الأربعاء، 27 يونيو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2591 du 27.06.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


الحوار.نت: السجين السياسي محمد القلوي يدخل في اضراب عن الطعام

الوطن: اعتقال 26 شخصا في تونس كانوا يستعدون للتوجه الى ايطاليا بطريقة غير شرعية

رويترز: أول وفاة في تونس بسبب الحر والحرائق تلتهم مزيدا من الأراضي

الطاهر العبيدي:تُـصـبـحُـون على نــدم (1)

الأستاذ فتحي عبيد: دليل انتخاب عميد المحامين شيرين آدم: الـمـُسـتـوطــِن صابر التونسي: بالسّواك الحار (36) مواطنون: شبابنا والتنشئة الاجتماعية و الوطنية مواطنون: اتحاد الطلبة في مفترق الطرق مواطنون: السند: الجوا – الروبيطة: ثروة في مهب الريح مواطنون: قليلا من الجدية في التعامل مع المال العمومي
مواطنون: الكاف: إضراب جوع كفرا بالجوع… مواطنون: الجلسة العامة لانتخابات اتحاد المترجمين العرب مواطنون: في تحقيق خاص:قناة الحوار التونسي تكشف أسرار و ملابسات احتراق الشاب محمد بن غرس الله أمام القصر الرئاسي مواطنون: اتحاد الطلبة:إجماع على خيار التوحيد مرة أخرى… مواطنون: غريب:تونسيون معوقون يُتهمون بمحاولة القيام بعمليات إرهابية!
سفيان الشّورابي: اتحاد الطلبة – إجماع مرة أخرى على خيار التوحيد محمد العروسي الهاني مناضل:عيد الإدارة الجهوية د. خـالد الطـراولي: البنــوك الإسـلامية و هـاجس التنمية محمد كريشان: أين ذهب المراقبون ؟! صلاح الدين حافظ: ما بعد غزوة غزة هو الأخطر د. عبدالله تركماني:إشكالية الدولة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر(2 من 2) تونس أونلاين: سويسرا تقدم تعويضًا لرجل أعمال مسلم اتُهم بصلات مع القاعدة


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


السجين السياسي محمد القلوي يدخل في اضراب عن الطعام

 

 خاص بالحوار.نت :

علمنا من مصدر موثوق بأن السجين السياسي محمد القلوي أعلم عائلته هذا اليوم بمناسبة زيارتها له بأنه أعلن الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام برغم حالته الصحية المتدهورة إحتجاجا على رفض السلط تسليم جوازات سفر لأبنائه الذين تقدموا بذلك منذ سبعة أشهر كاملة غير أنه أرجأ ذلك لأسبوع واحد تحت ضغط عائلته.

ومعلوم أن الأستاذ محمد القلوي ( قيادي بحركة النهضة التونسية ) محاكم أمام المحكمة العسكرية وهي محكمة إستثنائية غير دستورية في صائفة 1992 وقد مضى عليه برفقة مئات من قيادات وأعضاء حركة النهضة في أقبية سجون تونس ستة عشر عاما كاملة قضى فيها بسبب سياسة الموت البطيء ضد المساجين السياسيين ما لا يقل عن خمسين سجينا تعرضوا لأمراض مهلكة تم تجاهلها من لدن إدارة السجن.

كما أنه معلوم أن آلافا مؤلفة من التونسيين محرومون من حقهم في جواز سفر إما بسبب تعاطيهم لنشاطات حقوقية أو سياسية أو إعلامية معارضة للسلطة أو بسبب قرابتهم من أولئك.

وبهذه المناسبة فإن الحوار.نت تطالب بتمكين أبناء السيد القلوي من حقهم الوطني المشروع في جواز سفر حتى لا يضطر والدهم السجين إلى خوض إضراب مفتوح عن الطعام قد يؤدي بما بقي من حياته.

 

(المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 27 جوان 2007)

 


 

عتقال 26 شخصا في تونس كانوا يستعدون للتوجه الى ايطاليا بطريقة غير شرعية

 
تونس (اف ب) – افادت صحيفة « الصباح » الاربعاء ان وحدات خفر السواحل التونسية تمكنت من اعتقال 26 شخصا كانوا يستعدون للابحار باتجاه ايطاليا بطريقة غير شرعية. واوضحت الصحيفة ان الوحدات الامنية التابعة للحرس الوطني كشفت عملية الابحار التي انطلقت من احد الموانىء الليبية ومن اعتقال مجموعة تتكون من 10 مغربيين و6 مصريين و5 تونسيين و5 من بنغلادش صباح الاحد قبالة منطقة جرجيس (جنوب العاصمة). واوضحت الصحيفة ان منظم الرحلة ليبي. وتكثر محاولات الهجرة غير الشرعية باتجاه ايطاليا وخصوصا جزيرة لامبيدوزا قبالة صقلية ومالطا في مثل هذا الوقت من السنة مع استقرار العوامل الجوية. وضاعفت السلطات التونسية تدابير مراقبة السواحل الممتدة على طول 1300 كلم وفرضت عقوبات صارمة وغرامات مالية طائلة على كل من يضبط من مشاركين ومنظمين للهجرة السرية. كما ضاعفت ليبيا من اجراءاتها وتبنت الدول الافريقية والاوروبية العام الماضي في طرابلس ميثاقا لمكافحة الهجرة غير الشرعية. (المصدر: موقع صحيفة « الوطن » (يومية – الكويت) بتاريخ 27 جوان 2007)

 


 

 

 صاعقة تبيد قطيعاً من 212 رأس غنم وماعز في تونس

 

تونس ـ يو بي آي: أبادت صاعقة رعدية قطيعاً من الغنم والماعز في منطقة نبّر بمحافظة الكاف التونسية الواقعة علي بعد 170 كيلومترا غربي تونس العاصمة.

 

وذكرت صحيفة الصباح التونسية المستقلة امس الأحد أن هذا الحادث وقع مساء أول من أمس، حيث قضت الصاعقة علي القطيع الذي يتألف من 212 رأس غنم وماعز بالكامل.

 

وسارعت السلطات المحلية والأمنية بالجهة إلي مكان الحادث لمعاينة الأضرار التي لحقت بالقطيع، ولتقديم المواساة لصاحبه.

 

يشار إلي أن الصواعق الرعدية كثيراً ما تتسبب في الفواجع والأضرار المادية، وعادة ما تكون قطعان الماشية عرضة لهذه الظاهرة الطبيعية التي لا يمكن لأحد السيطرة عليها.

 

(المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 27 جوان 2007)

 


 

اصطدام آلية بطائرة لـ « الملكية » في مطار قرطاج

تونس – بترا – اصطدمت احدى الآليات العاملة في مطار قرطاج الدولي امس (25 جوان 2007، التحرير) بطائرة تابعة للملكية الاردنية من طراز اير باص 320 بينما كانت متوقفة تماما على بوابة الصعود استعدادا للقيام برحلتها الاعتيادية من تونس الى عمان وعلى متنها 111 مسافرا . وقال مصدر مسؤول في الملكية ان الآلية اصطدمت بالمحرك الأيسر للطائرة وأحدثت فيه أضرارا أدت الى تعطل الطائرة وتعذر إقلاعها إلى عمان . (المصدر: صحيفة « العرب اليوم » (يومية – الأردن) الصادرة يوم 26 جوان 2007)


أول وفاة في تونس بسبب الحر والحرائق تلتهم مزيدا من الأراضي

 
تونس (رويترز) – أعلن في تونس يوم الأربعاء عن أول وفاة بسبب موجة الحر غير المعتادة التي تجتاح البلاد فيما التهمت الحرائق مزيدا من الأراضي بالغابات. وقالت مصادر طبية إن فتاة لا يتجاوز عمرها 11 عاما توفيت بمستشفى منزل بورقيبة في محافظة بنزرت متأثرة بضربة شمس قوية أصابتها يوم الاثنين (25 جوان 2007، التحرير). وكانت وزارة الصحة التونسية أصدرت في الأيام العشرة الماضية بيانين حذرت فيهما من مخاطر ضربات الشمس ودعت الى الاحتياط خصوصا في الفترة من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر الى الساعة الخامسة عصرا. ومن جانب آخر تجدد الحريق في جبل عمار بضواحي العاصمة ليل الثلاثاء والتهم مساحات أخرى قدرت بنحو 20 هكتارا. وشوهد الدخان في عدة مناطق محاذية مثل باردو وحي التحرير. وأتلف الحريق مساحات من الصنوبر والأشجار المثمرة من بينها أشجار زيتون ولوز. وفي باجة شب حريق آخر أتى على مناطق مزروعة في وادي الزرقة واستعملت الطائرات لإخماد الحريق الذي لم يتسبب في خسائر بشرية. وشب حريق آخر في منطقة بنزرت ولم يعرف إن كان قد أسفر عن خسائر مادية أو بشرية. واجتاحت تونس في الأيام الأخيرة موجة من الحر الشديد وتجاوزت معدلات الحرارة في عدة مناطق 44 درجة وهو أمر لا يحدث في تونس إلا نادرا وفي شهري يوليو تموز وأغسطس آب (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 27 جوان 2007)
 
 


 

نصيب

الإنفاق العسكري في 2006 بلغ أكثر من 1200 مليار دولار…

 
تصوّروا كم من ورقة نقدية تحولت في رمشة عين إلى نار ويعادل هذا الرقم 184 لكل فرد في العالم… بمن فيهم المقاتل والمقتول والإرهابي والمسالم. وبالطبع في مقدمة «المنتفعين» فلسطين وأفغانستان والعراق… ومن حسن «حظي» ألا نصيب لي في هذا الإنفاق. محمد قلبي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 27 جوان 2007)

 


 

تُـصـبـحُـون على نــدم (1)

 
الطاهر العبيدي taharlabidi@free.fr أيها المعارضون إن كنتم تكتبون من أجل أن يشار لكم بالبنان، وتحترفون كتابة ممنوعة من التجوّل في البيوت في الشوارع، في الحقول في المزارع، في الأرصفة في المصانع، في المستشفيات في الحضائر، في الحانات في المساجد، في الأسواق في المعاهد، في الأعراس في المآتم، في المنافي في المهاجر، في الكهوف في المناجم، في الطرقات في المتاجر، في السفن في المراكب، في التلال في الأنهار في الجداول، في السجون في المراكز، في المعتقلات في المحاكم، في الشعاب في المسالك، في الأرياف في المدائن، في الشواطئ في الصحاري في البوادي، إن كانت أقلامكم لا تدخل كل هذه المعابر، فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم تكتبون من أجل بلوغ أعلى المراتب، من أجل أن يشار لكم بالأصابع، من أجل أن تتهافت عليكم الحسناوات، وتتزاحم عليكم الفضائيات والجرائد، من أجل أن تكون لكم بعض المكاسب، من أجل أن تفرش لكم الثنايا وتفسح لكم المجالس، من أجل الشهرة واختصار الطرق والمسالك…إن كنتم تبحثون عن كل هذه المحاسن.. فالجماهير تقرئكم سلام الموليّ المفارق، وتقول لكم ..تصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم منسحبون عن هموم المواطن، غافلون عن قضايا الشباب الحالم، متوارون عن أمهات المشاكل، متخاصمون على رسم الهمزة فوق السطر أو تحت السطر أو فوق الضمائر، متصارعون على وضع النقاط والفواصل، مهتمون بتحليل ونقاش الصغائر، فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم تتقنون لغة السباب والتجريح والشتائم، إن كنتم تتخاصمون لأتفه الأشياء وتتناطحون لأبسط المسائل، إن كنتم تتباغضون لمجرد نقد أو رأي مخالف، إن كنتم تتحاورون بالسكاكين بالفؤوس والمعاول، إن كنتم تمتهنون الطعن في الظهر في النوايا وفي السرائر، إن كنتم تعشقون النقاش باللسان وليّ الأصابع، إن كنتم تتناظرون بالهمز بالغمز باللمز بالأكتاف والسواعد… فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم لا تسمعون وجع الكلمات التي لا تقال، في قرى تولد بلا رحيق، وفي أشباه مدن يغطيها رذاذ الأحزان، وفي مناطق يعصّبها الغبار، وفي أرياف منزوعة الربيع، تبحث عن يوم لا يأتي وعن صبح شريد… فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن ظللتم في أماكنكم راسبون، وان بقيتم في مواقعكم قانتون تجترّون ماض لا يعود، وتمضغون حاضرا موءود، وتحلمون بمستقبل يأتي من فراع، وتنتظرون تغييرا يعرض في المزاد، وتتمنون نصرا بالتثاؤب والسهاد، وتوزّعون العجز مرّة بسبّ الشعوب، وأخرى تسبّون الأقدار والظروف، وتارة بشتم الحكام والحدود، وأحيانا تغرقون في التأوه ولطم الحدود، فإن بقيتم هاهنا قابعون، فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن ظللتم تقيّمون الأشياء عبر العواطف دون العقول، وإن بقيتم تصدّرون خطاب السطحية دون التعمّق في بواطن الأمور، وإن ظللتم تحللون الأوضاع والظواهر الاجتماعية عبر النميمة والأقاويل، وان ظللتم تواصلون لعبة الأدوار بين نهار يرحل وآخر لا يأتي وليل مستديم… فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم لا تحسنون التقاط الآهات المبعثرة في أزقة الأمل الموعود، وإن كنتم لا تدركون أن هناك مجتمعات تعيش كالصراصير، وأخرى تكدح كدح الحالمين بالغد الذي لا يأتي من فراغ.. فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم متقلبون، تميلون حيث الرياح تميل من كل الموائد تأكلون، تحلمون بالبحر وأنتم في المياه الراكدة مستلقون، تصنعون تاريخا من زجاج وتؤلفون كتبا من غبار، وتصوغون ملاحم من بخار..فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن ظللتم تناضلون خلف دفء المكاتب، تواصلون السياحة في شاشات الحواسيب وراء الأرائك، تمارسون السباحة والإبحار والغوص في المواقع، مغيّبون عن معرفة فقة الواقع.. فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم متعاطفون مع الكسرة، مؤيدون للضمة، مساندين للأفعال المعتلة، متضامنون مع أدوات الجر والسكون، تتمايلون كأغصان في أرض تغالب السقوط، تبحث لها عن موقع وعن جذور.. فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن بقيتم تترقبون قطارات الساعات الأخيرة للوصول، وظللتم تحلمون بالإقلاع المستحيل، تبشرون بالثورة والتغيير، وانتم في المضاجع متكئون، تعجنون الكلام الرطب وتغزلون خطبا من حرير، تعيدون إنتاج الهتاف والتصفير… فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن لم يكن حبر أقلامكم ملوثا بعرق الكادحين، مخضّبا بروائح الجائعين، إن لم تكن أصابعكم ملوّنة بشقاء المزارعين، منسابة كدموع البؤساء كدماء الشهداء كجداول الانتظار، إن لم تكن لغتكم استثنائية لمدن استثنائية.. فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم تنامون أياما وشهور، وتستيقظون بعض الثواني والساعات، لنشر بعض العرائض وبعض البيانات، وبعض القول المنثور، وتتصارعون في الخفاء وفي العلن حول من يتزعّم وحول من يقود، ومن يكون اسمه في الصدارة ومن يكون ملحقا في آخر السطور، وتتقاتلون تتصارعون لأتفه الأمور.. فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن ظللتم للحقائق تكفنون، وللمراجعات والتقييم كارهون، وبالفشل والخطأ لا تعترفون، ومن الرأي الآخر تشمئزون، ومن النقد تنفعلون، ومن المسؤولية تتنصّلون ومن التاريخ لا تتعظون.. فتصبحون على ندم.. أيها المعارضون إن كنتم بالتداول تنادون وأنتم في أماكنكم لا تتغيّرون، إن كنتم بالانتخاب والشورى تؤمنون، وبينكم تجاوزات وطعون، إن كنتم تنادون بتكسير الأصنام وفي داخلكم تحملون متاحف أهرام، إن كنتم تقولون ما لا تفعلون.. فتصبحون على ندم..

أيها المعارضون إن كانت أقلامكم قريبة من معاناة الناس وأوجاع الجماهير، تشبه التربة وتشبه وجع الضمير، إن كانت أفعالكم كما أقوالكم تحترم الرأي والتعبير، إن كان خطابكم يعتمد الوضوح يرفض التسلق وقول الزور، إن كان حواركم خاليا من التآمر والتخوين، إن كنتم تؤمنون أن الحق جولة وأن الباطل لا يدوم… فنصبح وتصبحون على وطن… (المصدر: صحيفة « الحقائق الدولية » (اليكترونية – بريطانيا) بتاريخ 26 جوان 2007)

 

دليل انتخاب عميد المحامين

بقلم: الأستاذ فتحي عبيد

 

يعلق خمسة آلاف محام و محامية – أكثرهم من الشبان- أهمية كبرى على انتخاب عميد المحامين، القادر على مكاسبهم من جهة، و تحسين أوضاعهم المستقبلية من جهة ثانية.

و يتساءل الجميع عن الدليل الكتابي، أو الشفاهي، الذي يساعدهم على هيبتهم، و على إرساء تقاليد حوار بناء مع الجميع، تنتهي بإصلاح قطاع المحاماة، و عودة التفاؤل للمحامين و السؤال: كيف يكون الوصول إلى هذا العصفور النادر، و الأمل المفقود؟

صفات العميد في القانون

عند مراجعة القانون عدد 87 لسنة 1989، المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 المنشور بالرائد الرسمي عدد 61 لسنة 1989، المنظم لمهنة المحاماة، لا نجد بنودا خاصة للشروط الواجب توفرها في عميد المحامين، إلا ما ورد بالفصل 55 الذي جاء فيه: « انه يتعين على كل مترشح لخطة العميد تقديم مطلب كتابي للعميد المباشر مقابل وصل، قبل انعقاد الجلسة العامة الانتخابية بعشرة أيام على الأقل… و يجب أن تكون للعميد أقدمية في التعقيب لا تقل عن 5 سنوات ». و تجدر الملاحظة هنا أن قانون المحاماة السابق عدد 37 لسنة 1958 في فصله 44 لا يشترط أقدمية 5 سنوات في التعقيب ، أما الفصل 16 من قانون المحاماة الجديد، فيحدد شروط ترسيم المحامي في التعقيب، بما يلي:

1-               أن يثبت أن له أقدمية بـ10 سنوات منها 8 سنوات لدى الاستئناف

2-               التحلي بالاستقامة و الاعتدال و الكفاءة الصناعية القانونية

3-               تقديم مطلب كتابي إلى مجلس الهيئة مصحوبا بنماذج من تقاريره و أعماله القانونية

على أن الفصل 16 المذكور، يعطي امتيازا لمن مارس مهنة القضاء و انضم إلى سلك المحامين بأن تطرح المدة التي عمل فيها في القضاء من الشرط الأول، أي من شرط المباشرة في الاستئناف لمدة 8 سنوات

و هكذا يتضح، أن ما يشترط في المترشح بعمادة المحامين ، هو مجرد شرط شكلي و هذا إن دل على شيء إنما يدل على وجود فراغ قانوني هائل يتـجه سده عاجــلا أو آجلا، حفاظــا على مؤســـسة العـمادة و هيبتها ، و لما لها من أهمية في تقرير مصير عدد كبير من خريجي كليات الحقوق الراغبين في الالتحاق بالمحاماة من جهة ، و للمهمات الخطيرة المسندة للعميد و مجلس الهيئة، و المحددة للفصل 62 من قانون المحامين من جهة ثانية.

صفات العميد حسب الأعراف و الواقع:

درج المحامون في تقاليدهم عبر أكثر من مائة سنة على اختيار العميد بالانتخاب الحر ، المستقل الشفاف.

و قد كان المترشح يدفع عادة من طــرف زمــلائه القدامــى الشاهديـن له بالكفاءة الصناعية و الرصانة ، و دماثة الخلق و الصدق و الأمانة ، والفطنة، و الذكـاء، و الفصاحة. و هو عادة ما يكون متمرسا مهنيا ، و اجتماعيا ، مسنا. بحيث يتوجه مشواره المهني الناجح و الحافل بالمحطات النيرة، بتاج العمادة. و ذلك شرف يهديه المحامون من يستحقه من بينهم ، و لا يكون لمن وقع الاختيار عليه و تزكيته ، إلا النزول عند رغبة زملائه، و القبول بهذا التاج، الذي يرفعه طيلة دورة أو دورتين، يترك خلالها أحسن الأثر لدى أجيال المحامين المتعاقبة، حيا أو ميتا. و لقد كان المرحوم الأستاذ العميد فتحي زهير أحد هؤلاء العمالقة الذي نجح في مهمته، رغم دقة المرحلة التاريخية التي تولى فيها العمادة، و رغم التزامه السياسي، الذي لم يكن أبدا عائقا له في التألق، و إثبات النزاهة و الكفاءة.

لكن الأمر تطور مع مرور الزمن فأصبح ترشح العميد عملية معقدة صعبة تحتاج إلى « مكانة انتخابية » كبيرة تعد العدة المادية بوضع ميزانية خاصة و تستخير الرجال ضمن لجان مسندة قبل موعد الانتخابات لمدة طويلة و تضع الخطط المحبكة، و تدرس التحالفات الممكنة و تحرر الاتفاقات الخاصة لتقاسم المهام، و ضبط القوائم على أساس التوافق بين التيارات المتعددة و الجهات المختلفة. و كل من يترشح للعمادة كمستقل فما آله الفشل الضريع دون اعتبار لقيمته الثابتة كالأستاذ المرحوم الطاهر الأخضر أو الأستاذ سمير العنابي و غيرهما كثير.

و انتهى أمر العمادة بابتداع طرق جديدة بعضها لا يليق بهيئة المحامين و مكانتهم الاجتماعية. من ذلك، نشر غسيل بعضهم البعض على أعمدة الصحف، و في أروقة المحاكم. و ترويج الإشاعات المسيئة و التهم الباطلة، و استعمال كل الوسائل لإغراء المصوتين و توزيع الوعود يمينا و شمالا و اختلاق المعارك الوهمية، و رفع شعارات ظاهرها مغري و باطنها فيه الشر و تصفية حسابات و قد أدى كل ذلك إلى عزوف عدد كبير من المحامين عن المشاركة في هاته الانتخابات .

كما أصبح العميد حسب آخر التقاليد مطالب بالقيام بزيارات بمكاتب المحامين و هو أمر ايجابي لو اقتصر على زيارة العمداء و شيوخ المهنة أما ما يحصل الآن فهو مضر بصورة العميد لدى و فيه مشقة لا طائل منها.

و أخيرا تفنن المحامون في إطلاق الشعارات المغرية و التي من شأنها من كسب المزيد و أخيرا تفنن المحامون في إطلاق الشعارات المغرية و التي من شأنها كسب مزيد من الأصوات و منها:

1- شعار التشبيب: و هو شعار يغري الشباب الذين يتصورون أن عميدا شابا قد يكون أصلح لمستقبل مهنتهم و لكن الواقع أثبت أن العميد يحتاج إلى الدراية و الحنكة و التجربة و بعد النظر و كل هاته الصفات تكتسب مع الأيام و بعد المعاناة و طول النفس الذي يفتقر إليه العميد الشاب.

2- شعار الثورية و معارضة النظام: و هو شعار أوصل البعض للعمادة و أوصل المحاماة إلى حافة الخطر لولا ألطاف الله.

3- شعار الصوت المجدي Vote utile و هو شعار ضرره أكثر من نفعه يدفع المحامي الشاب للبحث في بورصة الإشاعات عن هدفه، فيميل مع من يشاع أن حظوظه أكبر ، و يترك البحث عن العميد المناسب، صاحب الصفات النبيلة جانبا و يفاجئ المسكين عند الإعلان عن النتائج لأنه ارتكب خطأ شنيعا و أنه سيتجرع الندم مدة ثلاث سنوات لأنه قبل أن يستسلم للشعارات الجوفاء، و لم يحسن وضع صوته في المكان المناسب .

و تستمر الحيرة، و لا يجد المحامي في القانون ما يشفي الغليل و لا تقوم الهياكل بأي عمل من شأنه توضيح معالم الطريق. و يتعقد الوضع، و يبقى البحث عن دليل لانتخاب العميد متواصلا بدون نتيجة.

و لملاحظ بريء أن يقول لماذا الحيرة؟ أليس العميد رأس هاته المهنة و رمزها فكيفما يكون المحامون، يكون عميدهم.

– هم فرسان الكلمة و الخطاب فلا يكون عميدهم إلا أفصحهم لسانا عربيا و أعجميا.

– هم رجال قانون و حقوق فعميدهم مرجعا و قيمة قانونية ثابتة

– هم أصحاب مكانة اجتماعية راقية فلا يكون عميدهم إلا ممن يحسب له حساب أينما حل و في أي موقع يتواجد فيه.

– و هم مؤتمنون على مصالح الناس و أمـــوالهم و أعــراضهم و لا يكـون عميـدهم إلا من بيــن أشـرفهم و أنظفهم يدا و تاريخا. و أكثرهم أمانة و صدقا.

– و هم معروفون بالاندفاع و النشاط و التطوع في الجمعيات فلا يكون عميدهم إلا ممن له باع في العمل الميداني و النقابي و رقم من أرقام المجتمع المدني.

– و هم منذ الصغر معروفون بكره الظلم و محاربة المعتدين فلا يكون عميد المحامين إلا ممن سجله حافلا بالمحطات التاريخية النضالية المشرفة.

– و المحامون و إن كان نشاطهم غير سياسي إلا أنهم يفهمون لعبة السياسة و عميد المحامين لا يكون إلا أكثرهم حنكة و قدرة على فك رموزها و إتقان قواعدها و النجاح في كل المفاوضات التي بخوضها مع السياسيين لتحسين وضع المحاماة.

هذه بعض خصال عميد المحامين وردت على لسان ملاحظ عابر بريء فما رأي المحامين المعنيين أكثر من غيرهم باختيار عميدهم؟ و هل من ميثاق شرف يحررونه في هذا الشأن؟ و أخيرا فما رأي المترشحين للعمادة فهل يجدون في أنفسهم في هذه الصفات ؟ إن الأمر يتعلق بصفات أخرى لا يعرفها إلا من يتقنون فنون جمع الأصوات و تسيير دواليب الماكينة الانتخابية.

 


هذا جزء من رواية مهداة إلى من قضوا نحبهم تحت سياط الجلادين ومن هم قابضون على جمر الوطن بعث بها إلى تونس نيوز كاتب تونسي مقيم بالمهجر في مناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب (26 جوان 2007)
 
الـمـُسـتـوطــِن

رواية: شيرين آدم باريس 2007
أسماء الشهور في هذا النص: 1 شهر بُرج الرُّومي 2 شهر بوسليم 3 شهر بوغَريب 4 شهر تدْمُر 5 شهر تازْمامارْت 6 شهر الحرّاش 7 شهر حرْبُوب 8 شهر بلاّريجِيا 9 شهر الهَوارِب 10 شهر النّاظٌُور 11 شهر بُوشُوشَة 12 شهر مُرناق
 

قد  يقتلون الأزهار كلّها..ولكنّهم لن يمنعوا حُلول الربيع.

 بابلو  نيرودا الإهداء إلى المناضل المُزْمن علي العريض في عزلِته ، وصحْبِه في محْنتِهم . وإلى الُمْنِصفين ،.. بن سالم والمرزوقي. و الَمْنِفيّين ،.. سليم بّقة وعبد الله الزواري. وإلى التونسيْيّن ،..أمين الزيدي وكمال الحجّام. وإلى رجلين آخرين، لهامةِ كلّ هذه الكلمات مع صاحبها شرف كبير في أنْ تنحني لهما إجلالاً وإعجابا: أم زياد ونجيب الحسني. إليهِم ..، وهم يقبضون على الجمرة الكاوية المُكنّاة بأرضي وبلدي ورغم الجِراح ..، يخفرون الليل كما النهار؛ و كما الحلم لا يهجعون، !ا إليهم جميعا –  مع اعتذاري سلفًا لأرواحِ الشهداء – .. ُأهدي بعضَ ما رشح من عجزي عنْ أنْ أكونَ حيّا كهؤلاء..، أو ميِّتاً كهؤلاء !! باريس 2007

 
 

وراء كل حُلم … فراقٌ يتربّص!

