خطف السائحين النمساويين.. النفاق يصطدم بالجنون
نور الدين العويديدي تتفاعل بقوة هذه الأيام عملية اختطاف تنظيم « القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي » لسائحين نمساووين على الأراضي التونسية، ثم نقلهما إلى الجزائر، ومن ثم إلى الحدود الجزائرية المالية. المطالب التي يطالب بها التنظيم كبيرة، تعجز النمسا عن الوفاء بها، فلم تعد فيينا عاصمة إمبراطورية كما كانت، وليس بوسع هذا البلد الأوربي الصغير، أن يفرض إرادته على وزارتين عتيدتين هما وزارتا الداخلية في تونس والجزائر، حتى تطلقا سراح معتقلين يطالب التنظيم بتسريحهم. يخفي الرفض النمساوي العلني أشياء كثيرة تحت الطاولة.. وكل ما يجري لا يغادر في كبيرة أو صغيرة المواجهة بين معسكري الجنون والنفاق. 1- فتنظيم القاعدة باختطافه السائحين يكشف عن حَوَل هائل في الرؤية والتفكير، وعن جهل مطبق بأبجديات السياسة الدولية، مثلما يكشف عن مقدار أكبر من الجنون والخيبة. فالتنظيم الذي ندب نفسه لمقاتلة الحكومات في المغرب العربي لعمالتها وولائها للأجنبي، بحسب أدبياته، انحرف عن أهدافه، وصار همه الأول ملاحقة سواح آمنين، جاؤوا للتعرف على بلاد العرب والمسلمين وأهلها. وتثبت الكثير من الدراسات واستطلاعات الرأي أن الأوروبيين الذين زاروا البلاد العربية والإسلامية هم الأقل عنصرية ضد العرب والمسلمين، والأكثر تفهما لعدالة قضاياهم.. ويأتي تنظيم القاعدة بجنونه هذا ليفسد ذلك الحد المتاح من التعاطف، حتى يتمحض العالم إلى فسطاطين، بحسب رؤيته البسيطة الساذجة.. فسطاط كفر وفسطاط إيمان.. وليس في ذلك الجنون من نتيجة سوى الزيادة في أعداد وعتاد فسطاط الكفر، وتقليص حجم المتفهمين للقضايا العادلة لفسطاط الإيمان. 2- حديث المستشار النمساوي العلني عن رفضه للتفاوض مع « الإرهاب » نفاق واضح مكشوف. فالمصادر الإعلامية تتحدث بما يشبه الإجماع عن أن محاولات تفاوض تجري تحت الطاولة مع التنظيم، وأن النمسا مثلها مثل ألمانيا وفرنسا سابقا، مستعدة لدفع فدية مالية لتحرير مواطنيها المختطفين، خاصة وأنها طلبت من تونس والجزائر عدم اللجوء لاستخدام القوة، خشية أن يموت المختطفان أثناء محاولة تحريرهما من خاطفيهما.. فماذا يعني ذلك سوى التمهيد لحل تفاوضي.. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا الكذب والتصريحات العنترية في العلن، وتقديم الأموال في السر.. إنه النفاق ولا شيء غير النفاق. 3- أما إذا بحثنا في الجذور والتربة المنبتة للجنون والباعثة عليه، فإن وجود تنظيم القاعدة وانتشاره في بلاد المغرب الإسلامي وفي باقي بلاد العرب والمسلمين ليس سوى ثمرة زواج بين الجنون والنفاق.. فحكومات المنطقة، وخاصة تونس والجزائر، اجتمع لديها الجنون والنفاق وتزاوجا فأنجبا لنا كما هائلا من المصائب لا تحصى ولا تعد. فالجنون القاعدي ليس سوى ابن شرعي، داخليا، للقهر والقمع وإذلال الناس والاعتداء على دينهم ولقمة عيشهم وأبسط مظاهر كرامتهم.. وهو أيضا، على الصعيد الخارجي، رد على خنوع حكوماتنا أمام التدخلات الأجنبية، واستئسادها علينا، بل تحول الحكومات والأنظمة إلى وكيل للأجنبي في بلادنا.. وتغول الأجنبي علينا، وتحول الكثير من الديمقراطيات الغربية إلى مصاصي دماء، تشرب من دمنا، وتسمن بهزالنا، وتقوى بضعفنا. حين يجتمع كل ما سبق يختلط الحابل بالنابل، وتضيع القضايا الكبرى تحت حوافر الجنون والنفاق، وتغرق شعوبنا أكثر تحت سنابك القهر الداخلي والخارجي.. ونسير ويسير معنا العالم من سيء لأسوأ. والاستبداد الداخلي والاستعمار قديمه وجديده هما المسؤولان عن مصائبنا. أما جنون القاعدة فليس سوى رد أحمق وثمرة بلهاء لواقع يصنع الجنون ويغذيه. (المصدر: مدونة « آفاق تونسية » لنور الدين العويديدي بتاريخ 16 مارس 2008) الرابط: http://noureddine-2010.maktoobblog.com
