الأحد، 23 مارس 2008

Home – Accueil

 

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2860 du 23.03.2008
 archives : www.tunisnews.net
 

 


رويترز: مؤسسة القذافي الخيرية تنفي الوساطة للافراج عن رهينتين نمساويين ا ف ب: مؤسسة القذافي تنفي قيامها باتصالات للافراج عن الرهينتين النمسويين الجزيرة.نت: الجزائر: لسنا معنيين مباشرة بقضية الرهينتين النمساويين قدس برس: تونس: سياسيون وحقوقيون تونسيون يطلقون حملة ضد الفساد الشروق: هؤلاء لهم الحق الدستوري في الترشح لرئاسيـــــــــة 2009 – أول انفتاح انتخابي على الأحزاب غير البرلمانية الصباح: الانتخابات الرئاسية: من هم المعنيون بالترشح من بين قيادات المعارضة؟ عبدالباقي خليفة : بن علي يعلن عجزه وهزيمته أمام نجيب الشابي ويقدم شهادة حية على ضعف التجمع مرسل الكسيبي: من يحدد للتونسيين رئيسهم: الخطاب الرئاسي أم صناديق الاقتراع؟ عبد الجبار الرقيقي: المنظومة الموازية للتأمين على المرض … استرجاع مصاريف زيارة المشعوذين لطفي حجي: محرقة غزة و سؤال الأمة الواحدة – هل نحن أمّة ؟ المرزوقي في ندوة باريس  عدو الأمة الأول نظامها السياسي س( لا ) م أنا بوليس وميثاق الشر(ف) للإعلام العربي رشيد خشانة: لعبة شدّ الحبل بين أمريكا وليبيا لا تُفسد للـ « بزنس » ودا عبد المجيد الشرفي: ردا على الطالبي بعد صدور كتابه «ليطمئنّ قلبي»: – الحق أحق أن يتّبع توفيق المديني: انتفاضة التيبت تعكّر مزاج الصينيين عبد اللطيف الفراتي: الطبقة الوسطى إلى أين؟ نجيبة بوزيان لـ الراية : ندعم أصحاب الأفكار المتجددة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ونساندهم مادياً القدس العربي: الرباط تدعو الجزائر لفتح حدودها البرية معها وتطبيع العلاقات الثنائية قدس برس: قضية فتوح تشغل الغزيين ما بين السخرية والمطالبة بمحاكمته إسلام أونلاين; تحول من « الهيبز » لناشط ضد الحرب – جندي مارينز سابق يدافع عن المقاومة بالعراق أحمد ثابت: أزمة الخبز المصري بين فساد الحكم وتحيزه للأثرياء الجدد د. فيصل القاس: هل نصدّق الرسام الدنماركي المأفون أم فلاسفة الغرب ومفكريه؟ د. محمد نورالدين: صراع الذهنيات في تركيا


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)

 


أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين لا تزال معاناتهم وماساة عائلاتهم متواصلة بدون انقطاع منذ ما يقارب العقدين. نسأل الله لهم وللمئات من الشبان الذين اعتقلوا في العامين الماضيين ف رجا قريبا عاجلا- آمين  

21- رضا عيسى

22- الصادق العكاري

23- هشام بنور

24- منير غيث

25- بشير رمضان

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- لطفي الداسي

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش/.

6- منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8- عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1- الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلوش


 

مؤسسة القذافي الخيرية تنفي الوساطة للافراج عن رهينتين نمساويين

 

طرابلس (رويترز) – نفت مؤسسة خيرية يرأسها أحد أبناء الزعيم الليبي معمر القذافي يوم الاحد أنها تتفاوض لإطلاق سراح سائحين نمساويين يُعتقد أن تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا يحتجزهما.   وكانت مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية ترد على تصريحات نسبت ليورج هايدر حاكم كارينثيا يوم السبت قال فيها ان رئيس المؤسسة سيف الاسلام القذافي على اتصال مع الخاطفين في مالي في مسعى لاطلاق سراح الرهينتين.   وقالت المؤسسة في موقعها على الانترنت انها « تؤكد عدم قيامها بأية اجراءات أو جهود أو اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع الخاطفين بالرغم من تلقيها وتلقي رئيسها العديد من الطلبات للتدخل ».   لكن وكالة الانباء النمساوية نقلت يوم الاحد عن هايدر قوله ردا على نفي المؤسسة « انها ليست مبادرة للمؤسسة انما مبادرة شخصية منه ( سيف الاسلام القذافي)… انها تحرك سري. »   وأثارت أنباء وساطة سيف الاسلام القذافي بعض الأمل في الافراج عن السائحين النمساويين اللذين خطفا في تونس الشهر الماضي وأفادت أنباء بانهما محتجزان في شمال مالي. وقد درس سيف الاسلام القذافي في النمسا وهو صديق للسياسي اليميني هايدر.   وقال تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي المتمركز في الجزائر انه خطف النمساويين يوم 22 فبراير شباط وطالب بفدية والافراج عن عشرة متشددين معتقلين في الجزائر وتونس. وحدد مهلة تنقضي منتصف ليل الاحد لتلبية مطالبه.   وقال متحدث باسم هايدر يوم السبت « معلوماتنا من ليبيا تفيد بأن المفاوضات في مالي وصلت الى مرحلة حاسمة… وقد يكون هناك قرار في هذه المسألة خلال الساعات القليلة المقبلة… افراج. »   وشارك سيف الاسلام العام الماضي في مفاوضات من أجل الافراج عن ستة من العاملين الطبيين الأجانب حكم عليهم بالاعدام بتهمة إصابة أطفال ليبيين بالفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (ايدز).   وقامت النمسا بحملة دبلوماسية مكثفة لمحاولة الافراج عن السائحين النمساويين أندريا كلويبر (43 عاما) وفولفجانج ابنر (51 عاما) وأوفدت مبعوثا دبلوماسيا الى باماكو عاصمة مالي وسعت الى الحصول على مساعدة من دول بالمنطقة مثل ليبيا.   وقال المبعوث النمساوي في باماكو أنطون بروهاسكا يوم السبت انه ما زال متفائلا بشأن الافراج عن السائحين دون ان يلحق بهما أذى.   وتحاول حكومة مالي مساعدة النمسا في الافراج عن السائحين. وتعتقد مصادر عسكرية محلية انهما محتجزان في مخبأ في الصحراء في منطقة كيدال التي تقع في شمال شرق مالي على الحدود مع الجزائر والنيجر.   وحذر تنظيم القاعدة من ان أي محاولة للقيام بعملية عسكرية لاطلاق سراح الرهينتين يمكن ان تؤدي الى موتهما.   (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 23 مارس 2008)  