كمعظم الأيام التي تمرّ على قريتنا الصغيرة ، الحالمة على صدر هضبة فسيحة ، ..ولكن ككلّ الأحزان الكبيرة أيضا التي وشَمت وجودي، تبزغ شمسُ الصباح في خفرٍ وتردّد، ولكن شيئا ما بالقبّة يُغريها فتهرع نحو العُلى تتوسّط كبدَ السماء لِتُفصح بلا مداراة عن هويّة ذلك اليوم الجديد، ويستوي بذلك كلُّ ظل بصاحبه. كذلك كان سفري الثاني إلى عاصمة البلاد، مُشمسًا تتجلّى فيه الأحلام والأحزان كهرمين شامخين جنبا إلى جنب، ترفّ عينٌ للأوّل تشوّفا وترتخي الأخرى للثاني انكسارا و أسفا. ومن العجيب أن كان سفري الأول للعاصمة كالثاني، يحمل في طيّاته الفرحةَ والترحةَ، ولكن أثناء مغادرتي للقرية في السفرة الأولى كانت الشمس يومها لا تزال تتثاءب فلم تلحظ عيناي سوى هرم يشمخ بزهو و خيلاء …يُنبئ بآمال عراض، أو هكذا خيل إليّ…ولم يقتحم الهرمُ الثاني الجاثم بوثوق بجنبه عينيّ إلاّ عند رجوعي بخُفيّ حنين،وقد كانت السماء حينها أكثرَ ضياء و الشمس أكثر عطاء .ولم يغب عن بالي قول صديق لي معزّيا:  » أن تعود بخفيّ هذا السيد (حُنيْن) خير من أن تعود بلا شئ … أو لا تعود أصلا  » فحمدت الله على العودة و البضاعة. ويجدر بي أعزائي ولا شك أن أضئ لكم هذه العتمة أو هذين الخُفّين قليلا . فكذا ألقت بي عصا الترحال بعد نجاحي غير الباهر في امتحانات الثانوية العامة نحو العاصمة لأول مرة لتسجيل اسمي لدى كلية الحقوق التي كان صديقي سامح قد سبقني إليها بعام واحد. ولكنني لمّا هممت يومها بالاستفسار عن سبب شطب اسمي من سجلات التوجيه الجامعي وجدت نفسي بقدرة بوليسية في غرفة ضيّقة ومُقرفة أجتهد بعقلي و لساني لأدرأ عن نفسي تهمة خطيرة :  » تحريض سذّج القرية – وما أكثرنا – على كره الحكومة و الدعاء الخفي على رجالاتها « . ولما خلصت منهم نجيّا بعد أيام تحقيق و عذاب وعدت للديار خائبا،أخبرت والديّ بالواقعة كاملة بأسلوب لم يخل من التشويق و الإثارة رغم الأسى و المرارة،وليتني لم أفعل. إذ أقسم أبي الطيّب في ثورة غضب دفّاقة أنّه لن يُنعم على جارحة من بدنه براحة ولا سكينة حتى يدحض عن ابنه البارّ هذه الفرية قبل أن ينكسر حلم العائلة وتعبث به رياح الخريف القادم . واشتدّ جزعنا على أبي، فقد كان – رحمه الله – مولعا بإطلاق الأيمان المغلّظة والإصرار عليها مهما نَجَم عن ذلك من ويلات ومصائب،ولو لم تطرده الداخلية يومها،بعد أن اهتدى إليها بإرشاد فاعلي الخير،بتلك الطريقة الصارمة كما وصف ، أي شرّ طردة كما تقول العرب،لمَا عدل أبدا في سياسة ابتداع الأيمان المركبة واللهاث خلفها مُزمعا البرّ بها ولو طال المسير. هذه حزمة ضوء بسيطة تنير العتمة.أمّا سفري الثاني ..، فدياجير وطبقات ظلام ..،وشئ من نور يسير لفّني لزمن غير قصير. سفري هذا الذي أحدثّكم عنه أيها السادة، والذي أوْصلني تخطيطا وقدرا إلى قصر الرئاسة،كان الثاني والأهمّ في حياتي،ورغم ذلك لم تحضر زوجتي لتوديعي وحرمتني من بسمة ثغرها أو دمعة تسيل على خدّها.ولمّا تثاءب القطار ودارت عجلاته ورفرفت  المناديل المودّعة،أحسست أن يديّ معطوبتان وآمالي حمل ثقيل ينوء به ظهري.وكان القطار كلّما تقدم مزمجرا عارضا عليّ جمهرة أخرى من الأيادي الملوّحة بإشفاق وحب، يزداد الوخز في قلبي وترتفع شمس أحزاني ساطعة لتغدو الرايات في عينيّ سود، فأتهالك على الكرسي متسائلا :  » كيف للمرء وهو يرفع المرساة ليُبحر بعيدا عن حضن القرية أن تعّزيه صفحة بيضاء ترفرف أو عينان دامعتان على الرصيف ؟ إنك ولا شك الآن يا وردة،بعد أن صفّر القطار مرّتين، جالسة على الكرسي الخشبي قرب النافذة المطلّة على الطريق، ومن وراء الستار الأبيض الشفاف … أكاد أراك…غارقة في الحزن و الدموع… هكذا هو جسدي دائما يُسعد زوجي حينا ويُبكيها حينا آخر .يُربك حياتي،حاضرا كان أو منفيا،مخفيّا عن الأنظار أو ماثلا أمام عينيها كشمس يونيو، … سقيما كان أو معافى…،ولا مناص للأسف من إرباك زوجي معي. فقد فاجأتها، الطيبةَ،كما باغتني جسدي تماما بزوغانه عن ناظري،بضرورة سفري إلى العاصمة بلا تأجيل ولا تأخير. وأخبرتها بأن شيخا زارني بالمنام وأنبأني بفرصة عملٍ ذهبية.و رغم طرافة حديثي فقد كان عزمي على شدّ الرحال نحو المدينة الكبيرة يلمع في عينيّ كحدّ النصل،فهتكت بذلك وداعةَ أحلامها، ورفضَتْ هي بدورها أيَّ حجة أو أكذوبة سعيت جاهدا أن تكون مُقنعة أو على الأقل مطَمْئنة. وهكذا رحلت.
كان القطار في سرعته المدهشة وضجيج محركاته يبدو و كأنه اختطفنا مغنمًا إلى أقاصي البلاد، ولكن على أيّة حال كان يزمجر بين الفينة و الأخرى كعملاق، فتنقشع سحابةُ الذكريات وتغيض الخواطر برأسي حتى التلاشي.وأراه مستمرّا في شق السهول بلا مهل والنفاذ عبر الكهوف بجوف الجبال بلا وجل لا يلِو على شئ، كأنّما حدس أنّ مهمّتي جليلة، ولكنها أيضا مستعجلة. كنت أنظر من خلال النافذة عند تعرّج سيره فكان القدر يتبدّى لي لأول مرة بقاطراته العديدة وهي تترى متلاحقة في سير حثيث ،جبارا، عازما هذه المرة على أمر ولا شك جلل، وأمّلت أن ينال بصُحبتي مراميه الخيّرة بالرمح والقرطاس و الجسد… وبكل ما ذكره المتنبي أو سهى عنه، وسبحان من لا ينسى ولا يسهى. ساعدتني هذه الهمّة المحمودة على ترتيب بعض الأفكار لرسم تفاصيل خطة إخراج الجنرال من القصر عنوة إن تعنّت و كابر حتى أخفّف عن فؤادي من وطإة كُْرهه،وينجو الناس صحبة أهلي من سطوة زوجته الجميلة وغيّ أشقّائها الأشقياء،وبذلك يعود الغصن الى أصله ويؤوب إليّ جسدي المنفي … وأصفو إلى زوجي ،هناك ..في داري خاليا من عقدة الهزيمة و الجفاف المحدق دوما بأرضنا. وهكذا يا أحباب أذْكيت جذوة آمالكم فغدت حارقةً في عضدي و فؤادي، ولن يخفّف لضاها إلا طوفان عارم .ولكن مرة أخرى وجبت الإشارة أعزّائي أنّ الخطة العامة بأصولها البديهية كانت واضحة المعالم لديّ وهي تصبّ في البدء و المنتهى عند خلع حذاء الجنرال واسترحاع عمرو لجسده الهارب أو المنفي. سأخوض الصعاب لحمل الجنرال على أن يمثل أمام العدالة أو جرجرة العدالة إليه في عقر دارنا حيث يتحصن منذ دهر.هكذا توعّدته من جديد في القطار، ولذلك ستكون غزوتي – بل كانت فعلاً – كبرى،لا يخلُ منها سوى الغبار،أحْمِل فيها على ساكن القصر وزمرته ليلا أو ضحى وهم يعبثون.حملة رجل كألف،أمزّق صفوفهم وأُسْكن الفرَقَ في مفاصلهم. حتى إذا ما يئسوا من إطالة دُجى أساطيرهم ومدّ حبل أكاذيبهم،وسلّموا بأنّ الفجَر الذي داهمهم هو الصادق لا غيره فاستسلموا،عففتُ عما كانوا كسبوه قبل دخولهم عتبة قصرنا وغضضْت كعنترة – بصري عن محارمهم، إن وجدتُ لهم حرمةً بالدستور قبل التنقيح، ومددْت – كما قُدّر وفعلتُ – حبًّا وعدلا يدَ المساعدة للذاكرة ،حتى تُنصف الجروح من الخناجر والدمَ من صدإ الحديد.و وسط هذا الركام لابدّ وأني عاثر على جسدي يترقّبني.وارتاحت نفسي لهذه الخواتيم البديعة،غير متوقّع آنذاك أن أقدّم لقاء نفسي وبدلاً منها بعضًا من أحبّ الناس إلى قلبي قرابين للفجر والوطن.فهل تصدّقون؟ وزاد القطار لهذه الخاتمة زمجرةً مدوية. فعدلّت من جلستي مكْبرا في نفسي هذا العزم القاهر.ونظرت إلى كتفي ثم صدري الهاربين مربّتا عليهما بزهو غير خفي : » سنرى غدا أيَّ جسد وأيَّ روح هذا الذي زعم القطار اختطافهما .ثم أخذت قلما أسطّر به على صفحة من دفتري ملحقا من قادم الايام. ومن جديد لم تشفع لي هذه الانتصارات ولم يأخذني زهو طاغ، إذ داهمتني أطياف أبنائي وهم يعودون من المدرسة،فأصبح جلوسي على الكرسي غير مريح ،وحتى بلعي لريقي أضحى يثير اهتمامي،فازداد حنقي وبحثت عن قارورة ماء، وبجرعتين ومخاتلةٍ ساذجة لوعيي نِمت كأي مسافر أحسّ بشئ من التعب و الفتور، ولم أستفق من كوابيسي إلا والقطار قد خارت قواه على عتبات العاصمة فتوقف وقد لفظ جميع ركابه على الرصيف.
إستعنت بتاكسي أشقّ به زحمة المدينة واسترجعت أنفاسي ومسحت عرقا على جبيني ناظرا للشمس بتضجّر وعتاب : آه يا شمس أحزاني و أتراحي! كم تبدو هنا جدّ مشتعلة،تُشيع في المدينة جوّا من الإحتراس و التخفّي في الظلال. و الضجرُ يظهر واضحا على الملامح ،و الإضطرابُ يتخلّل خطوات السابلة.حتى السائق لم يُعفني من ثرثرته مُلقيا باللوم على الشمس الحارقة وما تنشره في الجوّ من نتن الروائح تنزعها انتزاعا من الأجسام والآلات على السواء،وما تُحدثه من خصومات بين الناس لأتفه الأسباب. ثم أزْعق منبّه السيارة متبرّما من قاطع طريق يعْدُو قبل أن تستعيد أسارير وجهه شيئا من اللطافة، ثم نظر إليّ من خلال المرآة الصغيرة وقال وهو يتضاحك بمرح طفولي : »ولكن الشمس هناك في جزيرة الجنوب هي المعبودة، ويسْعد بفضل بركاتها خلقٌ كثير  » . « تقصد شبه الجزيرة ؟ « عقّبت متسائلا. فردّ بلهجة خبير وقد بدا وأنّه ارتاح لمجرى الحديث : »نعم يا سيدي، هناك اللهو وحرية الاستمتاع بالبحر وشطآنه وفاخر الفنادق المكيفة والأجواء الراقية.هناك فعلا الشمس لطيفة.أما نحن، أمثالي و أمثالك فمساكين، يتركوننا وراءهم نحمي ظهورهم و نحرس لهم المدينة في حمأة الهجير « . ثم التفت إليّ غير آبهٍ لِما أحدثته جملته الأخيرة  في نفسي من امتعاض،وزاد بسرور: » والله يا سيدي الكريم لو اكتفيت هناك بِعدِّ النهود النافرة،المستقبِلة لأشعة الشمس ،وخاصة الوافدة من بلاد الخير و النعمة،لما كفاك الفصل كله. »  » ونخطب بعدها عن « هضاب الوطن  » « ،جرت الكلمة عفوا على قلبي ولكني استأت من وقاحة الرجل وبذاءة لسانه فأضربت عن التعليق،ولاحت لي بدون سبب واضح مدينة روما وقد حدّثني عنها غير مرّة صديقي سامح بعد تشرده في شوارعها فترة من الزمن ..،فألقيت رأسي على مسند الكرسي وكرّرت ما دأب سامح على ترداده  » روما ومدينتنا خطّان غير متوازيان،لا يلتقيان. في مدينتي كان المبتدىء ،وبين جنباتها – قسماً – سيكون المستقرّ الأخير  » إلتقطت أذنا السائق ما همست به لنفسي واهتبلها فرصة لينطلق من جديد، ولكن كمن يستدرك  » ولكن كُن على يقين يا سيدي أنه رغم كل شيء – أقصد الطقس طبعا – فإنّ عاصمتنا،وهنا التفت يمنة ويسرة،وخاصة بعد مجيء العهد الجديد أضحت قبلة للزوّار يأتونها من كل فوج وصقع بالعالم.حتى سكان روما،وأنا أعرف الكثيرين منهم،لا يفتؤون يعبّرون عن استحسانهم لآثار الفينيقيين والرومان، أجدادنا الأوائل، ولا ينقطع مدحهم لصحارينا الرائعة  » فباركت نفاقه بهزّة خفيفة من رأسي وبسمة مصطنعة محتميا بالصمت من هرائه . و مرّ ركبنا غير بعيد على ذلك المبنى الفظيع المتربّع كسلطان غشوم في قلب المدينة الجريحة، كأحد سلاطين خرافات ألف ليلة وليلة ..إلاّ أنّ الجرح لم يكن يوما عندنا خرافة.توافدت إليّ صورٌ مضمّخة بالشجن والوجع،ومن نفق بالذاكرة مغبّش تراءت لي ملامحُ أبي وهو يُزجر مطرودا من وزارة الداخلية،ويُذلّ لأجل أبوّته ،..والحبّ الذي يعمر وجدانه.. وبرّه بيمينه الذي خدش شيئا من عقيدته بعد فشله الذريع في إنفاذه .. لقد ظنّ يومها ( يا لأبي المسكين!) أنّ حبّه لي وحزمة قصاصات صغيرة تقطع بموالاة كامل أفراد أسرته بمن فيهم الرضيع،لحزب الرئيس،ستكون كفيلة بدحض تقرير الوشاية الذي رفعه عمدة قريتنا العتيد.ذلك الهَبْدَبِيّ الحقير كما أسميْته أنا ! لقد دخل والدي ذلك المبنى غير هيّاب،بتهوّر المُحبّين وتقوى الصالحين.ولمّا استقربه المقام في أحد المكاتب وألقى مرافعته كما حفظ أجزاءها الرئيسية عن ظهر القلب من أحد أصدقائه الخلّص بلجنة الحيّ بالقرية،إبتسم له الموظف بهزء ورثاء – أوَ خرج أبي عن النص يا ترى؟-  ..فكانت اللطمة الأولى التي أخمدت نار الحماسة بداخله ولم تعدْ سوى رماد حام . لكن مازال بالجُوّان نارٌ أخرى،فراح أبي يؤكد أنّ ابنه مسكين.فردّ عليه المستوطن بخبث قاهر  » ولكن نواياه لم تكن يوما مسكينة  » ثم وقف بعنجهية وحدجه طويلا قبل أن يسترسل  » أنظر هنا يا ..  يا..،ما هو اسمك؟ الحبيب..سيدي . الحبيب خليفة  »  » آه.. الحبيب .فهمت. أنظر يا سي الحبيب إلى هذه اللوحة ،..هل ترى هذه الجملة ؟ نعم هناك. » وأشار بسبّابته إلى وسط إطار مذهّب به نص طويل فقال أبي : » عفوا سيدي أنا لا أقرأ ولا أكتب  » وكأنما خيّبت هذه الحقيقة السيناريو المُعدّ من قِبل المستوطن فعدّله وقد تغيرت لهجته وهو يتأفّف « لا بأس،الكلمة مشاعة ومشهورة ولعلّك كسائر أفراد الشعب الوطنيين تحفظها عن ظهر قلب.ألم تسمع سيادته في بيانه  » فجر التغيير » يقول بوضوح :لا ظلم بعد اليوم! » ومع هذه الكلمة التي سمعها أبي أكثر من آذان الصلاة طوال حياته،أحسّ أنّ الشعلة التي كانت في صدره قد لفّها صقيع قارس أحالها إلى حفنة تراب بارد سيُفرغها بألم كبير عند أول منعطف طريق بعد خروجه.لا الدين ساعد، ولا العاطفة أفلحت في برّه بيمينه. و استمع لشذرات من بقيّة حديث المستوطن لم يكن لها أيّ معنى في بقية رحلته. لقد حان أوان الأوبة يا أبا عمرو. وسمعه يختم خطبته العصماء مشيرا بيده إلى الباب باستعلاء وصرامة باردين : »ولكن يا سي الحبيب و يا سي الخليفة هذه الكلمة تعني أيضا بنفس القدر وزيادة أنه لا نوم بعد اليوم، فاحذر أن تغفل عن نوايا ابنك واشكرنا إذ لم نحاكمه محاكمة عادلة ونرمي به خلف الجدران، فدلائل عقوقه للوطن وردت إلينا وهي كثيرة ». وعندما أراد أبي أن يطارد القشة التي تتلاعب بها أمواج يأسه،واستنجد بأيمانه المعهودة ليدلّل على برّ ابنه لوالديه قاطعه المستوطن بحزم آمرا: » مع السلامة ».وحثّ أبي السير قافلا ينشد السلامة. ومع استحضاري لهذه اللوحة الدرامية وبطلها أبي المتعثر في أذيال صدمته وأساه وتمام بره بقسمه،توعدّت المبنى في سري : » تبّا لك من جُدر جبانة « ثم تعالى الغيظ بأمواجه تلْطم دواخلي وأنا أرى أبي يعلو وجهه سُهوم ومرُّ الخيبة وهو يستعجل الخلاصة قائلا : »إنتهى أول حلم للعائلة يا أم  عمرو ».فكوّرت يدي بعنف حتى أحسست بأظافري تنغرس في راحتي فخطّت علامات حُمر وهمست منفّسا عن ضيقي الخانق « موعدنا الغد أيتها الدار الخرِبة » وتهيّأت سريعا للرد على سائق التاكسي.  » عفوا سيدي ماذا قلت؟ » فزفرت وأنا أجيبه متوترا بعض الشئ : » أيمكنني أن أجد شقة متواضعة للإيجار؟ » واستطردت « نصحني البعض بحيّ تشرين الثاني  » فبدا اهتمام ملحّ قد ارتسم بسرعة على وجهه وهو يردّ باحتراس وجدّية: »أقسم لك يا سيدي وأنا لك ناصح بصدق ما دمت قد استنصحتني من تلقاء نفسك ولوجه الله طبعا، أنّ من أرشدك إلى هذا الحيّ إمّا أن يكون غافلا عن حال الأحياء في العاصمة أو يكون من أهل هذا الحيّ، وهو بذلك يجامل حتما ولا يُسدي نصحا أمينا. » وكدت أن أقول له إنّ الذي قطنه من قبلي أفضل مني وقد رحل الآن إلى ربه، ولكني عقّبت بتراخ مقصود مُستشرفا بقية فصول المسرحية : » ولكن… » وكان هذه الكلمة كنفخة على جمرة،فاحمرت وجنتاه وقد توقّدت حماسة التُجّار في نفسه فقاطعني بتلطّف زائد (مادمت قد استنصحته! ) : » بصراحة سيدي الكريم، هذا الحي مشؤوم. فالبُوليس والعاهرات جلبوا لقاطنيه الأصليّين اللعنةَ و سوءَ السمعة  » وكنت أعلم أنه سيُطلق على أيّ حيّ ليست به صفقته هذه البسيطة كلَّ هذه الأوبئة و الشرور،فلم أعلّق على نُعوته،ما دمت قد استنصحته. وبعد أن أوصلني إلى أحد أصدقائه الأوفياء – زعم –   بحي  » ابن خلدون » واستوصاه بي خيرا، إفترقنا بعد أن نقدته أجرته.وعبثا حاولت إقناع صاحب الدار بقبول مبلغ شهري لا يتحمّل جيبي أكثر منه فلسا واحد.بل جادلني بمصطلحات عراقية محضة أضحكتني والله، إذ كان يقول  » هذا الموقع يا ابني سِتْراتيجي … ومجَاميعُ الدّكاكين والمحلاّت التجارية كلها على مقربة من هنا ». وفشلت المفاوضات، وأغلق الباب بوجهي وهو يزعم أني أرفض النعمة وأجحدها وأنّ الله للأسف يهَب الفول لفاقدي الضروس! وضربت في الأحياء القريبة وأنا أعاني ثِقل الحقيبة أنشد بُغيتي، فوجدتها على بُعد مسيرة ساعة أو تزيد غير بعيدة أيضا عن مثل هذه المجاميع،وكانت غرفة صغيرة مع مطبخ وحمام صغيران لهما شباك قديم يطلّ على زقاق ضيّق ،فيه أطفال صغار يلهون. عندما يبتلع الجرحُ جوفَ الظلام – 11 نهج سيدي الغرياني ت. ب 1936.9.3 عمرو خليفة – هكذا كان عنواني الجديد شبه كامل لا ينقصه سوى اسم الحيّ. ويبدو أن الصدفَ رغم ثرثرة سائق التاكسي لم تعفني من الاقامة بحيّ تشرين الثاني. وكذا أمليت العنوان كاملا على زوجي بالهاتف.كان الحيّ قذرا،تتربّص فيه القطط المشردة بالفضلات هنا وهناك..،برك المياه تتوزع على نطاق واسع،وحركة سكّانه تنبئ بمزيج غريب من البؤس و الحيوية. ورغم ذلك فقد طابت نفسي لإحساسي بقرب المنازلة،وتهيّأت مع شروق شمس اليوم التالي بدُشّ بارد وقبله بسبع بيضات مع ثلاث ملاعق عسل.ولمّا استويت عاريا أمام المرآة بعد أن جفّفت قطرات الماء العالقة بجلدي،ورغم غبش كان يعلوها، فقد توارى جسدي عن نظري وأضحت المرآة في غفلة تامة عنه.تماما كما حصل منذ يومين فقط بالقرية.ذلك اليوم المنعرج.  إذ كنت يومها قافلا إلى البيت من فلاحة الأرض وقت الظهيرة وأنا شارد الذهن، وارتطمت بسطل ماء فلعنته من شدة الألم .لكنّي عدلت بعدها عن غضبةٍ توثّبت داخلي بلا مبرر فغرفت من السطل حثيات على رأسي ووجهي وأزلْت ما علق بي من عرق وغبار العزق ثم دلفت إلى الداخل فاعترضتني ابنتي الصغرى سيرين تحبو في اتجاهي فزايلني الإحساس بفرط التعب،وحملتها بين ذراعي أطوّح بها في الهواء وهي تضحك مسرورة وسألتها عن أمها بصوت مسموع وأنا سائر إلى المطبخ أناغيتها بوجدان مفعم بالحبور. وبعد إلقاء السلام  على زوجي زدت لسيرين سؤالا: » هيه بنيتي،هل سمعت اليوم خُوارَ شَتْرَبة ..هه…كيف يخور.هيّا أسمعيني شيئا من موسيقاه،ألا يقول أوووه !؟ وخروفنا الصغير كيف يثغو …هيا قولي …ما..ما..ما.. ».فنظرَتْ إلى أمها وهي تتفجّر حيوية ونشاطا وتنادي » ماما.. ماما  » فقلت معقّبا وأنا أتصنّع الجدّ والإستغراب: » لم تفلح سيرين في الأولى ونادتك في الثانية.يا لفطرة الأطفال!  » فنظرَت إليّ وعتب خفيف يشعّ في عينيها الجميلتين وهي تقول: »على الأقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دعا للأغنام دون سواها من الحيوانات،ففِيها الخير والبركة ».ثم تساءلتْ بسذاجة : » ألا تحبّ ثورنا  » فرددْت : « بلى » . »ولِمَ أراك إذن تتحدّث عنه أحيانا وكأنه قتل أباك »ثم انفجرت ضاحكة من سؤالها فعَلَت البسمةُ وجهي وأنا استمتع بمحْياها الصبوح تُرعشه الضحكات حتى هدأ فعادت إليه وداعته. وجاء دوري فقلت :ولكنك لمْ تسأليني يوما عن معنى إطلاق هذا الإسم على ثورنا  » . « ألم تقلْ إنه اسمٌ لحكيم عاش في غابر الأزمان.؟ فقلت لها وأنا أعي أني سأُحْدث في أعصابها رعشة خفيفة… « ولكني قصدت به شيخنا الجنرال، والإسم إنما هي تقية داريت بها حيواني… » فقاطعتني وهي مقطبة الجبين كأنما تُسارع إلى درء فضيحة قبل أن تنتشر : »أُسكت يا رجل،ألا تتّعظ من الماضي أبدا. ماذا لو سمعك أحدهم ووصلت الوشاية إلى أعلى.فوالله لَيُزَجّن بك في السجن وليذبحن ثورنا ونتشرد من بعد مزاحك الثقيل هذا نتقفّى آثار السجون كعائلة البدوي ». فقلت خالطا هزلي بلحظة جدّ : » وكيف لهم أن يذبحوا الكلب إن خلعنا عليه الإسم ذاته » واستمريت في غيّي على هذا المنوال.ولكنها صمتت قاصدة صرْفي عن هذا الهراء،وفجأة سألتها كمن يحدثّ نفسه : » ولكن يا وردة ألم تسمعي ماذا خَارَ البارحة ؟ ضربت بكفّيها ضربات متتالية على العجين وقالت بلا اكتراث : » الحشيش موجود وكذلك التبن بما فيه الكفاية « .وبعد أن رمت بثلاث أقراص من الخبز في الفرن إقتربت منّي وزوَت ما بين عينيها تعجّبا مما ترى من شرود على وجهي، ثم ندّت عنها زفرة وحملت سيرين معها وخرجتا.وضللْت وحدي ألوك كلامي كما تقيأه التلفزيون البارحة  : »لقد قضينا بفضل مجهوداتنا الدؤوبة على مناطق الظل ونعِدُكم في العشرية القادمة أن…. ونهضت متسائلا بصدق : » لم افهم أبدا لِمَ يُزجُّ دائما باسم الكلب رغم وفائه وخدماته في أحاديث الشتم والتحقير؟ أية عدالة هذه وأية أخلاق؟ بل أي نفاق هذا؟  » وخلق الإنسان جهولا « . ولم أبحث عن جواب منطقي بل قصدت رأسا مخدعي .إستلقيت على فراشي حتى أخذتني سِنة من النوم .توالت عليّ أجزاء تترى من رؤيا كانت فعلا غريبة عجيبة! ورغم ركضي  فوق السحاب أربعين يوما على صهوة جواد أبيض أو أسود أعدو وراء غمامة شاردة ثم مشيي في رحاب السوق عاريا تماما بلا ارتباك ولا خجل، ورغم عدم انتباه كل من مرّ بجانبي ولم يردّ علي أحد التحية …لم يثر اندهاشي قبل أن تحضّنني يدُ زوجي سوى كلمة واحدة قالها الشيخ وهو يمضي في حال سبيله . وصحوت مضطرب الأنفاس مشوّش الفكر وزوجي عند رأسي وهي بَرِمة من حُلمي : »حتى منبّه الساعة ما عاد له دور سوى إزعاجنا بدلَ إيقاضك،وكأنك يارجل في عالم آخر؟ » وقبل أن تنفتل نحو الباب سألتها بصوت متلعثم : » ولكن أين الشيخ ؟ ألم يعترض سبيلك عند الباب ؟  » فاتّسعت حدقتا عينيها بهتة واستنكارا ووضعت يدها على جبيني المتفصّد عرقا،و بإشفاق ساخر مسحت على جبيني وهي تقول : »دثّروني، دثّروني » فعلمت أنّ الحلمَ المُثير قدِ انقضى وأدبر مع الشيخ، فاستدعت نفسي القِلِقة غضبةَ السطل التي وأدتها قبل ساعات وقلت لها: » عزيزتي وردة ،..عليك ما تستحقين من السماء قبل الأرض، أنت والمنبّه وشتربة معكم » فخرجت منفعلة دون أن تنبس بكلمة واحدة.شعرت بالخذلان وكأنما الغضب الذي تملّكني هو في محلّه تماما،و لم أر غضاضة من تأكيده،فارتفعت نبراتي باحتجاج أليم : » وهل سَتبُور الأرض وتكسد حياتنا الكاسدة أصلا لو زدت في النوم دقيقة أخرى؟ » وتناهى إليّ صوتُها وهي تغمغم بتضجّر تُشوبه الحيرة: » سبحان الله يا ناس،العالم كله ينهب الأرض نهبا سعيا وراء الرزق وسي عمرو، ما شاء الله.. يتمطّى ويتثاءب فوق السرير ويلعن، ويسأل عن شيخ خرج من الباب وعجوز دخلت من الشباك  » وختمت بغيط مكتوم : » عِشْ رجباً ترى عجباً  » مع أنّنا عشناه سويةً قبل شهرين في وئام وسلام. *            *            * لقد خاطبني الشيخ يا جماعة بصراحة وفصاحة.  ولكن عن أيّ شيخ وأية فصاحة أحّدثكم الآن ؟ كان الشيخ رجلا ذو وقار، وسحنته توحي مع الغلظة بشئ من العلم والحكمة، ورغم هذا الوصف الأمين فقد ضربني مرة أيام عبث الطفولة وأنا بداخل حقله أسرق  تفاحا فجّا.والفصاحة ولا شك تمتّ بصلة إلى الحق و الوضوح. أَوَلم يكن دفاعه عن ثمار حقله نوعا من الفصاحة في الرأي؟ على كلّ ..، لقد قال لي الشيخ بالمنام في تساؤل حكيم : » ألا تشتاق لزيارة الهَبْدَبِيّ الأكبر و أنت على مشارف الأشهر الحرم؟ « . نعم، لقد نطق بهذه الكلمة و الله بمهابة الفلاسفة وجلال الحكماء، وكأنها كلمة تجري على الألسن منذ القِدم كما تسقط الأمطار بمناطق الإستواء منذ الأزل . نعم، لقد نصرك الشيخ يا عمرو. تالله إنك لذو حظ عجيب  » الهبْدَبِيّ الأكبر » هكذا ببساطة، وكأنّني لست أنا الذي ابتدعها لحظة يأس وقنوط. ولكن أيكون سامح أو زيد قد أشاعا اللفظة بين العامّة دون علمي، ووصلتْ بالتواتر إلى مسامع شيخنا المهيب؟ ولكن الشيخ مات قبل بِدعتي اللغوية بسنوات أربع على ما أذكر،ولا أتخيل صديقيّ قد تلفّظا بها أو شرحا ولو تلميحا معنى البدعة خوفا من الرجم والتفيسق. أيّ إبداع هذا الذي جمع كلمتي بالشيخ في درجة من الزمان واحدة ؟ ولكن أي زمان هذا وبأي مقاس أحدده؟ لقد مات الشيخ قبل سنوات يا ناس . أيصحّ إذا أدبا و خُلقا أن أقول إن الشيخ قد سطا على مفردتي كما سطوت وأنا طفل صغير على تفاحه؟ وواحدة بواحدة! ولكن الشيخ حتى وإن سطا،فلِحكمة ولغاية رفيعتين لا بد أن القدر حاسر عنهما الحجاب ولو بعد حين. تحوّطني بحر متلاطم موجه الحيران، والإثارة تغزوني من كل حدب وأنا قاعد على السرير أستمع إلى صوت زوجتي يطرق سمعي بتراخ مشحون بدلالات لا تغيب عني : » أنا ذاهبة مع سيرين لزيارة أمي.غداؤك وغداء الأولاد حين عودتهم من المدرسة فوق الطاولة »أخرجتني كلمة » أمي » من بعض التساؤلات التي ظننتها عقيمة وذكّرتني رأسا بجار أصهاري …، ذلك الرجل الهرم – رحمه الله وغفر له- الذي عمل لصالح الحكومة كعمدة لقريتنا ردحا من الزمن يقارب النصف قرن (مرة أخرى،هل تصدقون!؟) وستعحبون لقولي إنه كان سبب بدعتي الإصطلاحية. إذ دمغته منذ تلك الواقعة (شطب اسمي من الدراسة الجامعية) بكلمة « الهْبَدِبّي ». ورغم شيخوخته فقد اعتزل مكرها عمله وهو هبدبي صغير. لقد كان مبالغا في تحمّل أمانة الخلافة في قريتنا. كان يخرج من منزله وقت يقف إبليس على ذيله من شدة الحرّ كما تقول المرحومة، ويدبّ بين الأحياء متلصّصا يشتم الأخبار. ويتحسّس كما زعم طويلا أو يتجسّس كما هو الثابت عند الجميع، طروء أي تغيير في الحيّ أو زيادة في حال أو نقصان في مال،أو خصومة بين هذا وذاك أو ما شابه ذلك من القيل و القال،لِيرفع كل ذلك إلى الدوائر المعنية.حتى بات مع طول عمله متآلفا مع منطق الوشاية والجوسسة متخيلا نفسه – حقيقة لا مجازا أو اعتبارا- نائب الجنرال بالقرية،لا تفصله عن رئيسه المباشر سوى درجات إدارية حتّمتها الجغرافيا ليس أكثر. وهو يبدو في هبوب لا ينقطع ودبيب لا يكلّ،يجمع الأخبار ويسوّق مزايا شيخنا الجنرال.ولم تكن تهمة « تحريض سذّج القرية على بغض الحكومة » سوى اختزال لتقرير هذا الهبدبي،ونتيجة قراءة شابها غير قليل من التعسف.ولكنه على أية حال أفلح في قطع الطريق أمامي بجرّة قلم وبضع ليال بالداخلية.وقد كتبتُ لسامح بعد الواقعة : » أصبح كلُّ من هبّ و دبّ في هذه الربوع وهذا العهد بإمكانه أن يرجم السماء فيؤذي الغيب. وها هو أحد الهابّين الدابّين، هَبْدَبدَبٌ صغير،أو لأسمّيه بعد الإجتهاد « هَبْدَبِيّ » صغير حقير(فهذا أجمل و أيسر) قد رجم مستقبل تعليمي بحبره العتيق وجرح مستقبل أيامي (…) إنه هبدبي صغير كما أقول، ولكن ما نالني من ورائه تقريره كان حقّا كبيرا… (…). *              *              * أخيرا نزلت من على السرير ودلفت إلى الحمام .وبعد خروجي وتجفيف شعري بغرفة النوم، نحّيت المنشفة ونظرت إلى وجهي فلم له أثرا. حدقت يمينا وشمالا، ولكن لا جديد أقنع المرآة بوجودي.نظرت إلى الخلف فرأيت كل أثاث الغرفة قائما في مكانه.أمسكت المنشفة وعرضتها بسرعة وعصبية على المرآة فبانت كخرقة بالية متدلّية في الهواء لوحدها والمشجب غائب. فترامت راحتي إلى وجهي تغطّيه.وكبتّ صيحةً مكتومة انطلقت من حنجرتي مستغيثة « يامُعين » ثم هويت على الأرض كومة لحم يرتعش وعظم خرقه فزع رهيب .ظننت العمى قد زحف على عيني فاستلّ مني البصر واغتال ما بقي لي من أحلام شاردة وسعادة مرجوّة …تدافعت الصلوات بصدري تتزاحم وتتشابك (وسبحان من فضّها) لا تجد لها في الألفاظ مُنجدا ولا معينا. ولا أجد أنا فيها سوى عزاء واهن. وانثالت علي صور من شريط حياتي انبثقت داخل الظلمة التي هويت فيها، ولكن السواد الحالك سريعا ما يكرّ على كل شئ هاجما بشراسة فيُحيله إلى لا شئ ليستقر ظلاما دامسا يخرق سكونَه نبضٌ سريع متتال يضرب في صدغي، في عضدي…، لست أدري  أين تشرد قلبي …حتى الدم خشيت من فرط جنون حركته أن بنبثق خارج الشرايين. واستسلمت كغريق أقنعه الموت بموعد وشيك للقطار،وبانت ليَ الأرض آنذاك – كما قال هوميروس- جميلة، بل إنّ عرقي الممتزج بطين حقلي الذي سرعانما كنت أهرع للماء لأزيله، أضحى عندي ماءً فراتا لن أجرأ على الحلم به يسيل على محياي و عضداي بعد اليوم .. وزوجتي ..آه مني..لقد ذهبت الحبيبة مُغضبة ..،ولكنها ستعود و لا شك وتستبدله كمدًا ووجعا يغيب عنهما الأفق ..وسِيرين ..كمْ بحرا وصحراء يفصلاني عنك الآن.. فلا مناغاة بعد اليوم بُنّيتي ولا تطويح في الهواء …والآمال العِراض عرض السماء،والوردية بلون الربيع .. كم تبدو ليَ الآن بشِعة و مُجرمة.. ثقيلة ثِقل الأرض على قرن ذلك الثور الأسطوري..ها أنذا الآن ثور حقيقي يسقط بلا سكاكين تُشحذ أو شهود تشهد.وبعد كل هذا،هل لي أن أفهم أي زهو هذا الذي ينتاب الإنسان ويُسكره أن كان مفضّلا على جميع الخلائق… وخاصة (وأشدّد) الكلب …الوفيّ…الأليف. ومع كل هذه الترّهات الدرَامية لم تجْمد قوانين الطبيعة أو تتأنْسَن ويا لِحِيادها الرائع…والأبدي. تسرّبت إليّ برودة البلاط شيئا فشيئا حتى سمّمت عظامي،فخنقتُ أنفاسي ثوان معدودات،وعدى صوت دقّات وقرع بصدري لم يلتقط سمعي سوى أخلاط من غناء الصراصير ونباح الكلاب، فعاودني أمل جارف بالحياة ونزعت يديّ عن عينيّ وفتحت جفنيّ باحتراس،فإذا بالغرفة بجميع أبعادها وأثاثها المتهالك تقفز إلى دائرة إدراكي،والستائر الخضر رأيتها منكمشة في الوسط… ،وتلك المنشفة، أين هي؟ .. نعم لا بدّ من الإستدارة …لم أكن يوما نعامة إلا هذه المرة (إن لم تخنّي ذاكرتي الضعيفة)نعم ،لأستدر الآن . ها هي ذي المنشفة قربي.. العطب ما مسّ بصري أبدا.(وهل هنا كانت الخشية؟)  ولما توافد إليّ وعيي شيئا فشيئا رفعت يديّ أمسح العرق وأنهض بهمّة رياضي أولمبي لأواجه المرآة… فلم أر لي لا عينًا ولا أثرا .دثّروني دّثروني وأحسن الله عزاكم! اللهم غوثك ..، الفاجرة لا تنطق بشئ منّي، تتجاهلني جملة وتفصيلا ..فلتقرأ القرآن يا عمرو ولتستعذ به من الجنّ و الأبالسة …  ولكن هذا بدني أحس به يرتعش من الغضب و الجزع..وها أنا ذا الآن أريد أن أخطو إلى الخلف فأفعل، وأعود إلى الأمام فيكون ذلك بيسر وسلاسة ..وهذا وجهي أقرصه فيؤلمني، بل أصفعه ولا أصيح،وهذا الجرح المندمل من آثار مظاهرات « العامريّة » ما زال على جبيني، وإنّي الآن أتحسّسه. فماذا يعني هذا؟ وبقبضة مكورة حشوها العجز واليأس،هويت على المرآة فتكسّرت محتويات الغرفة على وجهها، ونظرت إلى ملابسي الداخلية وبخفّة أمسكت تبُّاني وأنا أكاد أرى فيه عتبة الحياة – يا للسخرية وللضعف الماحق- وما إن ارتديته حتى تكسّر هو وباقي جسدي مع سائر مُحتويات المكان على شاشة المرآة المهشمة،واقتربت برأسي لأتيقّن.ولكن هل يحْدث أن لا أميّز بين جسمي والكرسي أو الشباك. وصحت فجأة بعد خرس ظننته لزمني دهرا:نعم يا عمرو، هذا هو أنت…  إن هذه إلا عينيك يا رجل، وما هذا الجرح سوى أثر ضربة هراوة بوليس أحمق …ظهر الحق وزال الغم إنّ الغمّ  كان زائلا. وركضت بسعادة طفل عابث نحو مرآة الحمام، وكانت المفاجأة أكثر من سارة. جسدي موجود، إذا أنا مرزوق. وبعد واقعة التبّان وتعبيري للرؤيا وفق أهوائي بلا شطط ودون معاكسة لأصول التفاسير في هذا الباب ،كان قراري الخطير والفوري: شدّ الرحال إلى العاصمة للمرة الثانية في حياتي.    *           *           * أطلّت شمس الصباح في يومي الثاني من أيامي الأربعين التي وهَبنِيها الحكم الصادق (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) وما وشْوشت به رياح المقادير آنذاك وقد صدق فعلا همسها. ونُشر الضياء الساطع على أحياء العاصمة مُعلنا هزيمة روتينية لِليل لا يملّ العراك. وتساءلت بعد خروجي من الحمام : ترى هل يلزمني شئ من العطر وترجيل شعري؟ فتحت الباب بشئ من الحيطة أرقب الناس وقد شرعوا يُفصحون عن نواياهم المضمرة ليلا،وفُتحت النوافذ والشبابيك مع أبواب الدكاكين على مصارعها،وأضحى انتشار السابلة يحرّك الحياة وينعشها. وبمحاذاتها سرت محترسا يقظَ الحواس. وحمدا لعُريي الذي زاد من رهافة جوارحي. اجتاحتني سعادة مثيرة وأنا أمشي بين الورى كما ولدتني أمي. أين الحياء الذي يحمّر الوجهَ ويلعثم اللسان؟ وأين هو الخجل الذي يتمنّى معه المرء أن يغيض في رحم الأرض ولا تحدجه عيون الآخرين؟ ..ولكن أين أنا في شاشات مدارككم قبل هذا حتى أخجل من نظراتكم؟ تُرى هل صدق من قال : الآخر هو الجحيم؟ ها أنذا الآن أخطو من أمامكم ومن ورائكم،وعن أيمانكم وعن شمائلكم،وأحدّق في مآقيكم فأراها تحوي الفراغ وتنطق بتجاهل حياة كاملة يرزح تحتها جثماني..هه، وبعدها يطلب بعضُكم مني – وما أقلّ حياؤه – شيئا من الإحترام والآداب! ولكني – وأنا يحاصرني صدى الصدمة – لم أكن عبثيّا في تصرّفاتي ونظرتي للحياة ،بل عكس ذلك تماما . فلقد شعرت بعدم اكتراثكم والتمست لكم العذر، وهذا ما ساعدني على خلع رداء الحشمة،ولكن حيادكم هذا دثّرني بإزار المسؤولية على سلامتي وسلامتكم . فأنا الذي يَرى ولا يُرى،وهمُ الذين لا يشعرون بما لا يُرى. ولذلك سِرت – كما حدثتكم آنفا – مُحاذرا أن يصطدم بي شخص أو تهوي عليّ من إحدى الشرفات مياه غسيل ملوّثة بأدران الثياب.