الثلاثاء، 6 يونيو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2206 du 06.06.2006

 archives : www.tunisnews.net


اللقاء الإصلاحي الديمقراطي: لماذا هذا الرعب لماذا هذا التصعيد ؟ إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل: بـلاغ إعلامــي  القدس العربي: الرئيس التونسي يعيّن مـسـؤولـيْـن لتولي إدارة الأمن والحرس الوطنيين يو بي أي: الرئيس التونسي يعيّن مـسـؤولـيْـن لتولي إدارة الأمن والحرس الوطنيين الصباح: الاحتكام إلى الدستور والقانون الوسط التونسية: هذه الثانية يا رئيس الجمهورية والثالثة ثابتة الوسط التونسية: على خلفية أنباء عن محاولة انقلابية قبل شهرين و تدنيس المصحف بسجن برج الرومي: إحالة القنزوعي إلى مهام أخرى نبيل الرباعي: وأخيرا سقط المجرم محمد علي القنزوعي افتتاحية الموقف: إمتهان للنخب التونسية المختار اليحياوي: صورة الجلاد: هذه قصة أخرى من حكايات الجلاد في هذه البلاد محمد بوسنينة: المعاهد التكنولوجية  .. إشكاليات تسبب  تراجع المردودية والنجاعة عبد الحميد الحمدي:  بعد تدنيس القرآن الكريم وإقالة القنزوعي: دعوة لإغلاق سجن برج الرومي الشروق: بالمناسبة: إلى أين تأخذنا «ماكينة» الكذب والاشاعات؟! برهان بسيس: مـرة أخــرى: المصحف فوق الرماح!؟ الطيب السماتي: المعارضة السورية تدعو لإسقاط النظام  و تطالب الأجهزة الأمنية بتحمل مسؤولياتها مصطفى عبدالله الونيسي: الديمقراطية: الوجه الآخر للإصلاح ! ! الصباح: قناة تونس 7 تقتني حقوق بث مقابلات تونس وحفل الافتتاح والدورين نصف النهائي والنهائي القدس العربي اي آر تي تختطف سلطة الكرة:قطع الحبل السرّي بين تلفاز الانظمة والشعوب عابد شارف: جمود اتحاد المغرب العربي يقلق أوروبا «الحياة» تحاور الفكر العربي: أين نحن في العالم؟ متى ينتهي الانحدار؟ أي دور للمثقف؟ …


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
بســم الله الرحمــان الرحيــم   اللقاء الإصلاحي الديمقراطي  

لماذا هذا الرعب لماذا هذا التصعيد ؟

 

تشهد الساحة السياسية هذه الأيام تحولا وتصعيدا خطيرا في تعامل السلطة مع أطراف المجتمع المدني، وكأن إذنا مسبقا وراحة بال وثقة في النجاح جعل منهجية العصا والترويع هي الغالبة على الإطار، ومهيمنة على منهجه، ودافعة للبلاد نحو المجهول.   ضُرب العلم وأحد أقطابه في تونس، ممثلا بداية في الدكتور المنصف بن سالم، فاعتدي على حريته وحرية أهله، ثم منعت بنات تونس المتحجبات من دخول الجامعات وإجراء الامتحانات، و ضُربت الصحافة ممثلة فيما تعرض له الصحافي الشاب سليم بوخذير من جور واعتداء، ثم تلاه تعرض سلك المحامين إلى محاولة تهميش استقلاليته وتقليص دوره، فاعتدي على بعض أساتذته..، ولم تتوقف منهجية العصا، بل طرقت مناطق كنا نظنها محرّمة، فاعتدي على تجمع للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي تحاول عقد مؤتمرها السادس ولم ينج  أعضاءها ولا المنتسبين إليها ولا المدعوون الأجانب الذين حلوا ضيوفا عليها من اعتداء وصدّ ومنع وطرد.   إن هذه الهيستيريا التي ألمّت بالسلطة في تونس ودفعتها إلى هذا السواد الذي غطى المشهد السياسي التونسي وأطفأ أي محاولة لإنارته، هذه الهيستريا زادتها تمكينا واستفحالا ما ثبت من اعتداء مريع على القرآن الكريم، وأكد أن منهجية جديدة بدأت تنسج أطرافها في تونس وهي غلق كل سبل الحوار وتمتين الإقصاء والترويع، والاستخفاف بكل ما هو مقدّس، كان حرمة إنسان أو وطن، أو حرمة كتاب كريم.   أمام هذا المشهد الخطير الذي يجعل كل البلاد واستقرارها على كف عفريت، يعظم مسؤولية التفاعل والتفعيل، ويوجب مخاطبة كل الأطراف بخطاب واضح وصريح لا ينتابه أي مجاملة أو تملق أو خوف، فالوطن في خطر ومسؤولية الجميع عظيمة في هذا السياق.   واللقاء الإصلاحي الديمقراطي من منطلق استجابته لتحمل دوره كاملا في التصدي لهذا المسار المتصاعد نحو مناطق الخطر يدعو إلى ما يلي :   * يؤكد على استنكاره وتنديده بما تتعرض له أطراف المجتمع المدني أفرادا ومجموعات من اعتداء وترويع، ويقف بكل ما أوتي من مساحة فعل إلى جانبهم، من مواطنات شريفات  وسلك المحامين والصحافيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.   * يعتبر أن المساس بالمقدسات وعلى رأسها ما تعرض له القرآن الكريم من تدنيس، أمرا خطيرا لا يجب الاستهانة به واعتباره من العموميات، بل يؤكد عمق الحالة الأخلاقية المتدهورة تجاه المقدّس عموما سواء كان كتابا شريفا أو إنسانا مكرّما.   * يرى أن المسؤولية الأولى في هذا التصعيد تعود أساسا إلى أطراف في السلطة استطاعت أن تهيمن على مواقع القرار وتدفع بالبلاد نحو مناطق التوتر والمواجهة، ناشدة مصلحتها على حساب مصلحة الوطن.   * يدعو المعارضة إلى عدم الاستجابة لمسلسل التصعيد و عدم بناء مشروعها المقاوم على ردات الفعل والمواجهة، وعدم السقوط في محاولات الاستفزاز والإثارة، كما  ينبه اللقاء إلى مزيد من الرشد والوعي في تبني منهجيات الدعوة إلى التصعيد والمواجهة دون فهم كامل بثقافة التونسي وعقليته، وتفهم ما يستطيع حمله وتحمّله، و دون اعتبار لمتطلبات المرحلة، و فقه بالتحولات الخارجية الحاصلة.   و اللقاء يعتبر أن هذا المسار التصعيدي الجديد قد وقعت تجربته في التسعينات ضد أطراف أخرى من المجتمع المدني ممثلا في الحركة الإسلامية، وقد أثبت عقمه وفشله ولم يزد أصحابه إلا تمكنا وثباتا وانتهى إلى ظهور حالات من التطرف والمغالاة بعدما أقصيت الوسطية والسلمية من المشهد. وهذه العودة المنشودة للحوار لن تكون ناجحة وتؤتي أكلها إذا بقيت في إطار الترقيع والتلفيق واستماتة في الإقصاء، لذلك فإن إلزاميات هذه المرحلة الدقيقة ومسؤلياتها العظيمة تتمثل أساسا في عدم غلق قنوات الحوار ورفض الإقصاء والتهميش، والدخول في مسار سياسي سليم يستوعب كل الرؤى والأطروحات، ويتأسس على إفراغ السجون كلية من مساجين الرأي، ومصالحة وطنية لا تلغي ولا تقصي ولا تهضم حقوقا ولا تسكت عن واجبات، وتمكّن لديمقراطية سليمة وغير مغشوشة.   عن اللقاء الإصلاحي الديمقراطي د.خالد الطراولي باريس في 5 جوان 2006 الموافق ل 9 جمادى الأولى 1427   المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net  


 
إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل   بـــلاغ إعلامــــي             
                                                                     تونس في/ 06/ 06  2006     إثر التحاق عدد من أعضاء إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل يوم أمس الاثنين 05/06/2006 بمقر وزارتي « التشغيل و الإدماج المهني » و « التعليم العالي » للمطالبة بحل عديد من الملفات التي أودعت لدى الوزارتين في فرص سابقة، قامت قوات البوليس كعادتها بإغلاق مدخل وزارة التعليم العالي أمام أعضاء الإتحاد و عددهم 14 عضوا و اقتادتهم عنوة إلى منطقة الأمن بباب بحر، و قد طلب منهم بعد اعتقال دام عدة ساعات الإمضاء على التزام بترك النشاط صلب الاتحاد و التهديد بتهمة الانتماء لجمعية غير قانونية.
    و أمام حالة الارتباك التي صاحبت الإجراءات البوليسية نتيجة تنظيم تحركات أعضاء الاتحاد و رفضهم الجماعي و القطعي التخلي عن حقهم في الشغل و تمسكهم باتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل كهيكل شرعي يتبنى الدفاع عن هذا الحق، فقد تم الإفراج عن 13 عضوا في حدود الساعة الثانية ظهرا مع الاحتفاظ بالرفيق سالم العياري و محاولة مقايضته بالعمل مقابل التخلي عن الاتحاد.
    و قد اعتصم بقية الرفق أمام مقر المنطقة مطالبين بإطلاق سراحه أو إعادة اعتقالهم، و جوبهوا بجملة من المضايقات و الاستفزازات في محاولة لإبعادهم من أمام منطقة البوليس.
و في حدود الساعة الخامسة قام أعضاء الاتحاد بمساندة بعض الحساسيات السياسية و النقابية بالاعتصام داخل بهو المنطقة حيث تم الإفراج عن الرفيق سالم العياري بعد ساعات من الهرسلة و التهديد بالسجن.
و بناء على جملة الأحداث و المعطيات يعلن أعضاء الاتحاد:
§        تمسكهم باتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل. §        تمسكهم بحق الجميع في الشغل. §        مقاومتهم لكل أساليب الهرسلة المتبعة ضدهم. §        رفضهم تخلي المسؤولين الإداريين عن مسؤولياتهم و تحويل الملفات إلى وزارة الداخلية.
    هذا و يدعو أعضاء الإتحاد كافة المعطلين من ذوي أصحاب الشهادات و اللجان الجهوية مساندتهم و الالتحاق بالاتحاد على أرضية الأهداف المعلنة في البيان التأسيسي لتوحيد الصف و تدعيم الحركة النضالية.
قائمة الموقوفين:
سالم العياري، الحسن الرحيمي، فلة الرياحي، شريف الخرايفي، مسلم الفرجاني، سامي العماري، عفيف الهادفي، الصحبي سمارة، وليد الطرخاني، عادل بن الحاج حسن، طارق قويدري، لسعد الغرياني، وليد العزوزي، وليد حمام.                                     عن الهيئة التأسيسية                      لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل   unionchomeur1@yahoo.fr E-MAIL : TEL :97433958  

     اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل   بــــــــلاغ إعلامــــــي
                                                                         تونس في01 / 06 /2006            في إطار مواصلة التحركات الميدانية قام ممثلون عن الهيئة التأسيسية ″لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل″بالعودة لوزارة التربية و التكوين المهني بعدما تقدم الاتحاد بمراسلة لحل الملفات لذوي الأولوية و أصحاب الحق في الشغل.   
ولكن أعوان الوزارة قاموا بمنع أعضاء الهيئة من الدخول حيث قاموا بإغلاق باب الوزارة بالمفتاح لمنع الهيئة من ارتياد الوزارة ومناقشة المسؤولين في ما سبق ذكره كما تم منع المواطنين وبحضور البوليس الذي التحق بكل تشكيلاته من الدخول إلى الوزارة لقضاء شؤونهم وقد عبر البعض منهم عن استياءهم وغادروا المكان وهم يتساءلون عن جدوى وجود وزارة تغلق أبوابها في وجهم ، أما أعضاء الهيئة فقد اعتصموا أمام مقر الوزارة بعد رفضهم محاورة أحد المسؤولين والذي أراد محاورتهم خارج الوزارة بدعوى أن الوزارة تحضر للامتحانات وغيرها من الحجج الواهية المألوفة، وقد اعتدى أعوان الإدارة وبوليس الوزارة على الرفيق (سالم العياري) أحد أعضاء الهيئة التأسيسية عند محاولته الدخول إلى الوزارة وقد أصيب في يده بعد غلق الباب عليه كما قام البوليس بتطويق المكان ومحاولة طرد أعضاء الهيئة من أمام الوزارة والذين واصلوا  اعتصامهم رافعين لافتات الاتحاد حتى مقابلة المسؤولين وتقديم الملفات وفي الأخير رضخت الوزارة وذلك بتفويض مسؤول عن إدارة التعليم الثانوي لمقابلة ممثل عن الهيئة وقد قدمت له الهيئة قائمة اسمية ملحقة بملفات المعطلين عن العمل.
         وعليه يعلن ″اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ″ استنكاره لما أقدمت عليه وزارة التربية والتكوين المهني ويؤكد مواصلته النضال من أجل تشغيل المعطلين عن العمل بكل الأساليب المشروعة.
كما يهيب الاتحاد بكل مكونات الحركة الديمقراطية مساندته من أجل أهدافه وحقه المشروع ويدعوا كل المعطلين عن العمل للالتحاق بالاتحاد على أرضية أهدافه المعلنة.                                                                     عن الهيئة التأسيسية                                                          اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل


بيان
على اثر ايقاف 14 مناضلا من الاتحاد العام لطلبة تونس وحملة الشهائد المعطلين عن العمل، بعد قيامهم بجملة من التحركات وتوجههم لوزارة التشغيل ووزارتي التعليم العالي والتربية والتكوين للمطالبة بتشغيلهم، يهمنا ان نتوجه الى الراي الوطني والعالمي بالاتي :
لقد راسلنا منذ بداية السنة وزارة التربية في عديد الحالات من ضمنها من تجاوز التسع سنوات بطالة ومن قضى عديد السنوات يعمل بصفة معلم معوض، الا اننا وقفنا على حقيقة ما يتداوله الشارع من ان عملية الانتداب اصبحت تخضع للمحسوبية والرشوة والترضيات مما حول وزارة التربية الى سوق تتغير فيه تسعيرة الانتداب من متدخل الى اخر. كما اننا نفتح باب التساؤل عما اذا كان هناك من يعاني من العطالة من ابناء المسؤولين والوزراء واعضاء الحكومةمثلما يعاني ابناء شعبنا، وعليه فاننا نعلن عن:
1- وقوفنا المبدئي الى جانب رفاقنا الذين اختاروا خوض معركتهم العادلة حتى النهاية. 2- دعوتنا الى فتح تحقيق حول المحسوبية والرشوة والترضيات في الانتداب حتى وان كان المنتدب ممن يتكلم باسم الاتحاد على غرار منير خير الدين الذي تحول الجهاز الامني وسيطا ينتدب له المناضلين وهو ما وقع مع الموقوفين بدعوتهم الى الالتحاق بلجنة السيد خير الدين باعتباره معتدلا ولما لا بمجموعة الشيوعيين الديمقراطيين. 3- ان هذا الملف هو ملف خلاف رئيسي مع وزارة التربية وسيكون الملف الاساسي في انطلاقة السنة الجامعية المقبلة والموضوع الرئيسي لتحركاتنا.
ختاما نهيب بكل القوى الوطنية القوف الى جانبنا حتى تحقيق اهدافنا
عاش الاتحاد العام لطلبة تونس مناضلا،مستقلا وديمقراطيا
عن المكتب التنفيذي شاكر عواضي
 

عاملات فنطازيا تساندن

المجتمع المدني التونسي: تحية إلى اليسار والى الأمام :

بعد احتفالهن بكل فخر واعتزاز بمرور سنة كاملة من النضال تعلن عاملات فنطازيا رسميا أن الشكل النضالي المقبل الذي سيتم اللجوء إليه بعد الاعتصام والإضراب عن الطعام هو التضامن المطلق مع المجتمع المدني التونسي وذلك يوم 7  نوفمبر 2009 إيمانا منهن بأن المعارضة خيار جماهيري لا بد من دعمه والترويج له اعتمادا على الشعارات المركزية التالية: 1- الديمقراطية : »ماء جهنم » كلما سكبته في الشارع أصبح دما وطنيا رخيص الثمن 2- التعددية : غلام سياسي إشهاري يضحك يوما ويبكي سنوات 3- النضــال: طبق سياسي بغلال البحر لتجريب الروح الوطنية ممزوجة بشراب الروم. مواطن متربص بشركة طارق ابن الوطن :(صوت من لا صوت له)

 

الرئيس التونسي يعيّن مـسـؤولـيْـن لتولي إدارة الأمن والحرس الوطنيين

تونس ـ يو بي أي: أعلن مصدر رسمي امس الاثنين أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قرر تعيين مسؤولين جديدين لتولي ادارة الأمن الوطني والحرس الوطني. وقالت وكالة الأنباء التونسية نقلا عن رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي، الذي اجتمع امس مع بن علي بحضور وزير الداخلية رفيق بالحاج قاسم، ان الرئيس التونسي قرر تعيين عبد الستار بنور مديرا عاما للأمن الوطني خلفا لمحمد علي القنزوعي الذي سيدعي لمهام أخري. وأضافت أن بن علي قرر أيضا تعيين عبد الرحمن الامام مديرا عاما للحرس الوطني (الدرك). ولم توضح الوكالة التونسية طبيعة المهام الأخري التي سيتولاها محمد علي القنزوعي الذي كان يتولي الأمن الوطني بصفة مساعد لوزير الداخلية (كاتب دولة لدي وزير الداخلية مكلفا بالأمن الوطني). كما لم توضح أيضا الأسباب الكامنة وراء هذه التغييرات الأمنية. يشار الي أن هذه هي المرة الثانية التي يعفي فيها محمد علي القنزوعي من مهامه كمدير عام للأمن الوطني، اذ كانت الأولي بعد أيام قليلة من الاعتداء الارهابي الذي استهدف معبد الغريبة اليهودي بجزيرة جربة التونسية في الحادي عشر من نيسان/ابريل 2002. وتولي القنزوعي خلال فترة ابتعاده عن الأمن الوطني التي تواصلت لأكثر من ثلاث سنوات، عدة مناصب هامة منها سفير تونس لدي سورية، ليعود الي منصبه السابق في 21 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 6 جوان 2006)  

الاحتكام إلى الدستور والقانون

كمال بن يونس قرر سيادة رئيس الدولة زين العابدين بن علي أمس إدخال تعديل جزئي على الحكومة والادارة العامة للامن الوطني والادارة العامة للحرس الوطني.. هذا التعديل يكرس الحقوق والمسؤوليات التي ضمنها الدستور لرئيس الدولة من حيث حقه في تعيين أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في الدولة ..وكل تعديل – شاملا كان أم جزئيا – يكرس قاعدة التداول على المسؤوليات ..حسب خصوصيات كل مرحلة ومستجداتها السياسية والامنية ..وفق الأولويات السياسية للدولة بثوابتها ومتغيراتها .. وقد جاء هذا التعديل في مرحلة سياسية تشهد حركية وديناميكية على صعيدي المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني.. تعاقبت خلالها المستجدات السياسية ..وهو ما يستوجب مواكبة لها حسب حاجيات الدولة ومصالحها العليا خلال المرحلة القادمة ..ضمن الثوابت والأولويات التي رسمها رئيس الدولة.. وإن كل القوى الوطنية تتطلع وراء كل تعديل سياسي إلى مزيد الحزم في تكريس الدستور والقانون والمبادئ التي دعا لها بيان السابع من نوفمبر ..ومنها التفاعل إيجابا مع ما بلغه الشعب التونسي من نضج ووعي ثقافي وسياسي عبر تطوير واقعه الإعلامي والسياسي حتى يعكس تطلعات الأجيال الجديدة من الشباب من الجنسين ..والتفاعل مع مشاغلها ومطالبها المشروعة في إطار القانون.. إن الامن والاستقرار أولوية الاولويات ..فلا تقدم ولا تنمية ولا ديمقراطية مع الفوضى والتسيب .. في نفس الوقت فإن بيان 7 نوفمبر راهن منذ اليوم الاول للتغيير على التوازن بين الحقوق والواجبات ..بين مكافحة الفوضى والتسيب من جهة ومحاربة الظلم والقهر من جهة ثانية ..وفق نصوص القانون والدستور ..دون تجاوزات في هذا الاتجاه أو ذاك .. إن حماية أمن البلد والمجتمع مسؤولية جماعية بين كل المواطنين.. ورجال الامن من كل الاختصاصات يلعبون دورا كبيرا في مكافحة الانحراف والجريمة والتجاوزات للقانون في مجالات عديدة ..والمطلوب تطوير أساليب التحرك الامني في نطاق إحترام مبادئ حقوق الانسان والخيار الديمقراطي الذي تم التنصيص عليه بوضوح في فصول عديدة من الدستور التونسي والقوانين المنظمة للحياة الإعلامية والسياسية .. وعسى أن تشهد المرحلة القادمة تحمسا جماعيا أكبر لمشروع بناء تونس الغد ..بما يضمن مصالح الشعب التونسي حاضرا ومستقبلا.. (المصدر: افتتاحية جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 6 جوان 2006)  

