الاثنين، 5 سبتمبر 2011

فيكليوم،نساهم بجهدنا فيتقديمإعلام أفضل وأرقى عنبلدنا،تونس Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia

TUNISNEWS

11ème année, N°40835 du 05.09.2011  

archives :www.tunisnew .net


كلمة:شاب يضرم النار في جسده في بن قردان

حرية وانصاف:بيــــان:قبيل الانتخابات بث للفوضى والانفلات الامني

الشروق:من يعيد الكرامة لـ «سجين» مستشفى شارل نيكول؟

كلمة:القضاء يرفض دعوى لمراقبة تمويل الاحزاب

حزب الخضر للتقدّم:بلاغ

المؤتمر من أجل الجمهورية:بيان : العملية الانتخابية في فرنسا في خطر

كلمة:انسحاب الأحزاب من اجتماع الهيئة الفرعية للانتخابات بمدنين

جمعية « الوعي السياسي » للتثقيف الشبابي:مائدة مستديرة

الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات:دعوة:ندوة صحفية:رصد الإعلام خلال الفترة الانتقالية

الصحافة:في سبر آراء شمل 2717 شخصا 69 %غير راضين عن الأحزاب و48 % عن أداء الحكومة

البشير الصيد ل«الشروق»: المؤامرات تحكم المشهد السياسي… وسكوت الحكومة يشجّع «أهل الردّة»

السيد محمد الجويلي أستاذ علم الاجتماع:تغوّل المجتمع على الدولة والحضور الباهت للأحزاب والجمعيات وراء تكرار مشاهد العنف في عدد من جهات البلاد

صبحي غندور:عن الانقسامات الطائفية والمذهبية

صالح النعامي:ماذا بعد طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة؟

علي بدوان: ليبيا الأمس وما بعد القذافي

غازي دحمان:الأزمة السورية ومخارج الحلول الإقليمية والدولية

مركز الجزيرة للدراسات:الأزمة السورية تقترب من منعطف التدخل الخارجي


Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)

تابعوا جديدأخبار تونسنيوز على الفايس بوك

الرابط

http://www.facebook.com/pages/Tunisnewsnet/133486966724141



شهدت مدينة بن قردان الحدودية أمس محاولة انتحار جديدة بعد أن سكب احد الشبان كمية من البنزين على جسده و أضرم فيه النار، وقد تم نقل الشاب إلى مستشفى تطاوين ثم إلى المستشفى الجامعي بصفاقس حيث علمنا من مصادر طبية أن حروقه بين الدرجتين الثانية و الثالثة. وقد علمنا أن الشاب لا يعاني من مشاكل اجتماعية أو نفسية أو مادية. (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – تونس)، بتاريخ 4 سبتمبر 2011)

حرية وانصاف منظمة حقوقية مستقلة البريد الإلكتروني: liberte_equite@yahoo.fr تونس في 03/09/1432 الموافق ل 03/09/2011

بيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان قبيل الانتخابات بث للفوضى والانفلات الامني


تتابع منظمة حرية وانصاف ببالغ القلق والانشغال حالة الانفلات الامني التي تعيشها عديد المناطق بالبلاد التونسية اذ بعد احداث العنف والاستعمال المفرط وغير المبرر للرصاص من طرف اعوان الامن والجيش الوطني مما ادى الى حالة وفاة لفتاة عمرها لم يتجاوز السبعة عشر عاما بالاضافة الى عدد من المصابين والجرحى وذلك في مدينة سبيطلة من ولاية القصرين نسجل اليوم 03 سبتمبر 2011احداث عنف واعمال استفزازية من طرف عناصر من الامن وذلك بمدينة نابل اثر دخول 5 سيارات بوليس و دراجتان ناريتان الى حي سيدي عمر بنابل وقام اعوان الامن بترويع السكان كما قام المدعو نبيل رامبو وهو مترجلا باطلاق رصاصتين في الهواء ثم انسحبب المجموعة الان مخلفة وراءها حالة كبيرة من الذعر وحرية وانصاف اذ تترحم على روح فقيدة مدينة سبيطلة وتتقدم لاهلاها بالتعازي وجميل الصبر والسلوان تطالب الحكومة المؤقتة بفتح بحث تحقيقى في احداث العنف و الاستعمال المفرط للقوة من طرف البوليس ورجال الجيش ما ادى الى وفاة فتاة بريئة واصابة اخرين بجروح متفاوتةالخطورة تؤكد ان الشعب التونسي هو وحدة اجتماعية متماسكة وان ظاهرة العروشية هي ظاهرة غريبة عن مجتمعنا يتم تغذيتها من بعض الاطراف لبث الفوضى تدعو السلطات المعنية الى محاسبة كل من تورط في هذه الاحداث تدعو السلطات المعنية الى محاسبة كل من تورط في جرائم ضد المواطنيين من بينهم نبيل رمبو الذي تورط في عديد الجرائم ومازال يقوم بترويع المواطنيين من خلال بث الفوضى والبلبلة واتعمال الرصاص الحي دون موجب عن المكتب التنفيذي لمنظمة حرية وانصاف الاستاذة نجاة العبيدي

<



تونس (الشروق) جسد شيخ في الثمانين ممدّد على سرير… يداه مكبلتان بأصفاد حديدية، هو السجين عبد المالك السبوعي المتهم بمحاولة سرقة واقتحام منزل، متواجد منذ ثلاثة أيام بقسم الاستعجالي بمستشفى شارل نيكول. لم يعامل كانسان بل كعبد في هذا المستشفى، وصورته في هذه الحالة التي هي عليها قد تفوق فظاعة صور المجاعة في الصومال ولكن لسنا في الصومال بل في تونس واحتراما منا للحقيقة اتصلنا بجميع الأطراف سواء من وزارة العدل أو بالمنظمة الحقوقية حرية وانصاف التي تابعت هذه القضية منذ البداية، وقد أثار هذا السجين غضب الشارع التونسي لوحشية الموقف الذي هو عليه. المحامية ايمان الطريفي (رئيسة منظمة حريّة وانصاف): «سأعيد كرامة هذا السجين» كانت على عين المكان في قسم الاستعجالي بشارل نيكول والتقينا بها فسألناها عن ردّة فعل المنظمة الانسانية الى ترأسها فتقول «لقد ذهلت وصدمت لمشهد هذا الشيخ وحتى ولو سجين يجب أن يعامل كإنسان وجدناه في حالة صحية خطيرة جدا ملقى في السرير دون أي رعاية صحية والذباب منتشر في جسده المخرب بالجروح وخاصة يداه اللتّان كانتا مكبلتان بالأصفاد ولم أفهم الى غاية هذه اللحظة لماذا؟ فهو لن يستطيع حتى التحرك فهل سيقدر على الهروب، فعلا عيب وضد الانسانية ما وقع لهذا السجين. وأحمل المسؤولية لادارة مستشفى شارل نيكول ورئيس قسم الاستعجالي بهذا المستشفى وإدارة السجون لأنها لم تعط ملفه الصحي الكامل للمستشفى، والطبيب المشرف عليه لأنه ترك الأصفاد بيديه تحت تعلة أنه العبد المأمور ولن تمر هذه الحادثة مرور الكرام لأني سأواصل البحث في هذه القضية. ردّ وزارة العدل عن طريق الناطق الرسمي كاظم زين العابدين تم توقيف السجين عبد المالك السبوعي من أجل محاولة سرقة وفي السجن ساءت حالته كثيرا ونقلناه الى مستشفى الرابطة، ولكن دون جدوى ثم الى مستشفى الرازي وأخيرا بمستشفى شارل نيكول وحتى جلسات محاكمته لم يحضرها، إذا فقد قمنا بواجبنا على أكمل وجه واعتنينا به وأي تقصير من المستشفى يُلزمها هي فقط، أما بالنسبة لموضوع الأصفاد فهي أمور أمنية فقط. منى البوعزيزي (المصدر: جريدة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 4 سبتمبر 2011)

<



رفضت المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة أمس دعوى قضائية تقدم بها الخبير المحاسب أنيس الوهايبي متعلقة بالتثبت من موضوع تمويل الأحزاب . و كان السيد الوهايبي طالب في عريضة الدعوى السلطات القضائية تعيين خبراء محاسبين على كل حزب من الأحزاب قصد الإطلاع على سبل تمويل الأحزاب السياسية ومدى احترامها لقانون الأحزاب القديم في فصله 12 المؤرخ في 10 افريل 1999 و المتعلق بالتمويل الأجنبي و الذي يمنع الأحزاب من تلقي أموال من جهات أجنبية. وكانت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي فشلت في تمرير قانون الأحزاب الجديد بعد مقاطعة حركة النهضة و عدد من الأحزاب الرافضة للمشروع الذي يقيد بصفة حازمة مسالة (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – تونس)، بتاريخ 4 سبتمبر 2011)

<


تونس، في 4 سبتمبر 2011 بلاغ الخضر


يندّد حزب الخضر للتقدّم بما تعرّض له المقرّ الجهوي لجامعة الحزب بتطاوين يوم الخميس 1 سبتمبر 2011 بعد منتصف الليل من خلع ونهب وسرقة وإتلاف وإفساد محتويات المقرّ من تجهيزات إلكترونيّة وتكسير لباب المقرّ من أطراف منتمية إلى حساسيّات سياسيّة معيّنة تعمل على تشويه صورة الحزب وذلك بعد تهديدات لمناضلي ومنتسبي الحزب بالجهة. وإذ يعبّر حزب الخضر للتقدّم عن استنكاره العميق والشديد لمثل هذه الأعمال التخريبيّة والبلطجة الرخيصة ويؤكّد على إتّخاذ كافّة الإجراءات والتدابير القانونيّة لملاحقة المعتدين قضائيّا. ويحمّل الحزب الجهات المعنيّة المسؤوليّة الكاملة لوقف هذه الممارسات الدنيئة ولمن قام بها ولكلّ من يتستّر وراءها لإفشال المسار الطبيعي والإستحقاقات الانتخابيّة المقبلة. حزب الخضر للتقدّم عن/ المكتب السياسي الأمين العام منجي الخماسي Faten Charkaoui Vice Secrétaire Générale Parti des Verts pour le progrès Rédactrice en Chef du journal « Le Tunisien » Membre de Global Young Green tél/fax : 00.216.71.328.438 mob : 00.216.22.577.437 site web : www.partivert-tunisie.com www.ettounssi.com

<



يعرب مكتب فرنسا للمؤتمر من أجل الجمهورية عن بالغ انشغاله لظروف تكوين الهيئات الفرعية للانتخابات بفرنسا وما آلت إليه من اختلال توازن وسيطرة تيار سياسي محدد دون غيره عليها. وإذ نذكر بأن أعضاء الهيئات الفرعية مستأمنون مباشرة على نجاح العملية الإنتخابية وبالتالي على إنجاح الثورة التي ضحى فيها شبابنا بالدماء، فنحن نستنكر الأساليب غير الديمقراطية التي انتهجها البعض من مقربي أشخاص متنفذين في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ونخص هنا بالذكر السيد طارق بن هيبة، رئيس الفيدرالية التونسية لمواطني الضفتين، لتوسطه في تعيين أشخاص معينين في الهيئات الفرعية في فرنسا قبل فتح أبواب الترشح بشكل رسمي لعموم التونسيين، ولدينا أدلة مادية على هذا التجاوز الخطير. في حين تم رفض العديد من الملفات التي يشهد لأصحابها بالكفاءة والاستقلالية والنضالية، وهو ما أدى إلى سيطرة تيار سياسي محدد على الهيئات الفرعية. وقد نبهنا لهذا الامر في اجتماع لنا برئيس الهيئة الفرعية لدائرة فرنسا الشمالية وطالبنا بتبديد كل الشكوك عبر توسيع الهيئة وتوفير كل ضمانات الحياد والشفافية ولا زلنا ننتظر اجراءات عملية. إن الثورة أتت لتقطع مع أساليب النظام البائد من محاباة وغش وإقصاء، ونحن لا نرى في ممارسة بعض المتنفذين في هذه الهيئات الا امتدادا مقلقا لهذه الممارسات من شأنه أن يفشل مسار العملية الانتخابية وبالتالي أن يحول دون تحقيق أهداف الثورة. وبناء على ذلك، فنحن ننادي كل الضمائر الحية من مستقلين وجمعيات وأحزاب إلى التنسيق وتبني موقف موحد من أجل تصحيح المسار والمطالبة بإعادة النظر في تركيبة الهيئات لضمان الشفافية والحياد اللازمين لنجاح الانتخابات في فرنسا. أيوب المسعودي الكاتب العام مكتب فرنسا المؤتمر من أجل الجمهورية

