الأربعاء، 14 فبراير 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2459 du 14.02.2007

 archives : www.tunisnews.net


القضاء يستدعي السيدة سامية عبو 

الموقف: تهديد السيد على العريض الناطق الرسمي السابق باسم « حركة النهضة » بإعادته للسجن الشــاذلي الكريـمي و حسيــن بن عـــون:بـلاغ إعــلامي إسلام أون لاين نت:في تونس.. الشذوذ أهون من المعارضة! الحياة :تونس وإيران توقعان اتفاقين لخفض الضرائب على التبادل التجاري مستشار التغيير: رسالة إلى رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي: كيف يرى نفسه « الجزء الثاني » نـــورالدين الخميري :النّخبة التّونسيّة وملف حقوق الإنسان موقع « مغاربية »:الجورشي: الجماعة السلفية للدعوة والقتال غيرت اسمها لإخفاء انحسارها راشد الغنوشي: الإسلام والإسلاميون والديمقراطية جريدة « الصباح »:هشام جعيّط في حوار مفتوح حول كتابه الجديد عن السّيرة النبوية مرسل الكسيبي ممنوع الحديث في الكلام المباح د. أحمد القديدى: الفتنة تفتح أبواب الهزيمة العربية فاتقوها محمد العروسي الهاني:حفل توديع وتكريم لطيف على شرف المناضل جعفر الأكحل الكاتب الصحفي القدير ومتفقد إدارة البريد بالمنستير محمد الهادي حمدة: هوية الكاتب العام لنقابة التعليم الأساسي ما زالت لغزا محمد الصغير عاشوري: أمة « إقرأ » تتصدر قائمة الأمية محسن المزليني: عوامل نفسية واجنماعية تدفع الشباب إلى العنف الموقف: منتدى الجاحظ: يوم دراسي حول ظاهرة العنف الشروق: تلاميذ يعنّفون أساتذتهم: مــــن نتّهــــــم ؟  سمينار الذاكرة الوطنية مع الأستاذ د. مسعود الشابي حول:الأنشطة السياسية للتونسيين بباريس 1973-1987 صحيفة « الشروق: بعد «الأمير» لمحمّد الزرن: التلفزة تحذف 10 دقائق من فيلم «أوديسة»، ومنتجه يتهمها بالعبث ونكران الجميل! الشرق الأوسط: آمنة الزغل تعرض في نيويورك لوحات طباعية تلامس الشعر الطريق الجديد:حملة المجتمع المدني التونسي من أجل رفع التحفظات على الاتفاقية الدولية الخاصة  بإلغاء كل مظاهر التمييز ضد النساء؟ كلمة تحاور جورج إسحاق المنسق السابق لحركة كفاية صحيفة « الموقف »:كتاب الأسبوع: « المسألة اليهوديّة » في رأي ماركس الشاب عبد الباقي خليفة :ماركس مع لينين وأنجلز يتسكعون في الشوارع بعد أن ضاقت بهم المكتبات:كتاب «رأس المال» يشترى كذكرى للأحفاد قبل أن ينقرض صحيفة « الحياة » :الجزائر: 10 قتلى و30 جريحاً في 7 هجمات متزامنة على مراكز للشرطة موقع الجزيرة.نتجزائريون يقاضون فرنسا بلاهاي لتفجيراتها النووية بالصحراء    صحيفة « القدس العربي » الجزائر تدعو إلى فتح الأرشيف النووي لفرنسا يو بي أي :تحليل:هل ينجح الديك الفرنسي في إبعاد التنين الصيني والنسر الأمريكي عن افريقيا؟ رضوان زيادة: الإسهام العربي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


القضاء يستدعي السيدة سامية عبو

 

  وقع إستدعاء السيدة سامية عبو  حرم فارس الحرية السجين محمد عبو  ، من طرف قاضي التحقيق – المكتب الثامن  بإبتدائية العاصمة ، للحضور للإستماع لها في شكوى قضائية  كان رفعها الأستاذان نجيب حسني و طارق العبيدي  في حق السيدة عبو و مُرافقيها في رحلة الكاف بتاريخ 7 ديسمبر 2006 ممن وقع الإعتداء عليهم بالعنف الشديد  .

   و هذه من المرات النادرة التي يرد فيها القضاء في عهد بن علي ، على شكاوي لمعارضين إذ جرت العادة أن تلقى مثل هذه الشكاوي  التجاهل القضائي التام .

  و كانت السيدة عبو قد تعرضت يوم 7 ديسمبر 2007 أمام سجن الكاف إلى التعنيف الشديد و البصاق و الشتم من قبل عشرات  المأجورين من ميليشيات الحزب الحاكم الذين هاجموها و هاجموا معها أيضا الدكتور المنصف المرزوقي و الصحفي سليم بوخذير و المحامي سمير بن عمر مُرافقيها في الزيارة التي مُنعت يومها و لم تتم بعد الإصابات البالغة التي لحقت بأربعتهم .

  كما تعرض الأربعة للإيقاف من قبل فرق بوليسية كانت منتشرة طوال طريق تونس – الكاف لتعطيل رحلتهم إلى السجن مما جعلهم يصلون الكاف بعد أكثر من 6 ساعات  من موع إنطلاقهم .    

  و أعلن مواطنو الكاف الشرفاء تبرأهم من الاشخاص المعتدين مقدمين قائمة ببعضهم ، و هي الآتية :

 

– المشرف على الإعتداء : فيصل جبالي : كاتب عام لجنة تنسيق التجمع بالكاف.

بدر الدين الماجري  : عضو لجنة التنسيق .

 – حنان الخياري .

حيدر العمدوني .

مهدي بن أحمد دوة  ( صاحب محطة بنزين) .

معز العياشي ( موظف بوزارة التربية) .

الجمعي ( عامل بمعهد الآثار) .

بلقاسم (شقيق الجمعي- (عامل بلدية) .

كامل العبيدي ( عضو الرابطة التونسية لحقوق الإنسان- فرع  الكاف، تصوروا )  .

 * المصدر : مراسلة خاصة


مراسلة من طرف سليم بوخذير بتاريخ 14 فيفري 2007 على الساعة 14 و 9 دقائق بتوقيت تونس: عــاجـــل

:

مراقبة غريبة
 
فوجئتُ نهار اليوم بمراقبة أمنية لصيقة متواصلة إلى غاية تحرير هذه الأسطر من عون أمن سياسي  تابعني في كل مكان  منذ مغادرتي المنزل. وتأتي هذه المراقبة  الغامضة يوما واحدا بعد مقال كنت نشرته في صحيفة « الوطن » وكذلك صحيفة « المصريون » عن أنباء اختفاء ليلى بن علي عن الأضواء وإن هذه المراقبة توحي بأمر ما يُدبّـر لي كما فهمت. الصحفي سليم بوخذير

تهديد السيد على العريض الناطق الرسمي السابق باسم « حركة النهضة » بإعادته للسجن

 

تم يوم الجمعة 2 فيفري الجاري استدعاء السيد على العريض الناطق الرسمي السابق باسم « حركة النهضة » إلى منطقة الأمن بباردو وعلمنا انه بقي ينتظر توضيح أسباب استدعائه حوالي ثماني ساعات قبل أن تقع مساءلته حول لقاء أجراه مؤخرا مع صحفي بلجيكي وحضوره بعض التظاهرات السياسية والندوات الفكرية.

 

وتم التنبيه عليه بعدم الاتصال بأي صحفي أو ناشط حقوقي أو حضور تظاهرات سياسية وإلا أعيد إلى السجن، ولم يطلق إلا في ساعة متأخرة من الليل رغم حضوره إلى المنطقة منذ الصباح.

 

وعلمت « الموقف » أنه تمسك بحقه في حضور الندوات الفكرية والسياسية وإبداء وجهة نظره معتبرا أن ذلك مما يضمنه الدستور والقانون وطالب بناء على هذا بإيقاف المضايقات المسلطة عليه.

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية – تونس) العدد 392 بتاريخ 9 فيفري 2007)


بـلاغ إعــلامي
 
نحن الطالبان الشاذلي الكريمي و حسين بن عون تعرضنا إلى طرد تعسفي من كلية الحقوق بصفاقس على إثر تقرير مفبرك من رئيس الأمن الجامعي نسب فيه أنه تعرض إلى العنف صحبة أعوانه كما أشار إلى أننا حاولنا تعطيل سير الامتحانات يوم 11 جوان 2005 إضافة إلى القذف و الشغب وهي تهم أصبحت حاضرة في كل التقارير الأمنية و الإدارية تجاه مناضلي الإتحاد العام لطلبة تونس, و بناء على ذلك أحلنا نحن الطالبان المذكورين صحبة الطالب لسعد الكيلاني على مجلس التأديب يوم 15 جويلية 2005 أنجر عنه قرار طرد نهائي من جامعة صفاقس, و أحلنا على المحاكمة يوم 06 أكتوبر 2006 من أجل نفس التهم تأجلت عديد المرات(11 نوفمبر/15 ديسمبر/ 2 نوفمبر/23 ماي) و قضت بخطية بقيمة 400 دينار للرفيق الشاذلي الكريمي و ب100 دينار للرفيق حسين بن عون و بعدم سماع الدعوى للرفيق لسعد الكيلاني. و لم تتوقف الهرسلة في حقنا حيث عمدت قوات الأمن إلى إحالة الرفيق الشاذلي الكريمي على محاكمة ثانية يوم 12 سبتمبر 2006 بتهمة الاعتداء على عون أمن والشغب على اثر اجتماع نقابي بالمبيت الجامعي سيدي منصور و قضت محكمة الناحية بحبسه 4 أشهر و نصف و خطية ب50 دينار ليقضي شهرين بعد الاستئناف, كما تم إحالة الرفيق حسين بن عون على المحاكمة يوم 13 نوفمبر 2006 بتهمة دخول محل دون إذن صاحبه و هو المبيت الجامعي سيدي منصور و تم سجنه شهرين. وتواصلت القضايا المفبركة في شخصينا حيث تمت إحالتنا على المحاكمة للمرة الثالثة بتهمة دخول مؤسسة دون إذن صاحبها و هو الكاتب العام المسمى لطفي السلامي, تأجلت المحاكمة إلى يوم 14 فيفري 2006 إضافة إلى مجلس التأديب الذي تعرض له الرفيق الشاذلي الكريمي بتهمة اجتماع عام غير مرخص يوم 08 ماي 2004. هذا وقضت المحكمة يوم 14 فيفري 2007 بالمفاوضة والتصريح بالحكم ليوم 21 فيفري 2007. الشــاذلي الكريـمي حسيــن بن عـــون
 

كتاب جديد
الطبيب أمام ضحية التعذيب

إعداد الجمعية من أجل ضحايا القمع في المنفى AVRE ترجمة الدكتور منصف المرزوقي

تقديم الدكتور هيثم مناع الطبعة الأولى ‏2007‏‏ الناشر: اللجنة العربية لحقوق الإنسان الأهالي للنشر والتوزيع المؤسسة العربية الأوربية للنشر  (باريس) بريد إلكتروني odat-h@scs-net.org            achr@noos.fr الترقيم الدولي ISBN : 2-914595-44-1                EAN : 9782914595445

 
كما أنه لا يجري الحديث عن التعذيب في المناهج التعليمية والطبية، أيضا ليس هناك أي تحضير للأطباء في الجامعات للتعامل مع ضحايا التعذيب. ومن أجل مساعدة أي طبيب في القيام بدوره الطبيعي والإنساني لمساعدة الضحايا وإعادة تأهيلهم، يأتي هذا الكتاب، وهو أول تجربة في الميدان باللغتين العربية والفرنسية،  ثمرة خبرة عدد من الأخصائيين على الصعيد العالمي. وقد سهرت على تحقيقه « الجمعية من أجل ضحايا القمع في المنفى » أقدم جمعية فرنسية كرست وجودها لعلاج ضحايا التعذيب في فرنسا والخارج التي أسستها الدكتورة هيلين جافيه. وهو يعكس اهتمام وانشغال الحكومة الفرنسية بخصوص التوفيق بين الفهم المعمق والكفاءة لدى المهنيين المطالبين بعلاج أشخاص في حالة ضعف دمرت عمدا حرمتهم الجسدية والنفسية. أمكن إعداد هذا الدليل باللغة الفرنسية  بفضل الدعم التقني والمالي لوزارة التضامن والصحة والعائلة  الفرنسية – الإدارة العامة للصحة للجمعية من أجل ضحايا القمع في المنفى. أما الطبعة العربية فتكفلت بها وأشرفت عليها اللجنة العربية لحقوق الإنسان


بـــلاغ 1
في إطار إحياء ذكرى تأسيس اتحاد دول المغرب العربي ينظم حزب الوحدة الشعبية ندوة سياسية فكرية يتولى خلالها الباحث الاجتماعي المنصف وناس تقديم محاضرة حول:معوقات البناء المغاربي وذلك يوم الجمعة 16 فيفري 2007 انطلاقا من الساعة الخامسة بعد الزوال بمقر جريدة « الوحدة » الكائن بنهج النمسا بالعاصمة.                             المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية

بـــلاغ 2
 
 تحت إشراف الرفيق محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية ،تعقد جامعة تطاوين لحزب الوحدة الشعبية مؤتمرها التأسيسي يوم الأحد 18 فيفري 2007 على الساعة العاشرة صباحا بمقرها الكائن بـ 06 نهج الحبيب الغندور. تطاوين المدينة. والدعوة مفتوحة الى كافة مناضلي حزب الوحدة الشعبية وأنصاره بجهة تطاوين لحضور هذا المؤتمرحتى يكون لبنة جديدة من لبنات التعددية والديمقراطية في تونس.  مـنـســـق الجــامـعـة محـمـد بن رمـضــان


المدونون العرب ينظمون يوما للتضامن مع الأقصى

 

نظرا للمؤامرة المفضوحة التي تحاك للمسجد الاقصي ومحاولة تخريبه وهدمه يطلق المدونون العرب اليوم الخميس يوما تضامنيا مع الأقصى, وستحمل المدونات صرخة في عالم الصمت ضد المؤامرة على الأقصى وضد الصمت العربي المريب,

إنها صرخة شباب العرب وهي أقل ما يمكن تقديمه للأقصى ولفسطين العروبة والاسلام, فلنكن يد واحدة مع الأقصى، ونحن في انتظار مساهماتكم,

يمكن المشاركة والتفاعل مع عدد من المدونات وهذه بعضها:

 

http://snono.maktoobblog.com/

http://fourati-mohamed.maktoobblog.com/

http://arttige.jeeran.com/awra9/archive/2007/2/157015.html

http://www.lachyab.jeeran.com/

http://extrada.maktoobblog.com/

http://rarib24.maktoobblog.com/


 

في تونس.. الشذوذ أهون من المعارضة!

 
إسلام أون لاين.نت – أحمد حموش تونس- تسود الأوساط الحقوقية والثقافية في تونس حالة استياء شديد بعد صدور حكم قضائي بالسجن مع إيقاف التنفيذ بحق محام أمريكي اتهم بممارسة اللواط والترويج لأفلام إباحية، مقارنة بالأحكام المشددة بحق المعارضين السياسيين، خاصة الإسلاميين منهم، والتي تصل أحيانا إلى عشرات السنوات. وأعرب رجال قانون وخبراء في علم الاجتماع عن تخوفهم من أن يجعل هذا الحكم المخفف من تونس « وجهة مفضلة لهواة السياحة الجنسية ». وذكرت مصادر إعلامية لمراسل « إسلام أون لاين.نت » أن إحدى الدوائر الجنائية قضت بسجن محام أمريكي (46 عاما) لمدة عامين و6 أشهر مع إيقاف التنفيذ بعدما ثبتت بحقه ممارسة الجنس مع قاصر، وتعمد تصوير مشاهد إباحية، وتجميع وترويج أفلام فيديو أجنبية المصدر من شأنها النيل من الأخلاق الحميدة. ولفتت الصحف التونسية إلى أنه تم إلقاء القبض على المتّهم – الذي يعمل كناشط في المجال الحقوقي والقانوني بين أمريكا وأوروبا وشمال إفريقيا- متلبسا في منزله بالعاصمة في أثناء ممارسته اللواط مع طفل. « حكم كأن لم يكن » وفيما رفضت القنصلية الأمريكية في تونس التعليق على القضية، أعرب قانونيون تونسيون ونشطاء حقوقيون عن دهشتهم واستيائهم من هذا الحكم المخفف كونه « لا يتناسب مع الجريمة التي اقترفها المتهم ». وقال عبد الرءوف العيادي، المحامي المختص في الدفاع عن سجناء التيارات الإسلامية: « الحكم مع تأجيل التنفيذ هو بمثابة حكم بعدم سماع الدعوى ». وتابع موضحا في تصريحات لـ »إسلام أون لاين.نت » أن « التأجيل في العرف القانوني يعني أن تظل العقوبة معلقة، ويمكن أن تنفذ لاحقا، أمّا بالنسبة للأجنبي فلن تنفذ بحقه العقوبة لأنه سيغادر البلاد ». وشدد على أن هذا « الحكم يبعث برسالة خاطئة إلى الخارج، خاصة إلى دوائر السياحة العالمية، مفادها أن تونس بلد غير ملتزم أخلاقيا، وهذا خطير كونه قد يجعل من تونس وجهة مفضلة لهواة السياحة الجنسية ». « النهم الجسدي » واتفق منصف المحمدي، الباحث في علم الاجتماع، مع ما ذهب إليه العيادي، مؤكدا أن « السياحة التونسية تشهد تراجعا من حيث الخدمات، وبالتالي من حيث السمعة التي كانت تتمتع بها ». وأضاف أن « قسما كبيرا من السياح الأجانب ينتمي إلى فئات شعبية ذات ثقافة محدودة، ومن يقدم منهم إلى بلادنا إنما يأتي للمتعة الحسية والجسدية المباشرة، وهو ما يمكن أن نسميه بسياحة النّهم الجسدي »، موضحا أن هذا التطور السلبي أدّى إلى « بروز أنماط سياحية جديدة عكس السياحة الثقافية ». أحكام مغلظة سبب آخر يضاعف استياء رجال القانون في تونس من الحكم المخفف على المحامي الأمريكي، إذ إنه في المقابل يصدر القضاء أحكاما قاسية بالسجن تصل لعشرات السنوات، بحق المعارضين السياسيين، خصوصا الإسلاميين منهم. وأبرز تلك الأحكام هو معاقبة شباب تونسيين لم تتجاوز أعمارهم الـ25 عاما، بالسجن مع الشغل لمدة من 9 إلى 11 عاما، لمحاولتهم الالتحاق بالمقاومة العراقية. وكان الشبان قد سافروا إلى سوريا، وانتقلوا منها إلى العراق قبل غزوه في مارس 2003، حيث تدربوا هناك على استخدام الأسلحة، لكنهم غادروا بعد سقوط بغداد، وبنفس التهم حكم القضاء في الشهر الماضي على 7 تونسيين بالسجن ما بين 5و9 أعوام مع الشغل. الأحزاب غير مكترثة وعن وقع هذا الحكم المخفف على الأحزاب السياسية بتونس، أعرب العديد من النشطاء الحقوقيين عن استيائهم من تلك الأحزاب ووسائل إعلامها، إذ إنها لم تهتم بالحكم وتداعياته على الساحتين السياسية والإعلامية، برغم أنه يمس المجال القيمي والأخلاقي، وقد يمثل بداية لاختراق ثقافي جديد، وفق مراسل « إسلام أون لاين.نت ». وفي معرض تفسيره لذلك قال الباحث في علم الاجتماع، محسن المزليني: « هذا دليل على قصور في فهم أبعاد الأمن واختزاله في بعض المستويات دون الأخرى، وعدم إدخال المسألة الثقافية ضمن هذا المفهوم الإستراتيجي ». كما أرجع المزليني في تصريحات لـ »إسلام أون لاين.نت » غياب الاهتمام الإعلامي والسياسي بالحدث إلى « رواسب نظرة علمانية غلبت على النخبة التونسية وسيطرت على الساحة الثقافية والسياسية منذ الاستقلال ». وأردف موضحا بقوله: « هذه النخبة لا تهتم بالقيم الإسلامية والثقافية الأصيلة لهذا البلد، وبالتّالي فإن انتهاكها يمر دون ردود فعل مناسبة ». ويجيء الحكم المخفف على المحامي الأمريكي بينما تتبنى السلطات التونسية -وفق إعلاميين ونشطاء تونسيين- سياسة أمنية متشددة تستهدف تجفيف منابع التدين في البلاد، وتتركز في جانب منها على استهداف المحجبات والأئمة ذوي الشعبية الجماهيرية. لكن برغم ذلك تشهد المدن التونسية عودة لافتة لارتداء الحجاب الذي كان قد اختفى تقريبا منذ صدور مرسوم حكومي في ثمانينيات القرن الماضي يمنع ارتداءه في المؤسسات التعليمية والإدارية، إذ يعتبر القانون 108، الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الحجاب « زيًّا طائفيًّا »، وليس فريضة دينية. (المصدر: موقع إسلام أون لاين نت (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 14 فيفري 2007) الرابط: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1171431847646&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout

نحو إلحاق 30 طالبا باليابان للحصول على شهادة الدكتوراه

 
تونس 14 فيفري 2007 (وات) تم قبول 30 طالبا لمواصلة دراساتهم العليا في اليابان بداية من السنة الجامعية القادمة.وتم اختيار الطلبة اثر مناظرة حسب ملفات اشرفت عليها لجنة وطنية كلفت بالغرض. وسيتمع الطلبة المقبولون بمنحة دراسية للحصول علي شهادة الدكتوراه في اختصاصات البيوتكنولوجيا (11 طالبا) والمياه والبيئة (11 طالبا) والطاقة (8 طلاب). وتنكب المصالح المختصة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا حاليا علي القيام بالاجراءات المتعلقة بالتعاقد مع مكتب استشارات ياباني لتاطير الطلبة التونسيين باليابان بداية من شهر سبتمبر2007 والي جانب التكوين العلمي والبحث في مجالات اختصاصهم سيتلقي الطلبة تكوينا مكثفا في اللغة اليابانية لمساعدتهم علي التواصل مع محيطهم طوال اقامتهم باليابان. ويندرج ارسال هذه البعثة الدراسية في اطار التعاون العلمي القائم بين تونس واليابان وقد اثمر هذا التعاون تنظيم دورات تدريبية باليابان حول التصرف في الاقطاب التكنولوجية وقيام مجموعة من الباحثين الشبان بترصبات وابحاث مشتركة باليابان في ميادين البيوتكنولوجيا والطاقة اضافة الي تشريك خبراء يابانيين للعمل بالقطب التكنولوجي ببرج السدرية في مجالات اختصاصاهم (الماء والهندسة المعمارية). كما تم ابرام اتفاقية مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي في افريل 2006 حول المساندة الفنية والتقنية لمشروع تركيز القطب التكنولوجي ببرج السدرية. ويقضى هذا التعاون بتنظيم ايام علمية وثقافية تونسية يابانية سجلت دورتها المنعقدة في ديسمبر 2006 نجاحا هاما وذلك بمشاركة 300 مشارك من بينهم 42 باحثا يابانيا. (المصدر: وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات – رسمية) بتاريخ 14 فيفري 2007)

تونس وإيران توقعان اتفاقين لخفض الضرائب على التبادل التجاري

 
تونس – سميرة الصدفي     شكلت زيارة وزير التجارة والصناعات التقليدية التونسي منذر الزنايدي إلى طهران يرافقه وفد من رجال الأعمال، خطوة متقدمة في مسار تعزيز العلاقات التجارية والصناعية التونسية – الإيرانية. وأسفرت الزيارة عن التوقيع على اتفاق لتسهيل الإجراءات الجمركية، وخفض الضرائب المفروضة على المنتجات المُصنَعة في البلدين. وذكرت إحصاءات تونسية أن حجم الصادرات التونسية إلى إيران، ارتفع العام الماضي إلى أكثر من 81 مليون دينار (نحو 60 مليون دولار). وبحث الزنايدي مع رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم في طهران علي خموشي، فرص الاستثمار وتنشيط العلاقات بين رجال الأعمال في البلدين.وسبقت زيارة الزنايدي إلى إيران، زيارتان استكشافيتان قام بهما وفد إيراني الى تونس، وتونسي إلى طهران السنة الماضية، بغية تكثيف العلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية. كما قام رئيس جمعية المصدرين التونسيين الوزير السابق صادق بن جمعة السنة الفائتة بزيارة إلى إيران على رأس وفد من رجال الأعمال والصناعيين. وخصصت زيارة العمل، الأولى من نوعها لبحث إمكانات تطوير التعاون في المجالين الصناعي والسياحي. وزار الوفد طهران ومحافظة مازندران الشمالية المطلة على بحر قزوين للبحث في الاستفادة من خبرة الإيرانيين في مجال تصنيع السيارات، إضافة إلى المبادلات التجارية. وأعلنت إيران في اختتام الزيارة، أنها فتحت خط اعتماد قيمته 25 مليون يورو وضعته في تصرف رجال الأعمال في البلدين، من خلال مصرف تنمية الصادرات الإيراني لتمويل مشاريع اقتصادية مشتركة. وارتفع حجم المبادلات الثنائية في السنوات الأخيرة، بعد استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين في أواخر ثمانينات القرن الماضي، والتي كانت مقطوعة في السابق لأسباب سياسية. وقبل أسابيع من زيارة الوفد التونسي الذي ترأسه جمعة إلى إيران، زار رئيس منظمة التجارة الإيرانية غلام رضا عزيزي، تونس على رأس وفد من رجال الأعمال، وأسفرت الزيادة عن الاتفاق على إقامة مكتب تجاري إيراني في تونس، سيفتح أبوابه قريباً لتنشيط المبادلات الثنائية، وتأمين بنك معلومات للجانبين. وأوضح بن جمعة أنه اتفق مع الإيرانيين على إقامة معرض للمنتجات التونسية في طهران في وقت قريب. في المقابل، تبدأ شركة تونسية – إيرانية إرسال أولى شحناتها من الورود والنباتات ومشاتل الكيوي إلى تونس قريباً، تنفيذاً لاتفاق سابق في هذا المجال. كذلك تنطلق صادرات المعدات الصحية الإيرانية إلى تونس قريباً تنفيذاً لصفقة سابقة قدرت قيمتها بخمسة ملايين يورو، فيما يستعد مصنع الكابلات في محافظة مازندران لتصدير أولى شحناته الى تونس هذه السنة. وفي سياق متصل باشر رجل أعمال تونسي إنشاء مصنع للبلور في إيران، يعتمد على استثمارات إيرانية وخبرة تقنية تونسية. ورجحت مصادر مطلعة، أن تتوصل شركتا الطيران التونسية والإيرانية إلى اتفاق لتسيير رحلات مباشرة، بعد البروتوكول الذي وقعه وزير النقل التونسي عبدالرحيم الزواري خلال زيارته طهران في أيار (مايو) الماضي. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 14 فيفري 2007)
 

رسالة إلى رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي:

 كيف يرى نفسه « الجزء الثاني »

