الثلاثاء، 26 يونيو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2590 du 26.06.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


رويترز: تونس تحاكم سجينا سابقا بجوانتانامو رويترز: حريق هائل ينشب في غابات بتونس بسبب موجة الحر الجزيرة.نت :تونس تستعد لاحتضان مهرجان الموسيقى السيمفونية عبدالله الزواري: ما بعد السجون الصغيرة الاستاذ فيصل الزمني: المحاماة التونسية عشية مؤتمرها (الجزء الثـانى) طلبة تونس: الإتجاه الإسلامي و النشاط الإعلامي  نصر الدين بن حديد: رسالة لا تحتمل التأجيل د.أحمد القديدي: ذكريات عن بورقيبة بين الهوية و الحداثة محمد العروسي الهاني: ذكرى تونسة الإدارة الجهوية لسلك الولاة و المعتمدين علامة بارزة في التاريخ د. إقبال الغربي: الفتاوى الهاذية بين علم النفس والتراث الإسلامي عدنان المنصر: الاحتضار المؤلم للديكتاتورية في رومانيا – أعمدة الاستبداد السبعة إسلام أونلاين: الإفراج عن وثائق غزة.. ليس الآن المركز الفلسطيني للإعلام :دحلان عمل على زعزعة الأمن القومي المصري بالتعاون مع « الموساد » المركز الفلسطيني للإعلام :أكد العثور على 50 سيارة مفخخة ومقابر جماعية فيها-الزهار: ما وجدناه في المقار الأمنية أمور مذهلة لا يمكن تصورها وستُعرض لاحقاً فهمي هويدي: قبل أن نفاجأ بزلزال جديد منير شفيق: خطان: القطيعة أم الحوار مؤسسة التميمي: الرقابة الذاتية – الرقابة الذاتية : مظاهرها وتداعياتها العلمية والسياسية والاقتصادية في البلاد العربية تونس ـ الشروق :رسمي: لا نيّة في مزيد خوصصة «التيليكوم»… والهاتف القار سيكون تنافسيا قريبا جريدة « الصباح »: لأول مرة…:فيلم وثائقي عن صالح بن يوسف.. الإنسان والسياسي إسلام أونلاين.نت :أوباما: الدين هو الحل لمشاكل السياسة  علاء بيومي  :ترويض أوباما موقع إسلام أونلاين.نت : »نايل سات » تحظر فضائيات الشعوذة و »شبيك لبيك »! نشرة « الرأي »:إشكالية الدولة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر(1/ من 2)


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (

 


تونس تحاكم سجينا سابقا بجوانتانامو

 
تونس (رويترز) – قال محام يوم الثلاثاء ان المحكمة العسكرية في تونس اصدرت بطاقة ايداع في السجن بحق معتقل سابق في معسكر جوانتانامو بخليج كوبا في انتظار احالته للمحاكمة في سبتمبر ايلول المقبل. وقال المحامي سمير بن عمر في تصريحات لرويترز عبر الهاتف « اصدر رئيس المحكمة العسكرية بتونس بطاقة ايداع في السجن في حق المتهم عبد الله الحاحي الذي افرجت عنه الولايات المتحدة من معتقل جوانتانامو الأسبوع الماضي. » واضاف ان « الحاجي سيمثل امام المحكمة العسكرية في 26 سبتمبر ايلول المقبل بعد ان اعترض على حكم غيابي صادر في حقه بتونس منذ التسعينات. » واصدر القضاء في تونس عام 1990 حكما غيابيا على الحاجي بالسجن لمدة 20 عاما بتهمة الانتماء لجماعة اسلامية محظورة في تونس قبل ان يهرب الى باكستان. وتسلمت السلطات التونسية الاسبوع الماضي من واشنطن اثنين من مواطنيها افرج عنهما من معتقل جوانتانامو. وقالت مصادر قضائية في تونس في وقت سابق ان الحاجي سيتمتع بجميع الضمانات القانونية خلال محاكمته في حال اعترض على الحكم الغيابي الصادر بحقه منذ عام 1990. وسافر الحاجي منذ 1990 الى باكستان مع عائلته حيث عمل كتاجر للاقمشة قبل ان يعتقل في 2003 على يد القوات الباكستانية التي سلمته الى واشنطن حليفتها في مكافحة الارهاب. ويواجه الحاجي وهو أب لثمانية ابناء تهما بالانضمام الى قيادة الجبهة الاسلامية بتونس. وقال المحامي بن عمر لرويترز ان الحاجي كان هزيلا للغاية واشتكى له مما تعرض له في جوانتانامو مما وصفه بالمعاملة « الوحشية ». ويقول محامون امريكيون ومدافعون عن حقوق الانسان ان عشرة مواطنين اخرين لايزالون على قائمة التونسيين المعتقلين بسجن جوانتانامو. (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 26 جوان 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


حريق هائل ينشب في غابات بتونس بسبب موجة الحر

 
تونس (رويترز) – تسببت موجة حر شديدة تجتاح تونس منذ خمسة أيام في اندلاع حريق هائل بضواحي العاصمة تسبب في التهام أكثر من عشرة هكتارات من الغابات وإتلاف محاصيل زراعية وأشجار غابات. وقالت مصادر بوزارة الفلاحة التونسية يوم الثلاثاء ان الحريق لم يسفر عن خسائر بشرية بين سكان جبل عمار الواقع في ضواحي تونس الغربية لكنه تسبب في إتلاف محاصيل زراعية. وأضافت ان الحريق نشب يوم الاثنين وتمكن رجال الإطفاء من إخماده بمساعدة الأهالي بعد أكثر من أربع ساعات. وقال شهود ان بعض السكان انتابهم الهلع وسجلت حالات اختناق أمكن إسعافها. وقالت صحيفة « الصريح » ان شاحنة تابعة للحماية المدنية احترقت بأكملها داخل الغابات أثناء إخماد الحريق. واستعانت وحدات من الجيش التونسي بطائرتين لإخماد الحريق الذي رجح مسؤولون ان يكون بفعل موجة الحر الكبيرة لكنهم قالوا ان تحقيقا سيفتح حول الحادث. وتشهد تونس موجة حر غير عادية منذ خمسة ايام حيث زادت درجات الحرارة عن 49 درجة في بعض المناطق وهي معدلات لم يعرفها التونسيون الا نادرا وخلال شهر يوليو تموز او اغسطس اب. (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 26 جوان 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


تونس تستعد لاحتضان مهرجان الموسيقى السيمفونية

 
يستعد القصر الأثري بمدينة الجم التونسية لاحتضان المهرجان السنوي للموسيقى السيمفونية الذي تفتتحه أوبرا فيينا النمساوية ككل عام. وستقدم أوبرا فيينا العديد من المعزوفات الشهيرة لعمالقة مثل موتسارت ومعزوفة عربية شهيرة لم يعلن عنوانها وقال المنظمون إنها مفاجأة. واعتادت المجموعة تقديم مفاجأة كل عام بعزف إحدى المقطوعات العربية الشهيرة المستمدة من أغاني أم كلثوم أو فيروز وغيرهما من عمالقة الفن العربي. وقال مدير مهرجان الجم مبروك العيوني إن الدورة الـ22 للمهرجان التي تستمر حتى منتصف أغسطس/آب القادم تتضمن عروضا مختلفة للموسيقى السيمفونية بينها حفلات لمجموعات إيطالية وروسية وفرنسية إضافة لفرقة سيمفونية جزائرية لأول مرة. ويستمد المهرجان شهرته من إقامته في أحد أشهر مسارح العالم وهو المسرح الروماني بالجم الذي يتسع لأربعة آلاف متفرج وأدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ضمن الآثار العالمية. ويخصص دخل الحفل لضعاف الحال في إطار صندوق تونسي للتضامن أسس عام 1993 وأنجز العديد من المشاريع الخيرية. وقال كاتب الدولة المكلف بالصندوق عمر بن محمود إن للحدث بعدا سياحيا، إذ إن سياحا كثيرين يبرمجون عطلهم تزامنا مع هذا الحفل الذي يصل سعر تذكرته إلى 40 دولارا. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 26 جوان 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


 
بصل وسكر
 
ارتفع سعر السكر في العالم بمائة في المائة دفعة واحدة… قرأت النبأ فبقيت عيناي – ونظّاراتي – شاردة. لو كانت النسبة 30 أو حتى 50 لقلنا دفع اللّه ما كان أعظم… أما 100 فإني لا أدري ما أقول، لست أعلم… …سوى أنني اثر كل ارتفاع في الأسعار وخاصة هذا الارتفاع المأساوي… لن أطرب بعد اليوم بالأغنية الشهيرة للسيد مكاوي  « يا حلاوة الدنيا يا حلاوة » محمد قلبي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 26 جوان 2007)


 

ما بعد السجون الصغيرة

 
بقلم عبدالله الزواري (1) الطاهر الحراثي هو الأخ الفاضل الطاهر الحراثي من مواليد 24 جوان 1961 بمنطقة ريفية من بلدة سيدي عمر بوحجلة وتدعى  » الفتح »… انتقل متعلما من الريف إلى  » نصرالله » ثم « مدرسة ترشيح المعلمين بقربة  و تخرج مدرسا للصفوف الابتدائية و قد بلغ العشرين من العمر، عمل بمدارس سليانة ثم استقر ب  » سيدي عمر بوحجلة »، متزوج و له من الأبناء ثلاث… كلهم يدرسون بالتعليم الثانوي… اتنمى إلى حركة الاتجاه الإسلامي مبكرا… وقبض عليه يوم 7 جوان 1991 و أطلق سراحه بموجب سراح شرطي يوم 2 نوفمبر 2005… و كانت مقصلة المراقبة الإدارية في انتظاره… فأعيد إلى السجن إثر جادث مرور ألم بأخته المقيمة في العاصمة… و رغم تقدمه بمطلب لزيارة أخته إلى من يهمه الأمر… فإن من يهمه الأمر لآ هم له إلا مزيد هرسلة قدامى المساجين، فلم يأبهوا لمطلبه و لم يقدروا حاجة أخته إلى من يقف بجوارها بعد الحادث… و بعد التردد  عليهم طيلة أسبوع كامل  لم يظفر خلالها على جواب ما كان منه إلا أن توجه إلى العاصمة مغلبا نداء صلة الرحم و ضمير الإنسان على الاجراءات التي لا مكان فيها للإنسانية و للقيم النبيلة التي تربى و نشأعليها… فأرجعوه ألى السجن في أوائل شهر رمضان المبارك 2006 بعد أن ساوموه بطلب العفو لطي الملف دون حاجة إلى محاكمة و سجن مجددا، لكنه رفض هذا الابتزاز… فكان السجن في الانتظار… الطاهر مثل مئات المساجين محروم من كل الحقوق, العمل، التغطية الاجتماعية، التنقل……………………………خرج من السجن..لم يجد  رعاية من احد، لم يجد إحاطة طبية مناسبة… لم يجد تأهيلا  يعينه على التأقلم من جديد في المجتمع…  لم يجد من يعينه على الاندماج في  المجتمع و لا ما يساعده على ذلك…خرج بعد قرابة خمسة عشر سنة قضاها بين العزلة المغلظة و الغرف المكتظة… و لا اعتبار في هذه أو تلك لإنسانية الإنسان… خرج ليجد نفسه أمام واقع لا يرحم و أمام مجتمع بلا قيم، و امام نظام لم يحسن غير لغة التشفي و الانتقام..يرى العالم يتقدم من حوله و أهل بلده يراوحون مكانهم إن لم يكونوا يتقهقرون إلى حضيض الاستبداد المطلق …  قد تستوي عنده أحيانا الإقامة  أمام القضبان أو وراءها…. أقمنا معا في الجناح المضيق  قرابة عام و نصف( 2000-2001)… و لعل دفاعه المستميت عن مساجين الحق العام و التصدي لمن يعذبهم و التشهير بمن يفعل ذلك من الحراس من أبرز ما يمكن ان يلمسه الذين عرفوا الطاهر في سجنه… سألته منذ أيام عن تجربة السجن و هل وثق تجربته و ما مر به و تعرض له من صنوف التنكيل و التشفي…فآثر أن يحدثني عن الواقع، عن السجن الكبير، مؤجلا الحديث عن السجون الصغرى إلى مناسبة أخرى… و هاكم ما خطه حرفيا… جرجيس في 26 جوان 2007 بسم الله الرحمان الرحيم في 21 جوان 2007 اخي العزيز:…. السلام عليكم  و بعد: وجهت إلي – أخي مجموعة من الأسئلة طالبا مني الإجابة عنها- و قبل أسئلتك        و بعدها حدثت نفسي أن أقول كلاما كثيرا يستمد  هينته من معاناة بدات، و امتدت،   و طالت، و استطالت، و ما انتهت بعد… غير أني أفكر في المصير المحتمل فأحجم عن الكلام الذي لم أعد أميز بين المباح منه و غير المباح… أوشك أخي أن أتفوه بكلمة. و لكن أليس من الجائز أن يجاب عن كلمتي بصليل مفاتيح مؤسسة وطنية رهيبة طالما ضمتني بين جنباتها حتى كادت تختلف ضلوعي من طول الضم.. تلك المؤسسة استحوذت علىّ طيلةعقد و نصف من الزمن، ثم لفظتني و ظلت ترقبني، حنى إذا ظننت أني تواريت عنها بين أكوام البشر و الحجر، امتدت نحوي يدها الطويلة الضخمة، فالتقطتني و أعادتني إلى جوفها، ثم أطلقتني مجددا، و ما أطلقتني… غادرتها و ما غادرتني.. هي الآن أكبر شيء في الحياة يجثم على صدري الهزيل الذي ينبعث منه الأنين بلا توقف و يوشك أن يصرخ عاليا أن اتركوني و شأني…. أخي:  » إني ذاهب إلى ربي سيهدين » هكذا أردد و أنا أمشي.. و ذات مرة مشيت ضمن مجموعة بشرية على أربعة عجلات، و على مشارف مدينة التفت يسرة فوقع بصري علىخربة موحشة، بابها الخشن مغلق،و كواها العالية ينبعث منها الظلام… و على الفور قفزت إلى ذهني صورة المؤسسة الجاثمة على صدري، و حصلت المقارنة..   و لو سألني حينها أحد عن السجن كيف هو لأشرت إلى تلك الخربة قائلا: تصور نفسك داخل تلك البناية و الباب موصد دونك و لا أمل لك في الخروج كيف يكون شعورك؟؟ ماذا لو تبقى يوما و ليلة هكذا بلا قدرة على التصرف في الباب المغلق؟؟   و ماذا لو تبقى شهرا بأكمله..أو بصعة شهور أو سنة، أو بصع سنوات، أما لو بقيت عشرين سنة مشلول الحركة، مسلوب الإرادة و الكرامة و الإنسانية فماذا تقول؟؟؟؟؟ لم أعد الآن افكر في نفسي و في السنوات الخمسة عشرالتي بقيتها خلف الباب الموصد و لكني أفكر بحسرة و ألم في الذين بقوا بعدي و لا زالوا، أفكر في « مزقريشو » الذيس أكمل العشرين سنة غلرقا و لا احد يشفق عليه و لا احد يعنيه أمره، أفكر في لطفي السنوسي و هو يذرع  غرفة الأسر جيئة و ذهابا شاغلا نفسه بتكرار القرآن و مرددا من بين الفينة و الأخرى عبارات بيعث بها الأمل في الخروج من السجن في قلوب من حوله، أفكر في محمد القلوي وهو ينوء بحكم قضائي طويل يشمل كامل ما بقي من عمره…لا، بل لم يكتف في شأنه بالسجن بقية العمربل لا يزال يلاحق في قضية ما اصطلح على تسميته ب » الشركة »….. شركة اقرب إلى الظن أنها وهمية على افتراض أنها كانت، فقد تشكلت ثم حلت، ثم سجن أفرادها، حتى كلوا و خرجوا و تنعموا بالحياة حتى ملوا، و منهم من رمى بنفسه وراء البحار ربما بلا رجعة،  و بقي محمد القلوي وحده ينوء تحت ثقل الشركة، شركة وهمية بفعل هكذا بمن يفترض أنه أحد أعضائها يلاحق في شأنها بلا رحمة، و يضيق عليه الخناق ، يراد أن يعصر و يصهر كما يصهر الحديد في الفرن… و شركة أخرى حقيقية تعيث في الأرض فسادا و لا يؤبه لها و لا يمس رؤساؤها بسوء، و أعني بها شركة ترويج الخمر خلسة في طول البلاد و عرضها، يقولون خلسة، و ما هو بخلسة، فالخمر يباع في وضح النهار على قارعة الطريق، تعالوا إلى قريتي مساء كل يوم لتروا ذلك..     و هي قرية فلاحية ريفية صغيرة مسحوقة وسخة منسية و مع هذا يحتسي أهلها الخمر كما يحتسون الماء و يروجونها كما يروجون أي مادة استهلاكية أخرى.. تغرق قريتي في بحيرة من الخمر الممنوعة قانونا… تفرغ في بطون محتسيها من علب صغيرة وردية اللون كتب عليها » جعة ممتازة » … و بعد إفراغ تلك العلب بنهم   و شراهة تلقى بلا مبالاة في أي مكان أفرغت فيه.. فهي تملأ الشوارع و تتكدس هنا و هناك … و تقفز أمام البيوت و داخلها، و تدوسها السيارات و تصبح جزءا من الطريق يعبث بها الصبيان و يصبون ثمالاتها في أفواههم و يعثر عليها أكواما أكواما في مزارع الحبوب و تحت الأشجار و على طول المسالك الفلاحية المؤدية إلى أعماق الريف… و يتجمع عشاقها جماعات جماعات في أطراف البلدة و على جوانب الطرقات داخل أو حول سيارات، فبعضهم يحتسي، و بعضهم يزود المحتسين… هكذا في وضح النهار و كلهم آمنون لا يكلمهم أحد.. لا يعيب عليهم أحد، لا يلاحقهم أحد، من أين يأتون بهذه المادة المحظورة قانونا و المسكوت عنها واقعا… ألوف منها تستهلك كل يوم في قريتي، و في الأرياف المحيطة بها، و كأن لا شيء يضاهيها أهمية، آلاف قوارير الجعة و عشرات و مئات الآلاف تتكدس مع الزمن و تغطي أديم أرض قريتي و تسقي بقاياها قمحها و شعيرها فمن له القدرة على توفير هذا الكم الهائل من قوارير الجعة غير الشركات، و لكن شركتك المفترضة وحدها يا محمد القلوي تسترعي الانتباه و تستأصل من أعمق أعماق جذورها و ينكل بمنتسبيها و لا أحد يعمل جادا على إعفائهم من بقية التنكيل… بل مع الزمن أصبحوا في طي النسيان، لدى الإخوة و الأعداء و لا يكاد يوجد أحد يعنيه أمرهم، إن السجن الذي يقبض على إخواننا بقبضة من حديد و تسألني عنه، يا أخي- جاثم على صدورنا الواهنة بلا رحمة… إني أراه في كل شيء حولي و أراه أقرب إلي من شراك نعلي… أخي أنا لا أهاب السجن لأنه سجن و لو هبته فكأني أهاب القبر الذي هو قدري المحتوم.. و لكني أهابه لو صرت داخله سأصبح أرخص من أبسط حيوان.. أنت تسألني أسئلة مدارها حول السجن كيف قضيته؟؟ أفلا تكفيك هذه الجملة الأنفة تلخيصا للامر كله و كان الأجدر في رأيي أن تسالني كيف أعيش  خارج السجن فأجيبك أنا ما خرجت من السجن بعد و على افتراض أني خرجت فحياتي حياة التائه الحيران، لا عمل يغنيني مؤونة السؤال، و لا حرية تسويني  بالبشر، و لا حقوق تحميني من الجوع و من المرض و تداعيات الحياة هذا في الوقت الذي أطالب فيه أنا و أولادي بالمساهمة قسرا في صناديق واجهاتها نبل و طريقة أدائها توحي بأنها شيء آخر… أخي ختاما إن كان لك من فضل علي فهو في إزالة قليل من الصدأ على قلمي النائم منذ زمان تحت ركام الخشية و فقدان الثقة و النصير، و انسداد الآفاق… أخي دعني أتوقف الآن فأنا أسمع صليل مفاتيح غلاظ شداد تأتيني من أعمق الأعماق و تحذرني من التفكير في الانعتاق… و الســـــــلام أخوك الطاهر الحراثي عبدالله الـــــــــزواري abzouari@hotmail.com (المصدر:  موقع  « نهضة إنفو  »  بتاريخ 24 جوان 2007)

المحــامــاة التونسيـة عشية مؤتمرهــا

 

(الجزء الثــــانــى)

 

الاستــاذ فيصـــــل الزمنـــــي :  

 

ـ ب ـ :  تنظيم الجلسات العـامة و التصويت

 

لقد نظم قـانون 89 الجلسات العـامة و التصوين و قد جـاء بفصلـه 52 أن مداولات الجلسة العـامة يجب أن يحضرهـا ثلث المحـامين الين لهم حق التصويت أي الذين قضوا على الاقل سنة بسلك المحامـاة و قد تولى الفصل 52 المذكور ارجـاع اتخاذ القرارات و طريقة احتساب الاصوات الـى الفصل 55 الذى أكد على أن الانتخابات تكون كمـا يلـى :

                    1 ـ من طرف المحامين الذين قضوا سنة كاملة بسلك المحاماة .

                    2 ـ تحسب الاغلبيـة كأغلبية مطلقة بالدورة الاولـى .

                    3 ـ بالاقتـراع الســري .

 

الا أ ن المتـابع  لسير الجلسات العـامة يلاحظ أن طريقة المصادقة على التقرير المـالي و الادبي تصير بطريقة لا علاقة لهـا بالنص القانونى فالمحـامون يتجمعون بالنــــزل الذى يحتضن أعمــــــال الجلســــة و يتجاذبون أطراف الحديث و بعضهم لم يلاقى البعض الاخر منذ مدة … ثم تقع تلاوة التقريرين و يبدأ النقاش و يبرد و يسخن حسب الاحوال …. ثم و بحلول أخــــــر المســـــاء يبدأ المحامون فى الانسحاب .. و بمجيئ الليل… تصبح القاعة شبه خالية … من المحامين … ثم و عندمـا تفرغ القاعة الا ممن جـاء ليصوت و يصبح عدد الحـاضرين لا يتجاوز المـائتين … يعرض التقرير المـالي للتصويت.. و أنـا أذكر سنة 1994 أو 95 عندمـا بقي المحامون مجندين لاخر الليل و رفضوا المصادقة على التقرير المـالي … و تولى الاستاذ المحامى فوزى بن مراد عد الايـــــادى المرفوعة فاختلف مع العميد عندهـا فى الحساب… و تم تمرير التقرير المـالي وسط عدم مصـادقة …. و بعد ضغط على الحاضرين باعتبـار أن التصويت برفع الايادى يعنى تحد للهياكل… و تجـاوز للضغوط ..

 

ان المشرع عندمـا اختـار طريقة التصــــويت السري قد وفر شروط احترام المحامى كبشر و كمواطن و كمثقف ثم كرجل قانون و كلسان دفـاع .فالتصويت السري هو أساس الديمقراطية اذ لا يمكن أن يعرض تقرير مـالي معد من طرف هيئة المحـامين على محـامين يخضعون لسلطة الهيئة التأديبيـة فالمحـامى يجب أن يكون حرا عند التصويت و تكون مصالحه المهنية فى مأمن من كل انتقـام …. و من حقه أن يبقى خيـاره الذى صوت به خـاص به و حكرا عليه ….

  

ان التصويت برفع الايادى لا علاقة لـه بالديمقراطية و بالاضافة الـى مخـالفته للقانون فهو يسحب من المحـامى الضمانات و التقدير الذى منحه اياه المشرع التونسي .

 

فى هـذا الاتجـاه برزت فكرة من جمهرة المحـامين تدعو الـى احترام الفصلين 52 و 55 من قانون المهنة و تمكين المحـامين من التصويت السري على التقريرين الادبي و المـالي و ذلك قبل الدخول الـى معركة التصويت الانتخـابي .

 

ـ ج ـ :  اختصـاصات الجلسات العـامة .

لقد جـاء الفصل 51 من القانون المنظم للمهنة بتقديم جدول أعمـال الجلسة العـامة الذى الذى يشتمل على التقريرين المالي و الادبي و بعض المسائل العـامة كانتخـاب الهياكل عند انتهـاء المدة .

ان النـاظر الـى هـذا الفصل و مقـارنته مع طريقة تطبيقه يتضح لـه أن الجلسة العـأمة تكون عـادية حتى لو اشتمــــلت على الانتخــــــابات و هو مـا جعــــــل الهيئة توجه الدعوات الـى الجلسة العـامة العـادية  و الانتخـابية فى توقيب متلاحق …

ان المنطق يذهب الـى كون الجلسة الانتخـابية يجب ألا تبدأ أشغـالهـا الا بعد انتهـاء الجلسة العـامة العـادية … و بمعنى أوضح فانه لا يجوز الشروع فى اختيار رئيس للمؤتمر و لا لجنة مراقبة الصنـاديق و الفرز و لا التصويت الا من بعد أن تنهي الجلسة العـامة العـادية جميع أعمـالهـا . و من أهم تلك الاعمـال التصويت على التقريرين المـالي و الادبي و اذا مـا طبقنـا القانون فان هـذا التصويت لا بد أن يكون بشكل مريح و ليس فى نهـاية الليل و عند انبلاج الصبـاح .

لكل ذلك فانه عمليا لا يمكن الجمع بين الجلسة العـامة العـادية و الجلسة الانتخـابية فى موعد واحد اذ أن الجلسة العـامة العـادية بمـا فيهـا من تلاوة و نقاش للتقريرين … ثم التصويت بالاقتراع السري بمـا فيه من ادلاء باصوات و اعداد الخلوة ثم عملية الفرز تتطلب وحدهـأ نهـاية أسبوع كـاملة … و هو مـا يجعل من الانتخـابات لا يمكن أن تحصل فى نفس الاسبوع مع الجلسة العـامة العـادية .

