الجمعة، 9 يونيو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2209 du 09.06.2006

 archives : www.tunisnews.net


عريضة احتجاج على تدنيس المصحف الشريف بتونس الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقــوق الإنسـان: بيــان الحزب الديمقراطي التقدمي: بــلاغ القدس العربي:العثور في تونس على يخت سرق في كورسيكا الصباح : حجز يخت على ملك فرنسي في أحد المواني التونسية الصباح: حادثة انهيار حائط بقابس:إصدار بطاقتي إيداع بالسجن ضدّ إطار بالادارة الجهوية للتجهيز ومقاول عماد الدائمي وسليم بن حميدان « : إقالة القنزوعي: زوبعة في فنجان أم نذير بركان د. سليم بن حميدان: تهمة تسييس الدين في تونس : حقنة صدئة في جسد يحتضر نبيل الرباعي: الحجاب زي شرعي رغم أنف وزير الشؤون الدينية التونسي عبدالباقي خليفة: الناس لم يروا في الثورة الفرنسية سوى لوحة الرخام المصقولة على قبرها القدس العربي: ذعر في أوساط قيادات الشرطة بسبب قوائم سوداء تعدها كفاية باسماء الضباط المتهمين بالتعذيب «الحياة» تحاور الفكر العربي: أين نحن في العالم؟ متى ينتهي الانحدار؟ أي دور للمثقف؟ … د. حسن أبو طالب  : إشكالية الإسلاميين تـشـتـعـل عـربـيّـا ياسر الزعاترة: هل فلسطين 48 لليهود؟ صوّت بنعم واربح الراتب كاملاً فهمي هويدي: سوريا إذ تحرج أصدقاءها فيعجزون عن الدفاع عنها


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عريضة احتجاج على تدنيس المصحف الشريف بتونس!

على الرئيس التونسي أن يعتذر للمسلميـن على فضيحة برج الرومي

 

ملاحظة: بعد أن أصدرت الهيئة العالمية للدفاع عن الدين الاسلامي نص عريضة في نفس السياق تقرر بالتنسيق المشترك مع الأخوة في الهيئة دمج العريضتين توحيدا للجهد واقتصادا في الطاقة وربحا للوقت. 

 

نورالدين ختروشي /محمد الهادي الزمزمي

 

٭  بعد أبو غريب بالعراق و غواتنامو بكوبا  القرآن يدنّس في تونس .

٭ وزراء الداخلية العرب في مؤتمرهم بتونس يندّدون بالرسوم ، وفي تونس يدنّس القرآن الكريم.

٭ فضيحة سجن برج الرومي وصمة عار في جبين النظام التونسي القائم ما لم يعتذر للمسلمين عنها،  والاحتجاج عليها فرض عين على كل مسلم ومسلمة.

٭  على علماء الأمة ودعاتها وأئمتها تناول هذه الجريمة في الخطب الجمعية والندوات العلمية والمجامع الفقهية والتشنيع على مرتكبيها

 

نحن الموقعين أدناه من المسلمين ، بعد علمنا بالاعتداء على كتاب الله العزيز بسجن برج الرومي بتونس من قبل مدير السجن وبعض أعوانه، 

ونظرا لبشاعة هذه الجريمة التي أقدم عليها هذا الضابط ومساعدوه و التي تمثّل واستخفافا بمشاعر أكثر من مليار مسلم في أقدس مقدساتهم، فإننا :

 

  أولا ـ   نطالب الرئيس التونسي نفسه بالاعتذار الفوري للمسلمين كافة عن هذا الفعل الشنيع

و الجريمة البشعة المقترفة في حق القرآن الكريم.

 

ثانيا ـــ  نطالب بإقالة مدير سجن برج الرومي وأعوانه الذين شاركوا في هذا الجرم الشنيع، ومحاكمتهم.

 

ثالثا ــ نعتبر أن ما وقع في سجن برج  الرومي مصيبة  أعظم من الذي وقع في غوانتنامو وسجن أبوغريب، لأن تلك الاعتداءات صدرت  عن غير المسلمين وفضيحة برج الرومي تقع في دولة مسلمة ومقترفوها من موظفي تلك الدولة.

 

 رابعا ــ  ندعو كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وفي مقدمتهم علماءها ونخبها الفكرية والجمعوية والحزبية إلى مراسلة الدوائر الحكومية التونسية وبعثاتها الدبلوماسية والقنصلية بالبرقيات والرسائل الالكترونية احتجاجا على هذه الجرائم ونهيب بهم للتحرك العاجل للاحتجاج المدني والميداني على بشاعة الجريمة المقترفة في حق أقدس مقدسات الأمة.

 

خامسا ــ  ندعو وسائل الإعلام العربية والإسلامية بكل أصنافها الالكترونية والفضائية والمكتوبة إلى كشف  فضيحة برج الرومي وأن تساهم في إنارة الرأي العام الدولي والعربي والإسلامي بما يجري من عدوان على الإسلام في تونس

 

سادسا ــ نناشد المجامع الفقهية لعلماء المسلمين أن تدعوا إلى تخصيص يوم عالمي للاحتجاج الشعبي على تدنيس المصحف الشريف بتونس .               

 

للتوقيع على هذه العريضة  الرجاء المراسلة على العنوان التالي

haiaalamia@yahoo.de

scandale_borjerroumi@yahoo.fr

 

تواقيع العريضة

 

الشيخ محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي ألمانيا

 

 

نور الدين ختروشي

 

 

الهادي بريك ألمانيا

 

 

محسن الجندوبي ألمانيا

 

 

رشيدة النفزي ألمانيا

 

 

نصرالدين السويلمي ألمانيا

 

 

الطاهر القلعي سويسرا

 

 

عبد الله النوري ألمانيا

 

 

نور الدين الخميري ألمانيا

 

 

صالح المحضاوي ألمانيا

 

 

لطفي زيتون   بريطانيا

 

 

فتحي العيادي ألمانيا

 

 

محمد سعيد هولندا

 

 

محرز الكريمي  هولندا

 

 

خميس قشّة  هولندا

 

 

بشير قم      هولندا

 

 

محمد الكرداني هولندا

 

 

محسن الزمزمي هولندا

 

 

العربي القاسمي سويسرا رئيس جمعيّة الزيتونة

 

 

الحبيب العماري ألمانيا

 

 

السيّد الفرجاني بريطانيا

 

 

لطفي زيتون بريطانيا

 

 

محمّد طه الصابري ألمانيا

 

 

خديجة الصابري  ألمانيا

 

 

آمنة الوحيشي     ألمانيا

 

 

القادري الزروقي ألمانيا مؤسّس صفحة الحوار نت

 

 

رمزي بن فرج   النمسا

 

 

الطاهر بوعزيزي النمسا

 

 

كريمة كلبوز   ألمانيا

 

 

رياض الحجلاوي   فرنسا

 

 

وليــــد البناني رئيس مجلس الشورى  حركة النهضة بلجيكا

 

 

سيف النوري     ألمانيا

 

 

لزهر عبشة    ألمانيا

 

 

الهاشمي بن حامد ألمانيا

 

 

محمد العشّ    ألمانيا

 

 

موسى بن محمّد بن أحمد 

 

 

أحمد الكامل خليفي ألمانيا

 

 

محمّد الحاجي   سويسرا

 

 

خير الدين خشلوف  السويد

 

 

على الحميدي      هولندا

 

 

الطاهر بوبحري   فرنسا

 

 

– Dr Rami Mohammed Sami Diabi

Wamohammadah Campaign

www.islamschool.org

 

 

عبدالباقي خليفة / صحافي 

 

 

عبد القادر بن عمر   النمسا

 

 

كوثر الزروي  ألمانيا

 

 

طه البعزاوي   ألمانيا

 

 

محمّد على بلقاسم  ألمانيا

 

 

عامر العريض   رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة  فرنسا

 

 

بوكثير بن عمر  – سويسرا

 

 

عادل الحمزاوي  إمام مسجد فرنسا

 

 

عبد الخالق الازرق  –   سوريا

 

 

حبيب الرباعي        ألمانيا

 

 

أمال الرباعي        ألمانيا

 

 

عماد الدايمي مهندس وناشط بارز في المؤتمر من أجل الجمهورية.

 

 

د سليم بن حميدان ـ عضو حزب التجمع من أجل الجمهورية / فرنسا

 

 

حسن فرصادو  رئيس الججمعيات الإسلامية بمنطقة 93 -فرنسا

 

 

عبد الناصر نايت ليمان / سويسرا

 

 

عبد الحميد الحمدي ـ عضو المجلس الاسلامي الدنماركي / الدنمارك

 

 

الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة-لندن

 

 

 ـ فتحي نصري ـ محامي وحقوقي تونسي

 

 

عبد الحفيظ خميري ـ مدير مجلة أجيال / فرنسا

 

 

الحبيب أبو وليد المكني كاتب وباحث تونسي

 

 

نديم مساعدي ـ مهندس جزائري / فرنسا

 

 

ـ ابراهيم العموري / السويد

 

 

عبد العزيز شمــــام / فرنسا  

 

 

سيف بن سالم ـ تقني في الاعلاميات / فرنسا  

 

 

مرسل الكسيبي :اعلامي وناشط حقوقي

 

 

عبد الحميد العداسي  ـ اداري / الدنمارك

 

 

الطاهر العبيدي-صحفي وكاتب -فرنسا

 

 

هالة الدسوقي    كاتبة      مصر

 

 

د صالح نصيرات / قطـــر

 

 

علي شرطاني ـ ناشط حقوقي / تونس

 

 

دهيبي محسن / فرنسا

 

 

ايمان عبد الحميد العداسي  طالبة / الدنمارك

 

 

نجاة فادي ـ مصرية مستشارة قانونية / فرنسا

 

 

مراد علـــي

 

 

عمر القناص / فلسطين

 

 

أحمد الورغمي

 

 

بوشام حميد

 

 

محمد علي بتبوت / سويسرا

 

 

حمزة تريكي

 

 

ـ منجي مدب ـ مهندس / تونس

 

 

ـ محمد جريبي ـ اقتصادي / سويسرا

 

 

عادل مفتاح

 

 

ـ طاهر بوسافة

 

 

ـ محمد عمــري

 

 

ـ عادل نهدي / سويسرا

 

 

ـ رجاء علوني ـ عالمة اجتماع جزائرية / فرنسا

 

 

طيب سماتي ـ الحزب الاسلامي / تونس

 

 

ـ زهير لطيف ـ صحافي

 

 

-عبد الوهاب الرياحي -تاجر باريس –

 

 

ـ حميد علوني ـ مقاول جزائري / فرنسا

ـ

 

عبد الرحمن الحامدي -أستاذ -سويسرا

 

 

ـ علي حميدي / هولندا

 

 

ـ قدس عبد الحميد الحمدي ـ طالبة / الدنمارك

 

 

ـ محمد صالح ـ طالب / فرنسا

 

 

ـ علي حميدي / هولندا

 

 

ـ قدس عبد الحميد الحمدي ـ طالبة / الدنمارك

 

 

محمد صالح ـ طالب / فرنسا

 

 

ـ حاجي محمد ـ محاسب / سويسرا

 

 

ـ حماس عبد الحميد الحمدي ـ طالبة / الدنمارك

 

 

ـ عبد اللطيف تليلي / ألمانيا

ـ

 

ـ عادل طرابلسي / كنــدا

 

 

ـ أم عماد طرابلسي / كندا

 

 

ـ نور طرابلسي / كنـدا

 

 

المسعدي سحيمي / سويسرا

 

 

ـ هشام شكشوكي

 

 

ـ عماد طرابلسي / كنـدا

 

 

ـ آدم طرابلسي/ كنـدا

 

 

ـ حليمة طرابلسي / كندا

ـ

 

ـ صالح التقاز ـ ناشط حقوقي

 

 

ـ بوكثير بن عمر / سويسرا

 

 

ـ شادلي طريفي / الدنمارك

 

 

ـ أسامة عبرود / النرويج

 

 

ـ نبيل الرباعي ـ سجين اسلامي سابق / تونس

 

 

ـ محمد علي بدوي ـ عضو مؤسس لحزب التجمع من أجل الجمهورية / سويسرا

 

 

ـ عبدالله أكـزاز

 

 

ـ محمد حمــزة / ألمانيا

 

 

ـ محمد النفطي / فرنسا

 

 

ـ جوهر المصري ـ طالب / تونس

 

 

ـ محمد علي بلقاسم / المانيا

 

 

ـ ابراهيم نوار / سويسرا

 

 

ـ نورالدين فرجانـي ـ امام / سويسرا

 

 

رشيد الدريدي ـ مهندس / فرنسا

 

 

نعيم الصادق / فرنسا

 

 

ـ أنوار مديماغ ـ اقتصادي / سويسرا

 

 

ـ منجي عوني / كنــدا

 

 

ـ كمال فوني ـ طبيب / فرنسا

ـ

 

ـ جمال والي / الجزائر

ـ

 

وحيد العلوي ـ طالب مغربي / فرنسا

 

 

عبد الرحمان قعلول جزائري / فرنسا

 

 

ـ ثامر عبدالصمد ـ باحث مغربي / فرنسا

ـ

 

ـ فارس بركاتي ـ طالب لبناني / فرنسا

ـ

 

محمود المرزوقي         سويسرا 

 

 

محمد مليكة             فرنسا

 

 

نعيمة دخلي ـ موظفة / فرنسا

 

 

 

 

 

 

 

 


 
الرابطـــة التونسيـــة للدفـــاع عن حقــــوق الإنســـان   تونس في 09 جوان  2006   بيــــــان  
 
تتعرض الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى حملة تشهيرية مسيئة عبر بعض الأقلام والصحف المحلية المأجورة، كما تتعرض مواقفها إلى التشويه وسوء التوظيف من قبل دوائر مختلفة وذلك على خلفية البيان الذي أصدره فرع الرابطة ببنزرت يوم 01 جوان الجاري والذي أشار إلى تجاوزات خطيرة بسجن برج الرومي تتعلق بالتعذيب والإساءة لمشاعر المساجين الدينية.   ويهمّ الهيئة المديرة للرابطة أن تفيد المتابعين لهذا الملف والرأي العام الداخلي والخارجي بما يلي :   1-     إدانتها الشديدة للحملات الصحفية التي تستهدف الإساءة للرابطة ولقياداتها ومغالطة الرأي العام بافتعال الأقاويل وتزوير الحقائق وإثارة القراء ضدها.   2-     تأكيدها على تمسك الرابطة بنهجها في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان والإبلاغ عن الإنتهاكات مهما كانت. وهي إذ تدافع عن حرية المعتقد وتتصدى للإساءة للمشاعر الدينية، والتي هي من صلب اهتماماتها، فإنها ترفض  نزعات التكفير مهما كان مصدرها وتنبه إلى أنه ليس من مصلحة مجتمعنا مهما كانت الدوافع جره إلى ساحة الصراعات الدينية أو الإتهامات العقائدية.   3-     إيقاف التتبعات ضد السيد علي بن سالم رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي لم يقم هو وأعضاء الفرع إلا بواجبهم في إطار مسؤولياتهم الرابطية.   4-     تشديدها على أن إجراء تحقيق نزيه ومستقلّ في التجاوزات التي أشار إليها فرع بنزرت وتحميل المسؤولية لمن تثبت في حقه تجاوزات القانون هما الكفيلان بوضع حدّ لهذه الخروقات ولكل توظيف يتجاوز حدود ما تناوله بيان فرع بنزرت.

