الجمعة، 18 مايو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2551 du 18.05.2007
 archives : www.tunisnews.net


الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسان: بـيـان 1 الرابطـة التونسيـة للدفاع عن حقـوق الإنسـان: بيـان 2 طلبة تونس: صفاقس: حالة طوارء و تعنيف للمحجبات السفير: مراسلون بلا حدود» تُدين الاعتداء على صحافي تونسي وطن: بعد كشفه لتجاوزات أشقاء حرم الرئيس التونسي : منظمات دولية عديدة تدين الإعتداءات الجسدية الخطيرة مؤخرا على مراسل « وطن » في تونس سليم بوخذير موقع مكتوب الإخباري :في تقرير مشترك لصندوق النقد الدولي و البنك العالمي:النظام البنكي التونسي في حاجة إلى تأهيل شامل وكالة تونيزين للأنباء :بـن عـلي حاكـمـا لــتــونس مـدى الـحيــاة تونس أونلاين: اعترافات الهاشمي الحامدي حول خفايا المصالحة بوعبدالله بوعبدالله:اخي بوكثير لا تجانب الصواب: »ويابن الزيتونة » جاءك الرد زين الدين رابح دواس:الدكتور الهاشمي غير مؤهل ليكون وسيطا للحوار مع النظام التونسي اقبال الغربي:رياح الأنوثة تهب على الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان علي شرطاني: خلفاء الإستعمار(2) باسط بن حسن :مجتمعات اللاّمبالاة أو العدالة بين بؤسين: الإنكار والرّحمة   أحمد نجيب الشابي: على خلفية الأزمة التركية: من يهدد الديموقراطية في العالم الإسلامي؟ الشروق: النوري بوزيد : هل أشنّ حربا على وزارة الثقافة؟  الصباح :الإعلام مرة أخرى جريدة الصباح: اتحاد الطلبة:خلافـات تؤجـل من جديـد عقـد المؤتمر التوحيـدي الحياة:تمهّد لتحرير سعر صرف الدينار …تونس تدرس إصلاح قطاعها المصرفي رويترز: إسلامي مغربي: حل الحركات الاسلامية في العالم العربي غير ملائم الان  صحيفة « وطن »:أمير قطر يعين مجلسا جديدا لـ « الجزيرة » ويعزل وضاح خنفر


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


الرابطـــة التونسيـــة للدفـــاع عن حقــــوق الإنســـان تونس في 18 ماي 2007

بــــيــــــان 1 إعتقـالات و محاكمـات في المغـرب و سوريـا

علمت الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بحملة الإعتقالات التي شملت عددا من مناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و النشطاء و المسؤولين النقابيين في بعض مدن المملكة المغربية. و بناءا على ما ورد ببيان المكتب المركزي بالجمعية من تفاصيل حول إيقاف المناضلين الجمعويين فإن الرابطة التونسية تدين حملة الإعتقالات هذه و تعتبر أن تهمة « المس بالمقدسات » هي تهمة واهية و بالية جاءت لتكشف حدود التمشي الديمقراطي بالمغرب خصوصا أن حملة الإعتقالات و المحاكمات صاحبتها موجة من التعذيب و الإهانات ضد مناضلين مارسوا حقهم الطبيعي في التعبير و التظاهر السلمي. وتجاه هذه الخروقات المفضوحة تعبر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن تضامنها الحازم مع الموقوفين ووقوفها إلى جانب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و مطالبتها بمحاكمة الذين يمارسون التعذيب، و تظم صوتها إلى كل الحقوقيين في العالم للتمسك بحقوق الإنسان الأساسية و منها حق التعبير و التظاهر.  و في سوريا تستمر محكمة أمن الدولة العليا في إصدار الأحكام الجائرة و القاسية على نشطاء حقوق الإنسان و المعارضين السياسيين فقد أصدرت يوم 10 ماي 2007 حكما بالسجن 12 عاما على السيد كمال اللبواني بتهمة الإتصال بدولة أجنبية و قد كان السيد اللبواني إعتقل في 07 نوفمبر 2005 حال عودته من رحلة خارجية زار خلالها الولايات المتحدة الأمريكية، و أصدرت نفس المحكمة يوم 13 ماي أحكاما بالسجن على السادة خلدون الفوّال (15 عاما بتهمة « إفشاء معلومات سرية ») و ياسر علبي (5 أعوان بتهمة « الإنتساب لجمعية تهدف إلى تغيير كيان الدولة الإقتصادي و الإجتماعي ») و ياسر ماردنلي (3 سنوات بتهمة « إضعاف الشعور القومي »). و في نفس اليوم قضت محكمة الجنايات الثانية بدمشق بالسجن ثلاث سنوات على الكاتبين المعارضين ميشال كيلو و محمود عيسى بتهمة « إضعاف الشعور القومي »، كما حكمت غيابيا على المعارضين سليمان شمر و خليل حسن لمدة عشر سنوات و ذلك بتهمة « إضعاف الشعور القومي و التحريض بالعدوان على سوريا لدى دولة أجنبية ». و الرابطة تدين مرّة أخرى هذه المحاكمات الجائرة التي تمت أمام محاكم إستثنائية و دون أن تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة و بتهم بالية تنال من حرية التعبير المكفولة بالمواثيق الدولية و الدستور السوري، و تطالب بالإفراج عن هؤلاء السجناء و إيقاف المحاكمات الجائرة و إطلاق الحريات في سوريا. عـن الهيئــة المديــرة الرئيـــس المختــار الطريفــي  


 
الرابطـــة التونسيـــة للدفـــاع عن حقــــوق الإنســـان تونس في 18 ماي 2007 بــــيــــــان 2  
 
مرة أخرى تعمد وزارة الداخلية إلى خرق القانون بصورة فاضحة، فقد إتصل مدير الحريات العامة و حقوق الإنسان بهذه الوزارة صباح الإربعاء برئيس الرابطة ليعلمه بمنع الندوة التي قررت الهيئة المديرة عقدها يومي السبت 26 و الأحد 27 ماي الحالي حول المنتدى الإجتماعي التونسي، بدعوى وجود حكم قضائي يمنع الهيئة المديرة من أي نشاط بإستثناء عقد المؤتمر (وهو المؤتمر الذي منعته السلطة في مناسبتين بإستعمال الأمن و القضاء) وقد أكد رئيس الرابطة من جديد أن وزارة الداخلية ليست مخولة لتطبيق الأحكام المدنية التي لا تهم إلا مصلحة الخصوم وفق نص القانون، و أنها بتدخلها بهذا الشكل تؤكد مرة أخرى بصورة جلية أنها الطرف المقابل للرابطة و أن ما يسمى « أزمة داخلية » ليس إلاّ تصرفا من وزارة الداخلية. كما أكد له أنه على وزارة الداخلية أن تصدر قرارا كتابيا بالمنع و تبلغه إلى الرابطة حتى تتمكن هذه الأخيرة من ممارسة حقها في التظلم أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء ذلك القرار. و في نفس الوقت أعلمت مؤسسة فريدريش إيبرت الرابطة بأنها تراجعت عن إتفاق سابق بتمويل تلك الندوة، و ذلك بعد أن أستدعي ممثلها إلى وزارة الخارجية ليتم إعلامه بأن الهيئة المديرة للرابطة « غير شرعية » و أن أي تعامل معها يعتبر « مخالفا للقانون » (وفق ما جاء في رسالة من مؤسسة فريدريش إيبرت للرابطة). و يبرز هذا التنبيه الموجه للمؤسسة المذكورة تطورا خطيرا في المسار التصعيدي للسلطة ضد الرابطة لخنقها و الإجهاز عليها. و يهم الهيئة المديرة أن تؤكد إدانتها الشديدة لهذا الإعتداء الصارخ على الرابطة و على حقها في الإجتماع و النشاط وهو يبرز بشكل صارخ زيف الإدعاءات المتكررة بأن « الرابطة تمر بأزمة داخلية لا دخل للسلطة فيها » و تدعو الهيئة المديرة السلطة للكف عن هذه الممارسات و عدم التدخل في شؤون الرابطة و تمكينها من العمل بكل حرية و رفع الحصار المضروب منذ سبتمبر 2005 على مقرات الفروع داخل الجمهورية و على المقر المركزي بالعاصمة، و فتح باب الحوار مع هياكل الرابطة لحل المشاكل العالقة و هو الحوار الذي ما إنفكت الهيئة المديرة تدعو إليه. و تدعو الهيئة المديرة الرابطيات و الرابطيين اللإلتفاف حول منظمتهم و منع كل محاولات الإجهاز عليها، كما تدعو كل القوى من أحزاب و منظمات و شخصيات وطنية و كذلك المنظمات الدولية و كل أصدقاء الرابطة للوقوف إلى جانبها و مؤازرتها في هذه الظروف العصبة.  عـن الهيئــة المديــرة الرئيـــس المختــار الطريفــي

عاجل صفاقس: حالة طوارء و تعنيف للمحجبات

 

 
علمنا انه تمت محاصرة المركب  الجامعي  بصفاقس منذ صبيحة اليوم الجمعة 18 ماي بعدد هام من البوليس.  كما وقعت اشتباكات خطيرة هي الأولى من نوعها بالنسبة لهذه السنة بين عدد من الطلبة و مجموعة من رجال الأمن و يأتي هذا التصعيد اثر تدخل رجال الأمن بالقوة لنزع حجاب  بعض الطالبات و تعنيفهن، كما علمنا أن إحدى الطالبات في حالة سيئة جرّاء الاعتداء هذا و نعلم متصفحي موقع طلبة تونس أن أجواء أمنية متوترة جدّا تمر بها البلاد تحول دون تمكيننا من الاتصال بمراسلينا و مدّكم بالتفاصيل

 
(المصدر: موقع طلبة تونس بتاريخ 18 ماي 2007)
 

من النشرة الأسبوعية للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان

تونس ======== الذكري الثلاثين الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أقدم واعرق منظمة لحقوق الإنسان في الوطن العربي والقارة الإفريقية. تحتفل بالذكرى الثلاثون لتأسيسها ولعبت الرابطة منذ تأسيسها دورا متميزا في الدفاع عن الحقوق الأساسية للمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية، ووقفت إلى جانب كل سجناء الرأي ورفضت الأحكام القاسية التي أصدرت ضدهم وطالبت بإطلاق سراحهم كما أنها ماانفكت تطالب السلطة بسن العفو التشريعي العام . والشبكة العربية تهنئ أعضاء الرابطة بعيدهم الثلاثين متمنية أن يأتي الاحتفال القادم في ظروف أفضل نحلم بها جمعيا للمناضلين عن حقوق الإنسان في تونس . محاكمة عادلة السيدة فطيمة بوراوي والدة السجينين السياسيين التوأمين خالد العيوني و وليد العيوني تواصل إضرابها عن الطعام بمنزلها الذي بدأته منذ 3 مايو وقد بدأت حالتها الصحية في التدهور إذ أصبحت غير قادرة على الوقوف.و قد تلقت السيدة فطيمة مكالمات هاتفية عديدة من عائلات المساجين السياسيين و من الجمعيات و المنظمات الحقوقية للتعبير لها عن المساندة و إشعارها بدخول بعض العائلات في إضرابات عن الطعام للتعبير عن سخطها لما يتعرض له المساجين السياسيون من تعذيب و من سوء معاملة. المصادر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين مزيد من المعلومات والموضوعات على صفحة تونس : http://www.hrinfo.net/tunisia ========================== الرابط: http/www.hrinfo.net/newslatter/2007/update0516.shtml

 

مراسلون بلا حدود» تُدين الاعتداء على صحافي تونسي

أدانت منظمة «مراسلون بلا حدود» الاعتداءات الجسدية المتكررة على الصحافي التونسي سليم بوخضير خلال الأسبوعين المنصرمين، بسبب اتهام الأخير لأحد أقارب الرئيس زين العابدين بن علي، في مقاله، بالإهمال ما تسبب بمقتل سبعة شبان في تدافع خلال حفلة لطلاب ستار أكاديمي أقيمت في مدينة صفاقس في 30 نيسان المنصرم. مع الإشارة إلى ان «الاعتداء الأول على بوخضير كان في الثالث من أيار، عندما حاصرته عناصر من الشرطة بثياب مدنية وقامت بمهاجمته وركله ناعتة إياه بالخائن والجاسوس. في حين ان الاعتداء الثاني وقع أول من أمس من قبل عنصر واحد تابع للشرطة»، بحسب بيان المنظمة. وكان بوخضير قد ربط الاعتداءات المتكررة عليه بمقال كان قد كتبه بعد مقتل الشبان السبعة أثناء الحفل الموسيقي، لام فيه إهمال منظم الحفل الذي هو قريب زوجة الرئيس التونسي (السفير). (المصدر : صحيفة « السفير » ( يوميّة لبنانية ) بتاريخ 18 ماي 2007 ) الرابط : http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=638&ChannelId=13948&ArticleId=1565


 

بعد كشفه لتجاوزات أشقاء حرم الرئيس التونسي : منظمات دولية عديدة تدين الإعتداءات الجسدية الخطيرة مؤخرا على مراسل « وطن » في تونس سليم بوخذير

   

واشنطن – وطن – خاص  ندّدت منظمات حقوقية دولية باعتداءات جسدية خطيرة تعرّض لها الصحافي التونسي سليم بوخذير علي أيدي بلطجية إعتدوا عليه بعد أن جلبوه لهم أعوان البوليس السياسي التونسي الذين كانوا يراقبونه طوال الوقت في الطريق.    و قال الإتحاد الدولي للصحافيين في بيان له مساء أمس الإربعاء من مقرّه ببروكسل إنّ « مسلسل الإعتداءات على الصحفي التونسي سليم بوخذيرمن قبل مجرمين متواطئ معهم البوليس التونسي ، متواصل بسبب مقالات إنتقد فيها تجاوزات أشقاء حرم الرئيس التونسي  » .

 و وصف الأمين العام للإتحاد الدولي السيد أيدن وايت في البيان حالة هذا الصحفي التونسي بـ »التراجيدية في ظلّ تكرّر الإعتداءات عليه لإثنائه عن أداء دوره كصحفي مستقل و محايد » ، مُطالبا السلطات التونسية بإيقاف مسلسل الإعتداءات على الزميل بوخذير .

 من جهتها قالت منظمة « مراسلون بلا حدود » المدافعة عن الصحافيين، والتي تتخذ من باريس مقرا لها، إنّ الزميل سليم بوخذير مراسل « الوطن » في تونس و الكاتب المعروف بعديد وسائل الإعلام العربية و الدولية ، قد تعرض لاعتداءات جسدية عدة مرات آخرها مساء الثلاثاء 15 مايو2007 ، بينما كان يغادر مقهي أنترنت في العاصمة تونس على مقربة من مقرّ منظمة حقوقية تونسية هي المجلس التونسي للحريات .

 و تابعت  » مراسلون بلا حدود » في بيان لها من مقرّها بباريس ، إنّ » هذه الإعتداءات أتت إثر كشف سليم بوخذير في مقالات له عن مسؤولية أحد أقرباء الرئيس زين العابدين بن علي عن التدافع الذي أودى بحياة عدة مراهقين في خلال الحفل الموسيقي لنجوم ستار أكاديمي اللبناني ».

 وقالت المنظّمة إنّ الإعتداء على الزميل بوخذير ليس الأوّل بعد إنتقاده في مقالاته لصهرالرئيس التونسي حسام الطرابلسي ، حيث تعرض لاعتداء جسدي آخر في يوم 3 ايار (مايو) الماضي المصادف اليوم العالمي لحرية التعبير،على يد أعوان البوليس قرب مكتب المحامية المعارضة راضية نصراوي بالعاصمة تونس.

 و سقط في حفلة الموت بمدينة صفاقس التونسية مساء 30 إبريل الماضي العشرات بين قتلى و جرحى نتيجة تدافع الجمهور بسبب الإكتظاظ الشديد جدا في المدارج الناجم عن بيع منظّم الحفل حسام الطرابلسي لعدد مهول من التذاكر يفوق بكثيرطاقة إستيعاب المسرح .

 و أصدرت الحكومة التونسية قرارا بمنع نشر إسم المنظم الحقيقي للحفل و هو صهر الرئيس التونسي ، رغم إشارة ومضات الدعاية للحفل و اللافتات بالشوارع لمسؤوليته منفردا عن تنظيم الحفل لاالذي إنتهى بكارثة .

 و كان بوخذير كشف في مقال آخر له عن نبأ يُعتبر « مُحرّما » في تونس يُفيد بإعتقال السلطات التونسية ل 5 أعوان أمن تونسيين و تقديمهم للمحاكمة ، وذلك بسبب محاولة إيقافهم لفهمي الطرابلسي الصهرالآخرللرئيس التونسي على إثر تلقيهم شكوى من صاحب إحدى حانات مدينة الحمامات السياحية التونسية تُفيد بتعنيفه للنادلين و إمتناعه عن سدادا إستهلاكه بسبب حالة السكر الشديد . كما كان الزميل سليم بوخذيرالمصدر الذي إعتمدت عليه بعض الفضائيات في إستيقاء هذا النبأ الذي تكتّمت عن ذكره وسائل الإعلام الحكومية في تونس .  يُذكر أن الحكومة التونسية أصدرت منذ أكثر من شهرين قرارا بحجب موقع صحيفة « وطن » في تونس بسبب تقارير محايدة نشرناها عن تونس .   *( المصدر : موقع صحيفة « وطن » (الولايات المتحدة الأمريكية) بتاريخ 17 ماي 2007 ).   الرابط :   http/www.watan.com/index.php?name=News&file=article&sid=411  


في تقرير مشترك لصندوق النقد الدولي و البنك العالمي النظام البنكي التونسي في حاجة إلى تأهيل شامل

تونس: سفيان الشّورابي على غرار بقية القطاعات الاقتصادية، يمرّ النظام المصرفي التونسي بمعضلات كبيرة تقف عائقا أمام تطوره و إقلاعه. و تتأكد حاجته إلى عملية تطهير و إصلاح ضخمة لتحقيق التوازن المطلوب له و تيسير المعاملات البنكية. ففي تقرير اقتصادي أعده مجموعة من الخبراء التابعين للبنك العالمي و لصندوق النقد الدولي حول هذا القطاع؛ أكد أن البنوك التونسية تعاني خللا واضحا في عملها.

غياب العقوبات على المخالفين

قام معدو التقرير بزيارات ميدانية للبنوك المحلية التونسية، بغاية البحث حول درجة مطابقة المصاريف التونسية للمعايير العالمية، و بالخصوص لاتفاقية بال Bâle التي تنظم عمليات المراقبة و المحاسبة و المعاقبة في البنوك. وبحثوا في مدى تطابق التشريعات التونسية معها. و أفرزت عمليات التفقد إلى اكتشاف أن غالبية البنوك التونسي، حكومية كانت أو محلية، تقوم بخروقات هامة و واضحة لمبادئ و لبنود هذه الاتفاقية. وهو ما يضعف من تنافسيتها و يقلل من قدرتها على كسب تحديات السوق المالية.

فحسب ما ورد في التقرير، تشكل القروض المقدمة التي لا توجه إلى عمليات الإنتاج نسبة كبيرة تساوي 20% من عمليات التسليف. و ترتفع أيضا قيمة الديون البنكية المشكوك في استرجاعها و الديون السيئة التي لا تحترم مدد خلاصها بدرجة كبيرة.

و أعاد المحللون الاقتصاديون سبب ذلك إلى غياب جهاز رقابي سليم يتمتع بالاستقلالية الكافية التي تسمح له بدرء التجاوزات و الاختلالات الصادرة عن البنوك المحلية و المصارف الأجنبية العاملة في تونس. فالتقرير شدّد على ضرورة فرض عقوبات صارمة تجاه الهيئات البنكية، و أشار إلى وجود خلاف مع البنك المركزي حول ضرورة وضع نظام متكامل للعقوبات و ذلك من أجل الحفاظ على مصداقية هياكل البنك المركزي. وطالب بتحويل لجنة البنوك التي تتولى عملية معاقبة البنوك المخالفة و التي لا تنشط إلا نادرا إلى هيئة قارة و إعطائها الصلاحيات الكاملة لتتبع المتجاوزين من البنوك. أما فيما يتعلق سياسة التسليف و تقديم القروض، ألح التقرير على مساوئ الاعتماد على الضمانات فقط مقابل ضخ السيولة المالية، في حين كان الجدير على المؤسسات البنكية التركيز على القيام بدراسات تحليلية حول مخاطر عمليات التقريض، ومتابعة النتائج المتحققة عنها، و بالأخص وضع نظام مفوض للتحكم في المخاطر المنجرة عن عدم تسديد الديون.

كما أثار التقرير قلة الحزم تجاه عمليات تبييض الأموال غير الشرعية، و ملاحقة مرتكبيها. إضافة إلى انعدام التوقيع على اتفاقيات بين السلط الأمنية و بين أجهزة الرقابة البنكية، إلى جانب عدم التوقيع على معاهدات دولية مع حكومات و هيئات من أجل تبادل المعلومات و تتبع المخالفين و تردي قيمة وجودة المعلومات المتوفر للزبائن. وهي مؤشرات مقلقة لو علمنا بأن البنوك التونسية كانت قد مولت خلال الأشهر التسع الفارطة إنجاز 1600 مشروع باستثمارات تفوق 1300 مليون دينار. 1 دولار أمريكي = 1.3 دينار تونسي

 
(المصدر: موقع مكتوب الإخباري بتاريخ 18 ماي 2007)
 

 

بــن عــلــي حــاكـــمـــا لــتــونس مــدى الــحــيــاة

 

تونس ـ وكالة تونيزين للأنباء
( مراسلة خاصة من جمهورية الغد )
 

أجاز البرلمان التونسي اليوم بأغلبية ساحقة مشروع قرار يتيح للرئيس زين العابدين بن علي البقاء في منصبه مدى الحياة
وحظي المشروع بموافقة جميع النواب في غرفتي البرلمان باستثناء نائب واحد ينتمي إلى حزب التجديد ـ الحزب الشيوعي التونسي سابقا ـ وينص المشروع على تعديل الدستور الذي  كان يحدد سقف الترشح للرئاسة بخمسة و سبعين عاما
واعتلى الجنرال بن علي سدة الحكم في السابع من نوفمبر من العام سبعة و ثمانين تسعمائة و ألف و قد لاحظ المعلقون أن عبارة ،، لا مجال لرئاسة مدى الحياة ،، قد اختفت من بيان السابع من نوفمبر المنشور على بعض مواقع الإنترنات الرسمية؛ و المعلوم أن هذا البيان هو الذي خبر التونسيين بخلع الرئيس السابق الحبيب بورقيبة لأسباب صحية
و إثر التصويت على التنقيح الدستوري هتف النواب لمدة سبع دقائق، » بن علي إلى الأبد ، بن علي ما كيفو احد، « و  قد علق نائب التجديد مازحا: »  جمهورية الغد انقلبت إلى جمهورية الأبد »؛
 

عمر الخيام


 

اعترافات الهاشمي الحامدي حول خفايا المصالحة

حاوره الطاهر العبيدي / تونس أونلاين نت

 

taharlabidi@free.fr

* الرئيس بن علي لن يمانع في اتخاذ إجراءات كريمة مشجّعة في العام الخمسين لإعلان الجمهورية والعام العشرين لصعوده إلى سدّة الحكم.

*ما الفائدة من بيان الشيخ راشد غير تعميق العداء الشخصي بين الحركة ورئيس الدولة؟ 

* تقسيم المجتمع المسلم إلى إسلاميين ومسلمين فكرة خطيرة

*عندما يخرج الإنسان ويستقيل من تنظيم عقائدي، فإن العلاقة بينهما تتأزّم إلى حد كبير

* السجن والقمع يشوّهان طبيعة الأشياء

* فكرة الحزب الإسلامي في مجتمع مسلم لم تعد تقنعني

 

لأجل ملفّ أصيب بالتقادم وبات مؤرّقا للجميع، ولأجل قضية أصبحت عنوان الـتأزم السياسي وتعطيلا للنمو والتغيير، ولأجل مساجين خرّبت أحلامهم وطموحاتهم وأكلت من أعمارهم ومن شبابهم المعتقلات والسجون، ولأجل عائلات دفعت فواتير باهظة من الأذى والقهر والدموع، ولأجل منفيين افترستهم الغربة ومزّقهم الاشتياق والحنين، ولأجل وطن عوض أن يكون للجميع أضحى موصدا في وجه المعارضين،

ومن أجل خصومة سياسية الرابح فيها مذموم والخاسر حبيسا في مربع الضحية والطعون، لأجل هذا وذاك استدعينا لهذا الحوار، أحد القيادات التاريخية للاتحاد العام التونسي للطلبة، وأحد الوجوه الإعلامية البارزة، الدكتور محمد الهاشمي الحامدي مدير قناة المستقلة والديمقراطية،

الذي تثير تصوراته حول المصالحة بين الإسلاميين والسلطة التونسية الكثير من الجدل، بين مشكك ومساند، وبين متعاطف ومعارض، وبين متحفظ ومتفائل، وبين مستبشر ومتشائم، لمحاولة التعرّف على ملامح هذا الطرح، استضفناه في هذا اللقاء الذي لم يتردد مشكورا في الرد على أسئلتنا في نفس اليوم، رغم المشاغل والارتباطات، كما لا يخفى على العيون.