 

ان هـذا الرأي هو رأي السيد العميد عبد الستـار بن موسى و قد أكد عليه لـدى نقـاش النظـام الداخلي للمهنة أخيرا عندمـا أذن باستحداث خلوات و اجراء الاقتراع بشكل سري غير علنى و اجتنـاب طريقة رفع الايادى برغم أن الامر لا يتعلق بانتخابات بل بجلسة عـامة داخلة صلب الفصل 52 من قانون المهنة .

 

لـذلك فانه من المنطق أن يقع التفريق بين الجلسة العـامة العـأدية و الجلسة العـامة الانتخـابية و نحن ندعو الـى أن يقتصر موعد 30 جوان و فاتح جويلية على الجلسة العـامة العـادية و التصويت على التقري المـالي و الادبي ….

 

ثم تعين جلسة عـامة أخرى انتخـابية يتولى المترشحون ممـارسة حملتهم الانتخـابية فيهـا ثم يقع التصويت و الفرز و الاعـلان عن الهياكل الجدد .

 

 

ان هـذا الرأي يلتقى عليه بالاضافة لنـا و للعميد السيـد عبد الستار بن موسى و النص القانونى .. جل المحـامين و عليه فانه من المستلزمـات القانونية الغـاء الجلسة العـأمة الانتخـابية المعينة ليوم 01 جويلية 2007 و الحـاق هـذا اليوم بالجلسة العـامة العـادية ليتمكن المحـامون من التصويت بالاقتراع السري على التقريرين الادبي و المـالي ثم تعيين موعد لاحق لاجراء الجلسة العـامة الانتخـابية

 


** دعــوة
بمناسبة الذكرى الخمسين لـ   » إعلان الجمهورية  » ندعو كافة الإخوة الطلبة و متصفحي الموقع إلى المساهمة بآرائهم و كتاباتهم في إبراز حصيلة ما تحقق للشباب و خاصة الشباب الطالبي طيلة نصف القرن الماضي وهل يعتبرون الإيجابيات أكثر من السلبيات أم العكس و ماهي تصوراتهم لآفاق المستقبل ….

** الإتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية  بتونس (الحلقة الخامسة) : الإتجاه الإسلامي و النشاط الإعلامي

 

 لا ينكر أحد أهمية الإعلام في خدمة قضايا الشعوب و الحركات السياسية و الإجتماعية عبر تاريخ الإنسانية الطويل و قد فشلت ثورات و انتفاضات و تحركات اجتماعية و سياسية بسبب ضعف أدائها الإعلامي أو تقصيرها في إيلائه المكانة التي يستحقها . و لذلك حرصت الأنظمة التسلطية والديكتاتورية على الهيمنة على وسائل الإعلام لتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالحها و يحقق أهدافها في إخضاع الشعب لسلطانها بتغييب و عيه و تزييفه و تسطيح مفاهيمه حتى لا يقوى على التمرد والمقاومة و المعارضة و ألهته في نفس الوقت بقضايا تافهة و شعارات مخدرة شلت قدرات التفكير والنقد لديه و أغلقت كل المنافذ التي يمكن أن يتسلل منها الإعلام الحر بسن القوانين الزجرية ووضع رقابة صارمة على كل ما ينشر أو يرد من خارج الحدود ….. و لكن الحركة الطلابية بما تملكه من طاقات ثائرة و مبدعة لم تعدم الوسائل لكسر الحواجز أمام الإعلام الحر الذي يعبر عن إرادة جماهير الطلبة فسعت إلى اعتماد أشكال و وسائل توصل صوتها إلى الطلبة بدرجة أولى و جماهير الشعب بدرجة ثانية فكانت الملصقات الحائطية و الإجتماعات العامة و التجمعات العامة و حلقات النقاش و المسيرات إلى آخره من الأشكال النضالية التي ترسخت في الحياة الجامعية أما وسائل الإعلام الرسمية فلم تكن تتذكر الجامعة و الطلبة إلا في الفترات التي يحدث فيها بعض التوتر أو عندما تبادر سلطة الإشراف إلى إسقاط أحد مشاريعها الفوقية بحيث تقرع الطبول و تبدأ أبواق السلطة تتحدث عن  » العنف  » و  » التطرف  » و  » التشويش  » بالجامعة مستعملة كل المصطلحات التشويهية لنضالات و تحركات الطلبة المشروعة لذلك لم يكن الرأي العام الشعبي يطلع على مايجري في الجامعة إلا من خلال ماتتناقله ألسنة الطلبة أو تنقله بعض المصادر الإعلامية القليلة الأخرى مثل الصحف المستقلة و خاصة جريدة  » الرأي  » التي كانت تتعرض إلى المضايقات المستمرة بحجز بعض أعدادها أو توقيفها لمدد طويلة تصل إلى ستة أشهر كما كانت بعض الصحف الحزبية المعارضة و الصادرة بصفة متقطعة تتناول الشأن الطلابي بالتحليل أو بعرض بعض الأخبار و بالخصوص صحيفة  » المستقبل  » لسان حال حركة الديمقراطيين الإشتراكيين و  » الطريق الجديد  » الناطقة باسم الحزب الشيوعي التونسي أما مجلة  » المعرفة  » القريبة من الحركة الإسلامية و مجلة  » المجتمع  » و صحيفة  » الحبيب  » فلم تكن تصدر بصفة منتظمة حتى تتمكن من تغطية أحداث الجامعة ** مبادرات  » الإتجاه الإسلامي  » الإعلامية :  بلغ النشاط الإعلامي أوجه خلال السنة الجامعية 1979- 1980  التي شهدت صدور أول مجلة سياسية حائطية في تاريخ الجامعة التونسية و الحركة الطلابية و حملت عنوان  » الحدث السياسي  » . كان ذلك في بداية شهر ديسمبر 1979 و قد ساهمت بقدر كبير في تنشيط الحياة السياسية و الفكرية في الجامعة و بعثت حركية داخل مختلف الكليات و المعاهد و كانت محط أنظار و متابعة آلاف الطلبة و بطبيعة الحال الأطراف السياسية حيث كان محتواها الثري و المتنوع منطلقا لنقاشات عديدة بين مختلف التيارات الساسية التي كانت تلجأ في كثير من الأحيان إلى الرد عبر معلقات و حلقات نقاش و قد اعتبرت  » الحدث السياسي  » الناطق الرسمي باسم  » الإتجاه الإسلامي  » في الجامعة وهي الوسيلة الإعلامية الرئيسية للتعريف بمواقفه كانت  » الحدث السياسي  » منتظمة و تصدر أسبوعيا طوال السنة و دون انقطاع ( إلى حدود منتصف شهر ماي تقريبا ) و يتم تعليقها في نفس الوقت صباح يوم الإثنين في مختلف الأجزاء الجامعية الكبرى و بعد يومين أو ثلاثة يتم نقلها إلى الأجزاء الجامعية الصغرى و المبيتات الجامعية عالجت  » الحدث السياسي  » مختلف المواضيع السياسية و الإجتماعية و النقابية و العلمية و كانت تحتوي على عدة أركان : الإفتتاحية – أخبار مختلف الأجزاء الجامعية – مقالات سياسية – تحاليل اجتماعية -أخبار نقابية -أهم ** الأحداث على المستوى الدولي – نصوص شعرية – كاريكاتور ….. كما أصدر  » الإتجاه الإسلامي  » خلال السنة الجامعية 1980- 1981  مجلة ثقافية نصف شهرية تحت عنوان  » الحدث الثقافي  » ساهمت بقدر كبير في الإرتقاء بوعي و اهتمامات الطلبة و قد ركزت على الجانب الفكري و الثقافي في مواجهة أطروحات السلطة و اليسار الماركسي و ممارساتهم ** الأشكال الإعلامية المعتمدة :   1 – الإتصال الفردى :  وهي أهم وسيلة و أنجعها في تبليغ الرسالة بالوضوح الكافي حيث كان الطالب الإسلامي صاحب قضية تملأ كيانه ، يحمل هموم زملائه و شعبه و وطنه مما جعله يتحرك بدون كلل و لا ملل و بعزيمة قوية و إرادة صلبة و كأنه صحيفة سيارة أو إذاعة متنقلة لا ينقطع عطاؤها وهو في حالة استنفار متواصل يوسع من شبكة اتصالاته و يوسع دائرة الفعل الإيجابي لديه فيلتقي بمن حوله من الطلاب في المدرج أو قاعة الأشغال المسيرة أو ساحة الكلية أو المعهد أو يجلس مع زميله على طاولة الغداء في المطعم أو يطرق باب بيته في المبيت لتبليغ موقف أو تصور  » الإتجاه الإسلامي  » من قضية معينة أو حادث و يفتح معه نقاشا هادئا  كما أن الطالب الإسلامي – و عند عودته إلى منزله أو قريته أو مدينته – يقوم بدوره الإعلامي في محيطه الإجتماعي القريب منه و بهذه الصورة يتم التبليغ إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد و العائلات  2 – التدخل في المدارج أو قاعات الأشغال المسيرة : و يتم تخطيط و برمجة محتوى و شكل التدخل – بصفة عامة – من قبل اللجنة السياسية في الجزء الجامعي و يهم الأمر عادة قضية مستعجلة أو للتحضير لتحرك من الحجم الكبير مثل الإجتماعات العامة أو التجمعات العامة أو المسيرات و يتدخل رموز  » الإتجاه الإسلامي  » محاطين بمجموعات مساندة من إخوانهم و تكون مناسبة لطرح تساؤلات و تبادل الآراء مع بقية القواعد الطلابية . و تحصل هذه التدخلات أثناء فترات الإستراحة أو مباشرة إثر الإنصراف من الدرس   3 – حلقات النقاش : و يختلف حجم الحضور فيها من بضع عشرات إلى المئات و ذلك حسب الظرف و حسب الموضوع و تبرز فيها بصفة خاصة الصراعات الإيديولوجية و السياسية و تمثل فرصة للإطلاع على مواقف مختلف الأطراف السياسية و السجالات بين رموزها و عادة ما يحتد النقاش فيها و يصل إلى حد تبادل العنف أما توقيتها ففي أغلب الأحيان يتم تنظيمها في منتصف النهار خلال فترة الإستراحة أي في الفترة التي تفصل بين انتهاء الدروس الصباحية و بداية الدروس المسائية و بعض الأحيان القليلة يتم تنظيمها أمام المطعم حيث يتكثف تواجد الطلبة و عادة ما يتبع حلقات النقاش تكون مجموعات صغيرة تضم طلبة ذوي انتماءات سياسية مختلفة و يحصل فيها نقاش متعدد الأبعاد وهي فرصة ثمينة خاصة للطلبة الجدد لتوسيع آفاقهم الذهنية و التعرف على أفكار و معطيات كانوا يجهلونها 4 – المعلقات الحائطية : affichage وهو الأسلوب الأكثر رواجا و تعتمده كل التيارات السياسية بما فيها الصغيرة محدودة العدد و يمكنها من التعريف بمواقفها السياسية و النقابية و الدعاية لبرامجها و طرح أفكارها و منطلقاتها العقائدية و الإيديولوجية و لا يكاد يخلو يوم من المعلقات الحائطية خاصة في الأجزاء الجامعية الكبيرة التي لا تهدأ الحركة و التحركات فيها عادة وهي تنبض بالحيوية و النشاط المتواصل بتفاعل كامل مع ما يحدث داخل أروقة الجامعة أو خارجها من أحداث وطنية أو عالمية  5 – الإجتماعات العامة و التجمعات العامة : Meeting – assemblée générale و تتم الدعوة لها عبر معلقات حائطية و كذلك التدخل في قاعات الدروس المسيرة و المدارج و تفتتح عامة بالنشيد الوطني  » حماة الحمى  » و لئن كانت الإجتماعات العامة – في الأغلب – لا تتطلب تحضيرا مسبقا كثيفا فإن التجمعات العامة تتطلب أياما و ربما أسابيع لإعداد المعلقات و اللافتات و النصوص و المحتويات المطروحة للعرض على جماهير الطلبة و يتراوح الحضور في الإجتماعات العامة ما بين بضع مئات إلى ألفين أو ثلاثة في حين يتجاوز الحضور في التجمعات العامة – في أغلب الأحيان – الخمسة آلاف يذكر أحد طلبة كلية العلوم بتونس أنه في أواسط الثمانينات و خلال انعقاد اجتماع بالكلية أمام قسم الرياضيات عمدت السلطة إلى إرسال طائرة هيلكوبتر لترهيب الطلبة و إثنائهم عن عقد الإجتماع فـ  » رست  » الطائرة فوق الحشد الطلابي على علو ثمانية أمتار تقريبا مطلقة من أسفلها تيارا هوائيا قويا أثار رعب الطلبة و دفع بالعديد منهم إلى الفرار و لكن آخرين استجمعوا قواهم و تعالت أصواتهم بالشعارات الثورية الحماسية ثم رفعوا النشيد الوطني داعين الطلبة إلى الصمود فرجع الجميع إلى مكان الاجتماع بالرغم من الضغط الهوائي القوي فما كان من الطائرة إلا أن انصرفت و قد لاحظ الكثيرون أنها كانت تلتقط صورا بالفيديو للحشد الطلابي المتواجد بالمكان و كان الهدف من تصرف أعوان السلطة – بطبيعة الحال – هو الضغط على الطلبة حتى ينفض الإجتماع  6 – المسيرات و المظاهرات : وهي أشكال إعلامية راقية حيث تعتبر استفتاء مفتوحا يقوم به جموع الطلبة بملء إرادتهم و يعبرون من خلالها بقوة و وضوح لا لبس فيه عن مشاعرهم و مواقفهم من قضية معينة و يكون منطلق المسيرة – في أغلب الأحيان – التنادي إلى إجتماع عام ثم إعطاء توصية بالنزول إلى الشارع و الإنطلاق من بعض الميادين و الساحات العامة و محطات النقل في مجموعات صغيرة متكونة من بضع عشرات لتلتحم مع بعضها بعد دقائق مكونة جمهرة تضم مئات و حتى آلاف الطلبة كانت أول مسيرة نظمها  » الإتجاه الإسلامي  » هي المسيرة المنددة باتفاقية كامب ديفيد الإستسلامية الخيانية (  26 مارس 1979 ) و التي أعقبت زيارة الرئيس المصري أنور السادات الخيانية للكيان الصهيوني ( 19 – 21  نوفمبر 1977  ) و قد جابت المسيرة شوارع العاصمة الكبرى : شارع الحرية – شارع باريس – نهج روما – الباساج – باب الخضراء – شارع محمد الخامس – شارع الحبيب بورقيبة – نهج الجزيرة …. و رفعت خلالها عدة شعارات سياسية منددة بالنهج الخياني الإستسلامي للسادات و كان الشعار المركزي فيها :  » يا سادات يا جبان يا عميل الأمريكان  »  و في البداية لم تتعرض المسيرة للمواجهة من قبل قوات البوليس ( البوب ) و لكن بمجرد أن تضخم العدد و خشية من أن يلتحق بها المواطنون تم مواجهتها بشراسة باستعمال العصي و القنابل المسيلة للدموع حينذاك أخذ الطلبة يرفعون شعار :   » يا نظام يا جبان يا عميل الأمريكان  »  و كانت المواجهة تشتد كلما اقترب الطلبة من الشارع الرئيسي الذي تقع فيه وزارة ااداخلية و يعتبر في عرف السلطة  » منطقة محرمة  » و من المفاجآت السارة التي حصلت خلال تلك المسيرة هي قيام عدد كبير من العائلات بفتح بيوتها أمام الطلبة المتظاهرين و إيوائهم – خاصة عندما يتواجدون في وضعيات حرجة أمام البوليس – فآووهم و قدموا لهم الطعام و مكنوهم حتى من تغيير ملابسهم و في ذلك تجسيم لشعار طالما تم رفعه:  » الحركة الطلابية جزء من الحركة الشعبية  »  7 – الإتصال بالطلبة المقيمين في المبيتات : Porte à porte و يتم ذلك بطرق أبواب كل الغرف و تكليف مجموعات مكونة كل منها من عنصرين أو ثلاثة بمخاطبة الطلبة القاطنين في طابق كامل من المبيت يفتحون من خلالها نقاشات رصينة و ثرية نمكن من التعرف على مواقف و آراء الطلبة و التفاعل معها و خاصة أولئك الذين تطلق عليهم تسمية  » الأغلبية الصامتة  » أي الغير منتمين سياسيا أو لا يرغبون في الإنخراط في عمل تنظيمي وتساهم هذه الإتصالات في شحذ الفكر و إنضاج الرؤى و التصورات و تعميق المفاهيم و في نفس الوقت تعبئة أكبر عدد ممكن من الطلبة لخدمة قضية معينة  8 – الكتابة على الجدران : باستعمال الدهن (  ) أو الطباشير و ذلك لتبليغ رسائل معينة للطلبة أو لإدارة المؤسسة الجامعية أو السلطة أو لكتابة شعارات تعبر عن موقف سياسي من قضية ما  9 – الإذاعة الداخلية : ويتم استعمالها خاصة خلال التظاهرات الثقافية أو التحركات السياسية الهامة  10 – الإتصال بالأساتذة : و يتم ذلك بزيارتهم في مكاتبهم و فتح نقاشات وحوارات معهم وخاصة فيما يتعلق بالقضايا البيداغوجية والنقابية  11 – الإتصال بوسائل الإعلام المحلية : و خاصة الصحف المستقلة ( الرأي – المغرب العربي ) على قلتها و صحف المعارضة ( المستقبل – الطريق الجديد ) و التي لم تكن تصدر بانتظام و تتم هذه الإتصالات عبر تسليم عرائض أو بيانات و كذلك فتح نقاشات مع الصحافيين و خاصة رئيس التحرير أو مدير الصحيفة لتوضيح الموقف من القضايا المطروحة على الساحة الطلابية  12 – الأشرطة المسجلة : cassettes و قد شاع استعمالها حلال السبعينات و بداية الثمانينات التي عرفت منذ أواسطها رواجا كبيرا لأشرطة الفيديو و خاصة الأفلام الجادة و كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية و الجهاد الأفغاني و يتنوع مضمون الأشرطة مابين المحاضرات الفكرية و السياسية و الدروس الدينية و الأناشيد و لأهمية الأشرطة المسجلة في إحداث التغييرات الثقافية و الإجتماعية و السياسية تجدر الإشارة إلى الدور الذي لعبته في إسقاط شاه إيران عام حيث اعتمد عليها آية الله الخميني كوسيلة رئيسية لتبليغ رسائله إلى جماهير الشعب المنتفضة في إيران  13 – الإتصال بوسائل الإعلام العالمية : و خاصة وكالات الأنباء : رويتر و فرانس براس و مراسلي الصحف الأجنبية و على وجه الخصوص جريدة لوموند الفرنسية و هذا هو كل ما كان متاحا – تقريبا – حيث لم تظهر بعد القنوات الفضائية و الإنترنيت و الهاتف الجوال و الإرساليات القصيرة و لأهمية وسائل الاتصال الحديثة يجدر التذكير بأن الأقمار الصناعية المخصصة للبث التلفزي توجد على ارتفاع ستة و ثلاثين ألف كيلومتر فوق سطح الأرض ( 000 36  كلم ) وهو ما يجعلها بعيدة عن يد الرقيب الذي لم يأل جهدا في منع المعلومة من الوصول إلى متلقيها و نفس الشيء سيحدث في المستقبل القريب جدا للشبكة العنكبوتية الإنترنيت بحيث يصبح الفضاء الخارجي مجالا لنشر الإعلام الحر الغير المعلب و الغير مقيد بحدود و ستتدفق إذذاك المعلومات كالسيل الجارف بحيث لن يعود لقوانين الصحافة و النشر الزجرية و التي تستخف بالعقول و بالطاقات الفاعلة أي أثر و تدخل بذلك عالم النسيان و لن يعيرها أحد أي اهتمام . و حينذاك تبقى الكلمة الأخيرة للمحتوى الجيد و الفكرة المقنعة و البرنامج الواضح و تبرز بعض التجارب الحديثة أهمية الإعلام في مقاومة الظلم و الفساد الذي استشرى في مجتمعات رزحت طويلا تحت أنظمة ديكتاتورية خنقت أنفاس شعوبها و أذلتها أيما إذلال و كمثال على ذلك ما قام به الطلبة في إندونيسيا من استغلال لوسلئل الإتصال الحديثة لإسقاط الديكتاتور  » سوهارتو  » الذي حكم البلاد بيد من حديد و جثم على صدور شعب يبلغ تعداده 200 مليون نسمة و على مدى قرابة 32 سنة فقد كان من الوسائل التي اعتمدوها الإنترنيت التي يسرت لهم الإتصالات بين مختلف القيادات الطلابية و قواعدها في مجميع أنحاء البلاد التي تمسح قرابة مليوني كلم مربع و للتاريخ فقد اعتمد الطلبة الإسلاميون خلال سنوات 75 – 76 – 77  أشكال إعلامية بسيطة أخرى للتعريف بمواقفهم خلال مرحلة  » الإستضعاف  » ومن ضمنها استعمال  » ورق الشاهدة  »  Papier  carbone لطباعة بياناتهم و مناشيرهم حيث كانت تلك الطريقة الوحيدة المتاحة آنذاك للنسخ بأعداد كبيرة حيث لم يتم التوسع بعد في استعمال الآلات الناسخة و تتم كتابة البيانات أو المناشير في شكل مجموعات صغيرة خلال الليل و لساعات طويلة ثم يتم توزيعها في ساعات الفجر الأولى في الغرف بالمبيتات بوضعها تحت الباب (المصدر: موقع « طلبة تونس » بتاريخ 25 جوان 2007) الرابط: http://www.tunisie-talaba.net/


 

الاحتضار المؤلم للديكتاتورية في رومانيا

أعمدة الاستبداد السبعة

 

صدر هذا المقال في صحيفة الموقف التونسية بتاريخ 22 جوان 2007 (العدد 411) ولكنه تعرض خلال ذلك لعمليات حذف وقص أثرت على مضمونه. لذلك فإن هذه النسخة هي النسخة الكاملة للمقال

عدنان المنصر

amansar2002@gmail.com

 

 

من المثير ملاحظة التطور الهائل الذي مرت به بعض الأنظمة السياسية التي كانت إلى حد قريب نموذجا متفقا عليه في الاستبداد والطغيان. ورومانيا تشكل بلا أدنى شك مثالا لهذا التطور, فقد انتقلت في فترة وجيزة من دولة تمارس السلطة فيها طغمة تدعي تطبيق الحلم البروليتاري في مجتمع عادل بلا طبقات، إلى دولة ذات مؤسسات منتخبة وذات دستور يسمح بأوسع مشاركة سياسية ممكنة ويضمن كل الحريات الديمقراطية التي تصورتها الليرالية السياسية. فقد رزح الشعب الروماني تحت أبشع أنواع الدكتاتورية طيلة حكم الرئيس الأسبق شاوسسكو Ceaucescu لمدة فاقت الخمسة عشر عاما (1974-1989)، ولكن أحدا لم يكن يتوقع سقوطه بتلك الطريقة. ففي ظرف ثمانية أيام، من تاريخ بداية المظاهرات المناهضة له في 17 ديسمبر 1989، إلى تاريخ محاكمته السريعة وإعدامه في 25 ديسمبر 1989، انتهى أمر زعيم احتكر مع زوجته إيلينا ُElena  كل الوظائف وسام شعبه كل أنواع القهر والمهانة. هل كان نظام شاوسسكو يتوقع أن ينهار بتلك السرعة وهو الذي أعاد المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي انتخابه بالإجماع أمينا عاما له ورئيسا للبلاد قبل بضعة أسابيع فقط ؟

لم يكن الأمر ليتم بهذه السهولة لولا التفهم الذي أبداه بعض أركان النظام الذين فهموا عمق التحولات العالمية في تلك الفترة فسارعوا إلى نفض أيديهم من معلمهم العظيم وقائد البلاد المفدى حتى يتسنى لهم تنظيم العودة إلى السلطة من الباب الخلفي. وهذا السلوك، بالرغم من انتهازيته، يعبر عن نوع من التقليد المتبع داخل الأنظمة القهرية عندما تقع التضحية بوجه النظام ليتسنى استمرار النظام نفسه. صحيح أن الشيوعية لم تعد منذ ذلك الحين تحكم رومانيا، وأن اقتصاد السوق قد غزا بذلك آخر قلاع الاشتراكية، غير أن أولئك الذين سيروا النظام السابق كانوا هم أنفسهم من قيض لهم وضع أسس التوجه المستحدث والإشراف على صياغة دستور جديد يسمح للرومانيين بممارسة ما حرموا منه طيلة عقود من الديكتاتورية المتلثمة بالشيوعية. يبدو هذا السلوك طبيعيا إلى حد ما، فلا يعتقد أحد أن بإمكان المصالح التي استغرق بناؤها وتعهدها حوالي نصف قرن من الزمان أن تذوب بين عشية وضحاها. غير أن ما يلفت الانتباه أكثر في المثال الروماني، وما أكثر الأنظمة التي لا تزال تحذو حذوه في عالم اليوم، أن الديكتاتورية سواء كانت شيوعية أو قومية أو حتى ليبرالية، إنما تقوم على مجموعة من الأسس التي لا يتسنى استمرارها بغير تعهدها وصيانتها، وأهم هذه الأسس على الإطلاق هو الفساد.

ذلك أن أبشع الديكتاتوريات تعلم أنه لا يمكن لها أن تحكم إلى ما لا نهاية باستعمال القوة فحسب. فالقمع لديها ليس غاية في حد ذاته، وهي لا تلجأ إليه غالبا إلا مكرهة وفي أوقات معينة، أما سياسة كل يوم فتقوم على أسس أخرى أقل إكراها تجعل الديكتاتورية أمرا مقبولا به إلى حد ما، مرفوضا ولكن متعايشا معه. إن التخويف بالقمع أهم وأجدى من القمع، لذلك يقع بناء جهاز تسند إليه إشاعة الرعب بين الناس ونشر ثقافة الوشاية بين أفراد المجتمع وأحيانا ين أفراد العائلة نفسها، وهو أمر برعت فيه إلى حد كبير أجهزة مخابرات تشاوسسكو وشرطته السرية وخلايا الحزب الشيوعي. وبما أنه لا يمكن تطبيق نفس القمع على الجميع فإنه يقع انتقاء المعارضين الذين يسلط عليهم أقصى اضطهاد ممكن، حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر، وليس ضروريا أن يكون ضحايا القمع من أبرز المعارضين بل ينتقون من كل الفئات إذا أمكن، حتى يصل الدرس إلى الجميع. من هنا تتركز شيئا فشيئا القناعة التي مضمونها أن بإمكان أي واقع مهما كانت درجة سوئه، أن يزيد سوءا.