على خلفية أنباء عن محاولة انقلابية قبل شهرين و تدنيس المصحف بسجن برج الرومي:

إحالة القنزوعي إلى مهام أخرى

الوسط التونسية – خاص- مُـرسـل الكسيبي اجتمع الرئيس بن علي صباح يوم الاثنين الخامس من جوان بالسيدين محمد الغنوشي الوزير الأول ورفيق بلحاج قاسم وزير الداخلية والتنمية المحلية .
وأعلن الوزير الأول أن الرئيس بن علي قرر تعيين السيد عبد الستار بنور مديرا عاما للأمن الوطني وتعيين السيد عبد الرحمان الإمام مديرا عاما آمرا للحرس الوطني.
وسيدعى محمد على القنزوعي إلى مهام أخرى . وبحسب مصادرنا في تونس فان قرار التعديل الأمني البارز أتى على خلفية محاولة لامتصاص حالة الغضب العارم التي عمت الشارع التونسي والمجتمع المدني بعد تأكد أنباء تدنيس المصحف الشريف بسجن برج الرومي بمدينة بنزرت التونسية. هذا وأكدت بعض المصادر الأخرى للوسط أن التحوير الأمني الهام أتى أيضا على خلفية صراع غير معلن على هرم السلطة بعد تسرب أنباء عن محاولة انقلابية من داخل بعض أجنحة الحكم… وقد أكدت نفس المصادر بأن خيوط محاولة انقلابية تكون قد اكتشفت منذ ما يزيد عن شهرين تحديدا,فيما أضافت جهات أخرى قريبة من دوائر الحكم بأن شخص محمد علي القنزوعي لم يكن منذ فترة محل ثقة الرئيس بن علي وأنه كان على علاقة وثيقة بأطراف تطمح إلى خلافته في مؤسسة الرئاسة. وفي سؤال توجهت به الوسط التونسية لإحدى الشخصيات البارزة التي لازالت على صلة وثيقة بجهات مسؤولة عن خلفيات تنحية القنزوعي فان الجواب جاء قاطعا بأن القنزوعي لم يكن يوما ما محل ثقة شخصية من قبل الرئيس التونسي وانما ثمة أطراف أخرى نافذة في الحكم دفعته الى مثل هذا الاختيار. (المصدر: مجلة « الوسط التونسية » الألكترونية الصادرة يوم 6 جوان 2006)  

هذه الثانية يا رئيس الجمهورية والثالثة ثابتة

عبدالباقي خليفة -الوسط التونسية – خاص قبل عدة سنوات حذر الشيخ عبد الرحمن خليف رحمه الله الرئيس بن علي من محاولة انقلاب ،ولكن الرئيس سرعان ما قلب ظهر المجن للشيخ وسلط عليه كلابه في البرلمان مما اضطر الرجل الطيب، طيب الله ثراه ، لترك زريبة الخنازير، كما كان يُطلق على البرلمانات الاوروبية في القرون الوسطى، بعد أن عجز عن تنظيفها . ولم تكن تلك المرة الاولى التي ينقلب فيها بن علي على من قدم له مساعدة ، ولم تكن المرة الاولى التي يلدغ فيها أناس مستعدين لاحترام تعهداتهم وكلمتهم ، فقد تم اضطهاد وقمع المعارضة ولا سيما المعارضة الاسلامية ، بشكل يذكر بالستار الحديدي ،والتمييز العنصري في جنوب افريقيا ،و معاناة الفلسطيين على يد النازيين الجدد من الصهاينة في فلسطين ، ومذابح البوشناق والالبان المسلمين على يد الفاشيين الجدد في يوغسلافيا السابقة . واليوم يتم انقاذ بن علي مرة أخرى من مشروع انقلاب ، فما هو فاعل ؟ ! هل سيستمر بن علي في احتضان الافاعي ،مغتر بلين ملمسها ، بعد أن ظهرت له في أشكال قطط وديعة ، قتلتها الغيرة . هل سيستمر في الاستماع للمنافقين الذين يقولون له كلاما يظهر الولاء والاخلاص و يبطن الخيانة و انتظار ساعة الانقضاض ، لتداول مواقع الاستبداد ، وتشبيب الديكتاتورية والقمع وارهاب الشعب ولا سيما المعارضة . ألم يأن لبن علي وهو في هذه السن ،أن يفكر في التاريخ ، وفي الناس الذين يحترمون تعهداتهم لانها دين بالنسبة لهم ، وليست مجرد اتفاقات سياسية ،لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه . إننا لا نقول هذا الكلام من منطلق ضعف، بل بمدى شعورنا بالمستقبل المظلم الذي ستواجهه بلادنا في حال استمر الوضع على ما هو عليه: * شعورنا بأطماع الاجنحة داخل الحكم في السيطرة على البلاط . * بعمل البعض على تدخل فرنسا عسكريا في تونس في حالة اندلاع حالة من الفوضى بالبلاد . * بعمل البعض الآخر على تدخل أميركي في بلادنا يسبق الحضور الفرنسي . * والخوف من انقسام الاجهزة ومحاربة بعضها البعض * بتهافت بعض الوكلاء على تقديم أنفسهم كبدائل جديرين بالثقة والمحافظة على مصالح هذا الطرف أوذاك . والحل في نظري كما أطرحه على الرئيس بن علي يتمثل في الآتي: 1 ) إصدار عفو عام عن المساجين والمغتربين ووقف التتبعات القضائية الجائرة بحقهم و منح التونسيين بالخارج جوازات سفرهم المحجوزة . 2 ) إلغاء المنشور 108 سئ الذكر 3 ) السماح للاحزاب و التنظيمات السياسية باصدار الصحف و النشاط العلني 4 ) النسج على منوال النموذج المغربي في المصالحة الوطنية وتعويض ضحايا التعذيب في عهد القنزوعي 5 ) تعهد الاحزاب والتيارات السياسية بدعم الرئيس بن علي في إطار اتفاق دستوري يمنع منعا باتا لا يقبل المراجعة و التصويت الترشح لمنصب الرئيس أكثر من دورتين ( بعد عمر طويل ) 6 ) يراجع قانون الصحافة و قانون تنظيم سلك المحاماة و جميع القوانين الجائرة 7 ) اشراك التيارات والاحزاب السياسية في ايجاد حلول اقتصادية لمشاكل البطالة و الشباب 8 ) افساح المجال للاحزاب السياسية في وسائل الاعلام الوطنية كالمشاركة في الندوات و اللقاءات المختلفة دون انتقاء أو إقصاء 9 ) إعادة الممتلكات المصادرة من المعارضين فورا 10 ) إعادة تأهيل المساجين و تمكين الكوادر منهم من العودة لإعمالهم السابقة ووقف الملاحقات البوليسية و التوقيع في مراكز الشرطة . هذه شروط وقف الطوفان القادم لمن ألقى السمع وهو شهيد فهل تستثير هذه في بن علي العقلاني مكامن العقل والسياسة والكياسة ، أم تدفع ببن علي الصدامي للتكبر في غرور. هذه الثانية يا بن علي والثالثة ثابتة كما يقولون. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد. (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الالكترونية يوم 6 جوان 2006)

وأخيرا سقط المجرم محمد علي القنزوعي

بقلم : نبيل الرباعي   « أعلن الوزير الأول أن رئيس الجمهورية قرر تعيين السيد عبد الستار بنور مدير عام الأمن الوطني وتعيين السيد عبد الرحمان الإمام مديرا عاما آمر الحرس الوطني وسيدعى السيد محمد علي القنزوعي إلى مهام أخرى ».   انتهت قمة المعلومات وحلت قمة انتهاك حرية الأشخاص وقمع تحركات المعارضين السياسيين ، المحامين ، الحقوقيين والطلبة وذلك بتنصيب محمد علي القنزوعي ككاتب دولة مكلف بالأمن الوطني.
منع انعقاد مؤتمر رابطة حقوق الانسان ومحاصرة مقرها وإعلان حالة الطوارئ ومنع قياداتها ومنتسبيها من الحضور وإجبارهم على البقاء في منازلهم. استدعاء الأستاذ الشيخ المناضل عبد الفتاح مورو العديد من المرات ومضايقته وتهديده من طرف أمن منطقة قرطاج. منع ارتداء الحجاب. استدعاء رموز المعارضة ومضايقتهم. منع الطالبات المتحجبات من إجراء الامتحانات النهائية. مضايقة الإسلاميين من جديد ومطالبتهم الحضور لدى مراكز الأمن للامضاء. محاصرة أمنية لقصر العدالة كسابقة لم تشهدها البلاد من قبل والاعتداء الجسدي على المحامين.          منع مجموعة حركة 18 أكتوبر من الاجتماعات والتحركات ومضايقة أفرادها.          تدنيس القرآن الكريم بالسجن المدني ببرج الرومي من ولاية بنزرت اللعين تعذيب المساجين بالسجون.
         تكوين مجموعة ما اصطلح على تسميتهم بالمبادرة الباريسية هدفها الأساسي ضرب المعارضة في الداخل والخارج وإذلال كل المعارضين واستقطاب من اختلفوا مع توجهات حركة النهضة وأعيتهم أعباء الهجرة والبعد عن الأهل والذين ينتظرون الفرج للعودة إلى أرض الوطن أمثال الأخ الأزهر عبعاب وبهذه المناسبة أدعوه إلى الرجوع إلى الجادة وعدم العيش في الأحلام ومغالطة نفسه والرأي العام وليتذكر نفسه يوم كان زعيم الكتلة الراديكالية في الطلبة الإسلاميين وأحد مهندسي خطف العميد.          وكل هذا تعفين للأوضاع ورفع سقف التوتر وفبركة المشاكل مع مكونات المجتمع المدني وكل هذا وإن دل على شيء فإنه يدل على تآمر ضد رئيس الدولة بقيادة المجرم محمد علي القنزوعي ويرى بعض المطلعين على الوضع السياسي بتونس أن هذه الهجمة الهستيريا التي تستهدف الحريات العامة والخاصة والتعدي على حقوق المواطنة تقوي نقمة الناس وبذلك تهيأ أرضية ملائمة لمحاولة الانقلاب والإطاحة بنظام بن علي.   وفي الأخير أدعو فخامة رئيس الدولة إلى بعث لجنة للتحقيق في التجاوزات سالفة الذكر وذلك لتصفية وتنقية الأجواء السياسية واتخاذ بعض الإجراءات الإنسانية كاطلاق سراح المساجين وعودة المغتربين بدون قيد أو شرط.   حرر بتونس في :الاثنين 05 جوان 2006   *  سجين إسلامي سابق الهاتف : 361.487 98 E-mail : rebai_nabil@yahoo.fr  


 

افتتاحية الموقف:

إمتهان للنخب التونسية

 

ما تعرض له رموز من النخب التونسية يوم السبت 27 ماي الماضي من إهانات وعنف منفلت وإذلال مقصود، لمجرد محاولتهم حضور مؤتمر جمعية قانونية، هو لحظة لا يمكن أن تُنسى أو تُطوى في لفائف التاريخ. فبعد نصف قرن من الإستقلال تتعامل الدولة وممثلوها مع المسؤولين في منظمات وطنية وأحزاب شرعية بأسلوب يدوس الكرامة ويخدش الكبرياء ولا يليق إلا بمجموعات موتورة تطلق الألفاظ النابية وتستعمل قاموسا حزبيا من أسفل السلم، بينما كان يُفترض أن تكون محايدة في الصراعات وأن تسهر على حماية المواطن والذود عن كرامته مهما كانت آراؤه ومواقفه.

 

والأنكى من ذلك أن السيدات هن اللائي تعرضن لأقصى درجات العنف وأفظع أنواع التنكيل وأقسى الشتائم وكن مستهدفات بصفتهن نساء في ظل حكومة يزعم إعلامها أن المرأة حظيت بما لم تحظ به من قبل من مكاسب وحقوق. بلى، لقد حظيت المرأة (وخاصة المثقفات) بقدر غير مسبوق من المهانة وإهدار الكرامة الإنسانية على نحو لم يجد له أحد تفسيرا ولا تبريرا.

 

وفي الوقت الذي كانت وجوه من النخبة التونسية تُسام العسف والمهانة بقدر لم تتخيله أبدا في ظل دولة الإستقلال، كان الحكم يضرب مثلا على النمط الذي لا يرتضي سواه لنخبنا: نمط التزلف والرياء، فهو يغدق الجوائز مكافأة لمن يتقن حمل المباخر ويتجاهل، بالمقابل، من صانوا محراب الإبداع وأثروا المشهد الثقافي وكانوا على درجة كبيرة من عزة النفس من أمثال توفيق بكار وفاضل الجعايبي وهشام جعيط ومنصف الوهايبي وجليلة بكار وغيرهم كثير.

 

وما من شك في أن هذين الأسلوبين في التعامل مع النخب يدلان على تعمَق القطيعة بين الدولة وشرائح مهمة من المجتمع، بالإضافة لما يرمز إليه انتشار التململ والغضب بين أسرة التربية بمختلف مراحلها، كما أكدت ذلك الإضرابات المتكررة، وبين المحامين والقضاة والصحافيين… وحكومة هذا حالها لا يمكن أن تجد سوى القوة لغة للتعاطي مع المجتمع، لكن إلى متى سينفع هذا الأسلوب؟

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 362 بتاريخ 2 جوان 2006)


 
صورة الجلاد  

هذه قصة أخرى من حكايات الجلاد في هذه البلاد

علاقة الإنسان مع السلطة في المجتمع المتخلف، و علاقة هذه معه خاصة جدا. السلطة لا تعرف من الأساليب للتعامل سوى الإرهاب و القمع، سوى الإخضاع دون حدود أو هي تنحو منحى التضليل… ليس هناك علاقة تكافئ أو حوار بين السلطة و الجماهير في المجتمع المتخلف. ليس هناك اعتراف متبادل و سير متبادل للالتقاء عند نقطة تحفظ توازن العلاقة في مناخ مرن و متكيف. السلطة لا تريد مواطنين بل أتباعا، إنها تخشى المواطنة التي تعبر عن ذاتها، تخشى المواطنة التي تنزلها من مكانتها الجبروتية إلى مستوى اللقاء الإنساني. فالسلطة قطعية تصاب بالذعر من اللقاء الإنساني مع المواطن، ذلك اللقاء الذي يتضمن اعترافا متبادلا و تسائلا متبادلا في الوقت نفسه. إذ أن السلطة في المجتمع المتخلف تخشى وضعها موضع التساؤل و هو شرط الاعتراف بشرعيتها.   د. مصطفى حجازي : التخلف الاجتماعي –  صفحة 195   المصدر منظمة حقوقية وطنية قانونية و معترف بها لمن لا يفهمون القانونية إلا في ما يعترف به السلطان للرعية. خلاصتها  » أن السجين أيمن بن بلقاسم الدريدي المحال بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب في القضية التحقيقية عدد 1/1110، تعرض لتعذيب فضيع بالضرب بالفلقة والدهس بالأرجل والضرب على كامل أنحاء الجسم، يوم الخميس 04 ماي 2006، وذلك من طرف مجموعة من الأعوان بإذن من مدير السجن المدعو عماد العجمي لأنه اشتكى لعائلته من حبسه في عزلة في زنزانة انفرادية منذ نقلته من السجن المدني بتونس في خلاف تام لقانون السجون.   وإثر ذلك تقدم محاميه بشكاية في حقه من أجل التعذيب وغيرها من الجرائم المصاحبة مطالبا بفتح تحقيق عاجل وعرضه على الفحص الطبي بصفة عاجلة لمعاينة الأضرار الحاصلة له وحتى لا تندثر آثارها بمرور الوقت. فسجلت الشكاية بالمحكمة الابتدائية ببنزرت بتاريخ 17 ماي 2006 تحت عدد 2006/11018 وأذنت النيابة بجلب الشاكي من السجن لسماعه وحرر عليه يوم 20 ماي 2006 من طرف السيد مساعد وكيل الجمهورية.   وبلغ لعلم الرابطة أنه كان من نتيجة ذلك تعرض السجين أيمن الدريدي لاعتداء جديد من طرف نفس المدير وأعوانه الذي زيادة على الاعتداء الجسدي قام بضربه بمصحف ثم ركل المصحف عند سقوطه أرضا. وأمام احتجاج السجين أيمن الدريدي على هذا الاعتداء الشنيع عاقبه مدير السجن بوضعة في السيلون ومنع عائلته من زيارته. وقد أعلمتنا والدته أنها تحولت إلى السجن يوم 25 ماي 2006 ويوم 01 جوان 2006 وفي كل مرة يطردها الأعوان بدعوى أن ابنها معاقب وممنوع من الزيارة. وبلغ لعلم الرابطة أن هذا السجين دخل في إضراب عن الطعام احتجاجي وهو لا يزال يواصله وقد أصبحت حالته الصحية متدهورة جدا. »
انتشار هذا الخبر عقبه صدر توضيح رسمي ورد فيه « نفت وزارة العدل التونسية حدوث أي تدنيس للقرآن الكريم في سجن برج الرومي بمدينة بنزرت أو في غيره. وقالت الوزارة في توضيح بعثت به للجزيرة إن مصالح السجون التونسية تحرص على إتاحة الفرصة لجميع السجناء للقيام بواجباتهم الدينية, واستدركت أن البحث جار للوقوف على ملابسات ما وصفتها بادعاءات… » و في اليوم الموالي 4 جوان 2006 ورد خبر مقتضب في مختلف الصحف مضمونه  » أعلن مصدر رسمي أنه تبعا للبيان الصادر بإمضاء السيد على بن سالم و لما تضمنه هذا البيان من مزاعم بسوء معاملة مساجين و مس بحرمة المصحف الشريف أذنت النيابة العمومية بفتح تحقيق قضائي حول الملابسات المتعلقة بهذه المزاعم و تحديد المسئوليات. و تبين من البحث المجرى في الغرض مع مختلف الأطراف المعنية أن هذه المزاعم مختلقة و لا أساس لها من الصحة وتم تبعا لذلك و طبق ما يقتضيه القانون الاحتفاظ بالسيد على بن سالم و تقديمه لقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية ببنزرت الذي أذن بالإبقاء عليه بحالة سراح اعتبارا لتقدم سنه و لحالته الصحية و بمواصلة الأبحاث في الموضوع… »
قد يبدو المهم في هذه القضية التنازع حول الجلاد و الضحية و لكن البيانات الرسمية لم تنظر للموضوع من هذه الخلفية. بل أنها حددت مهمة البحث في الوقوف على ملابسات هذه الادعاءات التي تبين لها أنها مختلقة ولا أساس لها من الصحة لتتحول التهمة من الجلاد إلى من تجرأ على طلب الإستنجاد.
الثابت الوحيد الذي يمكن تحصيله من هذه الواقعة يقع في الحقيقة خارج إطار أحداثها ليذكرنا بأن القاضي و الجلاد كائنان لا يلتقيان بمعنى أن وجود أحدهما ينفي وجود الآخر من أساسه لأنهما نقيضان لا يمكن أن يجتمعا في نفس القضية و لا حتى في نفس البيئة الاجتماعية فوجود الجلاد ينفي وجود القاضي من أساسه كما أن و جود القاضي لا يبقي مجالا لظهور الجلاد.
البيانات الرسمية جاءت منطقية من حيث المنهجية إذ تجاوزت مسبقا مجرد فرضية وجود الجلاد و لم يبقى لنا سوى البحث في فرضية و جود القاضي في هذه البلاد. و لكن لماذا هذا العناء و القضية قد حسمت بصفة رسمية بإيقاف المتهمين حيث « تم صباح اليوم السبت 03 جوان 2006 إيقاف السيد علي بن سالم رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من طرف الشرطة، و تم إقتياده إلى مقر فرقة الأبحاث العدلية ببنزرت، كما تم بعد ذلك إيقاف السيد حمدة مزغيش عضو هيئة فرع بنزرت من المدرسة التي يشتغل فيها معلما بجرزونة، فيما أوقف السيد لطفي الحجي عضو هيئة الفرع و رئيس نقابة الصحفيين التونسيين أمام مقر الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية بالعاصمة بعد خروجه من ندوة صحفية كانت تعقدها الهيئة المديرة الجديدة للفرع. كما تم إحتجاز السيد محمد بن سعيد الناشط الحقوقي المعروف في بنزرت بعد أن دخل إلى مركز الفرقة للسؤال عن السيد علي بن سالم. » هكذا انتهى التحقيق إلى أن كل القضية تتلخص في هضم جانب جلاد و كشف عدالة زائفة على رءوس الأشهاد بعد أن أصبحنا في هذه البلاد بحاجة لتبرير عدم اعتقالنا ووضعنا مع المساجين بعد أن شفع للسيد على بن سالم كبر سنه (75 سنة) و حالته الصحية ( عملية لتسريح شرايين القلب منذ أسبوعين) من أن يقع في قبضة الجلاد عماد.   الحوار الخفي الذي يخفيه هذا الفصل الجديد من قصة الجلاد يلخصه الموقف الرسمي للرابطة التونسية لحقوق الإنسان في هذه الكلمات:  » و تذكر الهيئة المديرة بكل قوة بأن من دور الرابطة قيادة مركزية و فروعا التنبيه إلى الخروقات التي يحصل لها العلم بها، وهو ما قام به فرع بنزرت الذي تحرّى من موضوع بيانه و نسب الأخبار المضمنة به إلى مصادرها و هي « عائلات المساجين ».و كان أحرى بالسلط المعنية فتح تحقيق جدي في موضوع ذلك البيان »وفي هذا الحوار الذي تحاول فيه الرايطة التوجه للسلط المعنية يرفض الناطق الرسمي باسم السلطة الخفية إكساء أي صفة مؤسساتية على مصدر القضية و يشخصه في فرد خارج عن القانون أدين قبل الحكم في القضية.   عندما نتأمل مليا المشهد و نتجرد تماما من كل الاعتبارات تقابلنا صورة المصدر الرسمي و لا نسمع غير صوت الجلاد، تقابلنا صورة الوزير و لا يصلنا غير صدى صوت الجلاد، تقابلنا صورة القاضي و لكننا لا نسمع منه سوى صوت الجلاد. و بقدر ما تنمحي تفاصيل معالم صور الناطق الرسمي و الوزير و القاضي و تتحد صورتهم تنجلي صورة الجلاد ليتحد الخطاب مع الصورة في هذه السلطة الغبية بما يحكمها من عنجهية موغلة في التخلف و الشراسة البدائية حتى لا نحتاج إلى أدلة إثبات بأنها تدوس كل المقدسات و تنتهك كل الحرمات لأنها كما أثبتته بطريقة تعاملها مع هذه الواقعة صارت بحالة انفلات و كل ما عداها مجرد بيادق ترتعد في يدها و تتحرك بمشيئتها و تنطق بإرادتها. فما جدوى كل هذا الرياء و الصورة واضحة بكل صفاء على نحو قال شاعرنا الكبير:   لا رأي للحـــق الضعيف و لا صــــدى و الـــرأي رأي القــاهــر الغــــلاب فافعــل مشـيـئتـك التي قد شئتـها                    و ارحم جلالك من سماع خطابي   المختار اليحياوي – تونس في 04 – 06 – 2006