مؤسسة القذافي تنفي قيامها باتصالات للافراج عن الرهينتين النمسويين

 

طرابلس (ا ف ب) – اكدت مؤسسة القذافي في بيان اليوم الاحد انها لا تجري لا هي ولا رئيسها سيف الاسلام القذافي نجل الزعيم الليبي معمر القذافي اي اتصالات مباشرة او غير مباشرة مع محتجزي رهينتين نمسويين خطفا في تونس الشهر الماضي.   وكان زعيم اليمين المتطرف النمسوي يورغ هايدر صرح السبت ان سيف الاسلام القذافي على اتصال بخاطفي النمسويين وانه متفائل بشأن الافراج عنهما قريبا.   وقالت المؤسسة في بيان انها « لا تقوم لا هي ولا رئيسها باي جهود او اتصالات مباشرة او غير مباشرة مع خاطفي السائحين النمسويين رغم تلقيها وتلقي رئيسها العديد من الطلبات من المسؤولين النمسويين للتدخل ».   واعربت المؤسسة في بيانها عن « تعاطفها مع اسر المخطوفين واملها في انتهاء الخطف في اقرب وقت بسلام ».   وكرر هايدر الاحد لوكالة « ايه بي ايه » النمسوية ان سيف الاسلام على اتصال بالخاطفين موضحا ان الامر « مبادرة شخصية » مرجحا الا يكون نجل الزعيم الليبي ابلغ الامر الى المؤسسة.   وقال « ليس الامر مبادرة من المؤسسة بل مبادرة شخصية. انها مهمة سرية لم تعلم بها ايضا وزارة الخارجية النمسوية ».   وكان هايدر صرح السبت ان « سيف الاسلام يتفاوض مع الخاطفين وهو متفائل بحسب تعبيره بتسوية القضية قريبا ».   واعلن مطلع الاسبوع انه طلب من صديقه القديم سيف الاسلام القذافي التدخل في ملف الرهينتين النمسويين.   بدوره طلب المستشار النمسوي الفرد غوسنباور مساعدة سيف الاسلام بحسب الصحافة النمسوية.   واضطلعت مؤسسة القذافي التي انشأها سيف الاسلام بدور مهم في الافراج عن العديد من الرهائن في المنطقة وخصوصا تحرير 32 رهينة اوروبية قبل خمسة اعوام كان بينهم عشرة نمسويين.   وخطف فولفغانغ ايبنر (51 سنة) واندريا كلويبر (44 سنة) في 22 شباط/فبراير عندما كانا يتجولان في جنوب تونس وافادت مصادر متطابقة ان الخاطفين من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وقد يكونون اقتادوهما الى شمال مالي.   وكان الخاطفون امهلوا النمسا حتى مساء الاحد مقابل الافراج عن اسلاميين معتقلين في الجزائر وتونس لكنهم هددوا ايضا بقتل الرهينتين في حال محاولة الافراج عنهما بالقوة.   (المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 23 مارس 2008)  

الجزائر: لسنا معنيين مباشرة بقضية الرهينتين النمساويين

 

قال وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني إن الجزائر ليست معنية « عن قرب » بقضية النمساويين اللذين يحتجزهما تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.   وقال زرهوني أمس للإذاعة الجزائرية إن « الجزائر ليست معنية عن قرب لأن الوقائع جرت خارج أراضيها ».   ويحتجز التنظيم الإسلامي -الذي أعلن انضواءه تحت لواء تنظيم القاعدة العام الماضي- أندريا كلويبر (43 عاما) وفولفغانغ أبنر (51 عاما) منذ شهر, وقالت مصادر متطابقة إنهما نقلا بعد خطفهما في تونس إلى شمال مالي.   مواقف دولية   وأكدت النمسا أن مهلة كان يفترض انتهاؤها منتصف ليل الأحد الماضي مددت أسبوعا, ونقل عن أحد وسطائها قوله إن حكومة بلاده على اتصال مع الرهينتين وخاطفيهما.   وقال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر إن النمسا طلبت مساعدة فرنسية, كما قال دبلوماسي ليبي إنها طلبت مساعدة ليبيا.   وكانت مصادر أمنية جزائرية أكدت أن ليبيا قبلت التوسط في اتفاق مع الخاطفين، باستخدام نفوذها مع قبيلة محلية من الطوارق.   وطلب تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي فدية وإطلاق 10 معتقلين في الجزائر وتونس مقابل إطلاق الرهينتين.   وحسب المصادر الأمنية الجزائرية فإن النمسا قبلت مبدأ الفدية، وتتركز المناقشات حول مبلغ 6.7 ملايين دولار.   (المصدر: موقع الجزيرة.نت (قطر) نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 23 مارس 2008)

