في الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية.
حركة النهضة بين الأمس واليوم.
((( 2 ))). هل كانت حركة النهضة حاجة تونسية أو ضرورة إسلامية؟ مشروعية الحاجة ـ كل حاجة ـ تنبع من التأصل في أبرز بعدين للكائن البشري أو كليهما : ذاكرة التاريخ من جهة والواقع من جهة أخرى. فإذا كانت تلك الحاجة مؤصلة هنا أو هنالك أو هنا وهنالك معا ثم جمعت إليها ضرورتين أخريين : ضرورة الإنسجام مع الفطرة البشرية من جهة وضرورة التوافق مع الإتجاه السنني والسببي للكون والخلق والإجتماع من جهة أخرى .. عندها تكون تلك الحاجة ( رباعية الدفع : أصل تاريخي وأصل واقعي وأصل فطري وأصل سنني ) قدرا مقدورا. قدرا ينفذه الإنسان طوعا ورضى وإختيارا وإرادة يتحمل مسؤولية ثمراتها آجلا وعاجلا. حركة النهضة بنت غير مدللة لتونس الزيتونة. نبتت حركة النهضة في أواخر عام 1969 في تونس لتلبي الحاجات التالية : 1 ــ حاجة تونس إلى قطرة غيث إسلامية تجفف منابع التطرف البورقيبي العالماني مدججا بعصا الدولة الغليظة التي ساقت محاولات الإصلاح الزيتوني والعروبي إلى مسالخ السجون والمنافي. حكاية بورقيبة مع الإسلام معروفة لكل باحث ودارس. هي حكاية عين من عيون الإحتلال الثقافي الفرنسي غامر بالإنقلاب ضد هوية البلاد عروبة ودينا فما جنى غير أشواك الطريق. تجربة البورقيبية في تونس تختلف عن كل التجارب العالمانية في كل البلاد العربية والإسلامية عدا تركيا غير العربية. لا يتسع هذا المجال للإنبساط فيها وليس ثمة حاجة أصلا لذلك بسبب وضوح الأمر. 2 ــ حاجة الصحوة الإسلامية التي نبتت في المشرق العربي إلى رجع صدى في المغرب الإسلامي. بناء المفكر الشيوعي سمير أمين بعضا من رؤيته على علاقة المركز بالأطراف هو بناء موفق جدا يفسر جزء كبيرا من التداعيات في عالم حراك الثقافة وتدافع الإصلاح. تونس والغرب الإسلامي عامة من الأطراف بينما تكون مصر وما حولها من شبه الجزيرة العربية من المركز كينونة تاريخية بسبب نشوء الإسلام هناك بادئ ذي بدء. كان نشوء الصحوة الإسلامية المعاصرة ( مساهمة في مقاومة المحتل ومساهمة في وضع آثار الإنحطاط سيما في الوضع الديني العقدي مزاولة بين الناس مثل الوهابية والسنوسية والمهدية إلخ..) متفرقا بين المركز والأطراف. سوى أن نشوءا آخر لصحوة أخرى تميزت عن النشوء الأول ( صحوة سلفية عصامية من مثل رشيد رضا ومحمد عبده والأفغاني من جهة وصحوة إسلامية إتخذت شكل الإحياء الإسلامي الجامع من جهة أخرى على يد البنا في مصر والمودودي في باكستان).. ذلك النشوء الجديد هو الذي كتب الله له التأثير الأعمق والأوسع حتى يومنا هذا. ذلك النشوء بمختلف مدارسه نبت في المركز ثم إنتقل إلى الأطراف وكانت تونس إحدى أبرز تلك الأطراف مقارنة مع جيرانها أي ليبيا والجزائر والمغرب.. 3 ــ كان نشوء تلك الصحوة الإحيائية الجامعة إستجابة فورية لأكبر تحد أصاب الأمة ولن تزال آثاره تعمل بأسوإ النتائج في أكثر الحقول. كانت تلك الصحوة رد فعل منظور مرقوب على هدم الخلافة الإسلامية العثمانية بوصفها رمز الوحدة الإسلامية التي هي بالتأكيد أول ثابت إسلامي عقدي بعد ثابت وحدانية الرحمان سبحانه ناهيك أن الكتاب العزيز عدها كفرا في آل عمران ( أيات 100 وما بعدها ).. ليس هناك من دليل على حياة الأمة إذا إغتصبت الخلافة رمز وحدتها السياسية فلم تنهض صحوة إسلامية تحاول إعادة بناء تلك الرمزية. 4 ــ حاجة أخرى لم تعبر عن نفسها بالشكل المباشر ولكنها كانت مختزنة في النفوس مركوزة فيها بما يشبه تصوير حالة الوعي الباطني أو الوعي الصامت بتعبير بعضهم فيما يأتيه الناس تعبيرا عن ألم بعيد وسخط غير مباشر. تلك هي حاجة أول معلم ديني تعبدي علمي في الأرض بعد المعالم التي لا تشد الرحال إلا إليها .. حاجته إلى صحوة إسلامية تونسية معاصرة تستمع إلى أناته المكبوتة وصراخه الذي يمزق صدور أهله من رجال الزيتونة الذين قبرهم بورقيبة في بيوتهم قبرا خبيثا. هي حاجة جامع الزيتونة ( ومن قبله جامع عقبة بالقيروان) إلى إعادة إعتبار. لم يكن الوعي المباشر بين رموز الصحوة الجديدة في تونس وبين ذلك المعلم منسوج الوشائج محبوك الأواصر ولكن هناك حنين بين الطرفين ستضع الأيام الحبلى خبره. 5 ــ فضلا عن الحاجات الثقافية هناك الحاجات الإجتماعية التي هيأت بروز حركة النهضة ومنها بالتأكيد فشل الخيارات الإقتصادية التي أنهكت ظهر المواطن غير أن تفجر الأزمة ظل ينتظر الخيار الإشتراكي الذي قاده أحمد بن صالح وما إن تهيأت حركة النهضة للإعلان عن نفسها حزبا سياسيا عام 1981 حتى كان الخيار الرأسمالي نفسه الذي قاده المرحوم الهادي نويرة على وشك أن يعصف بوحدة البلاد وإستقلال قرارها السيادي سياسيا وقوميا وإقتصاديا بالرغم من أن الأوضاع الدولية السائدة يومها من خلال الإستقطاب الثنائي المعروف كانت تمنح البلاد العربية والإسلامية فرصة إنحياز غير مفضوح. بالخلاصة إذن. كانت حركة النهضة حاجة محلية وعربية وإسلامية نبتت بها الأرض التونسية بعد قحط دام وجفاف نكد طال تصحره ما لم يطل أي أرض عربية أو إسلامية أخرى منذ ميلاد الدين الجديد حتى ذاك اليوم. كانت حركة النهضة في تونس علامة بارزة بحساب الإجتماع السياسي على رفض البلاد شعبا ونخبة ومثقفين وطلبة وعمالا لخيار التبعية والإرتهان إلى القوى الغربية المتنفذة ثقافيا وإقتصاديا وسياسيا. كانت حركة النهضة صدى الوطن الجريح المحتل في فلسطين بعد أقل من أربع سنوات من نشوء منظمة فتح بقيادة المرحومين : الشقيري وعرفات. كانت حركة النهضة مكابدة تعتمل في أفئدة التونسيين المجروحين من نكبة ما بعد النكبة أي نكبة هزيمة 1967 بقيادة خيار قومي غذاؤه إشتراكية مادية بدل عدالة إسلامية وأنا ربكم الأعلى بدل شعار الإسلام في النصر “ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك وإستغفره إنه كان توابا “.. كانت حركة النهضة قبل أزيد من أربعة عقود كاملة أملا حائرا يسأل عن إستقلال تونس ثقافيا بعد إستقلالها عسكريا بمثل ما يسأل عن نهضة أمة تجزأت بعد وحدة وإحتلت زهرة مدائنها بعد عز ونهبت موائدها الأرضية باطنا وظاهرا بعد رخاء ورغد.. كانت حركة النهضة سؤالا جاوز كتمانه المدى ولن تزال سؤالا يبحث عن النهضة. كانت حركة النهضة ولو لم تكن لكانت. وحتى لقاء قابل. الهادي بريك ـ ألمانيا
حركة النّهضة : ما ضاع حقّ وراءه طالب