 

المعاهد التكنولوجية  .. إشكاليات تسبب  تراجع المردودية والنجاعة * ما علاقة إدارة تلك المعاهد بتجهيز المعاهد التحضيرية؟ وبمنظومة أمد؟

تونس ـ كتب محمد بوسنينة * طفت إلى السطح خلال والأشهر الماضية قضية المدرسين بالمعاهد التكنولوجية العليا بأصنافهم المتنوعة، وهي قضية برزت بالخصوص منذ افتتاح السنة الجامعية الحالية، بسبب حكاية إنهاء العقود، والتعاقدات أو الإنتدابات الجديدة، وما رافق ذلك من إشكاليات طرحت بالضرورة على مستوى كل من وزارتي التعليم العالي والتربية والتكوين، ومآسي عاناها الكثيرون ممن فوجؤوا بإنهاء تعاقدهم وإحالتهم على سوق البطالة القسرية. وربما تعود في مفتتح السنة الجامعية المقبلة. والواقع أن قضية المدرسين تطرح قضايا أعمق في المعاهد التكنولوجية، تتعلق بالتصرف في تلك المؤسسات، وليس بموضوع الخيارات والتوجهات المرتبطة بها، حتى أن بعض المدرسين أصبحوا يعتبرون وضعها شبيها بالملكية المشاعة لإدارتها العامة، بسبب المدى الواسع من الإستقلالية الذي تتمتع به تلك الإدارة، بما يجعل الوزارة تبدو كأن ليس لها سوى الإشراف النظري عليها. وقد لا يكون هذا الرأي بعيدا عن الواقع، فأكثر من عقد ونصف من إدارة وحيدة لتلك المؤسسات تجعلها فعلا في حكم شبيه، بقطع النظر عن النجاعة والمردودية العلمية والفنية، وتجعل التصرف فيها خاضعا لمقاييس هي أقرب للذاتية منها للمقاييس الموضوعية.   تكوين .. تشغيلية .. تنمية وعندما أقرت الدولة مبدأ بعث المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية كان ذلك ضمن رؤية تكوينية وتنموية معيّنة. كان المنطلق في التصور الشمولي للتعليم الجامعي هو تجسيم اللامركزية الجامعية بتقريب المؤسسة الجامعية من مواقع إقامة الطلبة وبعث أقطاب جامعية جديدة لتخفيف الضغط على الأقطاب التقليدية من جهة والمساهمة في التنمية الجهوية إقتصاديا واجتماعيا وعلميا من جهة أخرى. وبالنسبة للمعاهد التكنولوجية كان ذلك، وبشكل خصوصي، تجديدا في التكوين العالي، بإحداث نمط تكويني شبه جامعي يستوعب جزءا من الأعداد المتزايدة للطلبة الجدد، ويكون منفتحا على الجهة، يتفاعل مع محيطها التنموي والعلمي بما يمكن أن يوفره لها تطوير الشعب القصيرة من قدرة على تلبية حاجياتها الإقتصادية وخاصة متطلبات المؤسسة من فنيين وتقنيين سامين وإطارات متوسطة كفيلة بسد تلك الثغرة التأطيرية في نظام الإنتاج ودعم قابلية التشغيل. وبالفعل كان هناك إقبال على الدراسة في الشعب القصيرة بتلك المعاهد نظرا للحاجة الملحة للتشغيل بالنسبة للطلبة، إذ تم استيعاب أعداد كبيرة منهم في عدة اختصاصات، كان نمط التكوين النوعي فيها متلائما مع ما تحتاجه المؤسسة، والمحيط الإقتصادي عامة. وقد برز ذلك في الأعداد المتزايدة من الطلبة المقبلين على هذا النمط من التكوين، إذ تطور من حوالي 15500 في السنة الجامعية 2000 / 2001 إلى أكثر من 40 ألفا حاليا. على أن هذا التطور الكمي يعود بالدرجة الأولى والأساسية إلى خيار نشر المعاهد التكنولوجية بكل الولايات في إطار سياسة الترابط بين المحيط والتكوين والتشغيل وليس لنجاح تصرف وحدانية الإدارة. وهو ما حمّل ميزانية الدولة والمجموعة الوطنية أعباء مالية كبيرة كانت دائما تتحملها من أجل تنمية رأس المال البشري. فالإعتمادات المخصصة هذه السنة مثلا لبناء معهد تكنولوجي بمدنين لا تقل عن 11 مليون و850 ألف دينار، وآخر في قليبية بما لا يقل عن 4 ملايين و550 ألف دينار. بينما تقدر قيمة التجهيزات عموما بسبعة ملايين دينار، والدراسات بما لا يقل عن 800 ألف أخرى، دون احتساب النفقات العادية المقررة للتصرف والأجور وغيرها. لكن هل حافظت هذه المؤسسات فعلا على رسالتها التكوينية والإقتصادية؟ أم أن تغيرا ما حصل أثناء السير؟ وبفعل لمن؟   تخفيض ساعات الدرس وانعكاساته وبالعودة إلى قضية الإنتداب والتعاقد، يبدو أن القرار المتعلق بها لم يعد خاضعا للسلطة المطلقة للإدارة العامة كما كان في السابق، لكن تبقى لها صلاحية التجميع والإختيار والإنتقاء، وهو ما يجعل القرار الصادر لاحقا من سلطة الإشراف محدود المجال ومنقوص الفاعلية لارتباطه فقط بما يتم انتقاؤه وتقديمه لها. بل إن الإنتداب أو التعاقد الجديد، أو فسخ ما هو قائم، قد لا يعكس أيضا حقيقة الأسباب المؤدية لذلك بالنظر للواقع القائم داخل تلك المؤسسات، أو بعضها على الأقل. فتلك الأسباب هي التي تنبئ عن الأساس. فهناك جانب أساسي مرتبط بكل ذلك ويتعلق بحجم ساعات التدريس المقررة أو المطلوبة من كل مدرس، لا سيما المتعاقدون أو التكنولوجيون. هذا الحجم مرتبط بساعات الدروس النظرية والتطبيقية وبالتأطير. وبعض هؤلاء مطلوب منه 23 ساعة أسبوعيا. جانب منها للتدريس وجانب لتأطير الطلبة. لكن بعض ذلك غير حاصل في واقع الأمر، لأسباب تتصل بسير التكوين، وتغيره، وطبيعة التسيير، وحتى بأسباب تتعلق بالتجهيزات ومن يسيطر عليها، والعلاقات الذاتية وغير ذلك. ولو كان هذا الحجم من ساعات التدريس محترما دائما لربما كانت العقود المسقطة أو التي يتم الإستغناء عنها أقل عددا. ولكن السؤال المشروع الذي يطرح هنا هو لماذا تخفض ساعات التدريس؟ وهل لذلك ارتباط ما بالبرامج وبالمواد التي يتم تدريسها؟ ثم كيف ومن يقرر ذلك؟ لتبين هذا الوضع لا بد من مقابلة بسيطة بين البرامج المقررة للتدريس بشكل أساسي وبين ما هو جار اليوم. ولنأخذ لذلك وعلى سبيل المثال المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بنابل.   التقني السامي بين الأمس واليوم فهذه المؤسسة كانت تعتبر، مع معهد رادس، أنموذجية لأنهما كانا الأساس للفكرة الأصلية لهذا النمط من التكوين. وكانت تلك المؤسسة تسمى المعهد التقني العالي بنابل، وتوفر دراسة تقنية متينة لمدة ثلاث سنوات. ويقول بعض أساتذتها القدامى والحاليين أنها كانت تقدم تكوينا جيدا وثريا، فيتخرج منها التقني السامي وهو بالفعل جيد التكوين من الناحيتين النظرية والتطبيقية، بما يكاد يعادل المهندس، وقد وجد العديد من خريجيها مواقع متقدمة في عالم الصناعة، وفي النسيج الإقتصادي من خلال شركات هامة في مجالات متعددة، وكذا في التكوين المهني. وحتى بعد أن تحولت إلى معهد عال للدراسات التكنولوجية يوفر تكوينا لمدة خمس سداسيات، حافظت ولمدة، على نفس المستوى من حيث البرنامج وتوفر الأساتذة الجامعيين الذين كانوا يدافعون عن ذلك، وعن مجالات تخصصهم، ويوفرون تأطيرا مناسبا للطلبة ولزملائهم من المتعاقدين والتكنولوجيين ومساعدي التكنولوجيين. لكن هؤلاء يشيرون إلى أن الأمر بدأ في التراجع خلال السنوات الأخيرة، وخاصة منذ عام 2003. فلم يعد التكوين، بجانبيه النظري والتطبيقي، بذات الصلابة والمتانة. وانخفض مستواه وكأن المطلوب هو أن يمنح للطالب تكوين فني أدنى ـ سميغ ـ ! وفقدت شهادة التقني السامي ذاك البريق وتلك القوة التشغيلية التي كانت تميزها. ومن الغريب فعلا، كما يتحدث عن ذلك بعض إطار التدريس، أن تنعقد لجنة ما في معهد ما بمجرد اتصال هاتفي، فتخفض ساعات تدريس نلك المادة، أو تلغى مادة، بدون أثر أو محضر جلسة أو قرار لمجلس علمي، وبدون مرجع أو سند من القانون! كيف يتم ذلك؟ من يقرره؟ يحتاج هذا لتدقيق إداري من سلطة الإشراف. وبالمقارنة بين ما كان مقررا في السابق من برامج لإحدى المواد الرئيسية، ومن خلال الوثائق، نجد أن حجم ساعات التدريس الأسبوعية قد سجل انخفاضا بشكل واضح، علما بأن مجموع الساعات المطلوب تدريسها لتخريج فني سامي في هذا المجال يراوح 2300 ساعة في كل واحد من اختصاصات تلك المادة حسب ما هو محدد في الوثيقة التوجيهية لهذه المادة لسنة 1995. كما سجل خفض في تدريس مواد هامة مثل الرياضيات والإعلامية، أو حذف تدريس الفيزياء في مجال آخر، إلى غير ذلك مما يبرز واقع التغيير في محتوى التكوين، ويؤثر بالتالي على المستوى المعرفي للمتخرجين، وهو ما يحتاج لوقفة جديدة من الخبراء ربما لإعادة النظر في محتوى البرمجة والتوجهات.   لا شراكة اليوم.. على صعيد آخر، تغيرت صيغ إنجاز مشاريع التخرج من معهد نابل الذي نتحدث عنه كمثال. ففي السابق كانت تلك المشاريع تنجز بالشراكة مع المحيط الإنتاجي، فتنجز مشاريع مرتبطة بحاجيات المؤسسة وأساليب إنتاجها، وكان رؤساء بعضها يشرف بالشراكة مع الأستاذ المؤطر على تلك المشاريع، بما يسهل لاحقا انتداب المتخرج الجديد، بل ويتولى رؤساء مؤسسات إنتاجية الإشراف على لجان التخرج بما يرسخ الوجهة التي بعثت من أجلها المعاهد التكنولوجية وهي الترابط بين المعهد والمؤسسة والتفتح على المحيط الجهوي. كما كانت مشاريع تخرج أخرى تنجز بالشراكة أيضا مع مركز الدراسات العلمية والتكنولوجيا الصناعية بفرنسا بما ييسر تجسيم اتفاقية كانت سارية لاستقبال تلك المؤسسة للخريجين الأوائل بأقسامها. أما اليوم فإن هذا التعاون والشراكة لم يعد له وجود تقريبا لا على المستوى الوطني ولا الخارجي، وأصبحت مشاريع التخرج تعتمد الأساليب النظرية التي لا ترتبط بشكل وثيق بالمحيط الصناعي والإنتاجي، وهو ما انعكس سلبا على محاضن اختصاصات المعهد التي تراجع عنها الطلب من جانب الصناعة إلى درجة أنها أصبحت شكلية وغير ذات نجاعة. فموضوع التعاقدات والإنتدابات من عدمها ليس موضوعا منفصلا بل هو مرتبط وثيق الإرتباط بالجوهر، أي بقضايا التصرف في الموارد البشرية من إطار التدريس، وبالبرمجة وتوجهاتها ومحتواها، وبمشاريع الشراكة وانعكاساتها على نمط التكوين وكذلك بقضية التمويل.   إزدواجية .. وتداخل وفي هذا المجال ، مجال التمويل، تجدر الإشارة إلى وجود مسألة لا بد من إثارتها دون تفصيل، أشار لها بعض المدرسين، وتتصل بالتجهيزات. فالمعروف أن هناك فصلا قانونيا وهيكليا بين الجامعات التي تقدم تكوينا جامعيا ضمن مؤسساتها من كليات ومعاهد ومدارس عليا، وبين المعاهد التكنولوجية التي تقدم تكوينا تقنيا على مستوى التقني السامي وتتبع إدارة عامة غير مرتبطة عضويا بأي من الجامعات. ومع ذلك فإن التجهيزات الفنية والعلمية الخاصة بالمعاهد التحضيرية العليا، العلمية منها والتكنولوجية، تتم عن طريق إدارة المعاهد التكنولوجية. فماذا تعني هذه الإزدواجية في التجهيز رغم عدم الإرتباط في أي مجال آخر؟ ففي بلد مثل فرنسا تحتل التجهيزات العلمية بالمؤسسات التعليمية الجامعية أهمية بالغة الخطورة. ويتم توظيفها وتنظيم توزيعها بشكل متكامل بين المؤسسات الجامعية التي تكون متشابكة في ما بينها برؤية متكاملة في مجالات البحث العلمي، فتنجز المشاريع البحثية اعتمادا على حسن توظيف واستعمال التجهيزات والمخابر بما يوفر الجدوى والنجاعة وتكامل أهداف البحوث العلمية أو التنموية المطروحة. لذلك يطرح تساؤل عن قضية الجدوى في مجال تحديد واختيار وتوزيع ثم توظيف تلك التجهيزات عندما تكون خاضعة لتصرف المعاهد التكنولوجية، بينما البحث العلمي الجامعي يتم في غيرها. وربما لا يكون هذا التداخل هو الوحيد بين الهيكل المسير لتلك المعاهد وبين الجامعات. فالمعروف مثلا أن نظام ـ أمد ـ، أي نظام الدراسة الجامعية الذي أصبح يعتمده الإتحاد الأوروبي والمرتكز على ـ إجازة ماستير دكتوراه ـ وتستعد تونس ربما للإرتباط به، ينطبق على التكوين الجامعي فقط. لكن ليس من الواضح أن هذا النظام ينطبق على المعاهد التكنولوجية، التي يتوجه طلبتها في أحسن الحالات إلى النظام الدراسي الفني المتوسط في فرنسا والذي لا يمنح إلا الديبلوم الجامعي الفني. لهذا ربما يكون اهتمام إدارة تلك المعاهد بذاك النظام في غير محله ما لم يتم توضيح الأمر بشكل مفصل وجلي للطلبة وللرأي العام، حتى يمكن تفادي المصاريف والنفقات المترتبة عن الدراسات والملتقيات والسفريات المتصلة بكل ذلك.   * صحافي تونسي


 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

بعد تدنيس القرآن الكريم وإقالة القنزوعي:

دعوة لإغلاق سجن برج الرومي

عبد الحميد الحمدي- الدنمارك

 

قبل عدة أشهر عندما أثيرت مسألة تدنيس القرآن الكريم في معتقلات غوانتنامو سيئة الذكر، هب الإعلاميون والسياسيون الأمريكيون من ذوي الأقلام والعقول النيرة للتنديد بما حصل والتبرؤ منه، لا بل ومتابعة كل من تثبت إدانته بهذا الفعل الشنيع الذي يمس بعقيدة ملايين البشر ويهدد مستقبل الحوار بين الثقافات والحضارات الذي ينادي إليه الجميع. ومع أنني أفهم كغيري من المتابعين الأبعاد السياسية والإعلامية لتلك الضجة إلا أنني لا أستطيع إلا أن أحترم كل من ندد بذلك تماما مثلما يندد غالب المسلمين بالأعمال الإرهابية المتهورة التي ترتكب هنا وهناك باسم الإسلام وهو منها براء.

