الشرق الأوسط: الأمن التونسي يشن حملة اعتقالات على خلفية المواجهات الأخيرة
مواطنون لا رعايا…
مصطفي بن جعفر: حادثة المجموعة المسلحة في تونس… أي منعرج الآن؟
سمير بوعزيز: من المسؤول؟!!
افتتاحية « الموقف »:هل انتهى الخطر؟
عبدالوهاب عمري: إنهم يريدون اقتطاع جزيرة « قطعاية » من وطني
حسونة المصباحي: بحثا عن محمد علي الحامي في برلين
الحياة: يلهثون وراء العلامة … ومعدلات الدخول ترتفع الصباح الأسبوعي: قاضي تنفيذ العقوبات : أكـثر مـن 177 زيـارة وآلاف المقابلات مـع المساجيـن الصباح الأسبوعي: إماطة اللّثام عن المجزرة التي استهدفت عائلة المهاجر التونسي بإيطاليا الصباح الأسبوعي: بعد كرائها حقوق البثّ على الـ «نيل سات» : قنـاة TT1 التونسيـة الجديدة تبدأ البثّ التجريبـي فـي 20 مـارس القـادم الصباح الأسبوعي: كروان الإذاعة عادل يوسف يكشف لكم وجهه الآخر: الطفل «الفرعوني» الذي تحدّى الجوع والفقر والنفي والاتّهامات ليتحوّل إلى أشهر مذيع بتونس الحياة : رسالة حكومة مصر إلى «الإخوان»:لا نشاط سياسياً لكم في المستقبل الجزيرة.نت : الإفراج بكفالة عن الزميلة هويدا طه
عبد الحميد الحمدي: حقيقة التشيع ــ الجزء الثاني عباس: هل كل 12 يعني إئمتكم يا هاشمي
الهاشمي بن علي: أفكار حان الوقتُ لتصحيحها.. ماهر حنين: لماذا صمت « الإخوان المسلمون » و « حزب الله » على إغتيال صدام؟
صالح بشير: بوش ومخاطر فشله العراقي…
غازي دحمان: الإسلام والمسلمون في الفكر الغربي بعد 11 سبتمبر وحيد عبدالمجيد : الإسلاميون العرب.. وإعادة تشكيل الشرق الأوسط توفيق المديني: انضمامهما الى الاتحاد «نعمة» … رومانيا وبلغاريا تحتاجان عقوداً للّحاق بأوروبا
To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
الأمن التونسي يشن حملة اعتقالات على خلفية المواجهات الأخيرة
ندوة حول إلغاء عقوبة الإعدام في تونس
يستضيف منتدى التقدم الأستاذة إلهام عبد الكافي (عن منظمة العفو الدولية ـ فرع تونس) في :
تصحيح
لطفي حيدوري
الإخوة في تونس نيوز ورد في العدد 2425 ليوم 11 جانفي 2007 من نشرتكم مقال باسم عدنان عيدودي ذكر صاحبه أنّه « اسم مستعار لمتابع سياسي يحب بلده ». وقد لفت انتباهي وجود مقتطفات عديدة من مقال لي بعنوان « بعد المواجهة المسلحة في جنوب العاصمة التونسية – معركة حسمت عسكريا وآلت أمنيّا » نشرته مجلة « كلمة الالكترونية » يوم 8 جانفي 2007 وأعيد نشره في نفس اليوم على صفحات تونس نيوز لم يقم السيد « عدنان عيدودي » بنسبة الكلام إلى صاحبه أو حتى إثباته كاستشهادات في مقاله.
ما كنت لأنشر هذا التوضيح لو كان صاحب المقال معلوما. أما وقد تخفى وراء اسم مستعار مما قد يحدث أي خلط بيني وبينه فقد اقتضى التصحيح. وإليكم بعضا ممّا اجتزأه السيد « عدنان » من مقالي المذكور.
–
لقد حسم الجيش المعركة مع المجموعة المسلحة في حين ذهب البلاغ الرسمي للسلطات التونسية يتحدث عن تصدّي قوات الأمن التونسية لهذه المجموعة وحفاظه على أمن البلاد، وهي الصيغة التي روّجتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء وتبناها بعض الصحافيين–
هذا الضابط المتخصص في وحدة كشف الألغام كان يقوم رفقة عريف من الجيش بمهمّة في الجبل أثناء مطاردة المجموعة المسلحة وفاجآ عناصر منها في إحدى المواقع وأمرهم بالاستسلام ورفع الأيدي غير أنّ شابا من تلك المجموعة فجّر قنبلة فأراد الضابط العسكري ردها إلا أنها قتلته بينما واصل الجندي العريف بوابل من الرصاص أسقط فيه جميع أفراد المجموعة قتلى–
بل إنّ وزارة الدفاع هي التي أدارت قاعة العمليات في حين راقبت وزارة الداخلية الوضع … أما لوجستيا فان وزارة الداخلية كانت تنتظر وصول المعطيات من وزارة الدفاع لأنّها لاتملك التفاصيل الصحيحة ميدانيا ….–
لقد اقتصر دور قوات الأمن طيلة أيام المواجهة على المرابطة بالطرق والمدن المحاذية للجبال وقامت بمراقبة السيارات المتجهة إلى دائرة تونس الكبرى ونفذت عمليات مداهمة المنازل في أحياء الضاحية الجنوبية للعاصمة وفي مدينتي سليمان و قرمبالية بل وأجرت عمليات اعتقال واسعة للمشتبه في علاقاتهم أو ولاءاتهم للتيار السلفي ( ولاية سيدي بوزيد – الكاف – القصرين – مدنين- وباجة–
كما انه تم إيقاف إطارات من وزارة الداخلية عن العمل بسبب عدم امتثالهم للقرار بترك الميدان تحت حكم الأمر العسكري–
بل من الأجدر المطالبة بتوفير جميع الظروف الضامنة لمحاكمة عادلة لهؤلاء الشبان
مواطنون لا رعايا…
حادثة المجموعة المسلحة في تونس… أي منعرج الآن؟
ما حقيقة العصابة الخطيرة ؟؟
افتتاحية « الموقف »:
هل انتهى الخطر؟
إنهم يريدون اقتطاع جزيرة « قطعاية » من وطني
ما تنفرد
» الشعب » بنشره
من وحي تاريخ الحركة العمالية
بقلم
:مصطفى الفيلالي
كل شيء كان صعبا، يوم ميلاد الاحاد العام التونسي للشغل، في
20 جانفي 1946، حتى العثور على قاعة اجتماع لانعقاد المؤتمر التأسيسي. وقد كتب على المؤسسين ان ترافقهم المصاعب، فيما تبقى من عمر الاستعمار الفرنسي، وان تمنحهم «مشاكل الاستقلال» في الفترة الاولى من انشاء الجمهورية، عند بناء مؤسساتها، ترميم اقتصادها واثبات حقوق الفئات الاجتماعية الضعيفة. كذلك تحف المتاعب بكل مهد لمولود كريم، تلقاه الحياة بضروب الامتحان، وتزرع طريقه بشتى العراقيل، فينشأ على الصبر والجلد، ويشب على التضحية، ويكتمل بالاعتماد على الذات ويظل على مدى النصف المنقضي من القرن العشرين، حاضرا في المجتمع، مشاركا في نحت التاريخ، مؤثرا في انشاء المستقبل. وسيظل الاتحاد العام التونسي للشغل، في فاتحة القرن الجديد، ملتزما بالمشاركة في المسؤوليات الوطنية، فيما تلقاه البلاد من تغييرات هيكلية، على صعيد البناء الاقتصادي، وصيانة المكاسب الاجتماعية والحفاظ على أولوية الدولة، وما يترتب عن ذلك كله بالقياس الى رعاية التوازن بين فئات المجتمع المدني وأجياله، والحفاظ، في عصر العولمة، على خصوصيات الانتماء الحضاري وحق الانسان في فسحة المستقبل.
1ـ الظروف المستعصية
لو إفترضنا ان أحوال المجتمع، اذا اشتد بها العسر والتعقيد، كانت مدعاة الى انبعاث تيار تصحيح، يتطوع له نفر مصلحون، يتوحد سعيهم في تنظيم مشترك، اذا يجوز القول، بمثل هذه المعقولية التاريخية، ان قيام الاتحاد جاء لينهض بوظائف
«شاغرة» وليعين على تقويم انحرافات مستعصية كانت شاملة لمختلف ميادين الحياة الوطنية، نستعرض منها المظاهر التالية، بدءا بالحياة السياسية.
2 ـ البيئة السياسية
كانت لتونس دولة قائمة، ولكنها كانت دولة
«شبحا»بلا سيادة ولا نفوذ. ولم يكن الباي، أمير البلاد، بعد ابعاد المنصف، الامير الدستوري الثائر، أمير الا على قصره في شاطئ قرطاج، انفرط النفوذ من يديه ومن وزرائه، وانحصر بأيدي المقيم العام الفرنسي، وكاتب عام الحكومة والمديرين الفرنسيين للمصالح القطاعية. ولم يكن للشعب من وجود سياسي، سوى في هذا الهيكل الرمزي للسيادة، وبينهما برزخ عريض من القطيعة والصمم. وما كان له من حقوق سياسية يمارسها ولا من مجالس نيابية او بلدية منتخبة.
ولم يكن
«المجلس الكبير» المتناصف في عدد الاعضاء بين ممثلين عن مائة وسبعين ألف فرنسي، ومثلهم ينوبون عن ثلاثة ملايين والربع من «رعايا سيدنا» لا يملك ان يغير من قرارات السلطة التنفيذية ولا ان يبرم أمرا من أمور الدولة. انما كان وجوده تبريرا لممارسات هذه السلطة وتزكية لقرارتها. وكانت توجد الى جانب السلطة المدنية بالعاصمة، سلطة عسكرية لقوات الاحتلال، تباشر صلاحيات الامن، وتحتكر النفوذ بجميع مظاهره الادارية والاقتصادية، في الشطر الجنوبي من البلاد، بما كان يعرف يومئذ، من قابس الى حدود ليبيا باسم التراب العسكري، شبه المستقل عن سلطة العاصمة. ومن وراء هذه الخريطة في تقاسم النفوذ الاجنبي، كانت للجالية الفرنسية، من معمرين واصحاب مصالح مالية، مرتكزات اخرى من السلطة لدى البرلمان في باريس ولدى قوى التأثير في الاحزاب السياسية الفرنسية والتجمعات الاقتصادية. وكانت تلك الجالية تملك ان تفرض ارادتها حتى على السلط الفرنسية بتونس، وفي احيان كثيرة على غير ما ترتضيه هذه السلط.
3 ـ البيئة الاقتصادية
كانت هذه البيئة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، موصومة بالثنائية والبتر، فمن جهة أولى هناك قطاعات عصرية، ذات وسائل تقنية متطورة وامدادات مالية سخية كانت جميعها بأيدي الاجانب، ومن جهة ثانية نجد قطاعات
«تقليدية»موصومة بالمجمود، وضعف الانتاجية، فاقدة للسند المالي، مثقلة بالديون، كانت بأيدي الاهليين. وكانت هذه الثنائية واضحة في الميدان الزراعي، اذ كانت الاطيان الخصبة بالجهات الممطرة المفتوحة على المسالك الرئيسية وعلى المواني والحواضر الكبرى ملكا للأجانب من معمرين ومن شركات عقارية رأسمالية، تستأثر بأكثر من نصف المحاصيل، وتستفيد من ثلثي اعتمادات التسليف الزراعي، وتحتكر الجانب الاوفر من تجارة المحاصيل الكبرى كالحبوب والزيوت والتمور والخمور، في معاملات رأسية مع دور التجارة «بالوطن الأم». وكان الاستهلاك الداخلي متوقفا في معظم المقادير وفي اهم المحاصيل على انتاج القطاع الاهلي، مما كان يجعله عرضة للاختلال والتفاوت الكبير، بسبب عوامل المناخ وقد توالت على البلاد اعوام الجفاف من 1944 الى 1946، وإنحط الانتاج الزراعي الى مقادير عاجزة عن اشباع الحاجيات الضرورية، فانتشرت المجاعة بالبلاد. واشتد وقعها بالارياف الغربية والوسطى، وتقاطرت قوافل النازحين من الجنوب الى المناطق الساحلية تفاقمت طوابير البطالة، وانتشرت حول المدن احياء اللاجئين الى صفائح القزدير.فاضطرت السلط الى توزيع الحبوب وخاصة الأرز، الذي لم يكن مألوفا في العادات الغذائية، فاقترن دخوله لأسواق الاستهلاك باشتداد المجاعة. ورفضت السلط الفرنسية دخول الباخرة المصرية «فوزية»للمواني التونسية لإفراغ شحنتها من الحبوب، وردت الى اصحابها اعانة الشعب المصري لأخوته في تونس.
كانت التبعية هي السمة الثانية الكبرى للاقتصاد التونسي، تبعية شاملة مغلقة، لا طمع في فك اغلالها، ولا اجل موعودا لرفع أوزارها
.فقد كانت تونس تابعة لمنطقة الفرنك انتاجا للخيرات، واصدارا للعملة، واحتسابا لموازين التجارة. ولم يكن لتونس بنك مركزي يملك صلاحيات الاصدار والترويج والتقييم والمتابعة. وكان الفرنك الفرنسي ـ الجزائري هو العملة المتداولة في سوق الصرف، المعتمدة في احتساب التجارة. وكان للبنك المركزي في باريس بالاضافة الى حق الاصدار، صلاحيات ضبط قيمة العملة، والتخفيض من هذه القيمة عند الاقتضاء.وقد حدث مثل هذا التخفيض في الاشهر الاولى من عمر الاستقلال، فبوغتت الحكومة التونسية دون تشاور ولا انذار بقرار أحادي، يقضي بتخفيض قيمة العملة بنسبة العُشر. فكان ذلك من العوامل الحاسمة التي عجّلت بخروج تونس من منطقة الفرنك وباصدارها للعملة الوطنية وانشاء الدينار.
كذلك كان الشأن بالنسبة للتبعية التجارية
.اذ ظلت حصيلة التجارة الخارجية من العملات الاجنبية مندمجة في الصندوق العام للمنطقة المالية، ولم يكن بحسابات البنك المركزي في باريس رصيد متميز تستطيع السلط المالية التونسية توظيفه لتمويل شراءاتها من مناطق الدولار او الاسترليني او غيرها. وبمثل هذه التبعية كانت فرنسا تتحكم لا في أرصدة الميزان التجاري فحسب، بل وايضا في الامكانات المتاحة لميزان الدفوعات وآفاق التصنيع الوطني. وقد كانت التبعية في هذا الميدان ايضا محكمة الاغلاق، اذ كان استغلال مناجم الفسفاط والحديد والرصاص وترويج منتوجاتها بأيدي الرأسمال الاجنبي، الذي لم يكن يرى من ربح في تصنيعها محليا. فكان النشاط الصناعي، بسبب ذلك، معدوما اللهم الا في ميدان مواد البناء وتحويل بعض المحاصيل الزراعية من مطاحن للحبوب ومعاصر للزيتون والخمور. أضف الى ذلك انعدام موارد الطاقة، الذي كان يتخذ مبررا لعرقلة الصناعات التحويلية.وما كان الا مبررا سياسيا، اذ كشفت الحفريات البرية والبحرية، بعد الاستقلال، عن وجود مكامن للنفط والغاز الطبيعي، يتواصل الى اليوم استغلالها ولا تزال كافية لمتطلبات التصنيع ولإشباع حاجيات الاستهلاك المدني بالحواضر السكنية.
4 ـ البيئة الاجتماعية
أ ـ البطالة
كانت البطالة من أبرز سمات الاوضاع الاجتماعية، عند قيام الاتحاد العام التونسي للشغل
.وكان يعني منها سبعة أعشار القوى العاملة الوطنية، دون العمال الاجانب من فرنسيين وطليان واسبان ومالطية. ونظرا لضيق النشاط الصناعي التحويلي، فقد كانت تنتسب الى الزراعة معظم القوى العاملة التونسيـة. اذ كان سكـان الريـف يبلغـون 68 بالمائـة من مجمـوع السكـان (000.230.3).وكان معظم عملة الزراعة عرضة للتشغيل الموسمي بحقول الزيتون والكروم والتمور وفي سهول الزراعات الكبرى للحبوب.وكانوا عرضة للبطالة الغالبة في سنوات الجفاف المتوالية. اما القلة المشتغلون بصورة مستمرة بضيعات المعمرين وفي الشركات العقارية، فقد كانوا عرضة للاستغلال الفاحش في عد ساعات العمل وظروفه حتى بالنسبة للأطفال والنسوة، وعرضة للحيف في مبلغ الاجور وفقدان الضمانات الفردية والعائلية. من اجل هذا الحيف وذلك الاستغلال كان عمال الزراعة في طليعة القوى العاملة التي انضمت الى الاتحاد العام التونسي للشغل، وكانت اضراباتها عن العمل في مقدمة الحركات الاحتجاجية التي شنتها الحركة العمالية في العام الاول من وجودها سنة 1947، بالضيعات الكبرى مثل النفيضة والعلم وسيدي ثابت وسوق الخميس، ودفع العمال في هذه المواجهات ضريبة الدم، اذ استشهد عشرات من بينهم تحت رصاص الدرك الفرنسي، وجُرح وأعتقل المئات.
ظلت فرص التشغيل، في غير ميدان الزراعة، قليلة بالقياس الى تفاقم أفواج المرشحين للعمل، في مجتمع فتيّ، نصف اعداده من فئة الشباب
.وكان قطاع المناجم يأتي، في أهمية الاستيعاب، بعد قطاع الزراعة، ويتقدم عليها في درجة الوعي الطبقي وفي قوة التلاحم بين العمال. ولعل ذلك من آثار الحركة النقابية الاولى التي أنشاها محمد على الحامي عام 1924 ومات من أجلها، اذ كان يخص قطاع المناجم بعناية فائقة في التوعية والتنظيم. وكان التشغيل موصوما بالقلة والحيف في المصالح الادارية. فلم يكن عدد اعوان الدولة عام 1946 يزيد على ثلاثة وعشرين ألفا، من بينهم سبعة عشر ألفا فرنسيا.
يحتكرون مراتب النفوذ، تاركين للأهالي الوظائف الهامشية الدنيا، من حجاب وسواقين واعوان صيانة، يتقاضون منها أدنى الاجور، في حين كان زملاؤهم الفرنسيون يتمتعون بأعلى الرواتب، ويزيدون عليها ثلثا اضافيا كان يعرف باسم
«الثلث الاستعماري»، يمتازون به بعنوان الجنسية. ومن غرائب ما كان يمتاز به نظام الاجور الفرنسي في تونس، ان المعلمين بالمدارس الابتدائية كانت تصرف لهم «منحة البُعد» اذا كانوا يشتغلون بالجنوب التونسي. كما كانوا لا يتورعون عن التمتع بما كان يُعرف بالوثائق الرسمية باسم «منحة القمل» اذا كانوا يباشرون التعليم بالمدارس «الفرنكو ـ عربية»الخاصة بأبناء «الاهالي».