بالموازاة مع هذا المسار، يسعى النظام الديكتاتوري إلى خلق فئة، قد تتوسع لتصبح طبقة في بعض الحالات، من المقربين والمحظيين الذين تناط بهم مهمة التحصيل على درجة معينة من الشرعية للطغمة الحاكمة، وفي مقابل ذلك يسمح لهم الاستفادة من خدمات الدولة وحمايتها، فيشرعون في بناء إمبراطورية المصالح والربح السهل. وفي درجة معينة من تطور هذا المسار، يحصل نوع من الصدام متعدد الزوايا بين النظام السياسي ونظام المصالح ذاك. فإبان الأزمات، وما أكثرها في نمط الحكم الاستبدادي، يشعر جانب من النظام بوجوب التنازل أحيانا وفتح بعض المجال أمام تغيير مدروس يخفف من درجة الاحتقان العامة ويسمح إلى حد ما بتجديد الشرعية المتحللة، غير أن نظام المصالح هو الذي يقف عادة ضد هذا المنحى ويتولى إفشاله غالبا، لأن أي تحرير للنسق السياسي يعني تسليط ضغوط قد تبدأ صغيرة ولكنها سرعان ما تتعاظم، ضده. لا يهدف هؤلاء إلى احتكار أكبر جانب من قوت الشعب فحسب، فهذا لا يرضيهم، وإنما يكون هدفهم التهام كل ما هو متاح وغير متاح، دون اعتبار للمصلحة الإستراتيجية للنظام الذي يفترض أنهم يوجدون معه في مركب واحد. ذلك أن نظام المصالح الاقتصادية يصبح هو نفسه في حالة بناء نسقه السياسي المصغر، فيزيد في التوسع أفقيا ويربط نفسه بمصالح فئات أخرى يلقى إليها بالفتات. وهكذا تتركز إلى جانب الفساد الكبير، الذي تمارسه الفئة العليا من الفاسدين المرتبطين مباشرة بنظام الاستبداد، ممارسة الفساد الصغير الذي يدخل البيوت والإدارات وينتصب على الطرقات. وفي حين يجني المستفيدون من الأول أكبر الأرباح عن طريق الصفقات العظيمة التي يسمح لهم بالفوز بها بتغطية من الإدارة، فإن الثاني يصبح في تطوره السرطاني أخطر وأعم حيث يؤدي في نهاية الأمر إلى تثبيت ليس نظام المصالح الفاسد وإنما نظام الاستبداد أيضا. ويتم ذلك بصورة تدريجية وطبيعية عندما يشعر كل فرد أن القوانين المطبقة وعين السلطة المفتوحة لا تسمح له بحياة طبيعية فيقرر الانخراط هو أيضا في نظام المصالح من موقعه الصغير، وعادة ما يكون المقابل هو تقديم تلك الخدمات الصغيرة التي لا غنى لأي نظام استبدادي عنها وأولها الوشاية.

 

تغير نمط الحكم في رومانيا بفضل ما أطلق عليه حينها ثورة المخمل la révolution de velours ، غير أن الطبقة السياسية لم تتغير إلا قليلا، وبقي نظام المصالح والفساد أيضا في مكانه، وأكثر ما اضطر إليه الجميع هو عملية توزيع أدوار جديدة والتعود على التخلي عن بعض الممارسات القديمة. ذلك أن رموز النظام الشيوعي القديم (وفي مقدمتهم إليسكو Eliescu الذي سينصب رئيسا جديدا للبلاد) الذين ضحوا بزعيمهم في تلك الثورة ، قد ضمنوا بذلك الحضور الأقوى على الساحة الرومانية الجديدة، وأصبح مسؤولوا الحزب الشيوعي والإداريون القدامى ممثلين بطريقة أكثر من مرضية في النظام الجديد، كما ضمن أصحاب المصالح سيطرتهم على الاقتصاد الروماني المتحرر. ومما يدل على « حكمة » الطغمة التشاوسسكية أن جميع القوانين الهامة التي أحدثت بعد 1989 قد ضمنت استمرار نفس الفئات في السلطة، وخاصة منها النظام الانتخابي الذي يسمح للأحزاب الكبيرة دون غيرها بالولوج إلى البرلمان. وهذا الأمر ليس خاصا برومانيا لوحدها، ذلك أن كل البلدان الأوروبية الشيوعية سابقا تعيش حالة مماثلة، من روسيا إلى بولونيا إلى المجر…إلخ. والفارق الأساسي الوحيد أنه قد استعيض عن الشيوعية التي كانت في السابق غطاء لممارسة الديكتاتورية والفساد بأشكال جديدة من التغطية أكثر نجاعة وقبولا في الظروف العالمية الجديدة.

إن الديمقراطية لا تقضي على الفساد، ولكنها تمكن من أدوات أكثر فعالية لمقاومته. وما حدث مؤخرا في رومانيا يقدم أكبر مثال على ذلك. فقد قامت الحكومة بتنظيم استفتاء شعبي حول استمرار الرئيس الحالي باسيسكو Traian Basescu في مهامه الرئاسية بعد أن جمد البرلمان مهامه بمقتضى قانون صادر في 19 أفريل 2007. وأسفر الاستفتاء الذي نظم في 19 ماي عن رفض شعبي(حوالي 75 بالمائة) لإقالة الرئيس المنتخب ديمقراطيا منذ 2004 مما اعتبر هزيمة للأحزاب الكبرى وخاصة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يتشكل في معظمه من الشيوعيين السابقين. وقد عاب هؤلاء على باسيسكو بضعة أمور حاولوا تغليفها بطريقة فيها الكثير من « الديماغوجيا الديمقراطية » حيث وجهت إليه تهم من قبيل التدخل في شؤون المحكمة الدستورية، التدخل لصالح بعض الشركات، رفضه تعيين الوزراء الذين تم اقتراحهم من قبل رئيس الحكومة، مشاركته في الاجتماعات الوزارية، التدخل في شؤون البرلمان و التسبب في حالة من عدم الاستقرار السياسي في رومانيا. غير أن ما أغفله البرلمانيون المناهضون لباسيسكو كان الحديث عن حملته لمقاومة الفساد في الحصول على الصفقات الكبرى وسعيه لتوجيه القضاة نحو مزيد من الصرامة إزاء قضايا الفساد ومعارضته الصريحة للسياسات اللاشعبية للحكومة وإعداده لإصلاح دستوري سيقضي إن تم على عهد احتكار الأحزاب الكبرى للساحة البرلمانية، وهذه في ظننا مبررات كافية لسعي البرلمان للإطاحة به.

وبسبب مكافحته للفساد يحظى باسيسكو بتعاطف شعبي عارم من قبل الرومانيين الذين ينظرون إليه بوصفه رمزا لمكافحة الفساد وسوء التصرف. وقد لاحظ الرومانيون كيف عمد رئيس الحكومة تاريسيناو Calin Tariceanu بمساندة من الأغلبية البرلمانية المتوجسة من برامج باسيسكو بإقالة وزيري العدل والداخلية الذين انخرطا بفعالية في مسار مقاومة الفساد، وهو موضوع ذو أولوية بالنسبة للإتحاد الأوروبي الذي انضمت إليه رومانيا مؤخرا، حيث صنفت منظمة الشفافية العالمية هذا البلد كأكثر البلدان الأوروبية فسادا . ولا يملك رئيس الدولة في رومانيا صلاحيات كبرى بالرغم من أنه منتخب مباشرة من الشعب، في حين يسيطر رئيس الحكومة المعين من قبل الأغلبية البرلمانية على معظم الصلاحيات ولا يكون مسئولا إلا أمام البرلمان. وهو نظام هجين بين النمط الرئاسي والنمط البرلماني أريد منه تحقيق تعادل في الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية.

 

لا يشك أحد في طرافة هذه الوضعية: رئيس بلا نفوذ حقيقي ينطلق في حملة لمكافحة الفساد بدون صلاحيات واسعة، وحكومة متآمرة مع البرلمان على منع الإصلاحات وعلى بقاء نظام المصالح والفساد، في تجاهل كامل لتطلعات الشعب. وتكمن هذه الطرافة في أننا تعودنا على النظر إلى البرلمان، مبدئيا، بوصفه الممثل للسيادة الشعبية والعامل على تحقيق إنتظارات الناخبين والمتحفز لتصويب ممارسات السلطة التنفيذية والحريص على سيادة الدستور. ولكن الواقع على الأرض يبدو شديد التناقض مع هذا التخطيط النظري. فقد بنت الطبقة السياسية الحاكمة في رومانيا لنفسها من الحصون ما يستعصي إلى حد الآن عن السقوط، وصمودها في وجه محاولات التغيير الذي صادف أن رئيس البلاد يتبناها ما هو إلا رد فعل طبيعي من قبل فئة اعتبرت دائما أن مسؤوليتها السياسية ليست سوى غطاء تحقق من ورائه مصالحها في الإثراء. من هنا فهي تقاوم بكل ما أوتيت من جهد كل محاولات النيل منها ومن مصالحها، بانية في خضم ذلك كل التحالفات الممكنة (التحالف البرلماني المناهض لباسيسكو يضم أحزاب اليمين وأحزاب اليسار وأحزاب الوسط على حد سواء !) ومعارضة أي تغيير في الدستور يقضي على احتكارها للحياة السياسية.

وتبين نتيجة الاستفتاء من جهة أخرى قدرة الشعب الروماني على اتباع أكثر السبل براغماتية من أجل تحقيق طموحاته. فقد نفض هذا الشعب يديه من البرلمان الذي تشكل بفضل دستور ونظام انتخابي على مقاس الأحزاب الكبرى، وقرر مساندة رئيسه في حربه على الطبقة السياسية الفاسدة، لذلك يتوقع مراقبون أن الرئيس باسيسكو الذي تنتهي فترة ولايته الحالية في 2009 سيفوز فوزا ساحقا في أية انتخابات مقبلة، كما يتوقع أن تنال مساعيه في تحوير الدستور إذا ما وصلت إلى الاستفتاء مساندة شبه مطلقة من الرومانيين الذين سئموا الفساد والفاسدين. ذلك أن الفساد، مثل الاستبداد تماما، يصل في مرحلة معينة من تطوره السرطاني إلى تهديد أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة، فيصبح ابتداع سبل التحرر منه، باستخدام الانتفاضة (مثلما حدث في ديسمبر 1989) أو بالتعبير الديمقراطي الهادئ (مثلما حصل في استفتاء 19 ماي 2007) أوكد من الاحترام الأبله لمؤسسات تخلت عن دورها.

 

ملاحظة: عنوان المقال مستوحى من عنوان مذكرات لورنس « أعمدة الحكمة السبعة ».

 

 


إلى السّادة القراء الأفاضل

 
ليس من عادة كاتب هذه الأسطر الردّ على كلّ «مجهول بن أبي جهل» خاصّة وأنّ الأمر قد لا يخصّني مباشرة، فما قامت أسبوعيّة «الإعلان» عدد 1725 الصادرة بتاريخ الثلاثاء 26 جويلية 2007 على الصفحة الخامسة بنشره تحت عنوان «أيّها «اللاّبدون» تحت التراب…»، قد يكتبه «مناضل» من أنغولا إلى «مناضل» من نيكاراغوا أو قد يخطّه شخص في القرن الثالث بعد الثلاثين، أو ربّما عثر عليه أحد من ينقب في صحاري مصر أو أدغال الأمازون، حيث لا رائحة ولا طعم ولا لون ولا نكهة، فقط على من يطالع أن يتظاهر ـ من باب الذكاء والفطنة والفراسة ـ أنّه يدري ما يريده «ج.ح»، الذي قد يعلن لكلّ «فاهم وفهيم» أنّه يعني ما فهمه هذا واستنتجه ذاك… يتلخص الأمر عندي في بعد واحد، فقد تعلّمت من «المعرّي» و«دانتي» أن أحترم من هو في جهنّم عن حقيقة ومن ينعمون بالفردوس على حقّ، لكننّي أيضًا أوافق «المعرّي» و«دانتي» [مع حفظ المقامات طبعًا] على نبذ من يقبعون في «سقيفة جهنّم» واحتقرهم Les vestibules de l’enfer، حين يتملّكهم الجبن ـ أو هم يتملكونه ـ فيفقدون القدرة على الصداح بما يؤمنون، وتراهم يبحثون عن الكلمات «الخنثاء» يؤنثونها عند الضرورة ويكسونها ثوب الرجولة عند الحاجة… ما ضرّ «ج.ح» حين يصيح بأعلى صوته، مخاطبًا بالإسم من يريده، واضعًا المعادلة في نسق قلم بقلم وفكر يقابل فكرًا… لا همّ لهؤلاء سوى «الرابح» يعانقونه كما تعانق الضباع بقايا الأسود الواقفة… مسألة أخلاق، قبل أن نحيلها على الكتابة والممارسة الصحفيّة أو السياسة وألوانها أو هي تلوناتها. نورد النصّ على سبيل التعميم ونورد رسالة لمن أراد أن يركب «البحر وهو يخشى الغرق»: ————————– أيّها «اللاّبدون» تحت التراب…. تمرّ الأزمات… ويبقى كلّ منّا وجها لوجه مع صورته في المرآة… مع ضميره، مع تفكيره وقناعاته، مع مدى ما طبقه منها وما نشره حوله وما احتفظ به لنفسه عن جبن في طبعه أو طمعًا في متاع الدنيا الزائل… متناسيا عن ضعف أو نفاق أنّه يعيش على رقعة من الأرض هي أقدس من حياته ومتاعه ومتعه وطموحاته… المعقول منها واللاّمعقول… إلاّ أنّ الزمن لا ينسى بأيّ حال من الأحوال من خذلوه ومن تواروا عند الشدّة… هؤلاء سيغربلهم الزمن لا محالة وسيرميهم حيث لن يصلي عليهم أحد… ج.ح. ————————- ملاحظة: نسوق النصّ على حاله وعلاّته، كما صدر، من باب الأمانة ورغبة في تمكين القارئ من فرصة للإطّلاع أوّلا وأيضًا للحكم، مع وجوب التذكير أن كاتب هذه الأسطر لا يدري من باب الأمانة الأخلاقيّة أيضًا إن كان «ج.ح» من صنف الرجال أو الإناث أو هو ـ من باب التقيّد بما تلزمنا به العولمة ـ من ذلك الرهط الثالث، الذي علينا أن نحترمه ونجلّ حقوقه، مخافة أن «يغربلنا الزمن لا محالة ويرمينا حيث لن يصلي علينا أحد»…
 

رسالة لا تحتمل التأجيل

إلى «ج.ح» وقد يكون «جحش حمير»

 
لا يكبو الجحش بل هي سقطة دائمة، ولا يجمح من كان بين حوافره سنابك الفُجر وسبائك العُهر القائمة… ما دخلك وقد كنت تقتات من بقايا موائد الخصيان وتشرب ثمالة سادة «أثينا» المُعْلِنة؟؟؟ ما دخلك وقد ذكرك «دانتي» وتباهي «المعرّي» بفضائحك القائمة… قد نرى في الجنّة أهلها وفي الفردوس أصحاب النعيم، لكنّ «ج.ح» جحيم قطعًا، وإن قلبنا الحروف، صرت «حاجّ» إلى فضلات المواخير الصادقة… يا سامعي، الفئران أنفت الموت جبنًا وأنت تحتضن الأيور الواقفة. ما قَدَّرَ «امرؤ القيس» عمره، لكنّه عبرة لمن أراد المجد والصحراء منه باقية… قد تُنبت السنابل شوكًا وتصير الغربان نسور شامخة، لكنّ الجحش أبتر بطبعه وإن تعالى أنجب البغال الفاجرة…. من أين جئت و«درويش» تغنّى ببقايا الجياد الباقية. قد تخدع من جاء بك «سِرَاجًا» لترتدّ «سَرْجًا» حين غيّبتَ في الخمّارة الألف الصادقة… أه، ثمّ أه وليت لي أه أخرى أداوي بها لوعتي، حين جاءني «نذير» بمن يُركب وقد حسبه سادن الصحافة الملتزمة!!! أنت تجاريه دهر زجاجة وقد تصدّق أمواله «المتعابنة»، لكنّك مثال لؤم تدلغ من أطعمك زقّه وأسكنك فراديسه المتعفّنة… جاء الكلام منك متواريا خلف نواياك القبيحة وما يحلم به صاحب الضحكات الهاربة… تَوَارَى خلفك ذلاّ فكشفت عورته أمام العربان العاربة… قد ينسى الأعراب زلازل الدنيا وأعاصير الدهر، لكنّهم سيذكرون كلمتك تاريخَ لؤم ومنبت الأرواح العاهرة… ما ضرّ لو صيّرت أسمك جهرًا وتباهيت أمام «سلطانك» بما كتبت أقلامك المتهاوية، أم أنّك مقام بين المقامات، حين تُرضي الجميع وتبغي الأموال السائلة؟؟؟ غباء هو أم توار خلف كلمات مبهمة. عليك بكتب الأوّلين لتفهم الحدود بين الإحالة أو الاستعارة والعبارة المباشرة… أمّا مقام «واصل» فهو لواصل وليس للـ«ج.ح» أن يصير صاحب المعلقات الخالدة!!! قد يعلو السفح ويكبر لكنّه دون الجبال الشامخة… أصمُتْ، ثمّ أصمُتْ وعليك بالصمت ملاذًا حين عجزتَ عن مقارعة الفحول وأصحاب الكلمات العالية… ليس «نذير» من بني أميّة ولن يكون «حاجّ» ذلك «الحجّاج» بكلمته الخالدة، قد تتشابه الأسماء كمثل المياه، وكيف للزُلال أن يتردّى تلك الآسنة… كم من الكتب شربت؟ عليك بأضعاف أضعافها علّك تصير إلى الكعب من الفحول الخالدة… الكلمات أنثى يراودها ألف لتنزل إلى صاحب القلم الواقفة… تلك أقلام لا تنبت سوى في مروج العزّ وليس لساكن «السقيفة» أن يدّعي البيوت العالية… قد تثور في بقاياك صبابة غضب، لكنّها كنار قرى صارت رماد الأزمنة الغابرة… ليت صبري، ما حيلتي، حين جعلك «نذير» صاحب «الصدر» وأنت «المؤخرة»… هي حرب لو دريت وليس للغلمان في النزال قائمة… ليس للسيف أن يكون ترسًا وليس للرمح أن ينقلب دائرة…. هي أصول وفصول دهر ومقامات عزّ، حين عجز عنها من وقف عند الألف الهاربة…. قد تلعق جرحك ألفًا وتلعن التاريخ وتضرب الصدفة الفاجرة، لكنّك في موقف ذلّ، لا خيار لك، إن صمتّ حسبناك من بقايا الذباب ومن تتركه الغربان والضباع الهاربة، وإن عدت عدنا إليك بما يلزم… حينها لن تنفعك دنانيره الغابرة… المرسل: نصر الدين بن حديد           [لا يتوارى خلف حروف الذلّ حين غيّب الفجرة حروف العلّة الصامدة]


 

ذكريات عن بورقيبة بين الهوية و الحداثة

 
د.أحمد القديدي (*) نظمت منذ أيام قليلة جمعية ثقافية تونسية ندوة علمية تاريخية تحدث فيها رئيس نقابة الصحفيين الزميل الفاضل لطفي الحجي عن موضوع كتاب جديد صدر له بعنوان(الزعيم بورقيبة و الاسلام: الامامة و الزعامة)، كما صدر كتاب ثان للكاتبة امال موسى حول علاقة بورقيبة بالدين، وهما كتابان هامان جدا لأنهما يتجاوزان القضية التي درسها المؤلفان ليشملا دور الاسلام في حركات التحرير بالبلدان العربية عموما و المغاربية تحديدا، و ليلقيا أضواء كاشفة على واقع الأمة اليوم وهي تشق طريق التنمية و الاستقلال و الهوية في دوامات من الايديولوجيات و اختلاط المعاني و ضبابية العلاقات الدولية بعد أن ظهرت في العالم حركات عنيفة عدمية تروج لثقافة الموت و تصادر الحقيقة الدينية و توظفها كردة فعل ضد المظالم العالمية بغير هدى و بدون بصيرة. صحيح أن بورقيبة مثير للجدل الا أننا يمكن أن نفهم عدم انحيازه لقراءة نصية للاسلام لأن تاريخه يؤكد بأن الذين قاوموا معه الاستعمار هم من ذوي الثقافة الغربية و بورقيبة متأثر بالحركات الاصلاحية الفرنسية القاطعة مع الكنيسة و بحركة كمال أتاترك لكن وطنيته واسلامه كانا من هذا الصنف الخاص، ثم ان العبرة بنتائج عمله حيث نجد اليوم نخبا تونسية قادرة على التفكير و التغيير وهو عنصرايجابي حتى لو رفض البعض تراث بورقيبة، فسنة الحياة هي التغيير و الحياة تتقدم بالقطيعة كما تتقدم بالوفاء. و عندما فتح جيلي عيونه على الحياة السياسية لم تكن هناك لا أحزاب معارضة و لا منظمات لحقوق الانسان و حاولنا التغيير من داخل الحزب، بل شكلنا تيارا تأصيليا نما و ترعرع في مجلة الفكر و أول المصادمات مع التيارات التغريبية القوية كانت لنا حين نشرت صحيفة لوموند مقالة للقس المستشرق(جون لا فونتين) عام 1970 ينفي فيها مبدأ الأصالة العربية الاسلامية عن تونس فتصدينا له بعريضة كنت أنا أحد محرريها ووقع عليها بشجاعة محمد مزالي و كان مقالا من وزارة التربية و مجرد نائب في البرلمان ،كما وقع عليها بجرأة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة( الأمين العام الحالي لمنظمة الفقه الاسلامي) و كان عميدا لكلية الشريعة وأصول الدين انذاك ، و رفض كثيرون اخرون خوفا او انحيازا ايديولوجيا لمن يعتقدون أن الحداثة هي الاندماج في فرنسا واستعمال لغتها و التشبه بعاداتها. ولوحقت شخصيا و حجز جواز سفري وحرمت من اتمام دراستي في الخارج الى سنة 1973 حين استرجعت جوازي. وظللت كما أنا دستوريا تأصيليا وفيا لما تربيت عليه من ربط الحزب الدستوري بحماية هوية الأمة، و لكن بالحوار و الاقناع والعمل طويل النفس. فكيف أجد تناقضا بين الحركة الوطنية والحركة القومية و الحركة التأصيلية حين أقرأ كل عمل بشري كاجتهاد يخطأ ويصيب و أتمسك بضوروة الحوار واحترام الرأي المختلف و حتى المخالف. هذه مبادئي و لا أتحول عنها، اليوم و غدا، فأنا لي احترام عميق لنخبة من الدستوريين الذين خدموا و ما زال منهم الكثير يعملون في مختلف هياكل الدولة كما لدي احترام عميق لمن اختار سبيل المعارضة مهما كان انتماؤها بشرط نبذ العنف و عدم ارهاب الفكر المختلف. ان الوطنية و الحداثة و صيانة الهوية ليست حكرا على هؤلاء أو أولئك بل هي حق الجميع في العمل من أجل الوطن، و هنا يجد المخلصون مكانهم مهما قدموا من تضحيات أي بين الذين يريدون التقدم بالبلاد لا يهمهم رفع الشعارات المضللة، فالديمقراطية الحق هي ادارة التنوع و التوفيق بين التعدد. و أحسب و الله أعلم بأن شيخي و أستاذي عبد الرحمن خليف، حين حل محلي في مجلس النواب نائبا عن الحزب الدستوري أيضا كان له نفس التصور و الاعتدال و الرغبة في الاصلاح من داخل المؤسسة لا من خارجها، رحمه الله. ثم ان لدي قناعة أكدها لي كل من عاشر بورقيبة عن قرب وخاصة سكرتيره وصديقه لمدة 40 سنة السيد محمود بلحسين وهي أن بورقيبة مسلم و مؤمن لكنه ينتمي الى جيله الذي تغذى من الفكر العلماني الغربي و رأى في بعض مظاهر التدين المغلوط تعطيلا للعقل، و أعتقد أن التاريخ سيكتب هذه المراحل بعد أن تهدأ العواصف العاطفية و الايديولوجية المتشنجة اليوم لأسباب أخرى. ثم ان لبورقيبة فضائل لا يمكن نكرانها موضوعيا مهما اختلف معه الناس فهو في حياته مثل للاستقامة ، وهو رجل مبادىء و رجل دولة، و رفض الخضوع للقوى المهيمنة مرات عديدة أولها حين قاوم المؤتمر الأفخارستي عام 1931و الذي نظمه غلاة الاستعمار مع الكنيسة الأفخارستية لاحياء الذكرى الخمسين لاحتلال الجزائر و ذلك في كاتدرائية قرطاج، و الحمد لله أن قام الرئيس زين العابدين بن علي بتأسيس جامع العابدين بقرطاج ليؤكد اسلام تونس و عروبة قرطاج. و قاوم الزعيم بورقيبة أيضا مؤامرة التجنيس و رفض ذوبان الشعب في الأمة الفرنسية و قاد معارك مسلحة في المنستير راح ضحيتها شهداء بررة مثل شعبان البحوري عام 1933. كما فتح الرئيس بورقيبة حدود تونس و مدنها للمقاومة الجزائرية البطلة و دفع الثمن بمجزرة ساقية سيدي يوسف في 8 فبراير 1958 ثم عندما أمم الأراضي الزراعية التونسية وأغلق في وجوهنا الجنرال ديجول رئيس فرنسا أبواب التعاون ففضل بورقيبة منذ مايو 1964 الكرامة و الاستقلال على الانحناء للاستعمار الجديد. ثم عندما نهر بشدة سفير أمريكا في أكتوبر 1985 في مكتبه و خاطبه واقفا و لم يدعه للجلوس، مهددا بقطع علاقاتنا مع واشنطن لو استعملت الولايات المتحدة حق الفيتو بعد قصف مقر منظمة التحريربحمام الشط، و هذا حكاه لي شخصيا السفير الأمريكي نفسه و أكده لي شخصيا وزيرنا للخارجية أنذاك الباجي قايد السبسي، و سكرتير الرئيس السيد بلحسين الذي كان حاضرا يومئذ. و مواقف أخرى للزعيم عديدة جعلت محبتي له مبررة مع أني و رفاقي بمجلة الفكر اختلفنا معه حول الدعوة للفرنكوفونية لكن بورقيبة مع ما يعرف عنه من محبة للغرب لم يمنعنا من الكتابة ضد الفرنكوفونية حتى في صحيفة الحزب الحاكم، و لم يمنعنا من تعريب التعليم ولم يضطهدنا، و أنا أضع هذه الأعمال الصالحة في فقه المقاصد أي أن بورقيبة اجتهد و أصاب عديد المرات في درأ المفاسد وجلب المصالح و بالطبع فليس معصوما من بعض الانحرافات أو الأخطاء شأن كل من يحكم. و الله أعلم و غفر الله له و لنا. (*) كاتب وسياسي من تونس (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (أليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 26 جوان 2007)
 
