الثلاثاء، 2 يناير 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2416 du 02.01.2007

 archives : www.tunisnews.net


لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر بتونس: أنقذوا حياة الدكتور الصادق شورو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسـان: بيــــان رويترز: مئات التونسيين يحتجون على اعدام صدام الخبر الجزائرية: الجيش يعتقل تونسيين بصدد الالتحاق بالإرهابيين في مفتاح الخبر الجزائرية: موفدون من بن لادن في  »الجيا » و »السلفية » تجنــّد عناصر الساحل
العربية نت: زعيم « السلفية الجزائرية » يراسل بوتفليقة ويدعم « المصالحة » آكي: تونس تعتقل 152 شخصا حاولوا التسلل نحو السواحل الإيطالية رويترز: تونس تسجل معدل نمو 5.2 في الربع الثالث من 2006 حوار نادر بين عماد الحمروني رئيس جمعية أهل البيت بتونس والباحث التونسي الطاهر الأسود في حوار لجريدة « الموقف » حمه الهمامي: الشعب التونسي في معظمه مسلم ….ونحن ندافع عن هويته الحبيب أبو وليد المكني: أقسمت أن لا أنتصر لجلاد رغما عن كل الملابسات د خالد شوكات: لعن بورقيبة والترحم على صدام القدس العربي: « الشهيد القائد » لقب صدام الجديد بعد دفنه في مسقط رأسه عبد الباري عطوان: كبير في حياته.. كبير في شهادته جمال الدين أحمد الفرحاوي: سأرثيك  /بلى إني أحييك توفيق المديني: الحلف الأطلسي أمام تحدي استعادة «طالبان» زمام المبادرة في أفغانستان الدكتور عبدالله التركماني في حوار لـ الشرق: اليسار العربي فشل لأنه تحرك ضمن إشكالية السلطة ولم يراهن على المجتمع حكم البابا: عام التنظيمات الجهادية الاسلامية


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


أنقذوا حياة الدكتور الصادق شورو

محرّر صفحة 18 أكتوبر
في الوقت الذي يحتفل فيه العلم العربي و الإسلامي بعيد الإضحى المبارك و تستقبل فيه كل شعوب الدنيا السنة الميلادية الجديدة في جو تسوده الفرحة والإبتهاج، تتواصل محنة المساجين السياسيين في أقبية السجون التونسية الدّامسة، محرومين من أبسط الحقوق التي يكفلها لهم قانون السجون مما جعلهم مرشّحين للموت نتيجة الأمراض المزمنة التي علقت بأبدانهم من جرّاء سوء المعاملة و طول العقاب و والاهمال الصحي و الإضرابات المفتوحة عن الطعام التي يشنونها من حين لآخر بهياكل عظمية نحيفة هزيلة هدّتها الامراض، لم يعد لهم سواها سلاحا لاسترداد حقوقهم ونسأل الله لهم الحفظ والسلامة جميعا .
في مستهلّ هذه السنة الميلادية الجديدة،  تتداعي إلينا الانباء عن تدهور الحالة الصحية للسجين السياسي الدكتور الصادق شورور الرئيس السابق لحركة النهضة التونسية.  الدكتور الصادق شورو من مواليد 1952، حاصل على دكتوراء في الكيمياء من كلية العلوم بتونس، مدرس بكلية الطب في مادة الكيمياء إلى حدود اعتقاله سنة 1991، عضو بلجنة البحث العلمي في تخصصه بالمركز الجامعي للبحث العلمي بمنطقة برج السدرية في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، عضو بنقابة التعليم للاتحاد العام التونسي للشغل و تولى رئاسة حركة النهضة التونسية منذ سنة 1988 حتى تاريخ اعتقاله. اعتقل في 17 فيفري 1991، وقد تجاوزت فترة إيقافه في أقبية وزارة الدّاخلية الثلاثة أشهر، تعرض خلالها لممارسة تعذيب فظيع يعجز المرء عن وصفه باعتماد أكثر الوسائل وحشية مما أجبر معذبيه على نقله للمستشفى في حالة خطيرة أكثر من مرة.

حوكم أمام المحكمة العسكرية سنة 1992 على رأس 265 من الإطارات القيادية للنهضة. وقد طلب الادعاء العام إعدامه، ولكن تحت ضغوط المنظمات الحقوقية والإنسانية اكتفى النظام بإصدار حكم في حقه بالسجن مدى الحياة. ونقل بعد ذلك لأكثر من سجن حيث  استمرت  ممارسة سياسة الموت البطيئ عليه وعمليات التعذيب و الإهانة وسوء المعاملة. من ذلك ما يرويه السجين السياسي السابق شكري بحرية بعد خروجه من السجن: كنت شاهدا على ماجرى للصادق شورو في سجن 9 أفريل سنة 1993 ، حيث ضبطنا أحد الأعوان ليلا نصلّي جماعة أنا والصادق شورو وثلاثة من سجناء الحق العام – وكانت صلاة الجماعة ممنوعة – فنادى مدير السجن وأخذ منّا إقرارا على ذلك وأودعونا بالسيلونات. وعند الصباح دعينا إلى لجنة العقوبات وكان السجّان المشهور نبيل العيداني حاضرا فيها. تمسّك الصادق شورو بحقّ أداء الصلاة جماعة وجادل في ذلك بحزم كبير فلم يمهله العيداني وصفعه مرّتين ثمّ انقضّ عليه العون

عبد المجيد التيساوي

وأخرجه ليودعه السيلون. وبعد انتهاء الجلسة التحق به نبيل العيداني وجملة من أعوان السيلونات منهم سعيد… وكريم… وعون برتبة ملازم وأخضعوه لحصص طويلة من  » الفلقة  » وغيرها.

كان ممن حظي بزيارة « بعثة الصليب الأحمر » في السنة الماضية بعد أن سمحت لها السلطات التونسية بزيارة بعض السجون على إثر صيحات الفزع التي أعلنتها المنظمات الإنسانية الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان في السجون التونسية. حياة الدكتور الصادق شورو في خطر وهي أمانة في أعناق أحرار العالم وأصحاب الضمائر الحية والمنظمات الدولية والإسلامية والعربية ذات الصلة وهيئات حقوق الإنسان.. إن أسرة التحرير في « لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر بتونس » تناشد الجميع للتدخل المناسب لدى السلطات التونسية للإفراج عن الدكتور الصادق شورو أو نقله فوراً إلى إحدى المستشفيات لتلقي العلاج المناسب. ولذلك نطالب الرئيس التونسي باحترام التزاماته تجاه شعبه وتجاه المواثيق الموقعة والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أو نشاطهم السياسي. كما نناشد المجتمع الإنساني العالمي عمل كلّ ما في وسعه من أجل إطلاق سراح المعتقلين. للاتصال بعائلة السيد الصادق شورو : 71704778 00216 ألمانيا في 2 جانفي 2007 www.aktion18oktober.com info@aktion18oktober.com


      الرابطــة التونسيـة للدفـاع عن حقــوق الإنســان  تونس في 02 جانفــي 2007
بيــــان
أقدمت سلطات الإحتلال الأمريكي وحلفاؤها ممن نصبتهم حكاما بالعراق فجر يوم 30 ديسمبر 2006، أول أيام عيد الأضحى، على تنفيذ « حكم الإعدام » على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وإن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تدين بأقصى شدة هذه الجريمة النكراء وهذا العمل الوحشي واللاإنساني، وتذكر بمعارضتها التامة والمبدئية لحكم الإعدام مهما كانت الجريمة والمحكمة والمتهم. كما تذكر أن « حكم الإعدام » صدر عن محكمة نصبتها قوات الإحتلال الفاقدة لأي شرعية ولم تتوفر في هذه المحكمة الشروط الدنيا للنزاهة والحيادية المطلوبة من القضاء، كما كانت إجراءاتها وجلساتها فاقدة لكل مبادئ المحاكمة العادلة وقد شاهد العالم بأسره تلك المهزلة التي انتهك فيها بشكل صارخ حق الدفاع، واعتبر المتهمون خصوما لهيئة المحكمة. كما تدين الرابطة الطريقة التي نفذ بها « حكم الإعدام » هذا وتوقيته، فقد اختارت السلطات الحاكمة في العراق والمحتل الأمريكي تنفيذه يوم عيد الأضحى استفزازا لمشاعر المسلمين وتغذية للفتنة الطائفية، وبإشراف أناس لم يتمكنوا حتى من السيطرة على رغبتهم في الإنتقام وهم ينفذون الإعدام على ضحيتهم برفعهم شعارات سياسية وطائفية معادية للرئيس السابق. والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تؤكد حق العراقيين المشروع في مقاومة الإحتلال، تنبه إلى خطورة ما يدبر ضد العراق من حرب طائفية يغذيها الإحتلال وعملاؤه ومن نداءات لتقسيمه إلى دويلات طائفية وعرقية وتدعو المجتمع الدولي إلى مساعدة العراق على تحقيق استقلاله وإنهاء الإحتلال وإقامة نظام ديمقراطي يحترم الحريات العامة والفردية ويحمي حقوق الأقليات ويوفر الأمن والطمأنينة لجميع العراقيين والعراقيات ويحقق المساواة بين كل أفراد شعبه على اختلاف أفكارهم ودياناتهم وعرقياتهم.

عن الهيئـة المديـرة الرئيـس المختـار الطريفـي


عبد الرحمان الدريدي

 بيان    ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون  
في فجر عيد الاضحى المبارك اقدمت قوى الغدر الصفوية واسيادهام الصليبيين الى اقتراف ابشع الجرائم في حق شهيد الامة وزعيم الوطن الخالد الرئيس الاسير صدام حسين في انتهاك صارخ واستفزاز واضح لمشاعر الملايين من المسلمين والعرب في تاكيد متجدد على الحقد المتغلغل داخلهم على كل وطني شريف ذنبه انه رفض ان ينحني لتتار العصر الحديث وان يهرول للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب للارض وللعرض معا وبتواطئ مفضوح من انظمة عربية مستبدة.
وفي هذه الفاجعة التي اصابت كل القوى الوحدوية والمؤمنة بوحدة المصير العربي المشترك فاننا نؤكد على مايلي:
-ندين هذه الجريمة البشعة في حق الشهيد قائد الامة صدام حسين رحمة الله عليه -نعتبر ان تزامنها مع احتفال سائر المسلمين في مشارق الدنيا ومغاربها امتداد للحملة الصليبية الهمجية على الاسلام والمسلمين -نعلن تمسكنا بحق الرد على هذه الجريمة النكراء واننا لن نرحم اي ممن شارك من قريب او من بعيد فيها ونخص بالذكر المجرين جورج بوش الابن وطوني بلير وكل اعضاء الحكومة العراقية المنصبة وكل العملاء والخونة -نرفع نداءا لكل احرار الوطن في تونس وخارجها البعثيين والوحدويين الى الالتفاف حول هذه المبادرة الصادقة الموت للخونة الخلود للشهداء عاشت الامة عاش الوطن


 

مئات التونسيين يحتجون على اعدام صدام

 

تونس (رويترز) – إحتج مئات التونسيين يوم الثلاثاء في ساحة محمد علي بوسط العاصمة تونس على اعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين متوعدين بالانتقام لمن سموه (رمز القومية العربية).

وتجمع المئات بدعوة من النقابة العامة للتعليم الثانوي في ساحة محمد علي بالعاصمة تونس وداخل مقر الاتحاد العام التونسي للشغل.

وردد المحتجون شعارات وصفت صدام « بشهيد الامة » و »رمز القومية العربية » وطالبوا القوات الامريكية بالخروج من العراق.

وأعدم صدام في الساعات الاولى من يوم السبت أول أيام عيد الاضحى وذلك بعد ادانته بارتكاب جرائم ضد الانسانية في نهاية مثيرة لزعيم حكم العراق بقبضة من حديد على مدى ثلاثة عقود قبل ان يطيح به غزو قادته الولايات المتحدة في عام 2003.

وقال احمد الصديق وهو محام ضمن فريق دفاع كلف بالترافع عن صدام أنه كان من المقرر ان يقام موكب لتقبل التعازي لكنه ألغي بطلب من رغد صدام حسين ابنة الرئيس السابق التي قالت أنه لايجوز تقبل التعازي في وفاة (شهيد).

وردد الحاضرون في التجمع الذي حضره نقابيون واحزاب معارضة وشخصيات حقوقية شعارات « يا صدام يا شهيد على دربك لن نحيد » و »يا بوش يا جبان الدم العربي لا يهان » و »لا مصالح أمريكية ولا ايرانية على الاراضي العربية« .

ورفعت صورة عملاقة لصدام كتب عليها « صدام شهيد الامة.. خافه الامريكيون وهو حي ويخشونه وهو ميت« .

وذرف العديد من الحاضرين الدموع حزنا على وفاة من سموه « سيد الامة وقائدها ورمز عزتها وشموخها« .

وقالت امرأة تدعى سلوى كانت تبكي بحرارة لرويترز « قتلوا صدام رمز العروبة ورمز المقاومة لكنهم لم يعرفوا ان الامة ما زالت تنجب الابطال والمقاومين الذي سيدحرون الغزاة من اراضينا عاجلا ام اجلا« .

وقال الصديق في كلمة امام الحاضرين إن « صدام كان قويا وشامخا وكسر ارادة الامريكيين وعملائهم حتى لحظات اعدامه وبموته لايزال رمزا للمقاومة العربية وللانسانية جمعاء« .

وأضاف أن « صدام ضحى بحياته في سبيل التصدي للغزاة » ووصفه بانه (اسماعيل جديد) في اشارة لازهاق روحه يوم عيد الاضحى. »

 

ويحظى الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتأييد وتعاطف فئات واسعة من التونسيين.

 

وادانت تونس في وقت سابق اعدام صدام يوم العيد واعتبرته مساسا بمشاعر المسلمين.

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 2 جانفي 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


مصادر مطلعة تؤكد وجود 10 جنسيات ضمن عناصر  »السلفية » الجيش يعتقل تونسيين بصدد الالتحاق بالإرهابيين في مفتاح

 حميد· يس نقلت وكالة الأنباء الجزائرية، أول أمس، عن مصدر أمني أن دورية عسكرية ألقت ليلة 19 ديسمبر الماضي، القبض على تونسيين  »ينتميان إلى شبكة إرهاب دولية »، وأشار إلى أن الاعتقال تم في قرية الجبابرة، بلدية مفتاح بولاية البليدة، وأن الشخصين كانا على  »أهبة الالتحاق بالجماعة السلفية »، وأنهما قدما من ليبيا· وأضاف المصدر الأمني أن المعتقلين خضعا للتحقيق على أيدي الشرطة القضائية والتحريات بشأنهما لازالت جارية· ورمز إلى إسميهما بـ »س·ل » و »ل·س »· ولم يقدم المصدر تفاصيل أخرى عن القضية، مثل الغرض من محاولة الانضمام إلى الجماعة السلفية وظروف دخولهما الجزائر وماذا كانا يفعلان في ليبيا، ولم يقدم أيضا أي شيء عن الشبكة الإرهابية التي قال أنهما ينتميان إليها· وتعد الجبابرة أحد معاقل الجماعة الإسلامية المسلحة سابقا، تقع في سفح الجبل وتطل على مدينة مفتاح· وقد شهدت أعمال تقتيل وتخريب تسببت في هجرة عدد كبير من العائلات نحو مناطق أكثر أمنا· وأفادت مصادر مطلعة لـ »الخبر » أن التونسيين  »ينتميان على الأرجح لشبكات تجنيد وتدريب أشخاص يرغبون في القتال بالعراق، وآخرين يبحثون عن فتح جبهات قتال في بلدانهم الأصلية »· وأوضحت أن كتائب الجماعة السلفية النشطة في شمال البلاد وفي الصحراء تضم مسلحين ينحدرون من عشر جنسيات، أغلبهم من تونس وموريتانيا وليبيا ومالي والنيجر· وعجزت المصادر عن تقدير عدد الأجانب الموجودين حاليا في معاقل الإرهابيين، ولم تؤكد وجود عناصر عادت إلى بلدانها لتنفيذ هجمات· وحسب ذات المصادر، فإن الإرهابيين أقاموا ما يشبه مراكز تدريب متنقلة في الجبال والصحراء، يتلقى فيها المجندون الأجانب أساليب حرب العصابات قبل إيفادهم إلى بلدانهم لشن هجمات على أهداف محلية وغربية· وتؤكد عملية إلقاء القبض على التونسيين أخبارا سابقة عن تجنيد تونسيين في صفوف الجماعة السلفية لتلقي التدريبات في مراكز تدريب متنقلة· حيث اعتقلت مصالح الأمن، مطلع العام، شخصا يكنى  »أبو المثنى »، بشبهة التنسيق مع خلية تتكون من خمسة تونسيين، طلبت منه السعي لضم عناصر تونسية إلى  »السلفية »، لتلقي التدريب على السلاح والمتفجرات لضرب أهداف في تونس· وقد تسلم التونسيون بالفعل أسلحة كلاشنيكوف ومسدسات آلية من المستشار العسكري للجماعة المدعو  »أبو عمار »· وألقت مصالح الأمن، العام الماضي، القبض على 10 تونسيين بعنابة والعاصمة، كانوا بصدد الالتحاق بالتنظيم الإرهابي، وتم تسليمهم إلى الأمن التونسي بعد خضوعهم للتحقيق· وأدان القضاء المغربي في 24 ديسمبر الماضي، ناشطين مغربيين بالإعدام، بتهمة السعي للحصول على أسلحة من الجماعة السلفية، تحسبا لتفجيرات الدار البيضاء (ماي 2003)· وقد التقى أحدهما بمبعوث من  »السلفية » يدعى  »أبو الزبير » في مسجد قرب الحدود الجزائرية المغربية، وتلقى منه وعدا بتسليمه أسلحة لإدخالها إلى المغرب·
 
 
(المصدر:الخبر الجزائرية بتاريخ بتاريخ 1 جانفي 2007)

العنصر الأجنبي في صفوف الجماعات الإرهابية موفدون من بن لادن في  »الجيا » و »السلفية » تجنــّد عناصر الساحل

 حميد· يس  ربما يتذكر المواطنون إطلالة فرنسي على شاشة التلفزيون، منتصف ,1991 في عز الإضراب السياسي الذي شنته الجبهة الإسلامية للإنقاذ آنذاك، حيث قال والدموع تنهمر من عينيه إنه أدخل أسلحة  »لغرض الجهاد »، بناء على طلب من الرجل الثاني في  »الإنقاذ »، علي بن حاج الذي نفى ذلك في ندوة صحفية· وقد أفادت مصادر أمنية حينها أن الفرنسي، ديديي غيان، قد يكون العنصر الأجنبي الأول الذي ضبط متلبسا بتهمة دعم الجماعات المسلحة· وحكم على غيان بالسجن مدى الحياة، وأفرج عنه مؤخرا من سجن البروافية في إطار تدابير المصالحة الوطنية·

وتفيد معطيات أمنية متوفرة عما يعرف بـ »العنصر الأجنبي » داخل الجماعات الإرهابية، بأن فكرة التحاق جهاديين أجانب بالعمل المسلح في الجزائر طرحت في بدايات تشكل المجموعات المسلحة، لكنها لم تتجسد إلا بعد تولي جمال زيتوني، المدعو  »أبو عبد الرحمن أمين »، إمارة الجماعة الإسلامية المسلحة، بدءا من أواخر 1994 خلفا للشريف فوسمي الذي سقط في كمين للجيش في بئر الخادم بالجزائر· وذكر مصدر مطلع على ترتيب شؤون الجماعة الإسلامية، أن تسعة ليبيين على الأقل التحقوا بها في ,1995 ثلاثة منهم قالوا إنهم جاؤوا إلى الجزائر بطلب من أسامة بن لادن، عراب وممول المتطوعين العرب للقتال في أفغانستان·

ليبيون يتعرضون للتصفية في عهد زوابري

وقد بايع  »الليبيون » زيتوني وانضموا إلى صفوف الجماعة الإسلامية، حتى عام 1996 عندما خلفه عنتر زوابري،  »أبو عبد الرحمن »، على رأس التنظيم الإرهابي· حيث تعرضوا، حسب المصدر، إلى ما يشبه الإبادة على أيدي الفلول التابعة للأمير الجديد، فقتل بعضهم بمنطقة جبل بوكحيل في ولاية بسكرة وآخرون بالمنطقة الصحراوية، وتمكن البعض من الفرار بجلده· وقال المصدر عن أسباب تصفيتهم لـ »الخبر »:  »لا يمكن الجزم بأن زوابري هو من أمر بقتلهم، لكن تصفيتهم تندرج في إطار الهمجية التي طبعت فترة قيادته الجماعة الإسلامية »· ومن بين الأسماء البارزة ضمن الجهاديين ذوي الجنسية الليبية،  »فخر الليبي » و »إدريس الليبي » و »عبد القهار » الذي قتل في سور الغزلان ولاية البويرة في تلك الفترة· والثلاثة كانوا متمرسين على القتال بحكم المشاركة في حرب أفغانستان· وتبقى الأخبار المتعلقة بالمسلحين الأجانب في فترة  »الجيا » شحيحة إلى حد ما، حيث لا يعرف الكثير في هذا الجانب· وشهدت ظاهرة تعزيز صفوف الإرهابيين بالعنصر الأجنبي، تناميا ملحوظا في الفترة التي أعقبت تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال (خريف 1998)· وحسب المصدر المطلع، فإن التجنيد في عهدي زيتوني وفوسمي كان محليا بالأساس وبمعدل 400 شخص في الأسبوع· مشيرا إلى أن الاستعانة بالأجانب فيما بعد 1997 كان بسبب  »القحط » الذي عانت منه الجماعة·

وتذكر مصادر مؤكدة أن تجنيد الأجنبي أو سعي الأخير للالتحاق بـ »السلفية »، كان لافتا أكثـر في القطاع الجنوبي الذي يشرف عليه مختار بلمختار، المدعو  »خالد أبو العباس »· وقال المصدر المطلع، الذي تحدث لـ »الخبر » في هذا الموضوع:  »منذ أن أصبح أبو العباس ينشط في الصحراء، وقع الاحتكاك بين عناصره وجهاديين من الساحل الإفريقي، وتحديدا من موريتانيا والنيجر ومالي وحتى من نيجيريا، ثم توسع الأمر بالتحاق تونسيين بمعاقل الشمال· وكان ذلك مدرجا في مشروع كبير سعى تنظيم القاعدة إلى تأسيسه، ويتعلق الأمر بإنشاء قاعدة الجهاد في بلاد المغرب العربي »· وتابع   »لقد حدّث حسان حطاب (أمير السلفية من 1999 إلى 2003) عناصر تنظيمه عن قائمة تحمل أسماء أجانب يريدون الالتحاق بهم، لكن القضية لم تعرف تطورا لأسباب غير معروفة »·

(المصدر:الخبر الجزائرية بتاريخ بتاريخ 2 جانفي 2007)

في مؤشر على « تعمق الصراع » بين أجنحة الجماعة زعيم « السلفية الجزائرية » يراسل بوتفليقة ويدعم « المصالحة »

 

 
بعث حساب حطاب بصفته  « أميرا للجماعة السلفية للدعوة والقتال » برسالة تأييد للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه موقعة بتاريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي يهنئه فيها بعيد الأضحى المبارك ويدعوه إلى تجسيد المزيد من إجراءات المصالحة، في الوقت الذي تعود الرأي العام على أن عبد المالك دردقال  المكنى بأبو مصعب عبد الودود هو الأمير الحالي للجماعة السلفية، الأمر الذي يعزز فرضية تجدد الصراع على زعامة هذا « التنظيم الإرهابي » الذي سبق له في شهر سبتمبر/ أيلول المنصرم إعلان ولائه لتنظيم القاعدة.

