Home – Accueil – الرئيسية
TUNISNEWS
7 ème année, N° 2241 du 11.07.2006
الوحدويين الناصريين/ تونس: بيــان بيان مشترك من أجل فلسطين الحياة: تونس: اجتماع للمسؤولين العرب عن مكافحة الإرهاب يو بي آي: تونس أمام تحديات الانفتاح .. والمعارضة تشتكي من التهميش والإقصاء موقع الديمقراطي التقدمي: أحمد نجيب الشابي في سوسة: « التغيير الديمقراطي أصبح مهمة وطنية لم تعد تحتمل التأجيل » عبدالله الـزواري: مأساة مساجين الرأي في تونس حبيب الرباعي: آخر لحظات من حياة الشهيد الرائد محمد المنصوري محمد العروسي الهاني: تكريم رجال العلم و الثقافة واجب وطني و مسؤولية الجميع و مواصلة دعمه و تطويره بلقاسم حسن: في معاني المصلحة الوطنية العليا وفي المعنيين بها عادل القادري: في « منتدى التقدم »: المجتمع المدني و قضايا الإصلاح السياسي في العالم العربي برهان بسيّس: تجارب بين الإدارة.. والمطار بحري العرفاوي: الحركات الإسلامية …. وفخاخ » الديموقراطية « ! توفيق المديني: حرب التصفية في فلسطين أبو يعرب المرزوقي: دور الفكر العربي في مفهوم المجتمع المدني الحديث أحمد البخاري الشتوي: رأي للنظر حقائق: المفكّر يوسـف الصدّيق في حوار مثير عن الهمّج وقراءة القرآن الشروق: المذيع منير شمّاء في ملتقى الذاكرة الوطنية (2 من 2): بورقيبة كان مصلحا ولم يكن كافرا، وإشكاله الوحيد كان في حاشية «نصّابة» ومتحيّلة!
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
لمشاهدة شريط الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين حول مأساة المساجين السياسيين يتونس إضغط على الوصلة التالية:
بسم الله الرحمان الرحيم الوحدويين الناصريين/ تونس بيــــــــــــــــــــــــــــــــــان تونس في11جويلية 2006
تخط جماهير شعبنا العربي في فلسطين أروع ملاحم البطولة و الفداء، فلم تنجح المؤامرة الدولية في إجبار المقاومة على الإستسلام للشروط الصهيونية بل إزدادت المقاومة شدة و صلابة و إزداد معها إيمان جماهير شعبنا بخيار المقاومة أسلوبا أساسيا في نضاله » فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ». إن الوحدويين الناصريين بتونس و إذ يرفعون التحية لجماهير شعبنا في غزة و الضفة الغربية و في كل شبر من أرض فلسطين العربية و يشدون على أيدي المقاومة الباسلة التي تخوض معركة شرف أمتنا العربية فإنهم: – يؤكدون أن إندحار قوات الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة سابقا و محاولة العودة هذه الأيام هو أحد العناوين التي تعبر عن قدرة المقاومة و نجاحها في فرض إرادتها على المحتل. – يذكرون بأن مواصلة الاشتباك مع العدو أمر حيوي على طريق تحرير فلسطين. – نهيب بفصائل المقاومة الفلسطينية الباسلة دعم الوحدة الوطنية و رص صفوفها لمواجهة العدوان. -ندعو الجماهير العربية إلى تحمل مسؤولياتها و الضغط من أجل دعم أهلنا في فلسطين و فك الحصار المضروب عليه وفضح الصمت العربي الرسمي و المؤامرة الدولية.
– عاش نضال شعبنا من أجل التحرير و النصر – المجد و الخلود لشهداء أمتنا العربية – ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة عن الوحدويين الناصريين/ تونس البشير الصيد
بيان من أجل فلسطين
فيوليت داغر (لبنان) محمد حافظ يعقوب (فلسطين) منصف المرزوقي (تونس) نادر فرجاني (مصر) هيثم مناع (سورية) جاءت قضية أسر الجندي شاليط لتضع تحت المجهر مأساة الشعب الفلسطيني وحجم معاناته؛ وقبل ذلك مقدار الرياء السائد الذي تتكشف عنه هذه المأساة. ولا تتردد القوى الغربية المسيطرة في العالم عن التخلي عن منظومة القيم والمعايير التي تستخدمها في تسويق سياساتها ووضع مصير الشعب الفلسطيني بأكمله في براثن الكولونيالية الإسرائيلية. غير أن الخلط بين المقاومة والإرهاب لا يخدم قضايا الحرية والاستقرار ولا التقدم البشري. إنه سياسة قصيرة النظر تُغَيِّبُ السياسةَ وتنتج الأزمات. في فلسطين تُرتكب جريمة أمام أنظار البشرية جمعاء. جريمة يحيل الوضوح الصارخ فيها كلَّ من يزعم الجهل بها إلى متواطئ. إن كمّ المعلومات المتوافرة عنها يجعل إنكارَ معرفة ما يجري فيها و/ أو عدم تصنيفها كجريمة متعذراً. غير أن البشرية تكف عن أن تكون حرة إن كفت عن استنكارها للظلم والجريمة، أو إن أطلقت يد الجلاد في جسد الضحية. إن ما فعلته إسرائيل وما زالت تفعله في فلسطين من استخدام مفرط للقوة، واغتيالات، وتهجير للمدنيين، وتشييد لجدار الفصل العنصري، واستيطان، وانتهاك للقانون الدولي الإنساني وللاتفاقيات الدولية بخصوص السكان والممتلكات والأراضي الخاضعة للاحتلال، والتعذيب، يُصوَّرُ اليوم كما لو كان جزءاً من الحرب ضد الإرهاب. غير أن الإسرائيليين وأنصارهم لا يتورعون عن تصوير الفلسطينيين كما لو كانوا مسؤولين عن نكباتهم، أو كما لو أن المشروع الصهيوني لا يستهدف استبدال السكان الفلسطينيين بغيرهم من المهاجرين. حتى بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، فإن الإسرائيليين يصرون على نكران كل حق للفلسطينيين في بلادهم الوحيدة التي لهم، وهي فلسطين. تكشف قضية الجندي شاليط عن سياسة إسرائيلية ثابتة في امتهان الحقوق الفلسطينية واغتصابها بواسطة الإرهاب المنظّم. وطويلة هي قائمة المجازر الجماعية « الصغيرة » التي دبرتها القوات الصهيونية ثم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين منذ دير ياسين وقبية والطنطورة وعين الزيتون وصبرا وشاتيلا وجنين وغيرها. وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتبنى في وضح النهار استراتيجية ديمغرافية هي من غير لبس سياسة تطهير عرقي. غير أن نجاح الولايات المتحدة وإسرائيل في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار 3379/ 1975 ) الذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، لا يبرئ إسرائيل لا من شبهة العنصرية والتمييز العنصري، والإرهاب المنظم، ولا من الكولونيالية. تقوم السياسة الغربية اليوم على نصرة السياسة الإسرائيلية في أبشع ممارساتها، في جرائم حرب مباشرة تجري باسم الحرب على الإرهاب. وتضع القانون الإنساني الدولي والشرعة الدولية لحقوق الإنسان تحت البسطار الإسرائيلي. فهل في وضع كهذا سيتبع المثقف النقدي والفضاء المدني غير الحكومي سنة الحاكم المستعبَد والسياسي الخانع؟ هل يقبل بنكبة ثانية مهمتها تركيع الإنسان الفلسطيني بكل الوسائل؟ لكن دول الشمال التقليدية اليوم أسيرة جماعات ضغط أكثر منها حصيلة تعبير شعبي حر. لذا تعيش حالة فصام بين شعوب تعتبر في أغلبيتها دولة إسرائيل المصدر الأول للخطر على البشرية اليوم، وإعلام موجه لخدمة اللوبي الموالي لإسرائيل وأشباه رجال سياسة يرتعدون من أي موقف يتعلق بهذه الدولة التي تمارس الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني ويمارس موالوها الإرهاب الثقافي والفكري والسياسي والإعلامي في الغرب. أما في الدول العربية، فقد رفعت سيوف القمع المباشر في وجه كل من يرفض التدجين الداخلي أو الترويج الخارجي. وقد أدى الإفقار المنهجي للنخب إلى ظهور فئات تتعيش من التمويل الخارجي وتختزل نشاطها المدني في أجندة تفقد المؤسسات المحلية مبررات وجودها. هل من الضروري التذكير بأن عددا كبيرا من هذه المراكز والمؤسسات قد وقع على تعهد بعدم التعاطي بأي شكل من الأشكال مع المنظمات الإرهابية بالتصنيف الأمريكي ؟؟ في وضع كهذا، وفي حالة حصار يشارك فيها الغريب والقريب، والأعلى والأسفل، لا بد من استعادة المبادرة باعتبار رفع الحصار عن شعب فلسطين وقضيته جزء مركزي من أية نهضة ديمقراطية ترفض الاستبداد والاستعباد والفساد. إن هزيمة مقاومة شعب، تعني اختصار أمة في عبيدها، ومستقبل الإنسانية في مصاصي دمائها. من هنا نتوجه إلى كل المثقفين النقديين الذين لم تنجح الثروة في قتل روح الثورة في أقلامهم، ورموز المجتمع المدني الذين قاوموا الترويج الخارجي والتهريج الداخلي واحتفظوا بحصتهم من الكرامة للذات والمحيط، من أجل التحرك لوقف النزيف اليومي، ومقاومة الحصار العملاق ضد الحقوق والحريات الأساسية لشعب فلسطين. أولى تعبيرات استعادة المبادرة تكمن في بناء الجسور بين الفلسطيني والعربي والدولي، في اللجوء إلى تشبيك حقيقي للقوى والطاقات من أجل الخروج من منطق الخريطة الفلسطينية الداخلية إلى الخريطة الفلسطينية الجوهرية، من الخلافات الفلسطينية الداخلية المشروعة إلى توظيف كل العلاقات الفلسطينية، إسلامية وعلمانية، من أجل وقف النزيف الإسرائيلي والضغوط الغربية. ثاني هذه الأشكال، استنفار كل الطاقات لكسر الحصار الإعلامي على شعب فلسطين. فثورة الاتصالات ما زالت في فترة انتشار أفقي، ويصعب على أي قوة مهما عظمت، أن تغلق إمكانيات التعريف بالرأي الآخر. وفي هذا النطاق، يبدو لنا من الضروري وضع استراتيجية إعلامية جديدة، تنطلق من المعطيات الأحدث لطبيعة الانتهاكات الإسرائيلية وأثرها على القانون الدولي والسلام العالمي والاستقرار الإقليمي. ثالثا، الدفاع عن ثقافة المقاومة كحق أساسي من حقوق الإنسان، ومتابعة موقف المنظمات الشمالية لحقوق الإنسان من القضية الفلسطينية ورصد كل تهاون أو تواطؤ مع الاحتلال والظلم. رابعا، تشجيع روح التبرع والتطوع، هذه الروح التي تحاول مؤسسات إنتاج التبعية والتمويل قتلها عند المواطن العربي، وتحاربها الدكتاتوريات العربية بكل الوسائل كونها تعيد الثقة بالمواطنة والمبادرة المجتمعية. خامسا، لا بد من الرد على احتقار إسرائيل للقانون الإنساني الدولي باستنفار كل الغيورين على الشرعية الحقوقية الدولية. الأمر الذي يعني مباشرة إقامة دعاوى قضائية على وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الوزراء والشركات التي تمد إسرائيل بما يسمح لها بقلع الشجر وهدم البيوت وبناء جدار الفصل العنصري وبناء المستوطنات باعتبار كل ما ذكر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تبدو البربرية الإسرائيلية قوية لأن بيننا من ركع، فلننهض.
تونس: اجتماع للمسؤولين العرب عن مكافحة الإرهاب
تونس- رشيد خشانة أفاد مصدر في مجلس وزراء الداخلية العرب (مقره في تونس) أن القادة الأمنيين المكلفين أجهزة مكافحة الإرهاب في البلدان العربية يبدأون غداً اجتماعات في تونس تستمر يومين. وأوضح أن 18 بلداً أعطت موافقتها على المشاركة في الدورة، وهي التاسعة في نوعها، وترمي إلى تعزيز التنسيق وتبادل الخبرات في مجال مكافحة الشبكات الإرهابية والجريمة المنظمة. إلا أن هذا النوع من الاجتماعات ارتدى أبعاداً جديدة منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 تتصل بالحرب الدولية على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة. وأضاف المصدر أن الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد بن علي كومان (سعودي) سيفتتح الاجتماعات التي يرأسها مسؤول أمني مغربي لم يُكشف عن هويته ويحضرها ممثلون عن الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات. وأفاد بيان لمجلس وزراء الداخلية العرب أن من ضمن المسائل المدرجة على جدول الأعمال الإرهاب البيولوجي ووسائل تحقيق الأمن الفكري ودور التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مجابهة الإرهاب. وستقدم نتائج الاجتماعات للدورة المقبلة لمجلس وزراء الداخلية العرب المقرر عقدها مطلع العام المقبل لاعتمادها. (المصدر: جريدة الحياة الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
انخفاض التضخم السنوي في تونس الى 5%
قال المعهد الوطني للاحصاء في تونس أمس إن معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين تراجع الى خمسة في المائة في يونيو/حزيران الماضي من 3ر5 في المائة في مايو/ايار. ويرجع الانخفاض في الاساس الى تراجع معدل نمو تكاليف النقل الى سبعة في المائة بعد ارتفاعه بنسبة ثمانية في المائة في مايو بسبب ارتفاع أسعار النفط. وتتوقع الحكومة أن يبلغ معدل التضخم في السنة الحالية كلها 7ر2 في المائة. (رويترز) (المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
تونس أمام تحديات الانفتاح .. والمعارضة تشتكي من التهميش والإقصاء
تونس ـ يو بي آي: تواجه تونس التي حققت انجازات اقتصادية واجتماعية مهمة تحديا يتمثل في تعزيز الديمقراطية وتطبيق الاصلاحات السياسية المنتظرة منذ فترة طويلة. وفيما لا تزال المعارضة ضعيفة ومشتتة، فان التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم) الذي يرأسه بن علي لا يزال يسيطر بقوة علي البلاد علي الرغم من أنه ـ كما يعترف قادة المعارضة ـ خفف من قبضته الأمنية . وقبل استلام بن علي الحكم، وقعت تونس علي امتداد 30 عاما تحت هيمنة الحزب الواحد وعانت من غياب كامل لمشاركة المعارضة في الحياة السياسية، وذلك منذ استقلالها عن فرنسا في آذار/مارس عام 1956 وإعلانها دولة ديمقراطية من قبل رئيسها الأول الحبيب بورقيبة بعد عام من ذلك. وساهم وصول بن علي الي السلطة عام 1987، بعد الاطاحة ببورقيبة، وانتهاج عدة خطوات اصلاحية في توفير فسحة من الحرية كانت البلاد بحاجة اليها. اذ تم تعديل الدستور، والغاء المادة التي تنص علي انتخاب الرئيس لمدي الحياة، والاعتراف بالأحزاب السياسية الجديدة. وقد حظيت الاصلاحات المبكرة التي انتهجها بن علي وأدت الي تعزيز الحريات الاعلامية وافراغ السجون من المعتقلين السياسيين، بترحيب شعبي كبير لكنها لم تعمّر طويلا بسبب العودة الي الخيار الأمني . ففي الانتخابات العامة التي جرت عام 1994، حققت الأحزاب المعارضة سابقة بعد فوزها بـ 19 مقعدا في البرلمان، ثم عززت من تواجدها بعد فوزها بـ37 مقعدا في انتخابات العام 2004، وهو العام الذي سُمح فيه للمرشحين الرئاسيين بخوض الانتخابات ضد بن علي. وتمثلت آخر جهود بن علي الاصلاحية بتأسيس مجلس المستشارين (مجلس شيوخ) المؤلف من 126 مقعدا في العام الماضي، بهدف تعزيز الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية، بحسب ما قال رئيس المجلس عبدالله القلال. غير أن 42 عضوا في المجلس يتم اختيارهم من قبل بن علي مباشرة من بين رؤساء الحكومة والوزراء السابقين والمحامين وأعضاء في المعارضة والوجوه المستقلة. وعلي الرغم من أن مثل هذه التدابير كانت موضع ترحيب من قبل مناصري بن علي الذين وصفوها بالتاريخية ، الا أنها فشلت في اشباع عطش المعارضة الي الديمقراطية. وقال أحمد نجيب الشابي الأمين العام للحزب التقدمي الاشتراكي المعارض والذي انقلب علي بن علي بعد أن كان يدعمه بحماسة في السنوات الأولي من رئاسته هذا ديكور زائف لديمقراطية مغيبة . وأضاف في مقابلة مع يونايتد برس انترناشيونال قائلا اننا نعيش حالة من التعطل والجمود السياسي والتأزم والسبب ان الحكم لا يريد ان يعترف بالتعدد في المجتمع . وقال الشابي الذي اشتكي من عدم ظهوره علي التلفزيون التونسي الرسمي سوي ثماني دقائق فقط منذ العام 1994 في اشارة الي التغييب القسري لنشاطات المعارضة اننا نملك حضورا في الخارج، في حين أنه ليس لدينا أي وجود في بلادنا. التعتيم هو المبدأ. كيف يمكن أن نتصور ان هناك انفتاحا واصلاحات وتفاعلا؟ . وأصر الشابي علي أن جميع السلطات مركزة في يد واحدة، والمؤسسات تحولت الي أجهزة خاضعة للسلطة ـ وهذه شكوي غالبا ما تسمع في تونس. وعلي الرغم من اعترافه بالنجاحات التي حققتها الحكومة في مجال تعزيز اقتصاد البلاد وتحقيق النمو خلال السنوات العشر الماضية، الا أن الشابي شدد علي أن تونس اليوم علي مفترق طرق… فمن دون ديموقراطية، لا يمكن ان نواصل مسيرة النمو الاقتصادي والاجتماعي.. ولا يمكن جذب الاستثمارات الخارجية الضرورية . واعتبر أن الاصلاح مسألة مصير ، قائلا الاصلاح الديموقراطي علي رأس أجندتنا لأنه هو المفتاح (للتغيير في البلاد) . وتتضمن مطالب حزبه الخمسة اجراء اصلاحات دستورية تنهي الحكم الفردي المطلق القائم في بلاد منذ خمسين عاما وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، وتأمين حرية التعبير والاعلام، والحق في النشاطات العلنية وتأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات، واطلاق جميع السجناء السياسيين واصدار عفو عام يسمح بعودة المنفيين السياسيين في الخارج الي بلادهم. ويدعم أحد قادة المعارضة الآخرين أحمد الاينوبلي الأمين العام للاتحاد الديموقراطي الوحدوي (قومي عربي) مطلب الديمقراطية بوصفه الأسلوب الوحيد للتغيير السلمي . لكن وبخلاف الشابي، يري الاينوبلي ان الاصلاحات السياسية التي أطلقها بن علي، خصوصا القانون الذي سمح للمعارضة بالحصول علي ما لا يقل عن نسبة تمثيل بلغت 20% في البرلمان المؤلف من 182 مقعدا، بأنها مكسب وخطوة أولي لتدرب التونسيين علي القبول بالمعارضة والتعددية . وقال نريد التعددية السلمية وتعديل القانون الانتخابي الأمر الذي يضمن اجراء انتخابات نزيهة وتمثيلا أوسع للمعارضة في البرلمان، كما الغاء هيمنة الحزب الواحد . وأضاف يملك الحزب الحاكم المؤسسات، الموظفين… كل شيء . والفساد، حسب الاينوبلي، مسألة أخري يمكن مناقشتها في البرلمان اليوم. وقال الفساد موجود لكن ليس بمستوي مخيف. لقد أصبح واضحا أن كبار موظفي الدولة يملكون السيارات الفخمة والمال . ويبدو أن الصفقات التي حققها كبار المسؤولين، أصبحت الموضوع المفضل للشائعات بين التونسيين، استنادا لأحد المسؤولين الحكوميين الذي قال: « يتحدثون عن هذه المسائل بحرية في المقاهي والاجتماعات ولا أحد يمنعهم ». ونفي المسؤول الحكومي الذي تحدث الي يونايتد برس انترناشونال طالبا عدم الكشف عن اسمه، المزاعم الخارجية بأن تونس دولة بوليسية، لكنه شدد علي أن الحكومة لن تتساهل مع أولئك الذين يحاولون زعزعة الاستقرار في البلد . وكان حظر نشاط المتشددين الاسلاميين المنتمين الي حزب النهضة في أوائل التسعينات، مثلا واضحا علي ذلك، فقد تم توقيف العشرات من قادة وأتباع الحزب وحكم عليهم بالسجن بعد ادانتهم بتهم جنائية. وقال الاينوبلي هؤلاء لم يسجنوا بسبب انتمائهم أو عملهم السياسي، بل لأنهم قاموا باعمال عنف ، نافيا علمه بوجود سجناء سياسيين: « على الأقل لا يوجد وجوه سياسية معروفة.. لا يمكن ان نتهم النظام جزافا ». واستنادا الي الشابي، فان عدد السجناء السياسيين انخفض بشكل ملحوظ من 15 ألفا الي حوالي 150 سجينا في الوقت الحالي، في اشارة أخري الي تخفيف القيود في البلاد. وقال أن مثل هذه القبضة الأمنية لم تعد مبررة، معترفا أنه لم يتعرض الي أي نوع من الاعتداء أو الامتهان لا المعنوي ولا المادي.. لست مقموعا انما هناك تضييق، وهذا لا يعني ان الآخرين غير مقموعين . وتوزّع صحيفة الموقف التي يصدرها حزبه وتنتقد النظام بشدة، بشكل حر، وعلي غرار أكثر من 850 مطبوعة تونسية وأجنبية أخري في البلاد. لكن الأمن والاستقرار يشكلان خطا أحمر حتي بالنسبة لأشد معارضي النظام. وصحيح أن الشابي لا يري مشكلة في استغلال عوامل خارجية من أجل زيادة الضغوط علي بن علي واضعاف حكمه من أجل دفع الديمقراطية في البلاد، غير أنه يعارض بشدة أي ضغوطات اقتصادية أو تدخلات عسكرية من أجل تحقيق أهدافه. وقال نحن وطنيون ونرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية وأي تمويل خارجي لأننا نعرف ان الدول الكبري لها مصالح للهيمنة علي المنطقة . وذهب الاينوبلي، وهو القومي العربي، أبعد من ذلك بتعهّده عدم مد يد الي الصهاينة أو المحافظين الجدد في الولايات المتحدة من أجل تحقيق التغيير في تونس . في الواقع، فان جميع الأحزاب السياسية أكانت الحزب الحاكم أم الأحزاب المعارضة، تتلقي مساعدة سنوية تبلغ حوالي 100 ألف دولار من الحكومة وفقا لما ينص عليه القانون، وهذا تدبير يهدف لمنع الأحزاب من الحصول علي دعم مالي خارجي. وبين المعارضة القاسية التي يمثلها الشابي، والمعارضة الأكثر مرونة التي تستفيد من انفتاح بن علي من أجل توسيع المشاركة في ادارة البلاد، تبدو النتيجة واضحة: معارضة ضعيفة ومشتتة تلقي اللوم غالبا علي النظام لنجاحه في فرض تكتيك فرق تسد . وقال (عبد الله) القلال « المعارضة لا تزال ضعيفة، لأنها لم تستخدم الهامش المفتوح أمامها حتي الآن. والحزب الحاكم لا يزال قويا ويكتسح الساحة برنامجه وانجازته ». ويظهر ان التونسيين بدأوا رحلة العودة الي الحياة السياسية بعد سنوات طويلة من المخاوف والاستبداد، متأثرين بشبكات الفضائيات العربية، في ظل الاسترخاء الأمني بالبلاد. ويبدو أنه من غير الممكن تجنب المزيد من الانفتاح والاصلاح لحماية الانجازات الاقتصادية للبلاد والمحافظة علي الاستقرار. ومع غياب معارضة فاعلة، فان مثل هذه المهمة تقع علي عاتق بن علي نفسه، ليقوم علي الأقل بتقليص نفوذ حزبه الحاكم وفتح حوار مع ما تبقي من معارضة متشددة . وكما يقول الاينوبلي فان التجمع الدستوري الديمقراطي استنفذ كل مبرراته. فقد انجز حرية المرأة وحقوق الطفل وحتي حقوق الحيوانات، ولم يعد له الآن الا أن يتجه نحو فتح الابواب امام الحريات السياسية . (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