 
مستشار التغيير
سأواصل في هذا الجزء تحليل شخصيتك سيدي الرئيس وكذلك طريقة تفكيرك ونظرتك للأمور وسأركز محور أساسي وهام وهو كيف ترى نفسك رجل سياسة أم رجل تغيير؟ بن علي رجل سياسة أم صانع تغيير؟ في الحقيقة أنت مقتنع تماما بالاثنين معا رجل سياسة و صانع تغيير و تحب أن تكون الاثنين معا. أما  الفترة الأولى 1989- 1999 فقد كنت صانع تغيير و لم تكن صانع سياسة أردت فعلا أنت تقوم بثورة تغيير في تونس، و أن تكون لك بصمة واضحة في تاريخ تونس المعاصر، لكنك أردت التغيير مهما كان و مهما كان الثمن لتفرض نفسك. و كنت مندفعا جدا، و لم تعر الأبعاد السياسية و الاجتماعية   والنتائج المحتملة لحركة التغيير العناية اللازمة. و عولت في التغيير على أي شخص له برنامج تغيير ما، دون أن تدرك الأبعاد الأيديولوجية وراء  تلك البرامج. في هذا الغمرة من جنون التغيير حطمت كل من يعترض أو يبدي مقاومة ما لبرامجك. كنت مغرورا جدا بكمية القوة التي أتاحها لك منصب رئيس الدولة. و لم تتردد لحظة في استعمالها في محاربة جزء من التونسيين. خاصة و أنك كنت منبهرا بالحرب التي خاضها بورقيبة ضد اليوسفيين، وكنت تتمنى دوما أن تتاح لك قوة كبيرة فتدخل في حرب ضد عدو ضعيف و تنتصر فيها  انتصارا عظيما. و قد فعلت فعلا ما كنت دائما تحلم به. واحتفلت بذلك و رأيت أن ذاتك قد تحققت بذلك الانتصار السهل على أتباع حركة بدائية.  ووضعت جزءا من التونسيين في دائرة العذاب والتنكيل وكلما أحسست ببعض الضعف كنت تتجه الى تعنيفهم لتسترجع الثقة في النفس، و تستمتع من جديد بطعم الانتصار. كنت تتصرف كشاب مفتول العضلات يعنف طفلا صغيرا بشكل وحشي لأنه شاكسه. ثم يقول لمن حوله بكل فخر لقد انتصرت عليه، أنا قوي.  أن يكون يكون تونسيين يعانون أو يتعذبون فإنسانيا لا يمثل عندك شيء، ولا تفكر في هذا الموضوع حتى مجرد التفكير. بل كنت تعتقد أن الإنسانية أو الرحمة مع السياسة لا يلتقيان و هما دليل ضعف،  وأنت كنت تريد أن تحس و يحس الناس بأنك قوي بل جبار. كنت تقنع نفسك أن التغيير هو »نضال » منك من أجل تونس، وكان شعارك حينها -ان تذكرت- « معا من أجل تونس » شعار عظيم، من يجرأ أن يكون ضده أو يعترض عليه. منذ سنة 1999 رأينا بأنك بدأت تنضج سياسيا وابتعدت عن التغيير ولم تعد تونس هي المبتغى بل صار شخصك وصورتك وهيبتك هم الغاية كما بينت ذلك في الجزء الأول من هذه الرسالة وعوضت شعار « معا من أجل تونس » إلى شعار شخصاني ذاتي « بن علي خيار المستقبل ». واذا قارنت الشعارين تجد أن الأول  فيه دعوة وطنية جماعية، فيها معنى الشراكة والتعاون من أجل تونس، بينما الشعار الثاني جاء في صيغة أمر واقع اتخذ القرارفيه و انتهى الأمر. وهوشعار يجعل من شخصك هو الهدف عوضا عن الوطن تونس. وهذا يعكس، مدى التمركز حول الذات وحب النفس، وحب الظهور، وحب فرض الذات على الأخرين والظهور بصورة الكمال و القوة و التكبر. وهذه الخصائص سلبية لأن الناس عادة تمقت الانسان الفخور بنفسه و المتعالي والمتكبر. وقد كرست لذلك وسائل الإعلام الوطنية  لتسبح بحمدك ليلا نهارا وهو ما جعل الناس تنفر من هذه الوسائل. كما نسبت لنفسك كل ما يبدعه التونسيون وحتى غير التونسيين. فكل انتصار لفريق تونسي في رياضة ما هو نتاج لعناية رجل التغيير. حتى أن بعض المتعصبين ضدك صاروا يتمنون عدم انتصار فرقهم بكؤوس أو بطولات كي لا تذكر وسائل الاعلام بأنه « نتيجة للعناية الموصولة لسيادته ». انت تتصرف كالذي يشتري ملابس جديدة لأول مرة يرتديها وينادي على الناس انها ملابس جديدة هل ترون، ليس لديكم مثلها » و الناس تكره هذا التصرف و تمقت فاعله عادة. بل أكثر من ذلك رحت تمزق كل من يشتري ملابس جديدة، لتكون وحدك في الصورة. ركزت في  سياستك على أن تكون الوحيد في الساحة الإعلامية والسياسية لا ينافسك فيها أحد. وهذا دليل على ضعف ثقتك بنفسك. لأنك لو كنت واثقا من نفسك لتركت غيرك يبرز من السياسيين والوزراء و المستشارين و غيرهم. الوزير الأول المنتهية تقريبا ولايته له أكثر من سبع سنوات في هذه الخطة الهامة جدا بعد رئيس الجمهورية و مع ذلك لم تتح له فرصة واحدة لبث خطابته أو تصريحاته في شريط الأنباء.أما بقية الوزراء فحدث و لا حرج. بماذا تفسر هذا في داخلك؟ لماذا احتكار كل شيء؟ أليس لغياب الشخصية القوية والثقة في النفس. بورقيبة في السابق اعتذر أمام الشعب عن بعض السياسات الخاطئة فلم يزده ذلك إلا شعبية. أما أنت بالرغم من الأخطاء الإستراتيجية الهامة التي ارتكبتها فقد بقيت مصرا على ارتكابها وهذا بعضها: –  القضاء تماما على حركة النهضة، في حين كان يمكنك إضعافها دون القضاء عليها تماما، لتكون ورقة ضغط لديك في أية مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. – إضعاف الاعلام المحلي و إفراغه من محتواه وإفقاده مصداقيته، مما جعل التونسيين يتوجهون الى الاعلام الخارجي والتأثر به و بالتالي ضعفت شعبيتك و كثر انتقاد الشارع لك. اضافة الى فقدانك منابر اعلامية تصل الى المواطن التونسي. وهو ما أضعف تأثيرك عليهم. – القيام بحملة  فاشلة و مجانية ضد الحجاب وتسببت في مشاكل لنفسك و إضعاف لشعبيتك و جلبت كره الناس لك في الداخل و الخارج. دون أن نرى فوائد سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية  واضحة لهذه الحملة. بل مجرد معركة حاسرة منذ البداية. – خلقت فراغا سياسيا هاما بمحاصرتك للمعارضة بكل أطيافها مما أدى الى انتشار ظواهر اجتماعية غريبة. ولكن إصرارك على الخطأ بعد أن تبين ذلك تماما، يثير الاستغراب و الدهشة، في حين أن القائد الناجح هو من يستفيد من أخطائه ولا يقف ضد التيار. أنت بوقوفك ضد التيار بدعوى الثوابت الوطنية أظهرت بأنك لست براغماتيا و بأنك كلاسيكي التصرف أو حتي أصولي في طريقة التعامل مع الأحداث و الظواهر. ولإقناع الناس بأنك براغماتي و تتفاعل مع المستجدات كنت دائما تقوم بذر الرماد في العيون و لكنك في الحقيقة لم تكن تغير سياستك. كأن تغلق الرابطة التونسية لحقوق الانسان و تقول بأنها مكسب وطني أو تقوم بالتعذيب ثم تتحدث عن حقوق الإنسان، أو تحارب مظاهر التدين و تقول بأنك وفي للدين الإسلامي، أو تقوم بعلاقات مع إسرائيل وتقول أن فلسطين هي قضيتك الشخصية… بهذه الطريقة كنت تشعر بأنك ذكي وسياسي بارع و تظن بأنك تسحب الأعذار عن خصومك، لكن ذلك ربما ينجح مرة أو مرتين لكن أن تصبح تلك سياستك فهذا دليل على أنك لست صانع تغيير فعلي بل مجرد رجل سياسة. (يتبع) 
 

النّخبة التّونسيّة وملف حقوق الإنسان

 
نـــــورالدين الخميري ـ  ألمانيا  يشهد الوضع التّونسي هذه الأيّام جملة من الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قلّما عرفتها البشريّة عبر تاريخها الطويل ، حيث تنوّعت أشكالها لتأخذ أبعادا خطيرة لم يعد من الممكن الإكتفاء  بإصدار البيانات في شأنها بل يتطلّب  الأمر من المهتمّين بحقوق الإنسان ومؤسّسات المجتمع المدني ومنظماته المدنية والسيّاسيّة الإنخراط في الكفاح من أجل احترام حقوق وحريّات المواطن عبر صياغة الأولويات والإستراتيجيّات التي تيسّر النّضال من أجل تحسين الأوضاع   وإشعار المجتمع الدولى والهيئات العالميّة  بخطورة الإنتهاكات التي تمارسها السّلطة التّونسيّة ضدّ المعتقلين السيّاسيّين على اعتبار أنّها تشكّل خرقا لجميع المبادئ الإنسانيّة التي تنادي بها المواثيق والمعاهدات المتعلّقة بحقوق الإنسان . ولعلّ ما تناقلته المواقع الإخباريّة أخيرا من شهادات و معلومات حول عمليّات القتل والتّعذيب في ظروف غامضة واعتداءات فضيعة على المعتقلين التّونسيّين شمل إلى جانب  حبسهم  في زنزانات انفراديّة معزولة ولمدد طويلة و إكراههم على التوقيع على محاضر بحث لتهم ينكرونها أصلا ، استعمالا لأبشع أنواع التّعذيب تجاوزما كان معروفا من أساليب  قديمة  كالصّعق الكهربائي والكابلووات وقارورات الزّجاج ليأخذ أشكالا و أنواعا أخرى أكثر بشاعة ووحشيّة  ليصل الأمر إلى حدّ تهشيم الجماجم والتهديد بالإغتصاب والخطف ، ممّا  يلقي على نخبها الوطنيّة مسؤوليّة أخلاقيّة كبيرة للتّصدّي  » لأحفاد بنوشي الجدد  » وفضح ممارساتهم الهمجيّة على اعتبار أنّ إعلانات حقوق الإنسان والدّساتير والمواثيق والمعاهدات التي أمضت عليها تونس بدون تحفّظ تشكّل في الحقيقة  درعا واقي لحماية هذه الحقوق من أجل تحقيق سبل الكرامة الإنسانيّة وفقا لمبادئ الديمقراطيّة التي تتطلّبها الشّعوب . إنّها إذا  أمانة تاريخيّة ومسؤوليّة نتقاسمها جميعا أمام استمرار سجن السيّد محمّد عبو لمدّة تقارب السّنتين وهي كذلك وبنفس الأهميّة  أمام استمرار محنة الإسلاميين لأكثر من ستّة عشرة سنة ولن تكون أقلّ من ذلك  أمام عودة المداهمات و تجدّد الإعتقالات بقوّة  في صفوف الشّباب والتنكيل بهم . فهل آن الأوان أن ينشط الرأي العام التّونسي مطالبا باحترام حقوق الإنسان التّونسي وحرّياته على اعتبار  أنّ مصلحة المجتمع تتجسّد في المحافظة على كرامة الفرد وإنسانيته ومنع كلّ أنواع التعسّف التي يتعرّض لها ، باعتباره الخليّة الأساسيّة لبنائه ؟. أملنا أن تدرك النّخبة التّونسيّة وكلّ أطياف المجتمع المدني رغم اختلافاته الإديولوجيّة أهميّة هذا الملف الإنساني  لإرغام السّلطة على وضع حدّ  لهذه الإعتداءات الفظيعة  لأنّ  نجاحنا في  تحقّق ذلك يكون قد فتح لنا الطريق لتأديّة  بعض الخدمات لشعبنا من أجل التمتّع بحقوقه وحرّياته على اعتبار أنّ هذه الحقوق والحرّيات من أقوى دعائم الحريّة والسّلام . 2007.02.11


الجورشي: الجماعة السلفية للدعوة والقتال غيرت اسمها لإخفاء انحسارها

 
استبعد السيد صلاح الدين الجورشي المتخصص في القضايا الإسلامية أن يكون للجماعات الإسلامية المتطرفة مستقبلا أو نجاحا في الساحة المغاربية وقال في مقابلة مع مغاربية أن الجماعة الجزائرية الإرهابية غيرت إسمها إلى القاعدة لإخفاء انحسارها. حاوره جمال العرفاوي في تونس لمغاربية استبعد السيد صلاح الدين الجورشي المتخصص في القضايا الإسلامية ورئيس مؤسسة الجاحظ للفكر أن يكون للجماعات الإسلامية المتطرفة مستقبلا أو نجاحا في الساحة المغاربية لان المنطقة حسب الجورشي اقترنت بالبعد الإصلاحي والنضال السلمي. مغاربية: عد الإعلان عن قيام ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ما هي حظوظ هذه المجموعة في المنطقة المغاربية؟ صلاح الدين الجورشي: لا أتصور أن تكون لهذه الجماعات حظوظا مستقبلية في منطقة المغرب العربي وذلك لثلاث اعتبارات أولها رفض قطاعات واسعة من سكان المنطقة للعنف المسلح الموجه ضد الأنظمة مهما كانت الانتقادات الموجهة لهذه الأنظمة فالعمل السياسي المعارض في معظم الدول المغاربية اقترن بالبعد الإصلاحي والنضال السلمي وبالتالي يمكن القول بأنه رغم الأزمات الحادة في هذه المنطقة إلا انه لا توجد ثقافة عنف راسخة. أما الاعتبار الثاني فيعود إلى كون تجربة العنف بقيت محدودة بل يمكن القول بأن هناك تراجع وإعلان فشل خاصة إذا استحضرنا التجربة الجزائرية ففي الجزائر تراجع العنف المسلح بشكل واضح ومؤكد وما تحاوله الآن الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي غيرت اسمها [إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي] ليست إلا دليلا على هذا الانحسار. .وبخصوص الاعتبار الثالث فنراه في قبول عدد من الذين حمل السلاح في الجزائر وفي ليبيا بصيغ مصالحة مع نظامي البلدين وهو ما يدل على أن ممارسة العنف قد بلغ أقصى درجاته ولم يحقق الأهداف التي كانت مطروحة. لكن هذه المعاينة لحالة انحسار ظاهرة العنف لن تمنع القول بان احتمال تتجدد هذه المحاولات يبقى أمرا واردا وما حدث في تونس مؤشر على ذلك مغاربية: ولكن ما المغزى من تغيير الاسم من الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى القاعدة في المغرب الإسلامي »؟ الجورشي: يبدو واضحا أن الجماعة الجزائرية تريد أن توظف يافطة القاعدة لتحدث حالة إرباك فتسمية القاعدة تستبطن مخزونا سياسيا وأمنيا تتصور الجماعة الجزائرية أنه يعزز موقعها ويغطي على حالة الضعف والخلافات التي تشقها. مغاربية: وفي ظل هذه الأوضاع ما هي حظوظ الخطاب الديني المعتدل لدى أوساط الشباب؟ الجورشي أولا علينا أن نحدد طبيعة هذا الخطاب أي ماذا نعني بالاعتدال لأن مشكلة التصنيف تبقى من أعقد المسائل التي تختلف حولها النخب والأنظمة لكن يمكن القول بأنه إذا كان المقصود بالاعتدال الفصل بين الممارسة الدينية عن كل مظاهر العنف فنني يمكن أن أقول أن مثل هذا الخطاب سيبقى أكثر قبولا على المدى المتوسط والبعيد . ولكن المشكلة تتمثل في الآن أو في اللحظة الراهنة حيث أن هذا الخطاب يجد نفسه بين ضغطين من جهتين متناقضتين الجهة الأولى تمثلها أغلب الحكومات والنخب العلمانية التي تشك في مصداقية أصحاب هذا الخطاب وتشن عليهم من حين لآخر حملات قوية من أجل إضعافهم وتهميشهم وحتى محاسبتهم سياسيا وأمنيا. أما الجهة الثانية فيمثلها هذا التيار السلفي الصاعد والزاحف الذي تغذيه أزمات متزايدة منها ما هو داخلي وما هو خارجي وما هو سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي. ولهذا نجد الخطاب المعتدل في هذه المرحلة مهددا بأن يفقد بعض معاقله مثل المساجد والجامعات. مغاربية: لماذا تبدو صورة الأحزاب والجماعات الإسلامية مخيفة؟ الجورشي تعود هذه الصورة لعدة اعتبارات أولها في اعتقادي ضعف أداء هذه الجماعات في مستوى تطوير الخطاب الإسلامي فعطاؤها على المستوى الفكري لا يزال محدودا وهو ما ساعد على أن يبقى الخطاب المتشدد في الساحة الإسلامية قويا ومثيرا للقلق. أما العامل الآخر الذي يجعل من هذا الخطاب محفوفا بالمخاوف هو أنه لم تتأسس إلى حد الآن تجارب إسلامية مستنيرة ومقنعة فاستحضار التجربة في السودان وفي أفغانستان سوف لن يزيد في الأمر إلا غموضا. مغاربية: إذا أين تضع التجربتين التركية والماليزية؟ الجورشي: إن مثل هذه التجارب تحمل بعدا واعدا وجديا وممثلا. ولكن لا ننسى أنها تحمل للأسف خصوصيات الأوضاع الإسلامية خارج المنطقة العربية ولهذا لم تتوفر إلى حد الآن على إمكانية أن تؤثر في العالم العربي. ومع ذلك يمكن التعامل بتفاؤل نسبي مع ما يجري في المغرب مثلا. مغاربية: هناك من يبرر عنف الجماعات الإسلامية في المنطقة العربية بغياب الحريات العامة والفرص ولكن هل يمكن أن يبرر عنفهم في دول مثل بريطانيا أو فرنسا أو اسبانيا مثلا وهي من الدول التي تحترم الحريات العامة والفردية وتتوفر بها الكثير من الفرص. الجورشي: تقدم الدوائر القريبة من تنظيم القاعدة مبررا لهذا العنف المصدر إلى الدول الغربية ولعل أهم إحدى التغييرات التي أحدثها أيمن الظواهري – الرجل الثاني في تنظيم القاعدة وغيره في الاستراتيجيات الإسلامية هو نقل المعركة من مستواها المحلي والإقليمي إلى المستوى الدولي اعتقادا منهم بأن تغيير السياسات الأمريكية والأوروبية يمر عبر توجيه ضربات مؤلمة لهذه الدول في عقر دارها. لكن هذا التفكير وان أدى إلى حالبة إرباك وخلق صعوبات لهذه الدول إلا انه في المقابل ترتبت عنه نتائج مؤلمة جدا وخطيرة على الصعيدين العربي والإسلامي وكان أكبر متضرر من هذه الإستراتيجية العدمية هو الإسلام كدين وكثقافة وكرؤية إنسانية. (المصدر: موقع « مغاربية » بتاريخ 9 فيفري 2007) الرابط: http://www.magharebia.com/cocoon/awi/xhtml1/ar/features/awi/reportage/2007/02/09/reportage-01


الإسلام والإسلاميون والديمقراطية

 

 
راشد الغنوشي (*) شائع في الأوساط المعادية للإسلاميين وللإسلام ذاته إلقاء تهمة العداء للديمقراطية على الإسلاميين والتحذير من دخولهم طرفا في المنتظم السياسي القانوني، وهو اتهام خطير في مناخات دولية مستهدفة الإسلام ودعاته وفي ظل أنظمة ما اعتادت أسلوبا للحكم غير أسلوب الانفراد، وهي تعيش في حالة هلع من مطالب التغيير الديمقراطي التي تجتاح العالم. فما مدى مصداق هذا الاتهام؟ هل الإسلام والإسلاميون خطر على الديمقراطية؟ 1- حتى لا نذهب بعيدا في متاهة تحديدات الديمقراطية وحرصا على الوضوح نقصد بالديمقراطية نظاما سياسيا، مهما تنوعت صوره من رئاسي إلى برلماني، وخلفياته الثقافية من حيث علاقته بالدين مسيحيا كان أم يهوديا أم بوذيا أم هندوسيا علمانيا متشددا أم علمانيا معتدلا، فإنه يلتقي على تعدد أشكاله وخلفياته في مبادئ تترجمها في الواقع جملة من المبادئ والآليات. أهمها: قيام النظام السياسي على أساس مبدأ المواطنة بمعنى اشتراك أهل البلاد جميعا في امتلاك الوطن وحقوق متساوية فيه، وعلى أساس تعاقد صريح بينهم -باعتبارهم شعبا- على إقامة نظام سياسي « دولة » هم أصحاب السلطة عليها، يملكونها ولا تملكهم، إلى جملة من الآليات، يمارس الشعب صاحب السلطة من خلالها هذه السيادة بما يحقق تداول السلطة سلميا عبر انتخابات نزيهة حق المشاركة فيها على قدم المساواة متاح لجميع المواطنين وقد يكون واجبا وليس مجرد حق. وتعتبر العملية الانتخابية المصدر الذي تستمد منه كل السلط في الدولة شرعيتها: السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس دولة أو رئيس حكومة ضمن دورية محددة وكذا انتخاب الهيأة البرلمانية. وقد تمتد العملية الانتخابية لتشمل السلط التنفيذية الفرعية، فضلا عن مؤسسات الحكم المحلي كالبلديات ومؤسسات المجتمع المدني مثل النقابات وما إليها من مختلف المؤسسات الأهلية التي تغطي سائر اهتمامات المجتمع، بما يحقق بشكل دوري اختبار تطور اتجاهات الرأي العام صاحب السلطة، ليعرف موقع الأغلبية، وليراجع كل طرف سياساته في ضوء ذلك. كما يضمن للأقلية أن تعارض، مع إبقاء الباب أمامها مفتوحا للوصول إلى الحكم كلما تحول الرأي لصالحها فتحولت أغلبية.ولأن الحرية وما تقتضيه من اختلاف هي من فطرة الإنسان فإن هذا النظام يضمن حق الاختلاف وممارسة الحريات الإنسانية بشكل علني منظم مثل حرية التفكير والاعتقاد والممارسة الدينية وحق التعبير وإقامة الجمعيات والأحزاب وحق التقاضي إلى قضاء مستقل وفق شروط المحاكمة العادلة المتعارفة، وكذا الحريات الخاصة. كما يبذل الوسع في توفير الحد الضروري في الأقل من مقومات الكرامة الإنسانية كالشغل المجزي والصحة والتعليم. وتكاد تشترك في إقرار هذه الحقوق الإعلانات الحقوقية الإنسانية. كما أن من قواعد هذا النظام توزيع السلطات على أوسع نطاق مقابل تمركزها في النظام الدكتاتوري، وإقامة بعضها رقيبا على بعض، ومساءلة كل صاحب سلطة ومحاسبته سواء عبر الصحافة أم عبر مؤسسات دستورية مختصة بما يضمن خضوع كل ممارسة للسلطة في أي مجال للقانون. كما يضمن مبدأ المحاسبة. ويضمن بالنتيجة يسر ممارسة حق سحب السلطة واستبدالها. والهدف من كل هذه الآليات هو توفير شروط الكرامة الإنسانية. والخلاصة أن هناك نظاما ديمقراطيا كلما كان متاحا للمحكومين محاسبة حكامهم بشفافية واستبدالهم بيسر دون مشقة ولا عنف، أي كلما كان القانون معبرا عن إرادة الناس، وصوته الأعلى. الديمقراطية هي جملة من التسويات والترتيبات الحسنة التي تتفق عليها النخب المختلفة من أجل إدارة الشأن العام بشكل توافقي بعيدا عن القهر، وعلى أساس المساواة في المواطنة حقوقا وواجبات على اعتبار أن الوطن مملوك من قبل كل سكانه بالتساوي، مع التسليم بسلطة الرأي العام مصدرا لشرعية السلطة، وذلك بصرف النظر عن نوع العقائد السائدة. 2- هذا النوع من الأنظمة لم يعرف بهذا الشكل إلا في العصر الحديث ومر بأطوار كثيرة ولا يزال تحت التجربة ويتعرض لسنة التطور فلا أحد ينسب إليه الكمال، بل إنهم لم يجدوا ما يعرفونه به إلا بأنه أقل الأنظمة سوءا بسبب ما خالطه من عيوب مثل تدخل أصحاب المال في التأثير على الرأي العام عبر ما يملكون من وسائل الإعلام بما يحيف بمبدأ المساواة ويكاد يجعل المال والسلطان دولة بين الأغنياء. ولكن كثيرا من أعمال البشر لا تستوي سهولة كشف عيوبها وسهولة اكتشاف وتوفير البديل الأحسن منها. وأكبر شهادة للنظام الديمقراطي تتأتى من مقارنته بغيره من الأنظمة. وما ينبغي أن تصل بالبعض الروح العدمية إلى حد تفضيل نظام دكتاتوري زهدا في ديمقراطية ناقصة. وهل نكون من الحمق فنفضل الحرمان من الحرية على أن نحصل عليها ناقصة؟ معيبة أو أن يحصل عليها معنا خصومنا؟ والشهادة العملية للنظام الديمقراطي هي في تصاعد اتجاه الهجرة إليه وإلى حواضره، بما في ذلك من جعلوا رزقهم هجاءه وهم يستظلون بظله. وهجرة الناس عادة إنما تكون في اتجاه البحث عن وضع أفضل. تماما كما كانت هجرة الشعوب نحو حواضر الإسلام زمن تحضرنا، وذلك رغم كل سلبيات الديمقراطيات التي لا ترجع إلى آليات الديمقراطية وإنما قيم الجشع الرأسمالي وماديته. 3- ورغم محاولات العلمانيين المتطرفين المتكررة لأدلجة النظام الديمقراطي بما يقيم رباطا لا ينفك بينه وبين شتى ضروب العلمنة وإقصاء الدين من المجال العام وحتى الخاص، فإن واقع التطبيقات المتنوعة للنظام الديمقراطي تشهد على توفره على أسس متينة لحيادية آلياته وعدم ارتباطها بأي منظور أيديولوجي علمانيا كان أم دينيا. إنه نظام يقوم على تسويات يصل إليها الفرقاء يستعيضون بها عن الوسائل العنيفة بالوسائل السلمية في حل خلافاتهم سواء أكانوا من عرق واحد أو دين واحد أو لغة واحدة أم كانوا مختلفين في كل ذلك أو بعضه. فإذا اتفقوا على أنهم مواطنون أحرار في وطن مشترك وأن لا مناص لهم من التعايش السلمي فإنهم سيجدون في آليات الديمقراطية ما يسعفهم في تنظيم حياتهم بما يضمن مصالحهم المشتركة وحقوقا لهم متساوية من خلال تنظيم الشأن العام وفق آليات الديمقراطية المعروفة، التي تملك من المرونة والسماحة ما يمكن معه تصور عمل أكثر من نظام قانوني واحد داخل نفس الدولة. ففي نظام فدرالي -مثل الولايات المتحدة أو ألمانيا أو الهند أو ماليزيا أو نيجيريا- يمكن لولاية أو أكثر أن تختار تطبيق نظام قانوني مثل حظر أشياء أو إباحة أخرى خلافا لولاية أخرى. وليس لتوفر هذه السماحة في التعامل مع التعددية علاقة لازبة بالعلمانية فقد تكون هذه الأخيرة أساسا للدكتاتورية كما هي الحال في الأنظمة النازية والشيوعية وعديد الأنظمة العربية، بينما هي الأساس الفكري لكثير من الأنظمة الديمقراطية في العالم. وقل الأمر ذاته بالنسبة للدين فقد يتخذ أساسا لتسويغ أنظمة دكتاتورية كما حدث في تاريخنا وتاريخ شعوب أخرى، وقد يمثل أساسا للسماحة والقبول بالتعدد أو على الأقل للتعايش. ففي اليابان وسريلانكا مثلا تقوم ديمقراطية ذات خلفية بوذية، وفي الهند ديمقراطية ذات خلفية هندوسية، وفي أوروبا وأميركا أنظمة ذات صلة وثيقة بالمسيحية حتى إن بعضها لا ينص على العلمانية أصلا مثل المملكة المتحدة، حيث تلتقي في شخص الملكة الرئاستان الدينية والسياسية. ولا ينكر أحد مكانة الدين اليوم في دولة مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو الهند. وفي العالم الإسلامي محاولات متكررة لإقامة أنظمة ديمقراطية تعددية لا تزال تغالب كثيرا من الصعوبات، لعل أوفرها نجاحا ماليزيا ولبنان وإيران والأردن واليمن والبحرين والمغرب وإندونيسيا وباكستان وبنغلاديش والسودان. 4- ليس في الإسلام عند التأمل في تعاليمه ومقاصده وتجربة تطبيقه النموذجية في عصر النبوة والراشدين ما يمنع الترتيبات التي جاء بها النظام الديمقراطي علاجا لآفة الدكتاتورية التي اكتوى بنارها معظم تاريخ الإسلام وبقية شعوب الأرض، وذلك بعيدا عن كل أدلجة يلح على ادعائها طرفان متقابلان هما العلمانيون المتطرفون الذين لا يفتؤون يلحون على مبدأ خذوا الغرب جملة أو دعوه جملة. ومقابلهم الجماعات المتشددة في التيار الإسلامي التي اتخذت من مقاومة الديمقراطية بدل مقاومة الدكتاتورية -التي هم بعض ضحاياها- ركنا أعظم في دعوتهم تكفيرا للديمقراطية بشكل يدعو إلى الاشمئزاز مع أن لا أحد كفّر وسائل الاتصال وسائر الأدوات التي طورها الغرب، تواصلا مع تراث الحضارات التي سبقته وبالخصوص الحضارة الإسلامية التي قامت على أساس دين جعل مقصده الأسنى تكريم الإنسان « ولقد كرمنا بني آدم ». واعتبر الناس جميعا إخوة بالبنوة إلى أب واحد والمخلوقية لرب واحد. ودعاهم إلى التعاون والتوحد وإقامة العلاقات بينهم على أساس العدل والإحسان والشورى، والتعاون على البر، ودفع الظلم، حتى اعتبره قرينا للشرك. وكانت أشد حملات كتاب الإسلام الخالد -بعد الشرك- على الظلمة والطغاة والفراعين أعداء النبوات ورمزهم فرعون. ومثلت تجربة النبوة نموذجا للعدل والشورى والتسامح مع المخالف كما جسدت « الصحيفة » التي نظمت العلاقات في المدينة بين مختلف مكونات تركيبها الاجتماعي والديني على أساس الاعتراف بحقوق المواطنة للجميع مؤمنين وكافرين رجالا ونساء، سابقة تاريخية دستورية غاية في الأهمية، مثلت قاعدة متينة جدا لما تميزت به الحضارة الإسلامية -رغم كل الانحرافات- من تسامح ديني ومذهبي وتعدد للأنظمة القانونية والتعليمية داخل الدولة الواحدة، تجسيدا لمبدأ عظيم من مبادئ الإسلام في إقرار حرية الاعتقاد والدين وهي أساس كل الحريات، « لا إكراه في الدين ». « لكم دينكم ولي دين ». ولذلك لم يتلوث تاريخ الإسلام على امتداده بحروب التطهير العرقي والديني التي سادت في حضارات أخرى تأسيسا على مبدأ عظيم قام عليه بنيان حضارة الإسلام لخصته الآية الكريمة « لا إكراه في الدين ». كما مثل أول لقاء بين كبار الصحابة على إثر وفاة نبيهم في اجتماع السقيفة صورة جميلة وتقدمية لهيأة برلمانية تجسد قيمة الشورى وتؤكد أصالة مفهوم الدولة في الإسلام واستمراريتها دون ارتباط بشخص الحاكم، وأن شرعية السلطة في هذه الدولة لا تستمد من وراثة ولا من وصية ولا من دعاوى ثيوقراطية وإنما مصدرها الوحيد الناس. عموم المسلمين الذين عرض عليهم ترشيح أبي بكر في المسجد من أهل الحل والعقد أقروه خليفة عليهم وقاموا يؤدون له البيعة في تعاقد حقيقي « البيعة »، تأسست عليه سلطة الخلفاء الراشدين. لكن هذا العقد وإن حافظ الحكام بعد مرحلة الرشد وخلال أنظمة التغلب -التي سادت- على شكله، فقد أفرغ من معناه، فكان ذلك سببا رئيسا في تدهور حضارة الإسلام بغلبة أنظمة الجور وتعطّل الشورى في الحكم، وإن استمرت في مجالات العلم والثقافة. إلا أن العودة إلى روح النظام القبلي مع مزيج من التراث الإمبراطوري الثيوقراطي السائد في العالم يومئذ حيث قامت دول الإسلام العظمى كاد يفرغ الشورى رمز سلطة الأمة من كل مضمون. فعرفت الخلافة على أنها خلافة عن الرسول، والخليفة نائب له بينما خطاب التكليف موجه إلى الأمة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإنفاذ كل شرائع العدل، وليس موجها إلى الخليفة إلا كوكيل عن الأمة تتعاقد معه لإنفاذ مهمة الاستخلاف المنوطة به، وتراقبه وتصرفه بمقتضى ذلك متى شاءت، لأنه نائب عن الأمة. ولكن المسلمين قصّروا في وضع الترتيبات والآليات التي تيسر ذلك، وشوّشت الأنماط الثيوقراطية والقبلية التي ورثوها رؤيتهم الشورية، بما سهّل مسعى الطغاة في الانقلاب بالخلافة الراشدة إلى ملك عضوض. وبان نقص الآليات المنظمة للشورى واضحا في مسألة مطالبة الأقطار الجديدة التي دخلت الإسلام وتشبعت بمثالية عدالته بحقها في السلطة وفي عزل الخليفة الراشد الثالث فلم تسعفها الآليات المتوفرة التي وضعت لمجتمع المدينة في إدارة مجتمع إمبراطوري. وجاء تعبير الخليفة عن رفضه لمطالب الثوار بعزله في صيغة توحي بأن السلطة التي بيده مخولة له من قبل الله. وكانت قناعة خليفته كاملة بأن فئة المهاجرين والأنصار -التي ولت من قبله- هي صاحبة السلطة (أهل الحل والعقد)، ولا شأن بممثلي الأقطار الجديدة العظيمة بالأمر. ومعنى ذلك أن الآليات الشورية التي حكمت مجتمعا صغيرا هو المدينة لم تتطور لتحكم أمة مترامية الأطراف، فغلبت روح العصر القبلية والإمبراطورية على روح الإسلام الشورية، حتى قيست البيعة وهي رمز مبدأ تعاقد الأمة مع الحاكم على عقد البيعة. واختصرت الأمة صاحبة السلطة في رجل أو رجلين قياسا على الشهادة بما جرد الأمة من سلطتها وأسبغ على السلطة صفة الامتلاك الشخصي. فتم الانتقال من حكم الشورى، حكم الأمة إلى حكم الغلبة. وذلك أن غلبة الروح الإمبراطورية الثيوقراطية السائدة يومئذ سرعان ما أخذت تجتاح النموذج الإسلامي الشوري الديمقراطي لينتهي الأمر إلى نظام خليط منهما ومن مواريث القبيلة. لكن ذلك لم يجعل من السلطة بعد عصر الراشدين وفي خطها العام دكتاتورية مركزية مطلقة، إذ خفف من الاستبداد أن وسائل الاتصال ما كانت تتيح للحاكم أن يبسط يده ولا أن يمد عينه إلى كل أنحاء مملكته -حال حكوماتنا اليوم- وكان ذلك في الوقت ذاته عائقا أمام شورى الأمة. كما أن الإسلام حد من سلطة الحاكم: سلطة وضع القانون كانت بيد المجتمع عبر الفقهاء فهم القادرون على استخراج القانون من مصادر الدين. وسلطة القضاء كانت بأيدي العلماء أيضا –عدا ما تعلق بمنازعات السلطة- وكذا سلطة فرض الضرائب لم تكن بيده لأنها محسومة بالمقادير التي حددتها نصوص الشريعة. أما سلطة الثقافة والتعليم فلم يكن له دخل فيها بل هي اختصاص العلماء، فكان الحكم نوعا من الشراكة بين الحكام والعلماء، بينما الدكتاتوريات السائدة في عالم الإسلام اليوم استبدت بكل السلط بما في ذلك سلطة الدين، فتحول العلماء موظفين صغارا لديها، وابتلعت كل مؤسسات المجتمع التقليدي بما في ذلك مؤسسة الوقف العتيدة التي كانت أساس استقلال المجتمع الأهلي وعلمائه. وهذا ما جعل هذه الأنظمة هجينا غريبا، أقرب إلى أنظمة الإقطاع الأوروبي ما قبل الحداثة بمسوح فجة من الإسلام والحداثة، أبعد ما تكون عن نموذج الديمقراطيات المعاصرة التي تأتي إساءاتها لمبادئ الديمقراطية من منزعها القومي على حساب الإنساني ومن تمركزها على المصالح والقيم المادية، مما يمكن للإسلام أن يعيد إليه التوازن مستفيدا مما توفره الديمقراطية من آليات ليس فيها عند التحقيق ما يصادمه بل ما يخدمه. فكيف تأتى للبعض أن يرمي الإسلاميين بالعداء للديمقراطية؟ (*) كاتب تونسي (المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 14 فيفري 2007)


