الخميس، 4 فبراير 2010

TUNISNEWS

 9ème année, N°3544 du 04. 02. 2010

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

وللصحافيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف

ولضحايا قانون الإرهاب


عريضة وطنية لمساندة حق الأستاذة نجاة العبيدي في الحصول على جواز سفر

السبيل أونلاين:أطباء فرنسيون ينادون بتمكين السجين السياسي السابق عبد اللطيف بوحجيلة من جواز سفره للعلاج بالخارج

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع  بنزرت: بـــيــان :عقوبة الابن في القضايا السياسية تطال الوالدين

قدس برس:تونس: محكمة الاستئناف تنظر في قضية الإعلامي مخلوف وتؤجل النطق بالحكم أسبوعا

أخبـار « البديل » عودة لاحتجاجات الصخيرة

كلمة:تحرّكات بالكلّيات بمناسبة ذكرى 5 فيفري

زكية الضيفاوي:صرخة أطفال

طارق الكحلاوي:مدونة أخرى تحجب… أو حجب محمد قلبي حتى وهو ميت

الشماري للموقف : الحوار العلني في البرلمان الأوروبي حقق أهدافه

صلاح الدين الجورشي :تونس.. تعديل وزاري مُلفت وملفات عـدّة في انتظار الحسم

وات:فحوى التقرير العام للمرصد الوطني للانتخابات الرئاسية والتشريعية اكتوبر 2009

  الصباح:القائمة الكاملة للسلك الديبلوماسي التونسي المعتمد بالخارج

البديل عاجل:وجهة نظر:جانفي 1952: ذكرى اندلاع الكفاح المسلّح بتونس، أي مغزى يمكن استخلاصه؟

كلمة:وزارة الداخلية تحقق مع مسؤولين بلديّين في صفقة المناطق الزرقاء بصفاقس

كلمة:توقف 9 مخابز بصفاقس وتخوّف من أزمة في الخبز

الحياة:25 في المائة من التونسيين لم يقرأوا كتاباً!

نبيل زغدود:تدوير النفايات في تونس يدر ثروة

الشيخ راشد الغنوشي في حوار لصحيفة الأحرار المصرية

منير السايبي:ردا على مقالة « وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟  » للدكتور منصف المرزوقي الديمقراطية « الحقيقية » هي الحل

          د. أحميدة النيفر:موقع الجامع في العالَم المعاصر.. في الهوية الفاعلة (1 من 2)

ألفة يوسف:عبادات بلا أخلاق؟

عبداللطيف الفراتي:التصحر الديموغرافي

بشير موسى نافع:في الاستعادة العربية لأنظمة الاستبداد

سعوديون يناشدون الملك وقف «أمراء القمع وفقهاء الظلام»

السفير:سعوديون يناشدون الملك وقف «أمراء القمع وفقهاء الظلام»

رافايل ليوجيي:النقاب الأوروبي نتاج الحداثة وأثرها في المهاجرين المسلمين

شوقية عروق منصور:على كل عربي أن يحافظ على مؤخرته!!


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس ديسمبر 2009

https://www.tunisnews.net/01fevrier10a.htm


عريضة وطنية لمساندة حق الأستاذة نجاة العبيدي في الحصول على جواز سفر

 


لئن ضمن الدستور الحق لكل مواطن في التنقل داخل البلاد وخارجها فإن الإدارة التونسية والسلطات المختصة تنتهكان هذا الحق في عدة مستويات وبمختلف الأشكال، فتبقى شرائح مختلفة من الشعب التونسي محرومة من هذا الحق الدستوري في تجاهل تام لكل المبادئ القانونية والدستورية. وأخيرا وليس آخرا تم حرمان الأستاذة نجاة العبيدي المحامية من حقها في الحصول على جواز سفر، وهي تدعو كافة المحامين والحقوقيين والمنظمات الحقوقية داخل تونس وخارجها لمساندتها والتضامن معها لتحقيق هذا المطلب ولرفع المظلمة عن كل من حرم من هذا الحق.
 
 

الاسم واللقب

الصفة

الأستاذ أحمد نجيب الشابي

محام/ عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي

الأستاذ مختار الطريفي

محام/ رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

الأستاذ محمد النوري

محام / رئيس منظمة حرية وإنصاف

الأستاذ أنور القوصري

محام / نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

الأستاذة راضية النصراوي

محامية/ رئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب

الأستاذ سمير ديلو

محام/ كاتب عام الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين

الأستاذ محمد عبو

محام / ناشط حقوقي

الأستاذ مارتن برادال

محام ومبعوث الشبكة الأورو- متوسطية لحقوق الإنسان

السيد عبد الكريم الهاروني

كاتب عام منظمة حرية وإنصاف

السيد حمزة حمزة

عضو المكتب التنفيذي لمنظمة حرية وإنصاف

السيد عمر القرايدي

عضو المكتب التنفيذي لمنظمة حرية وإنصاف

السيدة زينب الشبلي

عضو المكتب التنفيذي لمنظمة حرية وإنصاف

الأستاذ عبد الناصر العويني

محام

الأستاذ أنور أولاد علي

محام

السيد سيد المبروك

ناشط حقوقي

السيد محمد الحمروني

صحفي/ مراسل العرب القطرية

السيد لطفي الحجي

صحفي/ مراسل قناة الجزيرة

 

 
للإمضاء على العريضة يرجى الكتابة للعنوان التالي: laabidi_najet@yahoo


أطباء فرنسيون ينادون بتمكين السجين السياسي السابق عبد اللطيف بوحجيلة من جواز سفره للعلاج بالخارج


السبيل أونلاين – تونس – خاص   أطلق العشرات من الأطباء الفرنسيين نداء من أجل تمكين السجين السياسي السابق عبد اللطيف بوحجيلة من جواز سفره ليمكن من السفر والعلاج بالخارج . ونشر الدكتور جون بيير براديي الرسالة (النداء) الموجهة إلى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي .   وأضرب بوحجيلة في العام 2008 ، من أجل الحصول على جوازه للعلاج بالخارج ، وقد تحوّل وفد إلى تونس لزيارته في شهر نوفمبر من نفس العام ، وذلك بعد مرور 58 يوميا من إضرابه ، وتكون الوفد من قيادات سياسية ومسؤولين لجمعيات حقوقية مرفوقين بمحامين ، وفق رسالة الأطباء التى نشرتها « تونس نيوز » في عددها المؤرخ في 3 فيفري 2010 .   يذكر أن عبد اللطيف بوحجيلة أعتقل سنة 1998 ،وأطلق سراحه في العام 2007 بسراح شرطي ، ولم يتمكن من مواصلة العلاج في تونس رغم تدهور صحته بسبب الأوضاع السجنية السيئة التى مرّ بها وإضرابات الجوع المتكررة التى خاضها للمطالبة بتحسين ظروف إعتقاله ، وقد خضع لعملية جراحية على الكلى خلال تلك الفترة .   وحسب الرسالة فإن طبيب عضو في الوفد الزائر فحص بوحجيلة خلال إضرابه في العام 2008 وأكد أن وضعه الصحي يتدهور بشدّة ، وطالبه بوقف الإضراب عن الطعام وقد إستجاب في إنتظار مساعدته على الحصول على جواز السفر لمواصلة العلاج خارج تونس.   وقال الأطباء في الرسالة أن العديد من المنظمات الحقوقية تدخلت منذ ذلك التاريخ لدى السلطات التونسية ولكن دون جدوي ما يجعل حياته مهددة ، ودعوا إلى التدخل السريع (…) ليتمكن بوحجيلة من مباشرة العلاج في البلد الذي يختاره .   يذكر أن مراسل السبيل أونلاين في تونس السجين زهير مخلوف ، تابع إضراب بوحجيلة في إبّانه بشكل يومي وكانت عدسته حاضرة وسجلت أصعب مراحله من داخل مستشفى « شارن-نيكول » بالعاصمة .   ملف عن إضراب عبد اللطيف بوحجيلة   مشاهد حيّة وحصرية لعبد اللطيف بوحجيلة داخل مستشفى شارل نيكول http://www.assabilonline.net/videos/bouhjila_24-11-2008.wmv   http://www.facebook.com/video/video.php?v=1066216514849   مشاهد حيّة وحصرية من داخل مستشفى »شارل نيكول »بالعاصمة التونسية ، للسجين السياسي السابق المضرب عن الطعام عبد اللطيف بوحجيله الذي نقل على جناح السرعة للمستشفى بعد التدهور الخطير لحالته الصحيّة خلال إضرابه عن الطعام الذى بدأه يوم 02 أكتوبر 2008 ، للمطالبة بالحق في العلاج وجواز السفر .   *عبد اللطيف بوحجيلة لم يسعف بالعلاج ويواصل الإضراب http://assabilonline.net/videos/mourakaba_boulisse_bouhjila25-11-2008_0003.wmv   http://www.facebook.com/video/video.php?v=1067801554474 مشاهد من المراقبة الأمنية التى يفرضها أعوان البوليس السياسي على بيت السجين السياسي السابق عبد اللطيف بوحجيلة المضرب عن الطعام للمطالبة بالحق في العلاج وجواز السفر.   *بعد 54 يوما عبد اللطيف بوحجيلة يعلق إضرابه عن الطعام http://www.youtube.com/watch?v=cR4IxxK-X9Y   http://www.facebook.com/video/video.php?v=1067796154339 السجين السياسي السابق عبد اللطيف بوحجيلة يعلن عن تعليق إضرابه عن الطعام بعد مرور 54 يوما عن الإضراب والذي بدأه يوم 02.10.2008 للمطالبة بالحق في العلاج وجواز السفر.    (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 04 فيفري 2010 )

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –  فرع  بنزرت  
Ligue Tunisienne pour la Défense des Droits de l’Homme – Section de Bizerte 75  
شارع فرحات حشاد  بنزرت 7001  بنزرت في 03 فيفري 2010

بــــــــــيـــــــــــان عقوبة الابن في القضايا السياسية تطال الوالدين


السيدة دوجة الصفاقسي حرم شربيب والدة  المناضل محي الدين شربيب المقيم  بفرنسا –  تتشوق لرؤية ابنها بعد غياب طويل زاد في شوقها تقدمها في السن حيث تجاوزت السبعين سنة. تقدمت منذ أشهر عديدة  للحصول على جواز سفرها قصد زيارة إبنها  بالخارج. غير أن وزارة الداخلية, ليومنا هذا لم تستجب للحق المكتسب لهذه المواطنة ألأم.  إذا حرمت من السفر لرؤية إبنها محي الدين المذكور أعلاه  والذي لا يمكن له العودة إلى الوطن في الوقت  الحاضر نظرا لكونه قد صدر ضده حكم غيابي, ضمن مجموعة الحوض المنجمي, يقضي بسجنه سنتين من أجل تنظيمه عديد الحملات التضامنية والاعلامية للتعريف بقضية  الحوض المنجمي وشهدائه والتآزر مع المساجين ومجموع العائلات المنكوبة وهو عضو بـ  » اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي » المذكور . ساهم بهذا المجهود مع رفقائه المناضلين بـ  » لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان بتونس  » (CRLDHT) التي ساهم في تأسيسها بفرنسا.  – المناضل محي  الدين شربيب يقيم بفرنسا منذ حوالي 35 سنة , ويتولى في الوقت الحاضر  رئاسة  » الفدرالية التونسية لمواطني الضفتين  » (FTCR) مقرها بفرنسا ، يشهد له بنضاله الحقوقي المتميز منذ السبعينات إلى جانب المهاجرين بفرنسا وبأوروبا الغريبة. إضافة إلى نشاطه  البارز على مستوى المنتديات  الاجتماعية  (Forum Sociaux) هل لأجل ما تقدم  ذكره من نضالات للابن  تمنع والدته من اللقاء  بابنها  وضمه إلى صدرها الحنون؟. إن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –  فرع  بنزرت : يطالب السلطات التونسية أن تتعامل مع المواطنين والمواطنات وفقا بما يقتضيه القانون الذي يكفل حق التنقل داخل الوطن أو إلى خارجه  وتلبي طلب السيدة دوجة الصفاقسي  للحصول على جواز سفرها وهو حق من حقوق المواطنين المكتسبة  
عن هيئة فرع  بنزرت الرئيس علي بن سـالم


تونس: محكمة الاستئناف تنظر في قضية الإعلامي مخلوف وتؤجل النطق بالحكم أسبوعا

 


تونس ـ خدمة قدس برس قالت منظمة « حرية وإنصاف » التونسية إن الدائرة الجناحية بمحكمة الاستئناف بمدينة نابل، التي نظرت في مطلبي الاستئناف الصادرين عن الناشط الحقوقي والإعلامي زهير مخلوف وعن النيابة العمومية للطعن في الحكم الصادر ضده عن الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية، قررت تأخير القضية لجلسة يوم 10 شباط (فبراير) الجاري للتصريح بالحكم ورفض مطلب السراح. وذكرت المنظمة التونسية في خبر صحفي مكتوب أرسلت نسخة منه لـ « قدس برس » أن قوات كبيرة من الشرطة وعناصر البوليس السياسي حاصرت مقر المحكمة ومنعوا دخول عدد من المناضلين السياسيين والناشطين الحقوقيين من بينهم الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي مية الجريبي وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الدكتور أحمد بوعزي ورئيس لجنة مساندة سجين الرأي زهير مخلوف، كما حضر عدد من أعوان البوليس السياسي داخل قاعة الجلسة. وحضر عدد من المحامين رافع منهم 12 محامياً ممثلين لجميع الاتجاهات الفكرية والسياسية ولجميع المنظمات والجمعيات الحقوقية. كما حضر المحامي الفرنسي مارتان برادال كملاحظ وممثل للشبكة الأورو- متوسطية لحقوق الإنسان، وقد تمكن من متابعة سير أعمال الجلسة من خلال ترجمة فورية قام بها أحد زملائه المحامين التونسيين. وأشارت المنظمة إلى أن الناشط الحقوقي زهير مخلوف الذي أحضر من سجن اعتقاله بالمسعدين للمحكمة منذ الصباح لم يقع إدخاله إلى قاعة الجلسة إلا حوالي منتصف النهار. وكانت سلطات الأمن التونسية قد أوقفت الصحفي والناشط الحقوقي « زهير مخلوف » في 20 تشرين أول (أكتوبر) الماضي عقب كتابته لبعض الموضوعات على موقع جريدة « السبيل أون لاين » الالكترونية حول المشاكل البيئية في الحي الصناعي بمدينة « نابل » ووجهت له السلطات تهمة « الإساءة للغير عبر شبكة الاتصالات العامة ». (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 4 فيفري 2010)  


أخبـار « البديل » عودة لاحتجاجات الصخيرة

 


كنّا تعرضنا في العدد السابق من « البديل » إلى اندلاع احتجاجات أهلية بمعتمدية الصخيرة وإلى الأسباب المباشرة التي أجّجتها، ونودّ أن نؤكّد على أنّ السلطة قد التجأت مرّة أخرى إلى حلّها الأمني معتمدة على عشرات الحافلات وسيارات البوليس والنظام العام القادمة من قابس وصفاقس وتونس العاصمة أين انتشر مئات عناصرها في كامل أرجاء المدينة وهاجموا الأهالي بكل ضراوة بالعصي والقنابل المسيلة للدموع متسببين في إصابات مباشرة وبالغة الخطورة لأكثر من عشرة أشخاص وباعتقال أكثر من خمسين شخصا وفرض حالة حصار خانق على المدينة طيلة ليلة 01 فيري الجاري مانعة الدخول والخروج منها. ولئن تمّ ليلتها وصباح الغد إطلاق سراح الأغلبية الساحقة من الموقوفين وجلّهم من التلاميذ فإنها لا تزال تحتفظ بسبعة راج أن خمسة منهم سيُسرّحون صباح الأربعاء 03 فيفري بعد إمضاءهم على التزام بعدم المشاركة لاحقا في أيّ أنشطة مشابهة، في حين تقع إحالة الاثنين المتبقيين على المحكمة نظرا « لخطورتهما وتسّيسهما » ولكن لم يطلق لحدّ اللحظة أيّ واحد من السبعة المشار إليهم. وإن كانت الصخيرة تعيش هذه الأيام تحت تأهّب أمني لافت فإن الأهالي مازالوا في انتظار تسريح أبنائهم والالتفات إلى مجمل المطالب التي احتجوا من أجلها يوم غرة فيفري، فإن موقف السلطة عبّر عن كثير من التخوف والتردد، ويبدو أنّ السلطة لم تقرأ بعد دروس انتفاضة الحوض المنجمي حيث لن ينفعها مستقبلا التضحية بالمسؤول الأول « للسياب » وإلقاء مسؤولية ما سيحدث عليه وحده. مراقبة بالهليكوبتر كنّا في مرات سابقة قد أشرنا إلى المتابعة الأمنية اللصيقة التي يعيشها سجناء الحوض المنجمي السابقين، وفي الوقت الذي كان يجب فيه أن تنتهي مثل هذه الأساليب تدعّمت، فعدنان الحاجي الذي كان يُراقب بسيارة وحيدة في زيارته لمدينة قفصة أصبح متبوعا بثلاثة سيارات دفعة واحدة تلاصقه في كل الأماكن التي يقصدها حتى مغادرتها إلى الرديف، وقد وصل الأمر إلى أغربه عندما غاب الحاجي عن أنظار مراقبيه قرب جبل بالرديف فوقع الاتصال بالسلط الأمنية وحواجزها في توزر وأم العرائس إن كانوا مرّوا من هناك وعندما كانت الإجابة بالنفي أُستنجد بطائرة هليكوبتر تابعة للجيش التونسي التي حلقت فوق رؤوسهم وعلى انخفاض شديد. إلغاء انخراطات سحب مكتب 15 أوت للنقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين المنقلب عضوية مجموعة كبيرة من الصحفيين من بينهم صحفيّو إذاعة كلمة وراديو 6 وعضو المكتب الشرعي السيّدة نجيبة الحمروني في تأكيد منه للنهج الإقصائي الذي يشرف عليه الوزير الجديد الفاشي أسامة الرمضاني. تلاميذ جبنيانة يحرمون من اللجنة التلمذية كنّا أشرنا في نشرة سابقة إلى فرض تلاميذ المعهد الثانوي بجبنيانة للجنة تلمذية تطرح مشاكلهم ومشاغلهم وتؤطّر النشاط الثقافي بالمعهد، لكن على ما يبدو أن السلطات المحلية والجهوية والأمنية فزعت من هذا المكسب وقامت بالضغط على إدارة المعهد والإدارة الجهوية للتربية والتكوين اللتين أبلغتا التلاميذ بالتراجع عن وعودهما السابقة بتأسيس لجنة تلمذية منتخبة. مرّة أخرى تقيم الدكتاتورية الدليل على عدم الفصل والتداخل بين الأجهزة الأمنية والإدارية والحزبية، وهذا الأمر سيجعل تلاميذ جبنيانة الذين عوّدونا على النضال المستميت بأن يواصلوا تحرّكاتهم السلمية من أجل حقوقهم المشروعة. سامي الطاهري كاتبا عاما لنقابة الثانوي تم عشية يوم الخميس 28 جانفي بمكتب السيد رضا بوزريبة عضو المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل توزيع المهام وانتخاب كاتب عام جديد للنقابة العامة للتعليم الثانوي. وقد ترشح كل من السيد زهير المغزاوي المنتمي للعائلة القومية والسيد سامي الطاهري المقرب من العائلة الوطنية لمنصب الكتابة العامة وتحصل الطاهري على 5 أصوات في حين تحصل المغزاوي على أربعة. وقد تمثلت بقية المهام كالآتي: النظام الداخلي: زهير المغزاوي المالية: لطفي الاحول الدراسات: نجيب السلامي العلاقات الخارجية: عبد الرحمان الهذيلي الصحة والسلامة المهنية: أحمد المهوك المرأة والشباب: نعيمة مبارك الإعلام والنشر: الأسعد اليعقوبي التكوين والتثقيف: محمد الحامدي. (المصدر: « البديل عاجل »، قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 4 فيفري 2009)


تحرّكات بالكلّيات بمناسبة ذكرى 5 فيفري

 


حرر من قبل نزار في الخميس, 04. فيفري 2010 دخل طلبة كليّة 9 أفريل بتونس بدعوة من مناضلي الاتّحاد العام لطلبة تونس بالجزء في اعتصام بالكليّة وإضراب عن الدّراسة يوم 04 فيفري احتفالا بذكرى 05 فيفري واستنكارا للهجمة الّتي تشنّها السّلطة على هياكل الاتّحاد ومناضليه بطردهم من مقاعد الدّراسة وسجن البعض الآخر. وشهدت ساحة الكليّة اجتماعات عامة حضرتها كلّ مكوّنات الاتّحاد العام لطلبة تونس. وفي نفس السياق شهد المعهد العالي للتّنشيط الشّبابي والثّقافي ببئر الباي تظاهرة حائطيّة تخلّلتها مداخلات بعض مناضلي الاتّحاد بالجزء بمناسبة ذكرى 05 فيفري، وأصدر المكتب الفيدرالي بالجزء بيانا ندّد فيه بالهجمة الّتي تشنّها السّلطة على الاتّحاد وأكّد على مواصلة النّضال صلبه للنّهوض به.  وكان طلبة المعهد العالي للعلوم الإنسانية بالقرجاني قد نظّموا حفلة مساء أمس أحيتها فرقة « أولاد المناجم » تحت شعار: من أجل إطلاق الطلبة المساجين ».  
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 4 فيفري 2010)
 


صرخة أطفال  

بقلم : زكية الضيفاوي بإسم كل أطفال مساجين الرأي، باسم كل أطفال المبعدين والمنفيين، باسم كل أطفال المطاردين والممنوعين من التقاط رغيفهم، من أجل إيمانهم بحرية التعبير وحق الاختلاف وإصرارهم على ممارسة حقوقهم،.. نحن الممضيات أسفله، نستصرخ كل ضمير حيّ على أرض الخضراء ، نناشدكم يا أحرار تونس، يا أيها الآباء  ، أن أعيدوا إلينا طفولتنا المهددة بالضياع، أعيدوا إلينا ابتسامتنا التي نكاد نفقدها في ضل غياب آبائنا عنا، إننا لا نريد أكثر من أن نعيش طفولتنا بصورة عادية ككل الأطفال ، لا نريد أكثر من أن نلهو ونمرح، نركض وراء الفراشات، نطارد العصافير، نتمتع بجمال أرضنا وهوائها وشمسها، لا نريد أكثر من أن نتقاسم الابتسامات مع آبائنا ونتمتع بدفء أحضانهم ككل الأطفال، لا نريد أكثر من أن ننام هانئي البال في أحضانهم ونمارس أحلامنا الصغيرة بالمستقبل، بالحياة، بالمدرسة والنجاح والتألق، لماذا نحرم  حتى من حقوقنا الطبيعية وبأي ذنب تفرض علينا كوابيس اليقظة ؟ إن وقع أقدام البوليس الراكضة خلف آبائنا تطرد الابتسامة من على محيانا، إن احتمال المداهمات الليلية لمنازلنا يقصي النوم عن جفوننا، إن التواجد المستمر للبوليس حول بيوتنا يبث الرعب في قلوبنا النظرة، بكاء أمهاتنا وشحوب وجوههن شوقا يدمي أفئدتنا، شوقنا لآبائنا يقتلنا ألف مرة في اليوم.. كيف سنستقبل شبابنا وقد أضعنا طفولتنا بين شوق وغم ؟كيف سيكون مستقبلنا وقد أنفقنا أجمل سنوات العمر بين الخوف والكوابيس؟ إن « طفلا لا يلعب رجل لا يفكر »..  فيا أحرار هذي الأرض أعيدو إلينا طفولتنا وابتسامتنا وبراءتنا وأحلامنا …… أعيدوا إلينا آباءنا، أعيدوا إلينا الحياة .  الإمضاء :  – خديجة بن بريك (العمر10سنوات ، إبنة توفيق المُعتقل) . – نورس مخلوف (العمر10 سنوات، إبنة زهير المعتقل) . – سارة همامي (العمر10سنوات ،إبنة حمّة الملاحق) . – كرامة بو خذير ( العمر 3 سنوات ، إبنة سليم المحاصر) .   ( المصدر : صحيفة « مواطنون » الشهرية ، العدد 129 – فيفري 2010 )


مدونة أخرى تحجب… أو حجب محمد قلبي حتى وهو ميت

 


طارق الكحلاوي تتوالى الأمثلة على سياسة الحجب الواسعة المعتمدة إزاء صفحات الرأي بما في ذلك بعض المدونات التونسية… حجب يعكس استسهال « عمار » الرقيب عملية الحجب على أسس لا يمكن أحيانا حتى فهمها و تفسيرها… بعد إعادة حجب المدونة الثانية لفاطمة هاهو يقوم بحجب مدونة الصديق الصحفي منجي الخضراوي عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين و الصحفي في جريدة الشروق و ذلك للمرة الثانية… مدونة منجي تم حجبها قبل ذلك خلال نشرها بيانات النقابة و خاصة خلال الأزمة بين أعضاء النقابة « الموالين للسلطة » و النقابيين « المستقلين »… غير أن « عمار » قرر أن يحجبها هذه المرة بعد نشر نعي للصحفي البارع محمد قلبي الذي توفى الاسبوع الماضي.. صحفي تميز بالتحديد بصراعه الطويل مع الرقيب من خلال بطاقاته القصيرة الفكاهية « حربوشة » (جريدة « الشعب ») و « لمحة » (جريدة « الصباح ») والذي يستحق تكريما واسعا وأن يصبح نموذجا يُدرّس في كليات الاعلام والصحافة… غير أن « عمار » استهدف هذه المرة محمد قلبي وهو ميت… يُزعجهم حتى وهو ميت… في جميع الأحوال لا يمكن حجب محمد قلبي فهو أكبر من « عمار » و مقصه كما أثبتت الأحداث… كما أن مدونة « مينيرفا » رجعت بمجرد الضغط على زر… لتعود في ثوب جديد: www.minerva3presse.blogspost.com (المصدر: مدونة « أفكار ليلية » لطارق الكحلاوي بتاريخ 4 فيفري 2010) الرابط: http://tareknightlife.blogspot.com/2010/02/blog-post.html
 


بعد جلسة مخصصة لحقوق الإنسان والحريات في تونس الشماري للموقف : الحوار العلني في البرلمان الأوروبي حقق أهدافه

 