فكنت أراوغ مُعترِضي دربي العُجالى فأزوغ عن سُبلهم،ويتحذلق جسدي – ويا لمُتعة تلك الحذلقة وفنّيتها – إن اعترضتني طائفة من النساء أو طالبات المعاهد والجامعات . وحينما بدأت أعي مشقّة المشي أعْليت معنوياتي بجروح الماضي، ولم يبخل عليّ شيطاني بتشبيهي – ولا غضاضة – بالمهاتما غاندي. فكلانا قطع السبلَ حافيا في سبيل الأوطان،وإن كان هو استعان بجوعه على تجسيم مراميه،فأنا استنجدت بنزع ملابسي حتى الداخلية منها لغزو  » الداخلية  » . والجوع ليس غريبا عنا على كل حال،فبالأمس فقط خارَ جنرالنا بأنّ مناطق الظل قد اكتمل مشروع إزالتها،وهذا يعني في عُرف الأجداد إكتمال بناء صورة جديدة لجوع قديم ! وحرصا على أن لا أنقلب  إلى فتنة بين السابلة وأبعثر بذلك حياتهم الرتيبة – ولو إلى حين – رغم بعض الهفوات هنا وهناك،والتي غالبا ما كانت تخلف فقاعات من الدهش والإرتباك سرعانما تزول،شددت على أعصابي وتجمّلت بالصبر وقد مضى الحر ُّقُدما في عزمه على شدّ الخناق عليّ كأنما وقع على أعزل فنفث فيه غيضه،وأسال من لا وجودي عرقا ينزّ باسترسال ويخلّف كل بضعة أمتار آثار أقدام على الرصيف تُنبؤ الخبير بالقيافة أن هاهنا في مكان ما من العمران كهف أوى إليه أحد الروافض . ولكن أين الدليل الملموس ؟ وكان من حسن حظي وحظكم طبعا أن لمحت شاحنة مكشوفة متوقفة عند محطة بنزين، ولم أفوّت فرصتكم. وانطلقت بي وأنا مستلْق على شكائر القمح والشعير والذرة فانتعشت ببعض نسمات رقاق داعبت وجهي واسترخيت مُضلّلا عينيّ براحتي اليمنى أحدّق في طائرة مروحية ترقب الأرض من علي. وعندما هممت بالنزول عند إشارة حمراء رأيت بوليسيا مرشوقا كالشيطان قرب لوحة الأضواء آمرا بقفازيه البيضاوين اللمّاعين السائق بمواصلة الطريق  وحرصا على الوقت الثمين من الهدر والضياع دققْت على النافذة الخلفية دقات متتابعة،ولمّا ألقى السائق نظرة عجلى على الفراغ مفزوعا لا يرى العِرقَ النافر من جبيني واصل سيره بهدوء وحذر،وهيهات أن أمهله،إذ صحت به على وقع ضربات أعنف بحدة وغضب  » ألا تسمع يا رجل ، قلت لك توقف ..الآن!! ونزلت أشقّ طريقي بين السيارات وصرير العجلات المحتكة بالإسفلت واحتجاجات المنبهات الزاعقة على سياقة الرجل   » الخرقاء  » يضجّ بها المكان .حتى وصلت إلى الرصيف المقابل وأمِنت مكر الآلات،وألقيت نظرة فأسفت لمشهد وإن بدا غير غريب عني. فقد كان السائق يبحث عنّي ثم يعود مضطربا ليقسم لعون البوليس ويستنجد بالجليس على ادّعاء لا يصدّقه فيه غيري وليته كان يدري ! وبعد خطوات مرتبكة لاح لي أخيرا باب الأنس العظيم تعلوه ساعة حائطية عملاقة كانت تشير حسب ما أذكر إلى الساعة الثانية بعد الزوال . وإثر ولوجي من الباب أحسست بانقباض في صدري وتشتّت ذهني وأنا أحاول استجماع ما بقي لي من حول لمواصلة السير الحثيث وقد ضاع أثناء الطريق ما ضاع. أيَكون التوجّس قد عاودني من وطء أرض مزروعة بالألغام؟ تساءلت. ولكن هذا التلبّك المعوي ينغص عليّ فعلا صفو تفكيري أيضا..،ولكن وأيْم الله لأصلنّ إليك أيتها الداخلية ولو حبوا بعد الغروب.  أأنت صادق يا عمرو في جراءتك هذه!؟ وبينما أنا أتساءل مُحاولا تحسّس أثر هذا القسم في التمام حواسي وتوقّد نيران الحب والكراهية بفؤادي إصطدم بي أحد الشبان وهو يعدو بسرعة ويلتفت بين الحين والآخر وراءه كأنه فارّ من مُتعقّب،فأسقطني أرضا واكتوت إليتيّ بلهيب الإسفلت حتي صِحت من فرط الألم لو لا أن لمحت رجلين موفوري الصحة يغذّان الخطى في اتجاهي بعزم بيّن،فكبتّ ما تبقى من الصيحة وخشيت رفسة أربعة حوافر كانت ستكون مُهلكة لو لم ألمّ شعثي بسرعة وأهرب مبتعدا عن زحمة المارّة.وعند ظل حائط ملوّث ببقايا مزاعم الفن والسياسة وقفت ألتقط أنفاسي وأمسح العرق عن جبيني . ألقيت نظرة خللَ شجرة كبيرة قريبة مني فرأيت علمَ البناية لوزارة الداخلية منثنيا على نفسه ومستسلما في سكينة ووقار للسلطان الذي وأد من حوله كل نسمة ريح. وعندها امتزجت في صدري مشاعر التوثب للإنقضاض على عدوّتي وقاتلة صديقي ومشاعر القرف التي تثبط عزمي وتبطؤ من وتيرة السير قدما. ولكن بأيّة دعوى ؟ هل بدعوى هجر من لا تطيق ولا تألفه وتلمّس مواطن الراحة والأمان بعيدا عن حماه؟ ولكن هذا هوا موطني وهذا هو قدري. أيّة أحاسيس مشوّشة هذه التي من رحِمها تُولد مشاعر ومشاعر تدفع باستنتاجات تافهة ! ألا تريْن أيتها الداخلية أن الحبيب يهرع إلى محبوبه وقلبه يخفق أملا وحبا كما يخفّ الرجل إلى عدوّه ساعة المقارعة والحسم وفؤاده أيضا يخفق أملا وبغضا؟ تُهت بنظري المتسكّع حتى وقع على الطريق المُوصل إلى المبنى العتيد،فعبَرت بدني رعدة خاطفة وتمنّيت بكل صدق ساعتها لو كان في صحبتي أحدكم يشدّ أزري أو يدثّر عُرْيِي . وقد تعجبون من قولي هذا أو تسخرون من ارتعاش خطوي فوق هذا الطريق.. وأنتم اليوم تسيرون الهُوينى وتحومون حول حمى المبنى في أمان حمام الحرم . ولكن حتى تفهموا لهذه الرعدة معنى لا تُسقطوا حاضركم على ماضيّ أو أمسي على يوْمكم . فأنا أعلم الآن أنّ البنية التحتية تُبهر السائحين وتغري أكثر المولعين بالسيارات بالترجّل ولو قليلا في تلك الطرقات والمسالك الجميلة . أليس من الروعة والفخر اليوم أن شبكة الطرقات والمواصلات جعلت من مبنى المتحف الوطني قِبلة للزوّار من كل فجّ لا يلْقون على دربهم وهم يرافقون أبناءهم حجرا ولا رهقا؟! ألم يكن ذلك المحيط بالمتحف قد هجرته البسمات دهرا مديدا وخلتْ منه الآمال في ظل الداخلية النافقة؟ هذا الأمان أيها المواطنون ،أيتها المواطنات، ناتج عن أمسكم معي.ولكنه قبل تلك النقطة الممتدة في زمن جميل كان إرهابا متفشّيا في الجوّ، يكاد يلامس أنفك وأنت تشمّ زهرة أو ياسمينة! ولتسألوا أجدادكم إن تكاسلتم عن قراءة ما حبّره المؤرخون النزهاء.فقد كانت المسالك المُفضية إلى الداخلية قليلة،أو بالأصح  كثيرةً، ولكنها كانت مُلتوية ومزدحمة و مُفزعة لسالكيها.وكانت قاعدة أنّ الطريق المُوصل إلى سكناك هو الذي تسلكه بداهةً للقاء أهلك وطبع قبلات على وجنات الأطفال مُسقطة من مفاهيم المنطق والعقل.حتى الطريق الذي سلكته وسقطت فيه رغم الأشجار العملاقة المورّقة التي تجثم على جانبيه، كانت كثيرا ما تؤدّي إلى المهانة وتُفضى إلى السديم.إسألوني واسألوا غيري إن شئتم. وهاهي رحلتي التي أقصّها عليكم اليوم تَهِبكم حزمة ضوء مركّزة تنير تاريخ المتحف الوطني وسجِلاته،وعسى أن تُغريكم مجدّدا بزيارته وتتبّع آثاري هناك.ولأنّي أعلم أنّ مديرَ المتحف سيكون أسعدَ الناس بهذه المكاشفات لإعتبارات مالية بدرجة أولى،أزيد لعطشه جرعة أخرى لن يضمأ بعدها أبدا.فلْْتعلموا معه أنّي دوّنت كل يومياتي – وعساها تُنشر يوما – بتاريخ جديد كل الجدّة،مغاير لتقويماتكم المألوفة. لقد فصمت ذاكرة التاريخ إلى نصفين اثنين: » ما قبل  » و  » ما بعد  » ويحول بينها خنجرٌ حادّ يقطر ضحايا وأشجانا :  » الداخلية  » . ولم أؤرّخ بعد ذلك اليوم – إلا مكرها – لا بتاريخ ميلاد نبيّ إلى السماء قد رُفع،و لا بهجرة رسول في الأرض قد دُفن. فأنا الذي هاجرت من عمق البلاد، وقطعت أثناء رحلتي صحراءها الهاجعة بأحشاء المدينة.والداخلية – والإعتراف بالحق فضيلة –  هي التي ولدتني،لا منطقة الظل التي نزحت منها ولا رحم الأنثى التي أرضعتني سنوات الحبو والسذاجة الجميلة. وكذا أواصل سردي لبقية الرحلة. ففي اليوم الأخير من شهر حربوب السنة الأولى قبل الداخلية ( 30 حربوب 1 ق د الموافق لـ 30 سبتمبر ) وجدت نفسي ملتصقا بحائط  أرمّم ما حدث بإليتيّ وباطن فخذي بكفّي وماتيسّر من ريق وعرق متعزّيا بقول الشاعر: على قدر أهل العزم تأتي العزائم.ولكن سيدة سرعان ما أسقطتني في الإمتحان، إذ مرّت بجانبى وكعبُ حذائها العالي يقرع أذني،حتى إذا ما تجاوزتني بقليل ،رمت على وجهي ببقيّةَ سيجارتها المشتعلة وكأنما تقصّدت بؤبؤ العين. وعندها،ورجاء لا تعذلوني،نسيت الشعر والشعراء والداخلية وصِحت منتفضا مُغيضا،ولم أعْفها من سبّ وجيه وشتم مُقذع فوقفت فجأة مشدوهة صحبة آخريْن يقفان وراءها يِبينُ الإرتياب والحيرة من جحوظ أعينهم بحثا عن الغضب المنبثق من الجدار، فعلمت أنّي تهوّرت،وبعد قليل تكبر الحلقة المحتشدة حولك يا عمرو وأنت غائب، وربما نَجَم من بين الجمع من يُوعز إليه ذكاؤه برجْمك،فماذا أنت فاعل يا مندفع بلا روية ؟ أين العزائم وأين همُ أهلها؟ لا فائدة الآن من الأسئلة والتروّي،بل على البديه، ومتمسكا بغريزة البقاء سِرت ملتصقا بالحائط بحذر سارق في ليلة ظلماء أو حيطة مارق عقب الدعاء، مُبتعدا عن محط أنظارهم. وأقبل أحدُهم يقول : »بل فتّشوا في غير هذا الموضع فلا بد من وجود كاميرا خفية قبالة هذا المكان. » وإلتفت بعضهم إلى الجهة المقابلة ثم ردّوا أبصارهم عن مبنى الوزارة وأحدهم يقول مزكيا   » نعم، لقد ألِفنا خزعبلاتهم السخيفة  » .ولكن السيدة المصون والشابان معا أصرّا على حائط مبْكاهم مستخفّين بتفسيرات الآخرين .ومن وراء ظهورهم وقفت أنظر جدالَهم الذي حسمته المرأة بقولها،وهي تُخرج ولاعة مفضّضة ومعها سيجارة  »  سنرى الآن هذه الكاميرا التي تقّل أدبها على المحترمات  » ووضعت بين شفتيها سيجارة رقيقة كرقّة صوتها رغم غضبها، فاقتربت منها حتى لامست كتفها ولم يبق من مسافة بين وجهي وشفتيها سوى ما يبقى عادة بين متناجين في خلوة، وبنفخة رومانسية لم تخل من صوت مسموع إنطفأت الشعلة وسقطت السيجارة أرضا على وقع شهقة المرأة، وانفضّ الجمع في اضطراب وتشوّش وتصدّعوا عن المكان مُهَمهِمين .أسرع كل واحد منهم في مشيه بعد أن توقفت سيارة بوليس غير بعيد عن المكان وأُوقف أحد المارة  ممن أراد مشاهدة الفصل الأخير قبل إنزال الستار يسأله البوليس عن سبب التجمع غير المرخص فيه ! لا بدّ أن أحمي سفري من التيه والخذلان. هكذا توعدت ضعفي ونزقي. وتحاملت على جسدي وأمنت إلى جذع شجرة قرْفصت عند أصله كالمتسول،أنظر تارة للعلم الوقور، وتارة أخرى لغزل الحمام قرب حمى الداخلية.ثم تشتّت بصري وأنا أرى الناس في جيئة وذهاب لا ينقطعان، حتى الظلال النديّة لم أرها تُغري الكثيرين، كأنما سوط غير مرئي يفرّقهم بلسع ضرباته ويشرّدهم نحو الآفاق ! وبينما كنت أهمّ بالنهوض بعد هذه الإستراحة إذ بي ألمح صديقي وصهري زيداً يتأبط صحيفة وكتابا ويسرع في اتجاه محطة قريبة لسيارات الأجرة.كعهدي به دائما هذا الرجل في رحلة لا تنتهي مع الحروف في بطون الكتب. ولعلّه الآن يستعجل العودة إلى محرابه. لقد أصبح في قريتنا مضرب الأمثال للشاب المتأدّب المتفوّق على أترابه في التحصيل الدراسي . وحده زيد .. من ابتنى لنفسه وأهله منزلا فخما على عتبة المدينة.. كم كانت أمي تعيّرني به كلما زارنا وشقيقتي صحبة عيالهما ! أمّا أبي الطيّب فكان يشيع بصره نحو سيارته وهو يغادر القرية ليقول بعد تنهيدة مسموعة  » هذا راجل..وهذا راجل ! ولدِي لم يكفه أني صرفت عليه دم قلبي حتى ذهب يناطح الصخر برأسي فخرب بيتي ، ههْ ،.. قالّك الحكومة ما هِيَّاش عاجبتني! » ثم يضحك بقليل من العصبية وكثير من اليأس، فما الذي كانا سيجترحانه من حسن النظم والكلم لو حسر عنّي ستار الغيب أو الشهادة – لست أدر – ورأياني مقرفصا عاريا عند الشجرة المباركة أنادي زيدا المتعجل في خطوه،بل أحاول أن أناديه فأتذكر حالي الذي يخرسني وأبتلع باقي النداء في جوفي . وواصلت مسيري مارّا بصفّ من الأكشاك الغاصّة بالصحف والمجلات والقصص البولسية.وكعادة تلك الأيام الغابرة،صورته وصورة حرمه بدارنا يحتلاّن الواجهة البلورية على مدار الفصول الأربعة،وبإبتسامته الخرقاء التي لا تعرف للكلل معنى .دائما يبتسم بوثوق، أوهكذا شبّه لي خاصة أيام تجري  خزعبلاتهم التي يخلعون عليها أسماء »إستفتاءات »  أو » انتخابات « وما شاكل ذلك من المفردات الثقيلة. وفي غفلة من البائع  – وما أيسر ذلك – خطَطت الكلمات التالية : » الإهداء إلى شيخي الجنرال، قصيدة من الشعر الحرّ. الجنرال وما أدراك ماالجنرال له بيت كله فلال وأنف تعلوه التلال وشعر ليس من خلال سوى بياض تعلوه كل موسم أصباغ الرجال هكذا تفتّقت قريحتي اللاّشعرية في برهة خاطفة غير آبه بأدونيس وصحبه، فخفّف ذلك عني شيئا من رهق السفر. وواصلت دربي الوعر أغذّ السير نحو مراميكم مارّا بسيارة بوليس جاثمة على إحدى الأرصفة وبعض مستوطنيها يعترضون المواطنين البسطاء فاحصين بطاقاتهم ،والبعض الآخر رأيته من وراء نوافذ السيارة المشبّكة بالحديد متحلّقين حول لعب الورق. نظرت إليهم باحتقار وتجاوزت كلبين يلهثان قرب السيارة وقلت في دخيلتي وأنا ألتمس الجرح الغائر في رأسي : »أين المفرّ،البحر من ورائكم وجسدي من أمامكم. » وتجاوزت الحاجز الحديدي وزدت جهرة « ولا أندلس لكم بعد اليوم ،ولن يكون في أفقكم مغربا ».وخططْت هذه المرّة بعد خطوات بريشة الأقدار على صفحة جريدة أخرى معقّبا على عنوان يهمّني  » سيادة الرئيس في زيارة فجئية لإحدى مناطق الظل  » بـ  » وسيادة خلفه في زيارة فجئية لسيادته بعد سويعات، وسنرى أيّ المفاجئتين أسرى وأبهج لأهل الظل والذل على السواء » . وهكذا حططت الرحال أخيرا دون أن أشعر غير بعيد عن الداخلية، بل على مرمى جسد منها، ولم أجد بدّا من إناخة جسدي عند قدم تمثال ابن خلدون متأمّلا طوابق البناية المتراكمة في انتظام بعضها فوق بعض،الجاثمة بمهابة العنقاء كما زعم الأوائل، بقلب المدينة،وينتهي تعاليها أو يبدأ بعلمِ يخفق بين الفينة والأخرى مع دقات القلوب الواجفة . أما المارّة فقد لاحظتهم ينتقلون إلى الرصيف المقابل للمبنى قبل أن يصلوا إلى الباب الرئيسي بعشرات الأمتار وكأنها أرض موعودة لغيرهم . نظرت إلى المبنى مليّا وباح صدري رغما عني بتنهيدة أحسست بحرارتها تكوي أحشائي »: أيتها الداخلية لِم تعبثين كل هذا العبث بلا اكتراث لمشاعر أو احترام لإنسان أو وجل من جزاء أو عقاب » .هل زلّ لساني الصادق بكلمة  « إحترام  » ياسادة؟ وهل تفوّهت سهوا بكلمة  » إنسان  » ؟ آه ثم آه ! كم أنت سخيف أيها اللسان الساذج . « ولكن لِم حجزْتي أبي الأمي المسكين وهو يُدلي بأحد أوكارك بحبّه لإبنه.ثم لِم طردتيه شر ّطردة ؟ ولكن دعينا من هذا اللهو والترف وأجيبيني بحق السماء وقصر الرئاسة :ألم يطرف لمستوطنيك جفن وهم يركلون روح سامح حتى أتتْنا متدحرجة مكلومة ومثقوبة من كل جانب إلى ظل المنطقة التي منها بدأت حياته ونبتت بذرة أحلامه،كما أحلامي؟ ألم يحب هؤلاء يوما في حياتهم أمّا،أبا،حبيبة وربما وطنا أو مبدأ ؟  ثم ماذا عنك أنت أيتها الحبيبة،ألم تهزّك دموع والديه،..بل وحسرة صديقه اللاذعة ؟ نعم أنا صديقه عمرو. أنا الذي وعدتك بالأمس،ووعد الحر دين،وهاأنا قُبالتك حرّا كما أهدتني أمي القروية لمن يُحبني وأودّه في زاوية سيدي مخلوف.آتيك اليوم زائرا بلا إحرام أو كساء وأفي بنذري.وهل قلت زائرا ؟ عفوا مرة أخرى ومعذرة لكل آهات المشردين التي أحصتهم منظمة العفو الدولية ،أو المحرومين التي طُمست أسماؤهم قبل طمر أجسادهم في صحارينا الرائعة ! بل آتيك اليوم لآخذ بثأر الأمس،أحقن شرايينك لحصانة الغد وشفاء الحاضر. أنا اليوم محارب بدائي،وسيكون لمصطفى سعيد بغزواته للندن بذكره شأن ما في توجيهي . لذا سأدخلك بلا تهيّب،كما دخلك أبي ومن قبله سامح ..ولكن قسماً لن أخرج أبدا مدحورا كما فعلتم بأبي الأميّ،أو مسحولا كشقيق صباي وتوأم روحي ..تالله لأخرقنّ حماك أيتها البغيضة وأطفئ النارَ التي تضطرم في أحشائك أو أحشائي،فلا ناريْن بعد اليوم ..لا ناريْن بعد اليوم،وسأؤثرك وأبدأ بالنار التي في أحشائك، وستريْن كل ذلك واقعا لا يترجرج أمام نوافذك الخرساء. وها أنا ذا أخطو خطوة أولى، وكمصطفى سعيد،لابدّ من الخطوة الثانية وإن قادت إلى الجحيم. تخطّيت عتبة الداخلية بحارسيْها الوقورين و لمحت على يميني لوحةً مذهّبة  » دشّنت على بركة الله …السيدة .. ».تفلْت عليها منحرفاً برذاذي عن كلمة » الله » و بركته قبل أن أجد نفسي وراء شباك الإستقبال. ها أنا ذا الآن بكل فخر و إعتزاز في جوفك. نظرت لموظف أشيب الشعر، مجعّد الجبهة تتراقص من وراء نظارتيه السميكتين عينان صغيرتان غارقتان في جحرين زاد البلوّر من اتّساعهما، ومن خلفه تجلّت صورة عملاقة للجنرال بأنفه الضخم و يديه المضمومتين إلى بعض، علامة المحبة و التضامن – زعم خبراء الفن ! و الإبتسامة هي نفسها ، تتوزع مع باقي الصور كالفطر على جدران المبنى! ولم يطل بي الإنتظار والتأمل حتى نادى مستوطن الإستقبال أحد الجالسين بقاعة الإنتظار و قال له دون أن يلتفت إليه  » المسؤول الذي حدّد لك هذا الموعد في إجازة ،عُدْ يوماً آخر »  فتسارعت علامة الخيبة  والإرتباك تلوّن وجه المواطن، فاستفسر في شبه رجاء » يعني..سيدي.. يمكنني العودة بعد أسبوعين أو ثلاث ؟ « فرفع المستوطن عينيه قبل أن يلحق بهما كامل رأسه في هدوء مصطنع ثمّ نزع نظارتيه فبرزت عيناه طاغيتين و صاح في وجهه.. » وهل قلت لجنابك إنّ إجازته تنتهي بعد أسبوعين أو عشر؟..فارتجف المواطن داحضاً التهمة باستعجال  » لا يا سيدي …إنما قصدت ..يعني ..إن كان .. »  فارتاح المستوطن شيئاً ما لأثر صرامته و قاطعه بحزم « ..إذن عدْ يوماً آخر .. » و جاء دور مواطن آخر يُجري أمامه إبتسامة مداهنة تحاول أن توحي بكل معاني الخنوع،و قبل أن يُعلي فوقها كلمات التحية طالبه غريمه ببطاقة هويته، و على إثر تدوين جملة البيانات سأله بتضجر بيروقراطي  » ..ماذا تريد ؟ ما هو المشكل؟  »  فردّ المواطن متمسكناً  « ..و الله يا سيدي قصدت مركز الشرطة بحيِّي السكني لتجديد جواز السفر. »  » المهمّ، ما هو المشكل بالضبط ، الوزارة تستقبل كل يوم مئات المواطنين و ليس عندي الوقت الكافي لسماع قصة حياتك  » فرد المواطن بشكل آلي  » ..ُرفض التجديد و أرشدوني إلى هنا « . حدجه الأشيبُ لبرهة خاطفة يستقرأ في محياه طبيعة الإرشاد هذا، و بدا أنه عثر على ضاّلته، فوضع الدفتر وتراخى إلى الخلف مُسنداً ظهره إلى الكرسي كأنّه في مقهى شعبي، ثم سأله بهدوء « …ما هو رأيك في سياسة السيد الرئيس ؟  » ما هذا التسيب و الإستهتار ! قلت في نفسي و كِدت أجيب بدلا ًعنه متأثراً بأفلام هوليود « ..لا تُجِبه قبل أن يحضر محامي للدفاع عنك ، هذا سؤال كيدي » ..و لكن المواطن ازدرد يقينه واقترنت هزة خفيفة من رأسه ببسمة كأنها توحي ببساطة الإمتحان، وردّ مؤكداً بديهة من بديهيّات الوجود « و هل ثمّة من يجحد النعمة فيشذّ عن إجماع الأمة حول سياسة سيادته الرشيدة « ، فارتقت مَحي المستوطن بسمة تشي بالسخرية ثم عقّب بسؤال آخر وكأنه يخاتل صيده،  » و لماذا إذن رفضوا هذه المرة إعطاءك جواز سفرك؟ هل غيّرت رأيك؟  »  فارتبك المسكين لهذا الربط المتعسف و أجاب متلعثماً و قد بدا لي مجرداً هذه المرّة من أي إجماع أو يقين و قد آن أوان الإجتهاد  » و الله… ياسيدي.. لا أدري .. بالضبط …  » ثم عثر على طوق النجاة المؤقت،فواصل باسترسال فصيح  » مع أني و الله العظيم لا أتأخر عن حضور نشاطات شعبة الحي للحزب القائد بحي التضامن و أتبرّع – و لا فخر و لا مزية مني –  بانتظام لصندوق 26-26 وبعض الصناديق الأخرى لإحياء مناطق الظل يا سيدي ». فحدجه البوليسي بنظرة قاسية قبل أن تلين ثم دوّن بعض البيانات و بلهجة آمرة ختم المحاورة  » طيب،إطلع إلى الطابق الأخير، المكتب رقم 27  » . رميت المستوطن بنظرة احتقار وتقزّز وهو يمخط أنفه، و أخذتني الحمية لأرافق إبن هذا الحي العريق وأشد أزره، ولكن حانت مني إلتفاتة إلى الشمال فكأنما رقم 7 المرشوق على باب مكتب قصيّ بآخر الرواق كبُر وتعملق في عينيّ حتى ما عُدت أرى سواه، كشعلة ملتهبة نجَمت في ليل حالك فشدّت بصري شداً خاطفاً قبل أن تنطفىء و تترك البصر معلقاً إلى مكان إنبثاقها. وهكذا حضرت صورة أبي مثقلة برماد خيبته وقلت بهمس  » قد أقسمتَ يا والدي و فعلتَ ما فعلتَ . و ها أنذا أحذو حذوك وأقسم بأني سأقتحم جحر الثعالب .ومن شابهَ أباه فما ظلم » و قبل أن ألمّ ما هو مبعثر مني في الهواء إرتعدتْ فرائصي لصيحة حادة أخذتني علي حين غرّة، وطفح الكيل من مضايقات هذا اليوم الشاق وأنا أنظر إليه شزراً و هو يتقيّأ أوامره  »  ألم أقل لكِ يا امرأة ( كانت عجوزاً متهدم بنيانها) بدل المرّة ألف مرة إذهبي و اسألي عن فلذة كبدك هذه لدى مصالح وزارة العدل وليس هنا، ألا تفهمين!؟ » إقتربت منه حتى أحسست بلفح زفراته المتأفّفة ،وثبّتت عليه عينين محمرتين بلا اختلاج، فلم يُعِرهما اهتماماً كما توقّعت،بل زادت جهالته وهو يأمر أحد الموظفين بطرد المرأة! و لمّا كان الحنق بعدُ فواراً والغيظ يكاد يخنقني وهو يمسح نظارته بلعابه،إستجمعت كل ريقي وصببْت جام غضبي عليه تفلةً واحدةً، و كانت- و الفضل لله وحده – تسديدة موفّقة. وولّيته ظهري غير عابئ بالضجّة التي خلفتها ورائي. « و الله… أو يقين و قد آن لتعسفي/ المتعسف و أجابية ثم عقب بسؤال آخر و كأنهيخاتل صيده، و لماذا إذن رفضوا هذه المر وقد حل مكانها كما تعلمون في عهدي لوحة بنفس الحجم عليها شيء من شعر الماغوط « سأتكئ في عرض الشارع كشيوخ البدو، حتى تُجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين في العالم ..وُتوضع أمامي لألوكها كجمل على قارعة الطريق حتى تفرّ كل هراوات الشرطة والمتظاهرين من قبضات أصحابها،وتعود أغصاناً مزهرة مرة أخرى » و لمّا و صلت باب المكتب المنشود وقبل دخوله بلا استئذان،إنفتح الباب فجأة في وجهي…هو القدر إذن يا عمرو. وتراجعت خطوتين إلى الخلف قبل القفزة الأولمبية،فاسحا المجال لرجل في الأربعين من عمره ،ربعة القامة،حسن الهندام،ذو وجه مستطيل بعض الشيء حادّ التقاطيع.ولمّا رأيت المكتب خلوا من أي مستوطن أو مستوطنة هرولت وراءه وقد حدست من ارتباكه أنّ وجهتنا ستكون إلى أعلى،ورّبما إلى مكتب الوزير، ولكنه عوض الصعود آثر النزول، إذ عرّج بي إلى الشمال مرتين قبل أن يفتح بابا باستعجال زاد من فضولي تغضّن ما بعده في شكل درجات حديدية،وقبل أن ينغلق الباب من ورائي تناهى إلى سمعي صياح المستوطن بالإستقبال وهياجه وقد طفح كيله أيضا. » ومالذي يهمك يا سي الـ … إن كان على اللافتة إسم شرطة الجوازات أو أمن الدولة…وانقطع عن أذني باقي اللغط حتى استوينا أنا ورفيقي المستوطن الذي يدلّني على الطريق،على بلاط نشق على أديمه جوف عتمة ورطوبة مشوبتين بأصوات مكبوتة.بالأعلى يلحظ المرء الصدر والعجز في سلوك المستوطنينن « سين..جيم..سين..جيم،هل كذا..جيم هو كما ذكرت ولكن… » أما هنا في الأسفل فالمكان نص ذو وحدة صمَّاء نخطو فوق وجهه فنخطّ رواقا نترك على جانبيه صفّين من الأبواب السميكة والجاثمة بتخشّع على صدر من ورائها من المواطنين.وعند رأس الرواق لاحت لي فرجة ينضح منها ضوء خافت وتتلاعب خلالها أشباح آدميين.. هذا هو إذن النصُ الأصم.سقف بيتي حجر،سقف زنزانتي حجر! ولما دخلت وراءه رأيت طاولة صغيرة وقد تحلّق حولها أصحاب تلك الظلال ورفيقي.. سي عارف.. وقد وضع يديه في خاصرته مصوّبا بصره بتفكر نحو كومة ملقاة بجانب ساق الطاولة وقد بدا عليه أنه استرجع مهابة وسلطانا أمام هؤلاء. وما إن انزويت في إحدى أركان الغرفة وسمعت تلك الكلمة، حتى ترنحت وكدت أقع أرضا؛فكأنما قرع جرس كنسي أخذ مسمعي على حين غفلة مني. »لقد مات..ولم يتراجع عن أقواله! » يا لهذا الثعبان في وطني! أهكذا هو لون الحياة في هذ الوكر؟! أهكذا هو حال الموت هنا،يُهان ويُستخفّ به وتُطعن حرمته!؟ منذ الصبى وأذني تتلقف هذه الكلمة بالرهبة والإجلال؛ فما كان لها أن تخرج من الأفواه إلا متخشعة مهصورة بتليّع حارق.. مُحاطة من أمامها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها بحشد من الكلمات المخفّفة لوقعها الرهيب. أما هنا..فاشهدوا معي أن الموت احتُقر وأُهين! هكذا والله تفوّه بها أحدهم ببساطة منْ يتفل عند قدميه بعد أن أخذ مجّة من سيجارة قبل أن يواصل تَتمّة الحكاية..أين وصلت؟ آه.. نعم، تذكّرت، قلنا إذن إنه مات ولم يُرد أن ينبس ببنت شفه؟ نعم سيدي،لقد أصّر أن يعيد ما تفوه به من كذب وبهتان أمام قلم التحقيق وأصر على أن سي المنصف هو الذي زوّده بالبضاعة المسمومة.. »أراد الشهادة فنالها النذل الحقير » قالها كبيرهم بهزء غير واضح،ثم سألهم وهو يحتل الكرسي وراء الطاولة بهدوء: » ألم يكن معكم الطبيب هذا الصباح؟ « فردَ عليه أحدهم بروح لا تشفّ عن شيء. »لقد اعتذرت عن المجيء لوعكة صحية طارئة ألمّت بها البارحة »وأضاف آخر بلهجة عتاب إداري »ولكنّها بالأمس يا سي عارف زعمت أن الجسم يتحمّل الضغط ».ثم أدلى ثالثهم بدلوه » في الحقيقة ليست هذه هي المرة الأولى التي يخونها فيها سوءُ التقدير » وأشعل زعيمهم غليونه قائلا لآخر فصيح فيهم »تقصد خانها حسن التقدير وليس سوؤه « ،وفُهم على أنه ليس سؤالا على كل حال فصمت الجميع. ورغم العجلة التي قذفت به من عل إلى أسفل علا وجهه شيء من الإرتياح،ومن وراء دوائر دخانية تتلوى بتكاسل راح يملي على أحد أعوانه لب الموضوع وجوهر القضية » ولقد ادّعى المتهم  أ – ي أنه يشكو من صعوبة في التنفس واستلزم الأمر بعد عرضه على الطبيب الإداري نقله إلى المستشفى الجمهوري بالمدينة مصحوبا بالرقيب ك- ب والعريف أول ح خ.وعند الوصول إلى بهو المستشفى تظاهر بالإغماء، وحينما فُكّ قيده أظهر ما أضمر من نية الهروب من وجه العدالة فقفز من النافذة ولم يمتثل لتنبيهات المسؤولين المتكررة،ممّا اضطرالرقيب ك- ب إلى إطلاق الرصاص على رجليه إلا أنه لسوء الحظ.. » وهنا التفت مبتسما لأحدهم متسائلا.. » أو لحُسنه؟.. » ثم سحب من غليونه وأتم النهاية المشوقة » إستقرت الرصاصة في العمود الفقري للمتهم أ- ي ومات على الفور رغم الإسعافات الأولية المركزة. ويليه تقرير الطبيب الشرعي. حُرّر في يومه وتاريخه! » وهكذا حُلت .. مشكلة بيروقراطية على غاية من التعقيد والخطورة في دولة القانون والمؤسسات،بين شفطي غليون! حاولت استرجاع ما كنت أحسب أني أملكه في الطابق العلوي من شجاعة ورباطة جأش دون عنتريات قائد الثورة، ولكن عزمي خار وأنا أتبين ملامح غائمة للجثة الملقاة قرب الطاولة. أي قطعان هؤلاء من المستوطنين يا إلـــهي! وأية دمـاء أو أية شرايين هذه التي تحرك جثامينهم! يا للبلاد المسكينة.. كم قلما وتقريرا وغليونا يضيقون عليك الخناق ويكتمون أنفاسك! وبعد لحظات من توقيع التقرير خرج المستوطنون الثلاث وبقي زعيمهم.. هَبْدَبِيّ الظلام،قابعا مع غليونه فوق الجثة بائسة الحظ . وسمعت صرير الباب وهو يُفتح ثم يُغلق، وبعدها دخل مستوطنان يدفعان أمامهما رجلا مكبلا ومعصب العينين ،وأوقفاه قبالة كبيرهم. وساد صمت ثقيل أكاد أحس فيه برعشة المواطن المتهم ترتطم بي .وبعد هنيهة مفعمة بالتوتر والترقب إقترب أحدهم ومد يده بلطف ينزع العصابة،فشهق المتهم وخرَّ لاهثا مرتعدا،فتصايح الجمع حانقا وسيل من فحش القول والنعوت يتلاطم فوق رأسي..قف يا كلب(لاحظوا ظلمهم للكلاب إلى أي حد بلغ).. « إنهض يا حقير وإلا أكَلتك خرا…ك » فنهض يرتجف،تدور عيناه الزائغتان في الحضور حتى استقرت على الزعيم!وخرق صوت هذا الأخير بنبرات واثقة صمتَ المكان بعد خفوت الغبار »إسمع يا سي سليم،هناك مثل شعبي بليغ »، ثم أشار إلى صدره قائلا بزهو كاذب » أنا شخصيا مقتنع به وأعمل وفقه منذ أن أصبحت أفرّق بين الصالح والطالح، »:الطير الحر إذا حُصُلْ ما عادش يفرْفِط »..ولذلك لا فائدة من الإنكار،فهذا جبن يأنف الرجال أمثالنا أن نُوصم به،وهو ليس من شيم الرجال أيضا عندكم كما تعلم » وصمت يرمق أثر حكمته على وجه الفريسة.واستطرد بعد برهة يسيرة بنفس النبرات..  » كنت بالأمس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *وقد حوكم بعد ذلك بسنوات لتورطه في قضايا عديدة لا يسقطها التقادم ،وقد عُرفت محاكمته باسم : قضية غرفة البشارة حرا طليقا وفعلت ما يحلو لك،أمّا اليوم- وهنا نهض من على الكرسي مقتربا منه بسحنة متغيرة بانت فيها تقاطيع وجهه الحادة صارمة يرتسم عليها الوعيد،وبصوت هامس حذّر « اليوم وقعت في أيدينا فلا فائدة تُرجى من تعطيل مسار العدالة.. » ثم ختم حديثه، وعاد الأسد إلى عرينه وراء تلك الأكمة الحقيرة،متصنّعا ابتسامة عريضة « تفضل على بركة الله :كيف سرقت كل هذه المحلات في زمن قصير؟ » أخذ سليم نفسا مقتضبا وبصوت متهدج انطلق لسانه على بركة الله  » أقسم بالله العظيـ… » وقبل أن يُتم قسمه انهال عليه المستوطنان الواقفين قبالته بهُياج جنوني ركلا ورفسا حتى سقط بين أيديهم يتخبط في دمائه النازفة من أنفه وفمه وهدير الصياح والشتم الداعر لا ينقطع..كأنما زوبعة جنّ مرت علينا. « يا آبن القحـ… أتحسب نفسك في جامع أو زاوية..إنما أنت لصّ وضيع.ونهض كبيرهم واقترب منه بعد أن أوقفوه أمامه،وعلى الجدار ارتسم مشهد أزلي، تقابُلَهما بأبعاد ضخّمها وهن الضوء الخافت فبدأ المحقق كالمتجبر البطَاش وعند قدمه عبد يرفس في الأغلال تحوم حوله كل معاني المهانة والإنسحاق. وبعد أن سحب من غليونه نفسا عميقا بشكل مسرحي نزعه من فيه وأشار به مهددا التهديد الأخير قبل أن يفيض كأسه هو أيضا، »إسمع يا سي البِليد،إنك تثير أعصابي وبدأت أشعر بخيبة ظن فيك،ولا أمقت في حياتي شيئا أكثر من اللف والدوران.أمامك الآن فرصة أخيرة لإثبات رجولتك، »،ورجع كالمرة السابقة إلى كرسيه وراء الأكمة وعلى حركاته شيء من المرح والنشاط الزائفين » هيا سنكون عمليين وواقعيين،إبنتي في الروضة وستنتهي حصتها المسائية بعد قليل ولست مستعدا لإضاعة مزيد من الوقت مع مجرم سارق تنعدم فيه معاني الرجولة والمروءة،سأعطيك ستين ثانية حتى ترد عليَ بوضوح وصراحة:هناك 11جريمة سرقة لمحلات حلاقة نساء وتجميل وعطور وما شابه ذلك بحيّ القصابين وحي الطرابلسي وحي التضامن وقد ثبت بالشهود أنك كنت أمام محل حلاقة النساء بحي القصابين بين الساعة التاسعة مساء ومنتصف الليل، وإيّاك أن تقول لي إنك كنت تتسكع أوتتعرّف على أحياء المدينة!،إذن بقيت 10 جرائم سرقة دون كشف كامل لملابساتها. لن أسألك لا عن الملابسات ولا عن اللباس المسروق،ولكن فقط عمّن  كان معك أثناء هذه المغامرات الطائشة؟ هيّا أريد منك جملة مفيدة وحذار أن تلوّث إسم الجلالة بلسانك القذر وإلاّ والله لأقطعنه قبل أن تتم هراءك. شمل الزنزانة صمت ثقيل بثقل الرصاص يوحي بعاصفة وشيكة أو باحتضار قد دنا. ».بقيت لك أربعون ثانية » وازداد الوجوم ثقلا على الأنفس وتعمقت شروخ الضحية.. »مازالت لديك فرصة ذهبية،عشرون ثانية وبعدها..! »وتعالى نشيج سليم ينفس عن القهر الذي سيمحق لحظات حياته،والظلم الذي سيصادر قادم أيامه ولياليه خلف القضبان..وبكى ..أخيرا بكى ونطق مستسلما.. »أقسم بأمي الغالية وباللـ… » هنالك نفذت الثواني وتطاير الشرر من عيني  الكبير وهو يسحب مسدسا من حزامه ويصوب بعصبية طلقة في ظهر الجثة المرمية غير بعيد عن سليم ثم صاح بعد أن ساح الدم من تحته قاتما وهو لا يزال مشهرا سلاحه »إحملوا هذا الكلب(!) وآتوني بهذا الحقير مكانه موثقا معصوب العينين. » اختلطت الشهقات » بالإعترافات » وأحد الثلاثة يحاول تبشيره بارتياح »أُشكر الظروف أن لم نتثبّت في أيّ بُعد سياسي لنذالتك  » . خرج بعدها الجميع ما عدى الجثة، وتركوني متهافتا لا أقو على تصديق ما جرى أمام بصري.ولكنّه جرى يا عمرو؛ فصدّق ونحّ عنك جانبا هذه الشعوذة اللغوية. كم هي قبيحة هي هذه الغرف الواطئة ،بل الساقطة مع القيّمين عليها ! كم هو غليظ القلب واليد والشفتان هذا الجنرال! لقد صدق فعلا صديقنا الإفرنجي عندما كتب مُقارنا هذا الجنرال الفاسد بذاك الملك الفاسد »كان للملك رأس،أمّا هذا العسكري فليس له سوى يدان  » *               *               * أخيرا أخرجوا الجثة في كيس بلاستيكي كذبيحة يوم العيد. وبدأت أصوات تنبعث من داخل الزنزانات فحملت جثماني إلى الشباك الصغير بالباب الحديدي السميك لاهث الأنفاس ،مكدودا كأنّما خضت مع البؤساء  » ملحمة  » بناء المقابر الفرعونية.سمعت أحدهم يوشوش لصاحبه  » لقد قتلوه بالرصاص بعد أن أصرّ أن يذكر اسم من زوّده بالبضاعة أمام قلم التحقيق « . وتلاقحت الأصوات وتشابكت  » وما ضرّه المسكين لو امتنع عن إصراره هذا! » وزاد آخر حافرا في صدري جبّا لليأس  » والله يا جماعة السوق كلّها غارقة ببضاعة هذا الرجل  » « يا جماعة ترحّموا عليه وأهدوه سرّ الفاتحة » » إنّا للّه وإنا إليه راجعون ». ولكن ماذا عنّا نحن قبل الرجوع إليه ..؛تساءلت بعبث .. ثمّ خفّت الوشوشة فجأة  وانقطع الهمس بانفتاح ودخول أحدهم بيده كيس يمرّ حذو الشبابيك الصغيرة بالأبواب ويرمي بجوف كل زنزانة لفافة صغيرة حتى إذا ما خرج تعالت الشتائم وعبارات التقزّز وهم يحاولون أكل ما سقط عند أقدامهم في العتمة.  » أريد أن أخرج « ؛ دوّت صيحتي المكبوتة في نفسي وخرجت بقاياها زفرة مغيضة تتلوّن بكل ألوان الموت و العمى . لقد صفعوك يا عمرو مرة تلو مرة،بحثوا عن خدّك الأيسر هذه المرة لصفعة جديدة،ولمّا واريته عنهم سجنوك وصفقوا خلفك الباب الصدإ بقسوة ساديّة وتركوك هملا بين دم و وحْل وطاولة للتنكيل. تخشّع الرواق غارقا في أشجان أهله وقد أرهقته رؤية العبث بالموت والحياة على السواء. « رحم الله أكرما  » دعت له روحي،وصحت بأعلى صوتي حتى رجّني الصدى » أعاهدكم أن لا أترك دمه يضيع هدرا « . وكنت صادقا في عهدي حتى النخاع،مُصرّا على الأخذ بالثأر حتى آخر قطرة دم تتسكّع في عروقي.