<



انسحبت أمس اغلب الأحزاب المدعوة لاجتماع دعت إليه الهيئة الفرعية للانتخابات بمدينين و ذلك احتجاجا على مشاركة الأحزاب التجمعية في الاجتماع المذكور و الذي كان مخصصا لتدارس شروط الترشح للمجلس التأسيسي. و قال رئيس الهيئة الفرعية للانتخابات بمدنين لراديو كلمة أن الانسحاب يعتبر موقفا خاصا بالأحزاب و الهيئة تتميز بالحياد و الاستقلالية و هي مدعوة لاستدعاء جميع الأحزاب القانونية المتواجد بالجهة معتبرا أن الاجتماع تواصل رغم الانسحابات . من جانبها اعتبرت الأحزاب المنسحبة ان الاجتماع الذي قررته الهيئة غير شرعي و لاغ نتيجة اقتصاره فقط على الأحزاب التجمعية التي واصلت حضورها في الاجتماع. يذكر أن مثل هذه الانسحابات تكررت في عدد من الاجتماعات التي عقدتها الهيئات الفرعية نتيجة تواجد الأحزاب التجمعية في عدد من المدن التونسية مثل باجة وجندوبة (المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – تونس)، بتاريخ 4 سبتمبر 2011)

<


مائدة مستديرة

الموضوع: دور المجتمع المدني في فترة الانتقال الديمقراطي التاريخ: 10 سبتمبر 2011 المقر: 4، نهج أنقلترا – تونس تشكلت في الآونة الأخيرة، العشرات من الجمعيات والمنظمات التي تنشط في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة والمواطنة، وهي تسعى للمساهمة في عملية الحراك الديمقراطي، والمشاركة في بناء مجتمع مدني صلب ومتين. ولكن غالبية تلك الجمعيات تعاني العديد من الصعوبات التنظيمية والمالية التي تعرقل عملها ونشاطها، لذلك تنظم جمعية « الوعي السياسي » للتثقيف الشبابي مائدة مستديرة بحضور خبراء في القانون وفي التسيير الجمعياتي وممثلي عدد من الجمعيات غير الحكومية التونسية للنقاش الجماعي حول التحديات المطروحة على العمل الجمعياتي في تونس. المحاور: التسيير والتنظيم الداخلي للجمعيات: نبيل اللباسي (محام، متخصص في مسائل الديمقراطية والإصلاح الاداري) النظريات الجديدة للقيادة، المدافعة والمناصرة، وأهمية التشبيك: أنور معلى (خبير دولي في العمل الجمعياتي)/ في انتظار التأكيد الجمعيات والتشريعات القانونية: مية القصوري (محامية) الجمعيات والعلاقة مع الدولة ومع الأحزاب: كريم قطيب (محام، عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي )

<


الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات

دعوة ندوة صحفية

رصد الإعلام خلال الفترة الانتقالية 5 سمتمبر 2011


تتشرف الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بدعوتكم لحضور فعاليات الندوة الصحفية التي ستعقدها بالاشتراك مع تحالف جمعيات المجتمع المدني من أجل الانتقال الديمقراطي للإعلان عن النتائج الأولية لرصد الإعلام خلال الفترة الانتقالية الأولى وذلك يوم الاثنين 5 سبتمبر2011 بنزل المشتل جودلن توليب بتونس على الساعة الحادية عشرة صباحا. في البرنامج – كلمة الترحيب وافتتاحية الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات – تقديم المرصد – تقديم التقرير والنتائج الأولية – نقاش – حفل اختتام عن الجمعية الرئيسة أحلام بالحاج

<


في سبر آراء شمل 2717 شخصا 69 %غير راضين عن الأحزاب و48 % عن أداء الحكومة


قدم أمس السيد حسني نمسية مدير معهد سبر الآراء وتحليل المعطيات الاحصائية نتائج سبر آراء حول التونسي والحياة السياسية قبل انتخابات 23 أكتوبر والذي أنجزته وكالة تونس افريقيا للأنباء لأول مرة في تاريخها بالشراكة مع المعهد. وقد شملت عملية سبر الآراء 2717 شخصا وخصص لها 35 محققا في الفترة الزمنية بين 15 و 28 أوت المنقضي. علما وأن الشريحة المستوجبة هي شريحة ممثلة لتركيبة المجتمع التونسي. وتمحورت أهم نقاط سبر الآراء حول الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية في هذه الفترة، ومدى مواكبة الاعلام والأحزاب والحكومة الانتقالية لآخر المستجدات. الوضعية العامة للبلاد وحول الوضعية العامة للبلاد، أجاب 10،1 % من العينة المستجوبة بأنها مرتبكة وغير مرتاحة مقابل 50،9 % قالوا أنها غامضة وغير مفهومة و 27،2 % اعتبروا أن هذا الوضع هو وضع طبيعي بعد الثورة. والجدير بالذكر بأن المعهد قام بسبر آراء في شهر أفريل الفارط شمل عينة أولى وتقدر بـ 1870 مستجوبا وأن النتائج كانت متقاربة مع نتائج سبر شهر أوت في هذا الخصوص. أما عن رأي المستجوبين حول المسار الحالي للبلاد فقد أجاب 56 %بأنه غير واضح مقابل 66 % في شهر أفريل، كما رأى 24،6 % بأننا في المسار الصحيح وقد كانت هذه النسبة لا تتجاوز 14 % في شهر أفريل الفارط في حين يعتبر 19،2 % أن الأمور تتعكر. كما بيّن سبر الآراء أن 56،7 % من العينة غير راضين عن الوضعية الأمنية و 61،3 % عن الوضعية الاقتصادية في حين عبر 48 % من المستجوبين عن عدم رضاهم عن أداء الحكومة علما وأن هذه النسبة كانت حوالي 38 % في شهر أفريل الفارط. أما عن أداء الاعلام فاعتبر 47،4 % من المستجوبين أنه غير مرضي مع وجود 67 % من العينة غير راضين عن المطالب الاجتماعية والمالية في هذه الفترة و 64 % غير راضين عن أداء الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية. وقد عبر حوالي 69 % من المستجوبين عن عدم رضاهم عن أداء الأحزاب والجماعات السياسية. اهتمام متباين بالسياسة كما مثلت نتائج سبر الآراء حول اهتمام التونسيين بالحياة السياسية تباينا واضحا اذ أن 9،1 %فقط مهتمين كثيرا بالشأن السياسي علما أن هذه النسبة بلغت 29،4 % في شهر أفريل ولم تتجاوز 3،8 % قبل ثورة 14 جانفي مع الاشارة وأن غير المهتمين تماما قاربوا 21،5 % في شهر أوت و 10،5 % في شهر أفريل وكانوا قد قدروا بـ 54 % قبل ثورة 14 جانفي. وجاء في الاستبيان ان %72.18 يعرفون حزب النهضة و24 % حزب العمال الشيوعي التونسي و22.3 % الحزب الديمقراطي التقدمي. اما عن الاحزاب المحبذة اكثر لدى العينة المستجوبة فيأتي حزب النهضة بـ22،8 % يليه الحزب الديمقراطي التقدمي بـ 8،66 %. واعتبر حوالي 43 % أن الاحزاب لا تمثلهم مقابل 19،8 % اعتبروا ان تمثيلهم تمثيل متوسط و 2،6 % تمثيل كلي. اما عن معرفة المستجوبين بمفهوم المجلس التأسيسي وبدوره فقد اجاب حوالي 33،5 % بانها ضعيفة و20،3 % متوسطة وقد اعتبر 5،4 % بانها جيدة جدا. كما قام 57،9 % من المستجوبين بتسجيل اسمائهم في القائمات الانتخابية واعتبر 90،4 % منهم انه واجب وطني و65،5 % بانها مرحلة تاريخية في حياته. وعن أسباب عزوف الناس عن تسجيل اسمائهم في القائمات اعاد 65،7 % من المستجوبين ذلك الى كثرة الاحزاب في حين برر 58 % ذلك بعدم معرفتهم لمن سيصوتون و44،9 % الى عدم وجود ثقة في الاحزاب مقابل 36 % الى ضبابية برامج الاحزاب في حين أن 19،2 % اعتبروا انهم غير معنيين وغير مهتمين بالعملية الانتخابية. ومن جهة اخرى اجاب 72 % من المستجوبين بانهم سيؤدون واجبهم الانتخابي يوم 23 اكتوبر مقابل 11 % لم يقرروا بعد في حين حسم 17 % أمرهم بأنهم لن يشاركوا في الانتخابات. وقد قرر 34 % من بين الذين سيشاركون في انتخابات 23 اكتوبر لمن سيصوتون مقابل 65 % لم يقرروا بعد واعتبر 52،5 % ان قرارهم نهائيا و47 % يمكن ان يغيروا رأيهم فيما بعد. تقييم الإعلام وتشير الاحصائيات الى ان أغلب المستجوبين اصبحوا يتابعون الاخبار وقدرت هذه النسبة بـ77،1 % في شهر اوت وقد كانت هذه النسبة في حدود 91،4 % خلال شهر افريل كما عبر 57،5 % عن عدم متابعتهم للأخبار قبل ثورة 14 جانفي 2011. (المصدر: جريدة « الصحافة » (يومية – تونس) الصادرة يوم 4 سبتمبر 2011)