أكد السيد خميس الشماري أنه لم يكن مطروحا البتة إصدار لائحة على إثر الحوار الذي أجراه البرلمان الأوروبي مؤخرا حول أوضاع حقوق الإنسان والحريات في تونس. وأفاد في حديث لـ »الموقف » أن 18 نائبا تكلموا خلال تلك الجلسة التي لم تُشر لها وسائل الإعلام الرسمية في بلادنا من قريب أو بعيد، مُذكرا بأن الحصول على مرتبة « الشريك المتقدم » التي طلبتها الحكومة من الإتحاد الأوروبي يتوقف على تحقيق أهداف سياسية لها صلة مباشرة بضمان حقوق الإنسان وتكريس التعددية الفعلية وضمان استقلال القضاء واحترام مقتضيات دولة القانون. وهذا نص الحديث: * ما هو تقويمك للحوار العلني الذي انعقد بالبرلمان الأوروبي، وهل تعتبر أنه حقق الأهداف المنتظرة منه؟ يشكل هذا الحوار خطوة لا يستهان بها في إطار المحاولات الوطنية والدولية للحد من حالة الاحتقان التي تسود المشهد السياسي التونسي خاصة منذ أزيد من ثلاثة أشهر. وعلى عكس ما قيل هنا وهناك، سواء عن حسن نية وعدم معرفة بتفاصيل الإجراءات أو عن سوء نية خاصة من جهة السلطة، لم يكن مطروحا البتة إصدار لائحة على إثر هذا الحوار والمصادقة عليها، إذ أن هذا الإجراء – أي لائحة التنديد – يتطلب اتفاقا صريحا بين رؤساء الكتل البرلمانية الرئيسية، وهذا أمر مستبعد في الظروف الحالية من جانب كتلة الحزب الشعبي الاوروبي (اليمين التقليدي) الذي يعتبر الحليف الأساسي للحكومة التونسية. إلى ذلك فإن الإقدام على طرح لائحة تنديد لا يفسح المجال لنقاش جدي وعلني فعلى إثر مصادقة رؤساء الكتل – إذا ما تمت – تُعرض اللائحة للتصويت مباشرة مع كلمة واحدة لشرح الأسباب. ونحن على عكس ذلك في أمس الحاجة إلى حوار علني وشامل مثل الذي حصل. * كيف تفسر إذن تأجيل الحوار من يوم الثلاثاء إلى يوم الخميس وهل يعكس ذلك تردد بعض الأطراف؟ في الحقيقة هناك معطيات موضوعية ناجمة عن الأحداث المأسوية في هايتي وحدة النقاشات الداخلية المتعلقة بشؤون الإتحاد الاوروبي، أي حول ضرورة « ترتيب البيت » من الناحية المؤسساتية بعد تفعيل اتفاقية لشبونة في غرة نوفمبر 2009. لكني اعتقد أن حلفاء الحكومة التونسية (اللوبي المقرب من النظام) حاولوا توظيف ازدحام جدول الأعمال لمحاولة إلغاء هذه النقطة من الجدول، وهذا ما فرض إجراء تصويت في الجلسة العامة للبرلمان يوم الاثنين مثلت نتيجته إخفاقا لمساعي الإلغاء أوالتأجيل. *  وكيف تنظر إلى  محتوى الحوار العلني ؟ انطلق هذا الحوار بتلاوة ممثلة المفوضية الأوروبية وثيقة عامة وسطحية ثم أعطيت الكلمة لـ 18 نائبا كان توزيعهم كالتالي – وهذا مهم – 5 من اليمين التقليدي ناصروا بدون قيد أو شرط الحكومة التونسية، وواحد من اليمين الليبرالي، وهو وزير بلجيكي سابق، كما ساند الحكومة نائبان من اليمين المحافظ الانكليزي و نائب من أقصى اليمين ومن بين الذين ساندوا الحكومة 5 نواب معروفون بمواقفهم اليمينية المتشنجة من كل القضايا العربية والإسلامية العادلة. في المقابل تدخل خمسة نواب اشتراكيون ونائبان من الخضر نذكر منهم النائبة مليكة بن عرب ونائبة من اليسار الموحد ونائبان من اليمين أحدهم من اليمين التقليدي والثاني من المحافظين الانجليز. وتكمن أهمية هذا الحوار في الانتقادات الهيكلية إضافة للحالات الفردية التي تناولها أغلب المتدخلين غير الموالين للحكومة التونسية مما فرض على ممثلة المفوضية الأوروبية التي لخصت النقاشات في الكلمة الختامية أن تأخذ في الاعتبار المحاور الأساسية المطروحة من ضرورة إرساء تعددية اعلامية حقيقية وتحرير الحياة الجمعياتية (الرابطة وقضايا أخرى) والتنديد بقانون مقاومة الإرهاب وما انجر عنه من مظالم، وطرح مسالة اللجوء إلى التعذيب والمطالبة بإطلاق توفيق بن بريك وزهير مخلوف وفضح التجاوزات والهرسلة التي يتعرض لها العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان (المضايقات وحملات التشويه…) واستقلال القضاء ومواجهة آفة الفساد المالي والمحسوبية الخ… هذه الاستنتاجات تعتبر توصيات شفاهية سترفع إلى المفوضية والمجلس من جهة وإلى لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان من جهة ثانية. *  وما آفاق هذه التوصيات ؟ تتجه النية على ما يبدو إلى أن تصوغ لجنة العلاقات الخارجية مشروع لائحة، وهناك وفاق ضمني بين رؤساء الكتل البرلمانية على هذا الأمر، وستنتظر اللجنة إجراءات ايجابية – إن حصلت – من الحكومة التونسية خلال الأسابيع القليلة القادمة، وإذا لم تسجل أي خطوات ملموسة ومقنعة ستقدم هذه اللائحة للجلسة العامة للبرلمان خلال الدورة العادية لشهر فيفري أو لشهر مارس. * ألا تخشون من توظيف المساعي التي قمتم بها كوفد حقوقي تونسي للطعن في وطنيتكم من وسائل الإعلام الرسمية بتعلة أنكم عارضتم امكانية الحصول على مرتبة الشريك المتقدم؟ إننا لم ولن نقبل أن يزايد علينا أي كان في هذا المجال. أولا لأن الحكومة التونسية، كما سبق أن قلت في حديث لجريدة « الموقف »، وافقت عن طواعية على اتفاق الشراكة والالتزامات الواضحة المنصوص عليها في هذا الاتفاق، وبالتالي فقد حدت هي نفسها من سلطتها المطلقة. ثانيا : نحن لسنا ضد حصول تونس على هذه المرتبة المرغوب فيها إلا أن الحصول على هذه المرتبة يقتضي تحقيق أهداف سياسية لها صلة مباشرة بضمان حقوق الإنسان وتكريس التعددية الفعلية وضمان استقلال القضاء واحترام مقتضيات دولة القانون، وهذا للأسف غير وارد اليوم لغياب الإرادة السياسية. أضف إلى هذا أن الحكومة تقدمت بمطلب شفوي للحصول على هذه المرتبة بمناسبة انعقاد مجلس الشراكة في شهر نوفمبر 2008 وطلب منها الجانب الأوروبي تسليم وثيقة تتضمن مفهومها للحصول على تلك المرتبة مع جدول زمني للتحولات الضرورية المنتظرة، ولم تسلم الحكومة إلى اليوم أي وثيقة في هذا الصدد في حين أن هذا الإجراء شرط أساسي للدخول في مفاوضات رسمية جديدة مع الإتحاد الأوروبي. عن الموقف


تونس.. تعديل وزاري مُلفت وملفات عـدّة في انتظار الحسم


صلاح الدين الجورشي – تونس يُـمكن القول بأن أهمّ حدَث تَـمّ تسجيله في تونس منذ بداية السنة الجديدة 2010، هو التّـعديل الذي أدخله الرئيس بن علي على الحكومة في منتصف شهر يناير الماضي. وبالرغم من أن هذا التّـعديل جاء جُـزئيا، خِـلافا للشائعات المكثّـفة التي سبقته، وهو ما جعل البعض يتوقّـع تعديلا آخر قد يكون أكثر شمولا، إلا أن أهَـم ما ميّـز هذا التحوير الوزاري، هو صِـبغته غير السياسية، ممّـا دعم الاعتقاد بأن الإختيارات الرئيسية للحُـكْم وأسلوب إدارته لمُـختلف الملفّات، لن يطرأ عليهما تغيير جَوهري. دبلوماسي مميّـز ومع ذلك، فإن المُـراقبين توقّـفوا عند تعيِـين السيد كمال مرجان (62 عاما) على رأس الدبلوماسية التونسية إلى جانب التِـحاقه بالدِّيوان السياسي للحزب الحاكم، وذلك نظرا لِـما يتمتّـع به من سُـمعة جيِّـدة على الصعيد الدولي، بعد مروره في سيرته المِـهنية بمنظمة الأمم المتحدة، حيث كان ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل أن يُـصبح عام 2001 المسؤول الثاني في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أما على الصعيد المحلِّـي، فهو من الذين يُـشار إليهم بنظافة اليَـد وفِـكر مُـنفتح. أول ملف عاجل وجَـده الوزير الجديد مطرُوحا على مكتبه، هو ملفّ حقوق الإنسان والعمل على تحسين صورة تونس في هذا المجال، خاصة وأن تعيينه تزامَـن مع أعقاب الحَـملة الجديدة التي تقوم بها منظمات حقوق الإنسان وبعض المنابِـر الإعلامية الفرنسية بالخصوص. وقد بدأ الاختِـبار داخل كواليس الاتحاد الأوروبي بالسَّـعي لإفشال مُـحاولة ربط منح تونس صفة (الشريك المتقدِّم) بالضّـغط على النظام، عساه يتراجع عن عدد من الإجراءات الماسّـة بالحريات العامة أو بقضايا فردية. مواجهة في ستراسبورغ وإذ تَـعتبر الدبلوماسية التونسية أنها نجحت في تعديل عنوان المُـناقشة، التي جرت داخل البرلمان الأوروبي في شهر يناير الماضي، وبدل أن يتّـخذ النقاش شكل استعراض لأوضاع الحريات في تونس، تحوّل إلى « النظر في العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي ». لكن في المقابل، لم يتم حذْف نُـقطة التطرّق للحالة التونسية من جدوَل أعمال البرلمان الأوروبي، كما سعى لذلك بعض البرلمانيين الأوروبيين، الذين تربِـطهم علاقات جيِّـدة بالحكومة التونسية والذين أكّـدوا في مداخلاتهم على ضرورة دعْـم النظام التونسي، نظرا لِـما حقّـقه من استِـقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، إضافة إلى دوره في مُـحاربة الإرهاب. هذا وقد ساد شعورٌ بالإرتياح الحذِر لدى الطرف التونسي الرّسمي، حيث كان البرلمانيون الأوروبيون الذين سانَـدوا النظام أكثر عددا من الذين انتقَـدوه بشدّة، خاصة بعد أن « فشلت محاولة إصدار بيان إدانة ضدّ السلطة التونسية »، حسبما تذكره الجهات الرسمية، وهو ما ينفي وقوعه الوفد التونسي المستقل والمناهض للحكومة الذي تابع الجلسة في ستراسبورغ. لكن ذلك لن يعنِي كسْـب المعركة نهائيا، حيث لا تزال هناك محطّـات حرِجة مرتقبة خلال الأسابيع القادمة، خاصة إذا ما تأكّـد ما أشار إليه الناشط الحقوقي خميس الشماري، عندما ذكّـر في تصريح له بأن « النية تتّـجه نحو أن تصوغ لجنة العلاقات الخارجية مشروع لائحة، في انتظار أن تقوم الحكومة التونسية بـ « خطوات ملموسة » وإيجابية، هذه الخطوات ينصح بها حتى أصدقاء النظام، الذين عبَّـروا عن ذلك خارج جلسات البرلمان ورأوا فيها (إن تم اتخاذها) عامِـلا قويا مُـساعدا لدعْـم الموقِـف الرسمي التونسي. أول زيارة لمقرر أممي منذ.. 11 عاما في سياق منفصِـل، لكنه يتقاطع مع نقاشات البرلمان الأوروبي، تتنزّل الزيارة التي أدّاها إلى تونس مارتن شاينن، المقرر الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلّـف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهي الزيارة التي تُـعتبر مؤشِّـرا إيجابيا على استعداد الحكومة لمناقشة عديد الملفّـات العالِـقة في المجال الحقوقي والتعاون مع المؤسسات الدولية، وهو ما جعل الموفد الأممي يُـعرب عن امتِـنانه لما قدّمته إليه حكومة تونس من تعاوُن، ذاكِـرا بالخصوص أن السلطات التونسية تعامَـلت معه بروح من الشفافية في جوانب عدّة ومكّـنته من إجراء مناقشات مفتوحة وشاملة مع العديد من المسؤولين وأفراد المجتمع المدني. كما تمّ السّـماح له بزيارة (مركز احتجاز بوشوشة) و(سجن المرناﭭية)، حيث تقابل مع عدد من المُـشتبه فيهم أو المحكوم عليهم بجرائم الإرهاب، غير أنه لم يُـستَـجَـب لطلبه بزيارة مصالح (أمن الدولة) بمقر وزارة الداخلية وسط العاصمة التونسية، لكن بعض الملاحظات التي كشف عنها في ختام زيارته واضطرت الصحف المحلية إلى إسْـقاطها في تغطيتها لفعالية مؤتمره الصحفي، فاجأت السلطة ورحّـبت بها الأوساط الحقوقية، نظرا لكونه قد قدّمها بدون أي غِـلاف دبلوماسي، خاصة قولـه أن « نطاق تطبيق أحكام الإرهاب قد توسّـع أكثر ممّـا ينبغي »، وملاحظته عن « التفاوُت الخطير بين ما ينُـص عليه القانون وبين ما تمّ إبلاغه به عمّـا يحصل على أرض الواقع » وتأكيده على أن السلطات اعترفت بأن « تاريخ الاحتِـجاز المدوّن (للموقوفين)، هو لاحِـق على تاريخ الاحتِـجاز الفعلي، ممّـا يؤدّي إلى تلافي القواعِـد المعنِـية بفترة الاحتِـجاز المسموح بها لدى الشرطة، ويكون مماثلاً للاحتِـجاز السرّي للشخص أو لاختِـفائه »، كذلك اعتماد « الاعترافات كأدِلّـة مقدّمة إلى المحاكم، دون إجراء تحقيقات صحيحة في ادِّعاءات التعذيب.. وعدم كفاية الضّـمانات المقدّمة ضدّ التعذيب، كالحصول على فُـحوصات طبية مستقِـلة ومحامي منذ لحظة الاعتقال ». واللاّفت للنظر، أنه بالرّغم من خُـطورة هذه الملاحظات التي تلتقي مع ما تُـروِّجه الأوساط الحقوقية التونسية والخارجية منذ فترة، إلا أن الجِـهات الرسمية الحكومية تجنّـبت ردود الفعل وامتنعت هذه المرّة عن توجِـيه انتِـقادات علَـنية للمسؤول الأمَـمي، مِـمّـا قد يؤشِّـر عن استعدادها إلى الاستمرار في التعاون معه، وهو لا شكّ أسلوب أفضل وأكثر ذكاء من حمَـلات التّـكذيب، التي كانت تقوم بها بعض الجِـهات، دون التساؤل عن جَـدواها السياسية. « لا خضوع ولا تهاون » المفاجأة التي تلقّـتها الأوساط الحقوقية والسياسية داخل تونس وخارجها، رغم كل ما قيل داخل البرلمان الأوروبي وعلى هامشه، هو الحُـكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف يوم 30 يناير الماضي على الصحفي توفيق بن بريك، فبدل أن يطلق سراحه، كما طالب بذلك الكثيرون، تمّ إقْـرار الحُـكم الابتدائي، ممّـا يعني أنه سيقضي العقوبة كامِـلة، إلا إذا صدر عفْـو رِئاسي. ولعلّ الرسالة التي أراد النظام أن يوجِّـهها مرة أخرى لمعارضيه كونه « لا يخضع للضّـغوط » وأنه « لن يتَـهاوَن مع مَـن قام بثلب الرئيس بن علي »، حسبما أكّـدته بعض المصادر المطّـلعة. وقد تعاملت السلطة أيضا بنفس الطريقة مع الصحفي زهير مخلوف، الذي لا يزال موقوفا، رغم انتهاء مدّة عقوبته. وما تخشاه بعض الأوساط الحقوقية والسياسية، هو احتمال رفع قضية ضدّ الصحفية والناشطة السيدة سهام بن سدرين، المقيمة خارج البلاد، وذلك بتُـهمة مُـخالفتها للقانون المنظّـم لإنشاء الإذاعات الخاصة، وهو احتمال، إن تمّ تنفيذه، فإنه سيزيد من تعقيد المشهَـد ويُـغذّي الحملة الخارجية الموجّـهة ضد النظام التونسي. ملف المغتربين في ملف آخر له علاقة وثيقة بالحالة السياسية، عاد إلى تونس السيد محمد النوري بعد غياب دام حوالي عشرين عاما. لقد تمّ تمكينه من جواز سفر، رغم موقعه المعروف في أوساط حركة النهضة، وكذلك « دون قيْـد أو شرط، أي دون تنازُل عن آرائي وقناعاتي »، حسبَـما أكّـده لـ swissinfo.ch، وهو ما أضفى على عودته طابَـعا خاصا. وأضاف السيد النوري أن « ظروف عوْدته كانت إيجابية وتمّ التعامل معي باحترام، حيث لم أتعرّض إلى أية ضغوط، قبل وأثناء العودة، وأرجو أن يحصُـل مع غيْـري ما حصل معي، كما أدعو بالمناسبة السلطة وكافة الأطراف لوضع حدِّ لهذا الملف الذي طال أكثر من اللّـزوم، أعني ملف المُـغتربين المُـتواجدين في الخارج ». وفي ردِّه عن سؤال حول ما إذا كان هذا الإجراء خاص به أَمْ أن له دلالة سياسية، اعتبر أن له « دلالاته السياسية، وأرجو أن يكون ترجمة لإرادة حقيقية في تسوية هذا الملف، أي ملف المُـغتربين والإسلاميين تحديدا، وكل ما يرتبِـط به من قضايا، وأنا آمل أن تُقدم السلطة في الأشهر القليلة القادمة على طيِّ هذا الملف نهائيا وتمكين جميع المُـغتربين من عودةٍ كريمةٍ ومحترمة، من أجل التفرّغ للملفّـات الكُـبرى التي تنتظر البلاد في ظلّ الأوضاع الإقليمية والدولية الصّـعبة، والتي تحتاج إلى تضافُـر جهود الجميع لمواجهتها ». وبقطع النظر عن الجدل الذي فجّـرته هذه العودة داخل صفوف حركة النهضة، حيث يتواصل الخلاف حادّا حول كيفية التعامل مع اختيار الكثيرين صيغة الحلّ الفردي، فإن البعض يتوقّـع بأن آخرين مِـن بين المُـغتربين، سيعودون قريبا إلى تونس وقد يكون من بينهم د. عبد المجيد النجّـار، الذي يتمتّـع بمكانة خاصة في صفوف أنصار حركة النهضة والذي سبق له أن عبّـر عن رغبته في الحصول على جواز سفر، بل هناك مَـن يذهب به التفاؤُل إلى حدِّ القول بأن ملف المُـغتربين « قد يُـطوى نهائيا خلال الأشهر القليلة القادمة ». فالسلطة قد تكون اختارت بأن تسحَـب هذه الورقة من أيْـدي خُـصومها، دون أن تقدِّم لهم تنازلا سياسيا ملموسا، لكن ذلك إن حصل، فإنه قد يفتح المجال أمام عديد المُـبادرات الفردية أو الجماعية في اتِّـجاه محاولة تحقيق إدماج جُـزئي وتدريجي للإسلاميين، بعد حِـرمانٍ دام عشريتين كاملتين. الحملة تراجعت.. ومشكلة مُـزمنة كذلك من المؤشرات التي ظهرت خلال الشهر الأول من السنة الجديدة الخطوة التي خطتها صحيفة ( الصباح ) عندما قررت استكتاب عدد متزايد من الكتاب المستقلين، وهو ما أنعش قليلا مقال الرأي الذي كاد أن يختفي من أغلب الصحف المحلية منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي. كما أعاد الرئيس بن علي في خطاب له التأكيد على « تمكين الصحافيين من الوصول إلى مصادر الخبر ». وإذ تراجعت كثيرا الحملة الإعلامية التي استهدفت عددا من النشطاء، وجهت القيادة الشرعية لنقابة الصحافيين انتقادا للحكومة التي تواصل تعاملها مع القيادة المنبثقة عن المؤتمر الأخير، مؤكدة بذلك أن هذا الملف لا يزال مطروحا بحدة. أما بالنسبة لموضوع الرّابطة، الذي يُـعتبر بمثابة الملف الرئيسي الذي قد يشكِّـل المدخل الفِـعلي لتنشيط الحياة السياسية وإدخال تغيير فعلي على المشهد السياسي، فإن الأطراف المعنِـية لا تزال تبحث عن الصِّـيغة التي من شأنها أن تُـحقِّـق الوِفاق وتفتح المجال نحو عقد المؤتمر. وإذا كان البعض قد اعتبر الوساطة الجارية حاليا بمثابة « الفرصة الأخيرة » قبل أن تلجأ السلطة إلى « المعالجة الاستثنائية »، إلا أن هناك قناعة لدى الكثيرين بأن مثل تلك المعالجة لن تزيد الطِّـين إلا بلّـة ولن تشكِّـل حلاّ فِـعليا لهذه المشكلة المُـزمنة. هكذا يبدو المشهد التونسي في مطلّـع سنة 2010، التي قد تحمِـل في طيّـاتِـها تحريكا لبعض الملفات المعقّـدة، من أهمّـها تسوية ملف الرابطة وفتح المجال لعقد مؤتمر وِفاقي بين أعضاء نقابة الصحفيين وإنهاء مشكلة المُـغتربين وتعديل أساليب التعامل مع المُـحالين في قضايا متّـصلة بتُـهمة « الإرهاب »، إلى جانب مُـعالجة عدد من القضايا الفردية، مثل إطلاق سراح الصادق شورو الرئيس السابق لحركة النهضة المحظورة والعفو على توفيق بن بريك، قبل استكماله مدّة الستة أشهر ومراعاة لوضعه الصحي، وأخيرا إنهاء مُـعاناة الصحفي زهير مخلوف. (المصدر: موقع « سويس انفو » (سويسرا) بتاريخ 4 فيفري 2010) الرابط: http://www.swissinfo.ch/ara/detail/index.html?cid=8223546

فحوى التقرير العام للمرصد الوطني للانتخابات الرئاسية والتشريعية اكتوبر 2009    *عمليات الفرز والكشف عن نتائج التصويت تمت في جميع الدوائر بصورة علنية ووفق الشروط المحددة بالمجلة الانتخابية  