أحمد نجيب الشابي في سوسة: التغيير الديمقراطي أصبح مهمة وطنية لم تعد تحتمل التأجيل
ماجد السوسي بدعوة من جامعة سوسة للحزب الديمقراطي التقدمي، انعقد يوم الأحد 9 جويلية اجتماع تناول المهام السياسية المطروحة على المعارضة الوطنية في المرحلة الراهنة أشرف عليه الأمين العام الأستاذ أحمد نجيب الشابي و حضره عدد هام من الإطارات السياسية بالجهة من المستقلين و المنتمين إلى مختلف الأحزاب و الجمعيات المستقلة إضافة إلى العديد من إطارات الحزب اليمقراطي التقدمي. و كانت جامعة الحزب بسوسة طلبت بصفة رسمية السماح لها بعقد هذا الإجتماع بالمركب الثقافي محمد معروف إلا أن السلط الجهوية تجاهلت هذه المطلب و لم تجب عليه – و الصمت في تقاليد إدارتنا هو علامة الرفض – في حين حاصرت إعداد من قوات الأمن المركب الثقافي صبيحة يوم الأحد مانعة كل من حاول الاقتراب منه مما اضطر المشاركين إلى التوجه نحو مقر الحزب بعمارة التروكاديرو والذي خضع هو أيضا و كالعادة إلى حصار أمني كثيف. و قد ألقى أحمد نجيب الشابي كلمة مطولة في بداية الاجتماع تناول فيها تشخيص الوضع السياسي الراهن المتميز بالوهن و الضعف الذي أصبح عليه نظام الحكم المنبثق عن تغيير 7 نوفمبر بعد أن باء المشروع الذي بشر به بإرساء الديمقراطية في بلادنا بالفشل الذريع. و عدد الشابي العديد مظاهر الأزمة التي يعيشها نظام الحكم و من بينها فقدانه للشرعية السياسية التي بناها على شعار الإصلاح السياسي و الانتقال التدريجي إلى الديمقراطية فجاءت التجربة مخيبة للآمال إذ تعرف بلادنا استبدادا سياسيا أصبح حالة فريدة في العالم في مطلع هذا القرن الجديد حيث ساد القمع و تعددت المحاكمات الجائرة و غابت حرية الإعلام و التعبير و حوصرت الأحزاب المستقلة و جمعيات المجتمع المدني وزيفت الانتخابات….. إضافة إلى ذلك فإن نظام الحكم يعيش أزمة شرعية دستورية. فبعد أن وعد الشعب بإلغاء الرئاسة مدى الحياة التي أرساها نظام الحكم السابق و بتحديد الولايات الرئاسية بثلاثة دورات فإنه و ما إن اقترب موعد انتهاء الدورة الرئاسية الثالثة حتى بادرت السلطة بتعديل دستوري ألغى كل تحديد لعدد الولايات الرئاسية و رفع من السن القصوى للمرشحين مما ولد عودة مقنعة للرئاسة مدى الحياة. من جهة أخرى فان المؤسسات السياسية التي يرتكز عليها النظام السياسي من برلمان و سلطة تنفيذية و سلطة قضائية و مجلس دستوري ناهيك بالأحزاب و الجمعيات بما في ذلك الحزب الحاكم….أصبحت مهمشة و مفرغة من أي دور لصالح مؤسسة الرئاسة التي تضخم دورها وأصبحت هي الحاكم الحقيقي و الوحيد في البلاد و التي تخضع لها كل السلطات و المؤسسات ; و في المجال الاقتصادي اعتبر الشابي أن حالة النمو الاقتصادي النسبي الذي شهدته البلاد نتيجة الإصلاحات الهيكلية و إدماج اقتصاد البلاد في السوق الدولية تشهد حاليا تراجعا واضحا حيث يمر الاستثمار الداخلي و الخارجي بحالة من الانكماش نتيجة غياب المناخ السياسي و الاقتصادي الملائم للاستثمار و صعوبات القطاع البنكي الذي يرزح تحت كاهل الديون المشكوك في استرجاعها و أوضاع الإدارة التونسية الرازحة تحت البيروقراطية و غياب العدالة الجبائية…..إضافة إلى استشراء مظاهر الفساد الذي طال المال العام و غياب الشفافية و التصرف الرشيد و انتشار مظاهر الرشوة و المحسوبية و استعمال النفوذ و الثراء الفاحش و غير المشروع في الأوساط المتنفذة ….. أما على لصعيد الإجتماعي فقد اعتبر الشابي أن البطالة التي تشمل ما يقارب نصف مليون تونسي منهم نسبة كبيرة من أصحاب الشهائد العليا تمثل معضلة اجتماعية كبيرة تفاقمها ظاهرة غلق المؤسسات و تسريح العمال خاصة في قطاع النسيج في حين تعاني الفئات الشعبية من تفاوت اجتماعي صارخ و تدهور القدرة الشرائية نتيجة غلاء المعيشة و عدم ملائمة الأجور لإرتفاع الأسعار و تدني الخدمات الاجتماعية مثل الصحة و التعليم و النقل و الخدمات البلدية في الأحياء الشعبية و القرى و تدهور أوضاع البيئة ….. و اعتبر الشابي أن هذه المظاهر و غيرها كثير تعبر على عمق الأزمة التي يعيشها نظام الحكم الذي أصبح غير قادر على الاستجابة للطموحات الوطنية في دفع عملية التنمية على جميع الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية…..بل إن نظام الاستبداد السياسي القائم أصبح عقبة على طريق التنمية الشاملة التي ينشدها شعبنا بمختلف فئاته و شرائحه. و قال الشابي أن بلادنا تعيش نهاية حقبة سياسية للنظام المنبثق عن 7 نوفمبر مشددا على أن التغيير الديمقراطي هو عنوان المرحلة القادمة و أن كافة فئات الشعب التونسي معنية بهذا التغيير من شباب و نساء و أجراء و أرباب العمل و فلاحين و صناعيين و حرفيين و تجار…. لأن الاستبداد المسيطر في البلاد أصبح مكبلا لكل الطاقات الخلاقة في بلادنا و القادرة لو توفر لها المناخ الديمقراطي أن تنجح في دفع النمو و الاستثمار و تنافس في الأسواق العالمية و تمتص الطلب على الشغل وتخلق الثروة الوطنية… و اعتبر الشابي أن مطالب حركة 18 أكتوبر المتمثلة في تحقيق حرية التعبير و الإعلام و حرية نشاط الأحزاب و الجمعيات و إطلاق سراح المساجين و إصدار عفو عام هي الشروط الأساسية لتحقيق الانفراج السياسي حتى تتجاوز البلاد حالة الاحتقان السياسي و الإجتماعي التي تهدد بالانفجار و التي باتت تشكل خطرا على حاضر البلاد و مستقبلها. كما اعتبر أن التغيير الديمقراطي يتطلب تحقيق شرطين. و يتمثل الشرط الأول بإجراء إصلاحات دستورية جذرية تنهي الحكم الفردي المطلق و تقلص من صلوحيات رئيس الدولة و تجعل الحكومة مسؤولة أمام السلطة التشريعية و ترسي استقلال السلطة القضائية و تؤسس محكمة دستورية و ترسي حياد الإدارة… و يتمثل الشرط الثاني في العودة إلى الإرادة الشعبية غبر انتخابات حرة و نزيهة ليختار الشعب من يمثله و من يحكمه …. و قال الشابي أن التاريخ القديم منه و الحديث أثبت أن فجر الحرية و الديمقراطية الذي أنار أركان المعمورة آت لا ريب فيه و أن الاستبداد إلى زوال مشددا على أن تحقيق الحرية و الديمقراطية يتطلب من جميع القوى الوطنية من أحزاب و جمعيات و منظمات و شخصيات تشديد النضال السلمي و المدني و الشعبي حتى تجتاز بلادنا هذه الأزمة و تفتح أفاقا جديدة مفعمة بالطموح و الأمل لجميع بناتها و أبنائها. (المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 10 جويلية 2006)
مأساة مساجين الرأي في تونس
عبدالله الـزواري
صفحة:25 شهادة السجين لطفي السنوسي يوم 13 أكتوبر 1991 تم نقلي رفقة مجموعة من الإخوة في قافلة إلى سحن برج الرومي، و لدى وصولنا قرابة منتصف النهار وجدنا شخصا بزي مدني( تبين فيما بعد انه المدير محمد الزغلامي) و معه مجموعة من الأعوان طلائع السجون بأيديهم الهراوات و معهم الكلاب و قد بدأ التعنيف صفعا و ركلا و ضربا بالهراوات( إضافة إلى كل ما يخطر على البال- و ما لا يخطر- من أنواع الشتائم) منذ فتح باب سيارة السجن و دون إزالة السلاسل و القيود عن أيدينا، أمرنا بالجثو على الركب، و أذكر أنه كان من بيننا محمد صالح الحدري الذي كان لا يزال يعاني من آثار التعذيب مما منعه من الامتثال مثلنا فتوجه له المدير ( بعد أن همس له أحد أعوان سجن تونس الذين رافقونا) و سأله: » ما بك؟ أتشكو شيئا؟ » فرد: » إن ذلك من آثار التعذيب » فصرخ في وجهه » أعندنا تعذيب في تونس؟ ما هي قضيتك؟ » و بإجابته: : سياسية » تلقى المسكين لكمة و صفعة ثم اعتدى هذا المدير على العقيد عبدالفتاح القلال و كان متقدما في السن « 62 سنة » و صرخ : » منذ اليوم قضيتكم هي سرقة الدجاج، ما هو صوت الدجاجة؟ صيحوا كلكم ق ق ق، أين الأعوان؟ أطروهم من الجانبين و راقبوا شفاههم و الويل لمن لا يمتثل ». وقد أحاط بنا الأعوان فعلا و من حين لأخر يخر أحدنا تحت وقع الركلات و ضربات العصي و الهراوات وقد أجبرنا على الطواف بأنحاء السجن على هذه الحالة، و دامت عملية التنكيل هذه حوالي الأربع ساعات و يعلم الله أنها مرت كدهر.. صفحة: 27 شهادة السجين منور النصري دأبت إدارة سجن المسعدين خاصة في عهد المدير نبيل العيداني على تنظيم استقبال خاص بالمساجين الإسلاميين. في أواخر ماي 1994 وقع استقبالي و جملة من الإخوة المرافقين لي: طليت أرضية الممر بمواد التنظيف و سكب الماء فوقها ثم اصطف الأعوان من الجانبين مسلحين بالهراوات قبل أن نعرى تماما و نجبر على الهرولة من أول الممر إلى آخره و كنا نتعرض أثناء ذلك للضرب بالهراوات و الصفع و الركل و شتى أنواع الإهانات و الشتائم…
صفحة: 28 شهادة السجين اسماعيل السعيدي سنة 1996 بمجرد وصولي إلى سجن المهدية تم إجباري على خلع ثيابي تماما ثم الجثو على ركبتي و الزحف و تعرضت للضرب بالعصي و الصفع و وجهت لي أقذر الشتائم و النعوت و أقسى الإهانات…
شهادة تاريخية نشرها موقع الحوار.نت عن لحظات انتقال الرائد الشهيد محمد المنصوري إلى الرفيق الأعلى في محلات وزارة الداخلية التونسية بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة بعد مرور أقل من شهر على انقلاب 7 نوفمبر 1987
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده. حبيب الرباعي: آخر لحظات من حياة الشهيد الرائد محمد المنصوري
بقلم: حبيب الرباعي هكذا تابعتُ آخر الدقائق التي لفظ فيها الشهيد الرائد المنصوري أنفاسه. عندما كثر عدد الرجال من مجموعة الإنقاذ أو « المجموعة الأمنية »، الذين جيء بهم إلى وزارة الداخلية للتحقيق معهم، اضطر مسؤولو التحقيق إلى جمع كل المدنيين في الغرفة رقم 4، ليتجاوز عددنا الأربعين معتقلا.. ولما ملأت الغرف الثمانية المتبقية بالعسكريين ورجال الأمن، أخرجوا مجموعة منا إلى مركز الإستعلامات ببوشوشة، ووزعوا البقية على الغرف « وأصلها مكاتب عادية » في الطابقين الثالث والرابع من بناية الداخلية لإتمام التحقيق معنا، وكنت من الذين أودعوا غرفة في الطابق الثالث المكوّن من ثلاث غرف. حينما كنا في الدهليز السفلي، كان الأكل يقدم لنا مرة في 24 ساعة لكل المجموعة، في حدود الساعة الواحدة ظهرا، وعندما نقلنا إلى طوابق المبنى، أصبح الأكل يقدم إلينا بشكل غير منتظم في الوقت وأحيانا تقدم إلينا وجبة في النهار، ووجبة في الليل. في الليلة التي استشهد فيها الفقيد الرائد المنصوري عليه رحمة الله ورضوانه, وكانت ليلة جمعة، في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر سنة 87، فتح أحد الموظفين المسؤولين في قسم الشؤون الإجتماعية للمعتقلين الباب علينا ـ ما بين الساعة التاسعة والعاشرة ليلا ـ ، ليقدم لنا وجبة العشاء، وكنا أربعة أشخاص. وما أن وضع الأكل، حتى سمعنا ضجيجا لم نعهده في مثل ذلك الوقت، ثم أصبح الكلام واضحا لأن الذين يتكلمون لا تفصلهم عنا سوى مسافة تتراوح بين 3 إلى أربعة أمتار.. ترك الضابط ـ الذي أتانا بالأكل ـ باب غرفتنا مفتوحا ليلتحق بزملائه، وقد يكون سبب تركه الباب مفتوحا، هو الإسراع في تقديم المساعدة لزملائه، لأن المجموعة التي تشتغل في الليل قليلة العدد، ولأنه أسن وأقدم منهم جميعا ولديه تجربة طويلة في التعامل مع المعتقلين، فقد كان يباشر التحقيق بنفسه في محنة 81. يشكل الممر المتصل بالغرفة التي نجلس فيها، والممر الذي يصدر منه الكلام وهو ممر المدرج الرئيسي الرابط بين الطوابق زاوية، بحيث لم يمنعنا من رؤية الشهيد المنصوري رحمه الله تعالى بعد مسافة أو تفاوتا بن الطوابق، بل منعنا من ذلك تقاطع الممرات. كنا نسمع بوضوح قول محقق مشهور بقسوته وانتمائه لتيار ماركسي متطرف، يُعرف في وجهه المنكر، يتلهف في السطو على كل مسلم. كان يهوي على الأخ بعصا من خشب، نسمع صداها بوضوح بسبب الصمت المطبق في البناية، وانعزالنا على العالم الخارجي الذي هدأت فيه الحركة هو الآخر.. يضرب بقسوة نشعر بها من خلال زفيره وإطباق أسنانه غيظا وحقدا، كان يقول ويردد. « إطلع » « اتحرك » « آقف » ويده لا تتوقف عن الضرب الوحشي الذي يمزق الأحشاء عند سماعه. ليست المرة الأولى التي نسمع فيها فصول تعذيب بمثل هذه القسوة، فقد كانت تصدر من الطابق الثاني عبر الشبابيك، أصوات ضرب وصياح أثناء التحقيق اليومي من قبل المحققين، يقابله صياح من الإخوة الذين تتعرض أجسادهم الطاهرة إلى التعذيب، نسأل الله تعالى أن يقينا جميعا « قهر الرجال ». بيد أن الأمر في تلك الليلة كان على غير العادة، حيث كانا نسمع ضربا مبرحا وصياحا من الجلاد ومرافقيه، ولم نسمع مقابل ذلك ولو صيحة واحدة من الأخ الذي يسلط عليه كل ذلك العذاب.. الذي كلما تذكرته طويت الأزمان في ذهني طيا، فتصبح الجلبة التي كنت أسمعها ساعتها، كأنها حصلت قبل دقائق من كتابة هذه الأسطر، وليس قبل ما يقرب من عقدين من الزمن. في لحظة ما، توقف ضرب الجلادين وصياحهم، وسمعنا بعدها حركة صعودهم إلى الأعلى، وكلاما مبهما وحركة في الطابق الرابع دامت بضع دقائق، ثم عاد الضابط الذي أتانا بالطعام على إثرها وأغلق علينا الباب وانصرف. بعد نصف ساعة سمعنا بابا من أبواب غرف الطابق الرابع يطرق بعنف، ظننا بادئ الأمر أن أحد الإخوة يريد الخروج إلى « بيت الراحة » ـ وإن كانت الراحة منعدمة في مبنى الداخلية ـ وقد تعودنا على سماع أبواب الغرف العلوية تطرق بقوة، الأمر الذي كنا نقوم به نحن في غرفتنا أيضا، فالأعوان يسهرون في الطابق السفلي، وفي بعض الأحيان نشعر وكأنهم يريدون تعذيبنا بالتأخر في الاستجابة لنداءاتنا. ولكن الطرق كان قويا ومتواصلا تلك المرة، مما يعني أن أمرا ما حصل، وإلا فإن مثل هذا الصنيع يعرّض صاحبه إلى عقوبة شديدة والكل يعرف ذلك. سمعنا بعدها حركة استمرت وقتا بين صعود ونزول (يمنع على المعتقلين أن تكون بحوزتهم ساعة). كنا متوجسين وننتظر الصباح لنسأل إخوة الطابق الرابع عن الأمر عبر شبابيك الطابقين الواقعة فوق بعض . حاولنا في اليوم الموالي التخاطب مع الإخوة في الطابق الرابع لاستجلاء الأمر، ولكن حركة أعوان الأمن في الممرات منذ الصباح في حالة من الهستيريا غير معهودة، حالت دون بلوغ مطلبنا.. ومن حسن حظنا أن الأعوان أنزلوا لغرفتنا أحد الإخوة من الطابق الرابع في الوقت الأول من فترة الضحى. وقبل أن يستقر به المقام بيننا سألناه عما جرى البارحة في الطابق الذي جاء منه. قال: « كنا موزعين على غرفتين، وجاء أحد الأعوان وطلب من الإخوة الموجودين في الغرفة الواقعة بالداخل التحول إلى الغرفة الأولى، أي تلك التي تقع فوقنا مباشرة، واستثنوا من هذا الأمر أحد المعتقلين، أكبرنا سنا متهم بتهريب بعض الأفراد إلى الجزائر. وطلبوا منه البقاء في نفس الغرفة، ثم جيء بأحد المعتقلين وتركوه في صدر الغرفة وانصرفوا. بعد نصف ساعة تقريبا بدأ الخوف يتملك الرجل الذي أبقوه في الغرفة، فقد حاول مرارا التخاطب مع من جيء به ولكن لم يحصل أي تفاعل مع هذا الأخير، ثم إن علامات التعذيب الشديد ظاهرة على جسده، ولا يسمع له أنين أو تأوه، كشأن كل معذب مجروح منهك من طول التعليق والضرب.. ساعتها بدأ الرجل بطرق الباب بشدة إلى أن قدم الأعوان فأخبرهم مباشرة بالأمر ». كان في الغرفة الأولى أي التي جاء منها الأخ والتي حشر فيها جميع إخوة الطابق طبيب، نادوه لمعاينة الحالة الصحية للنزيل الجديد بالغرفة، علم الطبيب بحسب العلامات الظاهرة، أنه ليس أمام حالة مرضية ولكنه أمام حالة تقتضي منه التأكد إن كان صاحبها على قيد الحياة أم فارقها، لأنه لا يحس بالنبض في معصم الأخ وليست لديه سماعات دقات القلب. طلب من الجلادين أن يمدوه بإبرة أو مسمار ليقوم بوخزه في عصب من الأعصاب، ليتأكد من ردة الفعل العصبية اللاإرادية لدى المصاب. ساعة أن طلب منهم الأخ الطبيب مطلبه، أمروه بالرجوع إلى الغرفة التي كان فيها، وأغلقوا عليه الباب، ثم تحركوا على جناح السرعة لينزلوا الجثة ويذهبوا بها إلى المستشفى. وقد علمنا بعد ذلك بأن الحادثة التي تابعناها في تلك الليلة سماعا، مثلت فصلا من فصول استشهاد الرائد المنصوري تغمده الله برحمته. لا ندري إن كان قد فارق الحياة في الممر الذي بجانبنا أو في غرفة الطابق الرابع، أو مات في المستشفى. ولكن من المؤكد أنهم قد أخذوه إلى الطابق الثالث حيث نحن، وفيه رمق من حياة ، وإلا فكيف يقبل أن يكون قد خلص بين أيديهم في الطابق الثاني، ثم رفعوه جثة ميتة إلى الطوابق العليا ليسمع الكل ما حدث!! لقد كان رحمه الله تعالى ـ والله أعلم بأحوال عباده ـ ساعة سماعنا لضرب الجلادين لجسده الطاهر يعيش مع عالم آخر، عالم مفتوح نحو السماء ليرفع روحه الزكي إلى رب العرش العظيم شاهدة أمام الله تعالى ـ وكفى بالله شهيدا ـ على ظلم الظالمين الذين لم يرفعوا أيديهم عن جسده الذي كان يسكن فيه روحه النقي، حتى وهو في النزع الأخير. إن روحه لم يعد يتأثر ويتألم بالضرب الوحشي الذي كنا نسمعه، لأنه مقبل على ربه راضيا بحكمه مستبشرا بما يرى من ملائكة بيض الوجوه ينتظرون ملك الموت لقبض روحه الطاهر.. – عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً ثُمَّ قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِى إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ – قَالَ – فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِى السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِى ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِى ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ – قَالَ – فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلاَ يَمُرُّونَ – يَعْنِى بِهَا – عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِى كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِى الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِى تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِى فِى عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ فَإِنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى – قَالَ – فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنَ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِىَ الإِسْلاَمُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ . فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ . فَيُنَادِى مُنَادٍ فِى السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِى فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ – قَالَ – فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِى قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ – قَالَ – وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِىءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِى وَمَالِى. …….(رواه أحمد) صحيح أن حب البقاء يعد أكبر وأهم « غريزة » للإنسان تتضاءل أمامها بقية الغرائز ومطالب الإنسان، ولكن بشارة المولى عز وجل لمن يواجه الموت في سبيل الله تعالى، بالرضوان والكرامة، يفقد غريزة حب البقاء قيمتها وإلحاحيتها على المؤمن، فيلهيه ما يستقبل من نعيم الله تعالى ورضوانه عما يلاقيه جسده من تعذيب وتنكيل. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » . قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ . قَالَ « لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » مات الشهيد الرائد محمد المنصوري رحمه الله تعالى، ولكن شاء الله تعالى أن يتحرر بكل قطرة من قطرات دمه الزكي مواطن تونسي، من قيود الخوف وإرهاب السلطة الغاشم. وأصبح التحدي يأتيها من كل جانب، وتاقت كثير من النفوس ـ رغم التحديات ـ إلى التضحية في سبيل الحق، وزرع الخير رغم أنوف معارضيه، وقد كانوا قبل ذلك خارج قوائم المتهمين من قبل السلطة. لقد حاق بمن قتل الرائد المنصوري ومن أعطى الإذن بتحقيق لا شفقة فيه ولا رحمة ما كان يحذر كما حصل لصاحب الأخدود، فقد شهد النظام نفسه بعد مدة، بأن أصحاب الشهيد ورفقاء دربه أبرياء وأن إطلاق سراحهم فورا هو حقهم الذي لا يمكن التأخر عنه، وعرف عن المتهمين بما في ذلك الشهداء، أنهم هم الوطنيون الأحرار. نسأل المولى جل ثناؤه أن يكون الفقيد ممن قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم: {سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله}أما الذين قتلوه فإهم آيلون لا محالة إلى الجبار المنتقم وينتظرهم قوله تعالى: )وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما. تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (المصدر: موقع الحوار نت بتاريخ 11 جويلية 2006)
بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
تونس في 10/07/2006
بقلم محمد العروسي الهاني مناظل دستوري
تكريم رجال العلم و الثقافة واجب وطني و مسؤولية الجميع و مواصلة دعمه و تطويره
إنّ رسالة العلماء و مشائخ العلم من أسمى وأنبل الرسائل وأنّ العلماء ورثة الأنبياء كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنّ واجب العناية بهم من الاصول و الأخلاق و التربية.