ولنضرب مثلا على ملامح التشغيل الاداري عام الاستقلال، عندما تسلمت السلط التونسية الادارة العامة للزراعة مثلا
.فقد كان بها نحو مائتي موظف بالمصالح المركزية، لم يكن من بينهم مهندس تونسي واحد، ولا مدير مصلحة فنية. اذ كانت جميع الوظائف الاساسية بأيدي الفرنسيين. وأكبر ما كان يرقى اليه التونسي هي خطة مترجم، الى جانب الوظائف الاهلية من حجابة وحراسة وسياقة وصيانة. وكان غياب التونسيين من الوظائف الفنية والهندسية نتيجة سياسة مبيتة، اتضحت يومذاك في انتاج «المدرسة الاستعمارية للزراعة». اذ كانت أخرجت ثلاثة عشر مهندسا تونسيا، ونحو الف وخمسمائة مهندس فرنسي في خمسين عاما.فاسندت الى هؤلاء الضيعات الدولية الخصبة والمراتب الادارية المرموقة، في حين ظل المتخرجون التونسيون يبحثون عن الشغل في مراتب هامشية ومصالح لا صلة لها بالزراعة مثل الكتابة بمراكز الشرطة.
ب ـ التعليم
بلغ مجموع المزاولين للتعليم من ابناء التونسيين مائة وسبعين ألفا، بمختلف المراتب، في عام كان عدد المرشحين للتعليم قريبا من المليون
.وما كان عدد الثانويات للتعليمين العام والغنّي يفوق العشرة، متمركزة بالحواضر الكبرى من الشريط الساحلي، دون سائر الجهات. ولم يكن بتونس جامعة التعليم العالي. فكان الطلاب مجبورين على الالتحاق بجامعات فرنسا أو الجزائر العاصمة. بالاضافة الى هذا العجز البنيوي كان التعليم موصوما بالسعي الى اهداف سياسية ترمي الى طمس الذاتية الوطنية والى فك الترابط الثقافي بين تونس وبين المشرق العربي الاسلامي. يتمثل ذلك السعي في تطفيف خط اللغة العربية في برامج التعليم وفي الادارة والحياة العامة لصالح اللغة الفرنسية، وفي محاولة مسخ التعليم الديني بالتقليل من نصيبه في حصص الدروس، وتهميش التعليم الزيتوني، واحياء ممارسات الشعوذة وتعبّد الاولياء، من تشجيع حركات التنصير في القرى والمناطق الجبلية. وما كان يكتب للتعليم التونسي ان ينجو من هذا الطمس الحضاري الا في رحاب جامع الزيتونة والمدرسة الصادقية التي أنشأها الوزير المصلح خير الدين عام 1875.
لم يكن من مقاصد التعليم العمومي الاعداد للحياة المهنية، لا في العدد ولا في المواصفات، اللهم الا فيما يخص تخريج طابور المترجمين، ممن كانت تحتاجهم الادارة الفرنسية ومصالح العدالة للتعامل مع الاهالي
.اما سائر مناهج التعليم الزيتوني والمدرسي، فلم تكن تنفذ بمتخرجيها الى اسواق الشغل، فتيسر لهم الحصول على مورد رزق، على ما كانت تتصف به هذه الاسواق من ضيق في قدرة الاستيعاب ومن ضعف التنوع للفرص المتاحة. من اجل ذلك المأزق ظل طلبة الزيتونة ينادون بتعصير المناهج وبإدخال مواد «عصرية»تضمن لشهاداتهم التأهيل الى الالتحاق بالوظائف الادارية والمهن الحرة. اذ لم يكن التعليم «التقليدي»يؤهلهم سوى لخطط الاشهاد او التدريس لمواد التربية الدينية بالمدارس، بما كان لهذه الخطط من محدودية الاستيعاب.
لذلك كانت أوضاع التعليم في أزمة متعددة الجوانب، غداة الحرب العالمية الثانية
:أزمة استيعاب وعجز عن توفير المقاعد المدرسية لمن يبلغون سن التعليم، وأزمة برامج بما للعربية فيها من تهميش مقصود، لتغليب اللغة الفرنسية وتوهين مقومات الذاتية، وأزمة مناهج بما كان ينقسم اليه التعليم من تقليدي وعصري، ثم أزمة مقاصد، بما كان للأهداف السياسية الاستعمارية من أولوية على المقاصد التربوية الحضارية، وأخيرا أزمة وظيفية، بما كان للتعليم العمومي من ضعف العناية بتأهيل المتخرجين للحصول على مورد رزق في سوق الشغل. هذا بالاضافة الى ما تركت عليه معظم الارياف في جنوب البلاد وغربها ووسطها من اهمال تربوي كان يتمثل في قلة عدد المدارس الابتدائية بالقرى والمداشر. ولولا وجود الكتاتيب القرآنية في هذه التجمعات السكانية لكانت الأمية متفشية في الصغار الى جانب سيطرتها على الكهول بمعظم البلاد.
وقد قامت الجامعة العمومية للتعليم، في نطاق جامعة الوظيفة العمومية، داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، بدراسة أوضاع التعليم وبحث الحلول الواجبة لتلافي اختلالاتها، وعرض المقترحات العملية لبناء سياسة تربوية شاملة، فتكون من تلك الدراسة ملف فني جاهز اعتمده الوفد التونسي لمفاوضات الاستقلال مع السلط الفرنسية عام
1955. ثم كان لأعضاء تلك الجامعة الاتحادية، غداة الاستقلال، دور بارز في وضع الخطة العامة لإصلاح التعليم عام 1958. وكان على رأس وزارة التربية المرحوم الامين الشابي، امين عام جامعة التعليم، ثم خلفه الاستاذ محمود المسعدي على رأس الوزارة، فتولى تنفيذ تلك الخطة.
ج ـ الصحة
لم تكن الاحوال الصحية احسن مما كانت عليه شؤون التعليم، اذ كانت تتصف بالقلة في عدد المؤسسات الاستشفائية وما بها من فرش ومن يقوم عليها من اطباء وممرضين
.فقد كان يتوفر سرير واحد لكل الف ساكن وطبيب واحد لعشرة الاف، وصيدلي واحد لثلاثين الفا، مع نقص فادح في التجهيزات العلاجية وتطفيف مجحف في الاعتمادات وخلل كبير في التوزيع الجغرافي. اذ كانت تلك المعدلات العامة تنحدر في جهات الوسط والشمال والغرب الى طبيب واحد لأكثر من خمسين الف ساكن، وسرير واحد لثلاثين الفا وصيدلي واحد لكل مائة الف. ولم يكن النظام الصحي يتوجد على مؤسسات مختصة في طب الاطفال او في طب القلب والشرايين أو طب الاعصاب. فكان علاج تلك الامراض داخلا في وحدات الطب العام بالنسبة لعامة المواطنين، او يتطلب السفر الى فرنسا بالنسبة للأجانب وللقلة الموسرة من المواطنين.
وتشهد على فساد الاوضاع الصحية نسبة توزيع الماء الصالح للشراب، اذ كانت الاستفادة من الشبكة مقصورة على الحواضر الكبرى بنسبة
15 من جملة السكان. كما يتضح ذلك الفساد من جانب نظام الصرف للمياه المستعملة، اذ كانت البلديات في خدمة السكن الرفيع بالمدن الكبرى، ولم يكن من عجب في هاته الاوضاع، اذ كانت البلديات في قبضة السكان الفرنسيين، لا تشمل مجالسها الا نفرا قليلا من اهل الولاء والاخلاص من التونسيين.
5 ـ البيئة النقابية وإنشاء الاتحاد العام التونسي للشغل
كانت
«بالايالة التونسية» عند انشاء الاتحاد العام التونسي للشغل، حركة عمالية يسارية تتفرع عن الحركات الام بفرنسا والموالية للحزب الاشتراكي الفرنسي، والى جانبها حركة عمالية نصرانية تأتمر بأوامر الاحزاب اليمينية المتطرفة. وكانت الحركة اليسارية تأخذ بالمقولة الاشتراكية في حرب الطبقات وفي وحدة القضايا العمالية من وراء الفوارق الجغرافية وتباين الخصوصيات الثقافية. وترى ان للحركات العمالية في العالم الاشتراكي كفاحا واحدا على جبهة واحدة، يتوقف الانتصار فيها على انتصار البروليتارية على الرأسمالية. من اجل ذلك كان قادة الحركة العمالية الاشتراكية يرفضون كل نزعة قومية في الكفاح العمالي، ويعتبرونها تنكرا للأهداف وتوهينا للقوة النضالية وتفريقا للصفوف.
وقد لاقت النزعة الوطنية التي امتاز بها الاتحاد العام التونسي للشغل من فجر تكوينه، معارضة شديدة من جانب زعماء الاشتراكية الفرنسية امثال
(ليون جوهر)، الذي اعلن عن رفضه لقيام حركة عمالية على اساس الخصوصية الوطنية. وكان حزبه يومئذ يؤيد مشروع الوحدة الفرنسية الاندماجية التي كان ينادي بها القائد «ديغول»، ولم يصدر عن هذا الحزب استنكار علني لخلع أمير البلاد المنصف باي من قبل السلط العسكرية الفرنسية، ولا لإبعاد زعماء الحزب الحر الدستوري، ولا للقمع المسلط على الاهالي التونسيين. كل ذلك كان محمولا في الحساب العام لحرب الطبقات، ولا حل لمشاكل المجتمع التونسي، عند أولئك الاشتراكيين، الا من خلال المعركة الكبرى بين البروليتارية والرأسمالية العالمية.يومئذ يتم النصر للمظلومين وللمستعمرين بمشارق الارض ومغاربها، وينتصب العدل وينتشر الرخاء.
وكان المطلوب من العمال التونسيين، في انتظار ذلك اليوم الموعود، ان يخوضوا معركة غير معركتهم، وان يندمجوا في صفوف مدسوسة بأقوام لا يأمنون غدرهم، وان تندمج حقوقهم وحقوق مواطينهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في جدلية كونية، الله وحده يعلم متى وكيف يكون فيها النصر، ولمن تذهب ثمرات هذا النصر، وبأي مضمون وطني يكون؟
تغلب الحس الوطني على أوهام تلك الرؤى الكونية، وطغت مقتضيات الانتساب الحضاري، وخرجت الحمية العصبية من دفاتر ابن خلدون، فصحّ العزم وانعقد التوكل، واختار ثلة من شباب تونس المغامرة بالاعتزال، فأنشأوا منظمة تونسية عربية مستقلة، كانت نتيجة للاندماج بين ثلاثة تنظيمات جهوية وقطاعية قائمة، هي النقابات الحرة بالجنوب، وأختها بالشمال والجامعة العامة للموظفين
.وقد ولد الاتحاد العام التونسي للشغل بمقر الجمعية الخلدونية، على بضعة امتار من الباب الغربي لجامع الزيتونة العريق، واشرف على اشغال المؤتمر التأسيسي، ثم اضطلع برئاسة المنظمة، عالم من كبار علماء الزيتونة الافذاذ هو الشيخ الفاضل بن عاشور، نجل الامام الطاهر بن عاشور، رئيس الجامعة الزيتونية والرائد المرموق من رواد اصلاح مناهجها. قد لا نرى سوى مصادفة تاريخية في هذه العلاقة بين مولد حركة عمالية جماهيرية، ستضطلع بتغيير الاوضاع السائدة وتشارك في استنفار المجتمع لمعركة التعصير والحداثة، وستأخذ على نفسها نصرة المستضعفين وتجنيد الفئات المظلومة، وبين المعقل الحصين للذاتية الاسلامية العربية بتونس، والركن المتين للموروث المصان من القيم والاصول الحضارية. وما كان في الحسبان المتوقع لصروف الايام ان يتم في ذلك اليوم البارد من شتاء 1946 وبالقاعة الضيقة من مكتبة الخلدونية اللقاء الطريف والتعاون الحميم بين الفاضل بن عاشور، عالم الشريعة وشيخ التدريس لأصول الدين، سليل عائلة محافظة، عريقة الجذور في العلم والمهام الدينية، وبين فرحات حشاد، العامل النكرة بشركة مواصلات في صفاقس، أصيل عائلة صيادين مغمورة في جزيرة قرقنة، لم يزد في تعليمه على مستوى الشهادة الابتدائية.
جاد التاريخ بتلك المصادفة وحصل هذا اللقاء فإنعقدت الصلة بين المنظمة العمالية الناشئة وبين الجامعة العلمية العريقة، تحمل بشائر الخير القرن المنقضي من حياة الاتحاد ان تلك البشائر كانت صادقة، وان الاتحاد لم يبرح الساحة الوطنية، مشاركا في مختلف مراحل الحياة العامة، حاضرا في جبهات النضال الوطني في المستوى المناسب وفي الظرف المواتي الذي تبرم فيه القرارات الحاسمة لشؤون المجتمع والدولة
.وانه لم يتوقف عن تبليغ صوت العمال وعن حصد المنافع لفئات المستضعفين. فطبعت السياسة العامة للدولة ومخططات التنمية في مراحلها كلها بالطابع الاجتماعي الضامن لحقوق العمال، وحفلت المجالات القانونية بالنصوص المرجعية الضامنة لشرعية هذه الحقوق.
كما يشهد تاريخ الاتحاد ان نضاله لم يقتصر يوما على المفهوم الطبقي للحقوق الاجتماعية ولا عمد الى فصلها عن عامة حقوق المواطنة، وكان موقفه ذلك اتعاظا بفشل تجربة محمد علي الحامي عام
1924، وايمانا بما بين الحقوق كلها من تلازم متين، فلا وجود لحقوق اجتماعية مهنية دون حقوق سياسية.
شارك الاتحاد العام التونسي للشغل في مختلف معارك الشعب ضد الاستعمار وضد الحيف الوتخلف
.وحفت به ضروب متعددة من المخاطر، وعصفت به ازمات كثيرة داخلية وخارجية. فصمد في وجه هذه المحن جميعها ولم ينخذل.ولعل هذا الفوز راجع، من وراء منشئه الكريم بجوار جامع الزيتونة المعمور، ومن اخلاص الرجال وصلابة عودهم وبفضل دماء المستشهدين الى ثلاثة عوامل اساسية.
أولها ان الحركة العمالية الجديدة أقيمت على التلاحم الاندماجي المتين بين الجناحين الكبيرين من قوي الاصلاح، الجناح السياسي والجناح الاجتماعي، وان قوى النضال مزجت بين الطرفين ولم تفصل بينهما، ولم تقدم في الاعتبار ولا في الاولوية المضمون الاقتصادي والاجتماعي على المضمون السياسي، ولا هذا على ذاك
.
في المقام الثاني تألفت من القوتين السياسية الدستورية والاجتماعية العمالية جبهة واحدة متماسكة للنضال الوطني
.فلم يظفر الاستعمار الفرنسي بثغرة ينفذ منها الى توهينهما معا. مثلما تمكن من ذلك عام 1924، فأجهض المشروع العمالي ـ التعاوني لمحمد علي الحامي، بتأييد من الحزب الدستوري القديم، ثم انثنى على الحزب السياسي، بعد ان افرده في ساحات النضال وأفقده سند القوى العمالية.
العامل الثالث ان الحركة العمالية وفرت للنضال الوطني عاملين اثنين من عوامل الصمود والفوز، تمثل الاول في القوى الداخلية المنتظمة في التشكيلات النقابية وفي الشعب الدستورية، تعددت بسببها ميادين المصادمة مع الاستعمار، في الشارع وداخل مؤسسات الانتاج الاقتصادي، بالمظاهرات تارة، وبالاضرابات النقابية تارة اخرى، وتعددت فرص المؤازرة بين المطالب السياسية الدستورية وبين المطالب الاجتماعية النقابية، ودخلت المجابهة الى معاقل الانتاج الاقتصادي
.فباتت تهدد المصالح النفعية المالية التي يتأسس عليها الحضور الاستعماري بالبلاد. ثم وفر الاتحاد للنضال الوطني منابر عالمية للتشهير بالاستعمار وفضح ظلمه وارهابه، واحصاء الحقوق الانسانية المهضومة والحريات المكبوتة، ولتجنيد الانصار للقضية الوطنية. فكان انضمام الاتحاد العام التونسي للشغل الى الجامعة الاشتراكية العالمية للنقابات من أولى مبادرات القيادة النقابية، ترشح لها الاتحاد بعد ستة اشهر فقط من انبعاثه. ثم تبين للقيادة النقابية احجام هذه الجامعة عن مساندة القضية الوطنية وتمسكها بنظرية المعركة العالمية بين البروليتاريا ورأس المال، فقررت الانسحاب منها، والسعي عام 1950 للالتحاق بالكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة في بروكسال.
اثار هذا القرار جدلا ايويولوجيا كبيرا بين المسؤولين النقابيين وبين عدد من المناضلين الدستوريين
.ذهبوا في تأويله مذاهب بعيدة، حول ما اعتبره بعضهم تنكرا من جانب الاتحاد للمفاهيم الاشتراكية التي لا تنفصل عن مبادئ الحركات العمالية، وعدّوه انحيازا للصف الغربي المؤيد للاستعمار السياسي والمنتصر لمبادئ الليبرالية الاقتصادية، التي تدين بها الشركات الرأسمالية. هدأ ذلك الجدل بعد مدة وجيزة، ولم يكن له من اثر على تضامن الجبهة الوطنية. وقد دلت الحركة النقابية التونسية بمسارها وتطوراتها، بعد انضمامها الى كنفدرالية بروكسل انها بقيت على نهجها وفية لمقصدها الاساسي، مقصد التحرير الشامل، تحرير الوطن من هيمنة الحكم الاجنبي ومن ابتزاز الموارد الاقتصادية، وتحرير الانسان من الحرمان والكبت ومن الحيف الطبقي، ومن البطالة والجهل والعوز الاجتماعي.
كما دلت فترة النضال التحريري ان هذا النضال قد حظي بالتأييد من جانب القيادات العمالية في البلاد الغربية، بما لها من تأثير على المجالس النيابية والحكومات بأوطانها، وما تتمتع به من اشعاع في المنظمات الدولية، مثل منظمة العمل الدولية في جنيف، وما لمواقفها من صدى عريض لدى وسائل الاعلام العالمية
.وقد كسب النضال الوطني التونسي من هذا التأييد رفع كابوس التعتيم الذي كانت تضربه السلط الفرنسية حول معارك التحرير، وكسب بالخصوص تفنيد المقولة الرسمية الفرنسية في المحافل الدولية بأن القضية التونسية شأن داخلي للسيادة الفرنسية، وان المواثيق الدولية تمنع من التدخل في مثل هذه القضايا الداخلية.