 

ومع أن إقدام جنود أمريكيين على مثل تلك العملية البشعة في زنزانات غوانتنامو كان أمرا مفهوما ليس فقط لاختلاف الثقافات بل ولربما لجهل أولئك الجنود بمكانة المصحف عند المسلمين فإن ما أثار الاستغراب في الأيام الأخيرة ما اقترفه سجان عربي في بلد إسلامي عريق يحتضن أحد أبرز قلاع الثقافة الإسلامية وأكثرها إشعاعا في التاريخ الإسلامي لشمال إفريقيا، وأقصد هنا ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام العربية والدولية وأكدته منظمات مدنية وحقوقية في تونس عن إقدام سجان تونسي على ضرب معتقل رأي بالمصحف ثم ركل المصحف بقدمه، ولم يتبع ذلك اعتذار رسمي من الحكومة التونسية ولا متابعة قانونية لشخص لم يتعد على حرية شخص بل على عقيدة  التونسيين.

 

لقد أصبح مفهوم الوطنية زئبقيا إلى حد كبير في ظل ثورة الإتصالات وانتقال العالم إلى قرية عالمية كونية حتى أنه إذا اشتكى عضو منه في البصرة أو سامراء أو حديثة , قامت له المظاهرات المؤيدة في نيورك ولندن وكوالالمبور. مع ذلك يبقى الإنتماء  للوطن  بفهومه الجغرافي يحمل كثيرا من المعاني والقيم التي يتصل بعضها بالشخصية والهوية الوطنية لا بل إن بعض الآثار تربط بين الإيمان وحب الأوطان. ووفقا لهذا المفهوم نمييز عادة بين الكتاب والمفكرين والدعاة والحزبيين , على حسب انتماءاتهم الجغرافية , أو الوطنية , ونعد كل متجاهل لثوابت الأغلبية من المواطنين , أومعاد لقضاياهم بالمتواطئ أو المتعالي , وأحيانا إذاوقف ضد هذه المصالح , نصفه بالخيانة الوطنية.

 

من هذا المدخل يؤلمني ما تناقلته بعض وسائل الإعلام  من تدنيس للمصحف الشريف في بلاد الزيتونة والقيروان والذي  زاد  ألمي , الكيفية التي تعاملت بها الحكومة التونسية مع هذا الحدث العظيم , عوضا أن تستنكر هذا الفعل الإجرامي وتعد المسلمين عامة وأبناء تونس خاصة بتحقيق فوري في الأمر  على الأقل تأسيا بأمريكا حين أشيع تدنيس المصحف في سجن غونتنامو  لكن مع الأسف الشديد سارعت كعادتها بالتكذيب والإنكار , وأبشع من الحكومة صمت القبور لبعض أحزاب المعارضة , التي تقوم ولا تقعد لمجرد أن عونا أمنيا ضرب أحد الرفاق أو الرفيقات بصفعة كف , وكأن الرفاق أكثر حرمة من كتاب الله العزيز , أنا هنا لا أبرر للأمن سلوكه الفاجر بضرب أصحاب الرأي من بني البشر, وإنما أنبه هؤلاء لمسؤولياتهم , وأنتقد تعاملهم ومعاييرهم مع كل ما له صلة بالدين سواء تعلق الأمر بالقرآن الكريم أو بحجاب المرأة التونسية أو بالتعليم الديني , أين الهمامي والشابي وبولحية ومواعدة وبن جعفر وبن سدرين والنصراوي وأم زياد والطالبي وغيرهم من كل هذا , هل هذه الإنتهاكات لا تهمهم ؟؟

 

لقد بلغ الأمر مرحلة من الخطورة لم يعد من الممكن الوقوف فيه على الربوة والصمت ومتابعة المشهد من بعد، ذلك أن تاريخ العالم ومنه تاريخ تونس الحديث يكتب بنضالات أبنائه وتضحيات نخبه التي  لا ينسى. وعليه فإن النظر إلى القضايا الحقوقية والقانونية وخصوصا ذات الصلة بالشأن الديني المقدس لا تحتمل الصمت ولا تقبل الإنصات لما يفعله المتهورون والمعادون للثقافة الإسلامية منهجا وعقيدة وهوية.

 

مرة أخرى أوجه ندائي  لسيادة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي المسؤول وحده أمام الله على هذه الانتهاكات التي يتعرض لها القرآن الكريم بأن يوجه بالتحقيق في هذه المسألة الخطيرة وأن يأمر بغلق هذا السجن السيئ الصيت « برج الرومي » ويطلق محابيسه من أصحاب الرأي المغاير الذين لم يثبت أنهم استخدموا السلاح ضد أحد.

 

أما دعوتى لنخبتنا المحروسة المناضلة المرابطة من أجل حماية الحريات النقابية والإعلامية والمدنية أن يتقوا الله في كتابه فعنده يجتمع الخصوم « يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله  بقلب سليم  » , « ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا »  – صدق الله العظيم

 


 

بالمناسبة: إلى أين تأخذنا «ماكينة» الكذب والاشاعات؟!

 
حين يصبح الكذب والإشاعة مطية البعض لتحقيق أهداف أو خدمة مآرب سياسية فإن المتابع يدرك رأسا بأن هناك خللا منهجيا فظيعا في أساليب وخطط ـ هذا البعض ـ وجب التوقف عنده اجلاء للحقيقة وانصافا لها… وتعرية لهذه الاساليب التي تنطلق من الباطل وتنتهي اليه… والمتابع يدرك دون عناء أن بلادنا تتعرض منذ فترة لنمط جديد من الحملات المضلّلة التي تعتمد ترويج الاشاعات والاكاذيب السخيفة التي لا يصدقها عقل ولا تتقبلها اذن انسان عاقل متزن… حملات تعتمد أسلوب التطبيل والتهليل للاشاعة وللكذب، معوّلة على ما يمكن ان يلحقه الباطل من أذى بالناس أو بالقادة او بالدول والشعوب في انتظار ان يدمغه الحق فيزهقه…
ولقد بدأ هذا المسلسل الجديد الذي حيكت حلقاته بخبث وحقد كبيرين بالترويج لأكذوبة أن «الصلاة في المساجد التونسية باتت خاضعة للاستظهار ببطاقة مغناطيسية» هكذا وبكل وقاحة وبكل جهل وبكل تجنّ على الواقع وعلى الحقيقة… وتدرك الاغلبية الساحقة من التونسيين بطلان هذه الاشاعة السافلة… ويعتقد كل التونسيين باستثناء بعض أصحاب الانفس المريضة ان مثل هذه الاشاعة لا تستحق حتى عناء الرد عليها لانها عارية من الصحة وخالية من أي منطق او صواب لأن كل المصلين في تونس وهم يؤمون آلاف المساجد، وجلّها بني ووسع منذ تغيير السابع من نوفمبر للامانة وللتاريخ، يرون بالعين المجردة ويلمسون لمس اليد كذب وبطلان هذه الاشاعة… لأنهم يدخلون المساجد والجوامع لاقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة دون حسيب او رقيب ودون حاجة لمثل هذه البطاقة المضحكة ـ المبكية التي اختلقها خيال مريض… خيال فاته التنبه الى أن اعدادا هائلة من التونسيين تفيض بهم المساجد في صلوات الجمعة خاصة ويضطرون الى تأدية صلواتهم في الهواء الطلق، فكيف يكون حال بطاقات هؤلاء المغناطيسية؟ وكيف يتم الاستظهار بها؟ وأين هي تلك الآلات أو الابواب التي لا ترى والتي يفترض ان يستعمل فيها المصلي بطاقته ليسمح له بالصلاة وفق هذه الاشاعة السافلة؟
ولعل ما يزيد الامر غرابة هو تلك السرعة التي تلتقط بها فضائيات يفترض انها تحترم نفسها وتحترم أصول العمل الصحفي واخلاقيات المهنة، هذه الاشاعات ترتمي علىها وتحولها الى مادة لبرامج تدعي لنفسها الجدية دون مراعاة لأبسط قواعد المهنة ممثلة في التحري والتثبّت من الخبر والانصات للرأي الآخر…
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد… بل ان أكذوبة جديدة ظهرت لتأخذ المشعل ـ وأي مشعل ـ عن الاولى بعد ان بان كذبها وبطلانها… وتتمثل في أكذوبة «تدنيس القرآن الكريم في أحد السجون التونسية»… ومع أن السلطات المختصة باشرت التحقيق في هذه الادعاءات وأصدرت بيانا رسميا في المسألة يفترض انه وضع النقاط على الحروف، فإن أي عاقل ومنصف وصاحب بصر وبصيرة يدرك أن تونس القيروان وجامع عقبة، وتونس جامع الزيتونة المعمور، وتونس جامع العابدين الذي انتصب شامخا في مكان كانت تهيمن عليه كاتدرائية وجاء ليكون عنوانا لهوية هذا الشعب ونصرة لعقيدته وتجسيدا للتسامح ولتعايش الاديان… وتونس كل الأعلام والفقهاء والمفكرين السابقين واللاحقين الذين اثروا الحضارة العربية الاسلامية ايما اثراء… وتونس التي تبني المساجد بالمئات وتوسعها بالمئات لتكون قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المصلين… وكل ذلك وفق سياسة واضحة المعالم تستهدف العناية بالدين وبأماكن العبادة وبالقائمين عليها… وكذلك في إطار مشاريع رئاسية معلنة لتوسيع وتجميل بيوت الله… وتونس البلد الذي طبع القرآن بصفة رسمية وفي شكل رشيق وأنيق وسمّاه مصحف الجمهورية التونسية ويروّجه في الداخل والخارج… تونس هذه لا يمكن أن تفكّر مجرد التفكير في الإساءة للقرآن الكريم ولا يمكن أن يفكر فيها أحد مهما تقلصت درجة إيمانه في أن يمس المقدسات والمحرمات وفي طليعتها كتاب الله العزيز…
فلماذا يتعمد طيور الظلام الترويج لمثل هذه الإشاعات الهابطة؟ ولماذا يصل الحقد بهؤلاء إلى هذه الدرجة من الحقارة؟
سيكون من الغباء القول بأن مثل هذه التحركات هي عشوائية ومعزولة… فعلى العكس هي مدروسة بعناية ويراد من ورائها تحقيق جملة من الأهداف لعل أهمها:
ـ الترويج للأكاذيب والإشاعات والتعويل على الضباب والشك والتساؤلات التي تنشرها بغية الإساءة للنموذج التونسي الذي بنى تجربة ناجحة بالإنسان وللإنسان والتي نحتت معالم شخصية وطنية متعلمة مثقفة متأصلة في جذورها ومتمسكة بهويتها ومنفتحة في نفس الوقت على الحضارة الكونية ورافضة لكل تزمت أوانغلاق… ـ محاولة خلق حالة من العداء والسخط على تونس من خلال العزف على وتر المشاعر الدينية وما تؤججه من عواطف وما تبنيه من مواقف معادية لتونس يراهن البعض على أنها سوف تكون قد أخذت مداها وفعلت فعلها قبل أن تعرف الحقيقة ويزهق الباطل… ـ محاولة التحريض على استعداء تونس من خلال تصويرها في تلك الصورة المزعومة لبلد يمزق فيه القرآن الكريم… وما توحي به هذه المزاعم من مقارنات مع فظاعات جرت في معتقلات غوانتانامو وأبو غريب وغيرهما… وهي مقارنات مؤذية لتونس ولصورتها ولشعبها وكذلك للحقيقة في انتظار أن يتبيّن ا لعالم الخيط الأبيض من الخيط الأسود… ـ التركيز في هذه الفترة بالذات التي يبدأ فيها ا لموسم السياحي في تونس على ترويج الإشاعات والأكاذيب لإفساد هذا الموسم… ونحن في هذا الإطار نسأل: هل هو من قبيل الصدفة أن تطلق إشاعة «الصلاة بالبطاقة المغناطيسية» ثم إشاعة «تمزيق القرآن» وفق هذا التسلسل وفي هذه الفترة بالذات؟ وهل من البراءة ومن الحرص أن يتعمد تونسي أو جماعة من التونسيين ترويج مثل هذه الأكاذيب والإشاعات بالتزامن مع انطلاق الموسم السياحي وما يدره من مواطن شغل ومن موارد على البلاد وعلى العباد وما يوفره لمئات الاف التونسيين من عوائد في زمن صعدت فيه أسعار المحروقات إلى السماء وشفطت معها موارد ومقدرات كانت مقررة أصلا لدعم المجهود التنموي وإشاعة التنمية في كامل ربوع تونس فإذا بها تطير في الهواء وتصرف لسد ما خلّفه ارتفاع أسعار ا لمحروقات من أعباء إضافية!
وبالمحصّلة ألا يعد كل هذا دعوة للإرهاب الأعمى كي يأتي ويضرب في تونس لـ»تأديبها» لا لذنب ارتكبته في حق ديننا الحنيف وإنما بالاعتماد على هذه الأكاذيب المضللة والإشاعات الحاقدة؟ ثم إلى أين يمضي مسلسل الاستعداء على تونس والبعض يحاولون ارتهانها بين جماعة يستقوون بالأجنبي وجماعة يحرّضون عليها الإرهابيين؟ أسئلة تبقى مطروحة أمام هؤلاء وهؤلاء إن كانت لهم ضمائر وأبصار… أما الشعب فيدرك جيّد الادراك الغثّ من السمين.. ويفهم طبيعة الزبد الذي يذهب جفاء أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض… * ع. م . م. __________________________________________________ (المصدر: صحيفة الشروق الصادرة يوم 6 جوان 2006)

البعد الآخر

مــــــرة أخــــــــرى: المصحف فوق الرماح!؟

 
بقلم: برهان بسيس
تروي أخبار القرون الوسطى الحافلة بسيرة الرهبان والقساوسة أنّ مدينة فلورنسا عاشت لسنوات ممتدّة في قبضة راهب خطيب فرض بقوّة كلمات القداسة ومواعظ الآخرة إرهابا حقيقيّا على السكان الذين انقسموا بين تابع مهووس أو ضحية مسكين للرّاهب جوردانو.  «دعونا نقتل خونة المسيح.. دعونا نطرد روح الشّيطان الساكنة في زوايا المدينة» قيل أن جوردانو كان غالبا ما يردّد هذه الكلمات ناحبا باكيا لتسير وراءه الجموع باكية دامعة فتحرق وتقتل وتخرّب.   عادة ما كان خونة المسيح الذين تنزل عليهم لعنات الرّاهب جوردانو هم أولئك الذين رفضوا دفع الضريبة للحبر الكنيسي وهذه الضريبة هي بالذّات جوهر المعركة المتواصلة إلى اليوم باسم الدين والمقدّسات مظلّلة بنفس روح الزّيف والمغالطة والدّجل متنكّرة وراء نفس الأقنعة الناطقة زورا باسم الدين لتصفّي حساباتها مع خصومها السياسيين.   جوردانو العصور الوسيطة ترك مكانه اليوم لهواة اللعبة الخطيرة التي حوّلت وجهة الاختلاف السياسي إلى برزخ الإيمان والكُفر في ظِلّ مناخات مشحونة بكل صنوف التوترات والاختلالات النفسية والاجتماعية والسياسية التي تجعل من الدين الأداة الأكثر إغراء وسهولة لتوظيفه في معارك الخصام السياسي، لكنّ اللاّفت هذه الأيّام أنّ الأمر لم يعد اختصاصا محتكرا من طرف تيارات التطرّف الديني بل تعدّى إلى استقطاب لاعبين جُدد أغرتهم ديماغوجيا الرّهبان في ظلّ أزمة المصطلح السياسي الحديث ليقتحموا فجأة ساحة الصراع السياسي المشروع والطبيعي بأزياء جديدة وأسلحة مُبتكرة في ما يشبه قياسا – رغم الاختلاف النوعي – استعادة مشهد الحروب القديمة في أكثر لحظاتها درامية ومخاتلة حين رفعت الرماح عاليا وقد تدلّت من على أسنّتها المصاحف!!!   لقد تعرّضنا الأسبوع الفارط في تونس إلى ما يشبه هذه الخديعة!!!   بيان خطير باسم رابطة حقوق الإنسان أسرع لاهثا لغرفة أخبار الجزيرة ليرسم في جدول أهمّ أخبار اليوم بالمضمون والصيغة التي يشتهيها التكفيريّون ليصقلوا على رحاها سيوفهم وسكاكينهم «ألا إنّه يا حماة الإسلام قد دُنِّس المصحف الشريف في تونس»    بدا هذا البيان نقلة نوعية في عمل ونشاط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي دخلت هيئتها في ما يبدو – أو لنقل بعض منتسبيها – مرحلة من التخبّط في مسار طلب العون والمساندة تجاوز هذه المرّة الفضاء التقليدي للشبكة الدولية للمنظمات والجمعيات الحقوقية أو بعض الحكومات الغربيّة المتعاطفة ليمرّ فجأة إلى استدراج واستعطاف جيوش الجهاديين والتكفيريين في ما يشبه الرّسالة المشفّرة التي تستدعي الارهابيين للاهتمام بالبلد واستهدافه. لعبة التطرّف الديني أصبحت مغرية للجميع سواء بالتبنّي المُباشر أو بالتحالف أو بالصّمت وكأنّ قدرا سياسيا يحكم علينا ألا نفلت من أصول عقل الخديعة بذات الصياغة التي أخرجها معاوية حين أعيته الحجّة وتساقطت أوراق سنده السياسي في خصومته مع عليّ فكانت خدعة رفع المصاحف وإقحام المصحف في معركة الالتفاف على الخصم توظيفا وسطوا على سموّ وقداسة القرآن لتصفية الحساب مع خصوم سياسيين.   والحقيقة فإن الاستدراج قد بدأ قبل ذلك عبر مقدّمات مشحونة بالإشاعات والادّعاءات السخيفة التي حرّكتها مراكز قوى أصوليّة عبر أجهزتها ومواقعها الإعلامية أبرزها الرواية الخيالية عن البطاقة المغناطيسيّة  المعتمدة في بلادنا لدخول المساجد لتنتهي الهجمة التصاعدية الى هذه المحطة الجديدة من الاستهداف وهي مؤشّرات لانتقال نوعي في مسار الاختلاف والصراع بنقل معركة الدسّ والمغالطة  الى حقل حسّاس وحارق يعتمد ركوب المشاعر الدينية وتوظيفها عبر قصص مفتعلة للتشويه والتزوير كمُقدّمة لفائدة سيناريوهات أخطر تقحم البلاد لا قدّر الله في أعمال استهداف يدفع ثمنها الجميع دون استثناء.   لا أعتقد أنّ هُناك ما يبرّر هذا المنعطف الخطير للمقارعة السياسية التي ينبغي أن تبقى مهما كانت الاحترازات والمطاعن ضمن دائرة التعاطي المدني والسياسي لأنّ لعبة إخراج المارد الحارق من قمقمه واستدراجه بتعويذة الدين والمقدّس لن تُعْفي أحدا من دفع الثمن خاصّة أنّ الأمر تماما كما تحسّس الأطفال للعبهم الخطيرة يبدأ مزاحا ولهوا لينتهي جدّا وخرابا.   الحذر والحكمة واجبان!!! (المصدر: صحيفة الصباح  الصادرة يوم 6 جوان 2006)
 

بسم الله الرحمان الرحيم جندوبة، الثلاثاء 7 جوان الطيب السماتي « هاي الرجال »

المعارضة السورية تدعو لإسقاط النظام  و تطالب الأجهزة الأمنية بتحمل مسؤولياتها

عندما طالبت، سنة 2001 منذ دخولي المعارضة السياسية و بعدما تعرضت له من ظلم قضائي، باستقالة الرئيس بن علي و إسقاط النظام السياسي، أول من جاهرني باستغرابه من مطلبي هو الأخ المحترم لطفي الحجي عندما زرته في مكتبه أيام كان ينشط بمجلة حقائق، ثم اتهمني عدد من الإخوة « بالجنون ».
 مع مرور السنين لاحظت أنني اعقل العقلاء و ارشد الرشداء، حيث عبر عدد كبير من المعارضين السياسيين، و إن كان بخجل، عن نفس الشيء، فقامت تظاهرة هامة جدا تحت شعار « يزي فك » و آخر ما ظهر رسالة من احد عظماء المعارضة المحترم الدكتور المرزوقي الذي أكد وجوب « استئصال » و »اجتثاث »هذا النظام من جذوره كما أكد انه لم يعد من المعقول المطالبة بإصلاحات و ترميمات.
الحمد و الشكر لله، لم اعد أنا المجنون الوحيد في هذا الوطن المسلوب الحقوق. اليوم تتعالى أصوات المعارضة السورية بتمامها و كمالها لتدعو بإسقاط النظام السياسي و تطالب الأجهزة الأمنية بتحمل مسؤولياتها… ما أروعك يا عربي عندما تطالب بتحريري.
فإلى متى ستبقى معارضتنا السياسية التونسية رهينة رعبها و خشيتها من المطالبة »بالصحيح »؟ يعني الطالبة بإسقاط النظام السياسي. ماذا يجب أن يفعل بنا النظام السياسي أبشع مما فعل بنا حتى تتحرك فينا مشاعر الوطنية و نطالب بحقنا الشرعي؟ أرجوكم كونوا في مستوى المسؤولية، لقد تعبنا، تعبنا، تعبنا ، لم نعد نتحمل أكثر… النواب، كل النواب يرتشون، يسرقون، يعبثون، ينهبون إلى درجة لفضتهم المؤسسات المالية و أعادت صكوكهم بدون رصيد الوزراء، كل الوزراء يرتشون، يسرقون، يعبثون، ينهبون إلى درجة لفضتهم المؤسسات المالية و أعادت صكوكهم بدون رصيد أبناء و عائلات و خليلات الوزراء و النواب يرتشون، يسرقون، يعبثون، ينهبون إلى درجة لفضتهم المؤسسات المالية و أعادت صكوكهم بدون رصيد العائلة الحاكمة و خاصة عائلة الطرابلسي يرتشون، يسرقون، يعبثون، ينهبون إلى درجة لفضتهم المؤسسات و لم المالية تعد صكوكهم بدون رصيد
فأين المعارضة السياسية؟ بكل احترام لكم جميعا لم اعد أثق فيكم و الشعب ايضا لم يعد يثق فيكم، لذا و في غياب رجال ذكور فاني أناشد المحترمات الرجال الإناث، المحترمة سهام بن سدرين، المحترمة أم زياد، المحترمة آمال بلحاج و كل   الرجال النساء تونس الفاضلات، أرجوكن طالبن بإسقاط النظام السياسي…و اعلمن أن كل الشعب ينتظر منكن إشارة الانطلاق…انطلقن بنا يا رجالاتنا الإناث، كن قوامات علينا، أرجوكن، أتوسل لكن.
ينصركم الله الطيب السملتي 21840725


الديمقراطية: الوجه الآخر للإصلاح  ! !

