا أم حقيقة الإسلام ؟

 أين يقف الإخبار و أين يبدأ الرأي في قول « البابا » و في قوليهما حتى نستطيع أن نقتنع برأيه أو برأي أحدهما؟

إن أهم إشكالية يطرحها القول، أيّ قول، هي مسألة توظيفه لترويج تصورات بهدف التأثير في الرأي العام و تغيير سلوكه و معتقداته. فهو إذن ممارسة تتعلق بما يعبر عنه الاتصاليون ب « الآن و هنا  »

و القول ليس فقط لغة و دلالة بل هو بالأساس معنى، لا يتكشف بقراءة استنساخية ككلام مستقل بذاته، بل عبر الظواهر التي أنتجته، و أهمها الأفق الفكري الذي يتحرك فيه المتكلم. فالقول لا يمثل إذن الواقع بل يمثل تأويل صاحبه للواقع و عندما ندخل العالم الذاتي ندخل عالم النسبية. و هو ما يفرض قراءة القول  من زاوية الشروط المصاحبة لإنتاجه.

 

 و في هذا المستوى تتغير المعادلة تماما.

 فكلام البابا الذي يمكن أن يبدو صحيحا أو خاطئا تاريخيا، حسب القراءات،  تصبح حقيقته نسبية عندما يوضع في إطار شخصية عامة نازية عنصرية تتحرك في واقع تطغى عليه منطق إيديولوجية صراع الحضارات و الإشارات إلى الحروب الصليبية و مقابلة « محور الخير » المسيحي اليهودي ب »محور الشر » المسلم.

لذلك فإن قراءة كلام « البابا » في ضوء النص القرآني أو ممارسات تاريخية غابرة هي معادلة غير عادلة وهو نفس الخطأ الذي تعمده البابا.  ف »البابا »، بحكم ثقافته و تكوينه العلمي، هو أول العارفين أن العدل يقتضي قراءة الممارسة الإسلامية التاريخية في ضوء الممارسة المسيحية أو اليهودية تاريخيا و أن الحضارة الإسلامية أنتجت علماء تستند إلى إرثهم الحضارة الحالية في حين بعثت الكنيسة بالعلماء إلى المحرقة.

أما المسكوت عنه في كلام البابا و الداعي ضمنيا إلى الدمج بين الإسلام و عقيدة الممارسين للعنف في بعض البلدان الإسلامية، فهو من قبيل ظاهرة انتقال المشاعر  TRANSFERT

 باعتباره راهبا محسوبا على المسيحية و عنصريا.

لقد أثار كلام البابا ما أثار بالنظر إلى المنصب الذي يتبوأه لكن مثل هذا الكلام أصبح رائجا في المحافل الأكاديمية. فقد « فسّر » قسّ ألماني، في محاضرة، سبب تجذر الديمقراطية في الغرب المسيحي، بتعود الناس على عقيدة التثليث التي عادلها بمفهوم التعددية الفكرية. و رأى أن سبب رفض المسلمين للتعددية هو المبدأ المركزي في عقيدتهم و المتمثل في التوحيد.

يبدو أن الكنيسة قد بدأت تدخل بقوة على خط بوش بلير لكنها تعتمد طرقا دعائية أخطر من دعاية الثنائي المنكوب في مصداقيته. فالدعاية الرمادية التي لجأ إليها « البابا »  تتمثل في خدمة هدف خفي بالاعتماد على « حقائق » تبدو بديهية أو لا يمكن إنكارها، يتم توظيفها خارج إطارها الأصلي.

لذلك يكون من الخطير السقوط في فخ هذه الدعاية عن طريق استعمال أدواتها. فهدفها الأساسي هو الجزّ بخصومها في مثل هذه الحلقات المفرغة.

 


 

 

 

تصريحات البابا

إنكار للعقل المسلم

 

بقلم ابوبكر الصغير

 

كنت متردّدا لأيّام، في الكتابة حول تصريحات البابا بنديكت السّادس عشر، وما سببه من ردود فعل شديدة في الشارعين العربي والإسلامي.

 

سبب تردّدي هو تجنّب الانخراط في هذا المسلسل الجديد الذي ابتلينا به وهو السقوط في ردود الفعل العنيفة بعد كل حركة استفزازية من جهة غربية أو حتى شرقية، تتبعها عمليات تعبئة وشحن وتسخين للجماهير…

 

عشنا وفي نفس مثل هذه الفترة تقريبا من السنة الماضية، حالة من هذا النّوع بسبب الرّسوم الكاريكاتورية الدنماركية، وقبل ذلك حصلت مستجدات مشابهة كصدور تصريحات من قبل مسؤولين غربيين بارزين… أو حتى مواقف ككتاب أو مقال في هذه العاصمة أو تلك يشتم منه النيل من الإسلام ورموزه.

 

 إن أصل الموضوع أو الإشكالية التي أفرزت ردود فعل هذه الأيام حول تصريحات البابا هي قضية العلاقة بين « الإيمان والعقل »، التي كانت الفكرة الرئيسية للمحاضرة التي ألقاها في مسقط رأسه بألمانيا وتحديدا بجامعة بون.

 

تمسكنا في ردود فعلنا بالجانب الأول وهو « الإيمان » وانتصرنا للمقدّس، وكان كل ذلك عنوان احتجاجاتنا وغضبنا. وتجاهلنا الجانب الثاني وهو الأخطر والأهم أي العقل الذي بإمكانه وحده أن يجعلنا نضع هذا الخطأ « البابوي » في سياقه التاريخي والحضاري وحتى السياسي.

 

إن إشكالية العلاقة بين الإيمان والعقل ترتقي إلى صراع انتروبولوجي قديم قدم الديانات السماوية، وقد أرادت الكنيسة أن تحتكر توفّقها وحدها الحسم في هذه المسألة وتفردها بما يسمّى فلسفيا بالمنظومة الارسطية.. وليست محاضرة البابا إلا تذكيرا بهذا الأمر و »ضربا » مقنّعا للإسلام في أهم ملكة أعطاها وخصّها سبحانه وتعالى الإنسان وهو العقل بما يعني التفكير.

 

 لم يحصل في تاريخ الفاتيكان الحديث أن برز « بابا » وأثار جدلا كما حصل مع بنديكت السّادس عشر، فهو إضافة إلى كونه معروفا بمواقفه وآرائه الدينية المحافظة فإن فترة شبابه أثارت عديد التساؤلات. إذ عمل في صفوف الجيش النازي ودخل السّجن لفترة وجيزة عام 1945، كما والأهمّ والذي تحاول عديد وسائل الإعلام تجاهله أصيب في بداية الثمانينات بنوع من الغيبوبة أثّرت فيه، لكن م اهو أخطر، ما نقل عنه من قوله أمام حشد من المصلّين أنه دعا اللّه في المجمع السرّي أن لا يصبح بابا، وأطرد معلّقا : « يبدو أن اللّه لم يستجب لي هذه المرّة !! ».

 

ويذكر وفي موقف آخر ملفت للانتباه، أنه حالما تمّ الاختيار عليه كبابا جديد بادر في إعلان غير مسبوق بإرسال تحياته للشعب اليهودي الذي قال إنه : « يشاطر المسيحيين إرثا روحيا مشتركا ».

 

إن هذه الحملات على المسلمين والإسلام، وإنكار وجود « عقل » لديهم لابد أن توضع وكما اشرنا في سياقها الحقيقي. فالمعروف عن الغرب أو في جانب منه انه لا يبادر بمثل هذه المواقف أو الأعمال إلا بعد دراسة وبحث مسبقين. كما لا نعتقد أن تصريحات البابا الأخيرة والذي بات اليوم حريصا على البروز من خلال دور تاريخي جديد أوكله لنفسه.. « بالتحالف » الموضوعي مع المحافظين الجدد الذين لا يمسكون بمقاليد الإدارة الأمريكية فحسب بل بكل العالم خارجة عن هذا السياق.

 

 وكأن البابا الحالي يريد أن يدخل التاريخ على غرار سلفه جون بول الثاني والذي نجح في القضاء على العقيدة الايديولوجية الشيوعية، من خلال انجاز « إراحة العالم » من عقيدة أخرى وهي الإسلام الذي أصبح في نظر « المحافظين الجدد » وكذلك منظري عصرنا الراهن على غرار صاحب كتاب « صدام الحضارات » صموئيل هنتغتون  مصدر كلّ « شرور وكوارث » العالم الجديد !!

 

 لهذا فإنكار وجود عقل لدى أتباع دين محمّد ليس إلا بداية إقصاء ورفض… وقد غاب عن كلّ هؤلاء بما في ذلك البابا أن الآيات القرآنية التي تحض على العقل وحدها تبلغ 49 آية في حين إنّ عدد الآيات التي تدعو إلى الفكر والتفكر 18 آية ناهيك عن أوّل سورة نزلت تأمر بالقراءة ويفوق عدد آيات العلم والعلماء والتعلّم 800 آية.

 

(المصدر: « الجريدة »، العدد 41 بتاريخ 23 سبتمبر 2006)

الرابط: http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=866&gpl=41

 


 

 

منطقة تجارة حُـرّة مع الولايات المتحدة ؟

 

بقلم جمال العرفاوي

 

أنهى الأسبوع الماضي وفد من مؤسسة « بانس » الأمريكية بمشاركة مجموعة هامة من رجال الأعمال زيارة إلى تونس استمرت يومين

.