ثلث قرن من الهرسلة والكيد والتنكيل والتّضييق والمتابعة والحرمان من الحقوق كفيل بأن يفني أعتى التنظيمات بالمنظور والمقياس البشري لكن إرادة الله تريد غير ذلك وهو المطّلع على عباده حكّاما ومحكومين. منعت حركتنا المباركة من حقّها في العمل السياسي العلني واضطرّت للمحافظة على كيانها وتسيير شؤونها والسير نحو هدفها النّبيل إلى السرية والتشكل بما تفرضه ظروف القمع والاضطهاد ولكنّها لم تتنازل عن حقّها في العمل السياسي وقدّمت التّأشيرة تلو التّأشيرة قوبلت كلّها بالمماطلة والرّفض ربحا للوقت حتّى حانت انتخابات 89 وسمح لها بهامش من الحرّية كان الغرض منه ليس تحقيق انفراج سياسي لصالح البلاد ولكن تعريّة التّنظيم ورصد قادته ومؤسساته وإمكاناته إعدادا لما سمي فيما بعد بخطّة تجفيف الينابيع وما إن أنتهت هذه الإنتخابات وأعلنت السّلطة نفسُها عن فوز الحركة بنسبة 17% و هو ما يقارب خمس النّاخبين لم تقم لهم السلطة أيّ وزن، أقول ما إن انتهت هذه الإنتخابات حتّى كشّرت السّلطة عن أنيابها وبدأت حملة الاستئصال مستقوية بما جمّعته من معلومات عن الحركة خلال فترة الانتخابات ولكن لا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله وكما قال الشّاعر: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع استباحة الحركة لم ترقب السّلطة في الحركة إلاّ ولا ذمّة واستباحتها بالكامل أرواحا وأعراضا وأموالا وممتلكات وكلّ شيء ولم تراعي حقوقنا كمواطنين تونسيّين ولا كبشر آدميين لنا حرمة وأعراض فداهمت البيوت واعتقلت وعذّبت وقتلت و حاكمت ونكّلت وشرّدت كلّ ذلك بغرض قطع دابر الحركة من الوجود ومسحها من ذاكرة الشّعب التّونسي وطي ملفّها للأبد. لقد نالت منّا الكثير وطالت قائمة الضّحايا ولكنّها لم تنل قيد أنملة من إرادة هذه الحركة الربانية وعزم أبناءها على فرض الحرّية في البلاد وخوض المعترك السياسي والقبول بتحكيم الشّعب. تحت الضّربات المتتالية تراجعت الحركة من الساحة التونسية كتنظيم ولكنّها ظلّت كامنة متوقّدة في قلوب أبناءها والمتعاطفين والأهالي صابرة مصابرة مرابطة ترقب نصرا من الله وتأييدا. الشّهداء و المساجين امتلأت السّجون بالآلاف من خيرة أبناء تونس على إثر محاكمات صورية ظالمة ندّدت بها كلّ المنظّمات الحقوقية ذات المصداقية و حشروا في ظروف لا إنسانية ونُكّل بهم أشدّ تنكيل ومنعوا من أدنى الحقوق كالتّداوي والمصاحف حتّى قضى بعضهم تحت سياط الجلاّدين وبسبب الإهمال الصحي ولكنّهم لم يتزحزحوا عن حقوقهم وظلّوا ثابتين على مبادئهم لم يغيّروا ولم يبدّلوا … رجــــــــــال والله من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا. انتصر كفّ المجاهد الإسلامي الأعزل من كلّ سلاح سوى سلاح صبره وتوكّله على الله وثقته فيه على مخرز النّظام وآلة قمعه. صمد إخواننا في سجونهم صمودا أسطوريا وكان الواحد منهم يناله ما يناله من التّعذيب وهم محكوم بأحكام قاسية وطويلة ويعرض عليه أن يمضي ورقة يعتذر فيها ويدين الحركة ويستقيل منها ويُخلّى سبيله … فيرفض ولسان حاله يقول « ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه » ما أعظمكم أيها الأبطال فتحيّة حبّ واحترام وانحناءة إجلال يا إخوة الدّرب وكلّ عام وأنتم بخير كادحين نحو الله بصدق وثبات المؤمن. إنجاز آخر من إنجازات إخواننا في سجونهم وهو حفظ الكثير منهم لكتاب الله وقد كانت مثلبة تؤاخذ عليها الحركة الإسلامية في تونس والحمد للّه تحوّلت إلى محمدة وأبناء الحركة الحافظين لكتاب الله اليوم يحسبون بالآلاف فأنّى لحركة يحمل أبناءها كتاب الله أن تهزم!! هؤلاء الأسود اليوم هم مسرّحون في البلاد ولكنّهم محرومون من أغلب حقوقهم المدنية ويضيّق عليهم ليل نهار ومع ذلك لا يزالون متشبّثين بحقّهم في التّنظّم والعمل السياسي يعبّرون عن هذا الحق بصمت مهيب يقضّ مضاجع الظّلمة وتتجلّى أبهى وأبلغ مظاهره في ثبات الدّكتور صادق شورو سجين الحرّية رمز الشّجاعة والوفاء للّه درّك يا صادق فتحية حبّ ووفاء وإنّ موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريب ؟ بلى والله. الأخوات والأمهات والآباء الأخوات والأمّهات هنّ أيضا صبرن أيّما صبر وشددن أزر ذويهم المعتقلين بالثّبات والدعاء والقيام على شؤون الأسرة بشكل أو بآخر وقد تعرّضن هنّ أيضا إلى مكروه كبير وضيّق عليهنّ ومنعن من ارتداء الحجاب وتمّ إبعاد ذويهم إلى سجون نائية زيادة في التّنكيل بهنّ وحوال النّظام تطليق البعض منهنّ عن إزواجهنّ المسجونين بالإكراه ولكنّهنّ سطّرنا ملحمة في الصّبر والوفاء جلبت لهنّ كلّ الإحترام والتّقدير فجازاكنّ الله خير الجزاء وكلّ عام وأنتنّ بخير خير رافد على درب الحق والهدى. المهجّرون المهجّرون هم أيضا ابتلوا وزلزلوا زلزالا شديدا كيف لا وقد خرجوا من ديارهم خائفين يترقـّبون وانطلقوا نحو المجهول في مغامرة لا يملكون قيادها. تفرّقوا على أكثر من خمسين دولة وحركتهم في حالة إحاطة ولم يمنعها ذلك من أن تهتمّ بأمرهم وتيسّر لهم الإقامة والإستقرار بما توفّر لديها من إمكانيات وعلاقات (شهادة : مع الأسف الشّديد البعض ممّن قدّمت لهم شخصيا خدمات ومساعدات مادّية باسم الحركة تنكّروا وعقّوا هذه الحركة وحسبنا الله ونعم الوكيل).
لم يلبث المهجّرون أن يطئوا ديار الغرب ويحققوا بعض الإستقرار حتّى تنادوا تدفعهم الغيرة على حركتهم واجتمعوا في شكل تنظيمي لم يعهدوه من قبل ولا تسعه قوانينهم لكنّ لحظة الوعي كانت حاسمة وتقدّمت على القوانين واللوائح فأوجدوا لأنفسهم قانونا استثنائيا ينظّم عملهم وأعلنوا قيادة ودخلوا غمار المعركة الحقوقية والخصم يلاحقهم يريد أن يلصق بهم تهمة الإرهاب والعنف ولم يدّخر في ذلك جهدا فاشترى الأقلام والذّمم ودسّ الدّسائس والعيون ولكن بفضل الله استطاع المهجّرون أن يثبتوا للعالم، كلّ في بلاد إقامته، أنّ هذه الحركة مدنية سلمية لها فهم شمولي معتدل للإسلام حتّى أصبحت شهادة تزكية من رئيس الحركة، بل وحتّى من رئيس جمعية من جمعياتها وأنا أتحدّث من موقع الدّراية، ترفع ملف طالب اللجوء وتعطيه قيمة وحصلت الأغلبية القصوى من أبناء الحركة والمتعاطفين معها على حقّ اللجوء والإقامة في بلاد الغرب بعد أبحاث طويلة ودقيقة أزاحت كلّ شكّ لدى الغرب عن سلمية الحركة ومنهجها واعتدالها وبالتّالي باء مشروع ملاحقة الحركة في الغرب بالفشل الذّريع.
لم يغفل أبناء الحركة المهجّرون وهم يخوضون معركة تسوية الإقامة ثمّ الشّغل والدّراسة، لم يغفلوا عن إخوانهم المسجونين وهم يعانون التّعذيب والتّنكيل فاتّصلوا بالمنظمات الحقوقية وبالبرلمانيين وصنّاع القرار وبهيئة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ونظّموا التّجمعات في الساحات العمومية وأمام السفارات التّونسية ليكشفوا ممارسات النظام القمعية ويطالبوا بتسريح إخوانهم وهو ما حصل دفعة بعد دفعة كذلك لم يهملوا الجانب الإغاثي فمدّوا يد المساعدة بما ناله الجهد لإخوانهم المحاصرين ولعائلات الشّهداء والأسرى وللمرضى والأرامل.
من الناحية التّنظيمية أنجز المهجّرون مؤتمراتهم وأفرزوا قياداتهم الشّرعية ومؤسّساتهم وتعافت الحركة شيئا فشيئا وقاموا بتقييم شفّاف لمسيرتهم وبشجاعة منقطعة النّظير وغير مسبوقة أعلنوا نتائج هذا التّقييم للعموم وتصرّفوا بوعي ومسؤولية وقدّموا مصلحة الوطن على مصلحة الحركة و بشجاعة أكبر وبحكمة بالغة عضّوا على جرحهم ومدّوا أيديهم لكافّة قوى البلاد بما فيها السّلطة لطي صفحة الماضي الأليم وتجاوز آثار السّنوات العجاف التي عاشتها ولا تزال تونس الحبيبة لكنّ السّلطة ظلّت مستفردة بحكم البلاد وحقّ ممارسة السياسة ولم تتعظ بأحداث العنف التي عاشتها البلاد (ما عُرف بأحداث سليمان) ولا تزال تقمع معارضيها وتتعامل معهم معاملة أمنية ولا تزال الحركة أيضا متشبّثة بحقّها في التنظّم والعمل السياسي والإحتكام إلى الشّعب ولا تزال تنادي بطي صفحة أليمة لم تجرّ على البلاد والعباد سوى الويلات وتمدّ يدها لكلّ غيور على الوطن تريد الخير والإصلاح.
إنّ أهمّ إنجاز حقّقه المهجّرون هو الحفاظ على وحدة الحركة يضاف إليه التّمدّد في الفضاءات الحقوقية والسياسية وربط علاقات واكتساب تجربة كبيرة في هذا المجال وكذلك مساعدة عائلات الأسرى والشّهداء وتحقيق نجاحات علمية واقتصادية غاية في الأهمّية وهذه إنجازات حري بكلّ مهجّر أن يقف عندها ويقدّرها حقّ قدرها ويفرح بنجاحاته ويتجنّب جلد الذّات المحبط والمبطل للأعمال.
