6 septembre 2004

البداية

TUNISNEWS

  5 ème année, N° 1570 du 06.09.2004

 archives : www.tunisnews.net


الشرق الأوسط: 150 مهاجرا جديدا يصلون إلى إيطاليا والمعارضة تطالب الحكومة بموقف واضح

الصباح: عائدون من الموت يتحدثون للصباح الأسبوعي

الوحدة: الظاهرة تكررت خلال السنوات الاخيرة  – الطالبة الجامعية في شعبة الانجليزية « حرقت » الى بريطانيا

الوحدة: الحرقان … اللامتكافئ بين المركز الرأسمالي والأطراف

الصباح: لمن القرار داخل الاسرة التونسية؟ أكثر من 50% من التونسيات لا يمانعن في سكن العزباء لوحدها

عبد الرزاق داعي: المقدرة الشرائية – الوعود والإنجازات

محمد فوراتي: تونس تصبح مقصدا سياحيا مفضلا للفرنسيين

نبيل الريحاني: بطالة حملة الشهائد الجامعية – خريجون قدامى تحت رحمة الكاباس

د. منصف المرزوقي: عن أي ديمقراطية تتحدّثون (الحلقة 6) هل ستجهض الديمقراطية مشروع وحدة الأمة ؟

رشيد خشانة : متى الاعتذار للشعب الليبي؟

عبد الحفيظ خميري: الذاكرة و الليل..(الفصل الثاني)

أبو يعرب المرزوقي: طبيعة المشاركة العربية في معرض فرانكفورت

رجاء بن سلامة: الدّعاة الجدد : من التّحريض إلى التّنويم


TUNeZINE: Le Chantier Démocratique : mise à jour et rappel

AFP: Les Etats soutenant la CPI réunis à La Haye sur fond d’opposition américaine Libération: La CPI joue son avenir avec le budget 2005 The Daily Star: Arab Liberals: The Last Hope for Reform


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

« قانون بوسيفيني » حول الهجرة يُـكـلـف وزارة الداخلية الإيطالية بمهمة بناء مراكز إيواء في تونس وليبيا!!!!!

150 مهاجرا جديدا يصلون إلى إيطاليا والمعارضة تطالب الحكومة بموقف واضح

سراييفو: عبد الباقي خليفة

وصل قاربان يحملان 150 مهاجرا غير شرعي إلى شاطئ جزيرة لانبيدوزا أمس عبر قناة صقلية. وكانت شرطة خفر السواحل قد انقذت القاربين اللذين قالت إنهما كانا يشرفان على الغرق. وقد نقلت السلطات الايطالية المهاجرين الجدد إلى مركز ايواء فيما استعر الجدل حول قانون بوسيفيني حول الهجرة والذي أعلنت المحكمة الدستورية عدم شرعية بعض مواده.

ويمنح القانون قاضيا مدنيا صلاحية البت في قرارات طرد المهاجرين ووزارة الداخلية مهمة بناء مراكز ايواء مؤقتة للمهاجرين على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط، أي خارج التراب الايطالي، وهو ما رفضته المحكمة جملة وتفصيلا لمنافاته لمبادئ حقوق الانسان، وطالبت بإعادة صياغة البند المتعلق ببناء مراكز ايواء في تونس وليبيا. وقالت «إن تلك المراكز التي يقترح أن تكون في جنوب المتوسط ستكون بمثابة معسكرات للاعتقال»، وهو ما أشارت إليه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة.

وقد دافع وزير الداخلية الايطالي، كاستيلي، عن بناء مراكز خارج الاراضي الايطالية، وقال «المرسوم مهم للغاية». بينما اتهمت المعارضة الحكومة بافتقادها لاستراتيجية واضحة. ويضيف حزب مارغيرينا أن «رابطة الشمال (احدى أحزاب الحكومة) تستمر في إصدار الاوامر في هذا الصدد». وأعلن رئيس الجمعية الوطنية للقضاة في ايطاليا عدم موافقته على اختيار قاض مدني للبت في قرارات الطرد، وقال «مسألة الحرية الشخصية تتطلب أقصى درجات المهنية والاستقلالية التامة للقاضي من دون أي قيود».

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 6 سبتمبر 2004)


عائدون من الموت يتحدثون للصباح الأسبوعي

تونس – الاسبوعي: أمام تعذر الحصول على التأشيرة بالنسبة للبعض خاصة أولئك اللذين غادروا المدرسة مبكرا وانقطعوا عن كلتعليم أو تكوين وانسدت أمامهم آفاق أي عمل أو وظيفة فإن المشاركة في رحلات الابحارخلسة واجتياز الحدود أو «الحرقان» يبدو لهم الحل لتحقيق الحلم فيتم إيقافهم وينجحقلة منهم في عبور البحر والوصول إلى الضفة الاخرى من البحر المتوسط فيقع منهم منيقع في براثن شبكات المافيا ليعودوا جثثا في توابيت وينجح منهم من ينجح في تحقيقأحلامه في امتلاك السيارة والمنزل وكل الكماليات في خضم ذلك يدفع آخرون حياتهم ثمناللمغامرة فينتهي الحلم غرقا في البحر أو حرقا أو ميتة غير طبيعية في المعتقلاتوالسجون الاوروبية وكلنا يذكر المآسي التي خلفتها عمليات الابحارخلسة. كثيرون هم الذين اخترقوا الحدود الايطالية خلسةولكنهم وقعوا بين أيادي السلط الامنية الايطالية وتم اعتقالهم داخل غرف ضيقة لاتتوفر فيها أدنى الضروريات كما أن آخرين شاركوا في عمليات اجتياز خلسة ولكن المراكبالتي استقلوها غرقت بهم.. * حادثة معتقل «تراباني»: هذه الحادثة خلفت مآسيلدى العديد من العائلات التونسية في صائفة 2000 حيث لقي عدد كبير من المهاجرينالتونسيين غير الشرعيين حتفهم داخل معتقل «تراباني» الايطالي نتيجة الحروق التيطالت أنحاء عديدة من أجسامهم من جراء الحريق الهائل الذي نشب في المعتقل في ظروفغامضة. * حادثة الشابة: لقي ثمانية أشخاص حتفهم في هذه الحادثة المأساويةالتي وقعت قبالة سواحل مدينة الشابة التابعة لولاية الهدية منذ حوالي السنة ونصفالسنة ونجا شخص واحد بأعجوبة بعد غرق الزورق الذين كانوا على متنه. ضحاياهذه الحادثة شبان أصيلو منطقة ريفية تابعة لولاية المهدية اتفقوا مع أحد الاشخاصعلى تهريبهم إلى جزيرة لامبادوزا الايطالية وبعد أميال قليلة من انطلاقهم انقلبالزورق وحدثت المأساة. * حادثة المهدية: أطوار هذه المأساة وقعت خلال شهرجوان 2003 في المياه الدولية وغرق فيها مركب كان على متنه 70 حارقا من جنسباتمختلفة من بينهم 10 تونسيين انطلقوا من شاطىء مدينة زوارة الليبية وبعد ساعات منالسير غرقت السفينة بمن فيها ولم يتمكن سوى ثلاثة أشخاص من النجاة (من بينهم تونسيةاصيلة مدينة قابس وشقيقها) بينما انتشلت الوحدات الامنية للمنطقة الجهوية للحرسالوطني بالمهدية والبحرية الوطنية حوالي 10 جثث وبقي العشرات في عدادالمفقودين. * حادثة قليبية: جدت منذ أكثر من سنة ومات فيها عدد كبير منالتونسيين والافارقة بعد غرق المركب الذين كانوا على متنه قبالة سواحل سيدي داودوبعد هذه الحادثة تم انتشال حوالي 18 جثة وهيكل عظمي وكان الهالكون شاركوا أيضا فيعملية حرقان انطلقت من أحد شواطىء الضاحية الشمالية. شهادات عن رحلاتالموت البعض من المغامرين رووا للاسبوعي تجربتهم مع «الحرقان» مؤكدين علىالأخطار التي ركبوها. * ن.م: هو شاب في بداية العقد الثالث من عمره أصيلمدينة الشابة عانى من البطالة لتواضع مستواه التعليمي لذلك قرر الهروب إلى إيطالياوعن هذه التجربة الفاشلة يقول: «لقد عانيت طويلا من البطالة لذلك فكرت في المشاركةفي عملية ابحار خلسة فجمعت مبلغ 900 دينار وسلمته للوسيط الذي أعلمني بموعد ومكانالانطلاق. فشاركت في هذه الرحلة دون أن أعرف هول ما كان يعترضني إذ كدنا نغرق بسببهبوب عاصفة مفاجئة قبل أن نقع في أيدي السلط الامنية التونسية ويزج بنا في السجن»وختم «ن» حديثه معنا قائلا: «قضيت في تلك الرحلة ساعات من الرعب لذلك أنصح الشبابالتونسي بتجنب المشاركة في رحلات الموت». * سامي: يقطن بإحدى المناطقالمحاذية للعاصمة تسلل إلى احدى المقاطعات الفرنسية فانقلبت حياته إلى جحيم. عن هذهالتجربة قال: نجحت في دخول التراب الفرنسي خلسة عبر احدى البلدان الاوروبيةالمجاورة لها وبعد أيام قليلة تم اعتقالي ووجهت لي تهمة اغتصاب فتاة فرنسية وزج بيفي السجن حيث عوملت بقسوة قبل أن يدعوا أنني أصبت بمرض عقلي ويتم حبسي في غرفةانفرادية ثم ترحيلي إلى بلدي متأزما. * ع.ن: هو شاب لم يتجاوز عمره الـ20سنة ورغم ذلك فإنه أصر على ركوب مراكب الخطر بعد أن صور له البعض أوروبا على أنهاالجنة المزعومة فاستولى على بعض قطع مصوغ والدته وباعها ثم سلم ثمنها للمنظم. وفيالموعد والمكان المتفقين عليهما بأحد شواطىء الوطن القبلي وجد نفسه في قبضة الأمنرفقة بقية المشاركين. مكشر

(المصدر: جريدة « الصباح الأسبوعي » الصادرة يوم 6 سبتمبر 2004)


الظاهرة تكررت خلال السنوات الاخيرة :

الطالبة الجامعية في شعبة الانجليزية « حرقت » الى بريطانيا

تونس/ الوحدة في بداية الاسبوع قبل الفارط، كانت بعض العائلات التونسية في بهو الانتظار بمطار تونس قرطاج الدولي، تترقب وصول الطائرة القادمة من لندن والتي تحمل على متنها مجموعة من طلبة شعبة الانجليزية قضوا شهرا كاملا في عاصمة الضباب في اطار التربصات التي تنظمها الكليات لطلبة هذه الشعبة.

وصلت الطائرة، واستقبلت العائلات أبنائها باستثناء عائلة واحدة لم تعثر على ابنتها ضمن العائدين من الطلبة، وهي التي سافرت معهم وشاركتهم التربص.

وقبل ان يبادر احد أفراد هذه العائلة بالسؤال عنها أعلمه أحد الطلبة ان ابنتهم قررت البقاء في لندن، وقال انها اتخذت هذا القرار في آخر لحظة رغم ظروفها المادية الصعبة للغاية، ورغم الاجراءات الامنية الشديدة ضد المخالفين لقوانين الاقامة في بريطانيا.

بمعنى آخر ان هذه الطالبة قررت الحرقان وخوض مغامرة مجهولة العواقب، مثلها مثل المئات من الشبان الذين يرمون بارواحهم في قوارب صغيرة وغير مهيأة من أجل الوصول الى الضفة الاخرى من البحر… لكن مع فارق كبير هو ان هذه الطالبة ظروفها ومستواها التعليمي الجامعي ومستقبلها المهني أفضل بكثير من الحارقين… وهو ما يدفع للسؤال: لماذا قررت هذه الطالبة الجامعية الحرقان وهل يمكن ان تعرف السنوات القادمة بروز فئة أخرى من الحارقين من ذوي المستويات التعليمية العالية؟

قبل الاجابة عن هذين السؤالين، من المهم الاشارة ان السنوات الاخيرة عرفت مثل هذه الظاهرة لكن سرعان ما تمت محاصرتها، فقد نشطت بعض مكاتب الخدمات والجمعيات في تنظيم رحلات ترفيهية للطلبة، خاصة الى الولايات المتحدة الامريكية وكندا.. وأمكن للمشاركين فيها البقاء هناك. وبسبب المشاكل التي خلفتها، فرضت عدة شروط على منظمي هذه الرحلات الى جانب شروط الحصول على التأشيرة.. فتقلصت هذه الظاهرة.

الطالبة الجامعية قررت الحرقان لأنها وحسب ما أكدته لأحد زملاءها ترغب في ضمان مستقبلها.. واستغلال الافاق الكبيرة في لندن، الافاق التعليمية، والافاق المهنية، وهي مقتنعة بذلك قناعة شديدة مما جعلها تقدم على مثل هذه المغامرة الخطيرة، والاكيد ان نسبة أخرى من الطلبة تفكر مثلها وذلك بسبب الصعوبات التي يجدونها عند التخرج..

هذه الظاهرة قد تتطور خلال السنوات القادمة، لذلك من المهم التفكير من الان لمزيد محاصرتها.

(المصدر: صحيفة الوحدة الأسبوعية، العدد 423 بتاريخ 3 سبتمبر 2004)


الحرقان … اللامتكافئ بين المركز الرأسمالي والأطراف

شهاب

يعتبر موضوع الهجرة السرية من المواضيع التي تثير الاهتمام في عدة مستويات. يكفي أن نتابع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة حتى ندرك أن الهجرة السرية تحتل حيزا هاما من اهتمام هذه الوسائل. الهجرة السرية أصبحت أيضا موضوعا يحتل مكانة هامة في العلاقات الدولية ويمثل تصور الحلول لتجاوزه سببا من أسباب اختلاف المقاربات بين الدول التي تنطلق منها الهجرة السرية وتلك التي تتجه إليها قوارب الموت وتتعدد معطيات التوصيف لهذه الظاهرة لكن يبدو من المفيد دائما التوقف عند بعض أسبابها خاصة وان محاولات عديدة تقدم للشرح والتفسير بعضها يسعى للتعمية عن الأسباب العميقة والحقيقية والبعض الأخر يمكن اعتباره ميكانيكيا وذو بعد واحد لأنه يرجع الظاهرة على تعقدها إلى سبب واحد.

فالذين يتعامون عن الأسباب الحقيقية لظاهرة الهجرة السرية يبذلون جهدا غير محمود لإفراغ (الحرقان) من كل أبعاده الاجتماعية لان الأمر يعود في نظرهم إلى أمور ذاتية تجعل الحرّاق يقدم على مغامرة غالبا ما تكون حياته ثمنا لها وهذا التفسير الموغل في الذاتية والذي يتناسى العامل الاجتماعي يستعير من المعجم النفسي مصطلحاته فمن يقدم على الهجرة السرية ليس أكثر من شخص تسيطر عليه رغباته وأهوائه وتأثره بنجاح المهاجرين وهذا التفسير قد لا يخلو من وجاهة لكنه عاجز بكل تأكيد عن الإلمام بالأسباب العميقة للظاهرة ذلك إن الهجرة السرية تعبر في جوهرها عن الطابع اللامتكافئ الذي تقوم عليه العلاقات بين المركز الرأسمالي وأطرافه وهذا القانون الذي يحكم هذه العلاقة جعل الدول المتقدمة صناعيا تستعمر بلدان الجنوب وتصيب بناها الاقتصادية والاجتماعية بخلل هيكلي لم تقدر على تجاوزه إلى حد الآن.

وهذا الخلل جعل اقتصاديات الجنوب في خدمة اقتصاديات الشمال وحين نسحب هذا الأمر على الهجرة نلمس تغيرا في موقف الشمال. فقد كانت أوروبا وأمريكا الشمالية تشجع الهجرة إليها لان حاجتها إلى يد عاملة متوفرة ورخيصة كانت كبيرة لكن حين تقلصت هذه الحاجة وأصبحت أوروبا وامريكا الشمالية تشكوان من البطالة وتبديان تخوفا من الانعكاسات الثقافية للهجرة أوصدت الابواب التي كانت مشرعة وسقط ساسة الشمال ومشرعوه في تناقض مع رؤاهم وتصوراتهم ووضعوا قيودا صارمة على تنقل الاشخاص وجعلوا من هذه القيود ادوات تطعن عدد من الحقوق التي يبشر بها الساسة الغربيون ومن أهمها حق التنقل.

والحديث عن الطابع اللامتكافئ لا يقف عند الجانب السياسي لان للمسألة جوانب ثقافية يتعين التوقف عندها ومن اهمها بقاء سطوة أوروبا المتخيلة في أذهان الحارقين ونعني بأوروبا المتخيلة كيانا لا يقيم اتصالا وثيقا بالواقع لأن المهاجر السري لا يلتفت لحظة الى سلبيات اوروبا ومشاكلها، انه يهاجر الى فضاء متخيل يتميز بالوفرة، انه الطوبى التي تحققت وجعلت الرؤية العدنية تتحقق وتتغذى سطوة أوروبا المتخيلة ايضا من بعض النقائص التي تشكو منها دول الجنوب، وتتصل هذه النقائص اساس بالجوانب التالية: – مسألة التشغيل، لأن معضلة البطالة تبقى مشكلة تقض مضاجع الجميع في هذه المجتمعات التي تتفاوت درجة نجاحها في الحد من التاثيرات السلبية للقضايا المتصلة بالبطالة وخاصة منها بطالة حاملي الشهادات الجامعية. – مسألة الانتماء والمشاركة، ذلك ان عدم اكتمال تحديث البنى السياسية في مجتمعات الجنوب ينعكس سلبيا على التأطير السياسي ويحول دونه وتحقيق أقصى درجات النجاعة والمردودية. وحين لا يكتمل التأطير السياسي تضعف مشاعر الانتماء التي تلعب دورا في جعل الإنسان يتمسك بوطنه ولا شك أن تجاوز كل عوائق المشاركة السياسية يسمح بدعم مشاعر الانتماء ويدعم الصلات الوجدانية والعاطفية للإنسان بوطنه.

(المصدر: صحيفة الوحدة الأسبوعية، العدد 423 بتاريخ 3 سبتمبر 2004)


على أبواب العودة الجامعية:

الطلبة يشتكون و«السماسرة» يبررون

تونس – الأسبوعي خلال هذه الايام ونحن على ابواب العودة الجامعية لا حديثللطلبة الا عن مسألة السكن لا سيما القادمون من الجهات البعيدة والذين استوفوا حقهمفي المبيتات الحكومية، لذلك نجدهم في المدة الاخيرة يبحثون عن السكن بين الاحياءسواء وسط العاصمة او بأحوازها او بولايات منوبة واريانة وبن عروس ولكن هؤلاء يعانونصعوبات كبيرة للحصول على السكن المناسب والذي يتلاءم مع ظروفهم الاجتماعية ولتحقيقمرادهم فهم يمرّون عبر مراحل فمنهم من يختار البحث بنفسه وذلك بالقيام بجولة بينالمنازل ويسأل العطار والخضار او يطرق الأبواب باحثا عن ضالته،وهناك من يختار «السمسار» او ما يسمى بـ«الوسيط العقاري» وبين الطلبة والسماسرة حكاية رواها لنا بعض الطلبة الذين التقيناهم وحدثتنا الآنسة حنان وهي طالبة بكلية الآداب 9 افريل قائلة «لقد نفذ صبري وأنا ابحث عن محل للسكن لي ولشقيقتي التي تدرس بمعهد الصحافة وقد اهتدينا في الاخير لتكليف «سمسار» ليقوم بهذه المهمة اخبرنا بأنه وجد منزلا مناسبا وظل يمدح فيه وعندما تحولنا الى هناك صدمنا بالجدران المتصدعة وبالابواب التي حالما تمسها بيدك تسقط وعندما اعترضنا طالبنا بمبلغ مالي كثمن لرؤيتنا ذلك الجحر».