 

 

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين الرسالة رقم 244 الحلقة الأخيرة للتاريخ  ذكرى تونسة الإدارة الجهوية لسلك الولاة و المعتمدين علامة بارزة في التاريخ  

 
بقلم محمد العروسي الهاني   تونس في 25/06/2007                                                        
نواصل على بركة الله و بعونه الحديث الممتع و الشيق على أهم جهاز إداري له دوره و فاعليته و بصماته و ذكرياته و قد تحدثت في الحلقات السابقة على أهمية يوم 23 جوان 1956 يوم تونسة الإدارة الجهوية لسلك الولاة  و المعتمدين . بعد تونسة إدارة الأمن الوطني و بعدها بيوم تونسة  الجيش الوطني في 24 جوان 1956 و قد  إلغاء الرئيس الحبيب بورقيبة رئيس الحكومة الوطنية التونسية . النظام القديم لسلك المراقبين – و القياد – و الكواهي – و الخلفوات و إبدال هذه الأسلاك ، بنظام جديد يتماشى و عهد الاستقلال و أطلق على السلك الجهوي اسم الولاة و السلك المحلي اسم المعتمدين . و كما أسلفت في الحلقتين السابقتين كل مراحل و تطور السلك من 13 ولاية في بداية الاستقلال إلى 24 ولاية حاليا منها ولاية واحدة أحدثت بعد التحول ومن 96 معتمدية إلى 266 معتمدية حاليا أي تضاف العدد 3 مرات ، و أشرت في المقالين السابقين إلى عديد المظاهر و النوادر و الطرائف و المواقف و الذكريات العزيزة و بصمات و أثار السادة الولاة القدامى و السادة المعتمدين الأوائل من الرعيل الأول و الثاني و بعض الذكريات الممتعة و التي تعبر عن قوة الشخصية و الروح النضالية العالية و العمل التطوعي للسلك المواقف و التشجيع على الاستقامة  فكر الرئيس الحبيب بورقبة في شخص المناضل عثمان كشريد رجل الاستقامة و التقوى و التدين و كلفه في خطة وزير الداخلية . و الوزير الوحيد الذي كلفه في موسم الحج في عام 1978 برئاسة وفد الحجيج نظرا لما يتمتع به من أخلاق عالية و استقامة و تدين هذا الرجل وردت عليه مذكرة تخص عون أمن يقوم بواجباته الدينية و أحيانا يعوض المؤن و يقيم الصلاة ماذا فعل السيد الوزير كتب بخطه كثر الله من أمثال هذا العون . أي فرح و انشرح  بهذا الخبر و بدون تعليق . وبعد التغيير تم تعيين معتمد على رأس معتمدية بالشمال الغربي و كان هذا المعتمد متواضعا و ناشطا فعلق أهالي الجهة في معتمدتي سجنان و جومين و قالوا النظام في عهد الزعيم بورقبية أهدى إلينا معتمد أسمه الطاهر العلاني مناضل وطني متواضع. و بعد التحول النظام أهدى إلينا أيضا معتمد مناضل و متواضع و بين الرجلان أكثر من وجه شبه… و في المزونة التي كانت تابعة إلى ولاية صفاقس و التي أصبحت بعد إحداث ولاية سيدي بوزيد تابعة لها كان معتمد و إمام بالمزونة اسمه الشيخ محمد زخامة رحمه الله ، و في جومين المعتمد في عهد التحول كان يصلي صلاة التراويح بالناس و يقيم السهرات الدينية في المساجد و من النوادر في هذا المجال إن هناك أشخاص كانوا لا يعرفون القبلة و لا يصلون و عندما شاهدوا معتمدهم يتردد على المساجد كل يوم جمعة و في كل أوقات الصلاة توكلوا على الله و شرعوا في القيام بهذا الركن الديني الهام و المفروض على عباد الله الصلاة و هي عماد الدين و في فوسانة بولاية القصرين كان مسؤولا على الإدارة المحلية لتونس الوسطى يصلي في منزله خوفا من نعوت بعضهم و عندما جاء معتمد في سبتمبر 1984 يصلي في المسجد تشجع هذا المسئول و أصبح يصلي جهرا بجانب المعتمد و قال الحمد لله في نظامنا و في أسلاكنا رجال متدينون و من اليوم لا اخشي و لا أخاف من أحد تلك هي بعض النوادر التي عشتها في هذا الميدان أسوقها للتاريخ و للدرس و الموعظة و أعتقد إن نسبة كبيرة من أسلاكنا على غاية من الاستقامة التي أشرت إليها و الجزاء عند الله أذكر هذه المواقف حتى لا يعمم الناس أو بعضهم من أصحاب النظريات و المذاهب الأخرى التي نعرفها أنهم يسلطون أحكاما قاسية هداهم الله و أبصرهم لما فيه الخير حتى يجتنبوا أحكام التعميم …  الأماني و التفاؤل في المستقبل في هذا المقال الأخير أتمنى تطوير السلك و تطوير العقليات و تطوير مفهوم الرسالة و الأمانة و المسؤولية ، و تطوير الخطة و جعل الرجل المناسب في المكان بالدقة و سلامة الاختيار بعيدا عن العاطفة و ما شابه ذالك مع مزيد دعم العدل بين الجهات فلا يمكن أن نعين 10 معتمدين من جهة واحدة تبعد عن الجهة الثانية بنحو 20 كلم و إن الجهة الثانية الحنشة على سبيل المثال التي تبعد عن المعتمدية المجاورة الجم 20 كلم لم يشمل أبنائها تعيين في السلك منذ 23 سنة و حتى الذي حصل في تلك الحقبة كان على حساب ولاية تونس و الاحواز . و العدل السياسي لا يقل أهمية على العدل الاجتماعي و العدل الاقتصادي. و إن الجهة تعج بالإطارات و المناضلين و الكفاءات أحدهم قضى 20 عام في مسؤولية كاتب عام جامعة دستورية مع خطته مدير معهد ثانوي بالجهة .  و اخر أستاذ رئيس شعبة منذ 19 سنة و الشعبة تحمل اسم رمز الجهة المرحوم الحسين الحاج خالد الذي كان مناضلا صامد ا ثابتا و تكريما لروحه الطاهرة ينبغي أن نعطي لهذه الجهة لفتة كريمة كما تم في سنة 2005 تكريم نجله و انتخابه رئيسا للبلدية رفع المعنويات من أوكد الواجبات من الواجب الوطني مراجعة بعض الحالات في السلك التي تعرضت إلى هضم حقوق أو شيئ من ا القبيل لأسباب يطول شرحها و أحيانا نتيجة مقابلة رياضية أو وشاية أو تقصير خارج الطاقة أو أشياء أخرى مركبة و اليوم حان الوقت لمعالجة كل هذه الحالات بما في ذالك محاسبة الشخص على أفعال و مواقف غيره إذا بلغ مستوى النضج العلمي و السياسي و المثل يقول كل شاة معلقة من ساقها و لا يمكن أن تكون ه ذريعة للإقصاء أو حرمان الطاقات و المواهب التي ضحت من أجل الوطن و لا تريد جزاءا و لا شكورا إلا من رب العزة رب العالمين الذي سنقف أمه يوم القيامة ليأخذ كل واحد منا حقه منى الأخر قال الله تعالى إنك ميت و انهم ميتون ثم انكم عند ربكم يوم القيامة تختصمون صدق الله العظيم ومزيد من التركيز و التحلي بروح المسؤولية و الموضوعية و قد أشرت في المقال السابق الذي نشر يوم 20 جوان 2007 على موقع الأنترنات تونتس نيوز و الذي وجهت منه نسخ عبر الانترنات إلى كل المسؤولين الذين يهمهم الأمر حتى يطلعوا على فحوى المقالات التي تخص ه الذكرى المجيدة ذكرى تونسة الإدارة الجهوية لسلك الولاة و المعتمدين هذه الذكرى لم تحضي لحد الآن بأي اهتمام إعلامي أو وطني لست أدري لماذا و بالمناسبة أجدد شكري لموقع تونس نيوز على هذه العناية الكريمة الواسعة التي لم أجدها في صحافتنا الحزبية و الوطنية و المستقلة و الحرة و التجارية و الأسبوعية و على كل لون يا كريمة كل هذه الصحف لا تعير اهتماما لجانبا وطنيا حساس و لو غدا يتفضل الرئيس بن علي بلفته كريمة لهذا السلك اعتقد ان كل الصحف تبرز الحدث في الصفحة الأولى و بدون تعليق . قلت أن قصة ذكرتها في المقال المشار إليه تخص الأخ المناضل حمادي بلوزة المعتمد السابق الذي كما أسلفت تعرض إلى مكيدة و وشاية مغرضة و بعد 5 أعوام بدون مرتب و في حالة إحباط و بعد ذالك ظهرت الحقيقة و برزت للعيان و الحمد لله علم الزعيم الحبيب بورقيبة بأن الرجل مظلوم و الوشاية غير صحيحة فأذن بإعادة الاعتبار لهذا المناضل و عاش كريما عزيزا مبجلا و تسلم مرتبه طيلة المدة التي قضاها في حالة إيقاف هذه القصة هي من صميم الواقع ولكن لا ضاع حق وراءه طالب … و الحديث عن هذه الذكريات الحلوة يروح على النفس و ينعش القلب و يشرف تونس نظاما و حكومة و شعبا و من باب الوفاء أواصل ذكر بعض الخصال و الأحداث و المعطيات حتى أكون وفيا و أمينا و أذكر بالخصوص خصال بعض الولاة اللذين عرفتهم من قريب مثل السيد قاسم بوسنينة الذي عمل حوالي 8 أعوام في خطة والي بصفاقس و نابل و تونس و كان بحق رجل التواضع و الأخلاق الفاضلة و الانشراح و الابتسامة و الاستقامة و النظافة الشاملة – و السيد مصطفى بدر الدين الذي عمل واليا بالكاف و كان على غاية من الوضوح و الشفافية و الاستقامة و التواضع و حب الناس و المعاملة الحسنة لكل أفراد العائلة بالولاية و كان صريحا و صادقا و ذكيا و صاحب نكتة و منسجما مع كل الهياكل و ليس له مشاكل و كان حريصا على دعم الانسجام بين كل المسؤولين . و السيد رشيد بدري رحمه الله الذي كان واليا بصفاقس و ترك بصماته و أثاره و كان بحق من خيرة أبناء اسلك رحمه الله و المجال لا يسمح بتعدد خصال عدد أخر في ذكرى تونسة الإدارة الجهوية. الخاتمة هناك عدد من السادة وزراء الداخلية اللذين تحملوا المسؤولية و تدرجوا في المهام و هم على التوالي السادة . الشاذلي النفاتي الذي إرتقى في كل مدارج السلم السبعة من خطة معتمد إلى كاتب عام ولاية إلى معتمد أول إلى خطة والي إلى مدير عام الإدارة الجهوية إلى كاتب دولة للداخلية ثم إلى خطة وزير الداخلية و يليه السيد محمد جغام معتمد إلى خطة كاتب عام ولاية إلى الادارة الجهوية إلى خطة وزير الداخلية . من الرجال الأوفياء ، و يليه السيد رفيق الحاج قاسم من خطة والي إلى رئيس ديوان وزير الداخلية إلى كاتب دولة للداخلية إلى خطة وزير الداخلية حاليا و هو رقم 23 و الذكرى تصادف 23 جوان 1956  أي اليوم يصادف رقم 23 و السيد عمر البجاوي تحمل مسؤولية رئيس ديوان وزير الداخلية عام 1978 و كاتب دولة للداخلية في عهد التغيير و هو محامي مثل الزعيم الطيب المهيري و محمد الهادي خفشة و أحمد المستيري و الباجي قائد السبسي 4 محامين تحملوا خطة وزير الداخلية في عهد بورقيبة و المحامي الخامس السيد عمر البجاوي في خطة كاتب دولة في عهد التغيير و كلهم من خيرة الناس قولا و عملا ، أما الاطباء فهما الدكتور الضاوي حنابلية و الدكتور الهادي مهني الأول عام 1978 و الثاني عام 2003  . هذه أهم المحطات التاريخية على ذكرى 23 جوان 1956 التي ستبقى العلامة البارزة و المضيئة في سلك الولاة و المعتمدين و أعتذر لكل الاخوة اللذين تحملوا المسؤولية في السلك لعد ذكرهم نظرا لمحدودية الحلقات و مجال الاعلام الالكتروني و من واجبنا أن لا نحتكر هذا الموقع و نفسح المجال لأقلام أخرى حتى يفتح الله بصائر صحافتنا الوطنية التي عليها أن تخوض في مواكبة هذه الذكريات بعيدا عن الخلفيات و الخوف و الوهم الخيالي و الله ولي التوفيق. قال الله تعالى و في ذالك فليتنافس المتنافسون صدق الله العظيم

الفتاوى الهاذية بين علم النفس والتراث الإسلامي

 
د. إقبال الغربي إن إعادة فتح باب الاجتهاد الموعود لن يتحقق من داخل العلوم الدينية بل من خلال النظر إلى الظاهرة الدينية نضرة انثروبولوجية شاملة و الحفر في التراث الإسلامي بالاعتماد على الأدوات المعرفية العقلانية الحديثة التي حققت تطورا مذهلا لا عهد للإنسانية به . إذ لا بديل اليوم عن المقاربات التاريخية و السوسيولوجية والنفسانية و الفيلولوجية لرصد أبعاد الدين المركبة و المعقدة والبالغة الحساسية بطريقة علمية .ذلك أن هذه الأبعاد الروحية للدين مرتبطة شديد الارتباط بالعالم الخارجي للإنسان و بعالمه الداخلي أيضا . فالديانات تكونت منذ الإحيائية إلى التوحيد مرورا بالطوطمية و بالوثنية من خلال تفاعلها مع محيطها و سياقها التاريخي من جهة و ارضاءا لحاجات عميقة و لتحقيق رغبات دفينة متأصلة في أعماق الإنسان مثل الرغبة في الخلود أو الرغبة في نيل حب أب قوي وودود من جهة أخرى فقد يبين لنا فرويد في كتابه »مستقبل وهم » (1927 ) أن شرط الإنسان البالغ الهشاشة الذي يواجه قسوة الطبيعة من جهة و قسوة الإنسان على أخيه الإنسان من جهة أخرى وكذلك قلق الموت يجعله يبحث عن وهم يقدم له العزاء الرمزي و بالنسبة لفرو يد ,الوهم ليس شيئا سلبيا بل هو آلية سيكولوجية ضرورية للتوازن النفسي. الفتاوى الهاذية التي أصبحت غنية عن التعريف مثل فتوى إرضاع الكبير أو التبرك بفضلات الرسول(ص) يصنعها عجزنا عن تحديث الدين عبر تحديث الدراسات الدينية و تخصيبها بعلوم الحداثة أي التاريخ و السوسيولوجيا و علم النفس . عقم تفسير الدين بالدين أي الاعتماد حصرا على التخصصات الدينية يضعنا في حلقة مفرغة لن نخرج منها أبدا. وهو ما يفسر مع عوامل أخرى القراءات المتخلفة و الاجتهادات المضحكة التي شاعت و ذاعت عبر الفضائيات و مواقع الانترنيت . فهذه الفتاوى لا تعكس جهلا بالإسلام أو قصورا في الإلمام بتراثه , فهي غالبا ما تصدر عن خبراء و أساتذة أجلاء , بل تمثل على العكس الالتزام بمنهجيات بحث تقليدية و بأساليب تعلمية تسلطية سائدة في الجامعات الدينية تكرس الطاعة العمياء للأستاذ و للنص ولا لتترك مجالا للسؤال و المساءلة و لا للشك و التشكيك فهي بالتالي لا تكون لدى الباحث مناعة فكرية تخول له التصدي للاعقلاني . فالحلول البائسة التي عرضت لتجاوز أزمات الفتاوى الهاذية التي تزاحم فيها المأساة الملهاة تبدو لنا غير واقعة و غير وظيفية. فهذه الحلول المقترحة تبدو لنا جزء من الأزمة إذ أنها تعكس إشكالية علاقتنا بالتراث الإسلامي هذه العلاقة التي لم تنجح إلى اليوم لا في إنتاج تراكم معرفي كافي و لا في أحدات إصلاح ديني حقيقي. فقرار المجلس الأعلى لمؤسسة الأزهر الشريف بإيقاف زميلهم الأستاذ عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر عن العمل و ايحالته على التحقيق بتهمة إثارة البلبلة و مصادرة كتاب « فتاوى معبرة » تعتبر أساليب تسلطية و خارجة عن التقاليد الجامعية و الأعراف الاكادمية المعهودة بين أعضاء الأسرة المعرفية .فهي معالجة أمنية لقضية فكرية و علمية بالأساس وهي كيفية التعامل مع التراث الإسلامي. أما البعض الآخر من علماء الأمة فقد تهتهوا و تلعثموا في الجهر بالحقائق . كما اعتمدوا « حرب الأحاديث » و « حرب الروايات » و التحايل على التراث أي انتقاء حديت ضد آخر و ومواجهة تفسير بتفسير و تعتيم رواية مع تسليط الأضواء على رواية أخرى لتطويع النصوص حسب الحاجة والمقتضيات . فقد تطاولوا على الأئمة الأعلام الذين كانوا يستعملون أقوالهم كحجة قاطعة لإقناع , فهم من اهل الجماعة و السنة ! و ردوا على الأحاديث الثابتة بتهور و بسهولة قصوى رغم أن حديت رضاع الكبير مثلا لم يكتبه كتاب أو اثنان و لم ينقله صحابي أو اثنان انه كما قال الإمام ابن حزم منقول نقل الكافة عن الكافة بل انه حديت شغل الصحابة و أمهات المؤمنين منذ العصور الأولى و شغل التابعين و أتباع التابعين و أئمة الفقهاء من بعدهم و قسمهم شطرين شطر يؤيده و يأخذ بضا هره و شطر يتخذ منه موقفا آخر يتمثل في القول بالخصوصية لسالم ,أو القول بأنه منسوخ ,أو القول بأنه رخصة للحاجة . فهذا الانتقاء و هذه الغربلة حسب الأهواء يناقضان مبادئ النزاهة العلمية المعهودة إذ أننا نعتقد انه لا توجد أية جهة مخولة و مالكة للحقيقة لها الحق في إخفاء جزء من تراثنا اعتمادا على المثل التونسي الشائع « استر ما ستر الله » و تغليب جانب على آخر و في هذا الإطار نذكر بغياب الإجماع في هذا المجال فكمية كتب الأحاديث خير دليل على عدم اتفاق المسلمين حول الأحاديث . فلنذكر جزءاً منها على سبيل المثال: صحيح البخاري، صحيح مسلم، صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حيان، سنن الترمذي، سنن أبي داود، سنن أبن ماجة، سنن النسائي، زوائد ابن ماجة، مسند الأمام أحمد، مسند الإمام الشافعي، موطأ مالك، المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد للهيثمي، نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني، كنز العمال للمتقي الهندي، رياض الصالحين للإمام النووي، تحفة الأحوذي للمبارك فوري، الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي. كل هذه الكتب فيها بعض الأحاديث التي لا يقبل بها الآخرون. وللشيعة كتبهم الخاصة التي تجمع أحاديث أهل البيت، وهي كثيرة و كلها تعارض بل تناقض بعضها في اغلب الأحيان . ا كما أن الدعوة إلى تطهير التراث و السيرة و التفسير و تنقيتهم من الشوائب وبتر هذا الإرث الثقافي من الأحاديث التي يتخذها المتطرفون تعلة لضرب الإسلام و تجريحه هو نسف لواجب الذاكرة . فليس لأي كان الحق في إجراء تعديل أو تحريف للتراث و التلاعب بذاكرتنا الجماعية التي تعتبر جزء من التراث البشري من اجل إعادة صياغة الوعي الإسلامي و ترصيعه برؤيا مثالية تبسيطية تزيف تاريخنا الثري و المعقد . فالبخاري مثلا مرجع محترم وموثوق به من قبل جمهرة واسعة من المسلمين وقد انتقى الأحاديث الشريفة من بين مئات الألوف من الأحاديث المشكوك بصحتها واختار منها حوالي سبعة آلاف حديث، وسمي كتابه بصحيح البخاري، وهو أحد الصحاح الستة المعتمدة عند معظم المسلمين ومن جميع المذاهب، السنية والشيعية. وكذلك صحيح مسلم ومسند أحمد بن حنبل . فهل يصح لجهة ما أن تسطوا على جهود أئمة فجر الإسلام وتتلاعبوا بكتبهم وصحاحهم و تحرفها لأن هناك من يستغل هذه الأحاديث لأغراض لا تلاؤم اليوم مزاجنا ! أن المطلوب اليوم هو ليس التعتيم و إخفاء المعطيات التاريخية التي لا تتناسب مضامينها مع روح العصر و أخلاق أبنائه أو إلغاءها بل إبداع علاقات تأويلية جديدة مع النصوص و ذلك بوضعها في سياقها التاريخي و النفسي مع تغليب الرؤى النقدية العلمية على الرؤى الأسطورية التبجيلية أي إعمال العقل دون فرض أية رقابة على العقل لتجاوز البداهة الخادعة و المعارف السطحية و اليقين المباشر و الفوري . و قد اهتم علم النفس مثلا بتأثير العوامل النفسية و الاجتماعية في عمليات الإدراك و الذاكرة. إذ بينت تجارب لفين (1948) أن اللاوعي يتدخل في الإدراك العالم الحسي و في تمرير التجارب المعاشة و أن ما نتذكره هو إعادة بناء جديدة حسب ما ترسخ من تمثلات و تصورات مسبقة قابعة في داخلنا ,كما أن انتسابنا لمجموعة ثقافية ما يحدد إدراكنا و تصورنا للآخرين. و قد وقع تصنيف مجموعات من الطلبة حسب ميولا تهم و اتجاهاتهم الفكرية و الدينية و الجمالية و عرضوا عليهم على شاشة مجموعة من الكلمات بإيقاع سريع بحيث تبدو بعض الكلمات غامضة و صعبة الإدراك في غلب الأحيان. و بينت التجربة أن الكلمات التي تتضح أكثر من غيرها و يسهل إدراكها هي التي تقابل و تتناغم مع ما يعتقده الفرد و ما يميل إليه .كما بينت تجربة لفين و مورفي حول التعلم و التذكر أن الذاكرة انتقائية تصطفي ما يلاءم أهواء الفرد و ميولا ته العميقة. فقد وقع تقديم نصوص متعارضة التوجه لمجموعة من الأشخاص بعضها مناصر للشيوعية و البعض الآخر مناصر و مدافع عنها. و قد تبين بعد أربعة أسابيع أن المجموعة التي كانت تميل إلى النظرية الشيوعية تعلمت و تذكرت محتويات و براهين النصوص المدافعة عن المنظومة الشيوعية و نسيت النصوص الأخرى. بينما تذكر الأفراد المناوئين لهذا الفكر محتويات النصوص التي تفند هذه المنظومة و تدعم قناعاتهم الأصلية. و في وضعيات مشابهة ,بينت تجارب أخرى أن مجموعة النساء تتذكر الأحكام و الأقوال المناصرة لهن بينما تذكرت مجموعة الرجال ,بكل عفوية , أقوال شوبنهاور و اسكار ويلد المعادية للمرأة. وقد دعمت هذه التجارب مقولات مدرسة باولو ارتو التي تؤكد أننا نبني العالم في حين نضن أننا ندركه بكل حياد و موضوعية .فالرغبات و الاحباطات و كل محتويات اللاوعي تتدخل في تكوين أشكال الإدراك و التعابير البشرية و إعادة بناء الماضي . و يقول هول قي هذا الصدد في كتابه « ما بعد الثقافة  » (1979) « أن ما يختاره الإنسان لإدراكه عن وعي أو عن لاوعي هو ما يعطي دلالة و بنية لعالمه » و كما نعلم فان النبي(ص) قد منع الصحابة من كتابة أي شيء عنه إلا القرآن الكريم ، و لهذا السبب ظلت الأحاديث تتناقل شفهياً لما يزيد عن المائة وخمسين عاماً مما سهّل الابتعاد عن الصورة التي كونتها المجموعة عن النموذج الأصلي الذي أخذ بالانحدار المستمر فمرور الوقت هو تراجع وابتعاد عن الصيغة لأصلية الذي تصبح اكتر فاكتر محاطة بالمبالغة و الأسطورة و مغلفة و قد تفطن القاضي أبو الحسن عبد الجبار(المغني في أبواب التوحيد و العدل ,فصل في بيان حقيقة الخبر و حده) إلى تأثير هذه العوامل النفسية فأكد أن الخبر يتواتر و يتغير في مضمونه و صيغته استجابة لما تستروحه الأنفس  » قد ثبت و صح أن ترك إظهار الخبر و الكف عنه اشق على النفس من إظهاره . و كان النفس تستروح إلى إظهار ذلك .فلذلك تقوى الدواعي في إظهاره كما تقوى في سائر ما يستروح الناس إليه و تجد عنده راحة و تخلصا من ضيق صدر و غم و الم . فهذا هو الأصل في الأخبار » فلا شك إذن أن ما يعتمل به من روايات متعددة يكمن و راءها العديد من الاستيهامات الجماعية و التعويضات الرمزية ضمن مجتمع بدائي مهووس بالجنس ولا شك أن مجال الجنسانية الذي يعتبره علم النفس التحليلي مفتاح الدينامكية النفسية قد ألقى بضلاله على هذا التراث . إن رفض المرأة و سيادة الخطاب التحريم القائم على التأثيم و التذنيب يقوم على هوس لا حدود له.فهو يسقط عل المرأة نوازع و مخاطر جمة فيخشى على فقدان توازنه و عدم التحكم في غرائزه . وهو ما يقود في بعض الأحيان إلى تطهر هوسي قائم على التوسع و التمادي و الانتشار. في بعض الأحيان ينقلب هذا الهوس المرضي إلى الضد وهو ما يفسر فتوى إرضاع الكبير التي تبيح ما تريد تحريمه ! فهذه الفتاوى تشكل هذيانات منظمة و منسجمة داخليا بيد أنها تنتج تأويلات خاطئة فهي تعكس عالما بسيطا و بدائيا خاليا من الرغبة التي تؤدي وجوبا إلى الفاحشة. بينما يبين لنا علم النفس أن المسالة أكثر تعقيدا و تشابكا. إذ يميز علم النفس بين الحاجة, والطلب ,و الرغبة. فالحاجة هي غالبا فيزيولوجية تستهدف شيئا معينا و تريد أن تشفي غليلها منه .أما الطلب هو طلب حضور أو غياب و هو في آخر المطاف نداء مستتر للحب .أما الرغبة فهي تتأصل في مخيال الفرد . كما أنها طموح إلى حمل الآخر على التعرف على رغبته الخاصة و الاعتراف بها كما أنها و سعي في أن يكون موضوع رغبة هذا الآخر فهي إذن المحرك المركزي في كل علاقة بشرية . فمطاردة الرغبة و إلغاءها بصورة قسرية يؤدي إلى نتائج وخيمة. فانتشار آلية الإنكار و تعميمها يتطلب من جهة بذل طاقة مستمرة و جهد دائم من زاوية الاقتصاد النفسي ترهق الفرد الذي يخو حربا أهلية ضد نفسه و يحرمه من توظيف هذه الطاقة في مجالات إبداعية كما يمكن أن يؤدي انتشار الإنكار إلى جمود الشعور أو ما نسميه « الشلل الانفعالي المعمم « الذي يعيق مهام التعلم و التكيف و التواصل لأنه يصادر الشوق و ألتوق إلى معرفة المجهول . فالمهم من وجهة علم النفس ليس التخلص من الرغبة بل استبطان المانع و تشربه مع فرض الحدود و منح المكافئات البديلة ذلك أن الرغبات لا يمكن إرضاءها أبدا فهي محكومة دائما بالخيبة . بيد أن الإحباطات الملازمة لها ضرورية و مهيكلة لشخصية الفرد فهي التي تمكن الفرد من الوعي بأن الموضوع الملبي للحاجات منفصل عن الذات و ينتمي إلى العالم الخارجي وهو ما يسهل على الطفل الصغير مثلا أن ينفلت من جبروت الأم و يساهم بالتالي في نسق التفردن أي ذلك المسار الذي يقود تدريجيا إلى الاستقلالية والنضج المتزايد. فكل تحقيق مباشر للرغبة , إرضاع الكبير مثلا ,يمثل شكل من أشكال انتهاك المحارم و يؤدي إلى حدوث نكوص بسبب تشابه الوضعية المعيشة مع استيهام تحقيق الرغبة الاودبية مما يجعل عملية التفوق على الذات و الوصول إلى نظام رمزي غير مؤكد ة. و نذكر في هذا السياق أن النظام الرمزي, أي تشرب الموانع و النواهي ,هو الذي يرتقي بالضوابط من مشهد الاستعراضات الخارجية و الشكلية , التي تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر, إلى مستوى الضمير الإنساني أي ذلك الاستبطان الداخلي و الانضباط الشخصي اللذان يكونان هيئة قيم أخلاقية عالية تتجسد في السلوك العملي للفرد. و هذه القيم الراقية هي وليدة الإحساس بالمسؤولية و أيضا صنيعة الفردية و الاستقلالية الذاتية و ليست ناتجة عن خوف من العقاب أو عن خجل نشعر به تجاه الآخرين . و من الواضح أن هذا هو هدف الديانات التي تسعى إلى تهذيب الغرائز و الارتقاء بالإنسان من الهمجية إلى الحضارة و من الطبيعة إلى الثقافة. أستاذة علم النفس بالمعهد الأعلى لأصول الدين بجامعة الزيتونة تونس. ahikbal@yahoo.fr (المصدر:  موقع  « شفاف الشرق الأوسط »  بتاريخ  24 جوان 2007)