 

وقال رئيس المؤسسة الجنرال المتقاعد من سلاح الجو الأمريكي شارل بودي انه والوفد المرافق له من مؤسسة « بانس » بالإضافة إلى مجموعة هامة من رجال الأعمال جاؤوا إلى تونس في إطار جولة مغاربية انطلقت من تونس « من أجل رسم صورة عن الأوضاع في هذا البلد الصديق والحليف ». وأوضح بودي : « نحن لم نأت هنا للقيام بصفقات تجارية ولكن من أجل التعرف على الكيفية التي يمارس بها حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة المبادئ التي نؤمن بها ونسعى لنشرها في أنحاء المعمورة

« .

 

وتعتبر مؤسسة « بانس » وهي منظمة الأعمال الأمريكية للأمن القومي (وهي مؤسسة لا تسعى للربح) مؤسسة فريدة من نوعها في الولايات المتحدة الأمريكية وهدف مؤسسيها البحث عن الفرص المتاحة في أنحاء مختلفة من العالم والتي من شانها أن تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها

.

 

وقال السيد بودي في ندوة صحفية عقدها بمقر السفارة الأمريكية بتونس قبيل توجهه والوفد المرافق له إلى المغرب : « انه وزملائه وجدوا بلدا متطورا تحترم فيه حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة ويشجع المبادرة الخاصة وهي قيم سامية نتقاسمها سوية

« .

 

وعقد الوفد الأمريكي اجتماعا مع وزير التنمية والتعاون الدولي السيد النوري الجويني وكذلك مع مساعد وزير الشؤون الخارجية المكلف بالشؤون الأوروبية السيد حاتم بن سالم كما التقى الوفد السيد أسامة الرمضاني المدير العام للوكالة التونسية للاتصال الخارجي

.

 

وفي رد عن سؤال سبب اقتصار الوفد في زيارته المغاربية على تونس والجزائر والمغرب فقط دون ليبيا قال السيد بودي أن « الوفد زار تركيا قبل المجيء إلى تونس أما في يتعلق بليبيا فانه لا توجد أية مشكلة للقيام بذلك وكذلك الأمر مع المسؤولين الليبيين فهم مستعدون لاستقبالنا ولكن كما تعلمون انه لا توجد لدينا سفارة والأمر يقتصر عن قائم بالأعمال وملحق عسكري ولا اعتقد أن شخصين فقط بإمكانهما تحمل أعباء كل هذا الوفد

« .

 

أما عن المخاطر التي يمكن أن يشكلها الإرهاب على مجتمع الأعمال قال السيد بودي : « إن رجال الأعمال حين يخططون لإقامة أي مشروع فإنهم يقومون بدراسة الفرص المتاحة والبيئة التي سينفذ فيها المشروع

« .

 

وأَضاف السيد بودي : « إن نجاح الحكومة التونسية يكمن في كونها واجهت الإرهاب من جذوره وهو القضاء على بؤر التهميش والخصاصة وهي برك يترعرع بداخلها التطرف والإرهاب

« .

 

السيد بودي كشف أن الوفد الذي يرافقه يزور تونس لأول مرة وقال : « اعتقد أنهم بدؤوا في التخطيط للعودة مجددا

« .

 

من جهة أخرى علمت « الجريدة » أن اجتماعا انطلق هذا الأسبوع بأحد ضواحي العاصمة يضم ممثلي مكاتب « ميبي » في مختلف العواصم العربية، وذلك بهدف تقييم التجربة بعد انطلاقها قبل نحو سنتين والتي تدخل في إطار مشروع الشراكة في الشرق الأوسط الذي أعلنت عنه الإدارة الأمريكية قبل خمس سنوات

.

 

وخلال الأسبوع الماضي وبمقر السفارة الأمريكية بتونس انتظم اجتماع إخباري حول آليات تمويل التي يوفرها البنك الأمريكي للتوريد والتصدير وذلك بمشاركة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وقد أدار اللقاء جون ريتشر المدير الإقليمي للبنك بالقارة الإفريقية

.

 

وخلال هذا اللقاء اطلع المصدرون التونسيون من المهتمين بالسوق الأمريكية على أنشطة البنك في الكثير من دول العالم وعلى السلع والمواد التي تحظى باهتمام السوق الأمريكية

.

 

ويذكر أن المسؤولين الأمريكيين ما فتئوا يؤكدون خلال زياراتهم لتونس عن حرصهم بعث منطقة تجارة حرة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية

.

 

(المصدر: « الجريدة »، العدد 41 بتاريخ 23 سبتمبر 2006)

الرابط:

http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=787&gpl=41


أزمة الرسوم الكاريكاتوريّة محاضرة « البابا »:

جهل بالآخر وريبة منه ونفي لحقه في الاختلاف

بقلــم: حيــاة السايــب ربما تتشابه القضية التي أثارها «البابا» بينيدكتوس السادس عشر خلال محاضرته التي أصبحت اليوم مشهورة جدا والتي لمح فيها الى ما وصفه بعجز الاسلام عن التخلص من نزعة العنف التي رافقته منذ نشأته الى الان حسب قوله، مع ازمة الرسوم الكاريكاتورية التي اندلعت منذ حوالي نصف العام ومسّت من شخصية الرسول محمد – صلى اللّه عليه وسلم – ربما تتشابه من حيث التهجم المجاني كما نراه نحن على الأقل على الاسلام ولكنها تختلف من جهة أخرى الاختلاف تمثل بالخصوص في ردود الأفعال. فان كانت الرسومات الكاريكاتورية قد خلقت جدلا حقيقيا تعلق بالخصوص باشكالية التوفيق بين حرية التعبير واحترام مشاعر الناس الدينية فان محاضرة «البابا» قطعت انفاس حتى هؤلاء المعادين للاسلام صراحة.. فلم يكن فيها اي عناصر يمكن الانطلاق منها لتكوين موقف يبرر قول «البابا» ادانة ومساندة وللتذكير فقد واجهت الرسومات الكاريكاتورية التي صدرت في البداية باحدى الصحف الدانماركية ثم نقلتها عنها صحف اخرى اوروبية بالخصوص واجهت ردود افعال مستنكرة وادانة قوية من المسلمين اشتركت فيها اغلب مكونات الدول العربية والاسلامية، لكن مقابل ذلك ، لقيت هذه الرسومات وكذلك صاحبها مساندة خاصة بالاعلام الغربي وكذلك الأطراف السياسية في الغرب. تعلتهم في ذلك ان حرية التعبير في الغرب مكسب مقدس وحق لا يمكن التراجع فيه واندفعت كما هو معلوم الديبلوماسيات في الغرب بضغط من نظرائهم العرب والمسلمين الى اظهار الأسف لما حدث لكن لم يذهب بهم الامر الى حد الاستنكار والنفي عن صاحب الرسومات حقه في التعبير بحرية كاملة.. لكن ضغوطات الشارع وخاصة مقاطعة السلع الدانماركية في عدد هام من الدول المعنية بالأمر، مكنت من تحقيق بعض النتائج الايجابية التي لسنا في حاجة للتذكير بها خاصة ان الموضوع تم تداوله في حينها من جميع الجوانب. لكن لا نريد ان نقول ان ازمة الرسوم الكاريكاتورية كانت امتحانا قاسيا لحرية الرأي والتعبير امتحانا خرج فيه الاعلام الغربي بخسارة ما، فليس في قلوبنا مرض حتى نستنكر على زملائنا في الغرب حقا نشترك في الايمان معهم بان به شيئا من القداسة الفائدة وللتذكير فانه حول هذه النقطة بالذات كان الجدل محتدا، فان كان من جانبنا اي الطرف الذي يعتبر نفسه مستهدفا من خلال تلك الرسوم قد طرحنا السؤال الى اي حد يمكن ان نتمتع بحقنا في حرية التعبير مع تجنب المسّ من مشاعر الناس الدينية بالخصوص نرى الطرف المقابل كان اقرب الى القول بان حرية التعبير لا تقف امام اي موانع وخاصة منها الموانع الدينية لم تكن اذن امتحانا بقدر ما كانت فرصة للاستفادة ما استفدناه من تلك الازمة هو التأكد من ان ما يقال من حق الاخر في الاختلاف لا ينبغي ان يكون مجرد كلام.. الواقع يؤكد ان هناك اختلافا بالفعل في الثقافات ولكن ايضا تمادي كل طرف في رفضه للتعرف عن الاخر عن قرب. صحيح ان التكنولوجيا ساهمت في التقليل بين المسافات لكن الهوة على ما يبدو مازالت واسعة بين أهل ثقافة واخرى، في فترة ما تهيأ للغرب ان حضارتهم التي لاحت متفوقة بفضل اعتمادها على اعادة اكتشاف العقل وتفانيها في خلق كل ظروف الرفاهة يمكنها ان تكون المفتاح السحري لمشاكل العالم. تكنولوجيا ومسافات ربما جعلت التكنولوجيا المتطورة حياة الناس اسهل ولكنها لم تفعل شيئا على مستوى خلق نوع من التضامن بين البشر.. بل ربما اصبح الانسان اكثر ميلا الى الحروب والا بماذا نفسر النزاعات والحروب القائمة في عدة مناطق من العالم في الوقت الذي صار فيه هذا العالم وكما تنبا بذلك الخبراء مجرد قرية كونية بفضل ثورة تكنولوجيا الاتصال وخاصة منها اكتشاف الانترنات وكيف نفهم ذلك التسابق من اجل امتلاك اخطر الأسلحة واكثرها قدرة على الفتك بالبشر؟! في خضم ذلك، يقدم الفاتيكان دليلا آخر على ان العالم امامه وقت طويل حتى يقر بجدوى التفاهم مع الاخر والدخول معه في حوار بدل الدخول في صراع بماذا استفاد «البابا» ومن افاد بهجومه غير المبرر على الاسلام؟.. ان ارادة لم تفعل سوى ان خلقت ازمة اخرى مجانية، لكنها كشفت في الآن نفسه ان هناك عملا شاقا ينتظرنا من اجل بناء ثقافة جديدة، ثقافة يؤمن اصحابها فعلا بالآخر مهما كان مختلفا. صحيح ان الحضارة الغربية مغرية ومفيدة للبشر قاطبة، لكنها مبنية على ثقافة متعالية ثقافة تقصي الآخر وتمارس نوعا من العنصرية ضد كل من لا يحمل الارث اليهودي والمسيحي.. ثقافة لا تعترف باسهامات الآخر ولا بثراء الانسانية، ثقافة تنكر على المسلمين تبجيلهم حسب ما نفهم للقوة، في حين يمارس اصحابها كل اصناف الغطرسة والرفض لمن هو مختلف.. الوصاية صحيح ايضا انه بفضل الحضارة الغربية نشات مواثيق حقوق الانسان التي نعرفها اليوم ولكن الغرب يرتد على ابرز ما في هذه المواثيق وهي حرية المعتقد واحترام الاخر على ما هو عليه من اختلاف باسم الدفاع عن النفس اي عن الحضارة الغربية.. الحصانة التي يسعى الغرب للوصول اليها ضد الارهاب اليها ضد الارهاب لا تتحقق من خلال التقليل من شأن الاخر تحت ستار الدعوة الى النقد والنقد الذاتي واظهار شكل من اشكال الوصاية عليه.. ان هذه الحصانة المطلوبة هي حق مشروع كما اننا نفهم معاناة الغرب ونتعاطف معه كلما تعرض الى اعتداء على عبادته ومكاسبه لكن ببساطة هذا لا ينفي على الاخر حقه في الاختلاف دون ان يجعله ذلك مجردا من الانسانية او يوضع في مرتبة دونية. (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 24 سبتمبر 2006)