واما سفيان وهو طالب التقيناه وهو يبحث عن محل للسكن وكان مرفوقا باثنين من زملائه وعندما سألناه عن دور «السمسار» في تسهيل مهمة البحث عن حل تنهد تنهيدة عميقة وقال «لن التجىء الى هذا الذي يسمى نفسه وسيطا عقاريا حتى ولو بقيت في الشارع لأني اتعضت من تجربة السنة الماضية عندما اعتمدت «سمسارا» وجد لي منزلا وليته كان مطابقا للمواصفات التي حددتها له وعندما اضطررت للسكن به طالبني بنصف ثمن «الكرية» وبصراحة «السمسارة» يستغلون وضعية الطلبة وخاصة في هذه الفترة بالذات وهذا ما يجعلني ابحث بنفسي لأستغني عن خدماتهم».

وكرد على تشكيات الطلبة من مغالاة «السماسرة» التقينا احدهم فأجابنا :«انا مهمتي «سمسار» وهذه المهنة مورد رزقي ونحن لا نبالغ في الاثمان التي نطلبها لأننا نتعب ونبحث عن المساكن في الوقت الذي ينعم فيه ذلك بالراحة ونحن ليست لنا تسعيرة مخصصة للطلبة وانما تلك اجراءات واثمان نعتمدها مع كل من يرغب في تسوغ محل».

وعلى الرغم من كل ذلك فالاشكال بين الطرفين يظل قائما ولكن هل من حل قانوني يضمن حق كل من المتسوغ والسمسار؟.

مفيدة القيزاني

(المصدر: جريدة الصباح الأسبوعي التونسية الصادرة يوم 6 سبتمبر 2004)


لمن القرار داخل الاسرة التونسية؟

أكثر من 50% من التونسيات لا يمانعن في سكن العزباء لوحدها

تونس ـ الاسبوعي: لئن كان القانون التونسي لا يمكن من العصمة الزوجية لاي طرفمن الزوجين فان ذلك يطرح المجال للحديث عمن يتخذ القرار في صلب العائلةالتونسية. واللافت للنظر ـ في هذا السياق ـ ان الارقام الصادرة عن اخر مسح لصحةالاسرة التونسية ـ اعده الديوان الوطني للاسرة والعمران البشري ـ تؤكد ان نسبةالنساء الفاعلات على مستوى قضاء الحاجيات المنزلية والميزانية المالية للاسرة تبلغحوالي 93% واما على مستوى انفراد المرأة بالقرار فيما يتعلق بتسيير شؤون الاطفالفان ذلك يتجلى في نصف عدد الاسر التونسية.

كلها ارقام تؤكد مشاركة المرأة التونسية في اتخاذ القرار داخل الاسرة الا ان ذلك لا ينفي دور الرجل فهو الذي مكنها من تلك المكانة بالنظر الى عدة اعتبارات دعمها تطور نمط العيش الاسري وتغير العقلية التي اصبحت تتحكم في تعامل كل من الزوجين مع بعضهما البعض كما ان تكفلها بأغلب شؤون الاسرة لا يعني انها تنفرد بكافة القرارات المصيرية بالمقارنة مع رجلها.

تأثير المرأة العاملة

قد يكون لتمتع المرأة بالعمل تأثير كبير في تحديد النظرة اليها مما يجعلها تحظى بمكانة هامة داخل اسرتها وبالتالي تكون مؤثرة في تحديد وجهة قرارات الشؤون الزوجية او مشاركة الزوج على الاقل. فقرابة نصف عدد النساء التونسيات (47% حسب احصائيات مسح صحة الاسرة) يعتبرن ان المرأة العاملة تمكنها «استقلاليتها» المادية من مكانة كبرى وقيمة ارفع داخل اسرتها في حين ان نسبة النساء اللاتي لا يعتبرن ان لعمل المرأة تأثير كبير على وزنها داخل الاسرة لا تتعدى 6%من مجموع النساء وهو ما يؤكد اعتراف جل النساء التونسيات ودرايتهن بمالهن وما عليهن حتى يكتسبن المكانة والدور اللذين يستحقانهما سواء كمتزوجة مقبلة على شراكة زوجية او كعزباء داخل العائلة او وسط المجتمع عامة..

فاستقلالية المرأة المتأتية خصوصا من تمتعها بالعمل تجعلها ترغب اكثر في اتخاذ القرار وذلك ليس على مستوى الحياة الزوجية فحسب بل وحتى على مستوى تقريرها لمستقبلها ومصيرها وقدرتها على تحمل مسؤوليتها لوحدها فالاحصائيات تؤكد ان اكثر من 50% من النساء (اي اكثر من نصف عددهن) لا يرين مانعا في امكانية ان تسكن العزباء لوحدها اذا توفرت الظروف الممكّنة من ذلك!

لطفي بن صالح

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 6 سبتمبر 2004)


10 الاف حالة سرطان في السنة

تونس ـ الاسبوعي

اكدت تقارير طبية ان عدد الاصابات بامراض السرطان بمختلفانواعه، في تونس، يبلغ 10 الاف حالة في السنة، وان اغلب المصابين بهذا المرض «الخبيث» نساء ومن بينهن الشابات اللاتي يقل عمرهن عن 35 سنة ومن المتوقع ان يرتفعهذا العدد سنويا اذا ما ظلت نفس الاسباب المؤدية للاصابة بالسرطان على ماهي عليه اوتضاعفت اكثر..

*«غول الثدي»!

تفيد الارقام الصادرة في هذا السياق ان سرطان الثدي يحتل المرتبة الاولى بالنسبة الى المرأة التونسية وذلك بمعدل الف اصابة سنويا لا تنجو منها حاليا سوى 20% او 25% ولا تبلغ نسبة البقاء بالحياة بعد خمس سنوات من اكتشاف الاصابة سوى 50%  فقط اي نصف عددهن..

وتفسر بعض المصادر الطبية ارتفاع مثل هذه الاصابات التي ترجع الى اسباب جينية وكذلك الى ان المرأة التونسية اصبحت تتبع نفس طريقة عيش المرأة الاوروبية على مستويات الغذاء والزواج وانجاب الاطفال في سن متأخرة.

* والرئة.. ايضا..

يحتل سرطان الرئة المرتبة الاولى من الاصابات لدى الرجال التونسيين ولا يقل عددا لدى المرأة التونسية حيث اصبحت الاصابة بسرطان الرئة لديها في ارتفاع مطرد وذلك بسبب الادمان على التدخين خاصة.. واما سرطان الثدي فهو لا يصيب الا حوالي 10 رجال سنويا مقابل الف لدى المرأة..

لطفي

(المصدر: جريدة الصباح الأسبوعي التونسية الصادرة يوم 6 سبتمبر 2004)


المقدرة الشرائية: الوعود والإنجازات

عبد الرزاق داعي

للحديث عن المقدرة الشرائية في تونس لا بدّ من التطرق إلى الطبقات المكونة لهذا المجتمع حيث تقلصت الطبقة الوسطى وأصبح الباحثون والمحللون السياسيون والاجتماعيون يتحدثون عن طبقتين واحدة للأغنياء وتعد الأقلية وأخرى لضعفاء الحال وهم الأغلبية المطلقة.

وبين هذه وتلك يجب أن يكون للحكومة بصفتها مصدرا للسلطة دورا كبيرا لتقليص الهوة والفارق الاجتماعي بين الطبقتين وذلك بتوزيع عادل للثروة الوطنية  ليحصل كل مواطن على نصيب متوافق ومناسب مع مهاراته وكفاءاته وما يقدمه من مجهود لصالح المجموعة الوطنية ومن موارد هذا الوطن. هذا هو تقريبا ما يسمى بالعدالة الاجتماعية لأن في التاريخ القريب معظم الثورات التي وقعت في العالم بداية من الثورة الفرنسية إلى الثورة الإيرانية مرورا بالثورة الشيوعية بالاتحاد السوفياتي كان السبب الرئيسي من بين العديد من الأسباب لاندلاعها هو الشعور من طرف أغلبية مواطنيهم بعدم الرضا والطمأنينة نتيجة لعدم انتشار العدالة الاجتماعية وتمتع الفئات القليلة والمقربة من الأنظمة بكافة الامتيازات وحرمان الفئات الأخرى من أبسط متطلبات الحياة.

أما في تونس وإذا ما استندنا إلى الخطاب الرسمي من خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الفارطة لسنة 1999 فكلنا يتذكر تلك الوعود على أساس تحسين المقدرة الشرائية للمواطن حتى يصبح الدخل السنوي للفرد 3500 دينارا سنة 2004 ورغم تدني العائدات البترولية لميزانية الدولة فسوف تكون سنة 2004 سنة الرخاء والرفاهية وسيتم القضاء على أسباب الفقر والخصاصة.

لكن ونحن اليوم في النصف الثاني من سنة 2004  ولا تفصلنا إلا بعض الأيام على الموعد الانتخابي للرئاسية والتشريعية وبصفتنا كمواطنين من حقنا أن نقيم تلك الوعود وأن نوجه السؤال لمن وعد:

كم أصبح اليوم في تونس نسبة السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر ؟

كم من عائلة تونسية لا تتمتع بالماء الصالح للشراب ؟

كم هي النسبة الحقيقية للبطالة وخاصّة منها بطالة أصحاب الشهائد العليا ؟

كم أصبحت قيمة الأجر المتوسط الحقيقي للموظف التونسي ؟

ومن حقنا كذلك أن نسأل من وعد وأن نتلقى الأجوبة الشفافة والمقنعة على الدور الذي تقوم به الحكومة لحل هذه المشاكل خاصة وأن لها ميزانية سنوية ومخطط لمدّة خمس سنوات حتى يتمكن الجميع من التمتع بالماء الصالح للشراب وتنخفض نسبة البطالة وأن تتحسّن المقدرة الشرائية للمواطن. فزيادة على الخزينة العامة للدولة فإن التونسي مرغم وأقول مرغما بالضغط والتهديد بإسم التبرع ولمدة سنوات في صندوق 26.26. ورغم المداخيل الهائلة لهذا الصندوق والتي لم يعرف الشعب التونسي أين ذهبت وبقيت الأهداف التي بعث من أجلها أي اجتثاث الفقر والخصاصة لا ترضي المواطن. وبقيت نسبة الفقر في تزايد وأصبحت البطالة بأعداد مخيفة أما الأجر المتوسط الحقيقي فهو في تدني وأثقل كاهل الموظف أمام غلاء المعيشة ومديونية العائلة ويكفي هنا أن نذكّر باللائحة الإدارية الصادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 25 أكتوبر 2003 والتي عبر فيها المجتمعون عن  »  انشغالهم العميق إزاء ما تشهده الأسعار من ارتفاع متواصل من شأنه أن يمتصّ كل الزيادات الحاصلة في الأجور « .

ولم ينحصر هذا الشعور داخل منظمة نقابة العمال بل تعدى ذلك إلى منظمة الأعراف  » اتحاد الصناعة والتجارة  » والتي هي أكثر قربا من السلطة حيث لم تعد تخفي تخوفها من الوضع وأعرب السيد الهادي الجيلاني رئيس المنظمة خلال اجتماع المجلس الوطني للاتحاد عن  » تخوفه من ارتفاع حجم التضخّم المالي الذي استقرت نسبته خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2004 في حدود 4،5 % مقابل 1،4 %  من الفترة نفسها من عام 2003  » ومعلوم أن المفهوم الاقتصادي للتضخم المالي يعني زيادة كمية النقود المتداولة في البلاد على العرض الكلي للسلع والخدمات وينتج عنه آليا ارتفاع في الأسعار وبالتالي انخفاض في القدرة الشرائية للمواطن.

كما أشار السيد رئيس اتحاد الصناعة والتجارة السيد الهادي الجيلاني بكل وضوح إلى أن تونس تمر بفترة اقتصادية صعبة لم تعشها من قبل.

وللحديث عن المقدرة الشرائية سوف نأخذ الخبرة كمثال لأنها تعتبر مادة أساسية للتغذية اليومية في تونس فمن منا لا يعلم أن كل العائلات بغنيهم وفقيرهم لا يستطيعون الاستغناء على الخبز ومن منا لا يتذكر تلك الانتفاضة العارمة  » انتفاضة الخبز  » في جانفي 1984 والتي فقد فيها الشعب التونسي العديد من أبناءه من أجل الحفاظ على سعر الخبز.

لقد تم تعديل سعر الخبز في تونس وفي آخر مرة في صيف 2003، ولئن اعتبر الصيف موسم العطل والاصطياف والراحة للعديد من شعوب العالم فإنه أصبح كابوس للمواطن التونسي إذ أصبح موسم لرفع أسعار العديد من المواد ( السكر، الحبوب ومشتقاتها، المحروقات، مواد البناء…) وينتج آليا عن ارتفاع أسعار تلك المواد الرفع في أثمان كل ما يحتاجه المواطن من نقل ومسكن وصحّة وترفيه… ولا يتفطن إليها المستهلك إلا بعد مرور العطلة الصيفية.

حسب الدراسة التي أعدها الأستاذ فتحي الشامخي يقول أن الخبزة تباع اليوم ب 240 مليم مقابل 80 مليم سنة 1984 كع فارق كبير في الوزن إذ فقدت الخبزة أكثر من ثلث وزنها السابق وأصبحت تزن اليوم 450 غرام عوضا عن 700 غرام سنة 1984 بعبارة أخرى لنحصل اليوم على خبزة 84 التي تزن 700 غرام يجب أن ندفع 373 مليم عوضا عن 80 مليم سنة 84.

وفي الختام نحن نقول أنه لا يمكن الوصول إلى حلول جذرية ولا ترقيعية لمجمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تونس بالانفراد بالرأي واحتكار السلطة دون مشاركة المجتمع التونسي بأحزابه وجمعياته ومنظماته خاصة أولئك المستقلون عن السلطة لدراسة ومناقشة ومعالجة هذه القضايا.

 المصدر: صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 276  بتاريخ 2 سبتمبر 2004


تونس تملك مقومات سياحية هائلة

تونس تصبح مقصدا سياحيا مفضلا للفرنسيين الحملات الاعلانية الكبيرة في فرنسا تنجح في جذب المزيد من السياح الفرنسيين لتونس.

ميدل ايست اونلاين تونس – من محمد فوراتي

زار تونس، خلال النصف الأول من العام الجاري، أكثر من 600 ألف سائح فرنسي. ورغم أن فرنسا تعتبر زبونا تقليديا لتونس، سواء في مجال المبادلات التجارية أو السياحة، إلا أن هذا العام شهد انتعاشة مميزة لعدد السواح الفرنسيين القادمين إلى تونس. ومن المنتظر، بحسب مصادر من وزارة السياحة التونسية، أن يبلغ عدد السياح الفرنسيين مع موفى العام 2004 مليون سائح، وتسجل بذلك السوق السياحية الفرنسية نموا بما يقارب 25 في المائة، بالقياس للموسم السابق. وكان الديوان التونسي للسياحة قد أطلق حملة إعلانية ضخمة على الأراضي الفرنسية مازالت متواصلة. وقد تركزت الحملة الإعلانية على الترويج للمناطق السياحية، والامتيازات والتسهيلات المتوفرة في تونس. وقام الديوان بإنتاج العديد من البرامج الوثائقية و »الريبورتاجات » حول تونس، وقع بثها على القناة الفرنسية الأولى « تي. أف 1″، وكذلك على القناة الفرنسية الثانية. كما قامت مصالح الديوان بتركيز ملصقات إعلانية ضخمة (4 أمتار على 3) في شوارع باريس الكبرى، وفي وسائل النقل السريعة. كما حظيت 15 مدينة فرنسية أخرى بهذا المجهود، وذلك فضلا عن حملة تم إطلاقها عبر الإذاعة، بالتعاون مع أكبر الناقلين ووكالات الأسفار الفرنسية، استهدفت ما يقارب 9 ملايين مستهلك. وتؤمن المواقع السياحية التونسية تنوعا كبيرا ولاسيما ما يتعلق منها بالمنتجات التقليدية والمستحدثة، على غرار السياحة الاستشفائية والتجميلية والبيئية، وسياحة المؤتمرات، والسياحة الصحراوية، التي صارت تستقطب جمهورا عريضا. هذا إضافة إلى المشهد السياحي الكلاسيكي المتمثل في الخدمات الفندقية والشريط الساحلي. السياحة الاستشفائية وتحظى السياحة الاستشفائية باهتمام خاص. وتتمتع « الحمامات المعدنية » بخصائص علاجية هامة، فهي تساهم في علاج بعض الأمراض المنتشرة بكثرة، مثل أمراض الجهاز العصبي، وأمراض الروماتيزم، والأمراض الجلدية، بالإضافة إلى أمراض النساء، والمحافظة على الصحة والحيوية والرشاقة. ويتوافد على هذه المحطات الاستشفائية عدد هام من السياح سنويا، بالإضافة إلى آلاف المواطنين من تونس ودول المغرب العربي. وتتميز تونس بوجود أعداد هامة من منابع المياه المعدنية، وخاصة في المناطق الجبلية، تقدر بـ94 منبعا، يستغل منها أربعة في شكل محطات استشفائية، موجودة في مدن قربص وجبل الوسط وحمام بورقيبة وجزيرة جربة. وشهدت هذه المحطات في المدّة الأخيرة أشغال توسيع وتعصير، قدرت استثماراتها بـ45 مليون دينار (الدولار يعادل نحو 1.25 دينارا). وتشجع الحكومة التونسية على الاستثمار في السياحة الاستشفائية، لمردودها المضمون، من ذلك توفير امتيازات هامة للمستثمرين، تتمثل خاصة في منح استثمار تبلغ 8 في المائة من تكاليف المشروع، دون اعتبار قيمة الأرض، بالإضافة إلى التسهيلات الجبائية. من جهة أخرى تطورت مساهمة شركة تونس الجوية في تنظيم الرحلات بين تونس وفرنسا، حيث صارت تؤمن 138 رحلة أسبوعيا إلى 11 مطارا، أهمها « أورلي » ومطار مرسيليا ومطار تولوز، ومطار نيس. وقد بلغ عدد الفرنسيين، الذين يتخذون تونس وجهة لهم حوالي 4.1 مليون مسافر سنويا. ومن المنتظر، حسب مصادر في الخطوط التونسية، أن تتعزز هذه الرحلات بداية من شهر أيلول (سبتمبر) القادم، بخط جديد هو « سترازبورغ – توزر – جربة »، بمعدل سفرة في الأسبوع. يذكر أن القطاع السياحي التونسي يشغل بصفة قارة ما يناهز 21 ألف و645 عاملا، وهو ما يمثل 42 في المائة من جملة المشتغلين، في حين بلغ عدد المشتغلين المتعاقدين بصفة محدودة أكثر من 26 ألف عامل. وتمثل نسبة الإناث 18 في المائة من جملة المشتغلين في المؤسسات السياحية.
 
المصدر: موقع ميدل إيست أون لاين بتاريخ 30 أوت  2004


بطالة حملة الشهائد الجامعية

خريجون قدامى تحت رحمة الكاباس

نبيل الريحاني

بعد سنوات من احداثها لا تزال مناظرة الكاباس مثارا للجدل في بعض الأطر مثل مداولات البرلمان وخاصة لدى المعنيين بها مباشرة وهم خريجو الجامعة التونسية الذين يأملون الالتحاق بسلك أساتذة التعليم الثانوي خائفين من أن تضرب الكاباس دونهم صفحا سنة بعد سنة كما حدث مع بعض زملائهم الذين بدأت سنوات البطالة تطول بهم بعد أن فشلت جهودهم في اجتياز المناضرة- العقبةالأخيرة للالتحاق بالوظيفة العمومية.