هشام جعيّط في حوار مفتوح حول كتابه الجديد عن السّيرة النبوية: جل ما كتب عن سيرة النبيّ محمّد ليس له صبغة علمية

لا بـــــدّ من التمييــــز بــين الباحث الجامعي والموظف

 
تونس ـ الصباح ـ انتظم بمنتدى الجاحظ لقاء حوار بين عدد من المثقفين والطلبة والاستاذ هشام جعيط المفكر والمؤرخ بمناسبة اصداره كتابا جديدا خصصه هذه المرة لتقديم قراءة تاريخية للسيرة النبوية.. في مستهل النقاش أثار رئيس المنتدى الاستاذ صلاح الدين الجورشي تساؤلات ونقاط إستفهام حول ما يطرح حاليا حول الحاجة لاعادة بناء السيرة النبوية.. وكيف ينبغي أن تفهم شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال قراءة لعدد من المصادر والقراءات؟ وافتتح الحوار بتوجيه 3 أسئلة إلى الاستاذ هشام جعيط.. لماذا قررمؤرخ ومفكر وفيلسوف في حجمه بان يتوقف عند السيرة النبوية ويحاول تقديم قراءة تاريخية علمية لها؟ ما هو المنهج الذي اعتمده لاعادة بناء السيرة وتحديد شخصية الرسول؟ وإذا كان عدد كبيرمن العلماء والكتاب القدامى والمحدثين ممن كتب عن الرسول فما هي ملاحظاته على كتاباتهم ونقده لهم؟ الاستاذ هشام جعيط بدا خلال تقديم كتابه وإجاباته عن هذه التساؤلات كعادته متواضعا جدا.. بلهجته التي عرف بها التي تكشف كبرياء الواثق بشدة في علمه وكفاءته.. في نرجسية محبوبة فيه.. «أنا مؤرخ اولا.. انا بكل بساطة أستاذ جامعي.. ومن خلال كتاباتي حاولت أن اضع جسرا بين دروسي خلال 30 عاما وأبحاثي العلمية.. لان فهمي لدور الاستاذ هوتكوين باحثين وان تكون الدروس ملتصقة بالبحث العلمي.. ادرس بحوثي.. لا ما ينقل في كتب أخرى.. وبعد أن درست مراحل مختلفة من التاريخ الاسلامي درست السيرة النبوية وما حف بها من معطيات تاريخية من 1990 الى 1996.. وهنا جاء اهتمامي ببيئة الرسول والثقافة العربية والانرتوبولوجيا في منطقة الجزيرة واليمن.. وخلال بحث علمي أكاديمي مثل هذا كان لابد من الاعتماد اساسا على القرآن لان القرآن متزامن مع الرسول.. بينما جل ماكتب عن الرسول جاء متاخرا زمنيا وكتب نقلا عن مصادر شفوية.. الجامعي والبحث العلمي حتى الموت علاقتي بسيرة النبي في هذا الكتاب كانت علاقة علمية بصرف النظر عن الصفة الدينية للرسول محمد وتقديس المسلمين له.. حاولت تناول السيرة من منطلق الباحث المحايد لان شخصية محمد أكثر شخصية أثرت في تاريخ الانسانية.. ولا تزال تؤثر.. واني اعتقد أن التاريخ الاسلامي الذي خصصت عمري في دراسات له يحتاج إلى مزيد من الدراسات العلمية المحايدة.. دون الانطلاق مسبقا من مواقف عقائدية ودينية أوغيرها هناك من طلابي من كتب بعمق.. ووجهت بعضهم.. واطروحات بعضهم جيدة.. رأيي أن الاستاذ الجامعي ليس مدرسا بل رجل علم يبحث سواء في التاريخ اوفي الفيزياء وغير ذلك وعليه ان يعطي للمجتمع الجديد باستمرار.. لان المجتمع يطلب منه ذلك.. ولا يعتبره مجرد موظف مكلف بالتعليم.. في السبعينات كان للاستاذ 3 ساعات تدريس فقط.. وبقية الوقت يخصصه للبحث وفق المنهج الفرنسي الأوروبي.. بعض الاساتذة درسوني في فرنسا.. كانت لهم حصة واحدة تدريس في الاسبوع.. ويقومون بأبحاث طوال الأيام الأخرى ثم يأتي الى الجامعة وله معرفة زاخرة.. يأتي إلى الطلاب وله ابحاث تصدر في كتب جامعية وعلمية.. والبعض يلومني لأني في سني هذه آخذ مآخذ الجد دوري كباحث.. حتى بعد توقفي عن التدريس وخروجي الى التقاعد.. لان بعض الجامعيين الكبار أنفسهم يعدون بحثا عميقا وجديا ثم يتوقفون عن البحث والكتابة.. لذلك فالعالم العربي متخلف في مجال العلوم والمعرفة.. سواء في مجال البحوث العلمية (وهو ما يفسر هجرة الادمغة) او العلوم الانسانية مثل التاريخ وعلوم الاجتماع والانتروبولوجيا والجغرافيا التي تتطلب مكتبات ومؤسسات تكوين باحثين.. ومعرفــة باللغـــات الاجنبيــــــة.. المدرسة العراقية والملاحظ أنه تكونت نخبة في العراق تحت تاثير الانقليز والنظام الملكي العراقي.. وفي البلدان المغاربية برز خبراء وعلماء وباحثون من النوع الجيد درسوا في اوروبا لكن اغلبهم تقاعدوا.. هناك اذن نقص في البحث العلمي.. بعيدا عن الايديولوجيا والسياسة وتمجيد الاشخاص والتوظيف الديني أو السياسي.. وفيما يخص الاسلاميات هناك نقص في الدراسات العلمية والتاريخية.. بما في ذلك في أوروبا.. لكن حتى الفترة الهتلرية كانت ألمانيا في المقام الاول في العلوم والبحوث العلمية في كل الاختصاصات ومنها الاسلاميات قبل فرنسا.. العلماء الالمان اهتموا بدراسة الاسلام دينا وتراثا.. وتاريخ القرآن والفقه والفلسفة الاسلامية.. الخ.. والتحق الفرنسيون والايطاليون والروس والانقليز 1850، 1950 ـ 1960 ثم انتقل مركز الثقل في البحث العلمي والتاريخي الى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. ثم نشر المستشرقون دراسات عميقة مهمة في اوربا ثم الولايــــــات المتحـــــدة. الطالبي والدشراوي كتابات العرب والمسلمين علميا عن رسولهم وتاريخهم محدودة جدا.. ومن بين الاسئلة هل قرؤوا فعلا سيرة ابن هشام وسيرة ابن اسحاق؟؟.. المدرسة العراقية درست العراق قبل الاسلام ثم ركزت على تاريخ العراق في العهد العباسي.. في مصر في النصف الاول من القرن العشرين برزت مجهودات ومحاولات علمية عميقة وانتقل الجهد الى لبنان بعد ذلك.. بينما في المغرب لم تنتشر مساهمات كبرى.. وبعد الاستقلال عن فرنسا درس بعض الباحثين مثل الاستاذين الطالبي والدشراوي وغيرهم جوانب من تاريخ تونس وشمال افريقيا بعمق.. لكن أغلبهم توقف عن متابعة البحوث وعن الكتابة العلمية وتفرغ للتدريس والوظيفة.. القضية إذن هي قضية هم معرفي.. قضية طموح الى الخلود من خلال العلم والابداع.. ينطبق هذا على العلماء والفنانين الكبار.. هناك تبجيل في ثقافتنا للعلم والعلماء.. في هذا السياق جاء اهتمامي بالسيرة.. وهل هناك اهم من شخصية محمد تستحق الدراسة؟ في اليابان والصين من درس القرآن والحضارة الاسلامية بعمق.. وللاسف فإن مساهمة العلماء والمفكرين المسلمين في الحضارة الانسانية الكبرى.. اقتصرت على القرون الستة الاولى.. هؤلاء يعود لهم الفضل في الابداع وسيخلدون اكثرمن السياسيين.. تاثير شخصيات محمد والعلماء خالدة وستفوق رجال السياسة من الحكام القدامى إلى عبد الناصر وجمهور مروجي الايديوليوجيا الدينية والسياسية.. العلماء والباحثون المسلمون القدامى اهتموا بالفلسفة اليونانية.. وبآثار الحضارة الصينية.. وبالمسيحية وتطورها.. دور المستشرقين وبالنسبة لسيرة الرسول اعتمدت على مصادر قديمة وعلى ما نشر من ابحاث معمقة في العلم الحديث.. لم نكتف بالاعتماد على اثار ابن اسحاق وابن هشام والطبري وغيرهم.. لانه لا بد من الاعتماد على كل المصادر ثم قراءتها وغربلتها.. ومن حسن حظنا نحن الباحثون العرب أن اجدادنا شاركوا في الحضارة الانسانية.. وتركوا لنا مصادر هائلة منها علم الكلام والفلسفة ودراسات القرآن والفقه والحديث والقانون.. أي أن اغلب المصادر بالعربية ونحن نتقنها.. وبعض الباحثين المسلمين الايرانيين والاتراك والمستشرقين تعلموا العربية لفهم تراثنا.. لكن أغلب ما كتب في العصر الحديث عن السيرة النبوية بأقلام عربية ليس عميقا وطغت عليه النزعة الدينية.. حسين هيكل ألف كتابا عن النبي محمد لا باس به بمقاييس 1930.. وكتب عباس محمود العقاد.. وهناك كتب ايرانية.. لكنها جميعا انطلقت من مسلمات إيمانية لأصحابها.. وهو ما قلل من صبغتها العلمية التاريخية.. نحن توخينا طريق المعرفة والبحث الدقيق المحايد.. بصرف النظر عن شخصية الرسول وقداسته.. صورة دينية لا أتفق معها هناك قضايا في كتب السيرة لا اتفق معها.. لانها حاولت ان تعطينا صورة متأخرة (بعد 150 عاما عن الهجرة) عن الرسول.. وكانت لها أساسا صورة دينية وليست علمية.. في المقابل لا اوافق على كثير مما نشر في المدرسة الاستشراقية الجديدة.. التي تجحف احيانا في النقد والتشكيك.. وفي تناولها لسيرة النبي والمسلمين الأوائل والتاريخ الاسلامي ككل.. ارجو ان يدرسوا هذا الكتاب بالعربية رغم احتقارهم للبحوث باللغة العربية وأن يستفيدوا من اضافاته.. وهو في كل الحالات بصدد الترجمة الى الفرنسية.. وعندما ننتقد دراسات المستشرقين لا بد من توفير مناخ يساعد على البحث العلمي.. لا بد من مؤسسات جادة لضمان تقدم المعرفة.. لأن الوسط العلمي ضروري جدا.. خاصة في هذه المرحلة التي غلبت فيه المشاغل الآنية والاهتمام بالاحداث السياسية المباشرة… منذ نصف قرن أو اكثر لم يكتب شيء جدير بالاعتبار عن الرسول والسيرة النبوية.. ماعدا كتاب المستشرق الانقليزي واد.. إذا ما استثنينا كتابات عن التجارة في مكة وغيرها.. وكثير منها من مستوى محدود.. في نفس الوقت فاني احذر من الاعتبارات السياسية والايديولوجية.. لانها تشوش على البحث العلمي التاريخي.. لان ما قام به الرسول عمل تاريخي لكامل البشرية.. وليس خاصا بالمسلمين أ وبمجموعة من عرب الجزيرة.. نحن في حاجة الى ربط الصلة بالتراث من منطلق فكري وجهد علمي.. نقاط استفهام هناك نقاط استفهام بالنسبة لفترة السيرة بسبب نقص المصادر.. وهذا النقص ليس خاصا بالاسلام.. وكذلك بالنسبة لليهودية والمسيحية وتاريخ الاديان عموما.. لذلك فإنني لم اكتف بالاعتماد على المصادر ودراسات المستشرقين بل حاولت تسليط المنهج الانتروبولوجي على التراث ومرحلة السيرة النبوية.. نقل القرآن عن التوراة والانجيل؟ وخلال حصة النقاش طرحت تساؤلات عديدة على الاستاذ جعيط منها: كيف لنا أن ننتج معرفة علمية وموضوعية عن الظاهرة الدينية خاصة عندما تتعلق بالاسلام التأسيسي الاول رغم قلة المصادر؟ وهل يمكن تقديم مقاربة علمية موضوعية لظاهرة دينية في العصرالاسلامي الاول دون تحصيل معرفة علمية دقيقة عن اللغة العربية ومباحثها؟ من بين القضايا الواردة في الكتاب تساؤلات ونقاط استفهام حول أصول الخطاب القرآني وإن كانت اصول بعض المصطلحات والمفاهيم والقصص مسيحية ورومانية؟؟ هل ان مجرد وجود صورة يوسف في التوراة والانجيل يعني نقل القرآن والنبي محمد لها منهما؟ ماذا عن فكرة التناقض بين الشورى والتنويه بالرسول واستبعاد الخلاف بين المسلمين والرسول بين ظهرانيهم.؟؟. ماذا عن الآيات التي وقع تكرارها..؟ هل يعني التكرار ضرورة التناقض والتداخل؟؟.. نقد لمنهج جعيط. ومن بين الملاحظات التي وجهت الى الاستاذ جعيط انتقادات في حصر دور المؤرخ في سبيلين لا ارى مبررا لهما: تاثير المسيحية في القرآن والاقرار بألوهية القرآن؟؟.. لماذا اغلاق السبل امام غير السبيلين المذكورين خلال البحث.. وما الضرر في تفاعل النبي مع الاديان السابقة؟ ألم يقع الاستاذ جعيط في أخطاء منهجية وعلمية عندما شكك في تسمية النبي قبل المرحلة المدنية (اورد أن اسمه لم يكن محمدا أو أحمد) ولماذا اعتمد الباحث وثائق اورد انه مشكوك في صحتها؟ كيف كان يتكلم القرشيون؟ ولغة القرآن.. تاريخية النص.. تساؤلات عن المسلمين اليوم وتساءل عدد آخر من المتدخلين إن كان الهدف من مراجعة التاريخ الاجابة عن اسئلة الحاضر التي تشغل المسلمين والعلم عن الاسلام والنبي محمد وتراث العالم الاسلامي؟ وما هي فائدة العودة الى الماضي لمعرفة مشاكل العصرالحديث؟ وإلى أي حد يمكن المضي مع الاستاذ جعيط في مجال الجرأة في تناول المقدس.. مثل تناول ما وصف بـ«اختلاق قصة الكهف لدى النبي».. هل يمكن لكاتب السيرة أن يخرج عن النبرة الايمانية؟؟ ما هو مفهوم التاريخية عند تناول تاريخ السيرة وما الفرق بين التاريخية وفسلفة التاريخ؟ هل التجديد الذي قدمه الباحث من جهة المنهج (الانتروبولوجي) أومن جهة المضمون؟ هل اختار جعيط ان يكون مؤرخ الامة؟ التاريخ علم نسبي وخلال تعقيبه على التساؤلات اعتبر جعيط أن دراسة تاريخ الاديان مهم جدا لانه قد يؤثر على التفكير الديني.. في هذا السياق جاء الاهتمام بتاثيرات المسيحية على النبي.. وخاصة المدرسة السورية.. نحن نعتمد على النص القرآني في فترة معينة.. ونتساءل هل وجدت تاثيرات ام لا؟ المؤرخ لا يمكن ان يجزم.. لكن يحق له ان يفكر وان يتساءل.. فالتاريخ علم.. لكنه علم نسبي.. مثل بقية العلوم الانسانية.. وبالسنبة لمصدر القرآن والوهيته عند المؤمنين فهذا معلوم.. لكن بالنسبة للباحث يحق له ان يتساءل.. دراسة السيرة اليوم مهمة جدا لكي نعتبر ان المسلمين الذين ولدوا مسلمين لهم قول في تاريخ نبيهم وتاريخ الصحابة وتاريخهم ككل.. وعدم الاقتصار على دراسات المستشرقين.. لم ادرس الدعوة المحمدية من الاعماق بل مسار الرسول في زمانه وتاريخه.. وفي جولة ثانية من التدخلات جاء في كلمة أحد المتدخلين «لا اتفق مع الاستاذ حول تقييماته لكل النصوص العربية الاسلامية والمسيحية الجديدة في تناولها للسيرة.. ورغم النقائص العلمية ومنهجيتها التي تحترم قدسية النص الديني وقدسية محمد.. فهي لا تخلو من الاضافات والتخريجات.. بما في ذلك كتابات هيكل والعقاد وعبد العزيز الثعالبي.. ابن حبيب (المحضر والمنمق) لماذا يعطيه الباحث مكانة خاصة.. وهو الذي جاء بعد قرون من وفاة الرسول مقارنة بابن اسحاق وابن هشام والواقدي؟ وبالنسبة لاعتماد النص القرآني في كتابة السيرة فإن باحثين كبار مثل بلاشار وكيطاني وجاكلين الشابي يتفقون على أن القرآن اصدق وثيقة.. اما ان نعتمده وثيقة ام ان لا نعتمده دون الوقوع في تناقضات منهجية.. مثلما حصل لجعيط.. واعتبر متدخل آخر أنه لاول مرة نجد جعيط يكتب كتابة تاريخية فقط دون توترات وانفعالات.. الله والرسول والقرآن 3 مداخل يعاني منها الباحث العقلاني المعاصر.. وبالنسبة للتوفيق بين المسيحية والاسلام.. هل أن كتاب جعيط الجديد مدخل للمصالحة بين الغرب المسيحي والاسلام؟ معاصرة النبي.. وخلال ردوده اعتبر جعيط أن معاصرة المصدر النبي لا تعني بالضرورة أنه أكثر دقة.. والقرآن يحوي عناصر مهمة منها الجدل مع الاخر.. وينبغي اعطاؤه الاولوية.. وابن حبيب مصدر موثوق جدا في الجملة خصوصا فيما هو انتروبولوجي.. لكنني انتقدته عندما يتحدث عن قرشيين امهاتهم يهوديات.. او عند تحديد قائمة الزنادقة في قريش ولا يضع بينهم ابوسفيان.. وبالنسبة لتسمية قديمة موجودة عند الغساسنة بصفتهم امراء ملوك لكنها لم تكن واردة عند قريش قبل الاسلام.. واسما محمد واحمد وردا في القرآن في الفترة المدنية.. أي بعد تسمية الوحي للرسول في المدينة.. البلاذري يروي عن اخرين أن اسم الرسول لم يكن محمد قبل المرحلة المدنية.. لان الاسم لم يكن موجودا أصلا في قريش.. وبالنسبة لمسألة الصلح مع المسيحية يقول جعيط لم افكر فيه عند كتابة الكتاب عن السيرة النبوية.. لان هدفي كان علميا وفلسفيا أساسا.. لكن القرآن نظر الى المسيح والمسيحية بطريقة ايجابية جدا.. ونجد آية واحدة اعتبرت التثليث كفرا.. في تلك الفترة كان هناك كثير من المسيحيين العرب.. والرسول تعامل مع المسيحيين ايجابا.. رغم خروج الرسول من منطقة وثنية خالصة.. الحج والحج الاكبر والاشهر الحرم مفاهيم قديمة لدى الوثنيين.. أي أنها سبقت الاسلام.. لكنني في النهاية أذكر ان التاريخ علم نسبي.. وأن العلم لا نهاية له.. وعلينا دائما الاستعداد للحوار والتفكير وإعادة النظر في المسلمات.. كما أدعو قراء كتابي إلى قراءة الهوامش وتعليقاتي فيها فكثير منها مهم جدا. كمال بن يونس (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 14 فيفري 2007)


الفتنة تفتح أبواب الهزيمة العربية فاتقوها

 
د. أحمد القديدى (*) لو فتحنا كتاب التاريخ العربي منذ عهد الفتنة الكبرى إلى اليوم لتأكد لدينا بما لا ريب فيه أن أبواب الهزيمة والحرب الأهلية والتخلف وانتصاب الاستعمار وفقدان الفتوحات كانت جميعها بدون استثناء ثمرة مرة مسمومة من ثمار الطائفية والفتنة. فأي جبار مارد نحرره هذه الأيام من القمقم لينطلق بلا رحمة يسفك دماءنا ويستحل أمننا ويشرد أطفالنا حين يدب شيطان الفرقة والشقاق بين المرء وأخيه والعربي وذويه وينسى الناس بأنهم يدينون بالله الواحد وبأنهم أبناء وطن واحد وبأن مصيرهم واحد، وبالتالي فان العدو المتربص بهم واحد وأن اللهب الذي سيحرقهم واحد ! بلى ان المخططات الجهنمية الامبريالية والصهيونية وراء اذكاء الفتنة، لكن ذلك لا ينفي مسؤولية العرب فيما يقع بينهم. لقد بدأنا نرى بصيص النور في اخر النفق في الملف الفلسطيني، وبارك الله في جهد خادم الحرمين الشريفين على ما قدمه من عمل صالح لشعب فلسطين حين جلس الأخوة واتفقوا على الخروج من النفق المظلم، ولعل تخطيط سلطات الاحتلال الاسرائيلية لتهديم جزء من الأقصى الشريف ساعد على الصحوة ودفع باتجاة اليقظة وجمع الصف وتوحيد الكلمة، لكن الذي جرى من أحداث مؤلمة خلال الأسابيع الأخيرة وهدر الدم الفلسطيني لا بد أن يكون مبعث اعتبار وأن لا يتكرر أبدا. فالتجويع الذي فرضه الغرب على فلسطين بنية التركيع له الدور الحاسم في بذر بذور الاحتراب بين الأخوة حاملي القضية الواحدة لكن من الذي فتح الباب بيديه للغازي المتربص ومن ساعده في الليل على اقتحام البيت الفلسطيني ؟ هم أبناء الفصائل التي اعتقد كل فصيل منها أنه يحتكر الشرعية ويتكلم باسم الشعب ويستطيع أن يهزم الأحزاب وحده. هم أيضا أولئك المؤتمنون على مصير الناس الطيبين في غزة والخليل ونابلس ورام الله الذين ركبوا رؤوسهم قبل أن يركبوا المصفحات واسستهدفوا المنافس الوطني وأداروا نحوه السلاح الذي يحرم استعماله سوى للدفاع عن الأرض والعرض واستعادة الوطن السليب. هم كذلك العائدون من تونس ومن بيروت ومن دمشق وعمان ومن المنافي لاعمار فلسطين وبناء دولتها بالصبر والحكمة والنضال. ونحن نأمل كالعرب والمسلمين جميعا أن يكون اللقاء المكي على مسافة قريبة من الحرم المقدس قد أعاد الرشد وأرجع البصيرة ووضع أمام الأخوة في الدين والوطن جدول الأولويات الحقيقي وعلى رأسها الوفاق الوفاق ونبذ الشقاق واستعادة العافية رغم الأزمة المؤلمة وسوء الحال الأمني والاقتصادي وقلة السند وضيق العيش، فان معادن الرجال تقاس على محك المحن وتجرب في الطرقات الوعرة. وفي العراق لا بد من تجاوز التقسيم الطائفي والمذهبي مهما حاول الدخلاء اذكاءه لأن بغداد بذاتها تحمل رسالة التاريخ العربي والإسلامي في أزهى عصوره العباسية حيث كانت منارة العالم كله بالأمجاد العربية والترجمة الاغريقية والعلوم الإسلامية وكانت ملتقى ما نسميه اليوم بحوار الحضارات وتلاقح الثقافات وكعبة العلماء ومورد الحكماء، إلى أن غزاها المغول في فبراير 1258 بقيادة هولاكو وقتلوا اخر خلفاء الدولة العباسية المستعصم بالله وابنيه الاثنين حينما تهاوى الصرح الشامخ بالانقسامات وعمت العراق بوادر البغضاء والشحناء بين أبناء الوطن والمؤتمنين على الخلافة كما ذكر الطقطقي في كتابه(الفخري للاداب) عن هذه المأساة التي لم نستخلص عبرها ولم نفد من دروسها، حيث نسينا بأن الدرس القاسي لذلك الحدث الجلل هو أن المغول حين استولوا على بغداد واصلوا طريقهم نحو الشام فدخلوا غزاة محتلين إلى دمشق في مارس من سنة 1260 بقيادة (قايتبعا) بعد أن استباحوا مدينة حلب في يناير من نفس العام، وعم البلاء كما قال الطقطقي حتى وصل للمغرب الإسلامي حين أمر حاكم تونس المستنصر بالله بقتل العالم الجليل والمؤرخ الكبير ابن الأبار صاحب كتاب الحلة السيراء وبحرق جثمانه وكتبه، وهو ما فتح أبواب الصراع المرير الدموي بين أصحاب الأمر وأصحاب الفكر،ذلك الصراع الذي نرى له اليوم امتدادات غريبة في قتل العلماء وأساتذة الجامعات العراقيين. ان الأم وروسيا ومنظمة الأمم المتحدة، ولا شيء يجمع بين هؤلاء الشركاء في الواقع لكنهم اذا ما أرادوا حل مشاكلنا والتصدي لمأساتنا فانهم يتحدون ويصبحون باتحادهم قوة أمام ضعفنا ويتحولون إلى جبهة أمام شتاتنا. ألم تدق ساعة الحقيقة فنتجاوز الطائفية المقيتة ونعلن للعالم بأننا أمة فتعاملنا كذلك. (*) كاتب وسياسي من تونس (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 14 فيفري 2007)