 
 


خطط لتفجيرات في سيناء وتجسس على مسؤوليها

مصادر: دحلان عمل على زعزعة الأمن القومي المصري بالتعاون مع « الموساد »

 
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت صحيفة « المصريون » القاهرية النقاب، نقلاً عن مصادر أمنية رفيعة المستوى، عن أن حركة « حماس » أطلعت أجهزة أمنية مصرية سيادية على جزء من الوثائق المخابراتية التي حصلت عليها بعد دخولها مقار الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية. وقالت المصادر إن تلك الوثائق « تضمنت معلومات خطيرة كشفت عن تورط مجموعة محمد دحلان ورشيد أبو شباك، والذي يشار إليهما على اعتبارهما أبرز قادة التيار الانقلابي في « فتح »، في التعاون مع المخابرات الصهيونية والأمريكية بشكل منتظم، وعن محاولتهما إغراق مصر بالمخدرات المهربة من الكيان الصهيوني عبر قطاع غزة، بالإضافة إلى ترويج مئات الآلاف من الدولارات المزيفة في المناطق السياحية بسيناء لضرب السياحة هناك ». وأشارت أيضاً إلى دور محمد دحلان ومجموعته في « تحريض بدو سيناء على التهديد باللجوء السياسي للكيان الصهيوني، وتورط عناصره في تهريب أعضاء من « تنظيمات إرهابية » إلى داخل سيناء للقيام بعمليات ضد المنشآت السياحية المصرية هناك، بهدف ضرب السياحة المصرية لصالح السياحة الصهيونية، فضلاً عن محاولة الوقيعة بين مصر و »حماس » بزعم أن هذه العناصر مواليه لتلك الحركة ». وبحسب ما نقلته الصحيفة عن تلك المصادر الأمنية؛ فإن الوثائق كشفت أيضاً عن أن دحلان كلف عدداً كبيراً من عناصر حركة « فتح » العاملة بالدول العربية، ومن بينها مصر، لجمع معلومات استخباراتية عن تلك الدول، وكان يقدمها للموساد والمخابرات الأمريكية. وكشفت كذلك عن قيام دحلان بإعطاء أوامر لعناصره بالتنصت على البعثة الدبلوماسية المصرية بغزة وعلى اتصالاتها مع القاهرة، وكذا التنصت على الوفد الأمني المصري، بالإضافة إلى تورطه في خطف أحد أعضاء الوفد في غزة، وهو العقيد حسام الموصلي في العام الماضي، قبل أن يتم الإفراج عنه بضغوط مصرية. وأشارت الوثائق إلى تورط دحلان وأبو شباك في اغتيال عدد من رموز حركة « حماس » حيث كان يزرع أجهزة تنصت متقدمة تمكن الطائرات الصهيونية من تحديد أماكن تواجدهم لاغتيالهم، كما حدث مع الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وغيرهما، وعن تورطه مع « الموساد » (جهاز الاستخبارات الصهيوني الخارجي) بدس سم بطيء للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بغرض التخلص منه. وأوضحت الوثائق أن من بين المهام التي كُلفت بها أجهزة الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة هي التجسس على القوات المصرية بسيناء من حيث العدد والعتاد، وكذا رصد أي عناصر أمنية مصرية قد تكون متواجدة في الأراضي الفلسطينية مستترة. وأظهرت تورطها في تدبير محاولة لاغتيال إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني عند عودته من معبر رفح من الأراضي المصرية في كانون أول (ديسمبر) الماضي لإحراج أجهزة الأمن المصرية وللوقيعة بين « حماس » ومصر. (المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام بتاريخ 25 جوان 2007)

أكد العثور على 50 سيارة مفخخة ومقابر جماعية فيها الزهار: ما وجدناه في المقار الأمنية أمور مذهلة لا يمكن تصورها وستُعرض لاحقاً

 
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشف الدكتور محمود الزهار، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية « حماس »، عن بعض الخفايا والأسرار التي وجدها مجاهدو « كتائب الشهيد عز الدين القسام »، الجناح العسكري للحركة في مقار الأجهزة الأمنية في قطاع غزة. وقال الزهار، في لقاء جماهيري في مسجد الإصلاح بحي الشجاعية شرق مدينة غزة: « بعد أن نقوم بدراسة وتحليل ما حصلنا علية من ملفات ووثائق في مقار الأجهزة الأمنية ستعرفون أمور مذهلة وأشياء لا يمكن لأحد يتصورها ». وكشف عن أن عناصر القسام وجدوا في مقر المخابرات، الذي يعرف باسم « السفينة »، خمسين سيارة مفخخة وجاهزة للتفجير هم من فككوا هذه السيارات، « ولولا ذلك لغرقت غزة ببحر من الدم »، مبيناً أنه « تم العثور في مقر الأمن الوقائي على أنفاق وقبور موجودة فيها جثث أي « مقبرة جماعية »، علاوة عن مخازن للسلاح ». وأضاف: « هناك وثائق تتعلق بالفساد المالي وكيف كانت توزع الأموال، إلى جانب الفساد الأخلاقي وأمور لا يقبلها العقل أبداً ولا يتخيله أحد »، وتابع « كما كانوا يحمون تجار المخدرات وتجار الأسلحة والذين يعربدون في الشوارع ويشجعون العائلات والمحرضين ». وقال: « إن حماس لم تخطط لدخول المنتدى (مقر رئيس السلطة في غزة)، ولكن حماية للمنتدى من الناس دخلت عليه الكتائب، فالمنتدى تحول قبل سقوطه إلى سجن كبير للتعذيب والقتل ومخازن للسلاح، موضحاً أن « الناس والشرفاء من فتح هم من قالوا تعالوا استلموا هذه المواقع الأمنية، والشرفاء من أفرد الأجهزة الأمنية ومنها المخابرات رفضوا أن يسلموا معلومات لـ (نائب مدير المخابرات العامة توفيق) الطيراوي عن مواقع التنفيذية التي ضربت من الاحتلال في الفترة الأخيرة ». وشدد الزهار على أن ما حدث من اقتتال ليس بين حركتي حماس وفتح؛ لأن حماس « لا تحمل شيئاً ضد فتح، والمستفيد الأول والأخير من هذه الأمور التي جرت أخيراً هي فتح، بعد أن دخل فيها من حاول سرقتها وتدميرها من اللصوص والخونة لصالح الاحتلال »، داعياً فتح أن تقوم بإصلاح وترميم نفسها. وحذر القيادي في حركة « حماس » كل من يفكر بالعودة لعمليات العربدة والقتال والفلتان الأمني في غزة بأمر من محمد دحلان، مهدداً بمحاكمتهم بالقانون، متوقعاً أن « تُشكل خلايا في غزة لتقوم باغتيالات أو زعزعة الأمن »، وأكد أن هذه الخلايا « سيتم محاسبتها بالقانو (المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام بتاريخ 25 جوان 2007)


 

الإفراج عن وثائق غزة.. ليس الآن

 
علا عطا الله غزة – « حماس لن تكشف عن الوثائق التي حصلت عليها من مقرات الأجهزة الأمنية في المدى القصير أو المتوسط.. ستعلن عنها في الوقت المناسب.. فهي ليست بحاجة في هذه المرحلة لمزيد من الصدع والشرخ في علاقتها مع فتح.. بل تعمل جاهدة لرأب ما انكسر ». تكتيك كشفت عنه مصادر مقربة من الحركة لـ »إسلام أون لاين.نت »، وأكد الخبير والمحلل السياسي الفلسطيني أيمن يوسف، أن حماس ستنتهجه، متوقعًا عدم كشف الحركة عن الوثائق التي وضعت يدها عليها قبل أكثر من أسبوع حين أحكمت سيطرتها على قطاع غزة. وأضاف: « هي ستعلن عن أشياء معروفة للشارع وللشعب، ولكن ما هو خطير لا أظن أنها ستكشفه ». وقال: « إن تكتيك حماس يعتمد على الاحتفاظ بسرية الوثائق، والاكتفاء بالتلويح بها كورقة ضغط، لكن إذا ما أقدمت فتح والرئاسة على تصعيد سياسي وقانوني، وعملت على تضييق الخناق على حماس، فمن الممكن حينها أن تكشف عما بجعبتها ». لكن يوسف استدرك بأن « حماس لن تخوض هذه الحرب الآن.. هي تريد رأب الصدع بالجلوس مع فتح على طاولة الحوار بوجود طرف ثالث يقرب وجهات النظر، فهي لا تريد حرق كل الأوراق ». لجنة خاصة وتقول مراسلة « إسلام أون لاين.نت »: إن المراقب لتصريحات قادة حماس وناطقيها حول هذه الوثائق يكاد يجزم بأن ثمة قرارًا سياسيًّا بالاحتفاظ بها لحين الحاجة إلى إبرازها للرد على موقف تصعيدي من فتح على سبيل المثال. وتعكف حماس حاليًّا على إعداد لجنة خاصة للإشراف والتعامل مع هذه الوثائق، ودراسة ما يمكن نشره منها، ووقت النشر، وفق تصريحات مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ »إسلام أون لاين.نت ». ولفتت المصادر إلى « وجود وثائق لا يمكن نشرها؛ إذ يكشف قسم منها عن أن بعض قادة الفصائل الفلسطينية تم توريطهم في قضايا أخلاقية وابتزازهم سياسيًّا ». وقالت: « لا يمكن لحماس أن تعلن على الملأ عن هذه الأسماء فثقافتها ودينها لا يسمحان بذلك.. غير أن الحركة مصممة على كشف بعض الوثائق للجنة تقصي الحقائق العربية أو عرضها على الفصائل وقادة المنظمات الحقوقية ». إسقاط أخلاقي بدوره أكد وزير الداخلية السابق ورئيس كتلة حماس البرلمانية سعيد صيام، أن ما عرضته الحركة هو جزء يسير من الوثائق، موضحًا أن الوثائق والتسجيلات تتضمن « فضائح وتورطًا في العمالة ». وكان د. خليل الحية النائب البرلماني عن حماس، قد كشف خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا بمدينة غزة، عن وثائق وتسجيلات تكشف طبيعة عمل الأجهزة الأمنية خلال المرحلة السابقة. وفي وقت لاحق بثت فضائية « الأقصى » الموالية لحماس لقطات يظهر فيها الرئيس محمود عباس زعيم فتح، وهو يأمر ضباط جهاز المخابرات العامة بقتل كل من يحمل صاروخًا، ويريد إطلاقه على البلدات الإسرائيلية. وقال صيام في تصريحات لإذاعة « صوت الأقصى » المحلية: « أعرف الكثير عن هذه الوثائق والتي تتعلق بعمليات الإسقاط الأخلاقي، مثلما يفعل الاحتلال للعديد من قيادات المجتمع الفلسطيني، وكيف يتحكم جهاز أمني في جهاز أمني آخر أو في مستوى قيادي آخر ». ومضى موضحًا أن « هناك شققًا مفروشة في غزة وفي دول إقليمية مجاورة مجهزة بكاميرات وبأجهزة دقيقة يتم استدراج العديد من القيادات والمستويات الاجتماعية والأمنية والسياسية والقضائية إليها، ثم يتم إسقاطهم وابتزازهم إما ماليًّا أو أخلاقيًّا، وأعرف أن هناك من دفع عشرات الآلاف من الدولارات؛ بسبب سقطة استطاع أحد الأجهزة أن يصل إليها ». بيع المعلومات وضرب صيام -المتواجد بالعاصمة السورية- مثلاً بـ »فريق داخل جهاز المخابرات العامة يعمل لصالح الأمن الوقائي قام بإسقاط العديد من قادة المخابرات العامة، وأنا شخصيًّا أمتلك تسجيلات كاملة لهؤلاء القادة ولهؤلاء المسئولين في جهاز المخابرات العامة ». وأردف قائلاً: « وصل بهم الأمر أنهم يقومون بإسقاط طلابنا في الدول العربية عن طريق السفارات، وعن طريق الملحقين الأمنيين والعسكريين والتجسس على هذه الدول وتقديم معلومات لدول خارجية، وهناك تجارة شنطة للمعلومات، فما يتم جمعه من معلومات يتم بيعه لمخابرات أجنبية والاستفادة منه إما ماليًّا أو بطريق غير مباشر من خلال مساعدات وسيارات ومنح وما إلى ذلك ». وأضاف أن عناصر الأجهزة الأمنية تقوم بـ »اختراق حُرمات البيوت والتنصت والتجسس على بيوت المواطنين الشرفاء والتي طالت كل الفصائل الفلسطينية ». أوضاع « مزرية » وأعرب رئيس كتلة حماس البرلمانية عن استعداد حماس لعرض تسجيلات لوزراء ونواب سابقين وقادة الأجهزة الأمنية، وحتى قادة من فتح والمجتمع، في أوضاع وصفها بـ »المزرية » على لجنة تشكل لهذا الغرض. وقال: « هكذا سيطروا على المواطنين، وهكذا تحكموا في مقدرات الناس حتى أصبحوا من أثرى الأثرياء، وحتى أدخلوا الناس إلى الرذيلة ». وشدَّد صيام على ضرورة إعادة صياغة الأجهزة الأمنية على أسس وطنية. وقال: « إن هناك في هذه الأجهزة منتسبين وطنيين شرفاء من أبناء هذا الشعب بالمئات والآلاف، نحن نشجعهم على أن يعودوا، وأن تعاد صياغة هذه الأجهزة بهؤلاء الشرفاء وبهؤلاء المناضلين »، مشيرًا إلى دور القوة التنفيذية والشرطة في تسيير الأمور في القطاع. وكان تقرير بثه موقع « تيك دبكا » الإسرائيلي، المتخصص بالشئون الاستخبارتية، قد كشف أن أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية تبدي قلقا بالغا بعد سقوط ما وصفته بـ »كنز استخباراتي » في يد حماس. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 26 جوان 2007)
 
 