          

« اعترافات لم يسجلها قلم التحقيق » عنوان لسلسلة من المقالات بإمضاء محمد الهاشمي الحامدي، على صفحات جريدة الرأي في بداية الثمانينات، كانت لاقت تفاعلا من طرف القراء، حيث كنت توصّف فيها ظروف الاعتقال السياسي، وواقع الزنازين، والسطو على أحلام الشباب الطالبي، وإكبارك لزعماء الاتجاه الإسلامي، فأين أنت الآن من تلك الرؤى، وما هي أهم محطات التغيير لديك، التي جعلتك تأخذ مسافة فاصلة بين الماضي والحاضر؟

 ـ بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة صاحب الخلق العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم التحية والتقدير لك أخي الطاهر العبيدي ولجهودك الإعلامية الرائدة التي تحظى باحترام قطاع واسع من التونسيين. وفقك الله وكثر من أمثالك.

« اعترافات لم يسجلها قلم التحقيق » عنوان مرحلة مهمّة ومؤثرة في حياتي. كتبت تلك المقالات قبل أن أبلغ العشرين بعام واحد. قبلها بسنوات قليلة، كنت تلميذا في المعهد الثانوي المختلط بسيدي بوزيد. عرض عندنا عام 1977 الشريط السينمائي المشهور « الرسالة » للمخرج العالمي الشهيد مصطفى العقاد رحمه الله. عبر فيلم الرسالة انتبهت مجدّدا إلى الكنز العظيم الذي امتن به الله سبحانه وتعالى على العرب وعلى الناس كافة، كنز الإسلام. وغدوت من بعده متديّنا مواظبا على فروضي الدينية. جزى الله مصطفى العقاد عني خير الجزاء.

انتميت في نفس العام إلى التيار الإسلامي النشط على الساحة آنذاك، الاتجاه الإسلامي. وواصلت نشاطي الحركي فيه بعد دخولي إلى الجامعة خريف عام 1981. في 8 جانفي 1983 اعتقلت مع المكتب القيادي للاتجاه الإسلامي في الجامعة. كنت مشرفا على المكتب السياسي في هذا المكتب، وكان أميرنا  » علي شنيتر  » فرّج الله عنه. كان نشاطنا منصبّا على صياغة ميثاق للتعايش السلمي بين التيارات الطلابية وتأسيس اتحاد طلابي.

وجدت نفسي في السجن مع زملائي في المكتب القيادي الطلابي، وعدد من قادة حركة الاتجاه الإسلامي في تلك الفترة، ومع عدد من القادة الإسلاميين الذين سجنوا قبلنا، في صيف عام 1981.

كنت متحمّسا لأفكاري وقناعاتي. وكنت أعرف أن السجن نتيجة من نتائجها المحتملة. وبعد خروجي من السجن في 17 جويلية 1983، واصلت خدمة تلك القناعات، وانتخبت أميرا للاتجاه الإسلامي في الجامعة عام 1984.

مباشرة بعد خروجي من السجن أيضا، دخلت عالم الصحافة عبر تلك المقالات الأسبوعية عن تجربة السجن السياسي، والتي اخترت لها عنوان « اعترافات لم يسجلها قلم التحقيق ». كنت أسعى لأكشف عن الإنسان في شخصية كل معتقل إسلامي، ولأزيح الغطاء التنظيمي عن كل واحد منهم، ليرى كل تونسي فيهم أخا أو ابنا أو صديقا. كنت رومنسيا أروّج للمحبة بين التونسيين. وأظن أنني لم أفقد هذه الرومنسية حتى اليوم. وشجّعني على كتابة تلك المقالات الشهيرة واحتفى بها صديقي أبو بكر الصغير الذي كان رئيسا لتحرير جريدة « الرأي » في تلك الفترة. الحق أنه صاحب فضل عليّ في دخول الساحة الإعلامية من بابها الكبير. جزاه الله عني خير الجزاء.

كانت الجامعة التونسية آنذاك تموج بالتيارات الفكرية والسياسية، اليسارية والقومية والإسلامية. وقد اعتقل قبل الإسلاميين نشطاء يساريون وقوميون. وكنت ومازلت أرى أن الدولة يجب أن تبدي قدرا أكبر من التسامح مع طلابها وشبانها.

عندما التحقت بجامعة لندن عام 1988 اكتشفت أن اتحاد الطلاب لا يثير الكثير من الاهتمام لدى الطلاب مع أنه قائم ونشط ومفيد. بينما كثيرون من أبناء جيلي سجنوا من أجل قيام مثل هذا الاتحاد أو إحياء الاتحاد السابق.

اكتشفت أن الحرية تسمح بنمو طبيعي للأشخاص والأفكار، وتضع كل طرف في حجمه الحقيقي. السجن والقمع يشوّهان طبيعة الأشياء. ويلحقان أضرارا بليغة بالمصلحة العامة، من خلال الجروح التي تصيب أولئك الشبان المتحمّسين في عمر الزهور.

بعد ما يقرب من عشر سنوات من اعتقالي، استقلت رسميا من حركة النهضة، واخترت أن أعمل لوطني وديني وللقرية العالمية التي أنتمي إليها متحرّرا من القيود الحزبية.

منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، تعلمت المزيد من الدروس من الجامعة ومن مدرسة الحياة، ومازلت أتعلم.

فكرة الحزب الإسلامي في مجتمع مسلم لم تعد تقنعني. درستها جيّدا ووجدت أن أضرارها على الدين والوحدة الوطنية أكثر من منافعها.   

تسييس المساجد أيضا فكرة غير مفيدة.

تقسيم المجتمع المسلم إلى إسلاميين ومسلمين فكرة خطيرة أيضا على وحدة هذا المجتمع وعلى مكانة الدين فيه. قد يكون فيها منافع قصيرة المدى، لكن أضرارها أكبر من منافعها.

لذلك أدعو لنهج جديد، وطني ومعتدل، يبني على تراث الحركة الوطنية، ويتطلع لمجتمع ديمقراطي مسلم متسامح، فخور بهويته العربية الإسلامية.

 

عفوا د.الهاشمي إن كنا ننبش معكم بعض جزئيات الماضي، ذلك لأنه في تقديرنا لا يمكننا استيعاب الحاضر بمعزل عن فهم بعض ملابسات الماضي، وفي هذا الإطار يؤكد البعض أن سبب خلافكم مع حركة النهضة طيلة هذه السنين، كانت خصومة شخصية، حول رفض طلبكم الإشراف على رئاسة تحرير جريدة الفجر قبل مصادرتها، ممّا جعلكم تقدّمون استقالتكم، وتنقلبون على رفاق ألامس، وتتعمّق القطيعة والجفوة بينكم وبين حركة النهضة فما حقيقة الأمر؟

كنت عضوا بالمكتب السياسي لحركة الاتجاه الإسلامي لفترة من الوقت خارج البلاد، وكنت هاجرت من تونس عام 1986، شهورا قليلة بعد حصولي على الإجازة في اللغة والآداب العربية. في سبتمبر 1987 حكم عليّ غيابيا بالسجن عشرين عاما مع الأشغال الشاقة بتهمة الانتماء إلى حركة الاتجاه الإسلامي. وفي جوان 1988، اتصلت هاتفيا بالرئيس زين العابدين بن علي وتحدثت معه لمدّة ربع ساعة تقريبا عن تسوية ملفّات الماضي.

انتهت المكالمة بموافقته على عودتي للبلاد، وبتأكيد منه أنه منكبّ على تسوية ومعالجة ملف حركة الاتجاه الإسلامي في وقت قريب. نشرت أخبار المكالمة على الصفحة الأولى في جريدة « الشرق الأوسط » وفي جريدة « الصباح » داخل تونس.

وبالفعل عدت إلى تونس، ورتّبت عودة آخرين من قياديي الحركة في الخارج آنذاك أشهرهم الشيخ عبد الفتاح مورو، واعترضنا على الأحكام الغيابية التي خفّفت ثم صدر بشأنها عفوا رئاسيا.

بقيت أعمل في الخارج مشرفا على صفحة الدين والتراث في جريدة الشرق الأوسط اللندنية وطالبا لدرجتي الماجستير ثم الدكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن.

في صيف عام 1990 تم تجميد عضويتي في المكتب السياسي لحركة النهضة، بسبب مواقف أعلنتها ومقالات كتبتها اعتبرت مخالفة لسياسة الحركة. تعلقت هذه الخلافات بالتصعيد مع السلطة، وكنت لا أرى فائدة فيه مهما كانت الضغوط، وبحرب الخليج لأنني كنت لا أرى فائدة من الانحياز للموقف العراقي آنذاك بعد غزو الجيش العراقي للكويت.

بقيت عضويتي في المكتب مجمّدة إلى حين استقالتي في ماي 1992. لم تكن تجربة طيبة أن تكون معارضا لنظام الحكم في بلادك، ومجمّدا في الحزب المعارض الذي تنتمي إليه. جريدة الفجر التي أشرت إليها مسألة ثانوية جدّا، ولم تكن لها أهمية إلا من جهة تأكيدها لي آنذاك أن ظروف العمل الطبيعية مع رفاق الأمس أصبحت شبه معدومة.

سألت نفسي في نهاية العامين: هل هناك فائدة من أن أكون معارضا للحكم في تونس ومعارضا مجمّدا داخل حزبي المعارض؟ الجواب الذي وصلت إليه: لا. وبطبيعة عملي ككاتب وإعلامي، فإن أسباب أو دواعي الاحتكاك والخلاف مع أصدقائي في الحركة كانت كثيرة، وكانت مرهقة نفسيا لي ولهم على ما أظن.

لذلك رأيت أن أضع حدا لهذه العلاقة المتعثرة منذ عامين، وأن أعمل ككاتب وإعلامي مستقل، أعبر عن قناعاتي التي أؤمن بها، من دون أن أضايق الآخرين.

 

هل كانت لك جسور تواصل بينك وبين قيادة النهضة طيلة سنوات المقاطعة أم بقيت لك فقط علاقات خاصة مع البعض بحكم الانتماء الجهوي والتقارب الفكري  ؟

 ـ عندما يخرج الإنسان ويستقيل من تنظيم عقائدي، فإن العلاقة بينهما تتأزّم إلى حد كبير، وتحتاج إلى وقت طويل من أجل أن تصبح هادئة وعادية.

اقرأ مثلا بعض تفاصيل الخلاف بين قيادة جماعة الإخوان والشيخ محمد الغزالي في الخمسينيات. وانظر إلى تجليات بعض الخلافات التي جرت في صفوف الإخوان السوريين قبل عقد من الزمان، وفي صفوف الإسلاميين السودانيين. واقرأ إن شئت الردود الصحفية المنشورة للمهندس أبو العلا ماضي على المرحوم مأمون الهضيبي بعد خروج الأول عن جماعة الإخوان المصرية. واسأل اليساريين إن شئت والقوميين في تونس وخارج تونس عن تجاربهم مع من يخرج عن تنظيماتهم.

على نفس النمط ولكن بدرجة أقل فيما أعتقد، توتّرت العلاقات بعد استقالتي بيني وبين رفاق الأمس في حركة النهضة لعدّة سنوات. انتهت صداقات الأيام التنظيمية كلها تقريبا. احتاج الأمر لعدّة سنوات من أجل تهدئة حقيقية في التوتر الذي شاب هذه العلاقات لفترة طويلة.

قبل عامين، نشرت عدة مقالات عن الصلح والوفاق، وأظن أن هذه المقالات أسهمت في معالجة الموقف.

أؤمن بأن مقتضيات الأخوّة الدينية والوطنية تحتّم علينا جميعا نحن التونسيين، أن يتحمل بعضنا بعضا، وأن يتسامح بعضنا مع بعض، وأن يغفر بعضنا لبعض.

أؤمن بالحب بين أبناء الوطن الواحد. وأبناء حركة النهضة أهلي، أحبّهم كما أحبّ بقية التونسيين. قلت لهم قبل عامين في مقالات علنية: ما أخطأت به في حقكم منذ استقالتي من حزبكم فأنا معتذر عنه، وما أخطأتم فيه بحقي فأنا مسامح ومتنازل ولا أطلب منكم اعتذارا بشأنه.

أظن أن هذا هو مقتضى التوجيه الشرعي والوطني في مثل هذه الحالات.

 

سنة 1998 سعيتم إلى مصالحة أدّت إلى إطلاق سراح أعداد من المساجين الإسلاميين، وكانت تحت عنوان عفو خاص، توسّطم فيها مباشرة مع رئيس الدولة، وقد حام الكثير من الجدل حول تلك المبادرة،

وبقيت محل تلاسنات في الكواليس، فلو تعطينا ملخّصا لتلك المبادرة، وما هي العوائق التي حالت دون إتمام المهمة؟

كانت تلك المبادرة في رأيي فرصة ذهبية لإصلاح ذات البين بين السلطة والإسلاميين في تونس. الرئيس بن علي تجاوب معي لأبعد الحدود، وأبدى استعداه لحل جذري للمشكلة. جزاه الله عنيّ خير الجزاء. كنت طلبت أن أتشرّف بمقابلته بمناسبة الذكرى العاشرة لتغيير السابع من نوفمبر، فاستقبلني في 12 سبتمبر 1998.

رويت في مناسبات سابقة أن رئيس حزب سياسي قانوني معروف حذرني بأنني لن أخرج سليما من قصر قرطاج إذا فاتحت الرئيس في شأن تسوية ملف الإسلاميين. لكنني فعلت، وحدثت الرئيس بكل صراحة عن أهمية معالجة هذا الملف وتسويته.

تحدثت مع الرئيس بن علي أيضا في شأن السياسة الدينية، وفي شأن السيد خميس قسيلة والدكتور محمد مواعدة وكانا سجينين آنذاك، وفي شأن السيد محمد مزالي والدكتور أحمد القديدي.

أثمرت المقابلة الأولى قبولا عمليا بإعادة النظر في ملف الإسلاميين. تم تسهيل عودة عدد منهم ورفع أحكام المراقبة الإدارية عن عدد آخر.

وفي مساء 28 أكتوبر 1999، حصلت من الرئيس بن علي، في حديث مباشر معه، على وعد بتسوية ملف الإسلاميين قبل أدائه قسم الولاية الرئاسية الجديدة في 15 نوفمبر 1999، بصيغة حزب سياسي أو جمعية دينية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء قيود الرقابة الإدارية على المعتقلين السابقين.

قلت للرئيس بن علي إنني سأسعى لأن تصله رسالة مباشرة من قيادة حركة النهضة قبل 15 نوفمبر. وطلبت منه التكرّم باتخاذ بعض الخطوات التي تيسّر دفع هذه المساعي فوعدني خيرا.

اتصلت هاتفيا في ذات المساء بالشيخ راشد الغنوشي فقيل لي إنه غير موجود. تحدثت مع اثنين ممن عملا معي في قيادة الاتجاه الإسلامي في الجامعة. دعوتهما إلى بيتي في ذلك المساء وطلبت منهما عرض الأمر على قيادة حركة النهضة بأسرع وقت. لكن لم يصلني أيّ جواب.

تم إطلاق سراح قرابة سبعمائة سجين يوم 5 نوفمبر 1999، وأعلنت عن ذلك شخصيا من الدوحة في برنامج « حصاد اليوم » على شاشة قناة الجزيرة. وكان يحاورني آنذاك الأستاذ جمال ريان. كما أعدت تقديم العرض الذي وعد به الرئيس بن علي وطالبت الإسلاميين بالتجاوب واغتنام الفرصة.

في اليوم الموالي ظهر  الشيخ راشد في برنامج « حصاد اليوم » مع الأستاذ محمد كريشان، وهنا أحيّي الرجلين وأدعو لهما بالتوفيق. الشيخ راشد أكد خبر الإفراج عن المعتقلين، لكنه قال إنهم خرجوا من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر، وتحدث في الحوار كله على هذا النحو السلبي.

كنت أرجو أن يقول الشيخ راشد ما خلاصته إنه يرى في هذا الإفراج خطوة طيبة في الاتجاه الصحيح، وأنه يرحّب بها، وأنه مستعد للتباحث مع الحكومة التونسية مباشرة في كل ما من شأنه تسوية هذا الملف وتعزيز الوفاق الوطني. جملة واحدة تفتح الباب لمشاورات مباشرة، من دون وسيط، بين السلطة وحركة النهضة.

لكن اللهجة كانت لهجة معارض غاضب يريد اغتنام الدقائق القليلة المتاحة في حصاد اليوم لتسجيل نقاط ضد السلطة. وتلك أيضا كانت اللهجة التي سادت في برنامج « الاتجاه المعاكس » بيني وبين الشيخ راشد يوم 26 أكتوبر 1999″.

كنت أدعو الله أن يلهمه قول ما يزيل الحواجز بينه وبين الرئيس بن علي، وما يزيل الحواجز بين حركته والسلطة. كنت آمل أن يقول: ما دام هناك حديث عن العفو والمصالحة، فأنا أرحب بهذا التوجه، وأدعمه، وأعرب عن استعدادي لبحث تفاصيله مع السلطات التونسية مباشرة.

ربما كان الإعلامي المتألق الدكتور فيصل القاسم سيخسر حدّة المواجهة التي تميّز برنامجه الأسبوعي المشهور. لكن تونس كانت ستكسب كثيرا من مثل هذا التوجه الوفاقي. 

للأسف، حصل العكس، وضاعت الفرصة. 

 

ما يعاب على الدكتور الهاشمي حسب المتابعين، أنه متقلب في مواقفه، فمرّة ينفتح على المعارضة، ومرّة ينحاز للسلطة، ومرّة يلتزم الصمت ويكتفي بالفرجة، مما جعل البعض لا يطمئن لمواقفكم ويشكك في المصداقية السياسية؟

مواقفي الأساسية ثابتة.

أحلم بربيع تونس الجميل يضمّ إلى صدره الحاني كل التونسيين والتونسيات. أحلم بالحرية والأمن والطمأنينة لكل تونسي وتونسية. وأريد الصلح والوفاق بين التونسيين وأكره الفرقة والخلاف.

تاريخي في السعي للصلح والوفاق ليس فيه أية تحولات أو تبدلات خلال العقدين الماضيين.

حافظت على علاقاتي دائما مع من عرفتهم من أهل السلطة ومن نشطاء المعارضة.

تبنيت شعار الكلمة الطيبة في السياسة التونسية ودافعت عنه باستمرار.

لم أستقل من الحركة الإسلامية التونسية لأطلب الانضمام إلى الحزب الشيوعي.

مرجعيتي الفكرية كمسلم ديمقراطي لم تتغير في العقدين الماضيين.

عطائي في ساحة الفكر الإسلامي والتجديدي تضاعف ولله الحمد. كتبت السيرة النبوية الشريفة للقرية العالمية، وبدأت هذا الشهر تفسير القرآن الكريم برؤية معاصرة، رؤية ولغة مواطن في القرية العالمية، متحمس لحوار الثقافات والحضارات، منفتح على اليهود والمسيحيين والهندوس والبوذيين والغربيين وغيرهم.

لست موظفا في السلطة ولم أكن أبدا موظفا فيها. هناك معارضون عملوا وزراء ونوابا في البرلمان ثم انقلبوا على السلطة. وأنا لست منهم.

الناس يشيرون إلى برنامج « المغرب الكبير » في قناة المستقلة عامي 2001 و2002.  ذاك البرنامج كان محاولة لتقديم إضافة كبرى نوعية في مسيرة الإعلام التونسي، وقد استمر لمدة عام، ونجح كما لم ينجح أي برنامج تلفزيوني آخر في تاريخ الإعلام التونسي، ثم توقف، وهذا أمر يحصل بشكل روتيني في وسائل الإعلام.

ربما أكون قد حاولت أحيانا الرد على كثير من خصومي الإسلاميين الذين عملوا على تشويه سمعتي في العديد من البلدان العربية والإسلامية بصفتي « عميلا » لدى النظام التونسي. 

وربما أكون حاولت أن أقول لبعض من عرفتهم في كواليس السلطة، ممن فتر حماسهم تماما لتسوية المطالب الفردية والإنسانية للعديد من الإسلاميين، ورفضوا طلبا مني بالنظر في إمكانية إلغاء المنشور 108، أنهم لا يستطيعون الحفاظ على أصدقائهم المخلصين الذين يدافعون عن قناعاتهم علنا وبشجاعة إذا لم يكونوا مستعدين لمراعاة حقوق هذه الصداقة.

ثم إن السياسة التونسية صعبة جدا على كل حال، والأدلة لا يمكن عدّها ولا حصرها من تجارب الساسة المعاصرين. وقد أكون أخطأت أو أسأت التقدير في بعض المواضع. وقد أكون تحمّست في مواضع تستدعي الهدوء، وتسرّعت في مواضع تستدعي التأني. كنت أعمل وأتعلم ممن حولي ومن تجاربي ومن أخطائي أيضا. لم أدّع الكمال يوما، ورحم الله إمرء أهدى إلي عيوبي.   

عندما أتدخل في موضوع أرجّح أن تدخلي سيكون مفيدا، وعندما أصمت فلأنني أرى أن الصمت هو الخيار الأوفق.

أتعلم من تجاربي ومن تجارب الآخرين من أجل أن يكون عملي في الساحة العامة مفيدا. أحاول دائما أن أعلي من مبادئ حقوق الإنسان والوفاق والديمقراطية وأن أعمل بكل ما في وسعي لنصرة هذه المبادئ في تونس.

وأصوغ بعض اجتهاداتي الخاصة لمعالجة ملف الإسلاميين لأنه ملف تحيط به ملابسات خاصة لا يجهلها أحد. ملف معقد وأفضل للسياسي البراغماتي ألا يقترب منه أبدا. وأتحمل من أجل هذه الاجتهادات الكثير من السبّ والتجريح، وممّن؟ هذا السبّ وهذا التجريح يأتيان ممّن أحاول إنقاذهم وإنقاذ عائلاتهم وأقاربهم من العزل والتهميش والحصار.

وأهمّ أحيانا أن أعلن انسحابي من الحياة السياسية التونسية تماما، لعل ذلك يطمئن العديد من الاخوة الأعزاء الذين يبغضونني، خاصة وأنني أعيش خارج تونس منذ 1986، ومنشغل بعملي الإعلامي، ويهمني الآن أن أتفرغ بالكامل إن استطعت لمشروع تفسير القرآن الكريم.

لكنني لا أحبّ أن أتسرع، وأحبّ أن يشعر كل المخلصين من التونسيين أنني مستعد دائما للمساهمة بما أستطيع،  بتواضع كامل، ومن أي موقع، لخدمة مبادئ حقوق الإنسان والوفاق والديمقراطية في تونس.

 

الدكتور الهاشمي الحامدي المدة الأخيرة يسعى إلى طرح تصوّر مصالحة بين الإسلاميين والسلطة، وقد تباينت الردود بين مؤيد ومعارض، ومشكك ومساند ومستبشر، وصامت، فما هي ملامح هذا المسعى، وهل هناك ضوء أخضر من السلطة، وتفويض أو شبه تفويض من الحركة، أم هو اجتهاد شخصي؟

ـ هذا السؤال له علاقة بسؤالك السابق. الجواب هو أنني ممن يؤمنون بقوة بضرورة تحقيق المصالحة بين السلطة والإسلاميين. لم أيأس من تحقيق هذا الهدف رغم طول المدة. ولم أبدّل موقفي. ولذلك قدمت هذه المبادرة الجديدة لإعادة موضوع المصالحة إلى صدارة أولويات النخب التونسية، وبتفاؤل كبير بأن الرئيس بن علي لن يمانع في اتخاذ إجراءات كريمة مشجّعة في العام الخمسين لإعلان الجمهورية والعام العشرين لصعوده إلى سدّة الحكم.

قلت للإسلاميين وأكرّر عرضي لهم: أشهروا سلاح الحب في مواجهة السلطة. أصدروا بيانا واحدا يشيد بإنجازاتها المتفق عليها من قبل المنصفين والمنظمات الدولية المحايدة، وسلطوا الضوء على المبادئ المشتركة بينكم وبينها، وأعلنوا عن رغبتكم في التشاور المباشر معها حول الصلح والوفاق من دون وسيط.

قولوا لهم ما قلته لكم من قبل وكررته اليوم: « ما أخطأت به في حقكم منذ استقالتي من حزبكم فأنا معتذر عنه، وما أخطأتم فيه بحقي فأنا مسامح ومتنازل ولا أطلب منكم اعتذارا بشأنه ». غيروا ضمير المخاطب وقولوا هذا للسلطة.

وقلت لهم: صوموا عاما واحدا أو عامين عن بيانات التنديد بالسلطة. إنكم تصدّرون هذه البيانات أعواما عديدة طويلة. فلم لا تجرّبون بيانات الكلمة الطيبة مدّة عامين فقط؟ أو الصمت إن ثقلت عليكم الكلمة الطيبة؟

إنكم لن تخسروا شيئا، وأما الكسب المتوقع فأمامكم فرصة كبيرة للدخول في حوار مباشر ينتهي بتسوية الملف عبر إطلاق سراح بقية المعتقلين، ورفع قيود المراقبة الإدارية عن المعتقلين السابقين، وتطبيع أوضاعكم عبر جمعية ثقافية، وإلغاء المنشور 108، وفتح فرص للمشاركة السياسية عبر الأحزاب القانونية المرخص لها.

للأسف جاءت الردود سلبية جدا من أسماء صريحة وأخرى مستعارة تقدم نفسها قريبة من حركة النهضة أو منضوية فيها. هذا يعتبر الطرح المقدم عارا، وهذا يشتم ويسب ويلفق أخبارا لم أسمع بها من قبل في حياتي، وهذا يسخر. كأنهم هم ضحايا المصالحة إن تمت.