تونس – (وات)- كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية أكتوبر 2009 مناسبة لتكريس ما دأب عليه الرئيس زين العابدين بن علي بالمبادرة الى احداث مرصد وطني لهذه الانتخابات وتأمين كل الظروف الملائمة للقيام بعمله على الوجه الاكمل بما يضمن شفافية العملية الانتخابية وسيرها في اطار احترام القانون وقواعد السلوك الديمقراطي. وقد تولى المرصد متابعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية أكتوبر 2009 بمختلف مراحلها وأعد بشأنها تقريرا تولى رفعه الى رئيس الجمهورية. وفيما يلي فحوى هذا التقرير: // تلقى سيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي من الاستاذ عبد الوهاب الباهي رئيس المرصد الوطني للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت يوم 25 أكتوبر 2009 التقرير العام للمرصد عن هذه الانتخابات. وعبر رئيس المرصد في مقدمة التقرير باسم كافة أعضائه عن بالغ عبارات الشكر والامتنان لسيادة رئيس الجمهورية لما لقيه المرصد الذى يضم في عضويته 26 شخصية وطنية مستقلة مشهود لها بالكفاءة والحياد والموضوعية من دعم رئاسي شخصي ومباشر خلال كامل أطوار العملية الانتخابية بما مكن من تحقيق الاهداف التي بعث من أجلها منوها بالتعاون والمساندة التامة التي حظي بها من السلطات الادارية والتجاوب الكامل الذى لمسه أعضاء المرصد من الشخصيات والاحزاب السياسية والقائمات المستقلة المشاركة في الانتخابات ادراكا من الجميع بأهمية الارتقاء بالممارسة الديمقراطية الى افضل المراتب وفقا لما راهن عليه سيادة رئيس الجمهورية. وبعد التذكير بالمبادىء العامة والاهداف التي ينشدها المرصد والمنهجية المعتمدة استعرض التقرير مميزات المشهد الانتخابي العام بتونس لاسيما من حيث الضمانات القانونية للعملية الانتخابية وفق التنقيحات المعدلة للدستور والمجلة الانتخابية. واحتوى التقرير على بابين تركز الاول على ملاحظات المرصد بشأن ظروف سير الانتخابات الرئاسية والتشريعية في كامل مرحلها فيما تضمن الباب الثاني النتائج العامة المستخلصة الى جانب 6 ملاحق تخص تقرير الملاحظين العرب والاجانب عن سير الانتخابات ونشاط المرصد سنة 2009 ودليل لعمله ومهامه اضافة الى استمارات وخرائط لتوضيح تنقلات أعضاء المرصد وطريقة عملهم الميدانية. وأكد التقرير أن كل أعمال المرصد سواء بالنسبة غلى الرصد أو المتابعة أو المراقبة تمت في ظروف طيبة للغاية وفق الاهداف التي رسمت له وكان له أحسن الاثر على المشهد الانتخابي والصدى الواسع في وسائل الاعلام الوطنية والاجنبية. وبين في هذا الاطار المعطيات الواقعية والموضوعية التي أنجزت فيها مهام المرصد مستعرضا مختلف الادوات الدستورية والقانونية المنظمة للانتخابات في تونس والتي تمثل ثمرة تطور هام على امتداد عشريتين من الاصلاح والتحديث ومبرزا من جهة أخرى تطور المشهد الانتخابي العام من خلال ازدياد عدد مرشحي أحزاب المعارضة المنخرطة في العملية الانتخابية الى جانب مترشحي القائمات المستقلة مع اعتبار ما يمثله التجمع الدستورى الديمقراطي في هذا المشهد العام من وزن كبير بحكم مكانته المتميزة في ماضي البلاد وحاضرها. وبخصوص ظروف سير الانتخابات لاحظ التقرير أهمية الزيارات التي قام بها المرصد للاحزاب السياسية والحوار الصريح الذى أجراه معها حول مشاغل المترشحين واشادتهم بحيادية المرصد وحرصه على مراقبة تطبيق القانون. كما ابرز التقرير الفضاء التفاعلي الذى تم فتحه على شبكة الانترنات لتقبل ملاحظات المتصفحين حول تطوير اليات الرصد والمتابعة. وبين من جهة أخرى الزيارات الميدانية المكثفة التي أجراها المرصد لجميع ولايات الجمهورية ودوائرها الانتخابية في مختلف مراحل العمليات الانتخابية ولقاءاته بأغلب روءساء قائمات الاحزاب المترشحة والقائمات المستقلة بهدف التثبت من مدى تطبيق التشريع أو التدخل لفض عدد من المسائل ذات الصلة بسير أطوار الانتخابات الرئاسية والتشريعية مثمنا المتابعة الدوءوبة لسيادة رئيس الجمهورية لعمل المرصد واستقباله لرئيسه في عدة مناسبات لتلقي تقارير جزئية عن سير مختلف العمليات الانتخابية. وتطرق التقرير الى عدد من الملاحظات والاستنتاجات تركزت بالخصوص على عمليات الترسيم بالقائمات الانتخابية وتسليم البطاقات الانتخابية وتسجيل القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية وسير الحملة الانتخابية وتغطيتها في وسائل الاعلام الى جانب تنظيم عملية الاقتراع وسير عمليات الفرز والكشف عن نتائج التصويت. وسجل المرصد في هذا الصدد بارتياح التحسن الملموس سواء على مستوى مسك دفاتر القائمات الانتخابية أو الوثائق الاخرى المتعلقة بالعملية الانتخابية باستثناء بعض النقائص في بعض المناطق الريفية مردها الى تشتت التجمعات السكنية والتي لا توجد بها عناوين دقيقة للناخبين. وثبت لاعضاء المرصد التقيد بوجه عام بأحكام المجلة الانتخابية لا سيما فيما يتعلق بتكريس مبدأ المراجعة الدائمة للقائمات الانتخابية. كما سجل التقرير الجهد الكبير المبذول في جميع الدوائر بهدف ايصال بطاقات الانتخاب الى أصحابها موءكدا ضرورة حرص الادارة على وجوب التوقيع من طرف المواطن عند استلام بطاقته وفي ما يتعلق بتسجيل القائمات المترشحة لاحظ التقرير أن العملية تمت بوجه عام وفق مقتضيات الفصل 91 وما يليه من المجلة مشيرا الى أن بعض الحالات لم يتمكن المرصد من معالجتها بسبب تمسك الادارة بتطبيق القانون مما أدى الى تقديم طعون الى المجلس الدستورى الذى أصدر قراره فيها وبين أن أغلب هذه الحالات متعلقة باخلالات متصلة بالتنصيصات الشكلية التي يقتضيها الفصل 91 من المجلة الانتخابية. وأعرب التقرير فيما يتعلق بالحملة الانتخابية عن الارتياح للاجواء الهادئة والحضارية التي طبعت سيرها والحياد الذى طبع كذلك تصرف الادارة بوجه عام وخاصة من خلال وضع أماكن متساوية لتعليق الاعلانات وتمكين القائمات المترشحة من عقد الاجتماعات العامة. كما سجل التقرير ما تميز به الخطاب الانتخابي من حرص على التنوع والارتباط بمشاغل المواطنين موءكدا في ذات الوقت أن بعض التجاذبات السياسية السلبية من قبل بعض القوائم المترشحة كانت غير ذات تأثير على المشهد الانتخابي العام. وأشار التقرير الى معاينة أعضاء المرصد رفقة الملاحظين العرب والاجانب لعمليات الاقتراع مستنتجا التطور الايجابي الجذرى للظروف العامة المحيطة بمكاتب الاقتراع قياسا بالتجارب السابقة خاصة من حيث انتفاء كل تجمهر غير عادى وغياب المعلقات واللافتات الدعائية فضلا عن حسن التنظيم داخل هذه المكاتب وتصرف المسوءولين عنها بالحياد واحترامهم لجملة الشروط القانونية الخاصة بتنظيم المكاتب. غير أن التقرير أشار الى غياب ملاحظي قائمات أحزاب المعارضة بعدد من هذه المكاتب وكذلك عدم تناول الناخب في بعض الحالات نظيرا من كل القائمات المترشحة أو عدم وجود سلة مهملات ببعض مكاتب التصويت. وأكد التقرير من جهة أخرى أن عمليات الفرز والكشف عن نتائج التصويت تمت في جميع الدوائر بصورة علنية ووفق الشروط المحددة بالمجلة الانتخابية. وخلص تقرير المرصد الى تسجيل ارتياحه لما تميز به المشهد الانتخابي في جميع مراحله من تنامي ديناميكية الحوار بين مختلف الاحزاب والقائمات المستقلة المنخرطة في العملية الانتخابية بما يعزز مقومات التعددية والمناخ الديمقراطي في البلاد. وأكد أن التطور الايجابي للمشهد الانتخابي يستنتج من خلال عديد المقاييس من بينها خاصة غياب جميع مظاهر العنف وعدم تسجيل أية شكايات في هذا المضمار وغياب التشنج في الخطاب الانتخابي أو الخروج عن قواعد المنافسة السليمة ملاحظا في المقابل أن لجوء البعض في وسائل الاعلام الاجنبية الى تشخيص الخطاب الانتخابي لا يخدم تطوير المسار الديمقراطي الا أن هذه الظواهر السلبية المعزولة لا تحد من تطلعات كافة التونسيين الى حياة سياسية متطورة. وفي ما يلي أهم التوصيات الواردة بالتقرير: 1/ تكثيف برامج التكوين والتدريب لفائدة مختلف الموظفين الساهرين على تطبيق القانون الانتخابي بمن فيهم خاصة أعوان البلديات المعنيين والعمد المكلفين بعملية ترسيم المواطنين بالقائمات الانتخابية وعملية توزيع البطاقات الانتخابية. 2/ دعم البرامج الخاصة بتكوين رؤساء مكاتب الاقتراع ومساعديهم ورسكلتهم. 3/ العمل على مزيد تطوير كافة الجوانب المحيطة بعملية ترسيم المواطنين بالقائمات الانتخابية. 4/ مزيد تطوير بعض الجوانب المتصلة بعملية توزيع البطاقات الانتخابية. 5/ مواكبة للمسار الديمقراطي التعددى وللتنقيحات والاضافات المدخلة على كل من الدستور والمجلة الانتخابية بهدف توسيع حق المشاركة في الحياة السياسية يوصي المرصد بمزيد إثراء المكاسب المحققة في قطاع الاعلام بما يدعم دوره في تجسيم المسار الديمقراطي التعددي ولا سيما تفعيل دوره في تغطية الحملة الانتخابية في وسائل الاعلام. 6/ مزيد نشر الوعي لدى الناخبين بوجوب تناول نظير من كل القائمات المترشحة وبوجوب استعمال الخلوة. 7/ مزيد حمل رؤساء مكاتب الاقتراع على تأمين قيام الناخب بواجب الامضاء بقائمة الناخبين أمام اسمه ولقبه بعد اتمام عملية الاقتراع. 8/ تعميق الوعي لدى ممثلي المترشحين بأهمية حضور عملية الفرز والكشف عن نتائج التصويت في جميع مراحلها. (المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (وات – رسمية) بتاريخ 3 فيفري 2010)
 


القائمة الكاملة للسلك الديبلوماسي التونسي المعتمد بالخارج


تونس ـ الصباح بعد التعديل الوزاري، وبعد حصول شغورات في بعض الممثليات الديبلوماسية لبلادنا في الخارج، يبدو أن سلطة الإشراف انتهت مؤخرا من ضبط القائمة الكاملة للسفراء والقناصل العامين والقناصل في مختلف العواصم وبعض المدن الهامة. ومن خلال التسميات الأخيرة التي لم يعلن عنها رسميا- نلاحظ تواجد أسماء بعض الوزراء الذين خرجوا مؤخرا من الحكومة والذين من الممكن أن يكونوا قد تمت تسميتهم على رأس بعض السفارات الغربية والعربية الهامة. وفي انتظار تسلم من منحوا الثقة مؤخرا أوراق الاعتماد، تنشر «الصباح» تقريبا القائمة الكاملة للسلك الديبلوماسي التونسي المعتمد في الخارج: السفراء: – جنوب افريقيا+ناميبيا: أحمد محجوب – الجزائر: حبيب مبارك – ألمانيا: أليفة فاروق (خلفا للمنصف بن عبد الله) – النمسا: علي الشاوش – مندوب الدائم لدى منظمة الامم المتحدة بنيويورك: غازي جمعة – بلجيكا+اللكسمبورغ: عبد السلام حتيرة – بوتسوانا: علي قوطالي – بولونيا: بشير شبعان – البرازيل: سيف الدين الشريف – البحرين: خالد الزيتوني – كندا+كوبا: المولدي الساكري – كمبوديا: محمد صحبي البصلي – جزر القمر: محمد عادل سماوي – جمهورية الكونغو الديمقراطية: محمد مسعود – كوريا الجنوبية: مصطفى الخماري – كوت ديفوار+البنين+الطوغو: رضا مسعودي – جيبوتي: توفيق جابر – مصر: منجي البدوي (خلفا للصادق القربي) – الامارات العربية المتحدة: محمد السديري – اسبانيا: محمد رضا كشريد – الولايات المتحدة: حبيب منصور – أثيوبيا: حاتم عطاء الله – فرنسا: محمد رؤوف النجار – الهند: (في انتظار تعيين سفير خلفا لرؤوف الشطي) – ايطاليا: الحبيب عاشور – اليونان: المنصف الحجري – اليابان+استراليا: نورالدين حشاد – الأردن: صلاح الدين الجمالي – العراق: عبد الرؤوف بلحورية (قائم بالأعمال) – الكويت: مصطفى باهية (خلفا لهشام بيوض) – لوزوتو: علي قوطالي – لبنان: محمد سمير عبد الله – ليبيا: محمد الياس بن مرزوق (خلفا لمحمد الحبيب براهم) – المغرب: الصادق القربي (خلفا لصالح البكاري) – ماليزيا+بروناي: فيصل قويعة – مالي: محمد ناصر قرط – مالطا: محمد علي القنزوعي – موريتانيا: عبد الرحمان بلحاج علي – عمان: محمود الخميري (خلفا لحمودة ريحاني) – فلسطين: شكيب الذوادي (خلفا لأحمد الحباسي) – باكستان: مراد بورحلة – هولاندا+الدانمارك: محمد صالح تقية – قطر: محمود القروي – جمهورية التشيك: كمال حاج ساسي – رومانيا: سلوى البحري – بريطانيا+ايرلندا: حميدة مرابط العبيدي – روسيا+اوكرانيا: خميس جهيناوي – السنغال: شكري الهرماسي (خلفا لجلال لخضر) – صربيا: حورية فرشيشي – السيشال: محمد عادل السماوي – السودان: سعيد ناصر رمضان – سوريا: محمد العويتي – المملكة السعودية: نجيب المنيف – سويسرا+الفاتيكان: رفيعة باوندي – السويد: آمنة العباسي (برتبة قائمة بالأعمال) – تركيا: الحاج قلاعي – اليمن: توفيق جابر القناصل العامّون: – باريس: ثامر سعد – ليون: صبري باشطبجي (خلفا لحمزة الرايس) – مرسيليا: مختار البلطاجي (خلفا لمحمد مزغني) – هامبورغ: عماد ترجمان – نيس: محمد لمين محرزي – تبسة: أحمد نداري القناصل: – عنابة: رفيق بن مسعود – جنوة: منذر مرزوق – قرونوبل: طارق سعدي – بونتان: عبد الرزاق بن فرج – كيباك: عماد ساسي – سترازبورغ: زهير القمبري – تولوز: محمد سليم حمامي إعـداد: سـفـيـان رجـب (المصدر: « الصباح » (يومية – تونس) بتاريخ 4 فيفري 2010)

وجهة نظر: جانفي 1952: ذكرى اندلاع الكفاح المسلّح بتونس، أي مغزى يمكن استخلاصه؟


غنيّ عن البيان أن انتصاب « الحماية » في تونس وما مهّد لذلك من تغلغل للرأسمال الأجنبي، ارتهنت بموجبه المملكة التونسية لدوائر القرار الأوروبي، وعجزت بحكم مديونيتها وتدني قدرتها التنافسية عن الصمود أمام تطوّر أشكال الغزو إلى شكله المسلّح الاستيطاني المباشر، لم ترافقه من الجهة المقابلة تنظيم محكم وفعّال لأشكال المقاومة والتصدّي، حيث انحصرت في محاولات معزولة من قبل الأهالي في الأرياف عموما، والتي كانت ذات صبغة « جهادية » لمقاومة الكافر الغازي، يغيب عنها الطابع « الوطني » والعمق السياسي لزعاماتها القبلية، في الوقت الذي اصطفّت فيه السلطة المحلية إلى جانب المستعمر (معاهدة باردو 1881 والمرسى ماي 1883) والتي أخضعت بموجبه الإيالة إلى حكم فرنسا، وعاضدتها في ما بعد أهمّ القوى الدينية (الطرق الصوفية). 1- ما قبل 1852 لم تتواصل أعمال المقاومة لدى قدوم الاستعمار سوى بضعة أشهر بأغلب مدن وأرياف الإيالة التونسية، حيث استطاعت فرنسا ذات القوّة والعدّة والعتاد والتنظيم أن تواجه فلولا من المقاومين/المجاهدين المعزولين والذين، رغم بسالتهم والحمية التي دفعتهم للذود عن الأرض والعرض كانوا بعيدين كلّ البعد عن إمكانية سحق آلة الاستعمار المدمّرة. ولئن ظهر منذ أوائل العشرية الأولى من القرن الماضي بوادر نهوض « وطني » لدى زمرة من المثقفين المتنورين (حركة الشباب التونسي)، ورغم بوادر ظهور نزعة التأطير السياسي بالمعنى الحديث للكلمة، فإن ضيق الأفق البرجوازي لهؤلاء، جعلهم لم يتخطّوا طابع النضال البرجوازي الإصلاحي، حيث تشكّلت أهم نواتات « الإصلاح » في صفوف النخبة، ولم يكن ممكنا بالطبع الحديث، لأسباب تاريخية، عن وعي طبقي ثوري لقيادة دفّة النضال، رغم الاستعداد الغريزي للسّواد الأعظم للنضال وهو ما عبّرت عنه الجماهير المنتفضة في أحداث « الزلاّج » و »الترامواي » وحتى في أحداث « التجنيس » وأحداث أفريل 1938 فيما بعد. لقد كانت الطبقة السياسية، المتزعّمة للعمل الوطني، بعيدة عن أن تطرح المسألة الوطنية بالمعنى الراديكالي للكلمة، بل ظلّت آفاق مطالبها في حدود المطالبة بالمشاركة في ظلّ الهيمنة الفرنسية في كلّ مستويات وهياكل القرار، حتى أنّ الأحزاب التي بعثت للوجود، من أمثال الحزب الدستوري، في نسختيه، والحزب الشيوعي، لم تطرح في أجندتها ضرورة استنهاض الشعب ضدّ الاستعمار الفرنسي وربط تحرّره على أنقاض هذا الأخير حتى يرسم لنفسه طريق الخلاص من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، بل إنه من بين هذه الأحزاب (الحزب الحرّ الدستوري القديم) من تآمر على نقابة « جامعة عموم العملة التونسيين »، وعلى زعيمها النقابي الفذّ محمد علي الحامّي، التي أدركت فرنسا سريعا ضرورة حجر نشاطها ونفي قائدها المؤسّس خارج « مجالها الحيوي » حتى لا يمثّل نواة بروز وعي طبقي/عمّالي يهدّد وجودها وتحالفاتها، ويرشد العمال التونسيين والمهمّشين إلى خلاصهم في ربطهم بين النضال من أجل مصالحهم الحياتية المباشرة والنضال ضدّ الاستعمار الإمبريالي النهّاب. غير أنّ التاريخ لا يؤمن بالثبوتية ولا بالوثوقية، ففي تطوّره وتقلّبه، عادة ما ينتج ظروفا جديدة وتناقضات وصراعات تتجدّد باستمرار. فكيف كان ذلك؟ 2- 1952: تاريخ مفصلي في الوعي الوطني الجمعي ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وما وقف عليه العالم من دمار كوني على مستوى الضحايا والممتلكات وما خلّفته من مآسي للإنسانية وجروحا لم تندمل بعد (التقسيم العالمي جيوبوليتيكا ومخلّفاته العرقية والعنصرية، « المحرقة » النازيّة وعقدة اليهود وتعويضهم بوطن خاص في فلسطين…) كلّ ذلك قد مهّد لقيام حركة « عالمية » لمناهضة الاستعمار وإدانته وعبر دعم حركات التحرّر الوطني في عديد بلدان العالم كلّ حسب درجة تطوّر الوعي فيه. وقد تزعّم كتلة الدفاع عن المستعمرين وضحايا الإستعمار البربري، الإتحاد السوفياتي بقيادة ستالينيّة مستمدّا هذا الدعم من مقولات الماركسيّة اللينينية، تعتبر أنّ السير بالبناء الاشتراكي لا بدّ أن يدمج قضية البناء الاقتصادي بالتحرّر السياسي، وأنّ البلدان التي تخضع تحت السيطرة الإمبريالية هي احتياطي للدولة الاشتراكية العالمية، لذلك لابدّ لنضالها أن يجمع بين مقاومة الاستعمار وتوطيد الوعي الطبقي، حتى تضمن أحقيّة قيادة الصراع الطبقي على مستوى وطني وعالمي. ولئن كانت الانتصارات التي تحرزها المقاومة في هذا البلد أو ذاك، سببا في تدويل قضية التحرّر الوطني، فإنّه يعتبر ثانويّا مقارنة ببروز نوازع وطنية لدى « المثقفين » واتّجاه العمل الوطني خاصة من النخبوية إلى الجماهيرية. وقد سمح ذلك باشتداد وتيرة الاستغلال الفرنسي لثروات البلد وما خلّفه من ردّات فعل واعية عبر الإضراب والاحتجاج، خاصة بقيادة « الإتحاد العام التونسي للشغل » وزعيمه النقابي الوطني الشهيد فرحات حشّاد. إنّ مراكمة تجارب طويلة ضدّ الأعراف الأجانب، والصراع ضدّ محاولات الاحتواء والتهميش، لتجربتين نقابيّتين، وتفشّي البؤس والحرمان شكل غير مسبوق (ما يقارب 45 ألف متسوّل في الحاضرة سنة 1945) جعل من الضروري أن تتبنّى النقابة الوليدة لأوّل مرّة مطالب سياسية بحيث أدمجت في مطالبها انعتاق العامل من القيود التي تكبّله مرهونا بترحيل المستعمر الفرنسي. ونتيجة الضغط المسلّط على الدول المستعمِرة من الخارج عبر الكتلة الشرقيّة الاشتراكية وبتآمر تكتيكي من الإمبريالية الصاعدة، الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الداخل عبر التذمّر الإجتماعي والدعاية السياسية لأحزاب الحركة الوطنية، كان لابدّ لفرنسا أن ترضخ لمطلب طالما رفعه رموز الوطنيين وهو تشريك التونسيين في مؤسّسات القرار (المجلس القيادي، المجلس البلدي…) إلى جانب الفرنسيين غير أنّ تلكّأ فرنسا في منح هذا « المكسب » وتراجعها عن مذكّرة 15 ديسمبر 1951، التي أقرّت ذلك، قد فوّت عليها فرصة تدارك الوضع واحتواء حركة الإحتجاج النامية والمتسارعة في تصاعدها. وقد كان من السهل على القيادة السياسية أن تركب موجة الغضب هذه، وتوجّهها نحو إعادة التفاوض من جديد لذلك « أعلنت » ليلة 17 جانفي 1952 رفع السلاح ضدّ الإستعمار ومن الغد كان معظم القياديين من الدستوريين والشيوعيين في المعتقلات والسجون، بالتوازي مع انطلاق شرارة الإنتفاضة المسلّحة في المدن والأرياف. من البديهي أنّه لا يجوز الحديث عن « ثورة » بالمعنى السياسي العلمي للكلمة في هذا المثال، حيث لم تكن آفاق هذه الإنتفاضة واضحة المعالم ولم تطرح بعد ملامح البديل المجتمعي لما بعد رحيل الإستعمار، غير بعض التصوّرات الليبرالية في أذهان زعمائها (الحبيب بورقيبة). لقد اندلعت أعمال « العنف » و »التخريب » في عدّة مناطق من البلاد تمثّلت بالخصوص في قطع خطوط التيّار الكهربائي والهاتف وتخريب السكك الحديدية والإعتداء على أملاك المعمّرين واغتيال ومحاولات اغتيال لبعض المعمّرين والمتعاونين مع الإستعمار الفرنسي. وقد كان وقود هذه الهبّة الشعبيّة من المهمّشين ومن أشباه البروليتاريا والنازحين من دواخل البلاد ومن الريفيين المعدمين الذين كانوا سريعي الغضب والإندفاع بحكم وضعيّتهم المزرية، وكانت تحملهم الحمية الوطنية بدوافع الجوع والحرمان الذي يتخبّطون فيه. ومن الطبيعي أن يكون في صدارة الإنتفاض هذه الفئات المعدمة وعموم المحرومين والمضطهدين، وليس أصحاب المصالح والمتنفّذين. فقد سجّل التاريخ أسماء أبطال أفذاذ لم يتوانوا عن دفع حياتهم في سبيل وطنهم دون أن ينتظروا جزاء أو شكورا، من أمثال الدغباجي وبن سديرة ومصباح الجربوع وزرق العيون (…) وعديدون هم الذين حملوا السلاح وصعدوا جبال عرباطة والشعانبي والسلاسل الغربية المتاخمة للحدود الجزائرية، الذين إمّا دفعوا حياتهم عربونا للوطن، أو نذروها في ما بعد ليواصلوا الكفاح ضدّ من استغلّوهم وخانوهم واستبدل القمع والإضطهاد من « الإفرنجة » بنظيره من أبناء الجلدة والملّة. 3- كيف ننظر لـ »18 جانفي 1952″ إنّ تجربة « الفلاّقة  » التي اندلعت بتونس منذ التاريخ المذكور والذي جعل من العمل السياسي لأوّل مرّة في متناول أولئك البسطاء المنحدرين من الأرياف ومن الأوساط الفقيرة والمحرومة، وانتقل بالعمل الوطني إلى  » الجماهيرية » وقطع مع النخبوي والعفوي منه، قد أجّج نقمة المستعمرين ودقّ نواقيس الخطر بضرورة رحيلهم، فتصدّوا لهم بكلّ ما أوتوا من قمع وبطش (نفي، تعذيب، عمليات تمشيط و مجازر ارتكبت في حقّ الأهالي على طول البلاد وعرضها)، وهو ما كان له ردّة فعل عكسي، بحيث ازدادت قناعة التونسيين بمزيد بذل النضال والتضحية لينعم أبناء الوطن بثروات بلدهم وسيادتهم عليه، الشيء الذي جعل من القضية التونسية مدوّلة ومثالا يحتذى به، بحيث سرعان ما انطلقت شرارة الثورة الشعبية الجزائرية والثورة الفيتنامية الرائدتين في مستوى النضال الوطني الشعبي التحرّري. غير أنّ الجدير بالذكر، وللأمانة التّاريخية، رغم « الجدارة » السياسية الدستورية، في قيادة عمل المقاومة في تلك المرحلة التاريخية المفصلية عبر تنسيق دبلوماسي بين دول شمال إفريقيا من أجل النضال المشترك الجبهوي ضدّ الإستعمار الذي حان أفوله عبر نجم شمال إفريقيا، مكتب القاهرة لتحرير دول المغرب (…) فإنّ هذه القيادة، ولطبيعتها الطبقيّة تلك، سرعان ما تنكّرت لجيوش المنتفضين في الجبال وخضعت لإغراءات الفرنسيين بمنع « الاستقلال الداخلي » والتخلّي عن برنامج الوحدة النضالية المغاربية، وفي الوقت الذي قفز خلاله بورقيبة على هذه التنظيمات و »المكاسب » ليضمن لنفسه القيادة اللاحقة والدعم الضروري من « الحكومة الفرنسية » الصديقة مثلما كان يردّد حتى فترات الاعتقال والنفي وهو أمر أثبتته رسائله للمقيم العام الفرنسي وللحكومة الفرنسية. لقد فوّت بورقيبة الفرصة على الشعب التونسي من أجل أن ينعم بالاستقلال التام والفعلي والسيادة الفعلية والطبيعية على وطنه وثرواته، عبر مواصلة النضال الوطني، وحتى تفرز الظّروف الإستحقاق التاريخي لأبناء تونس في تشييد مجتمع خال من الإستغلال تسوده الحرية والعدالة الإجتماعية. لقد كان لاتفاقية الإستقلال الداخلي واتفاقية الخيانة لـ 20 مارس 1956 في ما بعد، الأثر البعيد والعميق في انتكاس العملية التحرّرية. ولأنه « ليس من يصنع التاريخ كمن يكتب فيه »، فقد طويت صفحة تجربة الفلاّقة سريعا، عبر إرغام المقاومين بتسليم أسلحتهم، ثمّ « محاكمتهم » وتصفية اليوسفيين فيما بعد وبقايا هذه التجربة الذين رفضوا تأليه بورقيبة وتصدّوا له عبر محاولة الإنقلاب (1961) ولم يذكر التاريخ كثيرا عن إعدام الهادي بن جاء بالله وغيره كثيرون، في حين تمّ توسيم بورقيبة وعديد الدستوريّين الذين لطّخوا جباههم في الوحل، دون أن يرفعوا ولو حجرا في وجه الإستعمار. لقد كفّت البرجوازية منذ « الزمن الإحتكاري » (الطور الإمبريالي) عن أن تكون صاحبة رسالة تاريخية نبيلة وعن أن تشيّد وطن الرفاه والعدالة والمساواة وعن أن تقود دفّة البناء هذا، فلقد فشلت كلّ محاولات إرساء نظام وطني مستقلّ بقيادة برجوازية وطنية، ولم تنجح في الإنفلات من قبضة الرأسمال العالمي، بل وخضعت سريعا لنسقه الإستعماري الجديد، وارتكبت مذّاك مصالحهم بمصالحه في إرتباط عضوي. لذلك فمن الواجب الخروج باستخلاص جوهري مفاده أنّه لابدّ لكلّ القوى الوطنية والديمقراطية أن تدرك المغزى التّاريخي لأحداث 18 جانفي 1952 عبر النضال بلا هوادة ضدّ الإستعمار الجديد وحلفائه البرجوازية العميلة من خلال إدراج المسألة الوطنية والمسألة الديمقراطية في كلّ لا يتجزّأ. إنه النضال من أجل الجمهورية الديمقراطية الشعبية. (المصدر: « البديل عاجل »، قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 4 فيفري 2009)
 


وزارة الداخلية تحقق مع مسؤولين بلديّين في صفقة المناطق الزرقاء بصفاقس

 


حرر من قبل التحرير في الخميس, 04. فيفري 2010 علمت كلمة من مصادر مطّلعة أن تحقيقا يقوم به متفقّد عام بوزارة الداخلية منذ مساء يوم الجمعة المنقضي في حقّ كلّ من الكاتب العام لبلدية صفاقس المدينة وأحد رؤساء المصالح بنفس البلديّة على خلفيّة الصفقة التي أبرمتها هذه الأخيرة مع شركة الماضي إخوان لاستغلال أغلب شوارع مركز المدينة كمناطق زرقاء. وحسب نفس المصادر فإن ما أثار ريبة الوزارة في عمليّة التفويت هذه هو حجم المرابيح التي يتوقّع جنيها من مثل هذه المناطق، حيث أعدّ المشروع 5100 موقع سيّارة يبلغ معلوم ساعة الإيواء فيها 400 مليم ممّا يعادل أرباحا تتجاوز العشرة ملايين دينار في السنة مقابل معلوم كراء سنوي 0,350 مليون دينار على مدار السنة، وذلك طيلة ثلاثين سنة.