رسالة « معايدة « خاصة لبوتفليقة

و في الرسالة التي حصلت « العربية نت » على نسخة منها، سجل حطاب أنه « مر الكثير من الوقت على تزكية الشعب الجزائري لميثاق السلم والمصالحة الوطنية كوسيلة لتحقيق الصلح و ليس كغاية في حد ذاته »،  قبل أن يردف قائلا « و الصلح خير و هو ما يثمر التآخي بين أبناء البلد الواحد ولا يرتبهم لا طبقات تختلف في الحقوق والواجبات »، في إشارة منه إلى بعض بنود ميثاق السلم التي تم اعتبارها « تمييزية » من طرف عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة وعلى رأسهم مدني مزراق أمير ما كان يسمى بالجيش الإسلامي للإنقاذ. وينظر المتتبعون لرسالة حطاب الذي قدم نفسه كأمير للجماعة السلفية وحملت توقيع الجماعة السلفية المعروف، على أنه تجديد من حطاب  لحسن نيته في تطليق العمل المسلح ورغبته في الاستفادة من تدابير ميثاق السلم حيث جاء في الرسالة قول حطاب « وبالمناسبة السعيدة – مناسبة العيد- نذكر بموقفنا من جديد من مسعى المصالحة المنصفة والتي نتوخى من سيدي رئيس الجمهورية أن يمضي قدما في تحقيقها وإقرانها ببنود تضمن الأمن  والأمان للجميع »، أمام إصرار أبو مصعب عبد الودود على تبني خطاب ثوري ضد السلطة وضد حلولها السياسية التي كان آخرها ميثاق السلم والمصالحة، في الوقت الذي سارع هذا الأخير إلى مبايعة تنظيم القاعدة بمناسبة الذكرى الخامسة لتفجيرات 11 سبتمبر .

الجماعة السلفية بـ »رأسين »

و برأي المتتبعين، فإن الصراع عاد إلى العلن بين أجنحة تنظيم الجماعة السلفية بسبب عدم حسم الأمور على مستوى التنظيم ذاته اتجاه العرض الذي تقدمت به السلطات لأفراد التنظيم في إطار ميثاق السلم والمصالحة، في وقت سرت أنباء عن وقوع تصفيات في صفوف التنظيم لعناصر أبدوا رغبتهم في الاستفادة من العفو بينما تم تكثيف إجراءات الحراسة في معاقل الجماعة في الجبال خوفا من هروب العناصر الراغبة في التوبة. وكان أبو مصعب عبد الودود قد أصدر بيانا في شهر أكتوبر الماضي، قال فيه: « أبا حمزة -وهي كنية حطاب- قد عاد إلى الجماعة بعد سنة من تطليق العمل المسلح وأنه جرى بينهما اتصال هاتفي حول موضوع المصالحة »، الأمر الذي كذبه حطاب في حينه لتأتي هذه الرسالة في سياق التأكيد على عدم وجود أي توافق بين حطاب ودردقال رغم انضمامهما إلى تنظيم واحد، بل أصبح واضحا أن الجماعة السلفية أصبحت برأسين أحدهما يدعو إلى المصالحة والآخر يدعو إلى مواصلة الحرب ضد السلطة القائمة في الجزائر. 

تجدر الإشارة إلى أن السلطات الأمنية الجزائرية قد باشرت منذ سنوات تعود  إلى عام 2000 سلسلة اتصالات سرية جدا مع حسان حطاب أمير الجماعة السلفية للدعوة و القتال الذي كان آنذاك متصلبا في آرائه من مسألة ترك العمل المسلح، ويبدو أن تلك الاتصالات أثمرت في وقت لاحق تغيرا في مواقف حطاب، تزامن مع طرح الرئيس بوتفليقة لمشروعه الثاني ميثاق السلم والمصالحة في عام 2005 بعد مشروعه الأول قانون الوئام المدني  الذي أطلقه عام 1999.

 
(المصدر: موقع العربية نت بتاريخ 2 جانفي 2006)


تونس تعتقل 152 شخصا حاولوا التسلل نحو السواحل الإيطالية

 

 
تونس (2 كانون الثاني/يناير) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء – ذكرت مصادر إعلامية اليوم (الثلاثاء) أن السلطات الأمنية التونسية، اعتقلت 152 شخصاً من جنسيات عربية مختلفة بعد محاولتهم التّسلل خلسة إلى الأراضي التونسية تمهيداً لقيامهم بالهجرة السرية باتجاه جزيرة « لامبيدوزا » الإيطالية ليلة عيد الأضحى المبارك. وبحسب هذه المصادر فقد تم إيقاف 74 شخصا مغاربيا، و74 آخرين من بلدان عربية مشرقية، بالإضافة إلى أربعة تونسيين، صبيحة يوم عيد الأضحى في منطقة « بنقردان » المحاذية للحدود الليبية. وكشفت التحقيقات الأولية أن هؤلاء، اتّفقوا مع وسيط تونسي لنقلهم خلسة إلى الساحل الإيطالي انطلاقا من الشواطئ اللّيبية، صبيحة عيد الأضحى، حيث تجمّعوا في الصّحراء الليبية، ثم ركبوا حافلات لنقلهم إلى أحدى الشواطئ اللّيبية حيث كان ينتظرهم مركب بحري، لكنهم تاهوا وعبروا الحدود الليبية التونسية، ليعيدوا تنظيم رحلة تسللهم نحو إيطاليا، لكنهم وقعوا في قبضة قوى الدرك والجمارك التونسية. وذكر هؤلاء أيضا أنهم سلموا الوسيط التونسي مبلغا يفوق 500 مليون دينار تونسي (أكثر من 295 مليون يورو). هذا وذكرت إحصائيات حول عدد قضايا اجتياز الحدود والإبحار خلسة في تونس، أن « عدد محاولات اجتياز الحدود والإبحار غير الشرعي من تونس، سجّلت تراجعا ملحوظا خلال العام الماضي فاقت نسبته 50%، حيث بلغ عدد هذه المحاولات 300 محاولة خلال العام 2005/2006، مقابل 720 خلال العام 2003/2004 ».

(المصدر:  وكالة آكي الإيطالية للأنباء بتاريخ 2 جانفي 2007)

 

تونس تسجل معدل نمو 5.2 في الربع الثالث من 2006

تونس (رويترز) – أظهرت أرقام حكومية يوم الثلاثاء أن معدل النمو الاقتصادي في تونس ارتفع الى 5.2 في المئة في الربع الثالث من عام 2006 بفضل قوة قطاع الصناعات الميكانيكية وخدمات الاتصالات والنقل. وبلغ الناتج المحلي الاجمالي 5.682 مليار دينار (4.394 مليار دولار) ارتفاعا من 5.400 مليار دينار في الربع الثالث من عام 2005. ومقارنة بالربع السابق عليه نما الاقتصاد بنسبة 1.8 في المئة. ونمت الصناعات الميكانيكية بنسبة 26.1 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وخدمات الاتصالات والنقل بنسبة 13.3 في المئة. ونما قطاع المنسوجات الرئيسي الذي يشهد منافسة من منتجين في اسيا بنسبة 4.1 في المئة. وتقدم قطاعا الزراعة والمصايد بنسبة 0.1 في المئة. وتهدف الحكومة لخفض اعتماد البلاد على القطاع الزراعي الذي يشهد تقلبات مع تطوير قطاع الخدمات والصناعات عالية القيمة الاخرى. وتتوقع الحكومة نمو الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 5.7 في المئة في عام 2006 بكامله ارتفاعا من 4.2 في 2005 نتيجة اداء افضل لقطاع الخدمات الذي يمثل 20 بالمئة من الثروة الوطنية. وتريد الحكومة رفع معدل النمو السنوي الى 6.3 في المئة خلال السنوات العشر المقبلة لتقليص نسبة البطالة التي تبلغ 13.9 في المئة حاليا حسب الارقام الرسمية. (الدولار يساوي 1.293 دينار
(المصدر:  وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 2 جانفي 2007)


 

تفاصيل حوار نادر بين عماد الحمروني رئيس جمعية أهل البيت بتونس (تيار شيعي) والباحث التونسي الطاهر الأسود (مقيم بأمريكا الشمالية) في المنتدى الكتابي لموقع نواة:

 

1- تذكير بنص مقال السيد الطاهر الأسود الذي أعيد نشره على المنتدى الكتابي للحوار.نت يوم 29 ديسمبر 2006 على الساعة 6 و12 مساء:

 

حول الانطلاقة المحتملة لأعمال إرهابية للقاعديين في تونس

استمرار التعامل الساذج في أوساط الطبقة السياسية التونسية مع تيار الفتنة الأهلية

الطاهر الأسود — باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

 

تلاحقت أنباء محددة و من مصادر مختلفة في فترة وجيزة خلال الأسبوع الأخير حول احتمال بداية نوع من الاستعدادات لانطلاق أعمال ارهابية في قطرنا العزيز تستهدف السلم الأهلي و النظام القائم من خلال استهداف الجهاز الأمني و هو ما انكشف في بعض الاشتباكات المسلحة المتفرقة. إن ذلك خط أحمر و ليس إلا تكرارا سمجا لبرامج الفتنة الأهلية المدمرة السابقة في المنطقة. و لكن من الواضح أن هناك استمرارا لنوع من الغيبوبة تجاه خطر المجموعات القاعدية مغاربيا و تونسيا من قبل معظم النخبة السياسية بما في ذلك القيادات المحلية و عدم إدراك للبنى الجديدة التي بصدد التشكل. ويأتي هذا المقال في اتجاه التأكيد على أن مثل هذه الأعمال الارهابية أمر قادم للأسف الشديد و هو ما أشرت إليه أكثر من مرة و توقعت حدوثه مؤخرا. و بغض النظر عن صحة الأخبار المتداولة أخيرا— و التي يجب التعامل معها بحذر كبير من خلال رفض التعتيم المحلي المعتاد و الذي يمس السلامة الأهلية في هذه الحالة و لكن أيضا من خلال تجنب التضخيم و التوقف عن التعامل مع هذه الأحداث كمجرد مناسبة للمناورة ضد النظام القائم—قلت بغض النظر عن صحتها و دقتها فإن هذه الأعمال ستحدث لامحالة لوجود ما يكفي من العوامل و المؤشرات و المعطيات لحدوثها.

 

و قد كتبت لأكثر من مرة في السنة الأخيرة حول الخطر المتعاظم لتنظيم القاعدة على السلم الأهلي في المنطقة العربية بشكل عام. و كان إصراري على هذه النقطة ينبع فيما ينبع من سذاجة مثيرة للانتباه لنسبة كبيرة من النخبة العربية و التي « تطبلنت » سياسيا و فكريا من خلال دعمها للاستراتيجيا القاعدية خاصة في العراق إما دعائيا أو تحليلا بتصنيفها ضمنيا في إطار « المقاومة العراقية » من دون حرص على التمييز الواضح و البين بين أطراف « المقاومة » و « الارهاب » و تغاضيها عن كل المؤشرات الدالة بشكل قاطع على أن هذه الاستراتيجيا بشكل عام لا تستهدف « كفار الخارج » فحسب بل أيضا و خاصة « كفار الداخل » (حيث تم التغاضي المثير و لفترة طويلة عن الاستهداف القاعدي البين في العراق لعامة الشيعة و حتى للسنة من خلال مفهوم « التترس ») حيث أكد أيمن الظواهري في أكثر من وثيقة أن مسألة « حاكمية الشريعة » تأتي في مقدمة أولويات التنظيم ليس في العراق فحسب بل في خارجه و بقية الأقطار الاسلامية بشكل عام (أنظر مثلا: الطاهر الأسود « مرة أخرى في ماهية المقاومة العراقية…: حول التيار القاعدي و حتمية منهجه الطائفي » ميدل إست أون لاين 19-09-2005). و برزت في العراق مثلا نوايا القاعدة في تأسيس دولة طائفية في « المناطق السنية » باسم « دولة العراق الاسلامية » في ظل صمت مثير للقلق بين أوساط النخبة السياسية العربية و التي تساهم بصمتها في تفاقم ما يجري خاصة في ظل تركيزها المتناسق على « الخطر الفارسي الشيعي ».

 

إن الرؤية الساذجة العامة تجاه تنظيم القاعدة بما في ذلك في العراق تتقاسمه النخبة المغاربية و التونسية أيضا و كان له تأثير بين على رؤيتها لحضور القاعدة ضمن مجالها المغاربي. حيث تم تجاهل تطورات أساسية في علاقة بوجود التيار القاعدي على الساحة المغاربية و التغاضي عن أهميتها البالغة في تحديد مسار المرحلة المقبلة و هو ما تعرضت له في أكثر من مقال في السنوات الأخيرة (أنظر مثلا: الطاهر الأسود « في إطار تحليل الرؤية الأمريكية لمسألة الديمقراطية السياسية في تونس » العدد العاشر/ فبراير 2004 نشرية أقلام أون لاين) و مؤخرا بالتفصيل في مقال في العدد التاسع عشر من نشرية أقلام أن لاين بعنوان « في العلاقة بين القوميين و الاسلاميين عربيا و ومغاربيا » (أعيد نشره في صحيفة القدس العربي في عدد 29 نوفمبر 2006). و سأكتفي هنا بإعادة نشر الفقرة الخاصة بمشروع التنظيم القاعدي عربيا و مغاربيا:

 

     » القاعديون و التهديد بالحروب الطائفية و الأهلية: التقويض الآخر للأمن القومي و حسب الاستراتيجيا العملية و المعلنة للتنظيمات القاعدية فإن مسألة « حاكمية الشريعة » تتبوأ مكانة مركزية. و بعنى آخر فإن « أمن الشريعة »، بما يتضمن ذلك من المعاني الطائفية الضيقة للـ »سلفية الجهادية »، يحتل المكانة العليا التي يتم على أساسها الفرز العام لقائمة « المؤمنين » و « المرتدين ». و تستبدل هذه المنظومة ذلك المعطى الواقعي المتمثل في الامن القومي.

 

    إن جوهرالتنظيمات القاعدية هو استرجاع لمقولة اسلامية سابقة مفادها رفض الواقع الراهن القائم بالأساس على رئيسية المرجعيتين الوطنية و القومية للعمل السياسي من خلال اعتبار هذه المعايير ببساطة معايير « جاهلية ». لكن الوضع العراقي، على سبيل المثال، يؤكد، من جهة أخرى، معطى غير قابل للتجاهل: أن الحفاظ على شعبية التنظيم المسلح المناهض للاحتلال غير ممكن خارج شروط التركيبة العراقية شديدة الحساسية تجاه نعرات الحرب الطائفية و هكذا فإن هذا الشرط الأساسي للحل المسلح الناجع، أي العلاقة المتينة بين المسلح و محيطه الشعبي، سيفرض على التنظيم القاعدي الانقسام و من ثمة تخلي البعض عن جوهر الرؤية القاعدية أي التخلي عن القول بعلوية ماهو سني سلفي على ما هو وطني.

 

    و في الواقع فإن هذا التهديد للصيغة الوطنية و المغامرة بتفتيتها بدعوى « جاهلية العصبية الوطنية » (يقع تمثيلها بالعصبية القبلية) لا يتجه الى تقويض الدول القطرية في مصلحة دولة جامعة بقدر ما يسعى لإقامة دولة جامعة تحت النفوذ الاستبدادي للطائفة « السنية » في محيطها العقائدي الأقل انفتاحا. و هو ما يؤدي الى اشعال سلسلة من الصراعات الأهلية على أساس « الهوية » ليس فقط بين الفصيل « السني » و الآخر الشيعي أو حتى الطوائف النصرانية العربية بل حتى في خضم المحيط « السني ». فلا يجب الوقوع هنا في المغالطة القاعدية التي تدعي الدفاع عن « أهل السنة و الجماعة » حيث يقع الدفاع عن فصيل أقلي ضمن الساحة الشاملة للسنة العرب. إن المؤشر الآخر الباعث على الاهتمام هو الالتقاء على مستوى الرؤية الاستراتيجية بين التنظيمات القاعدية المؤججة للصراع « السني-الشيعي » و بعض الأطراف العربية الرسمية التي تتحدث عن تهديد « الهلال الشيعي ». فتقييم الجانبين يتجه عمليا للالتقاء حول استهداف « غير السني » العربي بوصفه تهديدا ضروريا. إن ذلك يؤكد مقولة أساسية في علاقة ببداهة الطرح القومي من جهة الواقع القائم: تفتيت الصيغ الوطنية القائمة في إطارها القطري الراهن تهديد مباشر للأمن القومي العربي. و هنا، و رغم ما يبدو لذلك من مفارقة بالنسبة للخطاب القومي الحركي، فإن الدفاع ضد تفتيت الدولة القطرية على أساس الصراعات الطائفية و الأهلية يصب مباشرة في إطار الدفاع عن الأمن القومي العربي.

 

    أفق الحوار القومي-الاسلامي مغاربيا هناك ملمح جديد في الوضع المغاربي سيساهم بشكل بالغ في إعادة تشكل الواقع السياسي: « قاعدة الجهاد في بلاد المغرب ». فمنذ البيعة الرسمية مؤخرا لتنظيم « الجماعة السلفية للدعوة و القتال » تجاه تنظيم القاعدة و حسم مسألة القيادة التي سيتم إحالة « أمر بلاد المغرب » اليها من قبل الامارة القاعدية و التقارير الصحفية عن تدريب عدد من المواطنين المغاربيين من قبل التنظيم الجزائري بهدف تحقيق هدف امتداد الصراع الأهلي الى بقية الأقطار المغاربية فإن مسألة بروز تهديد التنظيمات القاعدية للسلم الأهلي مغاربيا سيصبح مجرد مسألة وقت. إن ذلك سيدفع الى الواجهة الحاجة التاريخية لعقد اجتماعي جديد يجب العقد الاجتماعي المرتجل لما بعد مرحلة الاستقلال و يحظى بالقبول و الاقناع و هو ما لم يتحقق حتى الآن. و ليس العقد الاجتماعي في هذه الحالة و بالتعابير السياسية الراهنة سوى مشروع المصالحة الوطنية. إن مسار المصالحة الوطنية مغاربيا هو المسألة الجوهرية في المستقبل السياسي المنظور. لا يتعلق ذلك بمجرد تمنيات بل هو ما سيشكل جوهر الصراع السياسي بالذات و حوله سيتم حسم طبيعة المرحلة المقبلة. و ليست مسألة الدمقرطة بمعزل عن هذا المسار. إن التفاعلات و التجاذبات المتصاعدة مغاربيا تبين أن الدمقرطة لا يمكن أن تتم بمعزل عن واقع معقد فيه الكثير من التوازنات المحلية و الاقليمية و الدولية. و مثلما كان الحال دائما، بما في ذلك في النماذج الغربية، فإن الدمقرطة ستتحدد مسارا و توقيتا و سرعة حسب توافقات موضوعية معقدة. و التوافقات وحدها و ليس عقلية الفرض و الإملاء أو التوتر و الصراخ هي التي ستحل المعضلات القائمة. و من هذا المنظور يجب النظر لمسألة المصالحة الوطنية. فهي، بمعنى آخر، البعد الواقعي و العملي التي ستشكل القاعدة التوافقية الممكنة لإرساء مسار دمقرطة حقيقي و من ثمة تحقيق المثال الديمقراطي. إن مسار المصالحة الوطنية الذي هو في وضع تشكل في بعض الأقطار و في حالة ماقبل الولادة في أقطار أخرى سيصبح مسارا حتميا للبقاء بمجرد أن يسترجع التهديد القاعدي للسلم الأهلي حيويته (في المثال الجزائري) أو يصبح أمرا واقعا (في بقية الأقطار)، و هي للأسف و كما أشرت ليست إلا مسألة وقت. إن استمرار البعض في إنكار هذه الآفاق بدعوى نجاح ما هو قائم لن يغير في الأمر شيئا إلا في اتجاه تعقيد الحلول و تأجيل التوافق.  » (انتهى).

 

إن رؤيتي هذه و التي أكدت عليها في المقال المشار إليه أعلاه تأتي جزئيا كرد فعل على صمت محلي في تونس حول هذه الظاهرة تشارك فيه جميع الأطراف تقريبا. حيث التقت أطراف معارضة مع أوساط داخل السلطة (كما يظهر في ضحف مقربة من النظام كصحيفة الشروق و لكن غيرها أيضا) في:

 

أولا، تطبيع ممارسات القاعدة في العراق ضمن مسار « المقاومة » خاصة من خلال عدم الحرص على مواجهة واضحة لممارساتها الارهابية البينة المستهدفة تحديدا إشعال الفتنة الطائفية في التقاء لا يمكن تجاهله مع بقية الأجندات الطائفية في العراق بما في ذلك أوساط نافذة في سلطات الاحتلال الأمريكي (آخرها مؤشرات واضحة عن التقاء مجموعة تشيني أو ما تبقى من النيومحافظين في واشنطن مع قيادات سعودية للمراهنة على صراع الشيعة ضد السنة في إطار مزيد صب الزيت على النار كخيار أخير لإنقاذ مشروع الاحتلال، و هو ما سأتعرض اليه في مناسبة لاحقة في مقال خاص). إن هذه الرؤية التونسية للوضع العراقي التي تشمل جميع الأطراف تقريبا تعكس عدم إدراك للأهمية المتعاظمة للوضع العراقي و حضور القاعدة فيه سلبيا على الوضعين المغاربي و التونسي.

 

ثانيا، التعامل من قبل معظم الطبقة السياسية مع ظاهرة السلفية الجهادية المتصاعدة في تونس بشكل ساذج:

 

–  من جهة السلطة و بعد إصدار « قانون الارهاب » و الذي كان يهدف الى تحقيق نقاط سياسية على المستوى الدولي أكثر منه مواجهة جدية لما يحدث من تطورات داخلية تم تدشين الحملة على أوساط السلفية الجهادية بما في ذلك أوساط متعاطفة و قريبة منها (تم في هذا الاطار خلط مواجهة « الارهاب » مع مواجهة مشاعر جدية لدعم المقاومة في فلسطين و العراق خارج الأطر القاعدية). و قد أدى استمرار التعامل الأمني الاستئصالي في المساهمة بجدية في إقحام عناصر جديدة كانت في هامش تيارات السلفية قبل اعتقالها ضمن مسار السلفية الجهادية من خلال الممارسات المتهورة و التعذيب و الاهانة الشخصية للمعتقلين و عائلاتهم. و ساهمت الحملة الأخير على الحجاب بشكل قاطع ليس على استهداف حركة النهضة كما اعتقد البعض في الأوساط المؤثرة بل في استهداف تيار عريض غير مسيس يعيش على هامشه تيار السلفية الجهادية لينتهز الأخير فرصة الايغال في الاستئصالية لتثبيت رؤيته التكفيرية للنظام. لقد استخدم النظام و لفترة طويلة تعميما للساحة الاسلامية اتهم فيه أطراف لم تعد تشك حتى القوى الدولية المؤثرة في اعتدالها بتهمة « الارهاب ». و الآن تحققت النبوءة و لكن لم يعد ممكنا التعامل التكتيتكي و المناور لقضية الارهاب في تونس كما اعتاد البعض حيث سيصبح ذلك أمرا واقعيا و مؤثرا بشكل سلبي للغاية على النسيج الاجتماعي و على الوضعية الاقتصادية الحساسة أصلا. و الجميع يعرف الأهمية الخاصة للتهديد الأهمني على قطاعات اقتصادية أساسية مثل القطاع السياحي. إن جزءا من مسؤولية السلطة فيما يجري يشمل أيضا وجود أطراف لا تستهدف الاسلاميين المعتدلين فحسب بل أيضا ما ترى فيه « قاعدة ثقافية للتطرف » و هو ما يشمل أحيانا كثيرة مبادئ دينية يؤدي استهدافها لاستفزاز مشاعر كثيرين يعتبرون المس منها خطا أحمر. و بالرغم من وجود مؤشرات كثيرة على أن هذه الأطراف الاستئصالية تواجه داخل النظام نفسه معارضة قوية إلا أن سياساتها السلبية حققت أضرار بالغة. إن هذه السياسة عامة و عبر الخمسة عشر سنة الأخيرة انعكست ميدانيا من خلال ضرب الأسس التي تسمح يوجود تيار واسع من الأئمة و القادة الدينيين المستقلين و المعتدين كما هو موجود في كثير من الأقطار العربية و هو ما ترك الساحة فارغة أمام من جهة أولى « أئمة موظفين » مكلفين بمهام و من ثمة لا يحظون بالمصداقية و من جهة ثانية « أئمة متمردين » لا يشغلون ضرورة مناصب الامامة و المشيخة و لكن يعملون على الهامش و بصمت بالغ و مؤثر و ذلك خاصة منذ سنة 2000.