المنجي الفطناسي – ألمانيا كانت هذه آخر كلمات البروفيسور المنصف بن سالم أثناء مداخلته في برنامج بلا تأشيرة الذي تبثه قناة الحوار . الأهوال والإنتهاكات التي رواها هذا العالم الجليل تفوق الخيال ولا يصدقها عقل ووصمة عار في جبين كل تونسي وتبرز درجة الإنحطاط الشامل التي وصلها حاكم تونس وعصابته. عشرون سنة قضاها هذا العبقري في زمن ولي الأمر الجاهل عدو الثقافة والمثقفين بين السجن والتعذيب والتنكيل والإقامة الجبرية ومحاصرة بولسية لصيقة له ولبيته ولزواره ، والحرمان من البحث العلمي والعمل الثقافي والمراسلات وأحيانا الهاتف ، وفقدان أبسط حقوق الإنسان كالعمل والأجر والتأمين الصحي وجواز السفر وحرية التنقل داخل الوطن وخارجه. ولم تكتف السلطة الغاشمة بمعاناته شخصيا بل عمدت إلى إيصال الأذى إلى أبناءه ، فابنته تتعرض منذ أربعة سنوات إلى مضايقات من قبل حفنة من طلبة الحزب الحاكم في كلية العلوم بصفاقس الشيء الذي أثر على صحتها ونفسيتها وحياتها الدراسية ، وقد صرح أحد الطلبة المعتدين أنه يفعل ذلك بأوامر وتحريض من مسؤوليه ، وعلى بعد شهرين فقط من التخرج يتم فصل ابنه أسامة عن الدراسة ذنبه الوحيد أنه انتخب من قبل زملاءه وبطريقة ديموقراطية ( في بلد غير ديموقراطي ) ليمثلهم في المجلس العلمي للكلية . ولما باءت محاولات السلطة لإبطال ذلك بالفشل التجأت إلى استعمال مجلس التأديب المكون من أعضاء في الحزب الحاكم لفصل مجموعة من الطلبة بتهم عدة منها النقابي ( اجتماع غير مرخص فيه ، المطالبة بحقوق بعض الطلبة ، تعطيل الدروس ) ومنها السياسي ( تشجيع الطالبات على لبس الحجاب في بلد إسلامي ، المطالبة بقاعة صلاة في كلية صفاقس التي تقع في روسيا البيضاء ) ، كما أن أحد أبناءه تعرض إلى حادث مرور مروع في ظروف غامضة تسبب له في أضرار بدنية جسيمة. السلطة لا تمت لتونس بصلة ، وأنا أضيف أن السلطة التي تهين علمائها الأفاضل وتفعل بهم كل هذه الأفاعيل ، السلطة التي تنتهج سياسة التدمير المقصود للعلم والثقافة والأخلاق والصحة والإنسان بكل مكوناته ، السلطة التي تشارك بامتياز في الحرب العالمية على الإسلام لا تمت للعروبة بصلة ، ولا للدين بصلة ولا للإنسانية بصلة. السلطة التي تحكم شعبها بالحديد والنار وتقمع كل الحريات وتسد أبواب العمل السياسي العلني السلمي وتطلق العنان لعصابات الفساد والجريمة المنظمة ليهلكوا الحرث والنسل ويسعوا في الارض فسادا ويدوسوا كرامة المواطن في كل شبر من تراب الجمهورية هي التي تفرخ العنف ، وهي المسؤولة رقم واحد عن ضحايا حادث الغريبة الأبرياء ( الذي استنكرناه وأدناه في وقته ) ، وعن مواجهات سليمان المسلحة ، وأخيرا اختطاف سائحين نمساويين بريئين ( وأنا أضم صوتي إلى كل ألأصوات المطالبة بإطلاق سراحهما دون قيد أوشرط ) . والامور مرشحة للمزيد إذا لم تتراجع هذه الفئة الضالة المتسلطة على رقاب التوانسة عن غيها. الشعب التونسي بكل اطيافه مطالب بالتحرك على جميع المستويات وبكل الطرق السلمية لمنع هذا النظام الأحمق والأخرق من إدخال البلاد في دوامة العنف والحرب الاهلية والإعتداء على ضيوف تونس الأبرياء. (المصدر: موقع الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 16 مارس 2008)
تونس : مجتمع قلق ودولة رافضة والنتيجة سلفية صاعدة …!