<



تونس (الشروق) رجل له تاريخ ..ويصرّ على أنّه ما يزال يُـخبّـئ مفاجآت ومبادرات هو ليس عميد المحامين السابق فقط بل هو كذلك أحد أعمدة النضال السياسي والحقوقي في تونس على مدار العقود الماضية، في ما يلي حديث شامل مع العميد البشير الصيد. الحديث إلى شخص مثل البشير الصيد فيه الكثير من التطلعات والانتظارات بالنظر لما للرجل من خبرة وتجربة واسعة في العديد من الميادين والمجالات ومنها على وجه الخصوص المحاماة والنضال القومي العروبي الوحدوي وكذلك مجال الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، وبقدر ما دخل هذا الرجل في معارك ومواجهات ورهانات بقدر ما يزداد امتلاكا للعديد من المعطيات والأسرار التي يحتاجها الباحث والمحلّل للشأنين السياسي والحقوقي في البلاد لإجراء مقارباته وطروحاتها. ما هي قراءتكم لواقع العلاقات داخل المشهد السياسي التونسي؟ هو مشهد يغلبُ عليه الكيد والمؤامرات حسب رأيي ، وما ألاحظه فإنّ المشهد السياسي التونسي يعاني كثيرا من الإشكاليات وبالتالي فهو في أزمة وإنّ الثورة المجيدة لم تتحصل على استحقاقاتها التي قام بها الشعب وعلى الخصوص مجموعات الشباب والشابات وبصفة أخص الحاملين للشهائد العليا والسبب في ذلك أنّ الحكومة الانتقالية حكومة الواقع لم تستجب لأي مطلب من مطالب الثورة ، وللحقيقة فإنّ المشهد السياسي يعاني الكثير من السلبيات ويخشى أن لا تتم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر في ظروف موضوعية وديمقراطية وبالتالي لدينا خشية أن لا يتمّ الانتقال الديمقراطي بصفة جديّة وموضوعيّة وديمقراطية ، وبالتالي لا يُمكن أن تتخلّص البلاد من أزمة اللاديمقراطية واللاشرعية وبالتالي ترجع إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها الثورة. ومن أهم سلبيات المشهد السياسي التي أعتقد أنّها مشاهدة من أهمّ المتتبعين لهذا المشهد والعارفين به ما يلي: 1 ـ طغى على مشهد الشأن العام المتناول من السياسيين والإعلاميين والحقوقيين ومن مكونات المجتمع المدني عموما الابتعاد عن معالجة القضايا الجوهرية التي ينبغي علاجها والحسم فيها مثل قضايا الشغل والاقتصاد والمسائل الاجتماعية وطبيعة الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة الصالحة لتونس في المستقبل، وعوضا عن ذلك كلّه نرى التركيز حاصل على مسائل هامشيّة وبالخصوص على حملة متبادلة بين أغلب المحركين للشأن الإعلامي والسياسي ينصبّ على تبادل التهم والشتائم والقدح والتجريح ضدّ أغلب رموز وعناصر المجتمع المدني حتى يكاد يظهر للمشاهد وأنّ غالب مكونّات المجتمع المدني ورموزها تعاني من الفساد وسوء السمعة وأصبحت الاتهامات تنصبّ على العديد من الرموز الوطنية وعلى جلّ القطاعات بدون تفصيل وعليه فهذه ظاهرة خطيرة على المجتمع وعلى الانتقال الديمقراطي وعلى مستقبل البلاد وعليه فإني أتوجّه بنداء إلى كافة مكوّنات المجتمع المدني من إعلاميين وسياسيين وحقوقيين ومواطنين أن ينتبهوا فيتخلوا عن هذه الظاهرة ويتناولون بالمعالجة القضايا الجوهرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي من شأنها أن تنقذ البلاد وتضمن تحوّلها الديمقراطي وإنقاذ اقتصادها ومساراتها الوطنية. ونترك كلّنا التجاوزات وقضايا الفساد والرشوة وقضايا الذين قتلوا واغتالوا وعذّبوا واستولوا على المال العام والخاص أن يحاسبهم القضاء على معنى أنّ العقوبة شخصيّة كما هو معروف قانونيا وواقعيا وكلّ من ارتكب محظورا أو جرما أو أساء إساءة ثابتة أن ينال جزاءه لكن المؤهّل للحكم عليه هو القضاء. 2 ـ الناحية الأمنية، هناك خشية جديّة من إجراء الانتخابات يوم 23 أكتوبر من عدم توفّر الضمانات الأمنيّة إذ إلى حدّ الآن الحكومة لم تنجح في استتباب الأوضاع وتحقيق الأمن والاطمئنان وبالتالي لم تحقّق إعادة الحياة الطبيعيّة في البلاد فالانفلات الأمني مازال قائما وعلاماته الفعليّة متعدّدة مثل البراكاجات والعنف والاعتداءات وقطع الطرق وحرق المؤسسات الرسمية والخاصة وتواصل ارتباك غالب مؤسسات الدولة الإداريّة بحيث لم تعد قادرة على تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين. 3 ـ المال السياسي، إنّ من أهمّ ما يُهدّد إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بشكل نزيه وشفاف وذات مصداقية إغداق المال السياسي على البعض من الأحزاب من جهات مشبوهة خارجيّة خاصّة وحتّى داخليّة ، هذا المال السياسي الّذي بدأ زاحفا على البلاد للتحكّم في الحياة السياسيّة للحيلولة دون الانتقال الديمقراطي ونقل البلاد من اللاشرعيّة إلى الشرعيّة ويُخشى أن يُستبدل تزييف الانتخابات وتزويرها في عهد النظام المخلوع بتزويرها بشراء الذمم لكسب أكثر ما يمكن من الأصوات ومقايضة مقاعد المجلس التأسيسي بالمال السياسي. وبذلك تنتقل البلاد من اللاشرعية إلى اللاشرعية وتصبح أسيرة المال المشبوه المجمّع من الداخل والخارج، وما ينبغي التأكيد عليه أنّه بالمال السياسي الّذي يتدفّق على قلّة قليلة من الأحزاب سيقصي كلّ من عاداها من الأحزاب التي تجاوز عددها المائة وبذلك يتمّ ضرب الوطنيّة وهتك قيم ومبادئ العدالة والإنصاف والمساواة وبالتالي ستتشكّل المشهد السياسي والخارطة الحزبيّة وكذك خارطة المجتمع المدني وفق نفوذ ولوبيات المال السياسي، والغريب وممّا يؤسف له أنّ الوقائع الحالية تعرّفُ أي الأحزاب القليلة التي يُغدقُ عليها المال السياسي ولكنّها ممانعة من الكشف عن ذلك وتأبى التصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تُهدّد الشعب والبلاد ، فهي المسؤولة عن ذلك وعليها ممارسة رقابتها وتطبيق القانون في الغرض. وعليه فهذه هي أسباب المخاوف الثلاثة التي ينبغي معالجتها من الحكومة حتّى يتمّ ضمان إجراء انتخابات المجلس الوطني الـسياسي على الوجه المطلوب ويحصل الانتقال الديمقراطي الّذي يُنقذ البلاد ويُحقّق مطالب الثورة ، وهذا ما نتمناه لبلادنا. لكن هناك انتقادات حول الوضع القضائي اليوم كونه هو الآخر ممسوسا بمسألة الفساد؟ مهما كان الأمر لا حلّ إلاّ بالتوجّه إلى القضاء فهو الجهة الوحيدة التي يمكن لها أن تحاسب وأن تحكم وتدين أو تبرئ كما يسمح لها بذلك اجتهادها ووفقا للملفات المعروضة عليه والدعوى المعلقة بإصلاح القضاء على أساس أنّ بعض القضاة هم بدورهم فاسدون لا يحول دون إهمال دور القضاء لكن في نفس الوقت يعالج الأمر بإصلاح القضاء ولا يمكن أن نشطب أو نتّهم جميع القضاة أو قطاعا كاملا لكن ينبغي محاسبة العناصر الّتي تستحقّ المحاسبة لأنّها فسدت أو أساءت أو تجاوزت أو خرقت القانون أو لم تحكم بالعدل والإنصاف ولا شكّ في أنّ هذا الأمر يتطلّب فرز هذه العناصر بطريقة موضوعية وثابتة حتى لا يُلطّخ كلّ أعضاء هذا السلك دون استثناء كما يزعم البعض ، ومحاولة بعضهم الزجّ بعديد القاطاعت كاملة بأنّها فاسدة منطق يؤدّي إلى دوّامة ويحول دون الفرز الصحيح للفاسدين من الصالحين. تحدّثتم عن مؤامرات و مخطّط لضرب غالب مكونّات المجتمع المدني ورموزه ،ّ من حسب رأيكم يُـحرّك خيوط هذه اللعبة؟ الأكيد أنّ توجيه دعوات الاتهام العامة لجلّ مكونات المجتمع المدني ورموزه ودون تثبّت ترجع إلى أمرين اثنين : الأوّل: يطغى على البعض الحماس فيندفع بدون تثبّت في توجيه المطالبات العامّة. والثاني لا شكّ أنّ بعضهم يريد خلط الأوراق والخلط بين الغث والسمين وبين الحقيقة والباطن وهذا يتمثّل في المرتدين عن الثورة الذين لا يريدون الانتقال الديمقراطي ويريدون الزج بالبلاد في دوّامة من العنف وتلهية الرأي العام بقضايا هامشية وصرف أنظاره عن القضايا الحقيقية. إذن هناك قوى ارتداد عن الثورة؟ نعم هناك قوى ردّة تعمل من أجل تعكير الأوضاع في البلاد وإجهاض الثورة والرجوع بالبلاد إلى ما كانت عليه في عهد النظام المخلوع.وأنا أحمّل المسؤولية للحكومة في جانب كبير لأنّها لم تنجز أيّ مطلب من مطالب الثورة كما أنّها لم تتصدّ لعناصر الردّة التي تريد الالتفاف على الثورة بل إنّها تشجّعهم. لذلك كنا دوما نطالب بتكوين حكومة إنقاذ وطني لأنّ الحكومة المؤقتة الحالية فشلت فشلا ذريعا بل إنّها تشجّع على الالتفاف على الثورة وحرمانها من استحقاقاتها وهذا ثابت من خلال إسناد الوظائف الإدارية والسياسية العليا إلى رجالات النظام المخلوع ثم بإتباعها نفس أسلوب النظام المخلوع في تلفيق القضايا للسياسيين ومنعها الاحتجاجات السلميّة واعتدائها على الصحافيين اعتداءات فظيعة ومتكرّرة وهذا نفس أسلوب الذي كان يعتمده النظام البائد، وإلى حدّ الآن لم تحرّك هذه الحكومة تتبّعات ومحاسبة الذين استولوا على المال الخاص والعام كما أنّها لم تحرّك محاكمات الذين قتلوا واغتالوا وعذبوا أبناء الشعب ، والأغرب من ذلك أنّها لم تجدّ بصفة حازمة في محاكمة المتهمين في القضايا الأمنية والسياسية والحق العام التي حدثت بعد 14 جانفي 2011 مثل قضية الروحية وأحداث القصبة 3 وما رافقها من اعتداءات على المحتجين والصحافيين وعلى المقدسات وكذلك قضايا العروشية التي جدّت في المتلوي وقفصة وجبنيانة وقصر هلال ، وهي قضايا معروفة وخطيرة وهي لا تهدّد مسار الثورة فقط بل تضرب النسيج المجتمعي ووحدة الشعب ، حتى كأنّ السكوت عنها بمثابة تشجيع على اشتعالها في مناطق أخرى ودليلا على عدم جديّة في التصدّي الحكومي لميليشيات النظام المخلوع والميليشيات المنحرفة التي تتحرّك كلّما رأت قيام احتجاج سلمي لتفسده ولتخلط الأوراق ولا شكّ أنّ الحكومة تعرف هذه الميليشيات بنوعيها. في هذا الخضم، حسب رأيك هل تقوم النخب والأحزاب بدورها الوطني والتاريخي؟ أعتقد أنّها مقصّرة كلّها وعليها أن تتحمّل مسؤولياتها أكثر وذلك بأن تلتفّ حول بعضها البعض وتعالج القضايا الأساسيّة للبلاد وتضبط مسارا صحيحا للانتقال الديمقراطي وتقلّل من التنازع والتجاذب في ما بينها وأن تقلّل من حرب المواقع ، فحرب المواقع القائمة حاليا تجاوزت كلّ الحدود فليراجع كلّ طرف مساره بالتأكيد أكثر على الاهتمام بمعالجة القضايا الأساسيّة لإنقاذ البلاد. تتحدّث كثيرا عن إنقاذ البلاد، هل هي في خطر حقيقي؟ نعم، إنقاذ البلاد يتمثّل بالأساس في إخراجها من اللاشرعية إلى الشرعية وبالتالي نقلتها من اللاديمقراطية إلى الديمقراطي…والمسار إلى ذلك غير مؤكّد وبه العديد من المحاذير والمخاوف. المشهد السياسي فيه تجاذب إيديولوجي يراه البعض خطرا على مسار الثورة كذلك؟ هو ليس فقط تجاذب إيديولوجي ، بل إنّ أهم أسباب التجاذب هي في إثارة بعضهم لبعض القضايا التي هي ليست بقضايا جوهريّة وإنّما هي تهميش للقضايا الأساسيّة وذلك لصرف الأنظار عن المعالجات المطلوبة لمصلحة الشعب والبلاد منها مثلا قضية اللائكيّة وقضية المساواة في الإرث والحقيقة فإنّ هاتين المسألتين لا ينبغي إثارتهما لأنّهما من المسائل الهامشيّة التي لا منفعة ولا جدوى من طرحهما والحوار حولهما داخل مكوّنات المجتمع المدني، فقضية اللائكيّة – مثلا- بعيدة كلّ البعد عن المجتمع المدني التونسي ومن المتأكد أنّ الهويّة الأساسيّة لمجتمعنا العربي في تونس هي هوية عربيّة إسلاميّة تكرّست بحكم الثقافة وبحكم النضال والتاريخ والعادات وبكلّ مقوّمات الحياة ولا شكّ أنّ جملة مكوّنات المجتمع المدني والمواطنين والمواطنات هم مجمعون على أنّ هوية بلادنا عربيّة إسلاميّة وأن لا مجال لللائكيّة في تونس كما أنّه لا مجال للدولة الدينية إنّما الدولة التي يؤيّدها ويرغب فيها مجتمعنا هي الدولة المدنيّة لأنّ المجتمع التونسي كلّه مسلم ولأنّ هويّته عربيّة إسلاميّة وبالتالي فلا فائدة في خلع الأبواب المفتوحة، على أنّني أؤكّد أنّ التجاذب الإيديولوجي موجود ولا ينبغي التخلّي عنه لأنّه تجاذب حول المبادئ غير أنّه لا ينبغي أن يطغى ويتسبّب في تشظّى المجتمع المدني ويفتّت الوحدة الوطنيّة وبالتالي نحن في حاجة إلى تجاذب سياسي إيديولوجي حتّى لا يتخلّى المجتمع عن مبادئه المتنوّعة والتي تثري بعضه البعض ويصل إلى وفاق سياسي يجد فيه كلّ طرف نفسه ويُشارك فيه وبذلك تتكوّن وحدة وطنيّة حول قواسم مشتركة في معالجة القضايا الوطنيّة لمصلحة البلاد ، على أنّي أشير أنّ هناك مبالغة مشطّة في الصراع على المواقع صحيح لا بدّ من الطموح والناس حقيقيون بالأهداف الوطنيّة من خلال ارتقائهم إلى المواقع ولكن ألاحظ بأن هناك تجاذبات فاقت الحدود المطلوبة وينبغي تعديل المواقف وعقلنة التنافس بالقبول بالآخر وتقاسمه الأدوار من أجل مصلحة الوطن. لكن هذا التجاذب بلغ حدّ الشيطنة بين الأطراف السياسية والإيديولوجية؟ في رأيي لا بدّ من التمسّك بالتجاذب المعتدل والقبول بالآخر حتّى لا ينقلب إلى حرب وشيطنة كما تقولون من أجل كسب المواقع. هناك تخوّفات من مشروع إسلامي ظلامي في تونس، عبّرت عنه بعض الأطراف السياسيّة في إشارة إلى إمكانية صعود حركة إسلاميّة (هي النهضة) إلى الحكم ؟ ما موقفكم من هذه المخاوف؟ أنا شخصيّا أرى أنّ كلّ مجموعة أو حركة سياسيّة وطنيّة في تونس من حقّها أن تُشارك في الحياة السياسيّة وان تُدلي بدلوها في الانتخابات مهما كان نوعها غير أنّ المطلوب من الجميع أن يسلك الطريق السلمي الديمقراطي وأن يتخلّى عن العنف وعن الاستقواء بالأجنبي وبالمال السياسي وليس لي أيّ تخوّف من حركة النهضة التي من حقّها أن تعبّر وأن تشارك في الحياة السياسيّة وأيّ حزب أو حركة ينجح في انتخابات موضوعية شفافة شرعية سواء أكانت حركة النهضة أو غيرها فأهلا وسهلا به وطوبى له عن جدارة إن فاز ديمقراطيّا. نأتي إلى البشير الصيد نفسه، تتعرضون إلى اتهامات حملة إدانة وتشويه: هل هي حملة مغرضة أم لها بعض الأسباب والمبرّرات الواقعيّة ؟ ما أؤكّده لكم وللرأي العام في الداخل والخارج إنّي أتعرّض إلى حملة شعواء مغرضة منذ حوالي ثلاث سنوات طالت اعتباراتي المهنيّة والسياسيّة والحقوقيّة وحتّى حياتي الخاصّة وهدف هذه الحملة التي اشتدّت هذه الأيّام هو إزاحتي من المشاهد السياسية والحقوقيّة والشؤون العامّة بالطعن في ذمّتي وتشويه سمعتي وإسقاط مسيرة نضالاتي الطويلة والتي امتدّت حوالي أربعة عقود على المستويات المهنية والحقوقية والسياسيّة وبكلّ أسف فإنّ هذه الحملة تشترك فيها عدّة أطراف داخليّة وخارجيّة وحتّى من بعض العناصر المتواجدة في إطار التوجّه القومي. من هي هذه الأطراف؟ لا أريد الآن ذكر الأسماء لأنّي أترفّع عن الدخول في التفاهات والشجارات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع ولكنّها تؤجّج وتهمّش دون جدوى. هناك من يعتبر أنّ استقالتكم الأخيرة من المسؤولية الأولى لحركة الشعب الوحدويّة التقدميّة هي رمي للمنديل أمام خصومكم ، وربّما يرونها حالة من العجز أمام الحملة التي تُقاد ضدّكم؟ جوابي الصحيح ، لا هذا ولا ذاك ، أي أنّ استقالتي ليست عجزا ولا رميّا للمنديل كما ذكرتم لأنّي لست خاشيّا ولا مُباليّا بالحملات المسعورة المقامة ضدّي منذ مدّة طويلة والتي يؤجّجها بعضهم شيئا فشيئا ، وإنّ ما قمت به يندرجُ في إطار تصحيح المسار القومي ، ذلك أنّ الأسباب التي دعتني إلى الاستقالة تتمثّل في معطيات من أهمّها : 1 ـ وجدت في قيادة الحركة البعض من إطاراتها قد حادت عن مبادئ وأهداف الحركة وركّزت عملها على أجنداتها الشخصيّة ممّا نجم عنه تعطيل نشاط الحركة وشلّ دواليبها الرسميّة بالامتناع عن حضور اجتماعات المجلس القطري والمكتب السياسي. 2 ـ عقد اجتماعات متعدّدة خارج الهياكل الرسميّة ( اجتماع بقفصة واجتماع سوسة 1 وسوسة 2 واجتماع نابل) دون علم المنسّق العام للحركة وعدد من أعضاء المكتب السياسي. 3 ـ إقصاء أهم مجموعات الشباب المنتمية إلى الحركة ومنعها من أداء دورها الطلائعي ممّا دفع هذه المجموعات للاستقالة من الحركة، ولا شكّ أنّه لا مستقبل للحركة بدون شبابها خاصّة أنّ المجموعات المستقيلة هي من أهم كوادر الحركة لأنّ أغلبهم يحملون شهائد عليا ويتمتّعون بالنضال. 4 ـ التسرّع في عقد مؤتمر الحركة من المجموعة التي أصرّت على عقده وكنت اقترحت تأجيله إلى أن تتمّ تسوية مطالب مجموعات الشباب المستقيل لكن المجموعة المتسرّعة في عقد المؤتمر بعجالة امتنعت عن ذلك وكنت اكتشفتُ منذ مدّة أنّ عددا قليلا من إطارات الحركة لا يُمكن لي مواصلة العمل معهم في إطارها ، وكنت وجّهت رسالة إلى القوميين على أنّني سوف لن أترشّح لأيّ موقع قيادي أثناء المؤتمر وأكّدت أنّني حريص على عقد المؤتمر والإشراف عليه لكن عجّلت باستقالتي قبل عقده لأنّني لا أريد أن أشارك أو أترشّح أو أحضر مؤتمرا هو تقسيمي بالضرورة لأنّه قسّم الحركة إلى شقين ، شقّ بقي بها وشق استقال منها. وهكذا يتبيّن أنّ استقالتي كانت في إطار تصحيح المسار. البعض يصف ما حدث داخل حركة الشعب الوحدويّة التقدميّة بأنّه «انقلاب» لمجموعة ما على البشير الصيد الّذي استنجد بها في وقت سابق عندما طرحت مسألة التوحيد؟ في الحقيقة هي ليست كما قلتم ولكنّها محاولة من بعض الّذين انضمّوا لنا والقادمين من حركة الشعب بمناسبة الإعلان عن التوحيد يوم 20 مارس، ولم أكن عاجزا عن التصدّي لذلك لكن أيقنتُ أنّه لم يوجد ما يُرغّبني في مواصلة العمل معهم. ما حدث داخل حركة الشعب الوحدويّة التقدميّة يُعيد طرح موضوع فشل توحيد التيارات القوميّة في تونس، وكأنّ التشتّت هو قدرها؟ أيّا كان الأمر فإنّي مصرّ على مواصلة العمل من أجل توحيد القوميين وإن وجدت صعوبة في العمل داخل تلك الحركة فإنّ هناك مسارات أخرى أتّبعها لتسخير جهودي لتوحيد العائلة القوميّة. ماذا تنوون فعله في هذا الإطار وبعد هذه الأحداث والمستجدّات؟ وهل ستترشحون لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي؟ لا شكّ أنّي سأواصل مسيرتي النضاليّة في مختلف الأصعدة وسأتواجد في مواقع وأطر أخرى ، والحمد لله أنّه لي من التجربة السياسيّة والنضاليّة ما يُمكّنني من ذلك ، ومن المتّجه أنّه في الندوة الصحفية التي سأعقدها أنا والإخوة المستقيلون يوم الإثنين 5 سبتمبر (العاشرة صباحا بنزل أفريكا) سيقع الكشف عن نافذة مستقبليّة في الموضوع. أمّا بخصوص انتخابات المجلس الوطني التأسيسي فقد قرّرت عدم الترشح حتى أتمكن من خدمة البلاد والشعب خارج المحاور والاستقطابات إذ أعتقد أنني بهذه الطريقة أكون أكثر إفادة للجميع عندما أكون خارجا عن حرب المواقع. خالد الحداد (المصدر: جريدة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 4 سبتمبر 2011)