6 ـ اثبات الوجود
كان الانضمام الى المنظمة النقابية العالمية في بروكسال العامل الاول البارز الذي أثبت وجود الاتحاد على الساحة العالمية، وجعل منه طرفا واجب الاعتبار في التعامل مع القضية التونسية
.وقد كان لهذا الوجود صداه الكبير عند حدوث أزمات مع السلط الفرنسية في الميدان السياسي او في الحقل الاجتماعي.واتضح ذلك الصدى بصورة فعالة عند اغتيال فرحات حشاد أواخر 1952. وكان الوجود الخارجي امتدادا للحضور الفعال داخل البلاد في ساحات النضال الوطني وفي واجهات مشاغبة النفوذ الاستعماري. وكان الاستقلال عن الحركات العمالية الاجنبية في فروعها وداخل البلاد المظهر المؤسساتي لإثبات الذات على أساس خصوصية الاهداف واستقلال النهج. بذلك اصبح الاتحاد الطرف الاقوى المرشح للتفاوض مع النفوذ السياسي ومع القوى الاقتصادية.وكان من الطبيعي ان يقابل بالرفض من الجانبين مثل ذلك الاحتكار للنضال الاجتماعي، فتتجاهل السلط الادارية نواب الاتحاد وترفض التعامل معهم. فكان من أجوبة الاتحاد على هذا التحدي والاغفال، ان عمدت الجموع العمالية الى احتلال بعض الادارات الكبرى مثل الكتابة العامة للحكومة وادارة الاشغال العامة والاعتصام بها وتعطيل العمل الاداري، فلم يجد المسؤولون الاداريون بدا من قبول الممثلين النقابيين ومن الاستماع لهم. وحدث مثل ذلك التحدي مع المقيم العام، أعلى سلطة في البلاد، الذي رضخ بدوره ورضي بمقابلة القيادة النقابية.
كانت الاضطرابات العمالية المتكررة، والحاصلة في الميدان الاقطاعي الزراعي داخل أطيان المعمرين والشركات العقارية الكبرى السلاح الفعال الذي لجأ اليه الاتحاد عام
1947 لإثبات وزنه لدى القوى الاقتصادية الفرنسية، وحدثت من جراء ذلك موجة عنيفة من القمع أسفرت عن عشرات القتلى ومئات الجرحى والمعتقلين. وتوالت الاضرابات كذلك في قطاع المناجم والرصيف والمواصلات، ذهب ضحيتها عشرات القتلى.تفاقمت هذه الاضرابات وعمت معظم ميادين النشاط، وأوشكت ان تصيب بالشلل القطاعات الحساسة. فلم تر السلط الاستعمارية بدا من الاقدام على اتخاذ قرار بحل المنظمة النقابية.
وعرضت على الباي مشروع أمر يقضي بذلك الحل
.وتبرز في هذه المناسبة ايضا مكانة الاتحاد على الساحة السياسية الداخلية. اذ توصل قادة الاتحاد الى مقابلة الامين باي، وكسر الحصار المضروب حوله، واقناع بعدم التوقيع على الامر المعروض. فتأيدت بذلك شرعية المنظمة النقابية لدى السلط التونسية، واستعاد الباي بفضل ذلك قدرا من الاعتبار لدى الرأي العام التونسي.فكانت صفقة مربحة للطرفين.
أثبت الاتحاد وجوده كذلك وبصورة جذرية في التحام النضال النقابي بالنضال الحزبي، وبإحكام التعاون والتشاور بينه وبين الحزب الحر الدستوري، وقد كان قادة الحزب بالمنافي، موزعين بين القاهرة وباريس ونيويورك، فاضطلع قادة الاتحاد بالمسؤوليات الحزبية، الى جانب من تبقى داخل البلاد في اقامة سرية
.وشارك العمال في الكفاح المسلح، واستشهد على جبهة النضال الوطني الزعيم النقابي فرحات حشاد وهو احد اعضاء الديوان السياسي للحزب، وعمدت سلطة الاحتلال الى القبض على اعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد، غداة الاغتيال، فأبعدتهم الى المنفى في الصحراء بالجنوب.
دخلت تونس مرحلة المفاوضات مع الحكومة الفرنسية لتحقيق الاستقلال
.فكان الاتحاد حاضرا، الى جانب الحزب الحر الدستوري، في الاعداد لهذه المفاوضات وتوجيهها الوجهة التحريرية الشاملة لمختلف مقومات السيادة، وبالخصوص في الميادين الاقتصادية والاجتماعية. بذلك لم يكن الاستقلال السياسي هو الثمرة الوحيدة لتلك المفاوضات ولما سبقها ومهد لها من نضال شعبي. بل كان منطلقا لتوجيه النظام الجديد وجهة تحررية اجتماعية. فكانت ثمرتها الاولى اجراء الانتخابات لانشاء مجلس تأسيسي، كان للنقابيين نصيبهم الوافر بين اعضائه ودورهم المؤثر لتوجيه الدستور الوجهة الديمقراطية المستندة الى مراجع الذاتية العربية الاسلامية والضامنة للحريات والحقوق المدنية. ثم شارك اعضاء الاتحاد، بعدد مهم من الوزراء في الحكومة الاولى عام 1956، فاضطلعوا مع سائر القوى التقدمية بمسؤولية توجيه السياسة العامة وجهة ديمقراطية، وشاركوا في اقامة النظام الجمهوري وفي استصدار القوانين الاساسية الكبرى مثل مجلة التشريع العمالي، وقانون الملكية الزراعية، والقانون الاساسي للعملة الفلاحيين، وقانون الوظيفة العمومية وخطة اصلاح التعليم العمومي، كما كان لهم دورهم في اتخاذ القرارات الحاسمة مثل الخروج من منطقة الفرنك وانشاء البنك المركزي والمصارف البنكية المختصة، وانشاء مؤسسات التأمين والنقل والمواصلات، وبعث الجامعة التونسية ومدارس المهندسين ومراكز البحث العلمي.
يعسر تعداد المكاسب الكبرى من هذا الحصاد الطيب الذي شارك الاتحاد العام التونسي للشغل في زرع بذوره وجني حصاده
.وهو جهد لا يزال متواصلا، ولا تزال ثماره مرجوة. وقد يحسن، مع ذلك، التأكيد على البعض من الثمرات الحاصلة، نذكر في مقدمتها ترسيخ مفهوم المجتمع المدني في الفكر العام وفي نفسية المواطن. فقد عاش المجتمع فترة طويلة من التاريخ على الاخذ بمفهوم مجتمع الرعية في ولاء غير مشروط للعائلة الحسينية من البايات.وقد شهدت كتب التاريخ من ابن خلدون الى ابن أبي الضياف، على كان يفضي اليه مفهوم الاسترعاء ومبدأ الطاعة غير المشروطة لأولي الامر، من استكانة في الانفس ومن نفاق في السلوك ومن تعفن العلاقة بين المجتمع والدولة، ومن يؤول اليه بطش الحكام واستقالة النخبة واستسلام الرعية من خراب الاقتصاد ومن تصدع الكيان الاجتماعي وارتهان مستقبل البلاد.
لا نقول بأن الشعب التونسي اضحى، غادة الاستقلال متمتعا بجميع الحقوق، ممارسا لكل الحريات، حريصا على الفوز بهذه الممارسة متصديا لكل استنقاص من تلك الحقوق
.لا يكون ذلك قولا صحيحا من الوجهة التاريخية الذي لا يزال في المعاصرين نفر كثير من الشاهدين بعكسها. لكن الذي يمكن الجزم به ان عقلية الانسان التونسي قد نزعت عنها جلباب الاستقالة، الحجب التي كانت تمنعه من التبصر بحقوقه وواجباته، وخلع رداء استكانة كانت تقعده عن الاضطلاع بمسؤولية التكليف الوطني.غدا التونسي على مشارف ما يمكن ان نسميه «الترشيد المدني» ذلك من اطيب ثمرات الكفاح الوطني. وما كانت هذه الثمرة ليكتمل نضجها لو لم يكن لهذا الكفاح مضمون اجتماعي أضافته الى النضال السياسي حركة عمالية بزخمها الجماهيري، وبطعمها الاشتراكي، ومع ذلك لم يكن الفضل لها وحدها دون الحزب الحر الدستوري وسائر المنظمات الوطنية، ولا يمكن اغفال ان تغيير منزلة المرأة ورفع وصمة السفاهة والقصور عن هذه المنزلة هي من ابرز ايات ذلك الترشيد المدني ومن أبلغ التغييرات الاجتماعية عمقا وأبقاها أثرا.
نلمح الى ثمرة اخرى من ثمرات النضال السياسي ـ الاجتماعي، تخص الاتجاه الى العقلانية، وتفضيل التأويل العقلاني لشؤون الحياة، على ما كان متأصلا من التعلق بالخوارق والاوهام ومن الهروب الى الوجدانيات
.ومن ايات ذلك، تطور التدين عند العامة، تطورا تمثل في نبذ الشعوذة وتقليل الالتجاء الى الاولياء، والاقبال على اتخاذ الاسباب؛ كان لهذا التطور الموضوعي من التدين انعكاسه على موقف الانسان من الحياة العامة وشؤون الاقتصاد، وعلى ادراكه لضرورة التكسب ونبذ القعود والاتكال.
كسب الانسان من ذلك الترشيد المدني ومن هذا التصميم العقلاني اداراكا أسلم لحقوقه وواجباته، ولما بينهما من التلازم، كنا ادركت الحركة العمالية التونسية ان عليها واجبات جديدة لا تنحصر في الدفاع عن حقوق الاجراء المادية والمدنية دون الربط بينها وبين حقوق الشريحة العريضة من العاطلين، وان البطالة ليست وبالا على العاطلين وحدهم، بل يشمل ضررها سائر فئات المجتمع، ويخل بالتوازن الاجتماعي المؤسس على التضامن، وان عوز العاطلين ينعكس على تقلص الاستهلاك الداخلي ويفضي الى انكماش نشاط المؤسسات والى كساد السوق
.وتطور مضمون الحقوق بتطور مفهوم الحاجيات الاساسية للانسان، فأدركت الحركة العمالية ان حقوق الاجير، هي حقوق مواطنة، لا تكون مكفولة له بمجرد الرفع في قيمة الاجر كمؤشر للقيمة الشرائية ولا في توسيع سلة المنح الاجتماعية، ولا في تقنين حصة العمل وفسحة العطل، بل يقوم اشباع حقوق المواطنة على جوانب اعتبارية هامة تفتح في وجه الانسان امكانيات الحضور في الحياة العامة والاسهام في تكييف شؤون الحاضر ونحت سمات المستقبل. كما ادركت القيادات العمالية ان العمل واجب بقدر ما هو حق، واجب السعي من جانب المواطن أولا، وواجب التيسير والتحقيق من جانب الدولة. وان الوفاء بهذا الواجب قضية كلية متعددة الجوانب، وان لها كلفة اقتصادية، تتوقف على كفاءة الاستجابة من جانب الاقتصاد لواجب التشغيل، وان كلفتها حينئذ محمولة على المجتمع بجميع فئاته، كما ان لها كلفة سياسية تتمثل في التعويل على الاسواق الخارجية للتشغيل وللاستثمار، وما يقتضي ذلك من علاقات سياسية ومن قدرة تفاوضية.
اصبحت الحركات العمالية مدعوة ان تأخذ في الاعتبار التحولات الجذرية الحاصلة في العالم، تحولات في منطق الاقتصاد ونرعته الى التوحيد النظري والتسليم بمبادئ الوثنية الليبرالية والايمان بالاه السوق، معبودا واحدا لا شريك له
.وتحولات في وسائل الانتاج وطغيان الكشوفات الفنية على الجهد الفردي، وطغيان دور الآلة على دور الانسان داخل المؤسسة، وتحولات في اختلال التوازن بين المال والعمل في تحقيق الانتاج، وتناقص حجم العمل مع الزيادة في الانتاج، وتحولات في قيمة المال وفك الارتباط بين الربح وبين المبادرة والسعي الفردي في انشاء المؤسسات، وتحول المال في اكبر مقايديره الى المضاربات على الملة في اسواق الصرف بدلا من الاستثمار في ورشات انتاج السلع والخيرات، نتيجة لأولوية الربح العاجل في الزمن القريب على الجدوى المرتقبة في الاجل الوسيط او البعيد.
هذه من امثلة التحول الجذرية في زمن العولمة ووثنية السوق
.تقتضي من القيادات النقابية الاجتهاد في ادراكها والاحاطة بجوانبها المتعددة، وتقتضي بالخصوص حسن الاستعداد لمجابهة تحدياتها، انطلاقا من التسليم بالترابط الموضوعي المتين بين اقتصاديات العالم، ترابطا يزيد في تعميق التبيعية بالنسبة لاقتصاديات الدول الناشئة، تبعية تجعل هذه الاقتصاديات عرضة للأخذ قسرا بالتحولات الكبرى وغرضا لتأثير الرجات الكبرى، مثل التي حدثت اخيرا ببلدان اسيا الشرقية، فحطمت في ايام معدودات ثمار جيل كامل من المثابرة والتضحية والجهد الذكي.
7 ـ التحديات المستقبلية
تبدلت المفاهيم المهيمنة على النشاط الانساني في ظل اقتصاد السوق، وتحول عن مجراه المألوف نشاط الحركات النقابية في مفاوضتها مع رأس المال، مفاوضة ظلت مبنية على تضارب المصالح وتصادم العقليات، وتأسيس العلاقات المهنية
«داخل المؤسسة» على تفاوت الدرجات بين القلة المسيّرة من ذوي القمصان البيض وبين الكثرة المسخرة للتنفيذ والطاعة من اصحاب البدلات الزرقاء. والواقع ان اجتماعية العمل اصبحت اليوم غرضا لتحولات جذرية، حمل العديدين من الكتاب المنظرين على القول «بنهاية العمل» في اجل مقدر، وبالتالي القول بقرب الاستغناء عن الحركات العمالية، وفقا للمقولة المشهورة «تنتهي المعركة بفناء المتخاصمين» ولئن كانت بعض هذه المآلات لا تزال بعيدة عن الواقع الاجتماعي القائم في كثير من البلاد الناشئة، فان بوادرها تلوح في الافق، وان خط التطور متجه الى مصيرها. مما يجعل الاحتياط له واجبا متأكدا، طالما يسود الاعتقاد اليوم ان الاندماج في اقتصاد السوق، شر لا مفر منه، ومصير ضره اكبر من نفعه، وان خط التطور الاجتماعي في بيئة هذا الاقتصاد، كالنهر المعربد، الناجي من السابحين فيه قليل.
لذلك فان اكبر التحديات بالنسبة الى الاتحاد العام التونسي للشغل هو الثبات في الساحة الوطنية والنجاة من التهميش والعجز
.وأولى خطوات السعي في هذا القصد تقتضي تجديد المفاهيم وادراك التحولات والاحتياط لتأثيراتها في فسحة من الاستشراف المتستقبلي. فانه لا جدال اليوم فيما الت اليه امور الاقتصاد من ترابط وثيق بين القطاعات يؤثر بعضها في بعض، ومن تماسك جغرافي بين مناطق السوق في العالم، من فوق رأس السيادات القطرية، ومن احتكار القطرية، ومن احتكار الاقطاب المالية الضخمة لقرارات الاستثمار، ولنفاق سوق المعاملات او كسادها، بالنسبة الى الموارد الاساسية كالنفط. وقد غدت اوضاعنا الاقتصادية وثيقة الصلة بدوائر واسعة تتمثل اليوم في الفضاء الاقتصادي الاوروبي، المرتبط هو الاخر بفضاء الاقتصاديات الامريكية والاسيوية. وباتت احتياجاتنا من الاستثمار لتمويل التنمية متوقفة على التوجهات الربحية وجغرافية الجدوى المالية، المهيمنة على اختيارات التوظيف لتمويل المشاريع. واصبحت بلادنا مرسمة في جدولية عالمية للمناطق التي يحيق بالاستثمار فيها قدر محتمل من المخاطرة، الى جانب مناطق اخرى تتفاقم فيها سلبيات المخاطرة، فتحجم الرساميل عن ارتيادها. ولا حاجة للتذكير بأن انشاء المؤسسات الاقتصادية وتوظيف القوى العاملة فيها، هو من النتائج المباشرة لتوظيف الاستثمارات المعوّل عليها، وان ذلك يخرج جزئيا وكليا عن القرار السياسي، وعن الارادات المنفردة، المتعازلة.
8 ـ قابلية استيعاب العمالة
تدل الكثير من المؤشرات على ان التطور المنتظر لقابلية الاقتصاديات الكبرى لاستيعاب الطلب المتزايد من العمل هو في تراجع مستمر
.يعزى هذا الانكماش الى عوامل عديدة، اهمها التطور التكنولوجي المتسارع، الذي يجعل المؤسسة تحصل على منتوج أوفر بعمالة أنقص، أضحت تتقلص بمعدل 2 كل عام، مع تزايد في الانتاج بنسبة اكبر، قد تصل الى 3. كما يكون ذلك الانكماش راجعا الى عجز المؤسسات الصغرى والمتوسطة عن الصمود في اسواق المنافسة الضاربة، المترتبة عن تحرير التجارة، وانفتاح الاسواق المحلية للسلع المستوردة الاكثر اغراء والانقص ثمنا.ونعلم ان المؤسسات المتوسطة اكثر من المؤسسات العملاقة قدرة على تشغيل القوى العاملة بكلفة مالية اقل من كلفة انشاء فرصة عمل قارة مجدية لدى المؤسسات الكبرى. وان ما تلقاه من منافسة مدعاة الى «تسريح»أفواج عديدة من العاملين، بلغت بالمانيا مثلا 27 في بحر العشرين سنة المنصرمة، في حين تضاعف انتاج السلع مرتين ونصف. ويعزى التراجع في قدرة التشغيل ايضا الى ارتفاع نسبة الانتاجية في الصناعة والخدمات، بفضل التجهيزات الذكية، ومن جراء المزيد من احكام التنظيم داخل المؤسسة وتحسين نوعية العلاقات المهنية.
نعلم من الاخبار اليومية ما يتم بصورة متكررة من اندماج بين المؤسسات الاقتصادية العملاقة، بغية المزيد من التحكم في الاسواق، وكسب رهان المنافسة
.يترتب عن هذا الاندماج تسريح افواج كبيرة من القوى العاملة، قد تبلغ مئات الالاف، كما حصل عقب اندماج شركات صنع الطائرات او السيارات. وتفيد تقارير «O.C.D.E» منظمة التنمية بأوروبا، ودراسات منظمة العمل الدولية ان حجم البطالة سيتفاقم في العشرين سنة المقبلة بنحو 12 في السوق الاوروبية، واكثر من 15 بالبلاد الناشئة. ونعلم ان الاقتصاديات المصنعة تتجه الى التخفيض من ساعات العمل السنوية من 1600 الى 1000 ساعة، اي بنحو 40 وذلك لكي يحافظ الاقتصاد على طاقة الاستيعاب للطلب الاجمالي من الشغل. مع الملاحظة المعروفة ان هذا الطلب في البلاد المصنعة المتحكمة في النمو السكاني أهون بكثير من حجم الطلب في البلاد الناشئة ذات العمران الفتي. واكبر مشكلة تجابه المؤسسات في تطبيق هذه السياسة هو ابقاء حجم الاجور على مستواه الحالي، وهذا يعني زيادة نسبية بنحو 40 في اجر ساعة العمل، مع افتراض نظري لاستقرار القيمة الشرائية لهذا الاجر.