 

–  في الجهة المقابلة تقف المعارضة (لا أعني هنا طبعا أطراف الديكور و التي لا تقوم حتى الآن على الأقل إلا بمسايرة النهج الرسمي من دون أي « مغامرات غير محسوبة ») بخطاب غير مواكب للتطورات الداخلية. حيث بدى أنها تنظر للوضع نظرة متمركزة على الذات. و كان من الواضح أن أطرافا محدودة الفاعلية ميدانيا و لكن كثيرة الصخب إعلاميا اعتقدت أن صخبها الاعلامي في الخارج يعكس أنها موجودة في مركز التطورات الميدانية في الداخل و من ثمة تعمدت تجاهل الانتشار المتعاظم في الساحة التونسية لتيار السلفية بجميع مشاربه و بقية الأطراف الجديدة (الصوفية، الشيعة…) مما يعكس تغيرا في الخارطة السياسية الداخلية و ذلك للاستمرار في الاعتقاد و الترويج لأنها تمسك بمقاليد المعارضة. و اعتقد البعض أن المطلوب الرجوع لما قبل 1990 و هو أمر لم يعد ممكنا. و كانت أكثر الصور الكاريكاتورية صورة السيد منصف المرزوقي راجعا للبلاد بدعوة « للعصيان المدني » و « المقاومة السلمية » بشكل كشف نرجسية و طوباوية لافتة حيث يبدو أنه كان هناك اعتقاد بأن « الجماهير » كانت تنتظر فقط رجوع الزعيم الكارزمي لتنطلق في احتجاجاتها و هو ما عكس غيبوبة كاملة عن الخارطة السياسية و الفكرية الجديدة التي بصدد التشكل و التي هي في قطيعة كبيرة مع الوجوه السياسية التقليدية. إن استراتيجيا المعارضة القائمة على التركيز على الدعم الخارجي المتنوع (الحقوقي و السياسي و الاعلامي خاصة على مستوى الاتحاد الأوروبي) لا تعكس عدم ثقة في جذب دعم داخلي فحسب بل تشير الى أن حاجات الداخل الأقل سياسوية و المصطبغة بقوة بتأثير ديني راديكالي متعاظم أصبحت خارج قدرات و برامج طيف هائل من المعارضة و التي لازالت تناقش في بديهيات مسألة الهوية و مسائل حقوق التوريث و المرأة. و لقد انعكس هذا التوجه الساذج في محاولة الالتصاق بالمجموعات الجديدة و معتقليها في السجون التونسية و التبني الحقوقي لها و من السخرية أن ذلك اصطدم بلامبالاة المعتقلين بالمسألة الحقوقية و هم الذين قاموا أكثر من مرة برفض السلطة القضائية و عدم الاعتراف بها أصلا (لا يرجع ذلك كما أشار بعض محاميهم لفقدان هذه السلطة لمصداقيتها بل لأن جزء هام من المعتقلين المعنيين يتعاملون مع النظام القائم على أنه « طاغوت » بما في ذلك السلطة القضائية). و كان السيد نجيب الشابي في خطابه الافتتاحي لمؤتمر حزبه قد تعامل مرة أخرى بشكل ساذج مع مسألة المعتقلين الحاليين مشيرا فقط الى أنهم مجموعة من الشباب المتعاطف مع المقاومة ليعكس الرغبة في تهميش هذه الأطراف الجديدة و لكن أيضا استخدام هذه المسألة في المناورة على النظام. إن الخطاب الذي سنسمعه بين أوساط هذه المعارضة و بشكل جامع في الأيام القادمة هو التركيز على مسؤولية السلطة فيما يحدث. و سيتم العمل على تهميش الأسس الداخلية للتيار القاعدي و التعامل معه مثلما تتعامل مع الأطراف الأمنية بالذات أي على أنه مجرد تيار مستورد من الخارج (عبر الفضائيات كما لا يزال الكثيرون يكررون بشكل ساذج منقطع النظير) مما يهمش الأسس الداخلية العميقة لوجود هذا التيار. حي سيقع التركيز عى غياب الديمقراطية فحسب لما يجري مما يهمش قضية مركزية أخرى و هي مسألة الصراع على الهوية و الاستفزاز الخطير للمشاعر الدينية.

 

إن بدايات الحل ليست بأيدي المعارضة كما هي راهنا. إن مركز المواجهة القادمة أحب من أحب و كره من كره ستكون متركزة ليس بين « الديمقراطيين » و غيرهم بل بين أوساط دينية معتدلة و أخرى متطرفة قاعدية تدعو للارهاب الداخلي لحسم مسألة الهوية. و هنا تحديدا يصبح دور التيارات الاسلامية المعتدلة محوريا في مواجهة التيار المتعاظم للفتنة الأهلية. و هذا يعني مسؤولية خطيرة يجب أن تؤدي الى الترفع عن الخطاب المعتاد تجاه السلطة في ظل التغير الدراماتيكي للوضع السياسي و الأمني. و هذه فرصة تاريخية لإثبات اعتدال هذه الأطراف و نبذها الجدي للعنف في ظل تشكيك أطراف مختلفة من المعارضة و السلطة لأسباب ايديولوجية و سياسوية في آن واحد و ليس لتحليل رصين و واقعي للتيار الاسلامي المعتدل. غير أن المسألة الديمقراطية ستأخذ في هذه الظروف بالذات صيغة جديدة حيث أن مشروع المصالحة الوطنية سيصبح مطلبا جوهريا كصيغة عملية لدمقرطة واقعية و لن يصبح في مقدور السلطة أو بعض أطرافها المؤثرة على الأقل مواصلة تجاهل استحقاقاتها. و لم يعد متاحا الاصرار على « خصوصية تونسية » تتميز « بمناخ يسوده الاعتدال » كما يشير « الاستبيان » المسيس الذي نشرته هذا الأسبوع وزارة االشباب و الرياضة في تونس بين صفوف الشباب و الذي يشير الى « 92% » من الشباب يعتقدون في « إسلام معتدل » (أنظر صحف أمس). و من المؤكد أن هناك أطرافا في السلطة ستستغل سياسويا ما سيحدث و ستحاول التأكيد على ضرورة تعميم صفة « الارهاب » و « التطرف » على كل طرف إسلامي غير أن تونس تبقى جزءا من نسيج عربي و اسلامي تتأثر بمشاكله مثلما تتأثر بحلوله. و لم يعد هناك مجال في هذا الاطار بالذات لاستمرار تحريم و حضر التيارات الاسلامية المعتدلة مثلما لم ممكنا التسويق لذلك على المستوى الدولي في ظل علم قوى دولية مؤثرة بتعاظم التيارات الدينية عموما في الساحة الشعبية. حيث أصبح من الضروري الاستفادة من تجارب الأنظمة العربية الأخرى في مواجهة تيارات الفتنة الأهلية (مصر، الجزائر، المغرب…) و التي أثبتت أن صيغة التعاون مع التيارات الرافضة للعنف و خاصة التيار الاسلامي المعتدل جوهرية و حاسمة لتخطي مشاريع الحرب الأهلية و تفاقمها. و لا يوجد مثال واحد تم فيه الاقتصار على الحلول الأمنية. حيث ساهمت سياسات التنفيس السياسي و فسح المجال لقيادات دينية مستقلة و معتدلة بشكل رئيسي في نزع الشرعية و المصداقية الميدانية لتيارات الفتنة الأهلية. و رغم أن ذلك لم يؤد الى تطورات ديمقراطية دراماتيكية في هذه الأقطار إلا أنه طرح أسس حقيقية و جدية لتطور ديمقراطي على المدى الطويل. في المقابل يتبين أن « الخصوصية التونسية » و ما تعنيه من سياسات أمنية تدعي « قطع دابر التطرف » لم تكن في النهاية و كما تثبت الأحداث الراهنة سوى تأجيلا لموضوع الارهاب المحلي.

 

إن هناك حاجة جدية للتوقف عن التعامل بشكل سياسوي مع موضوع التيار القاعدي و مشاريعه المهددة للسلم الأهلي سواء من قبل السلطة أو المعارضة. إن المرحلة الحساسة التي تقبل عليها تونس (المحفوفة أيضا بظروف اقتصادية صعبة و متفاقمة على الأرجح) تتطلب تغييرا دراماتيكيا يتناسب مع التطورات المتوقعة يضع مسألة تهديد السلم الأهلي و مبدأ احتكار الدولة للسلاح كخط أحمر لا يقبل المناورة السياسية. إن تحميل السلطة المسؤولية و التفرج بشماتة عما يحدث سيضر الجميع و سيصبح مثل « أكلت يوم أكل الثور الأبيض » صحيحا مرة أخرى. و هنا عدم الخلط بين التنديد بالقمع و تهديد الأمن العام. و يجب التفريق بكل صرامة بين الدور القمعي المسنود من قبل السلطة السياسية للجهاز الأمني بما في ذلك وجود عناصر أمنية تتسم بوحشية بالغة و بين الدور الدستوري غير القابل للجدل للمؤسسة الأمنية و الذي يجعل استهدافها المسلح جريمة يعاقب عليه القانون. إن حسم هذه المسألة لا يعني وقوفا مع السياسة القمعية للسلطة بل يعني وقوفا مع النظام الدستوري القائم و مؤسسة الدولة. إن الحديث عن « ضرورة القطيعة » مع النظام القائم و أطروحات من نوع « الاستقلال الداخلي » تلامس موضوعيا و من حيث لا تدري مع تكفير التيارات القاعدية للنظام (و المعارضة أيضا). و هذه، طبعا، مسألة في غاية الخطورة.

 

2- تعليق عماد الدين الحمروني على تحليل السيد الطاهر الأسود. نشر في المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت يوم 29 ديسمبر 2006 على الساعة الثامنة مساء

 

بسمه تعالى

 

شكرا للسيد الطاهر الاسود

 

لقد أفضتم بما فيه الكفاية لتوضيح الحالة السياسية و الاجتماعية و الدينية للمجتمع التونسي و نحن نوافقكم فيما ذهبتم إليه في خصوص مسالة الفكر السلفي التكفيري و مسالة المصالحة الوطنية.

 

إن ارتباط المعارضة الليبرالية و اليسارية بالخارج وارتباطها فكريا و تنظيميا بالمؤسسات و الأحزاب و المنظمات الغربية خصوصا الفرنسية اضعف مصداقيتها وأبعدها عن ثقافة الشعب إضافة إلى ارتماء الإسلاميين في حضن الحركة الوهابية جعلهم مترعا لظهور و تمكن الفكر السلفي الطائفي.

 

إننا نشهد في تونس تيه الإسلاميين والقوميين وسقوطهم في أوحال السلفية الإرهابية ونفاذ بضاعتهم.

 

إن الحل بل الواجب اليوم هو بروز حركة وفاق وطني من جيل ما بعد الاستقلال وإحياء الفكر الوطني الحر و الدفاع عن الإنجازات الوطنية وأهمها الدولة والدستور والدعوة إلى توزيع عادل للثروات وتشجيع الثقافة الوطنية.

 

في الختام عيد سعيد وكل عام وانتم بخير

 

عماد الدين الحمروني

 

3- رد الباحث التونسي الطاهر الأسود (نشر في المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت يوم 30 ديسمبر 2006 على الساعة الخامسة و32 دقيقة مساء)

 

 

الأخ عماد الدين الحمروني،

 

أعتقد أنه من المهم التأكيد على عبارات التوافق و الوفاق. و لكن أعتقد أنه من الضروري بالإضافة لنقد المعارضة التأكيد أيضا على ما يجب أن تقوم به السلطة. إن الوفاق الوطني يحتاج مشاركة طرفين. أرغب في إطار موضوع آخر متصل أن أشير الى احترامي لحقك و غيرك من التونسيين اختيار المذهب الذي ترتؤونه (و هو في هذه الحالة المذهب الشيعي) و لكن من المهم أن أشير الى تركيز الفريق الذي تنتمي اليه في تونس على نقد الحركة الاسلامية المعتدلة في تونس (و هي سنية في معظمها) بشكل غير دقيق أحيانا مقابل مجاملة السلطة بشكل دائم. إن ذلك يمكن أن يبرر آراء المتطرفين من السلفية الجهادية للتشكيك في صدق الاخوة الشيعة في تونس و تشويه صورتهم. إن الوفاق يعني فيما يعني الحرص على التعامل بمصداقية عند تقييم الوضع السياسي.

 

مع الشكر على الملاحظات القيمة و عيد مبارك على الجميع.

 

أخوك الطاهر الأسود

 

 

4- جواب عماد الدين الحمروني (نشر في المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت يوم 30 ديسمبر 2006 على الساعة 10 و33 دقيقة مساء)

 

 

بسمه تعالى

 

الاخ الفاضل الطاهر الاسود

 

ان الوفاق الوطني عندنا هو مشروع يضم الشرفاء من كل الاطياف المؤمنة بالثوابت الوطنية من داخل الحزب الحاكم و من خارجه علينا العمل على تجديد الفكر الوطني و تشجيع المثقف المتدين الجمهوري

 

اما تعليقك على مواقف الخط الشيعي في بلادنا و رميه بالمداهنة مع النظام ومواقفه ضد النهضويين ارى فيه الكثير من التجني والمغالطة

 

ان التونسيين المنتمين الى مدرسة اهل البيت سلام الله عليهم و منذ الثمانينات من القرن الماضي متواجدون على الساحة الوطنية شاركوا مشاركة فاعلة لاسقاط النظام البورقيبي المستبد وليعلم الاخ

الكريم اننا الفريق الوحيد الذي لم يسارع في 87 لتاييد انقلاب السابع من نوفمبر بل اصدر البيانات في الداخل و الخارج للمطالبة بالعفو التشريعي العام واحترام الدستور واعادة الحكم للشعب

 

لقد بدا التحريض ضدنا من طرف اقطاب الحركة الوهابية في بلادنا من امثال مورو والغنوشي والمكني و كركر رغم وقوفنا معهم في صف واحد ضد النظام البورقيبي المقبور بداية سنة 85 الى يومنا الحاضر

 

لقد تبينا لنا تبعية النهضويين الكامل للفكر و المال السعودي وانهم لا يمثلون تطلعات الشعب المسلم في تونس

 

ان النهضويين هم الذين ابرموا العهود مع اقطاب النظام البائد امثال المزالي و عند انتصار حركة السابع من نوفمبر التي فاجات الجميع كان اول من ساندها و اتفق معها هم النهضويين ظانين كما

ظن اهل اليسار بعدهم انهم سينتصرون على الرئيس زين العابدين بن علي وعند انكشاف امرهم دارت عليهم الدائرة

 

اننا لا نباع و لا نشترى اما الصاق التهم الينا ورمينا تار ة بالعمالة واخرى بالكفر من طرف النهضويين فان الشئ من ماتاه لا يستغرب لاننا تعودنا على اكاذيبهم و اباطيلهم لضعف حجتهم وفقدان

مصداقيتهم عند شعبنا المسلم في تونس

 

اننا نؤمن بوظيفتنا الشرعية و الوطنية و نعتبر مصلحة الوطن ارفع من مصلحة حزب او جماعة ولسنا حزبا و لا جماعة بل وطنيين مخلصين لدينهم و شعبهم و لا ينعقون مع كل ناعق

 

ان نفرق بين الحزب و الدولة و نعتبر المحافظة على كيان الدولة و هيبتها جزء من المصلحة الوطنية ومبدانا هو ان نقول للمحسن اذا احسن احسنت و للمسيئ اذا اساء اسات ايا كان موقعه سلطة او معارضة

 

في الختام نرجو لكم التوفيق و كل عام و انتم بخير

 

اخوكم عماد الدين الحمروني

 

5-  رد الباحث التونسي الطاهر الأسود (نشر في المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت يوم 1 جانفي 2006  على الساعة العاشرة و 34 دقيقة صباحا)

 

الأخ عماد الدين الحمروني،

 

أنا لم أرم أحدا بألفاظ من نوع « المداهنة » أو غيرها حيث لا أرى في مثل تلك العبارات الاتهامية أي تأثير إيجابي على تحقيق أي وفاق كان كما أنها لا تعبر عن الواقع بقدر ما تضخم فيه. في المقابل أؤكد على الانتباه الى أن هناك مساندة دائمة للسلطة من قبل التيار الشيعي في تونس لا تتميز بحد أدنى من الحس النقدي و ذلك من خلال ما يصدر من بيانات و مواقف ميدانية. في المقابل هناك خطاب متشنج تجاه الحركة الاسلامية المعتدلة يرميها بأوصاف (« وهابي »…) يعرف أي مراقب موضوعي ورصين أنها غير دقيقة و هي للمفارقة مشابهة جدا للأوصاف التي يرميها بها التيار الاستئصالي والذي يستهدف بالمناسبة كل الأطراف الاسلامية الوطنية (بما في ذلك التيار الشيعي).

 

إن وجود ارتباطات مالية للتيار الاسلامي المعتدل بالسعودية خاصة في فترات محددة (الثمانينات مثلا عندما حصل الخلاف بين التيار الشيعي والتيار النهضوي) لا يعني استمراره بنفس الوتيرة كما لا يعني تحديدا خضوعا للرأي الفقهي السائد سعوديا. فكما تعلم هناك حركات مثل حركة حماس تتلقى أموالا (رسمية و غير رسمية و لكن تحت غطاء رسمي) من السعودية بينما نعلم جميعا أن خطاب هذه الحركات بعيد كل البعد عن الخطاب الوهابي. و هذه مسألة مثير للقلق في بعض أوساط الخطاب الشيعي عموما حيث يبدو هناك تسرعا و حتى تجنيا من قبلها في وصف بعض تيارات الاسلام المعتدل السنية التي لا تستسيغها بأوصاف الوهابية (مثلما يحدث في العراق و هو ما يؤثر على ما يبدو في خطاب أوساط شيعية أخرى خارج العراق). من جهة أخرى إن تلقي مسألة تلقي الدعم الخارجي وإثارتها بهذه الشاكلة ليس من مصلحة التيار الشيعي في تونس و الذي تتربص به بعض الأطراف الاستئصالية لترميه بنفس التهمة (اي التمويل إيرانيا) و هو بالتالي موضوع حساس لا يحتمل المزايدة و التسرع.

 

إن الوضع في تونس حساس جدا و يزداد حساسية في علاقة بوجود تيار شيعي. فالوضع العام عربيا في الوقت الراهن خاصة بعد إعدام الرئيس العراقي يزداد خطورة بشكل متسارع جدا في خصوص العلاقة بين السنة و الشيعة. إن ذلك يحتاج خطابا رصينا من قبل التيار الشيعي في تونس يستبق أي محاولات طائفية للتحريض ضده. و هذا الخطاب الرصين يحتاج فيما يحتاج: عدم التجني على الأطراف السنية المعتدلة و التي ستكون درعا واقيا للتيار الشيعي في حالة تزايد نفوذ و خطورة التيار السني السلفي القاعدي؛ و يجب أن يعمل التيار الشيعي في رأيي على رسم تمايز علني بينه و بين السياسات الإيرانية و التي تتعرض لشكوك متزايدة من قبل الأوساط الشعبية العربية خاصة في علاقة بالملف العراقي، حيث من الضروري أن يفهم الشيعة في تونس أنهم في قطر عربي يهتم كثيرا بقضايا الأمن القومي العربي بما في ذلك مسألة عروبة العراق. وتونس أيضا قطر سني في معظمه (و هذا لايستنقص من قيمة التيار الشيعي) سيتأثر لأي مصير استئصالي يتعرض له السنة خاصة في مجال غالبيته عربي مثل العراق. من الضروري أن ألاحظ في هذا الإطار أن ما يبنيه حزب الله من خلال مقاومته في لبنان في اتجاه ترسيخ التقارب بين الشيعة و السنة يتم هدمه من خلال السياسات الإيرانية في العراق و أعمال جزء كبير من الأطراف الشيعية هناك.

 

تحياتي الصادقة و تمنياتي بمزيد من الحوار الهادئ في هذا المجال.

 

أخوك الطاهر الأسود.

 

6- تعليق عماد الدين الحمروني (نشر في المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت يوم 1 جانفي 2006 على الساعة السابعة و40 دقيقة مساء)

 

بسمه تعالى

 

الاخ الفاضل الطاهر الاسود

 

اتمنى انك قضيت عطلة عيد طيبة و سعيدة

 

هناك الكثير من الاشياء التي كتبتها فيها بعض الخلط

 

نحن نفرق جيدا بين الحركات الاسلامية الاصولية الوطنية امثال الحركة الاسلامية في تركيا بقيادة العلامة نجم الدين اربكان و الحركة الاسلامية في لبنان بقيادة الشيخ المجاهد فتحي يكن و الحركة الاسلامية بالمغرب بقيادة العدالة و التنمية و القائمة طويلة من الهند و اندونيسيا و حتى نيجيريا والسينغال

 

نحن نؤمن بوحدة الصف الاسلامي بعيدا عن الوهم الطائفي كما نؤمن بوحدة الصف الوطني و نعتبر ان الوهابية مثل الفكر البعثي دخلاء على عقيدة و فكر شعبنا في تونس وان مروجي هذه العقائد والأفكار دخلاء على شعبنا

 

اننا نعتز بالدولة الاسلامية بايران فهي مفخرة كل مسلم ونفتخر بالمقاومة الاسلامية بفلسطين و لبنان ونشد على ايادي الشعب المسلم بالعراق و نحيي صموده ومقاومته للاحتلال واعوانهم من الوهابيين

والبعثيين

 

ان تونس عرفت الولاء لاهل البيت عليهم السلام قبل ارض فارس و تاسست في منطقتنا المغاربية اول دولة مستقلة عن السلطان العباسي الغاصب وهي الدولة الادريسية ثم الدولة الفاطمية و حتى دولة الموحدين مؤسسها المهدي ابن تومرت

 

ليعلم الاخ الكريم ان اجدادي في الجنوب التونسي هم من شيعة ال محمد سلام الله عليهم قبل ان تصبح ايران شيعية في القرن السادس عشر ميلادي

 

اننا و عقيدتنا صناعة تونسية مائة بالمائة و لسنا من قوم تبع و لا جئنا بدعم خارجي و لا نمثل مصالح اجنبية فارجوا من الاخ الكريم عدم ربط مواقفنا او توجهاتنا بايران او جهة خارجية

 

ان بلادنا في حاجة الى الخروج من الحقبة القومية الفاشية و السلفية النتنة حتى نلتحق بالحداثة مع المحافظة على شخصيتنا الاسلامية لسمحاء

 

نحن لا نحتمي الا بالله عليه توكلنا و اليه انبنا و اليه المصير و لا نرى حرجا في نعت البعثيين والوهابيين بالمجرمين و المارقين

 

ان المال السعودي الوهابي و الفضائيات الموبوءة بالوباء القومي هي التي تؤجج الاحقاد و تزرع الفتن و تصنع الزعامات الوهمية وتطيل في عمر الباطل انهم سحرة فرعون العصر

 

إن المسلمين امة واحدة نبيها واحد و كتابها واحد اما المنافقين و الذين في قلوبهم مرض فهم تارة يتسترون تحت مسمى اهل السنة و اخرى السلف و القومية العربية و لكن سيفتضح أمرهم ولو بعد حين

 

للاسف سيطر الخط الوهابي سيطرة مطلقة على حركة النهضة وحولها الى بوق للاعلام السعودي و ضاعت قواعدها بين السلفية و التلفيقية و ما نعي حركة النهضة للمجرم صدام الا دليل على ارتهانها في احضان القوميين و الوهابيين و نست او تناست ان هذا العربيد لا يمثل شيئا من الاسلام لا سنة ولا شيعة و انه قتل الشرفاء و العلماء من السنة و الشيعة

 

في الختام اخي الطاهر حفظك الله نتمنى لك التوفيق و اعلم اني من المعجبين بآرائك و تحاليلك المعتبرة

 

اخوك عماد

 

7- رد الباحث التونسي الطاهر الأسود (نشر في المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت يوم 2 جانفي 2006 على الساعة الخامسة و32 مساء)

 

الأخ عماد الدين الحمروني

 

أشرت إلى أن  » الكثير من الاشياء التي كتبتها فيها بعض الخلط ». و يبدو أن « الخلط » لدي في علاقة بمواقف التيار الشيعي في تونس يتركز حسب رأيك على المسائل التالية (و التي سأعلق عليها تباعا):

 

1 – أنني ألقي عليكم جزافا بتهمة تقييم تياركم للاسلام السياسي المعتدل بشكل عام على أساس طائفي. و في الواقع أنا لم أقل ذلك. فملاحظتي متركزة على المثال التونسي. و هنا لا أشعر حقيقة أن لديك رؤية مقنعة حول « وهابية » التيار الاسلامي المعتدل في تونس. حيث لا يكفي في البرهنة على ذلك ترديد لفظ « وهابي » في مقابل غض الطرف عن المعطيات التي سبق أن أوردتها لك. و أكرر هنا ما قلته وأرجو عدم التغافل عنه و الالتجاء الى شعارات عامة في التعليق عليه: « في المقابل هناك خطاب متشنج تجاه الحركة الاسلامية المعتدلة يرميها بأوصاف (« وهابي »…) يعرف أي مراقب موضوعي ورصين أنها غير دقيقة و هي للمفارقة مشابهة جدا للأوصاف التي يرميها بها التيار الاستئصالي والذي يستهدف بالمناسبة كل الأطراف الاسلامية الوطنية (بما في ذلك التيار الشيعي). إن وجود ارتباطات مالية للتيار الاسلامي المعتدل بالسعودية خاصة في فترات محددة (الثمانينات مثلا عندما حصل الخلاف بين التيار الشيعي و التيار النهضوي) لا يعني استمراره بنفس الوتيرة كما لا يعني تحديدا خضوعا للرأي الفقهي السائد سعوديا. فكما تعلم هناك حركات مثل حركة حماس تتلقى أموالا (رسمية و غير رسمية و لكن تحت غطاء رسمي) من السعودية بينما نعلم جميعا أن خطاب هذه الحركات بعيد كل البعد عن الخطاب الوهابي ». و لكن رغم أني لا أرى أن تقييمكم طائفي إلا أن هناك مؤشرات قوية على هناك تأثرا واضحا بالخطاب الشيعي المتطرف (و الذي لا يقل « سلفية ») المتواجد في العراق و الذي يستسهل نعت المخالفين بـ »الوهابية ». ومن جهة أخرى أخشى أن تقييمكم السلبي تماما (و الغير مبرر) لموقف الاسلام السياسي المعتدل في تونس يدخل في إطار حسابات سياسية (وليس في ذلك عيب بالنسبة للسياسي) في علاقة بالسلطة.