نعم كان بالإمكان أن نفعل أكثر وأحسن و لا زال أبناء الحركة يسعون إلى تطوير آدائهم وكلّ عمل بشري تظلّ فيه نواقص ويظلّ بحاجة إلى مزيد من التّطوير وقبل أن أنهي كلامي عن المهجّرين أريد أن أذكّر بأن الهجرة، كما السّجن تماما، هي قدر من أقدار الله و ليس اختيارا اختاره الأخ أو الأخت المضطهد في دينه وهو تغيير موقع لا تغيير موقف لمواصلة الجهاد و إنّما يتحوّل إلى فرار إذا تبعه تخل عن المبادئ و القيم والقضايا التي هاجر من أجلها و تنكّر للجماعة التي هاجر ضمنها فهنيئا لكم أيّها الثّابتون القابضون على الجمر المكتوون بشوق الوطن والأهل وكلّ عام وأنتم بخير. لقد واجهت النّهضة و بكل شجاعة وحكمة الهجمة الشّرسة التي تعرّضت لها من قبل السلطة و الهادفة لاستئصالها أصلا من الوجود. فمجرّد وجود الحركة الآن على ما فيها من نواقص في آداء قياداتها أو أبناءها وبناتها لتقصير ذاتي أو لأسباب موضوعية مفروضة عليها، يعد في حد ذاته نصرا للحركة و لذا أدعو إلى التفاؤل و الفعل و تحريك الهمم و شدّ العزائم لمواصلة الطريق فالدرب طويل و شاق و يستدعي كثيرا من الإعداد و الزاد والتضحيات وفي القرآن الكريم خير زاد لمن كان له قلب أو ألقى السّمع و هو شهيد. إن حركة النهضة، و أنا واحد من أبناءها وأفخر بذلك، رفعت و لا زالت ترفع شعار « التنظيم للفعل خارجه » و ظل و لا يزال التنظيم في ثقافة النهضة وموازينها أداة و وسيلة و ليس غاية في حد ذاته. الغاية هي هداية العباد إلى طريق الله و أن يعبدوه كما أمر و لا يشركوا به شيئا و إني أرى غاية النهضة تتحقق يوما بعد يوم في تونس أو في غير تونس و هذا مدعاة للتفاؤل و للثبات على النهج و تطويره أكثر فأكثر. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمُّنوره إنّ التفاؤل فطري في ديننا و بكل بساطة لنتأمّل بعض العبارات الواردة في القرآن الكريم من مثل ـ بشيرا ـ مبشرا ـ بشرى …لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ….ولا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون… فحري بالمسلم إذا أن يغلب عليه التفاؤل مهما بلغ الابتلاء و قسوة الظروف لأن الابتلاء سنة و لا يوجد تمكين لا يسبقه ابتلاء: « و لنبلوّنّكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو أخباركم » و « الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون » و » أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة و لمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا متى نصر الله؟ ألا إنّ نصر الله قريب » أليس عبارة » ألا إنّ نصر الله قريب » وحدها تكفي ليتفاءل الإنسان المسلم و يركن إلى الله و يتوكل عليه دون أن يهمل اتخاذ الأسباب و السعي و الإعداد و التحرّف لمقارعة خصومه و هو واثق بأنه المنتصر لأن الله ناصره و أنه على الباغي تدور الدوائر. فلنتفاءل إذا و لنبشر بالنصر فإنه وعد الله الحق و الله لا يخلف وعده و قد قال في محكم تنزيله « إنّا لننصر رسلنا و الّذين آمنوا في الحية الدنيا و يوم يقوم الأشهاد » . الشيء الذي يحزن الإنسان حقا و يجعله يعيش معيشة ضنكا هو الإعراض عن ذكر الله و طاعته و عبادته كما أمر. وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ اٰمَنُوۡا مِنكُمۡ وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ لَـيَستَخلِفَـنَّهُمۡ فِى الأَرۡضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِنۡ قَبلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ الَّذِي ارۡتَضٰى لَهُمۡ وَلَـيُبَدِّلَــنَّهُمۡ مِّنۡۢ بَعدِ خَوۡفِهِمۡ اَمنًا يَعبُدُوۡنَنِىۡ لا يُشرِكُوۡنَ بِىۡ شَيــًٔــا وَمَنۡ كَفَرَ بَعدَ ذٰ لِكَ فَاُولائِكَ هُمُ الفٰسِقُوۡنَ ـ النّور 55 و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون كلّ عام وأنتم بخير والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته العربي القاسمي نوشاتيل سويسرا في 1 جوان 2010
إشكالية الرعية والمواطنة 5/7
بقلــم: علــــي شرطــــــــاني – تونس هذا التراث الذي نعتز به، والذي جمع من الجميل والقبيح، ومن الصواب والخطأ، ومن الجمال والقبح، ومن الغث والسمين، ومن الجيد والرديء، والذي ليس هو المسؤول عنا ولكننا نحن المسؤولون عنه، وهو جزء منا أحببنا أم كرهنا، شئنا أم أبينا، وعلينا مسؤولية مراجعته وإعادة النظر فيه بما يضمن الإستمرارية والتواصل، وبما يضمن ربط حاضرنا ومستقبلنا بماضينا.
والذي يجب أن لا ننساه أن طبيعة النظام والثقافة والمجتمع هي المحدد لمعنى المواطنة والرعية. وقد رأينا معنى المواطنة في المجتمع الحر (الليبرالي الرأسمالي ) الديمقراطي في الغرب. ورأينا معنى المواطنة والرعية في المجتمع الديمقراطي الشرقي بالمعسكر الشرقي المنهار. وليوم نحن نتحدث عن معنى المواطنة والرعية في المجتمع الإسلامي.
وإذا كنا قد أصبحنا في مجتمع مسلم ولمكنه ليس إسلامي حتى يكون نظامه أي منهج حياته إسلاميا. وإذا كنا قد أصبحنا في مجتمع مسلم ولكنه ليس علمانيا بالرغم من المحاولات المستمرة على فرض العلمانية عليه، حتى تكون نخبته علمانية حقيقية ولن تكون كذلك، وحتى يكون نظامه علمانيا أصيلا ولن يكون كذلك وذلك ما ليس ممكنا، وما لا يمكن أن يكون، لأن المجتمع المسلم لا يمكن أن يكون مجتمعا علمانيا، ولا يمكن إلا أن يكون مجتمعا إسلاميا. وإذا كنا قد أصبحنا في مجتمع مسلم وليس إسلاميا، ولا يمكن إلا أن يكون كذلك، وفي مجتمع مسلم ليس علمانيا ولا يمكن أن يكون كذلك، فإنه من الطبيعي أن نعيش هذا الإضطراب وهذه الفوضى في المصطلحات والمفاهيم والمعاني والمضامين. وللخروج من هذه الفوضى يجب علينا، ونحن مسلمون، أن تناول معاني ومفاهيم ومضامين هذه المصطلحات من الثقافة الإسلامية ومن أصولها تحديدا، وفي المجتمع الإسلامي الذي يتجه إليه المجتمع المسلم حتما بحسب الوعد الإلهي. يقول الشيخ المجاهد راشد الغنوشي حفظه الله وأدام ظله : » إن المجتمع الإسلامي يقوم على التعاقد الحر القائم على مبادىء العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والمشاركة في الشؤون العامة على أساس الكفاءة والأمانة والإشتراك في المواطنة على أساس المسا واة «.
ولإنهاء الفوضى في النسيج الإجتماعي المتعدد الأجناس والأعراق والأديان، فقد كان للإسلام مبادرته منذ البداية في رص صفوف مكونات المجتمع وتنظيم علاقاته على أساس من المواطنة الكاملة، في وقت لم تكن فيه هذه الكلمة موجودة ولا معلومة. ولكن الذي أوجد هذا النظام وحدد هذه العلاقات وعدل بين الناس هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بمجرد حلوله بالمدينة. وهو الذي يقول أن أولئك رعاة وأولئك رعايا والكل رعاة ورعايا وكلهم راع وكلهم مسؤول عن رعيته.
يقول الشيخ المجاهد » :فلقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم منذ حلوله بالمدينة إلى إنشاء دستور ينظم العلاقات بين مواطني المدينة وكانوا مختلفي الأعراق والأديان فمنهم عرب من قبائل مختلفة ومنهم غير العرب ومنهم المسلم ومنهم اليهودي والمشرك..والمنافق…هؤلاء جميعا نظم علاقاتهم الدستور الذي عرف في كتب السيرة والحديث بالصحيفة فأصبحوا أمة واحدة بالمعنى السياسي المعاصر مع الإعتراف لكل طرف بأنه يمثل أمة على أساس روابطه الدينية والعرقي «فقد نصت الصحيفة عن أمة العقيدة الإسلامية » أن المؤمنين والمسلمين من قريش (المهاجرين ) ويثرب (الأنصار) ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس «.