الاتجاه السائد الواجب اعتباره من جانب القيادات النقابية هو ان العمل يوشك ان يصبح عنصرا ثانويا من عناصر الانتاج، بسبب اكتساح المؤسسة من قبل التجهيزات الذكية التي تنوب عن جهد الانسان، بما لهذه التجهيزات من تحرك تلقائي ومن تسيير ذاتي مبرمج، يصبح العامل ازاءها مجرد رقيب أو مزود بالموارد او متعهدا بالصيانة عند الاقتضاء
.فلم تترك هذه الاجهيزة المتطورة مجالا لمبادرة الانسان ولا لإبداعه الشخصي، بعد اعفائه من الجهد البهيمي. لقد بات الاقتصاد الرأسمالي عاجزا عن ان يوفر لكل مواطن حقه في العمل المجدي المربح. ويشع القول بأنه لا مناص من الرضا في اقتصاد السوق بقدر معين من البطالة، وتذهب المدرسة الاشتراكية الجديدة الى وجوب الفصل بين العمل وبين الدخل، ويحتدم الجدال اليوم حول شرعية استحقاق الدخل بدون مقابل، وحول شروط اسناده، وبصورة خاصة حول مأتى الموارد لتمويله.. وفي انتظار حسم هذه الاشكالية يتجه اقتصاد السوق الى التنقيص من حصة العمل المأجور، بغية اغتنام الفائض من الساعات لاحداث مواطن شغل اضافية. ولكن الى اي حد يذهب هذا العد التنازلي في تقليص حصص العمل؟
ودلت التجربة في معظم البلاد الناشئة ان خوصصة المؤسسات العامة، وخروجها من مفهوم الخدمة الاجتماعية، التي أرادتها الدولة عند بعثها لهذه المؤسسة، واقتصارها على منطق الجدوى المالية التي يقف عندها اصحاب الاستثمار من الخواص، تفضي هذه الخوصصة الى تقليص حجم الشغل من بين عوامل الانتاج، والى تسريح نسبة مهمة من القوى العاملة
.اصبح الانتاج في غنى عنها، وزادت التجهيزات الذكية في تهميش دورها. وقد غدت خوصصة المؤسسات العامة سلوكا واسع الانتشار في عصر العولمة وشرطا أساسيا من شروط خطة التعديل الهيكلي التي «يوصي»بها صندوق النقد الدولي، وتلتزم بها معظم الدول الناشئة.
يتزامن إنكماش قدرة الاقتصاد على استيعاب القوى العاملة مع ضرورة مقاومة البطالة في الدول الناشئة بإعتبارها هدفا اساسيا بين اهداف مخططات التنمية، وقد اتخذت هذه الدول جملة من الاجراءات القانونية ومن الاعفاءات الجبائية ومن التسهيلات في ميدان البنية الاساسية، بغية جلب الاستثمارات الاجنبية وتوجيهها الى القطاعات المعملية والزراعية الاوسع امتصاصا للعمالة
.فبات تناقص كفاءة التشغيل بسبب تلك التوجيهات الليبرالية من أخطر السلبيات في اقتصاد السوق. واصبح صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات (بريتن وودز) مدركا لضرورة هذا الاتجاه في التعديل الهيكلي لتدارك انعكاساته الاجتماعية ولتلافي سلبياته على الاستقرار السياسي والامن في الدول الناشئة.
وتغيرت موازين القوى السياسية بمعظم دول السوق الاوروبية لفائدة التيارات اليسارية وهبت حكوماتها تعلن عن عزمها على اتخاذ الخط الوسط بين الليبرالية الرأسمالية وبين المكاسب الاجتماعية لشعوبها، وفي مقدمة هذه المكاسب الوفاء بحق الشغل وحق الدخل الكافي لإشباع حاجيات المواطن
.ومن نافلة القول ان الحركات العمالية تساند هذا التوجه الوسطي، وتعمل على نصرة الحكومات المبادرة بتطبيقه.ومن واجب الحركات العمالية بالبلاد الناشئة ان تدرك أهمية الرهان الاوروبي الجديد، وان تحتاط للقيام بدورها في تأييد السياسة الاجتماعية بأوطانها حتى تنجح في التنقيص من سلبيات اقتصاد السوق.
البقية في العدد القادم
: دور الدولة
(
المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 13 جانفي 2007)
الرابط
:http://www.echaab.info.tn/rubrique.asp?Rub_ID=256&Date=20070113
بحثا عن محمد علي الحامي في برلين
بقلم
: حسونة المصباحي
بدايات الخريف الشمالي
:الاشجار تتعرّى ببطء. الأوراق الصفراء والسمراء تغطي الارض والارصفة. رياح خفيفة تداعب هامات الغابات المذهبة. نهر «السبري»يتدفق هادئا ومتعبا. لا شيء على ضفتيه غير عجائز وشيوخ يتمتعون بجمال الخريف، دفء الشمس تظهر حينا، وتختفي حينا آخر وراء كل من السّحب المتفرقة، يدخل الباص البرتقالي ذو الطابقين جادة «لكودام»الشهيرة، ويسير متمهلا بين اشجار الزيزفون، برلين! آه برلين يرن اسمها في أذني كما نواقيس الأطفال أيام الاعياد، ثم يعج جسدي نغما مفعما بأحاسيس ومشاعر غريبة. طويلا تردّدت قبل أن أقرّر زيارتها، وذلك بالرغم من اني اقيم غير بعيد عنها منذ أكثر من عامين، ثمة شيء كان يحول بيني وبينها. ودائما كنت أحس انه علي ان استعد استعدادا خاصا قبل ان ادخلها بعض الاصدقاء في ميونيخ كانوا يقولون لي: «لا تذهب الى برلين!»عندما أسألهم عن السبب كانوا يبتسمون ويقولون لي: اذا ذهبت الى برلين فلن تعود منها انها مدينة فاتنة ومجنونة تستبد بعشاق الليل امثالك!»وكنت أدرك جيّدا معنى ما يقولون.ولذا فإني حين بدأت أهيئ رحلتي اليها، شعرت أني سأذهب الى مدينة تختلف عن كل ما رأيت من المدن الاوروبية. مدينة تحمل جراح التاريخ الالماني والاوروبي في آن، «ولا تبرأ من عللها» على حدّ تعبير الكاتب الالماني غونترغراس. مدينة تتجسد فيها أخطر الصراعات وعنف التناقضات التي يشهدها هذا العصر، مدينة الجنون، الفانتازيا والحب والحد على حدّ السواء! «سدوم القرن العشرين» أو «الفجارة الكبيرة» كما يسمّيها كلاوس مان ابن الكاتب الشهير توماس مان.
أدخل برلين بحثا عن اوجاع وهموم غربة قديمة
.غربة مثقف وقرية بائسة في الجنوب التونسي قادته الدروب الى برلين في بدايات الحرب العالمية الاولى. ولست ادري لماذا اتجه الى هناك في حين كان فيها أغلب المثقفين المغاربة والعرب يتجهون صوب باريس ولندن وأمريكا. ولن ابحث في هذا الأمر ذلك اني اعلم ان رحلات المغامرين الكبار لا منطق لها ولا تفسير انها التيه الرائع الشامل هكذا كانت رحلات او ليس، والسندباد، وابن بطوطة، وابن جلان، وكريستوف كولومبس وغيرهم كثيرون.
اسمه محمد علي الحامي
(1) اسم حفظناه ونحن صبيان مع النشيد الوطني ومع أسماء أخرى لرجال افذاذ «ماتوا شهداء من أجل حرية وطننا» هكذا كان يقول لنا معلمو الابتدائية. اتذكر قريته «الحامّة» هناك قرب قابس. واحات نخيل. عيون ماء ساخنة يأتيها المصابون بالروماتيزم. ذباب. غبار وقلق تكاد تسمع صريره وهو يأكل الوقت، نساء سمراوات في ملاءات سود يطللن من خلف الابواب بين وقت وآخر. شيوخ جالسون أمام الدكاكين أو في ساحة السوق. احمرة وبغال مشدودة الى أعمدة خشبية وغير بعيد من هناك ثمت الصحراء موحشة وفارغة وأمضيت ساعات طويلة وأنا ابحث عن أثر له غير اني لم أعثر سوى على صورة له مغبرة ومتآكلة الاطراف، معلقة في مكتب اتحاد النقابات، هناك سألت شيوخا عنه فقالوا لي أنهم يعرفون بعض افراد عائلته اما هو فلا يعلمون عنه شيئا. أُلحّ في اسئلتي غير انهم يزيدون ايغالا في الصمت. أبتعد الولد الاسمر النحيل، انطلق من قريته البائسة والمعزولة قبل ان يدرك سن المراهقة. التحق بأخيه الاكبر الذي كان يعيش في العاصمة ليكسب قوته كما هي عادة اغلب ابناء «الحامّة»وحال وصوله اشتغل خادما في بيت القنصل النمساوي وربّما يكون قد اكتشف هناك وهو يتأمل سيدات ورجالات أوروبا المتمدّنة أنه عليه ان يوغل بعيدا في المغامرة لفهم تلك الفكرة التي استحوذت عليه وهو لا يزال في سن الشباب المبكر: كيف تتحرر الشعوب وكيف تتطوّر الامم؟ نفس الفكرة التي كانت شغلت المصلح التونسي الكبير الوزير خير الدين باشا التونسي والتي عالجها في كتابه «أقوم المسالك في تحرير الممالك». غير انه مضى دون ان يتمكن من تحقيق حتى القليل مما كان يدعو اليه وتقول الاخبار انه رحل من تونس بائسا، وأنه لـمّا ركب الباخرة التي نقلته الى الاستانة، سقط طربوشه فقال كلمته الشهيرة: «هذه البلاد سوف تأكل أعز أبنائها!» ولم يكن محمد علي في مقام الوزير خير الدين كما انه لم يكن مطلعا مثله على أساليب التمدّن وعلى أسرار الحكم، بل انه كان ريفيّا عديم التجربة، غير انه كان يتمتع بفطنة ساعدته على التنصت الى حركة المجتمع، على السعي الى فهم ما كان يدور حوله من أحداث. وهذا ما دفعه وهو الخادم البسيط في بيت القنصل النمساوي الى الالتحام بالحركات الوطنية وبالمنظمات الاصلاحية التي كانت تنشط في تلك الفترة. كانت تونس خلال بدايات القرن تعيش يقظة على جميع المستويات.
المصلح الكبير محمد عبده يزور تونس ويلقي محاضرات في النوادي الثقافية يكون لها تأثير كبير على النخبة التونسية، طلبة جامع الزيتونة يتظاهرون في ربيع
1910 مطالبين بتجديد أساليب الدراسة وبإدخال العلوم الحديثة الى مناهج التدريس جماعة «تونس الفتاة» بقيادة زعيمهم المستنير علي باش حانبه يأسسون النوادي الثقافية في العاصمة ويخطبون في الجامعات الطلابية محرضين على الاستنارة وعلى ضرورة الاستفادة من التمدّن الاوروبي. مظاهرات صاخبة عام 1911 ضد التجنيس وضد أساليب التفرقة التي كانت تنتهجها السلطات الاستعمارية الفرنسية بين العمال الاوروبيين والعمال التونسيين وتلك القصيدة الشعبية التي كان يرددها الناس (2):
اخدم وتحزم بشريط
حل الصّرة تلقى خيط
اخدم حتى لين تموت
ياباب الله
:تنال القوت
ثم يهاجم الطليان ليبيا، فيتدفّق المتطوّعون التونسيون لمناصرة اخوتهم هناك
.وتزغرد نساء الجنوب السمراوات وهن يسمعن طلقات الدغباجي (3) في جبال عرباطة (4) الجرداء. ويمضي رجال الى الموت منشدين:
خمسه اللّي لحقوا بالجرّة ملْك الموت يراجي
لحقوا مُولى العركهْ المرّة المشهور الدغباجي
(5)
ويترك محمد علي بيت القنصل النسماوي، ويرحل عبر الصحراء الى طرابلس
.هل قاتل هناك؟ لا احد يدري.هل كانت مهمته تقتصر على الاتصال ببعض زعماء المقاومة؟ لا أحد يدري أيضا انها الخطوات الاولى في طريق المغامرة الطويلة والشاقة ومن الاكيد ان محمد علي لما خرج من تونس، كان مدركا لاشياء كثيرة، وكان مطلعا اطلاعا جيدا على الاحداث السياسية. بل انه ربّما شعر وهو يشق صحراء الجنوب باتجاه طرابلس إنه لا بدّ ان يفعل شيئا ما لذلك الوطن الذي تركه خلفه. ثم شوهد محمد علي عام 1912 في اسطنبول التي أقام فيها حتى نهايات الحرب العالمية الاولى. كيف عاش هناك؟ الاخبار بشأن هذا الموضوع مضطربة الى حد كبير، البعض يقول انه التحق بالجيش العثماني وعاش متنقلا بين الثكنات العسكرية. والبعض الاخر يقول انه كان السائق الخاص لانور باشا وزير الحربية في الحكومة الثلاثية لحزب الاتحاد والترقي (طلعت ـ أنور ـ جمال). وآخرون يشيعون انه ساهم مع رجالات تونس المهاجرين والمنفيين في التعريف بالقضية الوطنية التونسية، وفي كشف جرائم السلطات الاستعمارية الفرنسية في كل من تونس والجزائر والمغرب.لكن المهم هو ان محمد علي عاش في اسطنبول في فترة كانت تشهد أحداثا تاريخية لم يسبق لها مثيل: امبراطورية «الرجل المريض» تحتضر، والقوى الامبريالية الكبيرة تتحارب بضراوة لتتقاسم النفوذ في العالم، والعالم العربي الاسلامي ينهض ببطء ويستعد لدخول مرحلة جديدة في تاريخه، ومن الاكيد ان ذلك الشاب النحيل ادرك بفطنته الريفية ان آخر الامبراطوريات الاسلامية تندفع نحو الهاوية، وأنه عليه ان يرحل باتجاه اوروبا ليزداد ادراكا ووعيا بمعنى ما كان يدور حوله وهكذا دخل برلين ونار الحرب لما تزل مشتعلة بينما في بلاد القياصرة مترامية الاطراف ارتفعت الاعلام الحمراء، وأعلن البلاشفة عن تكوين اول جمهورية «للعمال والفلاحين».
برلين
!اتصوّره يدخلها في بدايات شتاء بارد، بعد رحلة طويلة قطع خلالها بلاد البلقان اثار وروائح الحرب في كل مكان شوارع يتكدس فيها العاطلون والمشوهون والارامل والاطفال والمهاجرون والجنود المهزومون العائدون من جبهات القتال. يمشي فيها مرتبكا كعادة كل الريفيين في المدن الكبيرة وتبدو له برلين في البداية شبيهة بـ «ثكنة عسكرية باردة وبشعة»، ويبدو له البروسيون بغطرستهم «كما لو ان كل واحد منهم قد ابتلع الهراوة التي اشبع بها ضربا ذات مرّة» وسرعان ما تفوح رائحة الهزيمة في كل مكان. ويتهاوى الحلم البروسي مثلما يتهاوى فجأة الحصان الجامح. وها الفتى النحيل يسير في شوارع برلين ملتفا بمعطف سميك، منتبها الى ما يدور حوله، مصغيا الى انات ضحايا الحرب، مدركا ان مغامرته التي بدأت منذ سنوات اخذت منعرجا جديدا وهو هناك في قلب اوروبا المتمدنة والقوية ووسط ذلك الجوّ القاتم تشن تلك المناضلة الاشتراكية العرجاء التي تسمى روزا لكسمبورغ معركة عنيفة ضد البورجوازيين وضد جنرلات الحرب البروسيين وتؤسس حركة «السبارتاكوس»وتدعو من خلالها الى ضرورة اقامة «جمهورية العمال» غير ان أعدائها لا يمهلونها وذات ليلة يداهم الجنود البيت الذي كانت تختفي فيه ويأخذونها صحبة رفيقها «كارل ليبنخت» الى «فندق عدن» الفاخر. وهناك ينكلان بهما على مرأى ومسمع من «النزلاء وهم في بدلات السموكينغ الانيقة». وبعد ذلك يفجرون رأس كارل ليبنخت، ويسحلون روزا لكسمبورغ ويسحبونها على الأرض وهي نصف ميّتة وداخل عربة عسكرية يفجرون رأسها برصاصة ثم يلقون بجثتها في نهر «السبري».
هل تعرّف محمد علي الحامي على روزا لكسمبورغ قبل قتلها؟ البعض يشيع ذلك غير انه ليس هناك اي دليل مقنع بخصوص هذا الموضوع ومع ذلك فإن الثابت هو ان محمد علي الحامي تابع باهتمام ما حدث لقادة حركة
«السبارتاكوس»، وربما يكون قد تأثر بشيء من افكارهم وهو ما ستؤكده الاحداث فيما بعد ومن الثابت ايضا انه كان على اتصال بالحركات السياسية والنقابية وبمناضلين اشتراكيين وديمقراطيين، وبمهاجرين مثله كما انه كان يتردد باستمرار على «النادي الشرقي» ببرلين الذي كان يرأسه المناضل العربي الكبير شكيب ارسلان ومع ذلك تبقى المعلومات قليلة بخصوص الستة اعوام التي اقامها محمد علي الحامي في برلين والذين لازموه اثر عودته الى تونس وخاصة صديقه وابن قريته المصلح الطاهر الحداد (6) لا يقولون شيئا كثيرا بخصوص هذه المسألة غير انهم يؤكدون انه حصل هناك على شهادة دكتوراه في الاقتصاد هل هذا صحيح؟ الغموض يحيط بالفتى الجنوبي حتى النهاية. والواضح انه انتسب فعلا الى جامعة «هامبولت»الحرة في برلين. ورئيس هذه الجامعة المذكورة يقول في وثيقة نشرت في كتاب عن حياة محمد علي الحامي صدر عام 1975 (7) أنه «لا توجد شهادة علمية تحمل اسم الشخص المعني بالامر الا ان اوراق الارشيف تؤكد ان محمد علي الحامي كان مرسما بكلية الفلسفة (فرع الاقتصاد) وانه وقع فسخ ترسيمه لعدم مثابرته» ومع ذلك فان كل شيء يشير الى ان الفترة التي عاشها محمد علي الحامي في برلين كانت من أخصب فترات حياته اذ انه تعلم خلالها اشياء كثيرة، واحتك بالناس وازداد معرفة بالحياة وبالتاريخ، وأيضا بأحوال الامم والشعوب.