في واحدة من المكتبات العمومية المنتشرة داخل مدن البلاد جلس مجموعة من الشبان والشابات متحلقين حول طاولة حوت كتبا وكراريس وأوراق للتمارين. انطلق اعدادهم لمناظرة الكاباس باكرا في وقت انصرف فيه أغلب الناس الى الراحة والترويح عن النفس في جو صيفي ساخن. ولم يقطع صمتهم وتركيزهم الا حديث متقطع ينتهي ليعود مسترجعا نفس الأفكار. فالكل يطرح الأسئلة عن مناضرة هذه السنة وعن قصص الذين نجحوا وعن قصص أولئك الذين فشلوا وبين الكلمات والأفكار لاح الهاجس متمكنا من عقولهم وقلوبهم، هاجس المصير اذ متى يا ترى ينتهي كابوس الكاباس ويصبح مجرد ذكرى كما أصبحت قبل ذلك امتحانات أخرى مجرد ذكرى هي أيضا. سؤال تقتضي معرفة جوابه أشهرا قليلة يتبين معها الخيط الأبيض من الخيط الأسود فينجو البعض بينما تتواصل القصة مع آخرين لا يعرفون متى ستفسح لهم الكاباس مقعدا في ركبها.

نبيل شاب له من العمر 27 سنة تخرج من كلية الآداب منوبة في 2001، كان أكثر المجموعة حماسة في طرح هذا الموضوع فلقد جعلته ثلاث دورات من الكاباس أخفق فيها محتد المزاج يحرص على تبليغ رأيه كما هو دون تحوير اذ ليس عنده مايخسره بعد أن أذاقته البطالة كؤوس الفراغ. ولم يبق له في الوقت الحاضر الا مواصلة دراسته في المرحلة الثالثة في اختصاص الحضارة. وفي نفس الوقت يتابع تكوينا في مجال الاعلامية متعددة الوسائط محاولا بذلك تتبع كل الخيوط التي قد تقود الى حل ما، العامل الأكثر ضغطا عليه هو الوقت فالطموحات بل أعباء الحياة في حقيقة الأمر كثيرة تحتاج لسنوات حتى تتحقق فما بالك به وقد تجاوز الثلاثين وهو لايزال بعد « خالي الوفاض بادي الانفاض ».

وفي الانتظار يمضي أيامه في هذه الصائفة مترددا بين المقاهي والمكتبة العمومية تجمعه البطالة بأصدقاء له لهم نفس وضعيته مع اختلاف في الحيثيات والجزئيات. ورغم المحاولات المستميتة لتناسي الأمر الى حين فان شبح البطالة والكاباس يعود ليسيطر على الأجواء ويحول سنوات المرح الشبابي الى ترقب وتفكير يتعب النفس والجسد معا. « أنا الذي اخترت هذه الشعبة ورغم علمي بما فيها من صعوبات التشغيل كنت أعتقد أن سنوات البطالة لن تطول ثقة في امكانياتي المعرفية لكن الواقع تحدى هذه الثقة مما جعلني أتوجه صوب البحث العلمي آملا في عمل يوفر لي المناخ المناسب لمواصلة ذلك المجهود الذي يتجاوز في ذهني مجرد تحقيق غرض مادي ». هكذا أراد نبيل أن يرى واقعا له نواميسه ومتغيراته فالاستقرار المادي والمعنوي يتطلب عملا تحقق به ذات الشاب استقلالها وتشرع في تجسيد مشروعها الخاص سواء على المستوى العلمي البحثي أو على المستوى العائلي. فنبيل هو  قبل كل شيء فرد من عائلة ضحت من أجل أن تراه أستاذا ذات يوم فيخفف عنها شيئا من أثقالها التي أتعبت والديه، وهو بعد ذلك في سن من المفترض فيه أن يبدأ الاعداد لحياته الأسرية الخاصة فلا يتركها للحظة الأخيرة. لكن أين هو الآن من كل ذلك؟

ليس يملك الآن الا حقه في الاحتجاج وقدرته على تحليل وضعه هو والشريحة التي تشاركه فيه. تحليل قاده الى حل لم يكن يفكر فيه من قبل وهو الهجرة، يقول : « هذه الفكرة أصبحت جدية في ذهني أكثر من أي وقت مضى فهي مخرج لمن لا مخرج له حتى يفلت من قبضة التهميش الاجتماعي ». نبيل يعطي في كلامه عن مشكلة بطالته معاني أبعد للوضع الذي بات يحياه فالمسألة ليست قضية مهنة ودخل بقدر ماهي بحث عن وظيفة داخل السياق الاجتماعي بما يحفظ لخريج الجامعة كرامته التي يتهددها انسداد الأفق. وهو ما يتطلب حسب رأيه وعيا أعمق من قبل سلط الاشراف بهذه المشكلة التي تزداد حدتها لدى شباب أمضوا أربع أو خمس سنوات دون أن يتقدموا خطوة واحدة في اتجاه المستقبل.

محمد علي شاب عمره 28 سنة تخرج من المعهد العالي للغات بتونس أبدى اهتماما خاصا بكل ماقاله نبيل فهي وضعية تترصده وقد تتصيده اذا ما فشل في مناظرة الكاباس التي سيخوضها لأول مرة. وهو اذ يرى أغلب المحيطين به من ذوي السوابق المتكررة مع الكاباس يجد نفسه تتوازعه مشاعر التفاؤل والخوف واليأس. لذا تجده يقول : « لا أعتبر نفسي ضيفا على هذه المشكلة فقد تجر ساقي الى عمقها وربما لن تكفي مؤهلاتي التي هي ثقتي مسندي في هذه المناظرة لأكسب الرهان ». ولكي يقرأ الدرس جيدا ويستخلص دروس المحنة من قبل أن تقع استثمارا لعامل الزمن قال محمد علي : « دفعتني الأوضاع التي وجدت زملاء لي من قدامى الخريجين عليها لأقنع نفسي بأن باب العمل لا يقتصر على وزارة التربية وليس مفتاحه الوحيد هو الكاباس وبالتلي يتعين علي النظر في بدائل موازية سواء تعلق الأمر بعمل ظرفي قريب من مؤهلاتي العلمية مثل تعليم الكبار واعطاء دروس تكميلية للتلاميذ الراغبية فيها وكاجراء التربصات التي قد تسمح بانتدابي في مؤسسة ما. أو ما تعلق من هذه البدائل من عمل قار ليس من مدخل له سوى المواضبة على مناظرة الكاباس الى الحين الذي يتحول فيه الأمل الى واقع ».

حل الهجرة لم يتحول بعد الى أولوية في ذهن محمد علي فهو يدرك أن مثل هذه الفكرة تبقى مغامرة مجهولة العواقب مالم تتوضح كامكانية عملية واضحة المنطلق والمسلك والمآل. فاذا ما وجدت ضمانات لنجاح عملية الهجرة وتتويجها بعمل ما فلن يتردد محمد علي بقطع النظر عن رد فعل المجتمع. فلقد قال : « أنا لا تهمني نظرة المجتمع وانما في حياتي ضرورات انفتح باب ما لحلها » وفي اعتقاد هؤلاء الخريجين وغيرهم البحث عن الحلول المرة يوجد خاصة عند الفئات الاجتماعية الهشة التي يعد التعليم ومن بعده الوظيفة بوابة حصرية للارتقاء المادي والاجتماعي، خلافا لزملاء آخرين جاؤوا من وسط اجتماعي مرفه قادر على ادماجهم في الدورة الاقتصادية بيسر بعد تخرجهم.

فاتن فتاة ال29 سنة والخريجة الجامعية منذ 5 سنوات أرغمتني على مراجعة فكرة رائجة الى حد تقول ان وطأة بطالة حملة الشهائد الجامعية تكون أشد على الشباب منها على الشابات. فالأزمة مستها بنحو أو بآخر وبنفس المستوى قريبا، فالعمل ليس مجرد جراية شهرية وانما هو بوابة للاندماج الاجتماعي فالفتاة الجامعية المتخرجة تفتقد عند البطالة القدرة على تحقيق استقلال الذات وتحررها. فضلا عن بناء حياة أسرية ذلك أن الزواج عاد يتطلب زوجين ناشطين مهنيا اذ أن الرجل لم يعد يحتمل النهوض بأعباء الحياة وحيدا. تقول فاتن : « ككل الفتيات كنت أفكر في اختصار المسافات لتحقيق طموحاتي وتكوين أسرة ولذلك ركزت على الدراسة وجعلت التخرج نصب عيني دون أن أعتني بحكاية بطالة أصحاب الشهائد وأوكلت الأمر للمستقبل الذي كان عندئذ يخبئ لي سنوات طويلة من البطالة. » لم تقف محدثتنا مكتوفة الأيدي تجاه هذا الواقع وجعلت تبحث عن حلول للتخفيف من وطأة الفراغ المادي والمعنوي فعملت في معاهد للتعليم الثانوي الخاص واشتغلت في برنامج تعليم الكبار، بل أكثر من ذلك استغلت مهاراتها الحرفية في فن الخياطة وجعلت تكسر طوق الحاجية المادية وحققت مكاسب في هذا الاتجاه. غير أن متاعبها النفسية لم تتوقف عن التراكم اذ لم تجعلها كل هذه الحلول تحس الأمان النفسي والاستقرار الاجتماعي الذي كانت تبحث عنه. فليس من السهل أن ينسى الواحد منا وظيفة بذل سنين طويلة مليئة بالجهد والاختبارات ليصل الى ممارستها حتى ولو كان البديل دخلا ماديا وفيرا أو زوجا وأطفالا.

هذا الحرج النفسي تحسه فاتن أكثر فأكثر كلما تقاطرت على مسامعها أسئلة الناس عن الجديد في وضعها، أسئلة مخلوطة بمشاعر الاشفاق الى حد جعلها تقول لنا: « ان المؤلم في هذه الوضعية هو أن يتحول الانسان الى حكاية في أفواه الناس الذين يشفقون عليه من منطلق نية طيبة في حين يحتاج الأمر الى حل ما يتجاوز الخريج نفسه ». هي تقول ذلك لأنها لا تعلم لماذا في كل مرة تخفق في مناظرة الكاباس رغم استعداداتها المثابرة والجيدة حتى أنها بدأت تستسلم لشكوك انتابتها في تقدير قيمتها العلمية. كما بدأت مشاعر التشاؤم تدب في قلبها خوفا من تكرار النتيجة السلبية التي تجاوزت آثارها السلبية شخصها الى مجمل العائلة. فالجميع يحس بالضيق الذي يفترسها دون أن يستطيع فعل شيء من أجلها. هذه العائلة التي ترى في زواجها حلا ما لكن فاتن صاحبة الشأن تصر على القول : « ان الزواج ليس أقصى طموحاتي ولاهو منتهاها فالبقاء في البيت والتفرغ للمسؤولية العائلية ليس بديلا عن تحقيق شخصيتي »، ومع ذلك فهي لاتنفي أن خمس سنوات من البطالة تمثل ناقوس خطر ينغص عليها حياتها وليس لها من عزاء سوى أنها لا تتحمل مسؤولية ذلك. فهي فعلت وتفعل كل ما تستطيع.

مثلها في ذلك مثل منى زميلتها ذات ال29 سنة التي تقول : « انني حاولت الافلات من مصيدة الشعب محدودة الأفق لكنها اصطادتني ولم أفلح في التخلص منها باعادة التوجيه »، في النهاية قبلت بالأمر الواقع ودرست وتخرجت على أمل أن يحعل الله لي مخرجا وها أنا بصدد الاعداد للمحاولة الرابعة لاجتياز اختبار الكاباس، تصديقا لما قالته فاتن لت تغن الخطبة التي ارتبطت بها منى مع زوجها المقبل المتفهم لوضعيتها عن تحقيق ما كانت تصبو اليه فهي تريد خوض غمار الحياة من موقع القوة والندية وليس من موقع الضعف والتهميش. ومن أجل ذلك لجأت بدورها الى حلول وقتية في انتظار الحل الجذري الذي بقي غامضا ملتبس الملامح لاضمانة فيه لأية نتيجة. فلا أحد يعرف متى يصيبه سهم النجاح ذات يوم. فيما يحاكي ألعاب الحظ تواصل مناظرة الكاباس مسيرها ، ترسم الابتسامة على شفاه قليلة لكنها توزع ملامح الحيرة والبهتة على وجوه أخرى أكثر ستتزايد أعدادهم بتزايد عدد الخريجين الجدد، الملتحقون بالانتظار والترقب، يتواصل ذلك دون أن يلوح حل ما في الأفق يكون أرحم وأسلس من هذه المناظرة التي لا يكاد يقف وزير للتربية على منصة البرلمان لا وتنال الكاباس نصيبا وافرا من أسئلة النواب الذين يحاولون ايصال صوت الذين حالت دونهم هذا الأختبار والالتحاق بمهنة التدريس.

وزارة الاشراف اعتادت وصف هذه المناظرة بكونها الحل الأعدل في الظرف الراهن فهو وحده الضامن لتعادل الفرص بين الجميع دون تفريق بين قديم أو جديد أو بين غني وفقير. فيما يرى الخريجون أنفسهم أن باب البحث عن حل أمثل لم يوصد بعد وليست هذه المناظرة سوى واحدة من صيغ أخرى يمكن تجديد التفكير فيها. وهم يجدون أن حل أزمة من هذا القبيل تحتاج جوا خاصا من المشاركة في التفكير والبحث. فهؤلاء المجازون هم أهل مكة وعندهم ما يقولون في شعابها ويحتاجون لصوت يتحدث باسمهم وهي الفكرة التي لاقت صدى تردد في أرجاء المنظمة النقابية التي دفعتها التطورات الاقتصادية لاعادة التفكير في مفاهيم العمل والبطالة على كل الصعد طارحة فكرة صندوق للعاطلين عن العمل وفي انتظار مثل هذه الخطوة يأمل الخريجون أن تتخذ وزارة الاشراف خطوات من قبيل التقليص من سن التقاعد في التعليم الثانوي وايجاد صيغة مرنة تربط التكوين بالتشغيل دون أن تكون ضرورة في شكل مناظرة. داعين الى اقتطاع ميزانية من أوجه النشاط الاقتصادي وتخصيصها لهذا المشكل الاجتماعي الذي يعني استقرار المجتمع وتماسكه في محيط اقليمي ودولي متوتر ».

في حين طالب آخرون بالتصدي لأساليب ملتوية تمس من مصداقية عدالة مسالك الانتداب مما يؤدي الى محاباة البعض على حساب البعض الآخر. وذلك درءا لمشاعر التهميش التي تعد أرضا خصبة لألوان الانحراف. وهي مسؤولية لا تتحملها الدولة لوحدها فالخريجون الذي تحادثنا معهم أشاروا الى دور مكونات المجتمع المدني في ابقاء هذا الملف مفتوحا أمام الحوار بين الأطراف المعنية به، وقالوا ان ما نحتاجه هو صوت مسموع لدى كل من يهمه الأمر حتى لا تصل الأوضاع الى مرحلة أشد حرجا وهي مصلحة وطنية عامة لن يستفيد من تحقيقها الخريجون العاطلون لوحدهم بكل تأكيد.

(المصدر: القسم العربي من مجلة حقائق، العدد 975 الصادر يوم 2 سبتمبر 2004)


 كتاب جديد للدكتور منصف المرزوقي تنشره « تونس نيوز » على حلقات… 

عن أي ديمقراطية تتحدّثون (الحلقة 6)

بقلم: د. منصف المرزوقي

 

6- هل ستجهض الديمقراطية مشروع وحدة الأمة ؟

 

إنّ  ما يعانيه العرب  من انحطاط وإحباط  وليد شبكة معقدة ومترابطة من الأسباب ولا علاج له خارج شبكة معقدة ومترابطة من الحلول. معنى هذا أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون  » الحلّ » حتى ولو فرضنا حسن تطبيقها . لا بدّ أن تكون جزءا من منظومة الحلول  القادرة وحدها على وضع الأمّة أخيرا على السكّة.

 نجد في مشروع حركة  » المؤتمر القومي العربي  » بداية الوعي بهذه الرؤيا. فبرنامج  » الحلّ  » بالنسبة لهذه الحركة الفكرية والسياسية يتكوّن   من ستّة نقط  (المستقبل العربي  سبتمبر 2003-مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت)

 – الوحدة العربية (لمواجهة التجزئة بكل صورها القطرية والطائفية والقبلية)

– التنمية المستقبلية( لمواجهة التخلف أو النموّ المشوّه التابع )

العدالة الاجتماعية (لمواجهة الظلم والاستغلال بكل صوره ومستوياته)

الاستقلال الوطني والقومي( لمواجهة الهيمنة الأجنبية والإقليمية والدولية )

التجدد الحضاري( لمواجهة التجمّد الذاتي من الداخل والمسخ الثقافي من الخارج )

الديمقراطية لمواجهة الاستبداد بكل صوره و أشكاله.

إن فهم  تعدّد أبعاد  الحلّ يعدّ تقدّما هائلا  بالنسبة للذهنية الأحادية التبسيطية التي حكمت العقل السياسي العربي طيلة القرن الماضي . الإشكالية الآن  مدى تجانس القطع  الستّ التي تشكّل  »المحرّك ».

نعرف اليوم أنّ المشروع الوحدوي كان،  مع التنمية والمواطنة،

من أهمّ ضحايا النظام الاستبدادي ، أن هذا الأخير منع تكوين الفضاء  العربي الواحد باليات مختلفة من بينها استحالة التوافق بين دكتاتور وآخر لا يطمح كل واحد إلا لبسط سلطانه على خصمه ، مرورا باحتماء المستبدّين  المهدّدين بالأجنبي للبقاء في السلطة ، 

دون أن ننسى الخصومات الشخصية بين الطغاة .

لكن هل نحن متأكّدون أن النظام الديمقراطي سيفتح لنا الباب الذي أغلقه الاستبداد؟ من أين للديمقراطيين العرب الثقة في أن بوسع  الديمقراطية  تجديد المشروع العروبي ونفخ روح جديدة في محتضر يتمنى له الكثيرون موتا بلا بعث ؟ ألا يمكن أن تكون الديمقراطية هي التي ستقبر المشروع نهائيا؟  فالاستبداد  لم يكتف بضربه في الماضي وتعطيله في الحاضر وإنما ارتهن أيضا مستقبله.

  لا يمكن أن ننكر وجود  ردّة فعل شعبية في سوريا والعراق وليبيا ، قد تكون عابرة وقد تكون أعمق مما نظنّ ، تضع في سلة واحدة جرائم وفظاعات النظام الاستبدادي  والمشروع الوحدوي الذي شاء حظّه  العاثر أن يكون الايدولوجيا الرسمية والغطاء الجميل لأنظمة  الطائفية والمخابرات و الفساد والقمع لنذهب إلى أبعد من هذا. ألا يمكن أن تجزّأ الأقطار نفسها  التي نحلم بتوحيدها؟ إن ما ننساه هو أن النظام الاستبدادي العربي خرّب  المشروع الوطني قبل أن يجهض المشروع العروبي .  لقد تشكّلت داخل الدولة الوطنية المبنيّة  نظريا على تجاوز الطائفية والقبلية والجهوية ، كل مقومات نظام قبلي طائفي أي معادي لمبادئ الوحدة الوطنية لأنه  من طبيعة  حكم ظالم عنيف ومهدّد دوما، الاحتماء بالأقربين وإطلاق أيديهم مقابل الدعم والحماية. لا غرابة أن يقع  الجمع  في الأذهان  بين المستبدّ من جهة  و عشيرته أو طائفته من جهة أخرى، فتترعرع  في صمت القمع الضغائن الدفينة والأحقاد المرجأة . هكذا توارت   تحت رماد الوحدة الوطنية المفتعلة  جمرات  انقسامات خطيرة ، دينية في لبنان ومصر،  طائفية في سوريا ، عرقية في السودان والعراق ، عشائرية في السعودية واليمن وبلدان الخليج ، ثقافية في الجزائر والمغرب. إن الامتحان القاسي الذي تتعرض له الوحدة الوطنية اليوم في  العراق والسودان  ليس بالضرورة آخر مآسينا في هذا الميدان .