مرسل الكسيبي*
يبدو المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي في تونس قلقا الى الدرجة التي جنحت معها أطياف واسعة من المجتمع الى الاحباط واليأس , حيث تخيم على أوساط شرائح ديمغرافية معتبرة أجواء من الاكتئاب والحيرة تجاه المستقبل السياسي للبلاد وتجاه الحالة المعيشية الايلة لمزيد من التعقيد في ظل تشكي الجميع من تدهور القدرة الشرائية وتفاقم مشكلة البطالة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات وحتى حملة أعلى الشهادات … المشهد يبدو قلقا وبشكل خطر بالنظر أيضا الى نسبة انتشار المخدرات بين صفوف الشبيبة , اذ اوردت وكالة الأنباء السعودية بالاستناد الى دراسة علمية حديثة خبر تعاطي هذه الافة من قبل عشر شبان تونس , أما بالنسبة لمعدلات التدخين فان الاحصائات الأخيرة تشير الى وجود نسبة 56 بالمائة من المدخنين بالنظر الى مختلف الشرائح العمرية وهو ماجعل تونس تحتل الترتيب الرابع عربيا بهذا الصدد. ارتفاع معدلات الانجاب خارج المؤسسة الزوجية يشكل هو الاخر مظهرا قلقا يشق البنية الأسرية للمجتمع , حيث تؤكد كل المؤشرات على تفشي الممارسة الجنسية خارج الاطار الشرعي بنسب تراوح الستين بالمائة في صفوف الذكور ونسبة تقارب 26 بالمائة في صفوف الاناث بحسب بعض استطلاعات الرأي الحديثة … وكنتيجة عملية للظاهرة تبدو نسب تفشي الأمراض التناسلية الخطيرة في ارتفاع برغم حرص الدولة على عدم تسريب الأرقام الحقيقية للمرضى والضحايا , حيث لازالت الأرقام المقدمة لاتزيد ومنذ سنوات عن رقم لم يتجاوز الى حد الان 1428 حالة اصابة بمرض فقدان المناعة – حفظنا الله واياكم فضلا وتكريما – . وبالعودة الى موضوع العطالة عن العمل فان احصائات أخرى تؤكد وجود حوالي 50 بالمائة من حاملي شهادة الأستاذية والماجستير في حالة بطالة … مشهد اجتماعي قلق جدا لاتعبر عن خطورته الا الأرقام ومشاهد الاضرابات النقابية المتكررة في ظل زيادة مضطردة في أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية وارتفاع حاد في تكلفة الملبس والمرافق العامة والعلاج … وعلى هامش هذه التوترات التي تحرص السلطة على تمريرها في صمت اعلامي أو على تبريرها وقبل اسابيع من حدوث مؤشراتها المباشرة عبر الارتفاع الحاد في أسعار النفط عالميا وقلة موارد البلاد الطاقية , على هامش كل هذا تطرق مسامع المواطنين أخبار المحاكمات السياسية شبه اليومية والتي تستهدف مجموعات من الشبان لم يتجاوزوا بعد العقد الثالث في ظل ماتعرفه البلاد من تأثر واضح بموجات الاكتساح السلفي غير المسبوق … شبان تونسيون في مقتبل العمر كفروا باعلام السلطة وسياستها وخطابها الرسمي وحتى المعارض في ظل ماعرفه المعارضون من تداول مستمر على السجون والمنافي منذ عقد الخمسينات مع اندلاع أزمة التيار اليوسفي داخل أجهزة الحزب الحاكم , وهو ماجعل الشباب الصاعد يكفر بنموذج الدولة التحديثية الرافضة لتطلعات المجتمع على الصعيد الثقافي والاجتماعي والسياسي …! شبان لم تؤطرهم الأحزاب العلمانية ولا اليسارية ولا القومية ولاالاسلامية المعروفة بضبط ساعتها الفكرية والثقافية على التوسط والاعتدال والسماحة في حق المخالفين في الفكر والنهج السياسي …, شبان صنعت كفرانهم بالديمقراطية ونماذج التعايش مع الدولة المركزية العربية حالات القمع الرهيبة في سجون تداول عليها ابرز المعارضين وحتى المقربين في وقت ما … حالة تونسية عصيبة على الفهم والشرح والتفسير في ظل وجود نموذج سياسي وأمني منغلق لايحتمل توسيع المشاركة السياسية وايجاد حالة ليبرالية ثقافية وسياسية تساعد الشباب على التعبير عن نفسه بحرية في كنف احترام النفس والاخرين … يوم أن كانت تونس تحافظ على اقدار من توازنها الحرياتي في ظل ظهور حركة نقابية وطلابية وتلمذية قوية ومنيعة , لم تكن أفكار النكوص الى الماضي التليد والغيبوبة في عالم لايلبي تحديات الأصالة والمعاصرة هي المهيمن على المشهد الثقافي أو الفكري , بل ان البلاد عرفت حركة اسلامية تجديدية معاصرة ستندم الدولة شر الندم على تفويتها في فرصة احتضانها في اللعبة السياسية بعيدا عن أساليب الهرسلة والقمع … لقد كانت الفرصة سانحة منذ أواسط الثمانينات في المزاوجة بين حزب وطني عريق وبين تيار اسلامي مدني وسطي معتدل قابل للترويض والتشريك في مناخ ديمقراطي تركزت نواتاته الأولى ضمن فضائات المجتمع المدني قبل أن تعرف ملامسة قشرية لأجهزة السلطة … غلب الطبع على التطبع وكشر اصحاب السلطان عن أنياب الرغبة في احتكار المشهد العام , فكانت مأساة تونس والتونسيين ذكورا واناثا منذ تزييف المشهد الانتخابي سنة 1981 , وهو ماتواصل لاحقا مع كل محطة انتخابية جديدة حرصت فيها الدولة الغول على التهام كل مقاعد البرلمان والمجالس البلدية باستثناء عظم رمت به هنا وهناك من باب تسويق المشهد السياسي خارجيا في