الساعة الثالثة ظهرا، امشي في جادّة
«الكودام»مستمتعا بالهواء البرليني العليل، وبخشخشة الاوراق الميتة تحت الاقدام. آه ما اروع الخريف في المدن التي نحبّ!أجلس على مقعد خشبي في احدى الساحات الصغيرة وأتخيل محمد علي الحامي يأتي اليّ في معطفه الرمادي الطويل ويحتضنني. ثم يأخذني عبر الشوارع التي سار فيها والاماكن التي تردد عليها والمقاهي التي جلس فيها ويحدثني عن همومه، وعن أفكاره وعن النساء اللائي دفّأن فراشه، فراش المغترب، وعن الرجال الذين تقاسم معهم آلام الغربة ومصاعبها. انتظرلكن لا شيء غير صورته المغبّرة والمتآكلة التي رأيتها معلقة في مكتب اتحاد النقابات هناك في قريته البعيدة. انظر حولي فانتبه الى أني جالس في ساحة تحمل اسم الرسام الشهير «غيورغ غورس» الذي رسم الحياة اليومية لبرلين العشرينات. اعاود السير، ويتيه خيالي في عوالم تلك المرحلة الرائعة من تاريخ برلين.
ابتداء من عام
1910، بدأت برلين تشهد نشاطا ثقافيا وفنيا لا مثيل له. وكل ذلك كان يدور في الكاباريهات وفي مقاهي عديدة اشهرها مقهى «Cfé GrBenwahn أي مقهى «هذيان العظمة» نظرا للمشاريع المجنونة وللاحلام الفنية والادبية التي ولدت فيها وكان يؤمها بوهيميون، وهامشيون ورسّامون، وممثلون، وشعراء. وفيها ولدت الحركة «التعبيرية» الشهيرة غير ان هذا النشاط الفني والثقافي الرائع سرعان ما توقف خلال سنوات الحرب، أو انه بالاحرى ظل ينمو في العتمة وفي الشوارع الخلفية لمدينة برلين بعيدا عن دوي المدافع وعن غطرسة الجنرالات البروسيين القساة وما ان خمدت نيران الحرب حتى عاد اولئك البوهيميون والفنانون والشعراء الى ممارسة «هذيانهم»في المقاهي والكاباريهات غير مبالين بشيء ولان برلين تتمتع بقدرة على التحدي لا تتمتع بها مدينة اوروبية اخرى فانها سرعان ما نسيت فواجع الحرب وآلامها، وارتمت نهمة وعطشى في بحر اللذات وفي فترة قصيرة، حوّل فنانون وكتاب من امثال «لودفيك كيرخنار» و»برتولد برخت» و»تيخولسكي»و»هاينريش مان» وغيرهم مدينة برلين الى عاصمة ثقافية لاوروبا باسرها يؤمها الفنانون الطليعيون والثوريون من كل مكان.
كانت برلين خلال العشرينات تجوع وتتألم وكانت بناياتها رمادية، وشوارعها قذرة وبشعة غير انها مع ذلك كانت ترقص وتغني حتى الصباح، وتستمتع بمسرحيات
«ستراندبارغ»و»ابسن»و»ماكس راينهارد» وبأشعار «برتولد برخت» الحماسية، وبقصائد وكتابات «غوتفريد بن» الموغلة في اليأس والتشاؤم، وبمقالات «تيخولسكي»العنيفة والساخرة، وبلوحات الرسامين التعبيريين من امثال «ادوارد مونش» و»كوكووشكا»و»شاغال»وغيرهم وكان ثمّة شاب بنظارة، وبشعر غزير، وشارب كث يتجول في شوارعها وفي مكتباتها، ويسجل في دفاتره ملاحظات كثيرة ستكون في مرحلة لاحقة، الاساس لاعمال فكرية ونقدية وفلسفية متميزة. هذا الشاب كان يدعى «فالتربنيامين».
وفي تلك الفترة أيضا كانت برلين متعددة
.كانت هناك الف «برلين»كما يحلو للبعض ان يقول: «برلين الحمراء» أي برلين الفقراء والعمال والبروليتاريا الرثة الذين يسكنون احياء «فيدينغ»و»كرويتسبارغ»و»برلين تيرغارتن» البرجوازية، «وبرلين غرينفالد» الارستقراطية، وبرلين المهاجرين الروس، وبرلين الشعراء الثوريين السوفيات من أمثال «ليسيتسكي»و»ماياكوفسكي»و»ايسنين»و»بايلي»وكانت هناك ايضا «برلين الشيوعية وبرلين التي تهيئ نفسها للانتقام من الذين هزموا جيوشها، وحطموا احلام جنرالاتها.
ولعل أروع رواية صورت تلك الفترة هي رواية
«الفريد دوبلن» الشهيرة برلين ـ ساحة الاسكندر» وهي رواية ضخمة ومليئة بالتفاصيل مثل رواية «عوليس»لجيمس جويس، وابطالها عاطلون وهامشيون وعاهرات، وعازفو الارغن والذين كانوا يهيمون في الشوارع، ويتنقلون بين البارات القذرة، وينامون في ملاجئ شارع «فروبيل»الليلية وكل هذه العوالم الجحيمية والبائسة يصفها لنا «دوبلن»من خلال شخصية سجين قديم اسمه «فرانز بيباركوف» شبيه الى حد بعيد بسعيد مهران بطل رواية «اللص والكلاب»لنجيب محفوظ.
هل تأثر محمد علي الحامي بعوالم برلين خلال العشرينات؟ هذا مؤكد خاصة وان جل الوثائق تثبت انه كان يتقن الالمانية والفرنسية لكن المرجح هو ان محمد علي قد اهتم بالاحداث السياسية والنقابية، وبالاحزاب الاشتراكية وغيرها اكثر مما اهتم بأي شيء اخر وواضح جدا ان الفكرة الاساسية التي كانت تشغل ذهنه طول الوقت هي
:ماذا يمكنه ان يفعل لذلك الوطن الذي رحل عنه منذ سنوات طويلة؟
أين سكن في برلين ؟ يحلو لي ان اتخيل دائما واراه يسكن شقة صغيرة في حي
«كرويتسبارغ»العمالي حيث المهاجرون والمحرضون السياسيون والنوادي الاشتراكية، والمثقفون التقدميون والثوريون.
في الساعة العاشرة ليلا أركب الباص رقم
29 وأتوجه الى حي «كرويتسبارغ»انزل في احدى الساحات. لا احد غير بعض السكارى، اتمشى على مهل، الشوارع فارغة او تكاد، يعترضني رجل ضخم يدب ثقيلا ويسعل في كل خطوة تقريبا اسأله عن اهم الاماكن في الحي، فيجيبني دون ان يلتفت الي «اذهب في أي اتجاه سوف تجدها!» اسير لمدة عشرين دقيقة، وأجد نفسي في شارع به مطاعم ومقاه كثيرة ادخل واحدة اسمها مقهى «القاهرة»أجلس هناك اكثر من نصف ساعة ثم أسأل النادل اللبناني عن سبب فراغ الحي فيقول لي مبتسما «لقد اتيت مبكرا. اذا اردت الاستمتاع باجوائه الجميلة فتعالى اليه عند منتصف الليل او بعده بقليل» اركب الباص 29 من جديد، وأعود الى الفندق أحاول ان انام غير اني لا استطيع برغم التعب اقلب صحفا واوراقا. اطفئ النور. انتظر. لا يأتي النوم. أخرج الى المدينة من جديد اقف امام قاعة سينما فيلم «اللامرتشون» بطولة «روبرت دي نيرو» و»شين كونري» اتردد في دخول الفيلم جميل وهو يروي قصة المافيا الايطالية في شيكاغو خلال الثلاثينات. ويصفق الجمهور اكثر من مرة اعجابا ببعض اللقطات حتى اني تخيلت نفسي في قاعة «ستوديو 38» بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية (قاعة تعرض افلام الوستارن والكارتي والمغامرات البوليسية) بعد ان ينتهي الفيلم اتمشى في «الكودام»فأجده مزدحما كما في الخامسة ظهرا.
في ربيع عام
1924 يترك محمد علي الحامي برلين تعيش عوالمها الوردية غير مبالية بها كان يترصدها من فواجع واخطار يعود الى الوطن بعد ثلاثة عشرسنة من الغياب. ومن المؤكد شعر بضرورة ذلك خاصة وان التجارب والمحن التي عرفها أثناء سنوات الترحال والاغتراب تخول له ان يشرع في انجاز ما كان وعد به وطنه وهو يجتاز الصحراء باتجاه طرابلس.
ويصل محمد علي الحامي الى تونس فيجدها تعيش أيام عصيبة، وظروفا قاسية
:مجاعات، وقمع، وتشتت في صفوف الحركة الوطنية، ويأس تام من تلك الوعود التي لوحت بها السلطات الاستعمارية خلال الحرب وبعدها وكان المناضل الكبير الشيخ عبد العزيز الثعالبي صاحب كتاب «تونس الشهيدة» في بلاد الشرق يتصل بالزعماء الوطنيين وبرجالات الحكم في مصر وفلسطين والحجاز والعراق، وكان هناك مناضلون آخرون في المنافي ومن تبقى منهم صامت خوفا من القمع وهناك في قلب المدينة العتيقة، وعلى مسافة قريبة من جامع الزيتونة، فيها هامشيون يجتمعون في مقهى شعبي يسمى مقهى «تحت السور» وكانوا يعربدون ويسخرون من الدنيا والناس ويكتبون وسط دخان السجائر وضجيج الزبائن قصائد وأغان، ومقالات ساخنة وقصصا قصيرة مستوحاة من اجواء «غي دي موبسان»وكان بين هؤلاء محمد العريبي البودليري المتشائم وعلي الدوعاجي القصير واللاذع اللسان، وعبد الرزاق كرباكة المتشبع بالثقافة الشعبية وآخرون كان لهم دور كبير في تطوير الثقافة التونسية الحديثة وكان الشابي يصرخ ملتاعا ويائسا:
ألا ايها الظالم المستبدّ
حبيب الظلام، عدو الحياة
سخرت بأنات شعب ضعيف
وكفك مخضوبة من دماه
وسرت تشوه سحر الوجود
وتبذر شوك الاسى في رباه
!
وفي المساءات كان يهيم في حدائق البلفدير للتخفيف من الام مرض القلب الذي كان يعاني منه، وكان هناك رجل طريف يدعى علي الجندوبي يجول في المدينة كل يوم حاملا قفة ضخمة بها المقال اليتيم الذي نشرته له احدى الصحف التونسية
.و فتى اسمر ونحيل، من نفس منطقة محمد علي الحامي يدعى الطاهر الحداد كان نادى بضرورة تحرير المرأة، متحدّيا سلطة فقهاء جامع الزيتونة الذين لم يترددوا في تكفيره والمطالبة برجمه. وحالما يصل محمد علي الى تونس يتخذه رفيقا له في دعوته الجديدة. ومعه يجول المدن والقرى والمداشر سعيا لتأسيس اول اتحاد نقابي للعمال والحرفيين التونسيين.
اكتسب محمد علي الحامي خلال اقامته في برلين تجربة نضالية مهمة، وقدرة فائقة على التنظيم والتخطيط ولانه عمل كما تأكد ذلك بعض الوثائق في احدى المعامل الكبرى للسيارات فانه قد كان اطلع على برامج النقابات والمنظمات العمالية وتمرسّ بتجاربها في النضال، وادرك ان المجتمع اذا لم تتضامن فيه قواه الحيّة لا يمكن ان يتحرر وهكذا وحالما حط الرحال شرع في تنفيذ فكرته
.
كان اسمه
«العم حمدة»« كان دائما في كسوته الزرقاء ولا تكاد سيجارة «الارتي»تفارق فمه. كنا نجلس في ذلك المقهى المعتم هناك قرب ميناء بنزرت وكان يحدثني عن أيام قديمة وعن ذكريات شبابه وعن استشهاد احد أبنائه في معركة بنزرت. آه ! كم كانت جميلة تلك الايام. كنت التهم الكتب، واتردد على صيادي الاسماك والعب الورق مع الجنود، وأعاكس النساء في السوق المركزي، وبنات المعهد في مكتبة المدينة. كنت سعيدا برغم البطالة وكان العم حمدة يقول لي دائما «خذ هذه السيجارة وسيفرجها الله في يوم من الايام»!» وذات مرة اخذني الى بيته هناك في «حي الاندلس» أجلسني في الصالة الصغيرة، المتواضعة الاثاث وأتاني بكأس شاي. انتبهت الى انه يعلق صورة كبيرة لمحمد علي الحامي ولما رآني احدّق فيها قال لي «اتعلم اني أحب هذا الرجل تماما مثلما أحب ابي أو ابني الذي مات.. مازلت اذكرالى حدّ الان يوم جاءنا الى بنزرت كنت إذ ذاك في الثانية عشر تقريبا، وكنت اصاحب ابي من حين لاخر الى الميناء لانه كان يعمل عتالا. وذلك اليوم جاءنا رجال وخطب فينا فتى نحيل وهادئ لم افهم ما قاله فانا كنت صبيا ساذجا في ذلك الوقت، غير اني ادركت ان ابي وجميع العتالين استحسنوا ما قال وصفقوا اكثر من مرة ومن الغد تظاهر العتالون في شوارع بنزرت واطلق الجندرمة الرصاص وسقط خمسة أو ستة لا اذكر ولما كبرت، وأنضويت الى النقابة انتبهت الى ان ذلك الفتى الاسمر النحيل هو محمد علي الحامي».
مثلما روى
«العم حمدة» فان محمد علي الحامي راح يطوف البلاد من اقصاها الى أدناها مرفوقا بالقليل من انصاره، ناشرا دعوته بصوت واثق وهادئ وبصبر لا يتمتع به الا من تمرس بالحياة ونحن نجده مع عتالي بنزرت ومع العمال الزراعيين في غار الملح وماطر ومع عمال الرصيف في تونس العاصمة ومع اهالي زغوان ولعل اهم ما قام به اثناء جولاته تلك هو اتصاله بعمال مناجم الفسفاط في منطقة المتلوي بالجنوب التونسي، والذين كانوا يعيشون اوضاعا قاسية تتجاوز الى حد بعيد تلك التي وصفها لنا «آميل زولا»في روايته الشهيرة «جرمينال».ويروي الطاهر الحداد ان محمد علي كان يتأثر شديد التأثر بمناظر البؤس والفاقة وانه كان يتحدث كثرا في جلساته عن مشاهد الجوع التي رآها في مناطق الجنوب التونسي، وعن قوافل البدو المتجهة الى المدن بحثا عن القوت بعد ان اكلت الجوائح المتوالية مزارعهم وانعامهم ويروي ايضا انه كان يطوف معه في العاصمة في ليالي الشتاء الباردة وانه كان يحزن شديد الحزن حين يرى اناسا وأطفالا دون سن الرشد ينامون على الارض أو في مداخل البنايات والذين عاشوا تلك الفترة يقولون ان محمد علي كان يتمتع بذكاء حاد وبقدرة فائقة على التنظيم والاقناع وكان رصينا ومسالما وفالحا في مخاطبة البسطاء من الناس وفي ارشادهم وتوعيتهم… الى جانب هذا كله يذكر الحداد ان محمد علي كان شغوفا بالموسيقى الكلاسيكية الالمانية الى حد بعيد، وأنه حريص عل الاستماع اليها اثناء السهرات وكان يحرض اصدقاءه على ان يفعلوا مثله لان تلك الموسيقى حسب رأيه تهب الانسان القوة والنشاط، اما الموسيقى العربية فهي توجعات وأنات وآهات تثقل النفس والروح وهذا ما يؤكد لنا ان محمد علي الحامي قد استفاد من حياته البرلينية استفادة كبيرة وان لم يعد فقط لينظم العمال ويؤسس نقابات وانما ليغير العقول والمفاهيم ، وليساعد على تحرير الناس من التقاليد والافكار القديمة.
وفي فترة قصيرة تمكن محمد علي الحامي وانصاره من توعية العمال والحرفيين واقناعهم بضرورة الاتحاد للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم وهكذا انبعثت للوجود اول منظة نقابية في تاريخ تونس الحديث
.
وسرعان ما بدأت السلطات الاستعمارية تعي خطر ذلك الشاب النحيل والغامض وارسلت وراءه جواسيس ومخبرين لمتابعة اعماله ومراقبة تحركاته وتسجيل اقواله وتصريحاته ولم تتردد طويلا في القاء القبض عليه والزج به في السجن صحبة جمع من انصاره وجميعهم وقفوا في قفص الاتهام يوم
12 نوفمبر 1925 ، ووجهت اليهم تهمة التآمر على أمن الدولة وبعد المفاوضات اصدرت المحكمة حكما يقضي بنفي محمد علي الحامي وانصاره لمدة تتراوح بين 10 و5 سنوات.
بعد ذلك تبدأ رحلة عذاب طويلة ومن جديد يعود الغموض ليلف شخصية محمد علي حتى النهاية
.
توضع السلطات الاستعمارية الجماعة المذكورة في باخرة متجهة الى نابولي بايطاليا
.وهناك يلقي البوليس القبض عليهم ويمضون اسبوعا كاملا في الايقاف . ثم تأخذهم السلطات الايطالية الى «بوستيميا»على الحدود الايطالية اليوغسلافية . وبعد ذلك اختار كل واحد منهم الطريق الذي يناسبه وبخصوص محمد علي الحامي تقول الوثائق انه اتجه الى تركيا غير ان شرطة الحدود رفضت دخوله ونحن لا ندري بعد ذلك إلى أين اتجه، غير ان وثائق «الكاي دورساي» تقول ان الشرطة الفرنسية القت القبض عليه في مدينة طنجة يوم 25 فبراير 1926 وهو يستعد للالتحاق بالمقاومة الريفية في جبال الاطلس وبعد ذلك اقتادوه الى مرسيليا، ثم اطلقوا سراحه وقد يكون محمد علي الحامي طلب بعض المال من ابن عمه الذي كان يعيش في باريس في ذلك الوقت وركب الباخرة الى الاسكندرية. ويتواصل الغموض بخصوص حياة محمد علي بعد ذلك غير ان بعض المؤرخين يقولون انه استقر في القاهرة وعمل سائقا عند احد الباشوات المصريين. غير انه رفض ذات ليلة حمل السفيرالفرنسي الى مقر اقامته بعد ان حضر حفلا في قصر الباشا المذكور، ومن جديد يهيم على وجهه في ارض الشرق. وتلفظه دروب الضياع في جدة حيث يعمل سائقا ومدرّسا للغة الفرنسية، وفي يوم 10 ماي 1928 اصطدمت سيارته بسيارة اخرى في الطريق بين مكة وجدّة بوادي مصيلة فمات متأثرا بجرح خطير في دماغه.
وهكذا مضى ذلك الفتى الجنوبي المغامر يلفه ذلك الغموض الذي رافقه من البداية الى النهاية
.
تقول لي العجوز اللطيفة التي تدير بنسيون
«كولومبو» : ماذا ستكتب عن برلين؟ اقول لها:عن محمد علي الحامي.