وفي حديثها عن أمة السياسة نصت الصحيفة على أن »يهود بني عوف أمة مع المسلمين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم « . » إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة « »وقد نصت الصحيفة على ضرورة الدفاع المشترك عن المدينة ضد كل عدوان وعدم إجارة ظالم أو محدث أو عدو …كما نصت على أن هذا التعاقد مفتوح لكل من التحق بالمدينة من مؤمن أو ذمي… « (1)
فقد كان طبيعيا أن يكون معنى المواطنة في الثقافة العلمانية الحديثة مخالفا لما يسبقه من المعاني في مختلف ثقافات الحضارات التي سبقت الحضارة الغربية المعاصرة، لأن هذه الثقافة، وإن كانت تجد لها أصلا في الكتب السماوية المقدسة المحرفة من التوراة والإنجيل، إلا أنها ثقافة الإنسان الغربي الذي آمن بالإنسان وبالإنسان وحده، بالرغم من محاولات تجريده من أي قداسة بإحالته إلى انحداره من سلالة القردة لينتزع من إنسانيته وليحشر في عالم الحيوان بعد أن كان، وعلى امتداد تاريخه البربري الهمجي الوثني والديني التوراتي الإنجيلي المحرف، كافرا بالإنسان وبعقل الإنسان وبالعلم الذي مصدره الإنسان وعقل الإنسان. فمن خلال هذا الإيمان بالإنسان وعقل الإنسان وحده، جاءت جملة من المفاهيم والمعاني الجديدة للكثير من المصطلحات والظواهر والمستجدات. ففي الوقت الذي أصبح فيه إيمان الإنسان بعقله وبعلمه أكثر من إيمانه بالله وبعلم الله، مع الحرص على الفصل بين هذا وذاك. أصبح فيه إيمان الإنسان بكل ما هو إنساني بشري وعقلاني أكثر من كل ما هو ديني إلهي. فالمدني والديني والدعوي والسياسي والديني والسياسي أصبحت مصطلحات رائجة للتفريق بين ما هو إنساني طبيعي من صنع الإنسان وإبداعاته العقلية العلمية والسياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، وما هو ماورائي غيبي أو ذات أصول ما ورائية غيبية ذات علاقة بالوحي وبالدين. فأخذت المواطنة معنى الإنتماء إلى الوطن الذي يجب أن يتساوى فيه الناس كل الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأديانهم ولغاتهم في الحقوق والواجبات بدون أن يكون اللون أو اللغة أو الدين أو العرق أو الجنس سببا من أسباب التمييز. وكان لابد أن تكون الصورة واضحة في ما تعنيه المواطنة في الثقافة المعاصرة، وما تعنيه في الثقافة العربية الإسلامية ذات الأصول الربانية الإلهية المستندة للوحي ولثوابت الإيمان في العقيدة والشريعة، باعتبارها الثقافة المستمدة من الدين الوحيد الصحيح السالم من كل تحريف وتزوير وزيادة ونقصان. وهو الدين الوحيد عند الله ولا وجود لدين آخر ولا لأديان أخرى عنده. ولا فبول له بها ولا قبول له لأحد عليها. يقول تعالى : » إن الدين عند الله الإسلام » ويقول جل جلاله أيضا : » ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ».
ولعل مصطلح الرعية القديم المعلوم في هذه الثقافة يكون مرادفا لمصطلح المواطنة الحديث أو قريبا منه. ولعل فيه من المعاني والمفاهيم ما يتميز به عن معنى المواطنة، وليس بالضرورة أن يكون معنى الرعية مرادفا أو مساويا لمعنى المواطنة، وإلا فهو مصطلح متخلف ولا يعبر عن المفهوم والمضمون المناسب للكائن البشري المعاصر في النسيج الإجتماعي الحديث، وفي التركيبة والعلاقات الإجتماعية الحديثة في زمن غير الزمن وفي وضع غير الوضع وفي حال غير الحال. ونحب أن لا ننطلق في الحقيقة من فراغ،ولكن لنا من التراث ومن المصطلحات والمفاهيم والمعاني ما يمكن أن ننطلق منه ونطوره ونضيف إليه وننقص منه، ما لم يكن نصا منزلا أو حديثا شريفا واضح الدلالة لا يحتمل تأويلا ولا نظرا عقليا ولا اجتهادا فيه. وهي من النصوص التي فيها ما هو قابل على أن يعاد فهمها على ضوء الأصول وعلى ضوء المستجدات وتطور الأوضاع والأحوال.
ومن خلال هذه المنهجية، منهجية التطور والإضافة وإعادة الفهم وفق ما تتطلبه المصلحة، مصلحة الإسلام والمسلمين ومصلحة الإنسان عامة، جاءت المحاولات الجادة التجديدية من العديد من المفكرين والعلماء لتوضيح جملة من المفاهيم والمعاني ومصطلحات قديمة جاءت حاملة لمفاهيم ومعاني قديمة قابلة للتطور والتجديد وإعادة الفهم وفق ما استجد من تطورات ومصطلحات ومفاهيم ومعاني جديدة.
من ذلك ما أورده الشيخ المجاهد راشد الغنوشي حفظه الله في كتابه » حقوق المواطنة » الذي عالج فيه برؤية وقراءة جديدة وضعية غير المسلم في المجتمع الإسلامي، عن أكثر من مفكر وعالم مجدد في العالم الإسلامي. ويأتي طرح هذه المسائل في الصراع الثقافي والحضاري، ليس بين المسلمين والغرب، ولكن قبل ذلك والأشد خطرا منه، بين مكونات النخبة العلمانية اللائكية الليبرالية والقومية واليسارية الماركسية اللينينية وغيرها، والعربية الإسلامية، في الصراع المندلع داخل نسيج المجتمعات العربية الإسلامية، بالرغم من أن الثقافة العربية الإسلامية والحضارة العربية الإسلامية هي ثقافة وحضارة تعارف وحوار ومجادلة بالتي هي أحسن، ولكنها تصطدم من موقع التراجع الثقافي والحضاري والإنحطاط مع النهوض الغربي وأخذ الغرب بزمام المبادرة الثقافية والحضارية التين كانتا ثقافة وحضارة صراع وصدام وتدمير.
الوصاية الثقافية وكيف جنت على نخبتنا
العجمي الوريمي 2010-06-01 بعض البلدان العربية المتحررة منذ نصف قرن من الاستعمار المباشر، مثل دول المغرب العربي ولبنان، لا تزال تحت الوصاية الثقافية الغربية والفرنسية بدرجة أولى، ولا يزال قسم عريض من نخبتها يولي وجهه شطر العواصم الغربية يأخذ عن مؤسساتها وجامعاتها الأفكار والتشريعات، بها يتغذى وبها يقارن وعليها يقيس ومنها يقتبس، بل يغترف من حياضها بلا تمييز. فكل مواردها عنده مياه عذبة وفيها الآسن والقاتل ومذهب الوعي والإيمان. ولقد كان من شبه المستحيل على دول صغيرة مستقلة حديثا أن تنهض بالاعتماد على إمكانياتها الخاصة ومواردها الذاتية بمهمة إنتاج الثقافة والمعرفة ونشر التعليم وتعميمه من دون دعم مالي وفني من القوة الاستعمارية التي تحولت إلى شريك مميز وصديق مفضل نرتبط معه بأوثق الروابط التي تصمد أمام الأزمات الطارئة والخلافات العاصفة. كيف لا وله في قلوب نخبتنا وعقولها مكانة وهي له ظهير. وليس أدل على ذلك من عودة المياه إلى مجاريها بين الجزائر وفرنسا بعد كل أزمة دبلوماسية حول الحقبة الاستعمارية والجدل الدائر بين الطرفين حول تقييم محاسنها ومساوئها ومنجزاتها وجرائمها وحجم ضحاياها والمستفيدين منها، إذ إن القناعة راسخة لدى الطرفين بأن الشراكة بينهما ينبغي أن تكون شراكة استراتيجية. إن جيلي الذي ولد بعد الاستقلال درس في المرحلة الإعدادية والثانوية بعض المواد مثل مادة اللغة الفرنسية ومادة الرياضيات على أيدي متعاونين فرنسيين متعاقدين بسبب نقص الإطارات (الكوادر) الوطنية، وبسبب الحاجة والاختيارات الرسمية للدولة الجديدة بقيت البلاد عالة على الخبرة الفرنسية على مستوى الإدارة والبرامج والمناهج، وكأن كل ما عندنا وما ورثنا لم يعد يصلح والأولى شطبه بجرة قلم، فقد أتـمّـت النخبة المتولية لمقاليد الأمور كنس الموروث بلا تردد أملا في فسح المجال للجديد، غير مدركة أنها أعرضت عن تقليد الأجداد وأقدمت على تقليد الأسياد، وأنها بذلك إنما تقطع جذورها التي بها تثبت وتستبدل بها أصولاً غير أصولها لا تستنبت في غير تربتها، ولا تُـثمر إن هي أينعت إلا حنظلاً أو زقوماً. لقد كانت نخبتنا الوطنية التي آلت إليها القيادة منبهرة بحضارة الغزاة وثقافتهم وتنظيماتهم، وقد استخدمت ذكاءها في الاتباع عوض أن تستعمل عقلها ووجدانها في الابتكار والإبداع. فالمعايير العالمية والقوانين العصرية والطرق الحديثة هي عندنا ما توصلت إليه فرنسا وبريطانيا، وأغلى أمانينا أن نكون تلامذة نجباء نفخر بتفوقنا على أبناء المستعمر بلغته ومن داخل ثقافته وفي نفس سياق مشروعه الحضاري، فالتقدم ما عليه الغرب خيره وشره والتأخر ما وجدنا عليه آباءنا خيره وشره. يذكر الزعيم محمود الماطري في مذكراته كيف أن قادة الحركة الوطنية التونسية ومنهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة كانوا أثناء فترة الاعتقال في سجون الاستعمار الفرنسي يقرؤون من المصحف ويستعينون على فهم معاني القرآن