و تقديرهم و توقيرهم من انبل ما يقوم به المواطن و المجتمع و الدولة نحو العلماء و المربين الأفاضل أصحاب السمو و الاخلاق و التواضع القدوة الحسنة في حياتنا و في مجتمعنا العربي المسلم الأصيل.
المؤدب الأول كنا نوقره و نكرمه
و نجله و نحترمه و كلمته مسموعة وأوامره منفذّة و الوالدين يطمأنوا للمؤدب الذي هو المدرسة الهامة الثانية بعد الأسرة. ولو أنّ أحيانا المؤدب يستعمل العصا و الفلقة لمن تكاسل أو قام بالتشويش و لم يحفظ سورته. و الأبوين يحرصان على ضرورة تأديب المؤدب لأبنائهم و بعد المؤدب جاء دور المعلم صاحب الرسالة التربوية و الأخلاقية و قديما قال الشاعر
قم للمعلم ووافيه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
وفعلا كان دور المعلم هام و مفيد و هو الأمين الراعي و الأب الروحي لتلاميذه يعلمهم و يؤدبهم و يرعاهم و يسعى جاهدا لإنارة عقولهم بنور العلم و القرآن و رسالته السامية و جهوده المضنية و تضحياته لا تساويها تضحية و لا جهاد. يأتيه الطفل الصغير في سنّ السادسة لا يعرف شىء و لا يفقه كلمة و لا جملة و لا يعرف نحو و لا صرف و لا حساب و لا تربية دينية و مدنية ووطنية و لا تاريخ فيصبح بعد سنوات تلميذا نجيبا لامعا ممتازا ويأخذ مكانه في مرحلة الثانوي و يجد الأستاذ المربي الوطني الغيور فيثني الركبة صباحا مساء لتهيئة هذا الكنز و صقل مواهبه و مزيد دعمه بالعلم و المواد الهامة حسب البرنامج الوطني للتعليم فإذا بهذا التلميذ نابغة و ينجح في الباكالوريا بمعدلات هامة و متوسطة حسب مواهبه و يفرح الأستاذ بنجاح تلاميذه و دخولهم للجامعة المرحلة العليا لنهل مزيد العلم و المعرفة و يسعى أساتذة الجامعة و الكليات للمحافظة على هذه الأمانة و تطوير مناهج العلم و يصبح الطلبة في عائلة أكبر و جو أعلى و أسرة تربوية و مناخ تربوي جديد و عالم آخر و بحر زاخر بالعلم و الاكتشافات العلمية الحديثة و القديمة وإذا بهذا الطفل أو الطفلة قبل 13 سنة في الابتدائي و الثانوي بفضل ما غرسه فيهم المعلم و الاستاذ يجدون أنفسهم في عالم كبير و علم غزير و عائلة متطورة بنور العلم و المعرفة و ينكب الطالب على الدراسة فإذا به مجاز بعد 4 أعوام و منهم من واصل الدراسة العليا
آفاق و مجالات أوسع
و بعضهم من النجباء بفضل طموحاتهم العلمية و إستعداد أوليائهم و ما وفرته الدولة من إمكانيات واصلوا الدراسة لنيل الشهادة العليا الدراسات المعمقة أو الدكتوراه و لا غرابة حتى إبن الريف و الصحراء وابناء الفقراء و ضعاف الحال سدّد الله خطاهم و تألقوا في التعليم و تحصلوا على الدكتوراه حلم الأولياء و الأسر و اصبح و الحمد لله بعد نصف قرن من الاستقلال و 40 سنة من ميلاد الجامعة التونسية لدينا في تونس نوابغ و علماء و أدمغة عليا يتشرف الوطن و يعتز بهم المجتمع التونسي بفضل
رهان بورقيبة على العلم
و هذه ثمرة المجاهد الأكبر الزعيم الحبيب بورقيبة الذي راهن على العلم و المعرفة و قال كلمته المشهورة أريد أن أسوس شعبا متعلما مثقفا يعارضني و لا أريد أن أقود شعبا جاهلا لا يعوّل عليه و هذا الرهان تواصل في العهد الجديد و كان رهانا ناجحا و التونسيين غزو العالم بفضل العلم.
رجال نكرمهم و نرعاهم
من الواجب الوطني دعم السنة الحميدة التي دأبت عليها بلادنا منذ الإستقلال بإشراف رئيس الدولة لتكريم أهل العلم و المربيين و التلامذة و الطلبة النجباء و هذه السنّة مستمرة و الحمد لله إلى يومنا هذا…
مسؤول محلي بجهة الأحواز الجنوبية يريد أن يقف له رجل العلم و الدين و حامل القرآن الكريم و مولعا بأخبار المصلين و من يصلي على اليمين و عن الشمال و لا شىء عنده إلأ أخبار المصلين و متى يفتح المسجد و متى يغلق.
كنا نسمع في عهد الباي محمد الأمين و هو مقيم بقصره بحمام الأنف اين يسكن شيخ الإسلام العلامة الشيخ محمد الصالح بن مراد. و عندما يأتي الشيخ الجليل إلى قصر الباي يقوم الباي من فوق الكرسي إجلالا و إحتراما للعلم و العلماء. و ذات مرة نسي الباي و لم يقف لشيخنا العلامة فما كان من الشيخ إلا أن رجع غاضبا من تصرفات الباي و إعتذر هذا الأخير و لكن إعتذاره لم يفيد ووقعت قطيعة لمدة زمنية هكذا كان يعامل العلماء و كذلك في عهد الإستقلال.
الزعيم بورقيبة رحمه الله يكرم العلماء
أكرم رجلين في حياته إكراما خاصا و أجلسهم في مكان يليق بكرامتهما و مكانتهما العلمية و السياسية هما الشيخ محمد الفاضل بن عاشور شيخ الإسلام و مفتي الجمهورية و الرئيس منداس فرانس رئيس حكومة فرنسا صاحب مبادرة الإعلان على الاستقلال الوطني الداخلي.
و كذلك الرئيس بن علي يكرم العلماء و المربين: ؟ أما المسؤول المحلي فإنه يريد أن يقف له الإمام الخطيب و إمام الخمس إجلالا له و تجاهل أن العلم أسمى و أعظم
مسؤولين صغار تنقصهم الخبرة و التجربة و ربما الحكمة
إنّ ما حصل في الحنشة مؤخرا في حفل تكريم السنة المدرسية بمعهد ثانوي يحمل إسم مناظل كبير و رمز من رموز الحركة الوطنية المناضل الحسين الحاج خالد السلامي في هذا المعهد الثانوي لم يفقه ما يقول المسؤول المحلي الذي تنقصه الحنكة و التجربة و تجاهل رسالة المربين و قد اطلعت على الخبر بواسطة جريدة الموقف الصادرة يوم 7/07/2006 في مكان هذا المسؤول المحلي أعتذر على ما حصل كتابيا لأن منطقتي تعزّ عليّ و أعتذر بصفة خاصة لأخواني و أخواتي الأساتذة و المربين الأفاضل الكرام الأجلاء أصحاب الرسالة التربوية السامية و كما أعتذر للنقابة الأساسية للتعليم الثانوي و الإتحاد الجهوي بصفاقس و أعلق على أخونا الجديد في المسؤولية بجملة خالدة ما هكذا ترد الإبل يا سعد …
قال الله تعالي : قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون »
صدق الله العظيم
ملاحظة : الفارس الذي تفرّس طيلة 15 سنة كان بحق مدرسة متجوّلة يعرف كيف يستوعب الجميع بتواضعه و أخلاقه و علمه فليكن مرجعا لكم و لأمثالكم يا سي راشد الامام الخطيب.
محمد العروسي الهاني
مناظل دستوري
رئيس شعبة سابقا بالحنشة
في معاني المصلحة الوطنية العليا وفي المعنيين بها
بلقاسم حسن المصلحة الوطنية العليا مصطلح يتردد دوما قولا وكتابة، وهو من المصطلحات السياسية التي تستعمل أحيانا للتحفيز وإثارة الحماس ومخاطبة الحس الوطني. وفي هذا السياق تعني المصلحة الوطنية البذل والعطاء بلا حدود والتضحية بالغالي والنفيس ونكران الذات وتغليب الصالح العام… كما يستعمل هذا المصطلح للتعبئة وتوحيد الصفوف وتحقيق التعاون والتضامن الوطنيين وذلك عند وقوع أخطار تهدد الوطن أو حصول كوارث طبيعية أو أزمات اقتصادية واجتماعية فيصبح إنقاذ الوطن وضمان سلامته والدفاع عن ترابه وحفظ سيادته وأمنه هو الهدف الموحد للجميع وتصبح المصلحة الوطنية العليا بمثابة الراية التي يلتف حولها الجميع وتصبح التضحية فداء للوطن الشعار الموحد لجميع أبناء الوطن الواحد كما هو معبر عنه في النشيد الرسمي التونسي: نموت نموت ويحيا الوطن.. هذه المصلحة الوطنية العليا التي تدفع كل مواطن الى نكران الذات والتضامن الكلي والمطلق مع أبناء وطنه دون حسابات ودون حدود ودون ضغوطات واجب انساني عظيم وحق مقدس للوطن وللمجتمع على كل فرد من أفراده. بل ويعتبر عدم اعتبار المصلحة الوطنية العليا في مثل هذه الحالة خيانة عظمى وجبنا وعارا. بهذه المعاني الجليلة يستعمل مصطلح المصلحة الوطنية ككلمة حق يراد بها حق.. واستعماله ليس حكرا على أي كان من أبناء الوطن وليس فيها أي امتنان من أحد على أحد، فهذا واجب الرجل والمرأة، المؤجر والاجير، العامل والفلاح والتاجر وصاحب المصنع ورجل الاعمال، والجندي والسياسي والنقابي والمثقف ورجل الاقتصاد، وابن المدينة وابن الريف، والسلطة والمعارضة… وباختصار الجميع في هذا الوطن.. هنا تصبح المصلحة الوطنية لا قبلها ولا بعدها، لا المال ولا الاطفال ولا الزوجة ولا الزوج ولا الدم ولا الروح. في معنى آخر يستعمل مصطلح المصلحة الوطنية لمصلحة خاصة لفئة ما لجماعة ما، لجهة ما، لاعتبارات ما. قد تستعملها السلطة للمطالبة بمساندة برامجها واختياراتها ولدعم سياساتها وتأييد قراراتها.. وقد تكون في تلك البرامج والاختيارات والسياسات والقرارات مواطن خلل وسلبيات فتتم معارضتها – السلطة في مثل هذه الحالة ترفع شعار المصلحة الوطنية في وجه المعارضة معتبرة ان معارضة اختياراتها وسياساتها مس بالمصلحة الوطنية – وهنا يكون التلويح بالمصلحة الوطنية سلاحا ذو حدين، فهو سيعبأ أنصار السلطة من ناحية وسيضع المعارضين في خانة المتهمين باللاوطنية من ناحية أخرى وستصبح الوطنية تعني مساندة الحكومة واللاوطنية تتمثل في معارضة الحكومة. وستكون عبارة المصلحة الوطنية في هذا السياق كلمة حق يراد بها باطل. وهذا أمر خطير، حيث يتم حشر أصحاب الرأي المخالف للحاكم في خانة اللاوطنية وما ينجر عن ذلك من انعكاسات تجعل المعارضة متهمة في وطنيتها في حين ان رسالتها بصفتها معارضة في جوهر الوطنية وحيث انه من المفروض ان معارضتها قائمة لاعتبارات وطنية باعتبارها ترى سياسة الحكم لا تخدم المصلحة الوطنية كما تراها وتقدم بديلا يصب لفائدة تلك المصلحة.. ومن أجل تلك المصلحة الوطنية يضع المعارض نفسه أمام أخطار كثيرة بسبب علاقة الاختلاف مع السلطة واحتمالات الايقاف والسجن والطرد من العمل والتضييقات المختلفة… كما أن هذا أمر خطير لأنه يجعل المعارضة في نظر شرائح وفئات واسعة من الشعب متهمة وبالتالي يجب تجنبها وعدم الانتماء اليها وتحاشي الاتصال بها.. وهذا لا يخدم المصلحة الوطنية في شيء حتى وان خدم مصلحة السلطة، والموقف الوطني فعلا والتوجه الديمقراطي فعلا هو التحاور والتشاور لأخذ المواقف التي تمليها المصلحة الوطنية بعد دفاع كل طرف عن آرائه وبعد اعتماد الأساليب الديمقراطية في الحوار من خلال الصحافة والبرلمان والاجتماعات العامة مع القواعد والأنصار حتى يصبح الشعب على بينة من حجج كل طرف.. ويقع الاحتكام للقاعدة الديمقراطية المتمثلة في اعتماد رأي الأغلبية وقبول الأقلية بذلك. كما يستعمل مصطلح المصلحة الوطنية من طرف المعارضة في مواجهة السلطة لتبرير الاختلاف معها ولمهاجمة سياساتها واختياراتها في سياق كلمة حق يراد بها باطل في إطار النظرة الضيقة لحساب المعارضة. هنا أيضا تكون كلمة حق يراد بها باطل ويقع حشر الحكومة في خانة العمالة واللاوطنية لمجرد أن للمعارضة رأي مخالف وهي بعد في المعارضة ولم تمارس الحكم ولم تخضع للعراقيل والصعوبات التي يمليها الواقع وتفرضها الظروف الموضوعية. ولنا في مثال المعارضات في العالم الغربي خير دليل على صحة ما نقول – فهي حين تكون في المعارضة تؤاخذ الحكومات على سياساتها وحين تستلم السلطة تضطر إلى ممارسة نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية والدولية… وتقدم تبريرات لا تخرج كثيرا عن المصلحة الوطنية. هناك قولة شهيرة مؤداها أن النقد سهل ولكن الإبداع صعب، لنقل على منوالها: الكلام سهل والفعل صعب، التعليق سهل والتطبيق صعب… لو تعامل كل طرف بمعرفة فلسفة الآخر ومنطلقاته والتعرف الى مقترحاته وملاحظاته ولو تعامل كل طرف مع الآخر دون اتهامات ودون احراجات ودون احكام مسبقة ودون تعصب للذات وبأخذ المصلحة الوطنية الفعلية من الطرفين بالاعتبار لخرجنا من نفق تخوين كل طرف للاخر واتهام كل طرف لغيره باللاوطنية ولتحققت الديمقراطية الفعلية التي تصبو اليها مجتمعاتنا العربية منذ قرون والتي طمح إليها المصلحون منذ عرفوا مدى تأخر بلداننا ومدى تخلفها عن العالم الغربي الذي انخرط في درب الحداثة والديمقراطية والتقدم وعبأ كل طاقات المجتمع في سبيل المصلحة الوطنية فلا تتهم السلطة في وطنيتها ولا تتهم المعارضة بالتآمر والخيانة ولا تكون المصلحة كقميص عثمان يتباكى عليه والقميص بريء براءة الذئب من دم يوسف. طبعا قد تكون مواقف البعض لا وطنية فعلا، قد تكون ضد مصلحة الوطن، وقد تصدر هذه المواقف عن السلطة كما قد تصدر عن المعارضة، دون ان نغفل امكانية صدورها عن أفراد ولكن هذا موضوع آخر. واذا كانت بعض مواقف السلطة لا تخدم المصلحة الوطنية بل وتضربها فان المعارضة تواجهها حقا وواجبا، وعليها مخاطبة الشعب والاحتكام اليه بحجج وبراهين، ومن الواجب ان تتحدى المعارضة كل الضغوط وكل المخاطر دفاعا عن المصلحة الوطنية المهددة واذا كانت بعض مواقف المعارضة لا تخدم المصلحة الوطنية بل وتضربها فان السلطة تواجهها ومن حقها ومن واجبها فضحها والاحتكام للشعب وللقانون حولها… هذه مسألة وطنية وديمقراطية لا يختلف حولها اثنان عاقلان وطنيان.. مع التأكيد على الخطر كل الخطر من استعمال سلطة الهوى والمنطلقات الذاتية لتوزيع صفة الانتماء الى الوطنية جزافا والاتهام باللاوطنية جزافا.. فالوطنية لا تخفى على أحد والمصلحة الوطنية العليا لا تخفى على أحد. (المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية، العدد 507 بتاريخ 8 جويلية 2006)
في « منتدى التقدم »: المجتمع المدني و قضايا الإصلاح السياسي في العالم العربي
عادل القادري احتضن المقر المركزي لحزب الوحدة الشعبية يوم الخميس 29 جوان 2006 في إطار منتدى التقدم لقاء فكريا مع الدكتور الحبيب الجنحاني حول المجتمع المدني وقضايا الإصلاح السياسي في العالم العربي أشرف على افتتاحه الرفيق حسين الهمامي والرفيقة عربية بن عمار (عضوا المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية). وقد تولى المحاضر مقاربة المسألة تاريخيا ومفهوميا بالتركيز على ثلاثة محاور أساسية وهي النخبة السياسية والفكرية العربية والمجتمع المدني والدولة. و أبرز من خلالها أن النخبة العربية لم تنتظر مشروع الشرق الأوسط الكبير للاهتمام بقضية الإصلاح السياسي ونظم الحكم بل شرعت في ذلك منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر. وما تميّز به في تونس ـ التي استشعرت نخبتها أخطار الاحتلال الفرنسي للجزائر ـ المصلح خير الدين باشا الذي جمع بين الفكر السياسي والممارسة السياسية و حاول أن يدرس التجارب الأوروبية وأسباب التقدم وانتهى إلى استنتاج أنه لا يمكن تطبيق برنامج تحديثي في ظل حكم مطلق وكان يتحدث عن العدل السياسي (بمعنى يختلف عن العدل لدى الطهطاوي في مصر) ومراقبة البرلمان للحكومة… وتواصلت بعد ذلك حركات الإصلاح في الفترة الاستعمارية التي ركزت خلالها النخبة على التحرر الوطني والخلاص من الاستعمار المباشر. وقد كانت واعية أن الاستقلال ليس هدفا في حد ذاته وإنما هو مدخل ووسيلة لبناء الدولة الوطنية الحديثة دولة الحريات التي علقت عليها الأجيال آمالا واسعة. ولكن النخبة ركزت بعد الاستقلال على التنمية للخروج من التخلف وأغفلت قضية الإصلاح السياسي والحريات العامة وكأنه ثمة تناقض بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية. وفي المحور الثاني قدّم الدكتور الحبيب الجنحاني مفهوم المجتمع المدني المختلف عن المجتمع الأهلي والأوسع منه. وهو مفهوم دخيل نشأ في أوروبا في القرن الثامن عشر ثم شهد تجديدا وتعميقا على يد غرامشي خلال القرن العشرين وألمح أن البعد الطبقي للمجتمع المدني لا يتنافى مع الاتفاق على حدود دنيا مشتركة بين مكوناته. و لم يبرز هذا المفهوم في الساحة الفكرية العربية إلا في بداية الثمانينات وقد تبنته بعض السلط العربية ووظفته ظرفيا ـ دون جدية ـ مقابل المجتمع الديني. وهنا ذكر المحاضر بدعوته إلى فصل الدين عن السياسة وليس فصل الدين عن الدولة. مؤكدا من جهة أخرى أن من لا حقوق له لا هوية له . كما شدّد على أن المجتمع المدني لا يعوض الأحزاب السياسية والنقابات التي يزعم البعض أن دورها قد انتهى إلى الأبد ونبّه إلى خطورة هذه الفكرة على المجتمع المدني الذي يبقى محتاجا إلى دعم الأحزاب وحمايتها وهو بدوره يدعمها ويسندها.