 
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 4 فيفري 2010)
 


توقف 9 مخابز بصفاقس وتخوّف من أزمة في الخبز


حرر من قبل التحرير في الخميس, 04. فيفري 2010 توقّفت 9 من كبريات المخابز بصفاقس عن إنتاج الخبز منذ يوم الثلاثاء 2 فيفري على إثر قرار وزارة التجارة بحرمانها من « الفارينة » المدعّمة بعد أن سجّلت في حقّها بعض المخالفات، خاصّة وأن بعض المخابز تستعمل الفارينة المدعّمة في إنتاج الحلويّات وأنواع من الخبز غير المدعوم. هذا القرار أثار استياء المتساكنين، خاصّة وقد لوحظ منذ مدّة تناقص كمّية الخبز من الحجم الكبير وعدم توفّره بعد السادسة مساء.
 
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 4 فيفري 2010)
 


25 في المائة من التونسيين لم يقرأوا كتاباً!

 


تونس – يو بي أي – أظهرت دراسة ميدانية أن أكثر من ربع التونسيين لم يقرأوا كتاباً واحداً في حياتهم، على رغم اقتناع غالبية التونسيين (65.43 في المئة) بأهمية المطالعة. وبحسب النتائج التي خلصت إليها دراسة أعدتها اللجنة الوطنية للاستشارة حول الكتاب والمطالعة، فإن 22.74 في المئة من التونسيين لم يطالعوا طيلة حياتهم كتاباً واحداً مهما كان نوعه. واستندت الدراسة إلى سبر للآراء شمل 1029 شخصاً من شرائح عمرية وفئات اجتماعية مختلفة، أجرته خلال الفترة ما بين 25 كانون الأول (ديسمبر) 2009 و5 كانون الثاني (يناير) 2010. وأظهرت الدراسة أيضاً أن ثلاثة من بين كل أربعة تونسيين لم تطأ أقدامهم قط مكتبة عمومية، على رغم أن عدد المكتبات العمومية الموزعة في أنحاء البلاد يبلغ 378، إلى جانب 30 مكتبة متجولة تغطي 1800 تجمع ريفي. وأشارت الدراسة إلى أن النسبة المتبقية من الذين شملهم سبر الآراء، أي 26.76 في المئة، سبق لهم مطالعة كتاب واحد، وأن 31.88 في المئة منهم طالعوه خلال العام 2009. ولاحظت الدراسة أن النساء في تونس يطالعن أكثر من الرجال بنسبة 7.51 في المئة، وأن 6 قراء من بين 10 يطالعون أقل من 5 كتب كل عام، وأن 23.17 في المئة يطالعون ما بين 6 إلى 10 كتب في العام باللغتين العربية والفرنسية. (المصدر: « الحياة » (يومية – لندن) بتاريخ 1 فيفري 2010)  


تدوير النفايات في تونس يدر ثروة

 


تونس – نبيل زغدود تحت شعار «النفايات مصدر للثروات» تعمل تونس على تطوير سوق التشغيل وإنشاء المؤسسات الصغرى في مجال التجميع وإعادة التدوير. يفرض النمط الاستهلاكي للحياة العصرية زيادة النفايات المختلفة التي تلقي بها المنازل والمكاتب والشركات إلى حاويات القمامة. ومع النمو الديموغرافي أصبحت مشكلة التخلص من هذه النفايات أمراً يقض مضجع الحكومات حول العالم، لا للتخلص منها فقط بل لجعلها مورداً اقتصادياً مهماً ومزوداً للمصانع ببعض المواد الخام عبر عملية اعادة تدويرها. ولئن تكن النفايات الصلبة مشكلة بيئية قائمة بذاتها نظراً للتلوث البيئي الذي ينجم عنها، إلا أنه من خلال إعادة تدويرها يمكننا الاستفادة منها، بدلاً من رميها في شكل عشوائي أو نقلها إلى مكب عام للقمامة حيث يتم غالباً تجميعها ومن ثم ردمها من دون معالجة. فهي يمكن أن تصبح مصدراً للثروة، اقتداء بالتجارب الأوروبية في هذا المجال، خصوصاً عبر الاستفادة من المخلفات المنزلية بتحويلها إلى سماد عضوي ذات جودة عالية، والاستفادة من المخلفات الصلبة بواسطة الفرز الجاف. عالمياً، توصف صناعة إعادة تدوير النفايات بأنها الصناعة التي تدر ذهباً. فالمواد الأولية لهذه الصناعة متوافرة ورخيصة، بل يزداد توافرها بازدياد السكان وما ينجم عنهم من فضلات. كما أن المنتجات المتأتية من مواد معاد تدويرها تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق نظراً لثمنها الزهيد. ويرى كثير من الخبراء أن صناعة النفايات أصبحت تستخدم كمؤشر يساعد الشركات في معرفة تحليل السوق ومعدلات الاستهلاك. التجربة التونسية سجلت تونس خلال السنوات الأخيرة نمواً اقتصادياً واجتماعياً مهماً نتج منه تطور عمراني وقفزة صناعية واقتصادية في كل المدن. وأدى هذا التطور، وما أفرزه من رقي بمستوى العيش وضرورة تلبية مختلف حاجاته، إلى الضغط المتواصل على النظم البيئية والاستغلال المتزايد للموارد الطبيعية وما ينجم عن ذلك من نفايات. وفقاً لإحصاءات 2007، تقدر كمية النفايات المنزلية والمشابهة المنتجة سنوياً بنحو2,2 مليون طن، اذ يبلغ معدلها للفرد الواحد نحو 0,6 كيلوغرام يومياً. ومن هذه نحو 53 ألف طن نفايات لف وتعـــليب. وتتـــميّز النـــفايات المنــزلية بنسبة مهمة من المواد العضوية تبلغ نحو 68 في المئة، في حين تبلغ نسبة البلاستيك 11 في المئة، والورق 10 في المئة، وتتوزّع البقية بين المعادن والجلد والمطاط والقماش. وفي الإحصاءات نفسها، قدرت كمية النفايات المتأتية من الأنشطة الصناعية بنحو 150 ألف طن سنوياً، موزعة كما يأتي: 53 في المئة من الصناعات الميكانيكية، و14 في المئة من الصناعات الكيميائية، و10 في المئة من الصناعات الإلكترونية والإلكتروميكانيكية، في حين تأتي الـ 23 في المئة المتبقية من الصناعات الغذائية، وهذا ما ولّد إشكالات عدة تتعلق بقطاع التصرف بالنفايات. اعتمدت المقاربة التونسية في التصرّف بالنفايات التلازم بين تدعيم طاقة معالجتها وتعزيز البنية الأساسية وتحديثها من جهة، والتوظيف الأمثل للإمكانات المتاحة في مجالات المعالجة والتدوير من جهة أخرى. ولتنفيذ هذه الأهداف، رصدت اعتمادات مالية سنوية لدعم عمل الشبكة الإقليمية لتبادل المعلومات والخبرات في مجال إدارة النفايات على امتداد سنوات المخطط الحادي عشر (2007 – 2011). كما ارتكزت الخطة الوطنية التي تمّ اعتمادها إلى العمل لتعميم شبكة المصبات (المكبّـات) المراقبة ومراكز التحويل لفائدة البلديات كافة، وإقرار برنامج للغلق التدريجي واستصلاح المصبات البلدية القديمة، وتفعيل منظومة لإدارة النفايات الصناعية، وتدعيم منظومات إدارة النفايات القابلة للمعالجة وتدوير بعض الأصناف من النفايات الخاصة. ويتواصل تعزيز الآليات القانونية والتنظيمية والمالية لتركيز منظومات جديدة لإعادة التدوير والمعالجة، بإقرار حوافز للقطاع الخاص من أجل تمويل هذه المنظومات. وبالتوازي مع ذلك، تمّ الانطلاق في وضع برنامج نموذجي لمعالجة النفايات العضوية، باعتماد التّخمير لإنتاج السماد العضوي واستخراج الطاقة الحرارية من النفايات المنزلية ومحطات الصرف الصحي في المصبات المراقبة. وذلك من خلال الاستراتيجية الوطنية للتصرف المندمج والمستديم بالنفايات، التي تسعى إلى تخفيض كمية النفايات ومعالجتها، وتحسين الإطار المؤسساتي والقانوني والمالي، وتدعيم الاتصال والتشاور والتوعية، وإحكام متابعة الإحصاءات والمعلومات في هذا المجال. ولبلوغ الأهداف المرسومة لتطوير قطاع التصرف بالنفايات، اعتمدت المقاربة التونسية على خمسة عناصر استراتيجية تتصل بالجوانب المادية والفنية والتنظيمية والأطر القانونية والمؤسساتية، إضافة إلى تدعيم وتنمية الموارد البشرية وأسطول المــعدات والآليات. لكن يبقى تحقيق مجمل هذه الأهداف رهين التغلّب على عدد من الإشكالات، التي تتمثّل أســـاساً في غياب التشاور والتعاون والاتصال بين الجهات المعنية كافة، ومحدودية القدرات في القطاع العمومي بما في ذلك الجماعات المحلية، ومحدودية الإمكانات البلدية من معدات وآليات، إضافة إلى عدم شمولية الإطار القانوني الحالي لمختلف الجوانب وتطور كميات النفايات. ومن بين الإشكالات التي تعترض هذه الإستراتيجية أيضاً النقص الواضح في أنشطة وبرامج التوعية والتربية البيئية، والبطء في تطوير منظومات التصرف ببعض أصناف النفايات، إضافة إلى ضعف مشاركة القطاع الخاص وضعف الموارد المالية لتغطية تكاليف التصرف. أما العقبة الكبرى فتتمثّل في صعوبة تسويق المنتجات المتأتية من أنشطة التدوير والمعالجة. النفايات مصدر للثروات منذ نحو خمس سنوات، رفعت تونس شعار «النفايات مصدر للثروات» الذي تسعى من خلاله إلى تطوير سوق التشغيل وبعث المؤسسات البيئية الصغرى. وتشترك في تنفيذه وزارة البيئة والتنمية المستديمة والهيئات المعنية بالتمويل والتأهيل والتشغيل. وهذا ما أوجد مئات فرص العمل في مجالات رفع النفايات وتدويرها وإدارة المساحات الخضراء وتجميل المدن. وقد أرست تونس منذ سنوات منظومة متكاملة تضمن التصرف المستديم بالنفايات على أنواعها، حيث تم خلال المخطط الحادي عشر للتنمية انجاز شبكة تضم 9 مصبات مراقبة على المستوى المحلي ونحو 50 مركز تحويل لفائدة 110 بلديات في تسع محافظات، باعتمادات فاقت 61 مليون دينار (46 مليون دولار). وهذا ما ساهم في التصرف بنحو 80 في المئة من النفايات المنزلية والمشابهة. كما تم في السنوات الأخيرة إرساء منظومة جمع وإعادة تدوير النفايات البلاستيكية والزيوت المستعملة والبطاريات، ما مكن من تحقيق مداخيل مهمة وتوفير نحو 15 ألف فرصة عمل. وتم الاهتمام كذلك بمعالجة النفايات العضوية في محطات التطهير والمصبات المراقبة، وكذلك نفايات معاصر الزيتون والدواجن ونفايات أسواق الجملة، واستغلالها في الزراعة واستخراج الغازات وإنتاج الطاقة الكهربائية والحرارية. وفي هذا الإطار، تم بعث منظومة «إيكولف» للجمع، ما أحدث نحو 13 ألف فرصة عمل في ميدان تجميع النفايات الزجاجية والمعدنية والبلاستيكية، كما أتاح إنشاء عشرات المؤسسات الصغرى لحاملي الشهادات العليا (منظومة شاب). وفي تطور ملحوظ عام 2007، بلغ عدد مؤسسات التدوير 617 مؤسسة، استأثرت النفايات البلاستيكية بنحو 570 منها. وسعياً إلى تطوير العمل المؤسساتي، تم عام 2005 إحداث الوكالة الوطنية للتصرف بالنفايات للإشراف على القطاع، من خلال إعداد المشاريع وإنجازها، وتقديم المساعدة الفنية والمالية للبلديات والصناعيين، وتسيير النظم العمومية للنفايات وصيانة منشآت النفايات الخطرة. وكان النظام العمومي لجمع النفايـات «إيكولف» وضع عام 1997، والنظام العمومي «إيكوزيت» لجمع الزيوت المستعملة عام 2004، فضلاً عن النظم الأخرى للتصرف بالنفايات القابلة للمعالجة والتدوير. ووضعت الآليات والحوافز المالية والجبائية لتشجيع القطاع الخاص على إحداث وحدات لتدويرها. وقد مثل المنتدى الدولي للاستثمار والتشغيل في المجال البيئي، الذي احتضنته تونس من 12 إلى 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، محطة مهمة للتبادل وتكثيف فرص الاتصال بين طالبي العمل والعارضين من الشركات والصناعيين والوكالات ومؤسسات التمويل في هذا الميدان الواعد. لقد أصبح الحصول على الطاقة من النفايات هدفاً اقتصادياً وأولية مطلقة لكثير من الصناعيين في الدول الغربية، خصوصاً أن نسبة المواد القابلة للاحتراق في النفايات تراوح بين 70 و80 في المئة من وزنها. وقد انخرطت تونس في هذا المجال منذ سنوات، لما يتوافر فيه من إمكانات مهمة لتوليد الطاقة الحرارية أو الكهربائية المستخرجة من النفـــايات العضوية. وبإمكان تونس تحقيق إنتاج ســـنوي يعادل 14,7 مليون متر مكعب من الغاز الحيوي الميثان، و160 ألف طن مكافئ نفط من الطاقة الحرارية، ونحو 215 جيغاواط ساعة من الطاقة الكهربائية، بمعالجة نفايات الدواجن وفضلات معاصر الزيتون ومحطات معالجة مياه الصرف والنفايات العضوية المنزلية. (المصدر: « الحياة » (يومية – لندن) بتاريخ 4 فيفري 2010)

ردا على مقالة « وفي آخر المطاف.. هل هناك حل؟  » للدكتور منصف المرزوقي الديمقراطية « الحقيقية » هي الحل

         


بقلم: منير السايبي     سيدي الدكتور : دعني في البداية أقول أنك رجل شجاع وصاحب مواقف مبدئية قولا وعملا . فأنت قد حاولت بقدر استطاعتك أن تقول  » لا للإستبداد « في بلدك تونس، وقد دفعت الثمن  في نفسك وبدنك وعرضك ومالك ، ولم تستسلم أو تقبل المساومات الرخيصة التي قبل بها العديد من المعارضين . لهذا ورغم اختلافي معك في العديد من المسائل أقول إنك جدير فعلا بالإحترام والمناقشة . ودعني ثانيا أقدم لك فكرة وجيزة عن صاحب هذا الرد لكي لا تعتبر ردي هذا من خارج ميدان المعركة مع الاستبداد . فأنا  قد سُجنت ونُكل بي جسديا ونفسيا ووقع طردي من ميدان التعليم بسبب أفكاري السياسية. أعيش الآن في المنفى في أوروبا جنة الحريات وحقوق الإنسان منذ تسع سنوات طالبا لحقي في اللجوء السياسي من أجل صون كرامتي وحفظ إنسانيتي ولكنني لم أتحصل عليه إلى يومنا هذا. كما أنني من الذين تفحصوا مقالتك عدة مرات ولست من الذين رموا بها في سلة المهملات . أما فيما يتعلق بمقالتك من حيث أسلوب خطابها فلي عليها ملاحظات عديدة منها : 1ـ اتهامك للعاملين في حقل الإسلام السياسي بالسطحية ، وأن منهم « المتخلفون » ، وأن أفضل مثقف فيهم لا يستطيع في أفضل الأحوال ـ إذا ما أراد تشخيص أسباب تخلف شعوبنا العربية ـ أن يصل إلا إلى الوصفة المتكونة من العشر نقاط التي وصلت لها عبقريتك  أنت. ولكي تتأكد من تهافت اتهامك لأغلب العاملين في حقل الإسلام السياسي بالعجز على تشخيص أسباب تخلف مجتمعاتنا أدعوك مثلا للحديث مع عديد السياسيين والمثقفين المحسوبين على التيار الإسلامي السياسي الوسطي من أمثال الشيخ راشد الغنوشي و د. محمد عمارة ومنير شفيق وطارق رمضان وغيرهم كثير ، وستجد أن حكمك عليهم بالعجز هو مجرد وهم في خيالك لاغير وستكتشف أن هؤلاء لهم اطلاع واسع على مختلف العلوم الإجتماعية والنفسية والسياسية التي تُؤهلهم  لتشخيص أسباب تخلفنا تشخيصا علميا ودقيقا . فطريقتك في الكلام عنهم والتهم غير المُثبة التي وجهتها إليهم  فيها تنزيه وإعلاء للذات ، وتقزيم وإهانة للآخر ، وهو أسلوب مرفوض في آداب الحوار ولا يزيد علاقتك بفرقائك السياسيين إلا توترا وتباعدا . فالتواضع سمة نبيلة يتسم بها العلماء  » الحقيقيون »، لأن من تقدم في علم قد يتأخر في علوم ، ومن بان له شيء قد تغيب عنه أشياء، وقد قال « سقراط « مؤسس الفلسفة أن كل ما يعرفه أنه لا يعرف شيئا ، وقال « نيوتن » مؤسس الفيزياء الحديثة أنه ليس سوى طفل صغير يلعب بالحصى على شاطئ بحر العلم ، وقال رب العزة أن  » فوق كل ذي علم عليم « . 2ـ اتهمتهم باحتكار الحقيقة الإسلامية المطلقة ، وأنا الآن أحيلك إلى نص رسمي من نصوص « الإسلام السياسي « الموجود في البيان التأسيسي لحركة الإتجاه الإسلامي في تونس والصادر يوم 6 / 6 / 1981 وفيه ما يلي : « على أن « حركة الإتجاه الإسلامي لا تُقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس ولا تطمع يوما في أن يُنسب هذا اللقب إليها …غير مُلزمة بكل صنوف التحركات والمواقف التي قد تبرز هنا وهناك … مهما أضفى أصحاب هذه التحركات على أنفُسهم من براقع التٌديٌن ورفعوا رايات الإسلام .  ولكي يكون كلامك أكثر علمية ومصداقية مستقبلا عليك أن تذكر الأسماء والنصوص  وإلا فإن اتهامك يصبح اتهاما غير علمي وغير أخلاقي . 3ـ لقد سخرت أو لنقل عارضت استعمال غيرك لكلمة « الإسلام الحقيقي « ووقعت أنت في نفس المحظور  باستعمالك لكلمة « الديمقراطية الحقيقية » فهل تقصد بهذه الأخيرة « الديمقراطية المباشرة  » أم « الديمقراطية النيابية  » أم غيرها من الديمقراطيات فمفهوم « الديمقراطية الحقيقية « سيبقى كذلك موضوع خلاف متواصل منذ بدايته في أثينا « وسيتواصل إلى يوم يبعثون ». أما فيما يتعلق بالأفكار والحلول التي حوتها مقالتك  فأنت سيدي الكريم  قد بدأتها بطرح سؤال : كيف يُمكن ردم الهوة بيننا وبين الغرب من أجل تجاوز حالة التخلف والتبعية ؟ أفهم من متن هذا السؤال أن النموذج المجتمعي الذي ترتضيه للعرب كحل لإشكالية التخلف والتبعية التي يعيشونها هو النموذج المجتمعي الغربي . صحيح سيدي الكريم أن الحضارة الغربية هي التي بانت فيها ملامح الديمقراطية وتشكلت كوسيلة انسانية لحسم الخلافات السياسية بين أبناء المجتمع الواحد ، وأن الديمقراطية هي أقل وسائل حسم الخلافات سوءا ، وأنه لا بديل عنها سوى الإستبداد المتخفي تحت عباءات عدة ، وأنه ليس أمامنا إذا ما أردنا ربح الوقت لتفعيل نهضتنا السياسية  سوى التسليم بالديمقراطية كوسيلة وحيدة لحسم خلافاتنا الفكرية والسياسية  . وصحيح كذلك أن المجتمعات الديمقراطية الغربية قد حققت نهضة فكرية وعلمية وتقنية وإقتصادية مكنت أبناءها من العيش في ترف واستقرار . هذا هو الوجه الظاهر للحضارة الغربية ومكاسبها . لكن أليس من حق كل عاقل أن يعرف الوجه الخفي لهذه الحضارة والضريبة التي دُفعت لتشييدها لتكتمل نظرتنا لصورة النموذج الحضاري الغربي ؟ أعتقد سيدي الدكتور أنك أعلم مني بما فعله مؤسسو هذه الحضارة بالسكان الأصليين في الأمريكيتين وفي أستراليا وآسيا مرورا بالزنوج في إفريقيا وصولا إلى ما فعله الإستعمار الفرنسي في افريقيا عامة وفي الجزائر خاصة وما فعله الإستعمار الأمريكي في الفيتنام ولا يزال يكرره في العراق وأفغانستان .  علينا ألا ننظر فقط إلى مصانع ، وكليات ، ومستشفيات ،وبرلمانات ، وطرقات هذه الحضارة ، وبرج إيفل ، وساعة بيغ بان , وتمثال الحرية ، بل أن ننظر كذلك إلى بوارج النفط القادمة إليها من الخليج ، وقطارات الحديد والذهب القادمة إليها من مناجم إفريقيا ، ومليارات الدولارات القادمة إليها من قصور الخليج والشام وشمال إفريقيا، وكل ذلك مرسوم باستراتيجيات القادة السياسيين لهذه الحضارة المتغلبة  وهي سياسات دولية غير قابلة للنقاش أو التحوير . سيدي الكريم : إن العيب الأساسي لهذه الحضارة هو أنها بُنيت على أساس المادية والعنصرية ، فهي بقدر ما تحترم إنسانية أبنائها وترعا  كرامتهم ومصالحهم بقدر ما تتاجر بإنسانية الآخر غير الغربي وتعمل جاهدة على تعطيل نهضته ونهب ثرواته  من خلال دعم أنظمة تابعة ومستبدة مسلطة على رقابه ، وتبرير الدخول المباشر في وطن « الآخر « عند الضرورة من خلال مجلس الأمن الدولي أو لنقل مجلس الأمن الغربي الذي لم يعرف العالم أمنا منذ تأسيسه . صحيح أن التقدم والرخاء الغربي له  عدة أسباب ، ولكن نهب ثروات وخيرات الآخر غير الغربي هو من أهم أسباب رخاء واستقرار هذه الحضارة منذ تأسيسها إلى يومنا هذا . سيدي الكريم : إن حضارة دمرت الطبيعة والتوازن البيئي لا يحكمها إلا مبدأ النفعية ومصلحة أصحاب الشركات العالمية الكبرى ، وحولت الإنسان والثروة والزمن إلى عُملة تُقيٌم على أساسها الأفراد والمجتمعات ، وتُربط على أساسها العلاقات ، ويُطرد بسببها ملايين العمال لضمان بذخ ومصلحة عشرات أصحاب الشركات ، وتُشن من أجلها الحروب ، وتُدمر بسببها الدول والشعوب الضعيفة ،لا تصلح لأن تكون النموذج الأمثل الذي نحتذ به  لإصلاح أحوالنا . لهذا يمكننا تغيير طرح سؤال نهضتنا إلى النحو التالي : كيف يمكن أن نكوٌن مجتمعا ديمقراطيا يُبنى فيه التقدم على أساس إحترام إرادة وكرامة الإنسان بقطع النظر عن لونه وعرقه ودينه ولغته ، واقتسام الثروات فيه اقتساما عادلا واستثمارها استثمارا  إيجابيا يعود نفعه بشكل أو بآخر على جميع أفراد المجتمع ؟ أما بخصوص حُكمك على تجارب الوطنيين والقوميين والشيوعيين فلست معك في وضعهم جميعا في سلة واحدة . وأن تجاربهم في الحكم كانت كلها فاشلة بإطلاق . فأنا أذكر جيدا قولك في أحدى مقالاتك أن النظام البورقيبي مثلا  قد حقق مكسبين مهمين للشعب الونسي هما تعميم التعليم وتحرير المرأة .  كما أن الناصرية رغم عديد أخطائها السياسية قد أعادت للأذهان إمكانية وحدة الشعوب العربية التي يشترك أبناؤها في عديد القواسم المشتركة كاللغة والتاريخ والثقافة ، وسيظل حلم وحدة الشعوب العربية قائما في ضمير أبنائها إلى أن يتحقق كله أو بعضه .  أما التجربة اليسارية فإن أفضل ما حققه أبناؤها المخلصين كان ولا يزال في النقابات العمالية والطلابية وأن أسباب بقائهم ستظل قائمة ما دام هناك إستغلال فاحش للفقراء من طرف قلة  مُتنفذة  من الأغنياء ، فنحن لا زلنا نرى في المجتمع الواجد من مجتمعاتنا من هو أغنى أغنياء العالم ونجد في نفس المجتمع من هو أفقر فقرائه . أما فيما يتعلق بموضوع الإسلام السياسي الذي هو محور مقالتك فدعني سيدي الكريم أبدؤه  بحقيقة أنثروبٌولوجية  تقول أنه لم يوجد مجتمع إنساني واحد بلا دين منذ بداية الخليقة إلي يومنا هذا ، وهذه الحقيقة تفرض على كل عاقل إذا أراد أن يفهم جيدا علاقة الدين بالإنسان وبالتالي علاقة الدين بالسياسة أن يتأنٌى ويتدبر ويعتبر .  فالإنسان كائن متدين بطبعه بقطع النظر عن طبيعة الدين الذي يرتاح إليه ويعتقد في صحته .كما أنه  وبطبيعته كائن يطرح السؤال عن أصل الكون ومصيره ، وعن أصل الإنسان ومصيره ، وعن غيرها من المسائل المتعلقة بوجوده الفردي والجماعي ، وسيظل هذا الإنسان وإلى الأبد إما أن يختلق ديانات وثنية ووضعية عقلية أو أسطورية تقدم له إجابات محددة عن الأسئلة التي يطرحها ، أو أن يعتقد في دين من الديانات السماوية الذي ينسجم أكثر مع فطرته الفردية والجماعية ، ويجيب بأعلى درجات من المعقولية عن أسئلته المصيرية . فتلازم الدين والإنسان هو تلازم أبدي لا ينقطع أبدا مهما سعى بعض الشواذٌ إلى تضييق مجال هذا التلازم أو إقصائه من حياة الناس . أما بخصوص حضور الإسلام في الحياة الفردية والجماعية للمجتمعات العربية والإسلامية منذ ظهور هذا الدين إلى يومنا هذا ، فهو أمر جليٌ بيٌن لا يخفى على صاحب بصر سليم . فقد ظل هذا الدين منارة للعقول ، ومطهرة للروح والوجدان ، ومُقوٌما للسلوك والأعمال ، وشوكة في حلق الظالمين والانتهازيين ، وكابوسا مزعجا للمستعمرين . كما ظل بحكم طبيعته مستعصيا على كل محاولات تشويه شموليته ، أو تضييق مجال حضوره في حياة الناس الخاصة والعامة إلى يوم الناس هذا . فالإسلام هو محور شخصية الشعوب العربية والإسلامية و روح ضميرها الجمعي وصانع أغلب أمجادها المشرقة . وهذه الحقيقة رغم وضوحها  ظل العديد من أصحاب القرار من العلمانيين في بلداننا يناطحونها الى يومنا هذا ولا يريدون الإعتراف بها وتصديقها ، وظلوا مصرٌين معاندين على إسقاط النموذج الغربي بحلوه ومره على شعوب سكن الإسلام فكرها ، وخالط ضميرها ووجدانها ، ونظم علاقاتها كلٌيُا أو جزئيُا ، فقاموا ليس فقط بفصل الدين عن الدولة ـ كما فعل العلمانيون « الحقيقيون »في الغرب ـ بل بالغوا في ذلك فسلطوا عصى الدولة وأجهزتها الأمنية والإعلامية من أجل إقصاء هذا الدين وافنائه من المجتمع وافراغه من محتواه  ليصبح قناعا مزيفا يزيٌن به علماء السلاطين قبح أعمال حكامنا المستبدين . فأوٌل الخطوات العملية في بلداننا لحل المشكل السياسي عامة ومشكل الإسلام السياسي خاصة هي أن يكفٌ العلمانيون « المتطرفون »ـ في السلطة والمعارضة ـ على إسقاط النماذج الغربية الجاهزة التي نشأت وتطوٌرت وأثمرت في واقع غير واقعنا وثقافة غير ثقافتنا وبيئة غير بيئتنا ، وأن يحاولوا أن يشربوا ـ ولو قليلا ـ  من ماء ثقافة شعوبهم لا أن يشربوا فقط من وراء البحار، وأن ينطلقوا في حل مشكلات مجتمعاتهم من واقع حياتها اليومي ، وان لا يبقوا ـ فقط ـ في كلُياتهم ونزلهم وأحيائهم الفاخرة و أبراجهم العاجية  ، بل من الأفضل لهم أن يسعوا إلى معاينة التطلعات والهموم  » الحقيقية  » لشعوبهم ، وأن يستمعوا إلى أنين المرضى وصيحات المهمٌشين في الخريبقة والمتلوٌي واسيوط  جنين لا إلى أوامر الرٌؤساء في باريس ولندن وواشنطن . وثانيها : أن يقبلوا بتقنين وجود الإسلام السياسي لأن هذا الأخير حاضر وبشكل واسع في عقول شبابنا وكهولنا وشيوخنا ، وفي مدننا وأريافنا ، وفي جامعاتنا وحقولنا . وأن إسرار العلمانيين على مُناطحة هذه الحقيقة هو حقا تضييع لـ « وقتهم ووقت الأمة  » . فالأفكار والعقائد الصالحة والفاسدة لا تُقاوم بالإقصاء والمعتقلات والسجون وقوانين الإرهاب ،  بل بالديمقراطية والحوار والحرية والإقناع الهادئ . ففي الديمقراطيات الغربية هناك العديد من الأجزاب السياسية  من تسمي نفسها بالمسيحية وبالديمقراطية ولم يتهمها أحد  أنها تستغل المسيحية لأغراض سياسية أو يقولون للآخرين بأنهم يحتكرون الديمقراطية . كما أن في الديمقراطيات الغربية أحزاب يمينية ويسارية متطرٌفة تعمل بشكل قانوني . ونظرا لضيق خياراتها ومخالفتها للفطرة الإنسانية السليمة ، لفضها المجتمع وتركها على هامش حياته السياسية مثلها مثل ظاهرة طالبان والوهابية والتشيع التي سيضيق مجال وجودها آليا كلما ضاق مجال الإستبداد السياسي والوجود الأجنبي في بلداننا . فالتطرف الفكري والعقائدي هو ظاهرة إجتماعية إنسانية موجودة في كل أنحاء العالم تُضيٌقها الحرية والديمقراطية ويُوسعها الإقصاء والظلم والإستعمار . وثالثها : أن يتخلوا ـ وأنت منهم ـ على لغة  » يجب  » التي استعملتها كثيرا في آخر مقالتك هذه لأنها لغة المستبدين ومن يدعون امتلاك « الحقيقة المطلقة « وأن تُحاولوا تعييرها بكلمة « تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم  » إلى مجتمع لا يُقصي أحدا من أبنائه ، أساسه العدل والحرية والديمقراطية ، وغايته التنمية وحفظ الكرامة الإنسانية . ورابعها : أن يُبعد هؤلاء العلمانيون المتطرفون عصى الدولة الغليظة  على أجساد معارضيهم عموما ومعارضيهم من أبناء الإسلام السياسي خصوصا حتى يلتقطوا أنفاسهم ويفكروا في جلول  وبدائل عملية لقضايا شعوبهم اليومية لا أن يفكروا فيها في السجون والمنافي ( سيد قطب ) أو في الملاجئ والمنافي (راشد الغنوشي).  وخامسها : أن يعمل الجميع على تضييق وطرد الممارسات الإستبدادية من أسرنا ومدارسنا ومساجدنا وأحزابنا السياسية حتى تختفي إلى الأبد من قصورنا الرئاسية ، وأن يسعى الجميع إلى نشر قيم العلم والعمل والحوار والتسامح الديني والفكري والتضحية وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية أو الحزبية . فليثق جميع الأحرار في بعضهم  البعض وليرددوا جميعا  » فأما الزبد فيذهب جُفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض « . (المصدر: « الحوار.نت » (ألمانيا – محجوب في تونس) بتاريخ 4 فيفري 2010) الرابط: http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=4076
 