 


ممنوع الحديث في الكلام المباح

 
مرسل الكسيبي (*) قبل أيام قلائل طلب مني زميل اعلامي مغاربي قريب من دوائر صنع القرار عدم تحرير تقارير اخبارية أقوم في ثناياها بتغطية تطورات الوضع التونسي وذلك على خلفية عدم ارتياح بعض الجهات الرسمية لمحتويات هذه التقارير وما أوردته من تسريبات اخبارية يبدو أنها أزعجتها الى الدرجة التي ترتب عنها استنطاق مراسل الصحيفة العربية الصادرة من لندن داخل وطني تونس. وضمن نفس السياق طلب مني رئيس تحرير نفس الصحيفة اللندنية التي أكاتبها باستمرار التخفيف من النبرة التحريرية وذلك تجنبا لوقوع مقالاتي وتغطياتي التقريرية تحت طائلة الضغوطات التي قد يترتب عنها حظر النشر. ودون التوغل بالحديث عن مؤشرات أخرى لضيق مساحة حرية التعبير عند حدوث مستجدات بارزة كالتي حدثت في تونس مع نهايات شهر ديسمبر من السنة الماضية ومطلع شهر يناير من السنة الجارية ,فان قدر رجال الاعلام العرب على مايبدو هو معايشة ظروف عمل نفسية وسياسية ومادية أقرب ماتكون الى ظروف التحرك بين الألغام والمساحات الحارقة. ولعلني ضمن هذا السياق لم اكن في معرض التشهير بمناخ سياسي داخلي بقدر ماانني كنت أود من خلال هذه المقدمة رواية بعض المؤشرات على حجم الممنوعات الاعلامية والصحفية في بلادنا العربية . اليوم مرت بمخيلتي احجام المخاطرة الحقيقية التي يتعرض اليها مراسلو الصحف ووكالات الأنباء وأجهزة الاعلام المرئي والمسموع وكل العاملين في الحقل الاتصالي بما في ذلك حقل الاعلام الاليكتروني الأشد حداثة وتطورا ضمن هذه الدوائر الاعلامية المذكورة. كانت المخيلة تحدثني بمصير رجال تجرؤوا على كشف ملفات فساد ومظالم سياسية وخروقات قانونية ودستورية في بلاد العالم الثالث ,كما مصير رجال اخرين طالبوا بتطبيق القانون وعدم التعدي على حقوق الناس وممتلكاتهم وأعراضهم وسلامتهم الجسدية …وهم بلاشك لم يقوموا الا بعمل وطني وانساني شريف أملته عليهم ضمائرهم وأخلاقهم التي تستحق منا كرجال اعلام كبير التحية والتقدير وبالغ الاحترام ان كانوا اليوم أحرارا أو سجناء وراء القضبان أو شهداء أبرار بين يدي رحمة ربهم تعالى . مالايدركه القارئ في كثير من الأحيان هو حجم المعاناة التي يعيشها الاعلاميون العرب من أجل تقديم الخبر طازجا وصادقا وشفافا وأمينا الى الرأي العام,حيث يكتفي الجمهور في العادة بالاستمتاع بالمادة الخبرية او مقال الرأي دون تقدير جهد أولئك الذين يضحون بأموالهم وأوقاتهم وراحة بالهم وربما يخاطرون بحياتهم من أجل وصول المعلومة في وقتها الأسرع والأنسب الى أكبر دائرة بشرية ممكنة على وجه المعمورة… قصة ألم نقضيها وراء الحواسيب من أجل امتاع القارئ دون انصاف مادي أو معنوي ممن يتلقفون ما نكتبه بفارغ الصبر وراء مكاتبهم الفاخرة أحيانا وأرائكهم الوثيرة في كثير من بلاد الأرض ,ولعل ما يلطف من خواطرنا قليلا ويريح ضمائرنا بعض الشيء بعد رحلة معاناة يومية مع مستجدات الخبر والتحليل والمطالعة والتثقيف والتركيز الذهني والتحرير هو رؤية ما نكتبه لعالم النور قبل أن تئده نرجسية بعض المنابر الاعلامية أو ديناصورات العمل السياسي الذين يكرهون النقد والحقيقة مجردة وموضوعية ولو بأقدار عالية من النسبية… عزاؤنا في ظل الألغام السياسية والفكرية والأمنية التي نتحرك فيها في منطقتنا العربية أن ثمة ربا لا يترنا أعمالنا حتى وان لم نلق على ذلك الجهد مقابلا دنيويا منصفا ,أو حتى لو علم القراء أنه لم تدخل جيوبنا أموال تعوضنا عن حرماننا من رؤية أبنائنا وأهلينا والاستمتاع معهم بأطيب الأوقات والتمتع بمفاتن الحياة الدنيا كما هو شأن الكثيرين من الاعلاميين العرب وغيرهم من اعلاميي شعوب الأرض الذين احتضنتهم مؤسسات تدفع لكلماتهم المزورة والكاذبة في كثير من الأحيان ما يسيل له اللعاب قبل أن تركع أمامه أسمق الهامات… لقد كانت مسيرتنا مع العمل الاعلامي مسيرة عشق ووفاء ومحبة للبسطاء الذين عانينا مثلهم مرارة زور الحرف والكلمة,كما مرارة الاحتكار الذي تمارسه بعض المنابر الحزبية أو المنابر السياسية الخطية ,ولذلك لم يكن أمامنا من بد الا الانخراط في تجربة صحيفة الوسط التونسية   www.tunisalwasat.com   كمنبر اعلامي مستقل بالاضافة الى المساهمة التحريرية في العديد من الصحف العربية المشرقية أو المهجرية كما المنابر الاليكترونية المستقلة من أجل كسر الحصار الذي مورس علينا وعلى أقلام كثيرة مقتدرة وأصوات حرة اختارت الانحياز للفكرة المتألقة بعيدا عن تعليمات الجوقة الحزبية التي تفقد الانسان تمايزه الفكري وروحه الابداعية. ندرك بلا شك أن ثمن الشهرة والانتشار الواسع ولاسيما في سوق الفضائيات هو السكوت وصمت القصور وتزييف الحقيقة أو بالمقابل الدخول تحت رحمة التكتلات الحزبية التي تقف وراء بعض الفضائيات التي تعمل بأجندة حزبية تخفيها بأناقة القفازين ,غير أننا اخترنا الطريق الأشق وهو التوكل على الله تعالى أولا وآخرا واثبات الجدارة من خلال العطاء المثابر ذي القيمة التي يحكم عليها القارئ الموضوعي قبل المثقف الحسود أو المنافس الحقود … سوف لن نسكت بمشيئة الخالق عن قول الكلام المباح كلما كانت الحاجة والواجب والضرورة تدعونا الى ذلك , وأما الأشكال الأخرى من المساومات المعلنة والخفية والتي تتراوح بين شيء من العطاء وشيء من الوعيد فسنتركها وراء ظهورنا ,مؤمنين بأن ما أصابنا لم يكن ليخطأنا وأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا … أمانة الكلمة ستكون بين جنوبنا أقوى من صمت يفرض على شعوبنا رسميا في كثير من الأحيان بأساليب العصا والجزرة , وليست معارضتنا العربية هي الأخرى ببعيدة عن هذا الأسلوب ولو بطريقة المكافآت التي تعطى للمتزلفين والمطبلين للزعيم الأبدي وبمعاقبة الأصوات الحرة في البرية … سر نجاح الاعلام ومصداقيته تكمن بعد اخلاص القائمين عليه في موضوعيته وملامسته للحقيقة وقضايا وهموم الناس وفي استقلالية رجاله ونسائه وعدم خضوعهم للمساومات المادية والضغوطات الجماعاتية الاحتكارية ,ومن سلك هذا الطريق فقد تلمس مسالك الرقي والنجاح ولو بعد حين ومن تنكب عنه فقد مارس التضليل الإعلامي والتزوير ولو توهم ظاهرا أنه على خير عظيم ! غير أن هذه الاستقلالية ضريبة للحرية لا يدفعها الا الأحرار ,فاللهم اجعلنا قولا وعملا من عشاق وطلاب الحرية والصدق والمسؤولية. ألا فأمنوا معي حتى لا يكون إعلامنا ملكا جائرا أو حكما جبريا- اللهم امين… (*) رئيس تحرير « الوسط التونسية » (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 13 فيفري 2007)
 

بسم الله الرحمان الرحيم الصلاة والسلام على أفضل المرسلين بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري

حفل توديع وتكريم لطيف على شرف المناضل جعفر الأكحل الكاتب الصحفي القدير ومتفقد إدارة البريد بالمنستير

 
تونس في 14-02-2007 تتويجا لعمل نضالي طويل دام 38 سنة كاملة من 1968 إلى نهاية شهر جانفي 2007، انتظم مؤخرا حفل توديع وتكريم لطيف على شرف المناضل الأخ جعفر الأكحل المتفقد الجهوي للبريد بولاية المنستير الذي بلغ سن التقاعد يوم 31-01-2007 وقد قضى حوالي 38 سنة في الوظيفة العمومية بوزارة البريد والبرق والهاتف وزارة الاتصالات والتكنولوجيا حاليا. وعمل في صلب الأدارة كمناضلا وطنيا وضحى بكل شبابه وصحته وبالنفس والنفيس في سبيل مهنته الشريفة وفي خدمة الوطن العزيز بروح نضالية عالية وبصدق وأخلاص وتفان. وكان طيلة فترة عمله مناضلا دستوريا متحملا عبئ المسؤولية الحزبية في اتحاد الشباب الدستوري مما أهله إلى تحمل المسؤولية في النطاق الجهوي وانتخب عضوا بلجنة التنسيق بالمنستير في دورات متعددة، وتحمل رئاسة شعبة خنيس الدستورية، ومستشار ببلدية خنيس إلى جانب النشاط الأعلامي المميز وقام بواجبه المهني الأداري على الوجه المرضي مع نشاطه الحزبي والسياسي والأعلامي على حساب راحته وصحته وأسرته وتلك صفاة المناضل الدستوري الصادق… وقد أكد ذلك السيد أحمد الزعبي المدير الجهوي للبريد الوطني في كلمته اللطيفة بمناسبة حفل التوديع والتكريم للأخ جعفر الأكحل وأشاد السيد المدير الجهوي بخصال المحتفى به ونضالاته الوطنية وسيرته الحميدة والتزامه وتضحياته الجسام وأكد المدير الجهوي في كلمته أن الأخ المناضل جعفر الأكحل كان بحق مناضلا وطنيا بأتم معنى الكلمة جمع بين التفاني في العمل المهني والأداري وكان مثالا يحتذي به وبين العمل النضالي والسياسي والوطني والأعلامي. وتسير مجلة جهوية إعلامية، وكان موفقا في كل نشاطاته الجهوية والمحلية. وأبرز الأخ أحمد الزعبي خصال المحتفى به على كل المستويات الأدارية والسياسية والأعلامية والبلدية والقاعدية. ونجح نجاحا باهرا بفضل ما يتحلى به من صفاة النضال والتواضع وحب الخير للجيمع وكان الاخ الأكبر لكل أفراد أسرة البريد بولاية المنستير. وحضر الحفل عدد هام من إطارات ولاية المنستير. أذكر منهم بالخصوص السادة عبد الله بشير المعتمد الأول السابق والناصر مخلوف الكاتب العام للجنة التنسيق بالمنستير ورؤساء شعب خنيس المهنية والترابية ورئيس الشعبة المهنية للبريد والكاتب العام للنقابة الأساسية للبريد. وعدد هام من المناضلين الدستوريين وأصدقاء وزملاء الأخ جعفر الأكحل، ونرجوا أن تتواصل هذه اللفتة الكريمة لكل من ضحى من أجل الوطن وفي سبيل تقدم البلاد وأن يأخذ العبرة من هذه المبادرة كل المسؤولين في بلادنا وكنت أتمنى أن يبادر التجمع بتكريم أبناؤه الذين غادروا العمل بصحافة التجمع ومطبعة الحزب في إطار التقاعد المبكر حتى نحافظ على تقاليد حزبنا. والله ولي التوفيق. قال تعالى: « هل جزاء الأحسان إلا الأحسان » صدق الله العظيم
 

 

هوية الكاتب العام لنقابة التعليم الأساسي ما زالت لغزا

 
محمد الهادي حمدة ينشدّ اهتمام النقابيين في قطاع التعليم الأساسي و جمهور المعلمين عموما هذه الأيام إلى ظروف و ملابسات انتخاب الكاتب العام الجديد للنقابة العامة للتعليم الأساسي و ذلك بعد انتخاب الكاتب العام السابق السيد المنصف الزاهي لعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل في المؤتمر الوطني المنعقد خلال شهر ديسمبر من السنة المنقضية . وطبقا للنظام الداخلي للمنظمة و اعتبارا إلى عدم جواز الجمع بين الخطتين ينتخب الأعضاء الثمانية المتبقون في تشكيلة النقابة العامة للتعليم الأساسي من بينهم و فيما بينهم كاتبا عاما جديدا تحت إشراف الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي . إلا أن ما تتناقله الأوساط النقابية هو مطالبة بعض الأصوات بعقد مؤتمر استثنائي للقطاع يتم خلاله على ما يبدو حسم مسألة المسؤول الأول . و لما كانت المسألة على هذه الدرجة من الأهمية من حيث الخلفيات و الرهانات و التداعيات فإن حوارا علنيا و معمقا ـ في اعتقادنا ـ كفيل بتوضيح بعض الرؤى و تصويب بعض المقاصد و إنارة السبيل . إن ما يشدّ الانتباه بداية و ما يثير العديد من التساؤلات هو بروز فكرة عقد مؤتمر استثنائي للقطاع في ظل تنصيص قانوني واضح و لا غبار عليه في مستوى النظام الداخلي للمنظمة على الكيفية الشرعية لمعالجة هذا الوضع و الأوضاع المشابهة ما يضفي على انتخاب كاتب عام جديد لكل قطاع من طرف النقابة العامة أو الجامعة العامة أو الاتحاد الجهوي ( حيث إذا سلمنا بهذا المنطق الفاقد للمنطق فإن 3 اتحادات جهوية ستعقد مؤتمرات استثنائية ) التي انتخب كاتبها العام لعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العام المشروعية القانونية وهو ما يعني في ما يعنيه (المقصود المطالبة بعقد مؤتمر استثنائي ) تجاهلا للنظام الداخلي و خرقا بيّنا للقانون وهي مخالفة صريحة يفترض في القائمين على تطبيق القانون داخل المنظمة الحرص الشديد على عدم التساهل في ذلك، خاصة وهو أول استحقاق قانوني بعد المؤتمر الوطني الذي عرف قدرا معتبرا من الشفافية و احترام القانون ويشكل هذا الملف محطة أولى لاختبار قدرة المنظمة و حرص قيادتها على احترام مبدإ سيادة القانون في ظل تصاعد أصوات نقابية من القطاع تطالب علنا بتجاهل النظام الداخلي و عقد مؤتمر استثنائي فهل سنّت القوانين لتخرق ؟ سوف تفقد القيادة النقابية المنتخبة حديثا جزءا من رصيدها الأخلاقي و المعنوي إن هي أقدمت على تعطيل قانونها و سيصبح خرق القانون تحت الطلب سمة بارزة لمنظمة عريقة اقترن تاريخ البلاد الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بتاريخها . إن لعبة خلق « رأي عام نقابي ضاغط  » و افتعال حالة نقابية تتسم بالفراغ النقابي و تتطلب تبعا لذلك عقد مؤتمر استثنائي (ظاهرة المناشدة في الفكر السياسي التونسي المعاصر) فكرة متهالكة و متهافتة فضلا عن ارتكابها لمخالفة قانونية بيّنة فهي كذلك ضرب بعرض الحائط لمطالب المعلمين الراهنة ( إسدال الستار حول التفاوض في مقدار الزيادة في المنحة الخصوصية حسب الاتفاق الأخير ). كما أنها فرصة /هدية تمنح لسلطة الإشراف طيلة مدة إعداد و إنجاز المؤتمر كي تضع على الرف ملف المعلمين و تتمتع باستراحة المحارب التي هي في أمس الحاجة إليها حيث لا يعتقد أن عقد مؤتمر استثنائي سيتخطى الهاجس الانتخابي الصرف باعتبار أن اللائحة المطلبية التي أفرزها المؤتمر الفارط لم يجف حبرها بعد وهي تنتظر كاتبا عاما و فريقا نقابيا مناضلا لتحويلها أو تحويل الجزء الأعظم منها إلى وقائع في حياة المعلمين أو كاتبا عاما و فريقا نقابيا للمساومة عليها و قبول الفتات و ما تجود به مائدة السلطان . لقد قبل نقابيو القطاع ومن ورائهم المعلمون الاتفاق الأخير على هنّاته و نواقصه و ألغي بمقتضى ذلك إضرابهم و ذلك لعدة اعتبارات منها الثقة في التشكيلة النقابية القائمة على حظوظ المعلمين و تقديرهم السليم ـ حسب رأينا ـ لدرجة تمسكها بمطالبهم و حرصها على مصالحهم وقتذاك . إلا أن مرور أكثر من شهر و نصف على عقد المؤتمر الوطني و غياب إشارات تمسك المركزية النقابية بتطبيق القانون في معالجة ملف النقابة العامة للتعليم الأساسي بعدم قطعها الشك باليقين فيما يتعلق بانتخاب كاتب عام من طرف زملائه في النقابة العامة و اللقاء الذي جمع الأمين العام المساعد المكلف بالوظيفة العمومية (الكاتب العام السابق للنقابة العامة للتعليم الأساسي ) بوزير التربية في غياب النقابة العامة للتعليم الأساسي كل هذه المعطيات تلقي بظلال من الشكوك على مطلب عقد مؤتمر استثنائي للقطاع قد تكون مهمته الرئيسية و الوحيدة تركيب تشكيلة نقابية على قياس لا يتناسب بالضرورة مع تطلعات المعلمين و انتظاراتهم . يبقى السؤال المحوري في الجدل المنطلق لتوه صلب الحركة النقابية عموما و قطاع التعليم الأساسي خصوصا : من المستفيد من عقد مؤتمر استثنائي انتخابي بحت؟ في معرض الإجابة عن هذا السؤال و بالنظر لترسخ تقاليد مناشدة المسؤولين و القائمين على شأن من الشؤون ببلادنا من خلال البرقيات و البيانات و العرائض رغما عن أنف القانون مهما علا شأنه و شأن واضعه لا نستشعر خيرا فيما يتعلق بمآل تشكيلة النقابة العامة للتعليم الأساسي و حيثيات إعادة توزيع المسؤوليات داخلها و نأمل مخلصين أن يخيب ظننا و يقضى نهائيا عن عادة سوء الظن التي تمكنت منا . (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية – تونس)، العدد 392 بتاريخ 9 فيفري 2007)
 

أمة « إقرأ » تتصدر قائمة الأمية

 
محمد الصغير عاشوري و شهد شاهد من أهلها، جاء تقرير المنظمة العربية للعلوم المسماة اختصارا « الألكسو » مفزعا بل مرعبا ومحبطا في آن واحد، و لكنه حقيقي و واقعي. جاء ليقذف الحقيقة المرة المغلفة بالعلقم في وجه الأنظمة العربية « المستقلة » و الحاكمة. الأنظمة التي ادعت و لازالت أن هدفها الأول هو التنمية و القضاء على الجهل والتخلف ونشر المعرفة و العلم بين ربوعها و الانتقال بأبناء الوطن من شظف العيش إلى بحبوحته و من عسر الحياة إلى يسرها. و ها هو الوطن العربي و بعد ما يزيد عن نصف قرن من الاستقلال أو الحكم الذاتي يرزح فريق منه تحت خط الفقر، و يئن فريق آخر تحت نير الظلم و القهر و الاستبداد، و لا يكاد يسمع صوته، و فريق ثالث قابع خانع يرجو رحمة ربه، فلا التنمية تحققت و لا العبودية انزاحت بل اتخذت أشكالا و ألوانا يصعب حصرها و الإحاطة بها. الأمة التي أمرها الله عز و جل بالقراءة، و جعل أول خطاب موجه لها محوره القلم و العلم و الكتابة ثم أضاف بامتداح أهل العلم و تبجيلهم و تفضيلهم و رفع مراتبهم لم يعد منها سوى أطلال و دجل و خرافات وحق عليها قول طرفة ابن العبد: لخولة أطلال ببــرقــة ثهمــد تلوح كباقي الوشم على ظهراليد وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولــون لا تهـلك أســى و تجلد. أمة بعد أن صالت و جالت و ملأ مدادها مشارق الأرض و مغاربها و بلغت من النفوذ و القوة و اتساع السلطان حدا دفع بهارون الرشيد إلى القول مخاطبا غمام السماء »أمطري حيث شئت فلن يكون خراجك إلا عندي » تتصدر قائمة الجهل، عفوا الأمية؟؟؟ لو أن الذين كتبوا التقرير، كانوا غربيين أوروبيين أو أمريكيين تحديدا، لصحنا معا، و بصوت واحد في المنازل و المقاهي و الجوامع و الكنائس و في الغابات و الراديوهات و نشرات الأخبار الخشبية المكررة والمعذرة للرفيق أحمد فؤاد نجم و المرحوم الشيخ إمام إنها مؤامرة، جاءت من صليبيين حاقدين على الإسلام و المسلمين و إنهم يغارون لا بل يحسدوننا على هذا الاستقرار و الهدوء و الأمن و الأمان المخيم الذي تنعم به المنطقة و الأمة وشعوبها، و الذي لا تضاهي سكونه البرك الراكدة و لا المقابر الصامتة. أما لو كانوا من المعارضة الوطنية لأنظمة الحكم أو من المستقلين فأقل ما يقذفون به، الارتهان إلى الخارج، و تشويه سمعة الوطن و قد يمرون إلى التآمر عليه و إفشاء أسراره إلى العدو، و يسارعون إلى حملة اعتقالات تطال أمثال سعد الدين إبراهيم و النابلسي و الحمصي و عبو و غيرهم كثر على امتداد الوطن العزيز. أما و أن الذين قدموا التقرير و المنتمين لهذه المنظمة العربية العريقة و الفاعلة فعل السوق العربية المشتركة، و الدفاع العربي المشترك، الذي حرر القدس و حمى بغداد، و ذاد عن الصومال الفقير و منع عنه الغزو الإثيوبي، و المنضوية تحت لواء جامعة الدول العربية الممثل الشرعي و الوحيد للأحزاب الشمولية العربية الحاكمة، فإن الأمر يختلف. فالدول العربية بذلت و لا زالت تبذل جهودا جبارة و منقطعة النظير للقضاء على الأمية وبرنامج تعليم الكبار خير دليل، حيث يعهد إلى أحد الأساتذة العاطلين أو العاطلات المعروفين، بجمع عدد من الشيوخ أو العجائز و إعطائهم أدوات مدرسية تكلف الخزينة العامة الشيء الفلاني، ثم تنطلق العملية التعليمية لتكون إحصائيات الألكسو في الخماسية أو العشرية المقبلة أنه تم القضاء على الأمية قضاء مبرما، و تقام الاحتفالات و التظاهرات في الساحات العامة و تعزف الموسيقى ويأتي صوت العندليب من العالم الآخر « انتصرنا…انتصرنا »! رحم الله المعري القائل: « يا أمة ضحكت من جهلها الأمم » ربما كان يعني زماننا دون من حيث لا يدري. منذ فجر الاستقلال إلى اليوم أخضع التعليم إلى مشاريع إصلاح متتتالية ومتنوعة وبحجج مختلفة مرّة لمواكبة الحداثة وأخرى لتضخيم عدد الناجحين في الباكالوريا على حساب المستوى وثالثة لتحسين الجودة ورابعة لملاءمته المعايير والمقاييس الأوروبية و خامسة لتخليصها من بعض الشوائب التي تنتج الإرهاب و توقفت المؤسسات التعليمية عن إنتاج العلم و المعرفة لتتحول إلى ورش للتجارب والتكوين المهني، و بدل أن تنتج نخبة تفكر أنتجت أدوات تنفذ. و أثبتت المشاريع السالفة الذكر فشلها و عقمها و قصر نظر من رسمها بجيوش جرارة من العاطلين تضيق بهم مقاهي الوطن، من مشرقه إلى مغربه. فالتعليم عندنا ارتبط بالوظيفة والشغل شئنا أم أبينا، و عائلاتنا إن لم تكن كلها فجلها أرسلت أبناءها إلى المدارس وضحت بأقواتها، ليس فقط من أجل أن يتعلم ابنها لأجل العلم و عملا بالقول المأثور « أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد » و أن يعرف حمو رابي و شكسبير و ابن خلدون وحضارة الإغريق و المسلمين، و لكن غالبا ما كان ذلك استثمارا، فالمتعلم سيحصل على وظيفة في نهاية المطاف، علا شأنها أو صغر، المهم أنه سيحمل جزءا من أعباء العائلة متعددة الأفراد. أما و الحال قد تغيرت و فقد الأمل في الوظيفة أو كاد وأضحت الدراسة سبيلا من سبل الإفقار و الإنفاق المشط على الغالبية من الناس بعد أن تضاعفت أسعار الأدوات المدرسية و ظهور نفقات إضافية من ساعات الدعم إلى التنقل و غيره و كل ذلك و مجانية التعليم مكفولة، فإن هذا الاستثمار خاسر لا محالة و وقعه كارثي على متوسطي الدخل و ذوي الدخل المحدود و هم الغالبية العظمى. فما جدوى الدراسة إن لم يحصل على الوظيفة و لماذا تتحمل الأسر التضحيات الجسام لأجل شهادة لا تغني و لا تسمن من جوع؟ هكذا تفكر الأغلبية و هم إلى حد محقين في ذلك. ولكن الحكومات الرشيدة و مخططو برامجها التعليمية، لم ينتبهوا أو لعلهم يملكون استراتيجيات و أجندات أخرى و يرون مالا تراه العامة، واصلوا و لازالوا يقفزون إلى الأمام رغم كل الصراخ و العويل. أما النتيجة فكانت شبابا من مختلف الشرائح الاجتماعية يلقي بنفسه في البحر بحثا عن الخبز أو الرفاه لدى أبناء العم سام على الضفة الأخرى بعد أن أوصدت في وجهه الأبواب و عائلاتهم تدفع لمن يجازف بعبّارته أو زورقه المتهالك، ليوصله إلى شط بحر الكسب و الرزق الوفير، و شباب آخر ارتمى في أحضان السلفية الجهادية لعله يفوز بالشهادة و النعيم في الآخرة بعد أن خاب أمله في الدنيا الفانية حسب قولهم. و صبياننا يملئون الشوارع و الأزقة بين متسولين و ماسحي أحذية من المدن الصغيرة إلى العواصم الكبيرة و لا تخطئهم لا العين و لا كاميرات القنوات التلفزية المهتمة مثلARTE و الجزيرة و غيرهما. الأمة تتصدر قائمة الجهل و تتصدر قائمات الاستبداد و الظلم و الفقر والفساد و الرشوة و غيرها من الآفات الاجتماعية و إن صدقت أرقامنا و إحصاءاتنا فقد تتصدر قائمة السيدا، و هي على رأس لائحة أمريكا وأوروبا للإرهاب. وفي الخماسية أو العشرية المقبلة ستتضاعف هذه الأرقام و سنتصدر قوائم سوداء أخرى، وهذا ما توحي به كل الدلائل و القرائن و الدراسات العلمية الصحيحة و المحايدة، و لا يستطيع أن ينكره إلا معاند أو مكابر أو مرتهن لصندوق النقد الدولي و البنك العالمي و سياستهما « الرشيدة- المشطة » التي ستزيد من جمهور الفقراء و تقضي على متوسطي الدخل، و التي تهدف من بين ما ترمي إليه إلى تحويل هذه الشعوب و من على شاكلتها في آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية إلى شعوب مستهلكة « للكوكا كولا و الهمبورغر »، هذا إن وجدت ثمنه و إلى مصبات للنفايات و القمامة. لنتأمل الحيرة في عيون تلامذتنا و طلبتنا من مستقبل مدلهم. فعدد خريجي الجامعات يتضاعف من سنة لأخرى و عدد المنقطعين عن التعليم في سن مبكرة يرتفع عاما بعد عام و تكاليف التمدرس في ارتفاع صاروخي. فبدل هذه المساحيق و هذا الطلاء، دعوا أيها المسئولون هؤلاء العجائز و الشيوخ فهم لن يموتوا من الأمية و لكن أبناءهم و أحفادهم سيموتون من الجوع و الفقر و السيدا. فلو أنهم أستـفتوا في هذا الأمر لتنازلوا لكم عن حقهم في التعليم و عن بقية حقوقهم، و هم بطبعهم متنازلون، لأجل فلذات أكبادهم. فارحموا هذه الأمة، فهي تتسع لكل أبنائها مؤمنين و ملحدين، موالين و معارضين، فالحل في إطلاق الحريات العامة و الأكاديمية و المبادرات الصادقة و الإستشارات و المنتديات الوطنية التي سيهب إليها كل من يأنس في نفسه القدرة على الفعل و تقديم الإضافة لأن الأزمة لا تعني جهة بعينها و الطوفان إن حل لن يستثني أحدا. (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية – تونس)، العدد 392 بتاريخ 9 فيفري 2007)
 