<


السيد محمد الجويلي أستاذ علم الاجتماع

تغوّل المجتمع على الدولة والحضور الباهت للأحزاب والجمعيات وراء تكرار مشاهد العنف في عدد من جهات البلاد


عادت مشاهد العنف لتطفو على السطح من جديد حيث اندلعت خلال الايام الاخيرة في مناطق مختلفة من البلاد اعمال شغب واضطرابات خلفت قتيلة بسبيطلة والعديد من الجرحى بالاضافة الى الحاق اضرار بالممتلكات العمومية والخاصة. ولئن أرجعت اطراف اجتماعية وسياسية اسباب بروز ظاهرتي العنف والانفلات الامني بشكل لافت ومثير للقلق إبان الثورة الى شدة القيود التي كان يفرضها النظام السابق على الشعب التونسي فان تكرر هذه المشاهد بعد اشهر من عمر الثورة يدعو الى البحث عن اسبابها العميقة من الناحية الاجتماعية. ويقول استاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية محمد الجويلي في هذا الصدد «ان تونس تشهد اليوم هيمنة المجتمع على الدولة التي كانت تحتكر وسائل العنف المادي لتنظيم شؤون الحياة واخضاع الناس عبر التحكم في طريقة التصرف في انتماءاتهم المختلفة اذ لا يستطيع الفرد ان يتصرف في انتمائه العائلي او العروشي او غيرها الا برضاء الدولة ومراقبتها. واضاف فى تصريح خص به (وات) ان ما يحدث في الجهات من عنف هو نتيجة لفراغ كانت تملؤه الدولة بجهازيها الامني والحزبي المتمثل في «التجمع الدستوري الديمقراطي» المنحل اللذين كانا مسؤولين عن ضبط التوازنات المحلية بما فيها من انتماءات عائلية وعروشية وقبلية وجهوية وحتى توزيع المناصب والغنائم. الجويلي فسر عودة الناس الى انتماءاتهم العائلية والعروشية والقبلية والجهوية الى احساسهم بالخطر لانهم يشعرون بغياب الدولة بجهازيها الامني والقضائي مع عجز الاحزاب السياسية والمجتمع المدني على ان يكونا بديلا لهذه الانتماءات . (المصدر: جريدة « الصحافة » (يومية – تونس) الصادرة يوم 4 سبتمبر 2011)

<



صبحي غندور إلى أين يسير الشارع العربي بانتقاله الموسمي من حال السبات إلى حال الانفعال العشوائي؟ من «تكيّفٍ» مع وضعٍ مأسوي في داخل عدّة بلدان عربية، ممزوجٍ أحياناً بتسلّطٍ خارجي، إلى انفعالات غرائزية نراها تحدث بأشكال طائفية يواجه فيها بعض الوطن بعضه الآخر وكأنَّ هذه البلاد العربيّة قد فقدت البوصلة التي توجّه حركةقياداتها، فإذا هي بمركب في بحر هائج تدفع به الرياح والأمواج بينما ينشغل طاقمالسفينة بأموره الخاصّة أو يركن إلى عجزه عن القيادة السليمة! صحيح أنَّ لإسرائيل عملاء يتحرّكون ويعملون في أكثر من مكان بالعالم، وأنَّ بعضهم انكشف واعتقل حتّى في أكثر الدول صداقة ورعاية لإسرائيل كالولايات المتّحدة، كما هي حال الأميركي جوناسون بولارد، المعتقل بتهمة التجسّس لإسرائيل في أميركا منذ العام 1986… وصحيح أنَّ اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعراقيين والمصريين يعرفون أكثر من غيرهم من العرب حجم التّسلل الإسرائيلي في بلدانهم على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، منذ ظاهرة كوهين في دمشق إلى انفضاح العشرات من العملاء في لبنان… وصحيح أنَّ السلطات المصرية كشفت مرات عدّة عن شبكات تجسّس إسرائيلية وما زال بعض عناصر هذه الشبكات معتقلاً، رغم وجود علاقات طبيعيّة بين إسرائيل ومصر… صحيحٌ كل ذلك وغيره من الأمثلة، لكن هل يعقل أن تكون إسرائيل وحدها في كلّ مكان وفي كلّ قضية ساخنة تعيشها حالياً المنطقة العربيّة وجوارها الإقليمي؟! أطرح هذا التساؤل لأنَّ كلاً من التطورات الحاصلة في المنطقة، يحمل طابع المصالح والمنافع الإسرائيلية فقط، بينما «الآخرون» – وهم هنا العرب والمسلمون والأوروبيون والأميركيون- يتضرّرون ممّا في هذه التطورات من مخاطر أمنيّة وسياسية على مجتمعاتهم وأوطانهم وعلى مصالحهم المشتركة. فالانقسامات الطائفية والمذهبية تزداد في المنطقة، وأصوات العداء بين «الشرق الإسلامي» وبين «الغرب المسيحي» ترتفع حدّةً بينما إسرائيل التي هي «جغرافياً» في الشرق، و«سياسياً» في الغرب، وتنتمي إلى حالةٍ دينية «لا شرقية إسلامية ولا غربية مسيحية»، هي المستفيد الأكبر من صراعات الشرق مع نفسه، ومن صراعاته مع الغرب! وهل هناك أصلاً منفعة أميركيّة حقيقية من فلتان الأوضاع الأمنيّة في بلدان عربية؟!، وهل تقدر الإدارة الأميركيّة على ضبط نتائج هذا الفلتان إذا ما حدث؟ ألا يكفي العراق وأفغانستان نموذجاً لنتائج السياسات الأميركيّة الفاشلة؟!. فالمصلحة الأميركيّة الحقيقيّة لا يمكن أن تكون في توسيع دائرة الغاضبين على أميركا، ولا يمكن أن تكون في زيادة الهوّة بين العرب والمسلمين من جهة وبين الأميركيين والغرب عموماً من جهة أخرى… فهذه مصالح فئويّة لقوى حاكمة لكنّها حتماً ليست مصالح الدول والشعوب. هناك الآن الكثير من «المعارك» الإسرائيليّة الّتي تجري تحت «راية أميركيّة»، لكن المصالح الأميركيّة هي جزء من ضحاياها! وكم هي مفارقة محزنة أميركياً أن يُنظَر لإسرائيل في القرن الماضي وخلال فترة الحرب الباردة، على أنَّها «رأس الحربة الأميركيّة» في الشرق الأوسط، بينما يُنظَر إلى أميركا الآن، وهي القطب الدولي الأوحد، على أنَّها تنفّذ سياسة إسرائيل في المنطقة! أمّا على الطرف العربي والإسلامي، فـ«الإسرائيليّات» موجودة أيضاً بكثافة. وهناك عرب ومسلمون يقومون أيضاً بخوض «معارك إسرائيليّة» تحت «رايات وطنيّة أوعربيّة أو إسلاميّة». وهم عمليّاً يحقّقون ما كان يندرج في خانة «المشاريعالإسرائيليّة» للمنطقة من سعي لتقسيم طائفي ومذهبي واثني يهدم وحدة الكياناتالوطنيّة ويقيم حواجز دم بين أبناء الأمّة الواحدة لصالح فئات تستفيد من فتات الأوطان فتقيم ممالكها الفئويّة الخاصّة ولو على بحر من الدّماء. أليس هو مشروعٌ إسرائيلي تفتيت المنطقة العربيّة إلى دويلات متناحرة؟ أمَا هي مصلحة إسرائيليّة كاملة نتاج ما جرى في العراق من تفكيك لوحدته الوطنية؟ أليست هي أيضاً رؤية إسرائيليّة لمستقبل لبنان وسورية والأردن ومصر والسودان واليمن وشبه الجزيرة العربيّة؟! أليس هو بمنظر خلاّب ممتع للحاكمين في إسرائيل وهم يرقبون ما يجري في لبنان من أحاديث عن الفتنة ومن محاولة النيل من المقاومة اللبنانيّة الّتي أذلّت جيش الاحتلال الإسرائيلي؟! إنَّه «زمن إسرائيلي» ينتشر فيه وباء «الإسرائيليّات» وتقلّ فيه المضادات الحيويّة الفكريّة والسياسيّة، وتنتقل فيه العدوى سريعاً، ويُصاب به «بعض الأطبّاء» أحياناً فتجتمع العلّة في الطبيب والمريض معاً!! هذا «الوباء الإسرائيلي» لا يعرف حدوداً، كما هي دولة إسرائيل بلا حدود، وكما هم العاملون من أجلها في العالم كلّه. لكن المشكلة لم تكن ولن تكون في وجود «الوباء»، بل هي بانعدام الحصانة والمناعة، وفي انعدام الرّعاية الصحيّة الفكريّة والسياسية داخل الأوطان العربيّة وبلدان العالم الإسلامي، وفي الجهل المقيت بكيفيّة الوقاية والعلاج بل حتّى في رصد أعراض مرض الانقسامات الطائفية وسهولة انتشاره! فمن المهم أن يدرك أتباع أي طائفة أو مذهب أين تقف حدود الانتماء إلى طائفة، فلا نردّ على الحرمان من امتيازاتٍ سياسية واجتماعية، أو من أجل التمسّك بها، بتحرّكٍ يحرمنا من الوطن كلّه بل ربّما من الوجود على أرضه. وعلى الجميع أيضاً، تقع مسؤولية فهم ما يحصل بأسبابه وأبعاده السياسية، وليس عن طريق المعالجة الطائفية والمذهبية لتفسير كل حدثٍ أو قضية أو صراع. إن المعرفة السليمة لكل من جوهر الرسالات السماوية و«الهويّة العربية»، والعرض السليم لهما من قبل المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، سيساهم من دون شك في معالجة الانقسامات الطائفية والاثنية في المنطقة العربية. كذلك، فإنّ البناء الدستوري السليم الذي يحقّق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، هو السياج الأنجع لوحدة أي مجتمع. فالعطب أساساً هو في الأوضاع الدّاخليّة الّتي تسمح بحدوث التدخّل الخارجي، الإقليمي والدولي. إنّ البلاد العربيّة لا تختلف عن المجتمعات المعاصرة من حيث تركيبتها القائمة على التّعدّديّة في العقائد الدّينيّة والأصول الإثنيّة، وعلى وجود صراعات سياسيّة محليّة. لكن ما يميّز الحالة العربيّة هو حجم التّصدّع الداخلي في أمّة تختلف عن غيرها من الأمم بأنّها أرض الرّسالات السماويّة، وأرض الثروات الطّبيعيّة، وأرض الموقع الجغرافي المهم. وهذه الميزات الثلاث كافية لتجعل القوى الأجنبيّة تطمح دائماً للاستيلاء على هذه الأرض أو التحكّم بها والسّيطرة على مقدّراتها. إنّ إلقاء المسؤوليّة فقط على «الآخر» الأجنبي أو الإسرائيلي فيما حدث ويحدث في بلاد العرب من فتن وصراعات طائفيّة وأثنية هو تسليم بأنّ العرب جثّة هامدة يسهل تمزيقها إرباً دون أي حراك أو مقاومة. فإعفاء النّفس العربيّة من المسؤوليّة هو مغالطة كبيرة تساهم في خدمة الطّامعين بهذه الأمّة والعاملين على شرذمتها، كما أنّ عدم الاعتراف بالمسؤوليّة العربيّة المباشرة فيه تثبيت لعناصر الخلل والضّعف وللمفاهيم الّتي تغذّي الصّراعات والانقسامات، جيلاً بعد جيل. اقرأ لهذا الكاتب أيضا: http://www.alraimedia.com/Alrai/AuthorArticles.aspx?id=1369 *مدير « مركز الحوار العربي » في واشنطن Sobhi@alhewar.com