عـن الهيئــة المديــرة الرئيـــس المختــار الطريفـــي


الحزب الديمقراطي التقدمي   تونس، في 8 جوان 2006   بــــــــــلاغ
 
  تتعرض قناة « الحوار » التي عادت إلى البث مؤخرا إلى ضغوط تمثلت في ضرب حراسة أمنية على مقرها بالعاصمة قصد تضييق حركة الدخول إليه كما تمثلت في الضغوط المسلطة على الصحافيين العاملين بها وعلى عائلاتهم قصد ثنيهم عن العمل بها.   و الحزب الديمقراطي التقدمي إذ يحيّ الجهود التي تقوم بها قناة « الحوار » قصد إثراء المشهد الإعلامي الوطني ودعم الصوت الحر في بلادنا وإذ يقدّر التضحيات المالية والبشرية الجسيمة التي تقدم عليها أسرة الحوار للقيام برسالتها النبيلة:   • يعتبر أن الضغط على الصحافيين العاملين بقناة « الحوار » ومحاصرة مقرها إنما ينال من حرية الرأي والتعبير ويسهم في إحكام إغلاق الفضاء الإعلامي في بلادنا، الأمر الذي يتنافى مع مقتضيات الإصلاح والمصالح العليا للبلاد   • يطالب السلطات برفع الحراسة الأمنية على مقر قناة « الحوار » وبإيقاف الضغوط المسلطة على الصحافيين العاملين بها وعلى أسرهم   • يعبّر عن مساندته الكاملة لأسرة « الحوار » ويهيب بالقوى الديمقراطية الوقوف إلى جانبها دعما للتعددية وحرية الرأي   الأمين العام  أحمد نجيب الشابّي

 

حجز يخت على ملك فرنسي في أحد المواني التونسية

 
 علمنا أن يختا على ملك أحد الأثرياء الفرنسيين تم العثور عليه بأحد المواني التونسية بعد أن حاول مواطنان فرنسيان تغيير لونه والأرقام التسجيلية الخاصة به.   وقد تعهد القضاء التونسي بالموضوع وتم الإذن بحجز المركب على ذمة البحث الى حين التثبت من المسؤوليات.   وبحسب بعض المصادر يبدو أن الموضوع ذو صلة بمحاولة الحصول على تعويضات من إحدى شركات التأمين الأجنبية.   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 جوان 2006)

العثور في تونس على يخت سرق في كورسيكا

 
مارسيليا ـ ا ف ب: عثر في تونس علي يخت يملكه رئيس مجلس ادارة مصرف فرنسي بعد ان سرق في كورسيكا في ايار/مايو، حسبما اعلنت مصادر قريبة من التحقيق ردا علي سؤال حول معلومات نشرتها صحيفة لو كانار انشينيه افادت ان ملكية اليخت انتقلت الي قريب من الرئيس التونسي.   وافاد مصدر قريب من التحقيق لوكالة فرانس برس ان اسم الاخ الاكبر لزوجة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ورد في اطار هذه القضية بدون ان يتمكن من تأكيد ما اذا كان هذا الشخص صاحب اليخت او مستخدمه.   واضاف المصدر انه لم يتسن اصدار انابة قضائية دولية لانه يبدو ان تونس رفضت التعاون في هذه القضية. وبحسب الصحيفة الفرنسية الاسبوعية عثر علي اليخت الفخم الذي تزيد كلفته عن مليون يورو في مرفأ سيدي بوسعيد التونسي حيث اكدت شرطة انتربول انه رسا .   واضاف المصدر ذاته ان شركة التأمين اكدت لصاحب اليخت برونو روجيه رئيس مجلس ادارة مصرف لازار في باريس اكتشفت ان اليخت الذي اعيد دهنه نقل الي اسم احد افراد اسرة الرئيس التونسي.   واعلن القضاء الفرنسي ان القضاء التونسي يتحمل مسؤولية كشف الجهة التي تقف وراء عملية السرقة ومعرفة ما اذا كان صاحب اليخت الجديد علي علم ام لا بانه كان مسروقا، حسبما اعلن مصدر اخر قريب من التحقيق. من جانبه اكد قسم الدرك البحري في تولون (جنوب) سرقة اليخت من كورسيكا.   ووقعت عملية السرقة فجر الخامس من ايار/مايو. وافاد مصدر قريب من التحقيق ان اليخت اخرج من ورشة ترميم في ماندوليو (جنوب) ونقل الي كورسيكا حيث كان يفترض ان يستخدمه صاحبه في رحلة بحرية.   وبعد وقوع عملية السرقة ب84 ساعة ابلغت النيابة العامة في اجاكسيو قاضي التحقيق ديفيد لونوا بفتح تحقيق قضائي بتهمة تنظيم عصابة لعملية سرقة . وقالت المصادر ذاتها انه تم تغيير الشكل الخارجي لليخت الذي عثر عليه لاحقا في منتجع قرب تونس لكن ارقام التسجيل سمحت بتحديد هوية صاحبه الاصلي.   وبحسب لو كانار انشينيه اكدت السفارة التونسية في باريس ان اليخت دخل المياه الاقليمية التونسية بشكل غير مشروع وان الشرطة حجزته وان صاحبه هو فعلا برونو روجيه.   (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 9 جوان 2006)

 

حادثة انهيار حائط بقابس: إصدار بطاقتي إيداع بالسجن ضدّ إطار بالادارة الجهوية للتجهيز ومقاول

 
  تونس ـ الصباح   اصدر أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بقابس بطاقة ايداع بالسجن المدني ضد مسؤول بادارة التجهيز بالجهة والمقاول الذي شيد الحائط المنهار من اجل الاهمال والتقصير.   وتتواصل التحقيقات في هذه الواقعة التي جدت ظهر الاحد الماضي بسوق ليبيا بقابس وادت الى وفاة 8 اشخاص وجرح 5 آخرين لتحديد كامل الملابسات والمسؤوليات في انتظار ما ستكشف عنه نتائج الاختبارات.   وكان جزء من الحائط المشيد منذ حوالي 3 سنوات والممتد على طول قدر نحو الـ10 امتار وارتفاع بحوالي 4 امتار انهار ظهر الاحد الماضي على «نصبة» «فريب» وادى الى وفاة 8 اشخاص من بينهم صاحب «النصبة» وجرح 5 آخدين.   وعن اسباب وقوع هذه الحادثة فان المعلومات الاولية التي كشفت عنها الابحاث تشير الى تظافر العوامل المناخية اذ شهدت المنطقة ليلتها هبوب رياح قوية مغ تراكم للفضلات والاوساخ بالجهة الخلفية للحائط مما قد يكون ساعد على انهيار جزء منه.   والاكيد ان نتائج الاختبارات والتحقيقات الكاملة لهذه الحادثة ستكشف عن كامل التفاصيل والملابسات.   كريمـــة   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 جوان 2006)


 

إقالة القنزوعي: زوبعة في فنجان أم نذير بركان

 
عماد الدائمي وسليم بن حميدان(*)   في النظام الدكتاتوري تكتسي أخبار الإقالة أو الإعفاء من المناصب العليا في جهاز الدولة أهمية خاصة إذ عادة ما تتميز هذه الأخبار بعنصرين هما : الفجائية والغموض.   خبر إقالة مدير الأمن الوطني « محمد علي القنزوعي » مثال يؤكد علميّا الطبيعة الدكتاتورية للنظام الرئاسوي الحاكم في تونس (والخطاب موجه للنخبة الحقوقية والدستورية الصامتة).   عنصرا الفجائية والغموض يفتحان الأبواب أمام توارد الخواطر والتأويلات حول خلفيات الحدث ودلالاته وانعكاساته على المستقبل السياسي لتركيبة النظام وللبلاد بشكل عام.   قراءتنا لهذا الحدث لا تدعي الموضوعية بل هي من جنس نضالنا الميداني، فكرا وشعورا، للإطاحة بالدكتاتورية وبناء دولة القانون والديمقراطية والحريات على أنقاضها إن شاء الله.   بدءا، نود الإشارة إلى ضرورة الانطلاق منهجيا من الحالة العامة التي يتربع فيها النظام الحاكم فاعلا رئيسيا وسيدا قاهرا.   تتميز الحالة العامة خلال الأشهر الأخيرة التي أعقبت قمة الاحتقان، المصطلح عليها بقمة المعلومات، بمظاهر ثلاثة يمكننا وصفها بالصحوات الجديدة:   الصحوة الأولى ذات عنوان سياسي وتتمثل في ارتقاء الأداء النضالي والحزبي إلى مستويات عليا من التنسيق الذي تجاوز العناوين الحقوقية التقليدية ليرتفع إلى المطلبية السياسية العصية. لقد كانت مبادرة 18 أكتوبر تتويجا لزخم نضالي تصاعدت وتيرته منذ استفتاء البيعة في أفريل 2004 وتأسيس ما يمكننا تسميته بالجمهورية الانقلابية الثالثة.   ورغم لومنا لنسق حركة 18 أكتوبر وعدم طرحها الجريء لمسألة رحيل الدكتاتورية واكتفائها بالمطلبية « الإصلاحية » فإننا نرى فيها إطارا ممكنا لصياغة عقد وطني جديد يقوم على المسؤولية والإجماع.   أما الصحوة الثانية فذات طبيعة اجتماعية حيث يتنامى الاحتجاج العمالي والطلابي على أرضية ملتهبة من التمايز الطبقي الصارخ والبطالة المتفشية والفساد والجريمة المنظمة. ورغم محاولات النظام المتكررة اختراق المنظمات العمالية والطلابية وكسر التضامنات الداخلية بين قياداتها القطاعية والجهوية فإنها لا زالت تشكل الروافد الرئيسية لتنظيم الرفض وتحويله عصيانا وتمردا بما ينذر بـ »خريف تونسي » أحمر.   الصحوة الثالثة ذات مضمون ديني وتتجلى في عودة مظاهر الالتزام القيمي والشعائري التي عمت كل الأوساط الشعبية بمختلف مستوياتها العمرية والمهنية. ورغم الاختلاف السوسيولوجي في تحليل طبيعة الظاهرة من حيث مدى بعدها أو قربها من الإسلام السياسي، شكلا ومضمونا، فإنها تبقى خزانا استراتيجيا مفتوحة للاستثمار الميداني في مواجهة التطرف العلماني للسلطة.   لقد أعطت حادثة تدنيس المصحف الشريف وتفاعلات قضية الحجاب مؤشرات قوية على عمق الظاهرة كما وجهت رسالة واضحة ومضمونة الوصول إلى أعلى هرم السلطة مفادها أن انتهاك المقدسات يفضي إلى اشتعال الغضب ويحرك في الجماهير نخوة المعتصم.   إن توقيت ارتكاب الجريمة ربما يفتح الباب واسعا أمام حركة غضب شعبي عارم يسنده دعم عربي وإسلامي كامل، في لحظة دولية تجعل من صاحب الفعلة الشنعاء إما صليبيا حاقدا أو صهيونيا متطرفا وما الصور الدانمركية وأحداث المعتقلات الأمريكية في العراق وغوانتنامو ببعيدة.   وقوف النظام التونسي على هذه الحقيقة تجعله يدرك بحكم غريزة البقاء، لا بالفطنة والذكاء، أنه يقع على أعتاب انفجار سياسي واجتماعي لا يبقي ولا يذر، لذلك سارع إلى سياسة كبش الفداء امتصاصا للغضب وتحويلا للأنظار بما قد يفهم أنه اعتذار مبطن يحفظ للطاغية ماء الوجه.   الرسالة الأخرى التي يريد رأس الشر في بلادنا توجيهها إلى الرأي العام هو أنه لا يزال سيدا على عرشه يعين من يشاء ويعزل من يشاء وهو القوي الشديد. رسالة تزداد أهميتها في ظل احتدام معركة الخلافة مع تأكد المرض وقرب النهاية وما يثيرانه من شهية لدى غربان القصر للظفر بكرسي الجثة قريبا.   أما الدرس المهم الذي نستخلصه من « زوبعة الفنجان » فهو هشاشة الدكتاتورية رغم مظاهر القوة والجبروت التي تدجّج بها واجهتها ترويعا للشعب ودفعا له عن الشأن العام ومعركة تقرير المصير. فقد أثبت النظام مرة أخرى أنه يرتجف من غضبة الشعب قبل أن تزمجر في الشوارع ويرتعد من وخز المعارضة قبل أن تجتمع على مطلب الرحيل.   وفي قراءتنا المتواضعة لمآلات الأوضاع فإننا نعتبر صهر الصحوات الثلاث، السياسية والاجتماعية والدينية، شرطا للتخلص من الدكتاتورية في بلادنا، وهو رهين أداء سياسي واضح ومصمم لا لبس فيه ولا تردد. لقد بدأت كل الصحوات تتجذر فهل إلى صحوة وطنية من سبيل ؟   (*) عضوان مؤسسان بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية   (المصدر: مجلة « الوسط التونسية » بتاريخ 9 جوان 2006)

الحجاب زي شرعي رغم أنف وزير الشؤون الدينية التونسي أبو بكر الأخزوري

بقلم : نبيل الرباعي   تونس تحارب الحجاب دون أن تحارب العري ، وقد صرح وزير الشؤون الدينية التونسي في العهد الجديد بأن الحجاب نشاز ومنذ سنة 1981 أعلن قرار الدولة بحضر ارتداء الطالبات الحجاب الإسلامي في مختلف المدارس والمعاهد والجامعات والإدارات العمومية وسمي هذا القانون بالمنشور 108 اللعين والذي صدر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة فإني في هذا المقال وبدافع من واجبي الديني نضع بين يدي القراء الكرام قضية الحجاب كما هو في الشرع الإسلامي.
ومن المسائل التي تثار اليوم في إطار الحرب على التوجه الإسلامي حيث يصف أعداء الإسلام التحجب نشاز وزي طائفي وتخلف والجدير بالملاحظة أن الهجمة الجديدة على الحجاب تأتي لمواجهة الصحوة الإسلامية التي عمت تونس وكان من نتائجها تصحيح بعض المفاهيم الإسلامية كمفهوم التحجب فعمت موجة الإلتزام بالزي الإسلامي بين الفتيات عن قناعة حقيقية نابعة من تجربة السنوات السابقة التي حاول فيها النظام القضاء على الحجاب.
ومما لا يفوت المسلم الفطن أن الطعن في جزئية من جزئيات الإسلام إنما المقصود به الطعن في الإسلام كله. ونحاول هنا أن نوجز بعض الردود التي تثبت شرعية الحجاب أو الزي الإسلامي بالإعتماد على الكتاب والسنة :
« وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم » آية 35 من سورة الأحزاب.
إن الحجاب الذي يتهجم عليه الانتهازيون المفلسون اليسار تحت غطاء السلطة. وحيث عمدوا بحكم مواقعهم إلى منع الفتيات والطالبات المتحجبات من دخول قاعات الامتحان آخر هذه السنة الدراسية وهذا الامتحان كما هو معلوم يحدد مصير سنة بأسرها.
الحجاب هو اللباس الشرعي الذي يجب أن ترتديه المرأة حتى لا يكون جمالها سلعة رخيصة تتداولها الأعين وحتى لا تثير غرائز الرجال وتحرك شهواتهم لأن ترك الحجاب في حد ذاته ضرب من التبرج وابداء المفاتن وقد أمر الله سبحانه وتعالى بستر جسم المرأة صونا لعفتها وشرفها حيث قال تعالى « يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما » وقال تعالى « قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أذكى لهم أن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن… »
ولقد جاء بيان السنة صريحا كذلك في تحديد ما يجوز للمرأة ابداؤه وهو الوجه والكفان.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم حينما دخلت عليه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في ثياب رقاق : »يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا » وأشار إلى وجهه وكفيه. وهذا الحديث واضح المعنى في وجوب ستر المرأة نفسها ما عدا وجهها وكفيها بثوب غير شفاف.
إن مشروعية الحجاب تنبع من المقاصد الكبرى التي يهدف الإسلام إلى تحقيقها والتي على أساسها وبها يقوم المجتمع الإسلامي ومن هذه المقاصد الحفاظ على النسل وسلامة كيان الأسرة التي هي أساس المجتمع ولا يتأتى ذلك إلا بصون الأعراض والأنساب ولقد شرع الله سبحانه وتعالى الحجاب لتنظيم العلاقة بين الرجال والنساء بعيدا عن كل ما يدعو إلى الفساد والإفساد وهذا ما لا يروق لأصحاب الشهوات : يقول الله تعالى :  » ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ».
وأخيرا أدعو السادة الأيمة إلى الإشارة إلى ما سلف بيانه في خطبهم إثر إمامتهم للناس يوم الجمعة والله لا تسألن يوم اللقاء عن هذا والله ولي التوفيق اللهم فأشهد قد بلغت.
حرر بتونس في : الاثنين  05جوان 2006   *  سجين إسلامي سابق الهاتف : 361.487 98 E-mail : rebai_nabil@yahoo.fr
 