 

تونس: سياسيون وحقوقيون تونسيون يطلقون حملة ضد الفساد

 
تونس – خدمة قدس برس   طالب عدد من الناشطين الدولة بوضع حدّ  للفساد وإرجاع الحقوق إلى أصحابها بضمان احترام الدستور والقوانين وتغليب مصلحة الوطن.    وقال الموقعون على اللائحة التي وردت تحت عنوان « عريضة وطنيّة ضد الفساد » حصلت « قدس برس » على نسخة منها إنّ  بعض الأشخاص يستغلون نفوذهم المستمد من القرابة العائلية لرئيس الدولة ويقومون بتكديسهم الثروات على حساب الأموال العامة ومصلحة الاقتصاد الوطني ومصلحة المواطنين.   كما أشارت اللائحة إلى تنامي ظاهرة الرشوة في عدة مجالات وإلى غياب مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والشفافية في الصفقات العمومية ومنح امتيازات غير قانونية للموالين بما جعل الولاء يحلّ محلّ الكفاءة ونشر الأحقاد والفوضى داخل الكثير من القطاعات والمؤسسات، حسب نص اللائحة التي نبّهت كذلك إلى « استعمال مؤسسات الدولة لتجويع المعارضين وقطع موارد رزقهم كتوظيف إدارة الجباية أو مضايقة الموظفين منهم ».   كما عبّر الموقعون على العريضة عن انشغالهم من « تخلّي القضاء عن القيام بواجبه في حماية حقوق المواطنين وعدم وجود سلطة تضمن احترام القوانين وتشعر المواطنين بالأمان على أنفسهم وأملاكهم ».   وقالت اللائحة إنّ تلك الأوضاع « لم يعد من المقبول السكوت عليها ». وحذّرت « من الهزات التي قد تحصل جراء الاستبداد وغياب السلطة المضادة بما قد يؤدي بشباب تونس إلى الوقوع في اليأس من النضال السلمي والتوجه نحو الحلول المتطرفة ».   وأكّد الموقعون على هذه العريضة « إصرارهم على التصدي بكلّ الوسائل السلمية والقانونية لهذه الممارسات حتى تتوقف نهائيا ». وحثّوا ضحايا الفساد على « الخروج عن الصمت للمطالبة بحقوقهم وعلى تحدي الخوف بما يكرس ثقافة التصدي السلمي للاستبداد باعتبارها الطريق نحو التغيير الديمقراطي المنشود ».   وحملت العريضة الوطنية ضد الفساد 73 توقيعا أوّليا قبل عرضها على العموم وقد أراد مطلقو المبادرة أن يقع نشرها بمناسبة إحياء الذكرى الثانية والخمسين لاستقلال تونس في (20/3). ومن أبرز الموقعين عليها الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي والناطق باسم حزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي ورئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي والصحفية سهام بن سدرين الناطقة باسم المجلس الوطني للحريات وكمال الجندوبي رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان وعالم الرياضيات منصف بن سالم. إضافة إلى عدد آخر من الصحافيين والمحامين والجامعيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.   وأوضح مصدر من هذه المبادرة أنّ إطلاق الحملة بمناسبة عيد الاستقلال إشارة إلى « أنّ الاستقلال لم يأت بالنتائج المنشودة رغم كل التضحيات التي قدمها الشعب التونسي وتذكير بأنّ تلك التضحيات لا يجب أن تذهب سدى ».   ونبّه المصدر بـ »أنّ الفساد كان من جملة الأسباب التي أوصلت البلاد التونسية سنة 1881 للوقوع تحت الاستعمار الأجنبي، بعد الديون التي تراكمت بسبب فساد الملك في عهد الصادق باي وهو ما جعل دولا أجنبية تتدخل لفرض الوصاية على تونس ».   يذكر أنّ تقرير منظمة الشفافية العالمية- الاتحاد العالمي لمكافحة الفساد الإداري – السنوي العام 2007، قد سجّل تراجعا في جهود مكافحة الفساد في تونس فحلّت في المرتبة 61 بعد أن كانت في المرتبة 52 في العام 2006.   (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 23 مارس 2008)
 


الشؤون الوطنية هؤلاء لهم الحق الدستوري في الترشح لرئاسيـــــــــة 2009 * أول انفتاح انتخابي على الأحزاب غير البرلمانية