حلة عروس ديمقراطي !!! أجيال تلو اجيال دمرتهم السجون وسجون داخل السجون وزنازين داخل الزنازين وسجانون أصبحوا ديكورا لايتجزأ من أثاث قبور مظلمة …, أما الذين نجوا في المنافي من القوم الظالمين فهم في نظر الدولة الغول مارقون وعملاء وخونة باعوا ضمائرهم للدول الكبرى !!! مشهد قبيح تجرأ الدكتور المنصف المرزوقي في شجاعة وبسالة نادرة على وصفه بتشخيص الطبيب الماهر فكاد أن يصاب باليأس والاحباط من هول صدمة الأعراض التى اصبحت تنخر الجسد السياسي للدولة … نخب تونسية متعلمة تتفوق اينما حلت ورحلت ومبدعون متميزون في الفنون والمسرح والسينما والرياضة والفكر والثقافة والاعلام والسياسة والعلوم والتقنية , كل هؤلاء يجدون أنفسهم في مواجهة دولة تصنع الأصنام تلو الأصنام عوض صناعة العقول الحرة والمكرمة في ظل سيادة القانون والمؤسسات وقيم العدل والمساواة ! النتيجة من الطبيعي حينئذ أن تكون صناعة ظواهر شاذة أو مغالية أو متطرفة في ظل سد منافذ التعبير والتفكير والاعتقاد الحر , اذ أننا نجد اليوم تونس بلا اتحاد عام تونسي للشغل حقيقي ولا اتحادات طلابية حقيقية ولارابطة تونسية للدفاع عن حقوق الانسان حقيقية ولا مجلس وطني للحريات الحقيقية ولا حزب ديمقراطي تقدمي يعمل في كنف الحرية ولا مؤتمر من اجل الجمهورية داخل الجمهورية – داخل السجن أو في المنفى طبعا !- , ناهيك عن حركة النهضة التي ينبغي أن يمارس عليها الأبارتايد الاجتماعي والثقافي والاعلامي والسياسي أملا في دفع مناضل واحد من مناضليها الى الكفران بها طلبا للارهاب القبيح او العنف الذي تتغذى منه الة السلطة بل تنتجه من أجل البقاء والاستمرار دون مشاركة فاعلة من قبل بقية مكونات الطيف السياسي … ! لاسينما حقيقية حرة تتحدث عن حرياتنا المصادرة والمهدورة , ولا مسرح في الهواء الطلق يمارس النقد ولا مهرجان قرطاج ومهرجانات دولية تستضيف مارسال خليفة أو فيروز أو ماجدة الرومي أو حتى صباح فخري أو وديع الصافي أو نصير شمة -اللهم ان وقع تدمير لبنان مجددا أو عجزت السلطات عن توجيه محاصرة الغضب القومي العارم , فوقتها سيقع بعث فرقة العاشقين الفلسطينية الملتزمة حتى من كباريات الفن الشعبي !!! في ظل هذا المشهد الديمقراطي التونسي جدا , لن تسمعوا مستقبلا عن زعماء معارضين أو حتى رسميين بل أعزيكم في عبد الرحيم الزواري والبشير التكاري وزهير مظفر ومحمد الغنوشي والدكتور المنصف المرزوقي د.مصطفى بن جعفر وحمادي الجبالي وعلى العريض ود.منصف بن سالم وحبيب اللوز وأحمد نجيب الشابي ومية الجريبي ود.خالد الطراولي وكل الأسماء النسائية والرجالية اللامعة في سماء الثقافة والسياسة وحتى الرياضة .., فثمة جيل جديد سيصنع ردة فعله الخاصة من داخل غيتو فرضه عليه النظام بقمعه وتسلطه ولفظه لأنفاس المجتمع المدني وطاقات المجتمع الواعدة , انه جيل سلفي متخمر بأدبيات العودة الى الزمان الأول دون فقه تطلعات وتحديات العصر أو استيعاب روح الاجتهاد الاسلامي المعاصر أو تجارب الاصلاح وفنونه العالمية أو حتى مراعاة روح النصوص الاسلامية المقدسة والتي تحفظ للناس دمائهم وأنفسهم وتقدمها قداسة واجلالا على مقام الكعبة الشريفة …, انه جيل يخرج من الدين كما يخرج السهم من الرمية في ظل زيتونة مغيبة عن الفعل الحضاري واذاعة دينية معتدلة يتيمة ومحاصرة بكابريات فضائية واعلام رسمي لاهم له سوى اعادة تكرير مشهد » ياسيد الأسياد ياحبيب البورقيبة الغالي » … هذا هو واقعنا تونسيا بأمانة مع عدسات اعلامية ساحرة وغشاشة تصور لنا الأمر على احسن مايرام , فهلا تنادينا جميعا رسميين وطنيين ومعارضين صادقين الى ابعاد هذا الخطر عنا وعن بلدنا باعتماد اليات جديدة تعيد للمشاركة والحوار والاصلاح والعدل وكرامة الانسان معانيها الحقيقية ؟ *رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية (المصدر: مدونة مرسل الكسيبي بتاريخ 17 مارس 2008) الرابط: http://morsel-reporteur.maktoobblog.com
زهير الخويلدي
«هناك انتشار عالمي للإرهاب الذي بات شأن الظل الملازم لكل نظام هيمنة،مستعدا في كل مكان لأن يستيقظ كعميل مزدوج ،لم تعد هناك أية حدود فاصلة تسمح بمحاصرته فهو في قلب هذه الثقافة التي تحاربه»[1]
ان إرهاب القرن 21 يتخذ طابعا جديدا مفارقا فهو يضيف الى القدرة على الظلم النزعة الى الإذلال،ورجل الأخلاق الذي يتأمل في السلوك الانساني لا يستطيع أن يذكره دون أن يستهجنه كما أن رجل السياسة يسعى الى السيطرة عليه ويوظفه لمصلحته ويدرجه ضمن استراجياته,انه ليس فقط إرهاب الأفراد والمجموعات والأحزاب والتنظيمات الباطنية المسلحة بل هو ايضا ارهاب المؤسسات والدول والشركات متعددة الجنسيات والأحلاف العسكرية الكبرى والمنظمات العالمية وهو ليس موجها فقط للفتك بالأجساد ولتخريب العمران المادي بل يطال مداه النفوس ويخرب العمران الروحي.