قبل أن نفاجأ بزلزال جديد

 
بقلم: فهمي هويدي (*) إذا أردنا أن نخرج سالمين من الزلزال الذي شهدته غزة، فينبغى أن ننحى الانفعال جانباً، وأن نتخلص من الأوهام والأساطير التي راجت حول ما جرى، لأن الخطأ في التشخيص يمكن أن يرتب أخطاء في العلاج، قد تستدعى زلزالاً آخر لم يخطر على البال. (1) من مفارقات المشهد وسخريات الأقدار أن الزلزال فاجأ كل القريبين منه، بينما لم يستغربه البعيدون عنه. فقد أشرت في الأسبوع الماضى إلى ما نشر عن شهادة الجنرال كيت دايتون مسؤول الاتصال العسكرى المقيم في تل أبيب أمام لجنة الشرق الأوسط في الكونجرس الأمريكى، التي أدلى بها في شهر مايو الماضى. وتحدث فيها عن انفجار قريب للأوضاع في غزة، وعن دور الإدارة الأمريكية في تعزيز وتسليح القوى الأمنية في مواجهة القوة التنفيذية التي أنشأتها حماس لضبط النظام في القطاع. وهذا الذي قاله الجنرال دايتون لم يختلف كثيراً عما تضمنه التقرير السري الذي قدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة من نائبه ومبعوثه إلى الشرق الأوسط الفارودى سوتو. وقد تسرب محتوى التقرير إلى صحيفة الجارديان البريطانية التي نشرت بعض مقتطفاته في عدد 30/6، وهو ما فعلته أيضاً صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في عدد 19/6، وفيه قال صراحة إن الإدارة الأمريكية عملت منذ البداية، بالتواطؤ مع بعض عناصر السلطة على إسقاط الحكومة الفلسطينية التي تشكلت بعد الانتخابات التشريعية بأى ثمن، حتى لو كان الثمن حرباً أهلية دامية. وأضاف المبعوث الدولى أنه « كان من الممكن تشكيل حكومة وحدة وطنية في أعقاب الانتخابات، لولا أن الولايات المتحدة دفعت الرباعية إلى وضع شروط مستحيلة للاعتراف بها. فضلاً عن أنها عارضت مبدأ تشكيل حكومة من ذلك القبيل ».. وأشار الرجل إلى أنه خلال اجتماع اللجنة الرباعية الذي عقد قبل أسبوع من لقاء مكة، حين كانت المواجهات على أشدها بين حركتى فتح وحماس، فإن المندوب الأمريكى في الرباعية قال مرتين في الاجتماع: « إننى أحب ذلك العنف، لأنه يعنى أن ثمة فلسطينيين يقاومون حكومة حماس ». هذا الكلام لا يختلف في مضمونه كثيراً عما قاله الرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر، في خطابه امام منتدى حقوق الإنسان في العاصمة الإيرلندية دبلن، من أن واشنطن وتل أبيب فعلتا كل ما بوسعهما لمنع تسوية الخلافات بين فتح وحماس. وإنهما انحازتا طول الوقت إلى جانب فتح لإفشال حماس وإخضاعها في غزة. لا أريد أن أستطرد في عرض الشهادات المحايدة والوثائق التي سلطت الضوء على العناصر الأساسية في خلفية ما جرى في غزة، إلا أننى أنبه مجدداً إلى حقيقتين غيبهما خطابنا السياسى والإعلامى: الأولى أن الأصابع الأمريكية التي تحركها المصالح الإسرائيلية، سعت جاهدة إلى تفجير الوضع في غزة منذ ظهرت نتائج الانتخابات التشريعية في بدايات العام الماضى، واستعانت في ذلك ببعض العناصر الموجودة في قيادة السلطة. الحقيقة الثانية أن الحكومة التي تشكلت عقب الانتخابات كانت لها مصلحة في تهدئة الأوضاع في القطاع، على الأقل لكى تنجح في مهمتها. لذلك فإنها عملت طول الوقت على إبطال مفعول محاولات التفجير التي تمثلت في استمرار إشاعة الفوضى والفلتان الأمنى. (2) الالتباس في قراءة وفهم ما جرى قبل الأحداث استمر بعدها بنفس الوتيرة تحت عناوين عدة. وكانت حكاية الإمارة الإسلامية في غزة من بين تلك العناوين. ذلك أن القراءة الموضوعية والمتأنية لما حدث في القطاع تشير إلى أن المشهد حركته أجندة أمنية بامتياز، ولم تكن وراءه أية أجندة سياسية، على العكس تماماً من الأسطورة التي يروج لها الإعلام الآن. ذلك أن خبرة 15 شهراً أقنعت الحكومة بأنه طالما بقيت الأجهزة الأمنية خارجة عن السيطرة. وتؤدى دورها في إثارة البلبلة والفوضى، فإنها لن تستطيع أن تنجز شيئاً على الأرض. وحين لم تسفر استقالة ثلاثة وزراء للداخلية لهذا السبب عن إحراز أى تقدم إيجابى يخدم التعاون بين تلك الأجهزة وبين الحكومة، فإن رئيسها السيد إسماعيل هنية قدم مشروعاً من ثمانى نقاط لإعادة هيكلة تلك الأجهزة، وإخضاعها لسلطة الحكومة الشرعية. وبالمناسبة فإن الرئيس أبو مازن وافق على تلك النقاط، وفوض أحد قيادات فتح في غزة -السيد أحمد حِلِّس- في مناقشة تفصيلاتها مع ممثلى الحكومة. وكما حدث في مرة سابقة، حين تم الاتفاق على خطة أمنية، أفشلتها قيادات الأجهزة المذكورة في يوم إقرارها، فإنه في حين كانت الاجتماعات مستمرة لبحث مشروع إعادة هيكلة تلك الأنظمة، فإن اشتباكاً وقع في منتصف الاسبوع الماضى في رفح بين مجموعتين. إحداهما تمثل القوة التنفيذية التي شكلتها حماس، والثانية من عناصر الأمن الوقائى. وأدى الاشتباك إلى قتل أحد عناصر القوة التنفيذية واثنين من الأمن الوقائى. وكان الظن أن الحادث سيمر، شأن غيره من الحوادث المماثلة التي وقعت خلال الأيام الأخيرة وتم تجاوزها بصورة أو أخرى. غير أن الأمر اختلف هذه المرة. فقد أعقب الاشتباك انتشار لقوات الأمن الوقائى في الشوارع. استصحب وضع الحواجز واعتلاء المسلحين للأبراج السكنية، والإقدام على إعدام اثنين من حماس، وخطف آخرين. وهو تحرك أيقظ شكوكاً كثيرة لدى الحكومة التي لم تجد مفراً من اتخاذ قرار بالسيطرة على مقار الأجهزة الأمنية، لإنهاء الفلتان والفوضى في القطاع. وهو التصرف الذي يبدو مفهوماً وطبيعياً من جانب أى حكومة تكتشف أن الأجهزة الأمنية التي يفترض تبعيتها لها لا تتحداها فحسب، وإنما تهدد الأمن والاستقرار في المجتمع. المفاجأة التي حدثت أن تلك الأجهزة انهارت بسرعة لم تخطر على بال أحد، في حين استسلم بعض قادتها، وهرب البعض الآخر، منهم من عبر الحدود وغادر القطاع، ومنهم من لجأ إلى بيت رئيس الوفد الأمنى المصري ليحتمى به. ثمة تفاصيل مثيرة في هذا الشق لا مجال للخوض فيها الآن، لكن أهم ما يستخلصه المرء من وقائع تلك المواجهة أن تحرك الحكومة لم يكن موجهاً لا ضد أبو مازن، ولا ضد السلطة، بل ولا ضد حركة فتح ذاتها. وإنما كان موجهاً فقد ضد مقار الأجهزة الأمنية، بهدف إخضاعها لسلطة الحكومة، بعدما فاض الكيل وفشلت المساعى طيلة 15 شهراً في التفاهم حول الموضوع. المدهش في الأمر أن الإجراء الذي اتخذ قرئ على نحو مختلف تماماً، وجرى تسييسه على الفور، وكأن الأجهزة الأمنية هى السلطة والدولة. فتحدث كثيرون عن انقلاب في القطاع، وذهب آخرون إلى حد الادعاء بأن ما جرى في غزة يمهد لإقامة إمارة إسلامية، أطلق عليها البعض اسم « حماستان »، وتطوع نفر من المحرضين فتساءلوا عن الخطر الذي يهدد أمن مصر من جراء إقامة إمارة إسلامية على حدودها، وصفها أحدهم بأنها قنبلة موقوتة، إلى آخر تلك الأساطير المسرفة في الخيال. حتى بدا مضحكاً أن يجرى تخويف المصريين وإثارة فزعهم من قنبلة موهومة في غزة بدعوى أن مصر لا تحتمل وضعاً كهذا، في حين أنها احتملت 200 قنبلة نووية حقيقية قامت إسرائيل بتخزينها على حدودها، ولم ير أولئك المتحدثون في ذلك أمراً يثير القلق أو يهدد أمن مصر. (3) في استعراض ما جرى وفهمه على نحو صحيح، تقتضى الموضوعية أن نفرق بين عناصره الجوهرية وبين الممارسات التفصيلية. وفى تتبعى للمناقشات والمساجلات التي جرت حول الموضوع، لاحظت أن التفاصيل الفرعية استحوذت على الاهتمام أكثر من المسائل الجوهرية والكلية. وأحسب أن الدور الأمريكى والإسرائيلى في إذكاء الصراع وتفجيره من تلك القضايا الجوهرية، كما أن الموقف الذي اتخذته الأجهزة الأمنية التي صممت لتكون فتحاوية وفصائلية قبل أن تكون فلسطينية، وتحولت بمقتضاه إلى أداة لإثارة الفوضى وإسقاط الحكومة. وهذا الموقف هو مسألة جوهرية أخرى تحتاج إلى تحقيق وتحرير. يسري ذلك أيضاً على الهدف من تحرك الحكومة، وهل كان أمنياً كما ذكرت أم أنه كان سياسياً. وهل كان إجراء حكومياً لإخضاع الأجهزة الأمنية لسلطة الحكومة الشرعية، أم أنه كان انقلاباً من جانب الحكومة الشرعية. حتى مسألة الشرعية ذاتها تحتاج إلى تحرير من زاويتين، إحداهما ما إذا كانت مظلة الشرعية تغطى الرئاسة المنتخبة فقط أم أنها تتسع للحكومة المنتخبة بدورها من جانب الشعب الفلسطينى. أما الزاوية الثانية فتتمثل في مدى شرعية القرارات التي أصدرها الرئيس ابو مازن بما في ذلك قراره بتعطيل ثلاث مواد من القانون الأساسى الفلسطينى. هذه الأمور المهمة لم تنل حقها من الاهتمام والتمحيص، في حين أن كثيرين تعلقوا بالتفاصيل، المتفرعة عن تلك الكليات. وهى التفاصيل الحافلة بعناصر الإثارة وبالأخطاء على الجانبين، خصوصاً إذا لاحظنا أن كل طرف أراد أن يشوه صورة الاخر لكسب المعركة الإعلامية التي صارت موضوع الصراع الراهن، بعدما حسمت المعركة عسكرياً في غزة، حتى الآن على الأقل. فجرى الحديث عن جرائم ارتكبها كل طرف بحق الآخر، والتنديد بالممارسات الانفعالية والتصريحات التي اتسمت بالرعونة التي صدرت عن بعض عناصر حماس بوجه أخص. حتى وجدنا أن بيان المجلس المركزى لمنظمة التحرير، وبعض الأبواق الإعلامية، تتحدث عن حوادث القتل وإنزال العلم الفلسطينى من فوق بعض المبانى، والاعتداء على مقر أبو مازن وبيت أبو عمار، ونهب بعض الممتلكات، إلى غير ذلك من الممارسات التي لا تستغرب في أجواء الاشتباك والفوضى، ويظل من الصعب للغاية تحديد فاعلها أو محاسبته. مثل هذه العناوين الفرعية ظلت تلوكها الألسن وتشغل الرأى العام خلال الأيام الماضية، الأمر الذي صرف انتباه الناس عن الأسئلة الأساسية في الموضوع. (4) الآن يشهر كل طرف اتهامه للطرف الآخر. فثمة حديث من جانب بعض قيادات فتح عن انقلاب حدث في غزة ومؤامرة لاغتيال ابو مازن. وثمة أحاديث صادرة عن حماس تتحدث عن انقلاب في رام الله، وعن وثائق تم العثور عليها تكشف عن دور خطير وتخريب قامت به الأجهزة الأمنية. ولا سبيل إلى حسم هذا التراشق إلا بعرض الموضوع برمته على لجنة تقصى الحقائق التي قررها مجلس وزراء الخارجية العرب، ولم أجد سبباً مقنعاً لاعتراض بعض ممثلى السلطة عليها. المثير للانتباه أن ثمة جدلاً واسعاً حول الموضوع في الصحف الإسرائيلية، التي تعددت فيها الآراء بصدده. ولكننا لا نكاد نرى هذا التعدد في ساحاتنا الإعلامية، التي يتبنى أغلبها رأياً واحداً ينطلق من الاتجاه إلى التصعيد والدعوة إلى قمع حماس وإقصائها من المشهد السياسى الفلسطيني. واستئصالها بالكلية من غزة والضفة. وهو الرأى الذي يتبناه المتطرفون في فتح، ويشجعه الإسرائيليون، ويصفق له الأمريكيون بشده. ولست أعرف ان كان ذلك يمكن على أرض الواقع أم لا، ولا ما هو الثمن الذي يمكن أن يدفع لقاء ذلك، ولا ما هى النتائج التي يمكن أن تترتب عليه. وفى هذه النقطة الأخيرة استوقفنى تعليق لمحرر الشؤون العربية في صحيفة هاآرتس، دانى روبنشتاين، قال فيه إن من يرفض الحديث مع حماس اليوم، سيجد نفسه غداً في مواجهة تنظيم القاعدة. وهى ملاحظة مهمة للغاية لها شواهدها على أرض الواقع، ذلك أن القاعدة بدأت تتسلل إلى غزة والقطاع خلال العام الأخير، ولم يحل دون انتشار تنظيمها سوى الوجود القوى لحماس في الشارع الفلسطينى. وتقليص ذلك الوجود هو أثمن هدية تقدم إلى القاعدة، التي ظهرت طلائعها في العراق ولبنان والمغرب والجزائر والأردن واليمن. فهل نحن داعون ومستعدون لذلك الاحتمال. أما كلمتى الأخيرة فهى تتمثل في السؤال التالى: لماذا لم يعد هناك ذكر لاتفاق مكة، ولماذا لا يتم تفعيله والاحتكام إليه فيما جرى، لعلنا نجد فيه مخرجاً وطوق نجاة من آثار الزلزال الحالى، والآخر القادم. (*) كاتب ومفكر من مصر (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 26 جوان 2007)


خطان: القطيعة أم الحوار

 
بقلم: منير شفيق (*)         لنقرأ ما نقل عن أولمرت، وبالحرف الواحد: «وجوب إخراج حركة حماس من اللعبة بصورة نهائية، والعمل على الساحة الدولية من أجل نزع الشرعية عن هذه الحركة، ومنع عودتها إلى الملعب الدولي بكل ثمن، بل مواصلة مقاطعتها وجعلها منبوذة». هذا ما طلبه أولمرت من بوش في لقائهما الأسبوع الفائت في واشنطن. وتابع مراسل «الحياة» في فلسطين 48 نقلا عن الإذاعة الإسرائيلية العامة قائلا: وأعرب أولمرت «لبوش» عن انزعاج إسرائيل من جهود تبذلها دول أوروبية وعربية لمصالحة حركتي «فتح» و«حماس» من أجل إعادة الشراكة الحكومية بينهما داعياً إلى «القضاء» على هذه المحاولات وهي في «المهد» (الحياة في 20/5/2007). ونقلت الإذاعة المذكورة أيضاً أن أولمرت طلب هذا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس قائلا: «إذا تأكدت القطيعة بين «فتح» و«حماس» فإن إسرائيل سترد على ذلك بتوفير الدعم المالي للسلطة…» وإلى جانب طلب القطيعة اشترط ان تعترف حكومة الطوارئ بشروط الرباعية. هذا وسرّّب، وأعلن عملياً، ان واشنطن تتهيأ لتبني «خيار الضفة الغربية أولاً»، مع الاستمرار في محاصرة قطاع غزة. باختصار، تلكم هي السياسة الإسرائىلية – الأمريكية بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وبعد صدور المراسيم الرئاسية بإقالة حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة إنفاذ حالة الطوارئ برئاسة سلام فياض.. فالمطلوب: تحقيق القطيعة الكاملة بين فتح وحماس، والفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإغلاق الأبواب كلها في وجه المصالحة وعودة الحوار. مما يقتضي الحيلولة دون تحرك الوساطات والتدخلات الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية من أجل العودة إلى التعايش، فالتفاهم فالوحدة الوطنية بين الشرعيتين، إذ تمثل إحداهما فتح من خلال شرعية الرئيس وتمثل حماس اخراهما من خلال شرعية المجلس التشريعي والحكومة برئاسة إسماعيل هنية. هذا يعني الحرب الأهلية اللامتناهية، لأن الحسم غير ممكن لا من جانب حماس ولا من جانب فتح. فالسيطرة على قطاع غزة من قبل حماس، والسيطرة على الضفة الغربية من قبل حكومة الطوارئ وفتح لا تخرجان أيا من الحركتين من ميدان الصراع ومن امتلاك الشرعية، ولا يؤدي إلى نتائج في مصلحة أي منهما، ناهيك عن المصلحة العليا للشعب الفلسطيني بل لكل الدول العربية. لأن عدوى الانقسام الداخلي الفلسطيني، كأي انقسام داخلي في أي بلد عربي، له امتداداته وارتداداته وردود فعله في الداخل وفي كل بلد عربي، كما بالنسبة إلى الوضع العربي العام. ولهذا فإن الحسم لن يكون مقبولاً شعبياً ورأياً عاماً، ولا يحوز اجماعاً عربياً رسمياً. ما يهم أولمرت ليس وصول فتح إلى الحسم التام مع حماس ولا يهم إدارة بوش ذلك أيضاً، وإنما يكفي ان ينجم عن هذه القطيعة الممتدة إلى المواجهات لا محالة، شلل وفوضى وحرب داخلية فلسطينيا، ولا بأس إذا حدث مثل ذلك في أكثر من بلد عربي، فالخسارة الكبرى حين تعود على الشعب الفلسطيني، وعلى كل من فتح وحماس هي ما يجب ان يوضع في الاعتبار عند معالجة ما وقع من أحداث وردود أفعال في قطاع غزة والضفة الغربية. فمهما كان الألم شديداً في هذا الجانب أو ذاك، فإن الجواب ليس بالذهاب إلى الطريق الذي يريده أولمرت وبوش، كما ليس الانقياد وراء القطيعة والانتقام وإغلاق أبواب المصالحة والحوار، بل العودة إلى مسار الوحدة الوطنية الفلسطينية. هذا قدر نافذ في الساحة الفلسطينية مادامت فلسطين مغتصبة وما فتئ الاحتلال قائما، وما طفق عدو الجميع هو الذي يتربص بالجميع مهما حاول أن يدعم طرفاً ضد طرف آخر. والدليل في الإجابة عن السؤال: من خرج من مسار اتفاق أوسلو على سوئه بالنسبة إلى الفلسطينيين أليس الحكومات الإسرائيلية وإدارة بوش والرباعية الدولية. ومن حاصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وحرض ضده كما يحرض الآن على حماس، بل واغتاله كما يحاول اليوم ان يغتال حماس؟ ومن دمّر مؤسسات السلطة الفلسطينية ووجه الضربات حتى لبعض أجهزتها الأمنية وأدخلها في الشلل. وضرب عرض الحائط بمساعدة عباس بعد انتخابه رئيساً. لقد حدث كل هذا قبل الانتخابات التشريعية في أوائل 2006 وقبل تشكيل حكومة حماس، وقبل الصراع بين الشرعيتين وهذا ما تدركه حركة فتح والشعب الفلسطيني وكل مهتم في القضية إلا قلة أصبحت ترى عدوها في الداخل وليس في المخطط الصهيوني والمشروع الأمريكي للمنطقة. وقد بلغا حد التماهي في عهد إدارة بوش. فهذه القلة يجب ألا يسمح لها بأن توظف ما حدث في قطاع غزة مهما كان مؤلما. فالاقتتال بين حماس وفتح كان خروجاً على محرم وكان عبوراً لخط أحمر. ولهذا كان مؤلماً ومرفوضاً منذ أول طلقة خرجت لتبدأ المسلسل الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن. ومن هنا كان من الضروري ان يحقق في كل هذا المسلسل ويقوم ويصار إلى النقد والنقد الذاتي. ولكن في ظل رفض القطيعة وفتح باب الوساطات والحوار، لأن تكريس القطيعة وإعلان الحرب، أو المضي بها حتى أقصاها، يغلق الباب أمام إظهار حقيقة ما جرى وتقويمه، ناهيك عن النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء. فالوضع الآن أمام خطين، خط القطيعة وخط الحوار، أو خط احباط ما طلبه أولمرت من بوش، وقد اتفقا عليه. (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وبالشراكة العلمية مع مؤسسة كونراد أديناور بتونس

تنظمان المؤتمر الثاني والعشرون لمنتدى الفكر المعاصر حول: الرقابة الذاتية : مظاهرها وتداعياتها العلمية والسياسية والاقتصادية في البلاد العربية

21-22-23 جوان/حزيران 2007

 
البيان الختامي بدعوة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وبالشراكة العلمية مع مؤسسة كونراد أديناور بتونس، تم أيام 23.22.21 جوان/حزيران 2007، المؤتمر الثاني والعشرون لمنتدى الفكر المعاصر حول : الرقابة الذاتية : مظاهرها وتداعياتها العلمية والسياسية والاقتصادية في البلاد العربية وقد افتتح المؤتمر بكلمة الأستاذ عبد الجليل التميمي (بالعربية والفرنسية)، ثم خطاب د. هاردي أستري، الممثل الدائم لمؤسسة كونراد أديناور ألقتها باسمه الآنسة ألفة رفرافي (بالفرنسية)، ثم كلمة الأستاذ بلقاسم أبو الطيب، باسم المشاركين (بالفرنسية) وبحضور سعادة سفير المغرب الأقصى الأستاذ نجيب زروالي وارثي، وسفير ألمانيا المستعرب  بيتر سميدث، والسفير السابق الألماني في بعض دول الخليج المستعرب د. دوم فارنر، وبحضور بعض الوزراء السابقين وممثلين عن جامعة الدول العربية بالقاهرة وتونس وبعض المنظمات الإعلامية التونسية والعربية. إلى جانب أكثر من خمسين باحثا ومشاركا متخصصا، قدموا من البلدان العربية والأوربية التالية : ألمانيا وتونس والجزائر وفلسطين وليبيا ومصر والمغرب الأقصى وسوريا ولبنان. وقد تم خلال ثماني جلسات علمية عرض 22 بحثا، بدأت بمحاضرة مفتاحية ألقاها الأستاذ المنصف وناس وتناولت : أبعاد وحدود وآليات الرقابة الذاتية عند المثقف العربي اليوم. وقد شفعت تلك الجلسات بحوارات موسعة وعميقة ورفيعة بين كل المشاركين, تناولت عديد الإشكاليات المغيبة على الصعيد الجامعي والصحفي والمجتمعي، على الرغم من أنها تكتسي أهميتها الاستثنائية. ومن المحاور التي تناولتها: – أنّ الرقابة الفكرية العربية شديدة ومتشعّبة وقاسية، وهي تؤثّر سلبا في جهد المثقّف العربي، وتطرح أسئلة كثيرة حول كيفية الحدّ من تأثيراتها السلبية إذا ما تعذّر الإلغاء ؟ – إنّ الرقابة بلا حدود، وهي شرسة في علاقاتها بالمثقف، إذ هناك اليوم 17 دولة عربية تراقب الإنتاج الفكري قبل صدوره، و7 دول تراقب المادة الإعلامية قبل صدورها. وعليه فإن جرأة المثقّف هي القادرة لوحدها على التصدي لهذا الوضع وإحراج الرقيب العربي وخلخلة البنية الرقابية برمّتها. – العلاقة بين المراقبة الذاتية والتواصل الثقافي والتنمية من خلال المقاربات المغاربية، عبر التجربة الوطنية لكل دولة. – الرقابة في الدول الغربية المتقدمة فكرياً وثقافياً، لم تصل إلى ما هي عليه, إلا بعد تجارب مريرة عبر فترات تاريخية، ومنذ عدة عقود. فالكاتب الغربي قد تجاوز هذه القضية بدرجة عالية، وترسخت لديه وإلى حد كبير الرقابة الذاتية وفق قناعته وثقافته وقيمه وعلاقته بالقارئ. بينما في أغلب المجتمعات العربية، لا يكتب الكاتب إلا ومعه ثلاثة من رجال الشرطة واحد في اللاوعي، والثاني في العقل والثالث على طرف القلم. ولتجسيد هذه المقاربة فقد تمّ الاختيار على أمثلة تبرز مدى تأثير الأخطبوط الذي يعمل فينا من الداخل قصد معاكسة طباعنا وضمائرنا. – تبدو الرقابة الذاتية لأول وهلة استفزازية, إلى أن برزت ظاهرة التيار التبريري الذي يلقي المسؤولية دائما على الأنظمة السياسية ويعلّق عجزه على شمّاعة « الاستبداد »، ساكتا على قصور ذاته ومخفيا عيوبه الأخلاقية والعلمية. بينما الرقابة الذاتية تتسع أو تضيق حسب نضج المجتمع ونخبه وقدرة الجميع على التضحية من أجل حرية التعبير. – الرقابة الرسمية على الفكر والأدب، تقيّدها قوانين وضوابط ونواميس، غير أن دولنا العربيّة قلما تتقيّد بروح ونصّ القوانين، فتتجاوزها وتلغيها عند التطبيق. أما الرقابة الذاتية فهي أشدّ تعقيدا من حيث تركيبتها وأشدّ وقعا من حيث نتائجها. فالسلط والمجتمع والتخلّف هي عيون ساهرة لا تنام، تقيّد الحركات والأنفاس, لذلك تتضاعف صعوبات المبدع والأديب. – إن دراسة التسيير الإداري والعلمي في الجامعات الجزائرية، لا يمكنه أن تعالج إلا ضمن إطاره العام، لأن الرقابة بمفهومها العام، لا تمس فقط المؤسسات الجامعية, بل كل مؤسسات المجتمع. إن سوء التسيير وإنتاج الرداءة وإعادة إنتاجها، يكون له تأثير سلبي على سير المجتمع وتطوره، خاصة وأن الجامعة تزخر بالكفاءات والقدرات العلمية الهائلة، غير المسخرة بشكل عقلاني لفائدة التنمية في جميع القطاعات. – كما أثير في هذا السياق بدايات إنشاء الجامعة التونسية والمناخ القمعي الذي مارسه مؤسسوها، تجاه غيرهم من خريجي الجامعات المشرقية أو البريطانية أو الأمريكية. وكيف غيبت الرقابة الذاتية، إثارة مثل هذه الإشكاليات المتعلقة بالجامعة التي تأثرت سلبا بذلك الوضع, وهو ما حال دون يقع تبني أية استراتيجية بحثية منفتحة حتى اليوم. – للرقابة الذاتية مضاعفاتها المعيقة للفكر الحرّ وحمل أصحابه على التوجه نحو ما يعتبر سياسيا لائقا، وبذلك تصبح اعتداء على حريّة الضمير. – إن دور الرقيب والرقابة يتلاشى كلما كان هناك حكم الديمقراطية والقانون. إن الرقيب الوحيد المقبول هو الجمهور المستهلك المعني بمادة الإبداع أو التأليف، وخاصة الجمهور المتخصص من النقاد في كل ميدان، ويبقى القانون والقضاء فوق الحكومات, كما هو فوق المؤلفين والباحثين والمبدعين. – يساهم الموروث الثقافي والنظام التربوي والأبوي، في تأصيل ثقافة الخوف في مكونات الثقافة العربية، وهيمنة منهج النقل على منهج العقل، وتسويغ واقع الرقابة، وهي الأشكال التي تجسدها ممارسات الأجهزة الرقابية للدولة في مجالاتها المتعددة. كما أثار المشاركون عديد الإشكاليات الأخرى المرتبطة مباشرة بالرقابة الذاتية، مركزين على أهمية هذه الحوارات العميقة جدا والتي تناولت الأسباب الحقيقية لاستفحال ظاهرة الرقابة والرقابة الذاتية. وإيمانا منهم بدولة القانون والمؤسسات, ووعيا بحتمية المساهمة الفاعلة في عملية البناء الحقيقي للمواطن المغاربي والعربي عموما، فقد أجمعوا على مناشدة مؤسسات المجتمع المدني المغاربي والعربي للعمل على مواجهة ظاهرة الرقابة الذاتية، ومراجعة النصوص والسلوكيات التي مازالت تتحكم في آليات الرقابة الإدارية وتداعيات ممارساتها التعسفية والتي أدت إلى استفحال الرقابة الذاتية لدى النخب والباحثين والجامعيين ومؤسسات المجتمع المدني عموما، وإننا اليوم نعيش زمانا جديدا يفرض علينا مراجعة جذرية لكل مفاهيم ومضامين الرقابة البائسة : – أن يكون الحوار هو قاعدة التعامل بين السلطات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. – أن يوكل للقضاء وللقضاء وحده، مسؤولية البت في إصدار قرارات مصادرة الأعمال الفكرية مع احترام استقلالية وحرية الفكر المسؤول أمام القانون، وليس للجان مراقبة لا نعرف طبيعة تكوينها، وأن يتم احترام الأساتذة الجامعيين الذين خدموا العلم والإشعاع المعرفي الحق طوال مسيرتهم الجامعية والبحثية. ونظرا لأهمية الحوار الذي ساد أشغال المؤتمر والتوافق والانسجام واحترام الآراء المعبر عنها في فضاء هاته المؤسسة الأكاديمية، فقد أفرد المشاركون جلسة حوار مفتوحة لاختيار محاور المؤتمر القادم، وقد اتفقوا على المحور التالي : دور الجامعات والباحثين بين حرية الابداع وممارسات الرقابة وسوف يحدد لاحقا زمن عقده بأحد الفضاءات المغاربية, وإن تعذر ذلك, فسوف يتم في فضاء هاته المؤسسة. وفي الختام أجمع المشاركون على التنويه الصادق والعميق للمبادرات التي تأخذها مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، وإصرارها على تناول الملفات التي تكتسي أهمية بالغة في جدلية البناء المغاربي والعربي عموما، ثم قيامها بتنظيم خمسة مؤتمرات حول الرقابة في البلاد العربية، وهو ما يستحق التقدير والاحترام. كما أن المشاركين يرفعون شكرهم لمؤسسة كونراد أديناور على دعمها الذكي والفاعل دون أية حسابات لمثل هذه المؤتمرات الواعدة، سعيا منا لتعميق الحوار العلمي البناء بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. كما عبّر المشاركون عن عميق امتنانهم لوجودهم بتونس، والتي احتضنت مؤسسة التميمي، هاته المؤسسة التي شكلت أهم الإنجازات البحثية المغاربية والعربية اليوم، وشرّفت الجميع، لما حققته من إنجازات رائدة وبعدة لعات، معبرين عن سعادتهم لنجاح المؤتمر الذي اتسم بالتنظيم المحكم وتلقائية الحفاوة الصادقة, التي لقوها أثناء وجودهم بهذا البلد العزيز. ويعبرون عن تهانيهم وفخرهم لتونس على جودة وحجم مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وما أحوج الوطن العربي لمثل هذه المؤسسات العلمية النزيهة. يرفع المشاركون تقديرهم العالي لسعادة الأستاذ د. نجيب زروال وارثي (وزير التعليم العالي السابق بالمغرب) والسفير الحالي بتونس على تفضله ليس فقط بحضور جلسة الافتتاح ولكن أيضا بتشريف حضوره في جلسة الاختتام وهو ما كان له الأثر الجميل والرائع على المشاركين. وفي الختام فإنهم يأملون أن يسمح بنشر أعمال المؤتمرات الخمسة التي تحققت على أرض تونس حول الرقابة الفكرية في البلاد العربية. (المصدر: مراسلة وزعتها مؤسسة التميمي بالبريد الالكتروني يوم 25 جوان 2007)

رسمي: لا نيّة في مزيد خوصصة «التيليكوم»… والهاتف القار سيكون تنافسيا قريبا

 
* تونس ـ الشروق قالت مصادر حكومية رسمية انه لا يتجه التفكير حاليا على الاطلاق الى مزيد احالة جزء من رأس مال اتصالات تونس الى القطاع الخاص. وأبرزت نفس المصادر ان اهتمامات المشغّل الاول للاتصالات الهاتفية في تونس منصبّة خلال هذه الفترة على انجاز المشاريع الكبرى وتنويع الخدمات وضمان جودتها وتحسين مردوديتها خاصة في ظل الاحتياجات الموجودة من اجل توفير أفضل المناخات لحركة الاعمال وتحسين مختلف الخدمات الاتصالية. وأكدت نفس المصادر الحكومية انقطاع الهاتف القار الخاضع حاليا لاحتكار «التيليكوم» مرشح الى ان يُصبح في الفترة المقبلة قطاعا تنافسيا. وتوقعت الجهات المعنية ان يكون لهذا التوجه الجديد ـ أي ادخال تنافسية على قطاع الهاتف القار ـ نتائج ايجابية على تحسين نوعية الخدماتية الهاتفية وخدمات الربط بشبكات الانترنات. (المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 25 جوان 2007)
 