في ندوات جمعية الدراسات الدولية:

تغييرات منتظرة لخارطة المنطقة

ورقات تقيم المستجدات بعد حرب لبنان ومؤشرات تطور ملفات فلسطين والعراق وإيران

تونس ـ الصباح نظمت جمعية الدراسات الدولية يوم الجمعة يوما دراسيا عن تطورات الأوضاع في العالم العربي والاسلامي بعد الحرب العربية الاسرائيلية السادسة التي كان لبنان مسرحا لها خلال الصائفة وسيناريوهات تجسيم المشروع الامريكي الغربي حول «الشرق الاوسط الجديد».. بمشاركة عدد من الخبراء والجامعيين والديبلوماسيين التونسيين والأجانب.. وشملت الورقات المقدمة بالخصوص مستجدات الاوضاع في مستوى الصراع العربي الاسرائيلي في الخليج لا سيما في العراق وايران.. وحضر الندوة بالخصوص السيدان رشيد ادريس رئيس جمعية الدراسات الدولية وخليفة شاطر نائب رئيس الجمعية وممثلون عن بعض البعاث الدبلوماسية بينهم 3 ديبلوماسيين صينيين وممثلين عن سفارتي فرنسا والولايات المتحدة.. السفيرأحمد ونيس: مطلوب مراقبة دولية في الجولان وفي الخط الأخضر كان أول المتدخلين في هذا اليوم الدراسي السفير أحمد ونيس الذي نوه بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية للاحتلال الاسرائيلي وقدم قراءة لتطورات الصراع العربي الاسرائيلي بعد العدوان الاسرائيلي الجديد على لبنان وعلى الشعب الفلسطيني.. وسجل السفير ونيس أن من حق المجموعة الدولية متابعة بعض الملفات منها وجود عسكري اسرائيلي واحد في الاسر لدى جهات فلسطينية.. وأسيرين لدى «حزب الله».. لكنه دعا واشنطن وساسة العالم الكف عن اتباع سياسية المكيالين.. والى الاهتمام كذلك ببقية الملفات التي تهم الشعبين الفلسطيني واللبناني ومن ورائهما كل الشعوب المحبة للسلام في العالم.. ومنها قضية وجود أكثرمن 9 آلاف أسير فلسطيني وعدد كبيرمن السجناء اللبنانيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي.. وقدم السفير أحمد ونيس ملاحظات عديدة حول قرار مجلس الامن 1701 الذي مهد الى وقف القتال بين اسرائيل والمقاومة اللبنانية.. وحول المنطقة التي أقيمت جنوب لبنان لضمان أمن اسرائيل من قبل القوات الاممية.. تساءل السفير أحمد ونيس: لماذا لا تقام منطقة مماثلة داخل الخط الاخضر (الذي يفصل نظريا دولة اسرائيل عن الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية) ومنطقة دولية في الجولان السوري المحتل لمنع تجاوزات القوات الاسرائيلية؟ الباحث الفرنسي اللبناني خطار ابو ذياب: قيمة خسائر لبنان من الحرب أكثر من عشرين مليار اعتبر الباحث الفرنسي (اللبناني الاصل) أن تنظيم «حزب الله» يحاول فرض نفسه كميليشيا قوية في النظام اللبناني.. مع تكريس وجوده كقوة موازية للدولة.. وشبه الباحث الفرنسي «حزب الله» بحركة «حماس» في علاقتها مع الرئاسة الفلسطينية بزعامة محمود عباس.. وبالنسبة للمشروع الامريكي حول الشرق الاوسط الكبير أورد الاستاذ خطار أبو ذياب «ان البعض يتحدث عن تواطؤ بعض الانظمة ضد المقاومة الفلسطينة واللبنانية.. أو عن خيانة السلطات المصرية للمطالب العربية المشروعة عبر تنازلات سياسية في غير محلها.. والواقع هو خيانة الدول العربية لمطالبها وتفويتها فرص خدمتها..».. «العرب فوتوا على أنفسهم فرص مبادرات بورقيبة والسادات.. اسرائيل عملت على الاطاحة بصدام حسين ولم يقم العرب بما ينبغي لمنع سقوط العراق.. وتعمل الان للاطاحة بالنظام الايراني.. وفي هذا خدمة لاسرائيل.. وقد تنجح في تحقيقه.. لكن مشكلة اسرائيل كانت ولا تزال داخلية.. مع الفلسطينييين والعرب الاسرائيليين أي الفلسطينيين الذين يحملون هوية اسرائيلية..» وحول الحرب الاخيرة في لبنان قال ابو ذياب: «احييي صمود المقاومة اللبنانية.. لكن بلدي خسر في الحرب نحو عشرين مليار دولار وعاد الى الوراء كثيرا من حيث بنيته الاساسية بسبب شراسة القمع الاسرائيلي وردود فعل تل ابيب على مقاتلي «حزب الله» وصواريخه..». وبالنسبة للنظام العالمي الجديد قال ابو ذياب: «نحن أمام وضع جديد من مميزاته انهيار النظام العربي وتاكد بروز ثلاث قوى جهوية هي اسرائيل وايران وتركيا».. وعن المشروع الامريكي لنشر الديمقراطية في الشرق الادنى وشمال افريقيا اعتبر الباحث الفرنسي اللبناني أن «دعوة امريكا للديمقراطية صدمت بفوز أحزاب وشخصيات من الاسلاميين في العراق (وان كانوا حلفاءها) وفي فلسطين ومصر،، (وهم من خصومها وخصوم اسرائيل).. ويالنسبة لحركة «حماس» قال ابو ذياب: «لا احد يطالب «حماس» بالاعتراف بشرعية اسرائيل لكن الحكومة الفلسطينية التي تكونها «حماس» أو تشارك فيها ينبغي ان تعترف بدولة اسرائيل لتتعامل معها حول مشاغل الشعب الفلسطيني ومطالبه».. السفير الفلسطيني سلمان الهرفي: حكومة الوحدة الوطنية بعد رمضان قدم السفير الفلسطيني بتونس سلمان الهرفي باللغة الفرنسية قراءة عن الجذور التاريخية للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين منذ وعد بلفور1917 وعلاقة نشأة دولة اسرائيل بالاحتلال البريطاني والفرنسي للمنطقة.. وتطرق السفير عن بدء جهود تشريك حركة «حماس» في المسار السياسي.. واعتبر ان «حماس» ليست اكثر تطرفا من بعض التيارات المتطرفة في اسرائيل وأوروبا مثل فرنسا وفيينا والتي تشارك في الانتخابات الاسرائيلية والفرنسية والنمساوية.. وانتقد السفير الفلسطيني معاقبة الشعب الفلسطيني بسبب ممارسته حقه الانتخابي وقراره اختيار نواب من «حماس».. ردا على بعض مظاهر سوء التصرف والرشوة والفساد.. وعلى انتهاكات اسرائيل لابسط حقوق الانسان الفلسطيني.. وذكرالسفير بكون كل الاطراف رفضت الدخول في حكومة «حماس» مطلع العام وفعلت ذلك بسبب البرنامج السياسي القديم ل«حماس» الذي يرفض الاعتراف بالاتفاقيات.. واليوم بعد أن اصبحت «حماس» مستعدة للدخول في حكومة وطنية حول برنامج سياسي جديد ياخذ بعين الاعتبار المعطيات الدولية فان فتح وجل الفصائل مستعدة للتعاون معها والمشاركة في الحكومة الوطنية.. التي رجح أن يكتمل تشكيلها بعد رمضان.. واعتبر السفير الفلسطيني أن على الفلسطينيين والعرب «تجنب الفيلة (أي الوحوش الكبار).. لان الفيلة اذا اتحدوا سيتحالفون ضد الشعب الفلسطيني.. وإذا اختلفوا فانها الكارثة لأنهم سيتنافسون في دعم اسرائيل والحاق الاذى بالشعب الفلسطيني».. السفير الفرنسي السابق بتونس بيار فانت: فرنسا دعمت السلام منذ جيسكار ديستان قدم السفير الفرنسي السابق بتونس بيار فانت مداخلة ذكر في مستهلها بتجربته الديبلوماسية في تونس في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عندما كانت القيادة الفلسطينية انتقلت من لبنان الى تونس.. واتيحت له العمل مع ديبلوماسيين تونسيين بارزين. وقدم السفير الفرنسي قراءة لدور فرنسا وأوروبا في دفع الأوضاع في المشرق العربي نحو السلام والتفاوض المباشر.. لاسيما في عهد الرئيس الديغولي فاليري جيسكار دستان.. ثم في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران الذي كان أول رئيس فرنسي يزور إسرائيل.. كما اعترف في خطابه في الكنيست الاسرائيلي عام 1982 اعترف بالدولة الفلسطينية ودعا الى تعايش دولتين مستقلتين.. وتعرض السفير الفرنسي إلى تصريحات شارون الاستفزازية لفرنسا وللاتحاد الأوربي في المنطقة.. ثم أكد على الصبغة الاستراتيجية لجهود احلال سلام دائم وشامل في المنطقة.. الاستاذ حامد الزغل: دولة كردية.. وتغيير خرائط السعودية وتركيا والعراق وسوريا وايران والاردن قدم الاستاذ حامد الزغل ورقة مطولة عن السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط تضمن قراءة تاريخية لتطورات علاقة الولايات المتحدة بالعواصم العربية والاسلامية وإسرائيل منذ مرحلة «شهر العسل العربي الأمريكي» وصولا إلى ما بعد 11 سبتمبر وإعلان الحرب العالمية على الارهاب ثم الكشف عن مشروع الشرق الأوسط الجديد.. مرورا بحرب السويس في 1956 وحرب أكتوبر رمضان 1973.. وقيام الثورة الايرانية ثم حروب الخليج المتتالية.. واعتبر الاستاذ حامد الزغل أن واشنطن تنطلق في مشروعها الخاص بالشرق الاوسط الكبير ضمن تمش شامل لمكافحة الارهاب على طريقتها.. وحسب هذا التمشي فإن «غضب الارهابيين ناتج عن غياب أنظمة ديمقراطية في أوطانهم» وهو ما بررت به واشنطن دعوتها الى الاصلاح السياسي في الشرق الاوسط الجديد الذي يمتد من موريتانيا غربا حتى الباكستان شرقا.. واعتبر الاستاذ حامد الزغل أن من بين أهداف مشروع الشرق الاوسط الجديد اعادة تغيير المنطقة حسب سيناريوهات عديدة منها سيناريو يدعو الى تقسيم العراق واقتطاع اجزاء كبيرة من تركيا والعراق وايران وسوريا عبر احداث دولة كردية و«فصل مكة المكرمة والمدينة الشريفة من جهة وتبوك من جهة أخرى عن المملكة العربية السعودية.. وضمها الى الاردن ليصبح له واجهة بحرية.. الخبير العسكري الفرنسي بيير رازوكس: فرنسا وراء البرنامج النووي الاسرائيلي الاول خصص السيد بييررازوكس (وهو خبير عسكري فرنسي) مداخلته لحديث عن اسلحة الدمار لشامل وخاصة عن الملف النووي الاسرائيلي.. وأورد الخبير الفرنسي أن ما بين مائة ومائتي راس نووي توجد حاليا لدى اسرائيل حاليا مع مؤهلات لانتاج قنبلة نووية من صنفي «أ» و«ج.». وذكر المسؤول الفرنسي بكون الزعيم الاسرائيلي بن غوريون كان منذ 1949 احدث لجنة للتمهيد لانتاج قنبلة نووية اسرائيلية.. ومنذ 1952 بدأت اسرائيل برنامجا نوويا بالاشتراك مع الولايات المتحدة التي قدمت مولدا صغيرا آنذاك لاسرائيل.. وتوقف العسكري الفرنسي عند كون فرنسا ساهمت سرا في وضع البرنامج النووي الاسرائيلي.. وهو ما توثقه الوثائق الرسمية التي أصبحت الآن علنية حاليا في الارشيف الفرنسي.. سنة 1957 قدمت فرنسا لاسرائيل مفاعل ديمونة الاول الذي كان يمهد لانتاج وقود لاغراض مدنيـــة وطرح الخبير الفرنسي عدة تساؤلات حول مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة على ضوء عدد من المستجدات منها تباين المواقف من اسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي الاسرائيلي والسلاح النووي الايرانـــي.. واجمالا فقد طرحت هذه الندوة عدة ورقات جديرة بالمناقشة ومزيد التعمق في البحث والحوار.. كمال بن يونس (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 24 سبتمبر 2006)