<



صالح النعامي  
شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل مزيدًا من التوتر في أعقاب صدور تقرير الأمم المتحدة المتعلق بأحداث أسطول الحرية، والذي أُطلق عليه تقرير « بلمار »، بعدما أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو رفضها المطلق لتقديم اعتذار لأنقرة على قيام الجنود الإسرائيليين بقتل تسعة من نشطاء السلام الأتراك الذين كانوا على متن السفينة « مرمرة  » التركية التي شاركت في أسطول الحرية، أواخر مايو 2010. لقد توقَّعت إسرائيل تصعيدًا تركيًّا في أعقاب صدور التقرير الأممي الذي خذل تركيا وفلسطين بإضفائه شرعية على الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، لكنَّ قليلين في إسرائيل توقَّعوا أن تصل الأمور إلى حد طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وتجميد أشكال التعاون الأمني مع إسرائيل، وما زاد تعقيد الأمور بالنسبة لإسرائيل هو تشديد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو على أن الخطوات العقابية التركية تمثل خطوة أولى في سلسلة من الخطوات العقابية ضد تل أبيب. وعلى الرغم من أن تقرير الأمم المتحدة شرَّع الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أنه في المقابل شدد على أن الجيش الإسرائيلي استخدم القوة المفرطة وغير المتكافئة في السيطرة على « أسطول الحرية »، مما أدى إلى وقوع العدد الكبير من الضحايا في الجانب التركي، وهذا ما يساعد تركيا على رفع دعاوى قانونية في المحافل القضائية الدولية ضد القادة والجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في الهجوم على « مرمرة ». لكن أكثر ما تخشاه إسرائيل هو أن تكون الخطوات العقابية التركية فاتحةً لسلسلة من الإجراءات الأكثر شدة؛ حيث إنه بإمكان تركيا القيام بخطوات تسبب أذًى كبيرًا لإسرائيل، لاسيما في ظل التحولات الهائلة التي تشهدها المنطقة العربية حاليًا. لكن ومع ذلك فإن هناك في إسرائيل من يراهن على أن تركيا ستتريث طويلًا قبل الإقدام على خطواتها اللاحقة، ويطرح هؤلاء المتفائلون أربعة أسباب تبرر هذا الرهان: أولاً: تنطلق الاستراتيجية التركية من افتراض مفاده أنه يتوجب مواصلة لعب دور إقليمي نشط وفعَّال، وتحقيق هذا الهدف يتوقف على قدرة أنقرة على بناء علاقات قوية مع مختلف القوى الإقليمية في المنطقة. وقد نجحت هذه الاستراتيجية عندما تمكنت أنقرة من إقامة علاقات قوية مع كل من سوريا وإيران ومصر ودول الخليج والعراق. ويرون في إسرائيل أن أنقرة وظفت لهجتها الصارمة ضد إسرائيل لتحقيق اختراقات في الساحات العربية المختلفة. لكن في أعقاب تفجر الثورة السورية، وإخفاق أنقرة التام في التأثير على مسار الأحداث هناك، وما تبع ذلك من تدهور في العلاقات مع طهران، فإن الدور التركي تراجع إلى حد كبير. ويرون في تل أبيب أن التحسن في العلاقات التركية المصرية مضلل إلى حد كبير، حيث إن كلًّا من القاهرة وأنقرة تتنافسان على لعب الدور الإقليمي نفسه. من هنا فإن الأوساط الإسرائيلية ترى أن تركيا ستكون مضطرة لتحسين علاقاتها مع إسرائيل من أجل تمكينها من استعادة قدرتها على لعب الدور الإقليمي الذي تراهن عليه في تحقيق مصالحها المختلفة. ثانيًا: ترى المحافل الإسرائيلية أن الولايات المتحدة لا يمكنها التسليم بمواصلة التوتر في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، حيث إن كلًّا منهما يعتبر حليفًا استراتيجيًا هامًا للولايات المتحدة، وتخشى واشنطن أن تمثل هذه الأزمة مصدرًا من مصادر تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، لاسيما عشية الانسحاب الأمريكي النهائي من العراق، وبَدْء الانسحاب من أفغانستان. علاوة على أنَّ تواصل التوتر بين الجانبين يمكن أن يشكل بحد ذاته مصدرًا من مصادر التوتر في المنطقة، ويعزز فرص حدوث مزيد من التدهور في الإقليم. من هنا فإن هذه المحافل تأمل أن تمارس الإدارة الأمريكية أكبر قدر من الضغط على أردوغان لتسوية الأزمة مع إسرائيل. ثالثًا: هناك في إسرائيل من يرى أن حكومة نتنياهو تمكَّنت من إيجاد بدائل استراتيجية لتركيا، حيث إن دول البلقان –وتحديدًا اليونان– عدو تركيا اللدود، أصبحت تتنافس على التقرب من إسرائيل في أعقاب التوتر في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب. فعندما توقفت تركيا عن السماح لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي بالتدريب في الأجواء التركية، سارعت اليونان ورومانيا والتشيك بفتح أجوائها أمام سلاح الجو الإسرائيلي. وبالتالي فإن الكثير من المحافل الإسرائيلية تراهن على أن إدراك أنقرة قدرة تل أبيب على تدبير شؤونها عبر نسج تحالفات بديلة سيجبر حكومة أردوغان على التراجع. رابعًا: هناك من يزعم في إسرائيل أن قرار أنقرة تجميد التعاون الأمني لا دلالة له، على اعتبار أن أنقرة قد امتنعت بالفعل منذ أكثر من عام عن عقد أي صفقات سلاح مع إسرائيل، علاوة على أن التعاون الاستخباري قد تراجع إلى حد كبير بين الجانبين منذ أكثر من عام. وفي المقابل فإن حكومة أردوغان لم تتعرض للعلاقات الاقتصادية، حيث إن التبادل التجاري يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات سنويًّا. من هنا، فإن إسرائيل ترى أنه يتوجب محاولة احتواء الغضب التركي دون تقديم أي تنازل جدي، فمن ناحية يواصل الخطاب الرسمي الإسرائيلي التشديد على أهمية العلاقات بين إسرائيل وتركيا وحرص تل أبيب على إخراجها من المأزق الحالي، وفي الوقت نفسه تصر حكومة نتنياهو على عدم تقديم أي شكل من أشكال الاعتذار لأنقرة. لكن من الواضح أن القراءة الإسرائيلية لا تعبِّر عن حقيقة الأمور، ففقط العنجهية الإسرائيلية هي التي تدفع للاعتقاد بأن الدور الإقليمي لتركيا يمكن أن يمرَّ بالبوابة الإسرائيلية، حيث إن التطورات المتلاحقة في المنطقة ستفتح في المستقبل المزيد من الفرص أمام تركيا وليس العكس، علاوة على أن الولايات المتحدة سبق لها أن مارست أكبر قدر من الضغوط دون نجاح يُذكر في دفع أنقرة إلى التراجع. (المصدر: موقع البشير للأخبار بتاريخ 4 سبتمبر 2011)