تلاميذ يعنّفون أساتذتهم: مــــــــن نتّهــــــم ؟:

%40 من حالات العنف ضدّ الأساتذة و%83 من الاعتداءات داخل القســم

 
* تونس ـ «الشروق»: تتابع النيابة العمومية، بالمحكمة الابتدائية بتونس، هذه الأيام البحث في قضيّة اعتداء تلميذ على أستاذه بجهة حي التحرير… كما تابعت محكمة القيروان في وقت سابق ملفات طعن تلميذ بطن أستاذته الحامل.. تلميذ آخر شوّه وجه أستاذته الجميلة بشفرة حلاقة داخل القسم، في معهد بعين دراهم، وآخر اقتحم القسم في أحد معاهد العاصمة وأسقط أستاذه أرضا ثم أشبعه ركلا وشتما أمام التلاميذ.. والأساتذة والادارة…! قرابة 2025 حالة عنف في المؤسسات التربوية خلال السنة الدراسية المنقضية 40 بالمائة منها ضدّ الأساتذة… فما دلالات اعتداء التلميذ على أستاذه؟ هل للمدرّس المتعرّض للعنف استعداد لقبول هذا العنف؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟ * اعداد: منجي الخضراوي تؤكّد المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتكوين أنه تمّ تسجيل 2025 حالة عنف في المحيط المدرسي خلال السنة الدراسية المنقضية 2005/206 منها 1040 حالة داخل قاعات الدرس أي ما يفوق نسبة 51 بالمائة و330 حالة في ساحة المدرسة (16.30) و219 في المحيط المباشر للمؤسسة و95 حالة عنف في الإدارة و69 حالة في الممرّات والمدارج وتؤكد نفس المعطيات الرسمية أنّه تمّ تسجيل 800 حالة عنف ممارس معلن عنها من قبل التلاميذ على الأساتذة أي ما نسبته 40 بالمائة من المعدّل العام منها 653 عنف لفظي و56 عنف بدني و56 حالات أخرى، والمثير أنّه أكثر من 83 بالمائة من الاعتداءات التي تعرّض لها الأساتذة وقعت داخل قاعة التعليم نفس المصادر تفيد، بأن تلاميذ السنة السابعة بالمؤسسات الاعدادية هم الأكثر عنفا من غيرهم، إذ سجلت نسبة العنف الصادر عنهم 22.16 بالمائة يليها تلاميذ السنة الثامنة بـ19.11 بالمائة ثم تلاميذ السنة الأولى ثانوي بنسبة 17.78 بالمائة وتؤكد هذه المعطيات الرسمية أن قرابة 60 بالمائة من حالات العنف في المحيط المدرسي صادرة عن التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عاما. * أرقام مقارنة: أمريكا وفرنسا وتونس بعثت وزارة التربية والتكوين بداية من السنة الدراسية 2004-2005 منظومة وطنية لاحصاء حالات العنف في المحيط المدرسي والتي تعرف باسم «مرصد ع» وقد تمّ الاعلان عنها رسميا خلال السنة الدراسية 2005-2006، كما تمّ بعث لجان في كل إدارة جهوية لما يسمّى بدعم السلوك الحضاري وذلك للحد من العنف المدرسي، ويجري الآن اعداد أبحاث ودراسات ميدانية حول هذه الظاهرة وذلك في إطار خطة متكاملة. وحسب مصادر مطلعة فلقد تمّ التركيز، في الحلول المقترحة، على دعم النشاط الثقافي في المؤسسات التربوية وبعث منابر للحوار كل يوم جمعة مع التركيز على تأطير التلاميذ وتكوين المدرسين في التواصل البيداغوجي وتمّ بعث مجلس للمؤسسة لمتابعة حالات العنف… وقد انخرطت بعض الجمعيات في مجهود وزارة التربية وهي أساسا الاتحاد الوطني للمرأة ومنظمة التربية والأسرة. وحسب المعطيات فإن منظومة احصاء حالات العنف المدرسي في تونس هي الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، مع العلم أن أربعة دول فقط في العالم تعتمد هذه المنظومة آخرها سويسرا.. وتفيد المعطيات الصادرة عن وزارة التربية الفرنسية أنه تمّ تسجيل 82007 حالة عنف في المؤسسات التربوية الفرنسية خلال السنة الدراسية 2004-2005 في حين سجلت المؤسسات التربوية في أمريكا مليون و930 ألف حالة عنف منها 154 ألف حالة خطيرة، وتمّ تسجيل 64 ألف اعتداء على أساتذة سنة 2003، كما تمّ تسجيل 38 جريمة قتل داخل المؤسسات التربوية الأمريكية خلال السنة الدراسية 2001-2002. أما في تونس فلقد تمّ تسجيل 826 حالة عنف موجّه من بين 2025 حالة كما تمّ تسجيل و212 حالة عنف متبادل في حين تؤكد نفس الأرقام الرسمية أنه تمّ تسجيل 175 حالة عنف دون سلاح أبيض ممّا يعني أنه هناك حالات استعمال أسلحة بيضاء لم نعثر لها على رقم يذكر، في حين يتعمّد 147 تلميذ سنويا حسب أرقام السنة الدراسية 2005-2006 اتلاف أو تدليس وثائق مؤسسته التربوية.. * اجماع حول خطورة الظاهرة
تؤكد المعطيات الرسمية أن 51.36 بالمائة من حالات العنف تقع داخل قاعة القسم وأن 83.38 بالمائة من حالات الاعتداء على الأساتذة تقع أيضا داخل قاعة القسم، إذن فالأمر يستوجب فهم الظاهرة والبحث عن الدوافع والحلول الممكنة، وحسب المتابعين فإن هذه الظاهرة استفحلت أكثر منذ زهاء العشرة أعوام، قبل أن تعترف بها كل الأطراف الرسمية والنقابية… «فكان أن صدربتاريخ 19 أكتوبر 2004، أول نص قانوني ينظم الحياة المدرسية ويقيمها على مبادئ الحوار والتشاور والاحترام وحلّ المشاكل بالطرق السلمية. كما أقرّ هذا الأمر الآليات والهيئات الكفيلة بتجسيم هذه المبادئ والقيم». كما جاء في مداخلة وزير التربية، في ندوة اليونيسيف حول العنف المدرسي في تونس. والعنف المدرسي، قد يشمل كل حركة مادية أو لفظية بين مبادر ومتضرّر يكون الطرف فيها تربويا، رغم أن هذا المفهوم يبقى عاما ويعسر تدقيقه خاصة أمام صعوبة وضع حدّ فاصل بين الداخل المدرسي والخارج أي بين الفضاء التربوي والفضاء غير التربوي، لى أن الفضاء هنا لا يمكن اختزاله في المكان فقط، على يمكن أن تنشأ علاقة عنيفة بين التلميذ والمربّي، خارج المؤسسة التربوية، رغم أن بعض الأرقام الرسمية تفيد بأن نسبة هامة من الوقائع العنيفة تحدث داخل القسم، لكن يبدو أن الأمر أخذ وجهة جديدة كمّا وكيفا، وهو ما جعل كل الأطراف المعنية بالمؤسسة التربوية تجمع على خطورة الظاهرة وما بلغته، رغم الاختلافات حول فهم دوافعها وبالتالي نتائج تجاوزها وآليات هذا التجاوز. * عنف أمام المحاكم
في رصد لأهم أحداث العنف الواقعة من التلميذ تجاه الأستاذ، فإن عددا هاما منها وصف بالجرائم ولم يفصل في مكاتب إدارة المعهد ومجالس التأديب بل بلغ أروقة المحاكم وتفاصيل السجون، ألم يكن نصيب تلميذ تعليم ثانوي السجن لمدّة خمسة أعوام بسبب اعتدائه بالعنف الشديد ضدّ أستاذته. آخر صورة في هذا المشهد سجلتها ملفات القضايا الجزائية، بطلها تلميذ درس بأحد المعاهد الواقعة غرب العاصمة، وجدّت وقائعها بحي التحرير. وحسب ما ورد بالشكاية، فإن أستاذ الرياضيات كان مارا بأحد الشوارع إذ اعترض سبيله تلميذه الراسب في الباكالوريا وبادره بكلمات مهنية، بلغت حدّ وصفه بأوصاف، قال المتضرّر إنها «عنصرية»، ثم تدخّل بعض أفراد عائلة هذا التلميذ، وتعاضدوا جميعا في الاعتداء بالعنف الشديد، ضربا وركلا وشتما أمام العموم. وقبل ذلك اختلف تلميذ مع أستاذته بأحد معاهد عين دراهم، بعد أن أسندت له عددا دون المطلوب في الامتحان، فاستنفر التلميذ قوّته داخل القسم أثناء تقديم المدرّسة الدرس، فتقدّم منها بهدوء ثم باغتها بتشويه وجهها مستعملا في ذلك شفرة حلاقة، وغادر المعهد أمام بهتة وصدمة الجميع. في باجة، حرّض تلميذ بعض أصدقائه من «المنحرفين» ضد أستاذه، فراقبوه حتى خرج من المعهد ثم انهالوا عليه ضربا وشتما وعنفوه حتى أغمي عليه ولاذوا بالفرار. وفي أحد معاهد العاصمة الثانوية المعروفة، اقتحم أحد الغرباء المعهد فالقسم ثم اعتدى أمام التلاميذ على الاستاذ. وفي دوّار هيشر اعتدى تلميذ على أستاذه أيضا داخل قاعة القسم واسقطه رأضا فهشم نظارته وركله وأهانه أمام زملائه لأن التلميذ حصل على عدد ضعيف. أستاذة في أحد معاهد العاصمة، هدّدها تلميذها بسكين، الا أنه تراجع عن تعنيفها واكتفى بافتكاك جهاز هاتفها الجوّال لأنه من النوع الرفيع، وجدّ ذلك داخل المعهد. وفي أحد معاهد ولاية منوبة اقتحم وليّ ساحة المعهد ثم صعد الى الطابق العلوي وهو في حالة غليان واقتحم القسم وأخرج الأستاذة جرّا من شعرها وأنزلها الى الساحة واعتدى عليها بالعنف الشديد، رغم صرخاتها واستغاثتها. وأستاذ آخر فجئ وسط ساحة المعهد بغريب يشهر في وجهه سكينا لغرض سلبه، وبلغتنا العامية («براكاج» وسط المعهد). وفي العاصمة أيضا هدّد عدد من التلاميذ أستاذهم الجديد بتشويه وجهه بشفرة حلاقة إذا أسند اليهم أعدادا في الامتحان دون المعدّل، الا أن الادارة طلبت من الأستاذ عندما قدّم شكواه عدم تضخيم القضيّة تفاديا للمشاكل. إلا أنه من بين القضايا الخطيرة هو تعمّد تلميذ طعن أستاذته الحامل في بطنها، بأحد أحياء ولاية القيروان، فانتهت رحلته وراء القضبان بعدما قضت المحكمة بإدانته وسجنه. وغير ذلك من الوقائع، التي أكد مصدر نقابي أن النقابة العامة للتعليم الثانوي تتلقّى يوميا معدّل شكايتين حول تعرّض الأساتذة للعنف داخل المؤسسة التربوية أو في حدودها أو بسبب خلاف داخلها. الأساتذة: الأسباب متنوعة والظاهرة واحدة
السيد سامي الطاهري المسؤول عن النظام الداخلي بنقابة التعليم الثانوي، قال ان هناك أسبابا مباشرة وأخرى غير مباشرة تقف وراء ظاهرة هذا الصنف من العنف. بالنسبة الى الأسباب المباشرة قال انها متعلقة بالوسط المدرسي وبظروف العمل والاكتظاظ ونظام التقييم، اذ هناك ارهاق في الامتحان الذي أصبح يتضمن نوعا من العقاب، لذلك يكون ردّ التلميذ عنيفا، وقال أيضا ان البرامج مكتظة ممّا يجعل الاستاذ يسرع من أجل إنهاء ما طلب منه وهو ما يعيق فهم التلميذ فيردّ الفعل عند تقييم هذا الفهم بالعدد. وأعطى مثالا بالنسبة الى برنامج الرياضيات للسنة الثالثة ثانوي (السادسة ثانوي بالنظام القديم)، فقال انه يجب أن يمتد لسنة ونصف ولكن يقع تدريسه في سنة دراسية فعليا لا تتجاوز سبعة أشهر كما انتقد محدثنا نظام التقييم الذي حوّل بالنسبة اليه الدروس الى مجالات للمساومة وأصبح التلميذ يضغط مثلا للحصول على 25 بالمائة في الباكالوريا، كما أصبح بالنسبة الى محدثنا حق الدراسة هو حق في النجاح وليس حقا في العلم والمعرفة اذ أصبح الارتقاء في بعض المستويات آليا رغم ضعف مستوى التلميذ كما أن الغاء الامتحانات الوطنية التي كانت تمثل حافزا على التحصيل والدراسة مثل السيزيام مع تهميش النوفيام، أفقد قيمة المراقبة وأدّى بالتالي الى إلغاء دور الأستاذ وانتقد السيد سامي الطاهري المضامين الدراسية التي وصفها بالهشة والمسقطة، وقال اننا إزاء مفارقة بين المضمون وما نعيشه. وعن الأسباب أيضا قال ان بعض الحصص التي تضيع لعدم توفّر القاعة أو التجهيزات أو المخابر، ممّا يؤدي الى عدم الاهتمام بالدرس والتشويش فالتصادم، وقال ان النظام التأديبي لم يقع تطويره ولم يواكب اتساع المدرسة، اذ اعتمد المرونة بدعوى حماية التلميذ دون مراعاة لتربيته واستيعابه لعلاقته بالمربي. * التأطير البيداغوجي والتهيئة النفسية
السيد سامي الطاهري، المسؤول النقابي بنقابة التعليم الثانوي، تحدّث عن الأسباب غير المباشرة، وقال يمكن تحميل المسؤولية فيها الى الإطار التربوي مثل الادارة غير المهيأة للتعامل النفسي والبيداغوجي مع التلميذ مع الصعوبات التي يعاني منها كادر التدريس، الذي ينتقل مباشرة من الجامعة الى المعهد دون تكوين في المجالات المتعلقة بعلم النفس التربوي، وطالب بضرورة توفيرها. وقال ان التكوين الحالي مازال متعلقا بالدرس ونظمه دون أن يهتم بالجوانب العملية التربوية، وتحدث عن غياب التوازن بين المواد من حيث المكانة والضوارب والقيمة في المعدل وتحويل بعض المواد الى أساسية بالمعنى النفعي وهو ما أدّى الى تهميش بعض المواد واعتبارها ثانوية، اذ هناك تهميش يكاد يكون كليا لمادة التربية البدنية مع عدم تعميم التربية الموسيقية والتشكيلية مع غياب النشاط الثقافي الهادف وطغيان أنماط التوظيف الخارجي من مؤسسات غريبة عن المؤسسة التربوية مع غياب التأطير وتقلص عدد القيمين وغياب قاعات للمراجعة وفقدان المكتبات المدرسية، ممّا أدّى الى خروج التلميذ للمقهى والى فضاءات اخرى غير تربوية. * الفنان والرياضي أقرب من الأستاذ
إنّ السيطرة التي تمثلها النجومية سواء الفنية أو الرياضية وانتشار ما يسمّى «بستار أكاديمي» ووسائل الترقي السهلة كالمسابقات التي تصل مرابيحها الى مئات الملايين من المليمات ووسائل الثراء الممكنة عبر ألعاب الحظ والقمار مع انتشار ظاهرة الحرقة وعودة بعض الشبان من الخارج بسياراتهم وأموالهم في مقابل ركون العديد من خريجي الجامعة والحائزين على شهادات جامعية عليا، للبطالة… زعزع قيمة المعرفة في المجتمع ولم تعد الدراسة والتحصيل العلمي وسيلة للترقي الاجتماعي فعوضتها الأساليب السهلة التي تلغي معنى الجهد والعلم والبحث، اذ تغيّر سلّم القيم ولم تعد المدرسة هي النموذج ففقدت رمزيتها، ولم يعد المدرّس هو المثال الأعلى بعد أن انحدرت مكانته الاجتماعية والرمزية بفعل تدهور امكانياته المادية. هذا الاطار الثقافي والمادي والقيمي أدّى الى انسداد الآفاق بالنسبة الى التلميذ، حسب رأي السيد سامي الطاهري، اذ أصبح يحاكي النجوم والأثرياء وليس العلماء. إضافة الى ذلك فإن ضعف التأطير في الأسرة مع ضعف علاقتها بالمؤسسة التربوية جعل من هذه العلاقة لا تخرج عن الدائرة النفعية خاصة أمام ظـهور مؤثرات اجتماعية اخرى، فالتلفزة والملاعب والشارع بالنسبة الى السيد الطاهري تؤثر اليوم أكثر من المدرسة، فما معنى أن يدخل تلميذ الى القسم وهو واقع تحت تأثير الأقراص المخدّرة أو بحالة سكر، إذن أصبحنا إزاء حالات لعدم احترام المحيط المدرسي خاصة أمام تحوّل المدرسة الى فضاء للصراع في انعكاس وتصعيد للتناقضات الاجتماعية والثقافية الموجودة اذ يمكن أن يكون العنف في المدرسة انعكاسا للعنف في المجتمع، لذلك لابد من الانصات الى انفعال التلميذ مع هذا المحيط. التلاميذ: سلوك يحتاج الى طب نفسي

التلميذ أيمن 18 سنة، تلميذ سألناه عن ظاهرة العنف الموجه من التلميذ تجاه الأستاذ، قال انه خرج لتوّه مطرودا من القسم مع صديقيه محمد ومحمد أمين وأن أستاذة العربية ترفض وجوده أصلا داخل القسم. الزملاء الثلاثة لم يجدوا من مكان بعد طردهم من القسم الا احدى الزوايا بأحد الشوارع حيث يسهل معاكسة الفتيات وربما أشياء أخرى. محدّثنا قال ان «الأستاذة تريد السيطرة على القسم في حين عهود السيطرة انتهت منذ سنوات ولم يخف «أيمن» أنه اعتدى سابقا على أستاذته الأخرى اذ قال «لقد طلبت مني الخروج من القسم بسبب التشويش فرفضت لكنها انطلقت في شتمي فأهانتني أمام زميلاتي وزملائي فلم أجد من حلّ غير دفعها بقوة حتى ارتطمت بالحائط ثم غادرت المعهد». زميله محمد لم يتفق معه في الرأي اذ قال من غير المعقول ان يعتدي التلميذ على أستاذه رغم وجود العديد من المشاكل وقال انهما يتحمّلان المسؤولية لكن يتحملها الاستاذ والادارة بدرجة أكبر، اذ لابد من الاعتناء والانصات لمشاكل ومشاغل التلاميذ، في حين قال زميله محمد أمين إن أستاذ الرياضيات رفض ان يفسّر له الدرس، لأنه لم يفهم بعض المعادلات، وقال التلميذ إن رفض الأستاذ مرده عدم التحاقي بالدروس الخصوصية التي يقدّمها. أما التلميذة مريم 20 سنة، فإنها لم تنف معاينتها للعديد من حالات العنف ضد الأساتذة والصادرة عن بعض التلاميذ، وقالت ان أحد زملائها كان يشوش بالقسم، فطلبت منه الأستاذة الخروج لكنه رفض وتمسك بالرفض فخرجت متوجهة الى الادارة عندها لحق بها فشتمها وسبها وأراد ضربها لولا تدخل القيمين، فيما أكد أحد زملائها أنه شاهد أحد التلاميذ يجرّ أستاذته من شعرها ويعتدي عليها بالعنف والشتيمة والكلام البذيء، وقال ان جلّ التلاميذ وحتى الأساتذة يعانون من مشاكل عائلية واجتماعية. * ما رأي علم النفس؟
هذه التأثيرات لها انعكاس على الحالة النفسية لطرفي المواجهة وهو ما يستدعي رؤية الفهم النفسي الذي حاول الدكتور منذر جعفر ملامسته. يقول الدكتور منذر جعفر المختص في علم النفس، إن ظاهرة العنف المدرسي شملت مؤسساتنا التربوية وهي نتيجة حتمية للعلاقة المتردية بين المربي والتلميذ، فالفضاء التربوي أصبح مجرّدا من تلك الاجواء الحميمية الخالية من الحسابات النفعية، وقال ان مهمة المربي أصبحت تقتصر على عملية تلقين، نظرا للدور التربوي والتوجيهي، اذ لم يعد الأستاذ هو المثل الأعلى كما كان من قبل. ويرى محدثنا ان غياب التأطير التربوي داخل المؤسسات التربوية وداخل العائلة التونسية مع انعدام التواصل الشفوي والعاطفي اضافة الى وجود علاقات مجردة من الانسانية يطغى عليها الجانب المادي. حوّل القسم الى فضاء للصراع النفسي، فالتلميذ يسقط مشاكله على الاستاذ والعكس صحيح، فانعدم التفاهم لانعدام الحوار ونشأ الصراع والعنف اللفظي والمادي الذي يصل الى حدّ الجريمة. وتحدّث الدكتور عن ضعف التأطير النفسي والبيداغوجي سواء للتلميذ او للأستاذ مع عدم وجود اطار للانصات الى التلميذ ومتابعة مشاكله الاجتماعية والنفسية والسعي الى معالجة الأسباب الحقيقية ومساعدة التلميذ على ايجاد توازن نفسي وكسب الثقة في نفسه، وطالب الدكتور منذر جعفر بضرورة تأطير المدرسين نفسيا وبيداغوجيا وذلك بتشريك المختصين لتفادي أسلوب التلقين في العملية التربوية والتوجه نحو رؤية أكثر شمولية، حتى يكون المربّي متوازنا نفسانيا ويصبح صورة ناصعة ومثلا أعلى يقتدى به المتعلم، خاصة أمام غياب صورة الأب في ذهن الطفل. ويمكن أن نرى من نفس الزاوية النفسية التي طرحها الدكتور منذر جعفر ان العنف الموجه من التلميذ تجاه الاستاذ باعتباره صورة معكوسة لما كان من قبل، يمثل عنفا ضد المؤسسة لأن الأستاذ هي بمعنى ما يمثّل المؤسسة والسلطة والمجتمع ويمثل أيضا صورة الأب التي يسعى المراهق الى قتلها او نفيها. (المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 فيفري 2007)


عوامل نفسية واجنماعية تدفع الشباب إلى العنف

 
محسن المزليني  كشفت الأحداث التي جدّت بالضاحية الجنوبية ومنطقة سليمان أنّ العنف ظاهرة مركّبة ومتعدّدة الأوجه والمستويات ممّا يجعلها صعبة التوقّع ، إذ فاجأت الكثير من المراقبين وصدمت الرأي العام الذي غالبا ما اطمأنّ إلى أنّ الشعب التونسي بعيد عن هذه الموجات من السلوكات التعصبيّة بالنّظر إلى ما عرف به هذا الشعب من سمات الشخصية المنفتحة والمسالمة والذي تِؤكّده خلوّ تاريخها من الهزّات والثورات إلآّ من بعضها الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها، فما الذي حدث لتخرج هذه الظاهرة من عقالها؟ وهل أنّ العنف هو سمة مميّزة لشعب دون آخر، أم أنّه يبقى إمكانا ملاصقا لوجود الكائن البشري مستعدّا دائما للحضور إذا توفّرت أسبابه؟. سنحاول تتبّع هذه الظاهرة الجدالية مدركين صعوبة الإحاطة بها،نظرا إلى أنّها وككلّ الظواهر الإجتماعيّة تتميّز بطابها الكلّي والمعقّد، وتبقى كلّ ملامسة لها مجرّد محاولة للفهم تستدعي التعمّق ومزيد البحث *ـ جذور العنف النفسية: الإنسان بين الجوهر والمظهر إنّ العنف ليس جديدا فقد لازم الإنسان منذ البداية لأنّه أحد مكوّناته النفسية، هكذا يراه الدكتور فتحي التوزري في محاضرته حول علاقة العنف بالذات الإنسانية والتي ألقاها في منتدى الجاحظ يوم 28 جانفي الماضي. إنّ هذه الظاهرة ضاربة في أغوار الكائن المفرد وأحد مكوّنات شخصيته فهو ما يدفعه إلى المنافسة في أغلب ميادين الحياة وإلى تجاوز ضعفه التكويني، وهذا هو البعد الإيجابي والحيوي للعنف عند الإنسان. يظهر البعد العدواني في نفسية الطفل مع دخوله الحول الثالث،عندما يكون قد اكتمل عضويا وأصبح قادرا على الفعل والحركة. غير أنّه ولكي لا تتحوّل هذه الجذور الحيوية النفسية إلى سلوك عنفي مدمّر، تقوم المؤسّسات الاجتماعية المختلفة بتوجيهه وتصعيده ليساهم في بناء الكائن والمجتمع، إذ تقوم العائلة بداية بدور احتواء هذه الطاقة العنفية في سلوك متكامل ومضبوط اجتماعيا أمّا في حالة غيابها أو تغييبها عن القيام به فإنّ ذلك سيؤدّي حتما إلى نموّه خارج السيطرة كسلوك مرضي تدميري. كما أنّ من شأن عمليّة التنشئة الاجتماعية أن تعلّم الفرد تصريف انفعالاته الغضبيّة بشكل إيجابي طالما أنّ هذا الشعور هو من المشاعر الإنسانية العادية الذي يؤدّي وظيفة أساسية مثل دفع الأذى أو عدم القبول به. والسلوك العنيف غالبا ما يصاحبه الغضب ويتمظهر عبره في شكل دائرة مغلقة: مثير فقراءة ترى في ذلك إهانة للشخص فغضب ينتج عنه العنف .غير أنّ هذا المسار السلوكي ليس حتميّا ولا يجب أن يكون، إذ يمكن للضوابط السلوكيّة التي يتشرّبها الفرد في مؤسّسة الأسرة أن تمنعه من إتمام دورته المغلقة ثمّ يأتي دور بقيّة مؤسسات التنشئة الاجتماعية لتعزيز ذلك. أمّا المثيرات التي تدفع الشاب لممارسة السلوك العنفي فيمكن اختزالها في الأسباب التالية: ـ أوّلا: السلوكات التي يتعرّض لها الشاب ويعتبر أنّ القصد منها إهانته، فإذا كان تقدير الذات أعلى هرم الحاجات الإنسانية حسب النفساني ماسلو فإنّ أيّ مساس بهذه المنطقة النفسية الحيوية تستوجب ردّ فعل، وفي كثير من الأحيان يكون الإحساس بالإهانة أحد أهمّ أسباب الفشل المدرسي، لذلك فإنّه كلّما انقصنا من مصادر هذا الإحساس إلاّ وانخفض الميل إلى العدوان. ـ ثانيا: ارتباط العنف بصورة سيئة يستبطنها الإنسان عن نفسه وذلك نتيجة فشل فعل أو تجربة سابقة، لذلك فإنّ البرامج التربوية يجب أن تكون الوسيلة لتربية الطفل والشاب على الثقة بالنّفس وتعزيزها بما يمكّنه من تجاوز الصعوبات التي تعترضه وتنمّي رصيد الثقة عنده فتتحوّل بذلك من عقبات إلى فرص لتنمية الذات وتطوير قدراتها. ـ ثالثا: الشعور بالفشل والتي تنشأ من تكرار التجارب غير الناجحة فيتولّد عن ذلك شعورا بالإهانة تسهّل الغضب وتفعّل الطاقة العنفية. لذلك فإنّ استحداث فضاءات للمشاركة وتجربة النجاح هما من أهمّ الشروط لخلق بيئة ضدّ العنف. وبناء على ما تقدّم من عرض للآليات النفسية التي تتحكّم في السلوك العنيف، فإنّ السؤال الذي يطرح هو كيف تتحوّل هذه القوّة العنفية الكامنة إلى سلوك عنيف؟ هنا يأتي المستوى الثاني في إدراك هذه الظاهرة وهو مستوى التبرير العقلي أو التأسيس النّظري الذي يجعله سلوكا مشروعا ومبرّرا أخلاقيا لمن يمارسه وهو التبرير الإيديولوجي أو الأسباب السوسيو ثقافية المحدّدة والمؤثّرة فيها. العنف في منطلقاته الإيديولوجيّة: يجب التأكيد أوّلا أنّ العنف لم يرتبط تاريخيا بإيديولوجية دون غيرها إذ لم يخل سجلّ أيّ قبيلة فكرية أو رؤية تغييرية في الوطن العربي من استعمال مذهب ابن آدم الأوّل، ممّا يعني أنّ العنف قوّة كامنة في الذات الإنسانية تبحث دائما عن غطاء شرعي قد يتغيّر بين الفترة والأخرى حسب سوق العرض الإيديولوجي، ولأنّ هذه الظاهرة التي عشناها بتونس نسبت رسميا إلى الرؤية الدينية السلفيّة، فإنّنا نحاول وبشكل موجز ملامسة هذه الخلفية الإيديولوجية مع التأكيد دائما أنّ الفكرة لا تصنع في غالب الأحيان الظاهرة وإنّما عادة ما تنزع هذه الأخيرة إلى البحث عن الفكرة الأقدر على تحمّل شحنة العنف التي يختزنها الفاعلون الأساسيون جرّاء ضغوط الحياة المتعدّدة. إنّ المنطلق الأوّل الذي يجب الإشارة إليه هو أنّ هذه الظاهرة نشأت تاريخيا في ظروف استثنائيّة أي داخل السجون والمعتقلات كما كان ذلك في مصر مع الفكر القطبي تحديدا والذي يعتبر بداية التأسيس لمعالم الطريق النظريّة الحديثة لممارسة العنف الثوري بغطاء ديني، لذلك يِؤكّد الباحث سامي براهم على الطبيعة الانعزالية لهذا الفكر وعلى سرعة تدحرجه إلى من قضيّة إلى أخرى وخلطه بين المستويات المتعدّدة لأنّ غرضه ليس منطقيا وعلميا وإنّما بحثه عن مسوّغات عمليّة، لذلك فإنّ استعماله للمفاهيم الدينية سيعتمد على الانتقائية وفصل الحكم أو الفتوى عن تاريخيتها والخلط بينهما دائما. مفهوم الحاكميّة: هو أحد المفاهيم النمط (براديغم) في الفكر السلفي الجهادي وهو ذو شحنة عالية نظرا لبعده المتعلّق بالذات الإلهيّة ولخلطه المقصود بين مستويات الإلهي المتنزّه والبشري النّسبي، وهذا المفهوم ابتدعه العالم الباكستاني أبوالأعلى المودودي وذلك قبل أن تستقلّ باكستان عن الهند وذلك حرصا منه على تميّز الأقلية المسلمة هناك ووعيها بذاتها كي لا تذوب في الأغلبية لذلك رفض أيضا مفهوم الديمقراطيّة واعتبرها كفرا لأنّها ستؤدّي عمليّا إلى ذوبان الأقلية داخل حزب المؤتمر الهندي الذي كان يقود معركة الاستقلال، أمّا هذه التيارات فتعني به وجوب أن يعمّ الإسلام كلّ العالم فحاكميّته يجب أن تعمّ وهو تصوّر تبسيطي يحاول أن ينفي المختلف، ثمّ يتدرّج بشكل خطير من المفهوم إلى إنفاذه وهو بنظرهم مسؤولية المسلم وكلّ تقصير في إنفاذ ذلك هو تقصير في الوفاء بواجب، كما أنّه يقوم على مطابقة بين الفهم البشري للنصّ ومراد الله، لذلك تمتح هذه الأفكار من معين فكر ابن تيميّة الذي ينفي عن النصّ أيّ بعد مجازي ويجعل حقيقته في منطوقه الظاهر وهذا خطير كما يرى الباحث سامي براهم لأنّ العلاقة ليست آلية فالخطاب ليس هو نصّ الحكم وإنّما ما يفهم منه وهذا الفهم هو فهم بشري وبالتالي نسبي. كما أنّ الخلفيّة التي تتكوّن جرّاء هذا المفهوم تتبنّى آليا عمليّة فرز للمجتمع على قاعدة الولاء والبراء و تعني تحديد الأعداء الذين تتوسّع قاعدتهم دائما بالتوازي مع استعمال منهج متدحرج يزيد يوميا من الفرز وإعادة الفرز بحيث يغدو المنطلق: الأصل في الحكم على النّاس الاتهام والبراءة تحتاج إلى دليل وهذا الدليل يشدّد مع كلّ موجة عنف جديدة. وهكذا تسرّب مفهوم الجرح والتعديل من ميدان علوم الحديث حين كان يعتبر مقياسا للتأكّد من صحّة الراوي في والثقة به في نقل الحديث النبوي إلى مجال محاسبة النّاس في دينها وأخلاقها وهذا ما يؤدّي إلى كثير من الحيف إذ تبدأ سلسلة من التكفير وتكفير من لا يكفّر فتنغلق الدائرة بذلك على تواة صغيرة حديديّة هي النواة المؤمنة ويتّخذون لها أسماء موحية بعقلية الفرز والإقصاء ووهم التميّز « الجماعة المسلمة » أو « جماعة الإسلام » أو « أهل السنّة والجماعة ». ثمّ يتمّ استغلال مفهوم الجهاد بإعطائه شحنة وثوقيّة جديدة تختزله في البعد القتالي الهجومي ستمدّونها من فهم تبسيطي لما سمّوه ب »آية السيف » والتي نسخت عندهم ما يزيد عن 164 آية تتحدّث عن الحريات وتؤسّسها. كما أنّ حالة الجهاد بنظرتهم الوسائليّة الضيّقة تجيز لهم استحلال كلّ ما يمتلكه خصومهم، وبذلك يُفقدون الحضارة الإسلاميّة من أحد أعظم ما قدّمته للبشريّة وهي أخلاق الحرب « لا تقتلوا صبيا ولا شيخا مسنّا ولا امرأة ولا جريحا ولا متعبّدا في صومعته ولا تقطعوا شجرة… ». أمّا الخصوم فيحدّده عندهم نمط الجهاد والذي يقصّم إلى « جهاد دفع » ويقصدون به مقارعة العدوّ الأجنبي وجهاد طلب ومداره مقاتلة من يعتبرونه عدوّا قريبا من سلطة وكلّ من لا يذهب مذهبهم. يتشكّل هذا الفكر إذن من خلال نظرة مبسّطة للذات والعالم تنفر من الوسطيات وتبحث عن الحسم وتهفّ إلى أحكام حديّة إمّا أسود أو أبيض. وهو بلا شكّ فكر مفوّت غير أنّه سهل القبول في الكثير من الأوساط لسبب بسيط هو أنّ الأزمة التي بات عليها المجتمع تدفع الإنسان إلى الهروب من قلقه حتّى بالاحتماء بيقينيات تبسيطيّة تمنحه الاطمئنان ولو كان موهوما. يؤكّد الكثير من الدارسين أنّ انغلاق هذا الفكر هو ردّ على انغلاق الأفق أمام شرائح اجتماعيّة عديدة وعلى إقصائها عن المشاركة في الشأن العام، وهو ما ينشئ بيئة عنف يزيدها تفجّرا الإحساس بالإهانة والغبن التي سبّبتها ممارسات الهيمنة الأمريكية على مجتمعاتنا ممّا زاد في الطلب الاجتماعي على هذا الفكر المتشدّد، فعلى قدر عطالة الواقع يكون الولع بالمعجزات. لذلك لا بدّ أن تنفذ المعالجات إلى عمق هذه الإشكاليات إذا أردنا أن نتجاوز هذه المحنة ونفكّك ألغامها كي يكون ما جرى مجرّد منبّه لكلّ الجسم الاجتماعي ليعيد ترتيب أولوياته بعيدا عن التبسيط أو التهويل أو اللامبالاة. هل تدلّ ردود الفعل على ترجيح هذه المعالجة؟ تبدو الإجابة أقرب للنّفي … ولكن دعنا نقول مع قرامشي تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة. محسن المزليني (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية – تونس)، العدد 392 بتاريخ 9 فيفري 2007)