 
* تونس ـ «الشروق»: ستشهد الانتخابات الرئاسية المقررة لسنة 2009 تعددية هامة على مستوى الترشحات وذلك على ضوء ما سيمنحه التنقيح الدستوري الاستثنائي الذي أذن به رئيس الدولة في خطابه بمناسبة الذكرى 52 للاستقلال. التنقيح سيمسّ الفقرة الثالثة من الفصل 40 من الدستور بطريقة ستسمح لرؤساء وأمناء عامين لأحزاب سياسية عديدين بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. وميزة الاصلاح الانتخابي الجديد أنه انفتح على الأحزاب غير البرلمانية ولم يشترط برلمانية الحزب السياسي حتى تتمكّن هذه الأحزاب من ترشيحها قياداتها للموعد المذكور.   ترشح قانوني وبمعالجة قانونية فإن التنقيح الجديد سيمنح حق الترشح لستة رؤساء وأمناء عامين لأحزاب سياسية وهم على التوالي: ـ زين العابدين بن علي (رئيس التجمع الدستوري الديمقراطي) ـ محمد بوشيحة (الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية) ـ أحمد الاينوبلي (الأمين العام للاتحاد الديمقراطي) ـ أحمد إبراهيم (الأمين الأول لحركة التجديد) ـ منذر ثابت (الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرّري) ـ ميّة الجريبي (الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي) فهؤلاء جميعهم يمتلكون مواصفات تتطابق مع الاجراء الدستوري الاستثنائي المزمع تنفيذه بمناسبة انتخابات 2009 من حيث لا فقط احترام ترتيبات الاصلاح الجديد من حيث تقلد المسؤولية الأولى في أحزابهم وانتخابهم منذ سنتين على الأقل لهذه المسؤولية عند تقديم ترشحهم بل كذلك من حيث التطابق مع بقية مقتضيات بقية فقرات الفصل 40 من الدستور وخاصة الفقرة الثانية التي تنص على أنه يجب أن يكون المترشح يوم تقديم ترشحه بالغا من العمر أربعين سنة على الأقل وخمس وسبعين سنة على الأكثر.   سن قانونية ولن يتسنى للسيد اسماعيل بولحية تقديم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب تجاوزه السن القانونية للترشح (75 سنة) برغم توفره على الشروط في التنقيح الجديد. كما لن يكون من وجهة نظر قانونية لكل من السيدين منجي الخماسي (الأمين العام لحزب الخضر للتقدم) ومصطفى بن جعفر (الأمين العام للتكتل من أجل العمل والحريات) الحق في الترشح كذلك على اعتبار أنهما يتحمّلان المسؤولية كمؤسسين للحزبين المذكورين غير منتخبين بعد، إذ لم يجر الحزبان مؤتمريهما الانتخابيين إلى حدّ الآن .   ثالثة وكان رئيس الدولة أقرّ بمناسبة انتخابات 2004 و1999 تعديلين دستوريين سمحا باجراء انتخابات تعددية تنافس في الأولى كل من الرئيس زين العابدين بن علي ومحمد بلحاج عمر (الوحدة الشعبية) وعبدالرحمان التليلي (الاتحاد الديمقراطي الوحدوي) وفي الثانية الرئيس بن علي ومنير الباجي (الحزب الاجتماعي التحرري) ومحمد علي الحلواني (حركة التجديد) ومحمد بوشيحة (حزب الوحدة الشعبية) وستكون انتخابات 2009 الثالثة التعددية على مستوى رئاسة الجمهورية.   انتظارات وفي الوقت الذي ما تزال فيه المواقف متباينة بخصوص قرار الترشح من عدمه بخصوص من تتوفر فيهم الشروط القانونية الجديدة، فإن هياكل وإطارات ومناضلي التجمع الدستوري الديمقراطي وعدد هام من فعاليات المجتمع المدني والسياسي ما تزال تصرّ على مناشدة الرئيس زين العابدين بن علي الترشح للانتخابات القادمة، كما أن منذر ثابت الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرري قد أقر ومنذ فترة سابقة دعمه للرئيس زين العابدين بن علي في ترشيحه للموعد المذكور بما يعني أن ثابت لن يكون سياسيا معنيا بالترشح. وستتجه الأنظار إلى بقية من تتوفر فيهم الشروط القانونية للفقرة الثالثة من الفصل 40 الجديدة وهم: الاينوبلي وبوشيحة وأحمد إبراهيم ومية الجريبي: فمن هؤلاء سينخرط سياسيا في انتخابات 2009؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.   * خالد الحداد  
(المصدر: جريدة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 23 مارس 2008)