تمدّ رأسها مستفسرة انطق الاسم من جديد واروي لها تفاصيل حياته، تفتح فمها مندهشة وتقول لي
«كأنها قصة من ألف ليلة وليلة!» تصمت قليلا ثم تضيف: «احيانا لا يمكننا ان نتصور ماذا يمكن ان يفعل شخص واحد في تاريخ امة من الامم أو شعب من الشعوب».
أجلس في المقهى المواجه للبنسيون
.مقهى جميل تضيئه شموع بنفسجية، ويؤمه طلبة وعشاق وفنانون. اكتب بطاقة لاصدقاء بعيدين. وعلى ظهر احداها اكتب لصديقي عبد الجليل بوقرة المقيم في القيروان: «بحثت عن اثر محمد علي الحامي، فلم أعثر على شيء. غير اني أخال أنه معي في الشوارع والساحات يقاسمني غرفة البنسيون، وأيضا كأس البيرة الذي امامي صديقي عبد الجليل بوقرة هو ايضا يعلق صورة ضخمة لمحمد علي الحامي في شقته ومرة قال لي: «اساتذة الجامعة عندنا ينقبون الوثائق ويتجادلون طول الوقت لكي يثبتوا ان محمد علي لم تكن له شهادة الدكتوراه يا لهم من اغبياء! ألا يعلمون ان حياة المغامرين الكبار لا تقاس بالشهائد وان اكثرهم جرأة لن يتمكن من ان يعيش يوما واحدا من ايام رحلة محمد علي الطويلة!».
الهوامش
:
1)
محمد علي الحامي (1890 ـ 1928) مناضل وطني تونسي ومؤسس اول منظمة نقابية تونسية.
2)
معنى هذه القصيدة : اعمل بجدّ لكنك لن تحصل على شيء، اعمل حتى تسقط ميّتا لكنك بالكاد تنال قوتك.
3)
الدغباجي: مناضل من الجنوب التونسي خاض الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي . وساند مقاومة الليبيين للغزو الايطالي. أعدم عام 1922 في ساحة قريته.
4)
جبال عرباطة: جبال مشهورة في الجنوب التونسي احتمى بها الثائرون التونسيون .
5)
هذه اغنية مشهورة في الجنوب التونسي وهي تعني: الرجال الخمسة الذين التحقوا به مصيرهم الموت! لقد التحقوا بصاحب المعركة الصعبة المشهور الدغباجي
6)
الطاهر الحداد صاحب كتاب «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» الذي دعا فيه الى ضرورة تحريرة المرأة.
7)
هو كتاب «محمد علي الحامي وحوادث الايام» لمحمد علي بلخوجة مطبعة الاتحاد العام التونسي للشغل 1985.
(
المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 13 جانفي 2007)
الرابط
:http://www.echaab.info.tn/rubrique.asp?Date=20070113
يلهثون وراء العلامة … ومعدلات الدخول ترتفع
أكـثر من 177 زيارة وآلاف المقابلات مـع المساجيــن
إماطة اللّثام عن المجزرة التي استهدفت عائلة المهاجر التونسي بإيطاليا
زوجــان إيطاليــان اعترفا بقتل زوجة عـــزّوز وابنــه وحماتــه وجارتـه بعــد 10 ساعــات مــن الاستنطـــاق ** عزوز بعد كشف الحقيقة: «اليوم أعيش من أجل الانتقام وحلمي أن اقتصّ منهما بنفسي»
قنـاة TT1 التونسيـة الجديدة تبدأ البثّ التجريبـي فـي 20 مـارس القـادم
** مقرّ اجتماعي ببرج العامري واستوديوهات بالناظور
الطفل «الفرعوني» الذي تحدّى الجوع والفقر والنفي والاتّهامات ليتحوّل إلى أشهر مذيع بتونس
سم الله الرحمن الرحيم
حقيقة التشيع ــ الجزء الثاني
متابعة للحلقة الماضية عن التشيع وحقيقته , أقول وبالله التوفيق : إن التشيع قام على أسس خاطئة ، منها طعنهم في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , فهو كلام الله تعالى المعجز المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام , المنقول إلينا بالتواتر , المتعبد بتلاوته , المبدوء بسورة الفاتحة والمختتم بسورة الناس , والمتحدى بأقصرسورة منه , والذي تعهد الله بحفظه فقال » إناأنزلنا الذكر وإنا له لحافظون » ومع ذلك إدعوا تحريفه , وكان ينبغي أن يكون المرجع الجامع الذي لا يختلف عليه بين أبناء المذاهب جميعا , لكن مع الأسف قام أحد العلماءالكبارفي النجف: الحاج ميرزا حسين محمد تقي النوري الطبرسي , الذي بلغ من إجلالهم له عند وفاته سنة 1320 هجري أن دفنوه في بناء المشهد المرتضوي بالنجف بتأليف كتابا سنة 1292 هجري سماه » فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب » جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور , يدعي بأن القرآن قد زيد فيه , ونقص منه , وطبع الكتاب في إيران سنة 1298 هجري , وعندطبعه قامت حوله ضجة كبيرة , لأنهم كانوا يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصورا بين خاصتهم ,ومتفرقا في مئات الكتب المعتبرة عندهم , وأن لايجمع ذلك كله في كتاب واحد , تطبع منه ألوف النسخ , ويطلع عليه خصومهم من أهل السنة , فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع , وللإنصاف أبدى كثير من علمائهم تحفظا ورفضا للكتاب . ومما استشهد به هذا العالم النجفي على وقوع النقص من القرآن إيراده في الصفحة 180 من كتابه سورة تسميها الشيعة » سورة الولاية » مذكور فيهاولاية الإمام علي السلام » ياأيها الذين آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم » ونحن أهل السنة والجماعة نعتقد بأن الإمام علي عليه السلام ولي الله , لكن ورود ذلك في سورة من القرآن , فهذا غير صحيح ولا أساس له من الصحة , وإنما أحاديث كثيرة واردة في السنة تبين فضل وقدر وعلم هذا الإمام العظيم ويكفيه فخرا أنه إبن عم وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين, وأبناؤه سيدا شباب أهل الجنة , ورجل يحبه الله ورسوله وهذا أعلى وسام فاز به سيدنا وحبيبنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه . وأيضا مما تزعم الشيعة أن آية من سورة ألم نشرح » وجعلنا عليا صهرك » أسقطت منها , والحقيقة مجافية لهذا الزعم , إذ أن سورة الإنشراح مكية وأبوا الحسن رضي الله عنه لم يتزوج السيدة فاطمة عليهاالسلام إلا في المدينة . وماأن انتشر كتاب الطبرسي المذكور أعلاه في الأوساط الشيعية في إيران والعراق والبلاد الأخرى , حتى إستبشر به المبشرون من أعداء الإسلام , وترجموه بلغاتهم حتى يثبتوا للعالم من خلال هذا الكتاب, أن الدين الإسلامي برمته فرية محمدية من صنعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ,فهو دين باطل ولاعلاقة له بالأديان السماوية , وبهذا التصرف ساهموا من حيث يدرون أولا يدرون في محاربة هذا الدين العظيم الناسخ لكل الأديان » إن الدين عند الله الإسلام » لذا يجب على عقلاء مذهب الإمامية مراجعة هذه الأخطاء الفادحة في حق أشرف كتاب سماوي الذي تولى الله بنفسه حفظه , فالشجاعة ليست في الإصرار على الخطأ وإنما في العود عنه , والله أعلم وللحديث بقية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
. عبد الحميد الحمدي
هل كل
12 يعني إئمتكم يا هاشمي
تعليقات |
الهاشمي بن علي[1]ء |
هذا كلام جميل، التقارب مطلوب، وقد فعل العقلاء من أهل السنة ذلك. قد دعموا كل من انتصر للحق وللمستضعفين، وما دعمهم لحزب الله في المواجهات الأخيرة ببعيد. دعموا كذلك حق إيران في التحرر من الشاه ومن التبعية لطغاة العالم. ودّ هؤلاء العقلاء لو امتدّ هذا التقارب إلى الصعيدين العقائدي والفقهي، ولكن قطعتم عنهم الطريق بتكفيركم الصحابة [2]، وتكفيركم إيانا [2]، واعتباركم إيانا نواصبا، الكلب والخنزير وابن الزنا خير منا[3]، واعتباركم حجاج يوم عرفة اولاد زنا [4]، واستحلالكم لدمائنا [5] وأموالنا [6]، وتحريفكم للقرآن [7]، واعتباركم أبا بكر وعمر في الدرك الأسفل من النار تحت إبليس، لعنهم عبادة [8]، و[9] … لا أريد أن افتري عليكم، فأنا أُحِيلكم إلى مرجعياتكم (انظر المراجع تحت)، والاعتراف سيد الأدلة. ولكي لا يُشكك أحد في أدلتي، بعثت إلى تونس نيوز وثائق مصوّرة من أمّهات كتب الشيعة الاثنى عشرية، تثبت ما أقول، بل وأضفت أدلة صوتية. لتونس نيوز الحرية التامة في نشرها أو أن تجعل لها روابط لكي لا تأخذ مساحة في النص أو أن تحتفظ بها |
دعوة للتعقل 3 مداخل للتقارب والتفاهم |
قد فعلنا، فكيف اعترفتم بنا ؟ المراجع تُخبرنا: نواصب، كفار، مخلدون في النار، اولاد زنا، دماؤنا حلال، عمر بن الخطاب ابن زنا، من قوم لوط، إبليس وفرعون خير من المبشرين بالجنة ليس فيهم علي، والقائمة طويلة، أهذا اعترافكم بنا.ء أتدعوننا إلي التقارب والتفاهم وفي نفس الوقت يخطب مشائخكم في الناس ناهين الشيعة عن ذلك، وإليكم أشرطة مرئية ومسموعة [10] كمثال |
بداية علينا الاعتراف ببعضنا البعض، |
هذا دليل على إجلالنا ومحبتنا لأهل البيت وعلى رأسهم علي. فلو تكرّمْتَ علينا وأعطيتنا ما يقابل ذالك في كتبكم في شأن بقية المبشّرين بالجنة العشرة [11].ء قد قبلتَ بإخراج الإمام مسلم للأحاديث فهل تُنكر عليه ما أخرج في شأن بقية الصحابة، أم تؤمن بهذه وتُنكر تلك، إن ذلك كذلك فما قيمة ما استشهدت به ؟ وإليك الربط [12]ء ثُمّ أتقبل بأن تستدل بمن قال في حق من هو تحت إبليس في النار : »قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ » ؟ء |
أورد الهاشمي حديثين في صحيح مسلم ـ فضائل الصحابة ـ من فضائل علي بن أبي طالب وأعطى الرابط |
عجبا، تريد أن تقنعنا بأن أهل البيت معصومون، لم يقل هذا أئمتكم. لقد ذهبت بعيدا. أتريد أن تقول لنا بأن آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، الذين أوردتهم في حديث مسلم، كلهم معصومون ؟ء فمثلا هل عثمان بن علي بن أبي طالب (وأمه هي أم البنين بنت حزام بن دارم)، وأبوبكر بن علي بن أبي طالب (وأمه هي ليلى بنت مسعود الدارمية)، وعمر بن علي بن أبي طالب (وأمه هي أم حبيب بنت ربيعة)، وأبناء الحسن بن علي ( أبوبكر وعبدالرحمن وطلحة وعبيدالله) وعائشة بنت موسى الكاظم، كل هؤلاء معصومون ! أمعصومون يتسمَّون بأسماء من هم تحت إبليس يوم القيامة!ء |
وشهدوا لهم بالعصمة لأن النبي جعلهم بالمطلق سفينة للنجاة فقال فيما يلي الذهبي …عن أبى ذر ء مرفوعا : مثل أهل بيتى مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا، …ء |
هل من ذكرتُ (عائشة بنت الكاظم، …) من بين هؤلاء ما تقولون في المعصوم من آل البيت حبر الأمة وترجمان القرآن، عبد الله بن العباس، وأخيه عبيد الله ؟ أجيبكم، تلعنونهما، وإليكم المرجع من عندكم [13] مع الصورة من الصفحة |
وجعلهم كالنجوم أمانا لأهل الأرض من ترك هديهم ظل فقل: …ء |
عين المستخلص، أنك أفهمتنا سالفا أن أهل البيت، وهم ملايين، معصومون، والآن تجعل المعصومين 12 فقط !ء وهل كل 12 ذُكرت في حديث تعني أئمتكم ؟ طالما أنكم تستشهدون بصحيح مسلم فسأبقى معكم في هذا الصحيح. ما تقولون في هذا الحديث لمسلم « سيكون في أمتي إثنى عشر منافقاً » [14]. إذا كانت القضية قضية « العدد يوافق« ، فكيف توفقون بين هذه وهذه وتلك : إثني عشر خليفة وإثنى عشر إماما وإثنى عشر منافقا. هل كل إثنى عشر هي في أئمتكم النبي قال : » كلهم من قريش » وأنتم تقولون كلهم أولاد علي بن أبي طالب، نحن نعلم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وصدق أنه أوتى جوامع الكلم، فهل الذي أوتى جوامع الكلم يقول كلهم من قريش وهم من أولاد علي أصلاً، بل وجب التدقيق من فاطمة، بل من الحسين عدى عليا والحسن. النبي أنصح الناس للناس، صلوات الله وسلامه عليه، نصوح .. كيف يضيعنا ! كيف يقول من قريش وهو يريد علياً وأبناءه من فاطمة، كان يقول علي وأبناء علي وانتهى الأمر، بل يذكر أسماءهم وينتهي الأمر، لكن يقول كلهم من قريش ويعمي المسألة على الناس لماذا ؟ء من هم الأئمة 12: علي بن أبي طالب، الحسن بن علي، [هنا تنصرف الإمامة إلى آل الحسين] الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي بن الحسين (الباقر)، جعفر بن محمد (الصادق )، موسى بن جعفر (الكاظم)، علي بن موسى (الرضا)، محمد بن علي (الجواد)، علي بن محمد (الهادي)، الحسن بن محمد العسكري، محمد بن الحسن وهو المهدي. إذا عددناهم نجدهم 12 ولكنكم تقولون أيضا 13، فما تنفع الأحاديث في الـ 12. في الكافي مثلاً عن أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : (إني وأثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا علي سر الأرض) . الاثنى عشر غير علي أي ثلاثة عشر هؤلاء وهذا في الكافي ج 1 ص 534 .ء من تولى من الإئمة 12 أمر المسلمين، عدى عليا والحسن، لكي نسميه خليفة !ء |
أما كونهم إثني عشرية فذاك عين المستخلص من قول النبي الكريم: البخاري ـ التاريخ الكبير ـ الجزء : ( 8 ) ـ رقم الصفحة : ( 410 ) 352 ـ يونس بن أبي يعفور العبدي ( عن ليث ـ 1 ) واسم أبي يعفور وقدان قال فضيل بن عبد الوهاب نا يونس بن أبي يعفور العبدي قال حدثنا عون بن أبي جحيفة عن ابيه قال سمعت النبي (ص) يقول لا يزال امر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. |
أتريد أن تقنعنا أن الإسلام عزيز الآن ؟ طالما أننا في انتظار الإمام الثاني عشر …ء تزعمون أن الصحابة ارتدوا كلهم إلا عددا قليلاً، لا يتجاوز ثلاثة [15] أو سبعة (على أكثر تقدير). أين بقية أهل البيت، المعصومون حسب قولك، كأولاد جعفر وأولاد العباس وغيرهم، هل ارتدوا مع من ارتد؟ ثم إذا كانت قريش قوم ردّة وكفر فكيف يذكُرها الحديث مَهدا لمُهِمة جلل، الإمامة، ويترك ذكر آل علي المعصومين !ء للحديث بقية إذا أراد القراء |
صحيح مسلم … سمعت رسول الله (ص) يقول لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي ما قال فقال كلهم من قريش.ء |
عباس
ملاحظة : هذه مراجعي فمن أراد أن يردّ فليأخذ ما قلت قولا قولا فيُفنّد ذلك كلّه ولينسف مراجعي. إن فعل ذلك كنت له من الشاكرين. وإن لفّ حول الموضوع دون الولوج فيه أو اشتغل بمهاجمة الكاتب وأهمل ما كتب، فلا أظن ذلك يغني من الحق شيئا
المراجع
ـ
[1] الهاشمي بن علي، 13 جانفي 2007، نشرته تونس نيوزhttp://www.kasralsanam.com/wathaiq1.exe | ـ [2] وثائق تكفيرهم لأهل السنة |
ـ قال الخوئي في كتابه
{منهاج الصالحين1/116 ط نجف}: (في عدد الاعيان النجسة وهي عشرة ـ إلى أنْ قال ـ العاشر الكافر وهو من لم ينتحل ديناً غير الاسلام أو انتحل الاسلام وجحد ما يُعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة، نعم إنكار المعاد يُوجب الكفر مطلقاً ولا فرق بين المرتد والكافر الأصلي الحربي والذمي والخارجي والغالي والناصب).ءـ وقال محسن الحكيم في كتابه
{العروة الوثقى 1/68 ط طهران}: ( لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب). ءـ وقال الخميني في
{تحرير الوسيلة 1/119}: (غير الاثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب أو معاداة وسب لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون وأما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب).ءـ ويقول في ص
118 ط بيروت: (وأما النواصب والخوارج لعنهما الله تعالى فهما نجسان من غير توقف).ءـ وقال محمد بن علي القمي في
{عقاب الأعمال ص352 ط بيروت} عن الامام الصادق أنّه قال: (إنَّ المؤمن ليشفع في حميمه إلاّ أنْ يكون ناصبياً ولو أنَّ ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا). ءـ زعموا أن الحسين أراد أن يصلي صلاة الجنازة على ناصبي فقال لمولاه قم عن يميني فما تسمعني أقول فقل مثله
. فلما إن كبر عليه قال : « الله أكبر اللهم العن عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهم أخر عبدك في عبادك وبلادك واصله حر نارك وأذقه أشد عذابك« ، الكافي للكليني 3/189 تهذيب الأحكام للطوسي 3/197 وسائل الشيعة للحر العاملي 3/71 بحار الأنوار 44 /202 الحدائق الناضرة للبحراني 1/414،ـ قال عبد الله بن شبر
: « وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب، فالذي عليه جملة من اإمامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والآخرة، والذي عليه الأكثر الأشهر أنهم كفار مخلدون في الآخرة » (حق اليقين في معرفة أصول الدين 2/188)ءـ قال المفيد المجلسي
« من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر مستحق للخلود في النار » (أوائل المقالات ص 44 بحار الأنوار للمجلسي 8/366)ءـ وذكر الكليني في الكافي أن معصية علي كفر وأن اعتقاد أولوية غيره بالإمامة شرك
( بحار الأنوار 32/390 الكافي الحجة 1/52 و 54 وأنظر الكافي 1/353 )ءـ
[3] قال محمد بن علي القمي في {عقاب الأعمال ص352 ط بيروت} عن أبي بصير عن الصادق (إنَّ نوحاً عليه السلام حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل ولد الزنا والناصب شر من ولد الزنا).ءhaj_zina.rm | ـ [4] شيخهم آية الله مجتبى الشيرازي يقول عن حجاج يوم عرفة انهم اولاد زنا |
ـ
[5] الشيخ النعماني،الغيبة، ص 155، بيروت، الصورة أُرسلت إلى تونس نيوزـ الأنوار النعمانية، ص
307، بيروت، الصورة أُرسلت إلى تونس نيوزـ
[6] قال أبو جعفر الطوسي في {تهذيب الأحكام 4/122 ط طهران /الفيض الكاشاني في الوافي 6/43 ط دار الكتب الاسلامية طهران}:عن الامام الصادق (خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا خُمسه)ءـ وعن ابي عبدالله عليه السلام قال
: خذ مال الناصب حيث وجدت وابعث الينا بالخمس، السرائر، 376 البحار، 96/194 البرهان، 2/85ءـ
[7] الشيخ عباس القمي، مفاتح الجنان، ص 66، بيروت، الصورة أُرسلت إلى تونس نيوزTahreefHairi.rm | ـ الشيخ الحائري، القرآن الذي بين أيدينا محترم، لكنه ليس القرآن الذي نزل بتمامه |
EbleesYasir.rm LaanYasir.rm FirawnYasir.rm LaanFheed.rm | ـ [8] قال الشيخ ياسر الحبيب » أعدائنا بالدرجة الأولى عمر ثم أبو بكر ثم إبليس« ، ويضيف « زيادة لعنهم عبادة« ، « أبو بكر وعمر شر من فرعون« ء ـ الشيخ حسين الفهيد، مثله |
ـ وروى الصدوق عن علي أنه قال
: « عدوت خلف اللعين ( يعني إبليس ) حتى لحقته وصرعته إلى الأرض وجلست على صدره !! ووضعت يدي على حلقه لأخنقه! فقال لا تفعل يا أبا الحسن فإني من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، والله يا علي أني لأحبك جداً وما أبغضك أحد إلا وشاركت أباه في أمه فصار ولد زنا فضحكت و خلّيت سبيله« ، عيون أخبار الرضا 1/77 بحار الأنوار 27/149 و 39 /174 و 60/245 الأنوار النعمانية 2/168 للجزائريNasibiYasir.rm Shirazi.rm Haz.rm Shikeenandsunnah.rm ArshFahid.rm Fheed_bshrya.rm Safar.rm Qerada.rm | ـ [9] أقوال عجيبة لمرجعيات الشيعة، الشيخ حسين الفهيد، الشيخ ياسر الحبيب، الشيخ ا لشرازي ـ رب الشيعة غير رب أبي بكر وأهل السنة ، وها هو نعمة الله الجزائري يعلن عن اختلاف إله الشيعة عن إله السنة فيقول : « لم نجتمع معهم على إله ولا نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون : إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذاك النبي، بل نقول إن الرب الذي خليفته نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا« ، الأنوار النعمانية2/279، |
http://www.fnoor.com/media/fn330.wma [10] –
http://www.fnoor.com/media/fn345.wma –
http://www.fnoor.com/media/fn603.wmv –
http://www.fnoor.com/media/fn180.ram [11] –
www.sh-rajhi.com/rajhi/?action=BookTree&docid=16&node=1124 [12] –
ـ
[13] وفي رجال الكشي : » اللهم العن ابني فلان واعم أبصارهما ، كما عميت قلوبهما.. واجعل عمى أبصارهم دليلاً على عمى قلوبهما « ، رجال الكشي : ص53.ءوعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال
: » هما عبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس « ، رجال الكشي : ص53، الهامش، الصورة أُرسلت إلى تونس نيوزـ
[14] حديث رقم 10، صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحوالهمـ
[15] تفسير العياشي، ص223، بيروتلتعارفوا (1)
أفكار حان الوقتُ لتصحيحها..