على هذا النحو بدت مشكلة الارهاب أكثر تعقيدا مما يظن البعض في بادئ الرأي بحيث لم تعد تكفي الإدانة الأخلاقية القاطعة وبيانات الشجب لإخماد ناره ومواجهته بل ان العزم على اقتلاعه من جذوره ومداهمته في حصونه الآمنة ومنابته النائمة لن يتم ولن يتحقق دون فهم حاذق وتدبر ثاقب.
فكيف يمكن أن نواجه الإرهاب مواجهة ديمقراطية؟
ان الخروج من حالة الحرب المروعة والوضع المتفجر وايقاف ضربات الارهاب الموجعة ضرورة تقتضيها الطبيعة البشرية ذاتها،فالعقل يفرض علينا أخلاقيا أن ننشد السلم والأمن والتعايش لكونها شروط لتحقيق التطور الكامل للاستعدادات الانسانية أو هي وسائل لاعادة التوازن المفقود بين الروح والجسد وبين الفكر والمادة وبين الأخلاق والسياسة وذلك باخضاع التاريخ البشري للطبيعة الانسية وتفادي التعسف والشطط في تشكيل الهوية البشرية.
ان تجاوز الارهاب مرتبط الى حد كبير بايجاد تدابير كفيلة بأن تجتثه من جذوره كالحد من مظاهر التسلط والكف عن التوسع الاستعماري والعزوف عن التبشير بعولمة ظالمة واختراقية وانهاء مهزلة بلدان مركز وبلدان محيط واحترام الخصوصيات القومية والثقافات المغايرة وتفتيت المركزية الاثنية وتطبيق سياسة دولية عادلة وتحقيق تطور متكافئ بين الدول والشعوب والثقافات وانصاف جميع الأديان والايمان بتضامن الأفراد وحسن تعايشهم ضمن منظور ايكولوجي ايتيقي.
يبدو أن على الفيلسوف أن يتعالى على الإرهاب ويدين العنف مهما كان شكله بأن يحتمي بصدقية الفكر الحر وعدالة الفكرة الشاملة لأنه عندما نقول نعم للفلسفة نرتضي بحياة العقل ونرفض العنف،فالفلسفة ضد العنف واختيارها للخطاب هو اختيار للاعنف ومناهضة للإرهاب،كما أن ارادة التفلسف تبدأ بالإعتراف بالحقيقة والحوار وتتسامى فوق مستوى الواقع وتقيم في عالم القيم الخالصة .
اذ لا توجد معرفة بشرية يمكن أن تؤدي الى تبرير الارهاب بأي شكل لأن التعارض بين المعرفة والإرهاب هو تعارض مطلق بحيث اذا حضر طرف فإنه يلغي على الفور حضور الطرف الآخر. وأمام العنف لا يملك الفيلسوف من حيلة سوى الخطاب. فليست غاية المعرفة السلطان ولا توجد علاقة ضرورية بين غريزة المعرفة وغريزة الموت.
ان الارهاب الذي تعاني منه البشرية على طول تاريخها ليس الا ناجما عن محدودية معرفتها بالوسائل التي تمكنها من التغلب عليه. لكن التحرر من الارهاب يقتضي ادراك الحدود التي تفصل بين المعرفة والمصلحة وايجاد علاقة ضرورية بين التعليم والتربية وتأسيس مشروع فلسفي يمكننا من عقلنة الواقع ولكن كذلك من ادراك حدود هذه العقلنة.
ان الحوار في اطار ايتيقا النقاس يبلور الديمقراطية الاندماجية والفعل التواصلي في الفضاء العمومي هو ضروري لتجاوز العنف لأن عدم القدرة على الحوار وعدم جعل العلاقة التعادلية المنفتحة هي منطلق المعرفة والعمل والاعتماد على منطق ثنائي اقصائي من شأنه أن يجعل من المنافس أو المعارض عدوا مطلقا.
الحوار شرط امكان قيام سلم دائم بالنسبة للدول والشعوب وقد يمنع القيام الحرب والدمار وذلك لخضوع الخيار العسكري الى الخيار العقلاني وحكمة المنطق.
كما ينبغي أن تقوم الاستراتيجيا العسكرية على اختيارات عقلانية وعلى مراقبة عقلانية للاستعمال العنيف باستقلال تام عن الأهواء وعن التقييمات المختلفة. ولكن وراء هذه الاستراتيجيا يكمن نموذج للمعرفة يقوم على البحث عن الثبات والثبات قيمة أخلاقية تعني المحافظة على التعايش والدفاع عن السلم.والسلم ليس له معنى استراتيجي فحسب بل له معنى أخلاقي كذلك,فهو لا ينفصل عن تحقيق العدل الذي يعني وجود توازن في القوى والحد من الاستعمال اللامشروع لها.
اذا كان السلم في حد ذاته قيمة أولية بالقياس الى العدل فان العدل يقتضي اضافة الحاجة الى الحوار الى توازن القوى ليتحول الى انصاف بربط السياسة بالتربية وادراك حدود استعمال القوة. ان تعثر الحوار واعتماد منطق الاقصاء وعدم جعل العلاقة منطلق المعرفة والعمل من شأنها أن تجعل من السلم ممارسة للحرب ولكن بوسائل أخرى، فالسلم ليس استسلاما ولكنه ليس توقفا للأنشطة الحربية بل يمكن أن يكون اعدادا لها بطريقة أشمل. فالحرب التي تريد ان تقضي على العدو قضاءا مبرما والتي تجعل من العدو خصما مطلقا لا يمكن أن تؤدي الى السلم.