 

مصطفى عبدالله الونيسي. ounissimustapha@hotmail.fr   تقديم :     لعله من المفيد أن ننبه القارئ الكريم ،بادئ ذي  بدء،إلى أن المقصود في هذا المقال ليس موضوع [ الديمقراطية] في حد ذاته  ، لأن ذلك في تقديرنا لا يمكن أن يتسع له مجرد مقال ،و إنما المقصود  هو محاولة بيان كيفية طرقنا و تناولنا للموضوع ،أي بلغة أخرى توضيح  المنهجية التي نقترحها لدراسة الديمقراطية . فهذا المقال لا يعدو أن يكون مجرد طرح عام لإشكالية الديمقراطية في واقعنا العربي و الإسلامي.   الديمقراطية: من الغلبة إلى الشورى،ومن الشمولية إلى التعددية :                                     يكاد يُجمع الباحثون الجادون اليوم على أن الأنظمة الديمقراطية و التعددية ة خاصة في صورتها المعاصرة ولو على خلفية علمانية هي ،موضوعيا،أقل الأنظمة سوءا إذا ما قارناها   بغيرها من الأنظمة  الشمولية و الإستبدادية  سواء كانت هذه الأنظمة ملوكية أو رئاسية أو عسكرية ….
و تداركا لما سببه غياب  النموذج الإسلامي  ألأمثل للحكم،   من مآس ودماء و فراغ سياسي   وصمت مُطبق و رتابة مملة وغير عادية بالمرة كما هو حالنا في الوقت الراهن  من ناحية ،و  بحثا عن التطوير و التحسين لبدائلنا السياسية و الإجتماعية في إطار ثقافتنا العربية و الإسلامية ،و اختراقا لهذا الصمت وكسرا لهذه الرتابة و اهتماما بما يحقق سعادة الإنسان وكرامته بصفة عامة  من ناحية ثانية ،رأينا من المناسب و المفيد أن نتناول ، بقد ر  ما تسمح     به  امكانياتنا المتواضعة     و ظروفنا الموضوعية، بالتأمل و النظر موضوع [الديمقراطية]كنظام و أسلوب للحكم و أداة للتغيير و التحسين  و إدارة الإرادة الشعبية العامة بالطرق السلمية  و مُحاربة الإستبداد ، أنى كان شكله وصورته ، من منظور إسلامي حتى نقف على مدى انسجام هذا الأسلوب في الحكم مع روح التشريع الإسلامي و مقاصده من عدمه .   و لأن الديمقراطية ،كمعطى حقيقي نظري و ميداني في نفس الوقت،قد فرضت نفسها في الواقع الغربي كممارسة سياسية متقدمة و نوعية ،فإن دراستها بأكثر جدية من خلال منطقها الداخلي ،الذي يمثل روحها و جوهرها ،عبر تحليل مفرداتها و تفكيك مركباتها هي عملية ضرورية و حيوية من أجل المسك بجُملة أطرافها واستيعاب منطلقاتها التاريخية و فهم خصائصها و أبعادها و معرفة مدى امكانية الإستفادة منها و الإستنارة بها  في أدارة شئوننا السياسية العامة في بلداننا العربية والإسلامية التي لا تزال تبحث عن ذاتها و عن دورها الذي يجب أن تلعبه بين الأمم.  و الذي يهمنا بالأساس في   الديمقراطية   ،ليس هو المصطلح و إ نما هو المضمون  ولذلك فنحن  نناقشها باعتبارها عقلية و أفقا واسعا ومُنفتحا يسمح بالأخذ و العطاء ابتداء. و نناقشها، أيضا، باعتبارها خيارا أوليا لنمط من أنظمة الحكم ،برغم ما قد يُقال فيها،مُغايرا لأنظمة الحكم الإستبدادي و الشمولي  .   فدراسة الديمقراطية و فهمها و فهم آلياتها  يساهم بل و يؤدي إلى توضيح المواقف و تجذيرها إزاء الإستبداد بكل أشكاله و صوره،وهو ما يعني في كل الأحوال الإنتهاء إلى استنباط و اقتراح صور أخرى بديلة هي   أفضل وأجمل وأعدل وأرحم في إدارة الشأن العام و التداول على السلطة بعيدا عن إراقة الدماء والإنفراد بالحكم و احتكار وسائل القهر و الغلبة  .  مُرادنا  هو القضاء على الإستبداد و الدفاع عن حريتنا و كرامتنا ،المُنتهكتين و المهد ورتين في أوطاننا العربية و الإسلامية ،و من شروط تحقيق ذلك  إرساء نظام سياسي عادل يكون مركز الثقل فيه للمجتمع و مؤسساته المدنية و تكون الأولوية فيه مُتجهة نحو استنباط حلول جذرية و شرعية لقضية التمثيل و التناوب على  السلطة  على خلفية القضاء على   الفساد و تحقيق العدالة والتنمية و صيانة الحريات العامة و الخاصة في أطار دولة القانون و المؤسسات .  هذه الأهداف وغيرها ، لو تحققت ، لمثلت  في جوهرها ،تقريبا، الوجه السياسي للنهضة. و لا عجب ،إذا، أن تكون  الوسيلة      لتحقيق هذه الأهداف و إنجازها هي طريقنا  للخلاص المنشود  أو ما أسماه البعض بالإستقلال الثاني2،سواء تحقق  ذلك عن طريق الديمقراطية أو غيرها من المسميات لأن غايتنا القُصوى هي خلاصنا و عزتنا و كرامتنا وليست   هي الديمقراطية أو أي وسيلة من الوسائل الأخرى.
و بناء عليه نُقدر أن الديمقراطية ،كآلية من الآليات،هي   وسيلة    مناسبة  لتحقيق خلاصنا و حقنا في حياة كريمة إلى حد بعيد لو واءمنا بينها و بين  ثقافتنا الإسلامية و خصوصياتنا العربية .    الديمقراطية بين الداخل و الخارج: لا أحد  ينكر أن محاولة التأصيل هذه ليست عملية سهلة وأنه تحول دونها شبهات و إشكاليات     لابد من الإجابة عليها ووضعها في سياقها الموضوعي و التاريخي. 
ومن بين هذه الإشكاليات نذكر على سبيل المثال إشكالية الديمقراطية بين الداخل و الخارج؟ فهل الديمقراطية هي مجرد نتاج محلي وطني أم هي نتاج عالمي أجنبي أم هي الإثنان معا و في نفس الوقت؟ إن خيارنا ،حتى لا تكون الديمقراطية مجرد فكرة مُسقطة  على واقعنا و دخيلة عليه و غريبة عن طبيعة فكرنا السياسي و الإجتماعي ،هو مقارنتها في خصائصها و أبعاد ها  و مقاصدها بأصول الحكم النظرية و الكلية للنظام السياسي الإسلامي على مستوى المبادئ و الغايات و المقاصد من خلال ما توفر لنا من نصوص القرآن و السنة الصحيحة و الثابتة أولا،ثم التعرف و الإطلاع على التجربة التاريخية للحكم  ميدانيا و محاكمتها و تقييمها على ضوء تلك النصوص في ظل الدولة الإسلامية ابتداء من تجربة الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم و خلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين و مرورا بالتجربة الأموية و العباسية و الفاطمية و العثمانية و غيرها و انتهاء بالتجربة الحديثة للدولة القطرية لما بعد الإستقلال ثانيا. و ذلك حتى نقف على حجم الإنفصام و التنافر من جهة و نُدرك مساحة الإنسجام و التطابق من جهة ثانية بين الديمقراطية  في صورتها المعاصرة و حقيقة نظام الحكم  و طبيعته في بلداننا العربية و الإسلامية على مستوى المبادئ النظرية من ناحية     و على مستوى الواقع السياسي و الإجتماعي و الثقافي…..من ناحية ثانية لنحدد بناء على كل ذلك موقفا من الديمقراطية ،قبولا أو  رفضا أو  تعديلا و تحسينا ،أقرب ما يكون للموضوعية .    و لتوضيح الصورة أكثر في الأذهان ،و لتقليل مواطن الإلتباس إلى أبعد حد ممكن ، رأينا أنه من المفيد إحصاء السلبيات و الإيجابيات لكل من الإستبداد والديمقراطية بالإستناد  إلى ما أُنجز في هذا المجال من دراسات حتى نعرف أي الظاهرتين أقرب إلى روح التشريع الإسلامي و مقاصده العامه،علنا نُدرك تبعا لذلك أيهما [ الإستبداد أو الديمقراطية] أليق بالإنسان و  أضمن لكرامته و صيانة حقوقه من الإنتهاك و التلاعب. وهو ما سيُحيلنا إلى دراسة  مصا د ر [الشرعية] للحكم في النظام الإسلامي و الديمقراطي و الإستبدادي  و المقارنة بينها حتى نعرف مساحات الإ تفاق  و الإختلاف .   الأنظمة السياسية  و مصادر الشرعية: إن دراسة مصادر الشرعية و كيفية التعامل معها هي وحدها التي ستُحدد طبيعة أي حكم ،هل هو حكم شمولي آحادي استبدادي أم هو  حكم شوري تعددي ديمقراطي .و تحكيما لهذا المنطق و هذه المنهجية قد نخلص إلى أن الصفة التي يدعيها أي نظام لا قيمة لها اطلاقا  ،و إنما  طبيعة الحكم و الآثار المترتبة عليها لأي نظام من الأنظمة هي التي تحدد مدي ديمقراطية هذا النظام  أو استبداديته. فكم من نظام ادعى أنه اسلامي ولكنه كان نظاما سياسيا،    ذا طبيعة فاشية و استبدادية، وكم من  أنظمة ملكية توفرت فيها أقدار هائلة من الديمقراطية3. و قد عاش العالم العربي و الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية التجربتين،فنظام الحكم في التجربة النبوية و جزء كبير من  الخلافة الراشدة  كان نظاما  شوريا  قائما على  البيعة  العامة و رضا الأمة ، و في المقابل كان نظام الخلافة منذ العهد الأموي تقريبا إلا بعض الإستثناءات  القليلة قائما على القهر و الغلبة و الإنفراد بالحكم إي على الإستبداد. والديمقراطية ،كإجراء لإدارة  الشأن العام بالطرق السلمية،و كممارسة سياسية نضالية  تراكمية متقدمة  توصلت البشرية إلى فرضها ، وقد شاركت أغلب ولأمم و الشعوب بشكل أو بآخر في بناءها و تطويرها و تحسينها عبر تجارب متعددة و مختلفة و تضحيات جسام حتى غدت هذه الأخيرة  مكسبا  انسانيا لا غبار عليه بل و[حكمة] عالمية يرفعها المضطهدون  في كل مكان و يلتجئون إليها  لمقاومة الإستبداد و مُطاردة المستبدين،و هي من هذا الدور الذي تلعبه تستمد  شرعيتها لا غير .  فهذه الحقيقة  [ الديمقراطية ]، التي يراها و يسمعها و يعيشها الكثير من المناضلين الذين  يقيمون في الغرب هروبا من الإضطهاد في بلدانهم الأصلية،كيف سيتعامل معها المُشرع الإسلامي؟ هل فيها ما يستعصي على التجاوز  و التطوير؟ وهل يجوز للمشرع الإسلامي و خاصة في عصر العولمة هذا  أن يقف منها موقف العداء أو الحياد أو لا حرج عليه دينيا و سياسيا  أن يُعمل نظره في هذا المُعطى  الموضوعي مُجتهدا  في تحري الصواب و الحكمة والمصلحة من أجل تحسين  أوضاعنا السياسية  و الإجتماعية ، و لما  لا تحقيق شيء من أحلامنا؟  هل التشريع الإسلامي ،أو بصفة أدق  [الفقه الدستوري]أو ما يُعرف عند القدماء ب[السياسة الشرعية]،له من المواصفات  و الخصائص ما يسمح له  باستيعاب  الديمقراطية واحتواء ما كان على  شاكلتها من آليات للتغيير و مناهج لمقاومة الظلم و الإستغلال من ناحية  و إدارة الشأن العام  و تحسين الأوضاع السياسية و الإجتماعية لشعوبنا العربية و الإسلامية من ناحية أخرى؟بل إننا نتساءل ،إذا ما أردنا أن ندفع بعملية الإصلاح  في الإتجاه الصحيح،أليس من واجب المشرع الإسلامي  أن يتجاوز مستوى  الإكتفاء بإعطاء مجرد رأيه في الديمقراطية كمعطى  سياسي واقعي ،إلى مستوى اقتراح التعديلات و التحسينات اللازمة وإعطاء الإضافات المطلوبة [ لأنسنة ] الديمقراطية  وتفعيلها أكثر خدمة للبشرية و صيانة لحقوق الإنسان و كرامته؟   الديمقراطية بين الخطاب  و الممارسة:  لعله من المفيد  أن نعترف ابتداء أن هناك فرقا بين النظرية و التطبيق و بين الخطاب و الممارسة. وهي قاعدة تكاد تكون ثابتة يمكن أن نطبقها على كل النظريات و في كل المجالات. فالمحظور ليس تواجد شيء من التفاوت بين النظرية والواقع ، وإنما المحظور هو أن تُصبح النظرية نقيضا للممارسة  و التطبيق . فلا ينبغي ،إذا،أن نخلط بين الد يمقراطية  كمبدإ و أفق رحب للممارسة السياسية كما أسلفنا و التجاوزات الكثيرة  التي تمارسها بعض القوى الإنتهازية أو المحا فظة التي لا يخلو منها زمان ولا مكان للمزايدة و تحقيق بعض المصالح الحزبية و الفئوية . فهذه الأخطاء  لا يمكن أن يُحتج بها على فسا د الديمقراطية ، ولا التذرع بها لرفض هذه الأخيرة. إن ما ينبغي التسليم به ابتداء ، أيضا،أن الديمقراطية ،ولئن كانت إيجابياتها أكثر بكثير من سلبياتها  حسب العديد من الدراسات التي سنأتي على ذكرها،فهي لم تبلغ مثالها و هي لا تزال بعيدة على أن تُصبح نهاية التاريخ كما يدعي فوكويوما وغيره. و عليه فهذه المرونة التي تحتوي عليها الديمقراطية تفرض علينا ،بدل الرفض و الإنغلاق على الذات،بذل الوُسع لتوفير الشروط المناسبة و استنباط الضمانات القانونية و الدستورية  لتحسين هذه الآلية بما يخدم مصلحة الأمم و الشعوب و خاصة منها الفقيرة و المتخلفة. فمنهج الإسلام  في البناء و التأسيس  هو دائما التدرج و تهيئة الأرضية الصالحة لذلك و هو ما يُعرف عند الأصوليين  بتحقيق [المناط].   الديمقراطية و  ردود بعض المدارس الفكرية:إن من الصعوبات التي تعترض المصلحين في كل زمان هو هذه الحساسية المُفرطة  إزاء كل ما هو جديد، وهو ما يُمثل في أحيان كثيرة ضغطا سياسيا و نفسيا على المصلحين لا يُستهان به.         و بناء  عليه فإن مواقف  مختلف الأطراف من الديمقراطية  في الساحة العربية و الإسلامية يمكن أن نقسمها بإيجاز شديد إلى ثلاثة مواقف أساسية و هي :الرفض المطلق أو القبول المطلق أو القبول المشروط . 1.العلمانيون:     إن مواقف هؤلاء من الديمقراطية ليست متجانسة . فليست مواقف الليبيراليين هي نفسها مواقف الإشتراكيين، و لكنهم يشتركون في القبول العام بها دو ن  التفصيلات  و خاصة بعد سقوط المعسكر الشرقي بزعامة  ما يُعرف سابقا بالإتحاد السوفياتي، إلا أن هذا القبول لم يكن دائما قبولا مبدئيا وإنما هو قبول مُسيس فرضه الأمر الواقع الذي عُرف سياسيا بالنظام العالمي الجديد و خاصة في عالمنا العربي و الإسلامي. و في هذا النطاق تجدر الإشارة إلى أن قسما كبيرا من العلمانيين، و خاصة منهم الملحدين ،قد تبنوا الديمقراطية تكتيكا على  خلفية  سحب البساط من تحت أقدام القوى الإسلامية  الصاعدة ،وحتى لا نُعمم فإن جزءا مهما من هؤلاء  هم في حقيقتهم استيئصاليون و متطرفون استعملوا الديمقراطية للمناورة و الضغط و الإحراج بعيدا عن هوية المجتمع و دينة و خصوصياتة  و هم لتحقيق ذلك تحالفوا مع الشيطان ناسين  أو متناسين أنهم أُكلوا يوم أكل الثور الأبيض و قد ظنوا خطأ أن ذلك هو السبيل لمنع الإسلاميين من حقهم في العمل السياسي، و هو ما أضر أيما ضرر بالمجتمع المدني و مؤسساته و ساهم في تغول الدولة  ووأد السياسة ، وكان الخاسر الأكبر هي الشعوب. 2. الإسلاميون :  تتوزعهم ثلاثة مواقف نسردها   كالآتي :   
                                     الموقف الأول :   يعتبر الديمقراطية بدعة ،و شركا بالله و انحرافا عن الصراط المستقيم. وهذا الموقف لا يحتاج إلى تعليق.
الموقف الثاني   :   يعتبر أن للديمقراطية بعض الإيجابيات ولكن السلبيات أكثر بكثير من الإيجابيات و أنها بالنتيجة صنيعة اغريقية غربية تقوم الشرعية فيها على أساس أن الشعب يحكم نفسه بنفسه بعيدا عن الحاكمية العليا لله تعالى و خير من  عبر عن هذا الرأي هو المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الفاضل محمد قطب  حفظه الله تعالى في كتابه [مذاهب فكرية معاصرة].
الموقف الثالث   : يعتبر أن الديمقراطية مكسب انساني ينبغي الدفاع عنه و خاصة إذا ما أضيفت إليها بعض الشروط و التحسينات التي تجعلها منسجمة مع خصوصيات ثقافتنا العربية و الإسلامية، وهي بهذه  الشروط تصبح ضرورة  لأنها تستجيب لكثير من مطالب شعوبنا في الحرية و الكرامة الإنسانية. وهي و لئن  كانت معبرا لتحقيق مكاسب جمة كلها كانت في خدمة  الإنسان و الإنسانية  حتى في صورتها الغربية إلا أنها لا تزال  قابلة للتحسين و الإضافة . و نحسب أن من هذه المرونة التي اتسمت بها الديمقراطية و القدرة العجيبة التي تميزت بها في  التأقلم  مع مختلف الأفكار التقدمية   استمدت هذه الأخيرة شرعيتها و قوتها و حيويتها،فظلت دائما حقيقة منسابة و منفتحة و لم تكن حقيقة جامدة و متكلسة. ولهذا التيار في الفكر الإسلامي ، ولئن كان حديثا مقارنة مع غيره،أنصاره و رموزه الفكريه و السياسية و نذكر من هؤلاء فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي ود.محمد عمارة والشيخ أ. راشد الغنوشي رئيس حركة  النهضة في تونس ود.خالد الطراولي رئيس اللقاء الإصلاحي الديمقراطي  حفظهم الله جميعا. ولكن هذا التيار لايزال في بداية الطريق،و لم يستطع بعد أن يفرض نفسه و يعرف بأرائه ، فمواقفه لا تزال مهزوزة،ينقصها المراكمة  والجرأة في إعلان ما يؤمن به بشكل منتظم و دائم. ونحن في هذا المقال،انطلاقا من واقع المحنة ،و استفادة من التجربة السياسية الطويلة ،  ومتابعة أعرق الديمقراطيات الغربية على امتداد خمسة و عشرين سنة من جهة،و استعانة بنصوص الوحي المعصوم و استيئناسا  بمقا صد الشريعة من جهة أخرى،أردنا ان نعرف هل لنا الحق كإسلاميين أن نتبن الديمقراطية ، بعد أن نكون قد أضفنا إليها  بعض التحسينات و التعديلات،بشكل واضح و جريء   و الدفاع عنها ، لا تكتيكا ومناورة و لا باعتبارها  مكسبا وهميا لا يزال مشبوها و دخيلا على الفكر الإسلامي ، بل باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الفكر الإسلامي الأصيل و قيمة ثابتة من قيم الإسلام في تغيير المنكر و تثبيت المعروف و العمل النافع للناس جميعا ؟ إنني أتساءل ما المانع من أن نتصف بالإضافة  إلى الصفة الإسلامية التي هي الأساس بالصفة الديمقراطية ،مُتجاوزين مرحلة التردد و التلكإ و الإحتكام  في أحيان كثيرة إلى أعراف وسلوكيات و خلفيات ما أنزل الله بها من سلطان .
إن ما نريد أن نصل إليه في هذه المقاربة ،  و نحن في وضع المُحاط  به و البعيد عن أهله ووطنه وشعبه،هو الإنخراط  المباشر و لو من وراء البحار في المعركة الحقيقية ضد الإستبداد بمختلف أشكاله و صوره و الذي لا يمكن أن نختلف حول مفاسده التي  لحقت و ستلحق بشعوبنا و أوطاننا .هذه جملة من القضايا العامة ، بإيجاز  شد يد  ،التي سنحاول علاجها أو قل النظر فيها عسانا نستطيع في آخر الدراسة أن نجيب على السؤال المفصلي و الأساسي و الذي هو :هل تُعد الديمقراطية في صياغتها الإسلامية ،لو وُفقنا لذلك،الوجه الآخر للإصلاح و خاصة منه السياسي؟  هذا ما سنُحاول بإذن الله تعالى الإجابة عليه في الأيام القادمة إن أذن الله بذلك. أسأل الله تعالى أن يوفق   العاملين لنصرة دينه    لما يحبه و يرضاه،إنه سميع مجيب.    
                                مصطفى عبدالله الونيسي   ليلة الإثنين 05.06.06                                                                                                 الهوامش:
1.    ابن القيم: الطرق الحكمية   2. أول من سمعته يستعمل هذا المصطلح هو د. منصف المرزوقي 3.كالملكية الدستورية  >>  