ثم أصدر الشيخ راشد بيانا باسم حركة النهضة قبل أسبوعين حول الأحداث المؤسفة المؤلمة في صفاقس يهاجم فيه عائلة رئيس الدولة. أسأل: ما الفائدة من هذا البيان غير تعميق العداء الشخصي بين الحركة ورئيس الدولة؟ لماذا لم يفعل ذلك الحزب الديمقراطي أو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق  الإنسان أو حزب الدكتور مصطفى بن جعفر؟

الكلمة الطيبة أفضل. إنها وصفة مؤكد نجاحها بنص القرآن الكريم.

 

التوجه الدولي العام يسير نحو الانفتاح على ما يسمى بالإسلام المعتدل، أليس محاولاتكم في لعب دور الوسيط بين الإسلاميين والسلطة، يندرج ضمن هذا السياق، وتحديدا بإيعاز خارجي كما يلمّح البعض؟

ـ مسعاي لتحقيق المصالحة بين السلطة والإسلاميين في تونس لا علاقة له بأي جهة خارجية.

ثم إنني لا أريد أن أكون وسيطا بين السلطة والإسلاميين. أكرر يا أستاذ الطاهر حتى لا يبقى لبس أو غموض، أكرّر للمرة الألف: لا أريد أن أكون وسيطا بين السلطة والإسلاميين. أريد من الطرفين أن يتقاربا ثم يتحاورا من دون وسيط.

سبق أن قلت لك أنني لا أؤمن بتقسيم التونسيين لإسلاميين ومسلمين. أتحدث إليك كتونسي مسلم ديمقراطي، وكمواطن مستقل غيور على مصالح بلده.

 

في رأيك هل السلطة هي المعطلة بالدرجة الأولى لموضوع المصالحة، وإنهاء هذه المأساة، أم هي أطراف داخل الجهاز، أم هي جهات في الخط الدائري المستفيدة من هذا المناخ ،

أم هو خطاب البعض في الحركة الذي يزعج السلطة، أم هو تداخل وتشابك كل هذه التجاذبات؟

ـ إذا انتهج الإسلاميون نهج الكلمة الطيبة لمدة عامين فقط، وسلطوا الضوء على المشتركات بينهم وبين السلطة، على النهج الذي اقترحته أو على أي نهج قريب منه، ثم لم تتجاوب السلطة، فعندئذ تكون الحجة على السلطة.

أما الآن، فالكرة في مرمى الإسلاميين كما يقال.

 

الملاحظ في طرحك للمصالحة، أنك تريد أن تستل اعترافا رسميا بمسؤولية حركة النهضة على حالة التأزم السياسي وواقع الانسداد، في حين أنك إلى حد ما تتغافل عن دور ومسؤولية السلطة، كما يتراءى لبعض المهتمين؟

ـ قال الأخ الدكتور أحمد المناعي بارك الله في عمره، في مقال علني، أنه رتب مرة لقاء بين خاله عبد الله فرحات، وزير دفاع الرئيس الحبيب بورقيبة، رحم الله الرجلين، وبين قيادة حركة الاتجاه الإسلامي في السبعينيات. وعرض فرحات الدعم والرعاية للحركة لكن الحركة اختارت طريقا آخر. وكانت المواجهة المشهورة عام 1981.

وفي 1984، بعد المصالحة المؤقتة مع الرئيس بورقيبة، عادت قيادات الحركة لمواقع الاشتباك بالإصرار على التحرك في المساجد، فوقعت مواجهة جديدة عام 1987.

وفي 1989، كان يفترض أن تدخل الحركة في لوائح انتخابية مشتركة مع التجمع الدستوري الديمقراطي وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين. فانتهى الأمر بمواجهة انتخابية شاملة بين التجمع والإسلاميين تلتها المواجهة المعروفة التي ما نزال نرى آثارها وتجلياتها حتى اليوم.

السلطة تعتقد أن حركة النهضة حاولت الاستيلاء على السلطة مرتين ولا تطمئن لها. أعوام المواجهة عمّقت حالة العداء والتوجّس وسوء الظن. والأمر يحتاج لما يشبه المعجزة لمعالجة هذا الموضوع بعد ضياع الفرصة السابقة التي أشرت إليها.

اقتراحي هو أن يبادر الإسلاميون باختراق جدار العداوة والجفاء والقطيعة عبر اعتماد الوصفة الربانية، وصفة الكلمة الطيبة.

يا أخي: قيادة النهضة تتواصل مع بعض القادة العرب الذين حققوا السبق والقدح المعلى في الديكتاتورية والتحرّش بالإسلام وبالإسلاميين، وتستثقل منهج الكلمة الطيبة مع رئيس بلادها. إنه أمر عجيب ومحير.

لست أطلب منهم أن يقدموا التنازلات التي قدمها الحسن بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عن الجميع. تلك تنازلات لا يقبلها الإسلاميون التونسيون ولو في المنام فيما يبدو.

ولست أطلب منهم أن يقدموا التنازلات التي قدمها النورسيون للحكومة التركية في النصف الأول من القرن العشرين.

ولست أطلب منهم التنازلات التي قدمها حكام الخرطوم للحركة الشعبية لتحرير السودان.

كل ما أقول لهم: أصدروا بيانا يقرب القلوب، وتوقفوا عن نقيضه عاما أو عامين. ما البدعة في هذا وأين الخطأ؟

الملاحظات على السلطة والمطالب منها تطرح في سياقها الصحيح، عند توفر قنوات الاتصال المباشر. أما نشرها في وسائل الإعلام فيعيد الأمور إلى المربع الأول. مربع المواجهة السياسية.

يجب أن نفكر بنتائج أعمالنا ومقالاتنا. تصور مثلا لو أنني كنت أهاجمك في مقالاتي خلال الأعوام الماضية، هل كنت ستجري معي مثل هذا الحوار؟ ولو كنت أنت تهاجمني خلال العامين الماضيين، هل كنت سأستجيب لدعوتك والدخول في هذا الحوار؟

لا يمكن لحركة تصدر البيانات التي تهاجم رئيس الدولة وعائلته أن تقول له في اليوم التالي: نحن جاهزون للمصالحة وما عليك إلا أن تتصل بنا لأنك تعرف عنواننا.

قد أكون مخطئا، لكن هذا هو فهمي للأمور. وأظن أن أكثر التونسيين يفهمون الأمر كما أفهمه.

 

هل صحيح ما يتردد انه هناك محاولات توسّط بينكم وبين حركة النهضة من أجل التصالح، للتخلص من حالة المقاطعة التي تشنها عليكم الحركة عبر قواعدها، والتي ترهقك كما ذكرت لأحدهم في إحدى مكالماتك الهاتفية؟

ـ ليس لي مشكلة مع الاخوة في حركة النهضة. بيني وبينهم رابطة الأخوة الدينية والوطنية. وباسم هذه الأخوة أدلي بالآراء التي نشرتها سابقا أو قلتها اليوم في هذا الحوار. إن استمرار عقدة حركة النهضة يؤثر على المسيرة الديمقراطية في تونس، ويؤثر على الحياة الدينية فيها، ومن مصلحة التونسيين جميعا أن تحل هذه المشكلة، وفي أقرب وقت ممكن .

استشرت أحد الأعضاء السابقين البارزين في الحركة، فقال لي إنه لم يعد مهتما بأمر النهضة على الإطلاق. وقال لي آخر: إنك تضيع وقتك، الجهة الوحيدة التي تعرف كيف تتعامل مع هذه الحركة هي السلطة، وكلما دعوت لتسوية ملفهم كلما نالك المزيد من الأذى منهم.

لكنني لست مقتنعا بهذه الآراء.

 

بحكم موقعكم، كيف تتصور الخروج من هذا النفق، وما هي الآفاق المتاحة لطي هذا الملف، وما هو برأيكم مستقبل الوجود الإسلامي في تونس في ظل المناخ السياسي الحالي؟ 

ـ قدمت رؤيتي وتصوري للخروج من هذا النفق. أنا واثق أن عامين من نهج الكلمة الطيبة سيقودان لتسوية ملف التيار الإسلامي، وأن الثمار الأولى ستظهر بمناسبة عيد الجمهورية المقبل وذكرى السابع من نوفمبر,

أيّ نداء أو رسالة تريد توجيها في ختام هذا الحوار؟

ـ لدي رسالة أرغب في توجيهها لفخامة الرئيس زين العابدين بن علي:

لقد حققتم الاستقرار الاقتصادي في بلادنا رغم شحّ الموارد الطبيعية، وشهدت لكم المنظمات الدولية المشهورة، كما ضمنتم مكانة مرموقة لبلادنا في المحافل العربية والدولية. وإنني أشيد بما حققتم وأفتخر به.

وأضيف: هناك قادة كبار حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم وأذوه، مثل خالد بن الوليد في أحد، ومالك بن عوف النصري قائد المشركين في معركة حنين. لكن ذلك لم يحل بينه وبين أن يحسن استقبال خالد يوم إسلامه، ويصفه بأنه سيف الله المسلول.

ولم يحل بينه وبين استقبال مالك بن عوف، بل إنه رد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل. وأسلم مالك وحسن إسلامه، فولاه النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه.

وما دام هذا نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كبار خصومه فلا شك أنه النهج الأمثل، لأن نبينا عليه الصلاة والسلام هو الأسوة الحسنة والقدوة الأولى لكل مسلم.

والإسلاميون التونسيون هم أهلك ومواطنوك. تلك حقيقة لا يمكن تبديلها أو تجاهلها. وإنني أدعوكم للتكرم باتخاذ مبادرات من قبلكم تدفع للصلح والوفاق والتسوية، بحيث لا تأتي ذكرى السابع من نوفمبر المقبل إلا وكل العائلات الفكرية السياسية محيطة بكم مؤيدة لكم.

لقد أعربتم دائما عن انحيازكم للديمقراطية. والتونسيون كما قلتم في بيان السابع من نوفمبر جديرون بحياة ديمقراطية حقيقية تتسع لكل التيارات.

إنني أحترمكم وأقدر إنجازاتكم لتونس ونواياكم المخلصة. وأؤكد لسياداتكم أن اتخاذ خطوات نوعية لاستكمال المسيرة الديمقراطية سيعزز مكانتكم في نفوس مواطنيكم وفي تاريخ بلادكم.

وأوصيكم رفع الله مقامكم بالإسلام دين التونسيين. فإن الأمة الفرنسية انتخبت الزعيم الذي تبنى الدفاع عن هويتها. والرئيس الأمريكي نجح بأصوات المحافظين والمتدينين الأمريكيين. وقد قرأت تاريخ تونس والدول العربية فرأيت التاريخ حفظ المقام الأعلى والأكثر تبجيلا لكل قائد خدم الإسلام وعظم شعائره. وقد سبق في حكم الله وسننه: « إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ».

أناشدكم وأرجوكم ألاّ تسمحوا للمعركة مع حركة النهضة بأن تتخذ ستارا من قبل بعض المتطرفين لمحاربة الكتاب الإسلامي، والتضييق على الحجاب والحريات الدينية.

إنني أدعو الله أن يوفق سيادتكم لما فيه خير البلاد والعباد، ويعزّكم بالإسلام، ويُعلي على يديكم قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان، ويحفظكم، ويرعاكم، ويسدد خطاكم دائما لما يحبه ويرضاه. آمين. وصلى الله علي سيد الخلق إمام الهدى والرحمة المهداة للعالمين، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعلى أتباعه بالحق إلى يوم الدين.

 

(المصدر: موقع تونس أونلاين  بتاريخ 18 ماي 2007)

http://www.tunis-online.net/arabic/index.php

 www.tunis-online.net

info@tunis-online.net

 

اخي بوكثير لا تجانب الصواب

« ويابن الزيتونة » جاءك الرد

 بداية اقول ان الأخ بوكثير هذا اسمه  الحقيقي  وليس مستعارا لذا ارد عليه وانا اكن له كل الإحترم في رايه والتقدير لشخصه وهو اهل لذلك  – عكس  ابن الزيتونة –

جميل ان نتحدث عن المصالحة لكن علينا ان نلتزم بادبياتها والمعاني التي تليق بها . وكل مسلك خير على المسلم سلوكه و الأهم هو نجاح الفكرة وليس من يقف وراءها فنحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر , وفي مقالك ما جلب انتباهي :

 قلت اخي بوكثير  : أقول لمن يدعي أن طوابير من المهجرين يقفون على أبواب السفارات راغبين في العودة – ويترجى السلطات أن تأذن لهم-

اخي انت لست من المعنيين بكلامي هذا وفي نظري هناك صنف معين – من  الأصناف التي ساذكرها –  اعنيه بكلامي وليس الجميع:

1 هناك من خرج من تونس  من دون جواز سفر ثم بعد ذلك تحصل عليه  فعاد للوطن

2 وهناك من مكنته السلطات التونسية من  جواز سفره  فخرج به   ولم يعد مخيرا  اللجوء على العودة  

3  وهناك من مكنته السلطات من جواز سفره وبه  خرج  للفسحة وبه عاد للوطن رافضا طلب اللجوء

4 وهناك العديد – خصوصا ممن في الداخل – يطالب الى الآن بحقه في الحصول على جواز سفره.

الفرق بين وبينك اخي : انت – او غيرك – حصلت على جواز سفر لتخرج به من تونس  وانا حصلت عليه للعودة الى تونس . واعلم اخي ان  خطابي موجه لمن ليس له جواز سفر اطلاقا   لا لمن حصل عليه ثم رفض استعماله  بكامل ارادته .

وقلت اخي :  ولكن في ظل سلطة تكرم الإنسان وتعترف بآدميته لا في ظل سلطة لا تحترم حتى العائدين أمواتا وتضع العراقيل أمام دخول توابيتهم وتستكثر عليهم حتى أن يدفنوا في تربتهم.

اخي الكريم كان احسن بك ان تذكر الحقائق , فبالله قل من مات خارج تونس ورفضت السلطات او السفارات منحه حق العودة ليدفن في البلاد ؟؟؟؟ عودة الموتى  اليست  من الخدمات الحسنة التي قدمتها السفارة للتونسيين المقيمين خارج الوطن ؟ ؟؟؟ اما كان اجدر بك ان تشكر هذا العمل بدل ان تشبعه لمزا  …  ثم بالله عليك  اجبني هل السلطات قبلت ان  يعود الميت مكرهة اي خائفة من اهل الميت ؟؟؟؟   ام في اطار خدمة للمواطنين – او حق –    يمكن تقديمها فقدمتها ؟؟؟ . ثم اخي  – من وجهة نظري- من كان يرفض العودة حيا الا بشروط  , عليه ان يتمسك ورثته او اهله بهذه الشروط وهو ميت ايضا فلا يعود جثمانه الا اذا تحققت الشروط.

بل الغريب في الأمر  ان الميت تمنحونه لقب الشهيد او الشهيدة  ؟؟؟ والسفارة تسبونها وتهجونها بالقصائد التى كسرت زجاج نوافذها  

واليك هذه الطرفة :  ذكر لي احد الإخوة في تونس هذه المسالة قائلا لي :  انتم  حُزتم على كل الألقاب , بينما نحن لم نحصل الا على لقب السجين الذي لم يفارقنا  حتى عند موتنا فاذا مات الواحد منا يقولون ما ت الأخ  فلان الذي حكم بكذا وكذا . بينما انتم كل من يموت منكم تطلقون عليه لقب شهيد ومن بقي منكم على قيد الحياة فهو  يُلقب او يٌلقب نفسه  مجاهد ومجاهدة ومهاجر ومهاجرة وشهيد وشهيدة  و و و …  وقال لي ان امه ذهبت مرة لتخطب فتاة لأخيه فسالوها أهل الفتاة  هل تريد ين  ان تخطبي لإبنك الذي كان في السجن ام الآخر ؟  .

اخي بوكثير اليس سماح السلطة لجثمان الميت بالعودة احتراما له ؟  ومساهمة في تكريمه من منطلق اكرام الميت دفنه . اخي  انت حامل لكتاب الله تعالى فالزم قول الحق حتى مع اشد الناس عداوة معك فان احسنت لك السفارة قل احسنت وان اساءت قل اساءت  اما ان احسنت تقل اساءت فهذا حرام في حقك .سائلا الله لنا التوفيق والسداد.

والان مع  ابن الزيتونة – شخص نكرة –

 بداية اقول لك ان شهادة المجهول شرعا مردودة اي لا تقبل –  فمهما قلت في السلطة او غيرها فانت بميزان الشرع لست اهلا للشهادة .

 ما جاء في مقالك الكثيرون قالوا اكثر منه بل اشد لهجة – من الداخل او الخارج-  لكن باسمائهم الحقيقية شجاعة وصراحة  , بينما انت ما اتيت بجديد الا لفظ السيد الرئيس ومع ذلك راسك في التراب لا تريد ان يراك الناس , وكان الأنتربول – لا النظام التونسي –وكل اجهزة المخابرات العالمية تبحث عنك .

ان كنت انت ابن الزيتونة فانا ابوها , فاسمع مني يا ولدي:  انت قلت مادحا نفسك [فما بالك بمن بقي داخل التنظيم يمارس حقه الطبيعي في المعارضة دون أن يفت في عضده ولا عزيمته الشدائد والمحن]   لقد اعجبني قولك يا بني – دون ان يفت في  عضده ولا عزيمته الشدائد والمحن –  لذا اقول لك نم باكرا لتنهض باكرا علك تتذكر اسمك وتواصل جهادك ضد الشدائد والمحن . وانا بدوري اسأل الله لك  ان يجعل يومك 28 ساعة عوضا عن 24 ساعة حتى يتوفر لك الوقت الكافي  لتواصل المعارضة – ليلا نهارا ويوم الأحد – دون ان يفت  في عضده ولا عزيمته الشدائد والمحن – وان كانت هذه الشدائد والمحن حالت دون ذكر اسمك , لكن لنأخذك على الصدق فواصل يا بني واعلم ان كل العائلة في انتصارك عفوا في انتظارك

قلت ياابن الزيتونة : إنّ أبناء النهضة وحتى الغالبية من الذين خرجوا من تنظيم النهضة إستقالة أو تجميدا لعضوياتهم قد يتفقون أو يختلفون مع قيادة الحركة  في كيفية إدارة الصراع مع السلطة ولكن بالضرورة لن يمدوا أيديهم ليوقعوا مع من باعهم في ساعات المحنة الأولى لأجل السبق الأكاديمي فيطعنهم من خلف في مقتل و لا مع ذلك الذي باع قضيته الشخصية – بحسب تعبيره – بجواز سفر يمكنه من حق المواطنة في زيارة فلكلورية للوطن *على حسب تعبير الكاتب المغربي المهدي منجرة 

اولا انت فاقد لكل علامات الشجاعة  كان بامكانك ان تواجهني بما تقول علنا اذا اعتبرنا انك مقيم في سويسرا .  لكن اكيد خوفا من الفضيحة تتستر. نعم القضية قضيتي شخصيا احببت ام كرهت ورغما عن انفك وانف امثالك . انا كان لي قضية  رفعتها ثم تخليت عنها وانت ماذا عندك ؟؟؟؟ انت من المتاجرين بألامنا وجراحنا انت من الجبناء الذين يخفون رؤوسهم في التراب ويرفعونا ادبارهم الى السماء ,  ليس لهم الا الكذب وادعاء الفهم والبطولة . واعلم انك حشرت نفسك في موضوع هو اكبر منك ومن حجمك – ان كان لك حجما-  وما قلناه نحن في موضوع المصالحة  كان امثالك يرفضونه اطلاقا والآن عندما اصبح الجميع يتحدث عن المصالحة اردت ان تظهر وكانك –عريف – في السياسة  . انت وامثالك  , ابتلي بكم الجسم فنخرتموه وكنتم  السبب الرئيسي في خروج العديد منه , والسبب الأول في ضياع العديد من فرص اللقاء . والذي اعمى بصيرتك وزاد في حقدك  ليس حصولي على جواز سفر  و انما سحبي من تحت قدميك ملفا كنت قد تتاجر به لتغنم منه لنفسك ,  فاشتعلت نار الحقد في نفسك , لآنه لا رصيد لك يمكن ان تساوم به او تدخل به حلبة النقاش والتنازلات , انت ممن يتاجر بقضايا  ومعاناة الأخرين تحت غطاء  – كلنا اخوان – انا عندما قدمت الى اوروبا رفعت قضية وانت عندما ما قدمت  ماذا رفعت؟؟؟ لماذا لم تفعل مثلي ؟؟؟ – انت لا تستطيع رفع راسك فكيف ترفع قضية ؟-   واعلم ان فاقد الشيء لا يعطيه .

 ان مثلك ممن يسمم الأجواء ما نجح الا في شيئ واحد وهو: تمييع اللقاءبين الأحبة وملئها بالسخافات و تنفير العديد من ابناء هذه الجماعة  منها واحساسهم بالندم يوم وجدوا امثالك يتصعلك داخلها ويصبح له صوت يراهن عليه .

واعلم ان للزيتونة من يتكلم باسمها ولا تحشر نفسك فيما لا يعنيك واحترم اسيادك ولا تتطاول عليهم

 أما قولك بصفتي أحد أعضاء النهضة وأحد العاملين فيها إلى حد هذه اللحظة لا أعلم أحدا من قيادات الحركة ولا من أعضائها المنتشرين في أكثر من 40 دولة ضد مبدأ البحث عن أي طريق للمصالحة ورأب الصدع

هنيئا لك العضوية لكن غابت عنك العديد من الحقائق  مما يؤكذ لي انك من الطرف الآخر – ميلي مع الرياح –

بوعبدالله بوعبدالله


الدكتور الهاشمي غير مؤهل ليكون وسيطا للحوار مع النظام التونسي

مجرد رأي – الدكتور الهاشمي غير مؤهل ليكون وسيطا للحوار مع النظام التونسي

من الدكتور زين الدين رابح دواس– اوربا لقد تحرك الدكتور الهاشمي والذي هو رئيس تحرير المستقلة والمدير العام لقناة المستقلة والديموقراطية الفضائية في لندن بان يكون وسيطا بين الحكومة التونسية والتي تتحرك بتوجيهات القصر الرئاسي من الألف الى الياء واطراف المعارضة التونسية مجرد اطفال وهو المعلم الملهم لهم وكأن المعارضة التونسية لفيف من الكفار الذين لايعرفون دينهم وشؤون دنياهم مما ولد صدمة لكثير من المثقفين والمفكرين والمعارضين التونسيين فلقد جاء السيد الهاشمي وكأنه المسيح المنتظر ومن يتأخر عن دعوته سوف يكون مكانه النار والجحيم والنفي الى الأبد فليسمح لنا السيد الهاشمي ونرجو منه ان لايتشنج من طرحنا ونقاشنا وتذكيرنا له كيف ترك المعارضة التونسية بجناحها الإسلامي وذهب صوب القصر الرئاسي ودائرة المخابرات التونسية طالبا العفو والتطوع بان يكون لهم عينا للنظام في الخارج وباي مهمات يقررها القصر الرئاسي وسلم لهم ماعنده من اسرار ووثائق واسماء وعناوين لرفاقه في التنظيم والتنظيمات الأخرى وبدا مشواره الإعلامي والصحفي فجاء له المدد من القصر الرئاسي ليتم بزوغ صحيفة المستقله وبعدها ولدت قناة المستقلة والتي اسمها الحقيقي هو المستغلة أي بدل من القاف يكون غين لأنها اصبحت قناة ابتزازية لجميع الأنظمة العربية القديمة والمستحدثة وضمن التكتيك الذي يحمل عنوان (النظام العربي والحزب الحاكم الذي لايدفع الدولارات بسرعة سوف نفتح عليه نار جهنم ونحضر له الألسنة التي لاترحم) وجاء المدد من السودان والكويت والحكومات التي عينها الأحتلال الأمريكي في العراق ومن السعودية بشكل دائم ودوري ومن لبنان ومن الجزائرايضا وطبعا في المقدمة النظام التونسي. وبعد ذلك اصبح السيد الهاشمي من الإمبراطوريات الأعلامية ومن اغنياء لندن والعمل هو المتاجرة بالسياسة والاعلام ولكن وللحقيقة لقد اخبرني احد الضيوف الدائميين في قناة المستقلة (المستغلة) واخبرني ايضا احد الذين يعملون بها بان السيد الهاشمي لايعطي هؤلاء راتبا ولاحتى وجبة افطار او غداء او عشاء علما انه يكتب الى الدولة التي تناول ملفها بأنه اعطى للضيوف كذا وكذا واسكنهم في الفندق كذا وحجز لهم في الخطوط الجوية كذا ولكن هذا لم يحصل قط, ونحن على استعداد للمناظرة مع السيد الهاشمي حول هذا الموضوع ومواضيع اخرى وختاما نذكر السيد الهاشمي بالحلقة التي جمعته مع الشيخ الغنوشي في قناة الجزيرة الفضائية وقبل سنوات قليلة, فكيف كان موقفه وجلوسه وطريقة دفاعه وكيف ان الشيخ الغنوشي اعطاه ظهره ولم يكترث له على طول الحلقة لأنه يعتبره التلميذ الذي خان استاذه ومعلمه وخان اصحابه.