وأسندت ظهري إلى الجدار الأسود وقد خفّ لغط السجناء ولفّهم الليل البهيم وفاضت عيناي وجُوّاني بالذكرى والدموع وأنا أتذكر كيف أهدوا سامحاً الردى وهو في ريعان الشباب  » لقد وجدناه ميّتا على قارعة الطريق « . هكذا واتتهم كما هو دائما الجرأةَََ وأبلغوا أهله وهم يطلبون منهم للمرة الأخيرة شأنا ما يتعلّق بسامح » لابدّ من دفنه قبل غروب شمس هذا اليوم ،وإكرام الميّت دفنه! » . كان ذلك اليوم حقّا دفقة عارمة من كآبة باردة ساحت على وجه القرية. أذكر يومها أني كنت بالحقل عندما تعالى من وسط القرية صراخ نساء حادّ زعزع سكينة الصباح،إلتفت إلى زوجي فإذا بها قد سبقتني في اتجاه مصدر الصياح وهي مُمسكة بطرف ثوبها وتدعو بارتباك » يا ساتر أُسْتر هذا الصباح..يا لطيف أُلطف بنا هذا الصباح ». رميت المِسحاة وتبعتها راكضًا وكأنّنا في سباق.ولمّا جاوزتها واقتربت من الحيّ،تأكدت أنّه ذلك المارد لا غير يحرق أفئدة الصائحين،فتهرع الصرخات مفزوعة من بين لظى أضلعهم تزدحم في الفضاء. الشيخ علي،أقعده المرض دهرا ولعلّه اليوم استراح وأراح.ولكني لمّا تجاوزت داره الهادئة والبكاء لايزال حادّا يتصاعد باختلاط في أجواء الحيّ ،أيْقنت أنّه حادث أليم خطف كالقرصان روحا بلا سابق إنذار.بدأت أتحسّس الموج الصاخب منبعثاً من منزل أهل سامح. سقطت زوجي من خلفي وهي تستنظرني.ولكن أبوي سامح وباقي أفراد العائلة في صحّة جيدة ،وبالأمس القريب رأيتهم خلف الجِمال وتحت ظلال شجر الزيتون يعملون ويحصدون! ورأيت بأُمّ عيني كيف كان الصراخ يرجّ أركان ديارهم .فكيف لي بتعزية سامح والنظر في عينيه إن تأكد هذا الخبر المفجع؟وكيف لي بمداواة هذا الشرخ إن كان القرصان قد ظفر بأحد والديه وهو الذي لحُبه العارم لهما « يعشق عمره »!؟ سيُضنيك عطفك ويُسقيك وجدانُك الحي الردى إن تأكد الخبر! ومن لهفتي توقّفت أسأل البعض الأهالي فقيل لي » قالوا إنه حادث سيّارة شنيع ». دخلت دارهم أقدّم رِجلا ملطّخة بطين حقلي وأؤخر أخرى حافية أدماها جري الموت هذا.ولمّا خلصت إلى الفناء وهو يمور بالنساء المُولوِلات ورجال ينهونهنّ عن ذلك بلا جدوى،لمحتني أم سامح فشخصت إليّ ببصرها وفي عينيها دموع تنشد خلاصا من مآقٍ بدت لي  جامدة،بل ومريعة يختلط فيها رجاء وكمد بلا حدود.الصدمة عقلت لسانَها ..ولا شك..؛أرملة ..خنقَت الصدمة ينابيع الدمع وحرقت قلبها فغدا هشيما تحرسها أضلع جرداء واهنة.. تقدّمت نحوي..يا لأم سامح المسكينة..! كيف لي بالعزاء وتخفيف نار الجمر يا أمّاه!؟ السحابة القاتمة واحدة تجمعنا!إزدرت ريقي بمشقة وأنا أعض على شفتي السفلى في محاولة ناجحة لصدّ العبرات المتحفّزة خلف الأجفان..خطوت في اتجاهها خطوتين اثنتين فتلاقينا. وكان التلاق المُفجع! »إنّا لله وإنّا إليه راجعون ». وعوض أن تسكب دموعها الحبيسة وأنا أرتمي في أحضانها سألتني بعتاب  » لِمَ لَمْ تستقبل أخاك سامحا يا عمرو بمحطة القطارات كعادتك وتركت الأغراب يأتون به إليّ في صندوق خشبي!؟  » نزعت نفسي من حضنها فاغر الفاه ،إرتسمت عليه ابتسامة خرقاء،فما عاد لصدمتي من حضن يخفّف من إرتعاشاتها حتى وإن كانت أحضان أم سامح الحنون .شُلّ لساني في فمي وسرى العرق رغم الطين مُنبثقا من جميع مسامّ جسدي،وارتعاشة قوية مرّت على وجهي تحاول مصالحتي مع المارد.ولكنه موت سامح ياعمرو،رفيق الصبا وصديق العمر على قِصره..ألا أجد من يترفّق بي وسط هذه المعمعة حتى أفهم للموت معنى!؟ ظللت على خرسي وأنا أرى نسوة يهرعن بأم سامح إلى سيّارة وهي مُغمى عليها. لم تجرِ الدموع على خدّي ..لا فسحة لمشهد إغريقي…؛لا مصالحة مع الموت ..؛ كل كلام الدنيا وُئد بصدري وفقد الهوية..؛ لا لغة تقدر على مصالحتي مع الموت! ..ومازلت الغصة تتردّد في حلقي إلى يوم سجني هذا. ألم نتقاسم الأحلام معا يا سامح ونحن في ميعة الصبا نعبث ونلهو ونقتطع من المستقبل أحلامنا؟  ألم نركض في الحقول ونشيد القصور برمال الشاطئ ثم نهدمها رفسا بأقدامنا الصغيرة قبل أن نسابق شمس الأصيل وهي تغرق بهدوء وأناة عند الأفق؟ يا لك من غادر يا سامح!! ألم تعدني مرارا أن تبدأ السنة القادمة في عملك كمحامي تنصر المستضعف وتعين ذا الحاجة؟! وترحل الآن قبل الوفاء بوعدك! من سيُسمعني بعد اليوم شعر مُعين بسيسو وناظم حِكمت وأحمد مطر الذين تهوى ما تحبّر أقلامهم؟ نعم أحمد مطر..صديقك الأزلي كما زعمت: فراشة هامت بضوء شمعة قالت لها الأنسام قبلكِ كم هائمة أودى بها الهيام خُذي يدي وابتعدي ، لن تجدي سوى الردى في دورة الختام لم تسمع الكلام ..ظلّت تدور واللظى يدور في جناحها.. تحطّمت ثم هوت وحشرج الحطام » أموت في النور ولا أعيش في الظلام » ومنْ سيطفئ ظمئي الدائم لمعرفة أخبار الطلاب بالجامعات واجتماعاتهم ومظاهراتهم التي لا تنتهي أبدا ؟ من لي بكلّ هذا بعد انصرافك؟ يومها، نأيت بحِملي عن الديار كجمل تائه بمفازة،وقادتني قدماي بعد تيه بضع ساعات إلى الشاطئ ،..مسرح الذكريات و ثرثرة طفولتنا البريئة،وصدى الرجّة يطرق جوارحي من كلّ شيء تقع عليه عيني. كمْ تمشّينا يا سامح سويّا على هذه الرمال وتسامرنا في ليال الصيف المُقمرة الجميلة؟ كم سمكة شوينا ..! نعم؛ هنا ، حيث أنا الآن في حِدادٍ على روحك،على هذه الأثافي، وأنت تعِدُ الغدَ بحب المخلصين وحماسة الكادحين،بشمس تشرق على جباه العاملين في الحقول وفي جوف المناجم. كمْ أنت غادر يا سامح! ضربت رمال الشاطئ بقدمي فتناثر من أصابعي الدمُ مع حفنة أصداف لا قيمة لها،وجلست على ربوة صخرية أبكيه  » أحبب من شِئت فإنك مفارق « . كان الحزن يوم الواقعة مُلق بوشاحه على وجه القرية،والموج يصطخب في البحر بعنف ثم ينتحر يائسا على الشاطئ عند قدمي المدماة،وطائر أبيض وحيد يركض في السماء بين الحين والآخر..ينعق فيزداد المكان وحشة وقلبي نزيفا . ولن يلبث الظلام في استعراض عضلاته في شماتة وبرود. في الغد بعد الدفن ورحيل السيارات  » المُعزّية » للمستوطنين ركبت شاحتني الصغيرة وأبحرت في متاهات المستقبل حتى وصلت إلى منزل عائلة خطيبة المرحوم. وما إن ترجلت من السيّارة حتىأطلّت عليّ أسماء من النافذة بشعر منفوش وسيما مضطربة واهنة وصفرة عليلة تطلّ من حدقتين تائهتين لا تصدّقان شيئا! جرتْ تنادي سامحا وتبحث عنه،واستقرّت بالمقعد الأمامي للسيارة كعادة الأيّام الخوالي،وحضنت رأسها بكلتي يديها واعتصمت هناك في انتظار الذي لن يستطيع التجول بها بعد الآن بين الحقول وعلى دروب الريف الجميلة ..في انتظار الذي لن يطرق بعد اليوم الباب أبدا. رأيت الأم تنشج غير بعيد وهي ترى أسماء تنهر أخاها الصغير بعصبية صارخة،والأب المُقعد في كرسيه المتحرك باهت حيران.تركت مفاتيح السيارة في يد الأب المرتجفة وأنا أردّ على رجاء الأم بصوت أكاد أسمعه  » سأبيع السيارة حتما،أعدك بذلك » . وجاءت سُجف الظلام حثيثة ليخيّم ليل طويل على أشباح ساكنة،وبخطى وئيدة شققت سبيلي والظلمة تزداد تكاتفا من حولي وقد تركنا المعزّون كبستان غزاه المغول وعبثوا بنبته وأثماره،ثم رحلوا وخلّفوا وراءهم رمحا مرشوقا على عتبة كل باب. شكرا سيدي الجنرال! ومن ذاك السواد إلى هذه العتمة، ومن تلك القرية إلى هذه المدينة، والجرح واحد..لوطن واحد..؛وحيد يشهق على مرأى من علم يرفرف وسجّاد أحمر يُفرش .وفرقة عسكرية تعزف..وأنت يا عمرو البائس هنا..حُزت على رمح أمضى يشرخ صدرك بين جدران صمّاء لا ترأف..ولا من مُهنّئ! أتبكي الآن سامحا ..أم أكرما..أم حرّية تبكيها كالنساء لم تدافع عنها كالرجال..، كسامح..،كأكرم.. *               *               * أقسمت ليلتها بعد أن لفضتني الداخلية منسحقا موتورا أتحسّس أحد تخوم الحياة عند السحر أو الفجر الكاذب،أنّي سأسحق عظامهم..وأطحنهم حتى في المراحيض..،سأُدْنيهم إلى الموت حتى يعبدوه لا شريك له،ولن أذيقكم طعم الهزيمة والخسران يا كلاب..يا عُلوج الداخلية إلاّ قطرة قطرة! ولكن لِمَ قطرة قطرة؟ تالله إن أنا إلاّ عطوف أحمق سادر في غبائي. بل سأقوم بعمل خلاّق ؛ إن هي إلا نزهة بين الحدائق مع ابنتي سيرين ومريود ابن عبد الله ،ثمّ عند العودة أعرّج على أوكاركم – كأن الأمر جاء عفو الخاطر- ،نعم هكذا سيكون أجمل وأخلد لذكراكم.ولكني سآمر بوضع الديناميت في أساسات معبدكم وعند مداخله السبعة أو السبعين،وتحت كل عمود إسمنتي – ولمثل هذا اكتشفه نوبل – ،وسآمر جميع المواطنين أن يخرجوا بعيدا ويحفظوا جيّدا تحت آباطهم استدعاءات المحقّقين ووُصولات تسلّم مطالب جوازات السفر وبطاقة هويّاتهم  مع البطاقات المغناطيسية الخاصة بدخول المساجد والمتاحف،..أمّا قطعان المستوطنين وراء هذه الجُدر الشيطانية، فسآمرهم بالكف فورا عن مزاولة « أعمالهم » وسأُعلمهم بأنّهم في إجازة مفتوحة ولْيتركوا إذن آلات الكتابة بأفواه فاغرة متشوّقة للخواتيم الضالّة « سين..جيم..سين ..جيم.. » لِتبقى بمباركة الربّ غصّة في حلوق المحقّقين،ولكن قبل انصرافهم سنُهديهم كاميرات رقمية يحملونها على أكتافهم حتى لا يُحرم المواطنون وجميع من تستهويهم مسرحيّات الإغريق الأوائل من بثّ حيّ للحدث.سندعوهم أن بلجوا أقبية الداخليّة وزواياها المترعة رطوبة وضحايا.فحيث زُجر أبي وأُهين يقف مستوطن أو مستوطنة يصوّر المكان وأثاث مكتب التحقيق بما فيها « لوحة خطاب فجر التغيير »،وحيث عُذّب عبدالله وبُشّر،وكُبت جسدي وأُرهق فلن أرضى بأقلّ من ثلاث كاميرات تكشف كلّ أرجاء الغرفة القذرة بدمائها وقُيائي وآثار السؤال فيها.وعند مكتب السيد المستوطن الوزير،سنشرّفه بمدير مكتبه يصوّره وهو يوقّع آخر خطة أمنيّة للبلاد. وما تبقّى من جحور ومستوطنين..فلا بدّ من القرعة،تماما كقرعة الحجّ إلى بلاد الحرمين،فذلك أدعى لروح العدالة والمساواة..ثم أعطي الإشارة لابن عبدالله كي يضغط على الزرّ،وساعتها يُدكّ الصرح اللعين وتتغيّر ملامح المدينة..بل الوطن كلّه.وليخرج ساعتها المؤرّخون من أوكارهم سِراعا للبحث عن الأشرطة والإضبارات .. ستكون فعلا  فرصة تاريخية! *               *               * تجاوزت الساعة الخامسة أو السادسة بل ويقينا تخطت الثامنة ..وبت يا للعار أنتظر بفارغ الصبر جلسة جديدة حول تلكم الطاولة حتى تفتح الغرفة لأنجو من هذه المقبرة . لم تمض ساعتان تقريبا حتى سمعت صليل السلاسل يختلط بفحش القول وبذيئه والشتم يصحب الركب المتجه نحوي. انحشرت في الزاوية كعادة العقلاء …أرقب ما أرى.ولكني كنت مصمما رغم موقعي القصي أن لا أتركهم هذه المرة يضحكون على ذقوننا ويهزؤون بعقولنا « لقد مات… » . »وجدناه مرميا على قارعة الط… » وقد حاول الهرب فـ.. »وللأسف » لقد حفظت رغم حافظتي المثقوبة ما يكفي من شتائمهم ومسرحياتهم العبثية السوداء عن ظهر قلب ولن يجديهم هذه المرة أن يستسهلوا الموت أو يلاعبوه بإستخفاف … هذه الليلة سأدافع عن الموت لا عن الحياة..سأعرف كيف أجعلهم يقدسون الموت ولا يبتذلون حرماته…كيف يرهبونه ولا يُرهبونه أو يُرهبون به … بإختصار يا أوباش.. سيكون عملي الليلة إرهابا خالصا لوجه الوطن و البلاد. خرج أحد رجال البوليس وبقي مع السجين الرافس في أصفاده إثنان أوقفاه تحت المصباح الذي يشح كعادته بشئ قليل من النور. ولكني رأيت وجهه محيا طفوليا تختلج فيه الأعصاب بتوتر ويتنفس بحذر بل قبل أن ينزع أحدهما العصابة عن عينيه ويجلس بعدها مسندا ظهره على الكرسي و يسأله : » هذه أول مرة على ما اعتقد تشرفنا فيها بزيارتك هنا ؟ » ابتلع عبد الله ريقه بعسر مِؤمنا في وجل و بصوت مهموم : » نعم سيدي » وتدخل زميله ضاحكا بخبث  » عفوا سي عبد الله … نريد منك ان تكون في كامل الاريحية وان تجيب على اسئلتنا واقترح عليك ان تنزع كامل ملابسك قبل الدخول في تفاصيل الموضوع » وأكد الثاني مطمئنا  » هيا من فضلك هذا اجراء اداري روتيني »… »هيا يا إبن العاهرة ..يا ولد الكلب ..قلت لك كامل ملابسك اتفهم اريدك كما وضعتك امك … » اعدم المستوطن الشاب بهذه الصيحة الاخيرةكل تردد أوهمهمة عند عبد الله فبادر الى تجريد نفسه من ثيابه وهو مخفض الراس مستحيا و مرتعشا ولم يترك سوى خرقة صغيرة امل ان تستر عورته . ولكن هيهات يا عبد الله … او عبد الوطن… فقد لاحقته الصيحة  » انزع… انزع… وارفع راسك. » ثم والآخر يشعل سيجارة من نوع مارس يسال بمكر وهزء  » قل لي يا سي عبد الله الم تريوما مرقصا او مقصفا بالليل ؟ ألم تر جرأة النساء ؟ كيف بك وانت رجل يا رجل  » فطفقت من عينيه دمعتان تبرقان على خديه… كان يبدو ذليلا ..مثلي..عاريا…مثلي.يرتجف كانه منغرس في قلب صحراء جليدية كعلم المستكشفين … يخشى من ان يرى عريه ولا يقوى على النظر فيمن يتملكون عريه في شماتة وتلذذ مرضي . خشيت من انفضاح امري وتهوري في ان أشاكس ذيلا وانس رأس الحية وربما قضيت بخبر هنا في هذه المتاهة ولذلك تعلقت وجربت أن أكون حكيما و حليما في آن وتركتهم يبدأون استجوابه. واتاه السؤال جافا  » اتعلم لم انت هنا هذهالليلة ؟  » ثم مواصلا  » اسمع عبد الله كما تعلم انت و غيرك نحن هنا للدفاع عن شرف البلاد وسمعته. ولكن للاسف تجد دائما ثلة من الزنادقة والمتطرفين تريد دائما للإساءة الى مجده والاساءة الى مجده وتنكر جميل رئيسنا  » ثم دنا منه وتدلت بينهما سلسلة حديدية تتبختر من السقف فدفعها وتركها تتراقص بينهما وعينا عبد الله تتبعها كبندول الساعة ثم باغته  » ما رايك في هؤلاء الارهابيين ؟  » فاعتصم المواطن بالصمت ولكن لطمة شديدة اتته عن شماله اوقعته ارضا فانفجر يغمغم  » عندي أولاد صغار مع أمهم ينتظرون أوبتي من العمل ولا اعرف شئا عن هؤلاء ولم ار منهم أحدا  » فأنتفض المستوطن الشاب المتطرف ورمى عليه بقية سيجارته بغضب فحطت بعد ذلك قرب نتوءته(وهذا اضعف الايمان ) وصاح بانفعال مريع  » قلت لك منذ البداية إنه لئيم وحقير ولا تجدي معه سياسة اللين و الاحترام. » ولكني اقم بـ..   ولكن الركلات الحاقدة والصفعات المجنونة اجهضت نيته في الدفاع عن نفسه و السقوط مغشيا عليه فخرج زميله وهرع الى سطل ماء من الرواق فأتى به واسال ما فيه على الجسد المسجى فأنتفض حتى بلغ الرش الجزء الاعظم من جسدي وقبل ان يسترجع عبد الله وعيه وجد نفسه معلقا في عصا غليظة مرتكز طرفيها على الطاولة والكرسي ورأسه مدلى الى اسفل وقدماه الى أعلى وهو يستغيث وصوت المستوطن الشاب ياتيه بغيظا  » يبدو أنك مصر على معرفة المزيد يا خائن ؟ أين هو إبن عمك؟ أين أختفى ؟  » « لا أدري و الله العظيم لم أره منذ شهور  » قلت لك إن هذا اللعين لا يريد سوى أن يهين نفسه حماية للخونة  » وسحب عصى من الزاوية المظلمة من ورائه وقربها من مؤخرته ثم أولجها فيها وهو يقول بغيظ  » تقول إنك لم تزر يومال مرقصا ليليا.. آه…تقول إنك عفيف ومتزوج…ولا تدري شئا عن أبن عمك… سترى إذا الليلة شئا جديدا..  وتعالى الصراخ ينافسه كلام داعر ووعيد شرير والعصى تغوص رويدا رويدا في دبره .. ثم يسحبها ليعيد غرسها من جديد عابثا بأحشائه والدم يتقاطر ملوثا بالعذرة ولعنة مظلومي العالم والغرفة أفضل من يشهد على أصطراع الروح مع ملك الموت داخل الجسد المعذب …هممت بالنهوض ورد الردى عنه. .. ولكن عطبا ما أقعدني ..قولوا في حالي ما شئتم… لتصموني بالجبن والخيانة كإبن عمه..ولكن العطب والشلل سريا في كامل أوصالي فأغدياني كومة لحم مهمل عند الحائط. تلاطمت امام ناظري صور أهلي ودموع زوجيوجنازة سامح وسمكة تفصل بيني وبين أسماء بنظراتها الزائغة ..تجتمع الصور وتتلاحم.. تحتدم ثم تتمزق وتنتشر… يا للكرب العظيم .أبصرت على مرمى حجر يتهاوى في اتجاهي مبتسما في وثوق غريب..ولكني الليلة ادافع عن حماك… ولم ينقشع هذا الدخان الخانق إلا بخفوت شكوى عبد الله ..ماأجمل أن لا تتذمر يا عبد الله..ولكن هل مات يا ترى؟ لماذا خمد صوته وانقطعت شكاته؟ هل افرجوا عنه بعد أن أنتزعوا من أحشائه ما يريدون ؟ أضنني سمعت صلصلة سلسلة حديدية وانين متقطع يتخلل الصلصلة. ووشوشة عمال يتناصحون إتقان عمل ما.. جمعت ماأعتقد أنني أملك من وعي وقوة لأستدير نحوهم. ولكني شعرت وكأن عملاقا ممسكا بيدين خشبيتين عنقي يكورني نحو الارض . إختلست النظر الى المصلوب وراسه الضاج في الماء يضطرب كطير مذبوح وبين الفينة و الاخرى تتزاحم في سمعي سؤال و شهيق …ووعيد وزفير..الماء…إنه الماء.يغطسون راسه في الماء يكتمون أنفاسه…أسمع بقبقة ماء.. مرقت أمام ناظري منظر وردة وهي تجلب الماء على ظهرها لتسقي نبتة ذابلة.. تصحر حلقي.. إنهم يكتمون أنفاسي.. تذكرت القحط الذي حل بالبلدة منذ أعوام… وشهقات الاسير انقطعت برهة طالت عندي.. إنه الماء.. إنه الموت.. لا حييت إن مات سامح آخر..وفي لحظة خاطفة… كالبرق يلمع مقطعا السماء قطعا قطعا..حاذيت الموت وألقيت بكل جسدي نحوهم بهمة وتوثب المنتحر.وهويت بقبضة يدي على وجه المستوطن الشاب فنزع يديه الممسكتين براس الغريق. كانما مس كهربائي أرعشه. فتراجع خطوتين مذعورا يرقأ دم أنفه ويلتفت في حيرة وخوف مفتشا عني وانا مركوم على نفسي ألهث كالكلب قرب سطل الماء الذي قذف به عبد الله براسه فاهرقه كله فساح الماء على البلاط مختلطا بالدم المتخثر والعذرة المنزوعة انتزاعا لحماية الو… من…! هذه هي يا إخوان غرفة  » البشارة  » بالمتحف الوطني الآن ولكن… عن أي بشارة تفصح هذه المغارة؟ كثيرون هم الذين ضمنوا بسبب السمية وتساءلوا حيارى بعد أن طافوا بارجائها واستعرضوا أثاثها… كيف لغرفة ,ملعون كل ما فيها إلا من ظلم , ان تزجي الفرح و البشارة.؟ * وهاهي الوريقات تزيل آخر الحجب عن سر هذا المكان « إسما وتاريخا » فمنها حملت لكم البشارة بين أضلعي حرست شعلتها بالحقد الثابت والعزم الماضي. وغذيتها بهزيمة تلك الليلة فكانت لكم نصرا وللجنرال دحرا.. وللوطن فخرا.. ولي عند الله ذخرا…! آمين. وفي هذه الغرفة ايضا بشر عبد الله بما سيكون .. ولكن بعد حين وقدر. وعندما انسحب المستوطنان الجلادان مرتبكان كان عبد الله قد انزل من عليائه متكوما على بحيرة من ماء ودم. وغير بعيد عنه كنت اتنفس الصعداء . وقبل أن أقترب منه ولج رهط آخر المكان ووضعوه في صندوق خشبي شبيه بالتابوت بعد أن لفوا جسمه بقماش أبيض ولم اتفطن لحقنة فارغة ملقاة على الارض إلا بعد أن أغلقوا الباب وخرجوا سراعا . ومع انقطاع الانين تملكني يقين أن جهدي قد ذهب سدى وأن السم قد أنهى روحا أخرى الى الابد . ركنت الى الحائط مستيئا شاعرا بذنب يخزني وعار يتحوطني ..اتقفقف من الماء و الاجهاد…مستسلما للحياة كما هي..او الموت كما يأتي.. لم يعد الفارق لدي واضح المعالم .. احسست كأنني أغرق في لجة ثم أطفو.. ثم مجددا.. أغرق ..وبعدها أزدادا غوصا وغرقا… صحوت على نشيج مكتوم فرايت شبحا فوق التابوت جالسا القرفصاء قد دفن راسه بين ذراعيه. ففرحت لنجاته… وتبين لي ان الحقنة لم تكن سوى مخدرا او مجرد ماء مرقي بتعويذاتهم المضللة .. المهم أنه حي يرزق…يجلس كيف يشاء وعلى اي صخرة أو ربوة يريد.. ويحرك اطرافه ..ويبكي … آه.. البكاء.. إشارة الانطلاق لأستهلال سجل جديد في الحياة ومشكلاتها..لاعليك يا عبد الله ارفع راسك.. وكفكف دمعك.. لا يتسع المكان هنا لنعامتين. تخفف ضميري من الوخز.. وناديت عبد الله فلم يجبني.. لا شك وأنه يتذكر اولاده وزوجته. و…يحن الى أرض بعيدة .. شريدة.. ولكنه حي يتنفس.. ويبكي..وهذا يكفي. خيم السكون بثقل من جديد على جسدين عاريين مرتجفين.. ثم رايته يفرك يديه ويطير.. نعم.. يطير..! ويخرج من بين قضبان الشباك الصغير بالباب السميك مبتسما لي هذه المرة ومودعا. .! او قد رآني ساعتها يا ترى وعرف السر؟. توالت طرقات ووقع اقدام على البلاط بانتظام عسكري . فتوقف الكابوس وفركت عيني فإذا بالتابوت في مكانه والطائر في قفصه. وشج السوائل المقرفة تفصل بيننا وشعرت بالغثيان فزدت للبركة قياء قبل ان يفتح الباب ويدخل مستوطنان جديدان . مااكثرهم يا رب السماء. .! كانا ضخمي الجثة حليقي الشعر عليهما ملابس بيض لا يرى عليها أثر العمل.  سحبا كرسيين بلا كلام ووضع احدهما ضوءا باهرا سلطه على فوهة الصندوق . نظرا الى ساعتيهما اليدوية وجالا ببصرهما يستطلعان ارجاء الزنزانة بشئ من اللامبالاة. ثم بدات حركة تسري بين اضلاع التابوت ونقرات على ألواحه تسأل عن الحياة وتبحث عن الهواء كفرخ طير ببيضة. هنالك تحرك المستوطنان واشعلا الضوء بعد أن أطفآه وفتحا الصندوق وعلى حجر كل واحد منهما سفر مجلد ضخم . ورايت « المرحوم » يحمي عينيه براحته اليمنى من أشعة المصباح القوية ويتفحص يمنة ويسرة. ثم يحاول النهوض . وسرعان ما يخور عزمه..والمستوطنان ينظران ولا ينطقان.. اعجب به من مشهد خرافي خلط علي الحابل بالنابل وبعد هنيهة تجرأ عبد الله وتساءل بصوت مبحوح  » أين أنا؟ » عندئذ فتح المستوطنان بحركة مسرحية متزامنة ومرتبة ثم أتحد صوتاهما في هدوء ووقار  » في خير قتلت وعلى خير تبعث…في خير قتلت وعلى خير تبعث » هنالك أسقط في أيدينا وظننّا أنّ العالم الآخر يحوينا! لابدّ من وجود خيانة أو مؤامرة في مكان ما! صاح عبدالله « وهل متّ أنا فجأة وخرجت من الدنيا..،وأولادي..وأهل بيتي.. » ثم ابتلع ريقه قبل أن يسأل من جديد « ولكن من أنتما؟..ألم أكن بوزارة الداخلية ؟ »فواجهاه بالسؤال المُريع « ومن ربّك؟ »فأدار رأسه كأنّما يبحث عنه مستنجدا وأنا أهمس له بالجواب.ولمّا أعاد عيه الكرّة دخل الإسلام »أشهد أنّ لا إلاه إلاّ الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله »وتهالك منهزما في أحضان جِدثه يرثي مآله وهما يكرّران عليه البشارة »في خير قُتلت وعلى خير تبعث،في خير قتلت وعلى خير تبعث » وسمعته يهمس بحرقة « أي خير هذا الذي تتحدثان عنه وقد فارقت صغارا مع أمهم دون مُعيل ولا سند »وصمتنا قانتين وشبه قانطين. ولكن أحد الملكين المستوطنين بان عليه الحرد وهو ينظر إلى رفيقه،قبل أن يحتدّا صوتهما  » قلنا في خير قتلت وعلى خير تبعث » ثم قلبا صفحتين وسألاه من جديد  » ماذا تقول في هذا الرجل؟ » فردّ عبدالله بدون حماسة »أشهد أن محمدا رسول الله » فعقّب أحدهما  » بل تُسأل الآن عن ابن عمك سامي،أين هو،وماذا تقول فيه؟ »فأقسم عبدالله ..وبعد تردّد عابر أتمّ قسمه نافيا علمه بشيء أو بالطائفة التي ينتمي إليها ابن عمّه..ولكنّه جادت عليه ذاكرته بجملة قد تدخله الجنة فقال بتردد »إلاّ مرّة واحدة.. » وأحد المستوطنين يشجّعه » شيء بسيط قد يجعلك في عليّين أو يخسف بك في دركات جهنم.هيّا.. متى وأين كان ذلك؟ » « في دار عمّي عبدالرزاق »  أتمّ الإمتحان عند الفجر الصادق وخُتمت الحفلة التنكرية  » على خير قُتلت وعلى خيرتُبعث إنشاء الله  » .. » إنّها البشارة يا عبدالله لك ولسبعة من أهلك  » « بل لسبعين منهم يا شحيح » صحّح أحدهمقول رفيقه ثم رميا حجرا » أبشر.. » وأطفآ المصباح وأوصدا الباب فغرقنا من جديد في الظلمة وأنا أستمع إليهما مستبشرين ضاحكين، ووقْع أقدامهم يدكّ مسمعي وقد تشتّت و فارقه الإنضباط  والوقار. عندما أسدلت آخرستائرالمسرح، إلتمست نفسي فعثرت على جسدي لوحده على أحد مقاعد هذا المسرح اللاإنساني ورأيت عبدالله وحيدا على الركح وقد غادركفنه وهو يصيح على أهل الرواق  » يا رفاق، يا أهل الغرف أنتم هناك، هل بُشّرتم بخير البارحة ؟هل زاركما الملكان الأبيضان؟ البارحة مرّا من هنا وبشّراني بلقاء الأهل والأحباب.. ولكن لا صوت ردّ عليه ماعدى الصدى،وخاب الرجاء..فطفق يذكر أسماء أبنائه ويحاورهم  » مريود »  » زينب  » « سامي ». وطلع الفجر على يوم القيامة ..؛أخيرا فُتح الباب بعد بضع ساعات وساد هرج ومرج،وبذاءة الألسن تُنبؤ بفرح عارم. وما إن واجه عبدالله إبنَ عمّه حتى ارتمى عليه يحضنه ويقبّله ويبشّره بما بعد موته صحبة الأهل والخلاّن ثمّ سأله بلهفة عن أولاده ، وعبدالرحمان بوجه جامد لاينبس ببنت شفه، حتى اقترب من الجمع الرجلُ-الغليون، المستوطن « عارف » تهتزّ بطنه لضحكاته المختلطة بسُعاله وصفع عبدالرحمانَ صفعة مدوّية وقال له  » إنّ الوطن غفور رحيم للمتعاونين معنا » مُشيرا إلى عبدالله بإصبعه  » ولكنه قاس شديد البأس على أمثالك من الخونة والفاسقين » ثمّ أجلسه بغلظة متوحشة علىالكرسي وفكّ قيده متوعدا » وسنوضح لك لاحقا ، أمّا الآن فسنترك لك فسحة من الزمن لتخطّ أسود على أبيض كلَّ شيء ، من يوم وُلدت إلى يوم بشّرنا ابن عمّك فبشّرناه. أقصد يوم أمس، يوم وقعت في يد العدالة » ثم نظرإلى باقي المستوطنين وبتهكّم واصل لغوه  » طبعا زففتم له البارحة بشرى النجاة من عذاب مبكر ونكير، أليس كذلك!؟ فأجابه أقرَعُهما  » نعم سي عارف ، تعاون معنا المتهم بصدق وجدّية فاستحقّ البشارة عن جدارة  »  » إذن أعطوه ملابسه ولا تنسوا أن توقّعوه على إلتزام بالتعاةن الكامل والشفاف مع السلطات » وعبدالله يصيح كأبله تائه بين الحارات العتيقة  » ولكنّها البشارة يا ناس ..يا مريود.. » وقبل أن يغلقوا الباب ورائي أضاف كبيرهم محذرا من جديد المتّهم الجديد  » ولكن إيّاك أن تنسى أم تتناسى دقيقة واحدة من نضالك بالحزب. أريد منك أن تدوّن كلّ شاردة وواردة،ولإنعاش ذاكرتك أنظر هناك ،فلدينا ما يلزم لمساعدتك. فبمثل هذا تذكّر ابن عمّك وبُشّر » وبصق على وجهه ثم خرجنا. وأخيرا. أخيراً..مُتضعضعا أكاد أنهار، خرجت من دهاليز بشائرهم ألهث. كانت الساعة تشير إلى الخامسة وأربعين دقيقة ،عند السحر أو الفجر الكاذب، في يومي الأوّل من شهر بُرْج الرُّومي،السنة الأولى بعد الداخلية.جسدي يكسوه العرق وتجلّله الفضيحة .نفحتني نسمات نسمات باردة ،فاسترجعت أنفاسي عند التمثال وخررت مرهقا على ركبتيّ أطهّر صدري من عطن تلكم الروائح . رأيت أمامي ضعفي يتمدّد فبان لي كهوّة سحيقة من فراغ،ووجدت رغم ذلك الوقت الكافي لأن أضيف قسما لباقي الأرشيف غير بعيد عن ابن خلدون الصامت والشاهد على صدق روايتي، أن أثأر لضعفي وحبسي وطرد أبي وسحل سامح وإعدام أكرم واغتيال آخر وقهر أخرى…سترى ذلك يا وطني بجنوبك وشمالك ،وسيحدّث شرقك غربَك بما أعد وأتوعّد..،سترى يا وطني أنّي لا أكذب ولا أنس. وأمّا أنت، يا وطن المستوطنين، أعدك بالخيانة ..كل الخيانة..وربما لاشئ سوى الخيانة،ولن أرحم دموعك يوم يحين أوان جلاؤك عن بلدي وأهلي. وحانت منّي إلتفاتة إلى واجهة المقبرة فزادت الهزيمة من مرارة قهوة الصباح، حتى العلم يرفرف مزهوّا بنجمته وهلاله! أهكذا يبرّ العلَم أحفاد من جابوا السند والهند ليُهدوه نجمة مخمّسة الأضلاع  وهلالاً ببيض ناصع ودما زكيا روى دروبهم.. يا علماً أحمرَ..أخضر..،كن اليوم بأيّ لون تشاء ،ولكن لا تكن لنبعك ناكرا ومتجاهلا..وعيال البلدة تحت هذه السنديانة الحجرية يجلدون ويُحتضرون. يا لها من رفرفة بليدة ..،سأنكسك لتُجلّ أرواح من مضووا بلا مأتم أو إعلان. وخطوت خطوات ثقيلة ،وتعالت من ورائي ضحكات مشرشرة من البوليس المعسكر على باب الداخلية وآذان الفجر ينبعث من أعماق هجعة المدينة ،فحمى الدم في شراييني وعدت على أعقابي حرِدا نحوه حيث وجدت أحدهم لا يزال يستمتع بطرف الصباح عبر مذياعه اللاّسلكي كأنه خاوي الفؤاد يدافع عن العلم المرفرف فلكمته بعنف متسلّحا بخبرة ما شاهدت البارحة وصرخت في وجهه بجمل مبعثرة وتركته هلعا مغطّيا وجهه المدمى براحتيه. المطر الذي يلحق بالحرث منذ سنوات المراهقة الأولى لحياتي، وبعد محاورة شبه سقراطية مع نفسي العطشى،إقتنعت بصعوبة أنّي لست ميّالا للأثرة وعشق الذات. ولا أقول هذا أعزّائي من باب الرياء والإدّعاء، فقد مرّت الآن مواقيت الريّ والتخصيب لهذه المشاعر، ولكن لأقول مرة أخرى – وعذراً عن التكرار – إنّي كنت ولا فخر، لمصلحتكم مُؤثراً ولقضاياكم خادما،.. لا لأكون لكم سيداً – وقد أرغمتني صناديق الإقتراع الشفافة على ذلك عدّة مرّات – ولكن لأكون عبداً شاكرا للمنّان،الذي هو وحده الذي قدّر لنا جميعا،نحن مواطنو هذه البلدة، أن نستفيق من الكابوس الذي تسربلت به أيامنا وليالينا، وأجرى على يدي رشّ الماء البارد على أجسادكم الخجْلى فانتعشت أحلامكم بعد أن غفت دهرا. وهكذا كان دأبي معكم دائما، فكما جعلت لنفسي تأريخا داخليّا خاصًّا أهديتكم أنتم كذلك تأريخا جديداً،فقرّبت عيد الإستقلال الثاني إلى قلوبكم ووفّيت بوعدي لأبي وهو في جوف الأرض الدوّارة،وجعلت،كما تعلمون، للبلاد والعباد عيدًا سعيداً نؤرّخ به لطلوع الفجر وجلاء الظلمة،ليس بيوم دخولي للقصر، ولكن بيوم خروج زعيم المستوطنين،الهبْدَبِيّ الأكبر، مدحورا مخذولا وقد طاشت من بين يديه تعاويذ المشعوذين ورقيات الدجّالين، وتأكد له قول أحدهم بأنّ عدُوّاًً ما سيخلُفُه.. وكنت أنا،وصدق من قال : كذب المنجّمون ولو صدقوا. وكان ذلك اليوم – وهو الذي اختاره لا أنا – كيوم دخوله : اليوم السابع من شهر بوُ شوشة السنة2 بعد الداخلية. أكانت مصادفة،أم هو القدر أراد الطرفة بعد الترحة!؟ لم تسمح الظروف ساعتها، ولحكمة لم تعد عنكم خافية،أن يخرج إلاّ  » مواطنا ً » و  » بطلاً ديمقراطيا  » كسوار الذهب. مع علمي وعلمكم أنه لا يساوي سوى سوار نحاس مغشوش. و مع ذلك إحتفلت به وهو يودّع قصر الرئاسة مكرها ومعزّياً نفسه بأنّه يلج ساعتها سجلّ العظماء الممجّدين كما ظن، قبل أن يعي مع أول مرافعة اتهام ضده بعد فترة  أنه أخطأ الوجهة وأنه كان خارجا لا والجاً. ومع ذلك ،عُزف النشيد الوطني حتى آخر نوتة موسيقية وتطاول العلم إلى السماء يخفق في الجوّ ينفض عن كاهله غبار عشريتين كالحتين . وكان ذيل فستانها يرفرف كما العلم تقريبا قريبا من الأرض، فينكشف أعلى فخذيها البيضاوان وهي تبدو عميقة الأسى كساقية ماء أصابها العطب والسوس الناخر.فقلت في سرّي  » لو دامت لغيركِ ما آلت إليّ … » ألم أقسم لكِ أني لن أرحم دموعك يوم يحين جلاؤك عن وطني وأهلي؟ » ها هو العالم بأسره يشاهد مبهوتاً ،بثّاً حيًّا فنتازيّا من قلب المشرق .. ولو كان قائل المقولة الشهيرة :  » الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبدًا  » ما يزال على وجه البسيطة لصحّح كثيراً من قولاته المتناثرة في كتبه. ساعتها يا جماعة، ولبرهة خاطفة،زُوي لي المكان وما مضى من الأزمان، فلاحت لي دنيا العلوّ والهبوط، رأيت الضعفَ رغم ضعفه على قدم وساق مسرعا يتعقّب القوة. فتذكّرت الموت عقب الحياة ،.. الصحراء غِبّ المطر، الفلاة بعد عيش القصور ..، إنقلاب يهيّىء لانقلاب .. تُرفع راية بني أميّة وتخفض بها أيادي بني العبّاس  » وتلك الأيّام نُداولُها بين النّاس  » . حقًّا ، لن ننزل النهر مرّتين يا أُوقليدس ، لقد صدقت ! ولن ندخل القصر مرتين . صدقت يا عمرو .. ففي كل مرة تُغيّر المغاليق! وهمست شيرين في أذني قاطعةً عليّ الآجال  » أبي يبدو حزينًا رغم نُبْل العمل الذي قام به ..إنّي أعرفه جيدًا ..رجلاً عميق الأغوار  » ثم كمنْ يحدّث نفسه  » سأُكثر من زيارته بعد تقاعده المبكّر هذا في قصره الجبلي « . وأخيرا حمّ الوداع واحتضنني بقوّة حتى كاد يخنقني، وطغت في أذني  أنفاسه المختلطة بكلمات مرتعشة تشي بانفعال عميق في جُوّانه . قبّلته مودّعا وهو يوصيني خيرا بشيرين والقصر ومن فيه . وختم مذكّرا  » إنّي تركت في عنقك أمانة يا عمرو ليست أبدًا هيّنة كما يدّعي من يصف نفسه بالمعارض..  » وبعد هنيهة مصحوبة بزفرة خفيفة  » لا تخيّب ظنّي فيك  » وانفتل إلى السيّارة بعد أن فرّ من دموع ابنته شيرين، وقبّلت يدَ حرمه بوقار وهي تنظر إلي نظرة تقطر بُغضاً لو تُرجمت لتحوّلت إلى رصاصة تخرق صدري . ورغم أنّ الوجهة كانت  » القصر الجبلي  » فقد بدا على محْياها جزع كأنّها ستخرج إلى بيداء بلا رفيق أو رجاء. وبعد أن تجاوزت سيّارتُهما الباب الرئيسي شرع قلبي يجترّ السؤال القديم الجديد  » كيف للمرء وهو يرفع المرساة من القاع لِيُبْحر بعيدًا أن يعزّيه منديل أبيض يرفرف أو دمعتان على الرصيف؟ » وطفقت شيرين تجذبني وهي مرحة رغم آثار الدموع في المآقي وتقول : سآمر بتغيير الأثاث وكامل الديكور.. ما رأيك حبيبي ؟ لِيكُن عهد جديد لا يتنكّر للماضي ! » وأنا أبتسم لها مُشفقًا عليها وعلى كامل حياتي من الآتي  « لِيكن حبيبتي « ! *                  *                   * .. وهكذا كان ما كان، ولفظ بدني الحُمّى بعد أن نهكته أربعة أيام تقلّبت في الفراش على على جمرها، تتناوب عليّ قفقفات ووهذيان وخترفات شرّقت بي وغرّبت أثناء النوم وما شابه اليقظة،حتّى أحسست بتضعضع شامل أفضى بي مع المضادّات الحيويّة التي وصفها لي الطبيب إلى شفاء ناقص. وفي اليوم الخامس من شهر حربوب السنة الأولى ب.د.إعتليت صهوة جوادي المُتعَب واتجهت نحو البحر ممنّيا النفس بفتح قريب . وقبل الخروج أخذت بكل أسباب الحيطة والحذر من أي خطر أو تيه قد يجمعني أحدُهما بحتفي،فأكون عرَضا قد سقطت شهيدا!! ولذلك أدّيت صلاة حارة مهموسة بدعاء ملحّ، ثم ألقيت نظرة عابرة على خارطة طريقي.