 

2 – أني أخلط بين انتسابكم للتيار الشيعي و اتباعكم للنهج السياسي الإيراني. و أعتقد أني لا أخلط هنا. من يخلط بين مذهبه و بين اتخاذ المواقف السياسية على أساس مواقف المركز السياسي لمذهبه (مرشد الثورة) حسب رأيي هو التيار الشيعي في تونس (وفي غيرها بالمناسبة). سأشرح هنا: وجهت موقفا صارما بل متجنيا حسب رأيي خاصة لإطلاقيته تجاه طرفين « الوهابية » و « القومية العربية الفاشية » أو « البعثية المجرمة ».

 

أولا من الناحية الاصطلاحية والخطاب السياسي هذه المصطلحات تحديدا تعبر عن رؤية بعض الأوساط الإيرانية و التي أخذها عنها خاصة الأطراف العراقية الشيعية الموالية لإيران. و ليعذرني الأخ عماد الدين و لكن أين هي تجارب التيار الشيعي في تونس الخاصة (والمنفصلة تحديدا عن إيران) في تقييم التيار « المجرم البعثي » حيث هذا التيار محدود في تونس و لا أعتقد أن هناك صراعا بينكم و بينه يؤدي لمثل هذه الخلاصات إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار الصراع الايراني العراقي و استتباعاته الاقليمية. من جهة أخرى ليست « الوهابية » ضرورة طرفا طائفيا يمكن وصفه بدون تردد بـ »المروق » (حيث توجد ضمنه تيارات مختلفة و ليست السلفية الجهادية إلا تيارا من تياراته المتناقضة في كثير من الأحيان) إلا إذا كان هذا التقييم بتأثر تجربة الصراع السعودي الايراني والتي نتج عنها لغة صراع خاصة أجدها كما هي في الخطاب الذي تتبنونه. وفي الحقيقة لا يمكن التعامل مع الوهابية بشكل دوغمائي يدفع منتسبيها أكثر نحو التطرف من خلال وضعهم بشكل فوقي في صندوق واحد نسميه « المروق ». حيث لن يساعد ذلك على تغذية الآراء المعتدلة على قلتها فيها كما لا يقوم إلا بخلق نهج متطرف على الضفة الشيعية. وهكذا ليس من الصعب ملاحظة التماهي من حيث اللغة و الخطاب بينكم و بين الخطاب الايراني. و لا أعتقد أخي الكريم أنه يمكن تفسير ذلك بأنه مجرد صدفة.

 

ثانيا إن كون وجود المذهب الشيعي في تونس (مجال افريقية خاصة) و بقية المغرب الاسلامي كان سابقا عن وجوده في إيران (أنظر أسفله حول هذه النقطة) لا يمكن أن يشكل ردا على المسألة التي نحن بصدد النقاش حولها خاصة في حالة إذا كانت مواقفكم السياسية فعلا (كما أسلفنا) تنبع من خطاب أيراني أو موالي لإيران.

 

أريد أن أؤكد للأخ عماد الدين و اخوانه احترامي المبدئي للمنتسبين للتيار الشيعي ورفضي الدائم لاستهدافهم و تكفيرهم وارتكاب المجازر الطائفية ضدهم (كما يفعل القاعديون في العراق وهو الموضوع الذي كتبت فيه أكثر من مرة). و لكن يجب أن أؤكد أن هذا الرفض يعني أيضا رفض أي خطاب أو ممارسة مماثلة من على الضفة الشيعية و هو للأسف الأمر الذي نلاحظه بقوة في العراق حاليا و خاصة من قبل ميليشيات بدر والمهدي. هذا الخطاب الذي يصل أكثر مظاهره تطرفا من الناحية الرمزية في الظروف التي أحاطت بإعدام الرئيس العراقي (والذي أطلقت عليه صفة « المجرم » ولا أشعر الحقيقة أن ذلك نابع من تقييم هادئ وموضوعي للتجربة البعثية في العراق بمعزل عن موقف الغالبية الشيعية هناك). و يمكن أن نستمع الى منابر إعلامية مثل « وكالة أنباء براثا » حتى نرى الى أي قاع يمكن يتدحرج الخطاب الطائفي لبعض المجموعات الشيعية و التي أربأ عليكم أخي الكريم وبقية المنتسبين التونسيين للتيار الشيعي استيراد خطابها أو مصطلحاتها لمجرد أنها صادرة عن تجارب شيعية في المشرق لا تنطبق بالضرورة على خصوصيتنا المغاربية. وأود هنا أن ألاحظ أن الاستيراد غير الدقيق لمثل هذه المصطلحات يمكن أن يؤدي الى التناقض. وأريد هنا أن أشير الى مثال محدد. حيث تطلق تسمية « البعث الفاشي » و « المجرم » و « القومية العربية الفاشية » وهي مصطلحات غير دقيقة و فيها الكثير من الأدلجة والنزعة السياسوية غير البريئة ومن الطبيعي أن يستعملها رزمة من الاستئصاليين في بعض المنابر الاعلامية (« الليبراليين العرب الجدد »). و لكن من المثير للدهشة أن يستعملها شيعة يؤكدون مساندتهم للمقاومة في لبنان كما يجسدها واقعيا حزب الله في الوقت الذي نعرف فيه جميعنا السند اللوجيستي و السياسي المباشر الذي يوفره النظام البعثي السوري (المبرر بشعاراته القومية العربية تحديدا) لحزب الله وهو الموقف الذي يساهم في تعريض السوريين (البعثيين أيضا، علي أن أذكر الأخ الكريم) الى ضغوطات كبيرة جعلتهم الوحيدين تقريبا في المشهد العربي الرسمي الذين يقفون الى جانب المقاومة اللبنانية في الصائفة الماضية.

 

لا يوجد شك عندي أن التجربة القومية العربية حفلت بكثير من الأخطاء و الممارسات الاجرامية. ولكنها كانت تجربة تحررية أيضا ومن المعروف أن كل تجربة تحررية تحمل معها خطاياها (غير المبررة بالتأكيد). و لا يمكن لنا أن نجد مثالا مشابها في اقتران التحرر بالاجرام بقدر ما هو حاصل في التجربة الاسلامية الايرانية. أكثر من ذلك إن مثل هذه التجربة لا تعني البتة أن مفاهيم « الأمة العربية » و « الأمن القومي العربي » هي مفاهيم « إجرامية » أو « جاهلية » (كما يؤكد على ذلك أيضا التيار السلفي الجهادي) حيث يعبر ذلك الموقف عن عدم إدراك لخصوصية منطقتنا و أهمية العامل القومي فيها. عدى أنه يعبر عن موقف دوغمائي منهجيا ينطلق من مفاهيم مقولبة لإدراك الواقع عوض القيام بالعكس. والمثير أن « الثورة الاسلامية » في إيران تهتم بشكل خاص بمصالحها القومية بوصفها دولة تحكم مجالا فارسيا كما أثبتت في الملف العراقي بامتياز (من خلال تواطئها مع مشروع الاحتلال و لا أخالك أخي الكريم تنكر ذلك نظرا للمعطيات غير المحدودة على ذلك وأربأ بك أن تجنبنا ذلك النقاش غير الصحي). إن تهجم التيار الشيعي في تونس على جانب أساسي من هوية تونس (العروبة) يشير الى أنه بصدد التأسيس للكثير من العقبات ليس لتقبله تونسيا فحسب بل أيضا أمام أطراف معتدلة تدافع عن حقه في الوجود و هو الأمر الذي سيصبح مستحيلا تقريبا في حالة نعت التيار الاسلامي المعتدل بـ »الوهابية » و اعتبار أي طرف يدافع عن عروبة تونس (وليس ذلك إلا برنامج الأطراف القومية اختلفنا معها أو اتفقنا) هو « دخيل ». كما يجعل مهمة من ينعت التيار الشيعي بأنه « دخيل » و « ايراني » مهمة سهلة للغاية وهو ما لا أعتقد أنه الأسلوب المناسب الذي يجب على التيار الشيعي في تونس تبنيه.

 

مع تحياتي و الأمل في تحقق خطاب شيعي تونسي أكثر مرونة و التقاءا مع مشاعر غالبية التونسيين.

كما أنا سعيد أيضا باهتمامك أخي الكريم بكتاباتي.

 

أخوك الطاهر الأسود

 

 

ملاحظة: بالمناسبة موضوع أسبقية الانتساب للتيار الشيعي بين بلاد المغرب و المجال الفارسي بحث صعب يقدم فيه المؤرخون المختصون في المغرب الاسلامي المبكر و المجال الفارسي الاسلامي نتائج غير متطابقة و ذلك بسبب المحدودية الكبيرة للمصادر المبكرة. وإيران لم تنتسب فعليا للمذهب الشيعي في القرن السادس عشر (أي تأسيس الدولة الصفوية) بل قبل ذلك من خلال اتجاه غالبية السكان « العجم » (و هي التسمية التقليدية في جميع المصادر لسكان ايران الحاليين) للمذهب الشيعي وخاصة بداية من القرن الثاني عشر ميلادي حتى لو أن مذهب الامارات و الدول التي سيطرت على هذا المجال كانت إما سنية أو غير محددة مذهبيا من خلال الاستعانة بفقهاء مختلفين حسب الظروف السياسية المتقلبة.

 

 

8- تعليق عماد الدين الحمروني (نشر في المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت يوم 2 جانفي 2006 على الساعة 8 و 02 دقيقة مساء)

 

بسمه تعالى

 

الاخ المحترم الطاهر الاسود

 

 

لا افهم اصرارك على الربط الدائم بين شرحي و كلامي و بين الخطاب الايراني

 

 ليعلم الاخ الكريم اني من العاملين في الحقل الاسلامي منذ ربع قرن و لقد قرات على الامام الشهيد حسن البنا و على الاستاذ الشهيد السيد قطب و العلامة الكبير ابو الاعلى المودودي و الاستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليهم اجمعين و هم الذين بينوا و شرحوا لنا عظمة الاسلام و مقام الاخوة الاسلامية وضرورة اقامة الدولة الاسلامية والاعراض عن الفكر القومي الفاشي المتاثر بالنزعة الالماني والنابولية

 

ان ارائنا قد توافق الكثير من الاراء و تخالف الكثير و لا ندعي امتلاك كل الحقيقة فنحن على خط الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه و لا يهمنا من القائل و لكن يهمنا ما يقول

 

ان الثورة الاسلامية المباركة في ايران استطاعت و على مدى 28 عاما ان تقارع الباطل و تبني باقتدار اول دولة اسلامية بعد تجربة الفترة الراشدة

 

لقد حقق الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه حلم البنا و قطب و المودودي رضوان الله تعالى عليهم اجمعين في اقامة المشروع الاسلامي للنهضة و التنمية و لقد استطاع المسلمون الاستفادة من هذه النهضة الشاملة خاصة في تركيا و المغرب و بلاد اسيا ونيجيريا والسينغال و حتى بلاد الهند ونشات حركات اسلامية وطنية اصيلة تبشر بالخير والبركة

 

للاسف سقطت بلادنا تونس و الجزائر و مصر و بلاد الشام و باكستان تحت ضغط و ترغيب الفكر والمال السعودي الوهابي و تحولت النهضة الاسلامية المباركة بداية من التسعينات الى عقائد جامدة بدائية لا تؤمن الا بما توحيه آلة الإعلام الوهابي

 

ان علمائنا في تونس و في مصر و بلاد الحجاز سبقوا الايرانيين في فضح فساد العقيدة الوهابية والتحذير من خطورتها والدعوة الى مواجهتها

 

اما المد القومي فقد جاءنا بعد ان عاد الكثير من الطلبة الذين درسوا في عراق ميشال عفلق وسوريا الاسد واكثرهم اليوم محامون وقضاة و اعلاميين فلا غرو ان كانوا بواكي الطاغية صدام فلقد

تقاسموا معه اموال الشعب العراقي المستضعف

 

ان هوية شعبنا في تونس هي اسلامية وطنية قائمة على تراث يجمع بين العربي و التركي و البربري و الفارسي و الاوروبي ان مدرسة اهل البيت هي ملك المسلمين و لا تختص بطائفة دون اخرى

فلقد تخرج منها معظم فقهاء الاسلام العظام امثال الامام مالك و الامام ابو حنيفة و الامام سفيان الثوري و الامام الشافعي و حتى الامام الغزالي رضوان الله عليهم اجمعين

 

نحن ندين كل فكر سلفي رجعي متحجر شيعي كان او سني وليعلم الاخ الكريم ان الكثير من السادة العلماء في ايران الاسلام سقطوا شهداء علي ايدي مجرمين سلفيين من الشيعة على راسهم العلامة الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه

 

نحن ندين و بشدة اعمال الطائفيين شيعة كانوا او سنة و لقد كان اخر خطابات الامام الخميني تدعو الى الحذر من اشباه العلماء و من السلفيين الرجعيين المتواجدون داخل الحوزات العلمية ووجوب فضحهم ومقاومتهم

 

صراحة ارى ان الاخ الطاهر ايضا متاثر بما يقوله الوهابيون البعثيون حول المنتمين للمدرسة المحمدية العلوية و وصمهم بالتبعية لايران والتعصب للطائفة الشيعية

 

اخي الطاهر لسنا طائفيين و لا متعصبين طائفتنا هي وطننا و لا نتعصب الا للحق

 

نحن لا نضع ايدينا الا مع الشرفاء من الوطنيين الاحرار من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه و ما بدلوا تبديلا اما مع انصار الفاشية و الوهابية فنحن لا يجمعنا معهم اي شيء حتى يتبرؤوا ويتوبوا الى

الله متابا عسى الله ان يغفر لهم انه هو الغفور الرحيم

 

تحياتي الصادقة

 

اخوكم عماد الدين الحمروني

 

(المصدر: منتدى الحوار الكتابيلموقع نواة ، تصفح يوم 2 جانفي 2006 على الساعة التاسعة و45 دقيقة مساء بتوقيت تونس)

الرابط:  http://www.nawaat.org/forums/index.php?showtopic=13190


 

ننشر هنا نص الحوار الكامل الذي أجراه حمة الهمامي الناطق باسم حزب العمال الشيوعي التونسي مع جريدة « الموقف » الذي نشرت الجريدة بعض اجزائه. في حوار لجريدة « الموقف » حمه الهمامي:

الشعب التونسي في معظمه مسلم ….ونحن ندافع عن هويته

الموقف محمد الحمروني س: في خطاب الرئيس الأخير، بمناسبة الذكرى 19 للسابع من نوفمبر، ما يشبه الدعوة إلى ميثاق وطني جديد أو إحياء الميثاق القديم؟ ما رأيكم في هذه الدعوة؟ ج: هي مناورة سياسية جديدة لإخراج النظام من عزلته وربما لخلق ديكور ديمقراطي جديد لتمرير بعض المشاريع في الفترة القادمة خصوصا وقد بدأت الحملة من أجل إعادة ترشيح بن علي لولاية خامسة سنة 2009… نحن نعتبر أن تونس ليست في حاجة إلى « ميثاق وطني » جديد، وإلى زرع أوهام جديدة، ما تحتاجه فعلا هو تغيير النظام السياسي تغييرا جذريا بما يوفر للشعب التونسي حريته وحقوقه الأساسية. ويسمح له بممارسة سيادته وتحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر من التبعية. س: هل يمكن أن يحدث إطلاق سراح مجموعة جديدة من سجناء « حركة النهضة » انفراجا سياسيا في البلاد؟ ج: إن إطلاق سراح مجموعة من مساجين « حركة النهضة » قضى العديد منهم حوالي 15 سنة سجنا لا يؤشر لانفراج سياسي، لأنه إجراء جزئي ومحدود ولا يستجيب لمطلب إطلاق سراح كافة المساجين السياسيين بمن فيهم الشبان المعتقلون تعسفا بمقتضى « قانون مقاومة الإرهاب » والسماح للمغتربين بالعودة إلى وطنهم وسن قانون العفو التشريعي العام. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الوضع العام بالبلاد وما يتسم به من إمعان في القمع السياسي والاجتماعي لا يؤشر لانفراج بقدر ما يؤشر لمزيد الانغلاق والتصلب.  س: منذ عودته من باريس دعا الدكتور منصف المرزوقي إلى تكوين جبهة سياسية وإلى العصيان المدني. ما رأيكم أنتم في حزب العمال في هذه الدعوة؟ ج: نحن مع تشكيل جبهة سياسية لأم ظروف الاستبداد التي تعيش فيها البلاد تقتضي ذلك، لكن ينبغي أن تتوفر لهذه الجبهة شروط النجاح حتى لا يكون مصيرها كمصير « الجبهات » و »التحالفات » السابقة. وأول هذه الشروط الأرضية السياسية، التي ستقوم عليها هذه الجبهة وهو ما ليس متوفرا الآن، ونحن نعول على ما يجري داخل « هيئة 18 أكتوبر » وخارجها من نقاشات لتوضيح هذه المسألة وحسمها في أسرع ما يمكن من وقت. أما في خصوص الدعوة إلى « المقاومة المدنية » فنحن من حيث المبدأ معها ومع غيرها من أشكال النضال لاعتقادنا أن الاستبداد لن ينتهي بمحض إرادته بل بنضال شعبي منظم، ولكن الأشكال التي يتخذها هذا النضال تبقى رهينة موازين القوى في المجتمع والحالة الذهنية للشعب واستعداده للاستجابة في اللحظة المحددة لهذا الشعار أو ذاك. لذلك وحتى لا تبقى الدعوات إلى « المقاومة المدنية » مجرد صيحة في واد لا بد من عمل دؤوب في صفوف الشعب، على قاعدة برنامج وخطة للارتقاء بوعيه ودرجة تنظمه ليصبح قادرا على مسك مصيره بيده ووضع حد للاستبداد والدكتاتورية. س: هل تعني مشاركتكم للإسلاميين في هيئة 18 أكتوبر تغييرا في موقفكم من حركات الإسلام السياسي عامة و »حركة النهضة » على وجه الخصوص؟ نحن في حزب العمال نخضع تعاملنا مع غيرنا من الحركات السياسية بما فيها « الحركة الإسلامية » للتناقض الرئيسي الذي يشق مجتمعنا في المرحلة الراهنة أي للموقف من نظام الاستبداد ولازماته من استغلال وفساد وتبعية. وعلى هذا الأساس مرت علاقتنا بالحركة الإسلامية بمراحل. ففي الفترات التي وُجد فيها التقاء بين هذه الحركة ونظام الحكم، كما كان الحال في السبعينات أو أواسط الثمانينات ثم مباشرة بعد 7 نوفمبر 1987 (تأييد بن علي، إمضاء الميثاق الوطني، المشاركة في انتخابات 1989) كان الصراع الفكري والسياسي والميداني بيننا وبينها محتدما. وكان ذلك واضحا في شعاراتنا. علما وأننا نددنا في سنتي 1981 و1987 بالقمع الذي سلط على الحركة الإسلامية. لكن عندما تغير الوضع في التسعينات (1990-1991) وشن نظام الحكم هجوما عنيفا وشاملا على الحريات واستهدف كل الحركات السياسية المعارضة وركز بشكل خاص على « حركة النهضة » التي استشعر خطرها، فإن حزب العمال، الذي كان هو أيضا عرضة للقمع، ندد بذلك الهجوم وبما تبعه من قتل تحت التعذيب ومحاكمات جائرة وطالب بإطلاق سراح كافة المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام. وكان هذا الموقف من صلب قناعاتنا ومن صلب سلوكنا أو تكتيكنا السياسي الذي يستهدف في المقام الأول نظام الاستبداد. ولكن في هذه المرحلة لم يوجد عمل سياسي مشترك مع « حركة النهضة ». وفي الفترة الأخيرة ومع اشتداد الاستبداد في تونس ولكن أيضا مع مراجعة هذه الحركة لبعض مواقفها وتبنيها بشكل واضح لمطالب دنيا تشترك فيها كل الأطراف الراغبة في تحرير الحياة السياسية (حرية التعبير والتنظم، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين…) لم نتردد في الانخراط في « وحدة عمل » حول هذه المطالب الدنيا في إطار « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات » التي تشارك فيها عناصر إسلامية. وعلاقتنا بـ »الحركة الإسلامية » مستقبلا تبقى رهينة تطور العمل المشترك في هذه الهيئة وما سيسفر عنه الحوار الذي أطلقته حول القضايا الخلافية المتعلقة بأرضية الحد الأدنى الديمقراطي والتي تم توضيحها في أرضية « منتدى 18 أكتوبر ». هذا في خصوص « حركة النهضة » أما في خصوص الحركات الإسلامية عامة فنحن نميز بينها وفقا لمواقفها من قضايا شعوبها ومن القضايا الدولية. وحيثما كانت تقف مواقف إيجابية من الاستبداد أو من الامبريالية والصهيونية فإننا نساندها في حدود تلك المواقف. س: هل صحيح أن حمه الهمامي يواجه صعوبة لتمرير فكرة التعامل مع « الإسلاميين » داخل حزب العمال؟ أبدا. السياسة التي نسلكها في نطاق « هيئة 18 أكتوبر » هي سياسة حزب وليست سياسة فرد، وهي نابعة من الخط السياسي لحزب العمال وبرنامجه وتكتيكه المبلور ديمقراطيا. ورغم القمع والسرية فإن الحياة داخل حزب العمال ديمقراطية فلا تصريح بموقف في قضية جوهرية من قضايا التكتيك أو غيرها إلا بعد نقاش مستفيض يفرز إجماعا أو أغلبية. ولمزيد التوضيح فإن حزب العمال له بوصلة تقوده في مواقفه وسلوكه وهي النضال ضد نظام الاستبداد من أجل إقامة نظام ديمقراطي وشعبي. وعليه فهو يخضع كل القضايا التكتيكية لهذه المسألة. لذلك، وفي علاقة بـ »الحركة الإسلامية » انقدنا ولا نزال بالمبادئ التكتيكية التالية: –       إن النظام القائم لا يواجه « الحركة الإسلامية » دفاعا عن الحرية والديمقراطية بل حفاظا على احتكاره للحياة السياسية، وليس أدل على ذلك من أن القمع لا يطول هذه الحركة فحسب بل كل التيارات الفكرية والسياسية المعارضة أو حتى التي تبدي شيئا من المعارضة. –       إن وضعا تتوفر فيه الحريات السياسية للجميع بمن فيه « الإسلاميون » هو وضع أفضل بالنسبة إلى الشعب التونسي، من وضع يفتقد فيه لأبسط الحريات بدعوى « مقاومة التطرف » و »الإرهاب ». –       إن من يريد سد الباب أمام تعويض الاستبداد الحالي باستبداد آخر باسم الدين، عليه أن يعطي المثال في مقاومة الاستبداد الحالي لا أن يهادنه أو يتواطأ معه. –       إن ما يحدد الالتقاءات أو التحالفات هو مطالب الشعب والالتزام بها والدفاع عنها فعليا، وليس المواقف العقائدية/الإيديولوجية الجامدة. –       وعلى هذا الأساس فإن حزب العمال لا يرتاح للمواقف المتطرفة ضد « الإسلاميين » والتي تستعمل أحيانا غطاء لتبرير التواطؤ مع النظام القائم وبالتالي تزكية سياسته القمعية المضرة بالشعب وبتونس. س: بعد قبولكم المشاركة السياسية والعمل مع مختلف مكونات المجتمع المدني المحلية منها والدولية وقبولكم التعامل مع الإسلاميين ومطالبتكم بالديمقراطية… هل نحن بصدد تحولات عميقة ومراجعات جذرية للمرجعيات الفكرية والعقائدية لحزب العمال تجعله يبتعد أكثر عن الماركسية اللينينية أو الاشتراكية العلمية ليصبح حزبا على شاكلة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية أو الأحزاب الاجتماعية في أوروبا. ج: لا، أبدا. نحن لم نقم بمراجعات فكرية جوهرية، ولم نتحول إلى حزب اشتراكي ديمقراطي على الشاكلة الأوروبية، أي حزب منصهر في النظام الرأسمالي. كل ما نقوم به هو من صلب رؤيتنا الفكرية والسياسية. نحن حزب يدافع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين وعن مصالح الشعب عموما وكل خطوة من شأنها أن تتقدم بقضية هذا الشعب فنحن لا نتردد في القيام بها حتى مع قوى لا نتفق معها في الفكر أو البرنامج العام. نحن نمد يدنا إلى كل من يناضل من أجل تحقيق الحريات لما فيها من منفعة للكادحين ويدافع عن الحق في الشغل والتعليم والصحة لهؤلاء ويعارض الفساد والمحسوبية وكل أشكال التبعية ويناصر القضايا العادلة في الوطن العربي وعلى رأسها قضية فلسطين… إن المواقف العقائدية التي لا تراعي الواقع لا مكان لها في حزب العمال. س: ولكن ثمة من يتهمكم بأنكم كنتم تعتبرون الحريات والديمقراطية « صنيعة بورجوازية » وأنكم ربما قمتم الآن بمراجعة مقولاتكم وتبنيتم مقولات كنتم ترفضونها في السابق؟ ج: من يقول هذا الكلام ليس مطلعا على برنامج حزب العمال ومواقفه وسلوكه منذ تأسيسه وهو يردد بعض الاتهامات البدائية الموجهة إلى الماركسية والماركسيين. وفي الحقيقة فإن مثل هذه الاتهامات لم توجه، حسب علمي، إلى حزب العمال لأن قضية الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مثلت منذ تأسيس الحزب جزءا لا يتجزأ من برنامجه وقدم مناضلاته ومناضلوه تضحيات كبيرة، في الدفاع عنها والمطالبة بها. وليس هذا من باب التكتيك، بل هو جزء من استراتيجية الحزب. فنحن نهدف إلى تخليص الشعب التونسي من كل أشكال الاضطهاد التي يعيشها حاليا في المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية وبناء مجتمع ديمقراطي حقا، ومن هذا المنطلق نحن نقاوم اليوم كل أشكال الاستبداد ونرفع مطالب ديمقراطية ونعمل من أجل تحقيقها مع كافة القوى المعنية بها بهدف الاقتراب من ذلك الهدف الاستراتيجي. هذا في خصوص حزب العمال. أما في خصوص موقف الماركسية من الحريات والديمقراطية، فهي لم تعتبرها مطلقا « صنيعة » أو « ترهات » برجوازية، بل على العكس من ذلك، فهي تضعها، وهنا أتكلم بقطع النظر عما رافق بعض التجارب الاشتراكية من انحرافات ونقائص وأخطاء وعما رافق بعض التجارب التي أقيمت باسم « الاشتراكية » من فظاعات (كمبوديا…) في صلب المشروع الاشتراكي. ولكن ما تنقده الماركسية ليس الحرية أو الديمقراطية في حد ذاتهما، أو كغاية إنسانية أو كمكسب تاريخي شاركت البورجوازية في تحقيقه عبر الثورات التي قامت بها. وإنما هو المفهوم البورجوزي للحرية والديمقراطية الذي حوّلهما عبر الممارسة إلى امتياز للبورجوازية أي لأصحاب رأس المال بينما بقيتا شكليتين بالنسبة إلى العمال والمعدمين، وشكليتين أو منعدمتين تماما بالنسبة إلى الشعوب والأمم التي تضطهدها البورجوازية الاستعمارية. إن ما تريده الاشتراكية هو تخليص الحرية والديمقراطية من سلطة المال وتطويرهما وتوسيعهما حتى تصبحا واقعا ملموسا بالنسبة إلى الكادحين. وهذا لن يتم إلا عبر القضاء على الاستغلال الرأسمالي وتحويل وسائل الإنتاج وثروات المجتمع عامة إلى ملكية اجتماعية، هذا بشكل عام وأتمنى أن نجد الفرصة مرة أخرى للحديث عن التجارب الاشتراكية. س: أنتم حزب ماركسي لينيني تعملون في بيئة عربية إسلامية، كيف يمكن لكم أن توفقوا بين البيئة الثقافية التي تعملون فيها والأفكار التي تحملونها؟ س: الماركسية اللينينية أو الاشتراكية العلمية أو النظرية الشيوعية ليست وصفات تـُسقط على المجتمع دون مراعاة لخصوصياته . هذا الموقف غريب عن هذه النظرية. إن جوهر المذهب الاشتراكي هو تخليص العمال والكادحين وكذلك الشعوب والأمم المهيمن عليها من الاستغلال والقهر والاضطهاد الرأسمالي الامبريالي والسير بها نحو بناء مجتمع خال من استغلال الإنسان للإنسان. وتتخذ هذه الفكرة الجوهرية الإنسانية طابعها الخاص وفقا للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية لكل مجتمع من المجتمعات وتتشكل في نظرية ثورية خصوصية تقود عمال ذلك المجتمع وكادحيه نحو تحقيق تلك الفكرة الجوهرية. بعبارة أخرى توجد وقوانين عامة تحكم تطور المجتمعات البشرية ومبادئ وأهداف تشحذ همة الطبقات والفئات المضطهدة فيها ولكنها لا تصبح نافذة إلا من خلال صهرها في الواقع الملموس لكل شعب. وبالنسبة إلينا فنحن نعتبر أن الشعب التونسي لا يمكنه أن يتخلص مما هو فيه من تخلف اجتماعي وسياسي وثقافي ومن تبعية  إلا من داخل معطيات المجتمع التونسي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية وهو ما نعمل على تكريسه في حزب العمال في برنامجنا. س: وماذا عن هوية هذا الشعب؟ ج: الشعب التونسي له لغته وثقافته وتاريخه المتجذر منذ قرون في التاريخ العربي دون أن يعني ذلك طبعا نفيا لتاريخ تونس/إفريقيا السابق وكل حضارات وثقافات المجموعات البشرية التي سكنت هذه البلاد. لهذا نحن ندافع عن هوية الشعب التونسي العربية ونترجم ذلك سياسيا في دفاعنا عن ثقافة هذا الشعب ولغته وتاريخه وكذلك عن وحدة الشعوب العربية تكريسا لروابطها القومية في إطار من الحرية والديمقراطية والتحرر من التبعية. وعليه فإن نظرتنا للهوية بعيدة عن كل عرقية وعن كل جمود فالهوية في نظرنا تتطور وفقا لتطور شعبنا والشعوب العربية وهي تنفتح على تطور الإنسانية أيضا فتنصهر الهوية القومية في إطار إنساني عام. س: وما هو موقفكم من دين هذا الشعب المنصوص عليه في البند الأول من الدستور؟ ج: الشعب التونسي في معظمه مسلم. والإسلام يتخذ عنده أبعاد عدة عقائدية وثقافية وحضارية. هذا أمر لا يمكن نفيه بأي تعلة ولكن لا يمكن استغلال « إسلام الشعب » لفرض نظام سياسي عليه يحرمه من حريته وحقوقه الأساسية ويعوق نهضته وتقدمه باسم الدين. لذلك يميز حزب العمال بين مستويات ثلاثة في التعامل مع الإسلام: –       مستوى العقيدة وهو يدرج هذا الأمر في باب الحرية الشخصية، وهو ما يفسر إدراج حزب العمال في برنامجه مطلب فصل الدين عن الدولة وعن السياسة بشكل عام حتى لا يُوظف في قمع الشعب واستغلاله على أن يترك تصريف الشؤون الدينية للمواطنين لمجالس منتخبة ومستقلة عن الدولة.  –       مستوى الشريعة التي يعتبرها نتاج تاريخي وضعه الفقهاء تبعا للظروف التي عاشوا فيها ولثقافتهم ومعارفهم ولمصالح الطبقات والفئات الاجتماعية والسلطات التي كانوا في خدمتها. ومن هذه الزاوية فهو يعتبر الشريعة/القوانين الإسلامية نسبية وقابلة للنقد والتحوير والتجاوز. –       مستوى الحضارة والثقافة وهو يتسم بالتنوع والاختلاف، فيه ما هو رجعي وظلامي وفيه ما هو نير وتقدمي، وحزب العمال ينحاز إلى هذا الجانب الأخير ويدافع عنه بكل ما فيه من مكتسبات تثري الإرث الحضاري والثقافي الإنساني. س: بعد عام على تأسيس « هيئة 18 أكتوبر » يرى البعض أنها لم تكن في مستوى الآمال والتطلعات التي بنيت عليها… ج: لا ينبغي التسرع في الحكم على مسيرة « هيئة 18 أكتوبر ». البدايات دائما صعبة خصوصا في وضع سياسي يتسم بالقمع. وقد قيمت الهيئة نشاطها ووقفت على بطء نسقه وعلى أسباب ذلك الموضوعية والذاتية وقررت تجاوزها عبر تكثيف نشاطها الميداني والتسريع باستكمال محاور الحوار التي حددتها صلب « منتدى 18 أكتوبر » وعقد ندوة وطنية في آجال معقولة للنظر في إمكانية صياغة « عهد » يحدد ملامح البديل الديمقراطي الذي يلتزم الجميع به. س: لو حاولنا وضع الإصبع على الداء فمما تعاني بالضبط « هيئة 18 أكتوبر »، وهل هي تعيش أزمة ثقة؟ ج: لا توجد أزمة ثقة. ولكن توجد أحيانا تحفظات تغذيها بعض المواقف الانفرادية لهذا الطرف أو ذاك أو بعض الحسابات الحزبية الضيقة أو رواسب التجارب الماضية والمطلوب هو تجاوز كل ذلك بإرادة سياسية قوية وجماعية تقتضيها مصلحة الشعب التونسي في الوضع الحالي المتردي سياسيا واجتماعيا. س: هل يعني هذا أن الانضمام للهيئة يعني عدم اتخاذ مواقف خاصة بكل طرف؟  ج: لا، بل يعني عدم اتخاذ مواقف أو القيام بأعمال تتضارب مع الحد الأدنى المتفق عليه. كما يعني التحلي بإرادة سياسية قوية لتكريس ذلك الحد الأدنى. س: ولكن البعض احتج على ما يمكن تسميته بالمشاركة الرمزية لبعض الأطراف؟ ج: هذا ما نقصد حين نتحدث عن ضرورة توفر إرادة سياسية قوية لكل الأطراف المنخرطة في الهيئة. ونحن نعتقد أن الهيئة قادرة على تجاوز نقائصها وتطوير عملها لما نلمسه في صلبها من تمسك بالعمل المشترك. س: ما رأي حزب العمال في الوضع الاقتصادي العام وخصوصا بين ما يعلن من أرقام وبين حقيقة الوضع الاجتماعي الذي يعانيه المواطن؟ ج: الوضع الاقتصادي العام ليس جيدا بل هو متأزم حسب شهادة أهل الاختصاص أنفسهم: تبعية متفاقمة، تفكك هيكلي متزايد، طغيان القطاع الخدماتي على القطاعات المنتجة، ضعف الاستثمار بما فيها الاستثمار الخارجي رغم التشجيعات إلخ.. والأرقام المعلنة بعضها لا يعكس الواقع وبعضها مبالغ فيه قصد التوظيف وبعضها الآخر لا يستجيب، رغم الضجيج حوله (نسب النمو)، حتى لمعايير المؤسسات المالية الدولية التي تقف وراء السياسة الاقتصادية الحالية ذات الطابع النيوليبرالي. إن الحكم على صحة اقتصاد ما ليس بما يقدم من أرقام رسمية بل بما يحققه هذا الاقتصاد فعليا من استقلالية للبلاد ومن توفير لحاجات الشعب المادية والمعنوية وما يفتحه للوطن من آفاق للنهوض العلمي والثقافي. ووفقا لهذه المعايير فإن الواقع يناقض خطاب السلطة. فالتبعية تزداد، ومصائر تونس أصبحت أكثر فأكثر بيد الرأسمال الأجنبي، والطبقات والفئات الكادحة تعيش تحت وطأة البطالة التي مست أصحاب الشهائد العليا والطرد الجماعي والتهميش وتكتوي بنار غلاء الأسعار وارتفاع الأداءات والضرائب، وتعاني من تدهور الخدمات الاجتماعية التي يزداد عدد المحرومين منها ومن استشراء ظاهرة الفساد وسوء التصرف في الثروة العمومية ومن الاختلال بين الجهات وتعمق الفوارق الطبقية ومن تفاقم الجريمة والكحولية والمخدرات إلخ.. كل هذا يجعلنا نقول إن نظام الحكم فشل في تنمية البلاد وإن نتائج سياسته الاقتصادية زادت الأغنياء غنى والفقراء فقرا، وهو ما يفسر المعارضة المتزايدة في صفوف العمال والأجراء وعموم الشعب لهذه السياسة ونهوضهم للدفاع عن الحق في الشغل وفي أسباب العيش الكريم بشكل عام. س: ولكن ما هي الخيارات المتاحة لبلد مثل تونس بإمكانياته المحدودة وأمام عولمة أصبحت أمرا واقعا يفرض نفسه على الجميع؟ ج: نعم، يوجد خيار آخر لتونس غير خيار التبعية والاستغلال الفاحش والفساد والتوزيع غير العادل للثروة. وهذا الخيار يكمن في تغيير السياسة الاقتصادية الحالية تغييرا جذريا وهو أمر ممكن في نطاق نظام ديمقراطي ووطني تكون فيه السيادة للشعب على ثروات البلاد وخيراتها وتستثمر فيه العلاقات الدولية، الاقتصادية والتجارية لخدمة الأهداف الوطنية لا لتعميق التبعية وخدمة مصالح الشركات والمؤسسات الأجنبية وأقلية محلية جشعة. وقد طرح حزب العمال في برنامجه « من أجل بديل ديمقراطي وشعبي » جملة من الأهداف التي تمثل ركيزة هذا الخيار الوطني ومن بين هذه الأهداف التي من شأن تحقيقها أن يخلق قاعدة مادية لمقاومة مجمل الأمراض الاجتماعية التي تحدثنا عنها وفي مقدمتها البطالة:

–       تأميم المصالح الأجنبية ذات الطابع الهيمني الاستعماري. –       إلغاء كافة الاتفاقيات والمعاهدات المكرسة للتبعية والنهب والتي تمت دون استشارة الشعب التونسي. –       تأميم القطاعات الاستراتيجية الأساسية لتشكل نواة الاقتصاد الوطني وإخضاعها للتسيير الديمقراطي للعاملين فيها. –       إخضاع القطاع الخاص لمقتضيات التنمية الوطنية وحاجات الشعب الأساسية. –       إعطاء الأولوية في الاستثمار والدعم للقطاعات المنتجة (الصناعة والفلاحة) وحماية الإنتاج الوطني. –       إجراء إصلاح زراعي جوهري لفائدة الفلاحين الصغار والفقراء لتأمين نهضة الريف التونسي. –       إعطاء الأبحاث العلمية والتكنولوجية مكانة أساسية في مسار التنمية الوطنية. –       إقامة نظام جبائي عادل يقوم على مبدأ الضريبة التصاعدية على الممتلكات والمداخيل. س: ولكن اقتصاد السوق هو السائد حاليا؟ نعم، اقتصاد السوق في شكله النيوليبرالي سائد حاليا، وتحاول الإيديولوجيا النيوليبرالية أن تفرضه على العمال والشعوب موهمة إياهم أنه نظام طبيعي أزلي لا يمكن استبداله بل ينبغي الخضوع لقوانينه والتكيف مع مستلزماته. وهذا ليس صحيحا. إن الهدف منه تأبيد الاستغلال والنهب الرأسمالي ونفي أي دور للإنسان وتحديدا للعمال والكادحين والشعوب في تغيير الواقع. لقد رفض هؤلاء هذا المنطق سابقا وحققوا العديد من المكتسبات وتمكنوا ولو لفترة من دك حصون الرأسمالية في بعض البلدان. ونحن نراهم اليوم بعد التراجع الذي عرفته حركتهم التحررية ينهضون من جديد ويعارضون الرأسمالية المتوحشة في حركات اجتماعية محلية وحركات ذات طابع دولي كالحركة المعادية للعولمة وحركات مقاومة وطنية تتخذ أحيانا شكلا مسلحا (العراق، فلسطين، لبنان). كما نرى دولا وحكومات، كما هو الحال في أمريكا اللاتينية، تبحث عن بدائل تستجيب لطموحات شعوبها. إن ما يجري اليوم في العالم من تكثيف لوتائر الاستغلال وتفاقم للبطالة والبؤس وتعمق الفوارق الطبقية داخل البلد الرأسمالي الواحد وعلى الصعيد الدولي بين حفنة الأمم الغنية وغالبية بلدان العالم وتفشي الحروب المدمرة وتكاثر المجازر والكوارث البيئية، هو خير شاهد على فظاعة النظام الرأسمالي الامبريالي وعلى أن زمانه قد ولى وأن الإنسانية أصبحت في حاجة إلى حضارة جديدة ولا نراها غير حضارة اشتراكية. وسواء في تونس أو في الأقطار العربية الأخرى فإن مصلحة شعوبنا ليست في استمرار النظام الرأسمالي الامبريالي وإنما في نهايته لما تعانيه في ظله من ظلم وقهر وهوان. س: ولكن الاشتراكية، على عكس الرأسمالية، حققت أكبر قدر من المآسي لشعوبها وجيرانها. ج: صحيح أن التجارب الاشتراكية في القرن العشرين انتكست والمجال هنا يضيق لتقديم أسباب ذلك، ولكن أن تقول أن الاشتراكية حققت المآسي لشعوبها فهذا ليس صحيحا بل فيه نفي لما أنجزته من مكاسب لفائدة العمال والكادحين ولما خلقته من فرص للعمال والشعوب في كافة أنحاء العالم ولحركات التحرر الوطني خاصة لتوسيع نضالها وتحقيق أهدافها. وما على كل دارس موضوعي إلا أن يقارن بين حالة الكادحين في البلدان التي عرفت تجارب اشتراكية في السابق وحالتها اليوم في ظل سيادة الرأسمالية المتوحشة وبين حالة الوضع الدولي في تلك الفترة والوضع الدولي الراهن الذي استفردت فيه الامبريالية الأمريكية وحلفائها الغربيين بالهيمنة على العالم. لكن ذلك لا يعني أن التجارب الاشتراكية لم تعرف أخطاء وانحرافات وجلبت مآسي للشعوب حين سيطرت على الدولة فيها أقليات بيروقراطية سلكت نهج رأسمالية الدولة الاحتكارية في الداخل بما يعنيه ذلك من قمع واضطهاد كما سلكت نهجا استعماريا توسعيا في الخارج مما أدى في مطلع التسعينات إلى انهيارها والتحاقها بزريبة الرأسمالية في شكلها التقليدي. والمطروح اليوم على الحركة العمالية والاشتراكية أن تستوعب كل أخطاء الماضي ونقائصه وتجدد المشروع الاشتراكي وفق مقتضيات الواقع الراهن.  