الهاشمي بن علي واصل قراء وكتاب موقع تونس نيوز الأغر اهتمامهم بالموضوع الشيعي من أكثر من موقع وزاوية. وليس بمستغرب في ظرفية كالتي يمر بها العالمان العربي والإسلامي أن تتجه الأرآء اتجاهات شتى بحيث تتباين بل وتتناقض في تحديد الموقف من هذا المكون داخل الأمة.
حديثا كما في القديم، حبرت الصفحات الطويلة وهي تقدم أفكار المذهب الشيعي وتصدر في حقه الأحكام نقدا وتحليلا، ويمكن الإشارة هنا إلى جزء لا يستهان به من المدونة العربية الإسلامية احتفظت لنا بمعارك وخلافات تحتد حينا وتبرد حينا آخر بين أنصار المذهب وبين خصومه.
داخل بيئة يسيطر عليها النفور من الآخر وتحكمها ردود الأفعال والسعي لربح المعركة العقدية والفكرية والسياسية ضده، من الطبيعي أن تنشأ نصوص سجالية الأهم في أهدافها هو إلحاق الهزيمة بالآخر.
منهجيا انعكست هذه الذهنية في عدد من الكتب والشائعات التي صورت الشيعة في إخراج كاريكاتوري وكأنما هم ليسوا من بني البشر ولا عقول لهم. بل لعلهم بدوا في تلك النصوص النضالية أشبه بالوحوش الضارية التي لا دين و لامروءة في أتباعها.
لكن أمرا تغير في الجوهر. لقد تبدلت ساحة المعركة وفرضت على الجميع منطقا جديدا. ففي الأزمان الغابرة التي كانت فيها الكتب نادرة لا تقع في أيادي الصفوة. وكانت المسافات بعيدة بين الأقوام والملل والنحل على حد تعبير علماء هذا الفن.
كما كان انتشار الجهل وغياب أي نفس ثقافي مستقل باعثا قويا لعقلية الكراهية والتشويه بل واقتراف الضرر في حق المخالف. أما اليوم فقد باتت الكتب ومواقع الإنترنت في متناول كل جاد في البحث عن الحقيقة. وعاد من السهل على أي كان أن يتنبه إلى ما قد يسوقه المخالف من أفكار مغلوطة أو مبالغ فيها حول خصمه.
هنا تكمن مسؤولية القارئ الذي يدخل موقع تونس نيوز أو غيره من المواقع التي يلتقي في رحابها أسماء وعناوين فكرية وسياسية متصارعة، وعليه فيما أعتقد أن يتوقع مساحات تعتمد الرؤى العجولة وتلك المغرضة في تقديم مدارس الآخرين في مختلف الميادين والمعطى المذهبي واحد من بينها.
في هذا السياق أقرأ ما نشر من نصوص تنتقد المدرسة المنتسبة لأهل البيت وأتوقع من القارئ النبيه أن يتساءل على الأقل:
ترى بما يرد أتباع هذه المدرسة على ما يقال عنهم وهن فكرهم؟
وهل هم بالفعل يستحقون تلك الصفات والصور التي تلصق بهم؟
أسئلة مشروعة تحتاج وقفة تندرج في باب التعارف الذي اشرنا له في مقال سابق حاولنا فيه التأسيس لعلاقة صحية بين المختلفين.
أفترض في بداية هذا الحديث أننا تجاوزنا المرحلة الأولى وهي الاعتراف بالآخر وعدم مصادرة حقه في الوجود والتعبير السلمي عن عقائده.
كما أفترض أن الناقدين بما يتحركون به من عناوين إيجابية تبشر الناس باحترام بني آدم أيا تكن جنسيتهم، يبدؤون بأنفسهم ليقدموا القدوة الحسنة في عدم سب الناس أو تخوينهم أو الحط من منزلتهم.
وجدت نفسي بداية ضيفا على نص الأخ بوعبد الله بوعبد الله وهو فيما أعرف سجين سياسي سابق انتمى لحركة النهضة . وقد اختار المحترم لنصه عنوان توبة ووجدته في مقاله يعلن توبته من تأييد الثورة الإيرانية ومن زعيمها الصفوي آية الله الخميني. كما انبرى بوعبد الله في حرقة تصفها كلماته يتأسف على كل لحظة دعم فيها من لعنهم وجعل لعنهم حذو لعن إبليس وهي مماثلة لا تخفى على عين الحصيف. هذا التبدل في الموقف عزاه الأخ الكريم إلى ما يشبه « الخدعة الكبرى » التي نشرت إيران من خلالها بريق شعاراتها في حين كانت تخفي أجندة اكتشفها العزيز بعد هذه السنوات الطويلة وهي « تقتيل أهل السنة » و حمل عقائد فاسدة فيما يتعلق بالصحابة وأم المؤمنين عائشة.
فعلا، وفق ما ساقه كيف للمسلم أن يوالي من يسب الصحابة الكرام ويتهم النبي في عرض زوجته (حاشا لرسول الله ولزوجه المصون)
لكن مع ذلك، هل لنا أن نناقش الأخ بو عبد الله فيما قاله كي نعقلن ونمنطق هذه النقلة من النقيض إلى النقيض. من التضحية بالحرية نصرة لإيران إلى التوبة و البراء منها من خلفيتها المذهبية (على ضوء الصورة التي قدمها لهذه الصورة).
أشير بداية على أن طلاق الحكم على ظاهرة بعمق الثورة الإيرانية وعلى خلفيتها الضاربة في التاريخ يحتاج إلى ما هو أبعد وأعمق من عقل انطباعي سواء كان يدعمها أو يناهضها. فالأفكار والتيارات والثورات لا تستفيد أو تتضرر في تقديري من هؤلاء الذين ديدنهم التسرع في أخذ المواقف والانقطاع إلى الرؤية السطحية التي تعتمد ما لا يثبت عند الدليل وعند البحث المتروي.
ولعل الجملة الأولى التي بدأ بها الأخ بوعبد الله نصه تصف مدى استسلامه للإطلاقيات ومنذ البداية..يقول : لا أحد يدعي العصمة والكمال فردا كان أو جماعة. والأكيد أن هذا الحكم مغلوط تماما..فالأنبياء يدعون العصمة والقرآن يصفهم بذلك.
وبعض المدارس تتوسع في معنى العصمة فتنسبه إلى إجماع الأمة لأن الأمة لا تجتمع عندهم على خطأ.
ومن ثم فإنه يا أخانا يا أبا عبد الله هناك وجود لظاهرة العصمة داخل المجتمع البشري غير أن الخلاف هو في معنى تلك العصمة وفي الدائرة التي تشملها.
ومادامت العصمة حالا يتعلق بدواخل النفس البشرية أكثر مما هي منوطة بظواهر أفعالها فإن الله عز وجل هو من يمنح هذه الصفة إما بنص قرآني أو بنص نبوي يشير بنحو أو آخر لهذه الحقيقة التي تخفى عن عقولنا القاصرة..وهل تاريخ الأقوام مع أنبيائهم وأوليائهم سوى تاريخ إنكار لمقاماتهم أو التفريق بين بعضها وبين البعض الآخر.
وهنا كنت قد أشرت إلى نصوص من قبيل حديث الثقلين ( الذي يعاني تعتيما كاملا من قبل قوم يسمون أنفسهم دعاة سنة) وكذلك حديث السفينة وحديث باب حطة وحديث الغدير وآية التطهير وغيرها من الإشارات القرآنية التي أخذ برقبتها إلى غير معناها الواضح كرابعة النهار.
أيا يكن، فقد دلف الأخ بوعبد الله إلى التنصل من موقفه السابق من أفكار « زعيم الرافضة » في إيران. صفة أطلقها الأخ لتنتمي بوضوح إلى قاموس نعرفه جيدا. فالرفض مفردة وجهها خصوم الشيعة لهم والمعنى الأساسي فيها هو رفضهم لشرعية خلافة الخلفاء الثلاثة الأوائل.
وبقطع النظر عن المحاميل السلبية التي يراد إلصاقها بهذا النعت فإن نهاية ما يشير له لغويا هو حق طبيعي مكفول لأي أناس في رفض نظام لا يرونه بمقاييسهم الأفضل لهم.
وأحسب أن من يؤصلون لمقولة الحرية في الإسلام أن يبدو مقدارا أوسع من التسامح مع بواكير المعارضة السياسية في التاريخ العربي الإسلامي.
كما إنه ومن منطلق عقدي، على الأخ وهو ممن يعتقد أن الإمامة ليست بأصل من أصول الإسلام أن يعترف بناء على ذلك أن الشأن السياسي هو شأن اجتهادي لا يخرج فيه الطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان من الدين.
هي في الأخير قضية اجتهادية تاريخية وليست عقيدة يدان بها..فلما كل هذا التحسب والحساسية تجاه صفة الرفض.
أكثر من هذا الذي ناقشناه ذهب الأخ بوعبد الله إلى وصف إيران ومن ورائها الشيعة بالعدو العقائدي في معرض حديثه عن انكباب أبناء الحركة الإسلامية على الهم السياسي.
وهنا موقف لابد منه: فالضمني في كلام الأخ هو أن الشيعة ليسوا من المسلمين فهم ليسوا مجرد مخالفين للسنة، ولا حتى خصوما، بل هم أعداء. وكان ينبغي بناء على ذلك عدم إبداء أي تعاطف مع ثورة قادوها في إيران.
وهنا أسألك يا أبا عبد الله: لماذا جعلتهم أعداء لك؟
هل ينكرون وجود الله؟ هل ينكرون نبوة الرسول الكريم؟
هل وجدتهم لا يعتقدون في القرآن كتابا سماويا منزلا؟
هل ظفرت بهم يستبدلون الكعبة بمحج آخر.؟
لم تسق لنا من الأدلة سوى أمرين نجيبك فيهما إن كنت نزيها في البحث عن الحق.
أولهما هو الطعن في الصحابة وسبهم..وهنا أذكر [انه يوجد في كل مذهب متعصبون وجهلة وغوغاء لا عبرة بهم أمام الخط السائد من العلماء والمفكرين.
فمن أراد أن يعرف حقيقة موقف الشيعة من الصحابة عليه أن يعود إلى أعلامهم الثقات عندهم وإلى كتبهم المشهورة المعتمدة وأن لا يقع ضحية رواية مرسلة أو ضعيفة جمعها من كان كل همه تجميع أكبر عدد من الروايات لا تصنيفها. وعليه أيضا أن يقرأ ما نقد به علماؤهم الغلاة الذين يتناولون بتطرفهم وبكلام تفسره أحداث التاريخ وملابساته أكثر من ثوابت الفكرة ذاتها.
وهنا أسوق له آخر ما بدر عن قيادات غيران على هذا الصعيد ومن أبرز قياداتها وهو مرشدها الأعلى علي خامنئي في فتوى نشرها موقع الاتحاد العالمي لعلماء الإسلام حيث احتفى بها الجميع من معتدلي السنة والشيعة ويه على هذا الرابط: http://www.iumsonline.net/articls/2006/11/12.shtml
وهذا هو نصها:
رحب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالفتوى الذي أصدرها السيد علي الخامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتحريم سب الصحابة والخلفاء الراشدين، واعتبرها خطوة مهمة ومقدرة في إطار السعي نحو التقريب بين أهل المذهبين الكبيرين السنة والشيعة. وأكد خامنئي، ردا على سؤال وجه إليه حول حكم سب الصحابة والخلفاء الراشدين: إن أي قول أو فعل أو سلوك يعطي الحجة والذريعة للأعداء أو يؤدي إلى الفرقة والانقسام بين المسلمين هو بالقطع حرام شرعا. وأشارت صحيفة « الأهرام » المصرية الخميس 23-11-2006 إلى أن السلطات الإيرانية طالبت بتعميم الفتوى وإرسالها إلى وسائل الإعلام المختلفة. وتعليقا على ذلك، اعتبر الدكتور محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في تصريحات خاصة لموقع الاتحاد الجمعة 24-11-2006، أن هذه الفتوى تعد خطوة مهمة طالما نادي بها اتحاد العلماء، لافتا إلى أنها ستساهم في إزالة المشاعر السلبية التي تظهر بين وقت وآخر بين السنة والشيعة. فلماذ افتراء وهذا هو حال القوم؟ إن الشيعة وكما يقول المحقق الكبير جعفر السبحاني كانوا تبعا للدلائل المتقدمة ، واقتداء بأئمتهم ، يقدسون الصحابة الذين عملوا بكتاب الله سبحانه وسنة نبيه ، ولم يتجاوزوهما ، كما أنهم يتبرؤون ممن خالف كتاب الله وسنة رسوله ، وفي هذا المقام كلمة مباركة للإمام زين العابدين قال في دعاء له : » اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكان الشيعة تبعا للدلائل المتقدمة ، واقتداء بأئمتهم ، يقدسون الصحابة الذين عملوا بكتاب الله سبحانه وسنة نبيه ، ولم يتجاوزوهما ، كما أنهم يتبرؤون ممن خالف كتاب الله وسنة رسوله ، وفي هذا المقام كلمة مباركة للإمام زين العابدين قال في دعاء له : » اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، و كاتفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث فوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث
واسألك أخي بوعبد الله هل انفرد الشيعة بنقد تاريخ بعض الصحابة وهو ما يسميه بعض المتعصبين سبا لهم إنه ذكر لحالهم كما هو. فهل كان سيد قطب مثلا شيعيا أو رافضيا عندما تكلم عن معاوية وبني أمية ، يقول يحيى أبو هموس إنه » يرمي معاوية خصوصا وبني أمية عموما بالكفر ، ففي الصحيفة ( 172 ) من كتابه » العدالة الاجتماعية في الإسلام ( مطابع دار الكتاب العربي شارع فاروق بمصر ) يقول : » فلما أن جاء معاوية وصير الخلافة الإسلامية ملكا عضوضا في بني أمية ، لم يكن ذلك من وحي الإسلام ، إنما كان من وحي الجاهلية ، فأمية بصفة عامة لم يعمر الإيمان قلوبها ، وما كان الإسلام إلا رداء تخلعه وتلبسه حسب المصالح والملابسات . وفي الصحيفة ( 174 )و يقول الشهيد سيد قطب مصرحا بكفر معاوية وبني أمية : « فمعاوية هو ابن أبي سفيان وابن هند بنت عتبة . وهو وريث قومه جميعا وأشبه شئ بهم في بعد روحه عن حقيقة الإسلام ، فلا يأخذ أحد الإسلام بمعاوية أو بني أمية ، فهو منه ومنهم برئ « . أنا لا أدعوك إلى أن تسلم بهذا الرأي فأنت حرّ في رأيك..لكن سيدي لا تشنع على الشيعة بوصف موقفهم بغير حقيقته فهم ينقدون تاريخ الصحابة ويقيسونه على الإسلام الذي هو حجة عليهم قبل غيرهم. وهم لا ينفردون بذلك بالعنوان المذهبي الذي تريد أنت أن تصرهم فيه كما لو كانت القصة عقيدة سنية في مقابل أخرى شيعية. ويبقى عليك يا أبا عبد الله أن تجد لنا حلا في مرويات ينقلها الشيعة من كتب السنة ينصرون بها مذهبهم في فتح سيرة الصحابة على النقد، مع التسليم لك بأن أي سب لهم مرفوض مرفوض مرفوض مهما كان مسمى أو انتماء صاحبه. ماذا نقول في الحديث الصحيح للنبي النبي الكريم صلى الله عليه وآله: صحيح البخاري – مواقيت الصلاة – تضييع الصلاة عن وقتها – رقم الحديث : ( 498 ) - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا مهدي عن غيلان عن أنس قال ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي (ص) قيل الصلاة قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها . الرابط: http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=498&doc=0
مصادر أخرى لهذا الحديث : 1 – الترمذي – سنن الترمذي – كتاب صفة القيامة والرقائق والورع – الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 50 ) بتغيير في اللفظ . 2 – أحمد بن حنبل – المسند – الجزء : ( 3 ) – رقم الصفحة : ( 101 ) بلفظ مختلف . 3 – الامام مالك – كتاب الموطأ – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 72 ) وبلفظ مختلف. 4 – الشهرستاني – وضوء النبي ( ص ) – الجزء : ( 1 و 2 ) – رقم الصفحة : ( 241 و 300 و 502 ).