بالسّواك الحار (36)

لصابر التونسي

 

… و في مطالبتي، كامرأة، بإرضاع زملائي لأتمكن من مواصلة العمل (سلوى الشرفي) (نقلا عن تونس نيوز) الجهل ظلمات … تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها !!…وأنصح زملاءك بأن لا يُقبلوا على حليبك لأنه ملوّث وحامل لفيروس نقص المناعة الثقافية والمعادي للدين والهوية!! و أخيرا أشكرك على هذا الجدل الذي فتحته معي لأنه سمح لي بفهم بأن حوار الطرشان أقل خطرا من الحوار مع من هو قادر على التحدث بلغة مخاطبه غير أنه يفضل اللجوء إلى لغة الطرشان لتحقيق مآرب سياسية.(سلوى الشرفي)(نقلا عن تونس نيوز) رمتني بدائها وانسلت … إنه منهج كبيركم الذي علمكم « فائدة » التنكر للذات والمبادئ … وتبرير القمع والإستبداد … لتحقيق مآرب سياسية!! أتوجه أولا إلى الأخوات و الإخوة مؤسسي الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن اللائكية بالتهنئة و الشكر على هذه المبادرة, التي نتمنى أن تساهم في بناء الدولة الحديثة.(بسام خلف) (نقلا عن تونس نيوز) أولى أن تسمي الأسماء بمسمياتها وتتوجه بالتحية للرفيقات والرفاق … أم أن زمن « التغيير » قد فرض عليكم التغيير!! ارتفع سعر السكر في العالم بمائة في المائة دفعة واحدة… قرأت النبأ فبقيت عيناي – ونظّاراتي – شاردة. لو كانت النسبة 30 أو حتى 50 لقلنا دفع اللّه ما كان أعظم… أما 100 فإني لا أدري ما أقول، لست أعلم. …سوى أنني اثر كل ارتفاع في الأسعار وخاصة هذا الارتفاع المأساوي… لن أطرب بعد اليوم بالأغنية الشهيرة للسيد مكاوي « يا حلاوة الدنيا يا حلاوة » (محمد قلبي)(نقلا عن تونس نيوز) اترك السكر والتحق « بحزب » مريم نور توفر صحتك ومالك وتريح بالك!! فأعيد إلى السجن (الطاهر الحراثي) إثر حادث مرور ألم بأخته المقيمة في العاصمة… و رغم تقدمه بمطلب لزيارة أخته إلى من يهمه الأمر… فإن من يهمه الأمر لا هم له إلا مزيد هرسلة قدامى المساجين، فلم يأبهوا لمطلبه و لم يقدروا حاجة أخته إلى من يقف بجوارها بعد الحادث (عبد الله الزواري) لا يجتمع همان في قلب « رجل » الأمن … وكل الأمور مؤجلة حتى يهنأ الزعيم وتزول عنه كل الهموم … بما في ذلك هم الأجل!!

وبهذه المناسبة فإن الحوار.نت تطالب بتمكين أبناء السيد القلوي من حقهم الوطني المشروع في جواز سفر حتى لا يضطر والدهم السجين إلى خوض إضراب مفتوح عن الطعام قد يؤدي بما بقي من حياته. (الحوار نت)

نجحت معكم سياسة « اضربه على التبن ينسى الشعير »!

في خطوة لاقت اهتمامًا محليًّا وخارجيًّا، دعا المرشح الديمقراطي المحتمل لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، جون باراك أوباما، إلى الاعتماد على الدين في حل كافة مشاكل الحياة، خاصة السياسية منها، منتقدًا في الوقت ذاته من قال إنهم يجعلون الدين وسيلة لتفريق الشعب الأمريكي بدلاً من تجميعه. (محمد حامد: إسلام أون لاين)

حلال على الأمريكان حرام على من عداهم!!

أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فدعا في كلمته إلى البدء بمفاوضات سلام مباشرة مع الإسرائيليين، مضيفًا: « على الرغم من الانقلاب الدموي الذي حدث في غزة فإننا سنبذل كل جهدنا من أجل السلام »، مكررًا التزام حكومة الطوارئ -برئاسة سلام فياض- بالاعتراف بدولة إسرائيل. (إسلام أون لاين) هكذا هم « الرجال » وزعماء « الوفاق الوطني » دائما، سلما على « أعدائهم » وحربا على « أوليائهم »!!

زادت الجماهير المغربية من « خشونتها » في التعبير عن خسائر فرقها أمام الأندية التونسية عندما عمد عدد منها السبت، إلى الإساءة لعلم تونس بالدوس والتبوّل عليه، بعد خسارة الجيش الملكي المغربي في الرباط أمام ضيفه النجم الساحلي التونسي بهدف وحيد،…. وخارج ملعب رشيد في الرباط، انتزع مغاربة غاضبون الأعلام التونسية من أنصار النجم الساحلي وأضرموا فيها النيران، وفقا لشهود عيان نقلوا ما رأوه على موقع « كورة. » وأظهرت المواقع صور الجماهير المغربية وهي تدوس العلم التونسي، كما ظهر شخصان على الأقل وهما « يتبولان » على العلم التونسي. (CNN) (نقلا عن تونس نيوز) الكرة أفيون المغفلين … وما أكثرهم!! … ووسيلة لإشغال الناس عن « الكراسي » … وما أحمق الشاغل والمشغول!! وأكد السيد حامد القروى (للسفير الأمريكي) الدور الريادى الذى يضطلع به التجمع في تطوير البلاد وفي بناء مجتمع حداثي متفتح ومتقدم في كنف التلازم المتين بين البعدين الاقتصادى والاجتماعي وفي ظل القيادة الرشيدة والمتبصرة للرئيس زين العابدين بن علي والتفاف مختلف جهات البلاد وشرائحها حول صواب خياراته وسلامة توجهاته مشيرا في السياق ذاته الى الشرعية التاريخية للتجمع والى مسيرته النضالية الزاخرة بالنجاحات البارزة.(تونس إفريقيا للأنباء) (نقلا عن تونس نيوز) الأصل أن تتوجه الحملات الإنتخابية للشعوب المحكومة وليس للدول المسيطرة … ولكنه زمن « التغيير » والإستثناء وغياب الأصل … واعتماد الطريق الأقصر للإستمررار على الكرسي!! يعقد رؤساء أجهزة مكافحة المخدرات في الوطن العربي مؤتمرهم الواحد والعشرين يومي الأربعاء والخميس المقبلين بمقر الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بتونس,بمشاركة ممثلين عن مختلف الدول العربية وجامعة الدول العربية وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.(« المغربية » 25 جوان 2007) (نقلا عن تونس نيوز) فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!! … ما أكثر ما يكون المكافِِـح (بكسر الفاء) والمكافََـح (بفتح الفاء) واحدا!! صــابـر التونسي

 

المصدر/ المنتدى الكتابي للحوار نت

 

الافتتاحية: بمناسبة العطلة المدرسية والجامعية… شبابنا والتنشئة الاجتماعية و الوطنية

 
بقلم عبد اللطيف عبيد توقفت الدروس، فعليا، في جل مدارسنا الإعدادية والثانوية منذ أواخر شهر ماي، بل إن بعض التلاميذ كانوا قد بدأووا ينفضون عن المدارس منذ أواسط شهر ماي … وينهي جلّ طلبة الجامعات امتحاناتهم أواخر شهر جوان الحالي، وبذلك أقبل تلاميذ المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية على عطلة تدوم رسميا شهرين ونصف الشهر وتدوم فعليا أكثر من ذلك. كما أن عطلة طلبة الجامعات تزيد، في الغالب، على الشهرين. ولنا أن نتساءل : ماذا اعددنا لشبابنا المدرسي والجامعي من برامج ومناشط ترفه عنهم وتكونهم، وتربيهم على احترام الوقت واستثماره فيما ينفعهم أدبيا وماديا، وتغرس فيهم حب العيش المشترك والعمل الجماعي وخدمة البيئة والمجتمع، وتنشئتهم على حب الوطن والاعتزاز بكل جهاته ومناطقه والتعلق بكل ذرة من ترابه …؟ إننا إذا استثنينا ما توفره بعض الأسر الميسورة لأبنائها من فرص للسياحة الداخلية والخارجية، و إذا استثنينا أيضا بعض البرامج و الأنشطة التي تنظمها بعض الجمعيات الشبابية و الكشفية و بعض المنظمات و المؤسسات لفائدة منظوريها، فإننا نجد أن جل شبابنا المدرسي و الجامعي محروم من تأطير حقيقي منظم لأوقات فراغه خلال العطلة الصيفية الطويلة و العطل الأخرى التي تتخلل السنة الدراسية، و محروم من الترفيه المنظم المدروس الذي يجدد قواه و من التكوين الذي يحقق له التنشئة الاجتماعية و الوطنية المطلوبة التي تغرس فيه التعلق بمجتمعه ووطنه و الاعتزاز بهما و التفاني في خدمتها. و إن المصلحة الوطنية لتقتضي أن نعد لشبابنا المدرسي و الجامعي، بكل فئاته العمرية و في كل مراحله الدراسية و للفتيان و الفتيات معا، برامج و مناشط تمتد على كامل فترات العطلة و تجمع بين الترفيه و التكوين و خدمة البيئة و المجتمع محليا و جهويا ووطنيا، و تتضمن بالنسبة إلى طلبة الجامعات و المرحلة الثانية من التعليم الثانوي عملا ميدانيا تطوعيا أو إجباريا في المؤسات الوطنية الاقتصادية و الاجتماعية و البلديات، و بذلك تواصل الدولة و المجتمع العناية بالناشئة عناية منظمة أثناء أوقات فراغها،  و الاهتمام بها و الحرص على جودة تكوينها و تأهيلها لتحمل المسؤولية. على أن هذا المطلب لن يتحقق إلا إذا تجندت لإنجاحه كل الطاقات الوطنية و في مقدمتها مؤسسات الدولة و منظمات المجتمع المدني. فعلى مؤسسات الدولة –و في مقدمتها الوزارات المهتمة بالتربية و التعليم و الشباب و الثقافة- أن تدرك أهمية القضية المطروحة و أن تضع البرامج الجيدة و توفر الامكانات اللازمة، و على السلطة أن ترفع يدها عن المجتمع المدني ليستعيد المبادرة و يتخلص من هيمنة « الحزب الدولة » و الدولة المتحزبة التي لم تترك متنفسا لأي جمعية أو منظمة تسعى إلى المحافظة على شخصيتها و خصوصيتها، مما حرم البلاد من طاقات عظيمة و فرص كبيرة لتأطير الشباب في جو من الحرية و الاستقلالية. و بعد أن كانت الكشافة –على سبيل المثال- في طليعة المنظمات التي خرجت أفواجا من الشبان الوطنيين الذين تحملوا أرقى المسؤوليات و كان لهم دورهم البارز في بناء دولة الاستقلال، أصبحنا نرى منذ عقود نوادي كشفية كثيرة تغلق أو يصيبها الشلل و ينعدم فيها التكوين السليم و تندثر خبراتها لهيمنة السلطة عليها و تحييدها عن مسارها الأصلي. إن عنايتنا بشبابنا المدرسي و الجامعي في أوقات فراغه و أثناء عطله العناية المنظمة الشاملة لهي جزء لا يتجزأ من العملية التربوية و التعليمية و ليست أقل أهمية منها. و إنها أحد أسس نجاحنا في إعداد مواردنا البشرية لبناء الحاضر و المستقبل و تحقيق التنمية و المناعة، وهي أحد شروط غرس الروح الوطنية و التعلق بالوطن. (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

 


 