منتدى الجاحظ: يوم دراسي حول ظاهرة العنف

 
على إثر الأحداث الأخيرة التي جدّت بتونس والتي تعتبر أوّل صدام مسلّح عرفته البلاد منذ أحداث قفصة في مطلع الثمانينات، وفي غياب إرادة سياسية واضحة إلى حد ّالآن لمراجعة خيارات كثيرة اجتماعية وسياسية يرى كثير من الفاعليين السياسين والحقوقيين أنّها مسؤولة عن كلّ ما حدث، نظّم منتدى الجاحظ يوما دراسيا حول « العنف والتطرّف: محاولات لفهم الظاهرة » وذلك يوم الأحد 28 جانفي الجاري. ولأنّ العنف ظاهرة مركّبة ومتعدّدة المستويات يختلط فيها البعد النفسي الذاتي بالأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فقد ارتأى المنتدى أن يدرس هذه الظاهرة في أبعادها المتعدّدة، علّه يتمكّن بهذا المنهج الكلّي من فهم هذه الأبعاد المستجدّة في الواقع التونسي ويستطيع أن يسلّط عليها أضواء التشريح العلمي بعيدا عن الغايات الضيّقة للتناولات التي اعتادت عليها الدراسات التونسية السابقة. لتحقيق هذا الهدف الطّموح، جمعت المحاضرات بين التحليل النّفسي الذي قدّمه الدكتور فتحي التوزري وبين تحليل المنطلقات الإيديوليجية لما يسمي في بعض الأدبيات بالعنف الديني وهو موضوع ورقتي كل من الباحث سامي براهم والأستاذ يوسف الرزقي الذي تناول مراجعات الجماع الإسلاميّة في مصر ودلالاتها المعرفية والسياسية ليقدّم بعد ذلك الأستاذ صلاح الدين الجورشي المقاربة الحقوقية لهذه الظاهرة وما تطرحه من تساؤلات ومفارقات. (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية – تونس)، العدد 392 بتاريخ 9 فيفري 2007)
 

 
تونس في :13 فيفري 2007 سمينار الذاكرة الوطنية مع الأستاذ د. مسعود الشابي حول:

الأنشطة السياسية للتونسيين بباريس 1973-1987

 
يوم السبت 24 فيفري 2007  على الساعة التاسعة صباحا من خلال تنظيمنا لعدة سمينارات حول مجموعة آفاق ثم التوجه العروبي وكذا دور البعثيين التونسيين في تونس والخارج, برزت عدة اجتهادات فكرية وسياسية, لتفعيل دور التونسيين في الخارج, على اختلاف مشاربهم وتياراتهم الفكرية والإيديولوجية من أجل الدفاع عن تونس وحداثتها وانتمائها الحضاري واستقلالها السياسي والاقتصادي. وقد تضاربت المواقف حول هاته القناعات والمبادئ المتقاطعة لدى البعض والمتكاملة لدى البعض الآخر. وفي هذا الإطار, سوف نحاور أحد الرموز الفاعلة في صيرورة النشاط السياسي للتونسيين بالخارج ألا وهو الأستاذ د. مسعود الشابي حول الأنشطة التي تمت بباريس في الفترة ما بين 1973-1987, مع مجموعة من المناضلين السياسيين المقيمين بباريس من أجل تطوير الأوضاع السياسية بتونس. وقد توفقت المجموعة في إنشاء جمعية تسمى العروة الوثقى, كما قامت بتأسيس الإذاعة العربية في باريس لبث الثقافة العربية الموجهة خاصة لأطفال المهاجرين العرب بفرنسا. كما تم إنشاء مطبعة تمكنت من نشر عدة كتب سياسية تتعلق بتونس. ود. مسعود الشابي, عرف عن قرب أعلى القيادات السياسية البعثية جميعها في كل من سوريا والعراق وحاورها في أهم الملفات السياسية للأمة العربية. وقد حصلت لديه خبرة عميقة بالرجال والمشاريع والمخططات الاستراتيجية لحزبي البعث يومئذ في سوريا والعراق. ومن جهة أخرى, وأثناء إقامته المطولة بباريس, تمكن الأستاذ الشابي من مناقشة رسالته لدكتوراه الدولة حول الموضوع التالي : إشكالية الثورة العربية بجامعة باريس العاشرة (ننتار). والدعوة مفتوحة للجميع ابتداء من الساعة التاسعة صباحا في مقر المؤسسة المذكور أسفله. الأستاذ عبد الجليل التميمي

بعد «الأمير» لمحمّد الزرن: التلفزة تحذف 10 دقائق من فيلم «أوديسة»، ومنتجه يتهمها بالعبث ونكران الجميل!

* تونس ـ الشروق: للمرّة الثانية على التوالي، وفي أقل من شهر، أقدمت مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية على «صنصرة» ثاني فيلم تونسي تبثه على الفضائية تونس 7، إذ تبين أن فيلم «أوديسة» للمخرج الراحل إبراهيم باباي الذي تم بثه في سهرة الجمعة الماضي (09 فيفري 2007) حذفت منه على الأقل 10 دقائق. وكان فيلم «الأمير» لمحمد الزرن الذي بثته قناة تونس 7 منذ أيام قد تعرض بدوره لـ «الصنصرة» بحذف 25 دقيقة منه وبررت إدارة التلفزة ذلك بكون التلفزة مرفق عمومي يستوجب مراعاة عادات وتقاليد المجتمع التونسي وعدم المساس بالأخلاق العامة. وكشف المنتج السينمائي نجيب عياد، منتج فيلم «أوديسة» عن تعرّض فيلمه لـ «الصنصرة» بلا أي موجب، مؤكدا أن المشاهد التي وقع حذفها ومدتها في حدود عشرة دقائق أو أكثر، لا تتضمن أي إشارات أو إيحاءات من شأنها إثارة المشاهد أو المساس بالأخلاق العامة. وكان من ضمن المشاهد التي وقع حذفها مطاردة محافظ الشرطة لأحد المجرمين في الباخرة، ولقاء قائد الباخرة مع المحافظ في حانة الباخرة ولقاء المحافظ مع بطلة الفيلم في غرفة النزل… وأكد المنتج أن الفيلم يعتبر من الأعمال النظيفة (Clean) التي لا تستوجب الـ «صنصرة» عند البث التلفزيوني، وقال أنه كان بامكان إدارة التلفزة، أن تتصل بأصحاب الفيلم وتتشاور معهم حول المشاهد التي تريد حذفها حفاظا على تسلسل الأحداث حتى تسير بشكل مسترسل. وتساءل المنتج: أبهذه الطريقة تكرم التلفزة المخرج الراحل إبراهيم باباي، مخرج الفيلم، وهو الذي ساهم في تأسيس التلفزة التونسية في الستينات؟. واتهم نجيب عياد مؤسسة الإذاعة والتلفزة بالعبث وتشويه الأعمال السينمائية التونسية، مذكرا بما حدث لفيلم «الأمير» لمحمد الزرن حين حذفوا منه 25 دقيقة كاملة فتحول إلى عمل مشوه لا يمكن فهمه نظرا لصعوبة متابعة أحداثها بشكل مسترسل. وتساءل المنتج عن أهداف ونوايا إدارة التلفزة من تشويه الفيلم التونسي موضحا أن هذه السياسة لا تخدم صورة تونس في الخارج. فالمشاهد العربي أو الأجنبي الذي يلتقط الفضائية تونس 7، التي بث عليها الفيلم، سيحكم على الفيلم التونسي بالسلب عند مشاهدته «مصنصرا»، لأنه سيتابع الفيلم كعمل كامل، لم يحذف منه أية مشاهد!. وتساءل المنتج في ختام حديثه: بأي حق تسمح إدارة التلفزة لنفسها بـ «صنصرة» الأفلام؟ هل يوجد فصل في العقود التي تمضيها مع أصحاب هذه الأفلام، يجيز لها ذلك؟!.. * محسن (المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 فيفري 2007)

آمنة الزغل تعرض في نيويورك لوحات طباعية تلامس الشعر

 
نيويورك: أسامة ختلان تقدم الفنانة التونسية الاصل، المقيمة في نيويورك، آمنة الزغل، 23 عملاً تشكيلياً من جديدها في صالة M.Y. ART PROSPECTS وسط مانهاتن، في معرض يحمل عنوان «شجرة مخيلتي»، وذلك حتى السابع عشر من شباط الحالي. وفي المعرض احدى عشرة لوحة محفورة على الزنك واثنتا عشرة لوحة تدمج تقنيات الحفر على الخشب، مستخدمة مادة الغواش والحبر. ويحمل المعرض عنواناً اقتبسته عن اسم الكتاب الذي انجزته في «الورشة أستوديو النساء»، خلال بحثها عن استعارات الوجود الإنساني والمستوحاة من الآيات القرآنية والاقوال المأثورة والاشعار العالمية التي تمجد الشجرة كرمز للطبيعة. كما تعرض الفنانة نسختين من دفتر على شكل كتاب يصل طوله عند فتحه الى اكثر من متر. ومن المؤكد ان الفنانة استفادت في خبرتها النظرية والعملية من تجربة الحفار السوداني (محمد عمر خليل) المقيم في نيويورك. حافظت الزغل على الإحساس بروحانية الطبيعة ومحاكاتها عبر الادراكات الحسية للمشهد او اللقطة (التصوير الضوئي في عمل الصفائح) عبر خلق حركة تناغمية متجانسة مع القول المأثور الذي اصبح عنوانا للوحة او تداخل بالرسم المطبوع. وعناصراللوحة تصب كإشارات بحيث حوّلت الفنانة حدسها بالعبارة الى تجذر روحي للمخيلة كرمز اساسي او نموذج مثالي للشجرة ـ النخلة كخلفية او اندماج مجازي لتحويل الاشارات السماوية الى نوع من الحنين لمشهد مفتقد في الذاكرة البيئية. فتصبح الشجرة رمزاً لمواجهة التحدي في الغربة. كما تعود فكرة الهيمنة على الطبيعة من التاريخ القديم (ففي ملحمة كلكامش، التي تعود إلى حوالي 7000 عام، يتحدى البطل الآلهة ويقطع الأشجار المقدسة في بحثه عن الخلود). لهذا تثير الفنانة الزغل عند المتلقي مفهوم حماية الطبيعة من الحروب والسباق الى الربح السريع، والمنافسة البيروقراطية لنمط انتاج واستهلاك للطبيعة. اما بخصوص اللون فقد ركزت على الأسود والأبيض، للولوج الى ذروة التعبير عن الصورة والشكل، كوسيط تكنيكي عبر تعرجات بانوراما الطبيعة التي تثير إلهامها الجامح. فنانة تسيطر على توزيع الضوء واللون والفراغ عبر التكوين العام للوحة، وكذلك نشاهد عندها اشارات مرئية وغير مرئية كالوجوه والاشجار العارية واوراق الشجر وغيرها لترسيخ العناصر اللونية والتشكيلية كافة في مخزون الذاكرة البصرية، من اجل منحنا تعبيرا قويا وتجريدا لتأملاتنا اللحظية، خصوصاً عندما نرى إحدى رسوماتها مصحوبة بمقولة للكاتب التركي اورهان باموك: «لا أريد أن أكون شجرة، أريد ان أكون معناها». الفنانة آمنة الزغل من مواليد تونس، تعمل وتعيش في نيويورك، حازت ماجستير في الرسم من مدرسة ايكويز في تونس. تابعت دراستها للفن في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية، واقامت عدة معارض في انحاء اوروبا، وكان لها حضور فاعل في العديد من المعارض الجماعية في نيويورك. (المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – الرياض – لندن) الصادرة يوم 14 فيفري 2007)


 

حملة المجتمع المدني التونسي من أجل رفع التحفظات على الاتفاقية الدولية الخاصة

بإلغاء كل مظاهر التمييز ضد النساء؟

بقلم: حفيظة شقير

 

اليوم ونحن على أبواب الاحتفال باليوم العالمي للنساء تطرح علينا عدة إشكالات تتعلق بكيفية الارتقاء بحقوق النساء وبأوضاعهن على أساس المساواة بين الجنسين وفي هذا الإطار نتساءل أين نحن من الحملة التونسية لرفع التحفظات على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز المسلط على النساء « السيداو »؟

 

مما لاشك فيه جاءت هذه الاتفاقية نتيجة نضالات النساء في العالم وعمل المنظمات غير الحكومية في العالم من اجل إرساء مجتمعات ديمقراطية ومتساوية.

 

تعتبر هذه الاتفاقية من أهم الاتفاقيات التي اعترفت بحقوق النساء بصفة شاملة وعامة وأقرت بان حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وكيان موحد غير قابل للتجزئة والتقييد، كما تمثل هذه الاتفاقية آلية هامة للقضاء على التمييز لأنها تهدف إلى القضاء على التمييز فتعرفه و تقدم مجموعة من الإجراءات للحد منه والقضاء عليه.

 

وبصفة عامة تهدف هذه الاتفاقية إلى الوصول إلى تحقيق المساواة بين الجنسين عبر القضاء على الأنماط التقليدية التمييزية وباتخاذ التدابير الاستثنائية للتعجيل بالمساواة وبإلزام الدول الأطراف بتطبيق الاتفاقية وتقديم تقارير في هذا الشأن للجنة المكلفة بالسهر على أحكام الاتفاقية وتمكين الأفراد من تقديم الشكاوى لدى هذه اللجنة عند انتهاك الحقوق التي أقرتها الاتفاقية.

 

وحتى تصبح هذه الغايات حقيقية يجب على الدول :

 

1- المصادقة على الاتفاقية.

 

2- المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق للاتفاقية.

 

وإلى حد شهر ديسمبر 2006 صادق على الاتفاقية 184 دولة من بينها 18 دولة عربية. والدول العربية التي لم تصادق بعد على هذه الاتفاقية هي قطر والصومال والسودان. وصادقت على البروتوكول الاختياري 81 دولة من بينها دولة عربية وحيدة هي الجماهيرية العربية الليبية.

 

وبالنسبة لتونس فقد صادقت على هذه الاتفاقية منذ سنة 1985 ولكنها لم تصادق حتى الآن على البروتوكول الاختياري. والمصادقة على الاتفاقية لا تكون كاملة إذ استثنت الاعتراف ببعض الأحكام بواسطة التحفظات.

 

وتعني التحفظات عدم قبول بعض الأحكام موضوع التحفظ وعدم احترام الالتزامات المرتبطة بهذه الأحكام.

 

لذلك، وبسبب هذه التحفظات:

 

بقيت القوانين التمييزية قائمة ولم تنقح على أساس المساواة بين الجنسين.

 

جرت التجزئة بين الحقوق الإنسانية للنساء، بين حقوق معترف بها ومضمونة بفعل الإجراءات التي اقتضتها الاتفاقية للقضاء على التمييز والحقوق غير المعترف بها.

 

جرى تفضيل الخصوصيات الثقافية والموروث الثقافي على عالمية حقوق النساء وكونيتها ولم يتزعزع النظام الأبوي السائد الذي يكتسي صبغة دينية في بعض المجالات مثل مجال العائلة.

 

فما هو موقف المجتمع المدني المستقل من هذه التحفظات؟

 

بادرت الحركة النسوية الديمقراطية بالمطالبة برفع التحفظات منذ مناقشتها من قبل النواب في البرلمان التونسي سنة 1985 وقبل إصدار القانون المصادق على الاتفاقية وذلك خاصة بالنسبة:

 

للمرجعية الدينية التي اعتمدتها الدولة بالتأكيد على ضرورة احترام الفصل الأول من الدستور الذي ينص على ما يلي: « تونس دولة حرة مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها،والجمهورية نظامها » والحال أن هذا الفصل موضوع نقاش وتأويل. فهل تعني عبارة « تونس… دينها الإسلام » أن الدين الإسلامي هو دين الدولة أم دين المواطنين؟ هل تعني كذلك أن مصادر التشريع هي المصادر الإسلامية أم كل المصادر والمبادئ الإنسانة العالمية؟ هل تعني أن بعض المجالات مثل المجال العائلي لا تزال خاضعة للقواعد الدينية المقدسة وغير قابلة لأي تعديل وتطوير في اتجاه المساواة بين الجنسين؟

 

القواعد القانونية المحلية التمييزية فيما يتعلق بمجال الجنسية والعلاقات الأسرية وانتقال الملكية بالتوارث.

 

وقد استنتجت الحركة النسوية أن هذه التحفظات غير مقبولة لأنها تبقى التمييز في إطار نظام قانوني يطمح إلى تحقيق المساواة وإلغاء التمييز بين الجنسين ولأنها لا تعتمد وحدة الحقوق الإنسانية للنساء إذ تعترف ببعض الحقوق تتجاهل البعض الآخر وتبقي التمييز بين الحقوق حسب المجالات العامة والخاصة.

 

لذا نظمت الحركة النسوية عدة حملات وندوات للمطالبة برفع التحفظات على أحكام هذه الاتفاقية منها على سبيل المثال الندوة التي نظمها مركز الدراسات والبحوث والنشر سنة 1988 بالتعاون مع منظمة اليونسكو حول « اتفاقية السيداو وخطاب الهوية » والندوة التي نظمتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بمناسبة الذكرى العاشرة لاتفاقية السيداو

 

وفي كل المناسبات والتجمعات العالمية والإقليمية والمحلية لم تنقطع الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منذ تأسيسها سنة 1989عن المطالبة برفع التحفظات.

 

والآن ومنذ سنة 2005 اتسعت الحملة إلى بعض الجمعيات غير الحكومية المستقلة في تونس مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وفرع تونس لمنظمة العفو الدولية وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية والاتحاد العام التونسي للشغل ومع وصول نساء من دول عربية وإسلامية في المراكز القيادية للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أصبحت الحملة عالمية. كما اندلعت منذ شهر ديسمبر 2006 حملة إقليمية عربية تقررت في الندوة التي نظمتها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب و الفيدرالية الدولية في شهر جوان 2006 بالرباط بالمغرب

 

وفي هذا الإطار الإقليمي والدولي قامت المنظمات غير الحكومية التونسية المذكورة بحملة تنسيقية واسعة من أجل رفع التحفظات كشرط من شروط تحقيق المساواة .

 

تمثلت هذه الحملة في :

 

إعداد لقاءات للتحسيس بأهمية الاتفاقية في الاعتراف بحقوق كاملة وغير مجزئة للنساء.

 

تنظيم ورشات في أوساط المدافعين والمدافعات على حقوق الإنسان قصد التعريف بالاتفاقية و تبسيط أحكامها.

 

تنظيم لقاءات حول نتائج التحفظات التي أبدتها الدول العربية الأطراف في الاتفاقية على حقوق النساء.

 

الضغط على السلطة السياسية المختصة من اجل رفع التحفظات بتوجيه رسائل إلى كل النواب و النائبات وأعضاء الحكومة وأعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي

 

إعداد ملصقات حائطية ومطويات لتبسيط الحملة.

 

التوقيع على بطاقات بريدية معدة لهذا الغرض وبعثها إلى رئيس الجمهورية

 

التصدي لمصادقة الدولة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان نظرا لأحكامه التمييزية

 

المطالبة بتعديل القوانين التمييزية وتبديلها بقوانين متساوية حتى تفقد التحفظات كل جدواها.

 

ولا نزال إلى حد الآن مواصلين العمل من اجل رفع تحفظات الدولة التونسية مثل ما وقع في بعض الدول العربية والإسلامية مثل تركيا والمغرب وخاصة بعد أن تم تنقيح الفصل الخامس من الدستور سنة 2002 وتبني مفهوم عالمي وشامل لحقوق الإنسان لا يقبل تجزئتها.

 

وبفعل هذا التنقيح تصبح التحفظات غير دستورية لأنها تتناقض مع هذا الفصل ولا تحترم وحدة حقوق الإنسان إضافة إلى كونها تتنافى مع أحكام وغرض وموضوع الاتفاقية.

 

فعلينا أن نكثف من مجهوداتنا للضغط على الجهات السياسية المعنية للوصول إلى رفع هذه التحفظات و في النهاية إلى مراجعة القوانين التونسية في اتجاه المساواة.

 

وبهذا العمل يمكن أن نقدم بديلا للقواعد القانونية والتمييزية المقدسة ونتصدى للفكر الرجعي السائد في البلاد.

 

(المصدر: مجلة « الطريق الجديد » (شهرية – تونس)، العدد 57 – فيفري 2007)

الرابط: http://fr.blog.360.yahoo.com/blog-bawT19A8eqfODSt0dUg5c6DCYQU-?cq=1


 

 

كلمة تحاور جورج إسحاق المنسق السابق لحركة كفاية

اجرى الحوار:عمر المستيري

 

تواجه « الحركة المصرية من أجل التغيير »، المعروفة أكثر تحت شعارها المركزي باسم »كفاية »، منعرجا بعد الأزمة التي دخلتها في نهاية العام الماضي والتي شهدت انسحابا لعدد من أعضائها القياديين (عاد أغلبهم أخيرا). يحدث هذا المنعرج في خضم جدل ساخن حول التعديلات الدستورية المعروضة من قبل الرئيس المصري حسني مبارك.

 

فبعدما أدخلت « كفاية » حركية جديدة على الشارع المصري بجرأة شعاراتها وأسلوبها للتظاهر الميداني وتحديها لـ »المحرمات » الأمنية، عرفت تراجعا ملحوظا لأدائها إثر انتخابات 2005 التي أقرّت باستمرار مبارك في الحكم. كما أنّها لازالت تبحث عن سبل تجاوز الحصار الأمني المقيت المضروب على تحرّكاتها. الصحف المصرية تحدّثت عن الخيارات الصعبة التي تواجه « كفاية » والتي تخص ضمان صيغ الاستمرار في الاحتجاج عبر التظاهر من ناحية وتحديد نوعية العلاقة مع نشطاء الإخوان المسلمين من ناحية أخرى.

 

التقت « كلمة » الأستاذ جورج إسحاق في القاهرة وأجرت معه حديثا في 29 جانفي المنصرم، أياما معدودات بعد تخليه على مسؤولية المنسق العام للحركة ومدّة وجيزة قبل ان تعقد الحركة مؤتمرها العام.

 

 

هل من علاقة لتخليكم عن خطة المنسق العام لكفاية – إثر الأزمة التي عاشتها الحركة في الآونة الأخيرة – بالضغط الحكومي، خاصة وإنّكم كنتم من أبرز المستهدفين من حملات السلطة ؟

جورج إسحاق : لا أبداً ! التغيير كان نتيجة آلية لتطبيق قرارات مؤتمر فبراير 2005 الذي أقرّ مبدأ القيادة الجماعية وتبادل المواقع كل سنتين. إنّ مصداقية أي حركة تنبني على احترام قراراتها، خاصة ونحن نسعى إلى أن نشكّل مثالا لغيرنا من الحركات المصرية التي تعتمد تقاليد تسيير مغايرة. تغيير المنسق العام جاء في سياق جملة من التغييرات التنظيمية التي ستطرأ على الحركة في الأيام القادمة ستشمل خطة المتحدّث الرسمي وتركيبة اللجنة التنفيذية (التي سيصبح عدد أعضائها 30 عوضا عن 50) وإحداث لجنة للمنسقين بـ5 أفراد.