الانتخابات الرئاسية: من هم المعنيون بالترشح من بين قيادات المعارضة؟

 
تونس ـ الصباح: أعلن رئيس الدولة أول أمس، بمناسبة عيدي الاستقلال والشباب، عن نيته تنقيح الدستور خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجري في خريف العام المقبل، من خلال اعتماد قانون انتخابي استثنائي، يتيح الترشح لانتخابات الرئاسة لأكثر من شخص واحد، وفق شروط أساسية ومحددة..   وبحسب نص الخطاب الرئاسي، فإن المؤهلين للترشح لرئاسة الجمهورية، « هم المسؤولون الأول على كل حزب سياسي، سواء كان رئيسا أو أمينا عاما أو أمينا أول لحزبه (…)، شريطة أن يكون هذا المترشح منتخبا لتلك المسؤولية، وأن يكون يوم تقديم مطلب ترشحه مباشرا لها منذ مدة لا تقل عن سنتين متتاليتين منذ انتخابه لها »..   قانون استثنائي للمرة الثالثة..   ويأتي هذا القانون الاستثنائي، في سياق فسح المجال لزعماء أحزاب المعارضة، للترشح لرئاسة الجمهورية، سيما أن القانون الانتخابي ونص الدستور، يتوفران على شرط من الصعب على قيادات هذه الأحزاب توفيره.. إذ ينصّ القانون الانتخابي، على شرط التزكية لقبول الترشح للرئاسيات، وهو ما يعني من الناحية العملية، توفير ثلاثين (30) منتخبا من بين أعضاء مجلس النواب ورؤساء المجالس البلدية، الأمر الذي لا يبدو ممكنا بالنسبة لأي مرشح معارض، باعتبار أن غالبية المجلس النيابي ورؤساء البلديات، هم من التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم)، الذين لا يمكن أن يمنحوا أصواتهم لمرشح من خارج حزبهم، إلى جانب كون المعارضة البرلمانية التي يبلغ عددها 34 نائبا في البرلمان، غير مجتمعة على رأي واحد، بل تخترقها تناقضات فيما بينها، وهو ما يعكسه فشلها في التوصل إلى تقديم مرشح مشترك في انتخابات 1999 أو 2004، بما دفع الحكومة إلى سنّ قانون انتخابي استثنائي في الموعدين، لتمكين بعض زعماء الأحزاب السياسية من الترشح لرئاسة الجمهورية، بما مكّن السيدين محمد بلحاج عمر وعبد الرحمان التليلي من الترشح في رئاسيات 1999، والسادة محمد بوشيحة ومنير الباجي ومحمد علي الحلواني من تقديم ترشحاتهم في انتخابات 2004.   وتعدّ هذه المرة الثالثة حينئذ، التي يلجأ فيها الرئيس زين العابدين بن علي، إلى سنّ قانون انتخابي استثنائي، مستخدما بذلك صلاحياته التي يخولها له دستور البلاد، لضمان انتخابات تعددية في مستوى الاستحقاقات الرئاسية..   فمن سيكون معنيا بالترشح لانتخابات 2009 من بين قيادات أحزاب المعارضة؟ هل تشمل الشروط المعلن عنها يوم الجمعة، جميع القيادات أم هي تعني أطرافا دون أخرى؟   أسماء يشملها الاستثناء الانتخابي   إذا ما عدنا إلى مشروع الاستثناء الذي سيعرض على مجلس النواب بموجب مشروع قانون من المتوقع أن تحيله الحكومة على البرلمان في غضون المدة القليلة المقبلة، فإن الشروط المعلنة تتمثل في ثلاث نقاط أساسية هي :   1 ـ أن يكون المرشح هو المسؤول الأول على الحزب، أي أمينا عاما أو رئيسا أو أمينا أول للحزب..   2 ـ أن يكون منتخبا لهذه المسؤولية الحزبية..   3 ـ أن يكون يوم تقديم مطلب ترشحه، مباشرا لمهمة قيادة الحزب، منذ مدة لا تقل عن عامين متتاليين منذ انتخابه لها..   4 ـ بالإضافة إلى ذلك، هناك شرط السنّ القانونية التي يشترط أن لا تتجاوز الخمسة وسبعين عاما عند تقديم الترشح..   وبموجب هذه الشروط، يمكن القول أن السادة محمد بوشيحة، الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، وأحمد الإينوبلي، الأمين العام للاتحاد الديمقراطي التقدمي، ومنذر ثابت، الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرري، وأحمد إبراهيم، الأمين الأول لحركة التجديد، ومية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي، مؤهلين ـ قانونيا ـ للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة ومنافسة مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي..   