ثم أشار إلى بروز مفهوم جديد هو المجتمع المدني الكوني تجسم من خلال حركات وشبكات العولمة البديلة وما دفعته من تضحيات وانتقد ما يسمى بالعولمة المضادة واعتبر أن شعارات العالمية الإسلامية والعوربة وغيرها هي من المقولات المضللة والفارغة. وفي هذا السياق دعا إلى التمييز بين القوى المدنية الصديقة في الغرب والمدافعة عن قضايا الجنوب وغيرها من القوى ذات الخلفية الاستعمارية فالغرب متعدد وليس واحدا ومن الخطأ أن نرفض الغرب ككل. ومن الضروري أن يحسن المجتمع المدني العربي التعاون مع الأصدقاء مع الحفاظ على استقلاله. أما المحور الثالث من المداخلة فقد أبرز التلازم والتكامل بين المجتمع المدني والدولة، وأوضح المحاضر المخاطر الكامنة في مقاومة الدولة باسم المجتمع المدني كما يحدث الآن في بعض الأقطار العربية، وفي مقابل الشعار الليبرالي القائل قليل من الدولة، كثير من المجتمع المدني دعا إلى دولة قوية ومجتمع مدني قوي ولكن الدولة المعنية هنا هي الدولة التي تحترم الحريات العامة والمؤسسات الدستورية، لأنها إذا لم تلتزم بذلك فستؤلّب عليها المجتمع المدني. مشيرا إلى أن البعض يخلط بين الدولة والسلطة فالدولة تستمر والسلطة تتغير. وقد أثارت هذه المداخلة الملخصة لبعض الأفكار الواردة في كتاب د. الحبيب الجنحاني الصادر بعنوان المجتمع المدني وقضية التحول الديمقراطي في الوطن العربي نقاشا ثريا وهادئا أسهم فيه عدد من ممثلي الجمعيات والمنظمات الحقوقية والعمالية والطلابية والأحزاب السياسية المعارضة في تونس. السيد الحبيب قيزة ( رئيس جمعية محمد علي للبحوث والدراسات والتكوين ) أشار في تدخله إلى التفاعل الجدلي بين الداخل والخارج في عملية الإصلاح مؤكدا أن لا إصلاح من دون مشروع متكامل ونحن اليوم نعاني أزمة بلورة مشروع كما أنه لا إصلاح بلا علمانية وحداثة. معددا أربعة شروط للإصلاح هي التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية وتجاوز المفهوم الماضوي للهوية التي هي معطى متغير بالإضافة إلى ضرورة الاندماج الإقليمي. مشيرا من جهة أخرى إلى بؤس المكتبة العربية. أما السيد الحبيب مرسيط ( رئيس فرع تونس لمنظمة العفو الدولية) فقد تحدث بصفته الشخصية كمثقف ومواطن ليتساءل عن أسباب تلكؤ النهضة العربية وفشلها رغم المجهودات والتضحيات مذكرا بتقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية الخاص بالمنطقة العربية ( أمية ، فقر، استبداد سياسي…) حيث يكاد العالم العربي يكون في حالة خراب تنبعث منه رائحة الموت والتشظي. ومع ذلك فقد دعا إلى نظرة موضوعية بعيدا عن جلد الذات، نظرة ليست سوداوية عدمية ولا وردية مجمّلة للصورة كما تفعل بعض الأجهزة. وأبرز أهمية الدراسات المقارنة لتبيّن أسباب نجاح النهضة الأوروبية والصينية والهندية واليابانية وأمريكا اللاتينية. في حين أننا كعرب ما زلنا لم ندخل عصر الحداثة سواء على الصعيد الفكري أو السياسي أو الاجتماعي. ملاحظا أنه لا يوجد لدينا اسم عربي واحد في مستوى الفكر الإنساني المعاصر. ثم طرح حزمة من الأسئلة المتضافرة حول المجتمع المدني والمجتمع السياسي: هل لنا مجتمع مدني؟ هل نحن مواطنون أم رعايا؟ هل إن الجمهورية هي فعلا جمهورية أم هي شيء مشوه؟ وكيف أخذنا من الاشتراكية والرأسمالية أسوأ ما فيهما؟ ما هي طبيعة الدولة عندنا؟ ليؤكد بعد ذلك أن الدولة تبني المجتمع والمجتمع يبني الدولة. والمجتمع المستبد يفرز دولة مستبدة. وأنهى تدخله بمسألة جدلية الكونية والخصوصية مشيرا إلى ما يسمى بحرب الحضارات حيث عوض ستار الإسلام الستار الحديدي وحيث أصبحت التيارات الإسلامية تطرح نفسها كبديل وكقوة ريادية ،مشيرا من ناحية أخرى إلى العوائق الابستمولوجية الكبرى التي تعترض الناشطين العرب في بعض المنظمات الدولية ( مثل أمنستي) عند التعامل مع بعض القضايا القومية الحارقة كالقضية الفلسطينية ومسألة قتل المدنيين. من جهته اعتبر السيد محمد جابلي ( كاتب عام رابطة الكتاب الأحرار غير المرخص لها) أن المجتمع المدني في البلاد العربية ( ومنها تونس) وهم. مشيرا إلى منع العديد من الجمعيات والمنظمات من النشاط القانوني ومحاصرتها وقمعها مما أدى إلى أن الجمعيات المستقلة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. وهو ما يدعوه إلى التشكيك في الاستقلال الوطني الذي سلب منا سريعا باستلاب الحرية وهدر وإفراغ كل الطاقات الجديدة لنتدرج نحو عودة الاستعمار . ولم يخف تشاؤمه حين توقع أن المستقبل سيكون سلفيا إذا ما تواصلت الأوضاع علي ما هي عليه. السيد رضا بن حسين ( عضو المكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وعضو مجلس النواب) كان أكثر تفاؤلا حيث أبرز الجهد الذي تقوم به أحزاب المعارضة وممثلوها في البرلمان من أجل المشاركة في تعزيز الحريات العامة وتعاونها لدعم التعددية في تونس. وتعقيبا على الجانب التاريخي لمداخلة الأستاذ المحاضر أشار إلى ضراوة الاستعمار الفرنسي ومحاولته طمس الهوية وما أثاره من رجة نفسية والدور الذي قامت به بعض الجمعيات الثقافية مثل الخلدونية وقدماء الصادقية والجمعيات المسرحية للحفاظ على الهوية الوطنية قبل ظهور الحزب الدستوري. وقد كانت فترة ثرية ونشيطة جدا. كما اعتبر أننا ما زلنا إلى اليوم نعيش تبعات مؤتمر بنزرت سنة 1964 الذي كرّس الهيمنة (التي بدأت قبل ذلك ) للحزب الحاكم على المنظمات والنقابات وهذا ما لم تستطع أحزاب المعارضة أو بقية مكونات المجتمع المدني في تونس تغييره إلى اليوم. في حين أخذت بعض الأقطار العربية (مثل المغرب) تتجاوز مرحلة انكماش المجتمع المدني وضعف حراكه. مشيرا في مستوى آخر إلى الخلط الواقع في تونس بين النضال المدني والتوجهات الفئوية الضيقة وطغيان المصالح الخاصة على المصلحة العامة. أما السيد نصر الدين بن حديد(صحفي) فقد ماثل بين النظرة التي تنظر بها النخبة العربية إلى الشعب ونظرة السلطان. منبها إلى ظاهرة أن النخب أصبحت أفرادا ليس لها برامج بل تحركات. ملاحظا بالنسبة إلى كتاب الدكتور الجنحاني أنه ربما كان من الأفضل أن يكون تأليفا جماعيا بمعية كتاب عرب آخرين. السيد منذر جغام ( عن تيار الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة) انتقد المنهج الذي اعتمده المحاضر في مقارباته وتحديداته التي أعطت أهمية أكبر للسياسي من المدني وهذا خطأ خير الدين الذي نعيده اليوم ، مفضلا تناول واقع مخصوص وراهن (تونس) لأن انتصارات المجتمع المدني في المغرب أو انتصارات اليسار في أمريكا اللاتينية قد لا تعنينا أو تفيدنا كنموذج. مشيرا إلى أن المداخلة لا تغني عن قراءة الكتاب. وذكّر بأن عابد الجابري قد عاد إلى القرن السادس بحثا عن مجتمع مدني عربي. كما لاحظ أن تطور المجتمع اليوم مرتبط بتطور حرية الفرد. واعتبر أن التاريخ العربي الإسلامي كان صراعا دمويا متواصلا مع الدولة الدينية التي قطعت رؤوس المفكرين وحرقت كتبهم. أما اليوم فقد أسقط فكر المجتمع المدني التقدمي خلفيته الاشتراكية القديمة وهو يبحث عما وراء الرأسمالية العالمية وعلينا أن نبحث عن فكر إنساني آخر. مؤكدا أن التفصيلي والدقيق بالنسبة إلى المجتمع المدني الكوكبي لا ينبغي أن يهمل. فالكتاب موضوع الندوة لم يشر مثلا إلى التطور التكنولوجي وشبكات الاتصال الحديثة. واليوم ليس لنا سلطة سياسية تفاعلية (interactive )، أما النخبة فقد تم تحميلها أكثر من طاقتها في حين أن الإمكانيات المادية والقدرات المالية هي التي تتحكم في كل شيء. وقد تراجعت نخبة السبعينات والستينات إلى آخر الصورة واحتلت الصفوف الأولى اليوم في القنوات الإعلامية رموز سلفية جهادية ودعوية. والمطلوب من النخبة التقدمية تطوير أدواتها وتوثيق صلة المدني بالمدني. في حين لاحظ الدكتور محمد علي النصراوي هيمنة الخطاب الليبرالي في الكتاب وإهمال العدالة الاجتماعية. أما الرفيق عادل الحاج سالم (عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية) فقد أشار إلى نحت الكاتب لمصطلحاته نحتا (مثل صراع الجهالات) ملاحظا أن المثقف العربي واقع بين مطرقة الاستبداد وسندان القوى المتطرفة المعادية للعقلانية. وأن الخصوصية الثقافية لا تعني تكريس النمط السلفي. وأكد أن دفاع بعض النخب عن الهوية ليس دفاعا عن الوطن بل عن السلطة الحاكمة. مشيرا بالنسبة إلى تونس أنه وقع تضخيم السلطة الاعتبارية لوزارة الداخلية في إسناد التراخيص للمنظمات والجمعيات وتقييد نشاط وتنقلات بعض المواطنين. كما دعا إلى ضرورة استبدال النظام الرئاسوي والنضال من أجل نظام برلماني يضمن منع انسداد الأفق أمام مناضلي المجتمع المدني. مشيرا من جهة أخرى إلى أن بعض الجمعيات عندنا هي أشبه ما يكون بهيكل وزاري مركزي (مثل منظمة التربية والاسرة ومنظمة الدفاع عن المستهلك) في حين أن المطلوب منظمات حقيقية ممثلة ومنبثقة عن المواطنين. (المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية، العدد 507 بتاريخ 8 جويلية 2006)
تجارب بين الإدارة.. والمطار
بقلم: برهان بسيّس
منذ اسبوع دخلت احدى الادارات لقضاء أمر خاص وقد تملكتني صدمة حقيقية مما عانيته في مستوى استقبال وتعامل.. في اللحظة التي أطللت فيها برأسي على أحد المكاتب «انقض» علي أحد الموظفين الاداريين بكل حفاوة وحرارة سائلا عن طلبي لينغمس مباشرة بعد اعلامه بالشأن المطلوب في اعداده بسرعة قياسية لم أكن اتوقعها. انا الأن لست بصدد المزاح او التخييل انما انقل حقيقة تفاصيل تجربة سارّة عشتها الاسبوع الفارط لم أستطع من فرط استثنائيتها ان اطرد من ذهني شكوكا ريبية حول خلفيتها واسبابها. تساءلت في قرارة نفسي بينما الموظف بصدد تلبية حاجتي «قد يكون بيننا سابق معرفة لم استحضرها» لكني تأكدت بعدها انه لا معرفة بيننا ولا اتصال في السابق. ذهبت بي الشكوك الشيطانية اللعينة التي تغذيها روايات الشارع المتداولة حول الرشوة «الخموسية» و«العاشورية» و«الخلدونية» الى الارتياب بخصوص رسالة مشفّرة يسعى الموظف الى توجيهها لي دون ان اقوم بواجب الفهم والتنفيذ لكن هذا لن يحصل ابدا ولم تبدو على الرجل اية علامة لوجود خلفية غير مهنية وراء حماسه وترحابه بي وسرعته في قضائه لشأني الذي احتاجه من ادارته. عدت بعد هذه التجربة السعيدة لاروي تفاصيلها لكل من اعترضني لاحظ حجم الدهشة والتعاطف التي ابداها كل من حدثتهم بالموضوع مع هذه التجربة النادرة. للأسف تجربة من هذا النوع في التعامل مع الادارة اصبحت بالفعل نادرة بالنظر لمناخ البرود والتشنج الذي اصبح مسيطرا على علاقة المواطن بالخدمة الادارية بفعل عوامل عديدة تتجاوز سقف التشريع والتنظير لتمس عمق الشخصية الاساسية التونسية المتجهة تدريجيا نحو منطقة التوتر والتشنج العميقين في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية صعبة هيأت لهذا الطغيان لثقافة التشنج وما يصاحبها من انحرافات السلوك واللفظ في العلاقة بين المواطنين. الرد على كلمة صباح الخير في مثل هذا المناخ اصبح مكسبا حضاريا يستحق التنويه، فما بالك بابتسامة ادارية في وجه طالب خدمة. انها امتحان صعب وعملة نادرة لا تكاد تعبر عليها حتى تستحق ان تكتب عنها للتنويه والاشادة كما افعل أنا الآن. قد يكون أمر الادارات طبيعيا اما ان ينسحب سلوك البرود والتشنج والوجه العابس على اداء الموظفين المسؤولين عن استقبال المسافرين القادمين الى تونس فتلك مشكلة عويصة تتجاوز التنغيص الوطني الداخلي الذي تعوّدنا عليه لتمس سمعة البلد الذي يستقبل ضيوفه من السواح بشعار «ابتسم انك في تونس». رجاء حافظوا على هذا الشعار بممارسته لانه في هذا السياق السياحي بالذات لا يمكن ان امرّ على مشهد عاينته صحبة صديق صحفي حين كنا بانتظار أحد الضيوف بمطار تونس قرطاج فاذا بأحد المسؤولين السياحيين يمر امامنا وقد حلّ عائدا من احدى الرحلات ممسكا في يده احدى الحقائب ودون ان ينظر امامه او خلفه او يمينه او يساره ارسل «بصاقا» متحركا بالصوت والتنخيم والصورة الملوّنة ليستقر على البساط الرخامي لمطار تونس قرطاج الدولي. تبادلت مع صديقي نظرات الدهشة غير مصدّقين لما رأينا قبل ان يسارع صديقي بظرفه وكياسته الى مناداة المسؤول الهمام ليرسل له التحية والسلام: «ربّي يفضّلك لتونس يا سي فلان». (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
خطة وزارية رامية إلى النهوض بالكتاتيب والإحاطة بها
تونس 10 جويلية 2006 (وات) صرح وزير الشؤون الدينية السيد بوبكر الاخزورى بالخطة الوزارة الرامية الى النهوض بالكتاتيب والاحاطة بها من مختلف الجوانب وتحسين اداء المشرفين عليها بتعهدهم بالتكوين في اطار المعهد الاعلى للشريعة. وكان ذلك اثر انعقاد الجلسة العامة لرابطة الجمعيات القرانية يوم الاثنين بالمركز الثقافي لمدينة تونس. وابرز الوزير لدى اشرافه على هذه اللجنة العناية الفائقة التي يوليها الرئيس زين العابدين بن علي للدين الاسلامي الحنيف وحرص سيادته الموصول على رفع منارته واحياء شعائره ونشر تعاليمه السامية الداعية الى الوسطية والاعتدال والتسامح والتضامن. واستعرض في هذا السياق القرارات الرئاسية الرائدة والمتمثلة خاصة في الاذن بالتلاوة المستمرة لاى الذكر الحكيم في رحاب جامع الزيتونة المعمور وفي انجاز طبعة متميزة من مصحف الجمهورية باعماد رواية قالون ووفق مواصفات تونسية اصيلة الى جانب تنظيم المسابقات القرانية ومن اهمها مسابقة تونس الدولية لحفظ القران الكريم وتلاوته وتفسيره التي تشهد اقبالا دوليا متزايدا. (المصدر: وكالة تونس إفريقيا للأنباء بتاريخ 10 جويلية 2006)
القوات المسلحة تنظم بقابس مناورة بالقوة الكاملة تحت عنوان « صيف 2006 »
في اطار الاحتفالات بالذكرى الخمسين لانبعاث الجيش الوطني نظمت القوات المسلحة موءخرا بولاية قابس مناورة بالقوة الكاملة تحت عنوان « صيف 2006 » شاركت فيها وحدات من الجيوش الثلاثة وتشكيلات اسناد من مختلف الادارات والمصالح المشتركة. وبتكليف من الرئيس زين العابدين بن علي القائد الاعلى للقوات المسلحة اشرف السيد كمال مرجان وزير الدفاع الوطني في نهاية الاسبوع الماضي على مرحلتها الختامية التي تمثلت في رمايات بالذخيرة الحية واستخدام مختلف منظومات الاسلحة الثقيلة والخصوصية والمروحيات والطائرات المقاتلة . وقد حضر هذه المرحلة الملحقون العسكريون المعتمدون بتونس وضباط ملاحظون من عدة دول شقيقة وصديقة. (المصدر: موقع « أخبار تونس » الرسمي بتاريخ 10 جويلية 2006)
كلفة اختناق حركة المرور بالعاصمة
تفوق كلفة الاكتظاظ واختناق حركة المرور بالعاصمة 300 مليون دينار سنويا، حسب ما خلصت إليه بعض الدراسات التي بينت أن السيارات الخاصة في العاصمة تستهلك ما يمثل 900 طن من البنزين وتقطع يوميا 700 ألف كلم. ومعلوم أن حصة استعمال السيارات الخاصة من نقل الأشخاص شهدت ارتفاعا في تونس مقارنة بحصة وسائل النقل الجماعي التي لا تساهم سوى بـ40% من نقل المسافرين. أكثر من 11 ألف حادث طريق سنة 2005 بلغ العدد الجملي لحوادث الطرقات سنة 2005 ما يناهز 11 ألف و35 حادثا بزيادة حوالي 150 حادثا مقارنة بحصيلة سنة 2004. وتسبب حوادث 2005 في مقتل 1519 وجرح 15368 وبينت الاحصائيات أن شهري جويلية وأوت سجلا فيهما أعلى معدلات الحوادث بواقع 2043 حادثا تسببت في 337 حالة وفاة و2774 جريحا. ومن أبرز أسباب حوادث الطرقات قلة الانتباه وعدم احترام قواعد الطريق والسياقة بحالة سكر أو ارهاق.. كما اتضح أن 60% من الحوادث تقع داخل مناطق العمران وأن غالبية سائقي السيارات لا يستعملون حزام الأمان إلا في المسافات الطويلة. قريبا الاعلان عن موسم تحويل الطماطم يتوقع أن ينطلق موسم تحويل الطماطم خلال الأيام القليلة المقبلة، وينتظر أن ينخفض محصول الصابة من الطماطم لهذه السنة اعتبارا إلى المساحات المزروعة للطماطم الفصلية التي شهدت تقلصا بنسبة 20% مقارنة بالموسم الفارط. كما لحقت اضرار بعض مساحات الطماطم ببسبب ارتفاع الحرارة وذلك بنسبة تتراوح بين 10 و15% مما سيكون له تأثير حول الانتاج. شوارع مظلمة منذ فترة أصبحت بعض الشوارع والأنهج في حي الغزالة من ولاية أريانة مظلمة بسبب عدم إنارة الفوانيس الكهربائية ولئن كان «إطفاء» الأنوار يدخل في إطار حملة ترشيد استهلاك الطاقة فإن بعض الفوانيس تضاء في النهار وخير مثال على ذلك جانب من شارع الحبيب بورقيبة على بعض عشرات الأمتار من حي الصحافيين (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
تعزيز شراكة اليسار
عمدت قيادة حركة التجديد لتأجيل المؤتمر بعدما لمست قدرا كبيرا من الجدية لدى المناضلين المستقلين للالتحاق بالحزب عند انعقاد مؤتمره… وقد تكون حركة التجديد اقترحت على المستقلين صيغة شراكة حقيقية بما في ذلك الإشراف على المؤتمر من حيث التحضير والنتائج…. وتعزيزا لشراكة اليسار الذي لا يعني فقط التحاق الاستاذ عبد العزيز المزوغي بالحزب بل يشمل ايضا الاتصال بعشرات المستقلين للانضمام للتجديد او على الاقل تمتين الصلة بهم. ومن ضمن هؤلاء وعلى سبيل الذكر لا الحصر السادة والسيدات: سناء بن عاشور ـ آمنة عوّادي ـ محمود بن رمضان ـ مصطفى بن أحمد ـ صفاء الدّين المقدمي ـ سمير بالطيب ـ عبد الستار السحباني ـ سليم بن عرفة ـ علي بيّة ـ فتحي لخميري ـ توفيق حويج ـ لسعد الجموسي والمكي الجزيري… < /P> كما يجري الاتصال ايضا بمجموعة السيد محمد الكيلاني التي ترغب في ان يكون الحزب جبهويا حتى تلتحق. وكما هو معلوم فان الاحزاب الجبهويّة الاوروبيّة تضمّ عدّة تيارات وحساسيات مختلفة… (المصدر: مجلة حقائق التونسية بتاريخ 10 جويلية 2006)
البنك الدولي يقرض تونس 66.8 مليون دولار
تونس (رويترز) – قالت صحيفة تونسية يوم الثلاثاء ان البنك الدولي وافق على منح تونس قرضا بقيمة 66.8 مليون دولار لتمويل مشاريع تطهير احياء بضواحي العاصمة تونس. وأضافت صحيفة الصباح المستقلة نقلا عن بيان للبنك الدولي ان هذا القرض الذي منح لتونس يهدف الى دعم مجهود الحكومة التونسية في تحسين نوعية خدمات التطهير بمنطقة سيدي حسين السيجومي وتحسين اداء العاملين في ديوان التطهير من خلال الدعم الفني والمادي. وسيستفيد من هذا المشروع 750 الف نسمة. (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 11 جويلية 2006)
كثيرا ما يشتكي القراء من الأقسام الاستعجالية للمستشفيات… ويتذمرون مما تقدمه لقاصديها من خدمات. فيذكرون المماطلة والانتظار الطويل.. ويتساءلون: هل من حل؟ هل من سبيل؟ والرأي عندي أنهم مخطئون في العنوان حين يقصدون الأقسام الاستعجالية..فالطب «الاستعجالي» الحقيقي يجدونه بالأقسام الأخرى الداخلية محمد قلبي
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
الحركات الإسلامية …. وفخاخ » الديموقراطية « !