قناة تونس 7 تقتني حقوق بث مقابلات تونس وحفل الافتتاح والدورين نصف النهائي والنهائي

تأكد لدينا ان قناة «تونس 7» قد اقتنت أخيرا حقوق البث المباشر على الشبكة الارضية لمقابلات منتخبنا الوطني في المونديال إضافة الى حفل الافتتاح (الذي سيقام يوم الجمعة القادم) ومقابلتي الدور نصف النهائي ومباراة الدور النهائي. وفي هذا السياق وجه المكتب التنفيذي للجامعة التونسية لكرة القدم برقية شكر وامتنان الى سيادة الرئيس فيما يلي نصها: إلى سامي عناية سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية. على إثر تدخل سيادتكم بالإذن لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية باقتناء حقوق بث مقابلات المنتخب الوطني لكرة القدم وحفل الافتتاح والدور نصف النهائي والنهائي لكأس العالم ألمانيا 2006. يتوجه المكتب الجامعي لكرة القدم الى سامي عنايتكم بأحر عبارات الشكر والامتنان للفتتكم السامية التي تعبر على حرصكم الدائم على تمكين مختلف شرائح المجتمع من مواكبة التظاهرات الرياضية الكبرى، مما سيسهم في حف ز همم عناصرنا الوطنية لتشريف كرة القدم التونسية ورفع الراية الوطنية. ودمتم يا سيادة الرئيس خير راع للرياضة والرياضيين وسندهم الدائـم. والسلام» (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 6 جوان 2006)  


اي آر تي تختطف سلطة الكرة:

قطع الحبل السرّي بين تلفاز الانظمة والشعوب

توفيق رباحي (*) بطولة كأس العالم علي الابواب! استعدوا لحالة من الجنون سيعيشها العالم ويضطرنا لان نعيشها معه. حيثما كنت، قدرك ان تعيش شهرا من العبث يتساوي فيه الناس في جنونهم وهوسهم بلعبة غريبة وساحرة. اذا كنت رجلا فمصيبتك اخف من ان تكون امرأة في عصمة رجل مهووس يضبط عقارب حياته مع المونديال واخباره. غير النساء، الخاسرون الاخرون هم منشطو برامج السياسة والفن والاقتصاد في الاذاعات والقنوات التلفزيونية ما لم يكيّفوا عملهم مع الكرة، لان المونديال اخذ المنحي الذي اخذه فتفوق علي الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة كل شهر ايلول (سبتمبر) بنيويورك حيث يحضر اغلب رؤساء وملوك العالم. وكذلك لانه يأتي مع دخول الصيف وهو في العادة منفّر من السياسة والبرامج الجادة (تصوروا حلقة ثقيلة ودسمة من حلقات احمد منصور بلا حدود في ذروة حمي مضاعفة، المونديال وفصل الصيف، بينما في قناة مجاورة تلتهب الدنيا حماسا واثارة بمباراة تلعبها الارجنتين او السعودية او البرازيل!). ہہہ بالمقابل، ستشهد اسهم مذيعي الرياضة وبالذات كرة القدم ارتفاعا نحو القمة، وان كنت اشك انها نزلت يوما الي درك مخيف، منذ اصبحت الكرة ديانة جديدة في الغرب والشرق والشمال والجنوب. واذا كان الماسكون بحبال واسرار اللعبة هم المستفيدون الاوائل بجمع ثروات طائلة مما تدره هذه الصناعة، في الظل وفي صمت، ثم اللاعبون والمدربون، فالمذيعون يأتون في الدرجة الموالية. لا اقصد هنا المذيعين في تلفزيوناتنا المنكوبة، فهم في كل الاحوال موظفون مدي الحياة يتلقون رواتب وينتظرون التقاعد، واكبر طموح احدهم ان يسافر الي المانيا لتغطية بعض مباريات فريق بلاده ويعود الي بلاده وعمله طائعا راضيا بمصيره. ورغم ذلك فشهرة بعضهم تفوق احيانا شهرة وزراء، ووجوههم مألوفة في البيوت اكثر من وجوه الحكام والسياسيين (ناهيك عن الذين يُسمون مثقفين). لنقل ان استفادتهم مادية، ولنتركهم يتلذذون بمقولات من نوع محبة الناس اهم من ثروات الدنيا . كذلك، وان لم يقرّوا بذلك علنا، فهم في القنوات المحلية العربية في مأمن من ضغوط السياسة وتبعات برامجها، ادبيا من حيث انهم لا يديرون برامج سياسية لها تبعات قد يستحون بها من انفسهم اخلاقيا بعد تغيّر الحكم ودوران الزمن، و جنائيا من حيث انهم، في احسن الاحوال، قد تكون تبعات برنامج خارج النص وقف بثه واحالة صاحبه علي بطالة مقنعة، وفي اسوأها ربما سجنه. بل اقصد مذيعي الرياضة في التلفزيونات الغربية وكثيرون منهم لاعبي كرة سابقين. هؤلاء ينافسون بعض اللاعبين في الاستفادة من الدعاية والاعلانات التجارية، ولا ادل علي ذلك من مهاجم الفريق الانكليزي السابق غاري لينيكر الذي استولي علي برامج الكرة في بي بي سي العتيدة بعقد قيمته نصف مليون جنيه استرليني (750 الف يورو) سنويا، وارتبط اسمه وابتسامته باشهر برنامج كرة في هذه القناة، Match of the day (مباراة اليوم) مساء كل سبت. غير ان الشهرة هنا وجهان، فمثلما يستفيد النجم من وجهها الايجابي الجميل، عليه ان يتوقع دفع ثمن الوجه القبيح المتمثل في مطاردة وسائل الاعلام وتعرضها لحياته الخاصة. من هنا تحوّلت حياة لينيكر الزوجية ومتاعبه مع شريكة حياته الي عنوان بالبنط العريض علي صفحات الجرائد الانكليزية قبل اشهر. بيد ان بطولة كأس العالم هذه المرة تحمل اكثر من مفاجأة سيئة لكثير من المذيعين المحليين في دولنا المنكوبة تلفزيونيا (ضمن قائمة طويلة من النكبات). فهم لا يغطون المباريات وقد لا يسافرون الي المانيا لان اليوم الذي توعدنا به احد الاساتذة، وكنا بالجامعة في اواخر الثمانينات، قد جاء. كان يقول سيأتي زمن تضيق فيه السماء بالاقمار الصناعية والقنوات التلفزية، لكنكم لن تشاهدوا ما لم تدفعوا. سيأتي يوم تتخصص فيه القنوات التلفزيونية مثلما يتخصص اصحاب المطاعم الشعبية في بيع اكلاتهم، لكنكم لن تشاهدوا كل شيء رغم الزحام في الفضاء . وهكذا لن تغطي اغلب المحطات العربية مباريات المونديال. قبل فترة، كان المنع يطال الفضائيات دون القنوات الارضية المحلية، اما الان فـاستوي الجميع، فضائي وارضي. اليوم، كل العالم يشاهد القنوات الاخبارية بأبسط الامكانات وبـ بلاش ، لكن كم هو عدد الذين يشاهدون براحة وبـ بلاش ايضا ما يشتهون من مباريات الكرة وبطولات اوروبا؟ لو كنت تقرأ هذا الكلام وانت في الجزائر، فانت حتما تدرك لعبة القط والفأر التي يخوضها مزوّرو الشفرات باجهزة الاستقبال، وانت حتما تدرك ان التلاعب بهذا الجهاز لجعله اكثر قدرة علي التقاط ابعد واصعب القنوات، بات علما وتخصصا قائمين لهما متمرسون في كل قرية وبلدة ومدينة. وليست الجزائر استثناء. والمفاجأة ـ الخيبة هنا مفاجأتان ـ خيبتان، اذ اكتشف الجمهور في كثير من بلداننا، بينها الجزائر والمغرب علي سبيل المثال، ان دولته، من خلال تلفزيونها، عاجزة عن تغطية المونديال لانها عاجزة عن شراء المباريات امام اخطبوط اسمه اي آر تي الخليجية وما ترمز اليه من سطوة مالية ارتبطت دائما بالاعلام الخليجي النفطي. اي آر تي الخاصة احتكرت حقوق بث المونديال عربيا، مثلما احتكرت جوانب من السينما والغناء، وتركت دولا كاملة تقف عاجزة ومذهولة. بتعبير اخر، سحبت من الحكومات والتلفزيونات اخر وابرز ادوارها، الترفيه بالكرة، وقطعت اخر حبل سُري يربط الجمهور س بقناة بلاده. واذا كان لابد من استنتاج، فهو ان المفاجآت السيئة هي ثمرة طبيعية لواقع مر وغريب: الكرة اقوي من السياسة واصحابها ومنطقهم اقوي من الحكام وقوانينهم. ضاعت فرصة اخري علي اصحاب السياسة والحكم عندنا الذين يستغلون الكرة لادامة مظالمهم وتعسفهم. اغلب الرؤساء والملوك والحكومات، من امريكا وبريطانيا الي زيمبابوي مرورا بالمانيا وفرنسا والمكسيك، يحتفون بفرقهم القومية وانتصاراتها، لكن ضمن حدود العقل وبدون فجور. عندنا، كل شيء يسبّح بحمد صاحب الفخامة والسمو الذي لولا بركاته لما دخلت الكرة شباك مرمي الخصم! الشهر الماضي كنت بدولة عربية لا يمكن وصفها الا بانها سجن كبير مفتوح، وتزامن وجودي مع مباراة نهائي الكأس بين فريقين من اقوي فرق البلاد والعاصمة. لم تكن المناسبة كروية فحسب بل سياسية احتفي بها واستغلها التلفزيون، وبه ومن خلاله، اصحاب الحكم و الباب العالي ، بشكل بشع. في اليوم الموالي غطت صور حضور الرئيس المباراة عن الحدث كله رغم ان الفريقين اقدم من فخامته وتقليد العرس الكروي كلما التقيا سبقه بكثير. والحالة هذه معممة في كل دولنا، ولكم ان تتصوروا حجم الاستغلال عندما يصل فريق من هكذا دول الي المونديال ويحقق نتائج جميلة. ہہہہ مدير عام التلفزيون الجزائري، مدركا ان الكرة هي اخر ما بقي يربط الجمهور الجزائري بتلفزيونه، اشتكي من الاحتكار غير الاخلاقي الذي مارسته اي آر تي بشراء حقوق بث المونديال عربيا، وجعلها مناحة. وفي المغرب اشتكي وزير الاعلام بنفس المرارة منطلقا من نفس القناعة. مشكلة هذه الفئة من المسؤولين انهم يرفضون الاقرار بانهم هم ايضا اختطفوا تلفزيونات بلدانهم لصالح انظمة حكم شمولية وفاشلة، فجاء مَن يختطف منهم مباريات المونديال لصالح المال. وبين اختطاف مؤقت لحدث محدد في الزمان والمكان مثل المونديال، واختطاف قنوات تلفزية كاملة علي مدار الساعة والسنة، افضّل الاول. سيكون من حقهم المطالبة بانهاء اختطاف مباريات المونديال وغيرها من المنافسات عندما يُنهوا هم عملية الاختطاف التي يقومون بها ويعيدوا لشعوبهم تلفزيوناتها. اما اذا استمر الحال كما هو عليه، فسيأتي عليهم يوم يعجزون فيه عن نقل مباراة اولمبيك خريبكة ضد الرجاء البيضاوي او نادي حاسي بحبح ضد اتحاد سيدي محمد بن عودة. (*) كاتب من أسرة القدس العربي toufik@alquds.co.uk (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 6 جوان 2006)  


استياء في الأردن لعدم بث المباريات تلفزيونيا ومقرات مكيفة لجماهير البحرين لمتابعة المونديال

عمان ـ المنامة : سلمان الدوسري وسط الاستعداد لمتابعة حرارة مونديال كأس العالم الا انه وكما هو حال ملايين العرب من عشاق كرة القدم لن يتمكن الاردنيون هذا العام من مشاهدة مباريات كأس العالم لعدم مقدرتهم المادية على الاشتراك في شبكة راديو وتلفزيون العرب الفضائية (ايه.ار.تي) التي اشترت حقوق بث البطولة في المغرب العربي والشرق الاوسط. ويشعر الاردنيون بالاستياء وهو الشيء نفسه الذي عبر عنه المغاربة قبل ايام وكثير من الدول العربية التي شعرت بان المقابل المالي للحصول على حق متابعة المباريات مبالغ فيه بالنسبة لقدراتها. وكانت الحكومة البحرينية قد اعلنت منذ يومين عن تخصيص مقرات مكيفة للجماهير في جميع المحافظات الخمس للمشاهدة المجانية لمن يرغب في متابعة هذا الحدث العالمي. وقال الشيخ خليفة بن عبد الله ال خليفة الرئيس التنفيذي لهيئة اذاعة وتلفزيون البحرين والوكيل المساعد للاعلام الخارجي إنهم اتخذوا هذه الخطوة استجابة لمطالب فئات كثيرة من المواطنين البحرينيين بتوفير وسيلة لمشاهدة مباريات كأس العام التي تحتكر نقلها شبكة (ايه.ار.تي)، ولتكون هدية من تلفزيون البحرين للجمهور على ان يتم الاعلان عن مواقع هذه المراكز خلال الايام القليلة المقبلة». اما في الاردن فيبدو الاستياء عاما لانه ليس امام الجماهير وسيلة الا البحث عن المقاهي التي تملك اجهزة (ايه.ار.تي). بهاء الذي أعد قميص فريقه المفضل وهو المانيا واشترى اعلاما ليحملها اولاده اثناء المباريات اعرب عن استيائه الشديد لعدم تمكنه من مشاهدة المونديال في منزله لان ليس بمقدوره الاشتراك في شبكة (ايه.ار.تي). وقال بهاء «هي مأساة بصراحة، لانه ليس لدى جميع الناس المال لتدفع مبالغ كبيرة». واضاف «من الصعب على اي شخص ان يمضي يومه في مقهى لحضور ثلاث مباريات في اليوم خصوصا ان هناك اشخاصا مهتمين ويحبون مشاهدة جميع المباريات». وبدأت المقاهي والفنادق في عمان اعلان بثها للمونديال الذي سينطلق يوم الجمعة على شاشات ضخمة لاستقطاب اكبر عدد من الزوار من عشاق كرة القدم والذين سيحرمون منها اذا لم يتابعوها في المقاهي أو اشتركوا في (ايه.ار.تي) . وقال عزام فخر الدين مساعد المدير العام لشركة القصر التي تملك عشرة مطاعم في الاردن وخصصت شاشات كبيرة للعرض ان الاهتمام المتزايد بهذا الحدث وبحث الناس عن اماكن لحضوره زادت من سعي أماكن الترفيه من أجل بث المباريات. وأضاف فخر الدين لرويترز «كرة القدم بشكل عام اصبحت صناعة كبيرة وهي تكبر اكثر واكثر مع الايام وهذه السنة بسبب بثها (كأس العالم) حصريا على (ايه.ار.تي) اصبح الناس يبحثون عن اماكن اخرى غير منازلهم ليشاهدوها». وتابع «اصبح كأس العالم شهرا من الاحتفالات… اصبحت كرة القدم جزءا من الطقوس حتى لمن لا يشاهد كرة القدم». وقامت الشركة بإعداد حديقة كبيرة تسع لـ 300 فرد مزودة بشاشات عرض ضخمة خصصت حصريا لبث المباريات. وقامت بعض البنوك في المملكة الاردنية بالاعلان عن تقديم خدمات تتيح لعملائها الحصول على اشتراكات في (ايه.ار.تي). وبحسب دراسة اعدت لعامي 2002 و2003 يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي في الاردن حوالي 900 دينار (1269 دولارا) بينما يبلغ حد الفقر حوالي 400 دينار. وقام رسامو الكاريكاتير باظهار استياء الاردنيين في رسوماتهم من خلال ايقونات المونديال وهي تبكي امام التلفزيون مع عناوين مثل «بيع عفشك وثيابك وشاهد كأس العالم» وكان المدير العام للتلفزيون الحكومي الجزائري حمراوي حبيب شوقي قد اعلن يوم السبت ان التلفزيونات العربية لن تنقل مباريات كأس العالم لفشل المفاوضات مع (ايه.ار.تي). واضاف شوقي ان المشكلة ليست مالية لان (ايه.ار.تي) رفضت مبدأ التفاوض بشأن اعادة بيع حقوق البث واقترحت نظام البطاقات على البلدان العربية التي يمثلها منتخبا تونس والمملكة السعودية في كأس العالم. وقالت سمر خير، وهي مديرة البرامج في التلفزيون الاردني، «كان يفضل ان تكون المشاهدة متاحة للجميع»، واضافت خير «لا يجوز ان تكون حكرا على احد لكن هكذا اصبحت الرياضة بشكل عام». ولم تقتصر خيبة الامل بسبب عدم مشاهدة المونديال على المواطنين فقط بل طالت بعض لاعبي كرة القدم الاردنيين كذلك والذين عبروا عن استيائهم لعدم تمكنهم من المشاهدة والتعلم من المنتخبات المشاركة. وقال احمد هايل لاعب نادي الجزيرة الاردني والمنتخب الوطني الاردني «لا نعرف اين او كيف سنحضرها. كنا نشاهد كل كأس عالم بسهولة وبتعليق عربي والان لا ندري ان كنا سنشاهد هذه المباريات». واضاف هايل، الذي لم يشترك مع (ايه.ار.تي)، «كلاعب منتخب تهمني كثيرا هذه المباريات حيث استطيع ان اشاهد الفرق وكيفية تطور مستواها وكيف تستطيع الوصول الى مرحلة متقدمة». وقال بهاء «كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي يسلي العالم ومن المفروض ان لا تتم مصادرتها من الشعب». (المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 6 جوان 2006)  