هكذا يتضح أن الارهاب هو نتاج لظروف البيئة الداخلية والخارجية وهو أكبر الأمراض التي تعاني منها الحياة السياسية الدولية ويمكن تفادي ظهوره على مسرح الأحداث والتخلص منه ومعالجته معالجة حازمة بالقيام بالاستراتيجيات التالية :
*العزوف عن استخدام العنف المضاد المتمثل في عنف الدولة لمواجهة أحداث العنف السياسي لأن هذا الأسلوب أثبت فشله وزاد من تغذية الكراهية بين الدولة والشعب وعمق الهوة بين القمة والقاعدة وأخرمشاريع التنمية والتطوير لذلك ينصح باعتماد أسلوب الحوار والمجادلة والادماج والتشريك الفعلي في اتخاذ القرار والشورى الشعبية عن طريق الاستفتاء النزيه.
* الأخد بأسلوب التعددية السياسية والفكرية والالتزام بالتداول السلمي للسلطة واعتماد نظام الانتخاب وليس التعيين أوالتوريث أوالوصية كقاعدة للمشاركة في تسيير شؤون المجتمع مع احترام قيم الجدارة والكفاءة في تحمل المسؤوليات وذلك بأن تحاول الأنظمة تقوية شرعيتها من خلال احترامها لقدرات مواطنيها على الفعل والتفكير ونبذ النزاعات الانفصالية والقطرية والطائفية والمذهبية التي تؤدي الى التناحر.
* ضرورة التخلي عن السلفية الفكرية والأصولية الايديولوجية ونبد يوطوبيات الجنات الموعودة لكونها عقيدة تغذي الصراع والتقاتل بالتقليل من أهمية المؤثرات الخارجية في الحياة السياسية الداخلية والتركيز على الدور المركزي الذي تلعبه المؤثرات الداخلية والتشجع على صناعة القرار من خلال ارادة وطنية.كما ينبغي تركيز بديل حضاري يستمد مشروعيته من قدرته على تجسيد مصالح الأغلبية لا بالقول والادعاء بل بالفعل والعزيمة والعمل الصالح الذي يضعه الناس بيدهم كرد فعل طبيعي على التحديات التي تواجهها وتمس وجودها القومي وكيانها الثقافي.
* ضرورة توجيه الناس بناء لاعنف ناجع ضد القوى المسيطرة في النظام يكون مشحونا بالمعنى وخاليا من كل قسوة تجاه الضحايا والأبرياء.وذلك بالعمل على تدمير مجتمع القمع الذي نعيش فيه بوسائل غير هدامة وغير عنيفة كفيلة بانشاء مجتمع لا قمعي وذلك بتحرير الرغبة وباقرار مبدأ اللذة كدليل للضمير وتعريف العقل مجددا بعبارة الحب وببناء عقلانية جديدة للاشباع يلتقي فيها العقل بالسعادة .
* تشجيع نظم التربية التي تساعد الانسان على تكييف مظاهر العدوانية لأن التربية تلعب دورا حاسما في حل هذه النزاعات, وذلك بتسهيل ظهور مواقف مبنية على التفهم العفوي تستبدل الصراع من أجل النفود وارادة الهيمنة بقواعد سلمية لفرض الذات مثل الرهان واللعب والمنافسة.انه يمكن وضع هذه العدوانية الجماعية في خدمة الحياة عوض وضعها في خدمة الموت ويتم ذلك من خلال ضبط هذه القوى المتميزة تحويلا وتصعيدا وذلك بتوجيه قسم منها ضد العالم الخارجي والقسم الآخر ضد نفسه .
* ان ما يجب الانصراف اليه هو تغيير النظام الثقافي تغييرا جذريا وتفكيك الثقافة الآثمة التي تحاصرنا بافساح المجال أمام الطبقة الناشئة لتعبر عن القيم التي تحملها,كما ينبغي أن تفسح الثقافة الرسمية المجال للثقافة الشعبية في نظامها الهيكلي.وينبغي أن يكون النقد الأساسي موجها ضد الثقافة السائدة وأن يدور بالأساس حول المجتمع الاستهلاكي والثقافة الاستعراضية التي تعيد انتاج الوضع السائد, وذلك بتحديد وتجديد الأهداف الانسانية للفعل البشري.
*ان اجتثاث الارهاب يمر عبر التقليل من الضغوط الاجتماعية والسياسية والأطماع الاستعمارية التوسعية والاستيطانية حتى لا تثار حركات التمرد أو الاعتراض, فتاريخ البشر يحدثنا عن تحركات عديدة اشعلها تفاقم البؤس الجسدي والظلم الاجتماعي والتدخل الأجنبي مثل الأوضاع التي تمس الانسان في كرامته وتعتدي على مقدساته وشرفه والتي هي أكثر انفجارية وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأحوال الشخصية. من هنا لابد من تمكين الشعوب من حرية تقرير مصيرها واعطائها الاستقلال واحترام سيادتها الكاملة على أراضيها والكف عن التدخل السافر في شؤونها الداخلية والاعتراف بحق وخصوصية ثقافتها.