فالسيد محمد بوشيحة، كان قد انتخب في مؤتمر الحزب قبل أكثر من عامين، (مارس 2006)، وهو يباشر هذه المسؤولية منذ ذلك التاريخ، فضلا عن كونه لم يبلغ سن الخامسة والسبعين..   وينسحب الأمر على السيدين، أحمد الإينوبلي ومنذر ثابت اللذين انتخبا في مؤتمر حزبيهما قبل نحو عامين، وهما يضطلعان بالمهمة القيادية منذ ذالكم الموعدين، وعلى الأرجح سيواصلان قيادة حزبيهما حتى موعد الانتخابات القادمة..   في نفس السياق، يبدو الأمر مفتوحا أمام السيدين أحمد إبراهيم وميّة الجريبي، على الرغم من أن الحزب الديمقراطي التقدمي الذي ترأسه الجريبي، غير ممثل في البرلمان، وهو الشرط الذي لم ينص عليه القرار الرئاسي، مثلما حصل في وقت سابق (انتخابات 2004)..   قيادات غير معنية بالاستثناء..   على أن الشروط الاستثنائية المعلن عنها، تستثني بعض القيادات الحزبية، على غرار السيدين مصطفى بن جعفر، الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، ومنجي الخماسي، الأمين العام لحزب الخضر للتقدم، إذا ما كانت كلمة « منتخب » الواردة في نصّ خطاب رئيس الدولة، تعني الانتخاب من المؤتمر..   فالسيد بن جعفر، لا تنطبق عليه ـ في ضوء ذلك ـ صفة المنتخب على رأس حزبه، على أساس أنه مسك الأمانة العامة منذ تأسيسه للحزب في العام 2002، ولم يعقد التكتل مؤتمره إلى حدّ الآن، وهو الأمر الذي ينسحب على السيد الخماسي، الذي أسس الحزب قبل عامين ونيف تقريبا، لكنه لم يعقد مؤتمره الأول إلى غاية كتابة هذه الأسطر، بما يجعله غير معني بعملية الترشح للرئاسيات القادمة..   وتفيد بعض التأويلات لنصّ الخطاب الرئاسي من جهة ثانية، أن كلمة منتخب لا يمكن أن تقصي الرجلين، على أساس أنهما انتخبا من قبل المجموعة المؤسسة للحزب، لكن بعض فقهاء القانون يرون أن التنصيص على شرط الانتخاب، لا يمكن أن يحمل هذا المدلول الضيق، خصوصا وأن كلمة منتخب، تستوجب استحقاقات وحيثيات تقتضيها العملية الانتخابية داخل كل حزب، سواء تعلق الأمر بالترشح للمسؤولية القيادية، أو عملية الاقتراع السري أو المباشر، وغير ذلك من صيغ الانتخاب المعمول بها في مؤتمرات الأحزاب..   ويبقى الأمر في انتظار نصّ مشروع القانون الانتخابي الاستثنائي، الذي ستحيله الحكومة على البرلمان، باعتباره سيكون النص المفصّل لمثل هذه التأويلات، بشكل يوضح الأمور ويضع النقاط على الحروف..   على أن من المسائل اللافتة للنظر في الشروط المعلن عنها من قبل رئيس الجمهورية، توفيرها فرصة للحزب الديمقراطي التقدمي، لترشيح امرأة للانتخابات الرئاسية، وهي السيدة ميّة الجريبي، الأمينة العامة للحزب التي تتوفر فيها جميع الشروط التي تم الإعلان عنها، وهو ما سوف يحصل لأول مرة في تاريخ البلاد، لكن لا يعرف ما إذا كان الحزب سيستثمر هذه الفرصة أم سيتمسك بترشيح عضو المكتب السياسي، والأمين العام السابق، السيد نجيب الشابي، الذي أعلن عن ترشحه قبل بضعة أسابيع بموجب قرار من المجلس المركزي للحزب..   في كل الأحوال، ستتوفر فرصة ترشح ما لا يقل عن 6 مرشحين للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، وهو عدد هام بقطع النظر لم يسبق أن سجلته انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد..   صالح عطية   (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 23 مارس 2008)