أقسمت أن لا أنتصر لجلاد

رغما عن كل الملابسات

الحبيب أبو وليد المكني

 

ذكرتني عديد البيانات التونسية التي صدرت بمناسبة تنفيذ حكم الإعدام في صدام حسين بحالي و أنا أجوب شوارع المدينة أحث المواطنين على الانخراط في المسيرات التي كنا ننظمها انتصارا للعراق وتنديدا بالتحالف الدولي … أعادتني تلك المقالات الباكية إلى حالي و أنا أقتحم الصفوف رافعا لشعار: « يا صدام يا حبيب ..أضرب، أضرب تل أبيب  » … » يا صدام يا بطل … » وقد شاركني في تلك الأحاسيس طبعا أهل بلدي صغيرهم وكبيرهم ،نسائهم ورجالهم ، مثقفهم وجاهلهم ، يمينهم و يسارهم ، كانت هناك معلومات كثيفة تختزن في ذاكرتي عن صدام الدكتاتور الذي قتل آية الله باقر الصدر مؤلف اقتصادنا وفلسفتنا و التفسير الموضوعي للقرآن  … وهي المراجع التي تشكل آنذاك جزء ا مهما من زادي الثقافي الذي أنافس به المنافسين لكن الهم الوطني كان أكبر و الانخراط في معركة الوجود الحضاري  كان الأولى ومواجهة العدوان الأطلسي كان الأشرف و الأنبل …

 

لم أكن في ذلك الوقت قد جربت بنفسي كيف يكون التعذيب ، و كيف يمتهن السجين ، و كيف يذل الشريف ، و كيف ينتهك العرض ، و كيف يكون التشفي و الامتهان و التعدي و الإيقاع و الشماتة والإذلال …

 

وكنت أظن التعذيب في تونس قد وصل إلى منتهاه و أن الغطرسة والظلم قد بلغا مبلغهما  و أن أجهزة القمع التونسية التي تدربت في بغداد و القاهرة ودمشق قد حازت على درجة الاحتراف في الهمجية والتنكيل و  النذالة حتى جعلني الله ألتقي في هذه البلاد بجموع من الذين فروا من العراق ومنهم من كان ذلك لأسباب سياسية , و أغلبهم لما أصبحوا عليه من ضائقة اقتصادية بسبب الحصار الظالم . كان حديثنا لا يتوقف عن المظالم التي عاشها العراقيون بكل طوائفهم ، كان حوارنا عن جور صدام وأعوانه . وكان نقاشنا عن الأساليب التي يبندعها أعوان صدام للتنكيل بأهل العراق  ، كنت أهم برواية قصتي مع التعذيب و المحاصرة و أحفر ذاكرتي لأستحضر كل ما عرفته من قصص تعذيب إخواني و لا أكاد أثير انتباه أحد منهم  … مدني أحدهم بكتيب ألفه أحد أشباه صدام الذي فر إلى الولايات المتحدة  كان يروي زيارة له بدلا من صدام الجقيقي في الكويت زمن  » تحريرها من أسرة الصباح  » في أحد أيام سبتمبر من عام 1990 م فيذكر بعض الجثث التي تعلق على أبواب أصحابها لأنهم قاوموا الاحتلال العراقي وتمنع العائلات من دفنها أياما حتى تكون عبرة لمن يعتبر؟؟؟… شعرت عندها بالمهانة وكرهت نفسي التي أجازت لي تلك الأيام أن أتحمس لنصرة ديكتاتور لأنه رفع بعض الشعارات التي وجدت لها صدى في نفسي التواقة لإعادة أمجاد الأمة ومواجهة الاستعمار و الإمبريالية .. و أقسمت على ألا أقع في هذا الخطأ مطلقا مهما كانت الأسباب وجيهة و مهما كانت الشعارات براقة  …

 

وعندما اندحر الجيش العراقي في أقل من شهر و سقطت بغداد وحصلت النكسة الثانية كان التفسير المنطقي الذي يتفق عليه أصحاب العقول  هو أن الدكتاتورية لا يمكنها أن تحمي الأوطان و إنها قد تحقق بعض الإنجازات وتبني الطرقات و الجامعات و تصنع الصواريخ و الدبابات ولكنها  غير قادرة على الاستثمار في الإنسان و بالتالي فلا معنى لما تبنيه لأنه إلى زوال قريب . حصل ذلك مع هتلر في الأربعينات ورأيناه بأم أعيننا في العراق زمن صدام  أ و لن أقنع أبدا أن الحالة الكارثية التي يعيشها العراق اليوم هي فقط بسبب الاحتلال كما يحب الإعلام العربي أن يردد دون كلل أو ملل فقد رأيت الآلاف من أهل ذلك البلد يهاجرون في كل الاتجاهات قبل الاحتلال وليس بسبب الحصار فقط كما بدعي المدعون  و لم تكن هناك تدخل إيراني يصلح لتفسير كل الكوارث و النوائب وكان قبل الغزو العراقي للكويت مليونا عراقي خارج بلادهم يفرون من جور صدام وظلمه وهؤلاء اليوم يتوزعون على كل الجبهات وبعضهم يساير الناس فيتحدث ليرضي كل الجهات  …

 

إن تدفق المقالات التي تنعى الرئيس العراقي صدام حسين وتصفه بأجمل النعوت و أحسن الأوصاف وتضيف إلى عهده أكبر الإنجازات، و إن الأطراف التي تنظم مواكب العزاء و المسيرات و ترفع صور الزعيم نكاية كما تزعم في أعوان الاحتلال و انتصارا للمقاومة و تنديدا بصناع الفتنة الطائفية، تقوم بخلط الأوراق على المواطنين العرب بحيث لن يكون من السهل بعد ذلك التفريق بين مشروع قوى الحرية و الديمقراطية و إشراقة الإسلام وبين مشروع قوى الاستبداد و الفاشية و الدمار وهي لعمري خدمة كبيرة يحق أن يفرح بها حكام العرب المستبدين ليواصلوا تلاعبهم كما هي عادتهم بالعقول الساذجة ويعلنون بحق أن الغوغاء لا تصلح للحكم أو المشاركة فيه و أن كل حديث عن التداول على السلطة هو مؤجل حتى يقع التزايل و الفرز بين  القوى العاملة لتحقيق الاستقلال الثاني  حيث تستعيد الجماهير الواعية والمؤطرة حقوقها المسلوبة وتصبح إرادتها المصدر الوحيد  للشرعية وبين قوى الفساد و الاستبداد و من يعاضدها من حملة الشعارات الخادعة  و من  الشعراء الذين استشكلت عليهم السبل و ظللتهم الأوهام التي لن تحقق … إن خطاب الحرية والديمقراطية لا يمكن أبدا أن يلتقي مع خطاب الاستبداد و الديكتاتورية والفساد .


لعن بورقيبة والترحم على صدام

د خالد شوكات
 
بكت حركة النهضة الإسلامية، وعدد من الأحزاب والجماعات القومية واليسارية التونسية، بحرقة الديكتاتور العراقي صدام حسين، وقامت في بيانات متواترة بالاحتجاج على الولايات المتحدة الأمريكية و « الحكومة العميلة » في العراق، مستندة في احتجاجها هذا على مبادئ القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، وعلى ما أصاب مشاعر المسلمين والعرب من أذى بتنفيذ حكم الإعدام في أول أيام عيد الأضحى المبارك وأعياد ميلاد السيد المسيح المجيدة.
وعلى الرغم من كوني قد وجدت في تنفيذ حكم الإعدام ضد الطاغية صدام في تاريخه المذكور، وبالصورة التي نقلتها سائر وسائل الإعلام العربية والدولية، خطأ فادحا ينم عن غباء سياسي وعقل طائفي مريض وتلاعب خطير بالمصلحة الوطنية العراقية، فإنني في الوقت نفسه انتبهت إلى أن موت هذا الديكتاتور، قد شكل مناسبة أخرى لإثبات مدى ضعف القناعة الديمقراطية لدى جل التيارات السياسية العربية، وميل العقل السياسي العربي الإسلامي العميق للمشاريع الشمولية التي تعتمد الشعارات الشعبوية في عملها على تحصيل الشرعية، ولا تتورع في آن على تبرير كافة الجرائم والممارسات السلطوية الشاذة مادام الحكم ملتزما ظاهريا بهذه الشعارات.
لقد بدا لي أن مشكلة قيادة الحركة الإسلامية في تونس ، من خلال بيان التعاطف الصدامي، ليس كما زعمت طيلة العقود الماضية، مع ديكتاتورية الحكم، إنما لأن الحكم لا يرفع شعارات شعبوية « عروبية و دينية »، فلو كانت السلطة التونسية قد رفعت مثل هذه الشعارات، لكان مبررا لها مثلا، ارتكاب كافة الجرائم التي نفذها صدام في حق شعبه، وحق شعوب مجاورة شقيقة لشعبه، أي لكان من حق السلطة التونسية أن تخوض حروبا ظالمة ضد الدولتين الجارتين، وأن تضيع ثلث التونسيين في المغامرات العسكرية والسجون والمعتقلات وحملات الإبادة الجماعية وجدع الأنوف والآذان والترحيل القسري والطرد التعسفي إلى المنافي، ثم التسبب في وضع الثلثين الباقيين تحت مقصلة حصار دولي مدمر يأكل ما ستبقيه الابتلاءات السابقة.
وحتى لا يكون المرء مفتئتا على هذه القيادة، لا بد من التذكير بأن هذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها قيادة الحركة الإسلامية التونسية، ممثلة بالأساس في زعيمها الأبدي الشيخ راشد الغنوشي، تعاطفا مع الديكتاتور العراقي، بل لقد سبقتها مرات أعربت فيها هذه القيادة على انحيازها لصدام حسين، كما كان شأنها مع  عملية غزوه للكويت، متذرعة باستمرار بالحجة ذاتها، أن معارضة التدخل الأمريكي مقدمة على أي تقدير آخر.
إن سعة صدر الشيخ الغنوشي التي شملت بالعطف والرحمة كل جرائم الطاغية العراقي، الذي قتل وعذب وسحل وبذر وطغى وتجبر أكثر من أي حاكم عرفه التاريخ العربي الإسلامي، لم تقدر على أن تستوعب سيرة الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة، حيث بلغ الغل والحقد بزعيم الحركة الإسلامية التونسية أن رفض الترحم على قائد مسيرة الاستقلال والتنمية في بلاده، ووصفه فيما معناه بأنه « ملعون سيدخله ربه جهنم »، وهو على فضائله التي لا تعد لن يدخله ربه الجنة، أما صدام فعلى مخازيه وجرائمه التي لا تعد أيضا، ففي في الفردوس الأعلى بشفاعة ظل الله في الأرض من الأولياء والصالحين.
إن معيار التقييم الأساسي عند رئيس الحركة الإسلامية التونسية وكثير من زملائه، ليس ما يحققه الحاكم من رفاهية واستقرار وتنمية اقتصادية واجتماعية وإنفاق على التربية والتعليم وسائر المرافق الضرورية لارتقاء بمستوى عيش المواطنين، إنما ما يرفعه من شعارات براقة كاذبة، وما يقدمه من مخدرات قومية ودينية فتاكة، وما يجره على شعبه وأنصاره من كوارث وويلات وأزمات متلاحقة، وما يبديه من عنتريات وخطب طنانة رنانة لا تسندها وقائع عملية ثابتة.
إدانة الآخرين على كيلهم بمكيالين في السياسة، لا تلزم قيادة الحركة الإسلامية التونسية ومن قاسمها المواقف نفسها حيال القضايا المحلية والعربية والدولية المطروحة، بعدم ممارسة هذه السياسة في النظر إلى مسيرة الطاغية العراقي، فدماء ثلاثين عراقيا قتلوا غدرا على أيدي عصابات البعث والقاعدة يوم أعدم الديكتاتور، وقبلها أرواح آلاف العراقيين الذين حصدتهم آلة الحقد الزرقاوية، لا تساوي دماء صدام ولا تستحق نفس التعاطف والبكاء، وثلاثة أو أربعة ملايين مواطن عراقي انتهكت أرواحهم وحقوقهم طيلة العهد الصدامي المجيد، لا ترجح أو حتى تساوي كفة آلاف سجناء الحركة الإسلامية التونسية، من الذين انتهكت حقوقهم خلال الفترة الماضية، و لا أذكر – ولا أظن أحدا يذكر- أن بيانا واحدا صدر عن حركة النهضة أدان جرائم حكم البعث العراقي طيلة انتصابه غصبا فوق صدر العراقيين، لكن آلة البيانات المتعاطفة تتحرك عندما يحشر الديكتاتور جراء غيه ورعونته في الزاوية.
و أخيرا، لا مناص من الإشارة إلى خاصية مشتركة بين السيرة السياسة لصدام ورئيس الحركة الإسلامية التونسية، أن كلاهما قد قاد شعبه أو أتباعه باستمرار من أزمة خانقة إلى أخرى، وأن كلاهما يزعم أنه لا يخطئ إنما الجرم كله يقع على العدو الداخلي أو الخارجي المتآمر عليهما دائما، وما على الشعب أو الأتباع إلا الصبر على الابتلاء، أما الحساب فمؤجل إلى يوم اللقاء، وأما هذا المقال فقد كتب تنفيذا لأمر مخابراتي أمريكي وصهيوني يرى في الرجلين العدو الأكبر.
* كاتب تونسي  
(المصدر:موقع إيلاف بتاريخ 1.جانفي 2006)

كبير في حياته.. كبير في شهادته

عبد الباري عطوان

 

هذا الاهتمام العربي والعالمي غير المسبوق باعدام الرئيس العراقي صدام حسين، والطريقة الوحشية التي تم بها، يؤكدان اهمية الرجل، ومكانته البارزة، ودوره المتميز في تاريخ المنطقة العربية.

الادارة الامريكية وادواتها في العراق الذين خططوا بعناية لهذا الحدث، من خلال خبراء في الاعلام والعلاقات العامة وتوجهات الرأي العام، لم يتوقعوا مثل هذه النتيجة العكسية تماما، وفوجئوا بها وبالآثار المدمرة التي يمكن ان تترتب عليها فيما هو قادم من الايام.

صدام حسين تقدم الي منصة الاعدام كالجبل الاشم، رافع الرأس، ممشوق القوام، مترفعاً عن الصغائر والصغار، مؤمناً بعقيدته وعروبته، مردداً شعارات العزة والكرامة، بعد ان عزز ايمانه، واكد عليه بترديد آيات من القرآن الكريم والشهادتين، سيحسده كل الزعماء العرب، الاحياء منهم والاموات، علي هذه الشهادة المشرفة، وهذه المحبة العارمة في اوساط مئات الملايين من العرب والمسلمين في مختلف انحاء المعمورة.

صدام حسين كان الزعيم الوحيد في تاريخ هذه الامة الحديث الذي ذهب الي المقصلة لانه وطني رفض الاحتلال والاستسلام للغزو، واختار المقاومة، ولم يسبقه الي هذا الشرف الا رجال من امثال عمر المختار ويوسف العظمة، تشرفت الامة وتاريخها بنضالاتهم، وحفظتها لهم في سجلات العزة والكرامة.

سارعوا باعدامه لانهم كانوا يخافونه حتي وهو خلف القضبان، مثلما سيظلون يخشونه وهو جثة تتواري بين حنايا تراب الوطن، فالمقارنات بين زمانه وزمانهم الدموي الفوضوي جاءت دائما لصالحه، والمطالبات بعودته لانقاذ العراق من محنته والزمرة الفاسدة الحاقدة التي تحكمه باتت تصم آذان الاحتلال والمتواطئين معه.

احرجهم وقزمهم بوقوفه كالرمح في قفص الاتهام، وارعبتهم نظرات عينيه الثاقبة، وفضحتهم وطنيته وعروبته وترفعه علي التقسيمات الطائفية الكريهة التي زرعوها في عراقهم الجديد الموبوء، فقرروا التخلص منه في عجالة مربكة ومرتبكة.

شكراً لتكنولوجيا الهاتف النقال التي مكنتنا من التعرف علي الوجه البشع للطائفية البغيضة الحاكمة في عراق امريكا ، فهذا الشريط، فضح حكومة المنطقة الخضراء، ونسف كل مخططات الرقابة والتزييف لخبراء المخابرات الامريكية وعملائهم، وقدم لنا الحقيقة عارية، دون ان يقصد صاحبه.

كان مصيباً عندما التفت اليهم وقال هل هذه هي مراجلكم؟ عندما كانوا يوجهون اليه الاهانات وهو يتقدم الي حبل المشنقة برحابة صدر وعزة نفس، مردداً القول الكريم واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً .

فهل من الرجولة الهتاف بشعارات طائفية بغيضة امام رجل، لم يكن طائفياً في اي يوم من الايام، وحبل المشنقة يلتف حول عنقه، وستذهب روحه الي خالقها بعد ثوان معدودة؟

هل هذه هي اخلاق الاسلام السمحاء، وهل هذه من قيم العروبة والشهامة والاباء، وهل هؤلاء هم ابناء العراق العظيم الذي وقف دائماً في وجه الغزاة علي مر التاريخ وكان سنداً لأمته وقضايا العدل في العالم بأسره؟

نأسف، ولكن لا نفاجأ، لأن بعض الحكومات العربية احتجت فقط لأن الاعدام جري تنفيذه يوم عيد الاضحي المبارك، وكأن اعدام هذا الرجل الرجل جائز ومبارك في اي يوم آخر. نأسف مرة اخري لأن معظم الزعماء العرب تواروا في قصورهم ولم يجرؤ اي منهم علي النطق بكلمة احتجاج واحدة خوفاً من امريكا.

 

لقد طْعنّا مرتين، في الاولي عندما شاهدنا زعيماً عربياً يساق الي منصة الاعدام وفق عدالة طائفية حاقدة وثأرية، وفي المرة الثانية عندما لم نشاهد احداً يعترض علي اعدامه من نادي الزعماء الذي انتمي اليه لأكثر من ثلاثين عاماً.

لعل الله أراد له خاتمة طيبة، وذكراً حسناً، عندما اوعز لاحدهم تسجيل ما أرادت امريكا وحكومة الطوائف اخفاءه، من خلال شريط فيديو اللحظات الاخيرة، الذي احدث نقطة تحول تاريخية ربما ستشكل تاريخ المنطقة، وطبيعة الاحداث فيها لعقود قادمة.

لعل الله أراد ان يكشف مسلسل اكاذيب موفق الربيعي مستشار الأمن القومي في حكومة الاحتلال (أين هو هذا الأمن؟)، الذي خرج الي العالم مردداً انه، اي الرئيس صدام، كان ضعيفاً منهاراً وهو في طريقه الي ملاقاة ربه، فيأتي الشريط ليقدم لنا بالصوت والصورة اننا امام اسد شجاع، يرفض ارتداء قناع، مثلما يرفض اخذ حبوب مهدئة عرضوها عليه، ولماذا القناع، ولماذا الحبوب، فالقناع للخونة والمجرمين الذين يخجلون من خيانتهم او جرائمهم، والحبوب المهدئة تصلح لمن لا يستطيع مواجهة التاريخ من سوء افعاله.

الادارة الامريكية ارتكبت خطأ قاتلاً وكشفت عن حماقة كبري تضاف الي حماقاتها الكثيرة في العراق عندما اعدمت هذا الرجل، بطريقة ستدفع ثمنها غالياً في المستقبل القريب. فبقاؤه كان سيفيدها اكثر بكثير من اعدامه لو كانوا يفهمون السياسة كما يجب، لأنه يمكن ان يكون ورقة لتهديد الطائفيين وابقائهم خدماً لها ولمخططاتها، مثلما يمكن ان يكون ورقة مساومة للتهدئة مع المقاومة والقطاع العراقي العريض الذي يؤيدها. ولكنهم لا يعرفون غير الاحقاد، ولا يريدون غير الحاق المزيد من الاذلال بالعرب والمسلمين باعدامه.

ربما تكون الادارة الامريكية نجحت في امر واحد فقط، بعلم وتخطيط او بدونهما، وهو تعميق الشرخ الطائفي ليس في العراق فقط وانما في العالم الاسلامي بأسره، ولم يكن من قبيل الصدفة ان يوقع نوري المالكي قرار تنفيذ الاعدام، ولم يكن من قبيل الصدفة ايضا ان توكل مهمة التنفيذ للحاقدين الطائفيين مثلما شاهدنا في شريط الفيديو. فقد اختفي الطالباني، او هرب، ومعه كل من شاركوا في مشروع الاحتلال الامريكي وقدموا له الغطاء الشرعي، من الطائفة الاخري.

هذا الاعدام سيوجه ضربة قوية لكل جهود المصالحة الوطنية، وسيؤدي الي تصعيد الهجمات ضد القوات الامريكية والمتعاونين معها، وسيصب المزيد من الزيت علي نيران الحرب الاهلية المشتعلة اصلا. من نفذوا حكم الاعدام لا يريدون المصالحة، وبقاء العراق موحدا. بل يعملون لنسفها، فالتسامح، والغفران، وسعة الصدر، هي صفات اساسية غير متوفرة في هؤلاء.

صدام له سلبيات وايجابيات، ولكنه لم يقتل بسبب سلبياته، وانما بسبب ايجابياته، وايجابياته هي ايمانه بالوحدة العربية، والتصدي لاعداء الامة، وبناء قاعدة صناعية وتعليمية غير مسبوقة وتحدي امريكا، واختار المقاومة ورفض المنافي الآمنة المرفهة.

لعنة صدام ستظل تطاردهم، تطارد الامريكان، وتطارد جلاديه من الطائفيين الحاقدين، ومثلما خرجت القاعدة من رحم الغطرسة الاسرائيلية في لبنان، والعجرفة الامريكية في العراق، فان قاعدة صدام قد تخرج من رحم عملية الاعدام المهينة.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 2 جانفي 2006)


سأرثيك  /بلى إني أحييك

(هي  هاي المرجله)  لأنت العراق شموخا  كنخل الفرات تقف  رجع صدى الرشيد أنت دم الحسين أنت يعود يحني الأرض  فلا تجف عطر الرجولة منك يزحف نحوهم يمتصهم قزما فقزما إني أراهم يتجمعون تحت نعالك أرى الجبن في أعماقهم يرتجف وأراك ترتفع  هناك تبكيك عشقا كربلاء وترثي رجولتك النجف كان بينك والمنية حبل حقد وخساسه وقتلتهم برباطة جأشك وأنت تكشف جبنهم وأنت تسألهم بفخر وأنت تلقي المسأله (هي  هاي المرجله) من أين سيدي يا حسين العصر من أين تأتي هولاء( المرجله) وهم الحثالة في العمالة هم حصاد المهزله من أين سيدي يا سيدا في موته ياسليل (المرجله) من أين تأتي لهؤلاء رجولة وهاماتهم  مطية للأمركه وهم النّعاج  على الرجال ونعامة في المعركه إرحل لربّك شامخا عسى هناك المغفره وأمض شموخا عاليا مترفعا أنت الشموخ وقاتليك أبا العراق بقية  معفنه غدا ستلقى بمزبله    

جمال الدين أحمد الفرحاوي 01/جانفي/2007

 


 

مجلس عزاء وصلاة غائب وطائرة امريكية نقلت جثمانه

« الشهيد القائد » لقب صدام الجديد بعد دفنه في مسقط رأسه

 

بغداد ـ القدس العربي :لم يمنع حظر التجوال الذي فرضته القوات الامريكية في تكريت من اقامة مجلس عزاء كبير للرئيس الراحل صدام حسين في قلب المدينة وفي مسجدها الكبير الذي انشأه صدام حيث توجه اليه مئات الناس الذين بدأوا يسمونه (الشهيد القائد )، بينما اقيمت صلاة الغائب علي روحه في عدد من مدن العراق وفي تكريت بشكل خاص.

وبعد ان دفن صدام فجر الاحد في مسقط رأسه بقرية العوجة بتكريت فانه قد صدقت مقولته التي اعلنها قبل الحرب علي العراق خلال لقائه بصحافي امريكي كبير حين قال له الصحافي هل ستخرج من العراق اذا طلبوا منك ذلك؟ اجاب صدام.. ولدت وعشت واموت وادفن في العراق وهكذا صدقت مقولته وربما نبوءته حين دفن جثمان صدام الساعة الرابعة من فجر الاحد في قاعة كبري كان قد انشأها خلال رئاسته في منطقة العوجة مسقط رأسه بتكريت وهي عبارة عن حديقة كان صدام بناها في بداية التسعينيات من القرن الماضي علي أرض للعائلة ولم تكن بها اية مقبرة، وبعدها بساعات اقام عدد من افراد عشيرته مجلس عزاء له توجه اليه المئات من اهالي تكريت دون ان تمنع القوات الامريكية او العراقية الناس من التوجه الي مكان الدفن رغم منع التجول في محافظة تكريت.

ودفن جثمان صدام بعد نحو 20 ساعة من اعدامه حيث قال احد المسؤولين العراقيين لـ القدس العربي ان طائرة مروحية امريكية للنقل جاءت بجثمان صدام الي قاعدة امريكية قرب العوجة وهي تتخذ احد قصوره مقرا لها ومنها تم نقل الجثمان تحت سرية كبيرة وقوات امريكية مدرعة بسيارة الي مكان الدفن، واحيطت المنطقة بقوات امريكية كبيرة دون ان يشاهد الناس وجود قوات عراقية، وان عملية الدفن تمت بصورة شرعية حيث قام رجل دين سني بالاجراءات المتبعة ووري جثمانه الثري وان رجل الدين نقل بعد الدفن بسرعة كبيرة دون ان يتعرف عليه احد.

ورغم ان هناك محاولة لاخفاء مكان القبر الا ان كثيراً من اهالي تكريت تداولوا اخبار المكان الذي بات معروفا بعد ساعات من دفنه، فيما كان المئات قد صلوا صلاة الغائب علي صدام في مساجد في تكريت والموصل وبغداد والرمادي ودعوا له ووصفوه بالشهيد القائد، ويبدو ان هذه التسمية ربما ستحل بديلا عن الرئيس القائد التي كان يرددها انصاره دائما.

وقالت مصادر من تكريت وبغداد ان هناك اشخصا يخططون لاقامة نصب او علامة مميزة للضريح الذي ربما سيكون مزارا لانصاره، لكن القوات الامريكية علي ما يبدو ستتخذ اجراءات امنية واسعة لمنع ذلك خوفا من ان يتحول المكان الي قاعدة للبعثيين وانصار صدام، وقالت المصادر ان بعض اقارب صدام جلسوا لتلقي التعازي فيه في مجلس العزاء بينما اصبحت تكريت عبارة عن قطعة من الحزن علي صدام.