اتحاد الطلبة في مفترق الطرق

 
اختارت « مواطنون » التعاون مع قناة « الحوار التونسي »، من خلال تجربة برنامج حواري جديد نحرص من خلاله على طرح جملة من القضايا التي تشغل الرأي العام. و نحاول على أعمدة جريدنا أن ننقل للقارئ ما وقع تداوله في الحصة التلفزية، مع العمل على تكييف المادة مع مقتضيات النص المكتوب والمقروء، ما أمكن. و قد اهتمت الحصة الأولى بالاتحاد العام لطلبة تونس، و بالخلاف القائم حاليا بخصوص المؤتمر القادم. قدم اللقاء الزميل « أيمن الرزقي »، صحفي « قناة الحوار التونسي »، الذي أكد على أهمية ملف اتحاد الطلبة، و اعتبره موضوعا حساسا، خاصة في إطار النقاش الدائر حول مسألة المؤتمر الموحد. و جاء في تدخل الزميل « سمير بوعزيز » (رئيس تحرير « مواطنون »)، الذي يشترك مع الزميل أيمن الرزقي في إدارة الحوار، أن اتحاد الطلبة ليس مجرد منظمة نقابية طلابية بل هو منظمة وطنية لها وجودها داخل المجتمع المدني، و أن هذه المنظمة، على فاعليتها، لم تخل من خلافات طيلة وجودها، و في السنوات الأخيرة هناك خلافات حادة بين الشركاء داخل هذه المنظمة النقابية. و الخلاف قائم الآن حول صيغة المؤتمر الموحد. الحوار التونسي: ضيفانا، اليوم، هما على التوالي: سالم المومني، عضو المكتب التنفيذي للمؤتمر 24. و على فلاح، نائب أمين عام مؤتمر التصحيح. و نبدأ مع « سالم »، انطلقت النقاشات حول المؤتمر التوحيدي منذ الصائفة الماضية. و كانت تجربة القائمات الموحدة خلال انتخابات المجالس العلمية لسنة 2006، ثم صار التراجع عن فكرة المؤتمر التوحيدي. سالم المومني: أريد أن أشكر بداية قناة الحوار التونسي و جريدة مواطنون على هذه الدعوة و على اهتمامهما بالاتحاد العام لطلبة تونس. مسألة توحيد الاتحاد العام لطلبة تونس، موضوع قديم جديد طرح في كل مؤتمرات الاتحاد. و ألاحظ أنه ليس هناك من هو مع التوحيد و من ضد التوحيد. المسألة مرتبطة بالآليات و سبل الوصول إلى مؤتمر موحد يقضي على واقع الفرقة و التشتت الذي تعيشه الحركة الطلابية و المنظمة بالتحديد. و نتساءل: هل أن التوحيد يمر عبر هياكل الاتحاد و الأطر القانونية، و عبر احترام قانونه الأساسي و نظامه الداخلي، أم أنه يتم بفرض هياكل جديدة من فوق هياكل الاتحاد العام لطلبة تونس، تتحكم في المؤتمر التوحيدي؟ و أريد أن أوضح بعض النقاط، أولا النقاشات بخصوص المؤتمر الموحد انطلقت منذ مدة ليست بالقصيرة بين جميع مكونات الحركة الطلابية من أجل الوصول إلى مؤتمر موحد ثم كانت الخطوة التي بلغناها وهي اللجنة الوطنية التي كان تأسيسها في 8 ديسمبر 2006. و بعد خلافات كبيرة –حيث أن كل طرف يراها بمنظار معين، اتفقنا على أن اللجنة الوطنية تمثل تجمعا سياسيا وقتيا يحضر إلى المؤتمر التوحيدي يعني أنه تجمع لمختلف الأطراف و الحساسيات السياسية الموجودة في الجامعة التي تحضر من أجل بلوغ مؤتمر موحد، يعني أنها إطار سياسي. الحوار التونسي: هذا أمر متفقون عليه، و السؤال هو لماذا هذه اللجنة الوطنية إن لم تفرز مؤتمرا موحدا، ولقد أفرزت انقسامات جديدة؟ سالم المومني: الخلافات كانت موجودة منذ بداية تكوين اللَّجنة. واتفقنا أن هذه اللجنة تكون إطارا وقتيا لمساعدة الإطار القانوني و الشرعي على بلوغ المؤتمر الموحد. و ما حدث أنه بعد الإعلان عن اللجنة الوطنية في بيانها التأسيسي، و كذلك في بيان المكتب التنفيذي الذي صدر في هذا الغرض،حيث تم توضيح صلاحيات اللجنة و تكوينها و أهدافها، تغيرت المعطيات، و بعد أن كانت اللجنة الوطنية إطارا سياسيا أصبحت، عند بعض الأطراف، الإطار الذي يعوض كل هياكل الاتحاد من القاعدية إلى العليا. مواطنون:  المشكل إذا، في تقديركم، أن اللجنة الوطنية أصبحت هيكلا موازيا لهياكل الاتحاد؟ لو نسأل « علي »، كنتم تتصارعون مع هياكل المؤتمر 24 و الآن أنتم متحالفون مع جزء من هذه الهياكل (و فيها الأمين العام السيد عز الدين زعتور) ضد الجزء الآخر. أنتم تساندون الجزء المعترف باللجنة الوطنية على اعتبار أنها الهيكل الذي يحضر للمؤتمر القادم. و نحن ننتظر الهيئة الإدارية للمؤتمر 24 التي ستعقد يوم 8 جويلية. ما هي إنتظاراتكم ؟ علي فلاح: في البداية أشكر قناة الحوار و جريدة مواطنون على هذه الاستضافة و أعتبر اللقاء بيني و » سالم المومني » بادرة طيبة. و لنفهم طبيعة النقاش بيني و « سالم » و كل واحد منا يمثل قيادة داخل الاتحاد العام طلبة تونس، و كل مناضلي الاتحاد و المتابعون لشأن الاتحاد يعرف أنه أصبح لهذه المنظمة مؤتمران و قيادتان. و أنا في هذا النقاش أمثل قيادة مؤتمر التصحيح، و » سالم المومني » يمثل قيادة أخرى منبثقة عن المؤتمر 24. و الصراع الذي حصل بين قيادتين لمنظمة واحدة أخذ عدة أشكال. و حتى بعد تشكيل اللجنة الوطنية لازال نفس الصراع بين مؤتمر التصحيح و المؤتمر 24. و بالنسبة لنا فكرة التوحيد كانت عندنا منذ  إنجاز التصحيح، حيث لم نفكر في إيجاد تعددية نقابية، لقد أنجزنا مؤتمر التصحيح و نحن محكومون بعقلية، و عندنا قناعة راسخة، أننا ماضون نحو المؤتمر التوحيدي منذ 12 جوان 2004 (تاريخ إنجاز مؤتمر التصحيح)، و بدأ العد التنازلي، و عملنا في مؤتمر التصحيح قيادة و هياكل وسطى و أنصار، في ممارستنا النقابية و في خطابنا النقابي على تجميع الشمل، و البحث عن مخارج للأزمة التي يعيشها الاتحاد، لذلك بادرنا بما أصطلح على تسميته باللجنة المتناصفة و قدمنا مشروعا داخل الحركة الطلابية متمثلا في هذه اللجنة المتناصفة التي تشكلت من كل هياكل التصحيح من جهة و شق من المؤتمر 24 من جهة أخرى. و انبثقت قيادة موحدة. و لقد كان هذا المشروع جديا في اتجاه حل الأزمة. و لكن هذا المشروع بقي منقوصا لأن مجموعة الأمين العام للمؤتمر 24 ضلوا خارج المشروع. مواطنون: أنت تتحدث عن خلافات بين جزء من الهياكل الشرعية و جزء آخر، و لكن هل وضعت هذه اللجنة أرضية برنامج، فيبدو أن النقاش كان تقنيا داخل الهياكل فلم يوضع برامج عمل نقابي و لم نلاحظ صراعا بخصوص ملفات، يمكن أن يحدد فرزا، أينكم من هذا كله؟ علي فلاح: حتى نفهم التعطل الحاصل داخل اللجنة، و حتي نفهم الوضع الراهن الذي يمكن إعتباره مفترق طريق، و كل واحد يحمل مشروعا، يجب أن نفهم الظروف و الملابسات التي تشكلت فيها اللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد. لقد  تشكلت اللجنة الوطنية بعد تشكل القيادة الموحدة لأن الهدف من تشكيلها هو تجاوز ما سمي بالازدواجية الهيكيلية. و عندما بقيت مجموعة عزالدين زعتور خارج القيادة الموحدة سعينا و كثفنا النقاشات، خاصة قبل المجالس العلمية لأننا أردنا من هذه المحطة أن تكون أول خطوة نتوحد فيها ميدانيا. الحوار التونسي: لقد لاحظنا فعلا عملا مشتركا بين هياكل المؤتمر 24 و هياكل التصحيح أو حتى بالنسبة للخارجين عليهما، خلال انتخابات المجالس العلمية الأخيرة. و لكن تحدث « علي » على التباين في المواقف فهناك من يتصور أن المؤتمر 24 شرعي و هناك مجموعات أو مكونات ترى أن يكون التوحد بين مكونات الـ24 و التصحيح. و نلاحظ اليوم أن الانشقاق تحول إلى صلب المكتب التنفيذي للمؤتمر 24 . هل هذا ما أنتجته اللجنة الوطنية؟ كان هناك انشقاق فأضافت اللجنة الوطنية انشقاقا آخر في صلب هياكل المؤتمر 24، هل لك  » سالم »  أن توضح لنا  هذا النقطة؟ سالم المومني: أريد أن ألاحظ بداية أن الازدواجية الهيكلية و التوحيد بين التصحيح و الـ24، موضوع قد تجاوزناه عن طريق اللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد. و ما حدث أنه كان لكل طرف أجندا مختلفة. فبعد تشكيل اللجنة كان كل طرف يحمل تصورات أخرى. و كان مطروحا على اللجنة أن تعد مضامين هذا المؤتمر التوحيدي، و كان مطروحا عليها إعداد ميثاق طلابي للنظر فيه و إحالته على المؤتمر التوحيدي، و كان مطروحا عليها إعداد تصور عام للمنظمة و للعمل النقابي. مواطنون: أنت تعدد الآن جملة ما أوصت به هذه اللجنة، هل أنتم مازلتم ملتزمون بهذا، و الحال أنكم لا تحضرون اجتماعات اللجنة و تبدو أنها غير ملزمة؟ سالم المومني:  أريد أن أوضح أن مسألة المضامين و مسألة الميثاق و التصور العام و ربما أيضا مشروع جديد من أجل إعادة هيكلة المنظمة هذا كان مطروحا أن تقوم به اللجنة، و لكنها  للأسف اقتصرت على الجانب التقني فقط. و قد شكلنا فعلا لجان جزئية في الكليات ممثلة لكل الأطراف الطلابية الموجود في الجامعة التونسية و بدأنا في توزيع الانخراطات و حددت اللجان الجزئية مواعيد الانتخابات. و قد ظهر بعد هذا أن لكل طرف أجندا مختلفة. هناك من ذهب في توزيع الانخراطات و تكوين اللجان الجزئية، وهناك من عاد إلى الوراء و تمسك بأن هذه اللجنة تجمع بين التصحيح و الـ24 و بالتالي يجب فض هذا الإشكال الذي كنا نعتقد أننا تجاوزناه، و هناك أيضا من يناور بين هذا الموقف و ذاك. مواطنون: « سالم » هل مازلتم متمسكون بالمؤتمر الموحد و تسعون لإنجازه مع جملة الأطراف المكونة للإتحاد؟ سالم المومني: أريد أن أوضح أن كل خطوة خطوناها في الانتخابات القاعدية لم تكن متناقضة مع ما أقرته اللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد، و قد حددت هذه اللجنة بداية تكوين لجان جزئية و بداية توزيع الانخراطات و بداية الانتخابات و حددت أيضا آخر أجل لإجراء الانتخابات، و ذلك يوم 30 جوان بالنسبة للكليات الكبرى و 19 ماي بالنسبة للمعاهد التكنولوجية. مواطنون: سالم هناك قطيعة الآن مع اللجنة و مختلف مكوناتها. و يبدو أنكم ماضون في عقد المؤتمر الخامس و العشرين بإعتبار الهياكل التي انبثقت عن المؤتمر 24 أو مابقي منها منضبطا لجزء المكتب التنفيذي الذي أنتم منه. سالم المومني:  أريد أن أوضح فعلا أن هناك اختلافات جدية داخل اللجنة الوطنية. مواطنون: لم تصل إلى حد القطيعة؟ سالم المومني: لم تصل –طبعا- إلى حد القطيعة هناك تواصل بين جميع الحساسيات في اللجنة و خارجها، و لكن هناك تناقضات. و أعطيكم مثالا واحدا: اللجنة الوطنية ليوم 28 ماي أصدرت بيانا يقول أن من اختصاصها توزيع الانخراطات و جردها و مركزتها و إجراء الانتخابات و تحديد الكسور بالنسبة للتمثيلية في المؤتمر و كل الترتيبات. مواطنون: ما الذي يمنعها من ذلك، وهي لجنة من أجل المؤتمر فمن حقها النظر في جملة هذه الأمور التي هي تقنية المؤتمر فعلا؟ سالم المومني: التوحيد يتم داخل أطر الاتحاد و ليس خارجه، و المختلفون معنا يريدون فرض التوحيد من فوق. ثم نتحدث بعد ذلك عن الاستقلالية؟ و الاستقلالية تعني أن هياكل الاتحاد، وعلى الأقل الهياكل العليا: الهيئة الإدارية و المؤتمر، هي لها الكلمة الفصل فيما يتعلق بالحياة الداخلية للمنظمة. يجب أن نفهم أن التوحيد صيرورة كاملة. و إن تم التوحيد على حساب القانون الداخلي للإتحاد و أطره كالهيئة الإدارية و المكتب التنفيذي، و بالتالي على حساب الشرعية، يصبح حينها مجرد لغو لا أكثر ولا أقل. الحوار التونسي: (موجها السؤال إلى علي فلاح) يقول « سالم » أن الجميع يريدون مؤتمرا موحدا، و لكن التوحيد لا يمكن أن يتجاوز قانون الاتحاد و أطره و هياكله الشرعية. ما ردك على ذلك؟ علي فلاح: لم يكن المؤتمر التوحيدي ليطرح إذا لم تكن ثمة ازدواجية. عندما كانت هناك قيادة خارجة عن المؤتمر 23 و هناك معارضة نقابية، لم نتحدث عن المؤتمر التوحيدي. و المؤتمر التوحيدي وُجد كمشروع عندما وُجدت ازدواجية هيكلية وهي لم تنته بعد، و المؤتمر التوحيدي هو الذي سيحسم الازدواجية و ستنبثق عنه قيادة موحدة و هياكل متماسكة. فداخل اللجنة الوطنية مازال الصراع متواصلا بين مؤتمر التصحيح من جهة و المؤتمر 24 من جهة أخرى . و هناك ملابسات ولدت فيها اللجنة الوطنية، فقد ولدت تحت ضغط المجالس العلمية، و تشكلت بشكل متسرع دون تحديد هويتها، فثمة من يقول أنها لقاء سياسي بين أطراف سياسية و ثمة من له وجهة نظر أخرى. ثمة خلاف على دور ومهمة هذه اللجنة، و المنطق يقول أن هذه منظمة نقابية لها نظامها الداخلي و قانونها الأساسي نحن في مؤتمر التصحيح اعتمدنا ذلك ، و أنتم (موجها كلامه إلى سالم المومني) متفوقون –فقط- في كون المؤتمر 24 يحضى بإعتراف السلطة. فإذا كانت القانونية المقصود بها القانون الأساسي و النظام الداخلي فإن مؤتمر التصحيح و قيادته و هياكله مارسوا ممارسة نقابية وفقا لقانون المنظمة ووفقا لنظامها الداخلي. و إذا كنت تقصد اعتراف السلطة فإننا سنحتكم إلى قانون المنظمة و سننجز مؤتمرا وفقا لهذا القانون. و لكن كيف؟ هناك قيادتان أنجزنا لجنة وطنية من أجل المؤتمر الموحد، و هذه اللجنة لن تتجاوز القانون و تؤدى العملية الانتخابية بشكل مشترك هذه اللجنة ستقوم بتوزيع الانخراطات و تشكيل لجان جزئية، هل في هذا تجنى على القانون؟ و المنظمة ستسلم الانخراطات للِّجان الجزئية التي ستشرف على العملية الانتخابية القاعدية في انتظار أن تعقد الهيئة الإدارية الموحدة، وقتها ينتهي دور اللجنة الوطنية. و لكنكم –يا رفيق- ساهمتم بقدر كبير في تعطيل النقاش، و أردتم من هذه اللجنة أن تتحول إلى مجرد ديكور و تراقب المؤتمر 24 وهو يعد العملية الانتخابية. و أسألك، بكل وضوح، هل يكشف هذا الإصرار، من جهتكم،على التحكم  في العملية الانتخابية عن عقلية توحيدية؟ مواطنون: (سؤال موجه إلى سالم المومني) هل صحيح أن اعتراف الإدارة محددة لاكتساب الشرعية في الاتحاد العام لطلبة تونس؟ سالم المومني: أوضح أن المؤتمر التوحيدي هو مؤتمر منظمة نقابية قانونية و ليس تجمعا سياسيا. و لهذا الأمر استتباعات و أعطيك مثالا فقط لما تريد اللجنة أن تصل إليه ففي بيانها ليوم 28 ماي 2007 تقول أنه موكول لها مركزة الانخراطات و تحديد الكسور و كل الأمور الترتيبية الداخلية البحتة و تحديد موعد و شعار المؤتمر و أمضاه الأمين العام للمنظمة الطلابية. و عندما نسمع أن للجنة كل هذه الصلاحيات، هل نتحدث حينها عن منظمة قائمة و موجودة. فعندما تعطي كل صلاحيات الهيئة الإدارية، وهي ثاني أعلى سلطة بعد المؤتمر، إلى حساسيات و أطراف سياسية مختلفة،  فهذا الأمر يطرح إشكالا. و قد كانت « الأطراف » توجه اتهامات لهذه القيادة أو تلك و تقول أن ليس هناك ديمقراطية في التسيير و هذا الأمر يطرح في بداية التحضير  لكل مؤتمرات الاتحاد العام لطلبة تونس. الحوار التونسي: تحدث سالم على القانونية و نعلم أن السلطة هاجمت جمعية القضاة رغم أنها قانونية ، و كذلك رابطة حقوق الإنسان و قطاع المحاماة و غيرها، و نسأل هل تستمد المشروعية من القواعد؟ « علي » ما هو ردك على ما قدمه سالم؟ علي فلاح:  الصراع داخل الاتحاد العام لطلبة تونس هو صراع على الشرعية، و قيادة الـ24 فاقدة للشرعية و قيادة التصحيح فاقدة للشرعية. فمن سيعد للمؤتمر الموحد هو اللجنة الموحدة وهي التي تكونت من قيادة المؤتمرين، و في اللجنة الوطنية طالبنا فقط بمركزة الانتخابات و الوضوح في عملية توزيعها و الوضوح و الشفافية في تشكيل اللجان الجزئية و بعقد انتخابات حقيقية حتى نؤسس لمكاتب فيدرالية منتخبة و لها الشرعية، و الهدف الرئيسي من الانتخابات القاعدية هو إيجاد هياكل وسطي نقابية (مكاتب فدرالية) منتخبة بشكل ديمقراطي و بعملية انتخابية ديمقراطية فيها توزيع انخراطات و فيها الدعاية و في الصندوق، هل في هذا تجنى على قانون المنظمة؟ (موجها كلامه إلى سالم المومني) أنتم فاجأتمونا داخل اللجنة بأن طالبتم بأن تراقب اللجنة الانتخابات فقط. وقبل أن ننظر في أسباب تعطل اللجنة و في النقائص، لابد أن نثمن هذه اللجنة التي تشكلت بعد 10 سنوات من الصراع و التطاحن و العنف بين المناضلين في الاتحاد العام لطلبة تونس. لذلك لا بد ألا نتسرع في الحكم عليها و يجب ألا نيأس منها و يجب أن نتشبث بها لأنها الإطار الممكن من أجل مؤتمر موحد. الحوار التونسي: ماذا أنجزت هذه اللجنة الوطنية كي نتمسك بها؟ علي فلاح: أولا وحدت قائمات الاتحاد العام لطلبة تونس، لقد كنا نخوض، لمدة 6 سنوات، انتخابات المجالس العلمية بقائمتين و بثلاث و بأربعة قائمات. و كنا نتقاتل و نعنف بعضنا البعض، و نقدم نتائج المجالس العلمية هدية لطلبة التجمع و هدية للقائمات الموازية. اللجنة الوطنية مكنت من سنة جامعية بدون عنف، و هذا أمر مفرح. و كان المناضلون ينتظرون أرضية فيها الحد الأدنى الديمقراطي. اللجنة الوطنية تتقدم بطريقة بطيئة، لهذا البطء تبريره، بعدعشرة سنوات من الصراع، و أنا أدعو إلى التشبث بهذا الإطار. مواطنون: نسألكم أين الطلاب من كل الخلافات القائمة بين الأطراف السياسية داخل الجامعة؟ علي فلاح: اللجنة الوطنية تعطلت و ما عمق هذا التعطل تنصل رفاق ومنهم سالم الممومني و عمري الزواوي و منير خير الدين الذين فاجؤونا بجملة من الخروقات و جملة من التجاوزات خارج اتفاقات اللجنة الوطنية. و تحدث « سالم » أنهم قاموا بجملة من الإجراءات هي بتوصيات من اللجنة. أقول لـ »سالم » لقد قمتم بتجاوزات خطيرة في حق الاتحاد العام لطلبة تونس. فأنتم أنجزتم انتخابات قاعدية عبر المراسلات، في أجزاء جامعية لم يقع فيها توزيع الانخراطات و لا وجود لصندوق، ثم تتحدثون عن انتخابات قاعدية و عن هياكل وسطى، فكلية مثل كلية العلوم بقفصة فيها كل الأطياف السياسية و فيها المئات من مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس تنجز الانتخاباتها القاعدية في مقهى مجاور للجامعة، و قد قدمتم مراسلات لإدارة المركب الجامعي بتونس، بدعوى وجود انتخابات، هذه خروقات في حق اللجنة و في حق الاتحاد العام لطلبة تونس و في حق المؤتمر التوحيدي. و تحدثت يا سالم في بداية كلامك، من مع التوحيدي و من ضد التوحيدي، و عندما ننظر إلى جملة هذه الخروقات أقول لك –و للأسف-  أنك ضد  المؤتمر التوحيدي بالمعنى الحقيقي. الحوار التونسي: « سالم » هذه اتهامات بالجملة وخروقات بالجملة  تسببت في تعطيل اللجنة الوطنية. ما ردك على هذا؟ سالم المومني: أريد أن ألاحظ، بداية، فيما يتعلق باللجنة الوطنية، أن كل الاتهامات كانت تصب في مسألة توزيع الانخراطات، و هذه مسألة تطرح بمناسبة كل مؤتمر فهناك من يقول هناك إقصاء، و ذاك يقول أنه وزَّعَها… فالمشكل يكمن في ديمقراطية و تمثيلية توزيع الانخراطات. و المكتب التنفيذي لم يفعل إلا أن تفاعل إيجابيا مع قرارات اللجنة، و داخل الكليات يتم الاتفاق بين المناضلين على تكوين لجان جزئية لتوزيع الانخراطات. مواطنون: بالقياس إذا كانت اللجان الجزئية قد عوضت المكاتب الفدرالية لماذا لا تعوض اللجنة الوطنية المكتبين التنفيذيين؟ سالم: أولا اللجان الجزئية لم تعوض المكاتب الفدرالية. و نحن نتحدث عن الكليات التي فيها فراغ هيكلي و هذا الفراغ بلغ درجة كبيرة على اعتبار أن المؤتمر تجاوز دورته بدورة أخرى. و هناك صيغة تطعيم المكاتب الفدرالية بمناضلين منخرطين يقع تمثيلهم في هذه اللجان الجزئية التي توزع الانخراطات. فنحن نناقش داخل اللجنة الوطنية كل التصورات ثم نمر إلى المكتب التنفيذي الذي ينظر في مختلف الملفات و يقرر. و قد تفاعلنا إيجابيا مع كل هذه القرارات، بما فيها أن اللجنة الوطنية إقترحت آخر آجال للإنتخابات القاعدية 30 جوان. مواطنون: كان من المفروض –بإعتبار قانون الاتحاد- أن تعوض اللجان المفوضة المكاتب الفدرالية؟ سالم المومني: هي طبعا لجان مفوضة و لكن راعينا فيها مسألة التمثيلية و النضالية و التجربة… مواطنون (السؤال موجه  إلى علي فلاح): على اعتبار صراعكم السابق مع هياكل المؤتمر 24 و خاصة مع السيد عزالدين زعتور الأمين العام الذي توجه له المعارضة النقابية الاتهامات، بشكل شخصي، فيما ترونه إعاقات و اخلالات، و أنتم الآن متفقون مع السيد زعتور، وبلغنا من بعض رفاقه أن سبب خلافهم الرئيسي معه أنه يريد « ولاية » جديدة على رأس الاتحاد العام لطلبة تونس. بالنسبة إليكم هل يكفي أن يتبنى أحدهم رؤيتكم حتي تصبحون في اتفاق معه؟ علي: قبل الإجابة عن السؤال أريد أن أتوجه بملاحظة إلى الرفيق « سالم ». وهو يعلم أنني عضو باللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد و إني على علم بكل ما يحدث في الأجزاء الجامعية التي يوجد فيها الاتحاد العام لطلبة تونس من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال و أعلم كيف جرت الأمور في تشكيل اللجان الجزئية و كيف جرت الأمور في توزيع الانخراطات. و ثمة لجان جزئية تشكلت بشكل أحادي الجانب، و ثمة لجان جزئية تشكلت و رفضتم أن تقدموا لها الانخراطات (موجها الكلام إلى سالم المومني). اللجان لم تتشكل كما اتفقنا داخل اللجنة الوطنية و قد اتفقنا على تشريك كل الطاقات. في علاقة بتوزيع الانخراطات، أقول أن الأجزاء الجامعية التي تحدثتم عنها لم يقع فيها توزيع الانخراطات، و تفترض الديمقراطية، في أحد شروطها، التوزيع العلني للإنخراطات.وفي علاقة بخلافنا مع عز الدين زعتور و خلافنا مع منير خير الدين و سالم المومني، نحن بكل وضوح نطالب بحد أدنى ديمقراطي  يتمثل في توزيع علني للإنخراطات و تمكين اللجان الجزئية من الانخراطات، و إجراء انتخابات قاعدية. و قد كان عزالدين زعتور يدافع مع منير خير الدين على ضرورة إنجاز المؤتمر في الصيف، و توصلنا معا بالنقاش و بالجدل داخل اللجنة، أنه من المستحيل إنجاز المؤتمر في الصيف، و هذا لسبب بسيط أننا لم نعقد انتخابات قاعدية، و أنت تعرف يا رفيق سالم أن المؤتمر لا يمكن أن يكون إلا تتويجا لإنتخابات قاعدية من القاعدة إلى القمة و بتوزيع الانخراطات على المناضلين و تشريك الطلبة ثم يكون المؤتمر. و طالبنا عزالدين زعتور وهو الناطق الرسمي بإسم اللجنة بتأجيل المؤتمر للسنة المقبلة، هذه الأجندة الجديدة لم تتوافق مع أجندة سياسية. الحوار التونسي: « سالم » الكلام موجه إليك، و كلامه واضح فالاتفاق مع عز الدين زعتور لم يكن لشخصه و لكن هناك اتفاق من أجل حد أدنى ديمقراطي، و يقول « علي » أنه من المستحيل إنجاز هذا المؤتمر في الصيف نظرا لعدة عوامل من بينها أنه لم يتم إنجاز الانتخابات القاعدية. لماذا تتجه مجموعة من المكتب التنفيذي للمؤتمر 24 لإنجاز مؤتمر في الصائفة و الأكيد أنه لن يكون مؤتمرا توحيديا؟ سالم المومني: هناك حقائق لم يذكرها علي لأنه هناك فعلا شد و جذب في اللجنة الوطنية التي تكونت في 8 ديسمبر 2006 وهي أزاحت كل ما يتعلق بالمضمون و انشغلت بالجانب التقني و مع ذلك لم تتقدم قيد أنملة في المجال العملي لأن لكل طرف من مكوناتها أجندة، و هناك مناورات كبرى، هناك من يريد أن يذهب و لايذهب، و هناك من هو مع تكوين اللجان الجزئية و هناك من ضدها. و هناك من مازال متمسكا بمقولة التصحيح و الـ24. هناك اختلافات جدية، على الرغم من أنها اقتصرت على المجال التقني فإن المجال التقني لم تتقدم فيه. و أقول لـ »علي » أن هياكل الاتحاد لم تقل إلى حد الآن كلمتها في مثل هذه الانتخابات. مواطنون: أنت تتحدث هنا على الهيئة الإدارية ليوم 8 جويلية، أسألك بوضوح، إذا لم يقع الاتفاق مع جملة المكونات الأخرى، ستذهبون في اتجاه إنجاز مؤتمر في هذه الصائفة، وهذا ما قد يؤبد حالة الصراع داخل اتحاد الطلبة. سالم المومني: في العمل الجمعياتي و العمل المنظماتي هناك تقارير تقدم. كيف يمكن الحكم على انتخابات بدون تقديم أي تقرير؟ مواطنون: (السؤال موجه إلى علي فلاح) إذا قررت الهيئة الإدارية ليوم 8 جويلية إنجاز مؤتمر خلال هذه الصائفة، هل ستلتحقون بهذا المؤتمر أم ستواصلون العمل على إعداد مؤتمر مواز خلال السنة الجامعية القادمة؟ علي فلاح:  في تقديري، يجب أن يكون المؤتمر الذي ننجزه تتويجا لانتخابات قاعدية حقيقية،  و الهدف الرئيسي هو ايجاد هياكل منتخبة من الهياكل الوسطي إلى القيادة التنفيذية على المستوى الوطني. و الأجندة التي تحددت من 8 أفريل إلى 16ماي، و قلت أن هذا الحيز الزمني غير كاف خاصة و أن الاتحاد العام لطلبة تونس موجود في 73 جزء جامعيا.(الكلام موجه إلى سالم) أدعوك بكل جدية إلى تأجيل المؤتمر للسنة المقبلة ، لأننا نريد انجاز مؤتمر حقيقي انجاز مؤتمر يكون محل ثقة الطلبة الذين يشاركون في انتخابات قاعدية و يشاركون في تحديد من يمثلهم على مستوى الوطني. و بالنسبة لهيئة إدارية في 8 جويلية، أقول أن تصفية الحسابات مع عزالدين زعتور لن يخدم مصلحة الاتحاد العام لطلبة تونس، و تجريده من مهامه النقابية أو طرده لن يخدم المؤتمر التوحيدي و لا الاتحاد و لاالحركة و قد مارستم هذه العمليات، (موجها الكلام إلى سالم المومني) بعد المؤتمر 22 طردتم قيادات من المكتب التنفيذي و داخل المكتب التنفيذي للمؤتمر 23 و تم تجميد قيادات داخل المكتب التنفيذي بدون موجب. عمليات الطرد و تصفية الحسابات هل هي التي ستحل أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس. نحن ندعوكم أن تكون هذه الصائفة حيز زمني نخلق خلاله جملة من النقاشات لتطوير المنظمة و تطوير المنظومة القانونية و أرى أن القانون الأساسي و النظام الداخلي متخلف مقارنة بوضع الجامعة. لنناقش و نعمق النقاش حتى يكون مؤتمرا فيه الحد الأدنى الديمقراطي. الحوار التونسي: واضح ما قدمه « علي »، الهيئة الإدارية ليوم 8 جويلية ستكون مناسبة لتصفية الحسابات مع عز الدين زعتور الذي خرج على الصف. سالم المومني: الهيئة الإدارية سيدة قرارها و أغلب هياكل الاتحاد تطالب بعقد المؤتمر و نحن لا نناقش هنا موضوعا فكريا، نحن نناقش موضوع منظمة طلابية نقابية، و في المنظمات هناك حياة و هناك هياكل و يجب دائما التغيير. وفي قانون الاتحاد المؤتمر يجب أن ينعقد كل سنتين و استثنائيا كلما دعت الحاجة إلى ذلك في غضون السنتين و نحن قد تجاوزنا المدة القانونية بأكثر من نصفها. مواطنون: (السؤال موجه إلى سالم المومني) ما هو النداء الذي يمكن أن توجهه لمناضلي اتحاد الطلبة و طلاب تونس عموما؟ سالم المومني: مطروح علينا مؤتمرا نريده أن يجيب عن جملة المشاكل الحقيقية (إصلاح التعليم ، و إمد…). و إن لم نعقد المؤتمر يكون هناك فراغ هيكلي. و تأجيل المؤتمر مرة ثانية يعني التمديد لهياكل فقدت قانونيا كل مشروعيتها. الحوار التونسي: (موجها السؤال إلى « علي ») يقول سالم أنَّ المؤتمر –ورغم كل المشاكل- يجب أن ينعقد، ما هو تعليقكم؟ علي: إذا كنا تجاوزنا الفترة القانونية في جويلية و أوت فلا فرق بينها و أكتوبر أو نوفمبر أو فيفري… و أعتبر أن تأجيل المؤتمر إلى السنة القادمة شرط ضروري حتى نستقبل في مستهل السنة الجامعية الطلبة الجدد و مناضلي الاتحاد و تكون ثمة حملة انتخابية حقيقية نوزع الانخراطات و نشرك كل الأجزاء الجامعية و لم لا في فروع الهجرة أيضا و يكون المؤتمر خلال السنة الجامعية المقبلة، يجب و التريث و ضبط النفس، يجب أن ننجز مؤتمرا.  و القرارت المتشنجة لا تخدم صالح الاتحاد. (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

السند: الجوا – الروبيطة: ثروة في مهب الريح

 
–  » الجوا- الرويبطة منطقة جبلية نقع بالصمايرية على حدود معتمدية بوزيان ومعتمدية السند وترجع إداريا إلى هذه الأخيرة, منطقة لو وقع استغلالها استغلالا قانونيا لكانت لوفرت عديد مواطن الشغل لثة من مواطني الجهة …لكن منذ شهر ديسمبر 2003 وأنا أراسل كل السلط الأمنية والمصالح المعنية المحلية والجهوية وأخيرا مراسلة إلى السيد رئيس الجمهورية ليكون الكل على بينة مما يقع من هدر أموال عمومية يتطلب من الجميع التحرك لتحديد ومحاصرة مصادر  سوء التصرف والاستغلال الفاحش الحاصل لمنتوج الجوا الرويبطة لمنطقة الصمايرية والتي هي تحت تصرف إدارة الغابات لكن جميع المراسلات ذهبت أدراج الرياح واليوم أريد منكم وعلى صفحات « مواطنون » إنارة الرأي العام وأعلى هرم السلطة لمحاسبة كل من ثبتت إدانته أو الرجوع بهذه المسألة على الشاكي إذا ثبت عكس ذلك. ما عدا هذا فإني على استعداد لمواصلة صراعي مع كل من له صلة بهذا الموضوع من أجل متابعة هذه التجاوزات. » كان هذا ما بادر به محدثنا المدعو محمد بن علي بن محمد الصمايري المولود بتاريخ 04 جويلية 1947 بالمالوسي (السند) وهو متقاعد، والذي أصر أن ينشر اسمه كاملا مثلما هو موجود ببطاقة تعريفه. جاءنا محمد بعديد المراسلات إلى كل السلط على المستوى المحلي والجهوي والوطني, وبعد اطلاعنا على هذه المراسلات والعرائض لنعد إلى البداية: في سنة 1981 أنجز مشروع جوا –الرويبطة عن طريق مصلحة الانجراف وبعد حوالي 8 سنوات تسلمته إدارة الغابات في طور الإنتاج. هذا المشروع يتمثل في عديد الغراسات أهمها ما يقارب 1000 شجرة تين، مئات من أشجار الزيتون ، أعداد هائلة من شجر اللوز يحيط بها عدد من الأشجار الغابية.  وجوا-الرويبطة هي منطقة جبلية. تساءلت: أين الإشكال ؟ الإشكال يا سادتي أن لا أحد  يعرف  هذه الثروة و من يشرف على عملية الجني … تساءلت ما يثبت ما تقوله؟  فأجاب محدثي هذه المراسلات  بعثت منذ شهر ديسمبر 2003 إلى كل الجهات المسؤولة ولم تقع إجابتي كتابيا بل كانت كل الردود شفاهية ويترجاني أهل الذكر بأن نطوي الصفحة حتى لا تعود هذه الأشياء بالوبال على كل من له صلة بالموضوع وهذا  تابت لديكم في شهادة المدعو « ع.ص » والمسجلة بدفتر التعريف بالإمضاء تحت عدد 5803 بتاريخ 15 جوان 2004 وحتى المدير العام للمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية  بقفصة لم أتمكن من مقابلته إلا مرة واحدة وكان ذلك بتاريخ الجمعة 18 جوان 2004 وكان بناء على مكتوب توجهت به إلى السيد والي قفصة بتاريخ 2 جوان 2004 وهذا ثابت لديكم في الاستدعاء والوارد بتاريخ 15 جوان 2004 مكتب الضبط بمعتمدية السند نحن عدد 1075, وبعدما كنت أمني النفس بحل لهذه الإشكالية وجدنا نفس الأسلوب وكأنه متفق عليه من كل الدوائر. ولم يقع التحقيق في هذه الممارسات, وحتى حين تحول ممثل قسم النزاعات بمصالح الفلاحة بقفصة إلى السند يوم 20/05/2004 لمعاينة موقع  سوء التصرف وحدد لي موعد المقابلة بمقر المعتمدية يوم السبت 22/05/2004 ولكنالمقابلة لم وتخلى عن الموعد بدون إعلام, إلا إنه اتضح فيما بعد أن ممثل الإدارة عند معاينته موقع الغرض قد التقى حراس الغابات الميدانيين وكيف يلتقي من قام بشكوى من هذه الممارسات وقد سبق أن تقدمنا – مجموعة من مواطنين الصمايرية – بمطالب قصد تغليل صابة الزيتون على رؤوس أشجارها وكلفت الإدارة في هذا الشأن السيد  » ح ز  » للمعاينة الميدانية والتقدير وإقرار بيع المنتوج بالكيلو غرام, إلا أن حراس الغابات الميدانيين ضللوه حيث لم يعاين إلا الأقلية وأخفوا عنه الكثير تحسبا لأغراض ومعطيات خاصة بهم وهذا راجع بالأساس إلى موقع المنطقة وانتشار أشجار الزيتون على عديد المرتفعات والمنخفضات وكان من الأجدى و حفاظا على مصداقية الإدارة ونزاهة مسؤوليها أن يصطحب هذا المسئول معه أشخاصا من الذين يريدون تغليل المنتوج بحكم معرفتهم للمنطقة الغابية وغراستها, ويبدو أن المشرفين على هذه المنطقة الغابية وجدوا الحل في التهرب من المساءلة عن منتوج  عشرات السنين وهو إهمال هذه المنطقة وعدم العناية بها من أجل القضاء على هذه الغراسات حتى لا يوجد أي دليل على قيمة المنتوج طوال هذه السنين, ونظرا لخطورة هذه الوضعية وأهميتها فإنني ومن معي نشجب هذه التجاوزات ومصادرها ونحمل المسؤولية إلى كل سلط الإشراف التي وقع استنفارها باعتبارها المسؤولة عن دوائر سلطتها. إلى هنا ينتهي حديث محدثنا المذكور سلفا والذي ننقله بكل أمانة والموثق في جميع المراسلات إلى عديد المصالح نذكر منها :  
-السيد والي قفصة  
 -السيد وزير الفلاحة                                                                                                                                                                                                                -السيد رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية                                                                                                                                                                                                                – السيد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية فمن يصغي إلى صرخة جوا-الرويبطة أما عن المشروع السقوي فتلك حكاية أخرى … الهادي رداوي (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

أخبارصحيفة « مواطنون »
 
حاولت مجموعة من أعوان الأمن التابعة لمنطقة الأمن بالمنستير اختطاف آلة التصوير ( كاميرا) كانت بحوزة مراسل قناة الحوار التونسي توفيق العياشي إثر تغطيته للجلسة التي عقدها الأستاذ الصيد في محكمة الاستئناف بالمنستير وذلك في إطار الحملة الانتخابية لمنصب عمادة المحامين . وقد اشتبك أعوان الأمن مع المحامين الذين  حضروا الجلسة والذين هرعوا لنجدة الصحفي المذكور من الإيقاف ومصادرة تجهيزاته المهنية عند ما حاصره أعوان أمن بالزي المدني. هذا وقد حاول أعوان الأمن انتزاع محفظة الصحفي من المحامين الذين استبسلوا في الدفاع عن مراسل قناة الحوار ورفعوا شعارات منددة بالأساليب الأمنية التي تنتهجها السلطة في ملاحقة الصحفيين والمحامين. الأمر الذي أسفر عن انتباه عدد كبير من المواطنين في الشارع و الذين تجمهروا أمام مقر المحكمة ليشهدوا واقعة اعتداء أعوان البوليس السياسي على المحامين وعلى الصحفي المذكور. وقد تمكن أحد أعوان الأمن من اختطاف مثبت الكاميرا الذين كان بحوزة الصحفي ثم فر هاربا واحتمى بزملائه  الأعوان الذين أخذوا يلاحقون المحامين في شوارع المنستير مستعملين سيارة تابعة لوزارة النقل من نوعpolo تحمل الرقم المنجمي 333748–15- وتواصلت عملية المطاردة حتى مشارف العاصمة. امتحان الرابعة قرار سليم أفرغ من محتواه ومن معناه كان الرأي قبل الشروع في إجراء امتحان الرابعة أنه  » أسلم قرار اتخذته وزارة التربية منذ سنوات لإصلاحه مما أفسدته قرارات أخرى كثيرة « . لكن يمكن القول الآن أنه أفرغ من معناه أصلا. فبعد أن صار الارتقاء ممكنا بمجرد الحصول على المعدل  » حتى لمن يتحصل على صفرين في اللغتين العربية والفرنسية مثلا إذا كان عدداه في كل من الرياضيات والإيقاظ 20 على 20  » فوجئ المعلمون بخلو مادة العربية من أي تمرين في قواعد اللغة. ثم لم يصدقوا أعينهم يوم أجرى التلاميذ امتحان الرياضيات  » إهداء  » التلميذ ثلاث عمليات حسابية للإنجاز. والحال أن ذلك  » ممنوع  » على المعلم  » منعا باتا  » وهو  » المعاقب  » طيلة السنة الدراسية بكتابة عبارة  » حلّ وضعية مشكل دالة… » ثم فوجئوا بخلو الامتحان من أية صعوبة.  جزء من هذا العنوان كان عنوانا لرأي شخصي لي منشور في  » حقائق  » العدد 37 بتاريخ 28 ماي 2007 (هذا الرأي مأخوذ من ذلك المقال, باستثناء الألفاظ المجردة ). *أتحدث عن الامتحان المجرى في مدارس تونس العاصمة. لقد كان جليا أن وزارة التربية تسعى بكل الطرق لاسترضاء الأطفال وأوليائهم وحتى بالطرق المتضاربة مع روح المقاربة بالكفاءات المنتهجة منذ سنوات. وهكذا أفرغ الامتحان من محتواه ومن معناه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله ! عبد السلام بن عامر (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

قليلا من الجدية في التعامل مع المال العمومي:

 
من المعلوم أن التكوين المستمر ضروري في جميع المؤسسات الاقتصادية .إذ يمّكن العمّال والموظفين من تحسين معارفهم بخصوص وظائفهم ويمكن المؤسسة من تحسين منتوجيتها وتطوير إمكانيات مواردها البشرية. والمعلوم أيضا أن الدولة تجمع ضريبة من أجل التكوين المستمر وتعيد توزيع جزء منها على المؤسسات التي تمكن الإطار العامل بها من هذا التكوين بهدف تشجيعهم على ذلك. هذه الطريقة جيدة، سوى أنني لاحظت أن مراكز النداء أيضا تستفيد من هذه التشجيعات ولكن ما يجب أن يعلمه القارئ هو أن هذه المؤسسات مجبرة على تمكين الإطار العامل بها من هذا التكوين المستمر الذي لا يمثل أي إضافة، ذلك أنه يعيد تقديم جملة المعارف و التقنيات التي يستعملها « عون النداء » في عمله وهو متمكن منها تماما.وفي هذه الحال لا نرى من الذي يدفع الدولة أن تمنح هذه التشجيعات الإضافية للمستثمر في هذا القطاع على اعتبار أن هناك مؤسسات أخرى أكثر حاجة لهذا المال العمومي ومن الطريف الذي سمعته مؤخرا أن أحد مراكز النداء الذي يعمل في ميدان « التنجيم » يستفيد من هذه التشجيعات إضافة إلى تمتعه بكل آليات التشغيل. نتساءل هل أن الإدارة جادة في هذا؟ ولما لا ترتكز مدارس وجامعات وشعبا « للتنجيم » في نظامنا التربوي وأخرى مختصة في بيع الخمور الفرنسية الرخيصة في بلجيكيا أو سويسرا أو حتى مختصة في الهاتف الوردي! (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

الكاف: إضراب جوع كفرا بالجوع…

 
دخل السيد  التيجاني بن محمد الهادي جباري ( 40 سنة وأب لطفلين ) في إضراب عن الطعام منذ يوم 14 ماي 2007 وعلى امتداد واحد وثلاثين يوما. وهو يقطن بمعتمدية الجريصة, ولاية الكاف. تقدم التيجاني بمطلب قصد الحصول على قرض فلاحي ب 4000 دينار بغية تربية الأغنام. وقد جهز ملفه بكل الوثائق المطلوبة, بما في ذلك شهادة في ملكية قطعة أرض  فلاحية مساحتها 7 هك، و بقي ينتظر الموافقة طيلة سنتين ثم دعي للقيام بتربص في الغرض مدة شهرين بالجريصة, أشرفت عليه مندوبية الفلاحة بالكاف, كما توج هذا التدريب بمواكبة حصص تطبيقية بمدرسة فلاحية مختصة ببورويس بالكاف. عند الإعلان على قائمة المنتفعين بهذا القرض لم يدرج اسمه ضمنهم ! والحال أن السلط المحلية ما فتئت تطمئنه وتؤكد  له قبول مطلبه. هكذا أجبر الرجل على الدخول في إضراب جوع طيلة أكثر من شهر, نتيجة لهذا الحيف الذي سلط عليه, وهذه المظلمة التي طال أمدها وزعزعت كيان عائلته ضعيفة الحال, القابعة. وفي الأيام الأخيرة من الإضراب تدهورت صحته, وفجأة يوم 13 جوان نزل ضغط الدم إلى سبعة , مما حدا بالسلط المحلية  إلى حمله عنوة إلى قسم الإنعاش بالمستشفى الجهوي بمدينة الكاف ( 30 كلم ). و قد حضر الأستاذ طارق العبيدي ( محامي ) على عين المكان بقسم الإنعاش وطلب من السيد التيجاني تعليق الإضراب لأن حالته الصحية لم تعد تتحمل أكثر ( وهو النحيف الهزيل ), وبمعونة الطبيب المباشر وقع إقناعه بفك إضراب الجوع تفاديا للخطر الداهم, خاصة أن الرسالة وصلت والرأي العام على بينة من هذه المظلمة. لاحظنا أن الأمن بالزي المدني كان حاضرا بكثافة داخل قسم الإنعاش, وكذلك داخل سيارات رابضة أمام باب القسم بفضاء المستشفى وعلى المدخل الرئيسي للاستعجالي .فعهدنا للتيجاني بحمله معنا واصطحابه إلى حيث يقطن. وفي الطريق عند نقطة تفتيش ب »عين واد الرمل  » ( 10 كلم ) غرب مدينة الكاف أوقفتنا دورية كانت في انتظارنا, والحال أننا مرفقون بسيارات الأمن منذ الانطلاق, إذ بقينا ننتظر أكثر من نصف ساعة داخل السيارة وحرارة الشمس في أوجها ( الواحدة والنصف ) والمسكين يتلظى… وصلنا إلى بيت التيجاني عبر مسلك ريفي ضيق حيث كان في انتظاره والدته وزوجته وابناه: استبشروا جميعا بقدومه وهو على قيد الحياة, لكن سرائر وجوههم بدت منطوية ذابلة, و هم في حيرة عن مصيرهم. (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

الجلسة العامة لانتخابات اتحاد المترجمين العرب:

 
بدعوة من المنظمة العربية للترجمة ببيروت وبالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية, انعقد في مقر المعهد بالإسكندرية من 3 إلى 5 يونيو 2005 المؤتمر العربي الثاني للترجمة. وإن المشاركين, إذ يتقدمون بالشكر إلى المنظمة العربية للترجمة وإلى المعهد السويدي بالإسكندرية على ما وفرا من ظروف العمل العلمي الجاد لمجموعة واسعة من المتخصصين العرب في الترجمة: – يشيدون بما ورد في  » إعلان الرياض  » الصادر عن مؤتمر القمة العربية المنعقدة يومي 28 و29 مارس 2007 والذي نص على  » تدشين حركة ترجمة واسعة من اللغة العربية وإليها, وتعزيز حضور اللغة العربية في جميع الميادين بما في ذلك وسائل الاتصال والإعلام والإنترنت وفي مجالات العلوم والتقنية », – يشيدون بالمبادرات الوطنية والقومية الهادفة إلى تطوير حركة الترجمة في الوطن العربي مثل المبادرة بإنشاء  » المركز القومي للترجمة » الذي يواصل الجهد الكبير الذي تم في إطار المجلس الأعلى للثقافة في جمهورية مصر العربية, ومثل مبادرة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي تعلق عليها آمال كبيرة لمصالح المعرفة العربية عموما والترجمة خصوصا, ومثل المبادرة بإنشاء  » مؤسسة الفكر العربي  » الني نخصص للترجمة جانبا من جهودها, والمبادرة بإنشاء المعهد العالي للترجمة بالجزائر التابع لجامعة الدول العربية, والمبادرة بإنشاء » المركز الوطني للترجمة » وإعلان سنة 2007 سنة للترجمة في الجمهورية التونسية, إضافة إلى ما تخصصه بعض المؤسسات العربية من جوائز للترجمة, الخ… وإن المشاركين إذ يتفاءلون كثيرا بهذه المبادرات وبمساهمتها في تطوير حركة الترجمة في الوطن العربي, يتقدمون بالتوصيات التالية: الاهتمام اهتماما سياسيا جديا بتصحيح وضع اللغة العربية غير طبيعي في الوطن العربي, وذلك باعتبارها اللغة المعبرة عن الهوية وعن السيادة الوطنية, وباعتبارها أيضا الوسيلة الأولى لتوطين المعرفة ولبناء مجتمعها وللإبداع فيها, إضافة إلى مردودها الاجتماعي والثقافي والديني وخاصة الاقتصادي إذا أصبحت لغة النشاط في كل قطاع من  قطاعات الإنتاج والخدمات, إذ بدونها لا يمكن نمو هذه القطاعات نموا حقيقيا يوطن المعرفة فيها. 2- تبني مؤسسات القطاع العام والمجتمع المدني العربي والقطاع الخاص برامج تنفيذية, بدءا من المستوى الإستراتيجي, وصولا إلى المستوى الإجرائي مثل: – وضع إستراتيجية قومية وإستراتيجيات وطنية للغة العربية, مع تحديد برامج التنفيذ وآجاله ووسائله العملية. -الإقدام, بصورة مخططة وعملية, على تعريب العلوم والتقنية وتعليمها باللغة العربية, تنفيذا لتوصيات متواصلة في ذلك. – الحرص الشديد على تحسين تعليم اللغات الأجنبية وتعزيز مستوياتها وطرق تعليمها. –تطوير مناهج تعليم الترجمة والتدريب فيها وتطوير البحث والابتكار والنشر في مجالاتها, وتعزيز استخدام تقنية المعلومات والاتصالات بما فيها الترجمة الآلية. –تنسيق العمل بين مؤسسات الترجمة في الوطن العربي وتشبيكها معلوماتيا. – إنشاء صندوق عربي لدعم الترجمة في الوطن العربي, إضافة لصناديق وطنية. – إنشاء صندوق عربي ومراصد وطنية لمتابعة مؤشرات تطور العمل في الترجمة وتطور العاملين فيها. 3- مساندة الجهد الذي تبذله المنظمة العربية للترجمة ودعم الإنتاج النوعي الذي يصدر عنها, والذي يساهم في رفع مستوى الترجمة في الوطن العربي: وإثر هذا المؤتمر انعقدت الجلسة العامة للانتخابية لاتحاد المترجمين العرب التي انتخبت هيئة إدارية جديدة تتركب من خمسة عشر عضوا منهم الأستاذ شحادة الخوري (سوريا) رئيسا والأستاذ عبد اللطيف عبيد ( تونس) نائبا للرئيس والأستاذ بسام بركة ( لبنان) أمينا عاما والأستاذ إبراهيم بن مراد ( تونس) عضوا… (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