 

بعد إزاحة الشابي من سباق الرئاسة: هل يحل حزبه باعتباره من زلات عهد بورقيبة بن علي يعلن عجزه وهزيمته أمام نجيب الشابي ويقدم شهادة حية على ضعف التجمع

 
عبدالباقي خليفة (*)   أثبت بن علي مرة أخرى أنه غير قادر على المنافسة الديمقراطية مع الشخصيات المثقفة من طراز نجيب الشابي ،وأنه يعمد في اللحظات الأخيرة للانقلاب على ما أقره في المواعيد الانتخابية السابقة ،حتى أصبح الدستور والقانون لعبة سياسية ،وديكورا قابل للتغيير بما يوافق الظرف والمناخ السياسي الذي يخدم بقاءه في السلطة . لم نشك لحظة واحدة في نية بن علي بقاءه في السلطة رئيسا للبلاد مدى الحياة رغم أنف التونسيين ، وبكل التزييف الحاصل على المستويين السياسي والاعلامي الرسمي ، لكن ما لم يدر بخلدي شخصيا ،هو أن يعمد بن علي مرة أخرى لتغيير الدستور والقانون ،وبشكل استثنائي لاقصاء نجيب الشابي من سباق الرئاسة ، بشكل لا يمكن إخفاءه مهما حاول ذلك مفتي الزور السياسي ، زهيرالمظفر، وبعض من يسمون أنفسهم بالمعارضة ،ممن قبلوا بدور الديكور الديمقراطي ،مقابل حفنة من المكاتب والكراسي والامتيازت ،ومن المال العام الذي هو سحت عليهم وعلى النظام الحاكم .   لا نعرف لبن علي مشروعا حضاريا مميزا ،كل ما عرفناه في عهده هو هدم للحضارة ، لتصبح تونس مكب نفايات حضارة أخرى . لم نلاحظ أي مظهر من مظاهر الاستقلال الثقافي والاقتصادي ، بل تبعية تامة خاضعة لشروط البنك الدولي قتصاديا، ولوازم الفرنكفونية ثقافيا ،والتي سماها بحق الدكتور أبو يعرب المرزوقي  » الانسلاخية  » كما أن القرار السياسي رهن لمصالح دول أخرى بما في ذلك اسرائيل . بل أن الوحدات العسكرية البحرية الأجنبية الاميركية والفرنسية وحتى الايطالية لا تتوقف عن الدخول إلى المياه الاقليمية التونسية متى شاءت .   52 سنة من ( الاستقلال ) وحزب أوحد يهيمن على كل شئ في البلاد بقوة البوليس ، وطالما استعان ذلك الحزب بالجيش الوطني الذي هو لحماية الحدود الخارجية ،فإذ بالنظام يجعله قوة احتياطية لحفظ الديكتاتورية الحاكمة في الداخل . ديكتاتورية جعلت من القانون مطية لاخضاع وقمع الشعب التونسي الأبي ،وجعلت من المؤسسات طبولا فارغة تقرع في المناسبات للتدليل الكاذب على أن هناك مؤسسات . بينما القرار الأخير في يد فرد ،يستعين بمجموعة من محترفي التزييف والتزوير السياسي والاعلامي لاظهار النظام الحاكم بمظهر عصري ،من خلال مجموعة من الاجراءات والمظاهر المكانيكية التي لا تعبر عن حالة الوعي بل عن واقع الاستيلاب .   نظام ديكتاتوري لا يخجل من اتهام نفسه بأنه ديمقراطي ،وبأنه مدرك بأن الديمقراطية والتنمية متلازمان . وهو بذلك يخون تونس وشعبها مرتين . في الاولى عندما يكذب بادعاءه الديمقراطية ،والمرة الثانية عندما يسجل بأن الديمقراطية والتنمية متلازمان ،وهي حقيقة ،ثم يمارس الديكتاتورية.إن ذلك يعني شئ واحد ،هو الخيانة العظمى للشعب والوطن مع سبق الاصرار والترصد.   يعتقد النظام أن الحديث عن الديمقراطية وادعاء الاخذ بآلياتها يعفيه من ممارستها ، ولا يدرك بالتأكيد أن حديث الجياع عن الطعام وأصنافه لا يجعلهم يشعرون بالشبع ،وإنما يزيدهم شوقا للطعام . كما يزداد شوق الشعب التونسي للحريات والديمقراطية ، كلما أمعن النظام التونسي في الزعم بأن له وصلا بها .   ما الذي سيجنيه الشباب التونسي العاطل عن العمل ،والممنوع من دخول مواقع المعارضة على الانترنت ، فضلا عن المواقع المحجوبة ،من تخفيض سن المشاركة في الانتخابات إلى 18 سنة ،وهم يعلمون أن سير الانتخابات مبرمجة كالقطارت تجري في اتجاه واحد وعلى سكة وحدة ،وتصل إلى محطات بعينها لا يمكن استبدالها أوتغييرها . أي مستقبل لتونس في ظل سياسة نظام يحتقر الانسان ويستسهل التضحية به من أجل كرسي الحكم وتصور مريض للحداثة والتقدم . نظام ينظر للمواطن على إنه لا شئ ،أوشئ تافه لا قيمة لصوته ولا لرأيه ، فهو العاجز دوما ، والبسيط في كل الاحوال . وهذا ما يدل عليه خطاب النظام الذي يستعيض بالاقوال عن الافعال ، وبالصوت عن الصورة ،وبالمفترض عن الواقع الموضوعي . لقد صدق النظام الحاكم في تونس تلك المقولة النسبية التي تصف الشعوب العربية بالظاهرة الصوتية ، فراح ينسج للشعب التونسي من القصص الديمقراطية والجمل المعبرة عن أشواق الحرية ،ما ظن أنه قادر على إقناع الناس والعالم بأنه فعلا ديمقراطي ويحترم الحريات وينزل عند إرادة الشعب . لكن الناس يدركون أن النظام ورئيسه بحديثه عن الديمقرطية والحريات والحوار الشامل ،إنما يسمعهم « وسخ آذانهم  » بالتعبير التونسي . أو كما يقول المثل الجزائري « عندما يقول لك الكاذب صدقني فهو يسبك  » والمثل التونسي « من كذب عليك احتقرك ».   لقد بدا النظام التونسي ضعيفا إلى أبعد الحدود من خلال خطاب بن علي في الذكرى 52 للاستقلال . لقد سقطت كل الدعاوي الكاذبة عن الحزب القوي وعن الأغلبية التي يتمتع بها وهي أغلبية تعد ثامن العجائب السبعة كالغولة والعنقاء .   إن إقصاء نجيب الشابي من خلال لعبة التعديلات الدستورية والقانونية أظهر النظام في حجمه الجماهيري الحقيقي ، كعصا سليمان تماما، هيكل نخره السوس ،وينتظر موعد سقوطه في اللحظة الحاسمة . فالدائرة الضيقة  للنظام تدرك تماما أن الشعب لا يريدها ، وينتظر بفارغ الصبر انمحاقها وتلاشيها وأن تذروها رياح تغيير حقيقي . كما تدرك الكيفية التي يتم بها جمع الناس للتعبير الكاذب عن شعبيتها ، وهي تدرك أيضا أن الشعب يتعاطف مع ضحاياها ولا يصدق خطابها ، حتى وإن عمدت لانتقاء تصريحات معينة لمعارضة الديكور ، وبعض أبناء المخبرين والمتسلقين وأصحاب المنافع والاغراض الخاصة .    