فالوساطة التي يتحرك عليها الدكتور الهاشمي هي مجرد بورصة ومجرد (كم من الرؤوس سيجمع كي يبيعها الى القصر الرئاسي التونسي ويقبض الثمن) وارجو من الدكتور الهاشمي عدم التشنج فاني احمل رأيا يشاركني به الكثير حسب ماسمعت وقرأت فالوساطة الحقيقية لايمكن ان يقوم بها شخص خان حزبه ورفاقه وذهب مسرعا الى القصر الرئاسي للنظام لأنه اصبح من رجال النظام وعيونه, وللعلم فان النظام التونسي لايحترم أي شخص كان معارضا وعاد اليه وهذه معلومة عرفتها من احد كبار القصر عندما قالها لصديقي الخليجي وهو من الشخصيات البارزة في بلده والذي نقلها لي بامانة فياسيد الهاشمي للوساطة اسس ومنطق وبرنامج وافكار يطلقها راس النظام في تونس او من يخوله وليس عن طريقك انت او عن طريقي انا او عن طريق شخص اخر غيرنا سواء كان معارضا او محايدا او نادما مثلك, وتبقى هناك حكمة مهمة في هذا الموضوع وهي (ان فاقد الشي لايعطيه) فلو فرضنا ان هناك شخصا بسيطا صدق دعوتك وترك حزبه وذهب معك لتقدمه الى النظام فمن يضمن حياة وكرامة ومستقبل هذا الشخص, هل انت الذي سيكفل كل هذا؟ وان قلت نعم اجبنا من فضلك كيف وماهو موقعك الذي سيكفل كل هذا كي تنورنا ياسيد الهاشمي, وربما اقتنع انا واذهب معك لزيارة بلدي تونس الذي منعني من زيارته هذا النظام وللعام الخامس عشر.

اخي السيد الهاشمي ان الطلاق بين المعارضة التونسية وبجميع اشكالها واطيافها وبين النظام التونسي قديم, وان راس النظام هو الذي قرر ذلك لهذا فالخلاف عميق جدا ووصل حدود قصوى فان النظام الذي تبشر بالمصالحة معه يحتقر الشعب التونسي ويعامل الشعب التونسي كمعاملة العبيد, ويرى في نفسه الأمبراطور الأوحد اما نظرته للمعارضين فهي كالنظرة التي ينظرها للخدم في قصره وربما ادنى من ذلك, فلقد بادرت المعارضة التونسية وعلى كافة اشكالها وبجميع اطيافها الى النقاش والحوار والتلاقي مع النظام وفي مناسبات كثيرة ولكنه رفض ولازال يرفض بل يريد من المعارضين القدوم زحفا على الطون نحو قصر الرئيس وهذا لايقبله الأنسان التونسي الشريف والصادق بمعارضته للنظام, ولن يفعلها من يعارض لأجل الوطن وحرية الشعب ولأن الخلاف اصبح معقدا وتن نقاط التلاقي اصبحت بعيدة لذلك يجب على النظام ان يقوم بالمبادرات الحقيقية والعلنية وعن طريق اطراف لها وزنها التونسي والأقليمي والدولي, وضمن اسس علنية لاتقبل الأنقلاب عليها لأننا نعرف ان هذا النظام غير جاد بالحوار ولكنه يناور به عندما يشعر بالضيق فقط, وان رأس النظام محاط بنوعيات لاتريد الخير الى تونس والشعب التونسي وكذلك لاتريد الحوار والتلاقي خوفا على مصالحها ونفوذها فمن هذا المنطلق انصحك وكزميل ومشارك لك في الوطن ان تترك هذا الموضوع لأطراف تسهل جمع الناس والحركات والأحزاب فاقولها لك بصراحة ان اسمك وعلاقتك مع النظام تنسف جميع نواياك ونحن لانشكك بها فهل تعقل ان يمسك يدك الشيخ الغنوشي او الدكتور منصف بن سالم او الذهيبي او عائلات السجناء ويقولون لك خذنا لقصر الرئيس فهذا غير وارد لأنهم لا يريدون ان يكونوا اضاحي فداءا لتكريمك ولمساعيك من اجل النظام, وفي الختام اتمنى عليك ان تترك الأسلوب الذي تكتب فيه وكأنك القديس واحد الملائكة ونحن الشياطين الذين لاتقبل اعمالهم وتوبتهم اشكر سعة صدرك اخي الهاشمي واشكر المواقع الكريمة التي ستقوم بنشر هذا الرأي. اوربا 17.5.2007

 
(المصدر: موقع الحوار نت بتاريخ 18 ماي 2007)


رياح الأنوثة تهب على الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان

اقبال الغربي

لأول مرة منذ تأسيس الفيدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان وقع أخيرا انتخاب السيدة سهير بلحسن لرئاستها. و تتمتع هذه المنظمة العريقة بوزن و بثقل كبيران ضمن المجتمع المدني العالمي وهي تضم 141 رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان تنتمي إلى ما يزيد عن 100 دولة من جميع أنحاء العالم. وقد تأسست الفدرالية سنة 1922 و تتتالى على إدارتها رؤساء كلهم فرنسيون و لكن في مؤتمر الدار البيضاء سنة 2000 و لأول مرة في تاريخها انتخب لها رئيس إفريقي هو الأستاذ المحامي سيديكي كابا و استمر هذا التوجه الحديث بانتخاب امرأة تونسية ذات ثقافة عربية و إسلامية شغلت منصب نائب رئيس الفدرالية لعدة سنوات .

و تهتم الفدرالية بالدفاع عن الحقوق المدنية و السياسية و أيضا عن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و قد خاضت نضالات ضد بعض الشركات المتعددة الجنسية للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة أو لحماية البيئة و المحيط و ذلك تأكيدا منها على مبدأ تكامل حقوق الإنسان . .و لا شك أن انتخاب امرأة على رأس الفيدرالية سينعكس ايجابيا على النضالات النسوية التي تخوضها نساء العالم من اجل المساواة بين الجنسين و ضد التمييز وضد العقوبات البدنية و خاصة حكم الرجم البغيض و للحد من العنف المسلط ضد المراة و كذلك من  جرائم الشرف في العالم العربي .. و تعتبر اليوم حقوق الإنسان عقدا اجتماعيا عالميا يحدد علاقة الحاكم بالمحكوم بل إن « شريعة حقوق الإنسان  » هي اليوم المعيار الكوني و الخط الأحمر الذي لا يمكن لأي إرادة شعبية أن تتخطاه دون أن تفقد شرعيتها الدولية. إن احترام هذه الحقوق هو الذي يعطي للديمقراطية شرعيتها النهائية و يحمي في نفس الوقت سيادة الشعب من الانزلاق في طغيان الأغلبية. و بتعبير آخر إن حقوق الإنسان يفترض منها أن تكون بمثابة سد شرعي يحول دون دوس أي إرادة عامة حقيقية أو افتراضية لفضاء الحريات الفردية .

فقد علمتنا التجارب التاريخية الأليمة أن الطريق إلى جهنم مرصع بالنوايا الحسنة و أن الأحلام الوردية يمكنها ان تتحول الى كوابيس مريعة, فالحكم السوفياتي في روسيا انتج معتقلات القولاق الشهيرة و الحكم الاسلاموي في السودان صنع بيوت الاشباح . كما تبين بعد نجاح الحركات الشعبوية الفاشية و النازية  أن الديمقراطية يمكنها عبر الاقتراع الحر  أن تفرز أعداء الديمقراطية . ذلك ان السلطة ميالة الى التغول في جوهرها و ان الدساتير العادلة لا تعرف نفسها بنفسها. و لهذه الأسباب تمثل حقوق الإنسان حاجزا أخلاقيا و قانونيا ضد الانحرافات الشمولية لإرادة الغوغاء. و بالتالي يجب أن يكون تطابق أي سلطة مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان, أي احترامها لحقوق الطفل و المراة و الاقليات و تطبيقها لمبدا المواطنة , هو شرط الاعتراف بها و تبنيها من طرف المجتمع الدولي و أيضا الشهادة لها بأنها عادلة و بأنها ديمقراطية فعلا لا قولا. و قد تأسست فكرة حقوق الإنسان من مقولات بعض الفلاسفة أمثال جون لوك (1632-1704) الذي أكد على الحقوق الطبيعية للإنسان أي حقه في الحياة و الحرية و المساواة و الملكية . و قد تأثر به المفكر الفرنسي منتسكيو (1679- 1755) الذي أكد على فصل السلطات الذي يوفر أسباب الانتقال من طور الرعية إلى طور المواطنة كما ندد هذا الأخير بالاستعمار و بالعبودية إذ اعتبر الإنسان قيمة مطلقة مهما كان جنسه أو لونه أو دينه . اما الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694-1778) فقد كرس حياته للنضال من اجل الحرية و التسامح و ضد الاستبداد السياسي و الديني المنافي لحقوق الإنسان . و قد جسد جون جاك روسو (1712-1778) فكرة حقوق الإنسان في مقولة العقد الاجتماعي .

واعتبر كانط (1724-1804) حقوق الإنسان غاية في حد ذاتها أساسها القيم الأخلاقية التي تقوم عليها المجتمعات واعتبر هذه الحقوق لا معطى فطرى و طبيعي بل مكسبا و بناءا يجسد انتقال البشرية من الهمجية إلى الحضارة و من البربرية إلى الثقافة . و اليوم يمثل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان مكسبا كونيا لجميع البشرية و ذلك بقطع النظر عن نشأته الاروبية أو الغربية . فهو بالرغم من انتماءه الجغرافي يمثل في جوهره يجسد انعتاقا من رق الروابط العتيقة التي سادت الثقافة الغربية و يمثل قطيعة شاملة مع التراث الغربي و مع تقاليده و مؤسساته التقليدية .  الميتاق العالمي لحقوق الانسان يقدس الكرامة الإنسانية العابرة للخصوصيات الدينية و الثقافية و يعتبرها قيمة القيم . فهو يؤكد على حق الإنسان في الحياة و سلامة شخصه و كذلك في حرية التملك و الرأي و الفكر و التعبير و التجمع و التنقل و الضمير و المعتقد و العمل و على ضرورة حمايته من الإيقاف التعسفي و التعذيب و ضمان قضاء عادل له يقوم على أساس أن كل متهم يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونيا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه . طبعا ترسيخ حقوق الإنسان مثله مثل الحداثة مشروع لم يكتمل بعد فهو مسار تاريخي معقد و متشعب يقترح مجتمع إنساني بديل متحرر من الرعب .


 

خلفاء الإستعمار(2)

 

علـــــي شرطـــاني

 قفصـــــة / تـــونس

 

– أي فهم للإستعمار في قاموس الحركة القومية العربية؟:

إن فكرة الإستعمار العثماني أو التركي لكثير من الشعوب التي يجمعهم بها الإسلام هي فكرة دخل بها الإستعمار الصليبي الغربي المنطقة العربية، وخاطب بها الشعوب الرازحة تحت الظلم والجهل والفقر والمرض، والمشبعة بالإنحطاط، المكونة للإمبراطورية العثمانية، لتكون له عونا على نفسها وعلى بعضها، وإقناع الشعوب الإسلامية بضرورة العمل من أجل التحرر والإنفصال، والقبول به كصديق لا يريد بهم إلا خيرا، وهو على أتم الإستعداد لحمايتهم من كل عدو متربص بهم، سواء كان داخليا أو خارجيا. وهو الذي كان مستعدا وقادما أصلا لحمايتهم من إخوانهم الذين قدمهم لهم على أنهم أعداء. وهم الذين أصبحوا يعتبرون ذلك كذلك أيضا. ولكنه ليس مستعدا لحمايتهم من العدو الإستعماري الذي هو أخوه وشريكه في الحضارة، والذي لم  يكن قادما لحمايتهم منه، ولكنه لم يأت إلا بعد أن كان قد تقاسم معه المنطقة كما تقاسم معه غيرها من مناطق  النفوذ في العالم، بما يجعل وجوده العسكري داخل تلك المناطق والأوطان له ما يبرره، إضافة إلى المهمة الحضارية التي جاء من أجلها، والتي كانت كل هذه الشعوب المتخلفة في حاجة إليها. وهي إقامة أسس المدنية الحديثة على تلك الأراضي القاحلة من أي طلع حضاري، والإرتقاء بالإنسان إلى مستوى الشعارات الخلابة الخادعة التي رفعتها الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية فالثورة البلشفية في ما بعد.

وبذلك تكون كل الجرائم التي ارتكبت ومازالت ترتكب في حق الشعوب إنما تجد لها مبررا في زعم سعي هذه القوى الإستعمارية لحماية حقوق الإنسان والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير وتحقيق الأمن وإقرار السلام.

فبالرغم من صفتها وطبيعتها الإستعمارية، إلا أنها لا تعتبر نفسها ولا يعتبرها الكثير من المفتونين بها على أنها كذلك، خاصة بالنسبة لبعض الشعوب الواقعة خارج النفوذ العثماني. وأنه يمكن اعتبارها حركة تحديثية حضارية لإيصال المدنية والعلم والمعرفة والحداثة إلى هذه الشعوب المتخلفة والموغلة في البدائية والبربرية والتوحش. وعلى فرض أنها كذلك فإن ذلك لا يكون مبررا على أية حال للجرائم التي ارتكبت في حق تلك الشعوب التي لم تكن هذه الحركة في الحقيقة أقل بربرية فيها من أولئك الذين جاءت مدعية إخراجهم من حالة التوحش والحيوانية التي كانوا عليها، إلى حالة المدنية والإنسانية التي يدعي الرجل الأبيض أنه قد أصبح يمثلها، والذي يعتبر الحركة الإستعمارية هي وسيلته وأداته لتعميم تلك الحالة من النهوض والمدنية على العالم. وهم يعتبرونها كما تعتبر نفسها على أنها ليست استعمارية. وكان الأمر كذلك بالنسبة للشعوب الواقعة تحت النفوذ العثماني كذلك أو القريبة منه. ولكنها قوة حماية وتحرير لها من الظلم والإستبداد ومن القوة الإستعمارية العثمانية المهيمنة عليها قرونا من الزمن.

وقد جاء في اتفاقية وزيري خارجية فرنسا وأنجلترا جورج بيكو وسايكس والتي عرفت في التاريخ باتفاقية سايكس بيكو ما نصه:  » تتفق الحكومتان الإنجليزية والفرنساوية بصفتهما حاميتين للدول العربية على ألا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أقطارا في شبه جزيرة العرب أو تنشئ قاعدة بحرية في الجزائر على ساحل البحر الأبيض الشرقي على أن هذا لا يمنع تصحيحا في حدود عدن قد يصبح ضروريا بسبب عداء الترك الأخير ».(1)

فلئن كانت دولة « الخلافة » العثمانية ظالمة وجائرة ومستبدة فإن ظلمها وجورها واستبدادها لا ينسحب على كافة الأقطار الراجعة إليها بالنظر، باعتبار أن كثيرا من الأقطار كانت تتمتع باستقلال ذاتي أو شبه ذاتي أو تام أو شبه تام. فلماذا لم تعالج هذه الأقاليم ظاهرة الجهل والفقر، وتعمل على الخروج من وضع الإنحطاط إلى وضع الترقي ؟

وكيف يمكن أن تعتبر بهذه الصفة مستعمرة من قبل العثمانيين حتى يصبح الحديث عن التحرر من الإستعمار العثماني بشأنها مستساغا؟ علما وأن الإستعمار الغربي نفسه قد قسم العرب خاصة إلى عرب عثمانيين هكذا ! وعرب غير عثمانيين. وجعل كل من تونس والجزائر والمغرب التي هي حصة فرنسا، وليبيا وهي حصة الطليان ثم مصر والسودان واليمن وجنوب الجزيرة العربية والخليج العربي حصة لبريطانيا في خانة العرب غير العثمانيين، وجعل العرب العثمانيين هم أولئك الواقعون تحت النفوذ الفرنسي في كل من سوريا ولبنان، وأولئك الواقعون تحت النفوذ البريطاني في كل من العراق والأردن وفلسطين فقط في ظل زعامة قائد الثورة

العربية الكبرى الشريف حسين بن علي شريف مكة، وإبنيه:

 

– فيصل الذي جعله الغزاة البريطانيون ملكا على العراق.

– وعبد الله الذي توجوه ملكا على الأردن التي اقتطعت منها فلسطين لتسلمها بعد ذلك لليهود الصهاينة.

ولسائل أن يسأل كيف أمكن لهذه الصفة أن يستمر سحبها على « الخلافة » العثمانية من قبل المتغربين والعلمانيين العرب في الحركة القومية العربية وفي الحركة العلمانية عموما في جل إن لم يكن في كل مكوناتها وإن كانت ظالمة مستبدة. وهم الذين عرفوا الإستعمار ومازالوا يعرفونه وعاشوا ومازالوا يعيشون

أوضاعه وجرائمه، وليس ظلمه واستبداده فقط. وهم الذين أوكل لهم مهمة إدارة الشأن العام من بعده، وقبل

ورضي بهم في ظل انقسام حصل في ما بينهم، بين رجعيين تقليديين ظل ولاءهم دوما للإمبريالية الرأسمالية الغربية، وتقدميين ثوريين أصبح ولاءهم للإمبريالية الإشتراكية والشيوعية الشرقية وفق ما كان عليه العالم الغربي من انقسام بين معسكرين متنافسين غربا وشرقا غربيا، وليسا متنازعين نزاعا مباشرا. وهم الذين كانوا أكثر انحيازا، وخاصة اليساريين الشيوعيين والقوميين منهم أو أصحاب الميولات والمنازع القومية، للمعسكر الشرقي الغربي، بالرغم مما كان يمثله من استبداد ودكتاتورية ومن منطلق مبدئي. فكانت كل الأنظمة التي أقاموها في الدولة القطرية، وهم الوحدويون بدون منازع وبحسب ما يزعمون، وفق التقسيم الإستعماري للمنطقة العربية وللعالم الإسلامي وللعالم، أنظمة استبدادية قهرية ظالمة، بدا الظلم العثماني الذي صنفوه أو صنف لهم من على أنه استعمار لا كبير حرج فيه. وهم الذين كانوا قادرين على المقاربة على الأقل بين ما كان اعتباره في التاريخ القديم والحديث استعمارا، وما لم ولا يمكن اعتباره كذلك- علما وأن مصطلح الإستعمار هو المصطلح الذي أطلقه الغزاة الغربيون على أنفسهم في الوقت الذي كانوا وهم يقومون بعملية تخريب الأوطان ونهب الثروات وإبادة الإنسان من الأعراق والأجناس والألوان الدونية الأخرى حسب التصنيف التفاضلي للأعراق كما يراها فلاسفتهم ومفكروهم وزعمائهم، لإظهار وتأكيد تفوق العرق الغربي الأبيض، ولتعمير أوطانهم فقط، يرفعون شعار إعمار الأراضي والأوطان التي احتلوها، وإبلاغ المدنية للبرابرة والمتوحشين والمتخلفين من باقي الشعوب والأمم والأعراق الدونية . ومعنى الإستعمار الذي يريدونه لأنفسهم ويطلقونه عليها لا يستقيم إلا إذا أطلق على حركة الفتح الإسلامي تحديدا وعلى « الخلافة العثمانية » بقطع النظر عما كانت عليه وما انتهت إليه من ظلم وفساد واستبداد، لأنها كانت في الأصل حركة تحرير وإعمار وتعمير. وبالتالي فهي التي يصح إطلاق مصطلح الإستعمار عليها بمعناه الإيجابي الذي أطلقه الغزاة الغربيون على أنفسهم، وهم الذين يصح إطلاق ذلك المصطلح بمعناه السلبي عليهم. إلا أن الغرب المعتدي استطاع أن يحول المعنى الإيجابي الذي كانت عليه « الخلافة  » العثمانية للإستعمار إلى معنى سلبي، وأن يثبت المعنى السلبي الذي كان هو عليه إلى معنى إيجابي، وأن يقنع القوميين العرب والعلمانيين واللائكيين المتغربين باعتبار الإستعمار العثماني لهم سيء ومضر وفاسد يجب التخلص منه، وباعتبار استعماره لهم إيجابي يمكن الإستفادة منه ولا بأس من القبول به.

– أتراهم لم يفعلوا ذلك لأنهم تغريبيون وعلمانيون وليكون الإستعمار الغربي أفضل عندهم من الإستبداد العثماني الذي رفعوه إلى درجة الإستعمار تأثرا بالظاهرة القومية العالمية.  

– أم لأنهم لا يعتبرون الحملة الإستعمارية الغربية التي اجتاحت العالم ليست في بعض جوانبها استعمارا؟

– أم لأنهم كل ذلك، ولا استعمار في تلك المرحلة على الأقل إلا الإستعمار العثماني كما طاب لجلاديهم وأسيادهم الإستعماريين اعتباره .

ولقائل أن يقول: لما لا يكونوا تغريبيين وعلمانيين عرب، وتكون الحركة الغربية وحدها عندهم استعمارا؟

وهم الذين كانوا في الحقيقة كذلك إلا أن ذلك لم يرفع عندهم صفة المستعمر عن « الخلافة  » العثمانية ذات الصفة الإسلامية للعرب.

ولاستجلاء حقيقة هذا الأمر فإنه لا مفر من إخضاع هذه الصفة للمقارنة، ولكن ليس قبل تقديم صورة موجزة على صعود العثمانيين الأتراك إلى قمة هرم السلطة في الإمبراطورية الإسلامية.

 

– العثمانيون والإنقاذ الإسلامي:

لقد كان سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية مصابا جللا في تاريخ الإسلام والمسلمين. وقد كان ضربة قاسمة للعرب خاصة، وقد انقضى آخر عهدهم بالمسك بزمام الخلافة الإسلامية التي طالما طالها التنازع بينهم والموالي. وقد كان العرب يعتبرون دوما أنهم أحق من غيرهم بها. حتى أن البعض كان يذهب إلى أن القرشية هي إحدى شروط الخليفة. وبذلك يكون العقد الذي كان ينتظم فيه أكثر أو جل المقاطعات والإمارات والسلطنات الإسلامية قد انفرط. وأن أكثر الذي ورث الضعف في الأمة الإسلامية هو استعانة ملوكها وسلاطينها وأمرائها وقياداتها المختلفة ومن مختلف المواقع بعضها على بعض بالأجنبي منذ وقت مبكر من التاريخ. مما سهل على الغزاة الصليبيين قديما سقوط الخلافة العباسية ثم الأموية في الأندلس ثم العثمانية في التاريخ الحديث. وقد كانت الحركتين القوميتين الطورانية والعربية من أهم الأسباب الداخلية التي عجلت بسقوطها، وانتهت بتداعيات ذلك السقوط إلى هذه الأوضاع التي لا نحسد عليها، سواء في المنطقة العربية أو في العالم الإسلامي كله. ومازالت هذه الإستعانة به متواصلة بما أسقط فلسطين بيد اليهود الصهاينة، وبما أسقط إمارة أفغانستان الإسلامية بيد التحالف الغربي الأمريكي الصليبي، وبما أسقط العراق بيد قوات التحالف الأمريكي البريطاني، وبما أسقط المحاكم الإسلامية في الصومال لصالح العملاء والخونة والإنتهازيين بتدخل عسكري أثيوبي بغطاء أمريكي بعد أن حسمت الأمر بالبلاد لصالح أمن واستقرار الشعب الصومالي الذي كان فاقدا لهما منذ أكثر من ستة عشر سنة.         

 » بل نحن نذهب إلى القول أنه لم تكن هناك خلافة حقيقية منذ سقوط بغداد »(2)

ذلك أن الإنقسام قد وجد في وقت مبكر من تاريخ المسلمين، ولكنهم ظلوا مع ذلك محافظين على وحدتهم الإسلامية العقائدية والفكرية والثقافية والإجتماعية، مع تواصل حركة الفتح لتزيد في اتساع رقعة الأرض التي يسيطرون عليها، والتي أعطت للشعوب فرصة اعتناق الإسلام اقتناعا وبعيدا عن أي إكراه، وبعيدا عن الخوف في ذلك من أي جهة، والتخلص من الأنظمة الإستبدادية التي تسيطر عليها وتستعبدها وتكرهها وتمنعها من الإختيار الحر في الإنتماء والإعتقاد، وقد استهواها العدل الإسلامي والحرية الإسلامية والمساواة التي جاءت عقيدة التوحيد الإسلامية داعية لها قبل أن يصلها المد الإسلامي المتنامي.

 فكانت وحدة رائعة وتعايش سلمي بين مختلف العقائد والأديان والأجناس والثقافات واللغات لم يعرف له التاريخ مثيلا .

وإذا كانت اللغة العربية هي السائدة، فليس لأن المسلمين فرضوها وصادروا ما زاد عنها من لغات الأجناس والأعراق المختلفة اللغات، بل لأن اغلبهم قد أصبح يدين بعقيدة الإسلام الذي هو الدين عند الله، والذي أراده للناس كافة، والذي يستوي في مطالبة الله جميع عباده بالإيمان والقبول به، سواء من قبل منهم بذلك أو من لم يقبل. فمن آمن به وعمل صالحا فسيجد الله وهو عنده مأجور. ومن كفر به فسيجد الله وهو عنده مأزور. وتصبح بذلك اللغة العربية التي نزل بها القرآن للناس كافة لغة كل المسلمين وليست لغة العرب الذين أصبحوا قلة بالنظر إلى ما أصبح عليه المسلمون من مختلف الأجناس والألوان والأعراق من كثرة.

فاللغة العربية لم تعد منذ نزول القرآن بها لغة العرب وحدهم، بل كانت قد أصبحت بذلك لغة عالمية وكونية. يقول تعالى:  » وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين  » وقد جاء في سورة الجن قوله جل في علاه:  » قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا *يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا « . ومن حق كل من يبلغه الإسلام ويعتنقه أن يمتلكها وتصبح لغته، لا باعتبارها لغة العرب بل باعتبارها لغة القرآن، والإسلام لا يلزمه أن تكون على حساب لغته الأصلية إن أراد الإبقاء عليها.