في تحقيق خاص قناة الحوار التونسي تكشف أسرار و ملابسات احتراق الشاب محمد بن غرس الله أمام القصر الرئاسي

 
تبث قناة الحوار التونسي يوم الأحد 1جويلية2007 تحقيقا خاصا مع عائلة الشاب محمد بن غرس الله أصيل معتمدية الشرارة ولاية القيروان الذي احترق في ظروف غامضة أمام القصر الرئاسي بقرطاج يوم 14فيفري 2006. هذا التحقيق سيكشف عديد الحقائق التي سوف تميط اللثام عما لف أطوار القضية من غموض والتباس أرادت السلطات الأمنية أن تلف به القضية عن طريق فرض طوق أمنى على عائلة الضحية لمنعها من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام. فما هي الأسرار الغامضة التي سوف يكشفها هذا التحقيق ؟ و هل فعلا اقدم الشاب محمد بن غرس الله على إحراق نفسه أمام قصر قرطاج كما روجت الرواية الرسمية ؟ ما سر الإصابات التي اكتشفتها عائلة الضحية على جسد ابنها و ما هي آخر الكلمات التي قالها الهالك إلى أفراد عائلته قبل احتراقه بساعات ؟ لماذا تصر السلطات الأمنية على إغلاق ملف القضية و رفض فتح تحقيق قضائي مع تعمد محاصرة عائلة الضحية ؟ و من المنتظر أن يضيء هذا التحقيق الذي سوف يبث حصريا على قناة الحوار التونسي الأركان المظلمة لقضية احتراق الشاب محمد بن غرس الله و سيحاول ملامسة الحقائق الغابرة في هذه القضية. (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

اتحاد الطلبة إجماع على خيار التوحيد مرة أخرى…

 
هل وُضعت رماح الاحتراف الإيديولوجي في غمدها؟ هل طُويت صفحات النزاع باسم مرجعيات اطلاقية مختلفة « الشرعية »، « المشروعية »، « النضالية » الخ، إلى الأبد؟ هل ينفذ التفاؤل بمستقبل أفضل لاتحاد الطلاب بين النفوس أم يبقى معلقا إلى آجال أخرى؟ تلك بعض الأسئلة المبعثرة التي كانت تتردد على عدد من أذهان الحاضرين في الاجتماع العام المركزي الذي انعقد يوم السبت 23 جوان الفارط، بدعوة من « اللجنة الوطنية من أجل عقد مؤتمر موحد » التي ينطق باسمها السيد عز الدين زعتور، و ذلك في إطار سلسلة من اللقاءات المفتوحة التي اعتزمت تنظيمها قصد تشريك عموم الطلاب المعنيين بشأن منظمتهم في تقرير خياراتها القادمة و رسمها. خطوة جديدة في مستهل حديثه، رحب السيد عز الدين زعتور، الذي يشغل مهمة الأمانة العامة للاتحاد العام لطلبة تونس (المؤتمر 24)، بجميع المشاركين الذين ينتمون لمختلف التيارات و الكتل السياسية الناشطة بالجامعة. و أعرب عن عميق سروره وغبطته بهذا الالتفاف الخاص، مؤكدا من جديد على انخراطه المطلق و اللامحدود في مسار القطع مع الازدواجية الهيكلية و توحيد رأسي المنظمة، منبها من خطورة الانزلاق وراء ثقافة نفي الآخر بمحاولة تطويع قوانين المنظمة أو التمادي في محاولة البحث عن شرعية خارج إرادة القواعد الطلابية، مهددا، في نفس الوقت، بـ »اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمجابهة كل محاولة للسطو على المنظمة و التصدي لكل من يعمل على مواصلة المهازل التي لا تقرها لا القوانين و لا التشريعات و لا تقاليد العمل الجمعياتي الديمقراطي ». وحول أسباب تعطل عمل اللجنة، أكد السيد زعتور أن نقاشات ضرورية كان لا بد منها لتوضيح الصورة أمام الرأي العام الطلابي و تنسيب الخلاقات السابقة. وهو نفس الرأي الذي دعمه السيد علي فلاح، نائب الأمين العام للمكتب التنفيذي المنبثق عن مؤتمر التصحيح، الذي أكد على تمسكه بالمؤتمر الموحد كخيار مبدئي و واع من أجل مصلحة المنظمة الطلابية، وتشبثه بإطار اللجنة الوطنية كآلية مسؤولة و فاعلة تضبط كل الخطوات الضرورية لإنجاز ذلك المؤتمر. وضم صوته إلى تلك الرأي القائل بضرورة التوزيع الشفاف و الديمقراطي للانخراطات، و إجراء الانتخابات القاعدية الضرورية قبل عقد الهيئة الإدارية. رفض جماعي للانقلاب على التعهدات السابقة أما بقية التدخلات، فاتحدت في مجملها حول ضرورة مواصلة مسار توحيد المنظمة النقابية، و تعميق النقاش البناء حول الآليات التي بمقدورها تحقيق هذه الغاية، مثمنين مجهودات اللجنة الوطنية وعلى رأسها السيد زعتور الذي رفض جميع الضغوطات الصادرة عن قيادة حزبه من أجل التراجع عن الاتفاقيات السابقة. غير أن بعض الآراء اختلفت حول طرائق التعامل مع المجموعة المنتمية للمكتب التنفيذي للمؤتمر 24، والتي خيرت عدم المشاركة الفعالة في هذه المرحلة/ المنعرج. و قد رأى البعض، انه من الضروري العمل على إفشال الهيئة الادارية المزمع عقدها يوم 08 جويلية القادم، و شدد آخرون على ضرورة التعقل و مزيد التحاور مع الصف المقابل، وإيجاد القنوات اللازمة لتسوية الخلافات. أحد المتدخلين أعرب من جهته عن سعادته بمناسبة فتح الأبواب الحديدية للمقر المركزي للإتحاد العام لطلبة تونس من جديد أمام الطلبة، بعد سنوات طويلة من إغلاقه في وجوههم، و ما في ذلك من رمزية. في ختام ذلك الموعد، أصدر الحاضرون لائحة عامة أعربوا خلالها عن استحالة انعقاد المؤتمر خلال هذه الصائفة، و إقرارهم بضرورة استكمال العملية الانتخابية القاعدية في مستهل السنة الجامعية القادمة قبل انعقاد الهيئة الإدارية التي تسبق المؤتمر الموحد. سفيان الشّورابي (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

غريب تونسيون معوقون يُتهمون بمحاولة القيام بعمليات إرهابية!

 
خياران يستند عليهما النظام السياسي الحاكم في تونس: التعنت في المحافظة على الامتيازات الإستراتيجية و الاقتصادية للحلقات الصغيرة من كبار المستثمرين على الصعيد الدولي من جهة، والانخراط الطوعي في ما يسمى بالمجهود الدولي لمكافحة الإرهاب من جهة أخرى. و كلاهما مسلكان لا يأخذان بعين الاعتبار دوما مصالح عموم المواطنين التونسيين، و مدى انتفاعهم أو تضررهم من هذه السياسة. فإذا كان رفض الإرهاب، فكرا و ممارسة من الحدود الدنيا المُتفق عليها، فان استغلال هذا الإجماع لتبرير خيارات مشبوهة، و استعمالها كفزاعة لتبرير التباطؤ في الإصلاحات الضرورية، يجب أن يكون محل رفض جبهوي و مشترك. فما بال حالنا، لو تحول الأمر إلى خلق و صناعة خلايا و حركات إرهابية وهمية. ذلك هو لسان حالنا، بعد أن نتعرض لحالات عدد من الشبان المسجونين بتهم  لا تحصى في هذا السياق، وتصل عقوباتها إلى عشرات السنين في غياهب المعتقلات و المحتشدات. فالوضعية البدنية و الصحية لبعض هؤلاء الشبان تعيقهم و تمنعهم أصلا من ممارسة الحياة بشكل طبيعي. فمن يصدق أن سجناء من ذوي الاحتياجات الخصوصية (معوقين عن الحركة، مكفوفين…) لديهم القدرة على الإعداد  و تكوين عصابة قصد ارتكاب اعتداءات على الأشخاص، و المشاركة في عمليات إرهابية من شأنها تهديد النظام العام، و السعي لقلب السلطة؟ نستعرض ستَّ حالات ، تبين لنا بوضوح و بلا لبس، عن تهافت روايات السلطة في هذا المجال: أفادنا المجلس الوطني للحريات بتونس بعدد من الحالات لأشخاص سجنوا بموجب قانون « معاضدة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب » الذي صادق عليه بالإجماع مجلس النواب في شهر ديسمبر 2003، و لكن ليسوا بسجناء عاديين، على الأقل من الناحية الجسدية. 1-   محمد أمين ذياب، شاب في مقتبل العمر، مريض نفساني كان يتردد على مستشفيات الأمراض العصبية بتونس العاصمة، وسبق أن ألقي القبض عليه في السابق (قبل 4 سنوات) في قضية مخدرات، وأطلقت المحكمة سبيله لانتفاء المسؤولية الجزائية على ضوء تقرير طبي صادر عن مستشفى الرازي. أصيب أمين ذياب بطلقتين ناريتين من قبل قوات البوليس التي داهمت المنزل الذي كان موجودا فيه في حمام الشط عندما خرج لتسليم نفسه. و قد تم تحويله إلى مستشفى قوات الأمن الداخلي بالمرسى، أين قام الأطباء بنزع رصاصة واحدة و ترك الثانية مستقرة في ظهره. و روى السجين في القضية عدد 7717/1 أن عناصر الأمن كانوا يتعمدون إدخال رأس قلم في الجرح الذي تستقر به الرصاصة لمزيد إيلامه. 2- كريم المسوسي، البالغ من العمر 26 سنة، و القاطن بجهة بضاحية المرسى. قُبض عليه يوم 11 جانفي، وحكم عليه بالسجن مدة سنتين تليها تقضية 5 سنوات تحت المراقبة الإدارية في القضية عدد 11685/2. و السجين المسوسي يعاني من إعاقة بدنية برجله تمنعه من التحرك بصورة عادية. 3-  ميمون علوشة، شاب من مدينة بنزرت. ألقي عليه القبض خلال شهر جوان 2005، ومنذ ذاك التاريخ لم تنظر المحكمة في قضيته نظرا للمصاعب النفسية التي يعاني منها. فكلما حاولت استقدامه للمثول أمامها، يتعذر عليها ذلك، بما أنه يقيم بصفة دائمة بمستشفى الرازي. 4- خطيب الادريسي، يقيم بولاية سيدي بوزيد. أودع السجن في 28 جانفي 2007، و اتهم بالتحريض على الجهاد و التحضير للقيام بعمليات إرهابية. و السجين الادريسي (51 سنة) ضرير لا يبصر. 5- مروان مخلوف، من سكان جهة سوسة، مريض بإعاقة جسدية عميقة بقدميه. أمسكت به السلطة في شهر جانفي 2007، و تتهمه بالقيام بتدريبات عسكرية في الجبال. 6- وليد العيوني المعتقل حاليا بسجن المرناقية و الذي فقد مداركه العقلية لدرجة عجزه عن التعرف على أمه نتيجة التعذيب و المعاملة القاسية. ووليد العيوني (29 سنة) أب لأربعة أطفال، اعتقلته السلطات الإماراتية، وأعادته برفقة عائلته وعائلة أخيه إلى تونس يوم 18 أكتوبر 2006. وإن اختيارنا الحديث عن بعض العينات من أشخاص متهمين بالانخراط المادي و المباشر في تنظيمات إرهابية و عسكرية، و لكن وضعيتهم الصحية تمنعهم من ذلك، ليضرب في الصميم و يسفّه ما تردده السلطة على الدوام من وجود خطر داهم و محدق لتبرير تأجيل الإصلاحات الضرورية الكفيلة لوحدها بتحصين البلاد و حمايتها من التعرض لأذرع إخطبوط الإرهاب. سفيان الشّورابي (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

 


 

سويسرا تقدم تعويضًا لرجل أعمال مسلم اتُهم بصلات مع القاعدة

 

أعلنت المحكمة الجنائية العُليا في سويسرا، منح رجل الأعمال المسلم « يوسف ندا » مبلغ (4845 دولار أمريكي) على سبيل التعويض بعد تعرّضه للاستجواب بسبب معلومات مخابراتية أمريكية ادعت أنه على صلة بتنظيم « القاعدة ».

 

ورفضت المحكمة السويسرية المبلغ ـ الذي قيمته 27 مليون فرانك ـ الذي طالب به فريق الدفاع القانوني عن « ندا » كتعويض من الحكومة السويسرية؛ بسبب الأضرار المالية التي تعرّض لها على خلفية ثلاثة أعوام ونصف من التحقيق والاستجواب.

 

وأخبر « يوسف ندا » صاحب مؤسسة التقوى المالية وكالة « أسوشيتيد برس » عبر الهاتف: « الأمر مخيّب للآمال؛ لأن القضاء كان يعلم حجم الأضرار التي لحقت بنا جراء هذا الاستجواب والملاحقة، ولكن المحكمة اعتبرت أنّ الولايات المتحدة هي الملزمة بدفع هذه الأضرار وليست سويسرا ».

 

وقالت الوكالة: إن « ندا » وشريكه السوري المولد « علي همت » أسّسا منظمة التقوى في 1988، وهي شركة قدّمت خدمات مصرفية في أوروبا استنادًا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية.

 

وزعمت الحكومة الأمريكية أنّ شركة التقوى ساعدت على تمويل شبكة أسامة بن لادن، وعلى إثر ذلك بدأ المحققون السويسريون في التحقيق في نشاطات الشركة بعد فترة قليلة من هجمات 11 سبتمبر.

 

(المصدر: موقع تونس أونلاين.نت بتاريخ 27 جوان 2007 نقلا عن « شبكات إخبارية »)


 

اتحاد الطلبة

إجماع مرة أخرى على خيار التوحيد

 

سفيان الشّورابي

هل وُضعت رماح الاحتراب الإيديولوجي في غمدها؟ هل طُويت صفحات الاقتتال باسم مرجعيات اطلاقية مختلفة « الشرعية »، « المشروعية »، « النضالية » الخ، إلى الأبد؟ هل ينفذ التفاؤل بمستقبل أفضل لاتحاد الطلاب بين النفوس أم يبقى معلقا إلى آجال أخرى؟ هل تلك بضع الأسئلة المبعثرة التي ترددت في أذهان الحاضرين في الاجتماع العام المركزي الذي انعقد يوم السبت 23 جوان الفارط، بدعوة من اللجنة الوطنية من أجل عقد مؤتمر موحد التي ينطق باسمها السيد عز الدين زعتور، و ذلك في إطار سلسلة من اللقاءات المفتوحة التي اعتزمت تنظيمها قصد تشريك عموم الطلاب المعنيين بشأن منظمتهم في تقرير و رسم خياراتها القادمة.

خطوة جديدة

في مستهل حديثه، رحب السيد عز الدين زعتور، الذي يشغل مهمة الأمانة العامة للاتحاد العام لطلبة تونس، بجميع المشاركين الذين ينتمون لمختلف التيارات و الكتل السياسية الناشطة بالجامعة. و أعرب عن عميق سروره وغبطته بهذا الالتفاف الخاص، مؤكدا من جديد على انخراطه المطلق و اللامحدود في مسار القطع مع الازدواجية الهيكلية و توحيد رأسي المنظمة، منبها من خطورة الانزلاق وراء ثقافة نفي الآخر بمحاولة تطويع قوانين المنظمة أو التمادي في محاولة البحث عن شرعية خارج إرادة القواعد الطلابية، مهددا، في نفس الوقت، بـ »اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمجابهة كل محاولة للسطو على المنظمة و التصدي لكل من يعمل على مواصلة المهازل التي لا تقرها لا القوانين و لا التشريعات و لا تقاليد العمل الجمعياتي الديمقراطي ».

وحول أسباب تعطل عمل اللجنة، أكد السيد زعتور أن نقاشات ضرورية كان لا بد منها لتوضيح الصورة أمام الرأي العام الطلابي و تنسيب الخلاقات السابقة. وهو نفس الرأي الذي دعمه السيد علي فلاح، نائب الأمين العام للمكتب التنفيذي المنبثق عن مؤتمر التصحيح، الذي أكد على تمسكه بالمؤتمر الموحد كخيار مبدئي و واع من أجل مصلحة المنظمة الطلابية، وتشبثه بإطار اللجنة الوطنية كآلية مسؤولة و فاعلة تضبط كل الخطوات الضرورية لإنجاز ذلك المؤتمر. وضم صوته إلى تلك الداعية إلى توزيع شفاف و ديمقراطي للانخراطات، و إجراء الانتخابات القاعدية الضرورية قبل عقد الهيئة الإدارية.

رفض جماعي للانقلاب على التعهدات السابقة

أما بقية التدخلات، فاتحدت في مجملها حول ضرورة مواصلة مشوار توحيد المنظمة النقابية، و تعميق النقاش البناء حول الآليات التي بمقدورها تحقيق هذه الغاية، مثمنين مجهودات اللجنة الوطنية وعلى رأسها السيد زعتور الذي رفض جميع الضغوطات الصادرة عن قيادة حزبه من أجل التراجع عن الاتفاقيات السابقة. غير أن بعض الآراء اختلفت حول طرائق التعامل مع المجموعة المنتمية للمكتب التنفيذي للمؤتمر 24، والتي تتبع خطيا لتنظيم الاشتراكيين اليساريين، التي خيرت عدم المشاركة الفعالة في هذه المرحلة/ المنعرج. فرأي اصف حوله جمهور من الطلبة دعا إلى إفشال الهيئة الإدارية غير القانونية التي نادى بها ذلك الفصيل السياسي، وبين آخر حثّ على التعقل و مزيد التحاور معهم، وإيجاد القنوات اللازمة لإعادتهم إلى الطريق الجادة.

أحد المتدخلين أعرب من جهته عن سعادته بمناسبة فتح الأبواب الحديدية للمقر المركزي للإتحاد العم لطلبة تونس من جديد أمام الطلبة، بعد سنوات طويلة من إغلاقه في وجوههم، و ما يشحن ذلك من رمزية ثرية و عميقة تحيل إلى فترة الجفاء التي عاشتها المنظمة.

في ختام ذلك الموعد، أصدر الحاضرون لائحة عامة أعربوا خلالها عن استحالة انعقاد المؤتمر خلال هذه الصائفة، و إقرارهم بضرورة استكمال العملية الانتخابية القاعدية في مستهل السنة الجامعية القادمة قبل انعقاد الهيئة الإدارية التي تسبق المؤتمر الموحد.

 

(المصدر: مدونة سفيان الشواربي  بتاريخ 25 جوان 2007)

 


بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين    الرسالة رقم 255 

الحلقة الخامسة لاستكمال الحديث حول عيد الإدارة الجهوية
 
 
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل
تونس في 27/06/2007 
    في الحلقة الرابعة التي نشرت اليوم 27/06/2007 على موقع تونس نيوز . أشرت أنها الحلقة الأخيرة . و لكن تذكرت بعض المحطات و الخواطر لاستكمال الصورة حتى لا تبقى خاطرة أو فكرة أو معلومة أو ملاحظة تستحق الذكر في عيد تونسة الإدارة الجهوية لسلك الولاة و المعتمدين و انطلاقا من مفهوم الوفاء و الأمانة و صدق المعطيات و المعلومات أردت استكمال هذه الحلقة الأخيرة . الحقوق و الواجبات لا يخفى على أحد في تونس ما يقوم به سلك الولاة و سلك المعتمدين من واجبات كبرى فكل شاردة و واردة هي من مشمولات سلك الولاة و المعتمدين و إذا حصل خلل في أي مجال حتى في ما يتعلق بمقابلة رياضية بين فريقين فإن الخلل يحاسب على الوالي و المعتمد . و كم من مسؤول أعفي من مهامه بسبب ذالك بالإضافة إلى كل المشمولات الواسعة في منطقة النفوذ كبيرة كانت أو صغيرة فالمسؤولية الكاملة للسيد الوالي و السيد المعتمد . و هما لا يتمتعان بالراحة و أيام الأحد و العطل و الأعياد و حتى الإجازة السنوية أفضلهم يتمتع بنصف شهر فقط هذا إذا كانت الأمور على أحسن ما يرام  و المغادرة لمركز النفوذ يقع الإعلام عليه . و المسؤول لا يجلس في المقاهي و كلامه دقيق و محسوب عليه إلا في مجال الخطابة و المنابر الحوارية و هما مجندان ليلا نهارا لخدمة الشعب و الحفاظ على أمن الوطن و المواطن .المقارنة في الامتيازات المالية تجد النائب بمجلس النواب أو المجلس الجديد للمستشارين إذا عمل 5 أعوام يتحصل على ثلث المرتب أي حوالي 450 دينار و يتقاضاها مباشرة دون مرتبه الأصلي و إذا عمل فترتين 10 سنوات النائب يتقاضى 900 دينار شهريا . أما إذا عمل 3 دورات فيصبح يتقاضى 90 بالمائة من المرتب الشهري حوالي 1350 دينار أما المعتمد الذي يعمل من 5 أعوام إلى 30 سنة فإنه في أحسن الحالات يتمتع ب 90 بالمائة إذا عمل 40 سنة كاملة و المبلغ يخصم منه الضريبة الشخصية و غيرها و يبقى المرتب في حدود 750 دينار أي بمعدل 25 دينار يوميا و هذا المبلغ هو أجرة عامل مختص في البناء أو سائق في شركة أو مؤوسسة خاصة أو شبه عمومية .   حدثني أحد الولاة الجدد في عهد التغيير و أكد لي بشرف المهنة أي أقسم أنه عندما عاد إلى مباشرة مسؤولياته في الصحافة المكتوبة كمدير بعد إنهاء مهامه في خطة والي بتوزر وجد نفسه يتقاضى مرتبا أقل من مرتب السائق الذي يعمل معه في الصحيفة أي السائق يفوق مرتبه 50 دينار مرتب المتحدث هذه حقيقة رواها لي بأمانة الصديق الحميم الذي كان معي في الصحافة الحزبية عام 1977 عندما كنت رئيسا لشعبة الصحافة الحزبية و في ندوة الصحافة الحزبية التي اشرف عليها المرحوم الهادي نويرة الامين العام للحزب و الوزير الأول اقترحت الأخ إبراهيم الفريدي مقررا للجنة الاعلام الجهوي في بدايبة عهده بالعمل الصحفي و استمرت الصداقة إلى اليوم  . المسؤولين اللذين باشروا مهامهم في سلك الولاة و غادروا المسؤولية  ثم وقع دعوتهم من جديد لتحمل المسؤولية و هم السادة محمد الحبيب الغربي والي قابس و محمد الصحبي البصلي والي مدنين و محمد الهادي بالأخوة والي مدنين أيضا و باشروا مهامهم من جديد على التوالي الغربي في الكاف و البصلي في صفاقس و بالأخوة عاد إلى مدنين أما الولاة الذين عملوا في مركز ولاية و عادوا إليها فهما السيدان محمد بن نصر والي المنستير و محمد الهادي بالأخوة والي مدنين  .و كذالك السيد قاسم بوسنينة ارتقى إلى ثلاثة رتب في ولاية صفاقس معتمد أول ثم كاتب عام للجنة التنسيق ثم واليا بصفاقس في فترة دامت حوالي 5 أعوام. المعتمدون الذين عاشوا بعد التقاعد دون امتلاك سيارة او دراجة نارية على سبيل المثال نذكر المرحوم الشاذلي القرام الذي غادر السلك دون أن يملك مسكن و له قصة فهذا الموضوع يطول شرحها و كان نظيفا إلى أبعد الحدود  ، و الاخوة عمر الزغلامي الذي غادر السلك و لم يملك دراجة نارية و الحسين العبيدي معتمد ساقية سيدي يوسف عام 1958 الذي تحدثت عنه في الحلقة الثانية و عبد العزيز السهيلي الذي بلغ سن السبعين و لحد الساعة لم يتحصل على التقاعد و الوضعية شائكة مع صندوق التقاعد و الحيطة الاجتماعية و الاتصالات و المراسلات متواصلة لحد الساعة و كذالك المنتمي إلى السلك صاحب هذه المقالات التاريخية الذي تمنى يوم تنصيبه في 24 سبتمبر 1984 بإشراف والي القصرين السيد محمد المكي أنذاك أتمنى أن نخرج من السلك كما دخلته دون ان يملك سيارة أو دراجة نارية و غيرهم لا شك كثيرون و هؤلاء وسيلتهم اليومية في النقل القطار او الحافلة و يدفعون شهريا بطاقة الاشتراك للشركة التونسية الحديدية دون مراعاة تضحياتهم كبقية الأسلاك الأخرى التي تتمتع بالركوب المجاني و في الخطوط الطويلة بنصف المعلوم و هذا الامتياز موجود عند الصحفيين و غيرهم و بدون تعليق مع الملاحظة إن عدد من المعتمدين لهم أبناء و بنات متحصلين عن الإجازة و هم في حالة بطالة مستمرة   هذه حقائق لا يمكن تجاهلها و لو كانت مرة و أسوقها حتى يعلم الجميع ان السلك نظيفا و شريفا و يعاني المشاكل الاجتماعية كبقية المواطنين لا كما يتصورون أبناء السلك لهم امتيازات  أوضاع السلك تختلف على المنتمين للسلك بفرنسا أشرت في المقال الأول الصادر يوم 18 جوان 2007 إلى العناية التي يتمتع بها السلك في فرنسا و الحظوة و الرعاية و المعاملة و التقدير الكامل و المشاركة الفاعلة و الاعتبار لدور السلك بعد التقاعد و الاحترام و الكلمة المسموعة و التبجيل . و في بعض الدول العربية الاهتمام و العناية للمباشر نسبيا و كم من مسؤول ضحى بحياته و مات و لم يسمع به احد و لم يحظر جنازته إلا أهله و ذويه و أهل بلدته خاصة إذا كان المسؤول متقاعد إذا مات له قريب أو أبويه لم يتلقى حتى برقية تعزية من المسؤولين الذين كانوا يبجلونه عندما كان مباشر و كما يقول المثل فارس من ركب اليوم و كذالك يقول المثل الدنيا مع الواقف و بدون تعليق . هذه الصراحة اعتقد أنها لم تعجب بعضهم و لكنها حقيقة مرة و المثل يقول الحق مر يا عمر . المعتمدون الذين دخلوا السلك و غادروه ثم عادوا إليه من أبواب مختلفة  و هم السادة محمد البشير الزاير معتمد جومين سابقا- محمد الهادي الوسلاتي – علي بوتفاحة – عبد الرحمان الورتتاني – الحبيب الحماص – وسالم الذهبي رحمه الله هؤلاء وقع إعفائهم ثم عادوا للسلك ومنهم من ارتقى إلى خطة معتمد أول السيد محمد الزاير و السيد عبد الرحمان الورتتاني أما الأخ الوسلاتي فقد عيين كاتبا عاما للجنة التنسيق بالكاف نظرا لعلاقته الحميمة بوالي الكاف الأسبق و الآن عضو بمجلس النواب و الحبيب الحماص سمي كاتبا عاما لولاية صفاقس ثم بن عروس و تونس والآن بولاية بنزرت و المرحوم سالم الذهبي عاد إلى مركز ولاية تونس … و هذا ليس بالغريب على السلك الخروج و الرجوع إليه سواء في عهد حكومة الاستقلال و بنا الدولة أو في العهد الجديد مثل الوسلاتي و الذهبي مع الملاحظ إن نجل الوسلاتي حل محل والده في خطة معتمد بمنزل جميل و عدد من المعتمدين وقع تعيين أبناهم في السلك تكريما لهم . .. اقتراح لتحسين وضعيات السلك المادية اقتراح عملي لتحسين الأوضاع المادية و ضرورة أن تحسب سنوات العمل للسادة الولاة على حساب كل 3 أعوام مباشرة ب 10 أعوام و من تجاوز 8 أعوام تحسب أقدميه ب 25 سنة نظرا لأهمية المسؤولية و جسامتها و دورها و شأنها العظيم ؟ أما سلك اللمعتمدين فإن العمل لمدة 5 أعوام يساوي 10 أعوام في وظائف أخرى و 8 أعوام تعادل 16 سنة في أي وظيفة أخرى حتى نظمن للسلك حقوق التقاعد بصفة محترمة و نراعي الجوانب المادية و الاجتماعية . و التقاعد يحسب بنسبة 90 بالمائة عوضا عن 80 بالمائة حاليا لمن عمل 35 سنة و التوحيد في الأجور عند سن التقاعد ضروري و حتمي لكل من عمل في السلك مدة تفوق 5 أعوام يحصل على 20 نقطة عوضا عن 10 نقاط حاليا و الملاحظ إن أعطاء مجلس النواب عندما تنتهي مدتهم النيابية يتقاضون مباشرة و دون انتظار سن التقاعد المنحة المخصصة لهم دون اعتبار الوظائف الأخرى و الامتيازات …؟ لماذا أبناء السلك لم يحضوا بهذا الامتياز فهل أبناء السلك اقل دور يا ترى… ؟ أم دور النائب أكبر من دور المعتمد الذي هو متعرض لكل الفواجع طيلة مهامه و حياته المهنية الذي لا يعلمها إلا الله العليم الخبير  . ختاما أتمنى أن تحضي هذه الملاحظات بعين يقظة و قلب مفتوح و أذن صاغية و أعتقد أن أعلى هرم السلطة أعني رمز البلاد على دراية كالملة بدور هذا السلك و له عطف خاص و عناية شخصية فائقة و يسعى دوما لتحسين أوضاعه حتى يرتقي إلى الطموحات المطلوبة و التي ننشدها و نتمناها للجميع و كل عام و سلكنا بخير يعمل من اجل تونس و تقدمها و استقرارها و ازدهارها  . قال الله تعالى: و تعيها أذن واعية صدق الله العظيم


البنــوك الإسـلامية و هـاجس التنمية

[الجزء الثــاني]

 
د. خـالد الطـراولي ktraouli@yahoo.fr *4 المزارعة والمساقاة : وزاد بعضهم المغارسة، وقد عرف ابن قدامة المزارعة  » بأنها دفع الأرض إلى من يزرعها أو يعمل عليها والربح بينهما « [[1]] [5]. وعرّف الأحناف والمالكية المساقاة بأنها عقد على خدمة الشجر وإصلاحه على سهم معلوم من علته [[2]] [6]. فهي عقود استثمارية تخص القطاع الزراعي تجمع بين رأس المال (الأرض الزراعية) والعمل. وهي صيغة تمويليّة شديدة الأهمّية للبنوك الإسلامية لما لها من علاقة مباشرة مع أحد القطاعات الرئيسية والحسّاسة للبلدان الإسلامية؛ ولسهولة تطبيقها النّسبي، إذ يمكن للمصرف أن يأخذ على عاتقه عملية إحياء الأرض من أصحابها، أو أن يتملّك الأراضي الفلاحية والدخول مع أفراد أو شركات في السهر على خدمتها في مقابل تقاسم نتائج غلّتها. *5 الإستصناع : هو عقد بيع يتمثّل في صورته العامة أن يطلب شخص من آخر صناعة شيء ما على أن تكون المواد من عند الصانع وذلك نظير ثمن معين، وهو شبيه بعقد المناولة في عصرنا الحاضر[[3]] [7]. وتبدو أهميته الاقتصادية في إمكانية تمويله لمشاريع تنموية قصيرة أو متوسطة أو طويلة المدى حسب الدورة الإنتاجية لكل مصنوع . وهو يهمّ خاصة قطاع الحرفيّين الأكثر حاجة للتمويل والأقل ملاءة نقدية وهو بالتالي عقد « اجتماعي تضامني  » يستطيع أن يلبي مطالب وحاجات المعسورين حالا والمنبوذين من القطاع البنكي التقليدي.  فالبنك الإسلامي يستطيع أن يكون الصانع أو المستصنع في هذا العقد، فهو صانع بانغماسه في الحياة الصناعية مباشرة منشئا المصانع ومهيئا موادها الخام وكوادرها المسيّرة؛ أو حافرا للآبار والقنوات في المجال الزراعي أو مقاولا في البناء. وهو مستصنع (الطرف الذي يطلب صنع الشيء) بما يوفّره من طلبات للقطاع الحرفي تلبية لعملائه أو لصالحه إذا رأى إمكانية تسويق المنتوج لاحقا . وقد يبدو أن حالة البنك الصانع ليست هيّنة، فهي تتطلّب دراية بالمشروع ومعرفة كبيرة بحرفائه،  ومتابعة  دائمة لمراحل الإنتاج ، لذا اعتبرها بعضهم غير مُيسّرة للبنك التجاري الإسلامي وأنها تبقى ممكنة للبنوك المختصّة [[4]] [8]. *6 الجعالة : عرّفها ابن رشد بأنها « أن يجعل الرجل للرجل جعلا على عمل يعمله إن أكمل العمل ،وإن لم يكمله لم يكن له شيء وذهب عناؤه باطلا « [[5]][9].  وتجد الجعالة أهميتها في المواضع التي يصعب فيها تقسيم الجهد والوقت اللازم لتنفيذ عملية ما [[6]][10]. وهي تصلح في التجارة، في عمليات التسويق والتسوُّق والسمسرة؛ وفي الزراعة في إصلاح الأراضي واستزراعها؛ وفي الصناعة في التنقيب على المياه والنفط والمعادن؛ وفي البحوث العلمية . ويتجلى البعد التنموي للجعالة عند استعماله من البنك الإسلامي في سعة مجالات تنزيله، فهي تمُسّ كل القطاعات الاقتصادية، ويمكن أن تمس الشركات الكبيرة والصغيرة والأفراد بحيث تمثل رأس مال مخاطر في تمويل مخابر البحث التي تعتبر ضرورية للشركات في مواصلة تواجدها وتوسعها حيث أصبح التقدم والتجديد والابتكار المتواصل عناصر تنافسية تطيح بالشركة أو ترفعها، لذا تُسخّر الكثير منها نسبة من ميزانيتها لتدعيم هذه المخابر . والبنك الإسلامي من خلال الجعالة يمكن أن يُيسّر هذا التمويل الخارجي ويساهم في تدعيم التنمية. *7 السّلم: هو مبادلة ثمن بمبيع سواء كان الثمن عاجلا أو مقدما  والمبيع آجلا أو مؤجلا . فهو شراء آجل بعاجل أو بيع آجل بعاجل، وهو نوع من البيع باستثناء ابن حزم[[7]][11] . وُتستمدّ مشروعيته من المصلحة التي يحقّقها والحاجة التي يسدّها للأفراد والمجموعات، وقد سمّاه الفقهاء لهذا ببيع المحاويج. فهو صيغة تمويلية وأسلوب لتنشيط الإنتاج. وتبدو تنموية السّلم في إمكانية تمويله للقطاع الزراعي خاصة، وقد عبّر الفقهاء القدامى على هذا التخصيص بقولهم  » ِلأنّ أرباب الزروع  والثمار والتجارات يحتاجون إلى النّفقة على أنفسهم… وقد تعوزهم النفقة فجُوِّز لهم السلم ليرتزقوا… « [[8]][12]. ويمكن للبنك الإسلامي، عبر صيغة السلم تمويل المزارعين على المدى القصير عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج، أو الشراء سلما لمحصول المواسم القادمة. كما يمكن تمويل الحرفيين والوحدات الصغيرة كرأس مال سلم، مقابل الحصول على جزء من المنتوج وتيسير تسويقه. ويستطيع البنك الإسلامي تمويل المشاريع الكبرى والأصول الثابتة على المدى الطويل بتقديم رأس المال الازم سلما لتمكين المنشأة من الانطلاق في الإنتاج، في انتظار توفُّر الصفقات التجارية؛ وذلك مقابل الحصول على جزء من إنتاجها المستقبلي. هـــوامش : [1] لا يخفى على أحد أن الجانب الشرعي و البحث عن الحلية في إدارة المال إدخارا واستثمارا , شكلت السبب الرئيسي و الطبيعي للتجربة البنكية الإسلامية. [2]  الكاندهلوي محمد زكرياء  » أوجز المسالك إلى موطأ مالك  » ج 11 ص  4000 في منذ قحف  » مفهوم التمويل في الإقتصاد الإسلامي  » البنك الإسلامي التنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والندريب جدة 1991 ص : 16 . [3] البهرتي، منصور بن يونس « شرح منتهى الإرادات  » في « عقد الإجارة مصدر من مصادر التمويل الإسلامية  » عبد الوهاب إبراهيم أبو سلمان البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب جدة 1992 ص 18 .  [4] القرطبي « الجامع لأحكام القرآن » ط2 بيروت: دار إحياء التراث العربي 1972 ج13 ص 271 في عبد الوهاب إبراهيم مرجع سابق ص 12 . [5]ابن قدامة   » المغني والشرح الكبير  » دار الكتاب العربي  ج 5 ص 581 . [6]حاشية ابن عابدين ج 6 ص 285 في  منذر قحف « مفهومالتمويل في الإقتصاد الإسلامي  »  البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب  جدة 1991 ص 16 [7]هناك احتلاف كبير بين الفقهاء في تحديد عقد الإستصناع وأحكام مشروعيته وأركان صحّته، حتى في المذهب الواحد. ولم يُعطى له عقد خاص إلاّ عند الحنفية بينما ألحقه الشافعية والحنابلة بالسّلم، والمالكية بالبيع المطلق. وقد استعمله الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم في صنع خاتمه ومنبره. وهو لا يلزم صناعة بحالها، فقد قدّمت مجلة الأحكام العدلية صورا مستحدثة منه مثل صناعة السفن. ( لمزيد التفاصيل انظر شوقي دنيا  » الجعالة والإستصناع  » البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب جدة 1991 . و  » صيغة الاستصناع  » في مجلة إتحاد المصارف العربية عدد 176 مجلد 15 أفريل 1995 ص 42 . 44 [8] » المدخل إلى تقنيات التمويل الإسلامية  » Introduction aux techniques islamiques de financement . Acte de séminaire N° 37 Institut Islamique de Recherche et de Formation, Banque Islamique de Développement. 1997 Djedda P :167. [9]  شوقي دنيا « العجالة والإستصناع  » البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب 1991 جدة ص 9. [10]رفض الحنفية و  عقد الجعالة لما فيها من مقامرة حسب ظنهم وأقرها الجمهور والشيعة خاصة الذي جعلوها تصح على كل مقصود. [11]لمزيد التفاصيل انظر محمد عبد الحليم عمر  » الإطار الشرعي والإقتصادي والمحاسبي لبيع السلم  » البنك الإسلامي للتنمية المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب جدة 1992 . [12]ابن قدامة مرجع سابق  ج 4  ص 312 . المصدر:  موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net


أين ذهب المراقبون ؟!
 