هكذا أسلموا…

السيدة «روزا ليندا» (هولندية): وقفت على فضائل الاسلام فأسلمت

* المنستير ـ (الشروق): السيدة «روزا ليندا» التي أصبح اسمها رحمة هي زوجة السيد محسن المجريسي وهي هولندية الاصل، ويقول عنها زوجها: «لما تعرفت عليها تركت لها حرية الاختيار في الدخول للاسلام لأنني لا أريد أن تعتنق الدين الاسلامي عن غير قناعة لكنني اشترطت عليها أن يكون ابنائي منها مسلمين فرضيت». هذه المرأة وبعد فترة أسلمت عن قناعة. فكيف أسلمت؟ وما هو رأيها في الدين الاسلامي؟ الشروق حاورتها. * السيدة رحمة متى أشهرت إسلامك بصفة رسمية؟ ـ كان ذلك يوم 22 مارس 2006. لما وقفت أمام الشيخ كمال الدين جعيط مفتي الديار التونسية ونطقت بالشهادتين وتلوت فاتحة الكتاب وبعض السور القصيرة وسألني عن أركان الدين الاسلامي. وأكدت له أنني أقوم بالصلوات الخمس وأصوم شهر رمضان المعظم. وقد كانت لحظات مؤثرة نظرا لما لسماحة المفتي من وقار وما أحاطني به من تشجيع على مزيد الاطلاع على فضائل الاسلام. * أنت اليوم مسلمة بصفة رسمية وقانونية. ـ بالتأكيد ولي وثيقة في ذلك تحمل عدد 4484، ولو أنني اعتنقت الاسلام منذ مدة. * كيف ذلك؟ ـ كان زوجي يحدثني دائما عن الاسلام، فاقتنيت مجموعة من كتب القرآن الكريم المترجم الى الهولندية وكتب أخرى تتحدث عن هذا الدين. فوجدت فيها ما أدخل الطمأنينة الى قلبي. وأول ركن بدأت أقوم به هو الصوم… فبعد سنتين من زواجي ومنذ 10 سنوات بدأت أصوم. * هل وجدت صعوبة في البداية؟ ـ بل وجدت في ذلك متعة لا توصف. فالصوم علمني الصبر والتجلد، وفيه وجدت فائدة صحية كبيرة. وما هو في الكتب لمسته على أرض الواقع على مستوى منافع الصوم. * والصلاة؟ ـ شرعت في أداء الصلاة منذ سنتين. * ولماذا تأخرت في أداء هذا الركن؟ ـ أدرك جيدا أن للصلاة أركانا وجب القيام بها الى جانب حفظ سور قرآنية. وقد حرصت في البداية على تعلم اللغة العربية والتحقت بقسم تعليم الكبار ودرست سنتين وأصبحت أجيد العربية نطقا وقراءة وكتابة، وهو ما مكنني من أداء فريضة الصلاة على أحسن الوجوه. * لاحظت أن لغة التخاطب بينك وبين زوجك وابنيك هي العربية هل من تفسير؟

ـ أحرص دائما على أن نعيش في محيطنا العربي الاسلامي ولا أسمح لنفسي بأن أبعد أبنائي عن محيط آبائهم وأجدادهم خاصة وقد وجدت في البيئة العربية الاسلامية من المبادئ والقيم ما يسعد المرء ويجعله يعيش حياة آمنة مطمئنة. * قبل إسلامك الاكيد أنك سمعت البعض يتحدث عن الاسلام بنظرة مغايرة. ألم يخفك ذلك؟ ـ كانوا ومازالوا يلصقون التهم الباطلة بالاسلام، ويصوّرونه على أنه دين عنف وإرهاب وتزمت. ولكنني بمعاشرة زوجي والاطلاع على ما كتبه باحثون عالميون عن هذا الدين الحنيف ومن خلال الواقع الذي عشته بتونس أدركت أن ما يقوله البعض تهم ملفقة الغاية منها الاساءة الى الاسلام الذي هو في الحقيقة دين تسامح ومحبة وإخاء.