<



علي بدوان دور إيجابي ولكن جنت على نفسها براقش الإرث السلبي الكبير حتى لا يتكرر السيناريو العراقي مما لا شك فيه أن ليبيا باتت الآن أمام منعطف جديد مع انهيار نظام العقيد معمر القذافي، ومواصلة قوات المجلس الانتقالي السيطرة على آخر الجيوب التي توالي وتناصر القذافي والموجودة حول مدينة سرت وداخلها أو في جيوب محدودة في الجنوب بالقرب من مدينة سبها الصحراوية. ومما لا شك فيه أيضاً، أن قرب انتهاء المرحلة الأساسية الأولى للصراع هناك، المتمثلة بإنهاء حكم ونظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، باتت تفترض الآن وضع تصور عام لما ستؤول إليه الأمور بعد سيطرة المجلس الانتقالي وتتالي الاعترافات الدولية والعربية به باعتباره الجهة المعنية والمسؤولة في ليبيا بعد انتهاء حكم النظام المتلاشي. فكيف تحولت واستدارت الأمور في ليبيا بسقوط النظام صاحب الشعارات القومية؟ وما هي أبرز القضايا الأساسية المفترضة على طاولة الحل في ليبيا بعد انهيار الحكم البائد فيها من زاويتها السياسية وغير السياسية؟ وماذا ينتظر الشعب الليبي في ليبيا ما بعد القذافي؟ دور إيجابي ولكن  » لمسات ليبيا ونظام القذافي كانت إيجابية على الفلسطينيين وعلى المقاومة الفلسطينية طوال فترة السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات, لكن لا يعني ذلك أن العلاقات الليبية الفلسطينية كانت ممتازة على الدوام  » في البداية، ومن موقع الإنصاف والموضوعية والأمانة التاريخية، لا بد أن نشير إلى أن لمسات ليبيا ونظام القذافي كانت إيجابية على الفلسطينيين وعلى المقاومة الفلسطينية طوال فترة السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي بشكل عام (حتى وإن ترافقت مع تلك الفترة ممارسات معينة من قبل القذافي تجاه بعض الفصائل الفلسطينية، وقد أدرجت تلك الممارسات تحت عنوان غرابة أطوار في سلوك القذافي)، حيث قدمت ليبيا القذافي دعماً هاماً لا يمكن تجاهله لعموم القوى الفدائية الفلسطينية من أموال وعتاد دون استثناء من حركة فتح إلى الجبهة الشعبية-القيادة العامة وما بينهما. وليس سراً القول إن أول صاروخ كاتيوشا من نوع غراد سقط على شمال فلسطين المحتلة عام 1948(على مدينة نهاريا على سبيل المثال) من جنوب لبنان كان مصدره ليبيا، كما أن أول قذيفة مدفعية من عيار 130 ملم أطلقت على شمال فلسطين من قبل قوات المقاومة الفلسطينية كان مصدرها ليبيا. إن هذا الإطراء لا يعني البتة أن العلاقات الليبية الفلسطينية كانت ممتازة على الدوام، بل اعترتها في مراحل كثيرة مشاكل معينة، وقد وصلت في أحلك ظروفها إبان الانقسام الفلسطيني عام 1983 حين اتخذت ليبيا موقفاً واضحاً ميدانياً وعلى الأرض من خلال الدعم المادي واللوجستي لأحد طرفي الانشقاق في الساحة الفلسطينية و »تحت شعارات ثورية » مما أسهم في إطالة عمر الانقسام والانشقاق، وكبد الفلسطينيين خسائر باهظة كانوا في غنى عنها حيث سالت الدماء أثناء المعارك الطاحنة التي دارت بين مختلف الأطراف الفلسطينية في سهل البقاع وبعلبك وشمال لبنان صيف العام 1983. أما في العقدين الأخيرين، وتحديداً بعد انهيار التوازن الدولي عام 1990 وتفكك الاتحاد السوفياتي، فقد بدأت عملياً الاستدارة الليبية في السياسات الخارجية، حين حاول العقيد معمر القذافي التقاط المتغيرات الدولية، فعمل على التخلص من تحالفاته السابقة والانفتاح على الغرب، وقد قام بخطوات معينة، منها تقليص الوجود الفصائلي لقوى منظمة التحرير الفلسطينية، التي رحلت آخر معسكراتها ومواقعها التدريبية من فوق الأرض الليبية، واقتصر وجودها منذ العام 1992 على العمل السياسي التمثيلي وبحدود ضيقة وتحت عنوان مكتب منظمة التحرير الفلسطينية (أو سفارة فلسطين). جنت على نفسها براقش إن هذه اللمحات السريعة والمختزلة في الانتقال والاستدارة الليبية في سياسات العقيد القذافي، تؤشر في جانب هام منها على محاولته -ومنذ انهيار التوازن- إعادة بناء علاقاته السياسية الخارجية مع مختلف الأطراف الدولية النافذة، وقد تتالى مسلسل تلك المحاولات من دفع التعويضات المالية الفلكية كتعويضات على حادثة طائرة لوكيربي التابعة لخطوط بان أميركان، وهي الحادثة التي ما زالت غير مثبتة ومؤكدة مائة بالمائة على القذافي (كانت وما زالت تهمة جوالة)، وصولاً إلى تسليم القذافي برنامجه النووي. وانتهت جهود القذافي لترطيب علاقاته مع الغرب بتبنيه خطاً حاول فيه الابتعاد عن روح الصدام مع الغرب والولايات المتحدة، وتقرب من خلاله إلى بعض خصومه الأوروبيين السابقين، وقدم لهم رشوات مالية ضخمة لتمويل حملاتهم الانتخابية في بلدانهم، هذا ما حصل مع ساركوزي ومع الرئيس الإيطالي برلسكوني الذي سُجلت له صور مخزية في تزلفه للعقيد القذافي قبل أقل من عامين. ولكن، ومع هذا، فإن كل محاولات القذافي لإعادة بناء علاقاته مع الغرب باءت بالفشل، ليس بسبب الموقف الغربي المضمر منه فقط، بل بسبب سياساته الداخلية أيضا عبر إهماله بناء المؤسسات المعاصرة القادرة على قيادة البلد، وإحلاله لما تسمى « اللجان الثورية » الهلامية مكان الهيئات التشريعية، التي باتت أثناء حكم القذافي تصول وتجول في أمر العباد، وقد ارتكبت مجزرة سجن بوسليم التي ذهب ضحيتها أكثر من ألف مواطن ليبي قبل خمسة عشر عاما مضى.  » قادت سلوكيات القذافي البلاد نحو الهاوية، وأطاحت به ممارساته التي لم يعد ممكناً القبول بها في زمن باتت فيه إرادة الشعوب أقوى أكثر من أي وقت مضى  » عدا عن تحويله ليبيا ذات المساحات الكبيرة والثروات الهائلة إلى إقطاعية خاصة به وبأولاده، الذين بزوا المجانين بحماقاتهم خاصة منهم المدعو سيف الإسلام القذافي. وقد تابع القذافي خطاه تلك إلى درجة أبعد فيها كل القيادات التاريخية المعروفة التي قادت معه انقلاب الفاتح عام 1969، وعلى رٍأسهم أشخاص مثل عبد السلام جلود ومصطفى الخروبي وأبو بكر يونس جابر.. إلخ، وقد نأى كل واحد منهم عن التورط في الوضع الليبي الأخير. وهذا « فقد جنت على نفسها براقش » على حد تعبير المثل الشعبي المتداول في بلاد الشام، فقد قادت سلوكيات القذافي البلاد نحو الهاوية، وقد أطاحت به تلك الممارسات التي لم يعد ممكناً القبول بها في زمن باتت فيه إرادة الشعوب أقوى أكثر من أي وقت مضى. الإرث السلبي الكبير وعليه، يمكن القول إن الإرث السلبي الكبير للحالة التالية في ليبيا سيكون مخيماً على الوضع في البلاد، نظراً لحالة التهشيم والتحطيم التي تعرضت لها مؤسسات الدولة في ليبيا منذ سيطرة القذافي على سلطة القرار في سبتمبر/أيلول 1969، حين حوّل ليبيا بأكملها من دولة الشعب إلى دولة العقيد، حيث تم إحلال المؤسسات بدلاً من تطويرها، ليحل مكانها شعار « اللجان في كل مكان » وما تسمى باللجان الثورية، التي كانت شكلاً هشاً هلامياً وكاركاتيرياً مضحكاً ومثيراً للسخرية، شكلاً مسخ وجود الناس ومواقفهم، وجعل منهم أتباعا عميانا وراء قائد وهمي مفترض، فيما غابت المؤسسات الديمقراطية الفعلية وغاب معها المبدأ الأساسي المتمثل في الانتخابات وحرية اختيار ممثلي الشعب، حيث لم تشهد ليبيا منذ تولي القذافي سلطته أي عملية ديمقراطية حقيقية لانتخابات برلمانية أو غيرها في عموم ليبيا. وفي هذا المقام، إن أمام السلطات الجديدة في ليبيا مهام جسيمة قد تكون أصعب وأقسى من المرحلة التي سبقت إسقاط نظام القذافي، فالوضع الليبي يموج أمام مرحلة انتقالية غاية في الصعوبة بسبب هذا الإرث المتراكم من الأخطاء والمطبات والعثرات ذات البعد الإستراتيجي التي أوقع فيها نظام القذافي ليبيا على مدار العقود الماضية من وجوده على رأس القرار والسلطة. إن التحدي الأول أمام ليبيا والمجلس الانتقالي يتمثل في تحديد فترة انتقالية (يجب أن تكون قصيرة زمنياً) يتم من خلالها إعادة بناء الدستور الليبي، وفتح الطريق أمام انتخابات برلمانية حقيقية، وبالتالي السير نحو بناء مؤسسات الدولة العصرية وإحلال الدمقرطة في حياة الناس وإدارة شؤون البلد، والتخلص من إرث الفرد والعائلة والقبيلة وهو الإرث الذي كرسه العقيد القذافي، خصوصاً في سنواته الأخيرة، دون إقصاء النخبة الليبية التي اضطرت للتعامل مع نظام القذافي، والاستفادة من قدراتها وخبراتها المتراكمة. كما تأتي مهمة بناء الاقتصاد الليبي، وبناء ليبيا، بعد الدمار الذي لحق بها، والانتباه لأطماع بعض الدول الكبرى التي بدأ لعابها يسيل من أجل الاستحواذ على القسم الأكبر من فاتورة إعادة بناء وإعمار ليبيا، وهي تنظر بشغف إلى ثروات ليبيا ونفطها وغازها، ولا ترى غضاضة في رهن النفط الليبي لسنوات طويلة قادمة لصالح « إعادة الإعمار ». فالناتو ليس جمعية خيرية أو جمعية للبر والإحسان، وما كان له ليأتي إلى ليبيا إلا ولغة المصالح هي المحركة له، في جانبها السياسي للخلاص من نظام القذافي ولسبب اقتصادي يسيل له اللعاب.  » الإفراج عن الأموال والأرصدة الليبية المجمدة في البنوك الغربية أمر لا بد منه، فهي حق من حقوق الشعب الليبي، وعلى المجلس الانتقالي العمل على تحريرها  » إن الخسائر التي لحقت بليبيا وشعبها كبيرة جداً جداً، ولا يمكن اقتصارها على الجانب السياسي، بل هناك الجانب الاقتصادي الهام، فقد تحولت عشرات المؤسسات في ليبيا إلى كومة من الحطب أو إلى كومة من الخردة، نتيجة المعارك التي دارت ونتيجة القصف الجوي لقوات الناتو. وفي هذا المقام، فإن الإفراج عن الأموال والأرصدة الليبية المجمدة في البنوك الغربية أمر لا بد منه، فهي حق من حقوق الشعب الليبي، وعلى المجلس الانتقالي العمل على تحريرها حتى تكون في خدمة إعادة بناء ليبيا، لا أن تذهب هدراً أو أن تصبح في عالم الغيب والضياع. حتى لا يتكرر السيناريو العراقي إن تحدي الاستقرار الأمني يمثل التحدي الأكبر أمام المجلس الانتقالي الليبي، فالسيناريو العراقي يجب أن لا يتكرر، وعلى الشعب الليبي أن يعي الدرس جيداً من غيره، فالعراق ما زال يئن تحت وطأة ما بعد الاحتلال، وقد دفع تدهور الأوضاع الأمنية قطاعات واسعة من السكان للترحم على زمن الرئيس الراحل صدام حسين. إن نعمة الأمن يجب أن تتوفر فوراً حتى يمكن الانتقال إلى إنجاز باقي المهام المطلوبة والعودة بليبيا إلى الاستقرار وإلى دورها المرجو منها باعتبارها من الدول العربية الكبرى من حيث المساحة ومن حيث الثروات. وكلما تأخر استتباب الأمن تفاعلت التحديات وتأخر انطلاق برنامج إعادة البناء الاقتصادي والمؤسساتي. ومن هنا، ضرورة التنبه للخصوصية الملازمة للوضع الليبي، في بلد نمت وترعرعت فيه في السنوات الأخيرة النزعات القبلية والعشائرية، وهو أمر يساعد ويهيئ التربة الخصبة لحدوث بعض الاضطرابات الأمنية خصوصاً وأن المعلومات تشير إلى أن هناك مقاتلين متطوعين في صفوف قوات المجلس الانتقالي متعددو الولاءات والقيادات، وأن هناك خمسة أطراف موجودة الآن في ليبيا، وهي ليبراليو المجلس الانتقالي، وقبليو المجالس المحلية، وتحالف ثورة 17 فبراير، والإسلاميون بمختلف تياراتهم، وأخيرا رجال وجمهور العهد السابق ولو كان حضورهم متواضعا.  » لجم الاضطرابات المتوقعة مرهون إلى حد كبير جدا بقدرة المجلس الانتقالي على التصرف بحكمة، والابتعاد عن منطق الثأر وعن التحامل في التعامل مع أنصار القذافي  » إن لجم تلك الاضطرابات المتوقعة حال حدوثها مرهون إلى حد كبير جدا بقدرة المجلس الانتقالي على التصرف بحكمة، والابتعاد عن منطق الثأر وعن التحامل في التعامل مع أنصار القذافي الذين سيبقى لهم حضور ما في المجتمع الليبي بشكل أو بآخر. كذلك لا بد من العمل السريع من أجل تعميم سيادة روح القانون وتطبيقه على الجميع، ومنع أي ظواهر عسكرة أو نمو مجموعات مسلحة أو مليشيات تصب لصالح طرف أو لصالح اتجاه فكري أو سياسي ليبي. وإبعاد السلاح عن إدارة الشأن الليبي الداخلي. فالمجلس الانتقالي معني بالحفاظ على التوازن بين قيادة عملية سياسية وطنية ودولية والقدرة على التوجيه العام داخل البلد، ومراعاة التوازنات القبلية في ليبيا واستيعابها في النظام الجديد ومعالجة الاختلالات الناتجة عن سياسات التقريب والإقصاء التي اتبعها القذافي للحفاظ على سلطته. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 4 سبتمبر 2011)