ومنذ دفن صدام اصبح علي الندا شيخ عشيرة البو ناصر وهي العشيرة التي ينتمي اليها صدام عنوانا للكثير من المعزين، لكن عملية الاعدام والدفن وما تلاهما من تداعيات لم تغطها الصحف العراقية خاصة بعد ان توقفت عن الصدور منذ الجمعة الماضية وحتي الاحد وسيستمر اغلاقها بسبب العيد وعطلة رأس السنة حتي نهاية الاسبوع الجاري، مما سيجعل الصحافيين العراقيين في منأي من الخوف والحذر من ان يتم استهدافهم اذا ما كتبوا او تناولوا قضية اعدام صدام، حيث ان اغلب الصحف العراقية تبدو موالية للحكومة عدا بعض الصحف التي تساند المقاومة وتعبر عن خطابها.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 2 جانفي 2006)


الحلف الأطلسي أمام تحدي استعادة «طالبان» زمام المبادرة في أفغانستان

توفيق المديني 
يجمع المحللون العسكريون  الغربيون المتابعون للشأن الأفغاني على أن معاودة  المعارك في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، تكشف عن « عرقنة » للوضع الأفغاني ، باتت واضحة أكثر فأكثر.  وكادت قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان ، أن تفقد السيطرة ،بعد الانتفاضة التي اندلعت في العاصمة كابول في شهر أيار/مايو الماضي ، المدينة التي تعتبرها حصنا منيعا. فقد  أظهرت تلك الأحداث عجز حكومة الرئيس الأفغاني حميد قرضاي ومعها القوات المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة، عن إحكام السيطرة على كابول، المفترض أنها المنطقة الأكثر أمانا في افغانستان، وكشفت أن حجم الاستياء الشعبي من الاحتلال اكبر بكثير مما كان متصورا.
و تظهر المعارك التي تدور رحاها في أفغانستان منذ الشتاء الماضي ، أنه بعد أربع سنوات و نصف من سقوط نظام « الطالبان  » في كابول بفعل القصف الجوي الأمريكي وهجوم   تحالف الشمال على العاصمة ،   لا تزال حركة « طالبان »تمتلك القدرة العسكرية  على إلحاق الأذى بالقوات المتعددة الجنسيات .فبعد مرور  شهر من إحكام السيطرة على المنطقة الجنوبية لأفغانستان  فوجىء الحلف الأطلسي في الخريف  « بالهجوم العسكري التي تخوضه طالبان في مقاطعة غرمسار في ولاية هلمند،  » النادر في شراسته  .و هو أقوى بما لايقاس  مقارنة مع المعارك  الدائرة في العراق « . فهذه المقاطعة سيطرت عليها حركة طالبان في تموز الماضي ، ثم تم استردادها من قبل 1000 جندي أمريكي ، و بريطاني و كندي، بعد أن ساندهم في ذلك الطيران الأفغاني.
ولا تزال عملية « ميدوسا » التي أطلقها الحلف الأطلسي في جنوب غرب أفغانستان لطرد طالبان من ولاية قندهار ، و التي يدعي فيها أنه كبد قوات طالبان خسائر كبيرة تثير استياءا واسعا في صفوف السكان الأفغان.فهذه العملية كانت سيئة بكل المقاييس. فإذا كان 40% من السكان متعاطفين مع الحكومة و الأطلسي  قبل العملية ‘ فإنه في الوقت الحاضر  الكل أصبح ضدهم، بسبب ما تقترفه قوات الأطلسي من تدمير للمنازل و المزارع ،ومن قتل للنساء والأطفال. فالسكان لا يحبو ن طالبان ، لكنهم في الوقت عينه لا يحبون الحكومة و قوات الأطلسي . و هم يخافون من الجهتين .كما أن قوات الأطلسي تخاف من السكان جراء العمليات الانتحارية ، و بالمقابل يخاف السكان من التحدث لقوات الأطلسي تحسبا من عقاب طالبان.
وكانت العملية الأساسية التي وقفت أمامها قمة الحلف الأطلسي التي انعقدت يومي 28 و29 نوفمبر/ تشرين الثاني، في « ريغا » عاصمة « لاتفيا »الدولة السوفييتية السابقة التي استقلت سنة 1991 ،هي عملية فرض الاستقرار في أفغانستان، إذ اعتبرها العديد من أقطاب الحلف، أنها العملية الأكبر على جدول أعماله، بل الأكثر وطأة على مستوى الرهانات، لذا تمت مناقشة وضعها، ضمن أفق كيفية تعزيز موقف قوات الحلف هناك. ويقدر الخبراء العسكريون أن هناك نقصا يقدر بنحو عشرين في المئة في القوات الضرورية في جنوب أفغانستان لمواجهة هجمات « حركة طالبان »، حيث كان المطلوب من الدول الأعضاء في الحلف المساهمة بـ2500 جندي إضافي الى جانب رفع الدول الأعضاء القيود التي تفرضها على إرسال قواتها إلى مناطق في أفغانستان لا تنتشر فيها.
ويعزو المحللون الغربيون معاودة اندلاع العمليات العسكرية من جانب حركة طالبان لعدة عوامل:
1-إن النجاحات السياسية المسجلة في كابول لم تترجم على الميدان، في ظل تعمق اتساع الهوة بين الأجندة السياسية التي وضعت في عام 2001 عقب مؤتمر برلين  و الإصلاحات المرجو تحقيقها.فالرئيس الأفغاني حميد قرضاي الذي انتخبه الأفغان بنحو 55%، و لقي مساندة من الخارج ، أخفق  في بناء فريق وزاري  و إدارة يتمتعان   بالكفاءة و الفعالية و الصدقية .فالغرب ، يساند في أفغانستان ،سلطة متهمة بالفساد والمحسوبيّة اللذين اتسمت بهما حكومة قرضاي حتى الآن ، بل هي مرتبطة بتجارة المخدرات. 2-   إن الوعود الغربية ، لا سيما من جانب واشنطن،  التي وعدت بها الحكومة الأفغانية الجديدة ، ظلت حبرا على الورق.فالمجتمع الدولي يتحمل مسؤوليته في تردي الأوضاع في أفغانستان ، مادامت  الجهود التي وافق  عليها لم تكن في مستوى احتياجات بلد دمرته سبع وعشرين سنة من الحروب المستمرة. فالغرب عجز عن توفير الأدوات الأمنيّة اللازمة التي تتطلّبها حكومة حميد قرضاي .وبدوره، انعكس التردّي هذا إبطاءً لبرامج التنمية في أفغانستان،  إذ يموت ربع الأطفال قبل أن يبلغوا الخامسة. واستطراداً، بقيت الحكومة المركزيّة غائبة عن معظم البلد، فيما أمسك بالزمام خليط من أمراء حرب وميليشيات وعصابات جريمة، أكثرها موصول بطرق إمداد الأفيون وتوزيعه.  3-إن الولايات المتحدة الأمريكية  ارتكبت في أفغانستان  الأخطاء عينها التي ارتكبتها في العراق: استراتيجية مخصصة بالكامل « للحرب ضد الإرهاب » بدلا من إعادة الإعمار، فضلا عن  موقف فظ من جانب جيشها: الاعتقالات التعسفية، و التعذيب المبرح للمساجين  ، و إهانتهم ، فضلا عن الجهل أو الاحتقار للثقافة  المحلية. و يضاف إلى ذلك أن الجيش الأفغاني الذي تلقى تدريبات من قبل الخبراء العسكريين الأمريكيين والفرنسيين ، لا يزال متهيبا من شن عمليات عسكرية خارج   حدود العاصمة كابول. 4- إن باكستان التي أسهمت في « نشاة » حركة طالبان ، لم تفعل الكثير من أجل وضع حدلنشاط الطالبانيين على أراضيها.وهكذا آلت السلطة الفعليّة في بضع مناطق حدوديّة الى « طالبان » أنفسهم، فيما ظلّت مساهمة الجيش الباكستانيّ في مطاردتهم ضعيفة محدودة. ففضلاً عن عواطف الأجهزة الباكستانيّة المعروفة، والروابط الباشتونيّة العابرة الحدود، تردّد الرئيس برويز مشرّف، ويتردّد، في الظهور بمظهر « رجل واشنطن » بينما الحركات الأصوليّة تتزايد قوّةً ونفوذاً في بلده.
و على الرغم من تأكيد إدارة الرئيس بوش  رغبتها في إنجاح  السيد حميد قرضاي ، فإن وزارة الدفاع الأمريكية لم تعمل فقط على منع توسيع  « قوّات المعونة الأمنيّة الدوليّة » ISAF التي ستتولى أمن المناطق الجنوبيّة المضطربة، ومن بعدها المناطق الشرقيّة، من القوّات الأميركيّة، وهو يعني أن « قوّات المعونة… » التي تشارك فيها 36 دولة، بقيادة « الناتو »، ستضاعف عدد جنودها ليصل الى 18 ألف جندي، فيما يتقلّص، في المقابل، عدد الجنود الأميركيين من 19 ألفاً الى 16500 جندي، بل دكت النظام  الجديد من خلال التمويل و التسليح لأمراء الحرب من جميع الأنواع القادرين   اليوم  على مقاومة السلطة المركزية. ففي جلال أباد وغارديز حيث المليشيات المحلية تتنازع السيطرة، مازال البنتاغون  يدعم المعارضين للسيد قرضاي.
لكسب الحرب في أفغانستان ، و تعزيز السلطة المركزية في كابول ، على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخصص كل طاقتها وامكاناتنها المالية  لقيادة أفقر مجتمعات العالم  على طريق إعادة الإعمار الاقتصادي، و إيقاف  الاتجار بالمخدرات  التي تشهد ازدهارا اليوم ، وزيادة المساعدات الاقتصادية ،بوصفها أمرا ضروريا إضافة إلى توسيع قوة حفظ السلام الدولية.  إن التدخل العسكري الأمريكي  المباشر  في الحرب ، لن يزيد سوى الكراهية من جانب الشعب الأفغاني للولايات المتحدة الأمريكية ، التي تتسبب بها سياستها المتغطرسة و الرعناء، وتزيل أي تعاطف مع أمريكا نشا عن أبعاد « طالبان  » من السلطة، كما يعزز قوة الحركات الإسلامية الجهادية و المتطرفة  في باكستان و أفغانستان، أمثال تنظيم القاعدة إلى تنظيم قلب الدين حكمتيار ، الذين هم  أول من سهل وصول « طالبان  » إلى السلطة ، و هم الآن يسهلون عودتها على خشبة المسرح السياسي الأفغاني بوصفها القوة السياسية الرئيسة المقاتلة للوجود الأمريكي في أفغانستان. 
المحللون المتخصصون في أفغانستان يرون ان هناك تعاونا قائما بين ضبّاط الاستخبارات العسكريّة الباكستانيّة ISI مع الطالبانيّين. فهم، منذ البدايات الأولى مطالع التسعينات، دعموهم كي يكونوا « الاحتياط الاستراتيجي » لباكستان في حال نزاعها مع الهند أو إيران، فحين أطيحت سلطتهم في كابول اعتبروا ذلك « خسارة » لباكستان نفسها، خصوصاً أن قوّات التحالف ستغادر البلد عاجلاً أم آجلاً، وعليهم أن يتدبّروا أمورهم مع جيرانهم « الثابتين » بما يخدم « مصالحهم الاستراتيجيّة ». ويجد الباكستانيّون ما يشجّعهم  على صرف النظر عن معاودة تجدد القتال ضد الأمريكيين الذي تقوده في المرحلة الراهنة حركة « طالبان »، لسببين رئيسيين : أولا، الاتفاق النووي الأمريكي – الهندي ، و الثاني ،الافتراض القائل إن التزام « الناتو » بأفغانستان مؤقّت. لكن حربي افغانستان والعراق اوضحتا عمليا حدود القدرة الاميركية على الاحتكار والقيام بدور رجل الشرطة العالمي، من هنا تزايد التركيز الاميركي يوما بعد يوم على حلف شمال الاطلسي.فبعد الخطر الإسلامي الذي تم اختراعه ، أصبح الخوف هو الاسمنت المضمون لتماسك حلف لم يحتج طوال الحرب الباردة الى اطلاق رصاصة واحدة، لكنه الآن متورط في عمليات قتالية للمرة الاولى وخارج حدوده الجغرافية الاصلية. كاتب تونسي.

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 2 جانفي 2006)

 


 
المفكر والباحث السوري.. الدكتور عبدالله التركماني في حوار لـ الشرق: اليسار العربي فشل لأنه تحرك ضمن إشكالية السلطة ولم يراهن على المجتمع

| تاريخ النشر:الاثني ,1 يَنَايِر 2007 11:43 ب.م .

الخوف على الهوية في زمن العولمة من أسباب صعود التيار الإسلامي في العالم العربي

موقف اليسار من الصراع العربي- الإسرائيلي وتبعيته للموقف السوفيتي من أسباب نخبويته لابد من البحث عن نقاط الالتقاء بين الإسلاميين وباقي التيارات لبناء جبهة المجتمع المدني لم أتبرأ من الماركسية كمنهج علمي.. ولكن تخلصت من الآثار المدمرة التي رافقت مسيرتها