الشيخ راشد الغنوشي في حوار لصحيفة الأحرار المصرية

 


حاوره الصحفي عامر محمود س: بصفتك من قيادات الحركة الإسلامية فى الوطن العربى… كيف تنظر لمستقبل هذه الحركات؟ أحييكم وقراءكم وأهلنا في مصر فالسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته مستقبل الحركة الإسلامية من مستقبل الإسلام باعتبار مبرر وجودها خدمة رسالته وأمته، امتدادا لعمل النبوة، التي توقفت سلسلة مبعوثيها ببعثة النبي العربي محمد رسول الله عليه السلام، إلا أن الرسالة لم تتوقف فحاجة البشرية الى توجيهات ربّها حاجة مركوزة في أصل الخلقة، ومعنى ذلك انتقال مهمة التبليغ عن الله وهداية البشرية بإذن ربها الى صراطه المستقيم، من النبي الخاتم الى أمّته وريثة له في الإمتداد بالرسالة الى يوم الدّين. ولقد كان خطاب النبي الى أمته الحاضرة بين يديه والغائبة على صعيد عرفة في آخر حجة له مودعا، واضحا في توريثها الرسالة « فليبلغ الشّاهد منكم الغائب ». ولقد استلمت الأمة هذه الوديعة ونهضت بأدائها أفرادا وجماعة كل بحسبه. فكان أول منجزاتها والرّسول عليه السّلام يسجّى قبل أن يوارى مثواه الأخير أن حققت لدولته الإمتداد فبايعت أقرب أصحابه إليه خليفة له، نائبة عن الأمة في إنفاذ الرّسالة، فكان الحرص على ألا يوجد فراغ في هذا الموقع، ذا أولوية على أداء واجب دفن الميّت، وظلّت على امتداد القرون رغم ما حصل من ضروب انحراف تحرص على إقامة الأداة التنفيذية لرسالة الإسلام ألا وهي الحكم. ولأن وجوب إنفاذ رسالة الإسلام منوطة بالأمة باعتبارها المستخلفة عن الله ورسوله في إقامة الدين، فهي صاحبة الشرعية، فهي المسؤولة عن إقامة الحكم ومراقبته وتقويمه إذا إعوج عودا به الى الصراط المستقيم، أي العدل وفق شريعة الله، ولأن هذا المقصد نسبي في تحققه، فالأمة مسؤولة على الإستدراك على الحاكم واستكمال ما قصر فيه عبر جهود علمائها وإقامة ما يكفي من المؤسسات الأهلية لملء الفراغات التي يتركها الحكم، لا سيما إذا كان الحكم شرعيا أي معترفا بالشريعة مصدرا أعلى للحكم والتشريع حتى وإن قصر عن بلوغ الأمثل، وارتكب مظالم ومنكرات، يمكن أن يجبر ذلك من طريق ما يقوم به العلماء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة المؤسسات كالوقف والمدرسة. وظل الأمر كذلك على إمتداد القرون حتى سقوط آخر صورة للحكم الإسلامي 1924 فكانت صدمة كبرى وزلزالا عاتيا فلأوّل مرّة في تاريخ الإسلام تسقط المظلّة الجامعة من فوق الرّؤوس ويتشظى الجسم الإسلامي ، في أعقاب تلك الصدمة ولدت الحركات الإسلامية أي العمل الشعبي المنظّم من منطلق رؤية اسلامية جامعة للإسلام عقيدة وشريعة إقتصادا وأخلاقا دينا ودولة، وإعتبار النضال من أجل إعادة بناء دولته وحضارته جهادا إسلاميا واجبا، فما لبث هذا المنظور للإسلام ولإحيائه أن انداح في أرجاء العالم ولا يزال يمتد ويستقطب إليه أوسع تيارات الإسلام المعاصر دافعا الى أضيق الطريق كل محاولات علمنة الإسلام التي جربت ونجحت مع العقائد الأخرى فتم تهميشها أو احتواؤها وإعادة تركيبها على مقاس الحداثة الغربية بما هي إعلاء شؤون الدنيا على شؤون الدين وتحكيم العقول في النبوات والإنساني في الإلهي. الإسلام وحده من خلال الحركة الإصلاحية أمكن له أن يستوعب الحداثة بشروطه ولخدمته، مهمشا كل التصورات العلمانية الشمولية المتشددة والجماعات القائمة عليها مستفيدا من كل كسب حضاري يتساوق مع شرائعه ومقاصده. لقد حررت الحركة الإصلاحية الإسلامية الإسلام مما التصق به وكبّله وجمّد فعاليته من تراث انحطاطي أغنوصي، فانطلقت آلياته الإجتهادية والجهادية تحريرا للعقول من ربقة الجمود والتقليد وتحريرا لفاعلية المسلم من عقائد الجبر فدبت الحياة في الجسم الإسلامي الخامدإحياء فكريا وأدبيا وفقهيا  ففشت الفكرة الإصلاحية وعمت الحركات الجهادية دار الإسلام بما انكسرت معه موجات الإحتلال، وما تبقى منها هو تحت مطارق المجاهدين. واضح اليوم تراجع الفكر العلماني المتطرف وفشله والجماعات القائمة عليه في الحلول محل الإسلام أو تطويعه، أو تحقيق انجاز مما وعدت به على مستوى الحكم فلا تحققت في ظلّها وحدة للعرب، ولا تحرير لفلسطين، ولا ديمقراطية ولا تنمية اقتصادية، وهو ما أعطى مشروعية للتبشير مجددا بالإسلام منقذا تحت شعار الإسلام هو الحل، وما حصل في تركيا خلال زهاء قرن من ضياع جريا وراء سراب تقدم على خطا أوربا واتخاذ الإسلام وأمته ظهريا، شاهد على فشل ذريع للمشروع العلماني مقابل ما حققه في سنوات معدودات أبناء المشروع الإسلامي، عودا إلى قيم الإسلام وارتباطا بأمته. وتمثل حركة حماس في المستوى العربي وكذا حزب الله نموذجا لما يمكن للحل الإسلامي أن ينجزه في مستوى مواجهة العدو في ظل موازين قوة مختلة لصالحه خضعت لها الدول والجماعات. ولا يعني شعار الإسلام هو الحل أن المشروع الإسلامي يمتلك حلولا جاهزة كاملة لكل المعضلات المطروحة على أمتنا وعلى البشرية، ولو كان الإسلام كذلك ما كان صالحا لكل زمان ومكان، ولطوى الزمن حلوله منذ العصر الاول، ولانتفت الحاجة للإجتهاد المتجدد في كل عصر ومصر وحال، ولا يقول بذلك مسلم يمتلك مسكة من عقل وعلم بالإسلام وتراثه، نعم « الإسلام هو الحل » إذا توفرت الشروط، ومنها الايمان والعلم والعمل بعقائده وشرائعه وشعائره وأخلاقياته ومقاصده وتراثه، وكذا العلم بالواقع المراد البحث له في الإسلام عن حلول، هي بالضرورة متوفرة لديه إن لم تكن بالنص الصريح وهي الأقل عددا فمتضمنة في المقاصد. ولو أن أحدا سأل هل في الإسلام حل للأزمة الإقتصادية التي تجتاح العالم بقيادة الفلسفة الراسمالية العلمانية الملحدة التي حولت الحياة بكل جوانبها مجالا لسيطرة حفنة من المرابين عبر شركات عابرة للقارات وظفت في خدمتها الدول والجيوش والإعلام والثقافة والسياسة، ودمرت البيئة؟ لقلنا نعم، بالأكيد في شرائع الإسلام ومقاصده القائمة على العدل واقتسام الرزق بين كل الأحياء حلولا. لو طبقت هذه الآية « والأرض وضعها للأنام  » /الرحمن/ « سواء للسائلين  » /فصلت/ما احتجنا لمؤتمرات المناخ التي منع الرأسماليون من أن تحد من نهمهم، إلى آيات وأحاديث كثيرة كلّها تؤكد على العدل بين البشر، وأن الله سبحانه خلق هذا الكون بكل خيراته ومدخراته للبشر بل للأحياء جميعا ، وتنهى عن الظلم والإحتكار والإفساد، وتتخذ من قارون وفرعون النّموذج الأفدح للإفساد السياسي والإقتصادي. لو أن جاهلا بالإسلام متهما إياه بالقصور عن حل مشكلات البشرية الإقتصادية مثلا « ألا يعلم من خلق » كلف نفسه عناء مطالعة كتيب صغير للعلامة القرضاوي »مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام »دون حاجة للمطولات، لانزاح عنه هذا الشك، فكثيرا ما يكون الناس أعداء ما جهلوا. إن الإسلام لم ينزل اليوم حتى نرتاب في قدرته على حل مشكلاتنا فقد جربته الأمة، لقرون مديدة وأنتج حضارة زاهرة، أدارت شؤون البشرية لأكثر من ألف سنة. صحيح أنها ليست مثالية فالجنة ليست في الدنيا، حيث العدل نسبي، ولكن التاريخ يثبت أن مجتمعات اسلامية في مراحل تاريخية كثيرة عرفت القضاء على الفقر حتى ما عاد للزكاة من متلقّ، هذا إذا تكاملت حلول الإسلام اندفاعا الى العمل بنيات إيمانية عبادية وقياما لنظام الأسرة المتضامنة وللحكومة العادلة غير النهابة وللمجتمع المدني الناهض المتحرر ولقضاء مستقل وشيوع ثقافة اسلامية تعلي من شأن العمل والإبداع ومخافة الله، وقيام شكل من الوحدة يوفر سوقا واسعة تقوم على الشراكة بين العمل وراس المال وليس على الإستغلال الربوي، ومحافظة على البيئة بدل تدميرها إرضاء لصنم الربح الذي تتعبد عنده الراسمالية،  الى جانب  نظام دفاعي كفء. وكل ذلك وأكثر في الإسلام.  في شرائعه وقيمه ومقاصده حلول لكل مشكلات البشرية إذا توفرت العقول المؤمنة والارادات المصممة، وإذا فشلت تجربة هنا أو هناك بسبب غلو أو قصور أو جهالة عند هذا الشخص أو هذا الحزب أو تلك الدولة، فهي ليست حجّة على الإسلام، فليس في الإسلام كنيسة تحتكر النطق باسمه وإنما الأمة كلها هي المعصومة وإذا كان المستقبل تجليا متطورا للواقع، ورغم رداءة هذا الواقع الذي صنع على الرّغم من الإسلام وعلى حسابه، السجون والمهاجر مزدحمة بدعاته، فإن المؤكد أن المستقبل بإذن الله للإسلام ودعاته، فعلى صعيد عالم الأفكار وهو مهم في قراءة المستقبل لم  يبق في مواجهة الفكرة الإسلامية شيء مما كان يصارعه، وعمل على الحلول محله من شيوعية وليبرالية علمانية متطرفة وقومية منابذة للدين كلها نفقت وقد اختبرت على صعيد الواقع فتضاءلت أحزابها ولم يبق لشرعية دولها من سند غير العنف والظهير الأجنبي والإستظهار حتى بالعدو الإسرائيلي ولو كان الثمن بناء جدار فولاذي لإحكام الخنق على غزة حاملة المشروع الإسلامي والأمة وراءها. ما انتهى اليه المشروع العلماني في مصر من حال مقابل ما غزة الإسلام يجسد حال المشروعين الإسلامي والعلماني ويلقي الضوء على مستقبل كل منهما. صحيح أن المشروع الإسلامي بلا رأس غير الفكرة، وهو ما يورط تياراته الفائرة غضبا على ما يقترفه النظام الدولي وأتباعه في الأمة من كيد وإجرام، فتتورط في أعمال حمقاء، لا تفيد غير العدو، ولكن ذلك لا ينفي أنها هوامش في التيار الإسلامي يضخمها الإعلام ويمدها بالحياة القمع المحلي والدولي. الثابت أن ما يسمّى بالإرهاب يجد منابته الأساسية في البيئات المحرومة من الحرية المحكومة بأنظمة فاسدة مدعومة من الغرب بينما البيئة التركية مثلا لم تصلح منابت له.الثابت أن الحركة كسبت معركة الهوية كسبت معركة الرأي العام، ولذلك يتوقع الجميع أنه كلما توفرت مساحة من حرية التباري بين أنصار الفكرة الإسلامية ومنافستها العلمانية أن الحظوظ الأكبر للفوز إنما هي للفكرة الإسلامية. ومهما ظل الميزان الدولي يحول دون ترجمة ما هو تحت فيما هو فوق فلن يبقى ذلك الى الأبد فالغرب ليس قدرا، هزمنا جناحه الشيوعي وعلى نفس الأرض يختبر اليوم بديله الرأسمالي، المتوحل مع الإسلام وأمته لا يدري كيف يخلص مما اعتاد واستمرأ من تسلط على أمة الإسلام واستغلال، ولا التخلص من الأخطبوط اليهودي الماسك بخناقه والمانع له من إعادة التفكير في مصالحه باستقلال عنه، حتى ولو انتهى الأمر بقبوله مرغما على التعامل مع عالم اسلامي محكوم لا من بيضه المصنوعين على أعينه بل من سوده السكان الأصليين، وهو لا محالة كائن بإذن الله، إذ الغرب في النهاية عقلاني مصلحي، لا سيما وأن الإسلام بصدد تحوله معطى أساسيا في البنية الغربية بما سيجعل صاحب القرار ملزما بأخذ هذا المعطى بعين الإعتبار كلما كان بصدد اتخاذ قرار يخص الإسلام وأمته كما يفعل اليوم كلما كان بصدد اتخاذ قرار ذي علاقة باسرائيل أو باليهود، الأمر الذي أخذ يضيق به ذرعا. ذلك هو المستقبل كما يتبدى لنا والله أعلم.     س : من وجهة نظرك ما التحديات التي تواجه الحركات الإسلامية حاليًّا؟   ج: ماذا تعني بالحركة الإسلامية؟ يندرج تحت هذا المفهوم طيف واسع من الجماعات والشخصيات وحتى الدول، الذين يؤمنون بالإسلام عقيدة وشريعة شعائر وأخلاق دين ودولة، ويعملون بذلك في أنفسهم وفي محيطهم الخاص والعام حتى يسود هذا التصور ويعلو باعتباره كلمة الله الأخيرة ودينه الأمثل وصراطه المستقيم الهادي من اتبعه الى السعادة في الدارين، أوجبه سبحانه على عباده وهداهم بكل الرسل اليه وآخرهم النبي العربي محمد رسول الله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. فكل المنتسبين لهذا التصور والناذرين حياتهم ليسود في أنفسهم ومحيطهم أفرادا وجماعات جزء مما يعرف بالحركة الإسلامية. فما هي التحديات التي تواجه هؤلاء؟ كثيرة ولا شك، لأن أهدافهم جسام أن يغيروا عالما لا يسير في معظمه وفق هذا التصور بين قوى معادية له عن علم أو جهل وبين أخرى لا مبالية به،قوى لا يقتصر نفوذها على بلاد غير منتسبة للإسلام بل يتعداها الى معظم البلاد التي تنتسب اليه جهلا أو نفاقا فتشارك في الكيد له ولدعاته، وهو ما جعل الإسلام يعيش نوعا من اليتم والغربة بعد انهيار الكيان السياسي العقدي الجامع للأمة والناطق باسمها الذاب عنها يستمد من ذلك شرعيته. لقد نجح أعداء الإسلام في الإطاحة بذلك الكيان، فتشظى الإجتماع الإسلامي وتمزق شر ممزق، فتم اختراق الجامعة الإسلامية على كل المستويات وخصوصا في مستوى النخبة التي أمكن لأعداء الإسلام تنشئتها على أيديهم ومكّنوها على قلتها بالقياس لعامة الجماهير المؤمنة من مفاصل ومراكز القوة والنفوذ في عالم الإسلام فهي في واد والجماهير في واد آخر، وهذا هو التحدي الأول :انتاج نخبة اسلامية على كل صعيد، نخبة مؤمنة بالإسلام عقيدة وشريعة ناذرة نفسها لرسالته فكرا وعملا، بما يكفل استعادة الإجماع الغائب في الأمة في مجتمعات الإسلام بين النخبة والجماهير، فتكون القيادة في كل المستويات من الأمة تحمل تصوراتها وهمومها، فتطيعها عن وعي وحب لأنها تطيع نفسها، تطيع خالقها الذي أمرها أن تطيع قيادة منها »وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم  » وهي اليوم ليست منا بل علينا. إن من أكبر التحديات أمام الحركة الإسلامية انتاج نخبة اسلامية واسعة تغطي كل المجالات على أساس التصور المذكور حاملة لرسالة الإسلام في بسط هذا الوعي برسالته وتعبئة أوسع قطاعات الأمة وتوحيد صفوفها وراء الهدف الاعظم: تحكيم الإسلام في بلاد الإسلام  بما يكفل ردم الهوة السحيقة القائمة في معظم بلاد الغسلام بين الدولة والأمة، وبما يحقق أقدارا ومستويات من الوحدة ومن التمثيلية الشعبية والتطبيق الإسلامي باعتبار الإسلام ووحدة أمته إيدولوجية الدولة والأمة. مشكلة الامة الكبرى والأولى اليوم أن الدولة ضد الامة كما ذكر أحد المفكرين. غياب دولة الامة بمعنيين: الدولة التي تحمل فكرتها والتي تمثل إرادتها، فلا تكون قطرية ولا علمانية ولا منافقة بالإسلام تستخدمه بدل تخدمه. يقف في طريق هذا الهدف الكبير ميزان قوة دولي متغلب، بعد أن نجح في هدم آخر كيان تمثيلي للأمة يقف حارسا بأساطيله الضخمة للحؤول دون قيامه مجددا، والامة منذ قرنين وهي تصارعه وتقاومه ولا تستسلم له رغم ميلان ميزان القوة المادية لصالحه ولكن بقوة معنوية تعززها قوى مادية بسيطة أمكن للامة أن تطرد من أرضها جحافل العدو المدججة بأعتى الأسلحة وشبابها المجاهد يطارد بقاياه، ولن يلبث حتى يدحرها بإذن الله . فالحرب قبل كل شيء صراع إيرادات واستعدادات للتضحيات، وإيرادات الأمة واستعداداتها للبذل في تصاعد وعلى الضد من ذلك معنويات العدو. ومن التحديات الفكرية الداخلية فشو مذاهب التشدد في بعض أوساط الحركة الإسلامية بأثر رد الفعل والفقه البدوي الزاحف من الصحراء على الحقول الخضراء، ينشر التكفير والضيق بالخلاف والتعدد وما ينتج عن ذلك من تمزيق للإجتماع الإسلامي وتحارب أهلي بين المذاهب سنة وشيعة صوفية وسلفية، بما لا تبقى معه فضل طاقة لمحاربة العدو، ولطالما  ما حذرنا صاحب الدعوة عليه السلام من تكفير المسلم وقتاله. ومذاهب التشدد منذ الخوارج ما كان له قتال معتبر وإثخان إلا في المسلمين. ومع أن التشدد صوته عال بفعل نفخ أبواق العدو فيه يبقى أقلية وسط التيار الإسلامي الواسع المعبر عن عموم الأمة بكل مذاهبها. ومن التحديات الداخلية أيضا ضحالة الرؤيا الاستراتيجية العلمية في تحليل الأحداث والصراعات، بما يفسح مجالا واسعا لدى بعض الأوساط للتفسير التآمري والمذهبي الطائفي للأحداث فالعلماني أو الشيعي أو الامريكي أو اليهودي . دائما متآمر ووراء ما يحدث، حتى عندما تكون أسباب الحدث ظاهرة ولا علاقة لأحدهم بها، بما يضعف أو يعدم من النظر العلمي الموضوعي ومن وظيفة العقل في النقد والتمحيص ودور السّنن، ويجعل الفاعل المسلم دائما ضحية الغير، هذا إذا لم يكن الأمر أفدح بما يفسح أمام الرؤى من مجال لتفسير ما يحدث وفي التخطيط للتعامل معه. وعلى صعيد التحديات السياسية الإستراتيجية يمكن اعتبار التحدي الإسرائيلي وتحالفاته أخطرها على المشروع الإسلامي وعلى مصير الأمة جملة فكل محاولة لتسويغ التعايش معه بدل مقاومته حتى انهائه وتخليص الجسم الإسلامي من سمومه هو التهلكة بعينها باعتبارها تعايشا مع كيان شرعية وجوده قامت ولا تزال على تفسيخ كيان الأمة، فهو عمى استراتيجي وخطيئة شرعية كبرى. بينما مقاومة هذا العدو الإستراتيجي المهدد لكيان الأمة بالتفسخ تمثل وظيفة أساسية من وظائف إحيائها على نحو أنه لو لم يكن هذا التحدي قائما لوجب استحداثه من أجل أداء تلك الوظيفة، بما يستفز قواها ويوحد صفها على اختلاف توجهاتها. ويبقى التحدي الخلقي الروحي المتصل بجوهر الكيان الانساني والمقوم الأساسي لشخصية المسلم وعليه مدار سعادته في العاجل والآجل، فعلى قدرتحقق المسلم يقيمة التقوى، بمعنى الحضور اللإلهي الحي الفاعل في فكره وشعوره وسلوكه وعلاقاته يكون حظه من الإسلام وتكون منزلته عند الله سبحانه »تلك الجنة نورثها من عبادنا من كان تقيا » وأخيرا وبالتبعة لكل ما تقدم من تحديات يمكن اعتبار الشورى من أهم التحديات التي تواجه الجماعات الإسلامية والأمة الإسلامية عامة هذا التحدي الذي كان أول الفشل والخلل في حياتها ومنه دخل الوهن والتفتت والضعف كل جوانب حياتها. فكانت صفين البداية حيث كان الحسم فيها للخلاف حول السلطة للسيف وليس للسياسة وشورى المسلمين، مذ ذاك وحتى يومنا هذا لم تنجح أمتنا في إدارة اختلافها راشديا أي من طريق الشورى والسياسة وليس من طريق القوة والغلبة حتى أفضت خشية الفقهاء من تبدد كيان الأمة جراء ما تفجر فيها من فتن بسبب غلبة منطق القوة على منطق السياسة وتعطّل قيمة الشورى، الى اللإقرار بالتغلب أساسا لشرعية الحكم كما سجلته المقالة الشنيعة المأثورة على الفقهاء »من ظهرت شوكته وجبت طاعته » وهو ما ظل يعمل ضعفا في الإجتماع الإسلامي، فساد التقليد في الفقه والجبر في الإعتقاد والصوفية الاساس لسلطة الشيخ في التربية، وكان الإستبداد في الحكم تاج كل ذلك ومغذي استمراريته، بينما أمكن لأهل الضفة الأخرى الغربية أن يعالجوا فكريا وسياسيا أنظمة الإطلاق عندهم بما نقل شرعية الحكم الى شعوبهم عبر آليات متفق عليها تنص عليها دساتير ديمقراطية، ظل المسلمون متجهمين لها الى حين بحكم مصدرها الأجنبي غافلين على شوراهم التي ظلت كسيحة بلا رجلين تمشي عليهما بما أفرغ معناها حتى حصرت في موعظة يلقيها شيخ جريئ على سلطان غشوم حبّذوها في السر، وكان حريا بهم الى اعتبارها حكمة نحن أولى بها ما دام ليس في آلياتها ما يصادم تعاليم ديننا بل ينقلها من النظر الى التطبيق. ومع ما حصل من تطور عام في الفكر السياسي للتيار العريض تيار الوسطية الإسلامية في اتجاه القبول بالنموذج الديمقراطي باعتباره بضاعتنا التي ردت إلينا والدواء الناجع القاطع لدابر علة المسلمين الكبرى الإستبداد، فلا تزال قيم الشورى الديمقراطية في الوسط الإسلامي لم تترسخ بالقدر الكافي في الثقافة الإسلامية نظرا وممارسة وهو ما يفسر تعسّر الإدارة الحضارية لما ينجم من اختلافات هي من طبيعة البشر إن على صعيد الدول الإسلامية أوعلى صعيد الجماعات الإسلامية بسبب عدم التمييز الدقيق بين ثوابت الدّين التي لا يجوز الإختلاف حولها وهي محدودة وواضحة وبين مواطن الإجتهاد والسياسة مما يجوز حوله الإختلاف، الخلط بين المجالين كثيرا ما كان مبررا وسندا إما للتحجر والضيق بالخلاف ومصادرة الرأي أو دافعا الى التمزق والإنشقاق، وما حصل في التجربة السودانية والأفغانية والإيرانية والصومالية والجزائرية والمصرية وغيرها من تمزق للصفوف لدرجة تحارب الإخوان. هو نتيجة من نتائج الفشل في مواجهة تحدي الإختلاف الذي ابتلانا الله سبحانه به  » وكذلك جعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون؟ » وأمرنا أن نصبر على إدارته شوريا « وأمرهم شورى بينهم » س : ما الأولويات الرئيسية التي يجب أن تركز عليها الحركات الإسلامية فى الوقت الحالى؟ ج:لقد أصّل شيخنا القرضاوي فقه الأولويات منطلقا من الكتاب والسنة، سواء أكان ذلك في مستوى عقائد الإسلام فهي متفاضلة في الأهمية وعلى رأسها الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، أم كانت في مستوى الأركان والواجبات والمحرمات ففيها أولويات. وما من شك في أن تبليغ ذلك الى الناس من أولويات الحركات الإسلامية، بما يحقق صلاح الناس في أنفسهم، عقيدة وعملا، وتأهيلهم ليكونوا مصلحين لمن يليهم من أسرة وجيران وأصحاب. أفرادا وجماعات وإن من أولويات الحركة الإسلامية بعد ذلك مواجهة التحديات المذكورة سالفا.   س : انتم متهمون بالرغبة فى تحويل الوطن العربى الى جزء من دولة الخلافة، وأن برنامجكم الحقيقي هو تطبيق الشريعة تحت شعار « الإسلام هو الحل ».. ما ردك؟ ج: تهمة لا نبرأ منها، ليتنا نستطيع ذلك أو حتى شيئا منه. ولكن للأسف ذلك ليس متاحا، فالقوى الدولية التي أسقطت آخر مظلة استظل بها المسلمون، الخلافة العثمانية وفارضة التمزق على الأمة في حوالي ستين دولة هم قائمون على حراسة تلك الشظايا لمنعها من التوحد وحتى التقارب مجددا. نحن على أتم اليقين أن الإسلام وحده هو الحل لمشكلات أمتنا بشرط أن يفهم على حقيقته ويطبق بجد كما طبق لعصور طويلة وإن مع نواقص. انظر فيما سبق س: بصراحة شديدة كيف تقيم تجربة الحركات الاسلامية التى وصلت للحكم سواء ما حدث فى اليمن او الاردن او العراق وفلسطين والمغرب وتركيا، والسودان، والجزائر واخرها الصومال؟ ج:عموما ليس في هذه التجارب ما هو مشجع وناجح غير التجربة التركية التي لا تعلن أصلا انتسابها للإسلام بفعل القيود العلمانية سواء ما كان منها دستوريا أم ماكان ضغطا من قبل مؤسسات مدنية وعسكرية. ولكن ذلك لا ينفي الصفة الإسلامية عن القائمين عليها فهم أبناء المشروع الإسلامي ومشروعه الحضاري. ربما الإرتباطات التركية الأروبية ساعدت على ولادة ونمو وترسخ ثقافة ومؤسسات ديمقراطية في البلد نسبيا في الأقل. مثل التعددية والانتخابات النزيهة والصحافة الحرة بما حقق التبادل السلمي للسلطة مما لم يتحقق في عموم البلاد العربية ربما بسبب حساسية الموقع وضخامة الثروات ووجود الكيان الصهيوني ، كلها حالت دون ولادة حكومات تعكس ارادة الشعوب. وما حصل في الجزائر وتونس وفي فلسطين وفي مصر من قمع لأي تحول ديمقراطي يعبر عن العائق الغربي للديمقراطية في منطقتنا، المنطقة التي فرضت تجزئتها ـ بما حال والعرب أن تكون لهم دولتهم مثل ما للفرس وللترك. وفي نطاق التجزئة لم تكن للتجربة السودانية حظوظ كبرى للنجاح فقد نشأت في قطر لم يحقق بعد وحدته الوطنية ممزقا بين أعراق وقبائل وطوائف، بما قلل حظوظه في النجاح حتى الآن وجعله مسرحا للحروب الأهلية وأرضا منخفضة لرياح التدخلات الإقليمية والدولية، والأمر في الصومال أو افغانستان أو العراق أشد تعقيدا فهذه دول تحت الإحتلال المباشر الذي زاد من ضعف بنيتها الداخلية المجتمعية ودفعها الى المزيد من التمزق والتحارب الأهلي. أما التجارب الأخرى في الأردن أو الجزائر او اليمن فهي تجارب مشاركة في حكم شمولي وسلطة مطلقة للجيش (الجزائر) او للرئيس (اليمن) أو للملك(الأردن) وفي ظل الحكم المطلق يغدو الحديث عن مشاركة في السلطة غير جاد في الحقيقة، بقدر ما هو تبييض وتزيين للواجهة وحتى اسهاما في خداع الناس وتضليلهم بدل توعيتهم بخطر هذه الخدمة وتحريكهم للضغط عليه حتى يخضع لإرادة الناس أو ينسحب غير مأسوف عليه .  