لقائل أن يقول أن هذين المثالين يبرّآن النظام الاستبدادي  أكثر مما يدينانه،فالانفصال الضمني لشمال العراق وجنوب السودان كان كامنا في الفوارق العرقية والثقافية. لذلك كان الاستبداد ولا يزال الضامن الأساسي للوحدة الوطنية.  لكن اعتراضا كهذا غير جدّي لأنه لا معنى ولا وظيفة لوحدة وطنية مفروضة بالقوّة.  فإمّا ترتكز على شعور عميق بالانتماء إلى نفس المجموعة وعلى  التضامن الحرّ… أو لا تكون. أضف إلى هذا أنّ  الفوارق العرقية والثقافية ، التي أخضعها  الاستبداد  بالحديد والنار، كانت قابلة للترويض في إطار  نظام  فيدرالي عادل  كالنظام السويسري مثلا.

على كل حال، نحن لا نستطيع إعادة كتابة التاريخ أو اللعب بفرضيات لا تخضع للتجربة . كل ما يمكن أن نقوله أنّ استفتاءا حرّا في العراق أو السودان اليوم  سيؤول بصفة شبه حتمية إلى تفجّر الدولتين  للظروف الموضوعية والتاريخية من جهة ،  ومن جهة أخرى بسبب الطريقة التي تعامل بها الاستبداد مع هذه العوامل المتقدمة عليه .

وفي نفس السياق علينا أن نتوقّع أنّ عودة السيادة للشعب عبر انتخابات حرّة ونزيهة،  ستعطي دفعا هائلا لمطالب الخصوصيات التي قمعت إبان الاستبداد حتّى ولو لم تشكّل تهديدا صارخا للوحدة الوطنية.

ثمة خطر حقيقي من تشكّل أحزاب وطنية بأضيق مفهوم وحتى  طائفية وعنصرية تستلهم معاداتها للعروبة من مصادر ثلاثة : المطالب الشرعية للأقليات  ، العمالة لأنظمة غربية تتربّص بكلّ ما هو عروبة وإسلام  وبحث المقاولين النشيطين عن  »أسواق  » سياسية أضمن ربحا من مشروع أحالوه مبكّرا على متحف الأحلام الضائعة .

لا أحد يستطيع  التكهّن بالدور الذي ستلعبه الديمقراطية في الجزائر والمغرب . هل ستفتّت مطالب الأمازيغ في البلدين  أم هل أن الاعتراف لهم  بالحقوق السياسية سيدفع عن القطرين بلاء  »السودنة » و »الأكردة »؟ إنّ  الأصوات التي  تدعو إلى  إحياء فكرة فرعونية مصر و خروجها من العائلة العربية  بداية مسلسل لا يجوز الاستهانة به وظاهرة لن تبقى معزولة. لننتبه لخطورة طرحها مثلا لقضية اللغة حيث تدعو إلى كتابة الدارجة المصرية والتخلّي عن الفصحى .إن تحقيق مشروع كهذا لن يعني إلا الإجهاز على الأمّة عبر تدمير  عمودها  الفقري : لغة الضادّ . ليس من باب الصدفة أن تطفو على  السطح تلك النظريات السخيفة  التي طالما قارنت العربية باللاتينية منادية بضرورة تحرّر »اللغات  » العربية من سطوة لغة  » ميتة » ولم لا ظهور  » لوثر » عربي يترجم القرآن إلى  »اللغة التونسية  » حتى يفهم التونسيون  ما يقوله النصّ  باللغة الميتة  .

هل يجب  أن نخشى دفعا  أمازيغيا في الجزائر والمغرب لاستبدال العربية باللهجات المحلية سواء كانت من أصل عربي او أمازيغي  ومن ثمة قطع الحبل الوريدي بين  المغرب و المشرق ثمّ فرض توجّه نحو أوروبا للاندماج فيها . ليس بديهيا أيضا أن تقبل الشعوب الخليجية باتحاد لا يعني شيئا آخر غير ذوبان سكّر ثروتها داخل أنهار من الفقر العربي( بدل ذوبانها في كروش أمرائها ). أما فلسطين التي خذلتها الدول وحتى الشعوب العربية،  فليس بديهيا ألا يفضّل  يوما شعبها البطل المثخن بالجراح اندماجا في تجمع إقليمي مع إسرائيل . أمّا من سيبادرون بالصراخ أن هذا مستحيل فالمرجوّ منهم العودة إلى تاريخ العلاقات الألمانية الفرنسية.

إنّ بوسع التاريخ أن يتمخض عن مفاجئات لا نتخيلها مثل وحدات إقليمية كاتحاد الهلال الخصيب تحت سيطرة إسرائيل ، واتحاد المغرب العربي تحت سيطرة الاتحاد الأوروبي، واتحاد دول الخليج تحت سيطرة أمريكا،  وربما اتحاد وادي النيل تحت سيطرة أمريكية –أوروبية-إسرائيلية.

يتطوّر  السؤال إذن ليصبح : إذا  فرضنا أن الديمقراطية ستشكّل هزّة خفيفة وليس زلزالا يدمّر حتى الوحدة الوطنية،  فماذا سنفعل كديمقراطيين برفض الأقليات الدينية وحتى الاقتصادية  فتح الفضاء الوطني على الفضاء العربي ؟ وبعبارة أخرى : حيث أن الفضاء الوطني أو الإقليمي  هو نفسه لم يستنفذ كلّ  شروط وحدته  وحيث أن الديمقراطية قد تعطي للأقليات الدينية والثقافية حقّ رفض أي اتحاد عربي تخشى من الذوبان فيه، فكيف لنا تصوّر بناء الفضاء العربي الواحد في مثل هذه الظروف ؟

إن تجارب الدول القريبة منا بخصوص علاقة الديمقراطية والوحدة السياسية  متضاربة . حقّا هناك  التجربة الأوروبية  التي تظهر أن الشعوب  لا تتوحّد ، رغم الخلافات التي تشقها وخلافاتها الداخلية ، إلا عند استتباب النظام الديمقراطي … أن انهيار الدكتاتوريات في ألمانيا وإيطاليا و أسبانيا واليونان والبرتغال ثم في بلدان أوروبا الشرقية ، كان الشرط الأوّل لقيام الاتحاد الأوروبي. لكن الديمقراطية هي التي دمّرت وحدة يوغسلافيا أو الاتحاد السوفياتي.

إن التنبيه لهذه الأخطار لا يعني أنّ علينا رفض الديمقراطية باسم اتحاد  لن يحصل في كلّ الحالات تحت راية الاستبداد ،  وإنما الوعي بأننا  نتعامل مع أداة بالغة التعقيد والأبعاد ، منها التي نتوقع ونريد ومنها التي ستشكّل معضلة بالنسبة لمشروع  تتحرّري متكامل  تشكلّ الديمقراطية جزءا منه ،لا مبتدأ الخبر ومنتهاه.

                                                                     

*

ثمة اليوم  إغراء  كبير من قبل صغار النفوس والأفق   للاستقالة من عروبة تبدو  مفلسة بكل المعاني والمستويات وقد وضع المستهلك  في نفس السلّة التاجر الغشاش والبضاعة المتضرّرة من غشّ البائع.

أليس من المضحكات المبكيات أن النظام  الليبي ، هو الآخر قرّر الاستقالة من العروبة التي ساهم كثيرا  في تخريبها  مكتشفا فجأة إفريقيته . لا يبقى لنا غير أن نصلّي  لأفريقيا المسكينة.

 إن تجدّد أمتنا يمرّ بوحدة  ليست تكرارا لماض خيالي وإنما خلقا لاتحاد  جمهوريات  المواطنين العرب كلّنا نعلم مدى حاجتنا لفضاء قومي  أوسع للحرية والتآخي و لا علاقة  له بأي  صورة لدولة مركزية  قومجية متطرفة مبنية  على  العداء للخارج وقمع الأقليات .

إذا كان الإسلام هو المسلمون والديمقراطية هي الديمقراطيون فإنّ الإتحاد   هو الاتحاديون  وقدرتهم على ترجمة المشروع إلى واقع . هؤلاء الاتحاديون  هم ضرورة ديمقراطيون لأن الديمقراطية شرط  ضروري لنجاح المشروع  كما يثبت ذلك فشل الوحدويين الاستبداديين ونجاح التجربة الاتحادية  الأوروبية.

الدرس الأوّل الذي  تعلمنا إياه هذه  التجربة أن الاندماج لا يكون إلا بين دول لم  تعد تخشى على وحدتها الوطنية أو على حدودها . معنى هذا أن نضالنا الطويل من أجل الاتحاد العربي  يبدأ بنضال من أجل الوحدة الوطنية . إنّ مهمّة الديمقراطيين العرب أين تواجدوا تعزيز هذه الوحدة لأن الشظايا أصعب تجميعا من الأجزاء الكبيرة. فعلى صعيد المغرب الكبير مثلا لا يجب أن يتردّد العروبيون   لحظة عن دعم المطالب الثقافية للأمازيغ على عكس القوميين التقليديين.

إنّ المغرب الكبير منذ تخليصه من الاحتلال البيزنطي هو  نتاج شعبين توأمين حاربا معا في الأندلس  وصنعا معا الحضارة التي تميزه  وقاوما معا الاستعمار واختلطت الدماء بالدماء على مرّ التاريخ  فتعرّب الأمازيغ  وتمغزز العرب ، وأصبحت  الحدود بين العروبة والأمازيغية تمرّ داخل كل مغاربي . ورغم هذا المصير المشترك ،أبقى الاستبداد الثقافة الأمازيغية في الظلّ وغيب اللغة وتجاهل وجود الشعب التوأم وما له  من حقوق ، فنشأت الحركات المتطرفة كالتي توجد في منطقة القبائل برفضها لكل ما هو عربي وتوجهها للغرب وحتى لإسرائيل وتصديها لكتابة الأمازيغية بالأحرف العربية .

تفرض علينا  النزاهة وبعد الأفق السياسي أن يعترف كلّ  العرب -وعلى رأسهم الاتحاديون  -للأمازيغ في المنطقة المغاربية والأقباط

و المسيحيين والأكراد والأفارقة في السودان وموريطانيا،  بكل حقوقهم الثقافية والسياسية . إنّ أيّ مواجهة بين العروبة وبين الخصوصيات الوطنية لن تعود إلاّ بالوبال على العروبة وعلى المشروع الاتحادي  .

والدرس الثاني للتجربة  الأوروبية  أنّ  الاتحاد الأوروبي  لم يكن مشروع  كلّ الأحزاب الديمقراطية الوطنية. فقد حاربته البعض منها باسم الخصوصية مثلما سيقع ذلك في فضائنا العربي. 

معنى هذا  أنّ الاتحاد العربي إذا قدّر له أن يولد من رحم عملية شبيهة ،فإنّ الأمر سيتطلّب تجنّد جزء هامّ ومؤثر من القوى الديمقراطية العربية لربح معركة الأفكار ضدّ  صغار النفوس والأفق حتى يصبح بديهيا للكلّ  أن العامل أو العالم  المصري والفنانة اللبنانية والأديب السوداني المستثمر الخليجي والفلاح  العراقي والكاتب  التونسي  والصحافي  الفلسطيني والسائح المغربي الخ ،  بحاجة إلى فضاء كبير مثل الفضاء العربي ، هم فيه أسياد بدل من التقوقع على فضاءهم الضيق أو التسوّل والتطفّل على فضاءات الآخرين . إن مهمّة الديمقراطيون –الاتحاديون    ليست خلق الحزب القائد ليصبح الحزب – القيد كما حدث ذلك مرارا . هي ليست بناء  »كارتل » أحزاب ديمقراطية تتحالف بينها ضدّ البعبع الاستبدادي أو المنافس الإسلامي .إن دورهم المعقّد يمرّ من تكوين الأحزاب والتنظيمات إلى تثوير العقليات وغرس الديمقراطية في العقول والقلوب إلى دفع كل القوى السياسية بما فيها القومية الجديدة والإسلامية المتنورة إلى جعل النظام الديمقراطي خيارهم الستراتيجي وليس فقط التكتيكي الانتهازي . فليتأهب الاتحاديون  إذن إلى عقود من الدعوة والضغط والتربية وهم في المعارضة وعقود أخرى من التفاوض المضني والجهد الجهيد ليتبلور الاتحاد إذا حكموا يوما.

لا يجب أن يخفى عنّا هنا،  أننا ربما بصدد السقوط في الفخّ الذي سقط فيه القوميون الاستبداديون . هم أيضا كانوا يتصوّرون  وحدتهم على منوال  أوروبا ، لكن من أوروبا القرن التاسع عشر . لقد كانت الوحدة الألمانية والإيطالية النموذج  الماثل أمام أعينهم. هكذا بقوا ينتظرون بزمارك العرب فرأوه مرة في عبد الناصر وأخرى في القذافي بل وحتى في صدام حسين . وفي أحسن الأحوال رأوا الحلّ في النموذج السوفياتي  حيث يجب على  حزب البعث  أن يستولي في العشرين قطرا على السلطة ليتم التوحيد تحت راية الحزب الرائد وقيادته المركزية الحكيمة. ورأينا قدرة هذا الحزب الواحد على التفريق وهو يستولي على مقاليد السلطة في قطرين فقط   هل نحن بصدد تكرار خطأ آبائنا المبهورين بالمثال الأوروبي لا نقلّ عنهم  انبهارا وتقليدا أعمى؟ ألسنا بصدد الجري وراء  نموذج غير قابل للتطبيق لأنه مثل اللاّئكية وليد تاريخه وإذا نقل مسخ وأنتج ما لا نتوقّع أو نرضى ؟ أليست القاعدة المعروفة أنّ التاريخ لا يكرّر نفسه وأن له حلولا مختلفة لنفس المشاكل  ؟

إن هذا الاعتراض صائب منهجيا ويجب أن يبقى ماثلا بين أعيينا لتكون لنا دوما من المرونة الفكرية ما يكفي للتأقلم مع معطيات تتغيّر باستمرار و تفاجئنا دوما . كلّ ما نستطيع قوله في هذه اللحظة من تاريخنا أنه لا خيار لنا غير تجربة هذا الطريق بعد أن تبين أن النموذج الاستبدادي يؤدي إلى عكس ما نطمح له. يبقى إغراء انفجار تحت قيادة ثورة إسلامية –قومية  يختصر كل هذا الطريق . إن حدوث شيء كهذا أمر غير مستبعد خاصة في ظروف الاحتقان المتزايد للوضع السياسي في المنطقة .

الإشكالية هي هل ستستطيع القوى الديمقراطية أن تؤثّر على طريقة بناء النظام الوحدوي الجديد وهل ستستثمر القوى الأخرى تجارب التاريخ لتخلق بدل أن تكرّر. في هذه الحالة فإن البناء سيستقيم وسيصمد، أمّا إذا تمخضت الثورة عن  »اتحاد سوفياتي  » عربي  فلن يطول الوقت حتى يبدأ  العرب الذين ترجّوا الوحدة بكل قواهم  الحلم …… بالانفصال .

 

***

 

الحلقة المقبلة : حتى نجدّد آليات التفكير؟

www.moncefmarzouki.net


Le Chantier Démocratique : mise à jour et rappel

 

Mesdames et messieurs, cher(e)s démocrates Les pseudo-élections approchent à grands pas, les injustices ont repris de plus belle et les tensions se font déjà sentir. On n’arrête pas de passer d’une mascarade à l’autre sous l’égide du régime actuel. Par ailleurs l’appel au boycott est lancé sans faire l’unanimité chez les opposants tunisiens. Les conflits dans le microcosme de l’opposition font de l’ombre au rôle et aux espérances attendus par leur compatriotes. Nous citoyens Tunisiens avons voulu dans le cadre du Chantier Démocratique essayer de venir à bout de ces chamailleries pour faire revaloir le combat contre la dictature et essayer de réinstaller une atmosphère propice au travail et un lieu commun où l’on pourra tenter de reconstituer un point de départ pour le rassemblement des forces de l’opposition et de la société civile tunisiennes. Dans le Chantier Démocratique (où vous trouverez tous les articles se rapportant à cette action), nous avons travaillé collectivement dans des débats constructifs où tout un chacun y a apporté ses idées et contributions pour établir une charte ayant pour objectif la tentative de rassemblement des partis de l’opposition contre la dictature de Ben Ali. Depuis la création de cette rubrique, et pour rafraîchir la mémoire aux uns et aux autres, voici les articles de la charte ainsi que quelques liens de débats, par ordre chronologiques. La Charte Article 1 Toute personne ayant la volonté de contribuer à améliorer le sort de la Tunisie pourra faire partie du CD, sans esprit partisan. Cette action est ouverte à tout citoyen qu’il soit actif dans la société civile (associations, organisations, syndicat,…), membre d’un parti politique ou simple citoyen, indépendamment de la couleur politique, de l’idéologie ou de la situation géographique. Article 2 Cette action citoyenne se propose de se mobiliser pour :   Obtenir de l’amnistie générale pour tous les prisonniers d’opinion, ainsi que le droit de retour à tous les exilés   Oeuvrer contre le régime autoritaire et dictatorial, et la mainmise de son parti unique sur les institutions du pays   Mettre en place d’un Etat de droit   Garantir l’indépendance de la justice et toutes les structures institutionnels de l’Etat   Instaurer un régime démocratique, garantissant les libertés individuelles de chaque citoyen   Lever toutes les interdictions et limitations des droits d’association, d’expression, d’organisation, et redonner a la presse ses titres de noblesse   Informer les Tunisiens de l’intérieur et de l’extérieur du pays et les appeler à intégrer cette action afin de créer un contrepoids à la machine dictatoriale en place. Article 3  Ce front reconnaît les fondements du régime républicain (celui-ci étant de la Tunisie actuelle), son caractère démocratique et laïc avec ce que cela suppose en termes de respect des droits fondamentaux, des libertés publiques et d’égalité des droits entre les hommes et les femmes, les croyances, les opinions et les origines. Ceci n’exclut aucunement les partisans d’autres types de régimes politiques de participer à ce front dans le respect des règles établies par cette charte et par la déclaration des droits de l’homme. Fondements de l’Action   Principe laïc (ou séculier) : L’Action se sépare des doctrines religieuses et idéologiques, de la conduction ou de la propagation des idées de celles-ci. Elle ne se lie à aucun parti ou organisation de tout bord. Cela ne signifie pas que l’Action vise à exclure les individus pour leurs croyances ou opinions, religieuses, politiques ou autre. Tous les Tunisiens pourront y participer sous la bannière de la pluralité.   Droits de l’homme : La définition donnée par l’ONU   Démocratie   Respect : de la charte, ainsi que des personnes participantes dans leur intégrité, dignité et dans leurs droits fondamentaux.   Unité (dépassement des divergences et terrain d’entente, compromis dans le plan d’action) Article 4 Toutes les forces vives sont appelées à amener leurs compétences dans tous les domaines touchant la société tunisienne et à les mettre au service du collectif. Chacun devant prendre ses responsabilités pour mener a bien cette action.

(Source : tunezine.com, le 6 septembre 2004)

Lien web: http://www.tunezine.com/article.php3?id_article=423


Les Etats soutenant la CPI réunis à La Haye sur fond d’opposition américaine

AFP, le 06.09.04 à 11h19

Quatre-vingt des 94 Etats reconnaissant la Cour pénale internationale (CPI) ont commencé à se réunir lundi à La Haye tout en regrettant l’absence de soutien des Etats-Unis pour ce premier tribunal permanent chargé de juger les crimes de guerre dans le monde.

« Les Pays-Bas regrettent que les Etats-Unis ne puissent pas s’engager pour la Cour pénale internationale et sa lutte contre l’impunité », a déclaré le ministre des Affaires étrangères néerlandais Ben Bot dans son discours d’ouverture.

Le siège de la CPI est à La Haye et la conférence des Etats parties à la Cour se tient pour la première fois dans cette ville des Pays-Bas.Les Etats-Unis, qui avaient signé dans un premier temps le Traité de Rome établissant la Cour, ont retiré leur signature et mènent une campagne active contre la CPI qu’ils suspectent de pouvoir prêter le flanc à des manipulations politiques.M. Bot a cependant insisté sur le fait que « le dialogue doit continuer avec les Etats-Unis (…) qui restent nos alliés et nos amis ».