بنسخة ترجمة فرنسية، وكأن الفرنسية هي اللغة الأصلية والعربية لغة ثانوية. لقد كانت معرفة ذلك الجيل بأشعار فيكتور هيغو ولامرتين أكثر من معرفتهم بأشعار امرئ القيس والبحتري والمتنبي، ولا أدري هل نحن أحسن حالا منهم اليوم وكيف ستكون بضاعة أبنائنا جيل العولمة والإنترنت. ما لم تدركه النخبة الحاكمة والبانية للدولة الجديدة والمجتمع الجديد أن حضارة الاقتداء ليس لها عمق بتعبير المفكر المغربي عبدالله العروي، وأنها وهي المفتوحة دوما على المستقبل ليست متفتحة على الآخر، وهي كما يسميها هشام جعيط حضارة نفي طغى وجهها الاستعماري على طابعها الإنساني، وأنها لن تغير من طبيعتها ما لم تتعدل موازين القوى، أي ما لم يصبح العالم متعدد الأقطاب متنوع الثقافات، وأن الانحطاط الذي تردت فيه مجتمعاتنا الإسلامية العربية وأدى بها إلى الانكفاء لا يمكن الخروج منه بالذوبان في الحضارة الظافرة، وإنما بالتغلب على عوامل الهزيمة والتراجع لأن الانكفاء والذوبان وجهان لعملة واحدة، وإن في هيمنتهما على حياتنا استمرار لاختلال التوازن الذي يجعل من الغرب غربا غازيا وبلا عمق ومن الشرق شرقا تابعا وبلا جذور. إن النخبة المستغربة التي ارتضت الرضوخ للوصاية الثقافية على أمتنا هي المسؤولة باتباعها الذليل وتقليدها الأعمى عن تجذر تيار الإحيائية الإسلامية المعاصر واتجاه بعض جماعاته نحو الرفض التام للأخذ من المنجز الحضاري الغربي والإعراض عن حداثته، وكأنها رجس من عمل الشيطان، كذلك هي المسؤولة عن تعسير عملية تجسير العلاقة بين ثقافتنا الحاضرة وثقافتنا الماضية، فهي المسؤولة عن كسر جسرين بمشروعها الهجين: جسر ما بيننا وبين الغرب وجسر ما بيننا وبين لغتنا وديننا، هي المسؤولة عن جعل قضية الهوية قضية ملغومة لا تحسم بغير المواجهة، وقضية الديمقراطية قضية مأزومة لا تحل دون المرور بتفكيك النسيج الاجتماعي، وهي المسؤولة عن جعل أزمة الدولة أزمة شرعية لا تحل دون تغيير جوهري في مضمون أساسها القانوني. إن فتح باب الاجتهاد في ثقافتنا وأبواب المستقبل في وجه مجتمعاتنا وباب الديمقراطية في تجربة دولنا يمر عبر رفع الوصاية الثقافية عن نخبتنا، لكن المحير أن من هذه النخبة من يستحث الغرب ويناشده لفرض ثقافته علينا ولسان حاله «وداوني بالتي كانت هي الداء»، وفي الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة الأميركية في جمع أمتعتها لمغادرة العراق أو الفرار من المستنقع العراقي وتعديل استراتيجيتها في «محاربة الإرهاب» بل تعديل مفهومها للإرهاب وحصر المعركة في المواجهة مع تنظيم القاعدة مقابل فتح قنوات حوار مع تيارات الإسلام السياسي، في هذا الوقت يدعو بعض مثقفينا من أمثال المفكر ورجل القانون التونسي عياض بن عاشور إلى حرب ثقافية تشمل برامج التعليم وقطاعات الثقافة، بل يدعو إلى معاضدة الحرب العسكرية على الإرهاب بحرب ثقافية يرى أنها مكملة لها وغير متعارضة معها، بل يعتبرها أهم منها، وهو يقترح على الدول الغربية مراجعة سياساتها الخارجية ومواقفها تجاه العالمين العربي والإسلامي وممارسة نفوذها من أجل فرض العودة إلى نمط الثقافة التي تلقاها ابن عاشور والجيل الذي قبله، أي الثقافة الغربية الخالصة الكفيلة وحدها بنشر الروح العلمية واللائكية وترسيخ منهج الشك وروح النقد والإبداع، ويرى ابن عاشور أن العرب والمسلمين لن يستأنفوا نهضتهم إلا بالأخذ بما شكل سر التقدم الأوروبي، وهو يقول ذلك معتذرا بأنه ينبغي أن يسمي الأمور بأسمائها. يقول عياض بن عاشور بالحرف الواحد: «إن الغرب يمكن أن يستخدم قوته، وإني أزن تماماً كلماتي في هذا الهدف الثقافي». إن خلاصة هذه الوصفة الغريبة تكاد تكون صيغة مشوهة من دعوة الباحث الأميركي صموئيل هنتنغتون لصدام الحضارات، لكن الفرق بين الدعوتين أن الثانية صادرة عن غربي بعد الحرب الباردة وقبل حادثة الحادي عشر من سبتمبر أي قبل الحرب العالمية على «الإرهاب»، أما الأولى فصادرة عن مسلم عربي وبعد ذلك كله. إن العلاقة مع الغرب كان يمكن أن تكون أكثر توازنا وفي مصلحة الفضاءين الإسلامي والغربي لو لم تندس في ثناياها دعوات للهيمنة والوصاية والذوبان أقل ما يقال فيها أنها جنت على نخبتنا. (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 01 جوان 2010)
لا تحزنوا.. فالإنجاز عظيم
عبد الباري عطوان 6/1/2010 من المؤكد ان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي وافراد حكومته اليمينية المتطرفة، لا يتخيلون حجم الانجاز الكبير الذي قدموه الى الشعب الفلسطيني، والامتين العربية والاسلامية باقترافهم مجزرة سفن قافلة الحرية في عرض البحر المتوسط، وقتل حوالي عشرين من المجاهدين على ظهرها واصابة العشرات. صحيح اننا خسرنا عشرين شهيدا معظمهم من الاتراك، ولكننا كسبنا اكثر من سبعين مليونا من ابناء الشعب التركي الى جانب القضية المركزية الاسلامية الاولى، واصبحوا يقفون بصلابة في الخندق الآخر المقابل لاسرائيل. الدماء التركية التي تعانقت مع نظيراتها الجزائرية والفلسطينية واكثر من خمسين جنسية اخرى من مختلف الوان الطيف الاسلامي والعالمي، هذه الدماء كانت بمثابة المفجر لصحوة عارمة على طول تركيا وعرضها وقد تدفع بالكثيرين للمطالبة بالثأر لها بالطرق والوسائل كلها. المجازر التي ترتكبها الحكومات الاسرائيلية سواء على الارض في غزة او في البحر باعتراض سفن الاغاثة تعادل جهد عشرات السنوات ومئات المليارات التي يمكن ان ينفقها العرب والمسلمون لفضح الوجه الدموي البشع للغطرسة والغرور الاسرائيليين على مستوى العالم بأسره. الفضل كل الفضل يعود الى مجموعة من المجاهدين قرروا ركوب البحر انتصارا للمحاصرين المجوعين في قطاع غزة، فهؤلاء المتطوعون المدنيون الذين يتصدون للظلم الاسرائيلي بصناديق الدواء واكياس الاسمنت، واكياس الدقيق وعلب الزيت، ويرفضون الرضوخ لاوامر القراصنة الاسرائيليين بالعودة الى حيث اتوا، حققوا معجزات لم تحققها جيوش عربية جرى انفاق مئات المليارات من الدولارات على تسليحها وتدريبها وعلفها وتسمينها. ‘ ‘ ‘ قافلة الحرية هذه جاءت هدية من الله لنصرة المحاصرين المجوعين في قطاع غزة، وصاعقة ربانية اصابت اسرائيل وحلفاءها في مقتل. اولا: فضحت التواطؤ الرسمي العربي مع الحصار المفروض على قطاع غزة، وكسرت كل عمليات التعتيم والتضليل الاعلامي المستمرة، واعادت القضية الفلسطينية كلها، وليس حصار غزة الى صدر الاحداث مجددا. ثانيا: اظهرت ردود الفعل الدولية المدنية والرافضة لهذا التغول الاسرائيلي في مواجهة اناس عزل ان الحكومات العربية، خاصة تلك التي انخرطت في معاهدات سلام مع اسرائيل غير معنية بمأساة المحاصرين او الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنا للفت الانظار الى مأساتهم. فالاردن ومصر على سبيل المثال اكتفيا باستدعاء السفير الاسرائيلي في عمان والقاهرة للاحتجاج، تماما مثل السويد والنرويج واسبانيا. ثالثا: لاول مرة نرى المصالحة الفلسطينية اكثر قربا من اي وقت مضى، فقد ادانت سلطة رام الله المجزرة الاسرائيلية، واعلنت الحداد ثلاثة ايام تضامنا مع ضحاياها، وطالبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الجامعة، واخرى لمجلس الامن الدولي. هذا يعني ان المصالحة الحقيقية يمكن ان تتم على ارضية المقاومة، وليس على ارضية المساومة والمفاوضات العبثية. رابعا: هبطت المجزرة والقرصنة الاسرائيليتان باسرائيل الى مستوى القراصنة، مع فارق اساسي وهو ان القراصنة في اعالي البحار لا يمثلون حكومة تدعي انها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، ورسول قيم الحضارة الغربية، والاكثر من ذلك ان هؤلاء القراصنة تعرضوا هم انفسهم للقتل وفي افضل الاحوال للمثول امام محاكم غربية كمجرمين، ونأمل ان يواجه الاسرائيليون، وخاصة ايهود باراك الذي خطط لها، ونتنياهو الذي اقرها وباركها المصير نفسه، اي المثول امام المحاكم الدولية كمجرمي حرب. خامسا: جاءت هذه العملية الاجرامية الدموية الاسرائيلية بمثابة عجلة انقاذ لايران ولرئيسها احمدي نجاد، فقد اظهرت للعالم باسره ان اسرائيل وليس ايران التي تهدد الامن والسلام العالميين وترتكب