حاورها: المنجي المجريسي (المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 24 سبتمبر 2006)  

 


 

ليبيا تهيب بالدول المتقدمة معالجة الهجرة غير المشروعة

طرابلس – محمد عبعوب دافع الكاتب العام لأمانة الأمن العام الليبية (وزارة) عمران السوداني عن جهود ليبيا في مجال معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. واتهم الغرب باستغلال هذه الظاهرة لإحداث اضطرابات سكانية في القارة تعرقل انطلاقها نحو الوحدة والتنمية. واعتبر السوداني في ورقة قدمها امام ندوة عن ظاهرة «الهجرة غير الشرعية – اسبابها وتداعياتها»، نظمتها جمعية الوفاء الخيرية الأهلية الليبية، ان ظاهرة الهجرة غير الشرعية الى ليبيا «أخذت في السنوات العشر الاخيرة طابعاً خطيراً يظهر مؤشرات لعمل مخابراتي يستهدف إحداث خلل في البنية السكانية في البلاد، خصوصاً في الجزء الجنوبي منها الذي يتعرض لموجات هجرة كبيرة من مختلف بلدان القارة الافريقية». وأوضح المسؤول الليبي أن ليبيا التي «تعاملت في بداية الأمر بكل براءة مع الظاهرة واستقبلت المهاجرين من باب التعاطف الانساني مع مأساتهم، وجدت نفسها في أزمة حقيقية، اذ تعاني على المستوى الداخلي من تبعات اجتماعية واقتصادية وصحية وأمنية سلوكية نتيجة هذه الهجرات، فيما يوجه لها بعض الأطراف اللوم في شأن اتخاذ شواطئها معبراً للهجرة نحو اوروبا». وأكد السوداني أن ليبيا «بذلت جهوداً مضنية وما زالت لمعالجة هذه الازمة، وهي تتفوق على الدول الاوروبية في معالجة هذه الازمة لجهة اسلوب التعامل مع المهاجرين الذين يتلقون كل الخدمات والتسهيلات في ليبيا لاعادتهم الى بلدانهم». وأوضح ان السلطات الليبية «تبذل جهوداً غير مسبوقة في التصدي لسيل الهجرة. وتنفق أموالاً طائلة لتأمين الرحلات الجوية والبرية لإعادة المهاجرين الى بلدانهم، فضلاً عما تقدمه لهم خلال اقامتهم في مراكز الايواء، اذ تبلغ قيمة الانفاق على كل شخص 15 ديناراً في اليوم. كما تواجه مشاكل مع دول الجوار في تسهيل اعادة المهاجرين الى بلدانهم». ونبّه المسؤول الليبي الى «حجم الكارثة التي تجرها ظاهرة الهجرة، على الدول المستهدفة بالهجرة والدول المصدرة لها وعلى المهاجرين أنفسهم». وأوضح أن ليبيا التي تؤوي ما يزيد على مليون ونصف مليون مهاجر «تعاني من مشاكل كبيرة نتيجة موجات الهجرة تتعلق بسوق العمل وانتشار الجريمة وتطورها وانتشار الامراض ومشاكل امنية وسياسية يجلبها المهاجرون معهم». وعن آثار الهجرة على المهاجرين، أشار السوداني الى أن المهاجرين «يواجهون الموت منذ انطلاقهم من بلدانهم سواء بسبب العطش في الصحارى القاحلة او الغرق في البحر خلال توجههم الى اوروبا». وأعلن أن البحر «يقذف الى السواحل الليبية يومياً بمعدل اكثر من 20 جثة لمهاجرين فشلوا في الوصول الى وجهتهم». وأوضح أن الاجهزة الامنية «تضبط يومياً ما يزيد على 100 مهاجر غير شرعي، يُجمعون في مراكز الايواء ليعادوا الى بلدانهم»، لافتاً الى أن الأجهزة الأمنية المختصة «تمكنت من ضبط 1258 متسللاً من جنسيات مختلفة كانوا في حال شروع في الهجرة غير الشرعية، إنطلاقاً من الأراضي الليبية في اتجاه أوروبا بين الاول من ايلول (سبتمبر) الجاري و11 منه. كما رحّلت في المدة نفسها 1716 متسللاً من جنسيات مختلفة». وناقشت ندوة «الهجرة غير الشرعية» الاسباب والتداعيات والقانون الدولي. وأجمع المشاركون في أوراقهم على أن «أي تأخير في معالجة هذه الظاهرة يعني فقدان الآلاف أرواحهم او معيليهم». وأهابوا بالدول الجاذبة للهجرة بـ «تحمل مسؤولياتها في وضع حلول جذرية لهذه الظاهرة وعدم الاكتفاء بلوم الدول المصدرة للهجرة». (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 24 سبتمبر 2006)