 

لكنّ اهتماماتكم داخل الحركة لم تقتصر على العناية بالنواحي التنظيمية…

بالفعل اهتمامنا تركّز أيضا على إعداد رؤية إستراتيجية ستعرض على المؤتمر القادم المزمع عقده في 7 فبراير المقبل. فحركة كفاية تعمل على إطلاق الحريات بالفضاء العام وجعل الدولة تتقيّد بالقواعد الديمقراطية. هدفنا الأساسي هو استنهاض المواطن. من هذه الناحية لم نحقق تقدّما يذكر : لم نقدر على الاتصال بالجماهير التي لايزال شغلها الأساسي هو البحث عن لقمة العيش. نحن نبحث عن طريقة لضمها إلى صفوفنا. على هذا الأساس أصبحت النية لدينا تتجه نحو النزول إلى الأحياء والتحاور مع السكان. المرحلة القادمة تقتضي الابتعاد عن أسلوب المونولوج واعتماد الديالوج، بمعنى آخر تستوجب التركيز على الإنصات إلى المواطنين عوض الاكتفاء بتوجيه الخطاب.

 

يرى البعض أنّ هذا التصحيح قد ينال من روح التحدي التي جسّدها عنوان الحركة – « كفاية » – والتي عكست إرادة قوية للمثقّف المصري عبر الإصرار على إقامة المسيرات في الشوارع رغم القسوة التي عُملت بها… ألا يكون التصحيح تخليا عن الجرأة التي ميّزت شعار كفاية المركزي « لا للتمديد، لا للتوريث » ؟

هذا غير صحيح. نحن متمسّكون بروح المبادرة الأصلية. نحن نتعامل مع سلطة لا تتحاور مع الآخر ولا تستمع إليه. ردّ فعلها كان تعسفيا وسيستمرّ على هذا الشكل. التمديد حصل بحكم استفتاء مزوّر. لم تبتّ المحاكم بعد في القضية التي رفعناها أمامها للتشكيك في شرعية التمديد. اعتراضنا على مشروع التوريث يبقى قائما بأكمله، بل فهو قد تعزّز بعد مشروع التعديلات الدستورية التي تقدّمت بها الحكومة والتي تصبّ في رأينا بالكامل في خدمة نية التوريث.

 

يبدو أنّكم لا تخشون مفاعلات الأزمة…

نحن حركة ولسنا تنظيم ولا حزب سياسي. من يريد الانتساب إلى « كفاية » نرحب به ولا نعتبر الانتماءات الحزبية مانعا لذلك. نحن استطعنا تجميع الناس من جديد حول شعارات متميزة. « كفاية » أفرزت عناصر كثيرة لم يتسن لها النزول من قبل. عرفنا أزمة نمو سنستفيد منها.

 

أدى بروز « كفاية » من ناحية ثانية إلى خلخلة المشهد السياسي المصري التقليدي. إلاّ أن ذلك كان في اتجاه مزيد إضعاف الأحزاب —- وتقوية حركة الإخوان المسلمين… ألا تخشون أن ينقلب مسعاكم للتغيير الديمقراطي إلى التمهيد لسيطرة الإخوان على الساحة المصرية ؟

المسؤولية في ذلك راجعة للأحزاب التي لم تكن قادرة على الاستفادة من الحركية التي أدخلتها « كفاية » على الساحة وهذا ليس ذنبنا… في المقابل استطاع الإخوان – الذين يشكلون قوة لا يمكن تجنبها على الساحة – الاستفادة من عمل كفاية. والإقرار بهذا الواقع لا يعني البتّة أنّنا كنّا قد مهّدنا له أو أنّنا أصبحنا مرتاحون لذلك. الإخوان لا يمكن أن يكونوا بديلا للنظام. نحن نرى أنّه لابدّ من الالتقاء والتحاور معهم. من الضروري والمفيد أن نأخذ النقاط الإيجابية ونفعّلها. نحن نراهن على تطور هذه القوة وسجلنا في هذا المضمار نقطة تحوّل لديهم مع تبنيهم للمواطنة التي تعتبر تجاوزا للخطاب حول « أهل الذمة ».

 

هل يدفع ضعف الأحزاب التقليدية هذا حركة « كفاية » إلى التطوّر نحو حزب سياسي ؟

لسنا بديل عن الأحزاب السياسية. نحن حركة احتجاجية للتغيير السياسي. لو يتغيّر النظام ستتحقّق أهدافنا وتنتهي « كفاية »… « كفاية » لن تسعى على الإطلاق إلى الوصول إلى السلطة التنفيذية.

 

جاء بروز « كفاية » بعد خطاب جديد لإدارة بوش يقرّ بضرورة التغيير الديمقراطي داخل المنطقة العربية ولكن استعدادات التغيير المعلن اقتصرت على لبنان وسوريا وأبقت كل من مصر وتونس والسعودية في مأمن منه. أية مصداقية يكتسي هذا الخطاب في نظركم ؟

كان بديهيا، ومنذ اللحظة الأولى، أنّ الأمريكان لا يهمهم إلاّ مصالحهم. الخطاب المذكور سقط منذ فترة في طور النسيان. الآن أصبحت إدارة بوش تؤكّد أكثر على مزايا الاستقرار التي تراه أفضل من الديمقراطية. أنا لا أثق في السياسة الأمريكية على الإطلاق.

 

هل أعددتم تدابير جديدة لمواجهة التزوير الانتخابي خلال الاستحقاقات المقبلة ؟

السلطة تستعدّ لإدخال تحويرات خطيرة على المادة 48 من الدستور مع إقرار مشروع هيئة الإشراف على الانتخابات. هذه الخطوة مرفوضة لأنها تخلّ بالإجماع السائد حول عدم المساس بهذه المادة. نحن سنقاطع وسندعو إلى مقاطعة كلّ انتخابات لا يتولى القضاء الإشراف على كامل مراحلها.

 

هل يحتلّ موضوع البيئة مكانا هاما على جدول « كفاية » ؟

غير موجودة. اهتمامنا مركّز بالكامل على إحداث التغيير الداخلي.

 

(المصدر: مجلة « كلمة » (اليكترونية مستقلة – تونس)، العدد 50 لشهر فيفري 2007)

الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=463


 

كتاب الأسبوع: « المسألة اليهوديّة » في رأي ماركس الشاب

 
بقلم الحبيب المخ جاء في الدراسات الفلسفيّة والسياسية عن هذه القضيّة أنّها كتبت في خريف سنة 1843 إذ جاء فيها سؤال مركزي هو التالي « ما هو المضمون الحقيقي للنضال الذي يخوضه اليهود في ألمانيا من أجل الحقوق المتساوية مع بقيّة الشعب الألماني؟ ». فخلافا لباوير (فيلسوف ألماني) الذي أكّد أنّ النّضال اليهودي الألماني من أجل التحرّر السياسي، يحتّم على اليهود قبل كلّ شيء التخلّي عن ديانتهم والتحوّل إلى ملحدين، يؤكّد ماركس أنّ التحرّر ممكن بدون التخلّي عن الدين كما يجري في الولايات المتحدة الأمريكيّة. يكفي لذلك فصل الكنيسة عن الدولة ومن هنا يلاحظ ماركس أنّ وجود الدين في ظروف انفصال الدولة عن الكنيسة يدلّ على أنّ الإنعتاق السياسي ليس إلاّ أسلوبا ناقصا ومتناقضا داخليا لوجود الإنسان وهذا التناقض يعود إلى انقسام الإنسان إلى « كائن فردي » في ميدان المجتمع المدني وإلى « مجتمع اجتماعي » في ميدان الحياة السياسية. إنّ حياة الإنسان العملية تتمّ في المجتمع المدني حيث تسيطر الملكية الخاصة، لذا فإنّ التطبيق العملي لحقّ الإنسان في الحرية هو في المقام الأوّل الحقّ في الملكيّة الخاصّة، وفي ظلّ وضع كهذا يجد كلّ شخص نفسه مضطرّا لأن يرى في الإنسان الآخر حدّا لحريته (هنا يتكلّم وكأنّه سارتر القرن العشرين حيث يقول في إحدى رواياته « جهنّم هي الآخر ») أي أنّه في حياته اليومية حرّ لا في الاتحاد مع الإنسان الآخر بل في الانعزال عنه (المذهب الوجودي). ومن هنا فإنّ الإنسان لا يملك حرية إنسانية حقة، ولا يبقى من هذه الحرية الأخيرة إلا الوهم الذي يتجسّد في « سماء الحياة السياسية » إذ تتمّ « الرابطة الشاملة » بين الإنسان والإنسان الآخر. على هذا النحو تنقسم حياة البشر إلى حياة واقعيّة وأخرى وهميّة. « حياة أرضيّة » و »حياة سماوية » وهذا التمزّق يعكسه الدين « إنّ أعضاء الدّولة السياسية متدينون نتيجة الازدواجية بين الحياة الفردية والنوعيّة، بين حياة المجتمع المدني والحياة السياسية. إنّهم متديّنون لأنّ الدين هنا روح المجتمع المدني وهو التعبير عن انفصال الإنسان وابتعاده عنه ». وعليه فإنّ الإنعتاق السياسي لا يقضي على تديّن الإنسان (نعم ـ الكاتب) بل ينزع نحو ترسيخ هذا التديّن والنقود (أي المال ـالكاتب) هي التعبير عن الانفصال و الابتعاد. « إنّ النقود هي ماهية عمل الإنسان ووجوده » وهذه الماهية الغريبة تتحكّم « في الإنسان وتغدو معبودا له ». فالدين عند ماركس كنتيجة للاغتراب، اغتراب الحياة الدنيوية عامّة والنقود هي ماهية لهذا الاغتراب. فباوير حوّل في نظر ماركس تحرير اليهود إلى مسألة لاهوتية فلسفية بينما هي مسألة دنيوية. فما هو ذلك العنصر الاجتماعي الخاص الذي يجب التخلّص منه من دون أن نلغي اليهوديّة؟ إنّ الجواب يكمن في البحث عن سرّ اليهودي ليس من خلال دينه بل لنفتّش عن سر دينه في اليهودي الواقعي في رأي ماركس. ما هو الأساس اليهودي لليهود؟ إنّه الحاجة العملية أي الطمع (تحليل سيكولوجي ابتعد عنه ماركس فيما بعد ـ الكاتب) ما هي طقوس اليهودي الدنيوية ؟ إنّها التجارة والربح (لهذا سيطروا على العالم سياسيا واقتصاديا..) ما هو معبوده الدنيوي؟ إنّه المال بلا أدنى شك. وعليه فإنّ الماهية المغتربة أو المستلبة للإنسان المعاصر والمعبود الدنيوي لليهودي المعاصر متطابقان. وهذا يعني أنّ اليهود قد جسّدوا أهمّ السمات المميزة للإنسان المعاصر، فكيف حدث هذا؟. الديانة اليهودية تطوّرت في الممارسة لا على الصعيد النظري وقد بلغت قمّتها حيث مزّق الجشع كل صلات القربى عند الإنسان. ولذلك ليس بوسع التحرّر السياسي إلغاء الاغتراب بل إيصاله إلى حدّه الأقصى، فمن المطلوب التحرّر الإنساني أي تحرير البشرية تحريرا شاملا وليس في جانب واحد (يقصد التحرّر الاجتماعي ـ الاقتصادي) سياسيا أو دينيا. فهذا موقف ماركس الشاب الذي يوسم عند ألتوسير مثلا، بأنّه من بقايا التفلسف « المثالي » (بالمعنى الفلسفي والأخلاقي ـ الكاتب) أو غيره ويرى فيه البعض الآخر (إنسانية ماركس ـ الكاتب) قبل أن يفسد فكره إنجلز على حدّ رأي سارتر مثلا أو حتّى غارودي. فتلاحظ في مخطوطات 1844 النزوع الإنساني. راجع « المسألة اليهودية » لماركس والمسألة اليهودية لسارتر. وإذا كانت ذات منزع وجودي حسب فلسفته الوجودية. قدمنا هذه المقالة بكلّ موضوعية حتّى إن كان لنا رأي خاص في المسألة الدينية باعتبارها اغترابا عند ماركس، وقصدنا تنوير العقول من خلال عملاق الفكر الفلسفي الاقتصادي في القرن 19 وبداية القرن العشرين. (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية – تونس)، العدد 392 بتاريخ 9 فيفري 2007)

ماركس مع لينين وأنجلز يتسكعون في الشوارع بعد أن ضاقت بهم المكتبات

كتاب «رأس المال» يشترى كذكرى للأحفاد قبل أن ينقرض

 
سراييفو: عبد الباقي خليفة (*) لم تعد الماركسية اللينينية مادة تدرس في المعاهد والكليات، ولم يعد لكتبها مكان في المكتبات كما كان الحال في السابق، لانصراف الناس عن شرائها. وبات ماركس وأنجلز ولينين وستالين مطاردين ، يتسكعون في الشوارع وعلى الارصفة، حسب تعبير أحدهم، بعد أن طردتهم المكتبات من دفئها. ظاهرة خلو المكتبات في أوروبا الشرقية من كتب ماركس ( 1818– 1883) وانجلز (1820 – 1895) ولينين (1870 – 1924)، حفزتنا على طرح السؤال عن الأسباب، بعد أن كانت الهواء الذي يتنفسه الناس، و(العلم ) الذي يرتفع بأصحابه إلى أعلى المناصب السياسية، والمنابر العلمية والثقافية؟ وهل تقابل نظرية ظلت على مدى 70 سنة، تقدم على انها «علم»، بكل هذا الازدراء، في منطقة مهمة من أوروبا، خضعت لعدة عقود لمقولات الشيوعيين وتطبيقاتهم المختلفة، من ستالين وهونكير مرورا بتشاوتشسكو وأنور خوجا وانتهاء بجوزيف بروز تيتو؟ لقد خلت المكتبات في أوروبا الشرقية، مما كان يوصف لدى غلاة الشيوعيين بـ«الكتب المقدسة» لماركس وانجلز ولينين التي تم اخراجها من المكتبات، ليس بقرار سياسي من السلطة، أو بسبب موقف ايديولوجي لاصحاب تلك المكتبات، وإنما لانصراف الناس عن شرائها والاهتمام بها، مما حولها إلى سلعة تباع على الأرصفة مع كتب السحر والشعوذة والتمائم والمؤلفات القديمة التي يريد أصحابها التخلص منها. ففي شوارع براغ، وعلى أرصفة المدن المختلفة مثل بودابست، بلغراد، صوفيا، سكوبيا، تيرانا، بلغراد، سراييفو، زغرب وغيرها، تعرض كتب ماركس وانجلز ولينين، على قارعة الطرقات، مع بقية السلع والجرائد والمجلات، والنقود القديمة، ومع ذلك لا تجد من يشتريها إلا لماما. ومن المعروضات، التي عثرنا عليها بين ركام الكتب، كتاب كارل ماركس «المخطوطات الاقتصادية والفلسفية» الذي كتبه سنة 1844، و«العائلة المقدسة» الذي كتبه سنة 1845 و«الايديولوجيا الالمانية» الذي كتبه مع رفيقه انجلز(1845 – 1846) و«اطروحات حول فيورباخ» الذي صدر سنة 1847. وكذلك «البيان الشيوعي» الذي وضعه ماركس وانجلز في سنة 1848، باعتباره (أكثر نظريات التطور شمولا وعمقا) . لكن ماركس نفسه كتب بعد ذلك بسنوات إن «البيان الشيوعي شاخ في معظم أجزائه» وهو ما أثر على مؤلفه «نقد برنامج غوتا» في 1875. كما يوجد على الارصفة كتاب ماركس الاشهر «رأس المال» بأجزائه الثلاثة، والذي كتب الجزء الاول منه في سنة 1865 والثاني في 1875 والثالث في 1879. أما كتب انجلز التي باتت على الأرصفة، فمنها كتابه «شيلينغ والرؤيا» الذي وضعه في سنة 1842، والذي قال عنه ماركس انه «مساهمة عظيمة في نقد المقولات الاقتصادية» وهو ما جعل انجلز يكتب «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» في 1844، و«ظروف الطبقة العاملة في انجلترا» و«الحرب الفلاحية في المانيا» و«الثورة المضادة في ألمانيا». ومن كتب فلاديمير لينين، نجد كتابه الشهير «الامبريالية أعلى مراحل الراسمالية» الذي كتبه في 1916 أي قبل سنة من الثورة البلشفية التي أطاحت القيصرية، وتوجته قيصرا شيوعيا، في الكرملين، إضافة لكتابه «المادية والتجريبية النقدية» الذي كتبه في سنة 1908 و«دفاتر فلسفية» و«مختارات لينين». اليانصيب الشيوعي : ويشكو الباعة على الارصفة من عدم اقبال الناس على شراء الكتب الماركسية، الانجلزية واللينينية، «لأنها لم تعد تهم أحدا». وقال ميرزا كيليتش، وهو بائع كتب على الرصيف لـ«الشرق الاوسط»، لقد سقط النظام السياسي الشيوعي فسقطت معه كتبه وثقافته. وعما إذا كانت هناك أسباب أخرى قال «الجميع يريد الحصول على لقمة نظيفة لأسرهم، ولم يعد التشدق بمقولات ماركس وانجلز ولينين، يجلب الحظ للراغبين في اليانصيب الشيوعي». وعندما طلبنا منه شرح كلمة اليانصيب الشيوعي، همهم، وقال «كان من يحفظ مقولات من هذا النوع يتلبسه الحظ ويغدق عليه من المناصب والعطايا والتكريم في صفوف الحزب. أما الآن فلم تعد تلك المقولات تنفع شيئا كهذه النقود القديمة»، مشيرا إلى مجموعة من العملات السابقة. وقال البائع إن «بعض الناس يشترون هذه الكتب ليوقدوا بها مواقد التدفئة، في هذا الشتاء القارس، لانها أرخص من البنزين، أو للف بعض المكسرات وبيعها. «أما الشخص الذي اشترى لتوه كتاب «رأس المال» لكارل ماركس، فقد ذكر بأنه يريد الاحتفاظ به كذكرى لأحفاده لان «الناس لم يعودوا يأبهون بهذه الكتب، وهي بالتالي سوف تنقرض عن الارصفة، كما انقرضت في المكتبات». وقالت صابينا أوجيغوفيتش، وهي أستاذة جامعية متخصصة في الاقتصاد، وصاحبة مكتبة، لـ«الشرق الاوسط» ان «الشيوعية يمكن أن تكون مذهبا في الالحاد ولكن ليس كنظرية اقتصادية أو سياسية»، وتابعت «لو عاش ماركس إلى يومنا هذا لنقض كتبه». وحول القسوة التي تنضح من كلامها، وهي استاذة جامعية، قالت «لقد سقطت الشيوعية لانها تحولت إلى طقوسية، وشمل ذلك البحوث الاكاديمية. فكانت قيمة أي بحث تحدده نسبة الاقتباسات من ماركس وانجلز ولينين، لأن السياسة تريد ذلك. وعندما ارتهن البحث العلمي للسياسة، سقطا معا». وقالت صابينا أوجيغوفيتش وكأنما تملكها غضب «الثورة العلمية قد أثمرت حرية البحث العلمي، بينما في الدول المتخلفة تعطل الكفاءات لاختلافها مع الانظمة الحاكمة»، وتابعت «يؤكد ألتوسير، بأن العلم يأتي في الصباح وتتبعه الفلسفة في المساء، فكم المسافة التي تفصلنا عن ماركس ولينين وانجلز؟». وعن كيفية نسيان الناس في أوروبا الشرقية على الاقل، لماركس وانجلز ولينين لدرجة انهم هجروا كتبهم ولم يعد لها من سوق بعد سنوات قليلة من سقوط الشيوعية، قالت أوجيغوفيتش «لقد ظلت الشيوعية تواصل الدعاية ضد الدين وبأنه أفيون الشعوب 70 سنة، وعندما استفاق الناس من مخدر الشيوعية، أول سؤال طرحه المسلم منهم هو أين المسجد، والمسيحي بدوره سأل عن كنيسته». وعن أسباب قوة الدين مقابل النظريات الاخرى أجابت «ليس هناك من تفسير سوى انه جزء خفي من الانسان مثل الذكاء والروح وما شابه ذلك، انه حقيقة كامنة في الاعماق. وكثير ممن كانوا يعتقدون بأنهم شيوعيون أقحاح، نراهم اليوم متصوفة في المحاريب». وقال أستاذ الفلسفة في «جامعة زغرب» داركو فيليبوفيتش، الذي كان ماركسيا سابقاً، أثناء حديثنا معه: «يجهد الماركسيون أنفسهم في اعتبار الماركسية علم، ولا يمكن لأي انسان من وجهة نظرهم أن يكون ماركسيا، ما لم يكن لديه الايمان إلى حد اليقين بأن الماركسية علم، وبذلك تحولت الماركسية إلى دين أكثر منها نظرية علمية، رغم نفي البعض لذلك، وعقد المقارنات الخاطئة». وتابع فيليبوفيتش بالقول «بل الاعتقاد بأن الماركسية علم، كان شرطاً أساسياً لتكوين الماركسي، ويرى البعض أن الماركسية علم كالرياضيات والطب. وطالب الماركسية إن صح التعبير، ينشأ في كلية الحزب الماركسي. ويعرج متحدثنا على إضافات لينين ومخالفته لوجهة النظر الماركسية، واستدراكات ستالين على تطبيقات لينين المتراجعة، «خطوتان إلى الوراء وخطوة للأمام» واصفا تلك التغييرات بأنها «فوضى أسستها مصادمة الواقع للنظرية». وهو «ما أفرز تيارات متصارعة ومتناحرة، داخل المنظومة الشيوعية، تتهم بعضها بعضا بالتحريف تارة، والجمود تارة أخرى. وعندما سقط النظام السياسي الذي كان يحمي تلك المقولات، سقط كل ما له علاقة بذلك». ويضيف داركو فيليبوفيتش «لم يصل الشيوعيون إلى موقف علمي متفق عليه، بخصوص، أين يجب أن تنشأ الدولة الاشتراكية، هل في نظام راسمالي كما ذهب إلى ذلك ماركس، أو حرق المراحل والسعي لإقامتها في مجمتع زراعي كما فعل لينين، متجاوزاً أستاذه، معطيا الدول الرأسمالية المستعمرة، التي تتحول للنظام الاشتراكي، الحق في تحويل مستعمراتها للاشتراكية رغم أنها لا تزال في مرحلة الرعي والزراعة، دون أن يشير إلى حق تلك الدول في الانعتاق من ربقة الاحتلال والهيمنة، وكان ذلك في سنة 1921». أي يمكن للاشتراكية أن تتحول إلى امبريالية بعد أن ترث الراسمالية» وهو ما طبقه لينين في الدول التي أخضعت للسيطرة القيصرية، ومن ثم الشيوعية في أعقاب ثورة أكتوبر 1917». لقد بدا واضحا أن ما كتبه ماركس وانجلز ولينين، مجرد وجهات نظر و«ليست حقائق علمية كما كان يروج. فانجلز كان يتوقع قيام الثورات الاشتراكية في الدول الراسمالية، التي ستساعد روسيا على التحول الراسمالي، ومن ثم قيام الاشتراكية فيها، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل إن الدول الزراعية التي قامت فيها الاشتراكية اللينينية، ومن ثم الستالينية، وليس الماركسية، تحولت الآن لدول راسمالية، كما هو حال أوروبا الشرقية» يعلق فيليبوفيتش، ويضيف مستطرداً «ولا توجد أي مؤشرات على امكانية نجاح الرؤى الشيوعية في المستقبل المنظور أو البعيد. وما نشاهده من صعود للاحزاب اليسارية، ليس عودة للشيوعية، وإنما هي راسمالية أقل تغولا وشراسة. فلم نشهد، ولن نشهد، عمليات تأميم للمتلكات الخاصة، أو حل للاحزاب غير الشيوعية، أو استخدام العنف الثوري لقمع المعارضين، التي استفادت منها الانظمة الاكثر فسادا في العالم اليوم أو محاولة تصدير الثورة، كما فعل تشي غيفارا، أو اعلان قيام ديكتاتورية البروليتاريا». كارل ماركس لاعب كرة؟ في دراسة أجريت أخيرا شملت دولاً اشتراكية سابقة، قال 98 في المائة من طلبة المرحلة الثانوية في رومانيا انهم لا يعرفون من هو كارل ماركس، وفي بلغاريا قال 60 في المائة انه لاعب كرة، و75 في المائة ظنوا انه رئيس دولة آسيوية سابق. وقال 8 في المائة في البانيا إن كارل ماركس مؤسس الشيوعية، وقال 48 في المائة انه لاعب كرة، و89 في المائة رئيس دولة سابق، وقد شملت العينة في كل دولة 5 آلاف شخص . (*) نشرهذا التقرير في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 26 أبريل 2006 وهو مختصر لبحث قام به الكاتب. (يمكن العودة لمحرك البحث في صحيفة « الشرق الاوسط » بكتابة « سراييفو ») 

 

الجزائر: 10 قتلى و30 جريحاً في 7 هجمات متزامنة على مراكز للشرطة

 
الجزائر – محمد مقدم     قُتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص وجُرح نحو 30 آخرين، غالبيتهم من قوات الأمن الجزائرية، في 7 هجمات متزامنة استهدفت مراكز للشرطة شرق العاصمة. لكن حصيلة رسمية أعلنتها وزارة الداخلية تحدثت عن سقوط ستة قتلى فقط، بينهم شرطيان، و13 جريحاً، منهم 10 من قوات الأمن. وأعلنت وزارة الداخلية أن الاعتداءات تمت بتنفيذ سبعة تفجيرات في عدد من مناطق ولايتي بومرداس وتيزي وزو شرق العاصمة. وأشارت في بيان إلى أن سيارة مفخخة انفجرت في بلدية سي مصطفى، وتسببت في مقتل أربعة قرويين وجرح ثلاثة آخرين، بينهم عنصر في قوات الأمن. وكان لافتاً أن الاعتداءات استهدفت في وقت متزامن مراكز الأمن والدرك الوطني في الولايتين اللتين تعتبران أبرز مناطق نشاط تنظيم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الذي غير اسمه أخيراً إلى «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وأعلن هذا التنظيم في بيان على شبكة الانترنت بعد ظهر أمس مسؤوليته عن التفجيرات. وهذه المرة الثانية التي تشن فيها «الجماعة السلفية» اعتداءات متزامنة ضد مراكز قوات الأمن باستخدام سيارات مفخخة، منذ الاعتداء الذي استهدف مراكز الأمن في درقانة والرغاية شرق العاصمة نهاية العام الماضي، وأوقع ثلاثة قتلى وأكثر من 25 جريحاً، معظمهم من قوات الأمن. وكان التفجير الأعنف في محيط مركز الدرك الوطني في منطقة سي مصطفي التابعة لولاية بومرداس (50 كلم شرق الجزائر)، حيث قُتل أربعة قرويين عندما انفجرت سيارة مفخخة على الطريق العام أمام المركز. وقال شهود إن شاباً أوقف السيارة المفخخة قرب مركز الدرك في حدود الخامسة فجراً، وفر مسرعاً وهو يردد: «الله أكبر يا طغاة»، لتنفجر السيارة بعد ذلك وتدمر مركز الدرك وتحرق سيارة القتلى التي تصادف مرورها أمام المركز. وفي بلدية سوق الحد التابعة لولاية بومرداس أيضاً، انفجرت قنبلتان تم تشغيلهما عن بعد، لتُسقطا خمسة جرحى من عناصر الأمن، كما جُرح شرطي آخر بانفجار سيارة في مركز بلدية بومرداس. وأشارت وزارة الداخلية في بيانها إلى أن عنصرين من قوات الأمن قُتلا وآخرين جُرحا حين انفجرت سيارة في بلدية مقلع التابعة لولاية تيزي وزو (100 كلم شرق الجزائر). وانفجرت سيارة مفخخة أخرى في بلدية ذراع بن خدة التابعة للولاية ذاتها، مخلفة جريحاً من عناصر الأمن. كما انفجرت سيارة مفخخة ثالثة في بلدية ايلولة اومالو، ما أدى إلى جرح قروي. وتأتي هذه الاعتداءات متزامنة مع عمليات تقوم بها قوات الأمن لتفكيك خلايا جديدة لتنظيم «الجماعة السلفية»، تشكلت أخيراً من عناصر ليست على لوائح المطلوبين في قضايا الإرهاب. وجاءت كذلك بعد أسبوعين فقط من تغيير «الجماعة السلفية» اسمها إلى «قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي». (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 14 فيفري 2007)


جزائريون يقاضون فرنسا بلاهاي لتفجيراتها النووية بالصحراء

   