جرائم ضد الانسانية الواحدة تلو الاخرى. سادسا: كان رد فعل الحكومتين البريطانية والامريكية مخجلا للغاية، ويشكل وصمة عار في تاريخهما، ويهدد فعلا ارواح جنودهما في العراق وافغانستان لانحيازهما الفاضح للمجازر الاسرائيلية، فحكومة بريطانيا التزمت الصمت بينما اكتفت ادارة الرئيس اوباما، التي ترعى العملية السلمية، بالتعبير عن الاسف لسقوط قتلى وجرحى، وقالت انها تعمل لمعرفة ‘الملابسات’ المحيطة بهذه المأساة. سابعا: المتطوعون الذين كانوا على ظهر السفينة ‘مرمرة’ التركية ومعظمهم من النواب والسياسيين واعضاء منظمات انسانية، اظهروا شجاعة نادرة يستحقون عليها التهنئة، عندما رفضوا الاستسلام لقوات الكوماندوز الاسرائيلية التي اقتحمت سفينتهم واعتدت عليهم، وقاوموها برجولة تحسب لهم. فقد كانوا يدافعون عن انفسهم وكرامتهم، ويتطلعون الى الشهادة وهم واقفون مثل الرماح. ‘ ‘ ‘ دروس كثيرة مستفادة من هذه الواقعة المجيدة، ابرزها ان الارادة اقوى من كل الاسلحة الحديثة المتقدمة، والمقاومة باشكالها كافة في مواجهة عدو متغطرس لا يحترم مواثيق او قوانين هي الطريق الامثل لتحقيق الاهداف المنشودة في الحرية والاستقلال والعدالة. هذه المجموعة المجاهدة المؤمنة بقيم العدالة المنتصرة للضعفاء المحاصرين المجوعين، قدمت نموذجا مشرفا للعالم باسره باصرارها على المضي قدما في مسيرتها رغم الصعوبات العديدة، ورفضت كل التهديدات وعمليات الترهيب والارهاب. المجزرة الدموية الاسرائيلية هذه التي استهدفت القافلة وابطالها، تؤرخ لبدء العد التنازلي لانهيار النظام العنصري الاسرائيلي البغيض، مثلما تؤرخ لنشوء قوة شعبية عربية واسلامية تتجاوز انظمة التواطؤ والعجز المفتعل وترسخ لوحدة الشعوب جميعها خلف قضايا الحق والعدل. نقول شكرا للشعب التركي وقواه الحية، وشكرا ايضا للحكومة التركية بقيادة رجب طيب اردوغان ورفيق دربه عبدالله غول على تبنيها لقوافل كسر الحصار، وتسخير موانئها كنقطة انطلاق لها، وهي خطوة لم تقدم عليها الغالبية الساحقة من الحكومات العربية، والكبرى منها على وجه الخصوص. واخيرا لا يمكن ان ننسى او نتناسى الشيخ الرائد رائد صلاح والمطران كبوجي وكل الشرفاء الآخرين، الذين واجهوا الرصاص الاسرائيلي بصدورهم العامرة بالايمان ولم ترهبهم الطائرات والقنابل والرصاص الحي، فهؤلاء رموز الانسانية قبل ان يكونوا رموز الامة، ونأمل ان يكونوا بخير لكي يواصلوا المسيرة ويعيدون الكرة مرة اخرى. ابناء غزة المحاصرون، الذين ابتدعوا القنابل البشرية، وصنّعوا الصواريخ، ودخلوا التاريخ بهندسة الانفاق لكسر الحاصر، والوصول الى قلب المستوطنات والقواعد العسكرية الاسرائيلية، هؤلاء الذين اصطفوا على طول الشاطئ لاستقبال ابطال القافلة وسفنهم سيزدادون ايمانا بعدالة قضيتهم التي ليست كسر الحصار فقط، وانما العودة الى حيفا ويافا والمجدل والبطاني وعكا والفالوجة والقدس وكل بقعة في فلسطين، هؤلاء ادركوا انهم لا يقفون وحدهم، وان حلمهم هذا بات تحقيقه وشيكا جدا. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 01 جوان 2010)
صحف سويسرية: « إسرائيل ألحقت هزيمة عسكرية ودبلوماسية وأخلاقية بنفسها »
التعليق على الصورة: تجمع حوالي 300 مائة شخص أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف للتعبير عن احتجاجهم على الهجوم الإسرائيلي على « قافلة الحرية » (Keystone) مواضيع متعلقة 31.05.2010 استنكار واسع للهجوم الإسرائيلي.. وسويسرا تدعو إلى « تحقيق دولي » خصصت الصحف السويسرية الصادرة يوم الثلاثاء على اختلاف لغاتها وتوجهاتها السياسية جل افتتاحياتها للتعليق على حادث الإعتداء الإسرائيلي على قافلة المساعدة الإنسانية لفك الحصار على قطاع غزة واصفة العملية تارة بـ « المتجاوزة للمعايير »، وتارة أخرى بـ « الهزيمة الدبلوماسية والسياسية بل حتى العسكرية » فيما حاول البعض منها تحليل الحرب الإعلامية بين الطرفين في هذه القضية. وهذا ما خصصت له صحيفة لوتون (تصدر بالفرنسية في جنيف) افتتاحيتها تحت عنوان » إسرائيل، نظام في طريق الإنحراف »،حيث كتب فريدريك كولر « إن إسرائيل بفتحها النار في المياه الدولية على ناشطين مناصرين للشعب الفلسطيني من أربعين جنسية يحملون مساعدات إنسانية إلى غزة، إنما عملت على إلحاق هزيمة بنفسها، عسكرية ودبلوماسية وأخلاقية ». وفيما يتعلق بالهزيمة الأخلاقية، كتب معلق لوتون « الهزيمة الأخلاقية لأن اللجوء الى القوات العسكرية ضد 700 من النشطاء الموصوفين بالمسالمين والذين يوجد من بينهم ممثلون برلمانيون أوربيون وأحد الحاملين لجائزة نوبل للسلام وأحد الناجين من معسكر الاعتقال النازي، إنما يعكس عجز إسرائيل عن إقناع بقية العالم بأنها على حق بطريقة أخرى غير طريقة استخدام الأسلحة ». في صحيفة « لاليبرتي » (تصدر بالفرنسية في فريبورغ)، وصف باسكال بيريسفيل ما حدث بـ « المعركة الخاسرة » وأضاف يقول في تعليقه بأن « إسرائيل أصبحت تخسر منذ مدة كل « معارك الصورة » ولذلك عمدت هذه المرة للقيام بالهجوم ليلا: لكنه خيار خاطئ أتى ليعزز جملة من الهفوات العسكرية التي تم القيام بها نتيجة لعمليات استفزاز »، وانتهى الصحفي الى استنتاج يفيد بأن « هذه المجزرة في أعالي البحار ستعمل على تعقيد إحساس باللاشرعية في مواجهة التصرفات الإسرائيلية ». صحيفة لا تريبون دي جنيف (تصدر بالفرنسية في جنيف) اهتمت من جهتها بردود الفعل التركية تحت عنوان « تركيا على وشك القطيعة »، إذ كتبت غابريال دانتساس « إن الهجوم الإسرائيلي أثار قطيعة جديدة بين حليفين تقليديين ». واستعرضت الصحيفة تعليلات الطرفين بخصوص وجود أو عدم وجود أسلحة على متن هذه السفن الإنسانية وأوردت أقوال أحد قادة المنظمة الإنسانية التركية التي استأجرت السفينة الذي أوضح أن « السلطات التركية فتشت البواخر قبل إقلاعها ولم تكن هناك أسلحة على متنه » مشيرا إلى أن « إسرائيل إنما ترغب في تغطية جريمتها ». نفس الجريدة خصصت مقالا آخر للموضوع تحت عنوان « حرب إعلامية » بقلم أندري لالمان حاول فيه استعراض وجهتي نظر الطرفين في سردهما للأحداث قبل أن يتساءل: « ألم تكن العملية انتحارية؟ »، وهو ما أجاب عليه أحد المناصرين لحركة غزة الحرة بقوله: « قد نكون مستفزين ولكن لسنا انتحاريين ». « إسرائيل تفقد كل المعايير » الصحف الناطقة بالألمانية خصصت من جهتها نفس الإهتمام بهذا الموضوع مستعرضة بدورها تفاصيل ردود الفعل المحلية والدولية. إذ كتب بيتر مونش افتتاحية في صحيفة تاغس انتسايغر (تصدر في زيورخ) تحت عنوان « إسرائيل تفقد كل المعايير » يقول: « أكيد أن لا أحد كان يرغب في أن تصل الأمور الى هذا الحد، ولكن كان من المؤكد أن هذا كان سيحدث في يوم من الأيام لأن حكومة إسرائيل لم تفقد فقط في هذا الحادث الإلتزام بالمعايير التي يجب أن تلتزم بها في كفاحها من أجل تحقيق أهدافها ». وبعد أن ذكّـر كاتب المقال بالظروف التي مرت بها إسرائيل منذ قيامها قبل 62 عاما وضرورة استعدادها المستمر للرد على التهديدات، استنتج أن هذا « أدى الى النظر الى الأشياء دوما من زاوية التهديد والخطر وأن على البلد أن يبقى في أهبة الاستعداد دوما للرد على ذلك. وهو ما أصبح من يجسد واقع الدولة في إسرائيل ». وفي مقال آخر، لخصت الجريدة أحداث توقيف ركاب « قافلة الحرية » واعتقالهم تحت عنوان معبر تحدث عن « النهاية المأساوية لشركة غير عادية »، في إشارة الى التعاون العسكري الذي كان قائما منذ عشرات السنين بين إسرائيل وتركيا. في مقال ثالث لصحيفة تاغس انتسايغر بقلم سوزان كناول من القدس، أجرت الجريدة حديثا مع جمال الزحالقة، النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي الذي كان يعتزم الإلتحاق بالقافلة البحرية، والذي اعتبر أن « إسرائيل كانت تحاول حتى قبل الحادث نزع الشرعية عن هذه العملية، بيحث رددت بأن هناك إرهابيين من بين الركا، وانتهىإالى وصف ما حدث بانها « عملية قرصنة وجريمة حرب. وقد خططت لها إسرائيل مُسبقا ، وكان على الجنود إطلاق النار من أجل القتل لإثناء آخرين عن القيام بذلك لاحقا ». « خطأ لا يُغتفر »