محمد كريشان ثلاثة ملفات عربية بات من الصعب جدا،إن لم يكن من النادر تقريبا، أن تعثر علي من يكتب أو يتحدث فيها كمراقب قادر علي الرصد والتحليل بعيدا عن المواقف المسبقة والتحيز الواضح: الاقتتال الدموي في العراق، المأزق السياسي في لبنان وأخيرا هذه المواجهة متعددة الأوجه بين فتح و حماس . لقد بات من يوصفون في أدبيات برقيات وكالات الأنباء بــ المراقبين لا يراقبون إلا ما يريدون ولا يرصدون الأحداث والمواقف والتصريحات إلا بعين واحدة ومن زاوية وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساوي ، بحيث غاب تقريبا أو تراجع أو اختفي ذلك النوع من الكتاب والمحللين القادرين علي النظر إلي مجريات هذه الملفات الثلاثة بقدر لا بأس به من العين الناقدة التي تري أن هذا الطرف قد يكون محقا في كذا وكذا وكذا لكن التوفيق جانبه في كذا وكذا وكذا ليحل محلهم مراقبين متحزبين ما إن ينطق أحدهم بالجملة الأولي أو يكتبها حتي تعرف عن ظهر قلب تقريبا بقية الكلام الذي علينا أن نقول بأنه ليس كلاما عبثيا ولا قيمة له ولكنه جزء من الصورة وليس الصورة برمتها كما يراد لنا أن نتعاطي مع ما يقال أو يكتب. اصطفاف السياسيين في هذا المعسكر أو ذاك معروف ومفهوم ولكن هذا الاصطفاف الذي بات مكبلا للكتابات والتحليلات صار محيرا للغاية، ففي الوقت الذي لا يمكن أن ينكر أحدنا علي الآخر أن يكون صاحب موقف يؤمن به ويدافع عنه سواء عن قناعة فكرية وسياسية أو بحكم الانتماء الديني أو الطائفي أوالحزبي أو العائلي أو حتي الجغرافي، فإننا نحتاج في ذات الوقت لذلك النوع من الكتاب والصحافيين والمحللين القادرين علي التخلص إلي أقصي قدر ممكن من الاعتبارات السابقة مما يؤهلهم إلي النظر إلي الأحداث نظرة أكثر شمولا واستقلالية بعين ناقدة لا تجامل أحدا، فالسياسة، كما غيرها من شؤون الحياة العامة، ليست مقسمة بالكامل وبما لا يدع مجالا لأي تعديل بين أخيار و أشرار ، وهو ما نراه بجلاء عند أغلب الكتاب والمحللين وأحيانا حتي بين من نطلق عليهم وصف الباحثين، فما أن يشرع أحدهم مثلا في تناول الشأن العراقي حتي تدرك أن كل المصائب والشرور التي حلت بالوطن مأتاها هذا الفريق أو ذاك وهو تصنيف زادت حدته وقسوته من خلال التبويب الطائفي المقيت بين سني و شيعي ما جعل الواحد لا يري في الآخر إلا خرابا مطلقا. كذلك الشأن في لبنان، فالحق كله مع فريق 14 آذار أو 8 آذار والصحافي الذي يكتب والمحلل الذي يجلس في مقابلة تلفزيونية يتبني الطرح نفسه ومعه تتحول كل محن لبنان إلي مسؤولية فريق رهن نفسه بسورية وإيران أو إلي فريق لم يعد يعول سوي علي واشنطن وباريس. ذات الدوامة تمتد إلي الشأن الفلسطيني فهذا المحلل لم يعد يري سوي أن فتح محقة في كل ما تقوله وتفعله وأن حماس هي سبب كل المصائب التي حلت بالشعب ووصلت حد سفك الدماء بين الإخوة فيما لا يري زميله سوي أن حماس هي الطهارة والوطنية وما عداها عملاء وجواسيس. طبعا، في ملفات العراق ولبنان وفلسطين هناك صحافة هذا الطرف أو ذاك وهذه لا يستطيع أي منا أن يصادر حقها في التعبير عن رأيها وتصوراتها كما تشاء وبعضه يفعل ذلك بحرفية سواء في الصحف أو محطات التلفزيون لا سيما في لبنان، كما أن هناك صحافيين اختاروا معسكرهم ومن حقهم، وربما من واجبهم أيضا، أن يروجوا لجماعتهم بما يرونه، ولكن أين هم في المقابل اولئك المراقبون حقا الذين يفترض فيهم أن يحدوا من غلواء السياسيين وسدنتهم، فلست ممن يعتقد أن في الملفات الثلاثة التي ذكرنا أن هناك من هم علي حق دائم ومن هو في غيهم يعمهون، وكما قال أحدهم : عندما أستمع إلي طرح هذا الفريق اللبناني أري فيه منطقا ووجاهة وعندما أستمع إلي طرح الفريق المقابل أري فيه الأمر نفسه!! وكما كتب أحدهم أن المصيبة في فلسطين أن كل ما تقوله فتح عن حماس صحيح وكذلك كل ما تقوله حماس عن فتح !!. ولهذا تحديدا ليس من مصلحتنا جميعا أن ينقرض هؤلاء المراقبون فقد نجد معهم وفيهم الصورة الأقرب إلي الإكتمال بعد أن تشظت الحقيقة وتفرق دمها بين الفرقاء كل يزعم أنها معه بالكامل دون سواه. (المصدر: صحيفة القدس العربي (يومية – لندن) الصادرة يوم 27 جوان 2007)

 


 

ما بعد غزوة غزة هو الأخطر

 
صلاح الدين حافظ (*) العار.. هي الكلمة الوحيدة المنطبقة على ما جرى ويجري في غزة، العار هو أن يذبح الأشقاء بعضهم بعضاً، تصارعا على السلطة تحت رايات براقة وشعارات خادعة، تتحدث عن الديمقراطية والإسلام، عن الشرعية والدستورية، عن الأخلاق ومحاسن السلوك. العار هو أن يتفق هابيل وقابيل معاً، لأول مرة، على قتل أهلهم وتشريدهم واغتصاب حرياتهم وانتهاك خصوصياتهم، واستدعاء القوى الخارجية، بما فيها القوى المعادية، لنصرة جانب على حساب الآخر، ولوضع كلمة النهاية المأساوية لقصة كفاح طويلة لشعب قاسى وعانى طلباً للحرية والاستقلال. بعد أكثر من خمسين عاما من الكفاح، ها هو المشروع الوطني الفلسطيني، يرتطم بجذور انشقاقه بهذه الحدة ومن داخله، والمؤكد أن هذا المشروع القائم على أسس شرعية وواقعية وتاريخية، لم يعرف طوال مسيرته الشاقة، مثل هذا الانشقاق الدموي، الذي تورط في أتونه أهم فصيلين، هما فتح وحماس، وبالتالي فإن الشرخ عميق والانشقاق شاذ والاقتتال مشبوه والنتائج كارثية ومأساوية. ولسوء الحظ، بل لسوء التفكير والتدبير، فإن ما جرى بين فتح وحماس في فلسطين عموماً، وفي غزة خصوصاً، هو نتيجة مباشرة للصراع والانقسام العربي الشائع الضائع، بين معسكرين أو أكثر، معسكر المعتدلين المحافظين، ومعسكر المتشددين الثوريين أو المتمردين وفق التعابير الأمريكية. وبنفس المنطق فإن ما جرى بين فتح وحماس مؤخراً، هو سبب إضافي لتعميق الانقسام العربي، ولإعادة ترتيب  المعسكرين وحشد جهودهما لمزيد من الصراع. ما جرى بين فتح وحماس، سبب ونتيجة في الوقت نفسه، دون مواربة أو مناورة. وها نحن نرى الأطراف كافة تستغل كل ما جرى لاستنفار أسبابها وأسلحتها لتحقيق أهداف بعيدة عن حلم المشروع الوطني الفلسطيني، ولاقتناص مكسب من هنا أو مكافأة من هناك، بينما الضحية الوحيدة، هو شعب كامل لم يعد يعرف من أين تأتيه الضربات القاتلة! ولعل من أخطر نتائج هذا الاقتتال الفلسطيني المشبوه، هو ما نراه اليوم من اصطفاف المعسكرين المتواجهين، خلف الفصيلين الفلسطينيين المتقاتلين، فثمة من يقف وراء فتح ومحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، باسم مساندة الشرعية، وثمة من يقف خلف حماس وإسماعيل هنية رئيس الحكومة، حكومة ما يسمى الوحدة الوطنية، أيضاً باسم الشرعية. *** الشرعية هي السلاح المخادع الخاوي، الذي يحارب به كل طرف أصلي وكل طرف داعم ومساند، دون أن يفسر لنا معنى الشرعية، في ظل اقتتال دموي تمسكاً بالسلطة، وصراعاً على حكم لم تكتمل أركانه الشرعية الأصلية بعد، الكل تحت الاحتلال الصهيوني يعاني إذلاله ومهاناته، فالأرض محتلة، والسلطة فاقدة لأركان شرعيتها من الأساس لأنها تحت الاحتلال، والشعب فاقد لحريته واستقلاله بالتالي. فماذا بقي أو تحقق من المشروع الوطني الفلسطيني؟.. الأرض محتلة، والسلطة شكلية، والشعب مشرد ضائع جائع! فإن كان سلاح الشرعية قد سقط من بين أيدي فتح وحماس، أو السلطة في الضفة الغربية والحكومة في غزة، فإن سلاح الاحتماء بالقوى الخارجية لحسم الصراع، أو تأجيجه، يبدو الآن الأعلى صوتاً، وإن كنا نعتقد أنه سيكون الأقل تأثيراً على المدى البعيد. فلم يعد خافياً، أن السلطة الفلسطينية وفتح بقيادة محمود عباس، المحتمي برام الله، أصبحت أكثر التصاقاً وأسرع التجاء إلى ما يسمى معسكر المعتدلين، في العالم العربي، ذلك المدعوم بالغرب الأوروبي الأمريكي، المسنود بقوة من حكومة “إسرائيل” المهتزة الضعيفة، الباحثة عمن يدعمها في الأساس لتظل في السلطة، وها هي تسعى عبر معسكر المعتدلين، لمساندة وتعويم محمود عباس وسلطته، وفي أعماقها تستغل هذا الحدث المأساوي في الجانب الفلسطيني لتعويم إيهود أولمرت وحكومته الهشة. غريق يستعين بغريق، وأعمى يقود أعمى في بحر الظلمات. وفي المقابل، نرى حماس وحكومة هنية القابضة بقوة السلاح، وليس بقوة الشرعية على قطاع غزة، تسفر عن تحالفاتها على الجانب الآخر، وتستدعي دعم المعسكر الردايكالي، من الجماعات الإسلامية المتشددة إلى إيران زعيمة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً. ولم تكن الجماعات الإسلامية، المقاتلة منها والدعوية، لتترك فرصة اكتساح رفيقتها الكبرى “حماس” لغزة خلال ثمانٍ وأربعين ساعة، تفلت من يديها، دون أن تسارع إلى نجدتها بكل السبل المادية والمعنوية، فها هي البشرى تهب من غزة! ولم تكن إيران تتقاعس عن اغتنام الفرصة والإمساك باللحظة النادرة هذه، لكي تدخل بقوة على الخط، دعما لحماس في الظاهر، ودعماً لموقفها الصراعي مع الغرب الأوروبي الأمريكي ومعسكر المعتدلين والمحافظين العرب، تأكيدا للعلاقة القوية بين حماس وطهران التي بنيت في هدوء حتى هبت العاصفة لتخرج إلى العلن. ولعل الهلع الحقيقي الذي أصاب حكومات ونظماً عربية وغربية و”إسرائيلية”، جراء انتصار حماس المفاجئ في غزة، يرجع إلى تلقي ضربة جديدة من الحركات والتيارات الإسلامية المتشددة، تلك التي تقاتل بشراسة في العراق مسنودة بإيران، وتصارع بقوة في لبنان، مسنودة أيضاً بإيران، وها هي تحقق ما لم يحلم به أحد في غزة مسنوداً بإيران أيضاً وأيضاً. فربما تكر السبحة. وبقدر ما يأخذ كثيرون، خصوصاً من المعتدلين والمحافظين العرب، على حماس تحولها إلى مخلب لإيران في فلسطين وعلى حدود مصر، بقدر ما يرد أنصار حماس التهمة بتهمة مضادة لخصومها من أنصار السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن، وهي أن هؤلاء أيضاً عملاء للأمريكيين وحلفاء ل “الإسرائيليين” وشركاء للمستبدين والفاسدين العرب. وكما أن الشرعية أصبحت بضاعة متنازعاً عليها فضاعت قيمتها ومعناها، فإن العمالة والخيانة أصبحت العملة المتداولة في ساحة الصراع على حساب الوطن والمواطنين، على حسابنا جميعا. ورغم اعترافنا بقوة تأثير القوى الإقليمية والدولية، في خلق أسباب وترتيب نتائج الصراع الفلسطيني  الفلسطيني، وتخفيف صدامه مع المحتل الصهيوني، فإننا نعتبر أن لمصر دوراً رئيسياً في هذا الصراع في هذه اللحظة المأساوية والمعركة الكارثية سارقة الحلم الفلسطيني والعربي. فلسطين مسؤولية أمن قومي مصري بالدرجة الأولى، في الماضي والحاضر والمستقبل، وغزة تحديداً مسؤولية مصرية حميمة على الأقل بحكم الجوار الجغرافي اللصيق، وبقدر ما بذلت مصر من مجهودات وقدمت من تضحيات مادية وبشرية، في مسارات القضية الفلسطينية، عبر الماضي والحاضر، فإن مصر مطالبة اليوم أكثر من أي يوم آخر، وأكثر من أي طرف آخر، بلعب دور رئيسي وحاسم، غير دور الانحياز لطرف فلسطيني على حساب آخر، وغير دور تعويم رمز فلسطيني مقابل إغراق غيره. دور مصر الحاسم المطلوب الآن ليس مجرد دعم عباس باسم الشرعية، ومقاطعة حماس باسم فقدها الشرعية، وليس التنسيق مع أطراف عربية وإقليمية ودولية لا ترغب إلا في تعميق الانقسام الفلسطيني الدموي حماية ل “إسرائيل” وتعويماً لأولمرت وبوش وباقي العصابة، ولكن دور مصر أن ترتقي فوق كل هؤلاء وأجنداتهم المشبوهة، لتعيد الصف الفلسطيني إلى سابق عهده من الوحدة والتماسك وراء المشروع الوطني، بجوار القوة الناعمة، أو بحدة القوة الخشنة. لقد كانت لمصر جهودها في الحوار والتهدئة، قبل غزوة غزة، ولكن الجهد المطلوب الآن أبعد وأعمق من كل هذا، يبتعد بمسافة محسوبة عن الحسابات الضيقة لفتح وحماس، والحسابات الأكبر لإيران و”إسرائيل” وأمريكا وأوروبا، وهو جهد غير متوافر من حيث القدرة والإمكانية بل والمصلحة، لدولة أخرى، كما هو متوافر لمصر، التي يجب ألا تستجيب لإغراءات بوش أو تلميحات أولمرت، أو تخويفات أحمدي نجاد أو لاستغاثات عباس واتهامات هنية، أو لدعوات المتطرفين بنفض يد مصر كلياً وانسحابها من هذه الأزمة. هذه لحظة حاسمة تنادي دوراً مصرياً رائداً حاسماً في قضية صاخبة ملتهبة، إن أقلقت الآخرين، فإنها تزعج مصر إزعاجاً شديداً، لأنها ببساطة تقع على حدودها الشرقية. البوابة التاريخية لكل الحروب والغزوات التي هددت وحدتها وأمنها. ولكم أن تتذكروا ما كتبناه في هذا المكان قبل شهور، عن المشروع الصهيوني المدعوم أمريكياً، باستقطاع مساحة من سيناء المصرية، تصل إلى العريش، لتوسيع “كانتون غزة”، وترسيخاً لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وتعميقاً للشرخ الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية، وكل منهما “كانتون” محاصر براً وبحراً وجواً، لا يقوى على البقاء والاستمرار، تنفيذاً للحلم “الإسرائيلي” والحل الأمريكي. ثم لكم أن تتخيلوا إن لم تبادر مصر بدور مغاير، أن تظل غزة مختنقة تحت الحصار “الإسرائيلي” والتجويع الدولي وصراع الأشقاء المتناحرين، فإذا بها تقذف حممها البشرية، تقتحم الحدود وتفرض أمراً واقعاً جديداً داخل سيناء، لتقام فيها معسكرات جديدة للاجئين الهاربين من حصار الجوع والاقتتال العبثي! ما بعد غزوة غزة، ليس أقل خطورة مما قبلها.. (*) كاتب من مصر *** آخر الكلام: قال عمرو بن كلثوم: إذا ما الملكُ رام الناس خسفًا أبينا أن نُقر الذل فينا (المصدر: صحيفة « الخليج » (يومية – الشارقة) الصادرة يوم 27 جوان 2007)


إشكالية الدولة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر(2 من 2):

 
بقلم: د. عبدالله تركماني (*)  برامج التيارات الإسلامية المعاصرة بداية يجدر بنا أن نميز بين الإسلام السياسي، بوصفه ظاهرة سياسية – دينية، وبين الإسلام كعقائد وعبادات وتراث ثقافي. إذ يمكن هنا الانطلاق من تعريف للإسلام السياسي على أنه اللجوء إلى مفردات الإسلام كدين للتعبير عن مشروع سياسي، على أن النقطة المحورية فى الإسلام السياسي ربما كانت هي سعيه للوصول إلى السلطة، باعتبار أنّ ذلك هو الشرط الضروري لإقامة مشروعه. أما تيار العنف فهو يتجسد في جماعات إسلامية مغلقة، مرجعيتهم الدينية تمنحهم يقينا مطلقا لا يجدونه في سواها، كما تمنحهم إيديولوجية مبسطة تحل كافة التناقضات حولهم، وتمنحهم شعورا بالاستشهاد والتسامي والتعالي على الأوضاع الاجتماعية التي يعيشون على هامشها، وأخيرا تمنحهم مشروعية فيما يكنونه من عداء عميق لما حولهم. ولعل الإشكالية الأساسية بالنسبة لهذه الجماعات هي أن خصومتهم النهائية مع مؤسسات المجتمع تمتد إلى الواقع الاجتماعي كله فتجعلهم ينعزلون عنه. وفي سياق بحثنا عن إشكالية الدولة في الفكر السياسي للتيارات الإسلامية، غير العنفية، المعاصرة، نجد من المفيد تناولها كما يلي: (1) – الإسلام المستنير     مصطلح شائع منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان، يشير إلى تيار فكري يجمع بين الإسلام والعصر. والواقع أنّ الإسلام المستنير تيار ثقافي وجد في كل عصر، عبر تاريخ الإسلام الطويل، يشير إلى تفسير معين للنصوص، واختيار جماعي معين. وهو يمثل إحدى فرق العصر الحديث الكلامية والمذاهب الفقهية والتيارات الفلسفية، وهو قادر على أن يكون جسرا بين التيارات المتصارعة في عصرنا الحاضر، وقادر على المساهمة في الحد من الصراع بين الأخوة/الأعداء (العلمانيين، والسلفيين)، أنصار الدنيا وأنصار الدين، المتحررين والمحافظين. (2) – النهضويون الإسلاميون الجدد حدثت في البيئة المحيطة بالدول والمجتمعات والحركات تحولات كبرى جذرية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، وقد وجدت الحركة الإسلامية نفسها أمام هذه التحولات الكبرى والتي تغير من علاقاتها ودورها. فأجرت بعضها مراجعة شاملة لمواقفها الفكرية والسياسية ورؤيتها لقضايا سياسية واجتماعية، مثل: الديموقراطية والتعددية السياسية والمرأة والأقليات وتطبيق الشريعة والحريات الشخصية. وهكذا، كان علينا أن ننتظر ثمانينات القرن الماضي لنرى ملامح مراجعة للأفكار والبرامج باتجاه العودة إلى فكرة المشاركة والديموقراطية لدى بعض أطراف الإسلام السياسي، إذ أعيد الاعتبار مجددا إلى: أولا، فكرة الشورى ومعادلتها بالديموقراطية ومؤسساتها وآلياتها. وثانيا، وصل ما انقطع مع التربة الفكرية للإصلاحية الإسلامية بنفي فكرة الدولة الدينية. وثالثا، إحياء فكرة الطابع المدني للسلطة في الإسلام، ومرجعية الأمة في الشأن العام، واحترام التنوع في الاجتماع السياسي. ولم تقتصر مساحة هذه المراجعة على راشد الغنوشي وحركة النهضة التونسية، أو محمد سليم العوا، بل فرضت نفسها على الإخوان المسلمين في مصر وسورية، وتعززت أكثر عند حركتي  » العدالة والتنمية  » في تركيا والمغرب. ومن شأن هذه المراجعة وتواصلها أن تعكس، من جهة، هموم قطاع كبير من الرأي العام العربي الحريص على القيم الدينية، والمتمسك بها. وتعمل، من جهة ثانية، مع الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى في التوصل إلى الحلول المجدية، لإقامة نظم سياسية عربية تضمن المساواة والعدالة والحريات الفردية لجميع المواطنين. وقد يكون هذا المدخل في استشراف اتجاه إعادة الحركة الإسلامية لإنتاج نفسها أكثر منطقية وصحة، فهي بحاجة إلى أن تبحث عن تعريف لنفسها يختلف عما كانت عليه طوال العقود الماضية، وهو تعريف يجب أن يكون مستمدا من رؤية لدورها وما تسعى إليه بالفعل، ومن حاجة مجتمعاتنا العربية إلى الانخراط في عصر العولمة بكل تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وفي الواقع، هناك ثلاث مسائل يركز عليها النهضويون الإسلاميون الجدد: أولاها، مصدر السلطة، حيث توصلوا إلى التفريق بين المرجعية العليا، والأخرى التدبيرية. فالمرجعية العليا للشريعة، أما القضايا التدبيرية فيقولون إنّ المرجعية فيها للمجتمع. وثانيتها، طبيعة السلطة السياسية، يقولون إنها مدنية، بمعنى أنه لا تتوافر لها القداسة أو العصمة شأن السلطة الدينية، كما أنّ الناس هم الذين يشكلونها، وهم الذين يمارسون التفاوض والتنافس بالمشاركة فيها، وبتداولها، وبسن التشريعات البنائية، وليست التأسيسية، التي تنظّم ذلك التداول. وثالثتها، وظائف السلطة، إذ يقول الإصلاحيون الجدد إنها تتناول تدبير الشأن العام وإدارته بما يصلحه، ويصون الوجود الوطني والمصالح الوطنية، بعد أن يكون الاجتماع السياسي بالتفاوض وبالتنافس وبالمشاركة قد حددها، وحدد الطرق والوسائل الكفيلة بالوصول إليها. (3) – أحزاب الوسط الإسلامي شهدت الساحة السياسية العربية، خلال العقدين الماضيين، حضورا مكثفا لتيارات الوسط الإسلامي ذات الطابع السياسي، منها على سبيل المثال: حزب النهضة في تونس، الذي تأسس في عام 1981 تحت مسمى  » الاتجاه الإسلامي « ، وحزب  » العدالة والتنمية  » في المغرب الذي يضم بداخله خليطا من الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية التي تأسست عام 1967، وأعضاء من حركة  » الإصلاح والتجديد  » المغربية، وحزب الوسط الإسلامي الأردني الذي تأسس عام 2001، وحزب  » الوسط الجديد  » في مصر، الذي يكافح أعضاؤه منذ عشر سنوات من أجل الحصول على رخصة قانونية تمكنه من مزاولة العمل السياسي، ولم يحظوا بها حتى الآن. وثمة عوامل موضوعية تدفعنا نحو دراسة ظاهرة أحزاب الوسط الإسلامية، يمكن أن تساهم في ترسيخ تجربتها، وتكثيف حضورها السياسي في العالم العربي، وما قد يؤدي إليه ذلك من مصالحة تاريخية لإشكالية الدين والدولة، التي شغلت، ولا تزال، حيزا مؤثرا في الفضاء العربي. فمن جهة أولى، تعبر هذه الأحزاب عن درجة متقدمة من الوعي السياسي الإسلامي طالما افتقدته الساحة العربية منذ نشأة الدولة الوطنية، وهو الذي تعرض لقدر كبير من التشويه بفعل الصراع الضاري بين الدولة وتيارات العنف الديني الذي استمر قرابة عقود ثلاثة من القرن المنصرم، ما أثار الشكوك حول فرص  » إنضاج  » تجربة سياسية إسلامية مدنية. ومن جهة ثانية، تمثل هذه الأحزاب خروجا عن التصنيف التقليدي لتيارات الإسلام السياسي بين معتدل وعنيف، كي تضيف معيارا جديدا للتصنيف يتمثل في الكفاءة السياسية، أي قدرة هذه التيارات على استيعاب مفاهيم الديموقراطية والعمل المدني، والتعاطي معها بعيدا من هيمنة الديني على ممارساتها السياسية. ذلك أنّ هذه الأحزاب، وإن كانت تتمتع بمرجعية دينية تحكم رؤيتها لذاتها وللآخرين، شأنها في ذلك شأن التيارات الإسلامية الأخرى، إلا أنها لا تنطلق في ممارستها السياسية من خلفية دينية، ولا تمثل المرجعية بالنسبة لها سوى  » حاضنة حضارية  » تتسع لجميع صنوف الاختلاف السياسي والديني داخل الوطن الواحد. ومن جهة ثالثة، تقدم هذه الأحزاب رؤية متميزة لطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، تمكنت خلالها من حل تلك الإشكالية التاريخية، التي طالما لازمت جميع تيارات الإسلام السياسي، وتجاوزت بها أطروحات العديد من التيارات الإسلامية، خصوصا في ما يتعلق بقضايا المواطنة والمرأة. ومن جهة رابعة، تطرح هذه الأحزاب مشروعا  » حداثيا  » للمجتمعات العربية، وهي بذلك تقدم حلا قد يعتبر  » خلاصا  » للإشكالية التي أرّقت الفكر الإسلامي طيلة القرن العشرين، ممثلة في كيفية العلاقة بين الدين والحداثة، وما تنطوي عليه من قضايا خلافية تتعلق بالهوية والذات الحضارية وشكل العلاقة مع الآخر. ومن جهة أخيرة، تتمتع هذه الأحزاب بدرجة عالية من المرونة الفكرية، تسمح لها بتطوير أفكارها وآلياتها، وتجعلها في حالة سيولة دائمة واشتباك متجدد مع قضايا العصر، وذلك مقارنة بحركات إسلامية متقوقعة داخل جدران  » النص الديني « ، دون القدرة على تجاوزها، مما أدى إلى جمودها السياسي والفكري، وقلل من فرص اندماجها في الحياة المدنية. وواقع الأمر فإنه يمكن النظر لأحزاب وتيارات الوسط الإسلامي، باعتبارها وصلا لمشروع النهضة العربية الذي طرحه الآباء المؤسسون: الطهطاوي والتونسي والأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي، وتم قطعه منذ ثلاثينيات القرن الماضي بفعل الأفكار والمشاريع التي طرحتها الأحزاب والتيارات الراديكالية في صياغاتها الماركسية والقومية والدينية. في ضرورة التجديد الإسلامي للمشهد الجديد حسناته وسيئاته بالطبع، ولكن المؤكد أنه بحاجة إلى تفكير جديد يوصل إلى أدوات فهم وعمل جديدة، ويطرح أسئلة جديدة مختلفة، مثل هل يتحول الإسلام إلى مكون لكل التيارات والاتجاهات والطبقات تتشارك فيه ولا يقدم برنامجا سياسيا وثقافيا واجتماعيا خاصا به ؟ بمعنى هل يختفي الاتجاه الإسلامي كتيار مستقل، لنجد مثلا تشكيلات يسارية إسلامية، وليبرالية إسلامية، وعلمانية إسلامية، وقومية إسلامية، ومحافظة إسلامية ؟ لتتحول الإسلامية إلى مكون مشترك، أو تفقد خصوصيتها وتنتهي كظاهرة سياسية وإطار للتجمع والعمل. إن هذه المقولات تتطلب من الحركات الإسلامية تبني جملة من الأفكار والممارسات بشكل صريح لا لبس فيه: (1) – أن تتحول إلى أحزاب سياسية لها برامجها وأهدافها ووسائلها وتنظيماتها، وأن تعزف عن وضعها الحالي، حيث تعتبر نفسها حركات دعوية تلبس أحيانا ثوبا سياسيا. (2) – أن تقبل إجراء قراءات نقدية وجدية معمقة للفقه الإسلامي وللتراث وللأحاديث النبوية وللأحداث التاريخية. (3) – أن تشرح ماذا يعني شعار  » الإسلام هو الحل « . هل هو خلاص فردي أم حل سياسي أم اجتماعي أم ثقافي أم اقتصادي ؟ وأن لا تبقيه شعارا عاما غير محدد المعالم والأهداف، باستثناء خاصيته الجاذبة للشعبوية التي تخلط بينه كشعار ديني وشعار سياسي. (4) – أن تشرح للناس معنى أن الإسلام هو المرجعية الأساس للدولة أو المرجعية الرئيسية، كما تشرح مضمون الدولة حسب مفهوم هذه الحركات ومعاييرها ووظائفها ومهماتها ودورها الاقتصادي والاجتماعي. من هنا أهمية مشروع سياسي إسلامي جديد يحاول حل هذه المعضلة، عبر ما يسميه نظاما ديموقراطيا في إطار المرجعية الإسلامية. فالنظام السياسي يقوم على أنّ الشعب هو مصدر السلطات، الأمر الذي يجيب بشكل حاسم على سؤال طالما أربك حركات أصولية طورت خطابها السياسي باتجاه قبول الديموقراطية. والمواطنة، وليس الدين، هي أساس العلاقة بين النظام السياسي والشعب. وأهم ما في هذا المشروع أنه يساعد في طمأنة الخائفين من أن يقضي وصول حركة إسلامية إلى السلطة، في انتخابات حرة، على الديموقراطية في مهدها. ولذلك، فمن شأن مشروع النظام الديموقراطي في إطار مرجعية إسلامية، أن ينقل الحوار حول حقيقة موقف الحركات الإسلامية تجاه الديموقراطية خطوات إلى الأمام. غير أنّ هذه الفكرة لا تزال في حاجة إلى عمل عليها، يجعلها أكثر وضوحا ويزيل الالتباس الذي ما برح عالقا بها. إنّ أهم ما ينبغي أن ينشغل به أصحاب فكرة النظام الديموقراطي ذي المرجعية الإسلامية هو بلورة هذه الفكرة، وتقديم رؤية واضحة غير ملتبسة لهذه المرجعية بما في ذلك كيفية تجسيدها وآليات عملها. المطلوب إذا من الجماعات الإسلامية السياسية أن تكف عن الاستعمال الشعاراتي للإسلام، وأن تبدأ في صوغ النظرية الإسلامية السياسية الناضجة، ولن يكون ذلك إلا من خلال مجموعة من القراءات المعمقة الني يتم فيها استقراء جميع النصوص الشرعية ذات العلاقة بالشأن السياسي، ومحاولة إمعان النظر فيها مع فهم الواقع المعاش بكل تعقيداته، ثم محاولة الخروج برؤية إسلامية سياسية ناضجة، واضحة المعالم ذات عمق شرعي ووعي سياسي، يمكن الانطلاق منها وجعلها قاعدة لخطط إصلاحية عملية. مستقبل الإسلام السياسي الواقع أنّ الظاهرة الإحيائية الإسلامية ما تزال قوية وفاعلة، ولا تتجه إلى الانحسار، والبارز في تيارها الرئيسي ثلاثة أمور: مغادرة العنف، والانتشار ضمن فئات شعبية واسعة، والاتجاه المتعمد خلال العقدين الأخيرين للدخول في الدولة والنظام، أو الطلب القوي للمشاركة فيهما، بعد أن استتب لها الأمر في مؤسسات وجهات كثيرة في المجتمع المدني، وبعد أن سيطرت على  » جدول أعمال  » المتدينين، وصار لها نفوذ ثقافي بارز. ولا شك في أنّ مسائل مثل التعددية السياسية والحريات الفردية، والأقليات، والمرأة، أمور أساسية لدولنا ومجتمعاتنا. لكن لا يمكن الزعم أنّ الإسلاميين هم الذين يحولون دونها أو يقفون عقبة في طريقها، فهناك من جهة وعي عام محافظ يتجاوز الإسلاميين، وهناك من جهة ثانية التجربة السياسية العربية المعاصرة، التي وضعت الجميع في مواضع ومواطن لا تقدم أغلبها أي أنموذج نستطيع أن نطلب من الإسلاميين احتذاءه. ورغم أنني من أنصار الدولة المدنية القائمة على أسس الديمقراطية الحديثة‏‏ ومبادئها في الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان‏،‏ دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو الدين والعقيدة،‏ إلا أنّ واقع صعود التيارات الإسلامية السياسية‏‏ في عالمنا العربعليَّ، انطلاقا من موضوعية قراءاتي للتحولات الاجتماعية والسياسية، ومن انخراطي في شجون الشأن السوري والعربي العام، ضرورة دراسة هذا الواقع والاهتمام بتطوراته الإيجابية والسلبية والمساهمة في ترشيدها‏،‏ وفق أسس قانونية وسياسية واجتماعية واضحة المعالم والأهدافالوسائل‏.    ولاشك أنّ نشوء تيار إسلامي مدني‏،‏ يؤمن بفصل الدين عن الدولة‏،‏ ودعم الدولة المدنية التي ترعي كل الأديان وتصون مقدساتها، وتضمن حقوق كل مكونات مجتمعاتنا،‏ هو أمر بالغ الأهمية في زماننا الصعب الذي لابد فيه من دعم مؤسسات الدولة المدنية القائمة علي مبمساواة في المواطنة‏،‏ وهو أمر بالغ الحيوية والأهمية لتطوير المفاهيم الدينية‏،‏ ولكن بشرط الإيمان بدنيوية الممارسة السياسية‏،‏ ولوازم الدولة المدنية من الديمقراطية الحقيقية والتعددية‏‏ وتداول السلطة‏،‏ واستناد البرامج السياسية إلى أسس مدنية ومعايي‏ بعيدا عن المزايدات الدينية‏ والتدخل في حيوات الناس الشخصية      تونس في 19/6/2007                 (*) الدكتور عبدالله تركماني، كاتب وباحث سوري مقيم في تونس (*) – في الأصل ورقة قُدمت في إطار ندوة دولية حول  » الحركات الإسلامية والمجال السياسي في المغرب والبلاد العربية  » بدعوة من  » مركز الدراسات الدستورية والسياسية  » في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة القاضي عياض – مراكش – المغرب، بمساهمة من مؤسسة  » كونراد أديناور « ، خلال يومي 21 و 22 يونيو/حزيران 2007. (المصدر: موقع نشرة « الرأي » (تصدر عن حزب الشعب الديمقراطي السوري) بتاريخ 27 جوان 2007)

 

 

Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.