 
قرر ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر مقاضاة فرنسا أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي.وقال محمد عبد الحق بن جبار من جمعية الضحايا الجزائريين متحدثا في مؤتمر علمي بالجزائر إن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر التي بدأت عام 1960 أدت إلى إصابة 30 ألف جزائري. ودعا وزير قدماء المحاربين الجزائريين محمد شريف عباس الدولة الفرنسية إلى الإقرار بمسؤوليتها عن التجارب النووية في صحراء الجزائر التي « أضرت بالكائنات والمناخ », وطلب منها فتح الأرشيف.  
النفايات النووية
كما دعا إبراهيم عباس مدير الثقافة والتاريخ في وزارة قدماء المحاربين فرنسا إلى تقديم المعلومات عن المناطق التي دفنت بها النفايات النووية في الجزائر. أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بدأت في 1960 واستمرت إلى 1966 أي بعد أربع سنوات من استقلال الجزائر وقد أيد باتريس بوفري وهو رئيس جمعية فرنسية لضحايا التجارب النووية مراجعة القوانين الفرنسية التي تصنف التفجيرات في خانة « سري للغاية ».وشارك في المؤتمر أطباء وعلماء ومحامون من الجزائر وفرنسا واليابان والولايات المتحدة وأستراليا وبولينيزيا. وقال محمد شنافي (67 عاما) وهو أحد ضحايا تفجيرات صحراء رقان (بمحافظة أدرار بالجنوب الغربي) « لقد سمعنا انفجارا واعتقدنا أنها هزة أرضية », وأكد أنه ما زال يعاني آثار الإشعاع خاصة في ظهره ورجليه.وقالت الصحف الجزائرية مؤخرا إن الغبار المشع الذي خلفته بعض التجارب تسبب في أمراض على نطاق واسع لم توثق قط على نحو مناسب. حتى بعد الاستقلال ويقول خبراء إن فرنسا أجرت 17 تجربة نووية في الجزائر بدأت عام 1960 واستمرت إلى 1966 أي بعد أربع سنوات من استقلال الجزائر, وفق اتفاقات سرية لم يسلط عليها بعض الضوء إلا بعد 30 سنة من آخر تفجير نووي.ووصفت الخارجية الفرنسية الموضوع بأنه « سر دفاعي », فيما امتنعت وزارة الدفاع عن التعليق. ودعا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أكثر من مرة فرنسا إلى الاعتذار عن « جرائم الاستعمار », واعتبره شرطا لتوقيع معاهدة صداقة, لكن فرنسا تقول إنه يجب « التطلع  إلى المستقبل » على أساس الاحترام المتبادل, واعتبرت أن الماضي شهد « معاناة من الطرفين ».  (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 14 فيفري 2007 نقلا عن وكالات أنباء)


الجزائر تدعو إلى فتح الأرشيف النووي لفرنسا

 
الجزائر ـ يو بي آي: دعا وزير المجاهدين (قدامي المحاربين) في الجزائر محمد الشريف عباس امس الثلاثاء الي فتح الارشيف النووي لفرنسا حتي يتسني لبلاده الكشف عن المناطق التي تأثرت بالاشعاعات في الجزائر. وأوضح عباس في خطاب افتتاح أعمال الملتقي الدولي الأول حول التجارب النووية في العالم الذي افتتح امس ويستمر يومين ويحضره خبراء وباحثون جزائريون ودوليون لبحث التجارب النووية في العالم ـ الصحراء الجزائرية نموذج الي فتح الأرشيف الفرنسي للتجارب النووية حتي يتم تحديد الآثار السلبية لها ومن بينها تحديد مكان دفن نفايات تلك التجارب التي ترفض فرنسا لحد الآن الكشف عنه. وحمل عباس الحكومة الفرنسية مسؤولية التلوث النووي في بعض مناطق الصحراء الجزائرية وخاصة بمنطقتي رقان وتمنراست، مشددا علي ضرورة التكفل بضحايا التجارب النووية والدفاع عن حقوقهم والبحث في امكانية حماية الطبيعة. وكانت فرنسا فجرت في 13 شباط/فبراير 1960 في المكان المسمي حمودية بمنطقة رقان بالصحراء الجزائرية الكبري أولي قنابلها النووية، ضمن سلسلة تجارب أجرتها حتي سنة 1966 رغم استقلال الجزائر عنها سنة 1962. وأطلق علي التجربة الأولي اسم الجربوع الأزرق والتجربة الثانية، التي أجريت في الأول من نيسان/أبريل 1960 الجربوع الأبيض و الثالثة الجربوع الأخضر في 24 نيسان/أبريل 1961 في هواء حمودية. ثم قامت فرنسا بتفجيرات أخري باطنية استمرت حتي شباط/فبراير 1966 في منطقة اينيكر في ولاية تمنراست في أقصي الصحراء الجزائرية جنوبا. وكان تفجير القنبلة الأولي يعادل ثلاث مرات ونصف انفجار قنبلة ليتل بوي التي رمتها الولايات المتحدة علي مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية في العام 1945. من ناحية أخري كشف مركز الدراسات والبحث في الحركة الوطنية الجزائرية وثورة 1 نوفمبر التحريرية (1954) أن فرنسا أجرت 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بين 1960 ـ 1967 بينها 13 تفجيرا نوويا بمنطقة تمنراست في أقصي الجنوب بمنطقة اينيكير وأربع تجارب أخري بمنطقة رقان بالصحراء. وقالت الدراسة ان فرنسا لم تكتف باجراء تجاربها النووية لا سيما ابان الاحتلال علي عينات من مختلف الحيوانات والنباتات بل أجرت أيضا هذه التجارب علي 150 سجينا بينهم نساء حوامل وأطفال وشيوخ . وقالت الدراسة استعمل الاستعمار الفرنسي أثناء اجراء هذه التجارب اللانسانية أجهزة خاصة للتمكن من تحديد مستوي مفعول التفجير النووي والاشعاعات الناتجة عنه علي الكائنات الحية والنباتات والمياه. وكشف الباحثون خلال الملتقي أن فرنسا أجرت اجمالا أكثر من 200 تجربة نووية بينها 17 في الجزائر، فيما تتقدم الولايات المتحدة الأمريكية كل الدول بنحو 1030 تجربة نووية والاتحاد السوفييتي سابقا (روسيا حاليا) بأكثر من 700 تجربة نووية. الي ذلك، قال مدير التراث التاريخي والثقافي في وزارة المجاهدين ابراهيم عباس ان الملتقي الدولي يعد فرصة للتطرق بجدية الي الجوانب التاريخية والقانونية لهذه التجارب وكيفية تسيير آثارها السلبية في مختلف المجالات . وأشار عباس الي ضرورة التنديد بهذه التجارب والاستماع الي الدول ضحايا التجارب النووية خاصة أثناء وجودها تحت الهيمنة الاستعمارية والتعرف علي مواقفها التاريخية وحول طرق تعاملها مع آثار الاشعاعات النووية . وأكد أن الملتقي يهدف أيضا الي الاطلاع علي تجارب هذه الدول في كيفية التعامل قانونيا مع ضحايا الاشعاعات النووية وحصر عدد هذه التجارب وأماكنها وزمن وقوعها وطرق تنفيذها والآثار التي خلفتها لاسيما علي صحة الانسان وعلي البيئة . وأكد عباس أن نتائج الملتقي سترسل الي كل المؤسسات والجهات الوطنية والدولية المختصة ذات العلاقة بالموضوع . وتحاول الجزائر بحسب الأمين العام للخارجية الجزائرية رمضان لعمامرة لأن تكون طرفا فاعلا في الدبلوماسية العلمية في العالم. من ناحية أخري صرح السعيد عبادو رئيس منظمة المجاهدين النافذة في السلطة، ليونايتد برس أنترناشنال أن الملتقي سيغلب عليه الطابع العلمي وستشارك فيه الدول التي تأذت من التجارب النووية مثل الجزائر واليابان ودول أخري جربت علي أراضيها القنابل الذرية ، مشيرا مع ذلك الي أنه سيأخذ أبعاده من جميع النواحي ، في اشارة الي المسؤولية التاريخية والقانونية والانسانية لفرنسا حول هذه التجارب في الجزائر. وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة اتهم فرنسا باجراء تجارب نووية وكيميائية وبكتريولوجية في بلاده. وقال لولا التجارب النووية الفرنسية التي كانت في رقان واينيكر، ولولا التجارب البكتريولوجية والكيميائية التي أجريت في وادي الناموس، لولا تجاربها النووية بصحراء الجزائر لما وصلت فرنسا الي ما تعيشه الآن من الصولجان والتألق . بدوره قال الباحث الجزائري في الفيزياء النووية، عمار منصوري أن الباحثين الجزائريين يطالبون الحكومة الفرنسية تسليم الأرشيف النووي لمعرفة من هم الأشخاص الذين تعرضوا للاختبارات، والمناطق التي تعرضت للتلوث بالاشعاعات، وقياس العدوي ودرجة خطورة الاصابة عند الأشخاص الذين يسكنون في محيط مواقع اجراء التجارب مؤكدا أنه بدون هذه الملفات لا يمكن أن نفعل شيئا . وقال منصوري ان فرنسا أجرت أربع تجارب فوق سطح الأرض جد ملوثة، و13 أخري باطنية وأكثر من 40 تجربة يطلق عليها باردة ، 35 منها في منطقة رقان وخمس في غرب عين ايكر بولاية تمنراست . من جانبه قال مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول تشرين الثاني/نوفمبر 1954، جمال يحياوي، أنه سيتم وضع خريطة عالمية لانعكاسات التجارب النووية المختلفة من خلال هذا الملتقي، مع التفكير في ربط شبكة بين جميع الهيئات والمنظمات المعنية بالموضوع، وكذا الاستفادة من خبرات الدول المعنية في الميدان وفي تسيير المناطق الملوثة بالاشعاعات، وكذلك الاستفادة من الخبرات المتوفرة في ميدان التكفل الصحي والقانوني بالضحايا وسكان الجوار، مع تنظيم لقاءات دورية في المناطق أو البلدان المعنية بالتجارب للتنسيق والمتابعة بسبب استمرار آثار التجارب لمدة زمنية طويلة. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 14 فيفري 2007)

تحليل:هل ينجح الديك الفرنسي في إبعاد التنين الصيني والنسر الأمريكي عن افريقيا؟

 
من الجمعي قاسمي تونس / 14 فبراير-شباط / يو بي أي: تبدأ غدا الخميس بمدينة كان الفرنسية القمة الفرنسية-الإفريقية الرابعة والعشرين برئاسة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي يعتبر أحد أبرز المدافعين الأوروبيين عن القارة السمراء. ويتوقّع أن يشارك في هذه القمة التي ستتواصل أعمالها على مدى يومين، أكثر من ثلاثين رئيسا إفريقيا،إلى جانب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي تتولى بلادها حاليا الرئاستين الدوريتين للإتحاد الأوروبي ومجموعة الثماني. وتستأثر القمة باهتمام كبير،ليس بسبب ما قد تفرزه من قرارات لتعزيز وترسيخ مقومات التنمية والأمن والإستقرار في إفريقيا،وإنما بسبب توقيتها والظروف المحيطة بها التي تتّسم بإحتدام التّنافس الثلاثي الفرنسي والصيني والأمريكي على القارة الإفريقية التي مازالت تتطلع إلى تنفيذ مشروع »أوميغا » التنموي الذي دعا إليه سابقا الرئيس السينغالي عبدالله واد. ورأى مراقبون أن صدى هذا التّنافس بأبعاده الإقتصادية والأمنية والعسكرية بين الديك الفرنسي،والتّنين الصيني،والنسر الأمريكي للسيطرة على القارة السمراء،سيتردد بقوة داخل قاعات هذه القمة التي ستعقد تحت شعار »إفريقيا والتّوازن في العالم ». وتعترف فرنسا صاحبة النّفوذ التقليدي في أفريقيا بهذه التّفاعلات في أفريقيا،حيث قالت بريجيت جيراردان وزيرة التّعاون الفرنسية « ثمة أجواء من القلق في إفريقيا »،وأن بلادها لن تتخلى عن القارة السمراء. ولن يبدل التّأكيد الفرنسي مجرى هذا التّنافس ما لم يقترن بإجراءات وتدابير مملموسة تعيد ثقة الأفارقة بفرنسا التي كانت توصف بالأم الحنون،لاسيما وأن التّنين الصيني المتعطش للطاقة،توغل عميقا في أفريقيا،وبدأ يغطي الفراغ الذي تركته أوروبا بسبب إنشغالها لسنوات عديدة ببناء إتّحادها ،ومعالجة مشاكلها. واتخذ التّوغل الصيني من البعد الإقتصادي مدخلا ليعلن في الخامس من نوفمبر/تشرين ثاني الماضي بحضور قادة نحو 48 دولة إفريقية،ما أسماه بالشراكة الإستراتيجية مع أفريقيا التي تتّسم » بالمساواة السياسية، والثقة المتبادلة، والتعاون الإقتصادي المتكافئ، والمبادلات الثقافية ». وأعلنت بيجينغ في سياق هذه الشراكة عن عزمها إلغاء ديون نحو 33 دولة إفريقية،إلى جانب تقديم مساعدات،وقروض بشروط تفاضلية،منها نحو 5 مليار دولار كتسهيلات إئتمانية، لمساعدة بعض دول القارة السمراء على إنشاء بنى تحتية وشراء آلات وتجهيزات ألكترونية لتشييد مشارع تنموية في مختلف المجالات، بالإضافة إلى السماح بدخول المزيد من السلع الإفريقة للأسواق الصينية بدون رسوم جمركية،بحلول عام 2009. كما أكدّت عزمها على زيادة وارداتها من الطاقة لتغذية الإقتصاد الصيني المتعاظم،علما وأن الصين تستورد نحو 25 بالمائة من حاجياتها النفطية من إفريقيا،أي ما يعادل 6 بالمائة من إجمالي حجم تجارة النفط في العالم،بينما ارتفع إجمالي حجم المبادلات التجارية الصينية- الإفريقيا خلال العام الماضي بنسبة 40 بالمائة،لتستقر قيمته في حدود 55.5 مليار دولار. ويبدو أن هذا الحضور الصيني المتزايد في إفريقيا أصبح يقلق الغرب بشكل جدي،لاسيما وأن بيجينغ إستطاعت عبر هذا التوغل إزاحة الحضور الأمريكا والبريطاني في القارة السمراء إلى المرتبتين الثالثة والرابعة،والدخول في منافسة جدية مع فرنسا التي مازلت تعدّ الشريك الإقتصادي والتّجاري الأول لإفريقيا. وبدا جليا أن النسر الأمريكي الذي استطاع إحكام تحليقه في أغلب فضاءات العالم مستفيدا من إنهيار الإتحاد السوفياتي،وإنكفاء دور روسيا الفيدرالية،لم يرق له تمدّد التنين الصيني في إفريقيا،حيث إندفع بقوة بإتجاه القارة السمراء،وشرع في تحديد نفوذه في خطوة وصفت بأنها « عملية كنس منظم للنفوذ الأوروبي،وتطويق للصين « . وفي هذا السياق،لم تتردّد زيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في الإعلان خلال شهر يونيو/حزيران الماضي في السنغال أن بلادها وضعت خطة طوارئ لإفريقيا رصدت لها 15 مليار و 200 مليون دولار على خمس سنوات لمساعدة الشعوب الإفريقية ،ولمكافحة إنتشار مرض الإيدز والملاريا بين 175 مليون نسمة في 15 دولة إفريقية،إلى جانب برامج تعليمية وتكوينية سيستفيد منها أكثر من نصف مليون مدرس وحوالي 300 ألف طالب إفريقي . ولم تكتف أمريكا بهذه المساعدات والبرامج،وإنما ذهبت أبعد من ذلك،حيث صادق الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخرا على خطة لإنشاء قيادة عسكرية أميركية خاصة للقارة الأفريقية ضمن إطار وزارة الدفاع،اختير لها إسم » أفريكوم »،على أن تكون جاهزة للعمل بحلول سبتمبر/ أيلول 2008. وقال بوش إن هذه القيادة من شأنها »تعزيز جهودنا لجلب السلام والأمن إلى شعوب أفريقيا وترويج أهدافنا المشتركة للتنمية والصحة والتعليم والديمقراطية والنمو الإقتصادي في أفريقيا »،بينما قال وزير للدفاع روبرت غيتس إن القيادة الجديدة « ستمكننا من أن يكون لدينا منهج أكثر فعالية وتكاملا »،مضيفا أن الهيكل الحالي « عبارة عن نظام خلفته الحرب الباردة ». وفيما يتعاظم التّغلغل الصيني في إفريقيا،وتتزايد حدة الهجوم الأمريكي لمحاصرة هذا التّغلغل،وللسيطرة على القارة السمراء التي تشكل سوقا يعيش فيها أكثر من 800 مليون نسمة،لم تجد فرنسا صاحبة النفوذ التقليدي في إفريقيا سوى الصياح حينا،والصراخ حينا آخر علّها تحافظ على مصالحها الحيوية والإستراتيجية التي باتت مهدّدة بشكل جدي. بل أن فرنسا التي يبدو أنها لم تعد قادرة على التّحرك بمفردها في إفريقيا،لم تتردد في الدعوة إلى مقاربة متعددة الأطراف لجهة تسوية النزاعات في القارة الإفريقية،أو لجهة تطبيق المشاريع التنموية،و مكافحة الهجرة السرية. وبين التّمدد الصيني،والهجوم الأمريكي،والقلق الفرنسي،يبقى مخطط « أوميغا » الذي عرضه الرئيس السنغالي عبدالله واد على نظرائه الأفارقة وقادة المجموعة الدولية لإنقاذ إفريقيا، وتجنيبها صراع الأقوياء،يتلمس الخطى بإتّجاه المصادقة عليه. ويدعو هذا المخطط إلى تبني ميثاق شراكة جديد بين إفريقيا وبقية دول العالم تديره « سلطة عالمية » تحت المسؤولية المباشرة للأمين العام للأمم المتحدة،تكون مهمته الأساسية إيجاد التمويل على المدى البعيد المشاريع التي تحظى بالأولوية على الصعيدين الإقليمي والقاري الكفيلة بمساعدة إفريقيا على تجاوز المعوقات الأساسية التي تحول بينها و بين الإستفادة من إيجابيات العولمة. ويقول الرئيس السنغالي عبدالله واد إن توفير تمويلات « على المدى البعيد مع تسديدها خلال أجل يمتد على مدى خمسين عاما »،من شأنه أن يكون له كبير الأثر على المجالات الأربعة الأساسية،أي الصحة و التعليم و البنى التحتية والزراعة »،كما يساعد على « اٍمتصاص الفوارق الموجودة بين إفريقيا و العالم المتقدم ». ولا يلوح في الأفق أن قمة كان الفرنسية-الإفريقية ستتبنى هذا المخطط،ممّا يعني أن إفريقيا ستبقى تثير أطماع الكبار،وساحة مفتوحة للتّنافس القوي بين بيكين وواشنطن،فيما يكتفي الديك الفرنسي بالمكابرة،والتظاهر بأن هذا الصراع لا يهدد مصالحه،دون أن يتوقف عن الصياح لعله بذلك يبعد تنين بيجينغ ونسر واشنطن عن إفريقيا،ويحمي نفوذه السياسي الذي بعثرته التّحولات الدولية المتسارعة.

 

الإسهام العربي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

 
رضوان زيادة (*) عندما وجه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية رسالته الشهيرة إلى مؤتمر الولايات المتحدة والتي تضمنت إشارة صريحة إلى الحريات الإنسانية الأربع (القول والعبادة وحق الحماية من العوز وحق العيش بمأمن من الخوف) اعتُبرت حينها بمثابة ولادة الوعي الدولي بحقوق الإنسان. و فعلاً وقع ممثلو 26 دولة في 1 كانون الثاني (يناير) 1942 إعلاناً للأمم المتحدة أكدوا فيه على «الدفاع عن الحياة والحرية والاستقلال والحرية الدينية وضمان حقوق الإنسان والعدالة البشرية في بلادهم وسائر البلاد». ثم جرى اقتراح إنشاء هيئة دولية عامة متخصصة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الدولية إضافة إلى العمل على احترام الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية، إلا أن حقوق الإنسان لم تحتل مكانة متميزة بل طغت على المؤتمر اقتراحات من أجل إقامة منظمة دولية عامة تدعى الأمم المتحدة بدلاً من عصبة الأمم. إلا أن أهمية ذلك المؤتمر تكمن في أن اقتراحاته كانت أساس أعمال مؤتمر سان فرانسيسكو الذي عقد عام 1945 من أجل تأسيس هيئة الأمم المتحدة وأجرى تعديلات جوهرية على ميثاق المؤتمر المذكور بحيث جاءت ديباجته متضمنة «تأكيد الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره». إضافة إلى ذلك تعرض الميثاق في سبعة أماكن لحقوق الإنسان، بما فيها الديباجة، إذ ظهرت عبارات تنص على تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية مع تغييرات طفيفة في العديد من المواد المتعلقة بأغراض ومبادئ الأمم المتحدة. كما أن المادة (5) المعطوفة على المادة (55) تضمنت «تعهد الأعضاء كافة بالقيام مجتمعين ومنفردين بتحقيق عدد من الأهداف التي تقوم الأمم المتحدة بتوطيدها من بينها الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع من دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الديانة، ومراعاة التقيد بتلك الحقوق والحريات». وفي خطابه في اختتام أعمال المؤتمر صرح رئيس الولايات المتحدة آنذاك هاري ترومان أن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن إعلاناً دولياً لحقوق الإنسان، مقبولاً من جميع الأمم سيُسن، وقرر إنشاء لجنة لحقوق الإنسان حددت مهامها في إصدار إعلان دولي لحقوق الإنسان واتفاقات دولية على الحريات الوطنية وغير ذلك، وتألفت اللجنة في 16 شباط (فبراير) 1946 من 18 عضواً تمثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وفرنسا وغيرها مع وجود مصر ولبنان من الدول العربية بحيث ترأس السيدة اليانور روزفلت اللجنة، وتتألف من شانج الصيني، ورينيه كاسان الفرنسي، وشارل مالك اللبناني مقرراً. وبدأ مؤتمر سان فرانسيسكو في 25/4/1945 وانتهى بصدور ميثاق الأمم المتحدة في 26/6/1945، وبرز خلال المؤتمر اهتمام جدي بمسألة حقوق الإنسان نظراً الى الفظائع التي رافقت الحرب، فاقترح بعض رؤساء الوفود إدراج مواد خاصة في ميثاق الأمم المتحدة حول هذه المسألة، لكن الرأي استقر في النهاية على أن تصدر الأمم المتحدة شرعة مستقلة لهذه الغاية ، ونصّ الميثاق على وجوب تأسيس لجنة لحقوق الإنسان. لقد خاض شارك مالك في تلك الفترة نقاشات مطولة مع رؤساء الوفود الأجنبية من أجل استقلال لبنان لكنه غالباً ما كان يلقى الصد باعتباره يمثل دولة صغيرة، وشهد الحوارات العقيمة ولكن الثرية بين الوفود المتعددة الثقافات والاتجاهات العقائدية، لقد اكتشف حقيقة هذا العالم الذي وصفه بأنه بعيد كل البعد عن أفلاطون والمسيح وتمنى العودة بذاته وبقلمه إلى الفلسفة لأنها عالم الحقيقة كما وصفها، وعالم السياسة هو عالم الزيف. في عام 1946 تمت إعادة انتخاب الدكتور مالك عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وقد أنيط بهذا المجلس وضع شرعة لحقوق الإنسان حسب ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة. وقد تم بالفعل في 16/2/1946 تأليف لجنة أولية خاصة بحقوق الإنسان من تسعة أعضاء في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ثم تضاعف أعضاء هذه اللجنة فأصبح 18 عضواً في أواخر السنة نفسها، بينهم شارل مالك، وأناط المجلس باللجنة المذكورة وضع الشرعة المتعلقة بحقوق الإنسان. لقد كان عنوان حقوق الإنسان يثير تحفظات الدول الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي اللذين لم يبادرا إلى تأييد عمل اللجنة، بل إن اختيار السيدة إليانور روزفلت قرينة الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت رئيسة للجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي لم يلق التأييد المطلوب من الإدارة الأميركية. ولكن مبادرة أكثر من 42 مؤسسة أميركية غير حكومية إلى تأييد هذا الاختيار، والحماسة الفائقة التي أبداها الشعب الأميركي لها، جعل الولايات المتحدة تنصاع للأمر الواقع وتبدي اهتماما ًأكبر بحقوق الإنسان. بدأت لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي سلسلة اجتماعات مكثفة من 27/1 إلى 10/2/1947 في لايك ساكس بنيويورك، وأقرت اللجنة خلالها تثبيت السيدة روزفلت في مركز الرئاسة ومندوب الصين ينغ تشونغ تشانغ نائباً لها، كما انتخبت بالإجماع الدكتور شارل مالك مقرراً. وكان الجنرال كارلوس روميولو مندوب الفلبين هو من رشح مالك لهذا المنصب، وقد عقدت اللجنة 22 اجتماعاً صاخباً تميزت بالفوضى والضبابية والخلافات العقائدية بين الماركسيين والليبراليين . لقد نشأ خلاف حاد بين أفكار مالك المستندة الى التعاليم المسيحية وبين آراء تشانغ الكونفوشية التي تدعو إلى الفضيلة مجسدة بنظام الحكم، فبينما كان مالك يركز على أن حقوق الإنسان هي في ذات وجوده وكيانه وطبيعته، كان تشانغ ينادي بأن رفع مستوى الإنسان يتم فقط بتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه دار صراع حاد وعنيف بين مالك وآرائه الليبرالية مع التوجه الماركسي – اللينيني الذي كان مندوبو الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا يتبنونه بأعلى درجات الحماسة ولنا أن نتخيل حجم الصراع الفكري الدائر بين الرؤيتين اللتين لم تستطع رئيسة اللجنة التوفيقية من التلطيف بينهما، فكلف الكندي جون همفري وضع مسودة للإعلان، فوضع 400 صفحة بناء على تكليف اللجنة الثلاثية المؤلفة من روزفلت وتشانغ ومالك، ولما كان من غير العملي أن يصدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 400 صفحة، قطعت اليانور روزفلت الجدل بقرار حاسم جرى بموجبه تكليف رينييه كاسان وضع مسودة مختصرة واضحة ودقيقة، على أن يستنير برأي مالك في كل فقرة من فقراتها، فاعتمد كاسان على «إعلان حقوق الإنسان والمواطن» الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789، وشرعة «الماغنا كارتا» الصادرة عن نبلاء بريطانيا العظمى سنة 1215، وعمل على اختصار الإعلان العالمي في ثلاثين مادة مستعيناً بشارل مالك في بلورة نصوصه وصياغته باللغة الانكليزية التي كان يجهلها والتي كانت ولا تزال اللغة الأولى في الأمم المتحدة. وهكذا انطبعت الوثيقة بأفكار مالك وظهرت في متنها بصماته الدامغة فضلاً عن تفرده بوضع المقدمة. وكان واضحاً إصراره على المادة 18 التي تنص على حرية التفكير والضمير والدين، والمادة 20 (حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية وعدم إكراه أي إنسان على الإنضمام إلى جمعية ما، والمادة 26 (حق الإنسان في التعليم)، واستطاع كاسان الفرنسي بدبلوماسيته الفائقة وخبرته القانونية التوفيق بين القائلين بحقوق الفرد والمدافعين عن حقوق الجماعة. وفي تلك الفترة العاصفة التي وقعت فيها حرب 1948 وما لحقها من تشريد للشعب الفلسطيني وهضم لحقوقه المشروعة على أرضه وبعد صدور قرار التقسيم في الأمم المتحدة وتصويت العرب ضده تقاعد شارل مالك من موقعه مخلفاً لنفسه ذكرى حميدة تمثلت في شرعة حقوق الإنسان ، وقرر العودة مع زوجته إلى جنيف حيث شارك في مؤتمر لحقوق الإنسان ، ثم إلى لبنان. بعدها عاد متفرغاً للعمل على إقرار شرعة حقوق الإنسان بتكليف من السيدة روزفلت التي طلبت منه وضع المقدمة الفلسفية للإعلان التي أقرت بحرفيتها مع تعديلات طفيفة، ثم عقدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة دورتها العادية في باريس سنة 1948، وانتخب الدكتور مالك في 21/9/1948 رئيساً للجنة الثالثة المعنية بحقوق الإنسان خلفاً للسيدة روزفلت التي بقيت في رئاسة اللجنة الفرعية المهتمة بصياغة الشرعة، وقد تعين عليه أن يدير اجتماعات 58 عضواً يؤلفون اللجنة الثالثة وأن يدخل في الوقت نفسه في سباق مع الزمن لإقرار الوثيقة العالمية قبل نهاية عام 1948. غير أن مناقشة المسودة الأخيرة التي وضعها كاسان من قبل المندوبين بنداً بنداً فتحت باب المزايدة على مصراعيه بين مندوبي الدول الكبرى التي جنحت إلى السلبية، وبين مواقف الدول المختلفة التي راحت تثير مواضع سياسية آنية ذات حساسية بالنسبة لمعظم الدول. وأخيراً استطاع شارل مالك أن يضبط المناقشات وقرر عقد اجتماعات متواصلة ليلا ًونهاراً لمناقشة البنود وألا يسمح لأي مندوب بمداخلة تتجاوز ثلاث دقائق، ثم أن يتم التصويت على مواد الوثيقة بمن حضر، وأخيراً تحقق الأمل المنشود وتم إقرار الشرعة بالأكثرية الساحقة من الأصوات ودون أي اعتراض من أحد، فأذيع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قصر شايو في باريس بتاريخ 10/12/1948 الذي أصبح بمثابة الدستور بالنسبة للحركة الحقوقية العالمية على المستويين النظري والعلمي. ويكفي أن ننهي بما قاله كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة عن شارك مالك ودوره في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «شغل الديبلوماسي اللبناني المرموق شارل مالك منصب رئيس اللجنة الثالثة للجمعية العمومية، ولعب دوراً حاسماً في وضع نص هذا الإعلان، وهو نفسه كتب مرة «ما من مسألة أساسية في حياة الإنسان – من الله والدولة إلى الأطفال والضمان الاجتماعي – لم تقدّم ويتم بحثها» فيما الوفود من مختلف الدول يعلقون ويصوتون على كل مادة، لا بل على كل كلمة من مسودة الإعلان، ومنذ تبنيه ترجم الإعلان إلى أكثر من مئتي لغة، وباتت مبادئه تشكل جزءاً لا يتجزأ من نسيج الحياة القومية والدولية. ونتجت عن الإعلان مجموعة لا يُستهان بها من القوانين، وأدى إلى تكوين وعي عالمي حول أهمية حقوق الإنسان». (*) كاتب سوري. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 14 فيفري 200

Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.