« En même temps nous défendrons l’indépendance de la Cour », a ajouté le ministre dont le pays exerce actuellement la présidence tournante de l’Union européenne. Washington fait pression sur de nombreux Etats pour qu’ils signent des accords bilatéraux qui garantissent que les ressortissants américains ne seront pas extradés vers La Haye s’ils sont poursuivis pour génocide, crimes de guerre ou crime contre l’humanité par la CPI.

A ce jour, une trentaine d’Etats sur les 94 reconnaissant la CPI ont accepté de signer de tels accords.La conférence des Etats reconnaissant le CPI se tient jusqu’à vendredi à La Haye. Un des sujets clés sera l’adoption du budget pour l’année 2005 alors que le procureur a lancé deux enquêtes sur les crimes commis en République démocratique du Congo et dans le nord de l’Ouganda.

La CPI souhaite obtenir un budget de 70 millions d’euros.Le président de l’Assemblée des Etats parties, le prince jordanien Zeid Raad Zeid Al-Hussein, a appelé les Etats à soutenir financièrement la Cour: « ce qui serait trop cher seraient les conséquences de ne pas avoir de Cour », a-t-il souligné.

« La Cour est la seule institution qui peut nous donner espoir dans le 21èeme siècle », a-t-il ajouté.L’Assemblée doit également permettre de relancer le Fonds d’aide aux victimes, présidé par la Française Simone Veil, et qui aura pour tâche de compenser les victimes pour leurs souffrances.

Les Pays-Bas ont annoncé lundi qu’ils donnaient un montant de 100.000 euros à ce fonds et ont appelé d’autres Etats à suivre cet exemple.

(Source: “Le Monde” du 6 septembre 2004)


La CPI joue son avenir avec le budget 2005 Les Etats-Unis s’opposent durement à la Cour pénale internationale basée à La Haye.

C‘est un moment de vérité pour la nouvelle Cour pénale internationale (CPI), première juridiction permanente chargée de juger les crimes les plus graves ­ crimes de guerre, crimes contre l’humanité, génocide ­ commis depuis son entrée en fonctions en juillet 2002. Elle se concentre sur les plus hauts responsables de ces crimes, s’ils n’ont pas été poursuivis dans leur pays. Les 94 Etats ayant ratifié le traité instituant la CPI examineront à partir d’aujourd’hui à La Haye son budget 2005, alors que Washington continue de s’opposer durement à cette Cour créée sous l’égide des Nations unies, craignant qu’elle puisse être manipulée.

«Le budget pour 2005 sera crucial car la CPI entre dans une phase opérationnelle avec le lancement de deux enquêtes, en Ouganda et en république démocratique du Congo (RDC)», a déclaré un des représentants de l’Assemblée de ces Etats, Medard Rwelamira. Des équipes de la CPI se sont déjà rendues dans ces pays et les enquêteurs de la Cour vont accélérer leurs travaux dans les mois qui viennent afin d’interroger les témoins et survivants et de collecter des éléments de preuves. Un budget de 70 millions d’euros est proposé pour 2005. A titre de comparaison, le Tribunal pénal international (TPI) pour l’ex-Yougoslavie a un budget annuel d’environ 130 millions de dollars (107 millions d’euros).

L’attribution de ces fonds sera un sujet de discussion épineux à La Haye. La Coalition pour la CPI, une organisation qui regroupe environ 2 000 ONG défendant les droits de l’homme, a dénoncé les propositions actuelles, insuffisantes selon elle pour assurer la protection des témoins et permettre aux victimes de participer aux procédures.

Le fonctionnement de la CPI reste toujours hypothéqué par l’opposition farouche de l’administration américaine. «Les Etats-Unis n’ont pas ralenti leur campagne», affirme Richard Dicker, de Human Rights Watch. Une trentaine des Etats parties au traité ont signé des accords bilatéraux avec les Etats-Unis, garantissant que les ressortissants américains ne seront pas extradés vers La Haye s’ils sont poursuivis par la CPI.

En juin dernier, les Etats-Unis ont cependant dû renoncer à obtenir à l’ONU un renouvellement des exemptions pour ceux de leurs ressortissants prenant part à des missions de paix.

D’après afp

(Source: Libération du lundi 06 septembre 2004 )


                                                                                   

Arab Liberals: The Last Hope for Reform

Ammar Abdulhamid, Visiting Fellow,

Saban Center for Middle East Policy

 An interesting phenomenon has been taking place of late: coverage in the international media of the activities of Arab and Muslim terrorists has given way, for a short while at least, to a consideration of Arab liberal intellectuals and activists and their potential role in the longed-for reform process in the Arab world.

Although different authors seem to have a different understanding of what they actually mean by « Arab liberals, » one thing appears to be constant: the liberals are assumed to have secular leanings and a certain favorable, or at least more realistic, disposition toward Western values, culture and interests. They are, therefore, clearly regarded as a minority within a minority.

Realizing this, analysts seem to be quite divided over whether Arab liberals can succeed in having a real impact on the contemporary Arab political and cultural scene. Still, they seem to agree on the fact that the liberals represent the last hope for a peaceful indigenous transformation of the Middle East.

Nothing could be more true. Arab liberals are currently caught between a rock and a hard place—that is, between regimes whose grip on power is still strong and who have every intention of making it even stronger (to ensure a smooth succession in their leadership, if nothing else), and societies where religious extremism is making deep inroads and developing a more « romantic » popular appeal. Arab liberals are indeed under siege, and that’s putting it mildly.

The reality is that Arab liberals are currently fighting to retain the last foothold that liberal values still have in the Arab world. In this they have no choice but to cooperate with external forces, at the risk of being denounced as traitors or pawns of the West. For they have no supporters within their own societies, except the ones who might benefit from the liberals’ involvement in various domestic developmental activities. These activities, however, are always monitored by the authorities and could be shut down at a moment’s notice.

Still, Arab regimes are not the only hurdles that liberals have to clear. Their societies present formidable barriers as well, as the liberals often have to deal with issues that are socially problematic. Take the issue of minority rights, a topic I have been addressing in Syria. Raising this as part of an ongoing effort to increase popular awareness and appreciation for democratic values is bound to make many people, and not only regimes, quite uneasy.

For example, people who have been raised on the myths of Arab nationalism will, understandably, have a difficult time accepting the legitimate aspirations of the Kurds, Amazigh or Berbers living in their midst. As they grew up believing that their countries were part of an Arab homeland, in their minds granting separate cultural rights to other ethnic groups undermines the national character of the state.

Similarly, the idea of granting equal rights to religious minorities, be they Christians, Jews or members of heterodox Muslim sects, is still quite problematic. The institution of « dhimmitude, » that is of declared trusteeship over religious minorities, still influences the way in which many Muslims think and behave toward these minorities. The heterodox sects have even greater difficulties to contend with, as the dhimmi institution did not accommodate them.

Gender issues, the urban-rural divide and prevailing traditional versus modern sexual mores are some of the other issues that Arab liberals have difficulty addressing. Yet, as the recent United Nations Development Program’s Arab Human Development Reports have demonstrated, these issues go to the very heart of the contemporary Arab crisis and cannot be ignored.

There are those who believe that economic reform should at this stage be given top priority in the Arab world, and that these other, « social » issues must wait. This is, however, a gross oversimplification. The intricate relations between minority groups and majority populations, rural and urban centers, and men and women, have too many implications for economic reform to be pushed to the back of the line. Unless they are seriously addressed, they will be serious obstacles to reform.

Because they are working against so many prevalent assumptions and convictions in the Middle East, Arab liberals seem to have no choice but to seek external sources of funding and expertise to support their various activities.

This alliance of sorts that is emerging between the region’s liberals and their willing international backers comes as a last-ditch effort to develop, modernize and democratize the Arab world, peacefully and from within. This is unmistakably a struggle against all odds, but that is exactly what makes it so necessary. In a region where events have always had international repercussions, no one can afford to pay the price of failure.

(Source: le journal libanais “The Daily Star”, August 31, 2004)


متى الاعتذار للشعب الليبي؟

رشيد خشانة  

تحرك الزعيم الليبي العقيد معمر القدافي على ثلاثة محاور في آن معاً لاثبات حسن النية للأميركيين والأوروبيين والاسرائيليين لكن المحور الوحيد الدي لم يضعه على أجندته هو تجسير الفجوة مع أبناء البلد، مع أن نجله وخليفته أكد أن النظام سيتفرغ لملفات التنمية في الداخل بعد دفع جميع التعويضات التي طلبتها أميركا وأوروبا. كان بعض المراقبين الحالمين بأمل التغيير من داخل الجهاز يتوقعون الاعلان عما يشبه الانفتاح السياسي في ذكرى وصول القذافي الى سدة الحكم تزامناً مع اجراءات التطبيع السريع مع الغرب، غير أن ما أعلنه «القائد» في الفاتح من أيلول (سبتمبر( لم يتطرق الى أي نوع من الاصلاحات السياسية. كل ما دكره في شأن تحسين أوضاع الليبيين اقتصر على المسكن والمأكل انطلاقاً من الرؤية التي لا تتعاطى مع الشعوب الا بوصفها قطيعا ينبغي أن يشبع لا عقولاً ينبغي أن تشحذ.

دفعت ليبيا بسخاء لضحايا طائرة «بان أميركان» التي أسقطت فوق لوكربي وفي ذلك اعتراف بالمسؤولية عن الاعتداء. ودفعت تعويضات لضحايا طائرة «يو تي آي » التي أسقطت فوق صحراء النيجر واضطرت لمراجعة قيمة التعويض لتقترب حصة الضحية الفرنسية من التعويض الدي منح للضحية الأميركية، وفي الحالين أقرت مباشرة أو مداورة بالمسؤولية الجنائية والسياسية عن العملية. وأخيراً أعطت تعويضات لا تقل سخاء لضحايا ملهى « لابيل » الألمان معترفة ضمناً بالمسؤولية عن الحادثة.

ما من بلد في العالم الثالث ترتب على شعبه دفع تعويضات بالحجم الذي ألقي على كاهل الجيل الحالي والأجيال المقبلة من الليبيين. ومن أجل أقل من هذا بكثير تعتذر حكومات لشعوبها وتستقيل معترفة بالتقصير والاخفاق، تاركة المكان لمن هو أجدر منها بتسيير دفة البلد. في هذه المسائل لا وجود لمنطقة وسطى، كأن يكون النظام مثلاً فاشلاً وناجحاً في آن معاً. وفي مجتمعات أخرى لايمكن اعطاء الاذن بصرف أموال التعويضات من الثروة الوطنية قبل أن يناقش البرلمان الملف برمته ويسأل الحكومة عن مستندات الاتفاق ووجاهة مبرراته ويوافق عليها أو يعترض.

ما هو الذنب الدي اقترفه الليبيون حتى يسددوا الفاتورة من لقمة عيشهم فهل تمت استشارتهم قبل تقرير السياسات التي نفدت باسمهم في العقدين الماضيين كي يتحملوا اليوم نتائجها من مخصصاتهم ومن قوت الأجيال المقبلة؟ وعلى رغم حجم التعهدات التي قطعتها ليبيا على نفسها نحو أميركا وأوروبا لا يبدو أن أرتال القطار انتهت فأمام القذافي ملف شائك يتعلق بالأطباء البلغار الذي يصر الغربيون على تنازل صريح في شأنه كي يتحقق التطبيع الكامل. وطالما أن بلغاريا باتت عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي فلا مجال للتهاون في هذا الأمر بمنطق الأوروبيين واستناداً الى شرعة الاتحاد نفسه. والرسالة التي أبلغها أخيراً كل من برلوسكوني وغريمه برودي الى القذافي في شكل منفصل مفادها أن قضية البلغار هي الورقة الأخيرة المطلوب ضمها للملف لتكريس التطبيع مع أوروبا. ويولي القدافي أهمية كبيرة لهدا التطبيع وبالأخص لزيارتي شيراك وشرودر لليبيا قبل نهاية العام على اعتبار أنهما ستشكلان علامتين على عودة النظام الى الحظيرة الدولية ومقدمة لاقتطاع مقعد في قطار برشلونة الأورومتوسطي… المتوقف منذ زمن.

وبعدما كان الموقف الرسمي الليبي يدين مسار برشلونة ويصفه بالاستعمار الجديد صار أخذ مقعد صغير في زاوية من زواياه أمنية تهون في سبيلها ملايين الدولارات من التعويضات طالما أنها ستضمن مكاناً في القمة الأورومتوسطية التي دعت لها اسبانيا في الذكرى العاشرة لندوة برشلونة. ومن باب أخذ الموعظة من الدرس العراقي صار الزعيم الليبي لا يحب الأميركيين والأوروبيين فقط وانما يحب من يحبونه أيضا. فهو مستعد لدفع تعويضات لليهود الليبيين الذين تركوا بلدهم وبيوتهم وهاجروا طوعاً الى فلسطين، لا بل مستعد حتى لتمويل حزب لليهود الليبيين أينما كانوا. أما اذا طلب مواطنون ليبيون تشكيل حزب فجزاؤهم الرجم والسحل والمشانق المخصصة لـ «الكلاب الضالة» عملاً بالمقولة الثورية أن «من تحزب خان».

في هذا المستوى لم يتغير شيء على رغم أن جميع الشعارات التي ارتكز عليها النظام طوال ثلاثين عاماً انقلبت الى الضد. لم يطلق سجناء ولا عاد منفيون الى وطنهم.لم ترتخ القيود على حرية الصحافة ولا أرسيت تعددية. لم يعترف بأخطاء متصلة بأعمال الاغتيال والخطف والتعديب. أما أميركا وأوروبا فقد سكتتا على موضوع الاصلاح السياسي في ليبيا سكوتاً مريباً ربما لأنهما لا تملكان حلفاء تستخدمانهم في اختراق المجتمع من الداخل وتخشيان من ظهور قوى جديدة لا تعطي ما يعطيه الفريق الحالي المنهك من العقوبات الدولية والمحاصر بالملفات الجنائية. ولهذا السبب فإن الموقف الأميركي والأوروبي من الديموقراطية في ليبيا هو المحك على مدى صدقية رفع شعار الاصلاحات.

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 6 سبتمبر 2004)


الذاكرة و الليل..

الفصل الثاني

عبد الحفيظ خميري

 حمزة

التونسي رجل وسط. عيناه تميلان للسواد تعبران عن عزة وكبرياء. غير أن المتمعن فيهما يلامس رقة وطيبة لا حدود لهما. فمه يميل إلى الصغر غير أن شفته السفلى تبدو كبيرة بعض الشيء. وقد كان وجهه شاحبا يعبر عن ذهول وتفكير طويل.. خرج من بلاده شابا وسيما ثائرا غاضبا على عصره وها هو اليوم كهل أرهقته سنوات البعد وهجرة تتواصل في الفراغ.. شعره بدأ يتساقط وبصره بدأ يضعف فاضطر إلى الاستعانة بنظارة.. كان نحيلا بعض الشيء لكثرة التفكير ولأنه كان يعاني من ألم الروماتيزم.. كان جميل الابتسامة تزين وجهه لحية كثيفة وبياض مشبوب بسمرة.. استقر به المطاف في مدينة باريس منذ سنوات.. كان كل ليلة يأوي إلى فراش ابنه يقص عليه مشاهد من هجرة القرن العشرين إلى مدن الضباب.. كان يستعيد المشوار الطويل الذي مشاه حتى لا تغتاله تفاصيل الحياة اليومية وكثرة مشاغلها في باريس.. وفي نفس الوقت يساعد ابنه على النوم.. واعتاد الصبي على حكايات أبيه فكان لا ينام قبل أن يسمع مقطعا من رحلته أو يستمتع بمشهد من مشاهد هذه الهجرة التي حملت أباه إلى هذه الربوع..

قال حمزة التونسي:

ـ كان يا مكان قبل أن يعم الخوف بلادي

طائر أخضر جميل يملأه حب الحياة ويعيش على حلم التغيير في أن تصبح الواحة التي يسكنها أحسن الواحات. ولكن هاجمت تلك الواحة قوافل من الثعابين وأنواع أخرى من الزواحف والحشرات.. فهدمت الأعشاش وكسرت البيض أكلت الفراخ وقتلت من قتلت وسجنت من سجنت وتشتت الباقون.. وهكذا قرر الطائر الأخضر أن يهاجر نحو الغرب..

ينام الابن ويواصل حمزة حديثه مع نفسه..

هجرتي

وشم على ذاكرتي تخطه أصابعي وتقرؤه غربتي من جديد.. صوت أمي يأتي من بعيد : الـمُـتحـوّلة مِـذبالة ولو كانت في قاع بئر.

لقد كان

الخروج من الوطن عقوبة لمن لم يشكر نعمة الأمن فغادر بلاده دون أن يشعر.. وفجأة وجد نفسه على كف عفريت كافر لا يؤمن إلا بالسلطة.. مضى زمن عادت فيه كل القوارب إلى نفسها إلا قاربه فقد دوخته الأمواج. ومضى شراعا يرقص على صخب الأمواج والرعود..- لا هو يستقر ولا هو يعرف له قرار.. زورق في عاصفة لا تعرف لها سكونا ولا رأفة..

صوت الرعد مخيف حين لا يأتي بالمطر.

.

ويحتد به السؤال:

ـ أحقيقة

انهار كل شيء وابتلعنا ليل المدينة ؟

يتذكر كيف

تجاوز الحدود مهاجرا إلى الجزائر وحديث رسول الله صلاة من الله وسلام عليه يرنّ في أذنيه:  » بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا ».

كان يسرع الخطى يطوي المسافات. ولكن المسافة كانت تتمطط وتتمطط.

. كأنه يمشي في الفراغ.. وكان منزل قريبهم في الديار الجزائرية يوغل في البعد كلما اقترب منه. رصاصة واحدة من حرس الحدود ويسقط متخبطا في دمه. رصاصة واحدة تصيبه في رجله ويعودون به مقيدا في الحديد مثل شاة تقاد إلى المسلخ.. رصاصة واحدة وتموت أحلام وتقبر آمال..

هناك شباب كثير ألقي عليهم القبض على الحدود هذه الأيام

.. منهم من قتلوه.. ومنهم من قيدوه..  بعد أن أشبعوهم ضربا ولطما وركلا وسبا وشتما وعارا.. وحرس حدودنا وشرطة بلادنا مبدعة في الشتم والتعذيب وقهر الأحرار ولكنهم في حرب الاعداء نعامة ودجاجة وفئران..

وكان

منير الفائز من بين من ألقي عليه القبض على الحدود. وقد حكم عليه بالسجن المؤبد لأنه كان ينوي قلب النظام.. معلم معزول في مدرسة ريفية يعد دروسه ويصلح كراسات تلاميذه على ضوء شمعة ويشرب ماء الغدير ويطبخ طعامه على نار من حطب.. هذا المعلم يعتقل ويعذب ويرى الويلات ويعترف غصبا بما لا يعرف ويحكم عليه بالمؤبد لأن سلطة بلاده تؤكد بأنه كان ينوي الاستلاء على الحكم !!!

هذه الأحداث هزّت الكبير والصغير وشغلت العاقل والمجنون وحيرت الجاهل والمتعلم..

وتساءل الناس في خوف:

ـ ما فعل هؤلاء الشباب حتى يهانوا ويعذبوا بهذه الطريقة ؟

ـ إنهم أرادوا قلب النظام !!

وتذكر تلك الثلّة من الصحابة الأولين، وهم يقطعون الصحراء في طريقهم إلى الحبشة. ثّلة على الهدى ربّاهم نبيهم. وعلى الأخلاق العالية بناهم. وفي بيوت أذن الله أن ترفع أدّبهم فأحسن تأديبهم..

هؤلاء الصحابة عادوا إلى مكة منتصرين فاتحين غانمين أما أبناء النهضة فقد تاهوا في كل البلدان وتشتتوا وأكلت أحلامهم مشاغل الحياة اليومية والجري وراء الدرهم والدينار فماتوا وماتت معهم القضية.. وأكد أغلبهم: حتى ولو وقع الانفراج فلن يعودوا أو حتى يفكروا في العودة !!

وتكرر المشهد وتكرر الرحيل.

. مشهد تكرر ويتكرر وسيتكرر لأن موسى لم يصبر على ما كان يفعله الحضر..