لأول مرة…: فيلم وثائقي عن صالح بن يوسف.. الإنسان والسياسي

 
تونس – الصباح: حدث ثقافي اعلامي وسياسي هو الاول من نوعه من المقرر أن تشهده تونس خلال المرحلة القادمة يتمثل في انتاج اول شريط سينمائي وثائقي متكامل عن الزعيم الوطني الراحل صالح بن يوسف.. أحد أبرز قادة الحركة الوطنية والحزب الدستوري منذ عام 1934.. ثم الامين العام للحزب بعد تعيين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رئيسا للحزب خلفا للزعيم الوطني الدكتور محمود الماطري.. وأورد منتج هذا الفيلم السيد فتحي الدغري منتج هذا الفيلم في حديث لـ »الصباح » أن شريطه سيتناول بطريقة سينمائية انسانية جوانب مختلفة من حياة صالح بن يوسف الانسان والسياسي منذ تولى « المسؤولية الاولى على رأس الحزب لما كان بورقيبة طوال 5 أعوام في المشرق العربي في الاربعينات وفي مراحل تعرضه للنفي والابعاد.. ثم لما قاد مطلع الخمسينات التيار السياسي المناصر للتفاوض مع فرنسا.. قبل ان يعارض بشدة فحوى الاتفاق الذي توصل اليه الزعيم الحبيب بورقيبة مع سلطات الاحتلال الفرنسي حول وثيقة الحكم الذاتي في 1955.. ثم قاد بن يوسف المعارضة المسلحة للزعيم بورقيبة وانصاره.. فاصبحوا عرضة للقمع والمطاردة.. وهاجر هو الى المشر ق العربي ثم الى اوروبا حيث تعرض لاغتيال في المانيا عام 1962 من قبل شخصين أكد الزعيم بورقيبة في خطاب علني في السبعينات اسميهما وهويتهما السياسية.. وهو الاغتيال الذي وضع نهائيا حدا لما سمي طوال الـ32 عاما من عهد بورقيبة  » الفتنة اليوسفية « .. بابعادها المختلفة  » مساهمة ثقافية واعلامية السيد فتحي الدغري الذي له تجربة فنية واعلامية وسينمائية مع عدد من القنوات الفرنسية (منها م 6) ووسائل الاعلام في فرنسا.. وبدأ منذ سنوات يتعامل مع السينماء التونسية.. لا سيما من خلال تشجيعه لمن يصفهم بالسينمائيين الذين قدموا اضافة نوعية مثل الناصر خمير.. يريد أن يكون فيلمه عن الزعيم صالح بن يوسف مساهمة فنية انسانية وثقافية في تسليط الاضواء عبر الكاميرا والصوت والارشيف على جوانب من مسيرة الزعيم الوطني صالح بن يوسف الشخصية والانسانية والسياسية.. من خلال علاقته بالزعيم بورقيبة وبقية الزعماء الوطنيين في تونس وفي المنطقة وبينهم الزعيم جمال عبد الناصروزعماء المقاومة الوطنية في البلدان المغاربية الذين وقفوا الى جانبه أول الامر ضد وثيقة « الاستقلال الداخلي المشروط  » التي تعتبرها  » خطوة الى الوراء » وليس خطوة الى الامام.. ومرحلة نحو تحقيق الاستقلال التام.. مثلما كان يقول بورقيبة وانصاره.. الذين نجحوا فيما بعد في كسب ثقة غالبية الدستوريين.. وفي قيادة تونس طوال عقود.. وثائق تاريخية من جهة اخرى أورد السيد فتحي الدغري في حديثه لـ »الصبا ح » أنه ليس مؤرخا.. ولن يتناول الملف من زاوية المؤرخ.. لكنه سيستفيد مما نشره المؤرخون عن بورقيبة وبن يوسف ورفاقهم.. وعن مرحلتي الكفاح الوطني والصراع الداخلي.. لا سيما منشورات الجامعة التونسية ومؤسسة التميمي وكتاب السيد المنصف الشابي عن صالح بن يوسف.. وكل الوثائق المصورة والصوتية عن بورقيبة وبن يوسف التي قد يحصل عليها من مؤسسات عمومية وطنية مثل الاذاعة والتلفزة واصدقاء الزعيمين الراحلين.. فضلا عن الوثائق الموجودة في مصر واوربا عن صالح بن يوسف والمعارضة اليوسفية للزعيم بورقيبة.. وهي وثائق اعتبر المنتج السينمائي فتحي الدغري أنها « مهمة جدا » ويمكن أن تفيد الجمهور الذي سيشاهد الفيلم عموما وخاصة الشباب الذين ليس لديهم فكرة عن الزعيم الوطني صالح بن يوسف ومسيرته بمختلف جوانبها.. رغم بعض الدراسات الاكاديمية التي نشرت حوله في الجامعة وفي مؤسسة التميمي.. وفاء لجيل.. نسيناه ونفى منتج هذا « الفيلم ـ المشروع  » في حديثه لـ »الصباح » أن تكون لديه أية نوايا « تصفية حسابات » من خلال قيامه بمثل هذا العمل الفني الثقافي.. وقال  » انا من جيل الاستقلال.. واعتبر ان الزعيم بورقيبة وانصاره قدموا الكثير لتونس.. قبل الاستقلال وبعده.. لكنني وبعد مرحلة طويلة من الدراسة والعمل في فرنسا.. والاقامة فيها رفضت مرارا مبدأ الحصول على جواز فرنسي.. وتمسكت بهويتي الوطنية وجوازي التونسي.. وفاء لوالدي ورفاقه الذين عملوا مع الزعيمين بورقيبة وبن يوسف.. وغيرهم من الوطنيين الذين غمرتهم الاحداث طوال عقود.. « وقد شجعتني على انجاز مثل هذا العمل الثقافي الفني بابعاده الانسانية عوامل عديدة منها ما سمعته مرارا من والدي رحمه الله عن الوطنيين التونسيين وبينهم الزعيم صالح بن يوسف.. الذي استبشرت على غرار جل التونسيين والتونسيات باعادة الرئيس زين العابدين بن علي الاعتبار له مباشرة بعد التغيير..واستقبال رئيس الدولة شخصيا لارملته وابنائه واعطائه الامر بنقل رفاته الى تونس.. وباعادة الاعتبار للوطنيين الاحياء الذين عملوا معه.. وتعرضوا لمضايقات في العهد السابق.. لكن كثيرا من شباب اليوم لا يعرف هذ الزعيم الوطني ورفاقه.. وبعضهم يخلط بين صالح بن يوسف وأحمد بن صالح.. الخ.. وهو ما يجعل انجاز مثل هذا الفيلم مفيدا جدا.. وأتمنى دعم كل من يهمه الامر لهذا المجهود الفني الثقافي والاعلامي الوطني ».. كمال بن يونس (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 26 جوان 2007)
 

 
 

أوباما: الدين هو الحل لمشاكل السياسة

محمد حامد في خطوة لاقت اهتمامًا محليًّا وخارجيًّا، دعا المرشح الديمقراطي المحتمل لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، جون باراك أوباما، إلى الاعتماد على الدين في حل كافة مشاكل الحياة، خاصة السياسية منها، منتقدًا في الوقت ذاته من قال إنهم يجعلون الدين وسيلة لتفريق الشعب الأمريكي بدلاً من تجميعه. وخلال خطاب ألقاه في كنيسة « المسيح »، شدّد أوباما -العضو بمجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي- على « أهمية دور الدين في السياسة الأمريكية »، مضيفًا أن هذا الدور سيكون « فاعلاً بقوة »، حسبما أفادت صحيفة « إنترنشيونال هيرالد تريبيون » الأمريكية اليوم الإثنين 25-6-2007. وأمام خلفية باللونين الأحمر والأسود، مكتوب عليها شعار « الرب ما زال يتحدث »، أثنى أوباما على رجال الدين قائلاً: « إنهم يستخدمون نفوذهم لتوحيد الشعب الأمريكي؛ للوقوف في وجه عديد من المشكلات كالفقر والإيدز وأزمة الرعاية الصحية والعنف في إقليم دارفور بغرب السودان ». وفي خطابه -الذي اعتبرته صحف أمريكية ضمن أنشطته الدعائية لحملة الرئاسة المرتقبة- قال أوباما (45 عامًا): « إن الدين علمني أن أجلس في الكنيسة وأقرأ وأصلي كيفما أريد، لكني لا أستطيع أن أنفذ وصية الرب ما لم أخرج إلى أرض الواقع وأنفذ ما تعلمته ». واستمع 9 آلاف شخص إلى أوباما خلال هذا المؤتمر الكنسي الذي عقد في قاعة مركز هارتفورد المدني بكنيسة « المسيح ». قادة اليمين ووجه أوباما اللوم إلى قادة وزعماء الطائفة الإنجيلية بالولايات المتحدة فيما آلت إليه أوضاع البلاد من انشقاق وخلاف حول بعض القضايا الداخلية، قائلاً: « إنهم قادة اليمين المسيحيون المزعومون الذين سيَّسوا المعتقدات الدينية لتشتيت فكر الشعب ». ووجه خطابه إلى زعماء الحزب الجمهوري صراحة قائلاً: إن محاولاتهم لتشويه صورة الديمقراطيين لن تجدي، حيث إن الشعب فهمهم جيدًا، وفهم أسلوبهم وخطابهم حول الدين. رجل الكنيسة  
وأوضح القس توماس أنه وجّه الدعوة لأوباما منذ عام تقريبًا، أي قبل أن يعلن اعتزامه الترشح للرئاسة، مضيفًا أن « حضوره يعني أنه أحد رجالنا ». وتنقل أوباما بين عدد من المذاهب الدينية المختلفة، حيث اعتنق مذهب الشك لفترة قبل أن ينضم لكنيسة الثالوث المقدس بعد أن استمع لفترة طويلة إلى القس جيرميا رايت. أسلوب جمهوري وبحسب تصريحات سابقة لبعض قساوسة الولايات المتحدة فإن الديمقراطيين لجئوا بذلك إلى الأسلوب القديم الذي اتبعه الجمهوريون. وكان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر قد حمل بشدة الشهر الماضي على سياسات الرئيس الحالي جورج بوش قائلاً: إنه أول رئيس أمريكي تنبع سياساته من أساس عقائدي، ووصف إدارته بأنها « الأسوأ في التاريخ » فيما يتعلق بالعلاقات الدولية. ومنذ هجمات 11 من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، استخدم بوش أكثر من مرة مصطلحات دينية مناهضة للمسلمين، كوصفه للحرب على الإرهاب بأنها « صليبية »، وقوله إن بلاده في حرب ضد « الفاشيين الإسلاميين الذين يستخدمون أي سبيل لتدمير من يحبون الحرية ». ورأى محللون أن المرشحين البارزين لخوض انتخابات الرئاسة داخل الحزب الديمقراطي، كالسيناتور هيلاري كلينتون وأوباما وجون إدواردز، لا تخلو خطاباتهم من التحدث عن دور الدين في حياتهم، في محاولة لمغازلة اليسار المسيحي.وعن سبب اختيار أوباما لإلقاء خطاب في الذكرى الخمسين لإنشاء كنيسة « المسيح »، قال القس جون توماس بابا الكنيسة: « لقد أردت شخصًا بارزًا يستطيع أن يوضح للناس كيف يمكن إدخال وتطبيق الدين في السياسة ».وأثار خطاب أوباما اهتمام صحيفة « ذا ديلي تلجراف » البريطانية التي أفادت بأنه انتقد من يقومون باستغلال الدين لتشتيت الأمة وتمزيق كيانها، مبينًا أن الدين « إنما جاء ليوحدنا لا ليمزقنا »، وذلك في إشارة على ما يبدو لخصومه من زعماء الحزب الجمهوري. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 25 جوان 2007)


ترويض أوباما
 
علاء بيومي (*) المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي الذي انعقد قبيل انتخابات عام 2004 الرئاسية، في يوليو/تموز 2004 كتب شهادة ميلاد باراك أوباما السياسية على النطاق الوطني بالولايات المتحدة، إذ حول المؤتمر أوباما من مرشح لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ألينوي إلى أحد ألمع السياسيين الأميركيين على الإطلاق. وقد خرجت صحف أميركية عديدة في اليوم التالي للمؤتمر بمقالات تتنبأ بميلاد نجم سياسي جديد يتمتع بكاريزما قوية، وبقدرة خطابية عالية، وبخطاب جديد. وقدم أوباما نفسه كمثال للأميركي الجديد المتعدد الأعراق والخلفيات والمنفتح على الجميع، الذي يريد بناء أميركا جديدة متحدة تتخطى الفوارق العرقية والسياسية. باراك أوباما وهو من مواليد أغسطس 1961 ولد لأب كيني وأم أميركية انفصلت عن والده وباراك ابن عامين، ثم انتقل باراك بعد ذلك مع أمه وزوجها إلى إندونيسيا، ثم عاد إلى أميركا لكي يتربى في منزل جديه لأمه. عاش فترة مراهقة صعبة بسبب ظروف العائلة وأزمة هوية عاشها، ثم تمكن من الخروج من أزمته بالإصرار والعزيمة اللذين قاداه إلى التفوق الرياضي والدراسي فحصل على شهادات جامعية وأتم دراساته العليا بأكبر الجامعات الأميركية، ليعود بعد ذلك لخدمة المجتمع المحلي والأفارقة الأميركيين والأحياء الفقيرة بمدينة شيكاغو. وقد أدى ذلك إلى انتخابه عضوا في مجلس شيوخ الولاية منذ عام 1997 وحتى عام 2004، وهو العام الذي انتخب فيه أوباما عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي بعد فوزه بأغلبية 70% على منافسه الجمهوري. أوباما.. الأمل خلفية أوباما السابقة وقصة نجاحه جعلت منه قصة نجاح أميركية تمثل مصدرا للأمل بالنسبة للكثيرين، خاصة مع حرصه على رسم صورته لدى الرأي العام الأميركي بشكل يؤكد الفكرة السابقة. فهو يحرص على تقديم نفسه كسياسي عصامي يمثل الأميركي العادي، لا يخضع لقيود جماعات اللوبي بواشنطن، ويترفع عن الخلافات السياسية، ويسعي لقيادة أميركا إلى مستقبل أكثر إشراقا وإيجابية. وقد ساعد أوباما على ذلك كاريزميته التي تنبع من قدراته اللغوية والخطابية العالية، مما دفع العديد من الكتاب والصحفيين الأميركيين إلى مقارنته ببعض أكثر الشخصيات العامة الأميركية ذات الكاريزما عبر التاريخ. وزاد أوباما لمعانا في عيون المسلمين والعرب الأميركيين حديثه عنهم في خطابه أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي قدمه إلى أميركا، إذ انتقد ما تعرض له العرب الأميركيون من تمييز في أميركا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. يقول أوباما « لو تعرضت أسرة عربية أميركية للاعتقال بدون إعطائها الحق في توكيل محام للدفاع عنها أو بدون الخضوع للسير الطبيعي للعملية القانونية، فإن ذلك يهدد حرياتي المدنية ». أضف إلى ذلك خلفية أوباما الأفريقية وجذوره المسلمة وانتماؤه للأقلية الأفريقية الأميركية، وتدينه ومعارضته لحرب العراق ومطالبته بسياسة أميركية أكثر احتراما للحقوق المدنية في الداخل وأكثر تواضعا في الخارج. وصعود نجم أوباما السريع في السياسية الأميركية أيضا من أهم العوامل التي جعلته قائدا سياسيا أكثر جاذبية في عيون العديد من المسلمين والعرب الأميركيين والجماهير الأميركية الأخرى. أوباما.. المرشح الرئاسي ولكن هل يختلف السيناتور أوباما عن أوباما المرشح الديمقراطي للرئاسة أو أوباما الرئيس الأميركي؟ وهل سيتمكن أوباما من مواجهة ضغوط واشنطن واللوبيات والنخب الحاكمة والمسيطرة؟ وما هي حقيقة مواقف أوباما تجاه قضايا المسلمين والعرب؟ هل هناك وجه آخر لأوباما يتخفى وراء خطابه المنمق المتدفق في سهولة ممتنعة؟ وهل يتحول أوباما إلى بوش آخر يعجب به العرب كمرشح رئاسي ثم يتحول إلى رئيس كارثي على العرب والأميركيين على حد سواء بعد وصوله البيت الأبيض؟ قراءة خطب أوباما ومواقفه السياسية منذ توليه عضوية مجلس الشيوخ في أوائل عام 2005 تحتوي على العديد من النقاط الإيجابية، إذ يؤكد أوباما رغبته في سحب القوات الأميركية من العراق بشكل كامل قبل أوائل أبريل 2008، وفي تقوية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وإصلاحها، وفي تحسين علاقة أميركا بالعالم من خلال بناء التحالفات وتقديم المساعدات الخارجية. ويتعهد أوباما بمضاعفة المساعدات الأميركية للعالم بنهاية فترة رئاسته الأولى، وباحترام حقوق الإنسان، مؤكدا استهجانه البالغ لأخطاء بوش مثل غوانتانامو والسجون السرية. كما يتعهد بأن يقرن مساعدات أميركا الخارجية بمطالبة النظم الديكتاتورية بالإصلاح، وأن يدعم الحوار بين دول العالم كالهند وباكستان، وأن يعتمد الحوار المباشر آداة دبلوماسية أساسية مع مختلف الدول بما في ذلك إيران. وعلى المستوى الداخلي يطرح أوباما أفكارا طموحة عن الإصلاح، إذ قدم مؤخرا خطة لتوفير الرعاية الصحية للأميركيين واجهت انتقادات واسعة من جماعات ومراكز أبحاث يمينية مختلفة خوفا من تكلفتها الباهظة على ميزانية الحكومة الأميركية، مما يعني أن لديه الشجاعة على طرح أفكار تهدف إلى مساعدة المواطن الأميركي العادي لتمكينه من مواجهة آلة الرأسمالية الأميركية الطاحنة. هذا إضافة إلى تقديم أوباما تشريعات تحد من نفوذ جماعات اللوبي والضغط السياسي على المشرعين الأميركيين. ترويض أوباما المقلق هنا أن أوباما ما زال حديث عهد بالسياسة الأميركية ولم يواجه ما يكفي من التحديات ومن ضغوط جماعات المصالح واللوبي والخصوم، خاصة أنه يواجه في انتخابات الرئاسة الأميركية سياسيين محنكين على غرار هيلاري كلينتون وجون ماكين، كما أنه يواجه آلة الإعلان والدعاية الأميركية المخيفة، وجهود نخب وجماعات مصالح شرسة. ففي الشهور الأخيرة طغت على السطح اتهامات لأوباما بأنه تعلم في مدارس إسلامية متشددة بإندونيسيا، كما تعرض لضغوط ضخمة من مناصري إسرائيل بعد أن صرح بأن « لا أحد يعاني أكثر من الفلسطينيين ». وقد نشرت مقالات تعطي انطباعا بأن أوباما يشعر بالذنب لأنه لا يساند القضية الفلسطينية بشكل كاف، وبأنه يهادن إيران. في المقابل يمكن أن يجد المتابع في خطاب أوباما على مستوى السياسة الخارجية، نوعا من التشدد النابع من أسباب مختلفة. من بين هذه الأسباب سعي أوباما إلى تقديم نفسه على أنه ينتمي إلى وسط اليسار الأميركي لا ليسار اليسار، مما يستوجب الإشارة إلى وجود اختلافات أيدلوجية بين الجماعات اليسارية بالولايات المتحدة. فهناك جماعات أكثر ميلا للسلام والليبرالية على المستويات الأخلاقية والداخلية، في مقابل جماعات يسارية أكثر نزعة للعسكرية وللمحافظة على المستويات الأخلاقية والسياسية الداخلية. ويمكن القول إن أوباما يحرص على تمييز نفسه عن مرشحين ينتمون ليسار اليسار الأميركي من أمثال دينيس كوسينيتش عضو مجلس النواب الأميركي الديمقراطي عن ولاية أوهايو والمرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية المقبلة والسابقة. مرشحون مثل كوسينيتش لا يمتلكون حظوظا واسعة للفوز بالرئاسة الأميركية أو حتى بأصوات غالبية الديمقراطيين، لكنهم يحرصون على ترشيح أنفسهم للانتخابات الرئاسية للتعبير عن أجندة تمثل مصالح أقلية من الجماهير الأميركية ذات أيدلوجية فكرية معينة. وذلك لأن كوسينيتش ينتمي ليسار اليسار الأميركي وهو صاحب أجندة معادية لحرب العراق وللحروب بشكل عام ومطالبة بالحقوق والحريات المدنية على نقاط واسع في الداخل الأميركي وبحقوق الأقليات والمهاجرين، وبسياسة أميركية أكثر اعتدالا تجاه الشرق الأوسط وأكثر انفتاحا على العالم الإسلامي. وهذه الأفكار الجريئة قد تقلل حظوظ صاحبها في الحصول على تأييد غالبية الشعب الأميركي التي يحتاجها أي مرشح رئاسي أميركي حريص على المنافسة على مقعد الرئاسة والوصول إليه. لذا نجد أن أوباما حريص على تقديم نفسه باعتباره  سياسيا قادرا على إرضاء اليمين واليسار الأميركيين انطلاقا من أجندة ليبرالية متوسطة في يساريتها، كما يقدم نفسه على أنه سياسي قادر على حماية أمن أميركا وبناء جيش قوي والضغط على أعداء أميركا في الخارج في الوقت الذي يقوم فيه بتحسين علاقاتها مع دول العالم المختلفة من خلال سياسة تقوم على بناء التحالفات والعمل من خلال المؤسسات الدولية وزيادة المساعدات الخارجية. وانطلاقا من هذه الأجندة يؤكد أوباما عزمه على بناء جيش أميركي قوي، وحرصه على منع إيران من امتلاك أسلحة الدمار الشامل من خلال التفاوض المباشر مع الإيرانيين على أن لا يستبعد خيار استخدام القوة العسكرية بشكل نهائي. ومن بين تلك الأسباب أيضا أن أوباما ينطلق من واقع سياسي معين تتحكم فيه سياسات أميركية تمت بالفعل ونخب حاكمة قوية ومسيطرة. وهنا يظهر أن أوباما يحرص في خطابه على تأكيد إيمانه بأن أميركا هي « آخر وأفضل آمال الأرض » أو البشرية، وبذلك يغذي المشاعر القومية الأميركية وشعور الأميركيين بالرسالة (أن الأميركيين شعب خاص له رسالة قدرية تؤهله لقيادة العالم وتطالبه بذلك)، وهي المشاعر نفسها التي أساء المحافظون الجدد استغلالها خلال السنوات الأخيرة. ولكن أوباما يحاول استخدام تلك المشاعر لإقناع الأميركيين بالعدول عن مشاعر العزلة التي تعصف بهم حاليا بعد فشل حرب العراق، وإقناعهم بوجود دور إيجابي يقومون به في السياسة الدولية. ولكن أوباما يعود ليعبر عن اقتناعه بأنه ينبغي لأميركا الاحتفاظ بقوات محدودة في العراق بعد الانسحاب منه لأغراض التدريب ومكافحة القاعدة، وهو يلوم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إفراطه في نقد إسرائيل في الوقت الذي يتجاهل فيه ما يجري في دارفور. كما يدعو أميركا إلى التدخل في شؤون العالم الإسلامي لدعم القوى المعتدلة ومكافحة القوى المتشددة، ويطالب الشركات الأميركية من خلال مشروع قانون يرعاه، بعدم الاستثمار في قطاع الطاقة بإيران، ويؤكد حرصه على حماية حليف أميركا الأول في الشرق الأوسط إسرائيل وعزل خصومها. هذه مجموعة من الأفكار المختلطة التي لا تعبر بالضرورة عن مواقف يسارية معينة بقدر ما تعكس مصالح النخب الأميركية الحاكمة ولوبيات واشنطن وسياساتها الخاطئة وعجزها عن إعادة تقييم مواقفها تقييما حقيقيا يعكس القيم الأميركية ويبحث عن حلول أصيلة لمشاكل العالم وللمشاكل التي تواجه سياسة أميركا الخارجية، وخاصة في الشرق الأوسط في الوقت الراهن. أوباما.. إلى أين؟ وهذا يعني أن أوباما وليد لحظة وظروف أميركية معينة قد لا يستطيع بسهولة التخلص من تبعاتها الظاهرة والكامنة، وأن أوباما المرشح الرئاسي أو الرئيس قد لا يعكس بالضرورة أوباما المحامي المدافع عن حقوق الأقليات والمستضعفين بأحياء شيكاغو الفقيرة. يضاف إلى ذلك أن ماكينة الانتخابات الأميركية الطاحنة قد تدفع أوباما الحديث العهد بالسياسة وضغوطها بعيدا عن مواقفه السابقة. أخيرا بقي لنا أن نؤكد أن الحكم على أوباما ما زال مبكرا، إذ ما زال هناك متسع من الوقت والمصادر لبناء حكم أدق وأشمل عن أوباما ومواقفه خاصة مع اشتعال وتيرة الانتخابات الأميركية ودخول السباق الرئاسي مراحله الأكثر تطورا، ومع مقارنة مواقف أوباما بمواقف خصومه من المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. (*) كاتب مصري (المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 24 جوان 2007)

« نايل سات » تحظر فضائيات الشعوذة و »شبيك لبيك »!