* ينبغي اعادة تعريف السياسة لتصبح ناتجة عن حصيلة العلاقات القائمة بين من يمارسون السلطة ومن يطيعونها ولتكن السلطة قائمة على الاقناع وليس على الاكراه.هذا لا يعني أن الاقناع وحده يكفي الا أنه جوهري,فالضغط للأسف ضروري ولكنه قد يؤدي الى الاستبداد لهذا يمكن أن ننظر الى المقاومة السلمية الثقافية التي يبديها شعب بأسره على أنها في الغالب سلاح حاسم لايقاف عجلة العنف الأعمى.لذلك لابد من إعادة بناء ثقافة سياسية جديدة تقوم على الديمقراطية وتعمل على تحديد السلطات ولا تفرض سيطرة سياسية على المجتمع المدني لأن » السلطة السياسية لا تمارس حيال أشياء لا حياة فيها بل حيال بشر يجب أولا وقبل كل شيء اقناعهم ».
* المطلوب اليوم بالمعنى الدقيق للكلمة التفكير بحرية حتى تنشأ ثقافة فلسفية جديدة تعيد تأصيل العلاقة العتيقة بين النظرية والممارسة وذلك قصد تحرير النظرية من الممارسات المخجلة والمشوهة وتحرير الممارسة من النظريات المسقطة ومعوقات المذهبية حتى لايقع تضليل الممارسة والهيمنة عليها من طرف النظرية وحتى لا يقع تمييع النظرية وجعلها تنقلب على نفسعا.
ان » الفيلسوف هو من يحاول تحليل العلاقات بين التقاليد الفلسفية وأجهزة النظام التشريعي السياسي التي ما تزال سائدة وتبدو في طور التحول وذلك من أجل استخلاص النتائج العملية والفعلية لمثل هذه العلاقات. فالفيلسوف هو من يبحث عن نسق جديد للمعايير وهذا من أجل أن يميز بين الفهم والتبرير. فبإمكان المرء أن يصف وأن يفهم وأن يفسر هذه أو تلك من المسببات التي تؤدي الى الحرب أو الى الإرهاب دون تبريرها أبدا بل ومع ادانتها ومع محاولة اكتشاف نسق آخر من المسببات… »[2]
يمكن أن نستخلص من هذا التشخيص الرهانات والأفكار الأساسية التالية׃
– ان الارهاب ينغرس في أعماق الطبيعة الانسانية نفسها وفي الهيكل البنوي للدولة الشمولية حيث يوجد في حالة كمون في شكل غريزة عدوانية.
– ان ثقافة مجتمع معين عندما تتعرض الى التهديد تمارس ضغطا ما قد يقبل به الفرد كأمر طبيعي ولكنه قد يتحول الى ارهاب فيحدث لديه ردود أفعال عنيفة.
– ان الفترات الانتقالات والمنعطفات التاريخية التي تشهدها الحضارات وتمر بها الثقافات يتخللها ظواهر غليان وانصهار واضطراب وقد يكون العنف الارهابي هو أكثر تجلياتها حدة.
– ان المجتمعات الصناعية المتقدمة تبدو مشحونة بقدرة فريدة على احداث العنف وانتاج الارهاب والجريمة المنظمة وذلك لما أدى اليه تقدم التكنولوجيا والتنافس الاقتصادي من تحولات سريعة أجهزت على بنى التوازنات القديمة.
– العنف هو جملة من الضغوط التي تحل بالانسان ولكن لا بد من فصل فعل العنف عن سائر أشكال الضغط والاكراه لأنه يطلق على القوة التي تهاجم مباشرة شخص الآخرين وخيراتهم
( أفراد أو جماعات) بقصد السيطرة عليهم بواسطة الموت والتدمير والاخضاع.
على هذا النحو يمكن أن نعرفه بأنه تطاول على الانسان وعلى حقه الذي لا يمس في الوجود وفي الحرية لا ينسجم مع طبيعة الانسان العاقلة التي تفضل الكلام والحوار والتوصل.
– ضرورة التمييز بين العنف والارهاب وبين الارهاب الأعمى والمقاومة الشريفة وبين النزاعات المقبولة الخالية من العنف والنزاعات المدمرة التي تؤدي الى تكون بؤرمتفجرة وأوضاع ملتهبة يعشش فيها الارهاب وينمو مثل الاستعمار والحرب الأهلية البغيضة والعدوان والاستيطان والتمييز العنصري المذهبي والعرقي والثقافي .
– لا يشكل الارهاب ظاهرة استثنائية وعارضة بل يدخل في صلب وجودنا الفردي والاجتماعي,تتنوع أشكاله المفرطة والعنيفة وتبلغ حدا يصبح معه من العبث الحلم بامكانية القضاء عليه.
– تعدد المواقف حيال الارهاب دليل على أننا نواجه معضلة كبرى وأزمة خانقة وكأن الانسانية تخوض اليوم معركة جماعية من أجل السيطرة على الكون وعلى الصيرورة الاجتماعية،وأشكال هذه المعركة تختلف باختلاف التصورات. ان الارهاب هو واحد من المحرمات الكبرى التي يصعب التأمل فيها بشيء من المسافة النقدية والمعقولية لأنه لا يمكن تعريفه بعناصر موضوعية ولأنه لا يقوم أي عنف الا بقدر ما تقوم ذات بشرية في مصدره.
– لا يمكن أن نبررالارهاب بأي شكل من التسويغات ولكن من المسموح أخلاقيا وقانونيا التشريع لحق لكل انسان مظلوم أو شعب مقهور في المقاومة، لأن تبرير الارهاب بواسطة غايته الثورية سوف يجد نفسه مسخرا لخدمة ايديولوجيات عنصرية وشمولية.