صحيفة نويه لوتسرنر تسايتونغ (تصدر في لوتسرن) نشرت تحت عنوان عريض « إسرائيل حققت عكس ما كانت تتوقع »، بقلم مراسلها في تل أبيب شارل لاندسمان « إن ما حدث أمس على باخرة التضامن وما تم على المستوى الرسمي الإسرائيلي فيما بعد يعتبر خطأ لا يمكن غفرانه، بل هزيمة على طول الخط تسير في نفس خط الهفوات الإسرائيلية العديدة السياسية منها والعسكرية ». وانتهى شارل لاندسمان إلى أن « أسطول الحرية على العكس من ذلك استطاع تحقيق هدفه: إذ حشر إسرائيل في زاوية الضغط الأخلاقي وطرح من جديدة قضية الحصار المفروض على قطاع غزة ». صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر في زيورخ) تطرقت بدورها للحدث في مقال نشر تحت عنوان « القبضة الحديدية لإسرائيل »، تطرق فيه مارتين فوكرإلى مختلف العمليات التي استخدمت فيها إسرائيل القبضة الحديدية » سواء في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال: « إن إسرائيل بدأت تشعر بتأثيرات خطئها منذ الوهلة الأولى عندما باشرت عمليتها تحت أنظار وسائل الإعلام التي كانت ترافق القافلة ». وأشار مارتين فوكرإلى أن « إسرائيل كانت تواجه الإنتقادات الدولية دائما بتبرير هذا التصرف بالدفاع عن أمنها. فكانت تجد مبررات أمنية لحيازتها لأسلحة نووية، ولمواصلة الحصار المفروض على الضفة الغربية، وللتمييز في المعاملة بين اليهود وغير اليهود » من سكانها. ويذهب فوكر في تحليله إلى أن « إمكانية التوصل الى اتفاق بحل النزاع بين طرفين متساويين يعتبر نظرة غير شائعة في إسرائيل »، ويشير إلى أن الدول الصديقة للدولة العبرية « ستتعرض خلال الأيام القادمة لضغوط من أجل التأثير على حكومة إسرائيل، ولكن بدون إشراك حماس في المفاوضات، ستظل حظوظ إقامة حل الدولتين بعيد المنال ». محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
طالب برفع الحصار عن غزة أردوغان: جريمة إسرائيل عمل دنيء
وجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان انتقادات لاذعة إلى الحكومة الإسرائيلية معتبرا أن « الجريمة » التي ارتكبتها ضد سفن الإغاثة في المياه الدولية « عمل دنيء وغير مقبول »، وأن عليها دفع ثمن ذلك. وطالب إسرائيل برفع الحصار غير الإنساني المفروض على قطاع غزة بأسرع وقت ممكن، وشدد على استمرار دعم تركيا للشعب الفلسطيني وأهل غزة ولإحلال السلام في الشرق الأوسط. وقال إن تركيا لن تدير ظهرها للشعب الفلسطيني، ولن تغمض عيونها، وستتحرك وفقا لما يليق بها وهو ما يتسق مع تاريخها. وأضاف أردوغان أن « الإبادة الدموية التي بدأتها إسرائيل انتهاك للقوانين الدولية واستهداف للسلام العالمي الذي أصيب بجرح بالغ، وأن على الأمم المتحدة ألا تكتفي بقرار الإدانة، وأن على المجتمع الدولي أن يقول كفى لإسرائيل ». وأشار إلى أن منظمي الأسطول تحركوا بشكل قانوني وبينوا نواياهم ووجهتهم بكل صراحة ووضوح، ورفعوا العلم الأبيض فوق السفن. واعتبر أردوغان أن إسرائيل وضعت الإنسانية تحت الأقدام، وقال إنها لا يمكن أن تنظر في وجه العالم إذا لم تعتذر وتُحاسب على ما أقدمت عليه، وإنه لا عذر لها بشأن الدماء التي سالت. كما اعتبر أن من يوافق إسرائيل على ما فعلت فسيكون شريكا لها فيما ارتكبت. وأعرب عن ضجره من كذب الحكومة الإسرائيلية بشأن تعرضهم لإطلاق نار معتبرا أنهم « أظهروا للعالم أنهم يجيدون الإبادة بشكل جيد ». كما طالب إسرائيل بأن تفرج فورا عن جميع السفن المحتجزة والمعتقلين وتسليم الجرحى لمعالجتهم في تركيا وألا تتباطأ في ذلك حتى لا تتعقد الأمور أكثر. وحذر من اختبار صبر تركيا، محذرا من أن عداوة بلاده قوية مثل صداقتها أيضا. ودعا الشعب الإسرائيلي إلى الضغط على حكومته لوقف ممارساتها الحالية. وأشار رئيس الوزراء التركي إلى أنه تم إلغاء ثلاث مناورات عسكرية مع إسرائيل، ومباراة في كرة القدم، واستدعاء السفير التركي من تل أبيب، ودعوة المنظمات الدولية والإقليمية للاجتماع لبحث هذه الجريمة. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 01 جوان 2010)
واشنطن بوست: إسرائيل هي الخاسرة
اعتبرت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها أن إسرائيل كانت هي الخاسر في الهجوم الذي شنته على أسطول الحرية الذي كان يعتزم توصيل مساعدات إنسانية لقطاع غزة المحاصر فجر أمس الاثنين. وعزت الصحيفة موقفها إلى أن القوات الخاصة الإسرائيلية التي اقتحمت أسطول المساعدات لم تكن مهيئة بشكل جيد لما واجهته من « عشرات المسلحين الذين استخدموا السكاكين والقضبان الحديدية ضدها ». فكانت النتيجة –تتابع الصحيفة- معركة دموية قُتل فيها عشرة من الناشطين على الأقل، وأزمة دبلوماسية تلف حكومة بنيامين نتنياهو. وتعتقد واشنطن بوست أن الهدف المعلن لأسطول الحرية -وهو توصيل مساعدات إنسانية لغزة- يعد أمرا ثانويا بالنسبة لهدف إثارة المواجهة. ومن وجهة نظر الصحيفة فإن التهديد الذي يواجه إسرائيل سياسي وليس عسكريا، فحتى الآن لا يوجد مؤشر على أن زوارق الأسطول كانت تحمل صواريخ أو أسلحة أخرى لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). واعتبرت أن إسرائيل ارتكبت خطأ في إثارة حادثة كان المسلحون يتطلعون إليها، فكان السماح للزوارق بدخول غزة أفضل من إرسال قوات خاصة لاعتراضها. وسردت الصحيفة بعض تبعات هذه الأزمة مثل الإدانات المستمرة على مدى أشهر لإسرائيل، وتعرض عملية السلام للخطر وكذلك العلاقات الإسرائيلية التركية. ثم قدمت واشنطن بوست نصائح لنتنياهو كي يخرج من هذه الأزمة الدبلوماسية، منها اتخاذه خطوات ملموسة لخلق ظروف تساعد على قيام دولة فلسطينية، تبدأ بتخفيف القيود عن الضفة الغربية وغزة مجرد أن تخمد ردود الفعل تجاه الهجوم الإسرائيلي على الأسطول. كما يتعين على نتنياهو –والكلام للصحيفة- توسيع حكومته لتشمل أحزابا موالية للسلام، مشيرة إلى أن مشكلته تكمن في صقور حكومته الذين جعلوا الدبلوماسية متنافرة، « فعليه أن يتجه إلى الوسط إذا ما أراد الخروج من الحفرة العميقة ». واشنطن بوست (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 01 جوان 2010)
مصور الجزيرة ينفي عنف المتضامنين
نفى مصور الجزيرة عصام زعتر الذي كان معتقلا في إسرائيل على خلفية مشاركته في أسطول الحرية المتوجه لكسر حصار قطاع غزة استخدام المتضامنين أي أسلحة بيضاء في وجه الجنود الإسرائيليين. وقال زعتر في اتصال هاتفي من بروكسل بعد أن تمكنت السلطات البلجيكية بضغوط على إسرائيل من استعادته لكونه يحمل الجنسية البلجيكية إن إسرائيل فاجأت سفن الأسطول بتنفيذ الهجوم وقبل أن يتاح لهم تغيير المسار، ولم تعترضهم لتغيير مسارهم أو التفاهم معهم. وأشار إلى أن السفينة التركية كانت أول السفن التي تعرضت للهجوم بشكل عنيف وغوغائي، فانهمرت القنابل الصوتية وحلقت المروحيات فوقها بحيث تطاير كل شيء على ظهرها وكانت زوارق البحرية ترتطم بها مباشرة ويصعد إليها الجنود، وهاجمها مائتا جندي تقريبا. وأكد مصور الجزيرة أن الجنود الإسرائيليين لجؤوا للعنف، وحاولوا ضربه بهراوة كهربائية وكسر آلة التصوير، فأصابوه وكسرت يده، وعندما قال لهم خذوا الأشرطة ودعوا لي معداتي الصحفية رفضوا وصادروها قائلين له: فلتتحمل الجزيرة أعباء هذه المهمة لأنها من أرسلتك إليها. وحول تمكنه من الاحتفاظ بأي تسجيل، قال إنه قام بتصوير أشرطة احتياطية لمدة قصيرة، وأخفى التسجيلات تحسبا لمصادرتها منه، لكن جنود البحرية لم يسمحوا للمتضامنين بأخذ أي شيء، وطلبوا منهم ترك كل المقتنيات الشخصية والملابس والنقود، والخروج بجوازات السفر وحدها، مشيرا إلى أنه تمكن فقط من أخذ دواء مسكن للألم بعد أن كسرت يده. وأشار إلى أنه تعرض لعنف نفسي ومعنوي كبير عبر التحقيقات الطويلة والمرهقة التي لم يعهدها حيث يقيم في البلدان الأوروبية، ولفت إلى أن جنود الاحتلال استجوبوه حول الانتماءات السياسية لطاقم الجزيرة. وحول زملائه الذين ما زالوا محتجزين، أبدى زعتر خشيته من تعرضهم لعنف وضغوط مشيرا إلى أنه تعرض لذلك رغم كونه مواطنا أوروبيا. وتحمل شبكة الجزيرة الحكومة الإسرائيلية مسؤولية سلامة أفراد طاقمها المرافق لأسطول الحرية وعموم الصحفيين الموجودين على متن السفن المتجهة في مهمة إنسانية إلى قطاع غزة وتدعوها إلى إطلاق سراحهم فورا. كما تدعو الجزيرة المؤسسات الإعلامية للضغط من أجل إطلاق سراح الصحفيين وتوفير الأجواء الملائمة لعملهم دون ممارسة أي ضغوط عليهم. ويضم طاقم الجزيرة المرافق لأسطول الحرية ثمانية أشخاص هم المراسلان عثمان البتيري، وعباس ناصر، إضافة إلى محمد فال من قناة الجزيرة الإنجليزية، والمصورين علي صبري، وعصام زعتر وأندريه أبو خليل للقناة الإنجليزية إضافة للمنتج بالإنجليزية جمال الشيال، ومراسلة الجزيرة نت وسيمة بن صالح. كما كانت على متن إحدى سفن أسطول الحرية الصحفية المتعاونة مع مدونة الجزيرة توك هيا الشطي. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 01 جوان 2010)