 
محمد جمال عرفة (*) القاهرة – أمهلت إدارة القمر الصناعي المصري (نايل – سات) قناتي « شهرزاد » و »كنوز » مدة عشرة أيام لوقف بث البرامج المتعلقة بالسحر والشعوذة ما لم تصححا وضعهما المخالف لشروط التعاقد التي تحظر تناول برامج الفضائيات لقضايا الإرهاب أو الشعوذة أو السحر، أو بث أي مواد مخلة بالآداب والأعراف والتقاليد. وكشفت اليوم الإثنين مصادر في نايل سات لـ »إسلام أون لاين.نت » أن هذا القرار جاء في أعقاب صدور قرار إدارة القمر الصناعي العربي (عرب سات) منع بث نفس القناتين، وصدور فتوى من هيئة كبار العلماء في السعودية، ودعوة « الملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين » لمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية بالسعي لمنع بث برامج قنوات السحر والشعوذة بواسطة الأقمار الصناعية العربية. كما تلقت مؤخرًا إدارة الشركة التي تدير القمر المصري العديد من الرسائل بينها رسائل من نشطاء إنترنت، تشكو من برامج السحر والشعوذة المخالفة للدين والعقيدة. دور لنشطاء الإنترنت وشن نشطاء عرب ومصريون في الأسابيع الأخيرة حملة رسمية وشعبية على قنوات السحر والشعوذة بالفضائيات العربية، وشهدت عدة منتديات عربية -خصوصا السعودية منها مثل « منتدي راصد »– دعوات للنشطاء الإلكترونيين من أجل توجيه رسائل كثيرة للمهندس صلاح حمزة رئيس الشئون الهندسية بالقمر المصري « نايل سات » تحثه فيها على وقف بث قنوات الشعوذة. وجاء في بعض هذه الرسائل: « هلموا يا أهل الخير.. وعليكم بكثرة الرسائل وحبذا لو تم إعداد رسالة جاهزة للإرسال بضغطة زر (أو عدة رسائل بصيغ مختلفة أفضل لا شك) أو عمل رسالة يوقع عليها الدعاة والمفكرون وكذلك الناس عن طريق الإنترنت ». وصرح صلاح حمزة الأسبوع الماضي أن القانون لا يمنح شركة نايل سات الحق في إلغاء عقود فضائيات نايل سات، التي تبلغ 680 قناة، دون أسباب، إلا أنه لو اخترق مستأجر القناة شروط العقد، أو وجهت له شكوى صريحة حول أحد برامجه، نقوم بمخاطبة ملاك تلك القنوات الفضائية. وفي وقت لاحق أكد لصحيفة « المصري اليوم » 25 يونيه 2007 أنه تم الاتفاق مع صاحب القناتين على التغيير، وأنه ينوي بث قنوات جديدة على النايل سات تكون ملتزمة بالضوابط. ورك نملة وعين ديك! وتعتبر قناتي: « كنوز » و »شهرزاد » نوعية جديدة من الفضائيات التي تعتمد على أسلوب التنجيم وقراءة الفنجان على الهواء مباشرة، حيث يقرؤون الفنجان عن بعد، ويكتبون « الحجاب » للمشاهدين عبر الأثير، لفك السحر أو جلب الرزق أو فتح الطريق للزواج أو إعادة الحب للزوجين، وتعتمد برامجهما على « الحبكة الدرامية » عن طريق إلباس الضيوف الذين يردون على المشاهدين ملابس تشبه لباس العرافين والعرافات في الأفلام المصرية القديمة لجذب « الزبون » وإيهامه بقدرتهم على قضاء حاجته المطلوبة، مثل استضافة امرأة عجوز تلبس لباسا غريبا، كي ترد على المتصلات بالفضائية تليفونيا، أو « شيخا » يرتدي عباءة العرافين القدامى ليفك العمل والسحر!. والأكثر طرافة أن هؤلاء المشعوذين يكررون نفس المطالب القديمة في الفضائيات، والتي كان يتم السخرية منها في الزمن القديم مثل طلب « ورك نملة » و »عين ديك » و »جناح خفاش » حتى أن « العرافة » في أحد المرات قالت لمن تسأل عن « عمل » معمول لأخيها: « هاتي من عند العطار عين ديك وكسبرة ناشفة.. حبة البركة.. بذر البقلة.. حرمل، وحطيهم على البخور.. وعين الديك هذه توضع بعدد حروف اسمك وعدد حروف اسم أمك… وتبخريها وتقولي: « يا رب ابعد شياطين الإنس والجن من هذا المكان بحق لا إله إلا الله محمد رسول الله وأنها تكفى يا رب.. وتمسح شقتك وعتبتك بخل وعرق حلاوة ورجلة »!؟. وتستخدم أحيانا هذه الفضائيات غطاء دينيا وتخلط بين أمور الشعوذة وآيات القران لإيهام المشاهدين أنه لا تعارض بين ما يقومون به من دجل وسحر وشعوذة، وبين الدين، قائلين: أليس السحر مذكورًا في القرآن؟!. كما أن هؤلاء المشعوذين يفرقون بين المرء وزوجه في كثير من الأحيان، حتى أن أحد هؤلاء العرافين قال لإحدى المتصلات فور أن بدأت حديثها: « تطلقي من زوجك أولا » وآخر قال لزوجة تشكو من إقامة زوجها عند أمه كثيرا لرعايتها: اعملي الحجاب التالي (…) كي يبعد عن أمه، ثم قال لها: « لو عاد زوجك لأمه تعالي لي مرة ثانية »!. ويقول إعلاميون يعملون في بعض هذه الفضائيات إن مصدر رزقهم الأساسي يعتمد على نخبة من النساء والرجال المترفين الأغنياء الذين يعانون من فراغ قاتل وخواء في الثقافة والأفكار والمفاهيم الدينية وأتخمهم الثراء، ولا يجدون مشكلة في الاتصال بهذه الفضائيات بدافع التسلية وتضييع الوقت، وإن هذه الفضائيات تعتمد على اتصالات هؤلاء الزبائن وتتعاون مع مراكز دولية للاتصالات أو وكالات إعلان لجلب هؤلاء الضيوف ونزف أموالهم عبر الاتصالات التي ينفقون عليها أموالا كثيرة. وتؤكد العديد من الدراسات أن الإقبال على هذه الفضائيات نتيجة لانتشار الاعتقاد بهذه الخرافات بين الجمهور، وفي مصر كشفت دراسة نشرت العام الجاري وأجرتها د.سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع والدكتور عبد الرحمن عيسوي أن 63% من المصريين (منهم 11% من الفنانين والسياسيين والمثقفين) يلجئون للسحر في بعض الحالات، و20% يعتقدون بجدوى « الزار » و55% من المترددات على المنجمات فعليا أو فضائيا هن من المتعلمات المثقفات. وسبق لوزراء الصحة العرب أن دعوا بدورهم في فبراير 2007 في الجزائر، لـ « التصدي لبعض القنوات الفضائية التي انتشرت فيها ظاهرة الشعوذة ومدعي الطب، إضافة إلى ما تبثه هذه القنوات الفضائية من مواد مسمومة لا تحترم عقول الناس »، مشددين على أن « هذه الفضائيات المشعوذة تستخف بعقول الناس وتروّج للخرافات التي تسهم في زيادة معدلات المرضي والإعاقة والهدر الاقتصادي للموارد. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 26 جوان 2007)

إشكالية الدولة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر(1/ من 2):

 
بقلم: د. عبدالله تركماني (*) تضم الحركات الإسلامية، في مفهومها الواسع، جميع الأفراد والجماعات التي تسعى لتغيير مجتمعاتها عن طريق اشتقاق أفكارها وبرامجها من الإسلام. وفي حين تختلف هذه الجماعات والأفراد في طرقها ومناهجها وأساليبها، فإنها تتفق على القيمة الإيجابية للإسلام، وتريد تحويل إطار المرجعية في الحياة العامة إلى مرجعية يكون فيها الإسلام، بتفسيراته المختلفة، قوة رئيسية في تشكيل هذه الحياة. فقر الفكر السياسي الإسلامي تعود أصول أغلب الجماعات الإسلامية المعاصرة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1927، على يدي حسن البنا. وما ميز جماعة الإخوان عن سابقاتها من الجماعات الإسلامية ما يلي: أولا، المفهوم الشامل للإسلام، فالإسلام كما يراه البنا  » عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف « . ثانيا، أنّ الجماعة انتقلت من مرحلة الوعظ إلى العمل المنظم، فقد نجحت في التحول إلى واحدة من أكثر الحركات الشعبية المنظمة في المنطقة العربية. ثالثا، تأكيدها على العمل السياسي، وخوض المعترك السياسي لإحداث التغيير المرتقب. رابعا، سحبت الحركة قيادة العمل الإسلامي من العلماء التقليديين ووضعته في يدي النشطاء الحركيين الذين ينحدر أغلبهم من القطاعات  » الحديثة  » التي تشكل وعيها وتجاربها في المدارس الرسمية.     وتاريخيا، لم يتناول التراث الفقهي السياسي والأحكام السلطانية مفهوم الدولة بمعنى الكيان السياسي الجغرافي المتضمن عناصر: الأرض والشعب والسلطة، بل الدولة كانت تستخدم دوما بمعنى قريب مما يطلق عليه الآن  » الأنظمة السياسية « ، وفي هذه الحدود تصف عبارات مثل: دولة بني مروان، دولة بني الأحمر، ودولة بني العباس، من دون أن تتجاوز هذا المعنى. أما  » الخلافة « ، كما تبدو من خلال أبواب الفقه المختلفة ومؤلفات الأحكام السلطانية، هي صورة لكيان سياسي، السلطة فيه مركزية تتجمع في شخص الإمام/الخليفة، ومن شخصه تتناسل السلطات. هكذا يبدو واضحا أن مفهوم الدولة مفهوم مفارق، إلى حد بعيد، لمفهوم الخلافة. فالدولة ذات وظيفة سياسية بحتة، ورهاناتها متعلقة بالتالي بمصالح الجماعة/الأمة في إطار جغرافي محدد (التراب وطني)، وعلاقتها مع أطياف المجتمع علاقة تعاقدية لتحقيق مصالح الأمة. وهكذا يكون من مقتضياتها أن تكون على مسافة واحدة من الإثنيات والملل والطوائف في إطار مفهوم  » المواطنة « ، ومن مقتضيات ذلك أن تقف حيادية تجاه الدين. إنّ التنظير لفكرة الدولة الإسلامية، خلال التاريخ المعاصر، حمل كثيرا من الطوباوية والتفكير الرغبوي، وقدر كبير من الشعاراتية والرؤية الأخلاقية لمفهوم الدولة، دون الغوص الحقيقي في الآليات وأساليب العمل، ودون التنظير لفكر سياسي واقعي يملك القدرة على التحرك والمرونة في محيط دولي مضطرب. لذلك بقيت أغلب الكتابات حول  » الدولة الإسلامية  » مثقلة بعبء التجربة التاريخية الإسلامية ولم تستطع الانفكاك عنها وتجاوزها. وربما تستطيع التيارات والحركات الإسلامية، التي انخرطت في معمعة النضال السياسي الواقعي، تجاوز التجربة التاريخية والتنظير لرؤية إسلامية تعبر عن فكرة ومشروع الدولة، عمادها الإصلاح السياسي وإقامة الحريات العامة والمجتمع المدني الديمقراطي، وإصلاح الفساد الداخلي والتنمية المستدامة. إنّ تبنّي بعض التيارات الإسلامية لفكرة الدولة الحديثة أنتج مشكلات إضافية، إذا ما نظر إليها على خلفية استنساخ فكرة تلك الدولة إسلاميا والقول بفكرة  » الدولة الإسلاميـة « ، لأنّ الدولة الحديثة، شكلا ومضمونا، أعادت ترتيب أولويات الولاءات، فاشترطت الولاء الأول للدولة بكونها مصدر تعريف الفرد، الذي أصبحت صفتـــه كـ  » مواطن « ، هي التعريف الأساسي الذي يسبق بقية التعريفات، وبه تحددت حقوقه القانونية وكذلك واجباته. إذ أنّ دستور الدولة يفسر طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة وهو المرجعية الوحيدة التي يعود إليها الطرفان عند الاختلاف، فليس هناك فرق، على مستوى القانون والواجبات والحقوق، بين الأفراد بسبب لونهم أو إثنيتهم أو دينهم، فجميعهم مواطنون. أما في الدولة الإسلامية المفترضة فهناك غموض يحيط بهذه المفاهيم، فالولاء مسألة خلافية: هل هو للدولة أم للدين، ومسألة غير المسلمين في الدولة الإسلامية ما تزال شائكة، كما أنّ مسألة ولاء المسلمين المواطنين في دول غير مسلمة هي مسألة أكثر تعقيدا. إن الفكر السياسي الإسلامي المعاصر مطبوع، إجمالا، بنزعة تلفيقية، تستخدم الإرث السياسي الماضي في صورة الدولة الحديثة، من دون إحداث تحويرات عميقة عليه، أو صياغته وفق رؤية متماسكة. وأخيرا، وفي سياق دراستنا لفقر الفكر السياسي الإسلامي نلاحظ غياب ثقافة المؤسسة لصالح ما نسميه  » القدوة والهيبة « ، وهي صفات للفرد، إذ أنّ المؤسسة لا كاريزما لها، لكنها أقدر على رعاية مصالح الناس من الأفراد لأنها تضمن الاستقرار والثبات والاحتكام للقانون. عناصر الإشكالية شغلت إشكالية الدولة المؤرخين وعلماء السياسة، وعكفت النخب الفكرية والأكاديمية منذ سنوات على دراسة الأطروحات الفكرية ذات المرجعية الإسلامية التي تتناول علاقة الدين بالدولة، والدولة بالمجتمع، وعلاقة الدولة مع المجتمعات الأخرى. وقد توصلت أغلب الدراسات إلى أنّ هنالك أزمة بنيوية للفكر والخبرة الإسلامية في تحديد خطوط الاتصال والانفصال بين الدين والدولة. إذ ثمة ميول جارفة لإدخال القيم والمبادئ والأحكام والممارسات الإسلامية في قوانين الدولة وممارساتها. ومن أجل ذلك تبلورت صيغتان: أولاهما، في الإسلام السني. وثانيتهما، في الإسلام الشيعي. ففي الإسلام السني المعاصر هناك حديث كثير عن نظرية الحاكمية (المودوي، وسيد قطب)، وفي الإسلام الشيعي هناك تطبيق دستوري وفعلي لرؤية ولاية الفقيه في إيران. مما يطرح مجموعة عناصر، من أهمها: (1) – الدولة الإسلامية، بعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية سنة 1924 ثم قيام مصطفى كمال أتاتورك بتدشين نظام جمهوري علماني في تركيا، تجدد الاهتمام بفكرة الخلافة وتجديد فقه السياسة الشرعية. فدافع محمد رشيد رضا عن  » الخلافة أو الإمامة العظمى « ، ووُجدت مسوغات القول والجدل حول علاقة الديني بالسياسي، فصاغ علي عبد الرازق خطابا نقديا لنظام الخلافة في كتابه  » الإسلام وأصول الحكم  » الصادر عام 1925 وانتشر الجدل واتسع. بعد ذلك رفع الشيخ حسن البنا شعار  » الإسلام دين ودولة « ، مما عجّل في بلورة فكرة  » الدولة الإسلامية  » التي انتشرت في ظل الدولة الحديثة. ويبدو أنّ  » الدولة الإسلامية « ، كما تطورت رؤيتها لدى الإسلاميين العرب منذ حسن البنا وعبد القادر عودة وحتى سيد قطب والغزالي والقرضاوي، هي دولة دينية، لها مهمة رئيسة هي  » تطبيق الشريعة « . ومن نافل القول التذكير بأنّ الحركات الإسلامية ظلت ترفع شعار  » الإسلام دين ودولة « ، وقد استندت في التشديد على مركزية هذا الشعار إلى الفهم القاضي بأنّ انصهار الدين والدولة في وعاء الإسلام لم يكن مرده الظروف التاريخية، بل يحيل إلى علاقة جوهرية ومفهومية، لأنّ إقامة الدولة واجب من صلب التعاليم الدينية. بيد أنّ الممعن في متن هذا الخطاب سيلاحظ أنّ رموزه، بمجرد ما كانوا ينتهون من التأكيد على تلازمية الدين والدولة في الإسلام، ينتقلون رأسا لتحديد دعائم الحكم الإسلامي في ضبابية وغموض، يعكسان غياب النظرة المؤسساتية في خطابهم. وفي المقابل، هناك أصوات داخل الحالة الإسلامية تنادي بإعادة النظر في فكــرة  » الدولة الإسلامية  » والتركيز على المجتمع، مع القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية. ولنجاح هذا المشروع، فلا بد من الاستعانة بقراءة متجددة للنقاط المضيئة في الفكر والتراث العربي – الإسلامي، بغرض التعاطي المجدي مع أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي، ألا وهو وضع نهاية للاستبداد ومبرراته. (2) – الحاكمية في مواجهة الأمة، وصل الفكر السياسي الإسلامي، مع السيد قطب وأبي الأعلى المودودي، إلى فكرة الحاكمية وإيديولوجيتها، التي برزت في المنتصف الثاني للقرن العشرين. وغدت حينها الشريعة أساسا للمشروعية، وتحولت إلى إيديولوجيا نخبة بالتمام والكمال. وكان من الطبيعي، بعد أن تحول مفهوم الدين والشريعة إلى إيديولوجيا سياسية نخبوية، أن يبدأ التنظير لفكرة النظام الإسلامي الشامل، فتزايد انفصال الشريعة عن الجماعة والأمة، عندما غدت الشريعة إيديولوجيا. لقد أبرزت  » الرؤية الحاكمية  » الافتراق بين الشريعة والجماعة، أو بين الإسلام والأمة بوصفها جماعة مؤمنة. وقضت على الحلول الوسط: فإما أن تكون الأمة خاضعة لتلك الإيديولوجيا فتثبت إيمانها، أو لا تكون كذلك. ثم تفاقمت أزمة المشروعية لتصل عند الإسلاميين التكفيريين إلى حدود التشكيك في الهوية الدينية والثقافية للمجتمعات الإسلامية. ومثلما اختلف الباحثون الإسلاميون في مفهوم نظام الحكم في الإسلام، فإنهم اختلفوا كذلك في مفهوم الحاكمية، وقد وصف أبو الأعلى المودودي الدولة الإسلامية بأنها  » دولة شاملة محيطة بالحياة الإنسانية بأسرها، تطبع كل فرع من فروع الحياة الإنسانية بطابع نظريتها الخلقية الخاصة، وبرنامجها الإصلاحي الخاص، فليس لأحد أن يقوم بوجهها ويستثني أمرا من أمورها قائلا: إنّ هذا أمر شخصي خاص لكيلا تتعرض له الدولة « . (3) – الأمة، يحتل مفهوم الأمة مكانة مفصلية في خطاب الحركات الإسلامية، بسبب أنّ الإسلام مقوم أساسي للأمة،  ومعيار رئيسي للتماثل والهوية والولاء. فباعتبار الأمة الوعاء الذي ينتظم في إطاره الأفراد، ويتآلفون في كنفه على  » تقوى الله والإيمان بـه « ، فقد غدت مفهوما متعاليا موسوما بالعصمة واستحالة الضلالة، خلافا لنظيره في الغرب، حيث تأسست الأمة على رابطة المصالح الدنيوية المشتركة. ويحيل مفهوم الأمة بدوره على أسئلة مركزية، في سياق النظر في علاقة الحركات الإسلامية بالمجال السياسي الحديث، لعل أبرزها معيار الانتماء لديها: هل هو عَقَدي  ديني محض؟ أم سياسي؟ أم ثقافي قيمي؟ أم كل هذه العناصر مجتمعة وإن اختلف ترتيبها في سلم الأهمية ؟ إنّ صياغة أجوبة عن مقومات الانتماء إلى الأمة يفتح الباب أمام بناء منظورات جديدة لإشكاليات تعتبر الحركات الإسلامية مطالبة، أكثر من غيرها، بالاجتهاد للتفكير فيها، وفي صدارتها قضية  » الأقليات  » غير المسلمة في بلاد الإسلام. (4) – المواطنة، ويدور الأمر حول ما إذا كان بالإمكان طرح مفهوم للمواطنة يقوم على أساس التوفيق بين مجتمع مؤمن ودولة لا دينية، أي دولة تحترم الدين وتصون الحريات الكاملة لرعاياها المؤمنين لممارسة شعائرهم الدينية، المتعددة والمختلفة والمتباينة، من دون أن تتخلى عن مدنيتها. ويبدو أنّ مفهوم المواطنة التي تعتمد على الرابطة الجغرا – سياسية، وهو من أهم مفاهيم الدولة الحديثة، قد ظهر مع دعوة الشيخ عبد الرحمن الكواكبي، لكنّ التدقيق في تفاصيل هذا الإدراك للمواطنة في كتاباته، يجعلنا نجزم بأنه لم يكن واضحا كفاية، فقد أدرك منه الجانب المتعلق بالمساواة في الحقوق والواجبات أمام السلطة، لكنه لم يُدرك  بشكل جيد في الحقوق السياسية، وعلى ما يبدو كان مفهوم المواطنة مقتصرا على الجانب المدني. وهذا يعزز الرؤية القائلة بأنّ رواد النهضة العربية الحديثة لم يحيطوا إحاطة  متكاملة بمقتضيات الدولة الحديثة، أو حتى بمفاهيمها، فالمسألة بقيت وعيا يمتد على أجزاء من هذه المفاهيم، وهو وعي غير مكتمل، لكن كان واضحا أنه يمضي باتجاه التكامل. (5) – الدولة المدنية، بدءا من القرن التاسع عشر، ومع الاصطدام بالتفوق الأوروبي، والتعرف على مؤسساته الديموقراطية، تبلورت رؤية إصلاحية خــــارج  » المؤسسة الدينية السلطانية  » حاولت توطين المفاهيم الغربية عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، مؤكدة مع الشيخين محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي: إنّ السلطة السياسية في الإسلام سلطة مدنية، وإنّ الإسلام لا يعرف سلطة ثيوقراطية.     ولأننا مازلنا في إطار فكر التلفيق‏،‏ وليس التوفيق والتوافق‏،‏ فقد وجد بعض دعاة الدولة الدينية الأمر سهلا للغاية فلجؤوا إلى تعبير الدولة المدنية، على أن تكون لها مرجعية إسلامية‏.‏ ومثلهم مثل من استخدموا هذا التعبير بدون ربطه بمرجعية معينة،‏ ولكن  الذين لجؤوا إليه كبديل عن تعبير الدولة الدينية جهدا لبلورته أو تقديم أي تأصيل له‏.    ولذلك تظل الأسئلة الأساسية التي يثيرها الحديث عن دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية بلا إجابة‏،‏ ومنها: كيف يتم تجسيد المرجعية عمليا ونظاميا،‏ ومن يعبر عنها وكيف (6) – العلمانية، لم تتجاوز  » علمانية  » الإصلاحية الإسلامية إطار الدفاع عن مدنية السلطة والنظام السياسي من دون أن تصطدم بالدين. ونحن نسميها  » علمانية  » تجاوزا لأنها ناهضت مبدأ السلطة الدينية، وأسقطت شرعيته، ونفته عن الإسلام، ولأنها قارعت الاستبداد الديني ورأت فيه أساسا مكينا لتوليد الاستبداد السياسي. أما إذا التفتنا إلى مضمونها الفعلي، فندرك أنها موقف سياسي خالٍ من أي محتوى فكري من نوع ذلك الذي أسس الفكرة العلمانية في أوروبا، حيث تم الدفاع عن دولة حديثة تستمد السلطة فيها شرعيتها من الرأي العام. وهكذا، يبدو الخطاب الإسلامي موزعا بين منطقين في إدراك مفهوم العلمانية. يروم أولهما اختزالها في مقولة  » الفصل بين الدين والدولة « ، في حين  ينادي الثانـي  بـ  » علمانية إسلامية « ، لا تقوم على إلغاء الدين وإقصائه، بقدر ما تتأسس على قاعدة التجربة التاريخية والإطار الأخلاقي للمجتمعات الإسلامية، مما يعني الاجتهاد في إعادة تكييف العقيدة مع  ما تتطلبه المجتمعات الإسلامية من حاجة  إلى: تأسيس النظم  السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ضوء إرادات الشعوب وصيانة حقوقها الأساسية. لذلك، يطرح التوزع بين المنطقين أكثر من سؤال منهجي ومعرفي بخصوص تأصيل مفهوم العلمانية وتوطينه في المجال السياسي العربي، بل إنّ الاجتهاد الأكبر  يعود  إلى الحركات الإسلامية نفسها، فهي المطالبة، قبل غيرها،  برفع اللبس عن مفهوم مفصلي  في تشكُّل مجال سياسي  مؤثث على التعددية، وحق الاختلاف، والتنافس، والتكافؤ في الفرص، وما إلى ذلك مما هو مندرج ضمن سقف الدولة المدنية. (7) – الديمقراطية، وجد الإصلاحيون الدينيون، منذ القرن التاسع عشر، نوعا من التوافق، في مجال المفاهيم السياسية الحديثة، ما بين الشورى والديموقراطية، حيث رأوا في الثانية الترجمة الحديثة للأولى، أو الأداة والآلية المناسبة لتطبيق مبدأ الشورى، ووسيلة فعالة للتعبير الواقعي عنه. ومنذ تسعينيات القرن الماضي عادت الفكرة القائلة: إنّ مرجعية الشريعة لا تتنافى مع الديموقراطية الإجرائية المعنية بتولّي الناس لأمورهم عن طريق الانتخاب، فعاد التواصل من جديد بين نظام الشورى والنظام الديموقراطي، مما يبشر بفاتحة عقد سياسي جديد للعرب يأخذ الشعب والأمة والجماعة مكانتهم المركزية والمقررة فيه. تونس في 19/6/2007                 (*) كاتب وباحث سوري مقيم في تونس  (*) – في الأصل ورقة قُدمت في إطار ندوة دولية حول  » الحركات الإسلامية والمجال السياسي في المغرب والبلاد العربية  » بدعوة من  » مركز الدراسات الدستورية والسياسية  » في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة القاضي عياض – مراكش – المغرب، بمساهمة من مؤسسة  » كونراد أديناور « ، خلال يومي 21 و 22 يونيو/حزيران 2007. (المصدر: نشرة « الرأي » (اليكترونية – يصدرها حزب الشعب الديمقراطي السوري) بتاريخ 25 جوان 2007) الرابط: http://www.arraee.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21714

 

 

Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.