تهمة تسييس الدين في تونس : حقنة صدئة في جسد يحتضر

 
د. سليم بن حميدان   « لا لتسييس الدين »، لافتة بالية يتحرك تحت أسمالها اليوم قطاع من صحافة الكدية في بلادنا بعد أن غاضتهم رقعة الاحتجاج تتسع لتغازل ضمائر الناس غيرة وذودا عن أقدس مقدساتهم. ركبوا كالعادة صهوة العلمانية المتطرفة (والعلمانية شُعَبُ ومدارس كما الإسلام السياسي) ليجعلوا من الالتقاء الوطني بين فرقاء الايديولوجيا والسياسة (العلمانيون والإسلاميون) ، دفاعا عن المصحف وحرية المعتقد واللباس، جريمة نكراء لا تغتفر.   تبدو النسخة التونسية الرسمية نموذجية في انحطاط الثقافة وتجويفها من كل القيم الأخلاقية النبيلة. يتأكد الأمر في كل مناسبة تحتدم فيها مظاهر التشابك السياسي بين السلطة وخصومها ممن ترفض في حقهم حتى صفة المعارضة السياسية. وقد جاءت الأحداث الأخيرة لتثبت الصورة السوداوية القاتمة على جدار خرب متهالك لم تترك فيه عصابات النهب والفساد رقعة نقية بيضاء.   جريمة قبيحة نكراء أبشع من تلك التي هزت العالم من معتقل غوانتنامو فتحرك لها الضمير الإنساني شرقا وغربا، منددا ومطالبا بالتحقيق وكف الأذى، تثير اليوم ويا للعجب حفيظة قطيع من غلمان السلطان فيطلقون العنان لأقلامهم الرخيصة تجريحا وتنكيلا وسبا مقذعا لمن سولت له نفسه ذكر اسم الله في العلن أو أداء الفريضة في معبد الحرية.   لقد غاب عن هؤلاء « الجهابذة الأفذاذ »، أحفاد الكاهنة دهية بنت نيقان، أن الدين كما الأسطورة والفن والأخلاق والآداب، هو جزء من مخيال الناس في مطلق الأحوال وأنه القوة الدافعة للتجدد الروحي والانبعاث السياسي في مساحة واسعة من هذا العالم ولو تم ذلك بأشكال مرضية أحيانا (جورج قرم، « الدين في القرن الحادي والعشرين »).   يشكل الدين إذن خزانا متدفقا من القيم التي تلعب دورا حيويا مهما في تحريك الضمائر وحشد الجماهير كما في تسكين الأوجاع وطمأنة المساكين. إنه وببساطة رأس مال رمزي وحضاري ثمين يجوز لا بل يجب استثماره في كل القضايا النبيلة تحصينا ونصرة وتمكينا.   المطالبة بتحييد الدين عن الفضاء العام هي نفي للعقلانية فيما هي حضور للتاريخ في العقل. ألا يشهد تاريخ أمتنا التليد على أن الدين كان صماما للأمان وصانعا للانتصارات والأمجاد أمام عتاة المغول والتتار وجحافل الفرنسيين والإسبان وأساطيل الصهاينة والأمريكان ؟ ألا يشهد تاريخ العالم المعاصر، من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا الجنوبية، على الدور الرائد الذي لعبه قساوسة « لاهوت التحرر »، من أمثال البرازيلي دوم هلدر كامارا، للتخلص من الاستبداد بوجهيه الديني والسياسي.   إن مطلب تحييد الدين ليس وفيا حتى للعلمانية في نسختها الفرنسية اليعقوبية المتطرفة لأنها لم تكن تعني في جوهرها إذاك طلاقا بائنا بين الدين والسياسة وإنما فصلا مؤسسيا بين المؤسسة الدينية، أي الكنيسة كمجال لتقديس النسبي، والدولة فيما هي فضاء العقلنة والبراغماتية. وما وجود مؤسسة عمالية عريقة هي الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل CFDT، التي تعود في جذورها إلى تجمع الهيئات العمالية الكاثوليكية سنة 1919، إلا دليل على عقلانية أكثر النماذج العلمانية الأوروبية تطرفا وانفتاحها اجتماعيا (لا تشريعيا) على الدين ما دام يخدم الصالح العام.   المطالبة بتحييد الدين هي أيضا هرطقة معادية للتنمية والتحديث فيما هي استثمار أقصى لكل محفزات الإنتاج وصناعة الثروة العامة. وهل أفضل من الدين محفزا للعمل والإتقان والتقشف والبذل من أجل الصالح العام ؟   المطالبة بتحييد الدين هي، أخيرا وليس آخرا، خدعة نخبوية معادية للجماهير. فنخبتنا، أو بالأحرى شريحة حمقاء منها رفعت، في بواكير الاستقلال وظهور الدولة الوطنية، شعار العلمانية، في مفهومها المتطرف، بدل الديمقراطية لأن فصل الدين عن الدولة، في واقعنا العربي والإسلامي، يعني واقعا فصل الأغلبية « المتدينة » عن الدولة، في الوقت الذي تعني فيه الديمقراطية حكم هذه الأغلبية (يراجع في هذا الصدد برهان غليون: « نقد السياسة : الدولة والدين »)   لذلك ليس عبثا أن نجد الحركات الإسلامية المعتدلة من أكثر المطالبين اليوم بإرساء الديمقراطية في مفهومها التقليدي (حكم الأغلبية), مثلها كمثل الحركات العلمانية الديموقراطية, وأن نجد التيارات العلمانية المتطرفة من المناوئين لها كمثيلاتها في الجانب الإسلامي.   وأوروبا التي هي لدى نخبنا مهد الأنوار وخزان العلوم والأسرار، حاولت جاهدة تاريخياإعادة المقدس وإشراك الدين في الحياة العامة عبر أحزاب الديمقراطية المسيحية وقبل ذلك عن طريق إبراز حركة الإصلاح الديني البروتستانتي كمحرك للرأسمالية والنهضة الحديثة مع ماكس فيبر.   وعودا على بدء أقول بأن ثعابين الصحافة التونسية المسمومة والماكرة، ممن لن ينالهم شرف ذكري لأسمائهم، هم أشباه سدنة الهيكل المزعوم أو بالأحرى شذّاذ الآفاق حول حائط المبكى يسبحون بحمد رازقهم (بن علي) ويتقربون إليه زلفى بالنوافل و »النوافق » (صيغة جمع من نفاق حرّفت تجاوزا للضرورة البلاغية)   لقد أرادوا بأطروحاتهم العنكبوتية الواهنة دق حقنة في جسد نظام يتآكل ويحتضر للإيهام بصلابته كما هدفوا إلى دق إسفين في مسيرة الإجماع الوطني الجديد حول رفض الدكتاتورية لذلك تراهم يخبطون ذات اليمين، عبر اتهام الإسلاميين المعتدلين بالأصولية والإرهاب، وذات الشمال ،عبر اتهام العلمانيين الديمقراطيين بالتواطئ، تماما كما هو القصف العشوائي دليل ذعر وقلق من المقاومين النّشامى.   توظيف الدين هو اليوم إذن، وبغض النظر عن الموقف منه في قضايا الحكم والتشريع، حاجة وفريضة وطنية لا يجب أن تغيب، فمعركتنا ضد الظلم والقهر والفساد والنفاق تتطلب استعمال كل الأسلحة التاريخية والثقافية التي هي بحوزتنا، وظلم بل خيانة في حق شعبنا ووطننا إن نحن لم نستعملها.   أما الخوف من تهمة الأصولية أو الولاء لها فنظير الخوف من البورنوغرافيا الأمنية، سلاحان غبيان ليس للدكتاتورية المتهاوية غيرهما.   المطلوب اليوم إذن هو توثيق العمل والتنسيق بين كل مكونات « الكتلة التاريخية » وتفعيل الاستثمار السياسي على كل جبهات الصمود الشعبي بما في ذلك جبهة التحفيز الديني حتى تشتعل نيران الغضب من تحت أركان الدكتاتورية مؤذنة بغد ديمقراطي جميل. وقتها يمكن للأطروحات الإسلامية والعلمانية أن تختلف وتتنافس أما إثارتها اليوم فمحرّم وطني لا يرتكبه إلا الحمقى من ثعابين الصحافة.   الخميس 8 جوان 2006.

 