الاتحاد الأوروبي وحقوق الإنسان في دول الجنوب
مراد زروق 2010-06-01 من المتوقع أن يمنح الاتحاد الأوروبي وضع الشريك المتقدم لتونس نهاية هذه السنة, بعد أن منح نفس الوضع للمغرب، وذلك في إطار سياسة دعم الشراكة الثنائية التي تغطي على انهيار مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية. إلا أن اللافت في سياسة الاتحاد الأوروبي الجديدة هو عدم مراعاة معايير احترام حقوق الإنسان كشرط أساسي لتفعيل اتفاقيات الشراكة، أما الوضع المتقدم فيفترض أنه يمنح لدول تكاد تجتمع فيها نفس الشروط المتوفرة في الدول الأوروبية. ينص الفصل الثاني من اتفاقية الشراكة التي وقعها الاتحاد الأوروبي مع تونس سنة 1995 على ضرورة احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية كشرط أساسي تقوم عليه علاقة الشراكة تلك. وضع الشريك المتقدم الذي مُنح لتونس وقبل تونس المغرب ما هو إلا تتمة لسياسة تأمين الجوار المتوسطي لتجنب أي تغيير سياسي قد يعصف بالمصالح الأوروبية في المنطقة. لقد تبين مطلع تسعينيات القرن الماضي أن الاتحاد الأوروبي لا يحبذ أي تطور سياسي تذهب ضحيته الأنظمة العربية المحافظة في المنطقة، وهذا ما يفسر استعمال عبارة «الدول العربية المعتدلة» لتصنيف مجموعة من الأنظمة العربية الديكتاتورية الناعمة في تعاطيها مع مشاكل المنطقة وفي علاقتها الخارجية والمتوحشة في علاقتها بمواطنيها. ما يُعاب على الاتحاد الأوروبي في علاقته بالدول العربية هو تغليب منطق الواقعية السياسية على المبادئ التي تنادي بها كل دول الاتحاد من دون استثناء. داخل الأوساط الدبلوماسية الأوروبية هناك شبه إجماع على أن البحر الأبيض المتوسط لا يفصل الدول الغنية عن الدول الفقيرة فحسب، بل يفصل الحرية واحترام حقوق الإنسان عن الديكتاتورية، ومع ذلك يعتبر الساسة الأوروبيون أن الحكام العرب «المعتدلين» شر لا بد منه. تكرر هذا الخطاب على استحياء عندما أجهز الجيش الجزائري على المسار الانتخابي سنة 1992 لأن أغلب المحللين كانوا يفضلون نظاما ديكتاتوريا في الداخل, معتدلا في علاقاته الخارجية على جبهة الإنقاذ التي لم يتبين للأوروبيين أي سياسة كانت ستنتهج في حالة ما أمسكت بزمام السلطة. هذا الحس الأمني المبالغ فيه هو الذي يفسر بعض المواقف الغريبة مثل التصريح التاريخي الذي أدلى به الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك خلال زيارة الدولة التي قام بها إلى تونس في ديسمبر 2003، حيث قال صاحبنا في معرض حديثه عن الإنجازات «العظيمة» للرئيس الأبدي زين العابدين بن علي: «إن أول حقوق الإنسان هو الأكل والعلاج والتعليم والسكن، وفي هذا الباب يجب أن نعترف بأن تونس متقدمة على دول أخرى». لا يجب أن نظن بأن هذا الكلام النابع من القلب يدخل في باب النفاق السياسي أو انحراف مؤقت للمنطق السياسي للرئيس السابق. الأمر يتعلق بتقسيم غير عادل للحقوق لا يختلف عن التقسيم الجائر للثروات، لذلك يرى شيراك أن من حق أهل تونس أن يأكلوا الطعام وأن يعالجوا أجسادهم وأن يتعلموا في صمت وأن يناموا ويتكاثروا، وهذا القول يضع التونسيين وغيرهم من شعوب المنطقة في مرتبة الأنعام. إن الحماية التي تُعطى للأنظمة الديكتاتورية العربية ستؤخر لسنوات طويلة أيّ مشروع للإصلاح أو التغيير، وهذا الأمر ستكون له تبعات على الدول المعنية وشعوبها بالدرجة الأولى، لكن ستتضرر المنطقة المتوسطية ككل والشرق الأوسط. بقاء الأنظمة الديكتاتورية يعني فقدان الأمل عند الأجيال الصاعدة وانسداد الآفاق, وهو ما نجم عنه تشرذم النخب السياسية وتراجع دور المنظمات النقابية وباقي فعاليات المجتمع المدني. هذا الفراغ الفظيع ولَّد ردود فعل مثل التطرف ومعاداة الغرب جملة وتفصيلا والانكفاء على الذات ورفض الآخر. لقد فشلت سياسة الاتحاد الأوروبي في المنطقة وفشلت سياسة دول مثل فرنسا التي راهنت على رعاية مصالحها في مستعمراتها السابقة مضحية بمبادئ ثورة 1789 التي طالما اجتهدت في نشرها في باقي بقاع العالم، ومع ذلك لم تتغير سياسية تقريب عتاة الجلادين. تغير العالم من حولنا مراراً منذ الشروع في الشراكة الأوروبية المتوسطية منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومع ذلك لم تتغير الرؤية الأوروبية للمنطقة ولا خطاب الواقعية السياسية الجاف والمتعالي. ستحصل تونس على وضع الشريك المتقدم للاتحاد الأوروبي عما قريب, والتونسيون الأحرار يئنون من وطأة طاحونة النظام التونسي، وهذه لعمري خيانة عظمى للمناضلين الأحرار في تونس وخارجها. لكن الاتحاد الأوروبي عازم على التخلي نهائيا على البعد الأخلاقي الذي تنص عليه اتفاقيات الشراكة الأصلية لأن شرط احترام حقوق الإنسان أصبح ثقلا لا يقدر عليه الساسة «الواقعيون» في أوروبا، ونحن بدورنا نقول لهم: لقد ضيعتم موعدكم مع التاريخ بتعاونكم مع الأنظمة القمعية في المنطقة وتكريمها بالوضع المتقدم. سنظل نحلم باندحار الأنظمة الديكتاتورية وستظلون واقعيين خلال مسيرتكم السياسية، توزعون الابتسامات الصفراء يمينا ويسارا، وكما تعلمون العالم لا يُغيره الواقعيون، بل يُغيره الحالمون، فهنيئا لكم بأصدقائكم العرب «المعتدلين» وهنيئا لنا بقضايانا العادلة. zarmourad@gmail.com (المصدر: « العرب » (يومية – قطر) بتاريخ 01 جوان 2010)
زيادة قياسية للبطالة بمنطقة اليورو
أظهرت بيانات أوروبية أن معدل البطالة في منطقة اليورو بلغ أعلى مستوياته في 12 عاما في أبريل/نيسان، حيث أضحى ما يقرب من 16 مليون شخص في عداد العاطلين عن العمل. وشهد عدد العاطلين بالمقابل تراجعا ملموسا في ألمانيا. وقالت بيانات لوكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) إن معدلات البطالة التي ارتفعت منذ مارس/آذار لتبلغ 10.1% من القوة العاملة بلغت أعلى مستوياتها منذ يونيو/حزيران 1998 حيث أصبح 1.3 مليون شخص إضافي في حالة بطالة. وفي دول الاتحاد الأوروبي ككل قدرت الوكالة أن يكون هناك أكثر من 23.3 مليون شخص في حالة بطالة في أبريل/نيسان أي بزيادة قدرها 2.4 مليون شخص. وفي إيطاليا أكد المعهد الوطني للإحصاءات أن معدل البطالة في البلاد ارتفع في نيسان/أبريل إلى 8.9% من 8.8% في مارس/آذار ليصل إلى أعلى مستوى منذ الربع الرابع من عام 2001. وانضم 21 ألف شخص إلى صفوف العاطلين في البلاد في أبريل/نيسان, حيث بلغ عددهم الإجمالي 2.22 مليون شخص بزيادة نسبتها 1% عن معدلات مارس/آذار و28.1% مقارنة بأبريل/نيسان 2009. وارتفعت نسبة البطالة في الفئة العمرية بين 15 و24 سنة إلى 29.5% في أبريل/نيسان من 28.1% في مارس/آذار. وخلال الأشهر الماضية زاد عدد الباحثين عن عمل في إيطاليا باطراد، وارتفع إلى أكثر من مليونين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي للمرة الأولى منذ عام 2004. ومقابل ارتفاعها في معظم البلدان الأوروبية انخفضت البطالة في ألمانيا في مايو/أيار إلى 7.7% من 8.1% في أبريل/نيسان، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول 2008. وانخفض عدد الباحثين عن عمل بنسبة 165 ألفا بعد فترة الشتاء ليصل المجموع إلى ثلاثة ملايين و242 ألف شخص. وسجلت هولندا أدنى معدلات البطالة بنسبة 4.1%, بينما وصلت في إسبانيا إلى19.7%, مع نسبة 40.3% في صفوف الفئة العمرية الأقل من 25 سنة في الربع الأول من عام 2010. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 01 جوان 2010)