بحري العرفاوي (*) – الحوار نت: خاص ظلت الحركات الإسلامية منذ نشأتها تتعرض لحملات أمنية دورية . ولكونها حركات عقدية لم تفلح مختلف الإجراءات الأمنية في استئصالها بل كانت تزيدها قدرة على التكيف والتجذر والفاعلية …. أحداث سبتمبر ودون خوض في أسرارها كانت مبررا ليتولى اليمين المتطرف بأمركا حربه الدينية في أفغانستان والعراق وليحرض أنظمة عديدة على تجفيف منابع الإنتماء الحضاري والديني في البرامج التعليمية والثقافية وحتى أناشيد الأطفال ! ولكن هذه الإجرءات كانت لها نتائج عكسية إذ دفعت الجماهير المسلمة إلى الإحتماء بدينها بل وتناسلت حركات جهادية أدمت أنياب الطاحونة الأمريكية وجعلتها تصحو على حقيقة مفادها :إن الحياة غير قابلة للطحن وأن البذور الصلبة عصية على تحويلها الى طحين …. ولكون السياسة مخاتلة مستمرة فقد جنحت الإدارة الامريكية الى ما تدعوه ضرورة الحوار مع الحركات الإسلامية « المعتدلة » والسماح لها بخوض الإنتخابات في أوطانها وحتى عدم الإعتراض على وصولها الى السلطة بطريقة سلمية … إن جوهر العمل السياسي هو الإشتغال على « سوء النية » وليس على ظاهر الخطاب وان أحنك سياسي هو الاكثر احترازا واحتراسا… ليس خافيا أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها يريدون تصنيف الظاهرة الإسلامية الى طبقات معتدلين , متشددين , متصوفين … حتى يسهل التعامل مع كل صنف بالوصفة المناسبة دون اغفال وصفة مشتركة يعرفها كل ذي وعي وبصيرة :الإنتهاء الى مشهد يموج فيه بعض في بعض داخل المجتمعات المسلمة :بين « متشددين » و » معتدلين » أو بين ,,إسلاميين ,, و,,علمانيين ,, أوبين مذاهب متعددة ….. واذا كان الإسلاميون هم دائما ضحايا العنف السياسي وغياب الحرية والديموقراطية فإن عليهم ألايندفعوا الى الوعود الخارجية بدمقرطة العالم الإسلامي وعليهم ان يتأملوا ان كانت تلك الديموقراطية مفخخة ! أرى ضرورة أن يتقدم كل المثقفين والمفكرين بالنصيحة للمشتغلين في الحقل السياسي سواء كانوا إسلاميين أو غيرهم فالأوطان ليست ملكا لتيار أو حزب .. والأخطار لن تستثني أحدا … وليس مهما من يصنع الكارثة وإنما الاهم من يتحملها ويعاني تبعاتها … إن « السياسة أشبه بلعبة الأخلاط الكيماوية لا نعرف متى يحصل الإنفجار ولكننا نعرف أن المتضررين هم كل الحاضرين لمشاهدة اللعبة !. ,, لو توفرت شروط إنتخابات حرة نزيهة لأختارت الجماهير الحركات الإسلامية ،، هذا ما يقوله الإسلاميون دائما وما يتأكد منه الغرب وما تخشاه الأحزاب الأخرى… وما لا يتمناه كل ذي بصيرة . مرة أخرى : السياسة فخاخ وألغام ، والديموقراطية المعاصرة مهرجان لتوريط العروس في زيجة غير موفقة ! في عصر فوضى القيم تصبح الديموقراطية توريطا! وتصبح الإنتخابات محرارا لقيس درجات الإنتماء والتشدد والإعتدال ! والموالاة والمعاداة ! على الحركات الإسلامية ألا تتقدم منفردة نحو ثمرة تبدو في « المتناول » عليها أن تتأمل ان كانت » ناضجة » أو صالحة للإستهلاك أصلا!! هل بإمكان أي حركة إسلامية في أي قطر أن تفي بوعودها الإنتخابية في ظل أثار الحرب والعولمة ؟ إن الخراب اكبر من أن تتصدى له حركة بمفردها ، وإن نشاط الخوصصة للأملاك العمومية لم يترك للحكومات القادمة الكثير مما يساعدها على الإستجابة لطلبات الناس الملحة… لا يتمنى عاقل أن ينقلب » الإسلاميون » من موقع ضحايا الإستبداد والإحتلال الى موقع العاجزين والمفلسين … تلك صدمة كبرى ونكسة لأي مشروع مستقبلي يتوصف » إسلاميا » هل يريد الغرب وضع الإسلاميين أمام » قدر » هو متأكد من عدم قدرتهم على تحمله !؟ هل يريد تفريغ كل طاقتهم المادية والمعنوية في عملية إجهاضية حتى يظلوا يعانون لعقود من عقد الخيبة والعجز !! أمام إرث من الخراب عميم ! إذا كانت مقاصد الحركات الإسلامية » إصلاحية » فعليهم أن يعملوا على الإنخراط في « جبهة وطنية » تتشكل من مختلف التيارات العازمة على الإصلاح وأن يكون القاسم المشترك هو » المواطنة » بما يمكن من معالجة قضايا الناس الحقيقية المتعلقة أساسا بأمنهم المعاشي والنفسي . إن العامة لا يهمها ـ في الغالب ـ من يحكم بقدر ما يهمها من يحفظ كرامتها من الحاجة والخوف وقد ,, كاد الفقر أن يكون كفرا ،، والله تعالى يقول ,, فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف،، وإذا تحقق للناس معاشهم وامنهم يمكنهم أن يصبروا على الإستماع الى خطابات مختلفة وأن يتذوقوا الأدب والفنون وأن ينجذبوا الى كلام في الأخلاق والمحبة .. وان ينتخبوا بوعي وإرادة . (*) كاتب وشاعر تونسي (المصدر: موقع الحوار نت بتاريخ 10 جويلية 2006)
حرب التصفية في فلسطين
توفيق المديني (*) بعد بلوغ حملة سفك الدماء الفلسطينية التي أطلق عليها الكيان الصهيوني اسم « أمطار الصيف » ذروتها أمس الأول بتفاخر رئيس الأركان الصهيوني الجنرال دان حلوتس، بقتل 40 « إرهابياً »، بدأت عملية الهبوط الصهيونية . وأعلن « كبير » المتطرفين في الحكومة الصهيونية ، وزير الأمن الداخلي آفي ديختر، أن بالامكان وقف العملية والإفراج عن أسرى فلسطينيين إذا تم تحرير الأسير الصهيوني واستعيدت التهدئة. وفي الحقيقة أن هذه الحرب التي يخوضها أقوى جيش في المنطقة على الأرض الفلسطينية وضد الشعب الفلسطيني لها أهداف خطيرة أبعد من قصة إطلاق سراح الجندي الصهيوني الأسير « جلعاد شليط »، بل هي تستهدف أساسا إسقاط حكومة حماس ، و تحطيم ما تبقى من بنية المقاومة الفلسطينية العسكرية لجهة شلها من إطلاق الصواريخ وبنية إنتاجها واستهداف المقاتلين الفلسطينيين عموماً، إذ إن الأسلوب المتبع هو إدخال القوة المدرعة إلى مناطق مأهولة بقصد « استفزاز » المقاتلين وجرهم إلى المعركة بغية قتلهم. ومن الواضح أنه بعد قيام « اسرائيل » بعدوانها المستمر على غزة واختطافها وزراء الحكومة الفلسطينية ونواب حركة حماس في المجلس التشريعي في الضفة الغربية، وتهديدات جيش الاحتلال بتصفية هنية وكبار وزرائه في قطاع غزة، قد ساعد هذا العدوان ليس فقط في استعادة حركة حماس لشعبيتها نظرا لتمسكها بخيار المقاومة ، بل زيادة التأييد لها في أوساط جماهيرية لم تكن تؤيد حماس من قبل. فالمواجهة مع الكيان الصهيوني هي التي وحدت الفصائل الفلسطينية في المعركة الهادفة لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال، وأدت إلى إنهاء حالة التوتر الداخلي.و مهما كانت خسائر الفلسطينيين كبيرة في المواجهة مع الاحتلال، فإنها تبقى أفضل ألف مرة من تواصل التناحر الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، أو المراهنة الخاسرة على سراب التسوية ، و بناء الدولة الفلسطينية . وقد آن الأوان للعقل السياسي الفلسطيني المقاوم أن يتحرر كليا من أوهام مشاريع التسوية الاستسلامية المطروحة. فهل من الممكن أن تكون هناك تسوية مع العدو الصهيوني المطلق؟ و هل يوجد حل وسط في الصراع و الحرب بين الأسطورة الصهيونية المطلقة ومنطق التاريخ، و بالتحديد تاريخ تحرير فلسطين ؟ الواقع أن سياسة التسوية حقيقة تاريخية معاصرة، حاضرة في كل حروب العرب ضد الكيان الصهيوني، و تدعمت أسسها أيضا بكسب العدو الصهيوني كل حروبه ضد العرب، منذ عام 1948 وحتى الآن. و هي موجودة لتبقى مادامت موازين القوى في المجالات العسكرية والسياسية و الاقتصادية والثقافية بين العرب و العدو الإمبريالي – الصهيوني، مختلة لمصلحة هذا الأخير، و ماتنتجه هذه الموازين من حرية في العمل و الحركة و المناورة و فرض الشروط الاستسلامية المذلة على الطرف العربي و الفلسطيني الضعيف، و العاجز، و المهزوم، تسير في الاتجاه المتناقض جذريا مع موازين القوى الطبيعية في العالم العربي، في محاولة عبثية للوقوف ضد حركة تقدم التاريخ، تيار التحرر والوحدة، و كما ستظل لمرحلة طويلة. اذا كانت كل حرب حقيقية هي فن حوار القوى أو بالأحرى فن حوار الإرادات السياسية، التي تستخدم القوة العسكرية، باعتبارها سلاح الإقناع، أو الإرغام، أو الإبادة، للعدو في ميدان القتال، إذ يترجم هذا الأخير موازين القوة عسكرياً، فإن التسوية تستخدم نفس القوة كسلاح الإقناع، أو الإرغام أو الإخضاع، أو التصفية، التي يجبر بها العدو قبول شروطه المطلوب فرضها على الطرف المهزوم، أو المغلوب، أو الضعيف على مائدة المفاوضات، باعتبار هذه الأخيرة تترجم موازين القوة العسكرية والسياسية دبلوماسياً. و لما كانت معظم فصائل المقاومة الفلسطينية قد انخرطت في نهج التسوية ، باستثناء الحركات الاسلامية الجهادية،و في ظل موت اتفاق أوسلو ، ووأد القادة الصهاينة ما يسمى العملية السلمية بدعم مطلق من الادارة الاميركية،فان هذا الوضع الجديد ، الذي هو وضع التصفية المتسارعة للقضية الفلسطينية، يتطلب إعادة نظر شاملة و جذرية ، و تقويما عاما لتجربة المقاومة الفلسطينية من زواياها المختلفة . فالحل الأفضل لحركة حماس هو حل السلطة الفلسطينية، تجنبا للحرب الأهلية، على فتات لا يغني و لا يفيد،و العودة إلى تفعيل استراتيجية المقاومة ،ومواجهة الانهيارات مواجهة جدية عبر عمل عمل سياسي راديكالي ينطلق من مقولة قضية الأمة العربية و الإسلامية المركزية – فلسطين – و الصراع العربي – الصهيوني ، و يضع الوحدة الوطنية في أساس توجهاته ، و يجعل من الديمقراطية نسيج تلك التوجهات ، و مضمونها او محتواها . هذا الخط االمقاوم الوطني – الديمقراطي هو خط الأمة العربية ،و تحرير الأرض السليبة فلسطين و غيرها ، و هو خط بلورته تجربة الشعب العربي الواقعية على مدى قرن و نيف من الزمن . إن المعارضة الفلسطينية لنهج التسوية داخل حركة فتح و بقية الفصائل ، لكي تستطيع المحافظة على القضية الوطنية الفلسطينية من خطر التصفية الداهم ، في ارتباطها الصميمي يالقضية القو مية العربية ، و مقاومة مسار أوسلو، يتطلب منها نقلة نو عية في تصعيد العمل المقاوم ضد العدو الصهيوني في داخل فلسطين المحتلة. و هذا الوضع سيسهم بدون شك في ايجاد الارضية المناسبة لقيام جبهة تحالف راديكالي و طني – اسلامي ، بين فتح ، و حماس ، والجهاد الاسلامي ، و باقي التنظيمات الأخرى المناهضة لخط التسوية، يحكمها برنامج سياسي راديكالي قادر أن يخرج العمل الوطني الفلسطيني من مأزقه الراهن، و يلجم الاتجاهات المتذبذبة. (*) كاتب تونسي، دمشق. (المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
دور الفكر العربي في مفهوم المجتمع المدني الحديث
أبو يعرب المرزوقي (*) مرت محاولات تحديد الظاهرة العمرانية التي أصبحت تسمى منذ كتابات هيغل في الفلسفة العملية بالمجتمع المدني في معناه الحديث، بمرحلتين مضاعفتين جوهريتين لا بد من الإشارة السريعة إليهما. المرحلة الأولى توازي بفرعيها الفلسفة القديمة والفلسفة الوسيطة، وأما المرحلة الثانية فيوازي فرعاها الفلسفة الحديثة وما بعد الحديثة. والفرع الثاني نقدي للفرع الأول في كلتا المرحلتين، وهما يشتركان في كونهما معدين لشروط تجاوز دغمائية الفرعين الإيجابيين. فالمحاولة الوسيطة التي هي عربية إسلامية بالأساس نقدت قصور التعريف الأصلي الأول من دون استعمال صريح لاسم المجتمع المدني، التعريف الذي وضعه أفلاطون وأرسطو. ويرجع هذا النقد إلى الفارابي وابن خلدون في محاولتهما لتخليص نظرية عمل المجتمع من نموذجي تفسير الفلسفة العملية القديمة للظاهرات المدنية تفسيرها المستند إلى بنية النفس وبنية المنزل بنيتيهما الطبيعيتين. والمحاولة ما بعد الحديثة التي هي غربية بالأساس نقدت قصور التعريف الأصلي الثاني في الفلسفة العملية الحديثة مع استعمال صريح لاسم المجتمع المدني، التعريف الذي وضعه هيغل وماركس. وهذا النقد تحقق في محاولة نقد غرامشي ومدرسة فرانكفورت محاولتهما التي سعت إلى تخليص نظرية عمل المجتمع المدني من نموذجي التفسير الحديث المستند إلى جدل روح الشعب الهيغلي أو جدل نمط الإنتاج الماركسي. فتكون مراحل التكون السابقة للحظة الراهنة أربعا، اثنتان تأسيسيتان: قديمة (أفلاطون وأرسطو) وحديثة (هيغل وماركس)، واثنتان نقديتان: وسيطة (الفارابي وابن خلدون) وما بعد حديثة (غرامشي وهابرماس). ويمكن أن نعتبر تجاوز أزمة المجتمع المدني العربي الحالية ذات الصلة الوثيقة بالأزمة الكونية، الأفق التاريخي الذي سيحدد أصل المراحل الأربع الموحد بينها والمتعالي عليها تعالي المثال على تعيناته. ولما كانت الظرفية العربية الإسلامية الراهنة تتصف ذاتيا بمحددات بينة المعالم يمكن حصرها تصوريا في صمود حضارتنا العربية الإسلامية أمام استبداد ذروة ما بعد روحانية الحضارة الغربية ممثلة بإسرائيل، وذروة ما يعد ماديتها ممثلة بالولايات المتحدة، بات تعريف هذا الأصل الواحد لمقومات المجتمع المدني نابعا من مقومات هذا الصمود ذاته، كما فهمه الفارابي وابن خلدون ترجمة فلسفية لجوهر أفق العلاقة بين التاريخين الطبيعي (مجال العلاقة بالمشيئة الكونية بعبارة الفلسفة الدينية من المنظور الإسلامي) والحضاري (مجال العلاقة بالمشيئة الأمرية بعبارة الفلسفة الدينية من المنظور الإسلامي) للنوع البشري. فالنقد العربي الإسلامي (الفارابي وابن خلدون) قد حرر مفهوم ما يناظر المجتمع المدني قبل إطلاق التسمية عليه من المنزلة التي تعينت له بسبب الطبعانية غير الصريحة المنجرة عن النموذج النفسي (نظام السلط في الدولة يقاس على قوى النفس) والنموذج المنزلي (نظام الاقتصاد في الدولة يقاس على نظام المنزل)، النموذجين اللذين استعملهما أفلاطون وأرسطو في تحليلهما الظاهرة المدنية عامة. ذلك أنه بمقتضى هذا النموذج الطبعاني استثنى أفلاطون وأرسطو كل فاعلية للمجتمع المدني من حيث هو ظاهرة تاريخية بمجرد أن جعلا نظام المدينة السياسي ونظامها الاقتصادي خاضعين لنموذجين طبيعيين يتكرران، ثابتين إلى غير غاية، كما هو شأن تكرار عملية التوالد العضوي في عالم الكون والفساد، فبنية النفس تجعل المدينة من المنظور السياسي مؤلفة من ثلاث طبقات هي: طبقة ممثلي القوة العقلية وطبقة ممثلي القوة الغضبية وطبقة ممثلي القوة الشوقية، وبنية المنزل تجعلها من المنظور الاقتصادي مؤلفة من السادة وأفراد الأسرة والعبيد. ومن ثم فلا معنى لحركية مدنية ينسب إليها التطور التاريخي الحضاري الذي يستتبع قوانين التاريخ الطبيعي، بل العكس هو الصحيح عندهما. وذلك بسبب الفصل التام بين المجالين السياسي والاقتصادي أولا، ولاعتبار المنازل ذات تحديد طبيعي لا يقبل التغيير بمقتضى حركية مدنية تاريخية. وحتى يبقى ذلك كذلك كان من الضروري أن تحقق الفلسفة التأسيس المبدئي لصحة انطباق هذين النموذجين ليتحقق الثبات في التاريخ الحضاري الذي صار بفضلهما خاضعا للتاريخ الطبيعي: بنية النفس والمنزل الطبيعيان هما بنية السياسي والاقتصادي الثقافيان في المدينة. لكن النقد بدأ « ما بعد طبيعيا » عند الفارابي بإضافة البعد الكوني لمفهوم المدينة، فلم تعد المدينة القومية أو الملية كافية لفهم التاريخ الإنساني، بل لا بد من إضافة درجة أسمى في نظرية السياسة المدنية لتصبح شاملة للإنسانية كلها. وانتهى هذا النقد « ما بعد تاريخيا » عند ابن خلدون الذي أدخل الحركية التاريخية في السياسي والاقتصادي بقلب العلاقة النموذجية بين التاريخين الطبيعي والحضاري. فقد حلل جدل أشكال العمران وأنماط العيش والإنتاج بصورة جعلت بنية المدينة السياسية نموذجا لبنية النفس، وبنية الاقتصاد المدني نموذج بنية المنزل، وبات جدل أشكال العمران وأنماط الإنتاج هو المحدد لبنية النفس والمنزل بنيتهما التي أصبحت ذات صيرورة تاريخية. وبذلك أصبح ما كان معيارا معيرا: النفس تعير بشكل الحكم في العمران والمنزل يعير بشكل الرزق في العمران. ورغم أن الفارابي وابن خلدون لم يكونا واعيين تمام الوعي بأبعاد ثورتهما ولا بمصدرها القرآني، فإن تحليل ما أضافاه يعطينا المعاني التالية التي ستساعدنا على تحديد الأصل الواحد الذي نطلبه لفهم المراحل الأربع والذي يمكن اعتباره المرحلة الأخيرة التي يكتمل فيها مفهوم المجتمع المدني. فبفضل إضافتهما اكتشف العقل الإنساني بعدين للفعل المدني كانا بغيابهما الناتج عن حصر التحليل في الدولة الجزئية وعن إرجاع نماذج محركات التاريخ الثقافي لبنى مستمدة من التاريخ الطبيعي حائلين دون الفكر الفلسفي وفهم الحركية التاريخية بمنظور مستقل عن التاريخ الطبيعي في الفلسفة النظرية القديمة. فالسياسي أو المدني الحقيقي لا يمكن أن يفهم إلا إذا أخذ على حقيقته من حيث هو ظاهرة كونية وليست قومية ولا حتى ثقافية، أي إن وحداتها ليست القرى أو الأسر كما يتصور أفلاطون أو أرسطو بل المدن أو الدول التي هي ظاهرات تاريخية وليست ظاهرات طبيعية. لذلك فهو لا يمكن أن يفسر بنماذج مستمدة من الطبيعة (بنية النفس وبنية المنزل) بل هو بالذات الإبداع المتواصل لنماذجه ولنماذج النفس والمنزل اللذين يتشكلان بحسب نوع العمران (الفرق بين الأخلاق في العمران البدوي وفي العمران الحضري مثلا) ونمط الإنتاج والعيش بمصطلح ابن خلدون (وهذا النمط هو الذي يميز بين أنواع العمران). وإذا كانت المدينة كذلك في تصورها فإنها في تحقق تصورها ظاهرة تاريخية وليست ظاهرة طبيعية. وتاريخيتها ثمرة جدل عام يؤلف بين جدليتين حدين قابلتين للفصل نظريا: أولاهما جدلية القوى الاجتماعية في العمران البشري من أجل السلطة، والثانية جدليتهما من أجل الرزق، وكلتاهما مصحوبة بالتعبير عن الوعي بها غايات وأدوات. فيكون العمران بذلك حركية دائبة ذات مستويين فعليا ورمزيا، حركية موضوعها السلطة والمال لذاتهما ماديا ولما يرمزان إليه معنويا كما يتبين من دور كل منهما في كل منهما، فدور السلطة في تحصيل المال وحمايته يسميه ابن خلدون جاها، ودور المال في السلطة تحصيلا وحماية يمكن أن نسميه بالقياس إلى مفهوم الجاه في الاتجاه المقابل بقوة أحد عوامل الحل والعقد لأن المال من شروط القدرة. لكن كون السياسي والاقتصادي يؤديان دورا رمزيا بالإضافة إلى دورهما الفعلي يجعلهما في الحقيقة أداتي أمر أسمى منهما، هو الأمر الذي يضفي عليهما معنى يرتفعان بفضله فوق الحيواني من قوى الإنسان اشرئباباً إلى الإنساني منها. ويقتضي طلب ذلك أن نغوص إلى أعماق في العمران أبعد غورا لنفهم جدلية العلاقة بين النقلة من التاريخ الطبيعي إلى التاريخ الحضاري أو الجوهر الواحد المشترك بين فلسفة التاريخ وفلسفة الدين وضرورة الجذر المشترك لنفهم الظاهرة العمرانية, كما حاول استنباطها ابن خلدون مما يعتبره تطابقا بين فلسفته في التاريخ وفلسفة القرآن التاريخية: فوراء جدل السياسة وجدل الاقتصاد نجد جدل التعبير عن التحقق الذاتي للكائن البشري في الأديان والفلسفات والتعبير عن جدل التلذذ بذلك التحقق في الآداب والفنون. ويمكن أن نعتبر التعبير عن التحقق الوجودي جدل القيم الوجودية والتعبير عن الوعي به جدل القيم الذوقية. وكلاهما أصل الدور الرمزي الذي يؤديه السياسي والاقتصادي اللذين لا يقتصران على دورهما المادي وإلا لظل الإنسان حبيس التاريخ الطبيعي فلم ينتقل إلى التاريخ الحضاري. فيكون مدار الحركية العمرانية وحدة هذه الجدليات الأربع المتفاعله. وتلك هي جدلية الأبعاد القيمية الأربعة التي ألغاها تحييد اليونان لبعد المدينة الكوني (وهو ما أضافه الفارابي) ولتحليلهم التاريخ الثقافي بتصورات التاريخ الطبيعي (وهو ما حررنا منه ابن خلدون). فتكون جدلية العمران جدلية جامعة بين: 1- جدل القيمة العملية موضوع السياسي. 