قصة الثورة الفرنسية: إرهاصات الثورة.. سقوط إرهاب الدولة

الناس لم يروا في الثورة الفرنسية سوى لوحة الرخام المصقولة على قبرها

عبدالباقي خليفة*  » الثورة الفرنسية كانت ثورة  » كان هذا تحليل يساري معروف للثورة الفرنسية في إحدى المنتديات الاعلامية الفضائية ، و يبدو أنه خال الذهن تماما من أي معلومات مؤسسة عن الثورة الفرنسية التي لا يعلم الناس إلا الجانب اللامع فيها ، أو بتعبير آخر لم يروا فيها سوى لوحة الرخام المصقولة على قبرها . أما  ما قاله آخر في لقاء تلفزيوني أيضا فثير الشفقة  و يستدعي الصبر و السلوان . وليدة الاختناقات  : لقد جاءت  الثورة الفرنسية وليدة لسجل الحروب المتصلة التي عرفتها أوربا منذ القرن الثاني الميلادي فصاعدا ، و من أكبرها حروب فرنسا ضد النمسا منذ سنة 1500 . فقد كانت الدول الاوروبية يواجه بعضها بعضا  مواجهة الخصوم المدججين بالسلاح ، و لا تأمن الواحدة منها الاخرى ، و لا تعترف أي واحدة منها بأي قاعدة للسلوك سوى مصلحتها الخاصة ، و قد تحولت تلك السياسة التي كانت سائدة بين تلك الدول في أحقاب الديكتاتورية بأوربا ، إلى سياسة خارجية موجهة لنا نحن العرب و المسلمين و العالم ثالثيين اليوم . و كانت أوربا الديكتاتورية في ذلك الوقت تقيم التحالفات لتحقيق مصالح ظرفية فيما اصطلحت عليه فيما بعد باسم التوازن الدولي  Balance of Power   و قد كان ذلك سببا من أسباب حدوث الحروب ، و أحيانا الاستقرار . و كانت الدول الاضعف على غير دول بني يعرب  في مواجهتهم للتحديات الخارجية ، تتحالف في وجه الدولة التي تعقد لنفسها لواء الزعامة في أوربا ، أو تطلب هذه الزعامة . و من بين تلك الدول فرنسا زعيمة الفرنكفونية المتحالفة مع ديكتاتوريات القرون الوسطى الافريقية اليوم . فقد شهد القرن السابع عشر ( الاوروبي ) وصولها إلى مكان الصدارة ، فاتحدت أوربا ضدها إلى أن اندحرت في القرن الثامن عشر ( الاوروبي ) و هو القرن الذي تكتلت فيه دول أوروبية مع فرنسا ذاتها لكسر شوكة البحرية البريطانية  ، و الذي قاد إلى استقلال الولايات المتحدة الامريكية . لكن بريطانيا شهدت فيما بعد ثورة صناعية و حملة نهب لما بقي في أيديها من مستعمرات ، ساعد على استقرارها داخليا متكئة على نظامها الديمقراطي ( الداخلي ) و برلمانها القوي و صحافتها الحرة ، و هذا ما يفسر صمودها في الوقت الذي أطاحت فيه عواصف الثورات جميع حكومات أوربا تقريبا . أما فرنسا فقد فقدت مكانتها العسكرية عندما الحق بها تحالف بريطانيا  / بروسيا  هزيمة منكرة في حرب السنوات السبع ،( حروبنا 6 أيام فقط ) في عهد الملك لويس الخامس عشر الذي كان غارقا في مباذله و فحشه فحاقت هزائم كبرى  بفرنسا بسببها . وخلفه لويس السادس عشر 1774 . ورغم أن الحظ حالف فرنسا في الحرب الاهلية الامريكية إلا أن حزينة الدولة كانت خاوية بشكل خطير ، وزادت المعارضة التي فتت في عضد نظامها الذي لم يكن يعترف بأي سلطة للأمة أو حتى مشاركة في اتخاذ القرار ، كما هو حال أوطاننا اليوم . و بناء على ذلك كثر اللصوص من موظفي الدولة الكبار ، و الوزراء و المدراء و من يقع تعيينهم بواسطة الملك أو زوجته وحاشيتها . وعندما حلت عشية الثورة كان النظام قد فقد معظم أنصاره تقريبا . كان هنالك تطلع شعبي لشئ جديد غير المألوف و الممل « الحكومة الرشيدة  » و  » السمعة الطيبة في المحافل الدولية  » و  » المعجزة  » و كان المنافقون المستفيدون من النظام يفعلون ذلك من أجل الثراء غير المشروع أو البقاء في الوظائف و الحصول على الامتيازات المادية و المعنوية ، ولأنهم كانوا قلة مقارنة مع الملايين المحرومة فقد سقطوا  جميعا بعد حين من الدهر . النظام الاجتماعي قبل الثورة : النظام الاجتماعي قبل الثورة الفرنسية كان قائما على طبقتين ، تمثل الاولى العوام أوالشعب أو ( رجل الشارع ) المحقر في التعبير السلطوي الاستبدادي ، و الطبقة الثانية  هي طبقة النبلاء و ذوي الصلة بالبلاط و الكنيسة الغارقة في الفساد المزينة للحاكم كل تصرفاته المشينة بحق المواطن و الوطن . كما هو الحال الآن في تونس . وكانت الطبقة الثانية تنعم بامتيازات هائلة . كانت معفاة من الضرائب التي يدفعها ، وجل الشارع ،أو رجل الشارع لا فرق ، و كانت الرتب العليا في الجيش مقصورة عليهم ، و منهم كان يتألف بلاط فرساي بكل ما عرف عنه من رونق و أبهة . و كان عبء الضرائب الاكبر يقع على كاهل سكان القرى و الفلاحين والعمال والموظفين الصغار ، كما يتم اليوم تمويل صندوق 21/ 21 . وكان الحكام يعيشون عيشة ملوك ألف ليلة و ليلة ، كانت بالفعل أساطير حقيقية ، لم نرى مثيلا إلا في تونس اليوم ،و لذلك كان وقود الثورة من الفقراء المعدمين ، كما سيأتي . الوضع الثقافي قبل الثورة : كانت فرنسا تحتل المكانة الاولى في عالم الفكر ، وكان المفكرون الفرنسيون قادة لحركة ثقافية عم صداها مختلف أنحاء أوربا بل الولايات المتحدة الامركية ، وظهر مفكرون من أمثال  بوك ولينتز . ويعد هيوم و جبهبوني وروبنسون في انجلترا و ليسينج و كنت وشيلر في ألمانيا و بنيامين فرانكلين في أمريكا جزءا لا يتجزأ من حركة تهدف للتغيير ، إضافة لكل من مونتيسيكيو ، و روسو  . أما فولتير الذي يعشقه محمد الشرفي لوجود شبه بينهما ، فقد كان يتملق البابا بإظهار عداوته للاسلام . ففولتير ليس من الكتاب و المثقفين الذين كانوا يعادون الوضع القائم بكل تفاصيله بل بانتقائية وانتهازية واضحة كما يفعل بعض فلول اليسار التونسي والليبراليين المشوهين . ففولتير كما يقومه مفكرون غربيون سطحي التفكير ، و لم يضف أي جديد هام إلى أي من جوانب الفكر الاوروبي ، و لكنه روج لافكار كانت معروفة في أوربا من قبل . و من أعجب العجب أن يتملق فولتير البابا بسب الاسلام ، ثم يوجه سهامه للكنيسة متملقا قادة الثورة  ، كما يفعل من غيروا جلودهم وأصبحوا حمالين في سوق الرأسمالية وافرازات الامبريالية بعد أن كانوا من المعادين لها ،ومن طلائع البروليتاريا والحزب الثوري والمبشرين بالفردوس الشيوعي . ونسو  » الحتمية التاريخية و استنباطات الديالتيك و الصراع الطبقي ،وسيادة العالم من منطلق حركي « . فإذا بهم تحولوا من حتمية التاريخ  الماركسية إلى نهاية التاريخ الفوكايامية ، و من مناضلين في الصراع الطبقي مع البروليتاريا إلى قوادين  في الصراع الحضاري  مع هنغتنغتون و اليمين الصهيوني في أمريكا ، و الديغولية الجديدة المعادية للاسلام في فرنسا .
وعودة لفولتير فقد كان يمتدح فردريك الاكبر ، و لم يكن نصيرا للتحرر أو الديمقراطية بل كان يعتبر ملكية فردريك الاكبر المستبدة  » مخلصة خييرة  تمثل شكل الحكومة الذي ينبغي أن يحتذى به  » و هذا ما يقوله الشرفي عندما يبرر ما يسميه  » اجراءات قاسية  ضرورية  » لتبرير القمع الذي مارسه إبان توليه الوزارة في تونس ، و هو يقتات اليوم من القوادة الفكرية  في باريس .
أما مونتسكيو  فقد كان باحثا متعمقا في المسائل الدستورية و محافظا بطبعه . و كتابه  » روح القوانين  » إنما هو بحث عام في أشكال الحكومة . وقد صار كتابه المعين الذي يتزود منه بالافكار ، أولئك الذين انصرفوا إلى مهمة البناء السياسي لدولهم ، و قد تأثر به دستور الولايات المتحدة ، إلا أن الكتاب متأثر بدوره بالدستور الانجليزي ـ كما اعترف هو بذلك ـ فمونتسكيو  يشيد بالحكومة المقيدة التي تخضع في تصرفاتها لمجموعة من الضوابط والمراجع . و يشيد بنظام فصل السلطات ، أي استقلال فروع الدولة الثلاثة ، التشريعية  و القضائية  و التنفيذية عن بعضها البعض .
أما روسو فهو من بين كتاب عصره الذين أثاروا أشد المشاعر تباينا من حب وبغض ، ولم تتفق الآراء بشأنه حتى اليوم . وهو يمثل في رأيي من عدة أوجه إحدى القوى الكبرى في التيار الرئيسي لعصره . لقد كان شديد الميل للدين ، و لكنه لم يكن كاثوليكيا و لا نصرانيا ، و معتقده الحقيقي لا يزال لغزا ، حتى أن البعض يعتقد أنه اعتنق الاسلام . فقد كان يحس بشرور عصره وآلام المستضعفين ، و كتابه  » العقد الاجتماعي  » الذي نشر في سنة 1762  يلخص آراءه  في الحكم  » ولد الانسان حرا  فما باله مكبلا بالاغلال في كل مكان  » و هي ترجمة بتصرف لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه  » متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم أحرارا  » . و يبدو أن روسو قد تأثر بالاسلام في كثير من مواقفه . إن روسو  يؤكد أن الدولة مدينة بوجودها للشعب و أن من حقه أن يغيرها ، ويبدل أشكالها أو يعدل فيها .و يؤكد روسو على ضرورة  الدين ، و معاقبة الخارجين عليه بالاعدام إذا اقتضى الأمر .
و إلى جانب هؤلاء كانت هناك مجموعة أخرى من أبرز شخصياتها ميرابو  » أبو السياسة  » كما يسميه الفرنسيون ، وساي وكويزناي صاحب كتاب  » الجدول الاقتصادي  »   Economique  Tableau  الذي وصف في حينه بأنه الدواء الناجع لمتاعب فرنسا . و لا يمكننا أن نذكر ملخصا لكل كتابات المفكرين الثلاثة  لضيق المساحة  و لكن يمكن تلخيصها في الجمل التالية  » استخدام  العمال في الارض هو مصدر كل ثروة  »  » العمال أكثر الطبقات إنتاجا  بل ربما الطبقة المنتجة الوحيدة  »  » تدخل الحكومة يجب أن يقل إلى أدنى حد  » و  » الاصلاح الأساسي و الحقيقي يتمثل في إطلاق الحرية الكاملة للتجارة و إنشاء نظام عام للتعليم و جميع الضرائب يجب أن تلغى و تتركز في ضريبة واحدة هي ضريبة الأرض  » .
و لا ندري إن كان ميرابو قد قرأ كتاب البيوع لابي يوسف الذي نجد الكثير من الاستنباطات قريبة منه. و يرى ميرابو أن المبادئ المذكورة كفيلة باصلاح مافسد . و قد بذل تيرغو و الذي كان تلميذا  نجيبا من تلامذة المدرسة الاخيرة جهودا  ضخمة  لتطبيق تعاليم كويز ناي  عندما كان مفتشا في الاقاليم  ثم كوزير للمالية ، و قد كان للمدرسة الاخيرة أثر ملموس في مجرى الثورة الفرنسية . و لما حانت ساعة التغيير بلورت الثورة أهدافها في الشعار الثلاثي الحرية و المساواة و الاخاء . و بقطع النظر عما يقوله البعض عن الثورة الفرنسية  فإن الفرنسيين كانوا يقصدون بالشعار المرفوع بأن الحرية  تأمين الفرد من تغول الدولة الاستبدادية ، و بالمساواة  ، المساواة  في الحقوق أمام القانون ، و إلغاء الامتيازات الخاصة ، أما الاخاء  فقد كان  الاخاء بين أفراد المجتمع و قد عقدت عدة اجتماعات حماسية عشية 1789 تآخى فيها النبلاء و الفلاحون . الوضع السياسي : لم يكن الصيت الذي كان يتمتع به كتاب فرنسا في أوربا و الولايات المتحدة في ذلك الحين أي تأثير على الوضع السياسي الرسمي في فرنسا فقد خلف لويس الرابع عشر ، لويس الخامس عشر ، و خلف الاخير  لويس السادس العشر ، و كانت تلك السلسلة من الخلاعة و المجون و بالتالي الهزائم ، كما يحدث في تونس اليوم سمة عصرهم ،فقد كان لويس السادس عشر متزوج من نمساوية و كان أصلها وبالا عليها و على زوجها و جلب عليه وعليها كراهية البلاد بأكملها لا سيما بعد أن اشتبكت فرنسا من جديد مع النمسا . و كان الاهالي يزدرونها و خاصة عند الثورة  فيطلقون عليها  لفظ  » المرأة النمساوية  » فقد كانت تؤدي أدوارا خطيرة كنساء زعمائنا تماما ولا سيما في التحريض على المعارضة والتشبث برفاهية القصر . و لم يغير لويس السادس عشر في النظام الاقتصادي ، و أبقى على نظام الامتيازات الذي يعفي النبلاء و الكنيسة من الضرائب و كذلك حاشية الملك . الامر الذي ارهق الاقتصاد الفرنسي و أصابه بالركود  . و يسجل المؤرخون أن العجز المالي للدولة هو الذي فتح باب الثورة . إضافة للتكاليف الباهضة لحروب القرن الثامن عشر , و كانت الحاجة الرئيسية تكمن في موازنة الدخل بالمصروفات ، ولكن ذلك كان أمر صعب المنال لانه كان يجب تغيير نظم الحكم الفرنسية  تغييرا كاملا . لقد أكد ذلك جهود المخلصين من أمثال تيرجو  الذي كان يرغب في اصلاح الشؤون العامة للدولة و اصلاح نظام الضرائب  و إشراك المستثنين فيها  و توفير حرية التجارة في الداخل و الخارج  و تطبيق أفكار العدالة و الانسانية ، و لكن ككل مصلح في كل نظام فاسد  تآمر عليه المنتفعون من عصابة البلاط ومنهم ماري انطوانيت النمساوية زوجة الملك ، فأعفاه  الملك من منصبه و تولى مكانه نيكر الفرنسي البروتستانتي والذي طرد من منصبه علم 1781 على إثر نشر بيان عن الوضع الاقتصادي في فرنسا ، ثم أعيد لنفس المنصب عندما بدأت ارهاصات الثورة وبقي في ذلك المنصب حتى 1790 . و قد أكدت الاحداث أن الامر لا يحتاج للاشخاص بقدر حاجته للبرامج و الاصلاحات  مع التأكيد على دور الاشخاص في التنفيذ و الاخلاص في العمل . فقد كانت الحكومة تخفي على الشعب حقيقة الاوضاع فيما لم يبد النبلاء و الكنيسة الغنية وكبار موظفي الدولة أي استعداد للتبرع لخزينة الدولة . ولم تنفع القسمة السياسية مثل مجلس طبقات الامة و التي تمثل الكنيسة و النبلاء و العامة و الذين يجتمعون في قاعات متفرقة  و دور العامة يتمثل فقط في تقديم الشكاوي و ليس لهم حق الاعتراض أو سن القوانين أو البت في أي أمر . اندلاع الثورة : في أول يوليو 1789 بدأ  العد التنازلي للملكية في فرنسا ورفض العامة التعاون مع الحكومة بأي شكل من الاشكال حتى تقبل اجتماع مجلس طبقات الامة في قاعة واحدة والتصويت بنظام الصوت الواحد و استمرت المقاومة 10 ايام و انقطع نظام دفع الضرائب و اتجهت فرنسا نحو الحرب الاهلية . و في 14 يونيو أعلن عن تشكيل  » الجمعية الوطنية  » بديلا عن مجلس طبقات الامة و خطى الثوار خطوتهم الاولى و قد وافقت الحكومة في 17 يونيو على المسمى الجديد بأغلبيية 491 صوتا مقابل 90 صوتا فقط  . و في 20 يونيو أعلن ممثلو العامة ( الشعب ) دستورا جديدا لفرنسا . و بدأت في فرنسا حملات نهب لاملاك النبلاء و تحرك الملك و اصدر أوامره للقوات المسلحة لتسيطر على الوضع و لكن الجيش و الجندرمة أو الكثير منهما كانوا من ابناء الشعب فانحازوا إلى المستضعفين دون حاجة لقراءة ديكارت أو غيره من الفلاسفة الذين كانت لهم سقطات فضيعة إلى جانب ما قاموا به من أعمال رائعة . و قد ساهم أولئك الجنود في إسقاط الباستيل ووضع الملك امام الامر الواقع وسطع نجم ممثلي الشعب ( العامة ) وظهرت الصحافة الحرة بعد ذلك وليس قبله والجمعيات الثقافية والسياسية والاندية المختلفة خاصة ذات الطابع الثوري كنادي الكردليين ونادي اليعاقبة الذي أصبح فيما بعد إحدى القوى الكبرى التي طبعت الثورة بطابعها الذي عرفت به ، و قد مارس اليعاقبة  ديكتاتورية واضحة في الجمعية التاسيسية استعملت فيها القوة أو هددت بها في معظم الاحيان . وفي 5 أكتوبر 1789  احتشدت مجموعات من الناس أمام دار البلدية في باريس مطالبين بادئ الامر بالخبز ، و في منتصف الليل دخلو إلى القصر وكادوا يقتلون الملك و الملكة . و في 6 أكتوبر غادر الملك فرساي إلى قصر التويلدي و أصبحت باريس عاصمة للثورة ، و هرب النبلاء و يا لهم من نبلاء إلى بريطانيا و في أول أغسطس وضعت الثورة وثيقة حقوق الانسان و التي منها  » يولد الناس احرارا و متساوين في الحقوق  » و  » هدف كل تشكيل سياسي هو المحافظة على حقوق الانسان و هي حق الحرية و الملكية و الامن و مقاومة الظلم  » و  » الامة مصدر التنمية الكاملة و لا يجوز لاي جماعة أو فرد ممارسة السلطة ما لم تكن مستمدة من الامة  » و  » الحرية تتمثب في السماح للفرد بأن يفعل ما لا يضر الآخرين  » . الثورة تأكل نفسها : في 21 سبتمبر 1792 ألغيت الملكية في فرنسا و في 11 ديسمبر اتهم الملك بالتآمر ضد الامة  وفي 21 يناير 1793 أعدم الملك . سيق الآلاف من الناس إلى المقصلة بتهمة معاداة الثورة . و تم تكوين  » الأمن العام  » و تولى دانتون من اليعاقبة  الذي يعد أشدهم تطرفا و سفكا للدماء . و  انقسم اليسار الراديكالي إلى قسمين  » الجيروند  » و هو اسم أحد الاقاليم الفرنسية و تعد الجمهورية مثلهم الاعلى  ، و يحضون بتأييد الريف الفرنسي و من زعمائهم بريسو و بيزو و فرنيو ورولان . و الشق الآخر هم اليعاقبة الاقوى في باريس و زعماؤهم  روسبير  و مارا و دانتون . و دخل الطرفان اليساريان في صراع  دموي و تبادل الطرفان الاتهامات . و في 2 يونيو 1793  بدأت  حملة لملاحقة الجيروند و أرسلو  للسجن و منه إلى المقصلة . وقد وصف عهد اليعاقبة بعهد الارهاب  الذي بدا في الواقع في أغسطس 1792 و الذي بلغ ذروته مع نكبة الجيروند وسقوطهم على يد رفاقهم. و من دواعي السخرية أن اليعاقبة ظلوا رغم قيام حكمهم على محكمة الثورة و المقصلة يمارسون السلطة طوال الوقت باسم الشعب !!! . لكن دانتون الذي لعب دورا كبيرا في الثورة وممارسة الارهاب باسم الشعب و الدولة سقط في 10 يوليو 1793 ليخلفه روسبير . و ليس أنصار الملكية و أعداء فرنسا من تم اعدامهم بل أعدم علماء في كافة التخصصات لان قادة الثورة شكوا في ولائهم أو توانوا في أداء مهامهم مثل عالم الفلك باتي , و عوقبت مدنا فرنسية مثل ليون  طولون عقوبات جماعية لاظهارها التململ من الثوار الديكتاتوريين . و كعادة المغرورين أعلن روسبير أن فرنسا تسبق الدول الاوروبية بألف عام و بالتالي لا بد من جعل تاريخ فرنسا يبدأ من موعد الثورة و أعاد ترتيب الشهور و اسماءها و ايام الاسبوع من 7 ايام إلى 10 و ظل الامر كذلك حتى مجئ نابليون سنة 1804 . ثم جاءت فكرة اتخاذ ديانة جديدة سموها عبادة العقل و أغروا القساوسة على ترك الكاثوليكية و قطعوا علاقة فرنسا بالفاتيكان و في 24 نوفمبر 1793 أغلقت جميع الكنائس في باريس و حولت 2400 كنيسة إلى عبادة العقل المبهمة . و انقسم اليعاقبة بدورهم إلى ثلاثة مجموعات لكل منها أنصارها ، وراحت تحارب بعضها بعضا و انتهى بها المطاف إلى أن ترسل كل منهما بالاخرى إلى المقصلة ، و هذه سنة الثورات و الانظمة التي لا تحترم الآليات الديمقراطية و احترام الراي الآخر ، و العمل على الانتصار لارائهم على جثث الآخرين  و يرجع ذلك إلى الخوف فكان كل فريق ينظر إلى خصمه السياسي سافكا لدمه إن هو وصل للسلطة كما نرى اليوم الخوف من الاسلاميين  . و هذا روسبير قد أحس أنه مهدد طالما ظل دانتون و كميل و ديمولان  و غيرهم على قيد الحياة  و في 5 أبريل نفذ فيهم حكم الاعدام الذي كان سريعا . بيد أن عهد الارهاب لم يكن لينتهي لانه كان مرتكزا على الخوف  خوف كل زعيم سياسي من خصومه و من الهلاك الذي ينتظره إن هو خسر المعركة و لذلك بدل من أن ينتهي ارهاب الدولة الرفاقية صار أحمى  وطيسا . و سقط ما بين 10 يونيو و 27 يوليو 1376 ضحية . و في 27 يوليو سقط روسبير و حمل بعدها إلى السجن لكنه تمكن من الخروج في اليوم التالي و بدأت حرب فعليه بين أنصاره و خصومه . و في 12 نوفمبر 1794 أغلق نادي اليعاقبة و بدأت أحكام الاعدام تتضاءل و عاد 75 من أعضاء الجيروند من السجون إلى مقاعدهم بالمؤتمر . في حين كانت فرنسا تقاسي الفقر و اضطراب أوضاعها التجارية . و قد مهدت تلك الصراعات و ذلك الارهاب لصعود نابليون بونابرت عرش فرنسا ، و كانت تلك قصة الثورة الفرنسية. (*) صحافي تونسي يعيش بالخارج. وهو مراسل وكاتب في جريدة « الشرق الأوسط » اللندنية ومجلتي « المجتمع » و « الفرقان » الكويتيتان وبعض المجلات الخليجية.