قلت أنه لم يتحقق للمسلمين بعد سقوط بغداد قيام خلافة قوية قادرة على حماية الثغور وجمع شتات المسلمين، مما جعل مرافئهم هدفا للقراصنة الفرنجة وبضاعة تجارهم غنيمة لسفن تجارهم. وأخذوا يعبثون بالسواحل ويأسرون التجار ويقضمون المدن ويسيطرون على السواحل. وقد كثر تحرش الدول الإفرنجية بأقاليم الخلافة الإسلامية التي كانت ممسكة بزمام أمرها الخلافة العباسية وعاصمتها بغداد. والتي أصبحت منشغلة بالصراع الداخلي أكثر مما هي منشغلة بحماية الثغور، فضلا على مواصلة حركة الفتح والتوسع لإزالة المعوقات أمام الشعوب وإعطائها فرصة التعرف على الإسلام، والإختيار الحر بين اعتناقه أو البقاء على ما هي عليه من الإعتقاد والثقافة واللغة.

إنها الفترة التي استجمعت فيها دول الفرنجة قوتها، واستطاعت أن تسقط غرناطة مركز الخلافة الأموية التي نقلها عبد الرحمان الداخل إلى الأندلس بعد استيلاء العباسيين على السلطة في المشرق العربي.

فقد أصبح العرب في هذه الفترة الحرجة من التاريخ مهددين باحتلال الفرنجة لهم كل يوم . وفي الوقت الذي سقطت فيه غرناطة وضاعت فيه الأندلس قلعة العلوم والحرف والفنون، وبعد مكث للمسلمين فيها دام ثمانية قرون من الحضارة. كان العرب في المشرق يداهمهم خطر حقيقي يتمثل في استعداد الفرنجة لاحتلالهم وحذفهم من الوجود يوم تتحقق لهم الغلبة عليهم كما حذفوهم من الأندلس، ويفعلوا بهم مثلما فعلوا بالمسلمين

وبمن خالفهم في العقيدة من واليهود هناك ومن « الهراطقة » المسيحيين بعد ذلك وقبله ممن لم يكونوا على رأي رجال الكنيسة الكاتوليكية خاصة في أوروبا كلها. وقد أنشأ أنو سنت الثالث في ما بين سنة 1160 و1216 محاكم التفتيش الشهيرة، فكانت مذبحة القسطنطينية ومذبحة جنوب فرنسا ضد من أطلق عليهم

الهراطقة من أتباع ماني الأقذار والإخوان الألبيجان. ثم أنشأت محكمة إسبانيا سنة 1480 لتواصل محاكم التفتيش عملها في كامل أوروبا حتى عام 1834 أي منذ تاريخ مبكر من اجتياح الحركة الإستعمارية الغربية الحديثة العالم وبعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 .

ففي الوقت الذي سقطت فيه الأندلس واطرد منها المسلمون واليهود الذين كانوا لا ينعمون بالأمن والإستقرار إلا مع المسلمين وفي ظل حكم الإسلام، وتعرضوا إلى أبشع أنواع الإبادة، وفي الوقت الذي بلغ فيه العرب بعد سقوط الخلافة الحقيقية في بغداد حدا من الضعف أصبحوا لا يملكون حياله حتى القدرة على الدفاع الشرعي عن النفس، كان سليم شاه بن عثمان يكتسح جنوب غرب آسيا ويحقق الإنتصارات ويلحق الهزائم بالقوات الصليبية المتربصة بالمسلمين، حتى حضي بشرف إسقاط أكبر قلعة رومانية ظلت ممتنعة على  السقوط بيد المسلمين مدة ثمانية قرون. وقد تم له فتح القسطنطينية سنة 1453 على يد القائد العسكري محمد الفاتح. فطبقت بذلك شهرته الآفاق، وغدا حديث الرجل والركبان، مما حدا بالعرب وهم على الحال الواقعة الإشارة إليها سلفا من الضعف والخوف من احتلال الفرنجة لهم، إلى القبول بالإنضواء تحت سلطته حفاظا منهم على أنفسهم قبل أن يكون ذلك غيرة وحفاظا منهم على الدين واستعادة نظام الخلافة. لأن سليم شاه بن عثمان لم يكن إذا صحت الرواية التي يؤكدها المؤرخون ذلك الرجل التقي الورع العالم، وإنما كان كما يقول ابن إياس  » أما سليم شاه بن عثمان هذا عنده جهل زائد ويحب إقامة الفتن وكان سفاكا للدماء فقتل إخوته وأولادهم وكان منهم من هو مرضع عما قيل من جهله « .

 » وكان القاضي الذي قرر بن عثمان أن يحكم في الصالحية أجهل من حمار وليس يدري شيئا في الأحكام الشرعية ويضيع على الناس حقوقها  » « … كان مشغولا بلذته وسكره وإقامته لوزرائه بما يختارونه… فكان لا يظهر إلا عند سفك دماء المماليك الجراكسة… »(3)

ورغم ما كان عليه هو وجنوده، إذا صحت هذه الروايات، من فسق وانحلال وميوعة وعدم التزام بعقيدة الإسلام وبالتكاليف الشرعية، فإنه أول من استطاع أن يوحد الأمة الإسلامية بعد حالة التشرذم والفرقة التي أصبحت عليها بعد سقوط عاصمتها بغداد بيد التتار بمساعدة وتواطئ وخيانة من ابن العلقمي على خلفية عقيدته الشيعية. وهي التي لم تسقط بعد ذلك إلا بيد البريطانيين بفعل الحركة القومية العربية وبتخطيطها وفكرها وعلاقاتها. ولتسقط بعد ذلك أيضا بيد الإمبراطورية الأمريكية والتحالف الغربي الصليبي الصهيوني، وبتواطئ من النظام العربي العميل الإستبدادي الفاسد، وبتنسيق وتعاون مع نظام الدولة الصفوية في إيران  » الثورة الإسلامية » بفعل وحماقات وغباء وفساد رؤية نظام البعث القومي العربي بالعراق بقيادة صدام حسين المجيد التكريتي في أقل من يومين في مارس سنة 2002 .

وظلت « الخلافة » العثمانية بذلك تمثل سدا منيعا للكيان الإسلامي كله. وكانت بذلك قد أخرت الإجتياح الأوروبي الصليبي للمنطقة العربية والعالم الإسلامي أربعة قرون. وكانت تتمتع بهيبة يهابها من خلالها الأعداء ويطمئن لها بها الأصدقاء. وأمنت الكيانات الإسلامية التي ظلت مستقلة أو شبه مستقلة حتى آخر عهد هذه الخلافة.

ويحدثنا التاريخ عن انضمام الكثير من المقاطعات والبلدان إليها طواعية واختيارا مثل الجزائر في عهد خير الدين بارباروس وتلاها في ذلك تونس وطرابلس وكان ذلك عام 1556 .

ولئن كان الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء الذين يمثلون رموز السلطة في كل إمبراطورية إسلامية لا يمثلون الإسلام من المنظور الأصولي الشرعي الصحيح والصادق، ولا تتمثل فيهم الشروط الشرعية اللازمة ليكونوا ممثلين للإسلام والمسلمين تمثيلا حقيقيا وصادقا وصحيحا بما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن حياة المسلمين في عمومها كانت وظلت منتظمة على أساس من العقيدة والشريعة الإسلامية تصورا وفكرا وسلوكا، ولم يكن الملوك والأمراء والخلفاء والسلاطين الذين يمثلون القيادة السياسية هم المشرفون على تنظيم حياة المجتمعات الراجعة إليهم بالنظر إشرافا مباشرا، ومثلما يجب أن يكون عليه الحال في الأصل، وإنما كان يضطلع بهذه المهمة أكثر من كان يضطلع بها ويتحملون المسؤولية المباشرة فيها هم العلماء والفقهاء والأئمة والقضاة. وهم الذين كانوا قائمين على تنظيم حياة المجتمع، وعلى علاقة مباشرة  بالجماهير. وهم الذين يتراوحون والحال هذه بين العمق الإجتماعي المدني ومشاكله، والقيادة السياسيةالمراقبة للوضع العام، والتي كان أكثر اهتمامها منصبا على تنظيم الفتوح وإخماد الثورات والقلاقل الداخلية لتحقيق الأمن والإستقرار والوحدة. أما حركة المجتمع ومشاغله ومشاكله اليومية فإن اهتمامهم بها كان عبر الولاة والقضاة وخزنة بيت مال المسلمين والعلماء المجتهدين والمفكرين …

 

إن الذي نريد إن نخلص إليه في القول، أن وحدة المسلمين ومنعتهم وهيبتهم قد تحققت وظلت محفوظة على أساس انتظام حياة المسلمين على الإسلام رغم جهل سليم شاه عثمان وتهوره وعدم انضباطه للقيم والشرائع والأحكام الإسلامية.لأن أفسد ما كان في مكونات المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنذ انقضاء الخلافة الراشدة وحلول الملك العضوض مكانها على يد الطلقاء أبناء الطلقاء، هي القيادات السياسية فيه. تماما مثلما هي عليه الحال اليوم في الكثير إن لم يكن في كل مجتمعات شعوب أمة العرب والمسلمين، وإن كان قد أضيف لقياداتها السياسية الكثير من المؤسسات التابعة لها، وطابورا خامسا من المفسدين من مكونات الحركة العلمانية التكفيرية المتغربة الدخيلة التابع لها والملتحق بها، مما ازدادت به الأوضاع السيئة أصلا سوءا.

فأي علاقة أو وجه شبه بين الخلافة العثمانية على ما هي عليه من انحراف ومظالم وفساد، والزحف الصليبي الغربي الغازي ؟

فالتاريخ يشهد أ ن الخلافة الإسلامية العثمانية قد انبعثت في وقت كان المسلمون في أمس الحاجة لمن يجمعهم بعد تشتت، ويوحدهم بعد فرقة، ولمن يؤمنهم بعد خوف، ولمن يقويهم بعد ضعف. وصارت تحكم الشعوب والأجناس والأعراق التي أخضعتها لسلطتها وجعلتها تحت نفوذها بما تحكم به المسلمين، شأنها في ذلك شأن

كل أنظمة الخلافة الإسلامية السابقة لها، بدءا بالخلفاء الراشدين، ومرورا بالخلافة الأموية، وانتهاء بالخلافة العباسية، مع الوقوف وقفة إجلال وتكريم وتقدير لخلافة عمر بن عبد العزيز الراشدة رضي الله عنه التي أريد للخلافة الأموية الظالمة المستبدة أن تستمر بعدها ما شاء لها الله أن تستمر…وفي ذلك ينقل لنا محمد جميل بيهم قول رينيه بينوف: » لا يخفى أن الدولة العثمانية ما حاولت قط تتريك العناصر في بلادها الأوروبية .. لذلك فحيث حافظ هؤلاء على أديانهم استطاعوا أن يحتفظوا أيضا بلغاتهم وبتواريخهم وبشعورهم الوطني حتى إذا جلا عن بلادهم الأتراك عادوا إلى ما كانوا عليه قبل العهد العثماني وعادت الفسيفساء التي كانت تزين كنائس الروم بعد أن طلاها الأتراك بالكلس والجير  إخفاء للرسوم المحرمة عندهم عادت إلى الظهور برونقها وجمالها إذ رفع الطلاء عنها وكانت تاريخهم في زوايا الأديرة لا تفتأ تصون شعورهم الوطني »(4)

إذا كانت هذه معاملة العثمانيين للأجناس والأعراق والشعوب التي أوقعوها أو اختارت الوقوع تحت نفوذهم بأديانها وثقافاتها ولغاتها وتاريخها- والحق ما شهدت به الأعداء- فكيف كانت معاملة الصليبيين للمسلمين الذين أصبحت الغلبة لهم عليهم في نفس الفترة التاريخية وقبلها وحتى من بعدها، وكلما كانوا قادرين عليهم، مقابل ذلك؟. ذلك ما تؤكده وتسجله الدكتورة سيجريد هونكه في معرض حديثها عن سقوط الأندلس من أيد المسلمين واستعادة الكاردنال د. بيدروجوانزليس ده مندوتا لها وهي تقول في ذلك:  » وتعرضوا للإضطهادات الشنيعة فقد حرم عليهم الإسلام وتعاليمه وأوامره كما حرم عليهم استخدام اللغة العربية وحتى نطق كلمة عربية أو أغنية عربية أو شعر عربي. كما حرموا عليهم حتى العزف على الآلات الموسيقية العربية واستخدام الأسماء العربية وارتداء لباسهم القومي وزيارة الحمامات وفرض المسيحية على من يخالف هذا من المسلمين أشد العقوبات من سجن وطرد وحرق المسلم وهو على قيد الحياة وهكذا تم النصر على العروبة وذلك عن طريق مختلف أنواع الإضطهاد من حرق وقتل وتعذيب »(5)     

وإذا كان في ذلك ما يصلح لمنتحلي الأعذار أن يقولوا أن تلك كانت ممارسة إنسان القرون الوسطى ولا تصلح بذلك أن تكون دليلا لتعصب إنسان القرن التاسع عشر أو إنسان القرن العشرين والواحد والعشرين وحقده ودمويته، ولا يصلح أو يصح أن يكون ذلك حجة عليه، وهو اليوم صانع أعظم حضارة عرفها التاريخ، فإننا نوجه عناية الإنسان المعاصر إلى النظر في ما يورده جميل بيهم في ما يتعلق ببعض ما جاء في المعاهدة المبرمة بين الروس والعثمانيين سنة 1829 بعد الحرب التي دارت بينهما بقوله:  » ألم يعتبر العثمانيون بمعاهدة سنة 1829 التي أبرمت بينهم وبين الروس عقب الحرب بين الدولتين ؟ فقد تقرر في ذيل تلك

المعاهدة عملا بمشيئة روسيا ترحيل جميع السكان المسلمين من الأفلاق والبخدان وبيع ما لهم فيها من عقار وأثاث خلال ثمانية عشر شهرا فقط ».

وحتى إذا كانت نهاية العقد الثالث من القرن التاسع عشر تطويحا في التاريخ، فإننا نستطيع أن لا نذهب بعيدا لينتهي بنا التطواف إلى خطط الدول الإستعمارية الحديثة، وهي تمعن في قتل الشعوب وإبادة الأجناس، مبررة ذلك بمثل ما جاء في الإنذار المؤرخ في 27/9/1911 الذي وجهته إيطاليا لحكومة الباب العالي تخطرها فية بعدم معارضتها لاحتلال طرابلس، وقد جاء في الإنذار ما يلي : »إن السبب في الهجوم هو إهمال الدولة العثمانية لهذا القطر لذا فإن الدولة الإيطالية تريد أن تفتح أبواب هذه البلاد للمدنية الغربية .. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنها تريد المحافظة على مصالح الإيطاليين فيها وإنقاذهم من الخطر المحيق بأرواحهم

بسبب التحريض العام عليهم بدافع من التعصب الديني الذي يظهره الموظفون الترك وضباطهم نحوهم ».(6)

وقد كلف الشعب العربي المسلم في ليبيا عدم قدرته على استيعاب درس تلقينه المدنية الغربية من طرف الصليبيين الفاشست الطليان، وإصراره على البقاء رازحا تحت نير « الإستعمار » والإستبداد التركي العثماني من الخسائر ما يورده لينين في مقال نشره في جريدة البرافدا العدد 129 يوم 28 أفريل 1912 يقول فيه: » من أي نوع كانت هذه الحرب ؟.. لقد كانت حماما داميا متمدنا ومجزرة قتل فيها العرب بواسطة أحدث الأسلحة..

وعلى سبيل العقاب ضرب حوالي 3000 عربي حتى الموت وقتلت عائلات بأسرها وذبح الأطفال والنساء بدون سبب .. وشنق حوالي 1000 عربي .. بلغت خسائر العرب 14800 رجل بالرغم من الصلح فالحرب لم تتوقف لأن القبائل العربية في قلب أفريقيا في مناطق بعيدة جدا عن الشاطئ تأبى الإستسلام ولمدة طويلة من الزمن سوف يجري تمدينها بالبنادق والحراب والمشانق والحرائق والسياط ».(7)

إن أحقية العرب بمنصب الخلافة ليست شرطا شرعيا، وإنما كان ذلك من البدع الكثيرة التي أقرها الطلقاء أبناء الطلقاء الذين أمعنوا في نقض عرى الإسلام عروة عروة. وكانوا وراء كل الظروف والأحداث التي كانت سببا في الثورة على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتله، واستولوا على السلطة وأعلنوا قيام الملك العضوض وأحلوه محل الخلافة الراشدة الواجب قيامها على مبدإ الشورى، وجعلوه في العرب، واعتبروا أنه لا حق لغيرهم فيه. فالله تعالى يقول في كتابه العزيز » إن أكرمكم عند الله أتقاكم  » وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: » لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى « .

وإذا كان من النصوص الشرعية ما يعتمد لإثبات أفضلية العرب على من سواهم من الأعاجم فليس ذلك مطلوبا لذاته، وإنما يظل ذلك صحيحا ومقبولا وشرعيا بقدر ما يتحقق به للإسلام والمسلمين وللإنسان عموما من نفع وصلاح. أما إذا كان الحاصل خلاف ذلك، فيجب أن يكون الأفضل شرعا هو الأكثر صلاحا وتقوى. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: » أحب العرب لثلاث: لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي « .(8)

وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا السياق واضحة، وتتضمن دعوة صريحة وواضحة إلى حب العرب وتفضيلهم:

– لعلاقتهم بالإسلام باعتباره نزل بلغتهم أولا.

– ولأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان منهم ثانيا.

– ولأن لغة القرآن التي هي اللغة العربية هي كذلك لغة أهل الجنة في الجنة.

 فيصبح القول بذلك أن يكونوا الأصلح لإقامة الإسلام والحفاظ عليه على النحو الذي يرضي الله ورسوله.

وهل ينطبق هذا التفضيل والتكريم والتبجيل والحب عليهم حتى حين يخونوا الأمانة ويخذلوا الإسلام ويثخنوه

تبديلا وزيادة ونقصانا، ويمعنوا في نقض عراه عروة عروة كما سبقت مني الإشارة إلى ذلك. هذا ما لا تحتمله النصوص ولا تقره ولا تدعوا إليه. بل وهذا ما تمنعه وتنهى عنه ولا تجيزه.

ويصبح العربي الذي تنطبق عليه النصوص هو كل مسلم عالم بلغة القرآن من أي جنس كان، وهو حافظ للأمانة التي عرضها الله « على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنه

كان ظلوما جهولا ».

وهناك أحاديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مفادها أنه يصبح عربيا من فقه لغة القرآن وحذقها. وإذا كان كل المسلمين مدعوين لتعلم لغة القرآن، فإنهم يصبحون كلهم عربا لسانا ومسؤولين بنفس الدرجة على إقامة الإسلام عقيدة وشريعة. ومتى كان معيار الإستحباب والتفضيل هو العروبة إذا كان العرب هم أول من قاوم دعوة الإسلام وحاولوا وأدها في المهد ولم يدخروا جهدا في محاصرتها والقضاء عليها. ولكن وعد الله حق وقد وعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يمكن لهذا الدين ولو كره الكافرون. وقيض له من الصادقين من العرب ومن كان معهم من الموالي من هبوا لنصرته ولم يخافوا في الله لومة لائم ومكنوا له بأموالهم وأنفسهم.

 

والعرب هم الذين أعلنوا بمجرد بلوغ خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ردتهم، وكانت حرب الردة باليمامة التي خاطب فيها سهيل بن عمرو المرتدين قائلا: » يا أهل قريش لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد ». 

ثم كانت: المرحلة الثالثة: وهي الأشد خطورة. وكان العرب حاضرين هذه المرة للإنقضاض على الإسلام نهائيا ولم يبقوا منه إلا على ظل خافت وأثر بعد عين. وقد نسفوا منه مبدأ الشورى وقضوا على حرية التفكير والتعبير فيه، وكرسوا سيادة العرب وإقصاء الموالي والأعاجم … إلى آخر ذلك من الجرائم التي ارتكبت في حق الإسلام والمسلمين. حتى أن ابن رشد  » كان يعد معاوية الذي أنشأ الحكم الأوتوقراطي في الإسلام مسؤولا عن الإطاحة بهذا المثل الأعلى وفتح الباب أمام جميع الكوارث التي حلت في ما بعد بالمسلمين « (9)

وكان يعتبر أن الحكومة الإسلامية التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين « هي الجمهورية المثالية التي حلم بها أفلاطون ».(10)

أما المرحلة الرابعة: فكانت تتميز بوقوف عرب الشام والعراق في وجه الفتح الإسلامي متحالفين مع الروم تارة ومع الفرس أخرى. » وتكون غزوة تبوك في العام التاسع الهجري …ويقبل على النبي صاحب أيلة يوحنا بن رؤبة فيصالح الرسول ويكتب له عهده ويقبل ناس من أهل جرباء وأذرح فيصالحهم كذلك ويكتب لهم عهودهم .. ولكن عرب الشام لا يستيقضون لدعائه ولا يستجيبون لدعاته ولا يبادرون لنصرته وتأييده « .

 » وأن الروم كانت تضرب البعوث على العرب الضاحية وكانت تستفزهم فينفر إليها من بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان وكانت تحارب بهؤلاء المستنفرين في المواقع المختلفات .. بل إنها كانت تجد منهم من تستخدمه في التجسس والتطلع « .

لم يكن خالدا ليلقى الفرس وحدهم ولكنه كان يلقى العرب والفرس ، بل كان يلقى في هذه المواقع التي دارت على طرف الفرات الغربي مجاورة للبادية من العرب فوق ما يلقى من الفرس ولعل العرب كانوا يقاتلونه (خالد بن الوليد) أحيانا وحدهم من دون أعاجم كما في عين التمر ».(11)

وبذلك يصح القول أن أحقية العرب بالخلافة ليست حكما مطلقا ولا شرطا غير قابل للإسقاط، ولكنها مرتبطة بالورع والتقوى والصدق في الحكم بما أنزل الله دون تبديل ولا تغيير. وذلك هو العربي الذي يكمن أن يقدم لمنصب الخلافة، وإلا فإن من هو أفضل منه وأقدر على حمل الأمانة هو أولى منه بها ولو كان من الموالي أو الأعاجم نسبا، فهو عربي لغة ولسانا وقرآنا وعلما وقدرة.

فالعروبة وحدها لا تبوء العربي إلى مكان الصدارة والجلوس على كرسي الخلافة:

– لأن الإسلام ليس عربيا.

– ولأن العرب ليسوا كلهم مسلمين.

– وليس كل المسلمين منهم صادقين، والصادقون منهم لا تتوفر فيهم كلهم الشروط.

وإذا ما أصبحوا قلة بين الأجناس والأعراق المكونة للأمة الإسلامية، فإن حضوضهم قد تكون أقل من حضوض الكثير ممن سواهم ممن يصبحوا بذلك على الأقل أحق بخلافة المسلمين، وليس لمجرد أن يكون الرجل عربيا ليكون ذلك كافيا له حتى يكون مقدما بهذه الصفة فقط على غيره.

واللغة بما هي مقوم من مقومات الأمة، فإن اللغة العربية لم تعد لغة العرب ولا هي ملك لهم وحدهم منذ أن نزل بها القرآن الذي أراده الله الرسالة الخاتمة للناس كافة. ولتكون بمقتضى ذلك لغة الناس كافة. ولكنها أصبحت لغة كل المسلمين ممن سبقوا للإسلام من كل الأجناس والأعراق من أصحاب اللغات الأخرى، إلى المسلمين المعاصرين، وانتهاء إلى المسلمين اللاحقين إلى قيام الساعة، حين تكون لغة أهل الجنة في الجنة من مختلف الألسن والألوان الذين خلقهم الله من نسل آدم عليه السلام.

فاللغة العربية التي لم يستطع العرب منذ نشأتهم أن يخرجوا بها من الجزيرة العربية، قد أصبحت لغة عالمية منذ أن أنزل الله بها القرآن للناس كافة. بل أصبحت بذلك كونية بعد أن نزل بها ملك الوحي جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم،، وأخذت الجن بها القرآن عليه. قال تعالى في سورة الجن:  » قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ».

ولذلك، فلئن كان فضل العرب عليها كبيرا، ففضل الإسلام كان عليها أكبر، لأنه أخرجها من حاجة العرب وحدهم إليها إلى حاجة كل المسلمين إليها. حتى إذا كانت لغتهم في الدنيا فإنها تصبح لغتهم في الآخرة كذلك، حيث تكون لغة كل من كان أهلا للجنة ممن خلق الله من الملائكة والجن والإنس.

ولذلك فإن الذين يعتبرون أن العثمانيين قوة استعمارية كما يحلو للدول الإستعمارية الصليبية الغربية أن تظهرهم، حجتهم داحضة، لأن العثمانيين المشار إليهم من طرف جهات لها علاقة معلومة ومعلنة بالغرب الصليبي ليسوا إلا قوة أوجدها الإسلام الذي حمله إليهم وأبلغهم إياه العرب المسلمون ومن أسلم معهم من

الأعاجم الذين جعل الإسلام منهم أمة وقوة ما كان ليكون لهم وجود كالذي كانوا عليه بدونه.