س: من وجهة نظرك ما الأسباب التى دعت بعض الحركات الإسلامية للإتجاه للعنف فى التعامل مع قضايا المجتمعات العربية والاسلامية؟   ج: ردا غير متبصر على العنف الرسمي ،عنف النظام الدولي الكائد للمسلمين، وعنف الأنظمة الدائرة في فلكه، الأنظمة التي سدت كل منفذ للتعبير وللتنظيم العلني ،مستبيحة الأموال العامة وحتى الخاصة منتهكة حقوق الناس دماءهم وأعراضهم. ولأن العنف ظاهرة اجتماعية ونفسية مركبة فلا غرو أن تشترك في توليده عوامل أخرى أقل أهمية تتعلق بعالم الأفكار والمعتقدات والقيم التي يحملها المرشح للعمل العنيف ولكن ليس في كل الأحوال بل عندما تتوفر الظروف المجتمعية الملائمة التي ذكرناها، عندها يتفجر العنف بإعتباره ظاهرة عامة، فإذا لم تتوفر تلك الظروف يمكن للعنف أن يوجد ولكن حالات خاصة محدودة، لاتمثل تهديدا سياسيا ومجتمعيا، وهذا ما يفسر لماذا تفشى العنف في مجتمعات بينما ظل في مجتمعات أخرى ظاهرة محدودة متأثرة بالحالة الفكرية والنفسية لمقترفه، وربما  تكون لا ذات علاقة مباشرة بالوضع المجتمعي بقدر ما هي مرتبطة بتصور الفاعل لموقعه ودوره بإعتباره مثلا مناضلا في حركة أممية مثل الحركات اليسارية أو الفاشية أو الإسلامية. من هنا نفهم لماذا كان تفشي ظاهرة العنف محدودا في مجتمعات مثل تركيا وماليزيا. بينما كان واسعا في مجتمعات عربية حيث تتوفر أسبابه الإجتماعية والسياسية. وقد يتغيرالأمر بحسب ذلك في المجتمغ الواحد، فالمجتمع الجزائري مثلا لم يعرف ظاهرة العنف إلا عقب الإنقلاب على خيار الشعب وخروج الدبابات تدوس على صناديق الإقتراع. وتفشى ظواهر النهب والقمع. وهي الظواهر المتوفرة في كل المجتمعات العربية بفوارق نسبية، يضاف إليها تفشي رأي عام ناقم على سياسات هذه الدول لتقصيرها الذي يبلغ حد التواطؤ في القضية المركزية للأمة وللعرب خاصة قضية فلسطين. إن الحصار الكارثة الذي يفرض على غزة لدرجة بناء قبر فولاذي حولها من المستبعد جدا أن لا يفجر أمواجا من الغضب الشعبي إن لم يفجر العنف مجددا الذي تفجر في مصرمثلا عقب تضييق الخناق على العمل المدني الذي كانت تقوم به الجماعة الإسلامية وإطلاق العنان لأجهزة القمع في ملاحقتها، وصاحب ذلك تخلي الدولة في كامب ديفد عن القضية الفلسطينية، وما أدى إليه ذلك من اغتيال السادات. إلا أن ما عرفته السياسات المصرية بعده من عودة الى موقف متوازن في هذه المسألة أسهم في محاصرة العنف. وذلك قبل أن يعود في السنوات الأخيرة الى الخضوع للإملاءات الخارجية حرصا منه على تلبية مطالب الأسرة الحاكمة، بما يضع المجتمع أمام خطر التفجر مجددا. لا شك أن لعالم الأفكار تأثيرا في اندلاع العنف ولكن عزل الأفكار عن الواقع مثالية وجنوح عن الفكر العلمي وهروب من السؤال: من أين تنبع الأفكار؟ ليس لها من مصدر غير أن تنزل من السماء أو تنبع من الأرض . وسواء هذا أم ذاك يبقى السؤال لماذا تظل أفكار تحرض على استخدام القوة في الوصول الى الأهداف مطوية في رفوف الكتب زمنا طويلا ثم فجأة تتحرك؟ لقد بذل منظّروا الحرب ضد الإسلام من اليمين الصهيو محافظ في الولايات المتحدة وأتباعهم حاولوا جاهدين إقامة علاقة ضرورية بين ظاهرة العنف ومفكرين اسلاميين قدامى ومحدثين مثل ابن تيمية وابن عبد الوهاب أو مدارس دينية بلغ حد توجيه التهمة الى التعليم الديني في الباكستان وغيره، وانبنى على ذلك اتهام عام لكل برامج التعليم الإسلامي في بلاد الإسلام فبدأت عملية واسعة لإعادة النظر فيها لإلغائها جملة أو التخفيف منها أو تخليصها مما اعتبروه مواد ملتهبة مسؤولة عن اندلاع العنف مثل مادة الجهاد. ولم يكلف هؤلاء أنفسهم عناء السؤال الذي سيعيدهم الى واقع هم هاربون منه: لماذا ظلت هذه المواد الدينية وكتب هؤلاء المؤلفين المتهمين بأنهم آباء العنف، لماذا ظلت لعهود طويلة تزدحم بها المكتبات وقد تدرس هنا أو هناك دون أن ينسب إليها قط أنها تحولت الى مادة غذائية لحركة جهادية؟ بينما هي تحركت في زمن آخر وتحولت الروح المحرك لحركة جهادية ؟ لا تفسير ولا جواب علميا دون الرجوع الى الواقع وما حصل فيه من تطورات نفضت الغبار عن تلك الأفكار لتلبي طلبا صدر عن الواقع وحاجة من حاجاته. ويوم يتجاوز الواقع بطريقة أو أخرى تلك الحاجات  يعود الخمول لتلك الأفكار. إن أفكار المفكرين- هي من منتجات الواقع لتلبي حاجة من حاجاته، فإذا تغيرت معطياته تنسحب من حركة الواقع من التاريخ  وتظل  مثل عرائس الشمع جامدة حتى تنفخ فيها مطالب واقع مشابه روحا جديدة تهبها الفعالية أو بذرة تنتظر الملائم من الغيث والتربة والمناخ والعناية. ففي الواقع  ينبغي البحث عن جواب لهذا السؤال : لماذا نجحت هذه الفكرة في استحداث واقع وفشلت أخرى. هداية الله سبحانه ذاتها لا تثمر إلا أن تلاقي تربة صالحة « إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار »   س: كيف يمكن دمج الحركات الاسلامية بالأنظمة؟ ج- دمج الحركات الإسلامية في مجتمعات غير اسلامية ليس مطلوبا ولا صالحا بل هو كارثة، وهو من أشد الأخطار المتربصة بها، هي أشد عليها من رفض الأنظمة لها واستهدافها بالإقصاء والاستئصال، لأن العقائد لا يفنيها القمع بل هو حري بتأصيلها، مع أنها ما ينبغي أن لا تسعى اليه أو ترغب فيه بل يجب عليها توقيه ما وسعها ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تطلبوا لقاء العدو ولكن إذا لقيتموه فاسألوا الله الثبات » المسلم يألف ويؤلف. والمسلم القوي هو الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم »كما نبه الى ذلك صاحب الدعوة. والدعوة الإسلامية تطلب السلم مع مجتمعها باعتباره الأصل في علاقة المسلم بغير المسلم ، وليس العداوة والحرب، شريطة أن لا يكون الثمن تنازل المسلم عن دينه وكرامته. إن أصحاب العقائد معرّضون للبوار والإندثار إذا هم أخذوا يساومون على مبادئهم رغبة في التأقلم والإندماج في الواقع القائم إذا كان مصادما لمبائهم  وقيمهم. تغيير ذلك الواقع وليس الإندماج فيه هدفهم ومبرر وجودهم « كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر » خيريّتهم إنما جاءت من رسالتهم التغييرية لواقع فاسد وليس الإندماج فيه. أما إذا كان الواقع صالحا فقد تحقق المطلوب. وجود الحركة الإسلامية مبرره واقع فاسد مطلوب للتغيير فتكون الحركة الإسلامية الأداة ، فإذا اندمجت فيه الإندماج الذي يحولها جزء منه فهو الخسران المبين.  يا أهل العلم  ياملح البلد    ما يصلح البلد إذا الملح فسد؟ ولا يحسبن أحد أن هذا الخطر، خطر إندماج الحركة الإسلامية في واقع فاسد جاءت لتصلحه وانتهى بها الحال جزء منه، أنه خطر موهوم، كلا بل هو أشد خطرا عليها من استهدافها بالإستئصال. والأمثلة  كثيرة من حركات التغيير الإسلامية وغير الإسلامية التي انتهى أمرها الى اندماج في واقع طالما بشرت بتغييره وبذلت التضحيات الجسام من أجل ذلك، وإذا بسنن الله في التغيير المضاد تعمل فيها عملها دون انتباه كاف منها للتصدي بإستراتيجية مضادة، إذ الواقع كما يقول علماء الإجتماع يدافع عن نفسه، ولكم حذر القرآن الكريم والسنة النبوية المؤمنين من العودة الى الجاهلية عقائد وأخلاقيات، وهو ما حصل على مر التاريخ. وكم من حركة ثورية يسارية اشتراكية ناضلت لأمد بعيد وبتضحيات جسام، من أجل تقويض الراسمالية وبناء علاقات عادلة، انتهى بها الأمر الى الإندماج في الواقع الراسمالي حتى تحولت سمادا في تربته وخادما مطيعا له. وكم من حزب إسلامي أسسه علماء مثل حزب الإستقلال في المغرب والدستور في تونس انتهى جماعة علمانية، لا تكاد تختلف في شيء عن الأحزاب العلمانية الأصلية. وفي أكثر من تجربة لحزب إسلامي معاصر شارك في نظام للحكم فاسد بقصد إصلاحه، ما لبث الفساد والتنازع عن المغانم أن أنشب أظفارهما في أبنائه وقياداته فتنازعوا ولم يتورعوا حتى عن اضطهاد بعضهم بعضا ليس بأقل مما يفعله العلمانيون . وإذن فاندماج الحركة الإسلامية في الواقع على إطلاقه، ليس هدفا مشروعا بل هو من أشد الأخطار المتربصة بها بالمعاني التي ذكرنا. أما إذا كان قصدك من الإندماج في الواقع حسن التفاعل الإيجابي معه وتجنب الصدام ما أمكن أقصد الصدام العنيف، أما ما دون ذلك من مستويات الصدام فكثير منها من مستلزمات حركات التغيير وخصوصا الصدام الفكري وسائر ضروب الصدام المدني، إذا كان القصد من الإندماج تأسيس علاقات وفاق مع مخالفينا تقوم على مواثيق واعتراف متبادل بين الحركات الإسلامية وبقية القوى الأخرى القائمة من نظام سياسي وأحزاب وجماعات، قد تبلغ حد التعاون على ما فيه مصلحة عامة، ودفع للمفاسد، على أي صعيد سواء أكان على صعيد المجتمع أم كان على صعيد الحكم بالمشاركة فيه. فكل ذلك مباح وقد يكون مطلوبا مرغوبا ما دام محققا للمقاصد العامة وللصالح العام وليس فيه تنازل عن مبادئنا وقيمنا، إذ التعدد سنة كونية واجتماعية « ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة » وندر وجود مجتمع خالص لدين واحد أو مذهب واحد، بما يفرض البحث الجاد عن إدارة حضارية للإختلاف بها تتميز المجتمعات المتقدمة عن المتخلفة. ولقد ضرب القائد المعلم  صلى الله عليه وسلم مثلا لما يجب أن يكون عليه أهل كل مجتمع من تعاون يجلب المصلحة للجميع ويدرأ عنهم المفاسد، إن حالهم يشبه المرتحلين على سفينة، مصيرهم مشترك، بما يفرض عليهم التعاون على صيانة السفينة من كل خرق وإلا هلكوا جميعا. س : البعض يرى ان الحركات الإسلامية كانت السبب الرئيسى وراء موجات العنف خلال العشرين عاما الماضية؟ ج:هذا من قبيل ما أدمن عليه سحرة الفرعون لسان حال المستبد من تجريم وإدانة الضحية وتبرئة لساحة الفرعون المسكين المعتدى عليه. 1- لا يختلف النظر الموضوعي للأنظمة العربية في أنها أنظمة مستبدة فاقدة للشرعية الشعبية التي تتقوّم في زمننا بالعملية الإنتخابية الديمقراطية التعددية، فبقدر وجود هذه الآلية واحترام نتائجها في نظام، بمنآى عن كل غش وإقصاء، بقدر ما يكون شرعيا وعادلا مرضيا عنه من قبل الغالبية من شعبه، والعكس بالعكس. وواضح من واقع هذه الأنظمة أنها موزعة بين صنفين : صنف لا يقر بهذه الألية أصلا، أساسا لحكمه، وصنف آخر يقر بها شكلا وينتهك جوهرها. ومعنى ذلك أننا إزاء وطن عربي محكوم بالعنف، بأنظمة بوليسية تصادر أرادتنا وتنتهك كرامتنا وتنهب ثرواتنا وتفرط فيما تبقى من استقلالنا وتستظهر علينا بالظهير الأجنبي، حتى بالصهيوني. وإذن فتهمة العنف متلبّس بها هذا الحاكم العربي، وشعبه- بكل توجهاته- الضحية. ولو أن معارضيه لجؤوا الى وسائل العنف رد فعل على ما هو مسلط عليهم من عنف رسمي، لكان رد فعلهم مفهوما، بصرف النظر عن مشروعيته وجدواه. وهو ما يفرض علينا البحث عن العنف الأصلي الإبتدائي أعني العنف الرسمي لتحميله المسؤولية الأعظم عن العنف الأصلي، قبل أن نتجه بالإدانة الى  عنف الضحية رد فعل.  2- ليس التيار الإسلامي وحده هو من إختص دائما بالرد العنيف على عنف الدولة، فقد مارست ذلك معظم تيارات المعارضة إن لم تكن كلها في فترات صعودها وازدهارها، بسبب ما لاقته من صدود وكبت وقمع. مارسه اليساريون تحت شعار العنف الثوري. ومارسه القوميون عبر الإنقلابات وغيرها. وفي الأربعينيات من القرن الماضي كان مألوفا في مصر مثلا أن يكون للأحزاب أجنحة عنيفة حتى اللبرالية منها. 3- ومع ما سلط على التيار الإسلامي من مستويات للعنف غير مسبوقة بسبب أنه  المعارضة الأساسية المعتبرة تهديدا للأنظمة الفاسدة، فإن جماعات العنف في الحركة الإسلامية هي أقليات محدودة، لا تمثل تيارها العريض المعروف باعتداله ووسطيته وحرصه على العمل في إطار القوانين حتى وإن تعسفت عليه وحابت خصومه، وهو ما يجعل القضية الحقيقة والعقبة الكؤود في طريق مجتمعاتنا لإكتساب الحرية والكرامة: أهم مقومات النهوض والتطور الحقيقي والإندراج في ركب التحولات الديمقراطية التي اجتاحت العالم عدا الثقب العربي الأسود، لا تتمثل في الحركة الإسلامية وما تمارسه بعض أجنحتها من عنف محدود،غالبا هو رد فعل على العنف الرسمي ، المشكل الحقيقي ليس في عنف الحركة الإسلامية المدعى ولا في عدم اقتناعها المزعوم بالحلول السلمية والديمقراطية، وإنما في أنظمة القمع المدعومة دوليا، من يقنعها بالتواضع والنزول عند حكم الناس. والإحتكام للناس في مجتمعات إسلامية يعني من بين ما يعنيه الإحتكام للإسلام. ويعني المساواة بين الناس ومنع المال أن يكون دولة، واعتبار أمهات الأمور شورى بين الناس، وتوحيد صفوف الأمة وتحرير أرضها من الإحتلال. وكل ذلك مما يكره الحكام وظهيرهم الدولي، ولا سبيل لهم لضمانه دون فرض القهر والكبت على شعوبنا. 4- ثم إن العنف سلاح الأقلية الضعيفة. ولماذا تفكر الحركة الإسلامية في العنف والرأي العام معها، بشهادة كل انتخابات تحمل قدرا من النزاهة، بينما الأقليات من أجل أن تحكم وتستمر في حكمها لا مناص لها من العنف. والوطن العربي اليوم محكوم من طرف أقليات تشبه الأقلية البيضاء الهالكة في جنوب افريقيا لولا أن القوم من جلدتنا الجرباء. وكل ذلك يشهد على أن موطن الداء في أمة العرب هو استبداد الحكام وليس عنف هذه الجماعة أو تلك، فهذا النتيجة وليس السبب.  5- يشهد على ارتباط تفجر العنف في مجتمع بوجود صنوف من المظالم تحكمه، أن ما يسمى بالإرهاب اليوم إنما تفجر وتفشى في مجتمعات محكومة بأنظمة قاهرة اتخذت من الدولة أداة لقمع مواطنيها الأحرار ومن البلاد عامة ملكية خاصة بالأسرة الحاكمة، بينما البلاد التي يقوم فيها الحكم على التراضي بين الحاكم والمحكوم عبر آليات الشورى الديمقراطية المعروفة تعيش أوضاعا طبيعية الصحافة حرة والإنتخابات دورية نزيهة لا يقصى منها طرف بما يحقق التداول السلمي للسلطة، والقضاء مستقل، مثل تركيا وماليزيا وأندونيسيا . هذه البلاد مستقرة، التيار الإسلامي فيها معترف به، سواء أكان معارضا في البرلمان أم مشاركا، مثل هذه البلاد بمنجاة من العنف، وحتى إذا وجد شيء منه يكون هامشيا معزولا والنهب للثروات العامة. 6-الساحات التي كانت مسرحا للعنف الواسع بين الدولة وبين جماعات إسلامية هي التي انحدر فيها الحكم الى دركات خطيرة من المظالم من مثل الإنقلاب على خيار الشعب في الجزائر حيث خرجت الدبابات وسط هتافات علمانية محلية ودولية تسحق صناديق الإقتراع التي شهدت بفوز الإسلاميين. وتم شبيه به في تونس عقب انتخابات  1989 التي فازت فيها حركة النهضة فاستهدفت بالإستئصال. والأمثلة متعددة.    س: هناك اتهامات متكررة لكم باجراء حوارات سرية مع الادارات الامريكية المتعاقبة .. ما مدى صحة هذه الاتهامات؟ ج:كثير من الأنظمة بحكم استعاضتها للشرعية الشعبية بشرعية الدعم الخارجي أمريكيا وصهيونيا واروبيا فإنها غدت مصابة بمرض يشبه الهلوسة والكابوس المقض لمضجعها وكأن الكارثة وشيكة الحصول في كل لحظة وتتمثل في إشاعة هنا أو هناك مهما كانت بعيدة عن التصديق فحواها أن لقاء حصل بين هذا المعارض أو ذاك من معارضيها مع مسؤول أمريكي كبير أوصغير حتى وإن يكن صحفيا، وحتى ولو كان هذا المعارض اسلاميا رغم يقين هذه الأنظمة من أن الود ليس حاصلا بين الإسلاميين عموما وبين السياسة الأمريكية التي يعلم الجميع أنه مصنوعة في مطابخ صهيونية، ترى في الخيار الإسلامي حتى وإن يكن في الصين خطرا عليها سيصب خراجه يوما في القدس. لقد بلغ الخوف المرضي لدى هذه الأنظمة من أي اتصال امريكي أو غربي مع أحد معارضيها حد الهلوسة والإستعداد للبطش بالمعارض المتهم دون دليل، ما حمل بعض الحركات الإسلامية مثل اخوان مصر على مصادرة ذاتية لحق من حقوقهم في الإتصال بأي جهة دبلوماسية في بلدهم باعتبارهم هيئة سياسية على غرار بقية الهيآت السياسية، فطفقوا يكررون أنهم لن يتصلوا بأي بعثة دبلوماسية إلا بحضور ممثل عن الخارجية المصرية ليشهد على براءة هذا الاتصال وخلوّه من أي صفقة لتولية الاخوان على عرش مصر، وذلك إدراكا منهم لحالة الهلوسة التي يعيشها. أذكر أنه لما سافر الشيخ عمر الى الولايات المتحدة كتب رئيس تحرير الأهرام افتتاحية مطولة يتهم فيها الولايات المتحدة بعقد صفقة مع الشيخ عمر لتولية الجماعة الإسلامية ملك مصر. إن اتصال بين الأحزاب وبين البعثات الدبلوماسية المعتمدة في بلدها أمر معتاد وعرف متبع وليس هو بالتهمة. وفيما يخصنا كنا- قبل أن تشن علينا حملات الاستئصال بسبب نجاحنا في الانتخابات- ندعى وزملاؤنا من الهيآت السياسية الى لقاءات مع الدبلوماسيين المعتمدين أو البعثات الزائرة. فما المشكل في ذلك حتى يتحول الى تهمة يتوارى منها المرء ويستتر؟   س: كيف ترى اليات التغيير فى الوطن العربى؟ ج: لاتبدو في هذا الثقب الأسود من العالم فرص كثيرة للتغيير الديمقراطي عبر ما متعارف من الأساليب السلمية المتمثلة في صناديق الإقتراع، وذلك بسبب إحكام الإستبداد قبضته مدعوما بميزان قوة دولي متغلب لا يجد من مصلحته وجود حكومات في هذه المنطقة الحساسة تمثل شعوبها، التعامل مع حكومات منبتة عن شعوبها أيسر إذ تكون عادة طيعة مستجيبة للإملاءات الخارجية لضمان دعمها، وما حصل مع حماس شاهد. صناديق الإقتراع في هذه المنطقة غائبة أصلا أو مفرغة مكفوفة عن جوهر مهمتها تحقيق تداول السلطة وإفراز الشرعية. وهذا ما فتح أبواب العنف سواء عبر الإنقلابات أم من طريق العنف الشعبي، والتجربة أثبتت كارثية كل منهما، الأول لئن نجح في استلام السلطة في معظم بلاد العرب إلا أنه فشل فشلا ذريعا في إدارتها إدارة ديمقراطية أو تحقيق شيء مما وعد من تحرير فلسطين أو التنمية أو توحيد بلاد العرب، بل انتهى الى الضد بالكامل مما وعد :طبّع مع العدو الصهيوني وكرّس التجزئة لدرجة بناء الجدران الفولاذية، وحول الدولة مزرعة لعائلة حاكمة وغدا التوريث في أنظمة جمهورية النموذج المتبع. والجدير بالملاحظة أن فرص التغيير عبر الإنقلاب قد تضاءلت جدا في الثقافة السياسية السائدة اليوم، وهو ما واجهه في موريطانيا انقلاب ولد فال ثم انقلاب خلفه ولد عبدالعزيز.  ولم يكن لمحاولات التغيير من طريق الجماعات المسلحة حظ أسعد بل لم يكن له من نتيجة غير التمكين أكثر للأنظمة الإنقلابية أن ترسخ أقدامها وتحكم قبضتها على رقاب الناس بذريعة حمايتهم من الإرهاب. وكشفت التجربة المتكررة لإستخدام عنف الجماعات ضد الدول عما تتوفر عليه الدولة الحديثة المدعومة دوليا من إمكانات للعنف غير محدودة قادرة على البطش بأي عمل شعبي مسلح. هل من سبيل للتغيير عبر المشاركة ضمن المساحة الصغيرة التي تفسحها بعض الأنظمة ؟ التجربة كشفت أن المشاركة قي سياق الأنظمة الفردية القائمة لم تجد شيئا في تغيير طبيعتها بنقلها من أنظمة إطلاق وفساد الى أنظمة دستورية إرادة القانون فيها والشعب أعلى من إرادة الحاكم، وهو ما جعل المشاركة في إطار هذه الأنظمة تضفي الشرعية على أنظمة غير شرعية دون أن تدفع خطوة نحو تغيير طبيعتها الفوقية المتسلطة، بل قد تفضي الى التغيير المضاد أي إفساد المشاركين الذين حدثوا أنفسهم بإصلاحها. هل تكون بذلك سبل التغيير قد أقفلت وقذف بمفتيحها في لجج البحار؟ كلا فالغرب الداعم لهذه الأنظمة ليس الها يقول للشيء كن فيكون بل هم بشر ممن خلق تأتي عليه من القوة وأخرى من الضعف وهو اليوم متورط في أكثر من ساحة من ساحات العالم ولا يدري لنفسه مخرجا بما يحد من قدراته على إسعاف أتباعه، إذا عرفت قوى التغيير كيف تؤزم الأوضاع المتجهة من تلقائها الى التأزم باثر السياسات الخرقاء للأنظمة، وتقديم البدائل المعقولة على صعيد السياسات وعلى صعيد النخب البديلة بتأسيس جبهات تمثل الجماعة الوطنية بكل أطيافها الإسلامية والعلمانية. فإذا جمعت رأيها وصفها على التغيير ونجحت في تحريك الشارع عبر المسيرات والإعتصامات والإضرابات وثبتت على ذلك غير هلعة من موالاة التضحيات في الشارع بدل دفعها بالتقسيط في مسالخ التعذيب، فلن تجد الأنظمة مسوغ لإستصراخ أوليائها في الغرب المشغولين بأنفسهم. والحاكم الذي يفقد سلطته على الشارع لن يرسل اليه أحد بجيش من البوليس لمساعدته. ولم يعد مقبولا في الثقافة السياسية المعاصرة وفي زمن الفضاء المفتوح الضرب بالملآن في الجماهيرالمتظاهرة سلميا النظام الذي يتورط في ذلك يكون قد أجهز على نفسه إذا كان في مواجهة معارضة مصممة على التغيير ودفع ثمنه. غير أن هذا النهج من التغيير هو ما تبقى من سبيل وهو السبيل الي انتهجته كل الشعوب التي أطاحت بدكتاتورياتها خلال العقدين الأخيرين ،هذا الجهاد السلمي يحتاج من بين ما يحتاجه الى ثقافة تؤصّله وتؤسسه على أنه أفضل الجهاد حسب التعبير النبوي والجهاد الكبير بتعبير القرآن الكريم السلمي « وجاهدهم به جهادا كبيرا »هذه الثقافة ضحلة في فكرنا الإسلامي السني الذي لم يعرف غير سبيلين في مواجهة الظلم والطغيان:سبيل الخروج المسلح الذي كانت نتائجه غالبا كارثية بما حمل الفقهاء الى الإنتهاء الى سده وحظره غير مستبقين أمام المسلمين في مواجهة الطغيان غير الصبر والخضوع، حفاظا على وحدة الجماعة وسدا لأبواب الفتنة وذلك مقابل التزام الطاغية باحترام ظواهر الشرع والدفاع عن الثغور، إلا أنه حتى لما تراجع الحاكم عن هذا الإلتزام فخرق قواطع الشريعة واستسلم للأجانب استمر العلماء على منح الشرعية للطغيان. وكان يسعهم أن يبتغوا سبيلا آخر غير سبيل الخروج المهلك أو سبيل الطاعة بلا مقابل حقيقي للأمة، هو سبيل الثورة الشعبية السلمية، وهو السبيل الذي ارتبط في تراث الإسلاميين بالفوضى والهرج والتخريب وتهديد السلم الإجتماعي وذلك ما يفهم من كلمة الثورة في أدبيات أهم مؤسسي الحركة الإسلامية الإمام حسن البنا. لقد انتهت تجربة الإسلاميين في معظم الخط الوسطي العريض الى الإعراض ظهرييا عن سبيل الإنقلاب وسبيل العنف الشعبي غير مستبقين غير سبيل التغيير عبر صناديق الإقتراع، وهذا قد سده وتحكم فيه لدرجة العبث الطغيان، بما جعل المشاركة المحدودة المحسوبة تشبه شهادة الزور تقدمها الحركة الإسلامية للطغيان شاهدة له بشرعية مزورة، وهو ما يعني الإنتهاء الى مأزق، فقد اختارت سبيلا للتغيير سده الطغيان في وجهها، وسدت هي على نفسها طرقا سلكتها أمم أخرى مثل سبيل التغيير عبر الثورة الشعبية وهو ما دعا اليه القانوني الكبير المفكر الإسلامي طارق البشر في مقاله الشهير »أدعوكم الى العصيان المدني » فهل من مجيب؟   – حوار أجراه الصحفي عامر محمود لصحيفة الأحرار المصرية بتاريخ 25 ديسمبر 2009        