 


 

ذعر في أوساط قيادات الشرطة بسبب قوائم سوداء تعدها كفاية باسماء الضباط المتهمين بالتعذيب

 
القاهرة ـ القدس العربي   علمت القدس العربي ان رموزا من حركة كفاية انتهوا في ساعة متأخرة من صباح الثلاثاء من اعداد القائمة السوداء، التي تضم أسماء من شاركوا في تعذيب المتظاهرين منذ نشأة كفاية قبل عام وحتي الأسبوع الماضي.   كما علمت من أحد مصادر كفاية أن مسؤولين أمنيين اتصلوا بقيادات في كفاية ليستفسروا عن اسمائهم وهل هي موجودة ضمن من يواجهون تهمة ممارسة القمع والتعذيب ومن تصفهم الحركة ارتكاب جرائم حرب أم لا. ويتوجس هؤلاء حسب مصادر من كفاية بسبب قرب اعلان القوائم امام الرأي العام المحلي والعالمي.   وفي تصريحات خاصة لـ القدس العربي اكد عبدالحليم قنديل الناطق الاعلامي لـ كفاية بأن الفترة القادمة سوف تشهد إبلاغ الجهات الدولية بأسماء جميع من شاركوا في تعذيب الفتيات والشباب والشيوخ علي حد سواء واصفا ما تقوم به بعض الجهات الأمنية بأنه عار في جبين النظام.   وندد قنديل بالتواطؤ بين جهات التحقيق والجهات الأمنية حيث لم يسمح بعرض المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب علي الطب الشرعي واستمر الرفض لمدة اسبوعين حتي يتماثل المصابون للشفاء وذلك كي تتم حماية زبانية التعذيب.   وشدد بهاء الدين شعبان أحد رموز كفاية علي ان اللجوء للجهات الدولية يعد تحولا جذريا في اسلوب كفاية وأرجع السبب لرفض الاجهزة الامنية التعامل بأسلوب حضاري مع المتظاهرين وقمعهم فضلا عن التعذيب الذي يمارس بمنهجية داخل الأماكن التي يتم حجز المعارضين بها.   وعبر شعبان عن اعتقاده بأن اللجوء للجهات الدولية سوف يؤدي للضغط علي النظام الذي يصفه بأنه يخاف ولا يختشيش ونفي أن يكون ما تقوم به كفاية نوعا من الاستقواء بالأجنبي مؤكدا ان الجهات التي سيتم ارسال القوائم السوداء اليها والأدلة الموثقة علي التعذيب الذي طال النشطاء هي جهات غير حكومية وان كان لها من الثقل ووسائل الضغط ما يحض العالم علي اجبار الحكومة المصرية للتوقف عن ممارساتها الوحشية وأساليبها من مخلفات العصور الوسطي.   وذكر شعبان في تصريحاته لـ القدس العربي بأن علي رأس الجهات التي ستصلها القوائم والأدلة المحكمة الدولية في لاهاي ومحكمة جرائم الحرب في بلجيكا فضلا عن عدة جهات عاملة في مجال حقوق الانسان بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.   وأيد شعبان المعلومات التي يتم تناقلها علي نطاق ضيق في أوساط كفاية وغيرها من الجماعات الداعية للتغيير بشأن وجود ذعر في أوساط الاجهزة الأمنية خشية ردود أفعال القوائم السوداء عند عرضها علي الجهات الدولية.   وقال في هذا الشأن من حقهم ان يتوتروا وأن ينفعلوا ذلك لأن ما ارتكبوه ليس هينا لافتا الي ان ما جري لعبير العسكري ومحمد الشرقاوي وكريم الشاعر لن يمر بسهولة بل سيتم فضح جميع من شاركوا في تعذيب هؤلاء وغيرهم في كل منتدي بالداخل والخارج.   علي صعيد آخر علمت القدس العربي انه سيتم عقد مؤتمرين بنقابتي الصحافيين والمحامين نهاية الاسبوع الحالي. وقد قررت لجنة الحريات عقد المؤتمرين في كلا النقابتين وذلك من أجل فضح ما يجري من تعذيب داخل اماكن تابعة للأجهزة الأمنية.   ويشارك في المؤتمرين مجموعة من اعضاء مجلس الشعب المصري لجماعة الاخوان المسلمين والمستقلين فضلا عن بعض نواب المعارضة.   وفي تصريحات خاصة أكد جمال تاج الدين عضو مجلس نقابة المحامين لـ القدس العربي بأن كل الدلائل والمؤشرات توحي بأن صدامات مروعة سوف يشهدها الشارع خلال المرحلة القادمة وذلك لأن النظام ليس أمامه بديل للحفاظ علي موقعه إلا بمزيد من الدموية وإزهاق الأرواح.   وقال تاج الدين المقرر ان يقف امام محكمة الجنايات في غضون الأسابيع القادمة بتهمة الاساءة لأعضاء من الهيئة القضائية ضمن مجموعة من الصحافيين انه لا بديل امام الحركات الداعية للتغيير سوي التواصل مع الجهات الخاصة بالدفاع عن حقوق الانسان.   (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 8 جوان 2006)

 


 

«الحياة» تحاور الفكر العربي: أين نحن في العالم؟ متى ينتهي الانحدار؟ أي دور للمثقف؟ … الهيثم الأيوبي، المقدم الهيثم الأيوبي، الضابط الكبير السابق في الجيش السوري:

** الخطر الكبير إسرائيل وسياسات أميركا فلنتفادَ أي صدام مع الإسلاميين ** يخطئ المثقفون إذا رأوا وطأة العدو الأجنبي أخف من الفكر الأصولي المقاوم