2- وجدل القيمة الرزقية موضوع الاقتصادي. 3- وجدل القيمة الوجودية التي يرمز إليها دور السياسي الرمزي. 4- وجدل القيمة الذوقية التي يرمز إليها دور الاقتصادي الرمزي. 5- وفوق كل هذه الجدليات نجد الجدل فريد النوع الذي هو تابع لها جميعا وجوديا ومتبوع منها معرفيا، أي جدل القيمة المعرفية أو النظرية التي يحاول صاحبها أن ينأى بنفسه عن التبعية للجدليات السابقة آملا أن يكون مرآتها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. أما أصل الإضافتين الفارابية والخلدونية فمن اليسير إرجاع مصدره إلى عقيدة الكونية الإسلامية التي اعتبرت الرسالة تأسيسا للأخوة البشرية فتوجهت إلى الإنسان من حيث هو إنسان بآية هي عين حد مفهوم الإنسان: البيان والبرهان بمعناها الذي حدده القرآن. كما جعلت الرسالة الدين مشروعا تاريخيا أداته الفعل السياسي بكل شروطه ليحقق القيم في التاريخ الفعلي بأدوات الفعل التاريخي المادية والرمزية وليس مجرد دعوة عزلاء لأن الأرض صارت عمارتها وإرثها من علامات صلاح وارثيها. وأهم شروط العهد بذلك إلى المجتمع المدني نفسه التحرير الصريح الملازم لهذه النظرة التي أسيء فهمها لسوء الحظ، فبقي الأمر على حاله في المجتمعات الإسلامية مواصلة لما ورثته من المؤسسات البيزنطية والفارسية سياسيا واليهودية والمسيحية دينيا. لكن الرسالة المحمدية في منظورها الصريح كما حدده نصاها المرجعيان حررت فعلي الدعوة الدينية والتحقيق السياسي للمشروع من السلطتين المتعاليتين على العمران، أي أنها خلصتهما من السلطة الروحية المتعالية على الأمة دينيا والسلطة الزمانية المتعالية عليها سياسيا: الدعوة الدينية تحديدا للغايات باتت أمر الجماعة لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين، والفعل السياسي تحديدا للأدوات بات أمر الجماعة كذلك لأن تحقيق المعروف ومنع المنكر ليس دعوة فحسب بل هو فعل تاريخي بأدواته السياسية بما في ذلك القوة. فعادت بذلك للعمران على الأقل من حيث التصور وحدته الحية بمعايير التاريخ الثقافي المصور لتاريخ الإنسان الطبيعي تصويرا مشروطا بعدم إفساد الفطرة التي فطر الناس عليها. ذلك أن الجدل بين المثال والواقع وبين ما بعد التاريخ أو القيم الدينية والتاريخ أو تحقيقها السياسي أصبح جوهر القيام العمراني، وذلك هو مدلول الشريعة التي قل أن تخالف الوجود بمصطلح ابن خلدون. منذئذ يمكن القول إن مفهوم المجتمع المدني بالمعنى الحديث قد أصبح مفهوما واعيا بنفسه حتى وإن لم يطلق عليه الاسم الصريح، فالجماعة هي التي تفعل السياسي والاقتصادي والذوقي والوجودي فعلا يكون فرض عين، وهو فعل يقابل فعل من بيدهم السلطان في هذه المجالات داخليا وخارجيا من حيث هو فرض كفاية قد يستبد فيفسد شروط عينية الفرض في داخل أمة بعينها أو في المعمورة ككل. وقد اضطر هيغل في رابع أبواب فلسفته التاريخية إلى الاعتراف بسبق الإسلام إلى ذلك وسعى لتبرير تأخر المسيحية التي لم تفهم ذلك إلا بفضل حركة الإصلاح بموقف فكري يغلب عليه تزييف المعاني ليحط من شأن الثورة الإسلامية ويعلي من شأن الإصلاح البروتستانتي « تلك هي الروحانية والمصالحة الروحانية التي بزغت (في الحقبة الرابعة من تاريخ العالم). وهذه المصالحة الروحانية هي مبدأ الشكل الرابع (من أشكال تاريخ العالم الهيغلي). فقد بلغ الروح إلى الوعي بأنه هو الحق. وما بقى الوعي كذلك فكذلك سيكون الفكر. ومن الضروري أن يكون هذا الشكل الرابع هو بدوره شكلا مضاعفا: فهو الروح من حيث هو وعي بعالم باطني عالم الروح الذي أصبح واعيا بكونه من حيث هو جوهر أنه الوعي « بالوجود » الأسمى وعيا عقليا. لكن إرادة الروح تكون بالمقابل روحا مجردا وثابتا في التجريد الروحي. وما ظل الوعي على هذا النحو من الثبات في التجريد سيبقى الواقع مثله. فيكون الواقع مترابطا مع عالم دنيوي لم ينضو في الروحي ولم يصبح نظاما عقليا يحايث في الوعي. ذلك هو جوهر العالم المحمدي (=عالم الإسلام) الذي هو أسمى ترق لمبدأ « روح » الشرق. فلا شك أنه دين تلا المسيحية ظهورا في التاريخ وأنه أعلى إدراكا للواحد (في الشرق). لكن المسيحية كي تصبح صورة متعينة في الدنيا كان لا بد لعملها أن يستمر قرونا. ولم يتحقق ذلك إلا مع شارل الأكبر (الخامس). وكون الإسلام بالمقابل قد أصبح مملكة دنيوية (قبل المسيحية) فالعلة هي أن المبدأ المجرد يتحقق بصورة أسرع (من المبدأ المعين الذي هو مبدأ الغرب المسيحي بالمقابل مع المبدأ المجرد الإسلامي). إنه نظام متعين في العالم الأرضي متقدم في الوجود التاريخي على نظام العالم المسيحي ». لكن تعريف هيغل المجتمع المدني بصراع المصالح المترتب على المنازل أو الطبقات كاد يلغي هذه الأبعاد التي تبين العلاقة الوطيدة بين الديني والسياسي رغم أن معنى المجتمع المدني يكتمل عنده بما أضفى من دلالة إيجابية على الصراع، أعني بالتكامل بينه وبين سلطة التحكيم المتعالية على المصالح سلطة الدولة التي تمثل تعين العقل في التاريخ. فيكون السياسي ممثلا للعقلي وما عداه من طبيعية غير عقلية أو دنية. وبذلك فقد أعادنا هيغل إلى النظرة الفلسفية القديمة: الدولة متعالية على المجتمع المدني في المدينة تعالي العقل في النفس على قواها الأخرى. ولما كان ماركس يشكك في وجود مثل هذه السلطة المحايدة ويعتبر الدولة مضفية على نفسها هذا المظهر بوظيفة أيديولوجية تزيف الوعي فإنه لم يبق إلا البعد الأول من التعريف الهيغلي حصرا للصراع في المصالح الاقتصادية، معتبرا صراع القيم غير الاقتصادية من الخداع الأيديولوجي الطبقي من أجل إظهار الدولة بمظهر السلطة المحايدة التي يمكن أن تكون حكما في حين أنها ليست إلا تعبيرا عن مصالح الطبقة التي بيدها النفوذ الفعلي وهو اقتصادي بالأساس، حتى وإن لم ينف أن التعبير الديني فيه شيء من الاحتجاج ضد الظلم احتجاجا ينقلب إلى أفيون بمقتضى المقابلة بين الأرض والسماء وتأجيل الجزاء. وبذلك فإن حركية المجتمع المدني ذات الأبعاد المتعددة قد وقع إلغاؤها من جديد ولم يبق من فواعل التاريخ الخادم لمصالح العقل (بالمعنى الكانتي) أو لغائية التاريخ بمعناه في الجدلية المادية (بالمعنى الماركسي)، إلا حركية صراع سياسي لا يترجم إلا عن صراع المصالح الاقتصادية التي تعيد الإنسان إلى قانون التاريخ الطبيعي (منطق الضرورة والصراع من أجل الحياة والبقاء للأقوى) وتخرجه من التاريخ الحضاري (منطق الحرية والتنافس في الخيرات والبقاء للأفضل). لذلك فالتصدي الوحيد من منظور الجدلية التاريخية هو الثورة ودكتاتورية العمال، وبذلك غرق الفكر الماركسي في أزمته القاتله. فبمجرد أن أعاد الفكر المعاصر اكتشاف الأهمية التي يكتسيها جدل القيم بكل أصنافها الخمسة (الذوقي والرزقي والنظري والعملي والوجودي) في العمران البشري وعدم اقتصاره على أي منها مهما كانت أهميته، خرج الفكر الماركسي التقليدي من الركح الفلسفي وبدأ تجاوز التصور الهيغلي والماركسي للمجتمع المدني تجاوزا نقديا في مدارس الفكر الماركسي نفسه، بدءا بما يوليه غرامشي من أهمية للجدل الأيديولوجي والديني وختما بالنظرية النقدية في مدرسة فرانكفورت فأصبح للدين والفن والقانون وكل الجدل القيمي الذي بلغ الذروة في مفهوم حقوق الإنسان بأبعادها الخمسة، منزلة الصدارة في فاعلية المجتمع المدني. ونحن نحاول البناء على هذا التطور فنطلب الأصل الواحد وراءها لنصوغ تصورا يمكن من تحديد مقومات المجتمع المدني من حيث هو أهم فواعل العمران البشري والاجتماع الإنساني تصورا يساعد على فهم ما أطلقنا عليه اسم عطالة فاعليته أو عوائقها كما تعينت في أزمة اللحظة العربية الإسلامية الحالية. ذلك أننا نصنف هذه العوائق لتشخيص الأزمة بالإضافة إلى المقومات وضروب التعبير عنها. وهدفنا من المحاولة تحديد طبيعة فعل المجتمع المدني أو الدور الذي يؤديه في حركية العمران البشري والاجتماع الإنساني بمستوييه الخاص بأمة بعينها والعام للبشرية. لذلك فإن تحليلنا يفترض الاعتماد على ما أضافته الصياغة النظرية العربية الإسلامية لنظرية عمل المجتمع المدني، أعني الصياغة الفارابية الخلدونية التي لا تقتصر على تجاوز صياغة أفلاطون وأرسطو فحسب، بل هي كما سنرى تتضمن بذرات تمكن عند قراءتها في ضوء الأزمة العربية الإسلامية الحالية من تجاوز صياغة المرحلة النقدية ما بعد الحديثة. فالأول أضاف إلى نظرية الاجتماع والعمران معنى الكونية البشرية بفضل نظرية الجماعة العظمى من منطلق الرسالة الإسلامية التي تتوجه إلى البشرية كلها وإن بغير وعي وتصريح. والثاني درس آليات عمل الأمر الذي يناظر المجتمع المدني الوطني والدولي عندما حلل العمران بمفهومين استعارهما من « الهيولومورفية الأرسطية » بعد تخليصها من الدلالة الميتافيزيقية الجوهروية وإعطائهما دلالة الأداة التشريعية للظاهرة العمرانية: صورة العمران ومادته. وكلتاهما ذات فاعلية مضاعفة، فاعلية فعلية وفاعلية رمزية. فأما صورة العمران فهي المقوم السياسي الذي يتألف من السلطة السياسية (ويغلب عليها الفعل الفعلي ومثاله القوة العامة مضمون الباب الرابع من المقدمة)، والسلطة التربوية (ويغلب عليها الفعل الرمزي ومثاله المعارف جزء أساسي من مضمون الباب السادس)، وأما المادة فهي المقوم المدني الذي يتألف من الفاعلية الاقتصادية (ويغلب عليه الفعل الفعلي ومثاله قوة المال مضمون الباب الخامس من المقدمة)، والفاعلية الثقافية (ويغلب عليها الفعل الرمزي ومثاله الآداب جزء أساسي من الباب السادس من المقدمة). أما وحدة المقومين بفروعهما فهي الجماعة من حيث هي أسمى القيم أو الأمة بالمعنى المقدس، أي الملة المنفتحة على كل الإنسانية انفتاحا تحدده عقائد الأمة الدينية والفلسفية. ويرمز إليها مفهوم الخليفة بمعنيي الكلمة معناها الخلقي الوجودي (الإنسان من حيث هو مستخلف) ومعناها السياسي الديني (رئيس الأمة نيابة عن الخليفة بالمعنى الأول أو الإنسان المستخلف). أما إذا ترجمنا هذا التعريف بمفردات نظرية القيم التي تمثل دم العمران وسر حياته فإن تعريف ابن خلدون يقبل الصياغة التالية. فمادة العمران (الاقتصاد والثقافة) وصورته (الدولة والتربية) تشملان كل أفعال الإنسان ورهانات وجوده فردا وجماعة: 1- الفعل العملي أو السياسي. 2- الفعل النظري أو المعرفي. 3- الفعل الرزقي أو الاقتصادي. 4- الفعل الذوقي أو الجمالي. 5- الفعل الوجودي أو المنظور الذي يحقق التناغم بين هذه العناصر وكأنها نظام منغلق مطابق لعلمنا به (المنظور الفلسفي) أو كأنها نظام متعال على علمنا (المنظور الديني). ولمحددات فعل النظر وجها بروز: فله وجه الأفق الكاشف وهو الوجه الذي يحاول أن يكون غاية ذاته في خدمة القيم الأخرى، وله وجه ما وراء الأفق الكاشف أي الأفق الحاجب ودوره دور الأداة في خدمة القيم الأخرى. والوجه الأول هو الفعل الظاهر والعلني من المعرفة العلمية، والثاني هو الفعل الباطن والخفي من التزوير الأيديولوجي. لكن الظاهر والعلني معركة رموز تتكلم باسم القيم المعنوية السامية والباطن والخفي، معركة مصالح مادية تتنكر فتظهر بمظهر معركة الرموز لكنها تتكلم في الحقيقة باسم القيم المادية التي تحولها إلى غاية بدلا من اعتبارها أداة كما هي في الحقيقة. فكيف نفهم مسرح الدمى الذي يجري في ما نسميه بالمجتمع المدني؟ ولما كان التنافس بين الفعل الفعلي والفعل الرمزي أمرا معلوما، وكان الفعلي من الفعل لا يكتمل إلا بالجمع بين الفعلي من صورة العمران والفعلي من مادته، بات من الضروري أن يستحوذ السياسي على الاقتصادي أو الاقتصادي على السياسي فيستتبعان التربوي والثقافي أي الرمزي منهما، ويكون الاستبداد السياسي بالمدني استبدادا يقضي على الحقوق المادية والمعنوية، لذلك غلبت على فاعلية المجتمع المدني الصيغة الرمزية لأن جوهره التعبير بالفعل الرمزي وذروته حرية التعبير التي هي جوهر التعبير عن الحرية. فيكون عمل المجتمع المدني سلبيا هو الصمود الخلقي لمنع الاستحواذ والاستتباع، ومن ثم فالمعركة المدنية معركة حقوق مادية (لمنع الاستحواذ) ومعركة حقوق معنوية (لمنع الاستتباع). ويكون عمل المجتمع المدني إيجابيا مبنيا على الصمود لتحقيق الحقوق المادية والمعنوية بحماية المصالح الاقتصادية والمصالح المعنوية، وذلك هو المعنى الحقيقي لحقوق الإنسان سواء أدركناها بالعلم العقلي أو بالعلم النقلي المتطابقين في المنظور الخلدوني. لأن الشرع قل أن يخالف الوجود كما يقول بشرط أن يكون فهم الأول في علم الثاني، وذلك هو مشروع علم العمران البشري والاجتماع الإنساني لنقد التاريخ المحرف للعلاقة بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ، إما من منطلق تقديم ضرورة التاريخ الطبيعي النافية للحرية الخلقية أو من منطلق حرية التاريخ الحضاري النافية للضرورة الطبيعية. (*) مفكر تونسي (المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 10 جويلية 2006)
رأي للنظر
أحمد البخاري الشتوي (*) تسعى البشرية في مختلف الاجيال الى التقدم خطوة خطوة نحو الديمقراطية من خلال تشريك الاطراف المعنية صاحبة الشأن بالاستشارة وسبر الآراء ومختلف أشكال التعبير عن الرأي ثم تتوّج العملية الديمقراطية بالقرار المتولد عن القواعد وفي ذلك تعويد لكل طرف على تحمّل مسؤوليته كاملة في ما يتصل به. وقد سعت الاجيال البشرية في مختلف العصور والبلدان الى مكافحة الاستبداد بالرأي والتسلط الفردي وتجاوز القواعد وعدم الاحتكام الى مواقفها من خلال الثورات العالمية الكبرى ومن خلال حركات الاصلاح والحركات الفكرية الداعية الى اعتماد الدساتير والقوانين والنظام المؤسساتي ورصيد تونس في هذا المجال غني عن الحصر والتنويه يكفي أن نذكر بالمسيرة الاصلاحية المظفرة التي قادها الرواد والاحفاد من خير الدين وبيرم الخامس وابن أبي الضياف ووصولا الى الزعيم الراحل بوريبة وسيادة الرئيس زين العابدين بن علي أبقاه الله لتحقيق المسيرة الرائدة لتونس الغد. إن عصرنا اليوم يتوق بكل جوارحه في مختلف أصقاعه الى إشاعة الديمقراطية في مختلف مظاهر الحياة اليومية حتى غدا المواطن اليوم يتنفس الديمقراطية في كل كبيرة وصغيرة بل إننا أصبحنا نعوّد أطفالنا حرية الرأي والتعبير واستشارتهم في شؤونهم في مستوى العائلة والمدرسة والمعهد والكلية والجامعة. وتونس اليوم قطعت شوطا لا يستهان به في مجال الحياة الديمقراطية وابتعدنا عن المجتمعات المتخلفة التي لاتزال تنظر الى الهياكل النقابية على أنها أحزاب معارضة بل في بعض المجتمعات الممعنة في التخلف قد تصنف النقابة في صف الاحزاب اليسارية وقد تمنع من ممارسة كل نشاط ويحضر وجودها إطلاقا. فإن كنا في تونس نستشير أطفالنا عبر هياكل منظمة في شؤونهم ونستشير شبابنا وشاباتنا ونستشير كل قطاع في ما يتصل به فكيف لا نستشير أساتذتنا في الجامعة وهم النخبة الفكرية التي نحملها مسؤولية غرس المبادئ الديمقراطية وقيم المجتمع المدني الساعي الى الحداثة في أبنائنا على مقاعد الدروس؟ إن التربية الديمقراطية في تونس تجذرت تقاليدها في مجتمعنا حتى أصبحنا لا نخوّل لأي هيكل أن يملي قرارات فوقية ومتسرعة معتمدا أسلوب إقصاء أصحاب الشأن والارتجال في اتخاذ قرارات مصيرية للقاعدة الاستاذية. عوّدنا سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بآلية في التعامل الديمقراطي لن نحيد عنها وهي الاستشارة. فقد أنجزت الاستشارات الوطنية في مستوى الشباب والمرأة وقطاعات مختلفة حتى غدت الاستشارات محطات دورية لا غنى للمسؤول عن اعتمادها ليكتسي الفعل السياسي الشرعية الديمقراطية. والعهد ليس ببعيد، فقد أنجزت استشارة موسعة حول نظام إمد للجامعيين طلابا وأساتذة، في المجالس العلمية كامل السنة الجامعية الجارية، وفي اللجان القطاعية في مستوى الكليات والمعاهد والجامعات وفي المستوى الوطني حتى شبع نظام إمد استشارة في كل تلك المحطات قبل أن يعلن عن تبنيه. وما سياسة التطبيق المرحلي لنظام إمد إلا مظهر آخر يتجلى فيه مبدأ استشارة أهل الشأن والتريث خاصة في اتخاذ القرارات المصيرية التاريخية ودعوة أصحاب الشأن الى تحمّل مسؤولياتهم. طالعتنا المركزية النقابية بالبلاغ الداعي الى «مؤتمر توحيدي يوم 15 جويلية 2006 مؤتمر خارق للعادة تنبثق عنه جامعة قطاعية عامة واحدة وموحدة لجميع أسلاك التعليم العالي» دون الدعوة الى استشارة موسعة للاساتذة الجامعيين بمختلف رتبهم. هل هكذا بـ «جرة قلم» تعلن قرارات مصيرية للاساتذة الجامعيين من غير الالتفات الى سماع آرائهم؟ وكيف لهيكل نقابي ينتظر منه أن يكون مدرسة الديمقراطية ويربي الاجيال عليها أن يمارس هذا الاقصاء وأن يمارس هذا التفرّد بالرأي؟ والحاصل أننا لا نريد التسرّع ولا الاقصاء كما لا نريد التفرّد بالرأي وتعميق الازمة في صفوف الجامعيين. فهلا تريثتم يا قوم واستشرتم أهل الشأن في كل ما يعود اليهم بالنظر؟ (*) أستاذ مساعد ـ جامعة الزيتونة. (المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