وتكرر السؤال:

ـ

ما الذي حدث لشباب المساجد ؟

ت

ردّد السؤال على آلاف الشفاه وغدا هاجسا يؤرق بال الكثير من الناس.

  بالأمس كانوا مثل الطيور التي تحلق في سماء الوطن. يملؤون البنايات والشوارع والجامعات والمعاهد والقرى

مرحا ونشاطا يغرسون الأرض أحلاما وأعمالا طيبة.. وجوه مشرقة بذكر الله ، أعادت الحبّ والصفاء والرحمة إلى قلوب آلاف المواطنين. وكان قد أعزّ الله بهم ديار إفريقية، بعد أن أعزّها بالعبادلة السّبعة وحسان وعقبة وطارق وغيرهم من قبل.

كان يجتاز حقول القمح والشعير وبساتين التفاح والتين والزيتون وتطحنه الأسئلة: هل مات حلم هؤلاء الفلاّحين في أبنائهم كما ماتت في يوم من الأيام أحلامهم في الاستقلال ؟

لقد كان ما كان وقد مضى زمن طويل، وهو يبحث بين دفاتره عن وجه أم أصفر ودمعة تحجرت في مقلتيها، وقد علمت بأن ابنها حكم عليه بعشر سنوات سجن غيابيا.. ولم تمض إلا بعض الأسابيع حتى علمت بأنه ترك البلاد.. هنا فقط أطلق الخوف دمعتها وأجهشت بالبكاء.

أقبل موسم الحصاد. وانتشر الفلاحون في حقولهم. الأشجار تقف في كبرياء وثمارها تتدلى في زهو ووقار.. أماّ السنابل ففي تواضع تنحني..تنتصب في حقولها شامخة وقد أشهرت سيوفها وثقّفت رماحها لتشن الحرب على الجوع والخصاصةّ. وهاهي فلول الفقر والجوع تتراجع في ذعر وذهول وقد تشتت شملها.. فوداعا للجوع ووداعا للخصاصة والحرمان.

 يبدو أن القرية لن تعرف الجوع لشهور عديدة.

عندما وصلنا إلى الحقل تكلم أبي فقد كان على طول الطريق صامتا ينظر لي من حين إلى آخر. كانت نظراته تقتلني تفتتني وقد ترقرقت

عيناه بالدموع:

ـ قد لا نلتقي بعد اليوم

يا بني ولكن ما أوصيك به هو أن تراجع مشوارك، وتعيد قراءة قناعاتك، وتتفقدنا من حين إلى آخر برسالة أو مكالمة هاتفية.

ودخلنا الحقل وتصافحت اليد التي يحبها الله مع السنابل. وبدأ الحصاد

..

وهو يتأمل المناجل تقطع السنابل تذكر قصّة الصرصار والنملة

فقال في نفسه:

 ـ لقد جاء زمن الجوع والتيه المبكر يا صرصار. هيا لتركب المجهول تاركا

وراءك ربع قرن من الذكريات قضيته في هذه الربوع  وفي ربوع أخرى من هذا الوطن الأخضر الجميل.. إنك ستركب المجهول دون زاد أو عتاد.. دون وجهة معينة او هدف مخصوص.. وأخذ يصيح:

ـ يا إلهي.. يا إلهي كيف سأواجه هذا المجهول الذي آلت إليه حياتي ؟

وواصل السير.. كان الجو حارا واشتد به العطش فجفت شفتاه فانحنى يبحث بين أعشاب الأرض عن بعض النباتات البرية مثل الكز أو قرين جدي أو التفاف أو التالمة أو الحُميضة.. نزعها بيده وأخذ يأكلها متخلصا من الجوع والعطش بأكلها رغم ما فيها من تراب..

واقترب من جبل الثوار فنظر إليه بهيبة وجلال ثم أخذ يتمتم:

ـ أهذا أنت يا جبل الثّوار .. ماذا وراءك يا جبل الثّوار.. أما آن

لأبنائك أن يستريحوا فتستريح معهم بعد تلك المعارك الدامية التي دارت على مرتفعاتك بين الجنود الفرنسيين والمجاهدين من القرويين.

لقد سالت الدماء كثيرا وخاصة في معركة العقلة بقيادة عثمان السبايكي.

 

أذكر أن والدي حدثني عن تلك المعركة عندما كنت صغيرا وكان يحلو لي أن أسمع الحكايات التي كان يرويها أبي أو أمي أو جدتي:

قال أبي:

عثمان السبايكي من عرش والدتي وهو جزائري الأصل ولكن في تلك الأيام لم يكن هناك فرق بين الجزائر وتونس فقد كنا صفا واحدا في مقاومة الاستعمار. وكان عثمان من الذين قادوا عمليات كثيرة ضدّ الجيش الفرنسي. وقد تخلّد ذكره في معركة العُـقلة، حيث نصب كمينا لقافلة من العدو بجنودها ودبّاباتها وذخائرها من السلاح. وكان في مائة من الثوار. وكانت القافلة في طريقها إلى بوحيّة. وتوقف الجنود عند مرورهم ببئر الخنقة للشّرب والرّاحة. وكان عثمان قد لغّم البئر وما حولها. وما هي إلا لحظات حتى تتالت الانفجارات وحاصرت قواته القافلة. ودام القتال ساعتين. أجبر بعدها عثمان على الانسحاب والتراجع إلى الجبل بعد أن تدخلت الطائرات وأخذت تقصف مواقعه. وكان قد جُـرح عثمان جرحا بليغا في عضده الأيمن. واستشهد خمسة من الفدائيين..

ولقد تكبدت قوّات المستعمر خسائر فادحة

في تلك المعركة..

وقد شاهدت ذلك بنفسي.

استوقفت أبي مستفسرا:

ـ أكنت تحارب مع عثمان ؟

قال:

ـ

كلاّ فلم يقبل بي بين أصحابه لأنني مازلت صغيرا، وقد كنت في الثانية عشر من عمري. أما كيف شاهدت ذلك بنفسي فلذلك قصة عجيبة: فقد كنّا لا نبعد كثيرا عن المكان الذي دارت فيه المعركة. وكان أن فقدنا ناقتين، فأرسل والدي الرّاعي محمد علي للبحث عنهما. ولمّا لم يعد أرسلني أبي للبحث عن الراعي وعن الراحلتين.

كان الليل قد نزل على تلك الربوع.

ولفّت الكون ظلمة حالكة فلا تسمع إلا عواء الذئاب في أعلى الجبل ونباح الكلاب المنتشر هنا وهناك.. واصلت طريقي إلى أن قطعت حوالي سبعة كيلومترات. وإذا بقدمي اليسرى تغوص في سائل لزج ظننته في البداية بركة ماء. ولكن لمّا تأملته على ضوء المصباح الذي أحمله وجدته دما. فسرت في جسمي قشعريرة ووقف شعر رأسي ودقّ قلبي من الخوف خاصة لمّا رأيت شبحا يقف عن بعد أمتار مني. فصحت به: 

ـ من أنت ؟

فلم يجب وأخذ يتقدم مني وأنا أصيح به:

ـ من أنت ؟

 وسمعت همهمة ولم أتبين ما يقول

.. فلقد كان الشبح يتمتم بكلام متقطع العبارات. ولمّا أصبح على بعد مترين تبين لي ما يقول:

ـ أنا

.. أنا..أنا محمد علي..

قلت:

ـ الحمد لله الذي حلّ عقدة لسانك. فقد كاد يتوقف قلبي

من الرعب..

كانت الساحة المحيطة بالبئر كلّها ملطخة بالدّماء والسّيارات المنفجرة وقطع الشاحنات المتساقطة هنا وهناك. وقد قدم من الغدّ آلاف الجنود تعضدهم

الدبابات أرضا والطائرات جوا.. وحاصروا كلّ القرى القريبة من موقع المعركة. وألقوا القبض على الكثير من الشباب. وأحرقوا البيادر من قمح وشعير. وأخذوا معهم مؤن القرويين من عسل وتمر ودهان وساقوا ماشيتهم.. وكلّما ألقوا القبض على أحد الشّباب يقولون:

ـ الأولى أن نجنّدك نحن بدل أن تلتحق بعثمان السبايكي

أوالسّاسي الأسود.

قلت لوالدي:

ـ أو ليس الساسي الأسود هو من قتل عمّه بعد أن وضعه في جبّ ورصّ

الجب بالحجارة، ولم يترك له إلا رأسه الذي أكلته الذئاب من الغد ؟

قال:

ـ نعم

.. هو الساسي الأسود بعينه. وقد قتل عمّه، لأنّه كان جاسوسا للفرنسيين على الثّوار ومن يمدهم بالسلاح والأكل.. ولقد تسبّب في قتل واعتقال العشرات من الفلاحين الذين كانوا يقدّمون العون للمجاهدين.

وبعد تلك المعركة س

ُمي هذا الجبل بجبل الثوار. وبعضهم يطلق عليه جبل عثمان.

وعندما كنت صغيرا كنت أخرج إلى الجبل مع أمي لجمع الحطب.

. وكان النسوة يكسرن أغصان الأشجار اليابسة ويغنين عن بطولات عثمان:

عثمان سيد الرجال

حامل سلاحه وسط الجبال

في يد رشاش

ازغ

رد في كل الوديان

والغاصب من كاسو حيران

ما عارف يشق اثنيه

عثمان سيد الأبطال

حامل سلاحه وشاق الجبال…

وقد واصل عثمان مقاومته للاستعمار إلى أن سقط شهيدا.

. وتخلد ذكره في قلوب القرويين وبقيت بطولاته ومقاومته للاستعمار قصصا وحكايات يرويها الأجداد والجدات لأحفادهم وحفيداتهم..

وذهب المستعمر

عن تونس وبعدها عن الجزائر..

ولكن الأرض لم تتحرر بعد أن اغتصبوا منها عشّاقها

.. فسيطرت عليها الخنازير ومن بعدها الثعالب والذئاب على السهول والمرتفعات.. وصار للحاكم الجديد عيونه في كل مكان فكان عهده وعهد من بعده أشد ظلما وجبروتا من أيام الاستعمار..                         

كنت أتأمل أشجار اللوز والتفّاح والأجاص وقد نضجت ثمارها.

.وأنا أجتازها متوجها صوب الحدود وقد وضعت حملة من السنابل على رأسي فحسبني بعضهم فلاحا يعبر إلى حقله.. وتجولت بناظري هنا وهناك حيث الفلاحون من حولنا قد أخذ منهم التّعب، وتصببت جباههم عرقا. ولكن تعبهم هو ذاك التّعب الممزوج بالغبطة والفرح.. فالنّهار عندهم قصير ما دام الحصاد على قدم وساق. وعن قريب تنتصب شباك القمح والشعير في بيادرها. فتدرس ويستوي حبّها في المطامير والمخازن. 

إن أكياس الحبوب من القمح والشّعير وسلال الغلال

والفاكهة كافية هذه السّنة لدفع الخصاصة والحرمان وزرع البسمة على شفاه الصّغار والكبار.

قال كمن يحدث نفسه وهو ينظر إلى الحقل الممتد أمام بصره:

ـ آه لو اتفق أهل القرية لاستطاعوا بيع محاصيلهم بالثمن الذي يريدون

، ولكن تفرقهم هو الذي أغرى بهم العمدة وأعوانه فباعوها بأرخص الأثمان

الأطفال يلعبون.

. العصافير تحوم فوق الحقول وهي تطير أسرابا أسرابا. وتبني أعشاشها في أغصان الصّفصاف والدّلب والكلتوس، هذه الأشجار التي كانت تحيط بالحقول والبساتين. وكانت هذه الطّيور تقفز في نشوة ومرح، وهي تلتقط حبات القمح المتناثرة هنا وهناك.

الأطفال يغنون:

يا فرحتنا بالسنابل

يا فرحتنا بالقمح والشعير

هنا نحن نغني كالبلابل

يا سنبلة الذهب

تجمّع شملنا

وزال عنا التعب

يا شمس أخيتي

أحفظي لي غيمتي

حتى يأتي الخريف

وينزل المطر

قمح

ذهبي تتراقص سنابله. وتقتادك أقدامك حيث السّنابل والمناجل والبيادر وعشرات الفلاحين رجالا ونساء يحصدون القمح والشعير، وحيث البهائم والعصافير والقمري والسّمان والفئران والجرذان والنّمل والّنحل ترتع في الأماكن التي تمّ حصادها، تسرح بدون راع وتمرح صغارها دون خوف، تقفز هنا وهناك في بحبوحة من كرم الأرض بالكلأ والحبوب وجود السّماء بالمطر.

 وتذكرت عندما كنّا صغارا، كيف كنّا نذهب لمساعدة الآباء. فنحصد السّنابل مع الحاصدين. ونجلس على النّوارج مع الذين يدرسون. وتأخذنا أحلامنا إلى م

يادين الفرسان فكل واحد من الأطفال يريد أن يصبح فارسا مثل أبيه لتتحدث بأمجاده القرية وبناتها..

ورغم أننا صغارا إلا أننا كنّا نعمل فنقوم بصفية

القمح من الأحساك والرمل والحبوب الفاسدة. وكان الكبار يضحكون وقد بلغ الإرهاق منّا مبلغا وكسانا العرق والغبار.. ثمّ نعود حيث الأمّهات يحضرن الكسرة والمرق. فنحمل الأكل إلى الكبار مع شكوة من اللبن وطبقا من التمر وإبريقا من الشاي..

وتدلت الآمال الخضر تدغدغ وجدان كلّ صغير منّا. وكم ماع قلب الواحد منّا في داخله واستوى نغما وحبورا وسعادة وسرورا، ووالده يعده بشراء بدلة

جديدة أو كرة أو دراجة..

رغم خوفي من عيون النظام وزبانيته المنتشرة في كل مكان فقد كان مشهد الحصاد جميلا رائعا..

وحدث ما لم يكن في الحسبان.. ف

رغم صفاء السماء وصحوها أرعدت السحب فجأة..

وأبرقت الرعود وأخذت الأمطار

تهطل بغزارة رهيبة..

 وفجأة تعالى الصياح من كل الحقول.

. وارتفعت الأكف بالدعاء:

 

ـ اللهم لا تأخذنا بغضبك.. يا لطيف الألطاف نجينا ممّا نخاف.

 واشتدّت الأمطار وتساقط الحبرورش والحجر وبدأت السنابل تغرق

وقد انكسرت أعناقها وتفتت حبوبها..

وأخذت الأحلام التي كانت قبل قليل

تزين الحقل وتملأ رأس الفلاحين تتبخر..

فجأة تبخر كل شيء أ

مام هذه المذبحة الرهيبة التي أطاحت بعشرات الهكتارات من القمح والشعير وثمار آلاف الأشجار..

الأمطار

..

السيول ..

الفيضانات..

وفجأة

غرق كلّ شيء في الوحل.

وسقطت القرية في الموت البطيء

.. لا سيما والإعانات الحكومية التي تأتيها تصل مبتورة بعد أن يأخذ العمدة ورئيس الشعبة معظمها.

وتبعثرت صور المشهد الجميل بعد أن غرقت حقول القمح والشعير والغلال في المياه

واختلطت بالأوحال.. وتحولت سوق السنابل إلى مجزرة رهيبة تهاوت فيها أعناق السنابل وتبعثرت فيها الثمار والحبوب..

 وانحدرت دموع الفلاحين.

وبكى الأطفال من الجوع.

وعلا التجهم على وجوه الكل..

وسدّت أبواب السعادة في وجوههم وسط هذا الوحل الهائل الذي غطست فيه الحقول ومن ورائه

ا فرح الغلابة والمساكين.

   ودعت أبي الذي عاد لمواويله الحزينة:

شايعتو ولوحت المنجل

شايعتو ولوحت المنجل

حطّيت الحلّة على الحلّة

ولدي فارقتو والفرقة مرّه

شايعتو ولوحت اللّفتة

شايعتو ولوحت اللفتة

والصّدمة جتني على الغفله

شايعتو وهزيت عيوني

يا داده وينو مضنوني

شايعتو وخليتو واقف

يا حدّي راهو صغير ومشو موالف.

 وغادرت

بلادي تحت وابل من الأمطار.. وكأن السماء كانت غاضبة لما حاق بهذه البلاد من ظلم اكتوى الناس بناره ولم يقدر الشعب أن يرفع رأسه من التراب..

ولم أدر ساعتها أنني أغادرهم إلى موتي.

ومن ذلك اليوم لم تعد السنابل قائمة، شامخة كعادتها منتصبة في كبرياء.

فلقد جثم الخوف والجوع والقلق على البؤساء لسنوات طوال..

أماّ أمي فقد بكت كما لم تبك يوما

:

ـ كيف سولت لها نفسها مفار

قة ابنها ؟

قلب يكبّله الأسى. وكبد مبتورة لا يتوقف نزيفها. وعادت

أمي لتكتب بدموعها مرارة من لا حول لها ولا قوة.

مضى اليوم بطيئا

وأنا أمشي متخفيا بين الأشجار والأحجار حتى اجتزت الحدود، وأقبل الليل ثقيلا وما عادت خطواتي تنتمي لذلك الوطن الأخضر المخضب بدم الشباب وآهاتهم ودموعهم وقهرهم..

قال حمزة : بين أول ليلة أقضيها خارج بلادي وهذه الليلة التي أنام فيها إلى جانب صغيري مضت عشر سنوات ولكن رغم ذلك ظل

مشهد الهجرة والهروب رهيبا لا يقاوم. واستقر بكل تفاصيله في الذاكرة.. وتكررت المشاهد واستعصت على النسيان..

الليلة قاهرة

.. وباريس مدينة لا تعترف بالضعفاء.. والعين في كلّ ذلك ساهرة تتقبل قضاء الله وقدره.

عشر سنوات

مضت وأنا أحمل وجها توزعته كل العواطف والانفعالات، وعينين تسكنها رهبة وخوف، ولسانا استحكمت عقدته، وصوتا متقطعا يردد في خوف وانكسار:

 ـ روح يا وليدي الله يسترك

.. الغربة مرّة وفراقك أمرّ ولكن ليس باليد حيلة.

وعاد من ذكريات الماضي القريب

البعيد محاولا أن ينفلت من عقاله.. كان يحلم.. وعاد من حلمه البعيد..

في شهوره الأولى

مضى يجوب شوارع باريس حاملا قلبه المبتور الذي لا يزال يخفق هناك بين الحقول والبساتين، هناك بيته وأسرته وأصحابه، هناك الماء ينساب من عمق الأرض ليسقي الحرث والنسل ويبعث الحياة في الزرع وفي غابات الزيتون والتفاح التي امتدت على طول الضفة الغربية للوادي الذي اتسع دائرته وتعمّق جوفه من جرّاء الفيضان الأخير. ولقد لحقت بالحقول والمحاصيل تشوهات كثيرة، أما ما بقي من الثمار فقد أتلفته الرياح والعواصف التي لم تتوقف طيلة الأسبوع..

وصل

حمزة التونسي فرنسا بعد رحلة امتزج فيها اليأس والرجاء ودامت أربع سنوات.. 

وحده يقطع أكبر شارع في باريس، هناك وجوه قديمة يلتقط ملامحها في بعض من يراهم الآن.

هو دنكشوت جديد شهر أقلامه وشنّ الحرب على قراطيسن المدينة. وهو مدجّج بالذكريات والحنين والغضب على المدينة وقوانينها..

كان

حمزة يقول :

ـ

 أنا ثائر أحمق ومجنون يركب حمار الأمة المدبور حين سلمت نفسي لقادة التنظيم..  

ترى ماذا بقي لنا و

كلّ الخيول العربية بيعت في سوق النخاسين وقد قام أبناء عمومتنا بإخصائها فلم تعد تلد إلا البغال والحمير..

المدينة حرّة متوهجة شقراء، ولطالما طرقت بابه.

. وحمزة بدوي وجلف، ينام على التراب، ويأكل خبزا يابسا.. ويكتب قصائد ويسجنها في حقيبته الصفراء الممزقة.. وينام ويصحو على سب المدينة وعلى سب التنظيم..