ابراهيم العريس     مع وصول حرب الخليج الثانية، أي هجوم قوات التحالف بقيادة الأميركيين على العراق لاسقاط نظام صدام حسين، الى ذروتها، امتلأت شاشات الفضائيات العربية بمن راحوا يسمون «خبراء استراتيجيين»، ما طرح السؤال: إذا كان لدينا جميع هؤلاء الخبراء لماذا نُهزم في الحروب دائماً؟ أجاب مراقب بمرارة: ربما نُهزم تحديداً لأن لدينا كل هذا العدد منهم. قد تبدو هذه طرفة، لكن الواقع يعززها ولا يزال هو هو، ويكاد الفكر الاستراتيجي العسكري الحقيقي ان يكون الغائب الأكبر عن حياتنا الفكرية العربية. المقدم الهيثم الأيوبي، الضابط الكبير السابق في الجيش السوري، المقيم منذ ربع قرن تقريباً في فرنسا، يُعتبر، من دون إطلالات تلفزيونية، خبيراً استراتيجياً بالفعل، جمع دائماً بين الفكر السياسي والفكر العسكري، وكان واحداً من قلة من ضباط عرب، أدركت باكراً أن السياسة والعمل العسكري لا ينفصلان. من هنا نراه يضع الكتب العسكرية وينقل الى العربية بعض أبرز ما صدر في العالم منها، ناهيك بإشرافه، كرئيس تحرير، على أهم موسوعة عسكرية صدرت بالعربية، خلال السبعينات، يوم كان مقيماً في لبنان بعد تركه العمل العسكري المباشر في سورية لأسباب سياسية. منذ ذلك الحين يُعتبر الأيوبي، الذي كان من مؤسسي التيار القومي العربي وقادته، واحداً من المفكرين العسكريين في العالم العربي. وتعززت مكانته عبر مؤلفات مثل «دراسات في حرب تشرين» و«تاريخ الحرب الكورية» و«دروس الحرب الرابعة في الاستراتيجية والاستراتيجية العليا» و«دور الجيش العراقي في حرب تشرين» و«اتفاق فصل القوات الثاني في سيناء»، ناهيك عن كتابه الأشهر «الشعب المسلح». ومن ترجمات الأيوبي كتابات لينين العسكرية وكتابات تروتسكي العسكرية و«لمحات في فن القيادة» و«الاستراتيجية وتاريخها في العالم». اليوم، وعلى رغم المحاضرات والمداخلات «العسكرية» التي يساهم فيها بين حين وآخر، يبدو ان المقدم الأيوبي، الذي ساهم في الثورة الفلسطينية في السبعينات والثمانينات، وضع المسائل العسكرية جانباً ليعود الى الأساس: العمل السياسي والفكري. والواضح أن هذا العمل يقوده، إضافة الى كتابة كثير من المقالات والدراسات، الى إعادة نظر شاملة في الممارسات السياسية العربية على مدى نصف القرن، لا سيما ممارسات التيار القومي العربي الذي انتمى إليه وكان واحداً من رواده. «الحياة» التقت الأيوبي في باريس، حيث ينهمك في الكتابة مستخلصاً نتائج تجاربه الخاصة ثم تجاربه الفكرية من خلال عضويته في «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» في لندن (في الثمانينات) ثم في «مركز فلسفة الاستراتيجية» في باريس (في التسعينات). وفي الحوار الآتي الذي أجرته «الحياة» معه، يوضح المقدم الأيوبي بعض أفكاره ويوجه انتقادات وملاحظات تتناول الممارسات السياسية العربية، الماضية والراهنة. يأتي هذا الحوار ضمن سلسلة حاورت عدداً من المفكرين السياسيين والاقتصاديين والايديولوجيين العرب. > نشرت في آخر السبعينات، مقالات حول الاستراتيجية العسكرية العربية لمرحلة ما بعد الهزيمة (حزيران – يونيو 1967)، حددت في بعضها المسار الذي كانت ستأخذه حرب الاستنزاف، ثم في بعضها الآخر، المسار الذي عادت واتخذته لاحقاً حرب تشرين (اكتوبر)، ولاحقاً تبين صحة تشخيصك للحالين. اليوم بعد مرور كل هذا الزمن، هل ما زلت تنظر الى هاتين الحربين على انهما شكلتا انتصاراً عربياً رد، في شكل أو آخر، على هزيمة حزيران؟ – لا افهم السبب الذي يجعلنا نبدأ بهذا الموضوع… حرب تشرين كانت بالمفهوم العسكري ضربة تستهدف توقيف توسع الغزو الاسرائيلي للأراضي العربية. فالغزوة تأتي عادة لتقيم رأس جسر ثم تبدأ انطلاقاً منه بالتوسع مستمرة فيه حتى يقابلها رد ديناميكي، يتمكن اولاً من تغيير ميزان القوى، ثم يقوم بضربة الايقاف. بهذا المعنى يمكن الحديث عن «انتصار» في تشرين. المهم ان الامة التي كانت تعرضت للغزو تجمع بعد الضربة قواها لتمعن اكثر وأكثر في تغيير ميزان القوى ولتبدأ ما نسميه، الهجوم المعاكس الاستراتيجي. كل هذا معروف نظرياً… > فما الذي حدث إذاً؟ – بعد تلك الضربة التي أيقظتنا من الهزيمة، وناب فيها المصريون والسوريون عن الامة العربية كلها بدعم من بعض الدول العربية، حلت الكارثة الساداتية. بصراحة، كل ما نعيشه اليوم، وكل ما عاشه لبنان خلال الغزو الاسرائيلي، وأي ضربة تلقيناها ونتلقاها، انما هي نتيجة حتمية للموقف الذي اتخذه الرئيس أنور السادات بعد حرب 1973… ولا أستثني انتشار المد الاسلامي السياسي. بل ان هذا المد الذي يوصف بالتطرف لم ينجم فقط عن حرب 1973 وتصرفات السادات، بل كان ايضاً نتيجة حتمية لهزيمة فكر معين عام 1963. > كيف؟ – بعد حرب 1948 التي اضاعت فلسطين وخاضتها دول عربية تقودها فئات بورجوازية ووطنية، برز ذلك التيار القومي التقدمي العربي الذي قال ان الحل عنده ووصف القوى الحاكمة (المهزومة في 1948) بأنها قوى يمينية رجعية مرتبطة بالاستعمار وتأتمر بأوامره. هكذا صعد ذلك التيار الجديد، مؤكداً ان لا بد من حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والامنية قبل استعادة الانفاس. في 1967 انهار هذا التيار بدوره، كما انهار سابقه في 1948. هزيمة 1967 شكلت ذروة اخفاق القوى القومية والتقدمية في تحقيق الاهداف الاجتماعية والاقتصادية والامنية. وكان من الطبيعي ان يؤدي ذلك الى بروز التيار الوحيد الذي لم يُعتبر مسؤولاً عن الهزيمة. وكان بامكانه ان يطلع هو الآخر ليقول ان الحل عنده: الحل في الاسلام وفي الجهاد. اذاً التيار الاصولي، على اختلاف اشكاله وألوانه، ظهر بعد اخفاق التيار القومي. غوص في اللاوعي > اذاً، هذا التيار الأصولي عاش ويتحكم بالمجتمع الآن اكثر من أي تيار آخر، من دون ان يحكم فعلاً في أي بلد عربي. فكيف تمكن من أن يمارس هذه السلطة – الاجتماعية على الأقل – فيما عجزت كل التيارات الأخرى عن ذلك؟ – ربما لأنه ليس غريباً طارئاً على الانسان العربي المسلم. انه موجود في لا وعيه… في جيناته الوراثية كقوة فعل سياسية واجتماعية وثقافية. حتى العربي المسلم الذي لا يمارس الشعائر الدينية، يعود الى التمسك بقيم الدين وأهدابه ما أن يجد نفسه أمام طريق مسدود. إن أياً من التيارات الفكرية الأخرى ليس له مثل هذه القوة التأثيرية في الشعب البسيط كما لدى المثقفين، مهما كانت اتجاهاتهم. > أفلا نراك هنا تخلط بين الاسلام كدين وإيمان، وبين استخدامه في العمل السياسي؟ – ربما كان هذا الاعتراض جائزاً، نظرياً على الاقل، في الخمسينات والستينات، أما اليوم فيبدو لي خارج الزمن. ففي الاسلام ليس ثمة فصل بين الدين والدولة، وهو أمر يعرفه الاصوليون جيداً ويشتغلون عليه، وربما كان في الماضي نقطة الضعف لدى قوى تصورت نفسها علمانية وراحت تحاول علمنة الجماهير ففشلت. > أنت كنت من الذين نظّروا للتيار القومي العربي، لكن مراجعة لكتاباتك ستقول ان لا وجود فيها لأي حديث عن التيار الاسلامي. فهل تنبهت الى وجوده لاحقاً أم انك تنتمي فعلاً، كمثقف الى جماعات فاجأها انبعاث التيارات الأصولية لاحقاً، فتداركت الأمر وراحت تعيد اكتشافها؟ – أن الظاهرة الاسلامية لم تكن تشكل قوة جماهيرية سياسية فعلية، او هذا ما كنا نعتقده على الاقل. كانت في احسن الأحوال، بالنسبة الينا، قوة رديفة. تيارنا القومي كان لا ينظر إلا الى العدو، وكان يسعى الى مواجهته باستراتيجية واحدة تحاول ان تضم اكبر شريحة من القوى الوطنية، بصرف النظر عن الفوارق الايديولوجية بينها. في الوقت ذاته كانت القوى القطرية تنظر الى الأمور نظرة اخرى: كانت ترى العداوات كثيرة ومتناقضة. كان منها، مثلاً، من يعتبر الاتحاد السوفياتي صديقاً ومنها من يعتبره عدواً. كان منها من يتطلع الى صداقة واشنطن بالتالي مهادنة اسرائيل، ومنها من يخوض الحرب الشاملة، نظرياً، ضد الجميع. اضف الى هذا العداوات العربية – العربية والاسلامية – الاسلامية التي كانت تتطلب استراتيجيات قطرية قد تتنافى مع مفهومنا للاستراتيجية القومية. فكيف كان بامكاننا ونحن نخوض ذلك كله، ان ندرك حقيقة ما يعتمل في الداخل، من نمو هائل للتيار الاسلامي السياسي الذي ادركنا لاحقاً انه كان يقف موقفنا في نقطة اساسية على الأقل: الموقف من العدو الصهيوني اذ كان يعتبره الخطر الرئيسي، وليس خطراً ثانوياً جانبياً. كل هذا، صار جزءاً من التاريخ. واليوم، إذ اصبح التيار القومي جزءاً من أحلام الماضي واستشرت النزعات القطرية، واضح ان التيار الاسلامي هو وحده الذي بقي في الساحة يواجه الاخطار الخارجية وبقوة، سواء كانت اسرائيلية او اميركية او غيرها. اقول هذا وأفكر طبعاً بـ «حزب الله» و«حماس»… العروبة والإسلام > … والزرقاوي وبن لادن وأصوليو الجزائر ومصر، اصحاب العمليات الارهابية الغامضة غالباً؟ – سأتوقف عند حال العراق حيث الخلط المتعمد بين الارهاب والمقاومة. أي بلد معرض للاحتلال، يحق لأبنائه ان يحملوا السلاح دفاعاً عنه… > دعني اقاطعك، فهذا الموضوع خارج عن نطاق حديثنا على رغم صواب ما تقوله عنه. موضوعنا هو الفكر القومي العربي الذي كنت أنت واحداً من أبرز الذين اشتغلوا عليه نظرياً واستراتيجياً. الآن هناك قوى تهمش هذا الفكر وتمكنت من وضع كل احلامه السابقة على الرف. هي تريد اليوم ثمن ما تعتبره «انتصاراً»… والثمن يكاد أن يكون نسف كل الاحلام العلمانية والحداثية والتقدمية، لأن هذه القوى التي تقول أنت انها الوحيدة التي تقاوم، لا تخفي عداءها لكل ما يأتي من الغرب، بما في ذلك الافكار الجيدة والحضارة. هل ترى ان من «يقاتل» اليوم يكمل حقاً مسيرتك النضالية في سبيل أمة عربية متقدمة تنتمي الى العصر، او انه – فكرياً واستراتيجياً – يمشي في مسار آخر، قد يتناقض مع تطلعاتك وتطلعات جيل من المفكرين العرب؟ – سؤالك يبدو وكأنه يقيم فصلاً حاداً بين العروبة والاسلام. الاسلام كفكر هو جزء اساسي مكون للحضارة العربية والعروبة حامل اساس من حوامل الاسلام. علينا ان نلاحظ ان قوى كثيرة في التيارات الاسلامية لا تكف عن التعبير عن مواقف تدل علىالانفتاح وقبول الآخر وعلى وسطية الاسلام… الاخوان المسلمون على سبيل المثال… > هؤلاء يلعبون استراتيجية الوصول الى السلطة… – ربما يكون هذا صحيحاً. لكنني كباحث استراتيجي اعرف دائماً ان النضال يكون طويلاً وشاقاً، وهو ينقسم الى مراحل. اولاها مواجهة العدو ثم تأتي مرحلة البناء والاختيارات الايديولوجية والاجتماعية والسياسية. وأرى أننا لا نزال، بعد كل ما حصل، عند المرحلة الأولى، مرحلة المواجهة… وفي مثلها تكون الافضلية لمن يستطيع ان يقاوم… لمن يمتلك الجرأة والعدد والسلاح والقدرة على التعبئة. بعدها، حين ينتصر هذا الفريق على العدو، لكل حادث… > كأنك تعني ان القوى التي تتحدث عنها بصفتها قوى مقاتلة اليوم، ستأتي بعد «الانتصار» – ان تحقق – لتسلمك القيادة السياسية. إذاً هي مجرد مجموعات من مقاتلين يعملون في خدمة مشروعك… – لمَ لا؟… في كل مكان يكون ضرورياً تغيير ميزان القوى بين اطراف تملك السلاح والتكنولوجيا، وبين الشعب الذي لا يمتلك عادة إلا قدرته على قلب موازين القوى من طريق قلبه لمفهوم الموت… وأتحدث هنا عن الاستشهاد. فالقوى التي تواجه أمتنا اليوم يُعتبر الموت بالنسبة اليها نهاية الحياة، وهذا كابح لها خلال القتال. فجنودها يذهبون الى القتال كي ينتصروا ويعيشوا، لا ليموتوا. وهذه نقطة ضعفهم هم الذين يملكون السلاح والتكنولوجيا والتفوق العسكري، ولكن ترعبهم فكرة الموت. انطلاقاً من هنا أرى أن القوى الاسلامية قادرة على قلب موازين القوى عبر تغيير مفهوم الموت الذي يهرب منه الآخر فيما أنت تبحث عنه. > ولكن، ماذا عن المشروع السياسي؟ المقاتل المستعد للموت لديه مشروعه الذي يضحي من أجله، لا مشروعك، أين أنت من مشروعه؟ هل تعتقد بأنه يتطابق مع مشروعك؟ هل المخرج في الوصول الى حل وسط، يمزج بين مشروع قومي وآخر أصولي، يرى كثر اليوم انهما لا يتفقان؟ – من الذي يقول باستحالة اتفاقهما؟ المثقفون؟ أنا أرى أن المشروع النهائي هو مزيج من المشروعين… وفي مثل هذا المزيج يكون الطرف الأقوى شعبياً هو الاكثر قدرة على اثبات وجوده. ليتفضل القوميون وليتفضل التقدميون ويثبتوا وجودهم على الأرض… في الميدان. > داروينية الانتخاب الطبيعي هي اذاً؟ – ربما، المهم بالنسبة اليّ هو ألا يرتعب المثقفون ازاء ما يحدث ويرون أن وطأة العدو الأجنبي أخف عليهم من وطأة الفكر الأصولي المقاوم… دروس الماضي > اراك تنسى دروس الماضي: وقوف الاصوليين ضد عبدالناصر، ضد نادر شاه في افغانستان، ضد مصطفى كمال في تركيا… – لا أنسى شيئاً، لكن اليوم غير الأمس. اليوم لدينا معركة حاسمة يجب أن تخاض ولاحقاً نبحث عن حلول. مهما يكن، اعتقد بأن للمثقف الواعي، في هذه المعمعة كلها، دوراً اساسياً لا يزال عليه أن يلعبه، لا سيما في العلاقة مع الانظمة التي لا تزال تعيش وتتصرف كأن لا معركة هناك ولا يحزنون. الأنظمة، لا سيما تلك التي تدعي التقدم والعمل من أجل القومية العربية، لا تزال هي القوة الرئيسة التي تخرّب القومية العربية والفكر القومي. انها ترفع شعارات العروبة وتمارس القطرية والطائفية وما دونهما، بل تمارس اللعبة العشائرية والعائلية وأدخلتنا زمن توريث السلطة. على المثقف العربي، الى أي بلد انتمى، أن يعود الى الجذور الحضارية لفكرة القومية العربية، ليحدد أخطاء وقعت فيها الاحزاب التي رفعت شعارات القومية ثم خانتها. تراني تحدثت قبل أن نبدأ حوارنا حول الحزب المغدور والقومية المغدورة اللذين أكتب عنهما حالياً… دراستنا للتجارب هي التي ستكشف لنا مجمل مفاهيم القومية كما طرحت، ثم كيف طبقت من مختلف القوى. واذا كنا نبحث عن مخرج، فهو لا يكون إلا في تلافي كل الأخطاء التي حصلت والوصول الى توليفة تعيد الاعتبار الى قوى وحقائق ميدانية ومفاهيم وضعناها على الرف. علينا استعادة الفكر القومي والكف عن عمليات جلد الذات… شرط ألا ننسى – كما كنا نفعل في الماضي – العامل الاسلامي كجزء مكون ليس من النضال المرحلي فقط، بل من البناء الاستراتيجي لفكر الأمة وللأمة. علينا السعي الى عدم احداث أي تصادم مع هذا العامل، لأننا معه وهو معنا أمام الخطر المشترك. > وما هو الخطر المشترك اليوم؟ – انه اليوم، كما كان أمس، وكما سيظل غداً: اسرائيل والسياسات الأميركية التي لا تخدم إلا مصالح الشركات النفطية واسرائيل. المشروع الأميركي هو مشروع قد يحمل العلم الأميركي لكنه مصاغ في تل أبيب. والمؤسف حقاً أن أنظمة عربية تبدو اليوم غافلة عن هذه الحقيقة البديهية. هي انظمة متسولة، بعضها يتسول الدعم السياسي، وبعضها يتسول آمناً، وبعضها يتسول المساعدات الاقتصادية والمالية وشهادات حسن السلوك. والمتسول لا يحصل عادة إلا على ما يعطيه اياه من يتصوره فاعلاً للخير. ان المهمة الرئيسية التي يمكن للفكر العربي وللمثقفين ان يقوموا بها انما هي فضح حال التسول للتخلص منها. في الماضي كنا، في الحركة القومية العربية، نطرح فكرة ان الطريق الى تحرير فلسطين لا يمر إلا عبر تحرير العواصم العربية. يومها رُجمنا وانتقد المشروع، ثم ثبت عملياً أن الانظمة بقيت على رغم كل هزائمها كل التغيرات التي طاولت العالم. بل انهم استطاعوا أن يخلقوا حتى في فلسطين نظاماً يشبه انظمتهم، أي نظاماً قمعياً. فما الحل في النهاية؟ الحل يكمن في العودة الى القومية العربية. هذه العودة التي أراها الاستراتيجية الوحيدة والهدف الوحيد، وانطلاقاً منها يمكن طرح الاسئلة الحاسمة: كيف أحدد العدو الواحد؟ كيف أصارع ضده؟ كيف أناضل ضد الولايات المتحدة التي تنفذ دائماً سياسات اسرائيل؟ المثقف ودوره > ما هو دور المثقف في هذا كله، وما الذي يمكنه أن يفعله وسط هذه الصورة المتخبطة؟ – دوره الاساسي يجب أن يكون في سعيه الى استكشاف حقيقة مفهوم القومية العربية وصوابه. ومن ثم تبيان الأخطاء التي منعت هذا الفكر من مواصلة طريقه، لئلا نعود ونقع في الأخطاء ذاتها. ترى لماذا لا يسعى المثقف العربي وفي كل مكان الى تشكيل تنظيمات ونقابات وجماعات وجمعيات ومؤسسات بحث ودراسة تكون لها منابر اعلامية قادرة على الوصول الى كل انسان عربي؟ في الماضي، قبل انبعاث ثورة التكنولوجيا لا سيما في عالم الإعلام، كان شرطيان على الحدود قادرين على منع وصول النشرات والأفكار الى حيث يتقوقع النظام. الآن بات كل نظام يحس بأن هناك عدواً خطيراً يمكنه أن يعبر فوق الحدود… فلماذا لا يستغل المثقف العربي هذا؟ لماذا لا يُكثِر تواجده في الفضائيات لاعباً على تناقضاتها… ان التلفزة والانترنت والراديو والفاكس، كلها اسلحة لا بد من استخدامها اليوم. الانترنت خصوصاً بات سلاحاً لا يقهر ويعطي تكافؤاً في الفرص بين القوى… لكن المؤسف أن نسبة انتشاره في الوطن العربي لا تزال من أدنى النسب في العالم: في فرنسا هناك 240 انترنت لكل ألف مواطن، في اسرائيل ترتفع النسبة الى 300، في سورية النسبة هي 6، وفي الاردن 20. في لبنان النسبة الأعلى في العالم العربي وهي 24 لكل ألف مواطن. في المقابل ترتفع نسبة وجود التلفزيون الى مستويات عليا في الوطن العربي. مهما يكن، بامكان الانظمة السيطرة على التلفزيون أما الانترنت فتصعب السيطرة عليه. فلم لا يلعب المثقف ما يتاح له من تلفزة ضد الجمود والتخلف والقمع، ثم يلعب الانترنت ضد التلفزة؟ > لم توضِح ما الذي يمكن القومي العربي أن يقوله للناس في زمن العولمة والاعلام الشامل، زمن الارهاب والرد القمعي على الارهاب؟ ألا تعتقد بأن المفكر القومي الخاص دفِن عندنا وعند غيرنا منذ زمن بعيد؟ – في أوروبا، لا يزال الفكر القومي بل الحس القومي، موجوداً حتى بعد الوحدة، بل يزداد قوة. أما الأمة العربية فلم تدخل بعد مرحلة القومية لنقول انها دفنتها. علم الصراع > هل تعتقد بأن دخولها فيها حتمي؟ – امتنا إن لم تعبر المرحلة القومية سيكون من الضروري لها، أن تعبر شيئاً اكثر اتساعاً: كياناً اسلامياً، أو كياناً شرق اوسطياً كبيراً، قد يضم اسرائيل وتركيا! ان القومية التركية تقوى اليوم لكنها تظهر على غير شاكلة تلك التي سعى كمال اتاتورك الى بنائها وجعلها تصطدم بالاسلام. ربما علينا، نحن المثقفين العرب، أن ندرس اليوم التجربة التركية الجديدة بدقة وتفهم: تركيا المسلمة من ناحية وذات النزعة القومية التركية من ناحية أخرى، تسير من دون عقد في طريق الحداثة، صناعة وثقافة وتعليماً. انها تقترب في كل المجالات من المقاييس الأوروبية من دون أن تجد أن ذلك قد يتنافى مع اصالتها ومكونات وجودها العميقة. > من الفكر القومي الخالص، الى التقارب مع الماركسية في الستينات والسبعينات، الى الدنو اليوم من التفاهم مع الأصولية الاسلامية، ثم التطلع بعين الرضا الى النموذج التركي الحالي… كيف تقوِّم رحلتك الفكرية هذه؟ – ليست رحلة فكرية بل الأمر مجرد تطبيق لمبادئ علم الصراع التي تقول أن عليك دائماً قبل الاقدام على أي خطوة أن تحسب ميزان القوى، وان تتحالف دائماً مع من يساعدك على تغيير موازين القوى، وأن تحاول تحييد بعض الخصوم الثانويين، لتتمكن من محاربة الخصوم الأخطر والأهم. في كل مرحلة من مراحل الصراع تفرض عليك الظروف مواقف وتحالفات من دونها لا يمكنك أن تصل الى شيء. خذ نموذج العراق في السبعينات والثمانينات مثلاً: في الوقت الذي كان النظام البعثي في حاجة الى التحالف مع القوى الماركسية ضربها وعرّى نفسه، ثم حاول ضرب القوى الاسلامية ليعرّي نفسه اكثر واكثر. وهو ما فعله جمال عبدالناصر في مرحلة أو أخرى غير آبه ايضاً بخطورة ما يفعل اليوم. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ما هي القوى الرئيسة التي ظهرت، مقاتلة مناهضة على الساحة؟ انها القوى الاسلامية، فلمَ لا نتحالف معها…؟ > تلميذ نجيب كما كنتَ دائماً لمفاهيم ماوتسي تونغ حول استراتيجية التحالفات… – لستُ تلميذ ماوتسي تونغ، بل هو كان تلميذاً نجيباً لعلم الصراع.
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 5 جوان 2006)