<



غازي دحمان تركيا.. إنقاذ النظام الخليج العربي.. إنقاذ الدولة والمجتمع الغرب.. حسابات إستراتيجية
مع استمرار وتيرة تصاعد حدة الأزمة في سوريا، ووصولها إلى ما تصفه الأدبيات السياسية بـ »الأفق المسدود »، ظهرت على سطح الأزمة جملة من الرؤى والتصورات السياسية التي تهدف إلى إيجاد مخارج آمنة لهذه الأزمة، في محاولة لتجنيب سوريا، الدولة والمجتمع، الانزلاق إلى سيناريوهات خطرة قدرتها جهات الاختصاص في المستويين الإقليمي والدولي، وذلك في ظل بيئة داخلية وإقليمية رخوة وهشة. وقد تباينت مستويات الحلول في تلك الرؤى ومداها، انطلاقا من مواقع الجهات الصادرة عنها وطبيعة مصالحها، الأمر الذي انعكس بدوره في هذه الرؤى المستقبلية للأزمة وسبل الخروج منها. تركيا.. إنقاذ النظام سوف يسجل تاريخ الأزمة السورية أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أغلو، وبتفكيره الإستراتيجي العميق، كان من بين القلائل الذين قرؤوا آفاق الحدث السوري ووصلوا باكراً إلى طرح مخرجات سياسية تتفق وحجم الأزمة وطبيعتها، فقد دعا أوغلو إلى العلاج بالصدمة للخروج من أتون أزمة هي في الواقع أكبر بكثير من قدرة الذهنية الأمنية السورية على التعاطي مع استحقاقاتها، انطلاقا من الخبرة التاريخية لهذه الذهنية في التعامل مع أزمات سابقة، واقتصرت العلاجات حينها على الحلول الأمنية وحدها، وكأن أوغلو أراد إراحة سوريا من مخاض عسير لا تزال تتخبط في ثناياه. حينها، لم يكشف أوغلو عن تفاصيل وصفته، وقد يكون ذلك قد حصل عبر الرسائل السرية المتبادلة بين قيادة البلدين، إلا أن التقديرات الدبلوماسية رأت أن وصفة العلاج بالصدمة لا بد أن يكون الوزير التركي قد استشف بنودها من واقع الأزمة وحيثياتها، وهي في هذه الحالة تنطلق من تفكيك أساسات الأزمة، بما فيها بنى أمنية متخلفة وقاهرة، وحالة سياسية عاطلة عن العمل، وواقع اقتصادي لم ينتج سوى الحرمان والبؤس.  » يتطلب العلاج بالصدمة الذي دعا إليه أوغلو قيام الرئيس بشار الأسد بالتخلي عن الدوائر الأمنية المحيطة به، وتقديم رؤوسها إلى المحاكمة والمساءلة، وإعادة بناء الحياة السياسية عبر التخلي عن احتكار البعث للسلطة  » وبمعنى من المعاني، يتطلب العلاج بالصدمة قيام الرئيس بشار الأسد بالتخلي عن الدوائر الأمنية المحيطة به، والأكثر من ذلك تقديم رؤوسها إلى المحاكمة والمساءلة، وإعادة بناء الحياة السياسية في سوريا عبر التخلي عن احتكار البعث للسلطة، والبدء بالعمل بنظام اقتصادي يحقق مصالح الشعب ولا تكون عوائده لفئة محددة وصل بها الابتذال والفجور إلى حدود الاستفزاز القاتل. لا شك أن هذا النمط من العلاجات يتطلب الإقدام على تضحيات كبيرة من النظام، قد تكلفه التخلي عن مراكز قوة مهمة فيه، كما أنها تحرمه من أوضاع وامتيازات أسسها عبر عقود لنفسه، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بسذاجة مثل هذا الطرح. فمن غير المتوقع أن يقبل أي نظام بإضعاف نفسه وتعريض بنيته للخطر، لكن في المقابل، يجب التوقع بأن العرض التركي قد حمل الكثير من الضمانات للنظام السوري، ولعل من أهمها إعادة تموضع هذا النظام في البنية السورية بطريقة أكثر عصرية وتحقق له الشرعية الداخلية والخارجية، كما تمنحه فرصة إعادة صياغة الحياة السياسية في سوريا وضمان وجوده كمكون له وزنه في هذه الصياغة، إضافة إلى إمكانية عودته كفاعل إقليمي مهم. غير أن ثمة من لاحظ في الإستراتيجية التركية تجاه الأزمة السورية بعداً منفعياً أملته الحسابات المصلحية لأنقرة، ولعل من ضمن أهم هذه الحسابات خيار التعامل مع نظام ضعيف في الجارة الجنوبية يتكون من توليفة سياسية بعثية إسلامية تكون تركيا مرجعيته، وهو نظام شبيه بالنظام اللبناني في تسعينيات القرن الماضي وعلاقته بسوريا, وهذه مسألة حساسة بالنسبة لتركيا التي لها مصالح كبيرة في سوريا، كما تشتبك معها في العديد من الملفات (النائمة) والتي يهدد فتحها مستقبل العلاقات بين البلدين (مياه الفرات، لواء إسكندرونة). والواقع أن هذا الخيار ليس مستجدا في العلاقة بين الطرفين ولا يشكل قطوعاً في سياقها الذي يمتد من اتفاقية أضنة، حيث كانت تركيا تفضل على الدوام نظاماً ضعيفاً، بل إن ضعفه شكل علاقة طردية مع عملية تحسين العلاقات معه. الخليج العربي.. إنقاذ الدولة والمجتمع مثّل موقف دول الخليج العربي طليعة موقف عربي، طالما رغب فيه الشارع السوري وتمناه، وكانت النذر الأولى لهذا الموقف قد ظهرت في الموقف القطري المنزعج من حالة القمع الرهيبة التي تمارسها السلطات السورية تجاه مجتمعها، وقد وجد الموقف القطري من هجوم فرق « الشبيحة » على السفارة في دمشق، احتجاجا على تغطية قناة الجزيرة المنحازة للسوريين وتلاقي تغطيتها مصداقية كبيرة بينهم، ذريعة للخروج من حالة الصمت العربي المديدة والمحرجة. وقد توج الموقف الخليجي بدعوة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز السلطات السورية إلى وقف إراقة الدماء وتخيير القيادة السورية بين الفوضى أو الاستقرار، كما صدرت عن الدول الخليجية مواقف ضاغطة على النظام السوري تمثلت باستدعاء سفرائها للتشاور، وكذلك تأييدها إرسال لجنة لحقوق الإنسان للوقوف على الأوضاع في سوريا.  » الموقف الخليجي، وكما تعبر عنه التصريحات السياسية، يحاول الموازنة بين تطلعات المجتمع السوري للإصلاح والتغيير، وإنقاذ الدولة السورية من التفكك والضياع  » ويرجع المراقبون الموقف الخليجي إلى عاملين أساسيين: 1- الضغط الشعبي الكبير الذي تعرضت له قيادات دول مجلس التعاون الخليجي والمتعاطف مع الثورة السورية، لدرجة يرى فيها المراقبون أن الموقف السياسي بدا متأخراً كثيراً عن موقف الشارع الخليجي وأكثر اعتدلا، وكان ملاحظا مدى تفاعل الشارع الخليجي مع الحدث السوري والذي عكست وسائل الإعلام جزءاً منه عبر المظاهرات والاحتجاجات فضلاً عن الفعاليات المناصرة للشعب السوري في أكثر من عاصمة خليجية. 2- العامل الثاني: خوف دول الخليج من انزلاق الحدث السوري إلى مخاطر تفكك الدولة والمجتمع، حيث استشفت القيادات السياسية الخليجية في الأسلوب المتطرف للسلطات السورية في التعامل مع الأزمة نذر خطر تحدق بسوريا (الدولة والمجتمع)، وهو ما دفعها إلى الخروج عن حالة الصمت القسرية، وخاصة وأن النظام السوري كان ومنذ بداية الحدث قد وضع قاعدة محددة للتعاطي الخارجي والعربي مع الأزمة، إما معنا وإما ضدنا، واتهم عناصر خليجية صراحة بـ »التآمر » على سوريا. وعلى الرغم من أن البعض يأخذ على الموقف الخليجي بقاءه في دائرة التصريحات واكتفاءه بذلك وعدم ترجمة هذا الموقف إلى حالة عملياتية تشبه موقفه من الأزمة الليبية، فإن الواضح أن دول الخليج لا تزال تتعامل بحذر مع الأزمة، وسبب هذا الحذر يعود إلى تعقيدات الأزمة السورية واحتمالية بلوغها أطواراً خطرة، وبالتالي فإن الموقف الخليجي، وكما تعبر عنه التصريحات السياسية، يحاول الموازنة بين تطلعات المجتمع السوري للإصلاح والتغيير، وإنقاذ الدولة السورية من التفكك والضياع. الغرب.. حسابات إستراتيجية اتسم الموقف الغربي، وفي القلب منه موقف الولايات المتحدة الأميركية، بالتردد والحذر، وسبب ذلك راجع إلى الحسابات الإستراتيجية الغربية للموقع السوري وأهميته الإستراتيجية إقليمياً ودولياً والدور السوري المتشابك مع الكثير من الملفات الشائكة والحساسة، وقد بدا منذ بداية الأزمة أن التقديرات الأميركية ترى أن من شأن عدم الاستقرار في سوريا أن تمتد تداعياته إلى دول الجوار، لذا فإن تغيير النظام يعد أمراً غير مرغوب فيه لأنه سيحدث تغييراً في المعطيات السياسية الراهنة في المنطقة وعلاقات القوى فيها. وقد ظل الموقف الغربي عموماً متأثراً بحزمة من المعطيات المتوفرة عن الحالة السورية، من نوع عدم وجود بدائل أخرى متاحة للنظام في ظل الفسيفساء الدينية والمذهبية والعرقية التي تحكم المجتمع السوري وتركيبة الجيش السوري، وهو ما دفع مرحلياً إلى تبني موقف وسط يسمح بأقصى قدر من المرونة في الحركة السياسية، عبر دعوة الرئيس بشار الأسد إلى قيادة حركة الإصلاح.  » تصاعد الأزمة السورية دفع بالتقديرات الغربية إلى الانتقال إلى نمط آخر من التعاطي يتمثل بدعوة الأسد إلى التنحي، في مسعى يبدو الهدف الأساسي منه محاصرة تداعيات الأزمة بالمنطقة  » غير أن تصاعد حدة التوتر في الأزمة السورية دفع بالتقديرات الغربية إلى مكان آخر، حيث راحت ترى في استمرار معالجة النظام للأزمة بالطريقة العنيفة التي يتبعها من شأنه أخذ المنطقة كلها إلى الفوضى، وخاصة بعد صدور مؤشرات على ذلك في لبنان والعراق وبعض الدول الخليجية، الأمر الذي من شأنه الإضرار بشبكة المصالح الإستراتيجية للغرب في المنطقة كلها، وهو ما دفع إلى الانتقال إلى نمط آخر من التعاطي مع الأزمة السورية يتمثل بدعوة الرئيس الأسد إلى التنحي عن السلطة، وذلك في مسعى يبدو الهدف الأساسي منه محاصرة تداعيات الأزمة وعدم تمددها إلى المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة في التقدير الغربي. لا شك أن الأزمة السورية، ورغم حزمة الأطروحات ومخارج الحلول المقترحة، لا تزال تتفاعل، وهي مرشحة للدخول في أطوار جديدة، يصعب التكهن بمعرفة أنماطها وطبيعة المخاطر الكامنة فيها، وعليه فإن المواقف الإقليمية والدولية مرشحة للتطور انسجاما مع الوقائع التي ستفرضها تلك التطورات، وإن كان الشارع السوري يبدو أميل لحل عربي، يتقاطع كثيرا مع المقاربة الخليجية للأزمة. ورغم أن الخبرة التاريخية لا تدعو إلى التفاؤل بموقف عربي حازم، فإن ممكنات هذا الحل لا تزال في نظر السوريين واعدة، حتى لو أخذت المقاربات طابعاً غير تقليدي في طريقة تعامل النظام العربي مع أزماته الداخلية. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 4 سبتمبر 2011)