وبعدها  أقسمت

المدينة على الانتقام.. أما قادة التنظيم في المهجر فقد تجنبوني لأنني سليط اللسان ولا يرجى لدائي علاج.. وهكذا طلقت ظاهر الأرض ونزلت باطنها مع من نزل من المتشردين والصعاليك والمدمنين.. أتسلى بالحديث معهم وأكتب فيهم شعرا حزينا..

أنا لست الحسين لكي أعّلم

هم دروسا في الشهادة. فأنا كافر بالخطب الدسمة، والشعارات الدسمة التي هرع إليها الجائعون.. موائد البؤساء خواء وبطونهم خواء. وليس أمامهم سوى الانتظار.. الزمن يضغط على عقولهم وقلوبهم وهم واقفون تائهون غير مبالين بما يحدث لهم..

كنت

في أيامي الأولى كلما التقيت بواحد من قادة الحزب ظننته المسيح جاء ليخفف من جوعي وأوجاعي.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. وهنا فقط تكتشف أن كثيرا ممن كانوا يحملون راية التغيير كان أولى بهم أن يغيروا ما بأنفسهم وأخلاقهم ومعاملاتهم ففاقد التغيير لا يعطيه..

أه الويل لمن

سرج الخيل طويلا ولم يركبها! وبعد ذلك باعها للجلاد..

إنهم فرسان من ورق.. فرسان مزيفون يجلسون معا ويتحدثون معا ويتاجرون معا.. ويشاهدون التلفاز معا لمحاصرة زوجة الزعيم..

صاح شاب في نيوزلندا

جاء باريس مؤخرا.. جاء محاولا أن يخرج زوجته وابنه من تونس:

ـ أين المدينة

الفاضلة التي ستأوي الفقراء والبؤساء يوما ما ؟

أين زوجتي ؟ ابني جاء إلى الوجود وهو لا يعرف أباه.

. أخي مقبور خلف القضبان، ينحت أوجاعه على جدران زنزانته..

الزمن الموعود لم يعد مقدسا

. والشعار المرفوع لم يعد مقدّسا.. وهؤلاء القادة صاروا عبيدا لشركة وهمية وأحلام وهمية ولمشروع مريض اسمه التنظيم والولاء للتنظيم..

اليوم المسكون بالفرحة العارمة يطنّ كذبابة بدماغي

ولكنه تحول إلى سراب.. فلا فرح بعد اليوم ولا أحلام بعد اليوم ولا تغيير بعد اليوم بعدما وقع من تغيير..

حمزة رجل مجنون بحبيبته.. ثار على نفسه وثار على حزبه وثار على المدينة..

حمزة

يهذي كعادته يحدث نفسه عن حبيبته بلا حياء:

ـ عيناها دفء

وحنان وجمال.

وجهها بحيرة صافية.

أصابعها أغصان خضراء تفنّن الربيع في زركشتها.

جسدها الغضّ مفعم بنشوة الحياة.

يدعوني لأعتصره لأتوحد به ويتوحد بي فأبعث فيه الخصوبة والاستمرار..

شعرها الأسود غابات من النخيل

تغازل الأفق وتعانق المدى.

شفتاها قوارب همس تبحر في أمان

واطمئنان.

أنا حرّ بها وقد كنت.

أنا عبد

من دونها وقد أمسيت.

بعيدا عنها كنت المكبّل والمغلول روحا وعقلا وجسدا. وعندما ودّعتها ضيعت هويتي وتلقفتني بعدها القطارات والسفن

والمشي على الأقدام حافيا لمسافات طويلة..

وإلى اليوم وبعد مرور عشر سنوات وأنا أبحث عن حرّيتي

وأبحث عن الخضراء وأبحث عن وجه أمي وخبز أمي وابتسامة أمي..

هي حريتي

.. هي قيدي.. هي عنواني وعنفواني.. هي مجدي هي اندحاري .. هي ناري هي ثأري.. إنها حبيبتي وعندما فقدتها فقدت كل ما أملك فقدت أوراقي وتبعثرت معها كل الأوراق الأخرى رمادا فوق خرائط المنفى..

وما يؤلمني اليوم أن

كافور الإخشيدي يغتسل في عينيها والمتنبي فيها غريب الوجه والقلم واللسان. يلتحف العراء ويفترش العراء، وقد امتدّ إلى أوصاله برد مدن زحف عليها البرد والضباب.

المدينة نائمة وهي قليلا ما تنام، وأمتدّ الليل حيرة وشوقا وتيها في

العقل والوجدان.

جلست قرب النافذة أراقب النجوم وقد تهورت في السماء.

كل النجوم تشقّ سبيلها في عزّة وكبرياء إلا هذا النجم يتقدم خطوة

، ويتراجع خطوات، ويلتفت ذعرا كطفلة أضاعت يدّ أمّها في الزحام وهي تلتقط دميتها وبعدها داستها الأقدام..

عدت إلى فراشي أغازل النوم وأطلبه

فيأبى. فكل الأشياء تخاصمني اليوم حتى النوم. تقلبت في فراشي يمينا وشمالا وعاد الماضي يحاصرني. غادرت فراشي من جديد وعدت إلى النافذة سمعت تمتمة، اقترب الصوت، حاولت الإصغاء..

امرأة مترنحة تسبّ

وتشتم، تغني، تبكي، ثمّ تعود للغناء، ويخرج الكلام متقطعا، سخطا، متعثرا:

ـ ابني تركني، زوجي طلّقني، ابنتي تزوجت فرنسيا، أنا وحيدة

.. أريد أن أعود إلى المغرب.. أعود لأموت هناك فلم أجني من الغربة إلا الجراح والمآسي.

وغابت المرأة وهي تدخل أحد العمارات.

عدت إلى فراشي وأنا أردد

: 

ـ إن في أيامنا من الكآبة ما يكفي ويزيد!

جلس إلى مكتبه وأخذ يكتب..

كان يتنفس مع كل كلمة يكتبها، ومع استواء كل جملة كان يلقي عن نفسه حملا ثقيلا.

كان يعالج توتراته وانهياراته وهوسه المضني بالكتابة.. فبالكتابة وحدها يتجدد الأمل في غد أفضل..

المدينة توزع سحرها على عشاقها. وحين لم أ

ُسْـلِـم على يديها داستني، كما داست بغداد يوما خيول التتار والمغول، وتجرّعت موتها صامتا كما تجرعت القيروان حرائق بني هلال وخرابهم. وتفجرت أنهار من الحزن والسواد في صحاري خضرائنا القاحلة.

هذه المرّة لم تكن القطرة ابتسامة، بل كانت طوفانا، وسقط غريقا في معاناته.

إنه طوفان المدينة الخارجة عن عفاف الشرق، وأنس الشرق وحنية الشرق.

والخارجة عن حدود الله..

وسقط في السواد. وبعدها اشتعل المكان.. ولكي يستطيع العيش في هذه المدينة عليه أن يدفن جميع أحاسيسه ومشاعره ويصنع له قلبا من حجر وعقلا من حديد.. لكي يعيش لا بد من دوس كل القيم النبيلة التي آمن بها كما عليه أن يتخلى عن كبريائه وحساسيته..

لكي يتواصل مع زمنه عليه أن يتملق ويمدح ويطري ويثني ويتجاوز.. ويضحك عندما يريدون ويبكي عندما يريدون.. عليه أن يحلق لحيته ليبدو أكثر حضارة ومدنية وأكثر اندماجا وتأقلما..

ـ لو تنازلت عن بداوتي وعن كبريائي في يوم من الأيام فسأرجع إلى تونس وأبايع على الطاعة والولاء لزعيمها وساطلب التوبة.. لا والله أجوع وأعرى ولن أحلق لحيتي لأتصالح مع باريس أو أتملق وأجامل ممن لم يتعض بما وقع لنا فلا يزال متسلطا على النهضة رغم ما حل بها من خراب..

قال له أحدهم يوما: لكي تجد عملا وتجني مالا وتحصد قربا منهم عليك بأن لا تنقد ولا تتكلم ولا تفكر بل قل دائما نعم.. وهذا خير.. وهذا عظيم.. وما اتصنعونه هائل وجيد.. ولولاكم لهلكت البقية ولولاكم لقامت فرنسا بطردنا.. وواصلت أنا: ولولاهم ما تشردنا ولولاهم ما سجنا ولولاهم ما جعنا ولولاهم ما تلحفنا العراء..

نظر لي في استغراب..

ـ قلت:

ـ قل لي بربك ما الفرق بيننا وبين بطانة الزعيم ؟ ما الفرق أن تكون منتميا للنهضة أو منتميا للحزب الحاكم إذا كنت تنصحني بكل هذا النفاق ؟ ألهذا تهجرنا وتعذبنا وتركنا الأهل والأوطان ؟ أأمام العدد الهائل من الأصنام في بلادنا تريدنا أن نصنع أصناما جديدة..

تركته وذهبت إلى باطن الأرض ودخلت أنفاق الميترو أبحث عن متشرد أو سكير يحدثني عن معاناته بصدق دون رياء أو مجاملة أو نفاق..


طبيعة المشاركة العربية في معرض فرانكفورت

أبو يعرب المرزوقي (*)    

يستضيف معرض فرانكفورت للكتاب هذه السنة (2004) الثقافة العربية. ويبدو ان المؤسسات الثقافية الرسمية قد اعدت باشراف الأكسسو برنامج عمل لعرض ثقافة الكتاب العربية, كما يمكن لمن كان مطلعاً ان يتأمل برنامج الاسبوع المخصص لندوة تشارك فيها نخبة من الكتاب العرب ابداعاً ودرساً أكاديمياً من خلال الموقع التالي:

www.frankfurtbookfair-arabguest.net

ولما كانت التظاهرة امراً ينشغل به كل من له علاقة بالثقافة العربية الاسلامية خصوصاً وبالثقافة الانسانية عموماً فإنه يحق لأي باحث ان يقوّم هذا البرنامج من منطلق الجواب عن السؤال التالي: ماذا يمكن ان يكون المأمول من هذه التظاهرة عموماً (تعين الحضارة في الكتاب) ومنها من حيث هي تجري في مناخ ما بعد الحادي عشر من ايلول (سبتبمر) 2001 (فكر حضارة متهمة بالارهاب والفشل النهضوي)؟ ماذا ينتظر الداعي من المدعو والمدعو من الداعي؟ وما السلوك المتوقع للمستضيف الذي سيمثله الجمهور غير المختص المتردد على المعرض قاصداً القسم العربي منه حتى نستعد له بتحديد سلوك المستضاف الذي ستمثله النخب التي من المفروض ان تكون قد اختيرت لهذا الغرض ولا شيء دونه؟

ومن مزايا هذا الطرح تجنب التقويم الذاتي الذي قد ينتهي اليه المرء. ولما كنت ممن سبق له ان علق على عبث المؤسسات العربية ذات الدور الثقافي وانشغالها بالعرضي من الجدل السطحي حول فضلات ما شبع موتاً من الفكر الغربي كما فعلت في رسالتين سابقتين الى الأمين العام للجامعة العربية, فإن مثل هذه التهمة قد لا تتأخر خصوصاً اذا ربطت باستثناء اهم تيارات الفكر العربي الحالي وبحصر التمثيل حصراً شبه كامل في لون او لونين من المزعومين حداثيين وعلمانيين. فلكأن المناسبة تحولت الى فرصة للسياحة ببعض بقايا الموازنة التي يذهب معظمها في التصرف العادي وسياحة الكوادر ورسميي الساحة الثقافية العربية ممن يعرضون ثرثرات يعدونها في الطائرة كلمات مكرورة حفظوها عن ظهر قلب لفرط التفوه بها في المآدب والمنادب.

ولعلك لو قارنت ما يقولون لوجدتهم جميعاً دون استثناء يدندنون بالمعزوفة العامية نفسها حول الحداثة العربية والتحديث غير الحصيف والديموقراطية ربة البرجوازية بعد معبودة الطبقات الشعبية وحقوق الانسان حصراً في حريات لذائذ الابدان التي لا توفرها إلا خدمة السلطان.

فهذا خطاب لا يتوجه به اصحابه الى الرأي العام الاهلي حتى يقنعوه, فعندهم ليس الرأي العام الاهلي اهلاً للاقناع لكونه من الرعاع التي لا يمكن ان تكون إلا من الاتباع. بدل ان يقنعوه يكفي ان يقمعوه فيحرروه من الاعضاء الاصيلة بالأعضاء البديلة: التحديث الاستبدادي بالحلف المتجبر بين أجير النخب وأجلاف القبائل او اشباه العسكر. لذلك فخطابهم لا يتوجه اليه بل هم يخاطبون مصدر النجومية في الصحافة الغربية.

لكن الغربي بعد الحادي عشر من ايلول لم يعد يرضى بالنسخة المسيخة من ذاته عند غيره ولا التقليد البلدي لما هو عند اهله تراث تليد. الغربي بعد هذه الحادثة بات يبحث عن اصيل الرصيد في الآخر الذي فرض الاحترام بقبول التحدي والتمحض للتصدي. صمود المسلمين امام مغول العصر الاميركي في طغيانه على العربي والغربي على حد سواء بات موضوع السؤال ومضرب الامثال. الغربي يريد ان يسمع لطريف الغير وتليده حتى يعلم سر المختلف الذي يميل القلب الى ما فيه من الجدة والحدة فيخف الى ان يرتجف. اما الشبيه من النسخ فقد تحتاج اليه نخب السياسة في الاخراج المسرحي لألاعيب الدعاية الانتخابية ولا دور لها اطلاقاً في التعارف الصادق بين الحضارات او في الحوار الحاذق بين الثقافات.

ذلك ان اثر الظرفية الخاصة التي حددتها واقعة الحادي عشر من ايلول اضفت على كل هذه الاسئلة « حال نفس » معينة نقلت دلالتها العامة لمعارض الكتب من مجرد الدلالة الاقتصادية التي تجعل ضروب التعبير الحضاري ادوات وسبل لـ »تسويق » الكتـاب الى الدلالة الاستراتيجية التاريخية التي تعدل صورة الذات عند الغير وتقوّم تصورها للغير. لذلك فسؤال هذه التظاهرة الجوهري هو: كيف يكون تسويق الكتاب العربي مناسبة لـ »إفهام » (دور الضيف) ولـ »فهم » (دور المضيف) قيم حضارة بات الراغب فيها من ابنائها سلوكه مخيفاً والراغب عنها منهم سلوكه سخيفاً فتوطدت علل بقائها غير مفهومة عند المستضيف ومظلومة عند المستضاف؟

ومعنى ذلك ان هذه الدعوة منظور اليها من منطلق الداعي والمدعو لن يكون الغالب عليها غرض اقتصادي او دعائي. انما الغرض عندهما ينبغي ان يكون معرفياً, بل هو حيرة وجودية تعبر عن تعطش لافهام ثقافة وفهمها ثقافة تبدو للوعي الغربي عجائبية منذ العصور الوسطى فتشغل محل المنافس ببعديه نموذجاً مرغوباً فيه وعدواً مرغوباً عنه الى ان بلغ هذا الموقف الصياغة النهائية في فلسفة التاريخ الهيجلية التي لم تجد لها مكاناً في محطات تاريخ تحرر العقل فاعتبرت ثورة الانسان العدناني ثورة التنوير الاسلامي والتحرير المطلق من كل تحديد. لذلك فهي محاولة فاشلة لأنها لم تحقق ما حققه الانسان الجرماني في التنوير الديني والدنياني على رغم سعيها اليه بكل التفاني الذي جعلها في نظره نار هشيم صعوداً وهبوطاً. وقد علل هيجل ما يصفه بفشل المحمدية ثورية كونية آلت الى الفشل لأنها جعلت التحرير عبادة للواحد المجرد عبادة لا تحقق إلا بالتمدد المكاني والأفول الزماني اداتها سلب المحدد والتهديم ومن ثم فهي تنتهي بالطبع الى الارهاب وفوضى المساواة المطلقة التي لا يمكن ان تتأسس عليها دولة او حضارة مستقرة.

وهذا التصور الفلسفي يمثل المعقولية الوحيدة التي يعترف بها الفكر الغربي العقدي لمنزلة الحضارة العربية الاسلامية على رغم كون معطيات التاريخ الحضاري الاسلامي كلها تناقضه. فالمؤسسات الاسلامية لها ما لغيرها من الثبات والتحول ولعل اكثرها دلالة فقه المسلمين. والمعالم الاسلامية لا تقل كماً ولا كيفاً عن اي حضارة من جنسها. لكن هذا التصور الفلسفي لا يزال سنداً ومرجعاً لكل الاحكام المسبقة وخصوصاً عند اصحاب المسيحية الصهيونية التي تبنى غلاة علمانيينا نظرتها الى التاريخ وباتوا يتصورون الحضارة الاسلامية ماضياً ينبغي التخلص منه.

لذلك فمزية الحادثة التي تمثل منعرجاً تاريخياً كونياً هو انها جعلت التاريخ عديم النهاية لكونه استؤنف من حيث ظنوه ختم فبات الموقف من الاسلام موضع مساءلة بعد ان بدا الفكر الغربي نفسه يتساءل عن مقولات فلسفة التاريخ التي ألّهت بعض البيضان وأفنت كل الحمران واستعبدت جل السودان ولم يبق صامداً امامها من بني الانسان إلا العزيز من العربان الذين فجروا الاركان بالابدان رفضاً للذل والهوان وتحريراً للانسان في كل مكان. فبات الفكر الغربي نفسه على الاقل في الغرب القاري يجد في ثورة المسلمين الشروع الفعلي لتحرير العالمين بعد اليأس من كل محاولات الخروج من شبكات العولمة شبكاتها التي حولها المنظرون الى ادلة واقعية عن صحة فلسفة هيجل التاريخية وان بلهجة تأمركت على رغم الاصول اليابانية (نظرية فوكوياما في ختم التاريخ).

لذلك فإن هذه الدعوة يمكن ان تعد من منظور المستضيف اذا قدمنا حسن الظن بالنيات مناسبة للفهم ومد الجسور مع جار لم يعد احد منهم يشك في دوره لكونه من مقومات المعادلة الدولية حتى وان كان هذا التقويم يغلب عليه الوجه السلبي اي اعتباره عائقاً امام تعميم ما يسمى بالقيم الغربية من منظور المتلاعبين بها من بقايا الصهيونية والنازية. كما يمكن ان تكون اذا قدمنا سوء الظن بالنيات مناسبة للتدليل على عقم الفكر العربي بمجرد السماع لمن تقدمه المؤسسات الرسمية لتمثيله عند عرضهم احدث ما توصلوا اليه من فكر لا يمثل إلا غلاة المتغربين من العرب. فكلامهم وحده يكفي لو صح حقاً انهم ممثلون لفكر العرب والمسلمين لاثبات النظرية التي يفسر بها بعض الموتورين من المستشرقين ماضينا تأييداً بحاضرنا: فكلاهما عند هؤلاء المستشرقين مجرد نقل يمسخ الحضارة الغربية الاوروبية حديثاً واليونانية وسيطاً. ولعلي لن اكون مجانباً الصواب لو ادعيت ان هذا الارتسام صحيح لو صح ان الممثلين الرسميين هم حقاً ممثلو فكرنا. فكل انسان نزيه ينبغي ان يخرج بهذا الحكم بمجرد الاستماع للنخب التي تتكلم عما يتصورونه تحديثاً وحداثة عربية فضلاً عن محاولات التقرب بالمماثلة المقيتة التي هي اكثر ما يكره الغربي رؤيته عندما لا يجد في محاولات الغير إلا النسخ المنحطة من ماضيه القريب الذي بات يحث الخطى للتحرر منه.