درس أميركا اللاتينية لقوى اليسار العربي

وحيد عبد المجيد (*) لا يخطر في بال الرئيس البرازيلي اليساري لولا دي سيلفا أن يعدل الدستور ليسمح ببقائه في السلطة بلا حدود، بخلاف الرئيس الفنزويلي (اليساري أيضا) هوغو شافيز الذي كُشف النقاب قبل أيام عن أنه يعد لتعديل دستور بلاده بما يتيح إعادة انتخاب رئيس الدولة من دون حد أقصى. كما لا يمكن للرئيس البرازيلي، الذي تنتظره انتخابات ساخنة الأحد المقبل، أن يصر على البقاء رئيسا إذا خسر حتى إذا كانت خسارته بفرق طفيف للغاية، بخلاف المرشح اليساري لوبيز أوبرادو الذي هُزم في الانتخابات الأخيرة في المكسيك، فرفض الاعتراف بالنتائج ونصب نفسه قبل أيام رئيسا ليحدث انقساما قد يقود البلاد إلى كارثة. فما أبعد المسافة بين دي سيلفا الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية الأحد المقبل من ناحية، وشافيز الذي يخوض انتخابات مماثلة في 3 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وأوبرادو الذي خسر انتخابات رئاسية بفرق طفيف للغاية من ناحية أخرى، بالرغم من أن ثلاثتهم محسوبون على اليسار. ولكن الفضاء اليساري واسع، ويزداد اتساعا على نحو يجمع تحت لافتته الكثير من الفرقاء. وتمثل أميركا اللاتينية أهم مختبر في عالم اليوم لليسار بمختلف أطيافه التي يبرز بينها تيار اليسار الديموقراطي العريض وتيار اليسار القومي الشعبوي الأعلى صوتا والأقل حضورا. التيار الأول الديموقراطي وصل إلى السلطة في بلاد أهمها البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وتشيلي وبيرو. والتيار الثاني الشعبوي يحتل السلطة في اكوادور وفنزويلا وبوليفيا. وكان مرشحه في المكسيك قاب قوسين من السلطة قبل أن يخسر بفارق بسيط وتعتمد المحكمة العليا فوز منافسه المحافظ فيليب كالديرون. بعض من الفرق الكبير بين التيارين نلمحه في حملة البرازيلي دي سيلفا الانتخابية التي أظهرت تقدمه على منافسه اليميني، بالرغم من أن السنوات الأربع التي أمضاها في السلطة لم تكن كافية لتحقيق وعده الكبير بوضع حد للفقر. غير أن القدر الذي حققه يوفر له قاعدة انتخابية تكفي غالبا لفوزه بفترة الرئاسة الثانية، التي لا يفكر في السعي إلى ما بعدها، على عكس الرئيس الفنزويلي شافيز. ولكن احترام الدستور والإيمان بالديموقراطية ليس هو الفارق الوحيد بين دي سيلفا وشافيز. فثمة فروق كبيرة أخرى لا يبدو أن الكثير من اليساريين العرب ينتبهون إليها، الأمر الذي يؤدي بهم إلى وضع يسار أميركا اللاتينية كله في سلة واحدة يستحيل أن تتحمل الخلافات الواسعة بين فرقائه، خصوصا الديموقراطيين والقوميين الشعبويين كما يتجسدان في دي سيلفا وشافيز. فاليسار العربي، الذي ينتمي معظمه إلى فريق ثالث لا وزن كبيرا له في أميركا اللاتينية والعالم اليوم وهو اليسار التقليدي، متفائل بما يحدث في هذه القارة. وفيها بالفعل ما يبعث على التفاؤل بعالم أفضل. لكن هذا التفاؤل مبعثه صعود اليسار الديموقراطي، وليس اليسار الشعبوي الذي يثير إلهام اليسار العربي أكثر، بالرغم من أن بروزه على الساحة يعود إلى عوامل عرقية أكثر مما يرتبط بصراعات ذات طابع طبقي. ولا يقلل من أهمية هذا الفرق أن الهنود الأصليين الذين رفعوا الرئيس ايفو موراليس مثلا إلى السلطة في بوليفيا فقراء. فهم وقفوا معه باعتباره معبرا عن طموح الهنود السمر القومي قبل كل شيء، بينما وقف ضده فقراء بيض في المناطق الشرقية التي كان المناضل العظيم تشي غيفارا حاول أن يشعل الثورة الفلاحية انطلاقا منها واعتمادا عليها، وليس على نظرائهم ذوي الأصل الهندي لأن الانتماء العرقي غالب لديهم على الوعي الطبقي. ولذلك يعطي الحكم اليساري – القومي في بوليفيا الأولوية لإنهاء التمييز العرقي بخلاف ما يعمل من أجله اليسار الديموقراطي في البرازيل ودول أخرى من القارة، والذي يمثل امتدادا لتجربة سلفادور الليندي في تشيلي والتي قضى عليها في مهدها عام 1973. ولكن بالرغم من أن اليسار الديموقراطي يضع محاربة الفقر في المرتبة الأولى، فهو لا يثير ضجيجا في هذا المجال – ولا في غيره – بخلاف اليسار القومي في بوليفيا وفنزويلا. فقد ركزت حملة دي سيلفا الانتخابية مثلا على توفير فرص التعليم والعمل للفقراء في المناطق الأكثر فقرا التي توطنت فيها الجريمة على مدى عقود. ومن هذه المناطق ما نال شهرة عالمية عندما بدأت ثورة الاتصالات تكشف ما كان مخبوءا قبلها في أنحاء الدنيا. لم يجد الرئيس المرشح لفترة ثانية حرجا في أن تنتقل الكاميرات معه إلى منطقة «سيتي أوف جاد» التي تعتبر من أكثر مناطق العالم فقرا. كان في إمكانه أن يتجنب زيارتها. ولو أن شافيز مثلا في مكانه، لما زار منطقة يجلب تصويرها له أشد الحرج. لكن دي سيلفا الصادق مع نفسه، وشعبه، ذهب. وكان في ذهابه اعتراف بأن هذه المنطقة ومثيلاتها لم تحظ بنصيب معقول من إصلاحاته في فترة الرئاسة الأولى، لأنه يفضل أن يحدث تغييرا يؤدي إلى انتشال الفقراء من فقرهم بشكل نهائي على أن تقدم حكومته لهم بعض المساعدات الموقتة التي لا تقيهم شر العوز. لذلك فهو لم يبدأ عهده بإجراءات جذرية تثير الضجيج، بخلاف موراليس الذي بدأ عهده بتأميم قطاع الغاز الطبيعي. فاليسار الديموقراطي لا يؤمن بالتأميم إلا لضرورة قصوى. ويرى الاتجاه الغالب في هذا التيار أن التأميم يحرم البلاد من استثمارات لا يمكن رفع مستوى حياة الفقراء من دونها، ويصعب تعويضها. لكنه لا يلجأ إلى خصخصة الشركات والمشروعات العامة إلا للضرورة القصوى أيضا. كما يضع ضوابط للاستثمار الأجنبي توازي ما يقدمه له من حوافز ومغريات لاقتناص نصيب منه في ظل منافسة ضارية في السوق العالمية. غير أن الفارق بين اليسار الديموقراطي واليسار الشعبوي لا يقف عند هذا الحد. فكل من التيارين يعتمد سياسة تعبوية، ولكن شتان بينهما. الحكومات اليسارية الديموقراطية تعنى، قبل كل شيء، بتعبئة قدرات وطاقات شعوبها الكامنة، وبالتالي رفع مستوى التعليم وخلق نخبة متميزة علميا ومعرفيا وتشجيع المبادرات الخاصة وجذب الاستثمارات الأجنبية. أما الحكومات الشعبوية فتسعى في المقام الأول، إلى تعبئة شعوبها، أو القطاعات المؤيدة لها في هذه الشعوب، ضد قوى الإمبريالية والعولمة وشحنها بالسخط والغضب على هذه القوى. كما ينعكس الفارق في السياسات على نوع الخطاب السياسي هنا وهناك، فالحكومات الاشتراكية الديموقراطية تؤكد في خطابها البناء الداخلي، بينما يركز خطاب الحكومات الشعبوية على المواجهة ضد القوى الخارجية المعادية. لذلك يتسم خطاب الأولى بالعقلانية حتى عندما يتطرق إلى رفض سياسات أميركية أو أوروبية، إذ يعنى بالوقائع والأرقام ويعتمد على الحجة والمنطق. أما خطاب الثانية فتغلب عليه الشعارات، ويبدو أقرب إلى الخطب العصماء أو الهتافات الصارخة. ولأن الفعل أبلغ من الكلام، نجد أن سياسات برازيل دي سيلفا تسبب للولايات المتحدة إزعاجا يفوق بكثير ما يترتب على خطب موراليس وشافيز. كان دي سيلفا، وقرينه الأرجنتيني نيستور كيرشنر، هما اللذان أحبطا خطة إدارة بوش لإقامة سوق أميركية مشتركة بشروط تحقق مصالح الولايات المتحدة في المقام الأول. كما أن نضالهما، ومعهما رئيس أوروغواي تاباري فاسكيز والرئيسة التشيلية الجديدة ميشال باشليه، كان له أثره في مفاوضات التجارة العالمية لمصلحة الدول النامية. هذا التيار – وليس غيره – هو الذي يمكن أن يعيد لليسار مجده الذي فقده، وللعالم توازنه الذي خسره. فالمستقبل هو لليسار الديموقراطي. وهذا هو درس أميركا اللاتينية لليسار العربي الذي يبدو قطاع واسع منه مبهورا بشافيز أكثر من دي سيلفا، أي بدولة الخطاب الثوري الزاعق وليس بدولة البناء الاشتراكي الهادئ. (*) كاتب مصري (المصدر: ملحق « تيارات » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 24 سبتمبر 2006)  


 

أول مسلمة تحوز جائزة نوبل للسلام …

شيرين عبادي: متمسكة بالإقامة في وطني إيران ونضالي خيار شخصي والجائزة تسببت لي بمشاكل

عمّان – فاديا فهد أُحبُّ هذه المرأة… وإن التقيتَها مرة، ستحبُّها حتماً. فشيرين عبادي، المحامية الإيرانية الحائزة جائزة نوبل للسلام، امرأة استثنائية حقاً. ليست مناضلة سهلة، ولا يمكن أن تكون، «فلو فكّر كلّ منا بنفسه فقط، كي لا يصير العالم مكاناً أسوأ للعيش». تناضل بعزيمة من لم يعرف التخاذل يوماً، ولا تنفكّ تؤكد لك، بثقة كبيرة، ان التغيير آتٍ لا محالة.