تونس- الشرق : منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، شهد اليسار العربي عودة للمشهد السياسي، بدا بعضه مغايرا لفترة الستينيات والسبعينيات من القرن المنقضي.. غير أن قسما كبيرا من الأحزاب اليسارية، وجدت نفسها عاجزة عن الانخراط في الاستحقاقات السياسية والاقتصادية الجديدة لمجتمعاتها.. فلماذا فشل اليسار في فهم الواقع العربي بتحولاته المتسارعة؟ هل يعود الأمر لأسباب تنظيمية أم إيديولوجية أم بنيوية؟ ولماذا لم يستفد اليسار العربي من المراجعات التي تمت للفكر الماركسي في الحقل الأوروبي، بما جعله مثمرا وحركيا؟ وما هي شروط استئناف اليسار العربي لدوره في المشهد السياسي العربي الراهن؟ هذه الأسئلة وغيرها، حملناها إلى الباحث والمفكر السوري المقيم في تونس، الدكتور عبدالله التركماني، الذي كان أصدر قبل فترة كتابه حول « الأحزاب الشيوعية في المشرق العربي والمسألة القومية: من العشرينيات إلى حرب الخليج الثانية ».. وهو المؤلف الذي يعدّ أحد الكتب النادرة التي تعاطت نقديا مع هذه الأحزاب، وتوقفت عند عوائقها، والاتجاهات التي مضت في سياق التجديد والتطوير.. وفي هذا الحوار، يفكك الدكتور التركماني، مآزق اليسار العربي، ويقدم « وصفة علاجية » ليسار جديد، كما يدلي بدلوه ـ كمفكر يساري ـ في المخاض الدائر حاليا في العالم العربي حول موضوع إشراك الإسلاميين في اللعبة الديمقراطية، ويتحدث عن صعود التيار الأصولي للمشهد السياسي العربي.. وفيما يلي نص الحوار الذي خص به  » الشرق  » من بيته بالعاصمة التونسية… الـيـسـار.. يـسـارات.. ü لديكم كتاب حول الحركة الشيوعية في الوطن العربي. كيف تقيمون هذه الحركة على امتداد العقود الخمسة الماضية، خصوصا في ضوء بروز مقاربات لتيارات يسارية بفكر وفاقي جديد؟ – اليسار يختلف من قطر عربي لآخر بل يتنوع داخل حدود القطر الواحد، وهناك ملاحظتان يمكن الإشارة إليهما في هذا السياق: أولاهما، الإقرار بخصوصية كل حالة وصعوبة التعميم من حالة إلى أخرى، والتحفظ على اعتبار حالة بذاتها بمثابة نموذج لبقية دول المنطقة أو قواها السياسية.. وثانيتها، بعيدا عن التبسيط الذي يجتاح عقول وأقلام الكثيرين في غمرة التغيّرات العاصفة في عالم ما بعد نهاية « الحرب الباردة »، أعتقد أنّ التعامل مع « أزمة الماركسية » و »إخفاق الاشتراكية » و »فشل الأحزاب الشيوعية العربية » يحتاج إلى حوار عميق ينقذ المعرفة العلمية من توظيف إيديولوجي الرأسمالية المتوحشة، ويبرز الدور النقدي للمثقفين العضويين المرتبطين بقضايا شعوبهم ومستقبلها. وعلى هذا الأساس، فإني لم أسعَ إلى التبرؤ من الماركسية، باعتبارها منهجاً نقدياً، وإنما سعيت إلى التخلص من كل الآثار المدمرة التي رافقت مسيرتها، حين اعتُبرت سياجاً دوغمائياً مغلقاً. بكلام آخر، ما زلت أدعو إلى الاهتمام بالماركسية وبكل النظريات التي جاءت بعدها، وحتى التي ناقضتها في فترة الولادة، انطلاقا من موقف علمي وسياسي وواقعي في آن واحد… إشـكاليات أسـاسيـة… ü في تقديركم، ما هي أبرز إشكاليات الأحزاب الشيوعية في العام العربي؟ – يبدو واضحا من توصيفنا وتحليلنا لأهم إشكاليات الأحزاب الشيوعية في المشرق العربي، أنّ أزمة هذه الأحزاب ليست وليدة التغيّرات في الاتحاد السوفيتي فحسب، بل هي ذات أساس بنيوي وتكويني، تعود إلى مجموعة عوامل: 1- إنّ هذه الأحزاب لم تساهم في تأسيس مدرسة عربية للفكر الماركسي لتحليل واقعنا العربي المعقد، ليس في بنيته الاقتصادية- الاجتماعية وحسب، بل وبشكل خاص، في الجذور التاريخية لتكوّنه، وفي حالة التفكك والترابط بين أجزائه المبعثرة، المتفاوتة في نموها، التي يخضع لها تطوره… 2- إنّ كونية الماركسية، والتي تتجلى من خلال القوانين الموضوعية التي تحكم تطور المجتمعات البشرية، لم تجرِ برهنتها بشكل كافٍ ومتميّز وملموس، في ممارسة هذه الأحزاب، سواء في مجال التحليل لواقعنا، أو في تحديد خط السير لتطور مجتمعاتنا، أو في التجديد المتواصل للبرامج السياسية لهذه الأحزاب.. 3- عدم قدرتها على استنهاض قوى التغيير الاجتماعي، بسبب افتقارها- أساسا- إلى مشروع بناء « الدولة الوطنية الحديثة »، كما أنها لم تحدد العلاقة الجدلية بين القومي العربي العام والوطني- القطري الخاص.. 4- في الميدان التنظيمي، لم تدرك أنّ التنظيم هو شكل التوسط بين النظرية والممارسة، بين الهدف النهائي والحركة، بل نظرت إليه باعتباره مسألة تقنية صرفه.. إنّ الأحزاب الشيوعية كانت هامشية التأثير على الدولة والمجتمع في أقطارها، لذا فقد تعرضت لعملية تفكك ذاتي وانقسامات وعزلة عن شعوبها. وبالرغم من كل ذلك، فإنها لم تكن خالية من بعض التأثير في الحياة الفكرية والاجتماعية العربية، خاصة أنها ساهمت في انفتاح الوعي العربي المعاصر على القضايا الاقتصادية والاجتماعية.. ومما لاشك فيه أنّ بعض هذه الأحزاب قدم مقاربات جديدة، فمثلا قاد الأستاذ رياض الترك، أحد أهم رموز الحزب الشيوعي السوري، أكبر حملة تجديد داخل الحركة الشيوعية العربية، وقد ساهمت أطروحات حزبه ( اتخذ لنفسه اسم حزب الشعب الديمقراطي السوري في مؤتمره السادس الذي عُقد في ربيع العام 2005 ) مساهمة أساسية في تطوير الفكر السياسي العربي المعاصر. وإذا أردت الدقة فإنّ الوعي السياسي السوري المعاصر لم يتجه- بعمق- نحو خيار التحويل الديمقراطي للسلطة والمجتمع إلا بعد أن قدم الحزب منظورات المؤتمر الخامس في أواخر العام 1978. وتكمن أهمية مقاربة هذا التيار، على الخصوص، في أنه استوعب المستوى السياسي الديمقراطي لليبرالية في إطار ماركسيته النقدية الجديدة، وفي برنامجه السياسي الذي تنبه إلى أهمية الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان لتقدم المجتمع السوري.. فشل اليسار.. لماذا؟ ü لماذا فشلت حركة اليسار العربي في التحول إلى حركة شعبية، ومن ثم إلى حزب يحكم في أحد البلاد العربية؟ – بداية، يجدر بي أن أوضح أنّ حركة اليسار العربي مصطلح أشمل من الأحزاب الشيوعية العربية، وعندما نتحدث عن « الفشل » فذلك تعميم مخل، إذ أنّ بعض هذه الأحزاب كان في صلب الحركة الشعبية خلال مراحل تاريخية معينة (السودان والعراق).. أما لماذا فشل اليسار العربي في التحول إلى حركة شعبية فاعلة، فيمكنني القول إنّ رصيد التجربة السياسية المتكون لدى أغلب فصائل هذا اليسار، تشير إلى أنها ظلت محكومة ـ في وعيها وفي تجربتها ـ بالتحرك ضمن مدار إشكالية مركزية، هي إشكالية السلطة.. لقد غابت تماما إشكالية المجتمع عن رهانات التغيير لدى قوى هذه الحركة، وانصب كل تفكيرها وجهدها على البحث في كيفية بلوغ الهدف المركزي: استلام سلطة الدولة، أو المشاركة فيها. وفي كل الأحوال، اتجهت إلى الانفصال عن الموقع الذي يضمن لها سلطتها: المجتمع المدني، لتنضم ـ حثيثا ـ إلى مجتمع النخبة- السلطة… كما أنّ ما لم تدركه حركة اليسار العربي أنّ عالمنا السياسي كان، وما يزال، حكرا على الطبقات البينية/ الوسطى. وليس لدينا عالم سياسي خاص بالطبقة العاملة، أو بطبقة الفلاحين، أو البورجوازية، هذا هو الجوهر الحقيقي للأزمة الكبرى لمجتمعاتنا العربية. وما لم تدركه أيضا، أنّ الطبقة العاملة العربية لا يمكن أن تكون في مستوى المهام التاريخية التي حددتها الطبقة العاملة الأوروبية لنفسها… ثم إنّ أحزاب اليسار العربي، أخطأت خطأ كبيرا حين بنت نفسها على صورة الحزب اللينيني، ذي الانضباط شبه العسكري، ومن ثم فإنها لم تدرك أهمية الديمقراطية داخل تنظيماتها، خاصة ما يتعلق بتعدد وتفاعل الآراء المختلفة، بل على العكس أدى هذا النمط التنظيمي إلى إبعاد كل العناصر التي تحمل رأياً متعارضاً مع رأي القيادة. ويضاف إلى ذلك، أنها انتشرت في بيئة  » أقلوية « ( في البداية أقليات غير إسلامية ثم أقليات غير عربية )، عكست مزاجاً أقلوياً ميّالاً نحو النزعتين الطبقوية والأممية، مما لم يساعد هذه الأحزاب على إعادة توليد الطابع القومي للماركسية في العالم العربي. إنّ هذه الأحزاب عجزت عن إنتاج فكر نظري ماركسي عربي لأسباب عديدة… أسـبـاب رئـيسـية… ü مـــا هــي أبــرز هـذه الأسـبــــــاب؟ – الأسباب عديدة، لكن من أهمها: 1- الوقوع في وهم الأساطير والشعارات الإيديولوجية، وغلبة نزعة القياس التاريخي على واقع مغاير.. 2- تحوّلُ الأساطير المُنْتَجَة إلى مُدركات وحقائق، لدى حلقات منعزلة، حيث تُحَوِّلُ الواقع، بكل مستوياته وتعقيداته، إلى مجرد بيان سياسي… 3- انقطاعها عن تراث المفكرين النهضويين العرب، وانسلاخها عن مسار حركة التنوير العربية جعلها مرتهنة للإيديولوجية الماركسية- اللينينية- السوفيتية، مما حال دون بروز إسهاماتها في إعادة إنتاج الماركسية عربيا… لقد كانت هذه الأحزاب، بصورة عامة ومتفاوتة بين قطر وآخر وبين فترة وأخرى، أسيرة كونية سياسية، أضعفت هويتها القومية وبعدها العربي- الإسلامي. وكما يحدث دائما، فالأفكار المنقولة من بيئة فكرية واجتماعية إلى بيئة أخرى لا تتمكن- بسهولة- من التحول إلى قوة فاعلة في الأحداث والتاريخ، بل إن ما يحدث- في الغالب- هو أنها تبقى طافية على السطح، منعزلة في بعض الهوامش. وهذا ما حصل بالفعل لأفكار وبرامج أغلب أحزاب اليسار العربي، لكونها لم تكن تنطق باسم الواقع الاجتماعي العربي، ولا كانت تعبيرا عن خصوصيته، بل كانت تحمل معها كل المضامين والخصوصيات لواقع آخر… إنّ الحركات اليسارية العربية، بمختلف تياراتها، أرادت حرق المراحل عبر نقل النخب العربية من الانشغال بقضايا النهضة والحداثة ومسائل التعليم والتنوير وتحرر المرأة وبناء دولة المؤسسات والقانون والتحرر من الاستعمار، إلى الانشغال بالقضايا الكبرى مباشرة وعن طريق الثورة. ولكنّ هذه الحركات، كما هو معروف، لم تنجح لا في إحداث الثورة ولا في الحفاظ على الأولويات التي طرحها الفكر النهضوي العربي، وإذا بنا نشهد انتكاسة كبيرة للقضايا والشعارات الكبرى… الماركسية.. والدين.. ü ألا تعتقدون أن التعاطي مع موضوع الدين في المجتمع العربي الإسلامي، كان أحد أهم المعوّقات التي حالت دون تطوير اليسار لخطابه ولتحقيق اختراق في المجتمع، بحيث ظل يساراً نخبويا على الرغم من رفعه الشعارات الاجتماعية ومناصرته لقضايا العمال والشغالين؟ وهل يمكن أن نتحدث عن يسار جديد غير معاد لهوية المجتمع العربي الدينية؟ – بعيدا عن التهويل الذي اعتمدته قوى رجعية عديدة في اتهام اليسار العربي بـ«الإلحاد»، فمما لاشك فيه أنّ التباس موقف اليسار العربي من الدين ودوره في المجتمعات العربية كان عاملا من العوامل التي حالت دون تحوّله إلى قوة شعبية مؤثرة، أما أسباب نخبويته فتعود إلى أسباب أعمق تتصل ببرامجه السياسية وتنظيماته المغلقة وفكره الجامد. ولعل موقفه من الصراع العربي- الإسرائيلي، وتبعيته للموقف السوفيتي، وتأييده لأنظمة الاستبداد العربية تحت شعار  » التقدمية  » تفسر أسباب عزلته ونخبويته… ü لكن هل بوسع اليسار العربي، أن يتجدد ويتجاوز عوائقه الذاتية التي أتيتم على أهمها؟ – في الواقع يمكن أن نتحدث عن يسار جديد فيما إذا أعاد التفكير بتاريخ أحزابه، وتجديد خطابه، ودمقرطة توجهاته وممارساته، وتفهم دور الإسلام في الثقافة العربية. فمثلا ورد في « إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي »، الذي أصدرته- بداية- قوى سورية يسارية في 16 أكتوبر 2005 « أن الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء، يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب. تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء… مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة « … وفي موضوعات المؤتمر السادس لـ  » حزب الشعب الديمقراطي السوري  » الذي انعقد في ربيع العام 2005، وفي سياق الحديث عن أدوات تفكير جديدة ومفتوحة، تم التأكيد على أنّ  » في التاريخ والفكر الإسلاميين زادٌ كبير وغنيّ، كان أساساً لحضارة كبرى في السابق، ويمكن أن يكون كذلك الآن، ما إن يتم الالتزام بالانفتاح والمعاصرة وفتح باب الاجتهاد والمراجعة النقدية ولزوم المصلحة العامة، التي هي من أهم مفاتيح أبواب التقدم « … وإذا كان ثمة أدوار موضوعية لليسار العربي الجديد، فأولها هو ريادة الفعل الوحدوي كوعي جديد متضامن ضد الهجمة الإمبراطورية الأمريكية بشتى أشكالها وأخطرها.. ولا شك أن ذلك التصميم على استئصال الشخصية العربية من جذورها التاريخية، وإجهاض مشروعها النهضوي لمستقبل أجيالها… أزمـة بـنـيـويـة.. ü هناك من يعتبر أن أزمة اليسار بنيوية بالأساس، تتصل بالمرجعية الفكرية والسياسية التي تشكلت تراكماتها من تجارب من خارج الفضاء العربي.. كيف ترى هذا الإشكال المنهجي؟ أم أن بعض التيارات اليسارية بدأت تتجاوز هذه المعضلة في تفكيرها؟ ü لاشك أنّ أزمة اليسار العربي بنيوية بالأساس، من حيث الفكر والمكونات الاجتماعية، كما ذكرت أعلاه، فلقد تعاطت أغلب الحركات اليسارية العربية مع مرجعيتها الفكرية، التي هي من خارج الفضاء العربي، تعاطيا نصّيا، وأفرز ذلك ذهنية مطلقة وثوقية، تحاكم الواقع بالنصوص.. باختصار، فقد عاشت غربة فعلية عن الواقع… وهكذا، فإنّ ثمة نزعتين ماركسيتين تركتا أثرا سلبيا عميقا على الحركة الشيوعية في العالم، بما فيها الأحزاب الشيوعية في العالم العربي: أولاهما، النزعة الاقتصادوية والطبقوية التي جعلتها مغالية في إيلاء العامل الاقتصادي والطبقي المكانة المركزية في تحليل الظواهر على حساب العوامل الأخرى الثقافية والحضارية والدينية، وثانيتهما نزعتها المركزية الأوروبية التي دفعتها إلى عدم إيلاء المسألة القومية في عالم الجنوب الأهمية الكافية… وقد أدت النزعة الاقتصادوية والطبقوية إلى عدم إدراك الأحزاب الشيوعية في العالم العربي لأهمية الإيديولوجيا التحديثية في مواجهة التحديات التي تطرحها المسألة القومية لأمة مُفوّتة، تعيش في غير عصرها. كما أدت إلى عدم قدرة هذه الأحزاب على صياغة مفاهيم أساسية صالحة لتحليل واقع التأخر والتبعية والتجزؤ في العالم العربي، لأنها لم توظف المنهجية الماركسية توظيفاً نهضوياً تنويرياً… وهكذا، تظهر أهمية إعادة تعريف اليسار العربي، كنقطة انطلاق منهجية، بوصفه حركة سياسية أوسع من الماركسية يضم في صفوفه كل القطاعات الاجتماعية المتضررة من الأوضاع القائمة، وتلتقي على ضرورة الحد من الآثار السلبية للرأسمالية المتوحشة لصالح مجتمعات إنسانية عادلة تحترم الإنسان وحقوقه وعمله وتؤمن بالديمقراطية. ويبدو لي أنّ الأزمة الفكرية العامة التي تجتاح الأيديولوجيات الكبرى على امتداد العالم، تدعونا إلى أن ننتمي إلى التاريخ، ونتوقف عن لعبة المرجع. عودة الفكر الاشتراكي.. ü الملاحظ خلال الأشهر القليلة الماضية، عودة الفكر الاشتراكي واليساري إلى المشهد الإقليمي والدولي، من لبنان إلى أوروبا، إلى بعض البقاع في أمريكا اللاتينية.. هل يمكن القول أن هناك  » صحوة  » يسارية اشتراكية جديدة في العالم؟ – لا تكفي بعض ظواهر عودة الاشتراكيين- الديمقراطيين إلى الحكم للقول بـ  » صحوة  » يسارية في العالم، إذ أنّ الأمر مرهون بمدى مواكبة اليسار للثورات المعرفية الكبرى التي تجاوزت الماركسية في جوانب مختلفة، فالانتقال إلى أسلوب الإنتاج الإلكتروني واقتصاد المعرفة، بما يقلص العمل الإنساني المباشر إلى حد تجميع وصيانة الآلات والمراقبة والتحكم لمنع العراقيل وإصلاح الخلل وزيادة الإنتاج، يجعل كل شيء بحاجة إلى إعادة تمحيص، خاصة احتضان كل تعبيرات الاغتراب بما فيها تلك التي تقع خارج العملية الإنتاجية، من خلال حفز القدرة الخلاقة للأفراد بكل وجه من وجوههم الفردية الخاصة غير القابلة للتنبؤ وغير المكررة… كما أنّ استعادة تراث الحركة الاشتراكية، في مرحلة ما بين الحربين، ضد النظم السياسية الفاشية والنازية في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، من أجل الحرية والديمقراطية، وكذلك التراكم النضالي للاشتراكيين ضد النظم الديكتاتورية والعسكرية في قلب أوروبا (اليونان، إسبانيا، البرتغال)، قد يساعد على إحداث « صحوة » حقيقية لتيارات يسارية في العالم. خاصة إذا ما استفادت من رصيد المراجعات النظرية والسياسية التي قامت بها الأحزاب الشيوعية في أوروبا، وطالت الكثير من الموضوعات الماركسية التي كانت موضع بداهة وتقديس، خاصة ما يتعلق منها بالمسألة الديمقراطية.. الـمـثـال الـمـغـربي… ü هناك محاولات لتوحيد اليسار في المغرب الأقصى كما في بعض البلاد العربية، فيما فشلت بعض التجارب في بلدان عربية أخرى. لماذا تفشل تيارات يسارية في عملية الائتلاف، فيما تنجح تيارات أخرى؟ – منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، شهد الحقل السياسي المغربي حركة نشطة ونقاشاً منتجاً وحركية لافتة، وما زاد في تكريس هذا التصور وتضخيمه تلك المعارك المشتركة التي خاضتها الأحزاب اليسارية التي أسست الكتلة الديمقراطية وتوجتها بمجموعة من مذكرات المطالبة بالإصلاحات السياسية والدستورية، وأيضا النضالات التي خاضتها نقابتا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين في المغرب. إضافة إلى تخوف الفاعلين اليساريين من حدوث ردة في الحياة السياسية المغربية إذا لم تتكتل تيارات اليسار الديمقراطي في قطب واحد يقود المشروع الحداثي المغربي والإصلاح المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي ومشروع ترسيخ الديمقراطية وتعزيز دولة الحق والقانون وتحقيق مغرب الحريات والتسامح والمساواة والعدالة الاجتماعية. وكثيرا ما دعا قادة التيارات اليسارية المغربية للإسراع بخطوات التنسيق فيما بينها وإقامة القطب اليساري.. من هنا، فإنّ الحراك الاجتماعي والسياسي، إضافة إلى إرادة أغلب قادة اليسار المغربي في التوحد، قد ساهما في إنجاح محاولات التقارب والتوحد بين أطراف اليسار المغربي. في حين أنّ هذين الشرطين لم يتوفرا لتجارب يسارية أخرى بعد.. مـراجـعـات… ولـكـن… ü لماذا لم تستفد الحركة اليسارية العربية من صعود الاشتراكيين في أوروبا (إسبانيا مثلا، وفرنسا التي من المرجح أن يعود فيها اليسار لصدارة المشهد السياسي)، خصوصا في ظل عولمة الفكر والتجارب وحتى الخيارات السياسية؟ – التغيير في طبيعة تكوين اليسار ومكوناته بدأ في العالم بأسره منذ نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، وبدأت أساساً في أوروبا الغربية حينذاك، ولكن اتسع مداها وتعمق أثرها في العقدين الماضيين وتحديداً منذ حدوث « البيريسترويكا » على يد ميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفيتي السابق، وتزامن ذلك مع صعود قوى جديدة، إذ حدثت نقله نوعية جديدة في تكوين اليسار العالمي منذ محاولة إحياء « الليبرالية الاجتماعية « في مواجهة » الريجانية « ثم ظهور حركة مناهضي العولمة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وتنظيمهم لمؤتمرات عالمية، بما فيها في بعض العواصم العربية… وفي إطار هذه العملية قامت العديد من فصائل اليسار التقليدي في الدول العربية أيضاً بعملية مراجعة فكرية ومذهبية وسياسية، تضمنت ضمن مسائل أخرى، إعادة النظر في مسألة التعددية السياسية وتداول السلطة بشكل إيجابي بالإضافة إلى مراجعات أخرى موازية على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية… وفي الواقع، ثمة رصيد كبير من المراجعات النظرية والسياسية التي قامت بها الأحزاب الشيوعية في أوروبا، وطالت الكثير من الموضوعات الماركسية التي كانت موضع بداهة وتقديس، خاصة ما يتعلق منها بالمسألة الديمقراطية. وقد أسبغت الأحزاب الشيوعية الأوروبية على مواقفها قدرا كبيرا من الفرادة والاستقلالية، عبرت عنه تسمية « الشيوعية الأوروبية » منذ سبعينيات القرن الماضي… وقد استندت هذه المراجعات إلى العديد من المفكرين الماركسيين (أنطونيو غرا مشي، لوي ألتوسير، نيكولاس بولانتزاس). فغرامشي لم يكتفِ بإعادة إنتاج التصنيف الماركسي التقليدي للبنية الاجتماعية إلى بنية فوقية وبنية تحتية، ولا بالنظر إلى العلاقات التي تنشأ بينهما، بل ذهب أبعد من ذلك، إلى التفكير في نظام تكوين ونظام اشتغال البنية الفوقية، موجهاً- بذلك- ضربة للاقتصادوية، ومحدثاً منعطفاً نظرياً نوعياً في وعي مسألة الإيديولوجيا واشتغالها السياسي، ومسألة السياسي ونظام فعاليته… وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى النظرية النقدية لمدرسة « فرانكفورت »، فقد كان أنصار هذه المدرسة الماركسية رواد فلسفة اجتماعية أو علم اجتماع نقدي، توحد فيها التأمل الفلسفي النظري مع العلوم الاجتماعية، كما درسوا حالة تشيّؤ واغتراب الإنسان في ظل الرأسمالية، وذهبوا إلى أنّ الرأسمالية، بصورتها الأولى التي أخضعها ماركس للتحليل، هي رأسمالية لم تعد قائمة. وقد ذهب أحد رواد هذه المدرسة هربرت ماركوز إلى أنه لم تعد الطبقة العاملة قادرة على قيادة عملية التغيير، وما دام النظام قد استوعبها في إطاره، فإنّ جماعات أخرى، لم تُستوعب، يمكن أن تكون الشرارة التي توقظ الآخرين: المثقفين، والطلاب، والأقليات، وأقطار « العالم الثالث »… ولعل انتشار المعلوماتية والانترنت وهيئات المجتمع المدني، وتنامي القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وصعود بعض الأحزاب الاشتراكية- الديمقراطية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، يمكن أن تشكل حافزا للحركات اليسارية العربية لإعادة النظر في شكل عملها وقضاياها، كي تنجح في القضايا السياسية التي تأخذها على عاتقها… حول صعود التيار الإسلامي.. ü من موقعك كمفكر خضت تجارب يسارية وسياسية عديدة كيف تقيّم صعود التيار الإسلامي في العالم العربي؟ – هناك ثلاث فرضيات لتفسير تزايد الإقبال على التيارات الإسلامية في العالم العربي في الظرف الراهن، والمتميز بحدة الأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعرفها هذه الرقعة الحضارية من العالم اليوم. وهذه الفرضيات هي محاولة سوسيو- سياسية لتفسير السلوك الانتخابي لدى قطاعات عريضة من الرأي العام العربي والإسلامي: 1 ـ التصويت العقابي: إذ الملاحظ أنّ التنظيمات الإسلامية الفائزة في التجارب الانتخابية الأخيرة في المغرب ومصر وفلسطين، كانت تستوطن مقاعد المعارضة، وكانت تتبنى خطابا نقديا تجاه أداء الحكومات القائمة، وتعد ببديل أفضل ورؤى أحسن لمستقبل مجتمعاتها. وهذا الخطاب الاحتجاجي والنقدي معروف عنه، في تقاليد اللعبة الديمقراطية، أنه يستقطب أصوات الناقمين على الحكومة وسياساتها أكثر من المقتنعين ببرنامج المعارضة. إذ تتجه الفئات غير المستفيدة من الأوضاع القائمة إلى معاقبة نقيض الحكومة بالتصويت للمعارضة، حتى وإن كانت هذه الفئات لا تتفق كليا أو جزئيا مع برنامج هذه المعارضة، فقط تفعل ذلك عقابا وانتقاما ديمقراطيا من الحكومة… 2 ـ الخوف على الهوية في زمن العولمة، حيث بات واضحا أنّ الشعوب العربية تعيش  » فوبيا  » الهوية، أي ذلك الخوف الكبير المرضي على هوية وانتماء ما، وجزء من هذا الخوف، مفهوم بالنظر إلى التحولات العالمية التي حملتها موجة التغيّرات التي جاءت مع العولمة معززة بالتطور الهائل في وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، والتي أصبحت تسوّق نمطا يكاد يكون وحيدا في الثقافة والقيم وأنماط العيش والسلوك. أما الحقيقة الثانية في موضوع الخوف على الهوية، فهو يجيء من توظيف سياسي وحزبي لواقع الأزمة من قبل الحركات والتيارات الإسلامية، التي تعاني من فقر شديد في الرؤى الاجتماعية والاقتصادية البديلة، وبالفعل فقد أثمر هذا التوظيف تأييدا واسعا وسط الرأي العام للحركات الدينية، وإن كان لا يتقاسم معها كل تفاصيل البرنامج والرؤية للمجتمع وللعالم، بل إن أغلب المصوتين في الانتخابات لهذه الحركات يفعلون ذلك إرضاء لهذا الخوف الدفين على خصوصيتهم الثقافية المعرضة لخطر العولمة، وهذا التصويت من جهة أخرى يحمل طابع رد الاعتبار للذات الحضارية العربية والإسلامية… 3 ـ اتساع رقعة المحافظة في المجتمع: إذ لاشك في وجود تيار محافظ في مجتمعاتنا العربية مناصر لأطروحات التيارات الإسلامية ومدافعا عن تصورها للدين والحياة، ثم أنّ هذه التيارات وإن كانت غير واسعة ولا يزيد عددها على بضعة آلاف من الناشطين فإنّ قوتها تأتي من ضعف الفرقاء السياسيين الآخرين، وخاصة اليساريين والليبراليين والقوميين والمصابين في الوقت الراهن بأزمة عميقة على مستوى الهوية والتنظيم وآفاق العمل… إنّ وجود أقلية منظمة وفاعلة وفي وسط يكاد يخلو من منافسة، بالإضافة لخطاب بسيط بمفردات متداولة في المخيال الشعبي، كلها عوامل تساعد على بروز الإسلاميين كقوة سياسية وازنة في الساحة، ويعزز من هذه المكانة قدرة ناشطي الإسلام السياسي على التجذر عميقا في قاع المجتمع، من خلال شبكة واسعة من الجمعيات والمنظمات والروابط المهتمة بقطاعات اجتماعية حساسة مثل محاربة الفقر والصحة والسكن والتعليم… ü هل معنى هذا أن التيار الإسلامي يتمتع بثقل سياسي على الساحة العربية؟ – الواضح أنّ هذا التيار يتمتع بثقل سياسي واضح على المستوى الإقليمي، مقارنة بالقوى السياسية الأخرى في دول المنطقة، مهما اختلفت درجات التسامح والتضييق على هذا التيار، وهو ما يستحق قدرا من التأمل والدراسة للتعامل مع هذه الظاهرة، خاصة وأنها تعبر عن إرادة الشعوب في هذه المنطقة من العالم… كما أنها تفرض على التيار الإسلامي العديد من الاستحقاقات، خاصة في مجال تطوير أطروحاته وأساليبه في العمل السياسي، وربما يكون النموذج التركي المعتدل والذي يمثله حزب  » العدالة والتنمية « ، أنموذجا مهما في هذا المجال، خاصة وأنه اكتسب العديد من الخبرات العملية على مدى السنوات الأخيرة في نطاق التعامل مع قواعد العمل السياسي، واستفاد من خبرات إسلامية أخرى..
 
(المصدر: صحيفة الشرق القطرية بتاريخ 1.جانفي 2006)


عام التنظيمات الجهادية الاسلامية

 

حكم البابا
اذا كان عام 1991 قد شهد سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية التابعة له، ونهاية المشروع الأيديولوجي لفكرة الأممية الشيوعية في العالم كلّه، فان عام 2006 الذي ينتهي اليوم يستحق أن يسمي بعام موت القومية العربية ذات الطروحات المدنية كفكرة وكمشروع بعد صراع طويل مع المرض، لصالح الأيديولوجيا الدينية الاسلامية التي أكدت في هذا العام سيطرتها الكلية علي المنطقة العربية نهائياً، وألحقت بها بقايا القوي الشيوعية والعروبية التي تتقاطع معها فكرياً في موضوع العداء لـ الغرب الاستعماري . فرغم أن فكرة القومية العربية قد بدأت بالانهيار فعلياً بعد هزيمة نظاميها الرئيسيين في نكسة حزيران 1967، الاّ أنها استمرت في المكابرة حتي مع خروج مصر من الصف العربي بتوقيعها معاهدة كامب ديفيد مع العدو الاسرائيلي، ثم توقيع الأردن اتفاقية وادي عربة، وتحولات العقيد القذافي الأفريقية، وانشاء منظومات بديلة عن فكرة الأمة العربية الواحدة كدول المغرب العربي ودول مجلس التعاون الخليجي، ونفي الفلسطينيين من الأردن الي لبنان، ثم تشريدهم بالجملة الي تونس، وبعدها اعادتهم بالمفرق الي جزء من الأرض الفلسطينية بشروط الاحتلال الاسرائيلي عقب اتفاق أوسلو، والغطاء العربي الذي قدّم للتحالف الدولي في حربه علي العراق بعد احتلال للكويت، ومن ثم العجز العربي أمام الاحتلال الأمريكي للعراق، والخلافات العربية العربية التي كانت تصل الي حد حشد الجيوش علي الحدود بين بلدين عربيين، واعتماد الولايات المتحدة الأمريكية كصوت مرجح في أي خلاف علي أي قرار عربي، وظهور شعارات مثل مصر أو الأردن أو لبنان أولاً. وخلال كل هذه الأحداث التي كانت تجري فيها ترقيعات لفكرة القومية العربية لم يكتب لها النجاح، مثل اعلان اتحاد الجمهوريات العربية ومحاولة الوحدة السورية العراقية، وتوقيع باقات من الاتفاقيات والمعاهدات الورقية بين مختلف الدول العربية لبث الروح في جثة هامدة.. خلال كل تلك الأحداث كان اسلام ولاية الفقيه (الحاكم) في ايران، واسلام الخلافة (المعارض) في الدول العربية ينشط بصمت داخل المجتمعات العربية عبر تقديم الرشاوي الأرضية والسماوية، بعد أن خسر الحسم العسكري عقب الحرب الايرانية العراقية، والمواجهات المسلحة للتنظيمات الجهادية الأصولية مع أكثر من سلطة عربية، ليعلن في عام 2006 انتصاره النهائي علي القومية العربية ذات الطروحات المدنية كفكرة وكمشروع، وليلحق كل بقايا التنظيمات الشيوعية والقومية المعادية لـ الغرب الاستعماري بامرة تنظيم القاعدة في العراق وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين. لا شك أن جزءاً هاماً من نجاح الاسلام الجهادي (بشقيه الخلافة وولاية الفقيه) يعود الي أن تنظيماتهما كانت تبذر وتزرع وتحرث في أرض تعرفها وتفهم كيفية التعامل مع تربتها، معتمدة علي ارث ديني يمتد لمئات السنين، ولكن جزءاً آخر وهاماً من نجاحها يعود الي أنها استطاعت تقديم نصر ثأري أعاد شيئاً من الثقة للجماهير العربية كانت بحاجة اليه، علي عكس التنظيمات القومية التي اكتفت بالحروب الاذاعية والتلفزيونية، فضرب أمريكا في عقر دارها في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) ومن بعدها الضربات المؤلمة التي ألحقها تنظيم القاعدة العراقي بالجيش الأمريكي، والانسحاب الاسرائيلي من لبنان عام 2000 ومن بعده صمود حزب الله خلال العدوان الاسرائيلي علي لبنان هذا العام، والعمليات التي أثبتت فيها حماس قدرتها علي كسر هيبة اسرائيل، مكّن تلك التنظيمات من تملّك الشارع العربي، وجعلها القوي الحقيقية العظمي في المنطقة لسنوات طويلة قادمة، وحوّل كل المشاريع القومية العربية ذات الطروحات المدنية، الي شيء متحفي من الماضي، وجوده اليوم لايثير الاّ عاطفة الشفقة.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 30 ديسمبر 2006)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.