لا اتصور احداً يمكن ان يأخذ مأخذ الجد التعبير عن المواقف الايديولوجية, فيصغي لكلام متمركس متنور بنبرة متأمركة, كلام عفى عليه الدهر حول الحداثة وما بعدها, كلام لا يرقى حتى الى عروض التقريب الجمهوري في المدارس الثانوية او في المجالات الثقافية العامة او كلام عن الديموقراطية وحقوق الانسان, خصوصاً اذا علم ان المتكلمين لا يرغبون في تحقيق شيء منها, اذ ان طبيعة تصورهم لوجودهم جعلتهم في حاجة دائمة الى الحماية لفقدان شروط القيام الذاتي فكان ذلك دليل عجزهم عن شرط شروطها: اعني الوصول الديموقراطي للسلطة والاستغناء عن الاتكاء على الفاشية العسكرية في الداخل وعلى سند القوى الاستعمارية في الخارج. ولما كان الانسان الغربي ليس ساذجاً ولا سخيفاً فسيقول في نفسه احد القولين التاليين:

1- إما ان هؤلاء يخادعوننا بالتنكر في بعض وجوه فكرنا وهم في الحقيقة يتكلمون بما لا يعتقدون لكسب تأييدنا ثم يفعلوا بنا فعل القوميين منهم قبلهم القوميين الذين تحارب اميركا بعضهم الآن بعد ان اوصلتهم الى الحكم سابقاً.

2- او انهم صادقون لكنهم قلة هامشية لا تمثل شيئاً ولا فائدة من اخذها مأخذ الجد لأن الغاية الحقيقية من التشبه هي المشي والسعي للحصول على التأشيرة والجنسية للتنعم بالحياة الغربية مع فضل من النجومية من خلال ادعاء بعض الريادية البعدية في ما بات في الغرب يعتبر نسياً منسياً.

وفي كلتا الفرضيتين فالغربي الصادق اعني الغربي الذي بات همه السعي للخروج من المأزق الحضاري بين الثقافتين العربية الاسلامية والغربية التي يعرفونها بكونها يهودية مسيحية (كما في بعض المواقف من دخول تركيا الى الوحدة الاوروبية) سيبحث عن الممثلين الحقيقيين لهذه الحضارة ليشرع في الحوار الحقيقي الذي من شرطه القبول بالفروق الحقيقية لتحديد الجسور الفعلية بين السبل المتنوعة في تحقيق القيم الانسانية وتوسيع آفاق البشرية.

ذلك هو شرط الفهم والحوار الحقيقيين. بدأ الغرب يتحرر من الاحكام المسبقة ويحاول ان يفهم الحركة التاريخية الفعلية للحضارة العربية الاسلامية في تلعثمات ديناميتها الحية التي تتصارع فيها التناقضات الفعلية بين قيم الماضي التي لم تنضب امكاناتها وقيم المستقبل التي لم تستو بعد على سوقها. والمعلوم ان قيام كل ما هو قيمي وحياتي في كل حضارة لا ينبعث بحق إلا بهذا الصراع التاريخي بين الماضي الذي يقاوم للبقاء لأنه لا يزال حاملاً لبعض الامكان الحي والمستقبل الذي يقاوم للشروع لأنه بدأ يضع واقعاً حياً في التاريخ الفعلي.

كل ذي ثقافة فلسفية يعلم ان الماضي العربي الاسلامي كان يموت بذاته لو كان فقد الممكن الذي يمده بقدرة الانجاب في الحاضر للبقاء في المستقبل. كما يعلن ان المستقبل الاسلامي لن يشرع في اظهار خصبه الثقافي ما لم يتحقق بعض واقعه الذي يمده بالقيام في الحاضر قياماً يقوم الماضي لتحقيق التواصل الحي بين المعلمي والنقدي من التاريخ فيخلصه من المتحفي الذي ينافي الحياة سواء كان من الماضي الذاتي او من الماضي الاجنبي اعني ما تتصوره بقايا اصوليتينا اللتين لا تزالان مسيطرتين على الركح الرسمي فكراً وهو الى الهذر والثرثرة اقرب: الاصولية الدينية والاصولية العلمانية.

ولن اتكلم في ما يمكن ان ينتظره المستضاف من نفسه. فبعض الكلمات الخفاف يكفي لوصف مرارة الوقائع العجاف. فاذا كان المستضاف هو جل من وردت اسماؤهم في القائمة الرسمية التي جمعت عدداً اكبر ممن سيحضر الثرثرات الرسمية (حوالى ثلاثمئة) حول الحوار الحضاري وحوار الاديان والعلمانية والحداثة والديموقراطية وحقوق الانسان شعارات وبهارات تمهيدية للموائد والفوائد, اذا كان ذلك فالمنتظر معلوم: يكفي ان نتذكر ندوات المنتديات العربية للتحديث والتقارير التنموية. اما اذا كان المقصود المنتظر الواجب فهذا في علم الغيب الذي يكون الكلام فيه من جنس العيب.

(*) كاتب ومفكر تونسي. استاذ في الجامعة العالمية الاسلامية في ماليزيا
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 6 سبتمبر 2004)

الدّعاة الجدد : من التّحريض إلى التّنويم  

 
رجاء بن سلامة « الدّعاء سلاح خطير لمن يدرك قيمته » هو أحد الشّعارات التي يرفعها الدّاعية  « الأستاذ عمرو خالد » في الصّفحة الأولى من موقعه على الأنترنيت، وهو ذو دلالة هامّة على الأفق الذي يتحرّك فيه هذا الدّاعية-النّجم وغيره من الدّعاة الجدد أمثال خالد الجنديّ. فالمفترض الذي نقرأه من خلال هذا الشّعار هو أنّ السّلاح الذي يرفعه هؤلاء غير السّلاح الذي رفعه أنصار الإسلام السّياسيّ الجهاديّ أو التّكفيريّ : إنّه سلاح من ترك حمل السّلاح، في ظرفيّة تتّسم رغم كلّ شيء بتضاؤل دور الإسلام السّياسيّ لا سيّما بعد تفجيرات 11 سبتمبر وبعد التّفجيرات التي طالت المدن العربيّة ولم يكن بإمكان الجماهير العريضة التّعاطف معها. هؤلاء الدّعاة الجدد يركّزون على العبادات وعلى التّقوى أكثر من تركيزهم على الشّأن العامّ، ويبتعدون عن الدّعوة إلى التّغيير السّياسيّ ويتجنّبون إثارة القضايا المحرجة وهو ما يفسّر الحظوة التي يلقونها لدى بعض  أصحاب السّلطة في العالم العربيّ. وليس الـ »نيو لوك » لهؤلاء بمعزل عن توجّههم اللاّسياسيّ الوعظيّ : وجوه هؤلاء الدّعاة الباسمة وكلماتهم  الرّقيقة وأناقتهم الشّبابيّة وتحلّلهم من العمامات والطّرابيش من أمارات اختلافهم أو رغبتهم في الاختلاف عمّن يمثّلون الإسلام الجهاديّ والتّكفيريّ. إنّهم يدّعون اليسر بدل العسر ويتكلّمون لغة المحبّة، وتختلف فتاواهم أحيانا عن فتاوى الشّيوخ الرّسميّين، وأبرز مثال على ذلك أنّ خالد الجنديّ اعتبر التّبرّع بالأعضاء واجبا واستدلّ على ذلك بآيات قرآنيّة غير الآيات التي استدلّ بها المفتي المصريّ الرّسميّ مؤخّرا لتحريم التّبرّع بالأعضاء ونقلها.(الوطن 28/3/2003) هذا جانب أوّل قد يبدو لنا إيجابيّا، ولكنّ هذا الإيجابيّ لا يعدو أن يكون جزءا من واقعنا الثّقافيّ والسّياسيّ البائس. فليس من الغلوّ أن نتحدّث أوّلا عن « بيزنس دينيّ » يتحرّك في إطاره هؤلاء الدّعاة الذين يحصّلون ثروات طائلة من دعوتهم، ومن تحوّلهم إلى نجوم تلفزيّين ينافسون نجوم كرة القدم والفيديو كليب. وعلى المختصّين في سوسيولوجيا الثّقافة أن ينكبّوا على دراسة الظّاهرة من النّاحية الاقتصاديّة والطّبقيّة والسّياسيّة دراسة ترتفع عن الشّتيمة والنّزعة الفضائحيّة التي يركن إليها بعض الكتّاب المناصرين للإسلام السّياسيّ في فضحهم لهؤلاء الدّعاة. ومن المفيد أيضا تسليط وجهة نظر الأنتروبولوجيا الدّينيّة على هذه الظّاهرة، وعلى أهمّيّة الدّعاء في مواقع الأنترنيت الخاصّة بهؤلاء الوعّاظ : الدّعاء لا باعتباره سلاحا فحسب، بل باعتباره منطلقا لمبادلات بين المعجبين والوعّاظ : طلب الدّعاء من أجل شفاء شخص، التّسليم بقدرة سحريّة لهؤلاء الوعّاظ، اضطلاعهم ربّما بوظيفة الأولياء الصّالحين على نحو جديد… ثمّ إنّ هذه الظّاهرة تزدهر على أرضيّة من الفقر المعرفيّ والجهل بالمعارف الإنسانيّة الحديثة، بحيث أنّ معادلة ساذجة من قبيل المعادلة شبه الرّياضيّة التي طلع بها عمرو خالد على مريديه مؤخّرا : « إرادة+ إخلاص+دعاء+تخطيط سليم=نجاح أكيد » يستقبلها هؤلاء المريدون وكأنّها حلّ سحريّ لمشاكل العالم، والحال أنّها تدلّ على تسطيح للذّات البشريّة وتجنّب لطرح المشاكل الحقيقيّة. هل الإنسان يعرف كلّ ما يريد؟ هل قرأ الدّاعية شيئا ممّا كتب عن فلسفة الإرادة، وشيئا ممّا كتب عن ذات الرّغبة وذات اللاّوعي؟ هل يكفي ما ذكر لتحقيق النّجاح؟ أيّ نجاح للفرد إذا كانت العوائق الاجتماعيّة والسّياسيّة تحيط به من كلّ جانب؟ العاطل عن العمل هل تكفيه الإرادة والإخلاص والدّعاء والتّخطيط السّليم لكي يجد عملا ويحقّق النّجاح التّامّ؟ أيّ سنوات ضوئيّة تفصل هؤلاء عن المعارف الحديثة التي أنتجت حول الذّات البشريّة؟ أيّ مقدار من التّمويه يمكن أن يدير وجوهنا عن قضايا البؤس والفقر واللاّمساواة، بحيث نختزل حياة الإنسان ومشروعه في تعويذات من هذا القبيل؟           إنّ هؤلاء الدّعاة ليسوا مصلحين دينيّين وأعتقد أنّهم لا يختلفون عن الجهاديّين والتّكفيريّين في مفترضاتهم الفكريّة والقيميّة الكبرى : في نظرتهم الأخلاقيّة التّقليديّة للعلاقات الأسريّة والاجتماعيّة وفي تصوّرهم للتّاريخ والمصير. إنّهم لا يصدرون عن نقلة معرفيّة تعيد مفصلة ما هو فرديّ وما هو جماعيّ، ما هو دينيّ وما هو دنيويّ. وهم يميلون إلى أخذ العصا من الوسط، فلا يعارضون عمل المرأة خارج البيت كما فعل غيرهم من الأصوليّين، ولكنّهم يرون أنّها يمكن أن تعمل « إذا أرادت »، وأنّ الأولويّة مع ذلك تبقى للأسرة والبيت. ولئن كان التّكفيريّون يرفضون التّاريخ ويطالبون بالعودة إلى الأصل فإنّ هؤلاء يموّهون ويعمدون إلى الخلط التّاريخيّ : فممّا يفاجئنا به عمرو خالد، وما قد يحيّر كلّ المؤرّخين بعموميّته وإطلاقيّته  ولا شكّ أنّ « المرأة قبل الإسلام وفي صدر الإسلام كانت تعمل… » وهو يقصد طبعا عمل المرأة خارج البيت.   إن كان هؤلاء الدّعاة مصلحين فما أبعدهم عن محمّد عبده ومحمّد إقبال، وإن كانوا روحانيّيّن فما أبعدهم عن محيي الدّين بن عربيّ ولسان الدّين بن الخطيب.. عصر الانحطاط، بل عصر النّزول إلى الدّرك الأسفل، أليس ما نعيشه نحن اليوم؟ وددت لو لم نخيّر بين الطّاعون والكوليرا كما يقول الفرنسيّون، أو بين الطّاعون ومرض أقلّ خطورة، أن لا نخيّر بين التّحريض على العنف والتّنويم المهدهد للأوهام والآلام،  أن لا نخيّر بين قيد قصير يفرضه علينا المكفّرون والمحرّمون لكلّ شيء وقيد أطول  يفرضه علينا هؤلاء المتاجرون بالآخرة والمحوّلون لأنظارنا عن قضايا الظّلم والعنف واللاّمساواة والفراغ السّياسيّ. إنّنا لا نريد إسلاما سياسيّا ولكنّنا لا نريد بؤس اللاّسياسة أيضا، لا نريد هذا لأنّ أبناءنا يستحقّون تربية أفضل من دروس هؤلاء الدّعاة : تربية على الحرّيّة والمسؤوليّة وعلى المواطنة والمساواة.   الرّأي العامّ وإن كان يعني أمرا غائما يصعب تحديده، فإنّه في المجتمعات الدّيمقراطيّة، أو على الأقلّ المتطوّرة من النّاحية السّياسيّة، يمثّل قوّة نقد ومراقبة للسّلطة السّياسيّة، يمثّل مظهرا من مظاهر السّلطة التي تحدّ من السّلطة، أو مظهرا من مظاهر المجتمع المدنيّ على أيّة حال يمثّل قوّة نقد وتفكير نقديّ في العالم العربيّ، هل يوجد رأي عامّ من هذا القبيل؟ الرّأي العامّ لا يعبّر عن نفسه، مشلول لعدم وجود فضاءات عامّة للمشاركة السّياسيّة الفعليّة، فحقّ التّظاهر وحقّ كتابة العرائض والنّشاط السّياسيّ والتّعبير عن الرّأي غير معترف به أو غير مسموح به إلاّ بمقادير في أغلب البلدان العربيّة إذن : المشكلة الأولى مشكلة سياسيّة -المشكل الثّاني يتعلّق بوسائل الإعلام التي تصنع الرّأي العامّ الجماهير العربيّة عندما تتظاهر لا تتظاهر من أجل المطالبة بالحقوق، من أجل المزيد من الدّيمقراطيّة، لا تتظاهر ضدّ قرارات أو قوانين تتنافى مع الدّيمقراطيّة، بل ضدّ العدوّ الصّهيونيّ أو الأمريكيّ خاصّة وسائل الإعلام السّمعيّة البصريّة، وخاصّة الفضائيّات العربيّة ذات الحرفيّة المتطوّرة والإمكانيّات الهائلة لا تساهم في صنع رأي عامّ ذي تطلّعات سياسيّة ديمقراطيّة وحديثة، لا تثقّف النّاس تثقيفا سياسيّا يجعلهم يدركون ما معنى المواطنة، وما معنى الفصل بين السّياسة والدّين، وما معنى المساواة إلخ. ما نصيب مبادئ حقوق الإنسان من هذه القنوات؟ ما نصيب التّربية المدنيّة، التّربية القائمة على مبادئ المواطنة، باعتبار أنّ المواطنة انتماء للدّولة لا لدين من الأديان أو مجموعة أتنيّة؟ هل يوجد برنامج واحد يعرّف بالصّكوك الدّوليّة التي صدّقتها عليها الدّول العربيّة نفسها؟ هل يوجد برنامج يعرّف بالمنظّمات العربيّة غير الحكوميّة التي تقوم بجهد للتّعريف بحقوق الإنسان وللتّربية على حقوق الإنسان وتوثيق الانتهاكات في هذا المضمار؟ ما نصيب الفكر النّقديّ والفلسفيّ ؟ تغطّي أنشطة الزّعماء الدّينيّين نصيب الأسد من هذه الفضائيّات هو للبرامج التي تعطّل ملكات التّفكير ولا تعلّم التّفكير، وتعطل ملكة النّقد، بل يمكننا الحديث عن هذيان منظّم ومنتشر على نحو جماعيّ، تساهم فيه بعض الفضائيّات العربيّة. ·        لا تنشر الوعي السّياسيّ بل تغذّي كلّ أنواع الخلط والخطأ : تتحدّث عن الجاليات العربيّة عندما يتعلّق الأمر بمواطنين مستقرّين، تحرص على إضافة « ما يسمّى » بالإرهاب عندما يتعلّق الأمر فعلا بالإرهاب، وهي لا تدين فعلا وبوضوح الإرهاب، أي استهداف المدنيّين الأبرياء ·        تنشر  هذيانا جماعيّا قائما على الرّهاب والشّعور بالاضطهاد : الأعداء الخارجيّون المتآمرون، والمختلفون المتآمرون، تحتقر وتتهم الأقلّيّات الدّينيّة والأتنيّة الموجودة في البلدان العربيّة، وهو هذيان قائم على رفض الواقع ورفض التّاريخ والمصير، وعلى تصوّر جامد ومضحك للهويّة : كأنّ الهويّة كنز يجب أن نحافظ عليه، والحال أنّها ما نصنعه نحن ةبأنفسنا وما نريده ونبدعه ·        تفسح المجال أمام حالات هذيانيّة تمثّل ما يسمّى بالإسلام الجهاديّ والتّفكيريّ، وتمثّل في نفس الوقت أشخاصا ثبت تورّطهم في قضايا إرهاب، ثمّ تأتي بنفس المعلّقين الذين يمجّدون هؤلاء الإرهابيّين، وهي لا تخفي تعاطفها مع الدّكتاتوريّين العرب الذين يغذّون أوهام القوّة لدى الجماهير العربيّة، وأهانوا شعوبهم وجزّوا بها في حروب لم يردوها ·        الذي يطلعون علينا في هذه القنوات يحيون أحكاما فقهيّة لم تعد ملائمة لعصرنا، ويتعمّدون عزل الأحكام القديمة عن سياقها للإيهام بأنّها صالحة لكلّ زمان ومكان مثال : الغشّ الفكريّ الذي يقوم به هؤلاء المفتون في حديثهم عن الحجاب ·         الدّعاة الجدد : لهم ثقافة دينيّة محدودة جدّا، وهم مختلفون عن دعاة السلام التّفكيريّ أو الجهاديّ ويتجنّبون الخوض في المسائل المحرجة ويميلون إلى العسر بدل العسر ولكنّهم ينشرون معرفة مسطّحة ومخلّة ثمّ إنّ هذه الظّاهرة تزدهر على أرضيّة من الفقر المعرفيّ والجهل بالمعارف الإنسانيّة الحديثة، بحيث أنّ معادلة ساذجة من قبيل المعادلة شبه الرّياضيّة التي طلع بها عمرو خالد على مريديه مؤخّرا : « إرادة+ إخلاص+دعاء+تخطيط سليم=نجاح أكيد » يستقبلها هؤلاء المريدون وكأنّها حلّ سحريّ لمشاكل العالم، والحال أنّها تدلّ على تسطيح للذّات البشريّة وتجنّب لطرح المشاكل الحقيقيّة. هل الإنسان يعرف كلّ ما يريد؟ هل قرأ الدّاعية شيئا ممّا كتب عن فلسفة الإرادة، وشيئا ممّا كتب عن ذات الرّغبة وذات اللاّوعي؟ هل يكفي ما ذكر لتحقيق النّجاح؟ أيّ نجاح للفرد إذا كانت العوائق الاجتماعيّة والسّياسيّة تحيط به من كلّ جانب؟ العاطل عن العمل هل تكفيه الإرادة والإخلاص والدّعاء والتّخطيط السّليم لكي يجد عملا ويحقّق النّجاح التّامّ؟ أيّ سنوات ضوئيّة تفصل هؤلاء عن المعارف الحديثة التي أنتجت حول الذّات البشريّة؟ أيّ مقدار من التّمويه يمكن أن يدير وجوهنا عن قضايا البؤس والفقر واللاّمساواة، بحيث نختزل حياة الإنسان ومشروعه في تعويذات من هذا القبيل؟   * باحثة بالجامعة التّونسيّة. rajabenslama@yahoo.fr

ألمصدر: الحوار المتمدن – العدد: 948 – 2004 / 9 / 6  

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=23047  


البداية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.