فقط عندما تحاورها، تكتشف أيّ كاريزما تجعل من هذه المرأة البسيطة المظهر والبعيدة عن كلّ تكلّف، رمزاً عالمياً للسلام والدفاع عن حقوق الإنسان. «أعذريني لا أجيدُ الإيرانية»، قلتُ لها بانكليزية متمهّلة، «لكنني أرغبُ حقاً في إجراء هذا الحوار معك». فأومأت برأسها إيجاباً ان فهمت طلبي ووافقت عليه… ثم قالت بإنكليزية بسيطة: حسناً، نلتقي هنا هذا المساء، ويقوم بالترجمة صديقي الدكتور فرهانغ جهانبور (أستاذ محاضر غير متفرّغ في كلية التعليم المستمرّ في جامعة أكسفورد البريطانية، متطوّع لمرافقة شيرين عبادي وزوجها في أسفارهما الخارجية). وهكذا كان. > كيف غيّرت جائزة نوبل للسلام حياتك؟ وهل ساعدتك في عملك الحقوقي الإنساني في بلدك إيران؟ – عندما نلتُ جائزة نوبل للسلام، لم تكن محطات التلفزة والإذاعة الإيرانية، وهي مؤسسات حكومية، مستعدّة لنقل الخبر الذي لم تبثّه سوى محطة واحدة عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، بعدما تناقلته وسائل الإعلام الغربية والعالمية قبل 24 ساعة . في الواقع ان الجائزة لم تساعدني في عملي داخل إيران، بل على العكس تسبّبت لي بالكثير من المشاكل. فبعد أن تسلّمت الجائزة، استُدعيت ثلاث مرات الى المحكمة بتهمة معارضة الحكومة. ولكن على الصعيد العالمي، ساهمت الجائزة في أن يصبح صوتي مسموعاً أكثر خارجاً. > هذا يعني ان النساء الإيرانيات لا يمكنهنّ أن يستمعن الى ما تقولينه. وكلّ ما تقولين موجّه إلى الغرب… – كما سبق أن قلت، إن محطات التلفزة والإذاعة في إيران مؤسسات حكومية، لا تنقل تصريحاتي وأخباري. لحسن الحظ ان بعض الصحف الإيرانية المستقلّة ينقل بعض ما أصرّح به. ويمكن القول انني أكثر شهرة خارج إيران، من داخلها، وذلك نتيجة الرقابة المتشددة. إن كتاب مذكراتي الذي ترجم الى 60 لغة، لم يحصل حتى الساعة على الإذن بنشره في إيران. > بالحديث عن كتابك الذي يحمل عنوان «إيرانية وحرّة، نضالي من أجل العدالة»، لماذا قررتِِ ان تنشري مذكراتك الآن؟ – أنا امرأة تنتمي إلى الطبقة الوسطى. وقد قلتُ لنفسي انه بكتابة مذكراتي، يعرف العالم بأسره كيف تعيش الطبقة الوسطى في إيران. كثيرون في الغرب لا يعرفون إيران إلا من خلال ما يقرأونه عن التمييز في القوانين الإيرانية. ويعتقدون بأن كلّ النساء الإيرانيات مقموعات وغير متعلّمات، مكانهنّ المطبخ. وهذا غير صحيح. أردت ان يقرأ العالم عن واقع النساء الإيرانيات كما هو. > في كتابكِ تلقين الضوء على نساء الطبقة الوسطى في إيران، ولكننا نعلم ان المشكلة تكمن أكثر في الطبقة الدنيا، حيث يتفشّى الجهل والفقر، ويكثر التمييز. وهذا لا ينطبق على إيران فقط، بل على الدول العربية أيضاً. كيف السبيل الى تغيير هذا الواقع؟ ومتى تخطو مجتمعاتنا خطواتها المفصلية نحو المساواة؟ – إنّ تعليم النساء وتثقيفهنّ كفيل بأن يقود المجتمع نحو المساواة الكاملة، وسنّ قوانين لا تميّز بين امرأة ورجل. وهناك رأي للدكتور الترابي يوضح ان الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة ويؤكد ان شهادة النساء أهمّ من الرجال. كما ان الكثير من المثقفين في إيران يعتقدون بأن من الممكن الحصول على تفسير أفضل للإسلام. > تحدّثت في مقابلات سابقة عن حالات فتيات زُوّجن في سنّ الثالثة عشرة، هل ما زال هذا الأمر رائجاً حتى الآن؟ – قانونياً ما زال زواج الفتيات في سنّ مبكرة جائزاً، ولكن هكذا زواجات باتت نادرة خصوصاً مع ازدياد الوعي أكثر فأكثر. وهذا لا ينفي وجوب تغيير القانون الذي يسمح بزواج الفتاة في سنّ مبكرة، مثلما يجب تغيير قوانين كثيرة منها عدم المساواة في مسألة الديّة، فديّة امرأة تساوي نصف ديّة الرجل، فإذا حصل حادث اصطدام سيارتين، واحدة لرجل وأخرى لامرأة، تحصل المرأة على نصف حقّها في تعويضات الأضرار. > في ظلّ هذا الواقع القانوني، هل حقاً تريدين لابنتيك (نيغار27 ونرجس 24) أن تكبرا في إيران، أم تريدين لهما أن تترعرعا في دولة أجنبية تحترم حقوق المرأة أكثر؟ – ابنتاي إيرانيتان، وعليهما أن تكبرا في وطنهما، وتذهبا الى الجامعة في ايران، وبعد أن تنهيا تحصيلهما الجامعي، يمكنهما أن تسافرا الى كندا للدراسات العليا، شرط أن تعداني بالعودة الى إيران، حالما تنهيان دراستهما، لتعيشا في وطنهما الأمّ. > لكنّ حقوقهما قد تكون محفوظة أكثر في بلد غربي…! – لو فكّر كلّ منا في نفسه فقط، لصار العالم مكاناً أسوأ للعيش. دعيني أشرح لكِ: أُشبّه إيران بأمي. إذا كانت والدتك عجوزاً ومريضة، هل تتركينها وحدها عند قارعة الطريق، ثم تعودين الى منزلك كي ترتاحي وتتخلّصي من توترك؟ ام انك تبذلين كلّ جهد كي تقدّمي لها الرعاية والشفاء. إيران هي موطني الأم، وعليّ ان أبذل كلّ جهد كي أقدّم لها الرعاية والشفاء. > حتى لو كلّفك ذلك حياتك؟ تصافح السيدة هيرو جلال طالباني – كلّنا يموت ذات يوم، ولا أحد يعرف متى تأتي ساعته. وفرح المرء وعزاؤه أن يكون قد عاش الحياة التي أراد واختار. نضالي هو خياري الشخصي، طريق أمشيه حتى النهاية. > ألا تخافين؟ ألم تعرفي الخوف عن كثب؟ – الخوف هو غريزة تماماً كالجوع. تشعرين بالجوع غصباً عن إرادتك، لأنّ الغريزة خارجة عن تحكّم الإرادة. وعندما نواجه مشكلة أو وضعاً معيّناً نخاف غريزياً. سأكون صريحة معكِ: انا مهدّدة، ولكنني تعلّمت خلال عملي في هذا المجال سنوات طويلة، كيف أتغلّب على خوفي، وعرفت كيف أمنع الخوف من ان يتحكّم فيّ أو في نشاطاتي أو قناعاتي، فلا يغيّرني. > هذا يعني انك لا تفكّرين عندما تخرجين كلّ صباح ان قد يكون هذا هو اليوم! – أحاول ان أبدأ نهاري بتفكير إيجابي، وليس بتفكير سلبي. لو فكّر المرء فقط بالموت لصار عاجزاً عن القيام بأيّ عمل. الخوف شلل كلّي. > أيُعقل انك، وخلال 30 عاماً من العمل النضالي المتواصل، لم تشعري بالتخاذل يوماً؟ – لا يحقّ لي أن أفعل، كما لا يحقّ لي أن أكون متشائمة. إنني كمركب في وسط محيط، إن لم تتحرّك، تغرق. فلنتحرّك في الاتجاه الصحيح، في اتجاه شاطئ الأمان… وهذا ما أفعله: أجذّف بكلّ ما أوتيت من قوّة. > تسود الغرب فكرة خاطئة عن الإسلام، هل يمكنك أن تتفهّمي سوء التفاهم هذا؟ – الحكومات الإسلامية غير الديموقراطية تجد في الإسلام ذريعة كي تبرّر انتهاكها لحقوق الإنسان في شكل عام، والمرأة في شكل خاص، وهم ينسبون إلى الإسلام القوانين القامعة التي يسنّونها. إن للإسلام، شأنه شأن أيّ ديانة أخرى، تفسيرات مختلفة. لنأخذ المسيحية مثالاً: لقد سمح بعض الكنائس المسيحية بزواج المثليين، في حين تحرّمها كنائس مسيحية أخرى. الأمر نفسه ينطبق على الإسلام. إن أوضاع المرأة المتفاوتة في الدول الإسلامية المختلفة، تؤكد على ان للإسلام تفسيرات مختلفة. ففي الوقت الذي تتبوأ المرأة في بنغلادش واندونيسيا وباكستان، منذ سنوات طويلة، مناصب رفيعة كرئاسة الوزراء، تناضل نساء أخريات في دول أخرى من أجل الحصول على حقّهنّ في الحياة، فلا يوأدن لدى الولادة. وفي دول مثل تونس والأردن، تساوى الرجل والمرأة في الديّة. السؤال الذي يطرح اليوم، في بداية القرن الحادي والعشرين، هو: أي تفسير لأيّ إسلام نريد؟ نريد تفسيراً يحترم حقوق المرأة، فنتخلّص من التمييز. > بعد نضال طويل في مجال حقوق الإنسان والمرأة، ماذا تريدين ان يتحقق في ايران كي تشعري بالرضى؟ – آمل ان تصبح إيران وطناً أستطيع فيه أن أتحدّث على الهاتف ولا يتمّ التنصّت الى مكالمتي، حيث يمكنني أن أصوّت فيه لمن أريد، وليس فقط للمرشحين الذين يوافق عليهم مجلس تشخيص مصلحة النظام، وأعبّر عن وجهة نظري بحرية من دون أن أعاقب على رأيي، وحيث توزّع الثروات بعدل أكبر بين مواطنيّ، لأن الفروق الاجتماعية اليوم كبيرة وكبيرة جدّاً. > اعتقدت بأنك ستذكرين أموراً عن حرية المرأة… – ان حرية المرأة هي من حرية الفرد، وتحقّق حرية الإنسان يعطي المرأة حقوقها بلا شك، لأن حقوق المرأة هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. ما ذكرته عن ايران هو الحدّ الأدنى من حقوق الإنسان. > الممارسة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان درجات، أين تصنّفين إيران على هذا السُلّم؟ شيرين عبادي مع زوجها وابنتها مقارنة بالعديد من الدول العربية، الديموقراطية في ايران أفضل بكثير. ولكننا مازلنا دون الديموقراطيات الأوروبية. الأهم في الممارسة الديموقراطية، هو أيّ مساحة من الديموقراطية يريد هذا الشعب أو ذاك، ويطالبون حكوماتهم بتطبيقها. الوعي الاجتماعي والسياسي في إيران عال جداً، والإيرانيون يطالبون حكومتهم بديموقراطية متقدمة أكثر، في حين لا يملك بعض الشعوب العربية التوقعات والمطالب نفسها من حكوماتهم. وعلى رغم ذلك نجد ان الغرب لا يركز سوى على حقوق الإنسان في إيران من دون غيرها من بعض دول المنطقة. ولكن، علينا ألا ننسى ان إيران ليست صديقة لأميركا، وهذا يفسّر الحملة الغربية عليها ومطالبتها بالتخلي عن الطاقة النووية. > ما هو موقفك الصريح من مسألة السلاح النووي في إيران؟