المفكّر يوسـف الصدّيق في حوار مثير عن الهمّج وقراءة القرآن
يوسف الصديق، ابن الجريد التونسي، تجاوز العقد السادس من عمره ودخل منذ عشرين سنة مغامرة فكريّة نادرة جدّا… أستاذ الفلسفة في سبيعنيّات القرن الماضي هجر منذ ثلاثين سنة أنبل مهنة في تاريخ الإنسانيّة ليمارس أخرى تتضارب الأقوال بشأن نبلها وهي الصحافة… لكنّه عاد إلى حبّه الأوّل وبدأ مغامرة جديدة في النشر خال أنّه يقدّم بها خدمة لأطفال المسلمين سنة 1989 ولاقى يوسف الصديق من ورائها الويلات واتّهم بالكفر والزندقة في حين أنّه لم يفعل شيئا سوى تقديمه في شكل مصوّر جذّاب القصص القرآني مع تجنّب كلّ المحظورات بشأن تصوير الأنبياء والرسل… لكنّ ربّ ضارة نافعة إذ انتقل بعد هذه التجربة صاحبنا للتأليف في كبريات القضايا الفكريّة والفلسفيّة المتّصلة بالإسلام وحضارته. ولقد قام بترجمة العديد من أمّهات كتب التراث إلى الفرنسيّة وهكذا قرأ أصحابُ لغة فولتير بفضل يوسف أعلاما كابن سيرين ومالك ابن أنس وابن سينا كما ترجم جملة من أقوال الرسول ]ص[ والإمام علي، هذا قبل أن ينشر كتابه المرجع سنة 2004 »لمّا نقرأ القرآن بعد » » Nous n’avons jamais lu le Coran » وأخيرا »من هم الهمّج؟ » Qui sont les barbares والذي نشرته بتونس دار سيراس في أفريل الماضي… يوسف الصديق الذي يقيم بفرنسا منذ بداية تجربته الجديدة في النشر وجّه له المعهد الفرنسي للتعاون دعوة ليتحاور مع الأديبة والصحفيّة فوزيّة الزواري بفضاء المكتبة متعددة الوسائط شارل دي غول..فبين ندوة طريفة وغداء أطرف كان لنا معه هذه اللقاء. وقد سألناه عن مساره الفكري وأطروحاته الأساسيّة في كتابه المرجع »لمّا نقرأ القرآن بعد ». من هم الهمّج ؟ ينقسم الكتاب إلى قسمين ولابدّ أن أقول للقارئ إنّه كان نتيجة لمحاورة متشنّجة مع الناشر. كنّا في مقهى في مون بارناس (باريس) وتحدثنا عن »همجيّة الإسلاميين » والعبارة له، فانطلقت في الحديث على أنّ من يقتل ليس بإسلامي ولا كاثوليكي ولا بروتستنتي وإنّما هو مجرم وقاتل وينطبق عليه القانون في جميع الأعراف والعصور وإنّ ربط الإسلام -ولو كان ذلك عبر عبارة الإسلاميين أو الإسلامويين- بمفهوم القتل غير مقبول إطلاقا. كنّا نتغدّى مع بعض، وطالت الجلسة فحدّثته عن همجيّة الغرب من محرقة طروادة إلى حدّ هتلر مرورا بسبرنيتكا وفرانكو ونابليون الذي قتل في جلسة واحدة ثلاثة آلاف شخص. وقد كنت متشنّجا حقيقة فقال لي إنني كنت ملهما »ولم لا تكتب ما أنت بصدد قوله وأنا أعتزّ بأن أنشره لك ». ترفض الربط كما هو بيّن الآن بين نوع من الإسلام وبين القتل، أليس هذا أمرا واقعا ؟ أردت أن يكون الفصل الأوّل من كتابي، تهجّما على العقليّة الهمجيّة الغربيّة الحاضرة إلى حدّ الآن. فشعارهم الذي يرددونه »أبدا لن يكون هذا بعد الآن » ورغم هذا كانت مذابح سبرنيتكا… ثمّ يقولون »أبدا لن يكون هذا بعد اليوم » ثمّ ينسون من جديد. تلك هي طبيعة الهمجي، الهمجي لا ذاكرة له، هو ذلك الأعرابي الذي تحدّث عنه القرآن ثمّ تبرّأ منه، حتّى إنّ القرآن تبرّأ من الإسلام عند ذكره للأعرابي »قالت الأعراب آمنّا، قل لم تؤمنوا. بل قولوا أسلمنا » لقد تبرّأ القرآن من أولئك الذين يقتلون ولا يتذكّرون أنّهم قتلوا ويتّموا الأطفال، قلت في نفسي لابدّ أن يكون بعد هذا الفصل عن الهمّج فصل آخر يطرح مشكل : هل نحن همّج أم لا ؟ أقول، افتراضيّا، أننا أصبحنا همّجا لأنّ النصّ القرآن أُخفيَ وسُحب وهذا ما بيّنته في كتابي »لمّا نقرأ القرآن بعد » قلت لقد أخفوا علينا لغز المحاورة بين ابني آدم الذي يجعل من القاتل، حتّى لو كان مدافعا عن نفسه، غير مؤمن. هنالك أشكال متعددة للغز ابني آدم. بداية القرآن لا يذكر من قتل بينما العهد القديم يذكر أنّ هنالك قابيل وهابيل. لم ينتبه الناس إلى أنّ عدم ذكر الشخصين يعني أنّ كلّ أخ يمكن أنّ يقتل أخاه. ثمّ إنّ القرآن لم يذكر نوع القربان على عكس العهد القديم الذي يذكر الكبش ومحصول الزراعة فتقبل الله محصول الرعي ولم يتقبّل محصول الزراعة فأصبح الرعاة، بالنسبة للعهد القديم، ضحايا إلى يوم يبعثون والمزارعون أصبحوا جلادين إلى يوم يبعثون أمّا القرآن فقد تجنّب ذلك. اللغز الثاني والأهمّ هو أنّ الضحيّة قال »لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف الله ربّ العالمين » يمكن أن يقال إنّ هذا الموقف هو ترجمة لمقولة »الخدّ الأيمن والأيسر » في المسيحيّة، يعتقد الناس أنّ المقولة المسيحيّة تعني المسالمة إلى حدّ الجبن لكنّها بنظري تعني عقابا لاذعا للجلاّد، فلمّا أعطيك خدّي الثاني لا يبقى عندي خدّ آخر فأدفعك إلى نفسك حتّى تقول : لقد استوفيت الخدّين،فأنا هنا في وضع الجلاّد، لكن القرآن يذهب إلى أبعد من ذلك »حتّى تبوء بإثمي وإثمك ». فما دمت حيّا عليّ إثم وأنت كذلك أمّا إذا قتلتني فستأخذ إثمي معك وتبرّئني. فمن خلال هذه الرواية التي يقصّها القرآن مرّة واحدة في الآية 30 من سورة المائدة وما يتبعها يتبيّن أنّ الإسلام لا يمكن أن يرتبط بأيّة حال حتّى في مغالاته بالقتل والإجرام. لا يمكن أن يرتبط الإسلام أبدا بالإرهاب لأنّه منذ البداية صرّح أنّ القتل هو خروج عن الإيمان. هل يمكن أن تنفي اليوم أنّ عددا من المنتسبين للإسلام يقتلون باسم هذا الدين ؟ المثقّف العربي والمسلم نسي شيئا هاما جدّا وهو تقسيم العمل الذي يتحدّث عنه رامشي في وصفه للمثقف العضوي، مهمّتي أن أعطي لهذا النصّ -القرآن في وضعيّة الحال- الأرضيّة الأولى التي تنطلق منها التأويلات والتحزبات وهذا ما لم نقم به في أهمّ نصّ عندنا. المهمّ هو تحديد من أيّة أرضيّة نصيّة ننطلق. لقد أشرت مرّة إلى غياب الكتابة في قرن بني أميّة (القرن الأوّل للهجرة) والذي كان قرنا سياسيّا عظيما باستكمال الفتوحات وتعريب الدواوين والنقود. فهذا القرن العظيم لم يظهر لنا سوى نصّ واحد وهو النصّ القرآني محنّطا إلى جانب عدد من الخرافات التي نقلها أشخاص مسترابون كوهب بن منبه وعبدالله بن سبإ وسوف نرى أنّ الفقه لاحقا قد تأسس على هذه الخرافات. المفارقة هي أنّ الإسلام في القرن الأوّل لم ينتج كتابة. بينما كان مهيمنا على كلّ مواقع الكتابة في الكرة الأرضيّة من حرّان إلى الموصل والاسكندريّة وحمص… وهكذا حنّط النصّ القرآني حتّى وصلنا غير مقروء… هذه الخيانة الأولى للرسول بعد الخيانة الأخرى وهي وراثة الحكم… نحن نتذكّر الرواية التي جمع فيها زياد بن أبيه الفقهاء مع معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأمويّة وابنه اليزيد حيث قال »إن مات هذا فهذا وإلاّ فهذا » وأشار إلى سيفه وسحب العنصر الأهمّ في الحكم الإسلامي وهو الشورى.. لقد بدأنا تماما كما بدأت أثينا والتي ورثتها فيما بعد الديمقراطيّات الغربيّة. أمّا نحن فقد قبرنا أصل الديمقراطيّة في المهد بتعلّة حقن دماء المسلمين إلى حدّ اليوم. إذن نحن لم نجعل للقرآن نوافذ ليقرأ القراءة الأولى. هذا ما أقوله. لست بصدد القول بأنّ المسلم اليوم لا يقتل، فعلا إنّه يقتل لكن هذا لا يتمّ من خلال النصّ المؤسس. مع القرآن بدأت من »الرسوم المسترسلة » سنة 1989 إلى »لمّا نقرأ القرآن بعد » سنة 2004، فكيف كانت هذه السيرورة ؟ اهتمامي بالقرآن عائلي وعضويّ، عندما كنت صغيرا كنت أنا وإخوتي نتراشق ونربّي بآيات قرآنيّة فالمناسبات عديدة التي كنّا »نصفع » فيها بآية قرآنيّة ثمّ حفظت القرآن عن ظهر قلب في الكتاتيب وكذلك كلّ ما كان يحوم حول القرآن كالشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام والأمثال العربيّة منذ نعومة أظافرنا. عندما كبرت وتزوّجت وأنجبت أطفالا انتبهت إلى أنني كنت أحدّثهم عن القصص القرآنيّة : سيّدنا ابراهيم والنبيّ سليمان وكنت أضفي مسحة من التهويل والدراما على هذه القصص… ثمّ وجدت أنّ أصدقائي حتّى من أساتذة العربيّة لا يعرفون معنى »هُمزة لُمزة » أو »لَكُنود » فهم يرددون قصار السور التي حفظوها في الكتاتيب دون فهم… أردت في البداية إيصال القصص القرآني والذي أجده شيّقا للغاية بطريقة بيداغوجيّة وكتبت مقدّمة بيّنت فيها بالاعتماد على الأحاديث والمأثورات النبويّة كيف كان الرسول يترك زوجه السيدة عائشة تلعب بالدمى ونجد في سنن أبي داود أنّ عائشة كانت تقول للرسول إنّ سليمان كانت له خيول لها أجنحة فضحك الرسول حتّى ظهرت نواجذه… أردت في تلك المقدّمة التأكيد على الطابع البيداغوجي لعملي وليست لديّ أيّة نيّة أخرى… لكن ذلك العمل قوبل بالتكفير من بعض الجهات المتزمّتة وبالمناصرة والدعم من أوساط أخرى… وهكذا لم تبع كتبي في البلاد الإسلاميّة بل بيعت أكثر من 70 ألف نسخة في باريس لوحدها… لمّا سئلت ذات مرّة في جريدة »الصباح » حول هذا الموضوع قلت إنّي ندمت لأنّ نيّتي كانت بريئة وصادقة ورغم ذلك فقد اعتبر العديد من العرب والمسلمين أنّني أريد أن أتحدّى الإسلام… كنت أعتقد أنّني سأدخل البهجة والسرور على أطفال المسلمين عندما يرون تجسيدا تصويريّا للقصص القرآني دون تشخيص الرسل والأنبياء ولا تجاوز للنصّ القرآني ورغم ذلك فقد وجدت كلّ ذلك الرفض والإعراض. بعد هذه المغامرة غير السارة توجهت إلى ما هو جوهري وباق. أردت أن أبيّن بأنّ النصّ القرآني مازال غريبا عنّا منذ خمسة عشر قرنا. فلا نستغرب إذن وجود الحركات التكفيريّة والجهاديّة. إنّ الشبّان المتزمّتين والمتطرّفين والعنيفين هم أبناؤنا وينبغي علينا أن نقنعهم بخطاب آخر… إنّ المسلم الصالح هو الذي يكرر كلّ يوم »أنا لن أقتل، لن أقتل ولن أسرق ولن أكون سببا في إيذاء غيري » حتّى يلقى ربّه وهو عنه راض… فمادام المسلم حيّا فهو عرضة للشرّ ولقتل غيره وهو ليس آمنا على نجاته ولا رسول الإسلام كذلك ألم يقل له الله »عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا »… إذا تمكنّا من إيصال هذه الأفكار والقيم إلى عامّة الشباب فسوف نقلّص إلى أبعد الحدود التطرّف والإرهاب باسم الإسلام. لابدّ أن نقوم بهذا العمل التثقيفي لصالح مجتمعاتنا… إنّنا نعيش هدرا للطاقات لا معنى له… إذن أنت أردت أن تتحوّل من بيداغوجيا للأطفال في »الرسوم المسترسلة » إلى بيداغوجيا للشباب والكهول في »لمّا نقرأ القرآن بعد » فلم كتبت كتابا يستعصي فهمه حتّى على النخبة ؟ كلّ كتاب له حياتان، حياة النشر والتي لا تتجاوز بعض الأشهر، وحياة أخرى تتجاوز الظرفيّة الحينيّة. هنالك العديدون الذين لم يقرؤوا كتابي بعد لكنّهم سمعوا عنه سواء في مقالة صحفيّة أو محاضرة فكريّة أو حصّة تلفزيّة. وهذه الحياة الثانية للكتاب قد تدوم سنين وعقودا وحتّى قرونا… أمنيتي أن يترجم الكتاب إلى اللغة العربيّة وأن تصبر على هذا العمل دار نشر جيّدة. كتابي جاهز منذ سنة 1994 ولكنني كنت في كلّ مرّة أؤجّل النشر حتّى لا يفهم في ظرفيّة غير ظرفيّته… لقد قرأه المستشرق الفرنسي جاك بارك قبل وفاته بحوالي الشهر وقد قال لي حينها »إنّني متفق معك لكنني لا أستطيع أن أقول ما تقوله أنت وخاصّة مسألة الأفق اليوناني للقرآن ». أذكر أنّه قال لي عندما قرأ ما قلته بصدد سورة »الإخلاص » وأنّ فيها نفس الروح لقصيدة برمنيدس… وقد أشار هو كذلك إلى هذه الإمكانيّة على هامش ترجمته لسورة الإخلاص. إننا فعلا إزاء أفق يوناني فلمّا قلت له لم لا تفصح عن هذا الرأي قال لي : »أنا ضيف على الإسلام »، أنا يوسف الصديق لكن ليس لي هذا العذر. أريد أن قول لك إنّ كتابي يحظى باحترام المغالين من الإسلاميين لأنّهم اقتنعوا أنّ ما كتبته ليس جسارة على الإسلام ولا على القرآن ولكن المنطلق هو اعتزاز كبير بحضارتي. قد أكون أخطأت وفي هذه الحالة يكون لي أجر واحد. ما هي أطروحتك الأساسيّة في كتاب »لمّا نقرأ القرآن بعد » ؟ ماذا أردت أن تقول للمسلمين؟ أريد أن أقول بعض الأشياء حول مفهوم الكتاب، فالكتاب ليس قراطيس نلمسها بأيدينا… والكتاب ليس تلاوة »لا يعلّمون الكتاب إلاّ أماني » وأماني تعني آمين (Amen ) أي كلّ ما يقرأ الكتاب يقول الناس »آمين » والكتاب ليس تجارة بالأفكار »ويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله »… لقد انطلقت من أبسط مفاهيم الكتاب وهي الربط إلى أعلى المفاهيم وهي الزمنيّة الكونيّة »إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا »… فالكتاب، إذن، درجات يبتدئ من القراطيس والحروف كوسيلة إلى المفاهيم الكونيّة دون أن يعني هذا تفاوتا عند الله بالنسبة للمؤمنين فالمرأة الأميّة التي تصلّي بسورة واحدة وقد تكون ملحونة هي عند الله تماما كالقرطبي صاحب التفسير الضخم، هذا هو الجزء الأوّل من كتابي. الجزء الثاني يتعلّق بالقصص القرآني وقلت إنّ القصص القرآني مجازيّ وليس تاريخيا ومستويات القراءة متعددة جدّا من القراءة الساذجة الطفوليّة إلى تلك التي تجد المعاني والرموز. والقرآن نفسه ينبّهنا إلى هذه المعاني. فعندما يصف جهنّم يقول »عليها تسعة عشر » ثمّ يقول »وما جعلنا عددهم إلاّ فتنة للنّاس »… فالمجازيّة كما ترى درجات تنطلق من الطفل الساذج إلى الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي. أردت في الفصل الثاني أن أظهر هذا السياق الواسع من المجاز في القصص القرآني. في القسم الثالث والأخير أردت أن أقول إنّ الله لم ينزّل القرآن في مكّة أو المدينة أو بلاد الحجاز فقط. »إنّا أرسلناه للنّاس جميعا » ما معنى هذا ؟ يعني أنّ الأرجنتيني بعد ثلاثة ألاف سنة يجب أن يجد نفسه في القرآن. كيف يجد نفسه ؟ هنالك أفق موجود في القرآن ونسيناه بفعل بني أميّة وهو الأفق الرومي اليوناني… لماذا يتحدّث المفسّرون عن الأفق الفرعوني والبابلي واليمني ويهملون الأفق الرومي اليوناني ؟ ما هو تأثير هذا الأفق وكيف وصل إلينا ولماذا وصل إلينا ولماذا غيّب عنّا ؟ أردت أن أبيّن في الجزء الثالث من كتابي حضور هذا الأفق في القرآن. ما الفائدة من هذا الأفق ؟ القرآن خاتم لكلّ الكتب السماويّة وهذا يعني أنّ القرآن يقول شيئا جديدا في ختم النبوّة فلابدّ إذن من استلهام عقلانيّة الختم من شيء ناتج عن الذات الإنسانيّة… فالختم سيحلّ في الذات الإنسانيّة… هناك إشارة عظيمة في القرآن حيث يستبدل الإيمان بالعقل في نفس السياق »ويجعل الرجس على الذين لا يؤمنون » وفي مناسبة أخرى »ويجعل الرّجس على الذين لا يعقلون ». لقد أصبح العقل رديفا للإيمان وهذا هو ما قاله ابن رشد في »فصل المقال » حيث يرى أنّه لا تناقض بين الحقيقة العقليّة الفلسفيّة والحقيقة الدينيّة المتأتيّة عن النبوّة، وإن حصل تناقض ظاهر فينبغي الأخذ بالحقيقة العقليّة فالنبوّة انتهت وأصبح كلّ واحد منّا لديه نعمة النبوّة في ذاته وهي العقل. هل هذا هو مفهومك للأفق اليوناني في القرآن ؟ لقد اتّجه الله إلى اليونان لأنّها التجربة الإنسانيّة الوحيدة التي وصلت إلى وحدانيّة الله من خلال التفكير الذاتي (الفلسفة) فسقراط وأفلاطون موحّدان لقد كانت الآلهة وعلى رأسها زوس للعامّة. أمّا الخاصّة، أي الفلاسفة فقد كانوا موحّدين. فاتّجاه الوحي المحمّدي لليونان إنّما كان ليذكرنا بهذه التجربة وأنّ فهم الكون إنّما ينبع من العقل الإنساني ليس إلاّ وهذا التفكير مهم جدّا حتّى نفهم القرآن. ماهي العناصر التي تسمح لك بالقول بأنّ هناك أفقا يونانيّا في القرآن ؟ لقد قرأت مرّة، من باب الصدفة، في »المبرّد » في الصيغ النحويّة فقال لا يصاغ فَوْعَلٌ من سالم فلا يمكن لك أن تقول مثلا شَوْرَبٌ من فعل شَرب… فكيف إذن ستصوغ »كَوْثَر » من »كَثُرَ » ثمّ يضيف »المبرّد » فيقول لا »فَوْعَل » من سالم إلاّ إن كان دخيلا كعوسج أو اسم مكان كحومل. عندها قلت إنّ »كوثر » إذن دخيل ومكثت طيلة خمس سنوات وأنا لست مقتنعا بالعلاقة مع الكلمة اليونانيّة كثرزيس Catharsis (أي التطهر) حتّى وجدت في لهجة من اللهجات اليونانيّة كتب بها أكزيونفان وتقال فيها كثرزيس كوثروس. عندها حصلت قناعة عندي بهذا الربط ثمّ اكتشفت أنّ بيتا من أبيات الشاعر اليوناني سوفكل يقول فيها »الآن تطهّرت (كوثرو) فصلّ وانحر ». زياد كريشان (المصدر: مجلة حقائق التونسية بتاريخ 10 جويلية 2006)
المذيع منير شمّاء في ملتقى الذاكرة الوطنية (2 من 2):
بورقيبة كان مصلحا ولم يكن كافرا، وإشكاله الوحيد كان في حاشية «نصّابة» ومتحيّلة!