موقع الجامع في العالَم المعاصر.. في الهوية الفاعلة (1 من 2)

د. أحميدة النيفر (*) في عالم يتميز بتحولات متسارعة مثلت ثورة المعلومات تطورا غير مسبوق لوسائل الاتصال والمعرفة مما جعل لتلك التحولات صبغة جذرية لا يمكن لأي مجتمع بشري أن يتجنبها أو أن يقاومها. شمل هذا النسق الحياة الدينية طارحا عليها جملة من الأسئلة والتحديات لعل أوضحها تعذر البقاء ضمن عالم مغلق يتيح لأبنائه استنساخ نفس القيم الاجتماعية والتصورات الحضارية التي درج عليها الآباء والأجداد. اعتمادا على هذا السياق تبرز مجموعة من الأسئلة الخاصة بمسألة الإصلاح والحكم الرشيد نذكر منها: – هل حدد القرآن الكريم وصفا للدولة التي على المؤمن أن يؤسسها أم أنه اعتنى أساسا بالقيم التي تحفظ الاجتماع وتركز النظام السياسي الداعم لذلك الاجتماع؟ – ماذا نعني بالديمقراطية والحكم الرشيد: هل يعنيان منظومة إجرائية تضبط طرق التداول على السلطة فحسب أم أنهما يمثلان رؤية مغايرة للإنسان والمجتمع ترفض الرضا بواقع محدد وتعمل على دوام المراجعة والتغيير؟ – كيف نجيب عن شبهة القائلين بأن الإسلام رغم اعتماده للشورى يظل خصما للتطور الاجتماعي والسياسي وأن خطابه الثقافي لا يكرس سوى الطاعة والامتثال؟ مساهمةً في الإجابة عن مثل هذه الأسئلة نختار النظر في مكانة الجامع والخطاب الذي يعتمده في ظروف التأسيس النبوي لنقارنها بالوضع في السياق المعاصر وذلك لارتباط هذه المؤسسة بقيم وتصورات يشكك البعض في إمكانية انصهارها ضمن علاقات اجتماعية وسياسية حديثة. بصورة أدق يتمثل سعينا في تفكيك طبيعة الخطاب المعتمَد في المسجد وهل هو خطاب سلطة يؤسس للطاعة والاستبداد دائما أم أنه يمكن أن يفتح السبيل لديناميكية التجديد والإبداع؟ في المدينة المنورة كان أول عهد المسلمين إثر استقرارهم بها أن بادرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد على أرض ابتاعها. كان هذا البناء البسيط منطلقا لحياة دينية وروحية لا صلة لها بما كان يعرفه الوثنيون في عباداتهم وتصوراتهم وهم الذين لم يروا سببا لوجود هذا العالم إلا «الطبع المحيي والدهر المفني». كان المسجد مؤسسة تقطع مع قول «ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر» وتؤسس لعقيدة تقوم على التوحيد في بعده التصوري للعالم والحياة والإنسان وفي دلالته الاجتماعية الداعمة للمساواة والتضامن. بذلك كان المسجد منطلقا لخطاب جديد يصوغ واقعا متجددا، خطاب غير ثبوتي للعالَم وللجماعات. هو في عقيدته التوحيدية يرفض الموقف العدمي من التاريخ وذلك بما يرسخ مبدأ التنزيه المتعالي الذي يحقق تأسيسا مزدوجا بين الواقع والفكر وبين الإيمان والحضارة. كان خطاب الجامع قائما على جعل التوحيد مبدأ قابلا للتنفيذ إذ هو يشرع لتجسيد مجتمع له خصائصه وعلاقاته وحلوله التي يواجه بها المشاكل التي تعترض حياة الفرد والجماعة. من هنا صح أن نقول إن غاية المؤسسة المسجدية هي الربط بين الأساس الذي يقوم عليه إيمان الموحد وبين المنظومة الاجتماعية السائدة قصد بناء واقع متجاوز للمعهود بقيم مجتمعية أكثر إنسانية. حين نراجع الخطب النبوية مثلا فإننا نجدها قائمة على هذا التركيب بين الاجتماعي والثقافي بما يقوض ويعوض النسق القبلي القديم الذي أثبتت الصراعات والتطاحنات عجزه. في هذه المرحلة التأسيسية لا بد من إبراز ما كان للمسجد من أهمية في تركيب فريد بين البعد الديني الإيماني وبين الجانب الثقافي الاجتماعي. لذلك فإن المسجد الأول في المدينة كان في جانبه الثقافي والحضاري يحمل آلية تغيير اجتماعي غايته إرساء مفهوم جديد للهوية الجامعة تربط أطراف الجماعة وتركب بين مصالحها وتوجهاتها متجهة بها صوب آفاق مختلفة حضاريا. معنى هذا أن التدين لم يعد تعبدا فحسب وأن الإيمان أصبح ذا دلالة مدنية منتجة تتيح مواجهة تحديات الواقع باعتبار أن التوحيد الذي يستمد الإيمان منه معناه يقبل في مستوى العيش والحضارة التعدد والاختلاف أي ضرورة التدبر والاجتهاد وتجاوز المعهود. هذه المرحلة التأسيسية تواصلت بعد ذلك بدرجات متفاوتة في النجاح لكنها آلت في أحيان أخرى إلى درجة من الابتعاد عن هذا التوجه بما جعل الفكر الأحادي يهيمن على الخطاب المسجدي فيأتي على السعي الاجتهادي المشروط بقبول التعدد. في تلك الظروف انحسرت فاعلية الهوية في حدودها الدنيا ضمن ذهنية ترى في الحضارة جوهرا ثابتا وبنية قارة وهو ما أفقد الهوية أثرها الحضاري نتيجة تجاهل أهمية تنوع الأبعاد والمكونات فيها. عندئذ تواترت مظاهر الانتكاس الرافض لأي تبديل أو تغيير في الأفكار والمؤسسات والمناهج. إذا نظرنا الآن إلى الموضوع في السياق المعاصر فإن موقع المسجد اليوم يطرح أكثر من سؤال لما يثيره الخطاب المسجدي من مخاوف موضوعية. هذا ما جعل السؤال عن العلاقة بين الإسلام والديمقراطية مطروحا بأكثر من صيغة تلتقي في نهايتها في اعتبار أن بين المفهومين علاقة حدية ناجمة عن تناقض راجع إلى اعتبار الإسلام خصما للتطور الاجتماعي والسياسي. لبحث هذه المسألة لا بد من تحقيق في المفاهيم ينطلق من القول بأن الإسلام أساسا هو دين أي إيمان وتوق إلى المقدس. من ثم فهو عنصر رئيسي في تشكيل وعي المتدين بالكون والطبيعة والمجتمع، فهو لذلك لا ينفصل عن تجليات واقعية وممارسات اجتماعية موصولة بمجالي السلطة والنظام الاجتماعي. على هذا فمن التعسف القول إن الدين مسألة تتعلق بالفرد فحسب والحال أننا نعلم أن ما هو فردي لا ينفك عن التحول إلى اجتماعي أي إنه قابل ليصبح ذا صلة بالسياسي. من جهة أخرى فإن الديمقراطية ليست منظومة إجرائية تضبط طرق التداول على السلطة فحسب. هي « قيمة» واقتضاء خُلقي، إنها في عدم رضاها بواقع محدد وسعيها إلى إرساء أوضاع سياسية – اجتماعية أفضل تعبر عن ديناميكية منطلقة من رهان على مكانة الإنسان وقدرته في تحمل مسؤولياته الفردية والاجتماعية. هذا ما يجعل العلاقة بين الإسلام والديمقراطية علاقة قابلة للبحث والتطوير بل هي علاقة متأكدة في عالَم ينحو إلى ضرورة تعايش بين مرجعيات ثقافية مختلفة. هي متأكدة موضوعيا لأن الرابط بين الدين والديمقراطية هو الإنسان، هو محل التقاء بين الطرفين وموضع رهانهما رغم اختلاف منطلقهما ومجال فعلهما الظاهر. من ناحية ثالثة فإن مؤسسة الجامع اليوم يمكن أن تثير مخاوف حقيقية لما تحمله في خطابها وفي نظرتها إلى نفسها وإلى الآخرين من صعوبة في التطور مما يتيح للبعض أن يرى في الجامع مؤسسة ذات خطاب رجعي في فكره وإقصائي بطابعه الإملائي مما يجعل المؤسسة لا تقبل سوى نوعين من العلاقة مع المحيط: إما أن تكون آمرة قاهرة وإما أن تكون تابعة خاضعة. غير أن ما يفيدنا به تنوع الخطاب في التجربة التاريخية لمؤسسة الجامع وتوسع دائرة تفاعله خارج بعدي التسلط والتبعية يؤكد قدرته على تجاوز القصور الذي قد يلاحظ في حالات قديمة أو حديثة. إن القول بأن تلك المؤسسة ظلت في كل سياق تاريخي وحتى في الفترة الحديثة تكرس مشروعا استبداديا وتدعم سلطة قاهرة، مثل هذا القول لا يمكن أن يصمد للتمحيص التاريخي. لقد أمكن للجامع أن يركز جملة من القيم التحررية في أكثر من طور من أطوار تاريخه الممتد. مثل هذا الإقرار يتطلب رؤية أشمل لتاريخ هذه المؤسسة وللقيم القرآنية والنبوية التي مثلها بما يتيح استبعاد الإسقاطات القَبْلِية في موضوع علاقة الدين بالسياسة باعتبار أن هذه العلاقة تمثل أحد التجليات الكبرى لوجود الإنسان وفاعليته في الفضاء العربي الإسلامي. (*) كاتب من تونس (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 4 فيفري 2010)

عبادات بلا أخلاق؟

ألفة يوسف (*) أبناء جيلي والسّابقون لهم يذكرون أن كرّاس التربية الإسلامية كان ينقسم إلى شطرين شطر للعبادات وشطر للأخلاق. وما عاد الأمر كذلك اليوم لا فحسب في الكرّاسات والدّروس ولكن في الواقع المجتمعيّ كذلك إذ يبدو أنّ الشّطر الأوّل استحوذ على الكرّاس كلّه وألغى الشّطر الثّاني أو كاد. إن هذا المقال ينشد طرح السؤال التالي: لماذا يقتصر الإسلام لدى كثير من التونسيين على العبادات فحسب؟ قد يبدو السؤال مستفزا ولكنه نتاج سنوات من الملاحظة ومن الاختلاط بالناس…طبعا وهذا المقال لا يسعى إلى التعميم ولكنه فقط يطرح السؤال… يقرن الله تعالى في كتابه الحكيم الإيمان بعمل الصالحات. ورغم أن الإيمان أوسع من الإسلام فإننا سنضرب صفحا في هذا المجال غير الأكاديمي وغير المختص عن الفارق. المهمّ أن الله تعالى يقرن الإيمان بالعمل. ومعلوم أن أركان الإسلام خمسة يسعى المسلمون إلى الإحاطة بها شهادة وصلاة وصوما وزكاة وحجّا لمن استطاع إليه سبيلا. ويندر أن تجد مسلما لا يمارس هذه العبادات (أعني بالمسلم من اختار الإسلام دينا لا من كان إسلامه وراثيا) وإن كان لا يمارسها فإنه يؤكد أن ذلك وقتي وأنه ينتظر هدى الله تعالى وأنه في يوم ما سيضطلع بالعبادات. والعبادات مفروضة طبعا من الله تعالى ولا شك أن كثيرا من حكمتها مما يجهله الإنسان على أن القرآن وضّح لنا بعض مظاهر هذه الحكمة واضطلع الدارسون عبر التاريخ الإسلامي بالنظر في أبعادها. ولا يمكن في هذا المقام أن لا نتذكر على الأقلّ أنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولكن ما يلفت انتباهنا أنه بقدر تزايد إقبال الناس على العبادات نجد عزوفا عمّا من المفروض أن تنتج عنه العبادات ونعني الأخلاق والمعاملات الراقية. ولا يمكن إلا لجاحد أن ينكر ذلك، بل إن الأمر مختلف في كثير من البلدان العربية المسلمة والبلدان الغربية. ففي بلادنا اليوم يندر أن تجد من يترك الأولوية لشخص يجد صعوبة في المرور، ويندر أن تجد من يلتزم بنظام الاصطفاف في محلات البيع إلا المحلات العصرية الكبيرة إلى درجة أني منذ مدّة رأيت بأمّ عيني امرأة تلقي بسروال على وجه بائع لمجرد أنه قال لها بكل لطف: من فضلك التزمي بالصفّ ولن أحدثكم عن هيئة هذه المرأة حتى لا نخرج عن الموضوع. ومن منّا لا يعرف أن سواق التاكسي في بلادنا عدد كبير منهم لا يحملون الناس إلى الأماكن التي يقصدونها إلا في إطار مشروط (مكان بعيد أي تعريفة أكبر أو مكان في طريق المنزل) وقد لا يقف بعضهم أصلا لمريض أو مسنّ ويفضّل عليه سائحا يقف بعد أمتار قليلة. ومن منّا لم ير أشخاصا يلقون بفضلات من سيارتهم وإن يكن بعضهم خارجا من المسجد. ومن منّا لم ير من يغلق الطريق بسيّارته وهو نازل ليصلّي جماعة في المسجد؟ ومن منّا لم ير من يقضي حاجاته البشرية في الشارع؟ ومن منّا لم يصادفه أن التقى بشخص في المصعد أو سواه فسلّم عليه فإذا بالآخر لا يجيبه أصلا؟ ومن منّا لم يسمع الناس يغتابون بعضهم بعضا ويقذفون المحصنات والطريف أن بعضهم يفعل ذلك في إطار ما يتصوره حفاظا على «الأخلاق الحميدة». ألا نسمع في تونس كثيرا فلان يصاحب فلانة وأنّ تلك تعاشر ذاك إلخ… ومن منّا لم يسمع الناس تشكو من التدخّلات وظاهرة «الأكتاف» وفي الآن نفسه تجد في كثير من الأحيان ناسا ملتزمين بالعبادات وطقوسها يطلبون (وقد حصل هذا لي شخصيا) تدخلا لإنجاح شخص في مناظرة دون أن يعي الطالب أنه بطلبه هذا إنما يحرم شخصا آخر مستحقا من النجاح… الأمثلة متعددة وليس المجال مجالا استقصائيا…فقط أسأل: لماذا لا تنهى العبادات بعض الناس عن إلحاق الضرر بالآخر؟ لماذا لا تعلّم العبادات الحبّ ولماذا لا تحض على مساعدة الآخر؟ لماذا لا ينتج عنها حسن الأخلاق؟ كيف نعيد هذا الرابط بين البعد الطقوسي للدّين وهو هامّ والبعد الأخلاقي العملي له مما لا يقل أهمّية عن الأول؟ ألم يقل الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنّه بُعث ليتمّم مكارم الأخلاق؟ إنّه إذا استمرّ تجاهلنا للخلق الحسن فسنصبح مسلمين بلا إسلام ولعلّي في هذا المقام أتذكر قول الشيخ محمد عبده الذي طلب منه البعض بعد سفره إلى الغرب تعليقا فقال: «أخلاقهم ديننا»… (*) جامعية تونسية ومديرة المكتبة الوطنية olfa.youssef@gmail.com (المصدر: « الصباح » (يومية – تونس) بتاريخ 4 فيفري 2010)