– أنا ضد الأسلحة النووية من حيث المبدأ وأعارض اقتناءها. وأؤمن بأن لا دولة تحتاج الى الأسلحة النووية لتحفظ أمنها، لا إيران ولا إسرائيل ولا باكستان ولا أميركا. ولكن آمل أن يأتي اليوم الذي يتمّ فيه تدمير كلّ الأسلحة النووية في العالم. في ما يتعلّق بالسلاح النووي الإيراني، تقول أميركا إذا حصلت إيران على أسلحة نووية ستكون خطراً على السلام والأمن في الشرق الأوسط، لأن الإيرانيين شعب متطرف وحكومتهم غير ديموقراطية وتساعد المتطرفين. ولكن يبدو ان أميركا نسيت ان الحكم في باكستان غير ديموقراطي، والطالبان والقاعدة يملكان قواعد في باكستان، مع ذلك لم تعترض أميركا على ان تمتلك باكستان أسلحة نووية. والفرق الوحيد بين إيران وباكستان هو ان هذه الأخيرة صديقة لأميركا، في حين ان ايران ليست كذلك. والإيرانيون لا يفهمون ولا يقبلون بهذه المقاييس المزدوجة التي تعتمدها أميركا. > هل تعارضين أيضاً تدخّل منظمات غربية في ملفّ حقوق الإنسان الإيراني؟ – ملفّ حقوق الإنسان مختلف عن الملف النووي: بمعنى ان ملفّ حقوق الإنسان هو عالمي شامل، وأوضاع حقوق الإنسان في أيّ مكان من العالم هي مسألة تهمّ كلّ العالم. أنا في إيران أشعر بأنني معنيّة بالعنف الذي يمارس ضد أطفال فلسطين، كما يشعر الغرب انه معنيّ بحقوق المرأة في إيران. وعندما يتحدّث أحدنا عن حقوق الإنسان في دولة ما، فهو يهدف الى رفع مستوى هذه الحقوق فيها. وهذا ليس تدخّلاً أجنبياً في شؤونها. > الديموقراطيات في المنطقة مرهونة بعصر آخر… هل توافقين البعض هذا الرأي؟

– الأمور بدأت تتحرك في الاتجاه الصحيح، علينا ان نعمل أكثر ولا نفقد إيماننا بإمكان التغيير. أحبّ ان أضيف شيئاً عن الديموقراطية نفسها: إنّ الغالبية التي تصل الحكم عن طريق الانتخابات لا يحقّ لها ان تفعل ما تريده، بل عليها أن تحفظ حقوق الأقلية التي لم تمثّل في الحكم. لنتذكر ان كلّ الديكتاتوريين وصلوا الحكم عبر فوز ساحق في الانتخابات، ومنهم هتلر وموسوليني. عندما تصل غالبية ما الى الحكم، عليها ان تراعي الأطر العامة للديموقراطية وحقوق الإنسان، ولا يحقّ لها قمع النساء ولا سنّ القوانين التمييزية باسم الأكثرية. فالغالبية ليس لها الحقّ في ان تحرم الآخرين من حريتهم كي تفرض ايديولوجيتها الخاصة. الحكومات لا تأخذ شرعيتها فقط من صندوق الانتخابات، بل تستمدّها من الصندوق ومن مدى احترامها لحقوق الإنسان. لذا اذا وصلت مجموعة راديكالية الى الحكم، تفقد شرعيتها إن انتهكت حقوق الإنسان وحريته. > هل تعتقدين بأن النساء في مراكز السلطة عادلات ومنصفات لقضايا المرأة؟ – عندما يكون المرء في السلطة، لا أنظر الى جنسه بل الى طريقة تفكيره. هناك كثيرات في السلطة أكثر عنفاً من الرجال أنفسهم. كما هناك رجال أكثر مطالبة بحقوق المرأة من النساء أنفسهن. لا جنس المرء، ولا لونه، ولا هويته يهمّ… ما يهمّ هو برنامج العمل الذي يعمل به. مع الأسف ان بعض النساء لا يؤمن بالمساواة. ولحسن الحظ ان بعض الرجال يؤمنون بالمرأة ودورها البارز في المجتمع. > كمناضلة كبيرة من أجل حقوق الإنسان، تمدّين نساء كثيرات في العالم بقوة الاستمرار. ما هي صفات المناضلة الجيدة والمؤثّرة في الآخرين؟ – كي تكوني مناضلة صلبة، عليكِ أن تؤمني بالقضية التي تعملين من أجلها، ولا تساورك الشكوك لحظة واحدة، ولا تتخاذلي أمام الصعاب التي ستعترضك، مهما كانت. عليكِ أن تكوني مستعدة لدفع الثمن الضروري لتحقيق أهدافك، عندها لا يعود يخيفكِ شيء. ومن المهمّ أيضاً ان نختار طريقاً مسالماً لتحقيق أهدافنا، بعيداً عن العنف، وأن يكون خطابنا جاذباً لأكبر عدد ممكن من الناس. خطاب مفعم بالقناعة الشخصية، إذ علينا أن نقتنع شخصياً بأحقيّة قضيتنا، قبل أن نتوجّه الى الآخرين ونقنعهم بها. نقدنا هدفه البناء لا الهدم. في العالم الإسلامي، الكثير من المناضلين والمفكّرين من أصحاب القضايا الإنسانية المحقّة، لا يتحدثون بلغة جاذبة، ويتهجّمون على الإسلام بأسلوب تهديمي، الأمر الذي يسقط قضاياهم، ويبعد الناس عنهم. علينا ان نحترم معتقدات الآخرين الإيمانية، ونظهر للمتديّنين انه يمكنهم، فيما يتمسكون بإيمانهم ومعتقداتهم الدينية، أن يحسّنوا حياتهم اليومية وظروفهم الإنسانية والاجتماعية والمهنية. > لم ترفضي طلب السوبر موديل أدريانا كارمبو عندما طلبت لقاءك خلال زيارة لكِ الى فرنسا، في وقت ترى العديد من المدافعات عن حقوق الإنسان في العارضات نساء يروّجن لسطحية المرأة. – ان كلّ امرئ في الحياة يختار حياته وطريقه الخاص، وأدريانا وغيرها اخترن ما يردن، كما اخترتُ وغيري ما أردنا. ليس هناك من داعٍ ان يفكّر الجميع بالطريقة نفسها، رجالاً ونساء. العالم جميل نتيجة تعدّد الألوان والأشكال فيه. التنوّع مصدر جمال وغنى. كلمة أخيرة… التغيير آتٍ لا محالة، ومثال بسيط على ذلك ان 65 في المئة من التلاميذ في إيران هم من الإناث… فقط علينا أن نؤمن، ونعمل بما يمليه علينا إيماننا. من هي ؟ محامية إيرانية وناشطة في حقوق الإنسان، أول مسلمة حازت جائزة نوبل للسلام، عام 2003، وكانت حازت أيضاً جائزة «رافتو» لحقوق الإنسان في النروج عام 2001. أطلقت عدداً من الحملات الجريئة من أجل حقوق المرأة والطفل في إيران. تعتبر القوة المحركة وراء تعديل العديد من قوانين الأحوال الشخصية في إيران، خصوصاً تلك المتعلّقة بالطلاق والميراث. وكانت عبادي درست القانون والمحاماة في جامعة طهران، وباشرت العمل رسمياً كقاضية في آذار (مارس) 1970، مواصلةً تعليمها إلى ان حصلت على دكتوراه في القانون الخاص من جامعة طهران عام 1971. وهكذا صارت من القاضيات الأوليات في إيران، وشغلت منصب رئيسة المحكمة البدائية في طهران عام 1975. لكنها اضطرّت الى الاستقالة عام 1979 مع منع الحكم الإسلامي الذي نشأ حينها، النساء من اشغال هكذا مناصب. عام 1992، أسّست مكتباً للمحاماة، وتولّت قضايا حسّاسة جداً ودافعت عن النشطاء في مجال حقوق المرأة في المحاكم. لكن عبادي خضعت هي نفسها للمحاكمة عام 2000، ومنعت من مزاولة مهنة المحاماة. ألّفت العديد من الكتب الداعية الى احترام حقوق الإنسان عموماً والمرأة والطفل خصوصاً، وأحدث مؤلفاتها كتاب مذكراتها «ايرانية وحرّة، نضالي من أجل العدالة» الذي ترجم الى أكثر من 60 لغة. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 24 سبتمبر 2006)

 

Home – Accueil الرئيسية

 

 

Lire aussi ces articles

24 octobre 2011

فيكل يوم،نساهم بجهدنا في تقديمإعلام أفضل وأرقى عنبلدنا،تونس Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.