 


إشكالية الإسلاميين تـشـتـعـل عـربـيّـا

 
د. حسن أبو طالب – القاهرة   بعد أن فازت حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، علّـق أحد كبار المسؤولين العرب بالقول، « إنه زلزال كبير وعلينا أن نتحمل توابعه ». لكنه لم يفصح ماذا يقصد بهذه التوابع، هل هي تخص الفلسطينيين وحدهم، أم تمتد أيضا داخل كل بلد عربي يعاني من مشكلة ما مع تيار إسلامي أو جماعة محظورة، ولكن ذات نفوذ في الشارع أم أنه كان يقصد كل أنواع التوابع، فلسطينيا وعربيا ودوليا معا.   توابع فوز حماس   على كل، يبدو أن توابع فوز حماس ومن قبل فوز أعضاء ينتمون إلى الإخوان المسلمين في انتخابات البرلمان المصري، وهيمنة القوى الدينية الشيعية العراقية على مسار العملية السياسية الجارية في العراق المحتل، وإشكالية حزب الله ـ كحركة مقاومة وكسلاح وكنفوذ سياسي وشعبي وامتداد معنوي إلى ما وراء حدود لبنان.   والجدل الذي يثور حينا ويخفت حينا حول استيعاب بعض رموز جبهة الإنقاذ الجزائرية في النظام السياسي وعملية الوفاق الوطني، والضغط التونسي المتتالي على أي نشاط إسلامي إذ يُـنظر إليه باعتباره نقيضا للنظام العلماني. وكذلك الوضع في سوريا التي ترى في إخوان سوريا في الخارج خطرا يهدّد النظام، وأنهم عملاء لجهات أجنبية، دون التساؤل عن سبب خروج هؤلاء إلى الخارج قبل ربع قرن مضى.   كل هذه الحالات تشكّـل معا بعض مظاهر الحالة الإسلامية السياسية، عربيا، في شقها المتوتر.   الاندماج القلق   أما في شقها المندمج أو شبه المندمج مع النظام القائم، فتبرز حالات اليمن والأردن والمغرب والسودان، حيث توجد أحزاب إسلامية، بعضها امتداد لحركة الإخوان المسلمين أو تطوير لها، وبعضها الآخر يعكس خصوصية المجتمع بلا منازع، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الاندماج لا يعنى غياب المشكلات مع الحكومة القائمة أو مجمل النظام السياسي ـ مع استثناء السودان ـ فهناك دائما حركة شدّ وجذب واتهامات وتضييق، ولكنها لاتصل إلى حدّ القطيعة التامة، بل نرى في النموذج المغربي محاولة أكثر اتساعا لجذب حركة العدالة والتنمية الإسلامية لتكون جزءا من الحكومة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى طبيعة نظام الحكم ووضعية الملك فيه باعتباره أمير المؤمنين لا ينازعه البيعة أحد، سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي أو بمعنى آخر، لا يشكل الإسلاميون خطرا ينازع مؤسسة الملك.   والأمر نفسه شبيه بما يجرى في الكويت، حيث الحركة الإسلامية الموجودة في صلب الحياة السياسية، والتي أدّت مواقفها الأخيرة والمعترضة بشدة في البرلمان الكويتي ضدّ قانون الدوائر الانتخابية، ذي الدوائر العشر الذي قدمته الحكومة إلى قرار أمير البلاد بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكّـرة في نهاية الشهر الجاري، يؤمل معها أن تؤدي إلى تقلّـص نفوذ النواب المحسوبين على الحركة الإسلامية، وليس إقصائهم تماما من مُـجمل حركة النظام.   الشق المتوتر.. حصار وعزل   في الشق المتوتر من الحالة الإسلامية، وبغضّ النظر عن التفاصيل اليومية، ثمة عناصر جامعة تصبّ في عملية حصار منهجي للمنظمات الإسلامية باعتبارها تمثل نقيضا للنظام القائم أو تحمل معها – إن نجحت في الممارسة السياسية العلنية – عناصر ضغط هائلة على النخب القائمة.   ففي فلسطين كما في مصر، يبدو القاسم المشترك هو احتواء صعود الإخوان برلمانيا وحماس برلمانيا وحكوميا معا، وربما يكمُـن الفارق الأهم بين الحالتين في أن حالة حماس، وبما أن لها صلة مباشرة بمستقبل الكيان العبري، فهي حالة دولية تقودها الولايات المتحدة بهدف إنهاء أسطورة حماس كحركة مقاومة مزعجة وذات شعبية ضاربة الجذور، على الأقل في قطاع غزة.   ومن هنا جاء الحصار والعقاب الجماعى للفلسطينيين، والعزل المالي والدبلوماسي، ووضع الشروط القاسية التي تهدف إلى أحد أمرين: إما تغيير عقيدة حماس السياسية، لاسيما فيما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل وإنهاء كل ما يتعلق بالمقاومة المادية والعسكرية، وإما إفشال تجربتها السياسية في الحكومة وتوسيع الفجوة بينها وبين من أتوا بها، ومن ثم إسقاطها غير مأسوف عليها أو هكذا هو المخطط الأمريكي، دون اعتبار إلى حالة التوحد الشعبي بين فكر الحركة وبين الذين يؤيدونها، والذي يرجّـح فشل المخطط الأمريكي الإسرائيلي من جهة، بل ربما التفكير في فتح ثغرة للتعامل مع حماس مستقبلا، باعتبارها « قوة أمر واقع »، لا يمكن تجاوزها.   الحالة المصرية   أما في الحالة المصرية، فالقضية محصورة حتى الآن في الشدّ والجذب بين الحكومة والنظام السياسي وبين جماعة الإخوان، والضغط الحكومي في الأسابيع القليلة الماضية آخذ في التصاعد. وحسب تصريحات رئيس الوزراء، فهناك تفكير في تعديل دستوري يَـحُـول دون أن يكون للإخوان أعضاء في البرلمان، ومن قبل، نصح رئيس البرلمان فتحي سرور أعضاء الإخوان ألا يصفوا أنفسهم بأنهم كتلة الإخوان، لأنهم بذلك يمثلون جماعة سرية، وعندها يصبح من حقه أن يرفع عنهم الحصانة باعتبارهم أعضاء في جماعة محظورة قانونا.   وفي الأخبار الجارية، هناك حملة أمنية على رجال أعمال وتجار محسوبين أو هم أعضاء في الجماعة، حيث تم القبض على 58 رجل أعمال من الإخوانيين، وتم إغلاق 21 شركة يملكها أعضاء في الجماعة، ووجهت لهم تُـهم الانتماء إلى جماعة محظورة والمشاركة فى تمويلها. ولا يهم هنا تأثير ذلك على مناخ الاستثمار أو استيعاب البطالة المتزايدة، وهي تحركات، تعني أن القرار الرسمي بات يعني المواجهة المفتوحة سياسيا، والحصار ماليا وإعلاميا.   إنهاء الظاهرة أم استيعابها   إذن، وأيا كانت التفاصيل، فالمطلوب إنهاء الظاهرة الإسلامية المسيّـسة كحد أقصى أو محاصرتها وزيادة معاناتها وعزلها، ومنعها من كسب مؤيّـدين جُـدد، كحد أدنى.   والظاهر أن هذا الفكر يجد في المواقف الدولية، حتى برغم تشدقها بالإصلاحات والخيارات الديمقراطية وما إلى ذلك، دعما ظاهرا ومستترا معا في تلك المواجهة، إذ من اليسير الردّ على أي انتقاد أمريكي مثلا، بالقول « وماذا تفعلون أنتم مع حماس؟ فنحن لم نخرج عن نفس ما تقومون به، بل هذا يؤكّـد توحّـدنا معكم في النوايا والسياسات ».   والمعنى المتوحد هنا، أن إفشال حماس من شأنه إن يكون درسا وعظة لم يريدون أن تأتي قوة محسوبة على التيار الإسلامي لتقود النظام ولتطرح نموذجا مختلفا في الحكم والسياسة.   وربما كان لسان حال البعض أن ما يجري من عقوبات جماعية وضغوط على الشعب الفلسطينى، رغم ما فيها من ظلم بيّـن وتعقيد للمشكلة الفلسطينية التي ليست بحاجة إلى مزيد من التعقيد، « كفيل بأن يقدم نموذجا مبكّـرا مليئا بالضغوط والمعاناة لأي تطور قد يفضي إلى انتصار جماعة محظورة عبر صناديق الانتخابات ».   تحركات بلا شعبية   المشكلة في هذه الإجراءات، سواء أمريكيا أم مصريا وعربيا، أنها بلا شعبية أحيانا وبعيدة عن حركة المجتمع.   فالذين يراهنون على إسقاط حكومة حماس مثلا، لا يدركون أن هذا الإسقاط القسري لن يقود بالضرورة إلى تحسين الوضع وعودة المتعاونين مع المطالب الدولية إلى سدّة الحكم، بل يشكّـل هذا الإسقاط القسري مدخلا لفوضى وتيار جارف من العنف ستكون له آثاره السلبية بعيدة المدى على إسرائيل قبل غيرها، خاصة وأن حماس تعدّ حركة اجتماعية قبل أن تكون حركة سياسية أو مجرد فصيل مقاومة عسكري.   أما فى حالة الإخوان مثلا، فثمة حالة تعاطف شعبي في بعض المناطق التي يبدو فيها نفوذ الدولة الثقافي والتحديثي والتنموي، غائبا تماما أو شبه غائب، وهي مناطق ممتدة ومنتشرة في طول البلاد وعرضها. لذلك، فالحصار السياسي والتضييق المالي قد يؤدي غرضه في الزمن المباشر، أما على المدى الأبعد، فسيكون له تأثيره العكسي، لاسيما إذا ظلت السياسات الاقتصادية على حالها المعتاد تؤدّي إلى مزيد من إفقار الفئات الوسطى، واستمرت السياسات الثقافية محصورة في نخبة محدودة لا تأثير لها على رؤية وعقل رجل الشارع العادي.   (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 8 جوان 2006)


 

 

هل فلسطين 48 لليهود؟ صوّت بنعم واربح الراتب كاملاً

 
 بقلم : ياسر الزعاترة    من سخريات الوضع الفلسطيني في تجلياته الجديدة أن يبلغ البعض على غير عادته حد التصوف في احترامه للأسرى، وذلك بمنحهم حق التنازل عن 78 في المئة من فلسطين (كان هو قد تنازل عنها في الأصل) في مبادرة مجانية لم يطلبها أحد، اللهم سوى عدو يريد منا أن نرقص كل يوم على أطلال قرارات دولية لم يعرها أدنى اهتمام في يوم من الأيام.   منظمة التحرير الفلسطينية التي يقولون لنا إنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، سبق أن اعترفت بالقرارات إياها، ومعها كامل أعضاء النظام العربي الرسمي، وقد حدث ذلك منذ عام 1974، أي قبل أن تظهر حماس بثلاثة عشر عاماً، ومع ذلك لم يحصل الفلسطينيون على شيء من وراء ذلك الاعتراف، اللهم إلا استقبال أعضاء قيادتهم الرشيدة في العواصم الأوروبية، ولاحقاً في واشنطن.   الأكيد أن الوثيقة قد خرجت من سجن هداريم الذي لا يحوي غير نسبة مجهرية من الأسرى، ولم يطلع عليها الأسرى الآخرون، وهي لا تعبر عن روحية موقف حماس والجهاد بأي حال من الأحوال، حتى لو وقع عليها واحد أو اثنين في اجتهاد جانبه الصواب.   إن تقرير مصير الأوطان لا يتم بهذه الطريقة، ولو خالفت الوثيقة رأي القوم المتحمسين لها لما أعاروها أي انتباه، ولكنها المرحلة وطبيعتها، وحيث يراد لحماس أن تتنازل كما تنازل الآخرون كي يكون الجميع سواء في المهزلة. لم يقل لنا الذين سيطرحون الوثيقة على الاستفتاء شيئاً عن الهدف من وراء ما سيفعلون غير فك الحصار المالي والسياسي عن الشعب الفلسطيني، والنتيجة أن على الشعب الفلسطيني في الداخل أن يصوت على رواتبه ومخصصاته، وليس على قضيته الوطنية.   عندما ترفض حماس مبدأ الاستفتاء، فليس لأنها خائفة من تنازل الفلسطينيين عن وطنهم، ولكن لأن التصويت سيتم بعد أن وضعت القيادة مصير رواتبهم وقوت أبنائهم بيد عدوهم، فيما جاءتهم بوثيقة قالت لهم إنها من جميع الأسرى، وهم خيرة أبنائهم، الأمر الذي تأكد أنه غير صحيح كما أسلفنا.   الجوعى لا يستفتون، والأصل أن يفكر الجميع في وسائل فك الحصار وإنهاء حالة الارتهان للعدو وأعوانه في المأكل والمشرب، أما التواطؤ مع ذلك العدو في تعميق الحصار من أجل دفع حماس نحو التنازل، فهو جريمة أخرى تضاف إلى جريمة وضع الفلسطينيين رهائن في قوت يومهم بيد عدوهم، ومعهم قضيتهم الوطنية.   ثم أين فلسطينو الخارج وهم ثلثا الشعب من هذا الاستفتاء، ولماذا لا يكون لهم دورهم أيضاً، أم أنهم منسيون في اللعبة لأن القيادة قد غدت في الداخل، فيما كانوا الأهم يوم كانت تلك لقيادة في الخارج؟، بالمناسبة، نحن لسنا متأكدين من أن نتيجة الاستفتاء محسومة كما يذهب البعض، ولو أجري بعيداً عن عبث العابثين لكانت النتيجة قريبة من النصف، تماماً كما هي دائماً في المناسبات الانتخابية المختلفة في النقابات والجمعيات والاتحادات الطلابية بين فتح وحماس، بل إن احتمال أن يتفوق القائلون بـلا ليس مستبعداً بحال من الأحوال إذا سمح بالدعاية المضادة، مع أن الاستفتاء في ظرف كهذا، لا يعبر عن ضمير الناس بقدر ما يعبر عن حاجاتهم اليومية الماسة كما أشير سابقاً.   أما حكاية المخرج الذي يوفره الاستفتاء لحماس، فلا قيمة لها إلا في عقول الكارهين للحركة وتراثها، وفي أي حال فإن الخروج من الحكومة وإعادة القرار إلى الناس، خير ألف مرة من الخروج على الثوابت، لا سيما أن هذا الخروج الأخير لن يوفر مخرجاً حقيقياً، بقدر ما سيشوه المسيرة ويفرح الأعداء والشامتين. أيها الناس: فلسطين ليست برسم الاستفتاء، ومن شاء أن يقول نعم لمنحها للعدو فليفعل ، لكن الإثم الأكبر سيبقى على من طرح السؤال على جوعى كان هو سبب جوعهم وارتهانهم لعدوهم.