– ثمة اجماع على الخلفية اللامعقولة للارهاب وضرورة كونية تقوم بادانته وشجبه،فالعنف المدمر ليس موقد التاريخ بل هو العدو الألد والشر الجذري الذي يهدد الحياة الكريمة ولذلك يجب مقاومته بكل الوسائل المتاحة.
اذا كان الوضع الانساني يبدو قائما في جوهره على النزاع في جميع أبعاده فينبغي أن لا نترك المجال لهذا النزاع الى أن يتحول الى عنف ارهابي بل نعمل على ايجاد وسائط ناجعة تحول دون تدهور النزاع وتقتصر على مواجهة واعية وحرة يمارسها الخصوم في حوار ينتهي الى تسوية وتراضى جميع الاطراف, وأن نسعي الى بناء نقد ايجابي وارادة انسانية حقيقية ومشروع سياسي جديد يخدم بدوره الانسان لأن الانسان لا يسعه أن ينمو الا في كنف مجتمع يسعى بدوره وراء تحقيق مشروع شامل. ولذلك فان مهمة دولة العناية,لا سيما في أيامنا هذه، تقوم على مساعدة الجماعة للتعبير عن المشروع الشامل الذي تعد به وفي السعي وراء تحقيقه .
لكن أين هي الدولة العادلة والانسان الراشد والثقافة المنفتحة والتربية الخلاقة التي تمنع من اندلاع موجات الارهاب مجددا؟
* كاتب فلسفي
جان بودريار- روح الإرهاب – مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 120-121-ص8[1]
[2] جاك دريدا ماذا حدث في حدث 11سبتمبر ترجمة صفاء فتحي دار توبقال للنشر الدار البيضاء الطبعة الأولى2006ص66/67
انقضى على استقلال كوسوفو قرابة شهر كامل وقد وصل عدد الدول التي اعترفت بهذا الاستقلال إلى 27 دولة اغلبها أوروبية (أقطار الاتحاد الأوروبي) وبعضها أمريكي (الولايات المتحدة وبعض أصدقائها في القارة) إضافة إلى بعض الأقطار الأسيوية والإفريقية (ماليزيا- أفغانستان-السنغال) وكما هو معروف مازالت روسيا وصربيا من اشد المعارضين لهذا الاستقلال. ومما يلفت الانتباه أن أيا من الدول العربية لم تعترف بعد بهذه الدولة الفتية رغم أن عوامل كثيرة تعجل بهذا الاعتراف أهمها الروابط الدينية (في كوسوفو هناك أغلبية مسلمة) وكذلك الدوافع الإنسانية (شعب تعرض إلى إبادة جماعية وتطهير عرقي) وهو ما يطرح عديد التساؤلات عن هذا الغياب الدبلوماسي العربي غير المفهوم. في الحقيقة لا يمكن وضع الدول العربية في سلة واحدة, حيث نجد دولا عربية مثل سوريا والى حد ما ليبيا ترتبط بعلاقات متميزة مع روسيا وبالتالي فان اعترافها باستقلال كوسوفو هو رهبن الموقف الروسي, كما نجد دولا عربية أخرى مثل لبنان والعراق وحتى السودان, وهي دول لها من المشاكل والاستحقاقات الداخلية ما يبعدها عن الاهتمام كليا بمثل هذه الإشكالات البعيدة. وان كانت هذه الدول العربية التي سبق ذكرها لها مبرراتها الخارجية والداخلية لتفسير هذا الغياب الدبلوماسي فان دولا عربية أخرى مثل دول الخليج العربي وشمال إفريقيا يبقى غيابها غير مفهوم, لان هذه الدول لها علاقات متميزة بل إستراتجية مع الولايات المتحدة (الراعي الرئيسي لاستقلال كوسوفو) وهو ما يعني أن الاعتراف بهذا الاستقلال فيه مساندة للولايات المتحدة وإرضاء للدبلوماسية الأمريكية. من التساؤلات الأخرى أيضا : كيف تعترف بعض الدول العربية بالكيان الإسرائيلي هذه الدولة المعتدية وتقيم معه علاقات دبلوماسية مباشرة أو حتى خفية في حين تتأخر في الاعتراف بدولة كوسوفو التي عانى شعبها من ويلات جرائم ضد الإنسانية؟ أكثر من ذلك, بعض الدول العربية الأخرى ترفع لواء الدفاع عن الإسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم ومع هذا غابت تمثيليتها الدبلوماسية عن « برشتينا » لماذا هذا الغياب؟ انه شيء محير فعلا ومؤلم كذلك أن تغيب دبلوماسية العرب عن إحدى « بوابات الإسلام » إلى أوروبا,خاصة وان هذا الاعتراف إن وقع كان سيرفع عدد الدول المؤيدة لهذا الاستقلال إلى أكثر من 50 دولة كما أن هذا الاعتراف يحمل دعما معنويا كبيرا لكل سكان هذه الدولة الصغيرة ويزيد من ارتباطهم بديانتهم السمحاء. على كل بقي تساؤل أخير : هل غابت دبلوماسيتنا العربية عن دولة كوسوفو خوفا من مشاكل المواطنين العرب العالقين هناك وهم كثر على ما نعتقد ومن مختلف الجنسيات العربية؟ أخيرا نتمنى أن لا يطول هذا الغياب الدبلوماسي العربي كما نتمنى أن تستخلص الدبلوماسية العربية الدروس الممكنة من هذا الاستقلال لعل في الإمكان الاستفادة من هذه الدروس في قضيتنا الأم فلسطين محمد العيادي –نقابي وحقوقي-قابس