 

جمود اتحاد المغرب العربي يقلق أوروبا

عابد شارف تحول فشل المحاولات لبناء المغرب العرب الي مشكلة أوروبية، مما دفع بلدان الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وخاصة منها اسبانيا، الي اطلاق سلسلة من المبادرات لتحريك الوضع، بعد أن اقتنعت أن البلدان المغاربية تكتفي بالخطاب والشعارات دون القيام بأية مبادرة يمكن أن تتجاوز الجمود الحالي. ويوحي هذا الوضع الغريب أن اوروبا تفكر في بناء المغرب العربي أكثر من البلدان المغاربية، وذلك أن اوروبا تتوفر علي الهياكل والأدوات اللازمة للتفكير في المستقبل، عكس بلدان الضفة الجنوبية التي تكتفي بالتسيير اليومي لمشاكلها دون التخطيط للمستقبل البعيد. فبلدان المغرب العربي تتكلم عن بناء فضاء مشترك منذ زمن طويل، وقد حاولت التنسيق لعملها منذ عهد الاستعمار لما كانت النخب تلتقي في مراكز نضال مشتركة مثل باريس والقاهرة والزيتونة في تونس. وتم لقاء مشترك في طنجة بالمغرب أثناء حرب التحرير الجزائرية سنة 1958، وكان آنذاك حيث التحرير الجزائري موجود بقوة في تونس والمغرب قرب الحدود، كما تمكن من اقامة أكبر قاعدة لجهاز المخابرات بليبيا. لكن مباشرة بعد الاستقلال، اندلعت حرب الرمال بين الجزائر والمغرب سنة 1963، ورهنت لمدة طويلة فكرة بناء المغرب العربي. ولما بدأ الطرفان يتجاوزان هذه العقدة، نشبت أزمة الصحراء الغربية، حيث قررت الجزائر أن تساند جبهة البوليزاريو التي تطالب باستقلال الصحراء، بينما اعتبرها المغرب جزءا من ترابه. وتمكنت بلدان المغرب العربي أن تتجنب حربا جديدة، ثم انطلق العمل من جديد بعد اللقاء الذي جمع في زرالدة بالجزائر سنة 1988 كلا من ملك المغرب الحسن الثاني والزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس التونسي زين العابدين بن علي والجزائري الشاذلي بن جديد. وعلي اثر هذا اللقاء، تم انشاء اتحاد المغرب العربي، وفتحت الحدود. لكن سرعان ما عادت الأزمة وغلق الحدود الجزائرية المغربية سنة 1994، وبقي الوضع علي حاله لحد الساعة، مما دفع الوزير الأول الجزائري الأسبق مولود حمروش الي وصفه أنه اهانة . وعاد كل طرف الي تقاليده، فبينما يكتفي المغرب بمحاولة فرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية، تكتفي الجزائر بالمحافظة علي نظامها الحالي، بينما اختارت تونس أن تغازل الغرب. أما الزعيم الليبي معمر القذافي، فانه يهتم بافريقيا حيث شرع في مبادرة جديدة لخلق فضاء موحد لقبائل الطوارق، أهالي الصحراء، بعد فشله في محاولة للوحدة مع تونس والجزائر ومصر وغيرها. واذا كان هذا الوضع لا يقلق ظاهريا بلدان المغرب العربي، فانه يقلق اوروبا لأسباب موضوعية. وقد عبر عن هذا التذمر وزير الخارجية الاسباني ميغيل أنخيل موراتينوس الأسبوع الماضي خلال ندوة في مدريد حيث قال صراحة ان بلدان المغرب العربي لا تأخذ التعامل مع اوروبا بجدية. وأكثر من عشر سنوات عن لقاء برشلونة الذي يعتبر الخطوة الأولي في التعاون بين ضفتي المتوسط، لاحظ الوزير الاسباني أن المبادرات الأوروبية لا تلقي صدي يذكر. وقد نظمت اسبانيا سلسلة من اللقاءات والمبادرات لدفع البلدان المغاربية الي الأمام، ودعت لذلك خبراء ومحللين وسياسيين من مختلف البلدان، وأجمع هؤلاء علي أن كل الأطراف ستستفيد من بناء المغرب العربي. وقال الوزير التونسي السابق مصطفي نابلي الذي يشتغل حاليا في البنك العالمي أن بلدان المغرب العربي تحرم نفسها من سلسلة من النشاطات الاقتصادية التي لا يمكن أن تكون مربحة علي مستوي بلد واحد لكنها تجد سوقا كافيا علي مستوي المغرب العربي. وقال الجزائري نور الدين أوعبدالسلام، وهو خبير في الطيران، أن غلق الحدود بين الجزائر والمغرب يكفي وحده كرمز لأغلاق الآفاق لشعوب المغرب العربي في عصر اختفت فيه الحدود. ولاحظ أن عدم التعاون في ميدان الطيران لوحده يحرم بلدان المغرب العربي من تطوير قطاعات عديدة مثل السياحة والصناعة التي يمكن تطويرها بفضل القرب من السوق الأوروبي. وقال يسعد ربراب، وهو من كبار رجال الاعمال في الجزائر (رقم أعمال شركاته مليار دولار سنويا) انه يعمل علي مشروع في ميدان الزجاج سيكون حجم انتاجه أوسع بكثير من طلب السوق الجزائرية، ولا بد له من دخول الأسواق المغاربية الأخري التي تبقي مغلقة. ولاحظ محافظ بنك الجزائر الأسبق عبد الرحمن حاج ناصر أن المبالغ التي تخرج سنويا من الجزائر والمغرب وتونس تفوق بسبعة مليارات دولار الأموال التي تدخل نفس المنطقة، مما يؤكد أن الأموال متوفرة بكثرة اذا أضفنا له فائض الجزائر وليبيا من العملة الصعبة، لكن هذا كله لا يعود بالرفاهية علي شعوب المنطقة. ولاحظ أن غلق الحدود وغلق الذهنيات يمنع الجميع من التفكير بعقلانية في مصير مشترك ومتضامن. ويشكل ميدان الطاقة رمزا للفشل في التعاون المغاربي. فبينما يكفي تمديد أنبوب من الجزائر أو ليبيا لباقي البلدان من أجل تزويدها بالبترول والغاز، أدي عدم التشاور والتوتر في العلاقات الثنائية بالمغرب مثلا الي شراء المحروقات في السوق الدولية مع ما يترتب عنه من تكاليف اضافية. وقال أحج الخبراء أن المغرب يفكر في بناء مركب لاعادة تحويل الغاز من سائل الي غاز بعد استيراده بواسطة البواخر الكبري، وهي عملية شاقة ومكلفة يمكن تجنبها بواسطة انبوب عبر الحدود الجزائرية. وقبل ذلك، تأسف الكثير علي طريقة البلدان المغاربية في التفاوض مع اوروبا، حيث أبرم كل بلد اتفاقا شراكة مع الاتحاد الأوروبي دون التشاور علي المستوي المغاربي. واذا كان اتفاق الشراكة بين الجزائر والمجموعة الأوروبية الذي تم التوقيع عليه منذ سنة يشكل نموذجا للفشل في التفاوض، حيث يعطي المنتوجات الأوروبية كل الامتيازات ويحصل علي القليل من المكافآت، فان الاتفاقات التي أبرمتها كل من تونس والمغرب ليست خالية من العيوب، لأنها تضع مؤسسات هذه البلدان في مجال ضيق لن يسمح لها أبدا أن تخرج من نشاطها الثانوي. ورفض وزير الخارجية الاسبانية موراتينوس اعتبار أزمة الصحراء الغربية كعائق لا يمكن تخطيه لبناء المغرب العربي. وقال ان بلاده تعرف خلافا مع بريطانيا حول جبل طارق، لكنها لما لاحظت أن الوضع ليس ملائما لحل الخلاف، اختارت أن تضع الخلاف في زجاجة في انتظار الوقت الملائم. وأصبحت اسبانيا تضغط من أجل خطوات جديدة في بناء المغرب العربي لأنها البلد الأوروبي الأكثر تضررا من الوضع الحالي. ولعل أكثر عامل يقلقها هو الهجرة غير الشرعية من افريقيا نحو اسبانيا مرورا بجنوب المغرب أو موريتانيا والسنغال مرورا بجزر الكناري، حيث سجل وصول أكثر من سبعمئة مهاجر في يوم واحد في نهاية ايار (مايو). وبصفة أشمل، فان اوروبا تعتبر أن مغربا عربيا موحدا سيسمح بنمو المنطقة بطريقة غير معهودة، حيث يمكن أن تتجاوز نسبة النمو 10 بالمئة سنويا مثلما هو الحال في الصين حاليا، بينما يبقي مستوي النمو حاليا بين 5 و6 بالمئة ان كانت الأرقام صادقة. وبمثل هذا النمو، يمكن أن تنشأ منطقة مزدهرة ستجذب نحوها الهجرة الافريقية التقليدية نحو اوروبا، وتسمح لاوروبا أن تتخلص من الهجرة غير الشرعية، أو أن تختار الهجرة التي تحتاج مثلما يقول وزير الداخلية الفرنسي فرانسوا صاركوزي الذي فرض في فرنسا قانونا في الميدان. ويشكل مغرب عربي مزدهر سوقا كبري للمؤسسات الأوروبية، خاصة منها الفرنسية والاسبانية والايطالية التي تربطها علاقات تقليدية قوية بشمال افريقيا. وبدأت الشركات الأوروبية تخشي المنافسة الأمريكية، لكن المنافس الحقيقي هو المنافس الصيني والآسيوي بصفة عامة. وقد بدأت الشركات الصينية تحصل علي صفقات كبري في ميدان الأشغال العمومية في الجزائر مثلا، بينما أصبحت السيارات التي تخرج من مصانع الكوري هيونداي تحتل المرتبة الأولي للمبيعات في الجزائر، متقدمة شركتي رونو وبيجو اللتين احتكرتا السوق المغاربية منذ أكثر من نصف قرن. ومن جهة أخري، فقد احتار السياسيون والخبراء الأوروبيون أمام هذا الجمود في بناء المغرب العربي. وحاول الأمين العالم لاتحاد المغرب العربي حبيب بن يحيي خلال لقاء في مدريد نهاية الشهر الماضي أن يغطي الفشل بالتركيز علي العمل المشترك في كل الميادين، وقال ان اتحاد المغرب العربي نظم خلال سنة الماضية 114 اجتماعا علي مختلف المستويات، فأجابه خبير اسباني بالقول انه اذا أريد لمشكل ألا يجد حلا فيكفي أن ننظم اجتماع وننشئ لجنة. وبدأت تتبلور فكرة جديدة في الأوساط المختصة حول هذا الفشل متعلقة بالأنظمة السياسية. ويعتبر أصحاب هذا الطرح أن الأنظمة الحالية في بلدان المغرب العربي لا تكتفي أن تكون العائق الأكبر لبناء فضاء مشترك ومتكامل، بل أنها أصبحت واعية أن بناء المغرب العربي يشكل تهديدا واضحا لوجودها. وقال سياسي جزائري معارض ان البلدان التي تمكنت من تشكيل مجموعات جهوية في كل العالم هي البلدان الديمقراطية. وأكد أن اسبانيا والبرتغال وبلدان اوروبا الشرقية سابقا لم تدخل الفضاء الأوروبي الا بعد أن تحولت الي ديمقراطيات. وفي نفس الوقت، فان اندماجها في اوروبا ساعدها علي تخطي المرحلة الانتقالية دون مشاكل تذكر. ويقال هذا المعارض أن رفض الديمقراطية يكون بهذا المنظور هو العائق الأساسي أمام بناء مغرب متكامل، بل ويصبح رفض الديمقراطية النقطة الأساسية التي تجمع كل أنظمة المغــرب العربي. (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 6 جوان 2006)
 


«الحياة» تحاور الفكر العربي: أين نحن في العالم؟ متى ينتهي الانحدار؟ أي دور للمثقف؟ … الهيثم الأيوبي، المقدم الهيثم الأيوبي، الضابط الكبير السابق في الجيش السوري:

** الخطر الكبير إسرائيل وسياسات أميركا فلنتفادَ أي صدام مع الإسلاميين ** يخطئ المثقفون إذا رأوا وطأة العدو الأجنبي أخف من الفكر الأصولي المقاوم