* تونس ـ «الشروق» : تواصل «الشروق» نشر التفاصيل المهمّة التي قدّمها المذيع الشهير منير شمّاء على منبر الذاكرة الوطنية لمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وبعد استعراض محطات الرجل في لندن والتي انتهت بالاستقالة من العمل بإذاعة الـ»بي.بي.سي» (القسم العربي) والدعوة الرسمية من بورقيبة للالتحاق بتونس للعمل بها والمساهمة بصفة خاصة في الخطوات الأولى لتونسة الإذاعة الوطنية و»فك» ارتباطها بالاعلام الفرنسي. * تغطية : خالد الحدّاد يأتي المذيع منير شمّاء على ذكر ما حفّ بقدومه الى تونس بعد تلقيه الدعوة الرسمية للرئيس الحبيب بوريبة عن طريق السفير التونسي بلندن الطيب سليم، يقول الأستاذ شمّاء: «لما نزلنا بمطار العوينة، أتانا ضابط كبير وقدّم التحيّة واستقبلت أنا وزوجتي استقبالا حارا فات كل الحدود، وكانت هناك حراسة وسيارة فخمة وكان هناك احترام كبير أذهل زوجتي التي قالت: استقبال أشبه ما يكون باستقبال الرؤساء!». وذكر المتحدّث أنه استقر بنزل «الماجستيك» وسط العاصمة الذي كاد يكون النزل الوحيد وأشار الى أن النزل لم يعجبه وعبّر عن ذلك لمدير النزل الذي قال له: «حتى تشرشل نزل عندنا في هذا النزل ولم يرفض وأعجبته الإقامة!» معاملة طيبة وفي ذلك الوقت كان مدير الإذاعة البشير المهذبي وكان المكلّف بكتابة الدولة للأخبار والارشاد البشير بن يحمد الذي قال عنه الأستاذ منير شمّاء: «حسب رأيي هو من أنشط التونسيين الذين تعرّفت عليهم كان يسهر كثيرا على عمله وتأسّفت كثيرا لما استقال وذهب الى فرنسا!». ويواصل المتحدّث كلامه: «في الأثناء كان بورقيبة يستدعيني للعشاء بين الفينة والأخرى أنا وزوجتي.. وقد أعجبت زوجتي بتونس وبهذه المعاملة الطيبة!» وأفاد المتحدّث أن بوريبة كان يستدعي ضيوفه لا للمجاملة فقط بل انه كان يُريد أن يعرّفهم بـ»البورقيبية» واختياراتها. يقول الأستاذ شمّاء: «كان بورقيبة يتكلّم أكثر مما يأكل.. وكان كل همّه أن يغسل لنا أدمغتنا!» وروى المتحدّث تفاصيل جرت على احدى الموائد في قصر قرطاج حيث نشب خلاف بين احدى السيدات ومصطفى الفيلالي تمّ خلاله استعمال احدى الألفاظ التونسية العامية (فيه نوع من الشتم) وذكرت السيدة تلك اللفظة.. فنفى الفيلالي أن يكون قصد الاساءة اليها أو سبّها ولما جاء بورقيبة مالت اليه تلك السيدة وقالت له ان الفيلالي يتهكّم عليها (وذكرت تلك اللفظة) فالتفت بورقيبة الى الفيلالي وقال له لماذا تتهكّم عليها (واستعمل نفس اللفظة..) وذُهل المتحدّث (أي الأستاذ شمّاء) من تكرار تلك اللفظة التي كان يرى فيها بعض الفُحش وهو ما دفعه الى الاتصال من الغد بعثمان الكعّاك الذي أوضح له أن اللفظة عادية في التعامل بين التونسيين وهي لا تحتمل أي فُحش أو إساءة، يقول شمّاء: «فضحكت حتى كاد يُغمى عليّ لأن تلك اللفظة في المشرق تعني شيئا آخر مغايرا، وقدّم لي الكعّاك سجلا كاملا من أمثلة تلك اللفظة». وعن الصفة التي قدم بها الى تونس يقول المتحدّث أنه جاء في الأصل كمذيع الا أن التسمية كانت هي «مستشار كتابة الدولة للأخبار ووقع تكليفه بتنظيم الاذاعة وقال له بورقيبة: «هذه إذاعة فرنسية باللغة العربية ونحن نريدها إذاعة عربية واسلامية.. تونسها لنا!». * تونسة الاذاعة ويواصل المتحدّث: «لما اتصلت بالبشير بن يحمد (أول كاتب دولة للاخبار والارشاد) وقلتُ له: «لا بدّ من إعادة كل شيء.. قال لي: «نريد الترميم» فقلت له: لا بدّ من البناء على أساس صحيح وثابت وأنا من رأيي أن يتمّ إلغاء كل النظام الموجود في الإذاعة..» فرفض ذلك وحتى مصطفى الفيلالي قال لي نفس الكلام في البداية! إلا أنه في فترة لاحقة قال له عكس ذلك: «باشر مهامك لأن بورقيبة وافق على تونسة الاذاعة ـ فقلت له: لا بدّ لي من شهرين، فقال لي: الرئيس يريد أن يتمّ ذلك في أسبوعين فقط! فقلت له: لا أريد هذا الاستبداد وهذه الغطرسة!» ولما قال لي: أرجوك وحدّثني بلطف قبلت الأمر. وأعددت التقرير المطلوب الذي نام ولم أسمع عنه شيئا مدّة شهر كامل الى أن جاءتني دعوة لقصر قرطاج ليس على العشاء ولكن في اطار سهرة رمضانية وكان هناك شعراء يلقون الشعر، فقال لهم بورقيبة: «تعلّموا من منير شمّاء كيف تلقون الشعر!». وفي نهاية السهرة ولما هممت بالانصراف قال لي علالة العويتي: اجلس الرئيس يريدك! وتأخر الوقت وذهب الجميع ولم أبق الا أنا وحدي، فذهبت الى بورقيبة على مكتب صغير فأخذني بالأحضان وأخذ من الدّرج أوراقا رماها بـ»عنف» على المكتب فاندهشت خاصة وأنني لمحت أنه التقرير الذي سبق لي أن أعددته لتونسة الاذاعة، وقال: «لقد كوّنا لجنة لدراسة هذا التقرير ووافقت عليه كاملا وسنشرع في تنفيذه!». فشكرته وهممت بالانصراف فقال لي: «انتظر سأعطيك مكافأة! ـ فقلت له: «من فضلك أنا مستور والحمد لله!» ـ فقال لي: كيف لقد سمعت أنك اشتريت سيارة وتدفع ثمنها بالتقسيط!. وهممت بالانصراف فقال لي: «أقعد!» ورمى أمامي مجموعة من صوره الشمسية وقال لي اختر واحدة منها فوقّع عليها وسلّمني إيّاها». بورقيبة والجنسية وفجأة مسك بجهاز الهاتف وطلب وزير العدل، وسمعته ـ الحديث لمنير شماء ـ يقول: «فيْقيه أنا نخدم هو نائم..» ثم: «يا سي أحمد (أي أحمد المستيري) راني أعطيت الجنسية التونسية لمنير شمّاء، ابعثوا له كل الأوراق الى مكتبي ولا تتعبوه في أي شيء». ويواصل الأستاذ شمّاء: فرحت كثيرا وقبّلت رأسه، وقلت له: «أخيرا أصبح لي وطني فأنا كنت مشرّدا…» فقال لي: «إذا ضايقك أي أحد اتصل بي وأعطاني رقم هاتفه المباشر.. رحتُ الى الدار وأنا أغنّي..» ويقول المتحدّث ان زوجته لم يعجبها الأمر وطلبت مني التريّث، ومن الصباح فاجأتني دعوة «الى شرب الشاي» من قبل السيد «ديردن» مستشار السفارة البريطانية بتونس الذي لم ألتقيه منذ فترة طويلة.. تعجّبت من الأمر وذهبت الى السفارة فقال لي: «مبروك الجنسية التونسية» فقلت له: «وكيف عرفت ذلك؟» فقال لي: وماذا نعمل نحن هنا»! وقال لي: «هات الجواز البريطاني!» فقلت له: القانون البريطاني يسمح بالجنسية الثانية!». فقال لي: الثانية يجب ان تكون الجنسية الأصلية! فقلت له كلكم شرّ أخذتم بلادنا والآن تلاحقوننا حتى في مسألة جنسية من دولة عربية ومسلمة!»، فقال لي: «متأسف ليس أمامك من اختيار!». ويواصل المتحدث: «فرميت عليه الجواز البريطاني وخرجت!». * خلفيات بورقيبة وبقيت على تلك الحالة وباشرت اجراءات تسلم الجنسية التونسية الى حين التقيت يوما عبد العزيز عشيش من الحزب الذي قال لي لا تتسرع اذا قبلتها فان راتبك سينخفض وان امتيازاتك ستُلغى ولن يكون بامكانك مغادرة البلاد الا بإذن الدولة. وقال لي عشيش: بورقيبة لم يسلّمك الجنسية لسواد في عينيك بل لأن بعض زملائك تذمروا منك وقالوا: من أين جاء؟! أي أن بورقيبة كان يرغب في الحصول على الجنسية لكي تسكت تلك الأصوات لا غير!». يقول المتحدث فتراجعت في المسألة واتصلت بمستشار السفارة البريطانية وطلبت لقاءه، وقلت له، أنا ندمت على قراري وأود المحافظة على الجنسية البريطانية! فقال لي: مع الأسف لقد تم إرسال الجواز الى بريطانيا وإذا ما تم «تدميره» فقد راحت عنك الجنسية ووعدني بالمساعدة، فرجعت الى البيت نادما ولكن بعد يومين أعلمني مستشار السفارة باسترداد الجواز! ويقول الأستاذ منير شمّا انه ومنذ حصوله على الجنسية البريطانية سنة 1949 كان يعتبر «جواز السفر البريطاني» بمثابة «العقرب في جيبه» الا انه سرعان ما غيّر رأيه بداية من سنة 1950 عندما زار دمشق والسعودية ووجد أن الجواز محترم فقد وقع استقباله استقبالا حسنا! ويواصل، زال ذلك الجرح! ويتذكر الأستاذ شماء تفاصيل حصوله على الجنسية البريطانية اذ اتصلت به أجهزة «السكوتلنديارد» وطلبت لقاءه وخيروه بين الاتيان عندهم او القدوم اليه في منزله فاختار المتحدث الحل الثاني وقدم اثنان من الأمن وشربا القهوة معه في منزله وأثناء الحديث سألاه عن سبب رغبته في الحصول على الجنسية البريطانية وقال المتحدث انه برغم أنه تهجم على الحكومة البريطانية التي كانت تقف خلف تضييع فلسطين وتشريد أهلها فإن ضيفيه أكدا له حقه في التعبير! وحصل المتحدث يوم 17 سبتمبر 1949 على الجنسية دون أي اشكال… وقال الأستاذ شمّاء ان الحرية لها قيمة كبيرة في بريطانيا برغم ما يحصل ويحدث! وقال… هناك في بريطانيا من يدافع عن القضية الفلسطينية أكثر ممّا يدافع عنها المسؤولون الحاليون في السلطة وحتى ياسر عرفات نفسه! وهذا حسب رأيه مهمّ جدّا! وعاد المتحدث الى ذكر مآل تقرير تونسة الاذاعة فقال… نفذناه بحذافره، ففي قسم الأخبار أصبح أهم شيء هو تونس لا الدولة الفرنسية وديغول، وفي قسم الأحاديث ذهبنا الى أنه يجب ان نعطي الشعب فكرة عن تاريخ المقاومة الوطنية للاستعمار الفرنسي وتم قطع الاحاديث التي كانت تأتي بأقلام مستشرقين فرنسيين وغربيين، اذ أن هناك تونسيين يمكنهم انجاز ذلك، كما أن الأخبار يجب أن تكون خاضعة لوزير الأخبار دون أي تسلط أو هيمنة غير مشروعة، كما تم الاتجاه الى تنويع الأخبار لتشمل الى جانب تونس العالم العربي والدول الأخرى. كما أن التعليق على الأخبار يمكن ان يكون بروح تونسية وليس بالضرورة على الطريقة الفرنسية وفي الأحاديث يجب العمل على تنوير الشعب بالمواضيع التونسية الأصيلة، «القومية التونسية» كانت تلك هي أهداف تونسة الاذاعة. * دفاع عن الاستعمار وذكر المتحدث تفاصيل خلاف له مع أحد مسؤولي الاذاعة آنذاك (محمد علي بن سالم) الذي كان ـ حسب كلام شمّاء ـ يميل كثيرا الى فرنسا وكان يدافع عن الاستعمار وكان يقول أن الاستقلال نكبة على تونس وكان يسعى الى رفض العديد من الأعمال المقدمة ولما يسأل عن السبب كان يقول: «ما انجمش!» (أي لا أستطيع). يقول الأستاذ شمّاء اقترحت على بورقيبة ان يطرد محمد علي بن سالم فقال لي: «لا، هذا تونسي رغما عن أنفه ويجب ان يخدم تونس!». كما ذكر المتحدث ان مدير الاذاعة آنذاك البشير المهذبي، كان يعطّل عمله نوعا ما برغم أنه كان يخصص له يوميا سيارة بسائقها للتجول رفقة زوجته أي أن المعني بقي دون عمل… يواصل: «وصل الخبر بورقيبة فأمر بطرد المهذبي، فذهبت اليه وقلت له: «أنا أقدم استقالتي… لماذا تطرد المهذبي!» فقال لي: «أنا سأعطيه عملا آخر على رأس شركة الكهرباء والغاز فقلت له: طيب لا أستقيل!». * الاستقالة ولكن بعد فترة التقيت البشير المهذبي على وجه الصدفة على مستوى حديقة البلفدير فقلت له مبروك العمل الجديد فقال لي: لم يحدث أي شيء! فذهبت الى بورقيبة وقدّمت له الاستقالة، فغضب وقال لي: ما دخلك أنت هذا شأن تونسي». فأصررت على الاستقالة فتراجع وقال لي: سأعطي الوظـيفة حالا للبشير المهذبي…! وهو ما تم!». وفي حديثه عن الرئيس بورقيبة قال الأستاذ شمّاء: «نعم الرئيس هو، ونعم المدافع عن القضية العربية عموما وخاصة فلسطين، وكان نجما ساطعا بين الزعماء العرب، البعض كفّروه في قضية الصوم ولكن أنا أبرّئه من تلك التهمة، لم يكن كافرا ولكن كان يظن انه كان بامكانه التطور بعيدا عن تعاليم الدين… وعيب بورقيبة الوحيد انه كان يستمع الى حاشيته الذين كان بعضهم «دجالين ونصابين وكذابين» وكانوا يحاولون الكذب والتحيل عليه وخدمة مصالحهم. وأعاد المتحدث المشاكل التي عرفتها تونس في عهد بورقيبة الى الحاشية. بورقيبة وعبد الناصر واعتبر المتحدث أن خلاف بورقيبة مع عبد الناصر كان خلافا لأسباب شخصية وليس لاعتبارات سياسية ذلك أن عبد الناصر كان يريد ان يحافظ على زعامة العرب وكان يخاف أن يشاركه في ذلك أي زعيم آخر. وحول موقف بورقيبة من القضية الفلسطينية في خطاب أريحا قال الأستاذ شمّاء أنه موقف صادر عن حسن نية ولكنه غير مقبول ـ في نظره ـ لأنه تم اختبار الكيان الصهيوني ولكن لم يقدم للشعب الفلسطيني الى اليوم أي شيء على الإطلاق والأحداث الجارية حاليا دليل قاطع على ذلك. وعبر الاستاذ منير شمّاء عن اعتزازه بالاستقرار في تونس التي أوصى بأن يُدفن فيها (حسب ما أسرّ به السيد أحمد العموري وهو ما لم ينفه المتحدث)، ونوّه الاستاذ شمّاء بوجاهة السياسة التي يعتمدها الرئيس بن علي الذي قال أنه حكيم وهو من أبرز القادة والزعماء العرب وأنه أخذ كل الاحتياطات حتى لا تتم مغالطته من أي كان. (المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 11 جويلية 2006)
Home – Accueil – الرئيسية