(المصدر: صحيفة الدستور الأردنية الصادرة يوم 9 جوان2006 )

 


سؤال الاحتقان والحيرة في مصر

فهمي هويدي (*) من لا يساوره القلق على ما يجري في مصر الآن واحد من ثلاثة: إما أنه لا يرى، أو لا يسمع، أو أنه غائب عن البلد، مقطوع الصلة بواقعه (1) شاءت ظروفي في الأسبوع الماضي أن أذهب إلى ثلاثة أماكن مختلفة في يوم واحد، حيث قصدت الحلاق في البداية، ثم عرجت على الطبيب، وكان علي أن أؤدي بعد ذلك واجب العزاء في أحد الأقارب. وما أدهشني أنني في الأماكن الثلاثة لوحقت بسؤال واحد هو: إلى أين نحن ذاهبون؟ الملاحظة ذاتها سمعتها من المستشار طارق البشري، الذي دعي لإلقاء محاضرة عن موضوع القضاة في مركز الدراسات الاشتراكية بالقاهرة. وبعد أن فرغ منها وجد أن اغلب الأسئلة التي وجهت إليه تجاوزت موضوع المحاضرة، وتركزت حول المشهد السياسي المصري واحتمالاته المستقبلية. وهو ما تكرر مع الدكتور كمال أبو المجد، الذي تصادف أنه تردد على عدد من الأطباء خلال الأسبوع الماضي، ولاحظ أن كل واحد منهم كان ينهي مهمته العلاجية في دقائق، ثم ينتحي به جانبا ليطرح عليه ذات الأسئلة القلقة حول المستقبل. وهو ما لم يفاجأ به، لأنه اعتاد على تلقي مثل هذه الأسئلة، خصوصاً بعدما اختير نائباً لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، الأمر الذي أقنعه بأن الأمر أكبر مما يظن كثيرون، ولكثرة ما سمع في هذا الصدد فإنه أصبح يقول لمن حوله إن الذي لا يقلقه الحاصل في مصر الآن، ينبغي أن يعرض على طبيب نفساني. حين رويت هذه القصص لمن أعرف، فإن أحداً لم يفاجأ بما قلت. ووجدت إجماعا منهم على أن أسئلة المستقبل على كل لسان، وأن ما يرفع من وتيرة القلق أنها بلا أجوبة. وهو بالضبط ما حدث في المشاهد الثلاثة التي ذكرتها، الأمر الذي جعل من الكلام حول المستقبل مجرد فرصة لبث الشجون، بأكثر منه استعراضاً للتصورات والسيناريوهات. ولست أخفي أنني قلت لمن سألني إن المجهول هو العنوان العريض للمستقبل، وإن من قال لا أدري فقد أفتى! وأخبرني المستشار طارق البشري بأنه خرج من محاضرته مقتنعاً بأنه لم يشف رغبات الجمهور، لأنه لم يكن لديه الكثير الذي يقوله عن المستقبل. أما الدكتور أبو المجد فقد اختصر رأيه في ترديد القول المأثور: ما المسؤول بأعلم من السائل! (2) قرأت في صحف الصباح أنه أثناء إعداد فيلم جديد باسم “ظاظا رئيس جمهورية” تطلب الأمر احتشاد 1500 شخص لتصوير أحد المشاهد  وحين وفر متعهد التجمعات  هكذا يسمونه  العدد المطلوب، فإن المخرج القى نظرة على الجمع المستدعى ولم يعجبه مظهرهم، فقرر عدم الاستعانة بهم في المشهد. وهو ما أحبط كثيرين منهم (أغلبهم من العاطلين الباحثين عن أي عمل)، فطالبوا بأجورهم ولكن المتعهد ماطل في الدفع، فما كان منهم إلا أن ثاروا وحطموا بعض الديكورات والكاميرات، الأمر الذي استدعى تدخل الشرطة التي أنقذت الموقف وألقت القبض على نفر منهم. ما استوقفني في القصة أن مثل هذا الانفعال الخشن غير مألوف في الشارع المصري، فليس من طباع عامة المصريين أن يثوروا هكذا بسرعة. والدراسات التي أجريت على الشخصية المصرية أجمعت على أن حبال الصبر والاحتمال عند المصريين أطول بكثير من غيرهم، وأحيانا أطول مما ينبغي. وهي ظاهرة إيجابية من وجه، لكنها قد تصبح سلبية من وجه آخر، خصوصا حين يصبح الصبر نوعا من الاستكانة أو الخنوع. ليست هذه حادثة وحيدة، لأن تجليات التوتر والغضب أصبحت متعددة في مصر، وهي أظهر ما تكون في الاحتكاكات ذات الطابع الطائفي، التي تتطور بسرعة ويتسع نطاقها، أحيانا من جراء حوادث لا تستحق الاشتباك أو يمكن علاجها بدونه. يلمس المرء أيضا ذلك التوتر في أوساط العمال، خصوصا في القطاع الصناعي الذي نشطت فيه عملية الخصخصة، وفي أوساط الطلاب، بل وفي محيط أساتذة الجامعات الذين شكل بعضهم حركة 9 مارس الرافضة لتدخلات الأمن في الجامعات، ولا يستطيع أحد في هذا السياق أن يتجاهل الحاصل في النقابات المهنية وما تشهده نقابات الصحافيين والمهندسين والأطباء دال على اتساع دائرة الاحتقان. أما الحاصل في محيط القضاء والنيابة فقد ملأ الدنيا وشغل الناس. لأن هذه القرائن لا تخطئها عين، فقد أصبح مصطلح “الاحتقان” شائعاً في مختلف الأدبيات التي تحاول توصيف الوضع الراهن في مصر. والاحتقان كلمة لا أصل لها في العربية ولكن المجمع اللغوي اعتمدها في دورة شهر ابريل من العام الماضي (2005) باعتبارها وضعا لحالة التوتر المكتوم المسكون بالغضب. إزاء ذلك، فلعلنا لا نبالغ كثيرا إذا ما قلنا إنه إذا كان “المجهول” عنوانا للمستقبل في مصر، فإن الاحتقان يظل عنوانا للحاضر. وذلك ليس شيئاً سلبياً دائماً، لأن الاحتقان في أحد أوجهه يظل تعبيراً عن حيوية المجتمع وعافيته، ورغبة في التطلع إلى مستقبل أفضل. لذلك فالمشكلة ليست في وجود الاحتقان، ولكنها تكمن في كيفية التعامل معه. ذلك أن كل نظام يواجه أزمات بدرجة أو أخرى. لكن كفاءة النظام وتميزه يقاسان بمدى نجاحه في إدارة الأزمة، بما يحول المحنة إلى فرصة لاستنهاض الهمم، من أجل التصحيح والتقدم والإنجاز. (3) لم أستغرب حين قرأت أن مصر حصلت على صوت واحد في انتخاب ممثلي إفريقيا في المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وهي العملية التي تمت قبل أسبوعين في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك وترتب عليها استبعاد مصر من عضوية المجلس. وحتى إذا سلمنا بإيضاحات وزارة الخارجية التي ذكرت أن مصر لم ترشح نفسها للعضوية أصلا، إلا أننا ينبغي أن نعترف بأن سمعة مصر في مجال حقوق الإنسان تأثرت سلباً في الآونة الأخيرة بوجه أخص، بسبب الممارسات الأمنية التي أفرطت في استعمال العنف ضد المتظاهرين والمعتقلين. وما حدث مع الشاب محمد الشرقاوي عضو حركة “كفاية” في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة، عقب اعتقاله في الأسبوع الماضي، يستحي المرء أن يذكره، ويستحيل عليه أن يجد له مبرراً. وإذا أضفت إليه العدوان المستغرب الذي تعرض له أحد القضاة، وما جرى لبعض الصحافيات اللاتي تم اعتقالهن في المظاهرات الأخيرة. ذلك كله، ونظائره التي لا يتسع المجال للتفصيل فيها، يخصم كثيراً من الجهد الذي يبذل لتحسين صورة مصر في حقوق الإنسان. وأهم من ذلك أنه يشي بالاتجاه إلى تصعيد العنف في مواجهة حركة المجتمع المدني الواعد في مصر، التي نحسب أنها من آيات الحيوية الجديرة بالتشجيع والحفاوة وليس بالقمع. من حيث انها تسعى إلى التعبير عن الرأي بصورة سلمية متحضرة تحترم القانون، وتقدم بديلا عن أساليب العنف والإرهاب. هذه الممارسات الأمنية التي سجلتها الصورة وفصلت فيها مختلف التقارير الصحافية المستقلة في داخل مصر وخارجها، من شأنها أن تفقد ثقة الرأي العام في الأحاديث الرسمية المتواترة عن موضوع الإصلاح، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنها أدت الى التشويش عليه وتراجع أولويته في الإدراك العام. وحين تصبح الصورة على هذا النحو فإن تزايد الاحتقان وشيوع الغضب يغدوان نتاجاً طبيعياً، لا غرابة فيه ولا شذوذ. في هذا الصدد فإننا يجب أن نعترف بأن الأضرار التي رتبها قانون الطوارئ تجاوزت بكثير أية مصالح يتصور البعض أنه حققها. فقد ثبت عمليا أنه لم يمنع الإرهاب، في حين أنه أطلق أيدي أجهزة الأمن بأكثر مما ينبغي، وأسس بمضي الوقت ما سمي بعقلية الطوارئ، التي لم تعد تتصور استمرار الحياة إلا في ظل الأوضاع الاستثنائية. وهو ما يخشى أن ينطبق على قانون الإرهاب، الذي خوفتنا بعض التصريحات من مضمونه، حين أوحت مثلا بأنه سيقتضي إدخال تعديلات دستورية، خصوصا في المادة 41 من الدستور المتعلقة بضمانات الحريات العامة (الأهرام 5/5/2006) وهو كلام إن صح فإنه سيعني أن القانون الجديد لن يكون في مستوى الآمال المعلقة عليه. (4) لست أفضل من يتحرى أسباب الاحتقان والغضب أو الحيرة في مصر. وأحسب أن الأمر أكبر من أن يحمل عبأه فرد بذاته، وإنما يحسن أن يكون موضوعا للحوار بين أهل الاختصاص والرأي المهمومين بحاضر مصر ومستقبلها. وإذا جاز لي أن ارشح عناوين وأسبابا للاحتقان والحيرة لأضعها بين يدي من يهمه الأمر، فإنني أزعم أن ثمة فجوات في الساحة المصرية تزداد اتساعاً حيناً بعد حين، سواء بين السلطة والمجتمع، أو بين الأغنياء والفقراء، أو بين الأقوال والأفعال، وبسبب تلك الفجوات يزداد الاحتقان وتتضاعف الحيرة، فيخيم الإحباط على الناس في الحاضر في حين تستبد بهم الحيرة عندما لا يرون أملاً واضحاً يطمئنهم إلى خيارات المستقبل. فيما يخص مصادر الاحتقان خذ مثلا قضية الحريات العامة في مصر، التي هي ملف معلق يقال في حقه كلام جيد طول الوقت، ولكن الممارسات العملية لا تؤيد دائما ذلك الكلام. سواء تمثلت تلك الممارسات في التدخل في الانتخابات او في معالجة موضوع الطوارئ والمعتقلين أو في حظر التظاهر السلمي، أو في تقييد حرية تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف أو في استقلال القضاء أو في حبس الصحافيين.. الخ. خذ ملف الخصخصة المثير للغط، سواء في دواعي بيع المؤسسات والشركات الرابحة، أو في تقييم تلك الشركات على النحو الذي تكشف في عملية بيع “عمر أفندي”، أو في النتائج المترتبة على البيع بما تستصحبه من تسريح أعداد كبيرة من العمال  تنضاف إلى طوابير العاطلين الطويلة  رغم الكلام المعلن عن الحفاظ على حقوقهم. خذ ملف أعباء الحياة المتزايدة التي باتت تثقل كاهل الفقراء، بعدما اتسعت دائرتهم والتحقت بهم شرائح واسعة للغاية من الطبقة المتوسطة. وهي الأعباء التي قصمت ظهور تلك الفئات، سواء تمثلت في تكاليف التعليم والعلاج أو في فواتير الكهرباء والهواتف والمواصلات أو في متطلبات المعيشة البسيطة، التي يمثل ما يسد الرمق حدها الأدنى. خذ ملف الفساد الذي تنكشف حقائقه حينا بعد حين، ومنها يدرك الرأي العام أن هناك محظوظين يتقلبون في الثروات الطائلة المقتطعة من المال العام، ولم يكفوا عن نهب موارد البلد بوسائل مشروعة أو غير مشروعة. بعضهم يفلت من العقاب بقوة نفوذه أو ماله (ممدوح إسماعيل صاحب العبارة التي قتلت ألف مصري من نماذجهم) أو بمقتضى حصانة منحت لهم تحت أي مسمى. أما الذين لا ظهر لم فإنهم يقدمون الى المحاكمة، وفيها نسمع قصصا تفوق الخيال عن فساد بعض النخب التي احتلت الصف الأول في جهاز الإدارة وقطاعات الإنتاج والخدمات. أما في ما يخص أسباب الحيرة إزاء خيارات المستقبل وبدائله فيحضرني أمران، أولهما شكل النظام السياسي في مصر، وهل هو رئاسي تكون الحكومة فيه مسؤولة أمام رئيس الجمهورية أم برلماني تصبح الحكومة في ظله مسؤولة أمام البرلمان، الأمر الثاني يتمثل في ملف توريث الحكم الذي جرى نفيه رسمياً بشكل حاسم طول الوقت، في حين أن ذلك النفي لم يقنع الرأي العام بعد، خصوصاً حين يرى البعض أن واقع الحال لا يعبر بشكل حازم عن استبعاد ذلك الاحتمال. هذه مجرد نماذج للعوامل التي أشاعت الاحتقان والحيرة في بر مصر. ولست اشك في أن لدى غيري أسبابا أخرى، ربما تعلق بعضها بمفارقات السياسة الخارجية (العلاقة مع حكومتي حماس و”إسرائيل” مثلا)، وما يهمني هو فتح باب المناقشة حول مصادر الاحتقان والحيرة، علنا نعرف على الأقل إلى أين نحن ذاهبون. (*) كاتب ومفكر من مصر (المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 6 جوان 2006)

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.