التصحر الديموغرافي

عبداللطيف الفراتي (*) شرعت تونس في اتباع سياسات لتنظيم النسل منذ ما قبل منتصف الستينيات (وتكثفت منذ الثمانينيات وعلى إثر تحول السابع من نوفمبر)، وكان هدفها الإرتقاء بالأسرة التونسية، عبر تحقيق تخفيض في عدد الأطفال الذين يضغطون على حياة العائلة، ويضنون الأم خاصة، وقد آتت هذه السياسات التي تكثفت في أفق ما قبل التسعينيات بقليل،  ـ آتت ـ أكلها في السيطرة شبه التامة على تزايد النسل، وخلال أكثر من عقد من الزمن (في التسعينيات) أمكن المرور من 9 ملايين من  السكان إلى 10 ملايين بمشقة شديدة. واليوم وفي غرة جويلية الماضي فإن عدد سكان البلاد لم يصل إلا  إلى 10 ملايين ونصفا، وفي نفس الوقت تقريبا أي بين منتصف الستينيات و2010 فإن بلدا مثل سوريا قد مر عدد سكانه من رقم ليس بعيدا عما كان موجودا في تونس إلى ما يفوق 17 مليونا. هذا يعني أن تقسيم كعكة الإنتاج قد أدى إلى ارتفاع قسط كل فرد من السكان أكثر مما هوفي البلد الشقيق هذا إذا تساوت نسبة النمو السكاني بين البلدين، وقد دلت الأرقام على أن هذه النسبة أرفع وأعلى عندنا، كما مكن واقع الأمر من المرور بمعدل الدخل الفردي إلى 4آلاف و500 دينار ويكاد يصل للضعف بقياس ذلك الدخل إلى الطاقة الشرائية. هذا هو الوجه المضيء لتجربة تنظيم النسل التي خفضت من عدد الولادات وأنقصت من نسبة  الخصــوبة ( أي عدد الأطفال الذين تضعهم السيدات في المعدل طيلة سنوات عمرهن القادرات فيه على الإنجاب) في الوقت الذي انخفض فيع عدد الوفيات بين الأطفال بشكل كبير. لكن للمسألة مظهرا آخر يجب الوقوف عنده، وهو الخوف من نوع من التصحر الديمغرافي في بلادنا بالقياس للبلدان الشقيقة والمجاورة. وتبرز الإحصائيات المتاحة اليوم أن عدد سكان البلاد المغاربية الأربعة باستثناء موريتانيا هي كما يلي بالنسبة لسنتي 2009 و2008: المغرب : 31.5 مليونا تقريبا، الجزائر: 33.7 ملايين، تونس : 10 ملايين و432 ألفا، ليبيا: 6 ملايين. ولكن كم سيكون عدد السكان في البلدان الأربعة في أفق 2040، وفقا لما توفر من دراسات حديثة جدا: ** المغرب حوالي 45 مليونا ** الجزائر حوالي 47 مليونا ** تونس حوالي  13  مليونا ** ليبيا قرابة 10 ملايين. معنى هذا أن الجيران والأشقاء يشهدون زيادات في عدد سكانهم أكبر مما تشهده بلادنا. ويبرر بعض الديموغرافيين ذلك بأنه سيسمح للمواطنين التونسيين برغد عيش أفضل، وذلك لتوفر قاعدة إنتاج لعدد لا ينمو كثيرا وسريعا، بعكس البلدان التي تتسارع فيها وتيرة الزيادات السكانية، بصورة أقوى فهي مرشحة لأن تجد صعوبات أكبر في حل المعادلة الصعبة لتفعيل التزايد السكاني وتزايد فرص العمل، وتنامي الإنتاج وإن كانت هناك عناصر أخرى وهامة تدخل في إطار تلك المعادلة. لكن معنى هذا أيضا أن هناك تحد استراتيجي مهم لا بد ان يقع وضعه في الحساب، يتمثل في أن البلاد التونسية  تبدو وكأنها على أبواب تصحر ديموغرافي، متمثل في فراغ سكاني بينما يشهد الجيران طفرة في التزايد البشري. وإذ لا يعتقد الخبراء أن ذلك يمثل تحديا حقيقيا، فتونس مرشحة وسريعا لأن تصبح بلدا مستقطبا للهجرة الخارجية، ولو فتحت الأبواب من الآن لهجمت على البلاد قوافل من المهاجرين. غير أن هذا التصحر لا بد من أخذه في اعتبار السياسات المرسومة، لا في اتجاه العمل على تخفيف سياسات تنظيم النسل، فذلك غير ممكن حتى ولو أرادت الدولة، باعتبار مظاهر الوعي الشامل الناتج عن انفجار تعليمي سبقت فيه تونس الآخرين من حول البلاد، بحيث اعتبر هذا التنظيم مكسبا اجتماعيا حتى ولو صحت الإرادة على تجاوزه فإن الوعي العام لا يمكن أن يسير في اتجاه تراجعي. إن سلاح تونس الكبير كما يقول عدد من الخبراء، ليس في أعداد سكانية كبيرة، ولكن في جسم اجتماعي سليم متعلم تسود فيه الصحة العامة وأعلى قدر من الرخاء الممكن وفوق ذلك متضامن، غير أنه لا ينبغي أن تخفى على بلادنا وليس فقط مسؤوليها بل وأيضا وخاصة جماهيرها تلك الحقائق وما يحتاجه علاجها من وفاق وطني شامل. (*) رئيس تحرير سابق بالصباح (المصدر: « الصباح » (يومية – تونس) بتاريخ 4 فيفري 2010)  

في الاستعادة العربية لأنظمة الاستبداد


بشير موسى نافع (*) في الجزء الأول من عمله الكبير حول «مصادر القوة الاجتماعية» (1986)، يفرق مايكل مان بين قوة النظام الاستبدادي، والقوة المستندة إلى البنى التحتية، وذلك في معرض المقارنة بين الدول التاريخية التقليدية ونظيرتها التي أخذت في التبلور خلال القرون القليلة الماضية، والتي تعرف اليوم بالدول الحديثة. القوة الاستبدادية -كما يقول مان- «ترجع إلى مدى من الفعاليات التي يتمتع الحاكم وطاقمه بالقدرة على محاولة تطبيقها بدون روتين، أو مساومة مؤسسية مع جماعات المجتمع المدني.. أما القوة المستندة إلى بنى تحتية فترجع إلى القدرة الفعلية على اختراق المجتمع وإنفاذ القرارات السياسية المنطقية. ما يجب أن يكون واضحاً فيما يتعلق بالإمبراطوريات التاريخية هو ضعف قوتها المستندة إلى البنى التحتية». فما الذي تعنيه مقولة مان لقراءة بنية الدول الإسلامية التقليدية، وكيف يمكن أن تساهم في قراءتنا لوضع الدولة العربية الآن؟ من الضروري أن نلحظ بداية أن مان صاغ استنتاجاته بناء على استطلاع تاريخ الدول الإمبراطورية الأوروبية، والرومانية، والرومانية المقدسة، ودول العصور الوسطى المتأخرة. لم تأخذ هذه الدول الجماعات المختلفة ضمن رعاياها في الاعتبار، وقد أقيمت في أغلب الحالات على الغلبة وعلى الحق المقدس معاً. في حقبات تاريخية محددة، أسهم ادعاء الحق المقدس، أو نجم عن، تحالف السلطة الحاكمة والكنيسة، وأصبحت الكنيسة بالتالي جزءاً من مؤسسة الحكم، تتمتع بامتيازاته وسلطته وتعاليه على طبقات وقوى المجتمع الأخرى. من هذه الزاوية أمكن وصف هذه الدولة بالاستبداد. ولكن هذا النمط من استبداد الحكم كان يحمل في رحمه حدوده أيضاً. فنظراً لاستعلاء الحكم وانفصاله، لم تكن قراراته، تشريعاته، وسياساته، ترى دائماً باعتبارها منطقية ومسوغة، ولم تكن الجماعات المختلفة ترى أن من الضروري بالتالي إمضاء هذه القرارات والتشريعات والسياسات، والاستجابة لها. ونظراً لأن وسائل الاتصال كانت لم تزل بدائية، ولم يكن باستطاعة السلطة الحاكمة مراقبة المجال الجغرافي والسكاني الذي تحكمه، فإن إمضاء هذه القرارات والتشريعات والسياسات كان مقصوراً على المدى الذي تصله أدوات القوة الحاكمة. ما لم تستدعِ أدوات الحكم والقوة، تركت الجماعات لتدبير شؤونها كما تريد. ثمة تشابه بين الدولة الإمبراطورية الإسلامية ونظيرتها الأوروبية، وهناك اختلافات. كما الدول الأوروبية التقليدية كانت سلطة الدولة الإسلامية محدودة، ولكن عامل الاختلاف الرئيس بين الدولة الإسلامية ونظيرتها الأوروبية تمثل في الدور الذي لعبته المؤسسة الدينية، طبقة العلماء، في المجال الإسلامي. ففيما عدا الدوائر المتعلقة مباشرة بالحكم والإدارة، لم تتمتع الدولة الإسلامية بحق التشريع، الحق الذي حافظت عليه مؤسسة العلماء باعتبارها حارسة الدين والمتحدثة باسم الشريعة، ولأن الدولة حتى أكثر الدول استبداداً وانحرافاً، أقامت شرعيتها أيضاً على أساس من الشريعة، فقد جمعت قيم الدين بين الدولة ومؤسسة العلماء وقوى المجتمع وجماعاته المختلفة. في الوقت نفسه، وبخلاف المؤسسة الكنسية الأوروبية، لم تنجح الدولة الإسلامية مطلقاً في تحقيق الامتصاص الكلي لمؤسسة العلماء في جسم الدولة، ولا نظر العلماء لأنفسهم، حتى في دولة بيروقراطية مركبة كالدولة العثمانية، باعتبارهم شريكاً في الحكم والسلطة. بهذا المعنى لا يمكن وصف الدولة الإسلامية التقليدية بالاستبداد، أو على الأقل، لم يكن استبدادها شبيهاً باستبداد نظيرتها الأوروبية. الدولة الإسلامية لم تستطع التغلغل في قلب الجماعات المختلفة، التي تركت لتدير شؤؤونها في استقلال عن مؤسسة الحكم، ولكن في أغلب الحالات، لم تكن سياسات الدولة وقراراتها ترى من قبل الجماعات والفئات الاجتماعية باعتبارها غريبة أو غير منطقية. الحلقة الهامة في هذا التداخل الجزئي بين الدولة والجماعة، يعود بالتأكيد إلى دور الجسر وحلقة الاتصال الذي تعهدته مؤسسة العلماء، والمشترك الإسلامي المرجعي بين الطرفين. بيد أن العالم سيشهد انعطافة بالغة الأهمية والراديكالية في بنية الدولة وعلاقتها بالمجتمع، بدأت في التجلي ببطء في المجال الأوروبي منذ نهايات القرن السابع عشر. أدت الصراعات الأوروبية الداخلية إلى تشظ تدريجي للإمبراطوريات، وإلى بداية تشكل الدول القومية. وقد لعبت الحروب والتمايزات الدينية دوراً هاماً في بلورة الدولة وتأسيس شرعيات جديدة لمؤسسات حكمها. في مواكبة ذلك، أسهم التقدم الصناعي والتطورات المتسارعة في وسائل الاتصال في تعزيز الهويات القومية الجديدة، كما أسهم في تعزيز سلطة الدولة وتعظيم مواردها. في البداية، عمل تعاظم موارد الدولة ومقدراتها على تعزيز توجهاتها الاستبدادية، ولكن استبداد الدول ما كان له أن يستمر إلى النهاية، فالأمة الجديدة ولدت وهي تحتضن تدافعاً طبقياً داخلياً. وسرعان ما عملت الطبقات الوسطى ذات القوة المتصاعدة على تقويض النظام القائم، وبناء نظام أكثر استعداداً لتقبل المشاركة في السلطة والحكم. إحدى سمات الدولة الحديثة الرئيسة هو سعيها الدائم للسيطرة الكاملة على أرضها وشعبها، وبانفجار الصراع الاجتماعي الداخلي وتطور فكرة المشاركة والتمثيل، لم يعد بإمكان الدولة، حتى وهي تحتكر أدوات العنف والقوة، أن تنفذ قراراتها وتشريعاتها وسياساتها بدون حد أدنى من المنطقية والتسويغ. كان على الدولة، بكلمة أخرى، أن تصبح أكثر تغلغلاً في بنى الاجتماع التحتية، أن تصبح أكثر تمثيلاً، وأكثر استعداداً للتفاوض والمساومة مع قوى المجتمع وفئاته المختلفة. هذه، باختصار، الدولة الحديثة في نسختها الديمقراطية. ولدت الدول العربية جميعها من رحم الدولة العثمانية، التي استلهمت النموذج الأوروبي الحديث في القرن التاسع عشر، أو كوريثة للإدارات الاستعمارية، التي أقيمت هي الأخرى على صورة المتروبول الإمبريالي الغربي الحديث. من جهة امتلاكها لوسائل القوة وأدوات السيطرة والتحكم، وقدرتها على الوصول إلى كافة طبقات المجتمع، تعتبر الدولة العربية دولة حديثة بامتياز. وسواء بفعل قدرتها الفائقة على الجباية، أو لاستنادها إلى مصادر ثروة ريعية، أو لارتباطها بالقوى الدولية واعتمادها على المساعدات الأجنبية، توفر للدولة العربية الحديثة من الموارد ما يساعدها على الاحتفاظ بمؤسسات أمنية عسكرية باطشة، مقارنة بقوى المجتمع الأخرى. وتلعب هذه المؤسسات الدور الأبرز في تأمين سيطرة الدولة وتحكمها. كان من المفترض عند لحظة الاستقلال أن تتطور الدولة العربية لتصبح أكثر تمثيلية واستجابة لقوى المجتمع وفئاته، وأكثر تعبيراً عن إرادة الأكثرية، أن تصدر قراراتها وسياساتها وتشريعاتها من روتين تفاوض ومساومة دائمة مع بنى المجتمع التحتية وقواه. ولم يكن ذلك الافتراض في حينه طائشاً، فقد كانت نضالات الشعب هي التي جاءت بالاستقلال أصلاً، وهي التي جعلت ولادة دولة الاستقلال ممكنة. ولكن لأسباب يصعب التطرق إليها هنا لم يكن هذا هو المسار الذي أخذه تطور دولة ما بعد الاستقلال. ما حدث، أن الدولة العربية حافظت على خصائصها الحداثية الاستبدادية، وكفاءتها المميزة في إدارة مقدرات السيطرة والتحكم، بدون أن تطور مؤسساتها وأدواتها التمثيلية وشرايين اتصالها السياسية ببنى المجتمع التحتية. وباستكمال عملية سيطرة الطبقة الحاكمة على مقدرات الحكم والثروة خلال العقدين الماضيين، لم تعد الدولة تلقي بالاً للمجتمع الذي تحكمه. كونها مؤسسة حديثة، تصدر في كنفات هذه الدولة الصحف، وتبنى محطات الإذاعة والتلفزة، وتؤسس الأحزاب، وتعقد الانتخابات، بل يسمح بهامش ما للخطاب المعارض. ولكن ما يحدث في أغلب الأحيان أن تترك قوى المجتمع لتقول ما تريد، بينما النخبة الحاكمة تفعل ما تريد. (*) باحث عربي في التاريخ الحديث (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 4 فيفري 2010)
 

سعوديون يناشدون الملك وقف «أمراء القمع وفقهاء الظلام»

حث ناشطون سعوديون، أمس، الملك السعودي عبد الله على تأليف لجنة مستقلة للتحقيق في «انتهاكات» وزارة الداخلية لحقوق الإنسان بحجة مكافحة الإرهاب و«التي ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية». وأشادت «جمعية الحقوق المدنية والسياسية»، التي تضمّ محامين وأساتذة جامعيين وكتاباً برئاسة مدرس الاقتصاد الإسلامي في الكلية التقنية في القصيم عبد الرحمن بن حامد الحامد، بالملك السعودي. وأعربت، في خطاب وجهته له، عن اعتقادها بأن «العرش السعودي في ظلال ملكية دستورية هو ضمانة وحدة البلاد وأمنها واستقرارها». وتابعت «إن نجاحكم في تشييد أعمدة الإصلاح الحقوقي والسياسي، سيدلل على أن الأسرة الحاكمة قادرة على التجاوب مع التغيرات السياسية والاجتماعية». وأعلنت، في الخطاب الذي نشرته على موقعها على شبكة الانترنت، ان مطالبتها بتشكيل «لجنة لتقصي الحقائق» تعود لأسباب عديدة أهمها «أن انتهاكات حقوق الإنسان تجاوزت الفظائع العابرة ووصلت إلى مستوى التشريع المنظم للظلم والتعذيب وممارستهما على نطاق واسع، وينطبق على مثل هذه الحالة وصفها بأنها جرائم ضد الإنسانية، بحسب التعريف الدولي لمفهوم الجريمة ضد الإنسانية». واعتبرت الجمعية أن هذه الانتهاكات «هي إخلال صريح بعقد البيعة الشرعية، بل تحريف للحكم بما أنزل الله»، كما أنها «من أهم أسباب الإرهاب العالمي والمحلي، ولا سيما هجمات 11 أيلول». وأوضحت «ليتبين للحرس القديم في وزارة الداخلية، ومن على نهجهم من أمراء القمع وفقهاء الظلام، أنهم واهمون عندما يتصورون أنه يمكن التستر على هذه الانتهاكات». واتهمت الجمعية وزارة الداخلية بالإصرار «على تجاهل أسباب التطرف والعنف، وظلت تنكر أن الفساد السياسي، هو السبب الأساسي». وأضافت أن الوزارة «تظن أن علاج العنف والتطرف يكون بمزيد من القمع والتعذيب والعنف». واتهمتها بالإصرار «على الإمعان في تزييف الحقائق، فتستخدم شماعة الإرهاب، ذريعة لضرب كل أنواع التعبير السلمية المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية». (يو بي أي، ا ب) (المصدر: « السفير » (يومية – بيروت) بتاريخ 4 فيفري 2010)  

النقاب الأوروبي نتاج الحداثة وأثرها في المهاجرين المسلمين

رافايل ليوجيي (*) حاولت لجنة برلمانية فرنسية، طوال 6 اشهر، إقناع نفسها بأن ظاهرة تتناول أقل من 0.1 في المئة من المسلمات الفرنسيات هي مشكلة وطنية تتهدد الأمة الفرنسية. وخلصت اللجنة هذه الى حظر النقاب في بعض الأماكن العامة والمشتركة. وجرت العادة في فرنسا أن تسارع نخبة المثقفين والسياسيين والفنانين الفرنسيين الى ادانة العدوان على القيم الفرنسية. ووصف بعض هؤلاء رفض شخص كشف وجهه في الدوائر العامة بـ «الفضيحة الفلسفية». وتوسلت النخب الفرنسية بذرائع نسوية ودينية وإنسانية وأمنية ووقائية. والذرائع هذه غير مقنعة، ولا تستقيم في ميزان المنطق. ومعظم النساء اللائي يرتدين النقاب اخترنه طوعاً، على رغم معارضة الأهل في بعض الأحوال. وترى نساء مسلمات كثيرات أن النقاب هو لواء استقلالهن. ويبعث على الضحك اعلان بعض أعضاء الحكومة الفرنسية، والرئيس الفرنسي نفسه، أن النقاب ليس «اسلامياً» فهم، على زعمهم، أدرى من المسلمين في شؤون دينهم. وهذا وجه من وجوه العلمانية الفرنسية مستهجن وغريب. فالوزراء يؤدون دور أئمة المساجد والفتوى. وقد يقول بعضهم أن تغطية الوجه تنتقص من مواطنية الشخص لأنه يرفض التواصل الإنساني. ولكن كثراً يرتدون نظارات شمسية سوداء، إما خجلاً وإما لأسباب أخرى. ولا يزعم أحد أن النظارات هذه تبطل انسانية من يضعها. وقد يبدو، للوهلة الأولى، أن الجانب الأمني من الاعتراض على النقاب معقول. فكشف المرأة عن وجهها عند استقبالها الأولاد الخارجين من المدرسة، أو حين تطلب منها دورية الشرطة، موجب لا ينكر. وفي الأحوال هذه، لا ترفض النساء النزول على طلب كشف الوجه. وعليه، تنتفي الحاجة الى قانون الحظر. وليس محض صدفة أن يتزامن النقاش على الهوية الفرنسية مع نقاش حظر النقاب. فاختيار النساء المسلمات، أو المسلمين عموماً أو المهاجرين، كبش محرقة يجنب الفرنسيين التصدي لأزمتهم الرمزية الفعلية. فالفرنسيون يعانــون، يومــياً، تــقهقر مكــانة اللــغة الفرنســية وفنونهم وأفلامهم السينمائية في العالم، في وقت بدأ جيل «الفهود الرماديين» (من البالغين 40- 50 عاماً) يدرك أن أولاده لا يكترثون بمآل ثقافتهم، فهم وقعوا في شباك العولمة الثقافية. ويردد من هم فوق الـ40 عاماً من الفرنسيين لازمة علو مقام القيم الفرنسية الجامعة والعامة، وينددون بمن يتهدد القيم هذه. وينكأ هؤلاء جرح الفرنسيين النرجسي جراء عجز بلادهم عن مواجهة العولمة، ووقف ذواء النموذج الاستثنائي الفرنسي واضمحلاله. ويحسب هؤلاء انهم يدافعون عن القيم الفرنسية، ويغفلون عن أنهم يقوضون جوهر مبادئهم. وأغلب الظن ألا يسلك قانون اللجنة البرلمانية طريقه الى التنفيذ. فهو في مثابة اجراء رمزي. والوهن أصاب الجمهورية الفرنسية، والفساد الأخلاقي نخرها. فهي تضحي بأسمى مبادئها، وهي الحرية والمساواة والأخوة على مذبح كلبية النخبة السياسية وذعر الجموع. وتصدع بمعاداة المسلمين. وقد يحمل حظر النقاب النساء المنقبات على الانكفاء الى بيوتهن والتقوقع. وهذا يقوض استقلالهن المادي، ويحملهن على الخضوع. وقد يبعث قرار الحظر الإحباط في صفوف المنقبات، فيقعن فريسة مجموعات الإسلاميين المتطرفين. وتغفل النخبة الفرنســـية عن أن الــنساء المنقبات لا يعادين الحداثة. فهن بنات الحداثة ونتاجها، شأنهن شأن البوذيين الغربيين. وبعض الشابات المسلمات يضعن النقاب عندما يقصدن شارع جان – بيار تيمبو الباريسي للفت الأنظار اليهن، وإلى فرادة أناقتـــهن. فنقاب الفرنسيات هو زي فردي غير سياسي. وتوشــك الدول الأوروبية والولايات المتحدة أن تقع في خطأ الفرنســـيين، وأن تسيء فهم ظاهرة النقاب المستجدة. (*) صحافي، عن «غارديان» البريطانية الصادرة يوم 26 جانفي 2010، اعداد منال نحاس (المصدر: « الحياة » (يومية – لندن) بتاريخ 3 فيفري 2010)  


على كل عربي أن يحافظ على مؤخرته!!

بقلم: شوقية عروق منصور « .. فحص مؤخرات المسافرين العرب في المطارات الأمريكية، بعد مرورهم أمام أجهزة تعرية الأجسام وأيضا مراقبتهم طوال فترة الرحلة.. » * نحن الآن اصحاب المؤخرات الإرهابية ، لم يعد يكفي الركوع والإنبطاح والتسليم بكل المقدرات النفطية والتنازلية، الآن أجسادنا هي التي توقع على قرارات النقاء العربي. عندما كان يردد الفنان عادل امام عبارة (كل واحد يحافظ على لاغليغوا) في مسرحية ( مدرسة المشاغبين ) كنا نضحك ونعتبرها نكتة عابرة في سيناريو يريد دغدغة المشاهد من باب الكوميديا اللفظية ، ولكن الظاهر ان زمن الكوميديا السوداء قد استغل الضعف العربي المتمثل بأنظمته الصامتة المطيعة وبدأ يستغل قوته في عرض مطالبه التي تتجرأ على استغلال المواطن العربي حتى حولته الى دمية لا قيمة لها في سوق الشعوب القوية ذات الكرامة والكبرياء والأعتزاز بالنفس . الولايات المتحدة التي وصل بها العري السياسي الى السقوط الكامل في منطق ( رعاة البقر ) اتجاه الشعوب العربية والتي تحمل شعار افلام ( الكاوبوي ) اطلق النار ولا تناقش ، تضيف الآن الى ارشيفها المتخم بصور الذل والقهر العربي ، فحص مؤخرات المسافرين العرب في المطارات الأمريكية ، بعد مرورهم امام اجهزة تعرية الأجسام وايضاً مراقبتهم طوال فترة الرحلة ومنعهم من تغطية اجسادهم بالبطانيات او الذهاب الى الحمام . لم نسمع أي احتجاج عربي ، السعودية فقط تريد ان تقدم لها امريكا توضيحات لهذه الإجراءات وبالطبع مخرز السعودية لن يستطيع الصمود امام العين الأمريكية ، عندها ستبقى الأجراءات كما هي وسيصبح جسد كل عربي مباحاً في التعرية والتفتيش في مؤخرته ، وسيشنق الشاعر (المتنبي ) نفسه بعد ان جف ريقه وهو يصرخ ( لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ، حتى يراق على جوانبه الدم ) ولم يعد للأمة العربية شرف رفيع بل دم يراق على جوانب الأرصفة المفخخة والأسواق والقتل العشوائي المباح .. نحن الآن اصحاب المؤخرات الإرهابية ، لم يعد يكفي الركوع والانبطاح والتسليم بكل المقدرات النفطية والتنازلية ، الآن اجسادنا هي التي توقع على قرارات النقاء العربي ، فالعربي الجيد ليس العربي الميت حسب الشريعة الصهيونية ، العربي الجيد هو صاحب المؤخرة الفارغة من المتفجرات ولم تعد المرأة العربية الي تتميز حسب مقايس الجمال العربية التاريخية ان ( لها مؤخرة اذا قامت اقعدتها) ولكن الآن كيف ستقنع المرأة العربية مفتشي المؤخرات ان مؤخرتها بدون اسلحة ، وانها خالية من المتفجرات ، وهي مطيعة مثل قادتها الذين لن يشعروا هم وزوجاتهم بذل التفتيش ، لأنهم يسافرون بطائراتهم الخاصة وأوراقهم الثبوتية الموقعة بدمائهم الموالية لأمريكا ، والمواطن العربي كيف سيقنع المفتشين ايضاً بأن مؤخرته خالية من التفكير الإرهابي ؟ وكيف سينظر الى أولاده بعد ان حولوا مؤخرته الى ميدان لرماية الرجولة والتصويب نحو هدف واحد الإمعان في الإهانة والإذلال . قائمة الدول العربية التي ستكون مؤخرات شعوبها ضمن مشروع التفتيش الأمريكي طويلة ، من السعودية الى سوريا الى مصر و السودان والصومال والجزائر وليبيا والعراق ..الخ ولم نسمع جامعة الدول العربية ولا جمعيات حقوق الإنسان ولا اتحاد أوروبي ولا جمعيات داخلية ولا خارجية ، لو هذا التفتيش كان للشعب الفرنسي او الشعب الروسي او الصيني او الألماني او او .. لقامت حركات الأحتجاجات والمظاهرات واستقالت حكومات . لقد تظاهر العرب على استحياء عندما عبث واغتصب وعذب السجناء العراقيين في السجون العراقية الأمريكية ولم تستطع الصور التي قذفتها الكاميرات العابثة ان تحرك فينا حرارة اليقظة بل تركنا الذئب يتحرك في محكمة الذئاب وطوينا الصفحات . وما زال سجن ( غوانتانامو ) شاهداً على حكايات القنص للكرامة العربية والإنسانية ، وانظمة عربية لا تسأل عن مواطنيها لا في سراء ولا في الضراء فكيف ستسأل عنها في المطارات . مئات من الأمريكين يدخلون الدول العربية كضيوف وجواسيس وسياح ورجال اعمال واصحاب شركات وغيرهم ، فلماذا لاتنتظرهم في المطارات العربية إجراءات تفتيش مثلما هم يفتشون؟. هناك من قال ( نشتري جميع الأسلحة ولا نستطيع حماية مؤخرات النساء العربيات ) والظاهر ان القائل كان يقرأ في الغيب الأمريكي! (المصدر: مدونة « ثورة تونس » بتاريخ 4 فيفري 2010) الرابط: http://revolutiontunisie.wordpress.com/  

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.