ابراهيم العريس     مع وصول حرب الخليج الثانية، أي هجوم قوات التحالف بقيادة الأميركيين على العراق لاسقاط نظام صدام حسين، الى ذروتها، امتلأت شاشات الفضائيات العربية بمن راحوا يسمون «خبراء استراتيجيين»، ما طرح السؤال: إذا كان لدينا جميع هؤلاء الخبراء لماذا نُهزم في الحروب دائماً؟ أجاب مراقب بمرارة: ربما نُهزم تحديداً لأن لدينا كل هذا العدد منهم. قد تبدو هذه طرفة، لكن الواقع يعززها ولا يزال هو هو، ويكاد الفكر الاستراتيجي العسكري الحقيقي ان يكون الغائب الأكبر عن حياتنا الفكرية العربية. المقدم الهيثم الأيوبي، الضابط الكبير السابق في الجيش السوري، المقيم منذ ربع قرن تقريباً في فرنسا، يُعتبر، من دون إطلالات تلفزيونية، خبيراً استراتيجياً بالفعل، جمع دائماً بين الفكر السياسي والفكر العسكري، وكان واحداً من قلة من ضباط عرب، أدركت باكراً أن السياسة والعمل العسكري لا ينفصلان. من هنا نراه يضع الكتب العسكرية وينقل الى العربية بعض أبرز ما صدر في العالم منها، ناهيك بإشرافه، كرئيس تحرير، على أهم موسوعة عسكرية صدرت بالعربية، خلال السبعينات، يوم كان مقيماً في لبنان بعد تركه العمل العسكري المباشر في سورية لأسباب سياسية. منذ ذلك الحين يُعتبر الأيوبي، الذي كان من مؤسسي التيار القومي العربي وقادته، واحداً من المفكرين العسكريين في العالم العربي. وتعززت مكانته عبر مؤلفات مثل «دراسات في حرب تشرين» و«تاريخ الحرب الكورية» و«دروس الحرب الرابعة في الاستراتيجية والاستراتيجية العليا» و«دور الجيش العراقي في حرب تشرين» و«اتفاق فصل القوات الثاني في سيناء»، ناهيك عن كتابه الأشهر «الشعب المسلح». ومن ترجمات الأيوبي كتابات لينين العسكرية وكتابات تروتسكي العسكرية و«لمحات في فن القيادة» و«الاستراتيجية وتاريخها في العالم». اليوم، وعلى رغم المحاضرات والمداخلات «العسكرية» التي يساهم فيها بين حين وآخر، يبدو ان المقدم الأيوبي، الذي ساهم في الثورة الفلسطينية في السبعينات والثمانينات، وضع المسائل العسكرية جانباً ليعود الى الأساس: العمل السياسي والفكري. والواضح أن هذا العمل يقوده، إضافة الى كتابة كثير من المقالات والدراسات، الى إعادة نظر شاملة في الممارسات السياسية العربية على مدى نصف القرن، لا سيما ممارسات التيار القومي العربي الذي انتمى إليه وكان واحداً من رواده. «الحياة» التقت الأيوبي في باريس، حيث ينهمك في الكتابة مستخلصاً نتائج تجاربه الخاصة ثم تجاربه الفكرية من خلال عضويته في «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» في لندن (في الثمانينات) ثم في «مركز فلسفة الاستراتيجية» في باريس (في التسعينات). وفي الحوار الآتي الذي أجرته «الحياة» معه، يوضح المقدم الأيوبي بعض أفكاره ويوجه انتقادات وملاحظات تتناول الممارسات السياسية العربية، الماضية والراهنة. يأتي هذا الحوار ضمن سلسلة حاورت عدداً من المفكرين السياسيين والاقتصاديين والايديولوجيين العرب. > نشرت في آخر السبعينات، مقالات حول الاستراتيجية العسكرية العربية لمرحلة ما بعد الهزيمة (حزيران – يونيو 1967)، حددت في بعضها المسار الذي كانت ستأخذه حرب الاستنزاف، ثم في بعضها الآخر، المسار الذي عادت واتخذته لاحقاً حرب تشرين (اكتوبر)، ولاحقاً تبين صحة تشخيصك للحالين. اليوم بعد مرور كل هذا الزمن، هل ما زلت تنظر الى هاتين الحربين على انهما شكلتا انتصاراً عربياً رد، في شكل أو آخر، على هزيمة حزيران؟ – لا افهم السبب الذي يجعلنا نبدأ بهذا الموضوع… حرب تشرين كانت بالمفهوم العسكري ضربة تستهدف توقيف توسع الغزو الاسرائيلي للأراضي العربية. فالغزوة تأتي عادة لتقيم رأس جسر ثم تبدأ انطلاقاً منه بالتوسع مستمرة فيه حتى يقابلها رد ديناميكي، يتمكن اولاً من تغيير ميزان القوى، ثم يقوم بضربة الايقاف. بهذا المعنى يمكن الحديث عن «انتصار» في تشرين. المهم ان الامة التي كانت تعرضت للغزو تجمع بعد الضربة قواها لتمعن اكثر وأكثر في تغيير ميزان القوى ولتبدأ ما نسميه، الهجوم المعاكس الاستراتيجي. كل هذا معروف نظرياً… > فما الذي حدث إذاً؟ – بعد تلك الضربة التي أيقظتنا من الهزيمة، وناب فيها المصريون والسوريون عن الامة العربية كلها بدعم من بعض الدول العربية، حلت الكارثة الساداتية. بصراحة، كل ما نعيشه اليوم، وكل ما عاشه لبنان خلال الغزو الاسرائيلي، وأي ضربة تلقيناها ونتلقاها، انما هي نتيجة حتمية للموقف الذي اتخذه الرئيس أنور السادات بعد حرب 1973… ولا أستثني انتشار المد الاسلامي السياسي. بل ان هذا المد الذي يوصف بالتطرف لم ينجم فقط عن حرب 1973 وتصرفات السادات، بل كان ايضاً نتيجة حتمية لهزيمة فكر معين عام 1963. > كيف؟ – بعد حرب 1948 التي اضاعت فلسطين وخاضتها دول عربية تقودها فئات بورجوازية ووطنية، برز ذلك التيار القومي التقدمي العربي الذي قال ان الحل عنده ووصف القوى الحاكمة (المهزومة في 1948) بأنها قوى يمينية رجعية مرتبطة بالاستعمار وتأتمر بأوامره. هكذا صعد ذلك التيار الجديد، مؤكداً ان لا بد من حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والامنية قبل استعادة الانفاس. في 1967 انهار هذا التيار بدوره، كما انهار سابقه في 1948. هزيمة 1967 شكلت ذروة اخفاق القوى القومية والتقدمية في تحقيق الاهداف الاجتماعية والاقتصادية والامنية. وكان من الطبيعي ان يؤدي ذلك الى بروز التيار الوحيد الذي لم يُعتبر مسؤولاً عن الهزيمة. وكان بامكانه ان يطلع هو الآخر ليقول ان الحل عنده: الحل في الاسلام وفي الجهاد. اذاً التيار الاصولي، على اختلاف اشكاله وألوانه، ظهر بعد اخفاق التيار القومي. غوص في اللاوعي > اذاً، هذا التيار الأصولي عاش ويتحكم بالمجتمع الآن اكثر من أي تيار آخر، من دون ان يحكم فعلاً في أي بلد عربي. فكيف تمكن من أن يمارس هذه السلطة – الاجتماعية على الأقل – فيما عجزت كل التيارات الأخرى عن ذلك؟ – ربما لأنه ليس غريباً طارئاً على الانسان العربي المسلم. انه موجود في لا وعيه… في جيناته الوراثية كقوة فعل سياسية واجتماعية وثقافية. حتى العربي المسلم الذي لا يمارس الشعائر الدينية، يعود الى التمسك بقيم الدين وأهدابه ما أن يجد نفسه أمام طريق مسدود. إن أياً من التيارات الفكرية الأخرى ليس له مثل هذه القوة التأثيرية في الشعب البسيط كما لدى المثقفين، مهما كانت اتجاهاتهم. > أفلا نراك هنا تخلط بين الاسلام كدين وإيمان، وبين استخدامه في العمل السياسي؟ – ربما كان هذا الاعتراض جائزاً، نظرياً على الاقل، في الخمسينات والستينات، أما اليوم فيبدو لي خارج الزمن. ففي الاسلام ليس ثمة فصل بين الدين والدولة، وهو أمر يعرفه الاصوليون جيداً ويشتغلون عليه، وربما كان في الماضي نقطة الضعف لدى قوى تصورت نفسها علمانية وراحت تحاول علمنة الجماهير ففشلت. > أنت كنت من الذين نظّروا للتيار القومي العربي، لكن مراجعة لكتاباتك ستقول ان لا وجود فيها لأي حديث عن التيار الاسلامي. فهل تنبهت الى وجوده لاحقاً أم انك تنتمي فعلاً، كمثقف الى جماعات فاجأها انبعاث التيارات الأصولية لاحقاً، فتداركت الأمر وراحت تعيد اكتشافها؟ – أن الظاهرة الاسلامية لم تكن تشكل قوة جماهيرية سياسية فعلية، او هذا ما كنا نعتقده على الاقل. كانت في احسن الأحوال، بالنسبة الينا، قوة رديفة. تيارنا القومي كان لا ينظر إلا الى العدو، وكان يسعى الى مواجهته باستراتيجية واحدة تحاول ان تضم اكبر شريحة من القوى الوطنية، بصرف النظر عن الفوارق الايديولوجية بينها. في الوقت ذاته كانت القوى القطرية تنظر الى الأمور نظرة اخرى: كانت ترى العداوات كثيرة ومتناقضة. كان منها، مثلاً، من يعتبر الاتحاد السوفياتي صديقاً ومنها من يعتبره عدواً. كان منها من يتطلع الى صداقة واشنطن بالتالي مهادنة اسرائيل، ومنها من يخوض الحرب الشاملة، نظرياً، ضد الجميع. اضف الى هذا العداوات العربية – العربية والاسلامية – الاسلامية التي كانت تتطلب استراتيجيات قطرية قد تتنافى مع مفهومنا للاستراتيجية القومية. فكيف كان بامكاننا ونحن نخوض ذلك كله، ان ندرك حقيقة ما يعتمل في الداخل، من نمو هائل للتيار الاسلامي السياسي الذي ادركنا لاحقاً انه كان يقف موقفنا في نقطة اساسية على الأقل: الموقف من العدو الصهيوني اذ كان يعتبره الخطر الرئيسي، وليس خطراً ثانوياً جانبياً. كل هذا، صار جزءاً من التاريخ. واليوم، إذ اصبح التيار القومي جزءاً من أحلام الماضي واستشرت النزعات القطرية، واضح ان التيار الاسلامي هو وحده الذي بقي في الساحة يواجه الاخطار الخارجية وبقوة، سواء كانت اسرائيلية او اميركية او غيرها. اقول هذا وأفكر طبعاً بـ «حزب الله» و«حماس»… العروبة والإسلام > … والزرقاوي وبن لادن وأصوليو الجزائر ومصر، اصحاب العمليات الارهابية الغامضة غالباً؟ – سأتوقف عند حال العراق حيث الخلط المتعمد بين الارهاب والمقاومة. أي بلد معرض للاحتلال، يحق لأبنائه ان يحملوا السلاح دفاعاً عنه… > دعني اقاطعك، فهذا الموضوع خارج عن نطاق حديثنا على رغم صواب ما تقوله عنه. موضوعنا هو الفكر القومي العربي الذي كنت أنت واحداً من أبرز الذين اشتغلوا عليه نظرياً واستراتيجياً. الآن هناك قوى تهمش هذا الفكر وتمكنت من وضع كل احلامه السابقة على الرف. هي تريد اليوم ثمن ما تعتبره «انتصاراً»… والثمن يكاد أن يكون نسف كل الاحلام العلمانية والحداثية والتقدمية، لأن هذه القوى التي تقول أنت انها الوحيدة التي تقاوم، لا تخفي عداءها لكل ما يأتي من الغرب، بما في ذلك الافكار الجيدة والحضارة. هل ترى ان من «يقاتل» اليوم يكمل حقاً مسيرتك النضالية في سبيل أمة عربية متقدمة تنتمي الى العصر، او انه – فكرياً واستراتيجياً – يمشي في مسار آخر، قد يتناقض مع تطلعاتك وتطلعات جيل من المفكرين العرب؟ – سؤالك يبدو وكأنه يقيم فصلاً حاداً بين العروبة والاسلام. الاسلام كفكر هو جزء اساسي مكون للحضارة العربية والعروبة حامل اساس من حوامل الاسلام. علينا ان نلاحظ ان قوى كثيرة في التيارات الاسلامية لا تكف عن التعبير عن مواقف تدل علىالانفتاح وقبول الآخر وعلى وسطية الاسلام… الاخوان المسلمون على سبيل المثال… > هؤلاء يلعبون استراتيجية الوصول الى السلطة… – ربما يكون هذا صحيحاً. لكنني كباحث استراتيجي اعرف دائماً ان النضال يكون طويلاً وشاقاً، وهو ينقسم الى مراحل. اولاها مواجهة العدو ثم تأتي مرحلة البناء والاختيارات الايديولوجية والاجتماعية والسياسية. وأرى أننا لا نزال، بعد كل ما حصل، عند المرحلة الأولى، مرحلة المواجهة… وفي مثلها تكون الافضلية لمن يستطيع ان يقاوم… لمن يمتلك الجرأة والعدد والسلاح والقدرة على التعبئة. بعدها، حين ينتصر هذا الفريق على العدو، لكل حادث… > كأنك تعني ان القوى التي تتحدث عنها بصفتها قوى مقاتلة اليوم، ستأتي بعد «الانتصار» – ان تحقق – لتسلمك القيادة السياسية. إذاً هي مجرد مجموعات من مقاتلين يعملون في خدمة مشروعك… – لمَ لا؟… في كل مكان يكون ضرورياً تغيير ميزان القوى بين اطراف تملك السلاح والتكنولوجيا، وبين الشعب الذي لا يمتلك عادة إلا قدرته على قلب موازين القوى من طريق قلبه لمفهوم الموت… وأتحدث هنا عن الاستشهاد. فالقوى التي تواجه أمتنا اليوم يُعتبر الموت بالنسبة اليها نهاية الحياة، وهذا كابح لها خلال القتال. فجنودها يذهبون الى القتال كي ينتصروا ويعيشوا، لا ليموتوا. وهذه نقطة ضعفهم هم الذين يملكون السلاح والتكنولوجيا والتفوق العسكري، ولكن ترعبهم فكرة الموت. انطلاقاً من هنا أرى أن القوى الاسلامية قادرة على قلب موازين القوى عبر تغيير مفهوم الموت الذي يهرب منه الآخر فيما أنت تبحث عنه. > ولكن، ماذا عن المشروع السياسي؟ المقاتل المستعد للموت لديه مشروعه الذي يضحي من أجله، لا مشروعك، أين أنت من مشروعه؟ هل تعتقد بأنه يتطابق مع مشروعك؟ هل المخرج في الوصول الى حل وسط، يمزج بين مشروع قومي وآخر أصولي، يرى كثر اليوم انهما لا يتفقان؟ – من الذي يقول باستحالة اتفاقهما؟ المثقفون؟ أنا أرى أن المشروع النهائي هو مزيج من المشروعين… وفي مثل هذا المزيج يكون الطرف الأقوى شعبياً هو الاكثر قدرة على اثبات وجوده. ليتفضل القوميون وليتفضل التقدميون ويثبتوا وجودهم على الأرض… في الميدان. > داروينية الانتخاب الطبيعي هي اذاً؟ – ربما، المهم بالنسبة اليّ هو ألا يرتعب المثقفون ازاء ما يحدث ويرون أن وطأة العدو الأجنبي أخف عليهم من وطأة الفكر الأصولي المقاوم… دروس الماضي > اراك تنسى دروس الماضي: وقوف الاصوليين ضد عبدالناصر، ضد نادر شاه في افغانستان، ضد مصطفى كمال في تركيا… – لا أنسى شيئاً، لكن اليوم غير الأمس. اليوم لدينا معركة حاسمة يجب أن تخاض ولاحقاً نبحث عن حلول. مهما يكن، اعتقد بأن للمثقف الواعي، في هذه المعمعة كلها، دوراً اساسياً لا يزال عليه أن يلعبه، لا سيما في العلاقة مع الانظمة التي لا تزال تعيش وتتصرف كأن لا معركة هناك ولا يحزنون. الأنظمة، لا سيما تلك التي تدعي التقدم والعمل من أجل القومية العربية، لا تزال هي القوة الرئيسة التي تخرّب القومية العربية والفكر القومي. انها ترفع شعارات العروبة وتمارس القطرية والطائفية وما دونهما، بل تمارس اللعبة العشائرية والعائلية وأدخلتنا زمن توريث السلطة. على المثقف العربي، الى أي بلد انتمى، أن يعود الى الجذور الحضارية لفكرة القومية العربية، ليحدد أخطاء وقعت فيها الاحزاب التي رفعت شعارات القومية ثم خانتها. تراني تحدثت قبل أن نبدأ حوارنا حول الحزب المغدور والقومية المغدورة اللذين أكتب عنهما حالياً… دراستنا للتجارب هي التي ستكشف لنا مجمل مفاهيم القومية كما طرحت، ثم كيف طبقت من مختلف القوى. واذا كنا نبحث عن مخرج، فهو لا يكون إلا في تلافي كل الأخطاء التي حصلت والوصول الى توليفة تعيد الاعتبار الى قوى وحقائق ميدانية ومفاهيم وضعناها على الرف. علينا استعادة الفكر القومي والكف عن عمليات جلد الذات… شرط ألا ننسى – كما كنا نفعل في الماضي – العامل الاسلامي كجزء مكون ليس من النضال المرحلي فقط، بل من البناء الاستراتيجي لفكر الأمة وللأمة. علينا السعي الى عدم احداث أي تصادم مع هذا العامل، لأننا معه وهو معنا أمام الخطر المشترك. > وما هو الخطر المشترك اليوم؟ – انه اليوم، كما كان أمس، وكما سيظل غداً: اسرائيل والسياسات الأميركية التي لا تخدم إلا مصالح الشركات النفطية واسرائيل. المشروع الأميركي هو مشروع قد يحمل العلم الأميركي لكنه مصاغ في تل أبيب. والمؤسف حقاً أن أنظمة عربية تبدو اليوم غافلة عن هذه الحقيقة البديهية. هي انظمة متسولة، بعضها يتسول الدعم السياسي، وبعضها يتسول آمناً، وبعضها يتسول المساعدات الاقتصادية والمالية وشهادات حسن السلوك. والمتسول لا يحصل عادة إلا على ما يعطيه اياه من يتصوره فاعلاً للخير. ان المهمة الرئيسية التي يمكن للفكر العربي وللمثقفين ان يقوموا بها انما هي فضح حال التسول للتخلص منها. في الماضي كنا، في الحركة القومية العربية، نطرح فكرة ان الطريق الى تحرير فلسطين لا يمر إلا عبر تحرير العواصم العربية. يومها رُجمنا وانتقد المشروع، ثم ثبت عملياً أن الانظمة بقيت على رغم كل هزائمها كل التغيرات التي طاولت العالم. بل انهم استطاعوا أن يخلقوا حتى في فلسطين نظاماً يشبه انظمتهم، أي نظاماً قمعياً. فما الحل في النهاية؟ الحل يكمن في العودة الى القومية العربية. هذه العودة التي أراها الاستراتيجية الوحيدة والهدف الوحيد، وانطلاقاً منها يمكن طرح الاسئلة الحاسمة: كيف أحدد العدو الواحد؟ كيف أصارع ضده؟ كيف أناضل ضد الولايات المتحدة التي تنفذ دائماً سياسات اسرائيل؟ المثقف ودوره > ما هو دور المثقف في هذا كله، وما الذي يمكنه أن يفعله وسط هذه الصورة المتخبطة؟ – دوره الاساسي يجب أن يكون في سعيه الى استكشاف حقيقة مفهوم القومية العربية وصوابه. ومن ثم تبيان الأخطاء التي منعت هذا الفكر من مواصلة طريقه، لئلا نعود ونقع في الأخطاء ذاتها. ترى لماذا لا يسعى المثقف العربي وفي كل مكان الى تشكيل تنظيمات ونقابات وجماعات وجمعيات ومؤسسات بحث ودراسة تكون لها منابر اعلامية قادرة على الوصول الى كل انسان عربي؟ في الماضي، قبل انبعاث ثورة التكنولوجيا لا سيما في عالم الإعلام، كان شرطيان على الحدود قادرين على منع وصول النشرات والأفكار الى حيث يتقوقع النظام. الآن بات كل نظام يحس بأن هناك عدواً خطيراً يمكنه أن يعبر فوق الحدود… فلماذا لا يستغل المثقف العربي هذا؟ لماذا لا يُكثِر تواجده في الفضائيات لاعباً على تناقضاتها… ان التلفزة والانترنت والراديو والفاكس، كلها اسلحة لا بد من استخدامها اليوم. الانترنت خصوصاً بات سلاحاً لا يقهر ويعطي تكافؤاً في الفرص بين القوى… لكن المؤسف أن نسبة انتشاره في الوطن العربي لا تزال من أدنى النسب في العالم: في فرنسا هناك 240 انترنت لكل ألف مواطن، في اسرائيل ترتفع النسبة الى 300، في سورية النسبة هي 6، وفي الاردن 20. في لبنان النسبة الأعلى في العالم العربي وهي 24 لكل ألف مواطن. في المقابل ترتفع نسبة وجود التلفزيون الى مستويات عليا في الوطن العربي. مهما يكن، بامكان الانظمة السيطرة على التلفزيون أما الانترنت فتصعب السيطرة عليه. فلم لا يلعب المثقف ما يتاح له من تلفزة ضد الجمود والتخلف والقمع، ثم يلعب الانترنت ضد التلفزة؟ > لم توضِح ما الذي يمكن القومي العربي أن يقوله للناس في زمن العولمة والاعلام الشامل، زمن الارهاب والرد القمعي على الارهاب؟ ألا تعتقد بأن المفكر القومي الخاص دفِن عندنا وعند غيرنا منذ زمن بعيد؟ – في أوروبا، لا يزال الفكر القومي بل الحس القومي، موجوداً حتى بعد الوحدة، بل يزداد قوة. أما الأمة العربية فلم تدخل بعد مرحلة القومية لنقول انها دفنتها. علم الصراع > هل تعتقد بأن دخولها فيها حتمي؟ – امتنا إن لم تعبر المرحلة القومية سيكون من الضروري لها، أن تعبر شيئاً اكثر اتساعاً: كياناً اسلامياً، أو كياناً شرق اوسطياً كبيراً، قد يضم اسرائيل وتركيا! ان القومية التركية تقوى اليوم لكنها تظهر على غير شاكلة تلك التي سعى كمال اتاتورك الى بنائها وجعلها تصطدم بالاسلام. ربما علينا، نحن المثقفين العرب، أن ندرس اليوم التجربة التركية الجديدة بدقة وتفهم: تركيا المسلمة من ناحية وذات النزعة القومية التركية من ناحية أخرى، تسير من دون عقد في طريق الحداثة، صناعة وثقافة وتعليماً. انها تقترب في كل المجالات من المقاييس الأوروبية من دون أن تجد أن ذلك قد يتنافى مع اصالتها ومكونات وجودها العميقة. > من الفكر القومي الخالص، الى التقارب مع الماركسية في الستينات والسبعينات، الى الدنو اليوم من التفاهم مع الأصولية الاسلامية، ثم التطلع بعين الرضا الى النموذج التركي الحالي… كيف تقوِّم رحلتك الفكرية هذه؟ – ليست رحلة فكرية بل الأمر مجرد تطبيق لمبادئ علم الصراع التي تقول أن عليك دائماً قبل الاقدام على أي خطوة أن تحسب ميزان القوى، وان تتحالف دائماً مع من يساعدك على تغيير موازين القوى، وأن تحاول تحييد بعض الخصوم الثانويين، لتتمكن من محاربة الخصوم الأخطر والأهم. في كل مرحلة من مراحل الصراع تفرض عليك الظروف مواقف وتحالفات من دونها لا يمكنك أن تصل الى شيء. خذ نموذج العراق في السبعينات والثمانينات مثلاً: في الوقت الذي كان النظام البعثي في حاجة الى التحالف مع القوى الماركسية ضربها وعرّى نفسه، ثم حاول ضرب القوى الاسلامية ليعرّي نفسه اكثر واكثر. وهو ما فعله جمال عبدالناصر في مرحلة أو أخرى غير آبه ايضاً بخطورة ما يفعل اليوم. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ما هي القوى الرئيسة التي ظهرت، مقاتلة مناهضة على الساحة؟ انها القوى الاسلامية، فلمَ لا نتحالف معها…؟ > تلميذ نجيب كما كنتَ دائماً لمفاهيم ماوتسي تونغ حول استراتيجية التحالفات… – لستُ تلميذ ماوتسي تونغ، بل هو كان تلميذاً نجيباً لعلم الصراع.
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 5 جوان 2006)


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

28 janvier 2004

Accueil TUNISNEWS   4 ème année, N° 1348 du 28.01.2004  archives : www.tunisnews.net الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: زوجات وأبناء سجناء

+ لمعرفة المزيد

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.