<



مركز الجزيرة للدراسات مرت الثورة السورية، من زاوية توازن القوة بين النظام والحركة الشعبية، بثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، التي استمرت من اندلاع التظاهرات المحدودة في منتصف مارس/ آذار إلى بداية يونيو/حزيران، كانت المبادرة الأمنية والسياسية لم تزل في يد النظام، لكنه لم يرتفع إلى مستوى التحدي، وجر خطواته الإصلاحية جراً، دافعاً الجيش إلى ساحة المواجهة، مما جعله يخسر قطاعات متزايدة من الشعب. في المرحلة الثانية، التي استمرت من اقتحام حماة الأول في مطلع يونيو/حزيران إلى بداية شهر رمضان في مطلع أغسطس/آب، بدا المشهد متعادلاً. ألقى النظام بكل قواه لقمع الحركة الشعبية، بينما انتشرت المظاهرات الاحتجاجية في كافة أنحاء البلاد، وغدت أضخم حجماً، وأكثر تنظيماً. في المرحلة الثالثة، لم يعد ثمة شك في أن النظام، بالرغم من مستوى العنف الوحشي الذي استخدمه طوال شهور، بات عاجزاً عن احتواء الحراك الشعبي. أصبحت المظاهرات طقساً استغرق كل أيام وأمسيات شهر رمضان، ولم تعد تخضع لجداول زمنية. وفي موازاة تدهور حظوظ النظام الداخلية، تدهورت حظوظه الخارجية، في المحيط العربي، وعلى صعيد علاقاته بتركيا، وعلى المستوى الدولي. الآن، ومع اقتراب الثورة السورية من اختتام شهرها السادس، تتزايد احتمالات تحول الثورة إلى حركة مسلحة، فعزلة النظام الإقليمية والدولية يتسع نطاقها، وسورية تقترب أكثر من ذي قبل من منعطف التدخل الخارجي. تفاقم مأزق النظام: دائرة العنف المغلقة خيارات القوى الدولية: انحسار البدائل السلمية اقتراب التدخل الخارجي مخاطر ما بعد رحيل الأسد تفاقم مأزق النظام: دائرة العنف المغلقة  » الحقيقة، أن الثورة السورية انطلقت سلمية، واستمرت سلمية لأشهر طوال، ليس لعجز السوريين عن الحصول على السلاح (المتوفر في سورية، كما في بلدان عربية أخرى)، وإنما لوعي النشطين السوريين بضرورة الحفاظ على سلمية الثورة. ولكن الملاحظ في الأسابيع القليلة الماضية أن هناك توجهاً متزايداً، وإن كان بطيئا، لحمل السلاح واستخدامه ضد قوات النظام وعناصره الأمنية  » خلال الشهور الأولى من اندلاع الحركة الاحتجاجية، لم يكن النظام مضطراً لمواجهة التظاهرات بمستوى العنف الحاد الذي واجهها به لاحقا. وقد أصبح وقف حملة القمع الهائلة شرطاً مسبقا لكل من اعتقد، سواء بين أحزاب وشخصيات المعارضة أو بين القوى الإقليمية والدولية، أن بالإمكان التوصل إلى انتقال سلمي وتدريجي إلى نظام سياسي حر وتعددي وديمقراطي. ولكن النظام لم يتراجع عن سياسية المغالبة الوحشية، بينما كان يتقدم بوعود لأطراف مختلفة بانسحاب قوات الجيش من المدن وإعادتها إلى معسكراتها؛ وهو الأمر الذي سرعان ما قوض مصداقية النظام ورئيسه. لوهلة ما، لم يكن حتى واضحاً ما إن كان النظام يدرك حجم التحدي الذي يواجهه، أو جدوى وعواقب التصدي للتظاهرات السلمية بقوات الأمن والجيش المسلحة. لتبرير حملته القمعية، سارع النظام منذ الأسابيع الأولى للحركة الشعبية إلى ترويج مقولة العصابات المسلحة، السلفية والإرهابية، التي تعتدي على أمن المواطنين والبلاد. الحقيقة، أن الثورة السورية انطلقت سلمية، واستمرت سلمية لأشهر طوال، ليس لعجز السوريين عن الحصول على السلاح (المتوفر في سورية، كما في بلدان عربية أخرى)، وإنما لوعي النشطين السوريين بضرورة الحفاظ على سلمية الثورة. ولكن الملاحظ في الأسابيع القليلة الماضية أن هناك توجهاً متزايداً، وإن كان بطيئا، لحمل السلاح واستخدامه ضد قوات النظام وعناصره الأمنية. وتنقسم المجموعات المسلحة إلى فئتين رئيسيتين: الأولى، وتضم مجموعات صغيرة، لاسيما في شمال البلاد وفي منطقة الحدود السورية – اللبنانية، لجأت إلى استخدام السلاح في رد فعل على تصاعد أعداد الضحايا في أوساط المدنيين وعلى استمرار حملة القمع الوحشية. ليس ثمة من دليل على أن هذه المجموعات ترتبط بأي إطار تنظيمي، أو أنها ولدت من حركة أو تيار سياسي ما. أما الفئة الثانية، فتضم مجموعات متزايدة العدد من الضباط والجنود الذين انشقوا عن الجيش العربي السوري، وقرروا العمل للدفاع عن الشعب ضد قوات النظام. ويتواجد هؤلاء تقريباً في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك ريف دمشق. وجود هذه المجموعات المسلحة، وربما تزايد انتشارها في الأسابيع القليلة القادمة، يجعل من الصعب على النظام إعادة الجيش إلى معسكراته. لكن الاعتماد المستمر على الجيش لقمع الحركة الشعبية، سيؤدي بالضرورة إلى ازدياد حالات الانشقاق، وتعميق الشعور بالظلم والحاجة للرد لدى الأهالي. النتيجة، أن النظام صنع بيديه دائرة جهنمية من العنف والعنف المتبادل، أصبح من الصعب عليه الخروج منها. بيد أن هناك سبباً آخر لتفاقم أزمة النظام: التراجع أمام الحركة الشعبية وتقديم تنازلات إصلاحية تستجيب لمطالب المحتجين يصبح أكثر صعوبة بمرور الوقت. فالنظام سعى في أشهر الثورة الأولى إلى إطلاق حملته القمعية بهدف إخماد الثورة، ومن ثم إتباع نهج إصلاحي محدود، يحقق استجابة جزئية للحركة الشعبية بدون تغيير جوهري في بنية النظام. الآن، وبتصاعد واتساع نطاق الحركة الشعبية، أصبح تراجع النظام أكثر خطراً على وجوده واستمراره؛ وهو الأمر الذي تدركه قيادته. من جهة أخرى، بات من المشكوك فيه أن يقبل السوريون بأي برنامج إصلاحي لا يبدأ بالتخلص من المجموعة الحاكمة. خيارات القوى الدولية: انحسار البدائل السلمية  » الآن لم يعد أمام تركيا والقوى الغربية، إضافة إلى الدول العربية المعنية بالشأن السوري، إلا أن تبحث عن وسيلة أخرى للتعامل مع الأزمة السورية  » تصرّف النظام السوري منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية وكأنه يتمتع بحصانة من الملاحقة. وقد أطلق حملته القمعية الواسعة، معتقداً أن دوره وعلاقاته، من جهة، وموقع سورية بالغ الحساسية، من جهة أخرى، تضعه بمنأى عن المساءلة. ولكن المشكلة أن استمرار الحركة الشعبية، وتصاعد معدلات القتل، والتعاطف المتسع مع الشعب السوري، عربياً وإسلامياً ودولياً، وعجز النظام عن إدارة الأزمة، داخل البلاد وخارجها، جعله في عزلة غير مسبوقة. والحقيقة، أنه بخلاف إيران، وبدرجة أقل العراق، على مستوى الدول، وحزب الله، على مستوى اللاعبين من غير الدول، لم يعد للنظام من حلفاء حقيقيين يمكنه الارتكان إليهم. فكل من الولايات المتحدة وفرنسا أعلنت فقدان نظام الرئيس الأسد للشرعية، ودعتا إلى تنحيه. وبالرغم من أن تركيا لم تسلك نفس المنحى، فمن الواضح أن الثقة بين أنقرة ودمشق تلاشت كلية، وأن الاتصالات بين الدولتين توقفت. السعودية، ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي، سحبت سفراءها؛ بينما أكدت كل من قطر ومصر على ضرورة إيقاف عنف النظام والاستجابة للمطالب الشعبية، وفشل الحل الأمني في سورية. ثم جاءت المبادرة العربية، بعد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية، في نهاية أغسطس/آب، التي واجهتها سورية بالرفض وتجاهل رغبة الأمين العام للجامعة زيارة دمشق. وبالرغم من أن روسيا أظهرت منذ بداية الأزمة انحيازاً للنظام السوري، إلا أن تصريحات كبار المسؤولين الروس في مطلع سبتمبر/أيلول، وبعد زيارة مبعوث روسي رفيع لدمشق، والداعية إلى ضرورة توقف النظام السوري عن استخدام العنف ضد شعبه، توحي ببداية تحول في الموقف الروسي. وحتى إيران يبدو أنها لم تعد على ثقة كاملة بإمكانية الحفاظ على الأسد ونظامه، فسعى دبلوماسيوها إلى لقاء معارضين سوريين في باريس حسب أنباء صحفية. وكان وزير خارجيتها علي أكبر صالحي دعا النظام السوري إلى الاستجابة لمطالب المحتجين، معتبرا الثورات في البلدان العربية بما فيها سورية ترفع مطالب مشروعة. بيد أن أزمة القوى الإقليمية والدولية المهتمة بالوضع السوري لا تقل عن أزمة النظام. تركيا، مثلاً، ظلت حتى أغسطس/آب تعتقد أن بإمكانها الضغط على النظام لوضع حد لحملة القمع التي يقودها، ولإجراء إصلاحات عميقة، تستجيب للمطالب الشعبية. وربما حسبت دول مثل فرنسا والولايات المتحدة أن إعلانها فقدان الرئيس الأسد للشرعية قد يوهن قبضة النظام ويمهد الطريق للتغيير. ولكن الحقيقة أن توقعات أنقرة والقوى الغربية الرئيسة لم تكن مطابقة للواقع، ليس فقط لأن هذه الدول لا تمتلك أوراق ضغط ذات وزن في سورية، ولكن أيضاً، وهذا هو الأهم، لأن النظام يرى أنه يخوض معركة حياة أو موت، ليس له إلا أن ينتصر فيها. الآن لم يعد أمام تركيا والقوى الغربية، إضافة إلى الدول العربية المعنية بالشأن السوري، إلا أن تبحث عن وسيلة أخرى للتعامل مع الأزمة السورية. اقتراب التدخل الخارجي بتصاعد الحركة الاحتجاجية وتوجه بعض المجموعات إلى العمل المسلح، لا يبدو أن النظام في وارد إيقاف الحملة القمعية، أو أنه لم يعد يستطيع ذلك إن أراد. من جهة أخرى، أصبح واضحاً أن الضغوط السياسية على النظام لا تجدي نفعاً، مهما بلغت عزلته الدولية والعربية والإقليمية، أو العقوبات المفروضة عليه. المخرج الوحيد من هذا الوضع هو محاولة التدخل الخارجي، المباشر أو غير المباشر. وربما كانت تصريحات رئيس الوزراء التركي طيب رجب إردوغان بأن سورية تتجه إلى وضع شبيه بالوضع الليبي، والتحرك العربي الذي جاء بدفع من السعودية ومصر ودول الخليج، والمسعى الفرنسي لتمرير قرار في مجلس الأمن يدين استخدام العنف ضد المتظاهرين العزل، مقدمة لمثل هذا التدخل. ما يشجع على التدخل الخارجي: 1- أن القوى الغربية ترى في نجاح العملية الليبية نموذجاً لتدخل يتفادى مخاطر وأضرار التدخلات السابقة في أفغانستان والعراق. 2- أن هناك أصواتاً متزايدة بين المتظاهرين السوريين، وبعض دوائر المعارضة السورية، باتت ترى أن لا مخرج من الأزمة بدون تدخل خارجي، أو حماية دولية كما يقول ناشطون بالداخل. 3- أن مصر والسعودية ودول الخليج الأخرى وصلت إلى قناعة بأن من الضروري التخلص من النظام السوري، بعد أن « وصل تحالفه مع إيران، وارتهانه لها، درجة بالغة الخطر على الأمن العربي. » 4- أن تركيا، اللاعب الرئيس في الملف السوري، أصبحت أقل معارضة للتدخل الخارجي، بعد أن عجزت عن دفع النظام في دمشق لتبني سياسة إصلاحية جذرية، من ناحية، وتصاعدت الأصوات السورية والعربية الشعبية المنتقدة لأنقرة، من ناحية أخرى. 5- أن عدداً من القوى الغربية يجد في الثورة السورية فرصة لإحداث تغيير في سياسات وتحالفات سورية العربية والإقليمية، وبات يرى في التدخل الخارجي وسيلة لذلك. بيد أن التدخل الخارجي، الذي لن يقع سريعاً على أية حال، يتطلب عدداً من الشروط، أهمها، توفر غطاء قانوني دولي (يتطلب بدوره صفقة أميركية – روسية)؛ توافق بين الأطراف المعنية على أسلوب ووسائل هذا التدخل؛ ووجود تصور أولي لبديل سوري سياسي. مخاطر ما بعد رحيل الأسد في حال وقوع التدخل الخارجي، فإنه لن يتعلق بترجيح كفة الحركة الشعبية على النظام وحسب، بل ومقدرات سورية العسكرية وموقعها في الصراع العربي – الإسرائيلي ودورها العربي والإقليمي. كما أن التدخل الخارجي لا يعني أن النتائج ستكون محسومة سلفاً. ما يمكن أن يؤدي إليه التدخل الخارجي في الحقيقة هو سلسلة من الاحتمالات، تبدأ بسقوط سريع لنظام حكم، ولا تنتهي عند انفجار حرب أهلية، أو حرب طائفية إقليمية. لتقليل مخاطر التدخل الخارجي، في حال أصبح أمراً محتوماً، لابد أن يكون هناك دور عربي (وتركي) فعال، يعمل من أجل الحفاظ على وحدة سورية، وبناء تآلف داخلي سريع، وعلى حماية هوية سورية ومقدراتها والتزاماتها العربية. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 4 سبتمبر 2011)

<  

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.