فإذا كان العثمانيون الأتراك قوة أوجدها الإسلام في وقت كانت الأمة الإسلامية بما فيهم العرب في أمس الحاجة إليها كما يتأكد ذلك من خلال التاريخ، كما أوجد الأمة العربية التي يؤكد التاريخ أنه ما كان يمكن أن يكون لها وجود بدونه، فكيف يستقيم القول أن تكون الثانية مستعمرة للأولى، وهي التي تشترك معها في مصدر القوة والنشأة والتكوين الذي هو الإسلام وأبلغته إليها؟

أليس من باب أولى وأحرى إذا كان لا بد من مستعمر ومستعمر أن يعتبر العرب المسلمون في هذه الحالة هم القوة الإستعمارية الأولى التي فرضت على الأتراك دينها ولغتها وثقافتها وذلك ما كان عليه موقف الأتراك بعد أن تمكنوا من إنهاء الخلافة والذي أكد عليه كبيرهم الذي علمهم السحر كمال أتاتورك في موقفه من استبدال الأحرف العربية للغة التركية بالأحرف اللاتينية؟ وكرس حياته كاملة في محو كل أثر للعروبة والإسلام من تركيا عاصمة الخلافة الإسلامية على امتداد قرونا عديدة من الزمن.

ولأن المستعمر كما هو معلوم يكون شديد الحرص على فرض دينه وعقيدته ولغته وثقافته، فهل كان شيء من ذلك مما فعله العثمانيون الأتراك ضد العرب أو حتى ضد غيرهم من الأمم والشعوب المكونة للأمة في الأقاليم التابعة  » للخلافة  » والمحسوبة عليها. 

إن هذه الخدعة لم يكن لها في تاريخ المسلمين وجود، عدى ذلك الصراع المحموم الذي نشب بين العرب والموالي من أجل طموح ورغبة وسعي كل طرف للإنفراد بموقع القيادة السياسية في الخلافة الإسلامية، دون اعتبار هذا الطرف أو هذا الفريق أن ذاك الطرف أو ذاك الفريق مستعمر له.

فالمتأكد يقينا أن سحب فكرة النزعة الإستعمارية على الخلافة العثمانية التركية كانت من صنع الأنظمة الإستعمارية الغربية مستفيدة من:

1- غباء وسذاجة وطمع العرب في ذلك الوقت وجهلهم، وانحطاطهم الأخلاقي والحضاري.

2- جور الأتراك واستبدادهم ومصادرتهم للحق والعدل والحرية، وهي من القيم والمبادئ التي لا يصح الإسلام ولا الحكم الإسلامي الشوروي الصالح إلا بها.

3- استفادة قوى الهيمنة الإستعمارية من النزعة الشعوبية التي كانت تعلم أنها كانت تحكم العلاقة بين العرب وغيرهم من الموالي والأعاجم الذين ينازعونهم دوما قيادة الأمة.

4- نفي الدول الغربية الإستعمارية صفة الإستعمار عن نفسها باعتبارها قوة حماية وانتداب وإلحاقها وإلصاقها بالعثمانيين الأتراك المسلمين.

5- انتحالها صفة المنقذ والحامي للعرب وخاصة لمن أسمتهم بالعرب الأتراك أو العرب العثمانيين، وهم الذين جندتهم وقادتهم في حرب عربية إسلامية ضد العرب والأتراك المسلمين، أي في حرب عربية إسلامية عربية إسلامية بإشراف وتمويل وقيادة أنقليزية وصهيونية مباشرة. وبذلك يكون قد تحقق استكمال هيمنة كل من أنقلترا وفرنسا على المنطقة وفق اتفاقية سايكس بيكو الفرنسية البريطانية. وهكذا تكون قد توفرت كل الشروط، وأصبحت كل الظروف مناسبة لاستلام الصهيونية لأرض العرب والمسلمين فلسطين، وجعلها وطنا قوميا لهم.

لا يشك أحد من العرب أو من المسلمين أو من العرب المسلمين في إسلام العثمانيين الأتراك. ولا يشك أحد أنهم قد حكموا المسلمين بمثل ما حكمهم به من استبد بأمر الخلافة ممن سبقهم من العباسيين والأمويين من قبل، إذا استثنينا خلافة عمر بن عبد العزيز الراشدة، حتى إذا قيل أنهم أتراك ومستبدون، فإننا نستطيع القول أن العرب والمسلمين قد عرفوا الإستبداد والظلم والطغيان بالحياد عن تعاليم الإسلام وألفوه من قبل ومنذ وقت مبكر، سواء في ظل وجود الموالي على رأس الخلافة، أو في ظل وجود العرب سواء بسواء. ويكونوا بذلك  ليس أول عهد لهم بذلك.

فمن المفارقات الغريبة أن يتخلد بذهن المسلمين العرب، أن يكون أخوة لهم في الدين، مهما كانت درجة الإستبداد التي كانوا أو يمكن أن يكونوا عليها مستعمرين لهم، ويعاملونهم معاملة المستعمر فعلا. لقد سقط العرب في أسوإ ما يسقط فيه الأقوام والأجناس والأعراق والأمم والشعوب، لما استعانوا بعدو تاريخي معلوم، جاء في إحدى حملاته المتكررة في التاريخ غازيا ليحتل الأرض ويغتصب الأرزاق ويصادر الحريات ويتفنن في القتل والحرق والإبادة. ويفرض دينه ولغته وثقافته على شق من الأمة يشاركونهم عقيدة الإسلام ويتكلمون لغة القرآن التي هي لغة العرب أنفسهم، وأقروا الثقافة العربية الإسلامية، وفسحوا المجال لتطور العلوم والفنون والمعارف في إطارها، ولم يصادروا من أحد أرضا، ولم يحتلوا وطنا، ولم يبيدوا شعوبا ولا أعراقا ولا أجناسا ولا ألوانا، ولم يرضوا بغير نظام الشريعة الإسلامية نظاما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. يقول الأمير مصطفى الشهابي » ومن محاسن الدولة العثمانية في نظر الشعوب التي كانت تحكمها تلك الدولة أن الترك كانوا أقل استعدادا للأخذ بوسائل المدنية من الشعوب المذكورة، ولذلك لم يستطع الترك فرض لغتهم على بلاد العرب مثلا ولا نشر ثقافتهم عليهم لأنه لم يكن للترك ثقافة صالحة لأن تنشر على الناس « .(12)

إن العثمانيين الأتراك الذين خططت الدول الإستعمارية الغربية لأن تجعل منهم في نظر العالم، وجعلت منهم في نظر العرب للأسف أو بعض الأطراف العربية على الأقل، استعمارا، هم الذين لاذوا من بأس القائد قتيبة

بن مسلم الباهلي، بالإسلام ودانوا به، حتى  » صاروا في ما بعد أحمى حماته وأمضى سيوفه « (13) قد جاءوا ليوحدوا العالم الإسلامي بعد أن كان ممزقا. وجعلوا لغة القرآن هي لغة جميع المسلمين عربا كانوا أو عجما لمن أراد منهم ذلك. ولم يغتصبوا أرضا لأحد لأن عادة المسلمين في فتوحاتهم وفق تعاليم الإسلام أن يبقوا الأجناس والأعراق والشعوب والقبائل على أراضيها، وفي مواطنها وأوطانها، وأن يظلوا متمتعين عليها بكامل حقوقهم مقابل دفع الزكاة لمن أسلم، والخراج والجزية لمن يرد أن يبق على دينه، ويظل في ذلك يتمتع بكامل حقوقه المشروعة في إطار عدل النظام الإسلامي. في حين جاء الإستعمار الغربي الجشع ليضرب وحدة الشعوب والأجناس والأعراق والأوطان. ويزرع التباغض والتعصب والعنصرية، لضمان نجاح تنفيذ أغراضه الدنيئة في فرض لغته ومصادرة لغات الأقوام والأعراق والأجناس والشعوب الأخرى. وفرض دينه بمصادرة أديان وعقائد الآخرين، أو على الأقل إفسادها عليهم وإخراجهم منها. وتأكيد ثقافته التي لم تخدم إلا مصلحته العنصرية والأنانية. وليس من قبيل المصادفة أن يدخلوا من باب العروبة لضرب الوحدة الإسلامية والعربية الإسلامية.ولكنهم كانوا خبيرين بالوضع السياسي والجغرافي والعرقي والديني، وكانت مراهنتهم على القومية العربية والقومية الطورانية التركية في زمن القوميات في الغرب مدروسة دراسة جيدة، ويتضح ذلك من قول القائد العسكري للحركة القومية العربية لورانس في معرض تعليقه على بداية الثورة » لقد كنت أومن بالحركة العربية إيمانا عميقا وكنت واثقا قبل أن أحضر إلى الحجاز أنها هي الفكرة التي ستمزق تركيا شذر مذر ».(14)

إن لورانس يعلم كما سبق أن أشرت أن العرب ليسوا في النهاية كلا متجانسا موحدا دينيا وطائفيا ومذهبيا على الأقل، رغم رابطة العنصر القومي الذي يبدو جامعا بينهم، ولكن يمكن أن ينقسموا في النهاية أشتاتا، فيكون:

– منهم العرب المسلمون السذج الذين يغلب عليهم الجهل والغباء.

– ويكون منهم العرب المسلمون الذين أداروا ظهورهم للإسلام خوفا أو طمعا وقد نسوا الله فأنساهم أنفسهم، واتخذوا من القومية العربية مرادفا للإسلام وبديلا عنه، في وقت لم يكن فيه أي معنى للعروبة خارج الإسلام وبعيدا وبديلا عنه.

– ومنهم المسلمون العرب وهم الذين لا يرون للعرب بديلا عن الإسلام نظاما، ولا قيمة بل ولا وجود لهم ولا معنى بدونه. ولا مستقبل لكل العرب والمسلمين خارج إطار الوحدة العربية الإسلامية والتضامن العربي الإسلامي. وهؤلاء هم فرسان الجامعة الإسلامية الذي كان مشروعا أقض مضاجع الإستعمار. ومنهم العرب المسيحيون والعرب اليهود، وقد عولت وراهنت الحركة الإستعمارية على كل هذه الأطراف العربية المشار إليها، بعد أن انفرط عقدها الديني والثقافي والتاريخي والحضاري الإسلامي الجامع والموحد، ما عدا الطرف المسلم العربي الذي سعى إلى التأكيد على الجامعة الإسلامية، بل الإبقاء عليها والدفاع والذود عنها. وكان يمثله زعماء الإصلاح من أمثال جمال الدين الأفغان ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمان الكواكبي وشكيب أرسلان والشيخ عبد العزيز الثعالبي وابن أبي الضياف وخير الدين باشا وغيرهم.  

وإذا كانت دوافع القوميين العرب المسلمين هي الحرص على قيام الوحدة العربية التي كانت قائمة في إطار « الخلافة  » العثمانية، والتي لم تتحقق بعدها، وتحقيق الإستقلال الذي كان متحققا في ظلها، والذي لم يتحقق خارجها، عن ما اعتبروه أو بالأحرى ما أملاه عليهم الأوروبيون الغزاة والصهاينة، الإستعمار العثماني، فإن دوافع القوميين العرب المسيحيين واليهود هي إضافة إلى ما تقدم، هي السعي إلى الوجود خارج النظام الإسلامي الذي هو نظام الخلافة، والإلتحاق والإرتباط ببني عقائدهم وأديانهم من الغزاة الغربيين، وهذا رأي لورانس »العرب » في الوحدة العربية الذي يقول فيه:  » بعض السوريين يصرخون في طلب إقامة مملكة عربية وهؤلاء عادة هم من المسلمين… وأما المسيحيون الكاتوليك فعلى العكس يطالبون بحماية أوروبية من النوع الذي يمنح امتيازات دون أن يربط بقيود ». وأما جميل بيهم فيقول :  » على أن وجهات نظر البيروتيين كانت مختلفة خصوصا لوجود فئة ذات وزن كانت حريصة على التخلص من الحكم العثماني وتعمل بالإتفاق

مع فرنسا في جمعية سرية … كان قنصل فرنسا أحد أعضائها لضم مدن الساحل إلى لبنان وللسعي لاستقلاله تحت حماية فرنسا ».(15)

أما بخصوص العرب اليهود ومن ورائهم القومية اليهودية قاطبة ممثلة في الحضور الأنجليزي المباشر، وفي الحركة الصهيونية النشيطة، والتي وضعت كل ثقلها المادي المغري على ذمة كل من هو مستعد ليسلك بها الطريق إلى فلسطين العربية الإسلامية. وكل ثقلها السياسي والعسكري والإعلامي، إلى جانب كل القوى الإستعمارية الغربية. وسعت لإيجاد علاقة وثيقة مع كل من له صلة أو يمكن أن تكون له بأرض الحجاز وسوريا حيث الأمل معقود، والمساعي جارية لاقتطاع ما يعتبرونه وطنهم القومي فلسطين. وقد وجدوا في الزعيم الروحي للثورة العربية وأبناءه وخاصة إبنه فيصل خير متفهم لقضيتهم وخير معين على تسهيل كل الخطوات وتذليل كل الصعوبات التي يمكن أن تعترض سبيل الحركة الصهيونية في طريقها لاغتصاب أرض المسلمين في فلسطين.

فقد بدا واضحا أن القومية العربية من خلال ما جاء في حديث الملك فيصل للورد روتشيلد، ومن خلال إحدى رسائله إلى عضو الوفد الأمريكي في مؤتمر الصلح والمتحدث الرسمي باسم الصهيونية السيد فرنكفورت، هي الحليف الإستراتيجي للقومية اليهودية المتمثلة في الحركة الصهيونية العالمية. بل إن العرب اليهود كانوا يمثلون النسبة العالية والأوفر إمكانيات إذا ما أضيفت إليهم كل جحافل القوميين العرب على اعتبار أن الحركتين هما حركتين قوميتين وليستا حركتين استعماريتين، وعلى اعتبار أنه لا غنى للواحدة عن الأخرى حسب رأي الملك فيصل ابن قائد الثورة العربية الكبرى الشريف حسين. وقد بدا واضحا وبما لا يدعو مجالا للشك كذلك أن الحركة القومية العربية التي أشعلت ما يسمى ثورة 1919 وقد صدر إعلان وعد بلفور الذي يمنح وطنا قوميا لليهود في فلسطين، كانت تعلم أن الحركة الصهيونية قد أصبحت مؤهلة كوريث أوحد لفلسطين من الكيان الإستعماري البريطاني، والتي هي جزء من التركة الكبيرة للرجل المريض الذي تحالف بعض ورثته الشرعيين، الذين انتظموا في الحركة القومية العربية، مع أعدائه وأعدائهم لقتله، باعتباره في نظرهم مستعمرا لأرض لهم حق فيها وليس له فيها حق . وهم من تجاهل خطورة ادعاء أعدائه وأعدائهم أن لهم كذلك نفس الحق فيها. فما كان من الجود القومي العربي والعدل العربي إلا أن يعيد لكل ذي حق حقه. وأن يمد العرب الجياد والعدول يد العون والمساعدة لأبناء عمومتهم اليهود في الحركة الصهيونية لاغتصاب أرضهم وطردهم منها بعد أن أطلقوا أيديهم فيهم قتلا وتشريدا. وهكذا يكون الجود والعدل. وقديما قال المتنبي:

جود الرجال من الأيد وجودهم        * * *     من اللسان فلا كانوا ولا الجود

ولسائل أن يسأل:

– كيف يمكن للعرب أن يحرزوا استقلالا أو يحققوا وحدة، إذا كانوا بين جاهل وغبي وخائن للقضية العربية

والعربية الإسلامية؟

– ومتى كانت قيم الجهل والغباء والخيانة تمثل أصلا وأساسا لأي مهمة وطنية وحضارية وإنسانية؟

– ومتى كان الإستقلال الوطني غاية وهدفا ممكن التحقيق عند أطراف تتقاذفها أهواء ونزعات وغايات مختلفة، وتجمع بينها الفرقة أكثر مما تجمع بينها الوحدة والإئتلاف، وولاءها الظاهر والمعلن لأعدائها أكثر من ولائها لبعضها ولأوطانها ولأمتها؟

ولذلك فإن العارفين بطبيعة المعركة، وبطبيعة المرحلة، وبطبيعة كل الأطراف والأجناس والأعراق والطوائف، وبطبيعة كل القوى المتواجدة على الساحة العسكرية والسياسية والإجتماعية والثقافية من أمثال لورانس الذي كان قد أصدر حكما في تلك الفترة التي كان يدعي فيها البعض أنه كان بصدد إنجاز ثورة عربية لتحقيق الإستقلال العربي وقيام الوحدة العربية، وتحقيق الحلم العربي في امتلاك أسباب القوة والرفاه بتدفق أموال اليهود على المنطقة وبمهاراتهم وخبراتهم وحيازتهم للعلوم الغربية يؤكد فيه على أساس الجزم والقطع استحالة قيام أي وحدة عربية لا في ذلك الوقت ولا في الأوقات التي تليه. وما واقع العرب إلى الآن وبعد كل الذي حصل إلا خير دليل على ذلك.

 

==============

(1) القومية والغزو الفكري. – محمد جلال كشك . (2) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك.   (3) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك. 
(4) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك.  (5) نفس المرجع. (6) القومية والغزو الفكري (الهامش) – محمد جلال كشك. (7) نفس المرجع. (8) رواه الحاكم والطبراني والبيهقي.      (9) حرية الفكر – محمد العزب موسى. (10) نفس المرجع. (11) حركة الفتح الإسلامي  في القرن الأول: – شكري فيصل. (الطبعة الثالثة). (12) القومية والغزو الفكري: محمد جلال كشك. (13) نفس المصدر. (14) نفس المصدر. (15) القومية والغزو الفكري – محمد جلال كشك     
 


مجتمعات اللاّمبالاة أو العدالة بين بؤسين: الإنكار والرّحمة

  

 
باسط بن حسن       1. طريق اللاّعدالة معبّدة باللاّمبالاة. كلّ صوت مجروح نوصد دونه أبواب انتباهنا وكلّ نظرة ألم نشيح عنها بوجوهنا هي أحجارتقيم أسوارا شاهقة بيننا وبين فضاءات العدالة. هذه الفضاءات هي المكان الذي يتبلور فيه الوعي بانتمائنا، رغم فرادتنا، إلى آخرين والوعي بأنّ لكلّ فرد قيمة متساوية مع كلّ الأفراد، فقيم المواطنة تنتمي على هذا الأساس. وهذه الفضاءات هي كذلك المكان الذي تتفاوض فيه الخصوصيّات من أجل التّقارب واختبارالمشترك. إنّ البحث عن بناء فضاءات تمارس فيها تجارب العدالة بهذا المعنى هو خروج من عزلة النّسيان واللاّمبالاة، وإقامة دائمة في أعماق الوجود، وإنصات منتبه لما يؤسّس المشترك الإنسانيّ، وكشف نقديّ متواصل عن الجذور العميقة للتّسلّط والتّمييز وامتهان الكرامة. هذا البحث هو الذي يقودنا إلى سبل مواجهة آلة الخديعة التي تصوّر لنا البؤس الصّارخ على أنّه قدرنا في الحياة وتجعل من عنف الفوارق الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة لغة وحيدة لبقائنا. وتنبني استراتيجيّة تعميم الفوارق على تعميق اللاّمبالاة بوصفها درجة قصوى للعمى الاجتماعيّ. فما يعانيه الآخر من إذلال لا يعنيني انا بل أحاول جاهدا أن أقصيه من مدار سجن أنانيّتي وتمتّعي الكاذب بحصانة ذاتي من الحاجة. وما يرسله الآخر من رسائل استغاثة من فرط ألم الّتهميش والإقصاء أنكره خوفا من تهديد « جنّات » حياتي المستلبة. إنّها الاستراتيجيّة التي تجمعنا كلّنا في نهاية الأمر في مرتبة وجود هي مرتبة اللاّحياة واللاّموت. مرتبة نتأرجح فيها على حبل اللاّتواصل وهو انتفاء تامّ لإمكانيّة التّعرّف على معاني العدالة. 2. لم تتحقّق في تاريخ مجتمعاتنا لحظة عدالة واحدة توصّل فيها الأفراد بقطع النّظر عن خصوصيّاتهم إلى محو الفوارق سلميّا وتجميع المختلف تحت سقف المواطنة بكلّ ما تعنيه من مغامرة وعقلنة للفضاء السّياسيّ. ولقد اصطدمت كلّ محاولات ارتياد فضاءات العدالة بسيطرة رؤية للسّياسة تعتبر أنّ »الخير » هو مملكة تحتكر مفاتيح أبوابها السّلطة المطلقة. إنّ السّلطة في مختلف تجلّياتها هي التي تمنح الحياة عندما تريد وتحجبها حينما تستشعر خطرا ما. وهي التي توزّع الأدوار الاجتماعيّة والثّروات المعنويّة والماديّة كيفما تريد وحسب قراءتها الخاصّة لموازين القوى القائمة. إنّ هذه النّظرة للعدالة التّي ما زلنا نعيش على آثارها إلى اليوم هي التي تملأ أدبيّات « السّياسة » التّراثيّة والكتابات حول مفهوم العدل. فالعدل هو المنّة والهبة التّي تمنحها قوّة متعالية عند المقدرة من موقع إيمانها بمطلق الخير واعتقادها الجازم بأنّها مالكة رقاب الرّعايا. فلا غرابة أن يحفل تاريخنا بأمثلة عديدة عن تحوّل مطلق الخير إلى مطلق الشرّ والعكس صحيح في مسار عود على بدء لم يسمح بتدخّل الفرد في هذا القدر المحتوم. ولعلّ هذه النّظرة القدريّة للسّلطة بوصفها محتكرة الخير والشرّ هي التي ستمنع روّاد النّهضة في القرن التّاسع عشر من القيام بمغامرة انزياح كبرى في لغة الخطاب السّياسيّ التّقليديّ ببعثرة بقايا مطلقات هذا الخطاب وإعادة التّفكير في الفضاءات التّي تتأسّس فيها مفاهيم العدالة. وتبدو أزمة هذا التّردّد جليّة عند الكواكبي مثلا، فهو لم يقدر على تمثّل الفرد ككائن سياسيّ جديد له دور في صياغة القاعدة القانونيّة المبنيّة على الحرّية والعدالة والمساواة، لذلك انكفأ على صورة قديمة لسلطة/ خلافة هي التي ترعى مفهوم الخير بواسطة مؤسّسات خيّرة. ولكن لا الامبراطوريّة العثمانيّة في مرحلة تساؤلات انهيارها ولا الدّول الوطنيّة في أوج قوّتها أوهشاشة انحدارها استطاعت أن تفتح أفقا للعدالة. كما أنّ أغلب حركات المعارضة العربيّة الحديثة قد وضعت الدّولة المدافعة عن البروليتاريا أو عن « الأحلام » الوحدويّة القوميّة او عن صفاء الهويّة الإسلاميّة كقوّة فعل وحيدة لتحقيق الخير للجميع طبقات سواء كانوا أم أمّة. ويمرّ تحقيق هذا الخير عادة بنفي الفرد وخصوصيّاته وقدراته على تأسيس لغة عدالة متحرّرة من المطلقات. 3. إنّ تحويل الحاجة إلى حقّ ندافع عنه بصفته قيمة، ونضع له ما يتناسب من قواعد ملزمة، هو الشّرط الضّروريّ لبناء الوعي بحقوق الإنسان ولتمثّلها في الواقع. فالعدالة الكامنة في أقاصي المنزلة الإنسانيّة، والتي لا تزال تقرع أبواب وجودنا بأشكال متعدّدة جامعة بين الاحتجاج العنيف والمطالبة السّلميّة وأنّات آلام الأفراد والجماعات المكبوتة ستبقى صرخة متواصلة لن تنفع كلّ اللاّمبالاة التي تربّينا عليها في تجاهلها. إنّها تعود إلينا في كوابيس يقظتنا متجسّدة في نظرات أكثر الفقراء فقرا، تلك النظرات المستجدية في حنقها وكراهيّتها، وتعود إلينا في مشهد النّساء الموؤودات في ثقافة ذكوريّة مجرمة، وفي عنف أطفال الشّوارع، وقد أشحنا بوجوهنا عن طفولة عالمنا، وفي أنّات المبدعين الذين تقصيهم آلة المشهد الثّقافيّ /السّياسيّ/التّجاريّ عن القول والفعل. كوابيس يقظة يعمّرها المعلّقون في أقبية التّعذيب الوطنيّة والعابرة للقارات وضحايا سماسرة الأجساد والأرواح واللاّجؤون والمهاجرون الذين نغلق كتاب عذاباتهم على عجلة من أمرنا. إنّها وضعيّات استحالة العدالة التي لا تترك للفرد سوى الإغراق في اللاّمبالاة كامتناع عن معرفة الوجود أو الهجرة إلى لامبالاة أخرى هي التّضحية بالجسد ونحره بنحر الآخر. فالعمليّات « الاستشهاديّة » هي مطلق اليأس من العدالة كعمليّة فهم للآخر وتواصل معه وتأسيس للمشترك. فعن طريق هذا النّوع من الموت الصّاخب يتمم استدعاء عدالة السّماء من حيث هي تعويض عن كلّ مفاهيم الدّولة التي عجزت عن تقديم إجابة عن أسئلة الخير والعدالة ومن حيث هي تعويض عن عدم القدرة على تحويل الوعود الحداثيّة بحقوق الإنسان إلى تجربة عيش. في ظلّ هذا العراء ، يبدو أنّ الأفق الوحيد للخروج من هذا الحضيض الدّاهم والظّلمات المرعبة هو بلورة وعي بالمسؤوليّة التّاريخيّة يمكننا من تعريف معنى الفضاءات الذي تتأسّس فيها العدالة. 4. لا يمكن ان نختبر قدرتنا على اللاّمبالاة إلأّ حين تواجهنا أوضاع قصوى. سجين سياسيّ سابق كان يذرع فضاءات المنظّمات الحقوقيّة التّونسيّة. لقد ترك التّعذيب وشما دائما على جسده. إعاقة وعاهة تترك في النّفس شعورا ملتبسا يمزج بين الشّفقة ومحاولة الإفلات من إصرار هذا الجسد على الاستمرار في تجربة الألم وحقيقته. إنّ هذه الدّعوة الملحّة للتمعّن في الجسد المعذّب هي في حقيقة الأمر الخطوة الأولى للدّخول الواعي في كشف الأماكن المعتمة التي تذبح فيها العدالة وفي التّفكير في الآليّات التي تصوغ بها السّلطة مسارات هيمنتها. هذه الحركة الكاشفة لإخراج الجسد من سجن الألم واقتراح لغة مشتركة لوصف الألم ونقده هي التي نشيح عنها ونواجهها بالنّسيان من أجل الحفاظ على حياتنا « الطّبيعيّة ». فاللاّمبالاة بوصفها مراكمة لوضعيّات نسيان متواصلة هي التي تقودنا في نهاية الأمر إلى قبول ما لا يمكن قبوله وإلى التّسامح مع ما لا يمكن التّسامح فيه. إنّ لآلة التّعذيب وإنتاج العذابات بجميع أصنافها عمريْن: عمر تزهو فيه بممارسة طقوسها الوحشيّة على الأجساد والأرواح وعمر تبتكر فيه بلاغة تدريبنا على اللاّمبالاة. وفي كلتا الوضعيّتين نفقد مهارات البحث عن تأسيس فضاءات العدالة وتستوطن ذاكرتنا هيمنة السّلطة كصانع أوحد للخير ومالك مطلق للحقيقة. وسواء كان المعذّب أو الخاضع لشتّى أصناف الإكراه في المجتمع اسلاميّا أوشيوعيّا أو مدافعا عن الحرّيات أو فردا لا انتماء إيديولوجيّا له، فإنّ الرّسالة التي توجّهها الدّولة إلى المجتمع من خلال عمليّة الإذلال هذه واضحة ومطلقة. فهي تذكّر الجميع بأنّها موجودة في كلّ فضاءات العيش، تمنح تصوّرها عن العدالة عندما تريد وتكبح جماح صبوات الفرد عندما تريد، وتقمع انفلاتاته لحماية « خير » الجماعة والحفاظ على مصالح الأمّة أو الوطن أو الثّورة. فالدّولة عندنا لا تتفاوض مع الأفراد حول حدود سلطتها ولا تترك لهم مجالا لمحاولة خلخلة التّصوّرات والممارسات التي تحكم بها فضاءات السّياسة. ويزداد الأمر التباسا في مجتمعاتنا عندما نرى إلى الذين يواجهون احتكار الدّولة « للحقيقة » يقترحون هم أنفسهم مشاريع شموليّة قد تتحوّل إلى قوّة دمار هائلة. فلا يمكن مواجهة التّسلّط وغياب العدالة باستعادة ساذجة لمفهوم الخير الذي تحتكره السّلطة تحت مسمّيات جديدة بل يجب الخروج من ثنائيّة الخير والشرّ ونقل الصّراع إلى فضاءات حقوق الإنسان والدّيمقراطيّة بكلّ ما تمنحه من إمكانات للفعل الفرديّ والجماعيّ. 5. المؤسّسات ليست لها دموع. تحضرني هذه الكلمات كلّما تذكرت مشاهد جلسات الاستماع التي نظّمتها هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب. عشرات من الضّحايا الذين سامتهم مؤسّسات الدّولة صنوفا من العذاب بوحشيّة ممنهجة ودم بارد يُمنحون فرصة نادرة لقول الألم الذي دمّر ذواتهم حين امتلكتهم الجرأة لمنازعة الدّولة حقّها في احتكار الحقيقة. إنّها المرّة الأولى التي يقام فيها فضاء في بلد عربيّ للبحث في ممارسات الهيمنة وآليّات تدمير العدالة من خلال تدمير الفرد. لقد سهرت لجنة الإنصاف على توثيق وأرشفة أكثر من عشرين ألف ملفّ لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. وتكاد تسمع وأنت تجول في أروقة هذا الأرشيف صيحات استغاثة المعذّبين وتكاد تلمح في ثنايا الملفّات المرصوفة بعناية فائقة نظرات المختطفين المرعوبة وآمال المقبورين المحطّمة. وتتذكّر حين تلفّك غياهب عدم الدّولة أنّ وراء كلّ ملفّ موظّف أو قاض أو جلاّد أرسل ضحاياه إلى جحيم آلة السّلطة بدعوى الواجب وتتذكّر كذلك أنّ آلاف الأفراد الذين تحوّلوا إلى أرقام عديمة الشّأن هم محصلة إنكار العدالة واللاّمبالاة. ولعلّ ما يلفت الانتباه في التّجربة المغربيّة هو اعتمادها على قرار سياسيّ من أعلى هرم السّلطة وتشريكها لعناصر من فضاء المجتمع المدنيّ . فكأنّنا بالدّولة تبحث عن صياغة لتصوّرها حول آليّات تشكّل الإكراه. وكأنّنا بها تبحث جاهدة عن إطيقا جديدة للسّياسة وشرعيّة تنبني على التخلّص من أوساخها الماضية وشرّها لتستعيد موقعها كراعية للخير. فجلسات الاستماع لم تكن فقط مناسبة لمنح المعذّبين فرصة قول آلامهم وعذاباتهم بل كانت كذلك مناسبة للدّولة للتّطهّر من ثقل ماضيها. ولا يمكن لعمليّة التّطهير أن تؤدّي إلى بناء وعي مجتمعيّ للعدالة ولا يمكنها أن تعيد الرّاحة إلى المسجونين في عذابات أرشيف الألم إذا لم تتجاوز التطهر إلى ممارسات شجاعة تتمثل في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وفي اعتذار السّلطة وتعويض الضّحايا والإصلاح المؤسّسي الشّامل. لا تقتصر غايات العدالة الجنائيّة على تعبير الدّولة عن شعورها بالرّحمة والشّفقة على رعاياها بل هي مغامرة عدالة تعيد للفرد موقعه الخاصّ في بلورة القيم وعيشها كقاعدة ملزمة. لقد كانت التّجربة المغربيّة فرصة تاريخيّة نادرة لإعادة التّفكير في مفهوم العدالة والتّربية على الوقاية من تجدّد تحطيم مجتمعاتنا، ولكنّ ثقافة اللاّمبالاة السّائدة في بلداننا لم تقدر على اقتناص هذه الفرصة. فلقد اقتصرت مجهودات التّعريف بهذه التّجربة على بعض النّدوات والدّورات التّدريبيّة التي نظّمتها منظّمات حقوق الإنسان. أمّا الإعلام العربيّ فلقد تجاهلها في أغلب الأحيان لخلوّها من « الإثارة » اللاّزمة.  6. تبدو «المصالحة » مفهوما جديرا بالتأمّل حين يحيل على تمثّلاتنا للعدالة. فهل هو تصالح الدّولة مع رؤيتها القديمة لمفهومي الخير والشرّ وسعيها إلى احتكار إقامة التوازن بين نزعتها إلى شرّ الهيمنة وخير توزيع الأدوار والموارد؟. أم هو تصالح تاريخيّ للاعتراف بدور الفرد في صياغة مفهوم مغاير للعدالة تحت سقف المواطنة؟ إنّ الأحداث المتلاحقة التي يشهدها عالمنا اليوم تنبئ بمحاولة الدّولة الخروج من هشاشتها الظّاهريّة ومحاولتها استعادة سيطرتها المطلقة على فضاءات السّياسة. فالدّولة تستغلّ كلّ أنواع الخوف من انعدام الأمن والتّهميش والعنف لاقتراح وصفاتها المطئمنة حول أوليّات الواجب والعمل والأخلاق والامتياز ومحاربة الإرهاب. إنّها الشّعارات/المفاتيح السّحريّة التي تضمن الفوز في انتخابات أكثر الدّول ديمقراطيّة.
(المصدر: موقع الأوان بتاريخ 18 ماي 2007) http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=399&Itemid=18