صحيح البخاري – المغازي – غزوة الحديبية – الجزء : ( 5 ) – رقم الصفحة : ( 65 ) – رقم الحديث : ( 3852 ) - حدثني أحمد بن إشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال لقيت البراء بن عازب ( ر ) فقلت طوبى لك صحبت النبي (ص) وبايعته تحت الشجرة فقال يا إبن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده . الرابط : http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=3852&doc=0 مصادر أخرى لهذا الحديث : 1 – إبن حجر – مقدمة فتح الباري – رقم الصفحة : ( 433 ). 2 – محمود أبو رية – أضواء على السنة المحمدية – رقم الصفحة : ( 355 ). صحيح البخاري – تفسير القرآن – وكنت عليهم شهيدا…. – رقم الحديث : ( 4259 ) - حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أخبرنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير عن إبن عباس ( ر ) قال خطب رسول الله (ص) فقال يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قال كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين إلى آخر الآية ثم قال ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم . الرابط : http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=4259&doc=0 صحيح مسلم – الفضائل – إثبات حوض نبينا ( ص ) وصفاته – رقم الحديث : ( 4243 ) - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني إبن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم قال سمعت سهلا يقولا : سمعت النبي (ص) يقول أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم قال أبو حازم فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال هكذا سمعت سهلا يقول قال فقلت نعم قال وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما عملوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي ، وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا إبن وهب أخبرني أسامة عن أبي حازم عن سهل عن النبي (ص) وعن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) بمثل حديث يعقوب . الرابط : http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=4243&doc=1 هذا قليل من كثير يا أبا عبد الله وعليك أن تواجه الحقيقة بشجاعة لتعترف على الأقل أن رأي الشيعة في الصحابة لا يصدر عن فراغ وهم في المحصلة لا يحملون كل الصحابة على نفس المحمل وهم لا يعتبرون أن صفة الصحبة توجب الخيرية في ذاتها. ولو كانت القربة توجب تلك الخيرية لكانت الزوجات أولى بها وقد كان للأنبياء زوجات خائنات ضرب الله بهن المثل مثل زوجتي نوح ولوط. فانظر ماذا ترى.
الأمر الثاني:
يتعلق بالموقف من أم المؤمنين عائشة ولست أدري هل أضحك أم أبكي؟ كيف لا وأنا أتصفح بين يدي كتاب العلامة مرتضى العسكري الذي أسماه « أحاديث أم المؤمنين عائشة ». هذا واحد من أعاظم علمائنا يصفها بأم المؤمنين في معرض بحث نقدي لتراثها الحديثي فكيف يصفها بأم المؤمنين عن كان يعتقد فيها ما نسبته للشيعة؟ أين هي عقولكم سادتي؟ أين هو عقلك يا بوعبد الله والله إني عليك مشفق. وليس موقف الشيعة في أم المؤمنين في عائشة بأكثر مما قالوه في الصحابة فهم تحت طائلة مقاييس وقوانين الإسلام وليسوا فوقها وقد نطق القرآن بهذا المنهج لما قال في نساء الأنبياء: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) . لقد أنكروا عليها أنها شجعت طلحة والزبير على نكث بيعتهما لعلي عليه السلام ، وجمعت أنصارا من المنافقين ، وركبت على جمل وخرجت مع طلحة والزبير على أمير المؤمنين عليه السلام ، وحاربوه في حرب الجمل المعروفة ، وكانوا له ظالمين.
بقي أمر آخر:
وهو ما ذكرته من حادثة حجيج بيت الله الحرام، ولست أدري ماذا غير موقفك فيهم. هل هو العرفان لآل سعود بأنهم كانوا على حق في قمع مسيرات الولاء للمجاهدين في فلسطين ولبنان و البراء من أعدائهم أم ماذا؟ وهل أصبحت صنائع الغرب من دول النفط حاضنة للإسلام الأصيل حتى نعتبرهم مظلومين بينما المتظاهرون العزل من حجاج بيت الله الحرام هم من سبب الفوضى؟
دمائهم في رقبتك يا أبا عبد الله وهم الذين نحروا ضيوفا على بيت الله الحرام.
أما قصة تقتيل المسلمين من أهل السنة فهو مجرد إدعاء لم يقم عليه دليل واحد سوى اتهامات يشترك في توجيهها لإيران خصومها القدامي من وهابية والأمريكان وأنظمة رجعية معروف تاريخها لدى القاصي والداني. لعلك يا أبا عبد الله تملك دليلا لم تستطع هيئة العلماء تقديمه إلى الآن..ما أسهل توجيه التهم هكذا جزافا. نعم يبدو أن إيران تقف وراء قتل العراقيين أما أبو مصعب الدموي وتنظيمه الأسود تنظيم القاعدة الذي يصور عمليات النحر ويباهي بالمفخخات ليل نهار ويحبر البيانات معلنا أن الحرب بين الشيعة والسنة استراتيجيته الثابتة..كل ذلك ليس دليلا على من يقتل العراقيين. إيران التي تقدم الغالي والنفيس من أمنها القومي ومالها ومهاراتها للتنظيمات الجهادية في فلسطين ولبنان هي التي أصبحت قاتلة المسلمين. أما الجماعات الإرهابية في مصر وفي الجزائر وفي المغرب وفي غرها من البلدان والتي أنشأت مدرسة جز الرقاب و أفتت بحلية دم النساء والأطفال وأهدرت أرواح الجميع واستثنت من يتبعها..فليس عليها شيء. ما يبرؤها هو أنها سنية سلفية..تلك الحسنات التي لا تضر معها سيئة.
لست أدعي أن غيران لم ترتكب أخطاء أو لم تتخذ مواقف خاطئة فالقائمون على حكمها رجال يخطئون ويصيبون..أما تصويرهم في صورة أعداء الأمة فهذا عين التجني ..بل هم الذين ما بدلوا حقا والواقع يثبت ذلك لكل عين منصفة. دع مواقفك المتسرعة جانبا وتب إلى الله من الأحكام المسبقة تأييدا أو معارضة وحرر عقلك أخي بوعبد الله من الإرث البغيض للتنافر الطائفي وأفسح لإخوتك سبعا وسبعين عذرا في صدرك الطيب، وناقش أفكارهم بموضوعية وهدوء وافهم ما يطرحونه بعيدا عن ثقافة الاجتزاء والتشويه..ربما فاجئوك برؤى وأفكار بعيدة عما ذهبت إليه..وغدا لي حديث مع الأخ المحمدي في مقالته « حقيقة التشيع »
رسالة حكومة مصر إلى «الإخوان»:
لا نشاط سياسياً لكم في المستقبل
الإفراج بكفالة عن الزميلة هويدا طه
لماذا صمت « الإخوان المسلمون » و « حزب الله » على إغتيال صدام؟
بوش ومخاطر فشله العراقي…
الإسلام والمسلمون في الفكر الغربي بعد 11 سبتمبر
غازي دحمان
شهدت السنوات التالية لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على أميركا اشتعال موجة عارمة من الحقد والتشوه ضد الإسلام والمسلمين. وما زاد من حدة اشتعال هذه المواجهة السقطات المروعة التي وقع فيها كبار السياسيين الغربيين من الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي استحضر الحرب الصليبية CRUSADE عند إشارته إلى المعركة المقبلة ضد الإرهاب وتصريحاته حول الحرب مع الفاشية الإسلامية. وكذلك تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني التي ادّعى فيها تفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية. هذا فضلاً عن تصريحات الكثير من السياسيين المحليين والإقليميين في الغرب عموماً. فما هي حقيقة موقف الغرب من الإسلام، وما هي العوامل التي شكلت هذا الموقف وما هي تجلياته؟
يصوّر الإعلام الأميركي الإسلام على أنه مصدر للتهديد أو الخطر، وأنّ الإسلام يعني نهاية الحضارة كما يعرفها الأميركيون وبقية الغربيين، وأنه معادٍ للإنسان وللديموقراطية وللسامية وللعقلانية !
لا يفلت من هذه النظرة حتى عالم الأكاديميات وصفوف الذين تربطهم حياتهم الجامعية والمهنية بدراسة الإسلام، حيث من الواضح جداً أنّ ثمة معسكرين غير متكافئين على الإطلاق. أولهما الذي يضم الغالبية العظمى مُصرّ، لأسباب مختلفة محورها الرئيس إسرائيل، على أنّ الإسلام هو جوهر المشكلة الكبرى، وأنّ جميع الحركات أو الجماعات الأصولية الإسلامية تمثل خطراً حقيقياً على الغرب. في حين أن الثاني يشرح حقيقة الإسلام مطالباً بوجوب التمييز بين مجتمع الاتجاه العام الإسلامي، وبين المتطرفين الذين يهاجمون الناس في مجتمعاتهم، «ويهاجمونهم الآن في الغرب»، كما يقول البروفيسور جون اسبوزيتو أستاذ الدراسات الإسلامية ومؤسس مركز التفاهم الإسلامي – المسيحي في جامعة جورجتاون، ومؤلف الكثير من الكتب عن الإسلام. ويتعرض اسبوزيتو والكثير من زملائه في معسكر «الأقلية» إلى انتقادات حادة في كتاب صدر أخيراً بعنوان: «أبراج عاجية على الرمل» لأحد أبرز عتاة المعسكر الأول مارتن كرايمر، وهو صهيوني يدرّس في الولايات المتحدة وإسرائيل، ويرأس تحرير فصلية «الشرق الأوسط» التي أسسها دانيال بايبس. وعندما سُئل هذا الأخير عن الفرق بينه وبين جون اسبوزيتو كان جوابه: «ما أقوله هو أنّ هذه الأصولية الإسلامية حركة توتاليتارية، وأن كل شخص متورط فيها هو مشكلة، ليس فيها أي شيء جيد. أما هو فيميّز بين الأصوليات الجيدة والسيئة». وكان بايبس أكثر صراحة ووقاحة في رده المعنون: «بن لادن الأصولي» على البروفيسور دايفيد فورت (أستاذ القانون في جامعة كليفلاند ستايت، ومؤلف الكتاب الحديث العهد «دراسات في الفقه الإسلامي: تطبيقات كلاسيكية ومعاصرة»): «فكل مسلم أصولي مهما كان مسالماً في تصرفه، هو جزء من حركة قاتلة، وتالياً فهو نوع من جنود المشاة في الحرب التي يشنها بن لادن على الحضارة». ويعترض بايبس بشدة على قول فورت إنّ الإسلام الأصولي قائم ضمن حدود الإسلام التاريخي، ويجب التنبه إلى الفرق الأخلاقي بين طوائف مثل الوهابيين وجماعات إرهابية مثل القاعدة أو الجهاد الإسلامي، ومجتمع المسلمين والأصوليين في رأي بايبس يجب اعتبارهم قتلة محتملين، وهم مثل النازيين واللينينيين قد يعيشون حياتهم الخاصة من دون عنف، لكن دعمهم لقوة بربرية يعني أنهم أيضاً بربريون ويجب معاملتهم على هذا الأساس !!وربما كان أخطر من تعرض للإسلام وحاول أن يضرب في أصوله ما ذكره فوكوياما وهنتنغتون من نظريات حاولا إلباسها الثوب العلمي الاستراتيجي؛ وقد كتب صامويل هنتنغتون في مجلة «نيوزويك» الأميركية مجدداً عن نظرية صدام الحضارات التي دشنها للمرة الأولى في العام 1993، إذ قال إنّ بذور صِدامٍ عام بين الحضارات باتت منثورة. فردود الفعل على أحداث 11 أيلول ورد الفعل الأميركي جاءت وفقاً لمنظور حضاري، إذ إنّ حكومات الدول الغربية وشعوبها تعاطفت في شكل كاسح مع الولايات المتحدة وكانت داعمة لها وهي نظرية لحظتها صحيفة «لوموند» الشهيرة حين كتبت في عنوان رئيس: «كلنا أميركيون». أما فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ فقد كتب في مجلة «النيوزويك» مقالاً بعنوان «إنهم يستهدفون العالم المعاصر» انتقل فيه من مزاعم نهاية التاريخ إلى ادعاءات الفاشية الإسلامية، وقال فيه إنّ التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم هو أكثر من مجرد معركة مع مجموعة صغيرة من الإرهابيين. فبحر الفاشية الإسلامية الذي يسبح فيه الإرهابيون يشكل تحدياً أيديولوجياً هو في بعض جوانبه أكثر أساسية من الخطر الذي شكلته الشيوعية. ويتساءل فوكوياما: هل سيحصل الإسلام الراديكالي على مزيد من المؤيدين وأسلحة جديدة أقوى يهاجم بها الغرب؟ ويجيب صاحب نظرية نهاية التاريخ: من الواضح أننا لا نستطيع أن نعرف، لكن بعض العوامل ستشكل مفاتيح لذلك. أول هذه العوامل هو نتيجة العمليات الدائرة في أفغانستان ضد طالبان والقاعدة، وبعدها صدّام حسين في العراق… وعلى رغم رغبة الناس في الاعتقاد بأنّ الأفكار تعيش أو تموت نتيجة استقامة أخلاقياتهم، فإنّ للقوة شأناً كبيراً. أما العامل الثاني والأهم في رأي فوكوياما، فإنه ينبغي أن يأتي من داخل الإسلام نفسه، فعلى المجتمع الإسلامي أن يقرر ما إذا كان يريد أن يصل إلى وضع سلمي مع الحداثة، خصوصاً في ما يتعلق بالمبدأ الأساس حول الدولة العلمانية والتسامح الديني. ويخلص فوكوياما إلى أنّ الصراع بين الديموقراطية الليبرالية الغربية والفاشية الإسلامية ليس صراعاً بين نظامين حضاريين يتمتعان بقابلية البقاء نفسها ويستطيع كلاهما ركوب العلم والتكنولوجيا وخلق الثروات والتعامل مع التنوع الموجود في عالمنا المعاصر. وفي هذه المجالات فإنّ المؤسسات الغربية تسيطر على الأوراق كلها، ولذلك فهي تُستثمر في الانتشار في أنحاء العالم على المدى البعيد، لكن الوصول إلى ذلك المدى يتطلب أن يبقى الغرب حياً في المدى القصير. إلاّ أنه – وللحقيقة – فقد ظهرت على النقيض من هذه الأصوات، بعض الدعوات لقراءة الإسلام بطريقة مختلفة. فهذا فريد هاليداي أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في كتاب أصدره حديثاً بعنوان «ساعتان هزتا العالم… الحادي عشر من أيلول الأسباب والنتائج»، يخصص فصلاً كاملاً عن عداء الغرب للمسلمين رافضاً مقولة الإسلاموفوبيا، أي خوف الغرب من الإسلام أو العداء له، ويطرح بدلاً منها العداء للمسلمين، ويقول إن ليس ثمة عداء للإسلام كدين في الغرب بالمعنى الصليبي للكلمة على رغم وجود بعض ترسبات الإرث التاريخي والتصورات المتوارثة، لكن السائد والأهم في رأيه هو موجات العداء للمسلمين كناس وليس للإسلام كدين ونظرية… وهذه الموجات من العداء تصعد وتهبط تجاه المسلمين، وهي ذات جذور سياسية واجتماعية وليست ثقافية أو دينية. وفي السياق ذاته يؤكد الكاتب البريطاني جيمس بيل أنّ الإسلام دين حضارة وقوة عالمية وأنه إذا كان على المسلمين أن يبذلوا جهدهم لفهم الغرب، فإنّ الغرب يجب أن يتلقى الكثير من الدروس لفهم الإسلام، وذكر في مقال نشرته مجلة MIDDLE EAST INSIGHT أنّ الإسلام منهج حياة يمارسه أكثر من مليار و 200 مليون مسلم، وأنه أسرع الديانات نمواً. وبالنسبة الى الدور الصهيوني، فقد أتاحت أحداث العنف التي قام بها بعض المتطرفين للأميركيين الصهاينة والمتصهينين أمثالهم فرصة تحرر ألسنتهم وأقلامهم من آخر القيود التي كانت تكبلها إلى حد ما. ويلاحظ متتبعو ما يُكتب ويُقال في وسائل الإعلام الأميركية أن هؤلاء هم أشدّ المحرضين على الإرهاب من الإسلام وكراهية المسلمين والعرب والإرهابيين.
ومن الخطوات التي أزالت معظم الأقنعة – على سبيل المثال لا الحصر – انسحاب الكثير من الحاخامات والناشطين اليهود في كبريات المدن الأميركية من لقاءات للحوار الديني مع المسلمين يتطلّب الإعداد لها سنوات عدة. ويقول مالكوم هونلاين النائب التنفيذي لرئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الرئيسة: «إن اليهود بدأوا يكتشفون أنّ منظمات عدة تزعم أنها في موقع قيادي في الجالية المسلمة مرتبطة بدعم منظمات إرهابية، أو ترفض إدانة التفجيرات ضد إسرائيل». وينقل عن مراسل «النيويورك تايمز» ديفيد فايرستون أن على المجموعات اليهودية الآن أن تتفحص بدقة وعناية كل المجموعات الإسلامية الممكن محاورتها لئلا تدعم أي مجموعة معادية لإسرائيل.
وحتى بعض قادة اليهود الليبراليين يقولون إنّ العلاقات مع المسلمين تدهورت بسبب اقتناع الكثير من الشخصيات الإسلامية بأنّ «العمليات الانتحارية ضد المواطنين الإسرائيليين مسوغة في مواجهة السياسة الإسرائيلية، وهي تالياً مختلفة عما حدث في الولايات المتحدة». ويختتم فايرستون مقاله ناقلاً عن مدير مجلس العلاقات المجتمعية اليهودية قوله: «قد تدين الغالبية الكبرى من العرب والمسلمين بعض الإرهاب، لكنهم مستمرون في إجراء تمييزات مخادعة بين أعمال الإرهاب هذه، وهو أمر سيبقى قضية مسببة للخلاف والشقاق بيننا، وما يؤسف له أنني لا أرى تحركاً يذكر في أي اتجاه إيجابي».