على خلفية الأزمة التركية:

من يهدد الديموقراطية في العالم الإسلامي؟

أحمد نجيب الشابي (*)

 لا تقتصر دلالات الأزمة التركية الراهنة وتداعياتها على تركيا وحدها بل تشمل سائر المجتمعات العربية والإسلامية. ففي تركيا ومنذ خمس سنوات تمكن «حزب العدالة والتنمية» ذو الأصول الإسلامية من الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ومثلت هذه التجربة اختبارا على المستوى الدولي لإمكان تعايش الإسلام السياسي المعتدل مع الديموقراطية. وجاءت نتائج التجربة مشجعة على أكثر من صعيد. فلم يحافظ هذا الحزب على المكاسب التحررية للمجتمع التركي وحسب وإنما وسعها لتطال الإصلاحات مختلف المؤسسات وتشمل حقوق الأقليات، كل ذلك على خلفية مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي التي قادتها حكومة رجب طيب أردوغان.

كان الجيش، معقل العلمانية التركية، يراقب التجربة على مضض خاصة أن من شروط التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي ابتعاد الجيش عن المشهد السياسي لمصلحة القوى المدنية. أما على المستوى الاقتصادي فكانت النتائج باهرة إذ حققت تركيا خلال هذه المدة نموا اقتصاديا بلغ 7 في المئة سنويا واستقطبت من الاستثمارات الأجنبية المباشرة 50 بليون دولار في غضون السنوات الثلاث الماضية. ويعزى هذا النمو إلى بروز طبقة وسطى ذات أصول ريفية تتقد حيوية وتشكل قاعدة اجتماعية لـ «حزب العدالة والتنمية» الحاكم.

وبحلول الاستحقاق الرئاسي هذا الشهر ثارت أزمة من جديد بين المؤسسة العسكرية و «حزب العدالة والتنمية»، وقبل ترشيح رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان لهذا المنصب أصدر قائد الجيش تحذيرا مفاده أن المؤسسة العسكرية تحتفظ لنفسها بحق التدخل في الحياة السياسية إذا تعرضت القيم العلمانية للتهديد. وتأييدا لموقف الجيش وبدعم منه نظمت القوى العلمانية مظاهرات ضخمة للاحتجاج على ترشيح أردوغان، فيما استنكر الاتحاد الأوروبي وبعض القوى العلمانية تصريح الجيش. ولتخفيف حدة التوتر أعلن أردوغان أنه لا ينوي تقديم ترشيحه للرئاسة. وبالتوازي مع هذا الإعلان رشح «حزب العدالة والتنمية» وزير الخارجية عبدالله غل لهذا المنصب. وقاطعت الأحزاب العلمانية جلسة الانتخاب ما حال دون تأمين النصاب القانوني وتأجل الانتخاب إلى جلسة ثانية لم يتوافر فيها النصاب ايضاً. وكانت المحكمة الدستورية ذات التوجه العلماني ألغت في هذه الأثناء انتخابات الدورة الأولى ما حدا بغل إلى سحب ترشيحه، فيما أعلن رئيس الحكومة أردوغان عن تقديم موعد الانتخابات العامة من تشرين الثاني (نوفمبر) القادم إلى تموز (يوليو) كما أعلن عزمه تعديل الدستور كي يتم انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب.

وإذا علمنا أن جميع استطلاعات الرأي تعطي غالبية واسعة لـ «حزب العدالة والتنمية» فيما تجد الأحزاب العلمانية المنقسمة صعوبة كبرى لبلوغ عتبة العشرة في المئة من الأصوات، يمكن القول إن الأزمة لم تحل وإنما تم ترحيلها إلى الانتخابات مع ما يمكن أن تفتح عليه من مجهول، طارحة السؤال الكبير: هل يقبل العلمانيون بنتائج صناديق الاقتراع أم يعمدون إلى القوة لفرض ما يعتقدون بأنه الصواب؟

السؤال نفسه، وإن في ظروف مغايرة، عرفته التجربة الانتخابية الفلسطينية الأخيرة، فقد جرت انتخابات نزيهة تحت الاحتلال وأفرزت غالبية برلمانية لصالح حركة «حماس». وشهد العالم بأسره على شفافية هذه الانتخابات. لكن المجتمع الدولي لم يقبل بهذه النتائج وفرض حصاراً مالياً على الحكومة الجديدة بدعوى أنها لا تقبل بوجود إسرائيل ولا بالاتفاقات المبرمة معها. ولو اقتصر الحصار على قطع المعونات الأوروبية والأميركية عن هذه الحكومة لهان الأمر، لكنه تجاوز هذا الحد إلى ملاحقة كل دولة أو مؤسسة مالية تمد لها يد العون. لا بل بلغ الأمر حد ملاحقة أعضاء هذه الحكومة المنتخبة في المطارات.

الإشكال نفسه تطرحه الانتخابات المغربية المقررة في الخريف المقبل. ففي هذا البلد أيضا تعطي استطلاعات الرأي الغالبية لحزب العدالة والتنمية الذي اعتمد تسمية الحزب التركي نفسها وشعاره (القنديل) ولا يخفي إعجابه بتجربته. وفي المغرب أجمعت كل مكونات الحركة السياسية على القبول بالملكية الدستورية إطارا للعملية السياسية. وكان قبول حزب العدالة والتنمية بهذا المبدأ سببا لإدماجه التدرجي في الحياة الدستورية منذ التسعينات، خلافا لحركة العدل والإحسان الأصولية التي تفوقه انتشارا في الأوساط الشعبية لكنها ترفض التسليم بصفة الملك كـ «أمير للمؤمنين» من دون أن يقودها ذلك إلى المواجهة العنيفة معه.

يتهيأ المغرب إذاً إلى منافسة انتخابية في إطار مسار ديموقراطي حقيقي، وهي تطرح منذ الآن سؤالا محيرا على جميع المغاربة وعلى المراقبين الأجانب على حد سواء: هل سيعين الملك رئيس الحكومة المقبل من بين الغالبية البرلمانية كما وعد بذلك أم أنه سيتراجع عن وعده، مع ما يمكن أن يعنيه التراجع من أزمة دستورية تهدد بإجهاض المسار الديموقراطي برمته وفتح أبواب المستقبل على المجهول؟ أم أن الملك سيمضي قدما في عملية الانتقال إلى الديموقراطية فيقبل بنتائج الانتخابات ويوسع أيضا من صلاحيات الحكومة بما يفتح الباب أمام تجربة من طراز تركي على أرضه؟ وماذا يكون موقف النخب العلمانية وهي التي بنت برامجها على التصدي لظاهرة الإسلام السياسي؟

هذه الأسئلة لا تخص المغرب أو تركيا أو فلسطين وحدها بل تلخص السؤال الأكبر المطروح على المجتمعات العربية والإسلامية كافة المتطلعة إلى الإصلاح والمتأهبة لدخول عصر الديموقراطية الحديثة: ما هو موقع الإسلام السياسي من العملية الديموقراطية، الإدماج أم الاستئصال؟ وما هي علاقة الدولة والدين في المجتمعات الإسلامية، الفصل أم التطوير والتحديث؟ لا يمكن لأحد أن يدعي امتلاك الحقيقة في هذا المجال والتجربة التاريخية وحدها قادرة على الجواب عن هذه الأسئلة. لكن من شروط هذه التجربة ومقتضياتها أن تتناول النخب المعنية بقيادة التغيير هذا الموضوع بالنقاش وبالجدية والمسؤولية اللازمتين.

ومما لا يمكن للمرء أن يتجاهله في هذا السياق ما تحقق من تطور في فكر الأحزاب الإسلامية. فهذه الأحزاب كفت عن اعتبار نفسها أحزابا دينية، لتعرف نفسها بأنها «أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية» أي أنها تستوحي برامجها السياسية والاجتماعية من الدين ومقاصده وتعتبرها اجتهادا إنسانيا يسعى لتلبية حاجة المواطنين، تعرضه عليهم ليختاروه عن طواعية أو يعرضون عنه من دون إكراه. وشمل هذا التطور المعلن العديد من الحركات ومنها حزب «العدالة والتنمية» في كل من المغرب وتركيا وحركة «النهضة» في تونس وحتى حركة «الإخوان المسلمين» في مصر. ومن المؤسف حقا أن تسارع السلطات المصرية بمناسبة التعديل الدستوري الأخير، وفي محاولة منها لقطع الطريق على هذا التطور، إلى منع تأسيس الأحزاب ذات المرجعية الدينية وإدراج ذلك في الدستور.

أما التطور الحاسم الثاني فهو قبول هذه الحركات بالديموقراطية كآلية للحكم في المجتمعات الإسلامية الحديثة. وبهذا القبول تكون هذه الحركات حلت المعضلة التي ظلت تواجهها منذ تأسيسها والمتمثلة في ما بدا لها من تعارض بين مقولة «الحاكمية لله» التي طورها المؤسسون (سيد قطب، المودودي الخ…) وبين حكم الشعب الذي تقوم عليه الديموقراطية الحديثة، فاعتبرت أن حكم الله في الأرض لا يمكن أن يقوم إلا على أيدي البشر ومن خلال اجتهادهم الذي لا يكتسي أي صبغة قدسية. فالديموقراطية بهذا المعنى يمكن أن تقدم، في نظرهم، الإطار الذي يتيح للمسلمين اختيار ما يرونه من اجتهادات توفق بين سعادتهم الدنيوية وسعادتهم في الآخرة. ومع هذا التطور بدأ الإسلام السياسي يراجع، وإن بدرجات مختلفة، نظرته إلى قضايا أساسية كمصدر التشريع (المؤسسة البرلمانية) وحرية المعتقد (الردة) وحقوق المواطنة (الذمة) والعنف (جهاد الردة) كل ذلك في اتجاه المصالحة بين مقاصد الشريعة الإسلامية والمبادئ الإنسانية الحديثة.

هل يعني هذا التطور أن الحركات الإسلامية تحولت إلى حركات ديموقراطية بالكامل وأن الخوف من الشمولية الدينية على الحريات الحديثة قد زال؟ من المجازفة ادعاء ذلك وكل ما ندعيه أن هذا المسار انطلق وأخذ أشواطا متفاوتة حسب البلدان وأن الديموقراطية تقتضي دفع هذا الاتجاه وتشجيعه عن طريق الحوار وفتح العملية السياسية في وجهه. ولعل تجربة 18 تشربن الأول (أكتوبر) 2005 في تونس قدمت مساهمة على الساحة الإسلامية في هذا المجال، إذ أنها وفقت بين وحدة عمل ميدانية جمعت ألوان الطيف السياسي المختلفة من أجل الحريات الأساسية، وبين فتح حوار شفاف وعلني حول قضايا الخلاف العالقة بين مكونات الإئتلاف من أجل الوصول إلى صياغة «عهد ديموقراطي» يرسي الديموقراطية على قاعدتها التحررية المتمثلة في حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

أما على الصعيد العملي فلا ينكر سوى جاحد أن تجربة الإسلام السياسي في الحكم (تركيا، فلسطين…) جاءت مشجعة وقدمت نموذجا لممارسة ديموقراطية لا تقبل المقارنة مع باقي تجارب الحكم في عالمنا الإسلامي والتي اتخذت دوما من «البعبع الإسلامي» ذريعة للالتفاف على الديموقراطية وإبقاء شعوبها في حال من التخلف والاستبداد.

بهذا المعنى تشير التجربة التركية إلى أن الديموقراطية الحديثة لا تتهددها «الأصولية الإسلامية» وحسب وإنما هي عرضة لتهديد «الأصولية العلمانية» أيضا، إذ أن كليهما ينطلق من قناعة ذاتية (أيديولوجية) بأنه ينطق باسم الحقيقة المطلقة. وإذا كانت الأصولية الإسلامية تستمد فلسفتها من تقديس التاريخ الإسلامي (السلف الصالح) فإن انتقال شرائح مهمة من الايديولوجية البولشفية في العلاقة مع الدين (ومع المواطن) إلى ايديولوجيا العلمانية الراديكالية الفرنسية، من دون نقد ذاتي جدي، جعلها تستبدل مقدسا يبيح الاستبداد باسم الحرية بمقدس جديد كي تحاكم من خلاله التاريخ والثقافات البشرية الأخرى وتقيم باسمه تعاملا مع الآخر أساسه التعالي والغرور والوصاية إن لم نقل التكفير الذي يستبيح العنف ويبرر مرة أخرى الاستبداد باسم الحرية.

(*) سياسي ومحام تونسي

 (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 16 ماي 2007)


الإعلام مرة أخرى

لا يحتاج الحديث عن الوضع الإعلامي إلى مداخلات معمقة ومنمقة وإلى مزايدات من بعضهم من خارج القطاع يلقون بتهمهم كيفما شاؤوا ويصنفون الصحافيين وفق أهوائهم أو يضعونهم جميعا في خانة واحدة ثم ينتصبون  ملقنين دروسا نظرية  للإعلاميين علهم يستفيدون من تجاربهم (إن كانت لهم تجارب وخبرة تذكر) فيستفيقون على وقع جملة من «الاكتشافات المذهلة».

نسوق هذا الكلام بعد الهجمة على الصحافة والصحافيين فيما يشبه عملية تشهير وقدح تستهدف العاملين في القطاع ولكن تبقى حقيقة واحدة وهي أن القطاع لا يمر بمعضلة بقدر معاناته من سلوكيات وعادات من السهل تجاوزها لتصبح مجرد تاريخ – وهذا ليس مستحيلا – متى توفرت الإرادة الجماعية. فمنذ أيام انعقد اجتماع ضم المكلفين بالإعلام بالوزارات والمؤسسات العمومية والمشرفين على وسائل إعلام وطنية لتفعيل توصيات ندوة وطنية عقدت قبل بضعة أشهر حول النفاذ إلى مصادر الخبر ولكن المؤسف في الأمر- ونحن جميعا نرغب في تحسين مستوى الصحافة التونسية- طيلة تلك الفترة (6 أشهر) وبعد الاجتماع الأخير بقيت مسألة الوصول إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومة على حالها: نفس عدد المصادر المتعاونة وأحيانا مبادِرة وهو عدد قليل والبقية منعزلة عن الأجواء الصحفية وكأنها في كوكب آخر زد على ذلك شيئا من الروتين الإداري المتمثل في وجوب إرسال فاكس بمطلب للحصول على المعلومة أو بالأسئلة الموجهة -مسبقا-  لمسؤول ما أو حتى برخصة لزيارة مؤسسة أو منشأة عمومية.

وتبقى المعلومة أساس العمل الصحفي لأنها بتوفرها وتعددها تعطي للصحافة جانبا من مشروعية وجودها وتضفي عليها المصداقية المطلوبة.. فلا يعقل أن تكون هناك صحف يومية تعتمد كليا على البلاغات والبيانات ويتعثر دورها بمجرد الرغبة في إجراء حديث صحفي أو إنجاز روبرتاج أو تحقيق لأن بعض الأبواب موصدة من منطلق الحرص على التخفي من أجل إخفاء الحقائق عن الرأي العام وكبار المسؤولين حتى تسير الأمور بلا «مشاكل» لأنصار حجب المعلومة الذين يفترض أن يكونوا أمناء عليها لا بإخفائها بل بتزويد الصحافيين بها. وهناك مسألة «الرقابة الذاتية» التي ألصقت بالصحافيين حتى صارت بمثابة الختم على جبين كل واحد منهم وهو ما يعني ضمنيا تحميلهم كامل المسؤولية في فقر الانتاج الصحفي، لكن ألا تكون ما يسمى بالرقابة الذاتية نتيجة طبيعية لانعدام المعلومة بالنسبة لصحفي يلهث أحيانا فترة طويلة وراء عناصر خبر فلا يجد من المعطيات (تأكيد خبر ما أو تفاصيله) ما يخول له نشر مقال بما يتماشى والحرفية؟

وألا ترتبط «الرقابة الذاتية» لدى الصحفيين والمؤسسات الإعلامية  بتعليمات تساق بأية طريقة في مسائل عديدة دون دراسة مسبقة وبغموض  يتيه في طياته الصحفي فينسج على منوالها في مرات لاحقة ليحتكم في نهاية المطاف إلى «فقه الإعلام» أي اعتماد السابقة كمرجع فتصبح مقياسا لديه؟ إن تطوير أداء وسائل الإعلام  مسؤولية جميع الأطراف المعنية مباشرة بالقطاع وبالتالي فهناك ضمانات وأطر لا يجب إغفالها لأن الصحافة لها دورها في التنمية والمساهمة في إقامة دعامات جمهورية الغد وفي إنارة الرأي العام في زمن الفضائيات والأنترنات وفي أن تكون مرآة صادقة لما بلغه المجتمع التونسي من نضج وتطور ولما حققته تونس من تقدم في مختلف المجالات.. إنها مكسب لا يجب ترك كل من هب ودب القدح فيه بصورة مجانية. نور الدين عاشور

(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 18 ماي 2007)


 

النوري بوزيد : هل أشنّ حربا على وزارة الثقافة؟ 

شادي الورداني  

في زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عاد النوري بوزيد ـ الماركسي ـ بجائزة أفضل سيناريو ـ موقّعة من النجم العالمي روبير دي نيرو ـ وبجائزة أفضل ممثل لـ(لطفي العبدلي) عن دوره في «آخر فيلم».

المشاركة في مهرجان «تريبكا» كانت منطلق حديثنا لنتوغّل في مواضيع أخرى تكتشفونها…

* مبروك تتويجك بجائزة أفضل سيناريو (وأفضل ممثل للطفي العبدلي) عن «آخر فيلم» في مهرجان «تريبكا». وأيّ قيمة لهذا المهرجان؟

ـ هو مهرجان عالمي، ففي مسابقة الأفلام الطويلة شارك 18 فيلما من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإيران والصّين وكوريا الجنوبية والبرازيل والمكسيك والأرجنتين ولبنان وتونس، وما يميّز مهرجان «تريبكا» أنّه رغم انتظامه في قلب نيويورك إلاّ أنّه مخصّص لسينما المؤلّف بعيدا عن سينما هوليود. وهو يحظى بمتابعة إعلامية متميّزة وأنا شخصيّا صوّرت معي حصّة تلفزية بساعتين. وهناك عروض لاقتناء حقوق الفيلم للعرض السينمائي وعلى أشرطة DVD.

* كيف وجد النوري بوزيد ـ اليساري ـ عاصمة الرأسمالية المتوحّشة؟

ـ بعيدا عن التصنيفات التي تضمّنها سؤالك، أقول إنّي رفضت السّفر إلى أمريكا قبل ثلاث سنوات لأنّ استمارة الحصول على التأشيرة تضمّنت أسئلة لا تستحق الردّ.

* مثل ماذا؟

ـ «والله نحشم باش نقولها». مثل : هل لك نية اغتيال رئيس أمريكا؟ أو هل شاركت في تطهير عرقي!!

وقتها أجبتهم بأنّه ليس لنا هنود حمر لنبيدهم! هذه المرّة قبلت دعوة مهرجان «تريبكا»، ووجدت أناسا أتقاسم معهم الرؤى والأفكار. فأنا لم أذهب إلى أمريكا الرّسمية.

* في زيارتك الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، هل أعجبت بالنموذج الأمريكي؟

ـ الحقيقة، لقد اكتشفت مدينة كونية خليطا من الديانات والأعراف هي نيويورك… ولعلّها تختلف عن باقي المدن الأمريكية.

* كيف تقبّل الجمهور الأمريكي «آخر فيلم»؟

ـ الفيلم عرض ستّ مرّات، حضرت منها اثنتين، والانطباع العام إيجابي، ودون أيّ ادّعاء، فلقد أحدث الفيلم لديهم صدمة. لقد اكتشف الجمهور الحاضر وجهة نظر مغايرة، هم مع الأسف لا يعرفون عنّا شيئا، فتلفزاتهم لا تتحدث سوى عن الشأن الداخلي وعن العراق باعتبار وجود جيش أمريكي (محتلّ) فيه.

* أفهم من كلامك أنّ فيلمك أعجب الأمريكان!

ـ وأنا لا يعجبني هذا التلميح! «الفيلم ما عملتوش باش يعجب الأمريكان» «آخر فيلم» هو دعوة للحوار، هذا هو الأهمّ.

* ماذا عن موقف الرئيس الشرفي للمهرجان «روبير دي نيرو»؟

ـ بصراحة عدم تمكّني من اللّغة الأنجليزية لم يسمح لي بالتحاور مطوّلا معه. ولكني اكتشفت هذا الممثل (هو بالمناسبة متزوّج من سوداء) وقد عبّر عن إعجابه بفيلمي وهو من اختاره أصلا للمهرجان بعد أن شاهده على شريط DVD.

* اتهمت بأنّك غازلت السلطة السياسية بفيلمك حتى أنّه تمّت دعوتك لمقرّ الحزب الحاكم (التجمّع الدستوري الديمقراطي) للاحتفاء بك؟

ـ (يضحك)، لم يقع تنظيم احتفال في مقرّ الحزب الحاكم. بل عرض الشريط وناقشته مع الحضور. وكانت هناك عدّة انتقادات وأنا بالطبع دافعت عن اختياراتي.

أنا لم أغازل أحدا، لا السلطة ولا المعارضة. ولكن لا تنس أني أنجزت فيلمي بـ»فلوس وزارة الثقافة». ماذا تريد منّي أن أفعل؟ هل أشنّ عليها حربا! إن كنت رافضا للدعم الرسمي، لا تقبل منحة وزارة الثقافة، هذا هو المنطق. وعموما، أنا لم أغيّر من فيلمي ليعجب الوزارة، المهمّ أنّ هناك مناخا إيجابيّا لابدّ من استثماره جيّدا… وهناك بالمناسبة من هاجمني حدّ نعتي بالقصور الفكري وهو محسوب على الحزب الحاكم!!

* ماذا عن حزبك أنت. هل دافع عنك؟

ـ أنا لا أنتمي إلى أيّ حزب، فأنا لا أصلح كمناضل سياسي منظّم… أشعر أنّي electron libre… العمل السياسي يخدم مصلحة معيّنة ويفسد العمل الإبداعي… أنا فخور بانتمائي إلى الفنّ، لأنّ المبدع بإمكانه أن يتخلّص من كلّ الضغوط ويسبق الأحداث تحت غطاء الروائي والخيالي.

* تزامن خروج فيلمك مع مسرحية «خمسون» للفاضل الجعايبي. هل هي مجرّد صدفة؟

ـ لا أظنّ أنّها مجرّد صدفة. لقد حان الوقت للحوار بجرأة، وأنا أقول لمن يتهيّب حرية الرأي، هل سمعت بردّ فعل عنيف بعد عرض «خمسون» و»آخر فيلم» من أيّ تونسي؟.

صحيح أني لا أوافق «خمسون» في كلّ شيء، ولكنّ وجودها وأعمال مثل «عرس الذيب» للجيلاني السعدي و»جنون» و»التلفزة جاية» للمنصف ذويب… أمر ضروري لإثارة حوار بنّاء في المجتمع التونسي.

* ما هو رأيك في (خمسون) لجليلة بكار والفاضل الجعايبي؟

ـ «سامحني»، أفضّل عدم الخوض في الموضوع بشكل علني «موش وقتو».

* (مقاطعا) لماذا؟ هل هي قضيّة أمن دولة؟

ـ أرجوك لا تلحّ عليّ كثيرا. من الأفضل في هذه المرحلة إبراز الإيجابي… في (خمسون) خطوة جريئة بالتطرّق لموضوع التعذيب… أنا شخصيا عذّبت في السبعينات…

* هل (يوسف) في فيلمك (صفائح ذهب) هو نفسه (يوسف) في (خمسون)؟

ـ (يفكّر…) «يوسف» متاعي راجع حساباته… «مانعرفش… ما فكّرتش في الموضوع»… عموما لم يوجد في تنظيمنا «يوسف».

* هل مازلت مؤمنا بالشيوعية؟

ـ بقدر افتخاري بدخولي الشيوعية، أنا فخور بخروجي منها… لقد سبقت الأحداث ولم أنتظر «البرويسترويكا»…

مازلت أؤمن بالمّادية الجدلية كأداة تحليل… أمّا نظرية الدولة وديكتاتورية البروليتاريا فلا. أنا مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.

* مازلت وفيّا لماركس وتنكّرت لـ»لينين»!

ـ «تنجّم تقول»!

* هل شاهدت «اللمبارة» لعلي العبيدي؟

ـ لا. ولا أنوي فعل ذلك. هناك من شاهده ممّن أثق في تحليلهم وأخبروني أنّه لا تتوفر فيه مقوّمات الشريط السينمائي.

* هل شاهد هو فيلمك؟

ـ أتمنّى أن لا يكون فعلها. وإن حدث وشاهد «آخر فيلم» أرجو أن لا يكون قد أعجبه، فهذا هو الوضع الطبيعي.

* كيف تفاعلت مع انتصار «ساركوزي» في الانتخابات الرئاسية الفرنسية؟

ـ (بعد تفكير عميق…) «توجعت… تقلّقت».

* لماذا؟

ـ أنا لا أعتبر «ساركوزي» ديمقراطيا. هو «لوبان» صغير برداء جمهوري.

أتمنّى أن تنصلح الأمور في الانتخابات البرلمانية حتى لا ينفرد بالقرار…

* لماذا لا تعمل للتلفزيون التونسي؟

ـ لا اعتراض من حيث المبدإ ولكن بشروط.

* ما هي شروطك؟

ـ أن أكون النوري بوزيد لا نسخة مشوّهة منه.

* هل تقصد رقابة التلفزيون الصارمة؟

ـ وهل أنا مغفّل لا أدرك واقعي! أنا لست في حرب مع أيّ مؤسسة.. أنا مواطن تونسي أيضا… أدافع فقط عن الحق في الاختلاف. وسأروي لك حادثة، أنا اشتغلت مع حمادي عرافة في مسلسل (وردة) هل يعقل مثلا أنّ المسلسل تدور أحداثه زمن الحكم البورقيبي وعند المونتاج لم تبق أيّ صورة لبورقيبة!!

* يرى كثيرون أنّك أهملت النوري بوزيد الممثل؟

ـ في أفلامي أفضّل أن أكون خلف الكاميرا، ولكني عملت تطوّعا مع حمادي عرافة والمنصف ذويب… «كي يقترحوا عليّ، علاش لا!».

* هل مازلت متمسّكا بوحدتك؟

ـ هل تقصد أني غير متزوّج! حياتي متوازنة فأنا منشغل ببناتي وبعملي، وهذا يكفيني.

أخشى أن يهدم الزواج نظام بيتي بعد أن قضيت سنوات طويلة في إرسائه.

* هل طويت صفحة (آخر فيلم)؟

ـ بالعكس، الفيلم مطلوب من الأردن وإسبانيا (قرطبة) وإيطاليا وروتردام واليونان وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو (…) ولا أخفي عليك هناك محادثات أوّلية لتوزيع الفيلم تجاريا في أكثر من بلد…

* كيف تختم هذا الحوار؟

ـ أقول لمن يهمّه الأمر في الإدارة. إنّ سيناريو الفيلم ـ أيّ فيلم ـ هو كائن حيّ، يتطوّر وينمو ويكبر إلى لحظة الحصول على رخصة التصوير…

فرجاء… تعاملوا مع السيناريو وفق هذا المنطق… أو حاولوا على الأقل فعل ذلك.

(المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس)، الصادرة يوم 14 ماي 2007)


تمهّد لتحرير سعر صرف الدينار …

تونس تدرس إصلاح قطاعها المصرفي

تونس – سميرة الصدفي    

تدرس تونس إدخال إصلاحات على قطاعها المصرفي، بالتزامن مع مراجعة قانون تحويل العملات، بهدف الانتقال إلى مرحلة التحرير الكامل لصرف الدينار، بعد إجراءات تمهيدية في هذا الاتجاه اُعتمدت خلال السنوات الأخيرة.

وشدد تقرير أعده خبراء اقتصاديون وماليون بطلب من الحكومة ولم تنشر فحواه، على ضرورة دمج مصارف محلية، أو إيجاد صيغ للتكامل بينها، توفيراً لنفقات الإدارة وتحسيناً لهامش الفائدة. ويعمل في تونس حالياً 20 مصرفا تجارياً، جميعها من الحجم الصغير، عدا «الشركة التونسية للبنك» (قطاع عام)، التي سيطرت على «بنك التنمية الاقتصادية» و «بنك التنمية السياحية» في السنوات الأخيرة.

وحدد التقرير المراحل التمهيدية اللازمة لتكريس تحرير أسعار صرف العملات بالكامل، والتي ما زالت خاضعة للمصرف المركزي. وفي مقدم الشروط التي لحظها، تحسين الخدمات المصرفية، خصوصاً في مصارف القطاع العام، كي تكون مطابقة لمواصفات «بازل 2»، ومراجعة التشريعات التي لم تعد تنسجم مع التطور، الذي شهده القطاع ومعالجة أزمة الديون المتعثرة، إضافة إلى تحديث نظام الضمانات المصرفية.

وحض التقرير على إفساح المجال أمام المصارف المحلية للتعاطي مع الشركات غير المقيمة بمستوى أعلى من المرونة، وإيجاد أصناف جديدة من أنظمة التوفير الطويلة الأمد، والاستجابة للحاجة الماسة لدى المستثمرين لتمويل مشاريعهم الجديدة، مؤكداً أن إصلاح أنظمة التوفير يؤمن مصادر تمويل للاقتصاد الوطني على الأمد الطويل، فيما يتيح التعاطي مع الشركات غير المقيمة إيجاد فرص عمل جديدة، وتنشيط الدورة الاقتصادية.

واعتبر التقرير أن انفتاح المصارف المحلية على الخارج، وكذلك انفتاح المستثمرين ورجال الأعمال على الأسواق الخارجية، «شرطان ضروريان لوضع المصارف في قلب العملية الاقتصادية، وتحقيق نسب نمو أرفع، ما يساهم في المحافظة على التوازنات اللازمة للاقتصاد الوطني».

وتضمن التقرير اقتراحاً يتعلق بإنشاء مكتب مشترك بين المصرف المركزي وهيئة سوق المال، لمساعدة العاملين في المصارف ومؤسسات الرقابة المالية والوسطاء في البورصة على تحسين أدائهم، من أجل تأمين شروط النجاح لخطوة التحرير الكامل لصرف العملات، واستطراداً للحؤول دون تدني مستوى الاحتياط من العملات الأجنبية.

الى ذلك، عرض «البنك التونسي الكويتي» تخصيص 60 في المئة من رأسماله، بعد انتقاله من مصرف تنمية إلى مصرف تجاري.

وكانت تونس أنشأت ستة مصارف تنمية مع بلدان عربية مطلع الثمانينات برأسمال متساوٍ بين الطرفين، وهي «بنك تونس والإمارات» و «بنك ستوسيد» (الشركة التونسية – السعودية لللإستثمار الإنمائي سابقاً) و «البنك التونسي – القطري» و «البنك التونسي – الكويتي» و «البنك التونسي – الليبي»، فيما أقفل «بنك التنمية للمغرب العربي» التونسي – الجزائري منذ تسعينات القرن الماضي.

وعملية تخصيص «بنك الجنوب» هي الثالثة من نوعها، إذ سبق لمصرف «بي أن بي باريبا» الفرنسي، أن اشترى 50 في المئة من أسهم «الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة» التونسي، ووضع علامته المميزة على فروعه في العاصمة والمحافظات الداخلية. كذلك اشترى بنك «سوسييته جنرال» الفرنسي أكثر من 50 في المئة من أسهم المصرف التجاري المحلي «الاتحاد الدولي للبنوك». وفي هذا الإطار أعلن «بي أن بي باريبا» أنه سيعزز حضوره في تونس بفتح 30 فرعاً خلال السنتين المقبلتين. وأوضح مصدر في المصرف أن خطة الانتشار في تونس تندرج ضمن مشروع يهدف إلى فتح 200 فرع في منطقة المتوسط وبلدان الخليج، بين 2005 و2007.

كذلك أعلن نائب رئيس اتحاد المصارف الإيطالية جيوفاني دي سانسي بعد زيارة إلى تونس، أن ثلاثة مصارف تجارية إيطالية دخلت إلى السوق التونسية من دون إعطاء تفاصيل أخرى. وبعد تعديل القوانين المصرفية في مطلع التسعينات، استطاعت مصارف عربية وأجنبية الحصول على الأكثرية في رأسمال مصارف محلية عدة غير مقيمة. وتتجه تونس إلى مراجعة قانون المصارف الصادر عام 2001، بغية تحسين أداء القطاع استعداداً لمواجهة المنافسة المتزايدة من المصارف الخارجية، التي دخلت بعد انغلاق استمر ثلاثة عقود.

(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 ماي 2007)


 

اتحاد الطلبة:

خلافــــــات تؤجــــل من جديــــــد عقـــد المؤتمــــر التوحيــــدي

تونس-الصباح

علمت «الصباح» أن خلافات حالت دون تطبيق الاتفاق الحاصل منذ بداية شهر أفريل الماضي بين مختلف التيارات الطلابية الممثلة داخل ما يسمى بـ«اللجنة الوطنية المشتركة للتحضير للمؤتمر الموحد» التي تشكلت منذ بضعة أشهر لمناقشة سبل عقد مؤتمر موحد لاتحاد الطلبة تشارك فيه جل الحساسيات والاتجاهات الطلابية

وقالت مصادر قريبة من الاتحاد أن سبب عدم تنفيذ الاتفاق هو تراجع أحد الأطراف الأعضاء باللجنة المذكورة ويمثلها عضو داخل المكتب التنفيذي للمنظمة الطلابية، عن الالتزام ببنود الاتفاق وقام بتحركات منفردة من قبيل توجيه مراسلات إلى إدارات بعض المؤسسات الجامعية تفيد بأنه تم عقد انتخابات جزئية باسم اتحاد الطلبة وذلك بخمس أجزاء جامعية. نفس المصدر ذكر أن الأطراف الموقعة على اتفاق أفريل طالبت بفتح تحقيق حول التجاوزات الحاصلة وهو ما تم بالفعل إذ تم بتاريخ 7 ماي الجاري اجتماع للمكتب التنفيذي للاتحاد تقرر خلاله فتح تحقيق داخلي ما يزال ساريا حول ملابسات المراسلات الموجهة باسم الاتحاد والانتخابات المزعومة التي يرجح أنها لم تمتثل لبنود الاتفاق خصوصا في ما يتعلق بتشكيل لجان جزئية بالمؤسسات الجامعية تكون تركيبتها على شاكلة اللجنة الوطنية.

جدير بالذكر أن الاتفاق المذكور الموقع من قبل 8 أطراف تمثل تيارات طلابية ذات توجهات نقابية وإيديولوجية وسياسية مختلفة، ينص على أن يتم الانطلاق في توزيع الانخراطات بداية من شهر أفريل وإلى حدود يوم 19 ماي الجاري، وتمركز الانخراطات لدى اللجنة الوطنية للإعداد للمؤتمر الموحد، تشكيل لجان جزئية بالمؤسسات الجامعية تكون تركيبتها على شاكلة اللجنة الوطنية، تسلم الانخراطات إلى عضو من اللجنة الوطنية يكون منتخبا.

كما تم الاتفاق على إعادة الانتخابات في 6 أجزاء جامعية على غرار كلية الآداب 9 أفريل، كلية الآداب بصفاقس، كلية الآداب برقادة القيروان، كلية العلوم السياسية والاجتماعية بتونس، المعهد الأعلى للتصرف بقابس..والاحتفاظ بالانتخابات التي جرت في 12 جزءا جامعيا علاوة على تحديد روزنامة لإجراء الانتخابات الجزئية تحوي 73 مؤسسة جامعية.

لكن شيئا من ذلك لم يحصل بسبب التجاوزات الحاصلة، وفي انتظار نتيجة التحقيق يتضح أن عقد المؤتمر التوحيدي لن يتم على الأقل خلال الصائفة الحالية كما كان متوقعا نظرا لعدم اكتمال الانتخابات الجزئية، ودخول الطلبة في امتحانات نهاية السنة الجامعية.

رفيق بن عبد الله

(المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) الصادرة يوم 18 ماي 2007)


   إسلامي مغربي: حل الحركات الاسلامية في العالم العربي غير ملائم الان 

 

الرباط (رويترز) – دعا قيادي اسلامي مغربي يوم الجمعة الحركات الاسلامية في العالم العربي الى التكتل واعادة مراجعة تنظيماتها لتتوافق مع واقع الناس بدل التفكير في حل تنظيماتها.وقال محمد الحمداويرئيس حركة التوحيد والاصلاح الاسلامية المعتدلة التي تتعرض لانتقادات واسعة بالرغم من نبذها العنف ان « حل التنظيمات الاسلامية في العالم العربي في ظل الظروف الحالية غير ملائم خاصة فيما يتعلق بانتشار الفكر المتطرف والارهاب. »

واضاف الحمداوي في مقابلة مع رويترز « التنظيمات الاسلامية مطالبة بالمراجعة والملاءمة مع واقع الناس لان اي تنظيم جمد اشكاله الهيكلية لسنوات والعالم يتحرك من حوله لن يواكب هذه التحولات. »

واعتبر الحمداوي ان « التنظيمات الاسلامية الموجودة في المغرب لا علاقة لها بتنظيم الاخوان المسلمين وليست امتدادا لها. »

لكنه قال ان « العمل الدعوي والتربوي لاقامة الدين يحتاج الى عمل منظم حتى يحقق الغاية منه. »

وقال ان « المجال يسع كل التنظيمات والاحتياجات الروحية لمجتمعاتنا وعقلية الاقصاء لا يجب ان تبقى هي السائدة. »

وكان الجدل قد احتدم مؤخرا في العالم العربي حول حركة الاخوان المسلمين بين من ينادي بحلها ومن ينادي بضرورة تحديث خطابها ومراجعته.

وقال الحمداوي ان « عقيلة الاقصاء من شأنها اذكاء الفكر المتطرف. »

واضاف ان « عمل الحركات الاسلامية المعتدلة في المغرب على مدى 30 سنة أجل ظهور فكر الغلو والتشدد في البلاد بشكل مبكر لان الحركات الاسلامية المغربية التي تتبنى في مجملها موقفا ينبذ العنف بكل اشكاله ساهمت في تأطير الشباب في الجامعات وفي المجتمع بصفة عامة. »

ورغم ان الحركة سارعت بعد تفجيرات الدار البيضاء الانتحارية في مايو ايار من عام 2003 التي خلفت 45 قتيلا منهم المهاجمين الثلاثة عشرة الى ادانة هذه التفجيرات واعتبرتها عملا ارهابيا الا ان سياسيين مغاربة ينتمون الى تيارات علمانية اتهموها بتغذية العنف معنويا.

وشكلت الحركة بزعامة المغربي احمد الريسوني مع « الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية » في عام 1996 حزب العدالة والتنمية المغربي الاسلامي المعتدل المعارض والذي يتوقع محللون مغاربة واجانب ان يفوز في الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر ايلول المقبل.

وفي الانتخابات التشريعية عام 2002 أصبح الحزب ثالث اقوى حزب مغربي بعد حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي الاساسيين في الائتلاف الحكومي.

وشن كتاب صدر مؤخرا لباحث اسلامي مقرب من الدوائر الرسمية هجوما على الحركات الاسلامية المغربية بصفة عامة وحركة التوحيد والاصلاح بصفة خاصة.

وقال ان الحركات الاسلامية المغربية سقطت في فخ « العمل السياسي الدنيئ » بعد فشلها « فشلا ذريعا في عملها الاساسي الدعوي. »

لكن الحمداوي قال ان « الانتقادات التي تنحو منحى التنافي بين الدعوي والسياسي ليست جديدة بل الحركة الاسلامية حينما انتقلت من تنظيم محوري الى تنظيم رسالي اي مهمته وقضيته هي الانفتاح على المجتمع لاقامة الدين والعمل من خلال المؤسسات الموجودة داخل المجتمع اضحت تصاحبه مثل هذه الانتقادات. »

واضاف « هذا غير صحيح لان الصيغة التي اعتمدتها الحركة تنفي ذلك. » وعن امكانية فصل الحركة نهائيا عن الحزب قال ان « حكاية الوصل او الفصل ليست بهذه السهولة .. هناك ايضا من يتكلم عن الدمج ونحن اخترنا الاستقلالية والتمايز في مجالات العمل. »

وقال ان « اخر قرارات الحركة .. ان اي شخص ينتمي الى الحركة لن يترشح الى العمل الحزبي. »

واضاف ان هذا التمايز « لا يعني القطيعة لان مشروع الحركة الدعوي ومشروع الحزب السياسي يتكاملان. »

         

من زكية عبدالنبي

     (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 18 ماي 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 

أمير قطر يعين مجلسا جديدا لـ « الجزيرة » ويعزل وضاح خنفر

الدوحة – وطن – علمت « وطن » من مصادر مطلعة أن أمير قطر أصدر قرارا يتعلق بتشكيل جديد لمجلس إدارة قناة « الجزيرة » وتضمن القرار خروج السيد وضاح خنفر مدير عام شبكة الجزيرة من مجلس الادارة والذي التحق بقناة الجزيرة كمدير لادارتها عام 2003 خلفا للسيد محمد جاسم العلي بعد ان شغل من قبل منصب مدير مكتب قناة الجزيرة. ورجحت بعض المصادر أن يكون خروج خنفر من مجلس الإدارة بسبب الأزمة التي وقعت مع إيران والبرلمان العراقي بسبب برنامج للمذيع أحمد منصور تعرض فيه للمرجع الشيعي السيستاني. فيما استبعد مصادر اخرى هذا الأمر ورجحت أن يكون القرار ناتجاً بسبب هيمنة « الاخوان المسلمون » على سياسة القناة. إلا أن مصادر قطرية مطلعة قالت لـ « وطن » ان قرار تشكيل مجلس الادارة الجديد ليس من ورائه أي اقصاء أو  أسباب سياسية بل هو قرار روتيني يهدف مراجعة مسيرة القناة وخصوصاً أن وضاح خنفر سيواصل ادارته الناجحة للقناة، ولن يؤثر خروجه من مجلس الإدارة على سير عمله. وهذا نص القرار الأميري: القرار الاميري رقم (28) لسنة 2007 بتشكيل مجلس ادارة شبكة الجزيرة الفضائية. يشكل مجلس ادارة شبكة الجزيرة الفضائية على النحو التالي:. 1– سعادة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيسا. 2- السيد احمد عبدالله الخليفي نائبا للرئيس وعضوا منتدبا. 3- السيد حمد عبدالعزيز الكواري عضوا. 4- السيد عبدالله مبارك الخليفي عضوا. 5- السيد محمود شمام عضوا. 6- السيد عبدالعزيز ابراهيم آل محمود عضوا. 7- السيدة مريم راشد يوسف الخاطر عضوا. وكانت قناة الجزيرة قد تعرضت لحملة انتقادات واسعة تركزت على غياب العنصر القطري من الجزيرة المصدر  صحيفة « وطن » بتاريخ 18 ماي 2007


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.