لقد بلغ العمى السياسي والاجتماعي بالدائرة الضيقة للمفتين السياسيين والحقوقيين للنظام التونسي حدا ،أصبحوا فيه لا يدركون معه أن الحديث عن حقوق الانسان  » نصا وممارسة  » كما جاء في خطاب بن علي « وشمولية حقوق الانسان وتكاملها وترابطها  » كما ورد في نفس الخطاب ،لا يجعل المعارضة الحقيقية والشعب التونسي يغفل عن معاناة المعارضة في السجون وحالة القمع داخل السجن الكبير المسمى تونس ،وأوضاع حقوق الانسان المعاشة وسط تغول البوليس في دولة البوليس . ففي كل حومة أو حارة في المدن هناك مأساة وفي كل منطقة هناك تراجيديا نسجها النظام الحاكم . فالشعب لا يحتاج لقراءة جرائد ومواقع المعارضة على الانترنت لكون فكرة عن واقع بلاده ، وهو يعيش ويرى الواقع على الطبيعة ، جاره أو قريبه في السجن أوالمنافي أو في الوطن محروم من حقوقه الانسانية فضلا عن حقوقه الاخرى ،بسبب سياسة النظام القمعية الاستبدادية التي تمنع جوازات السفر عن التونسيين المعارضين في الخارج حتى لا يعودوا ،وفي الداخل حتى لا يخرجوا ، وأصبحت تونس كالقبر الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود . وعشرات الذين لا يزالون يقبعون في السجون من مناضلي حركة النهضة من الذين لا تغيب قائمة أسمائهم عن نشرة تونس نيوز ،وحبذا لو تصبح هذه القائمة الصفحة الرئيسية أو بعض منها في جرائد المعارضة ومواقع الانترنت لتكون صيحة صدق في وجه بيانات الكذب حول الديمقراطية والحريات ،التي ما انفك النظام الحاكم يرددها في كل مناسبة . وهذه هي القائمة :     1- الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش  6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان 11-  كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14-  محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش. 16- وحيد السرايري 17-  بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي 21- رضا عيسى 22- الصادق العكاري 23- هشام بنور 24- منير غيث 25- بشير رمضان   كما يجب أن يكون هناك إطار يشير إلى كل من معاناة الصحافي سليم بوخذير والسجين السياسي رضا بوكادي وبقية إخوانه داخل السجون والمنافي ولا سيما الحالات الخاصة مثل وضع الصحافي عبدالله الزواري  .   وفي الوقت الذي يتحدث فيه بن علي عن الحريات وعن حق التعبير وعن الحوار بدون أي  » مواضيع محرمة و رقابة على الرأي والتعبير » كما جاء في خطاب بن علي تتوالى فيه صيحات المعذبين داخل تونس وخارجها ، سواء المتعلقة بآلام وعذابات المحجبات ، والمساجين الذين يعيشون في أفران غاز حقيقية داخل تونس ، والذين سقط منهم العشرات بفعل القتل تحت التعذيب ، أوالاصابة بأمراض قاتلة ومزمنة ، مع منعهم من العلاج اللازم أو في الوقت المناسب ، وما يعانيه حاليا السجين رضا البوكادي ( وغيره ) والذي جعلته الديمقراطية على طريقة نظام7 نوفمبر يتبول الدم . وسليم بوخذير الذي يتعرض للقتل البطئ حسب ما تفيد به الانباء لقادمة من تونس .أما الخارجون من السجن فيمنعون من حضور الندوات ،ومن العودة للاعمالهم السابقة ، بل يحرمون من الحياة بشكل طبيعي والعيش في هدوء ،فتنغص عليهم حياتهم سواء بالتوقيع داخل مراكز البوليس ، أوالزيارات البوليسية بدون موعد أو استئذان ،أو الاستدعاء للتحقيق بشكل مستفز ومتعمد كما يجري للعجمي الوريمي والحبيب شلوف ،وحافظ الموهودي والكثير من المناضلين ،الذين يتعرضون للمراقبة اللصيقة والمضايقات المتعمدة والحرمان من الحياة الكريمة ومنعهم من أي نشاط اقتصادي أوعمل يقتاتون منه  .كما يستمر نفي الصحافي عبد الله الزواري ووجود الكثير من المعارضين في الخارج المحرومين من جوازات السفر ومن حقوق المواطنة ومن الديمقراطية والحرية ومن فضاءات الحوار .    وخلاصة القول هو إنه لا توجد ديمقراطية ولا حريات في تونس ، فالنظام مثل بعض المواد في العلب المغلقة ، أي نسمة حرية أو ممارسة ديمقراطية ، تجعله غير قابل للاستمرار بعد أن انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة . وقد كشفت عملية ازاحة نجيب الشابي من سباق الرئاسة عن ضعف النظام ،وعن ضعف ثقته بنفسه وثقته بالشعب ،وعن هشاشة الزعم بأنه الحزب القوي الذي يحتاج لمعارضة قوية . ولكن الواقع يؤكد بأن حزب التجمع ضعيف شعبيا لذلك يحرص على صنع معارضة ضعيفة ،بينما تستبعد المعارضة القوية من العمل القانوني ،كالنهضة على سبيل المثال ،وتستبعد المعارضة الجادة المعترف بها لأنها قادرة على المنافسة ، كالحزب الذي ينتمي إليه نجيب الشابي . وقد تدبر له مكيدة ليسجن ،وربما يسحب منه الترخيص ،واعتباره من زلات عهد بورقيبة .   أخيرا لم يتضمن خطاب بن علي أي جديد جوهري على المستوى الديمقرطي والحريات ، فهو خطاب مكرر مع زيادة جرعة التلاعب بالالفاظ ،وتفريغ المصطلحات من مضمامينها .وتبقى الافعال رهن باصدار عفوعام، وإعادة الحقوق لاصحابها،وبدء حواروطني لا يستثني أحدا ،ولاسيما مع الكتل السياسية والفكرية ،بدل المحاولات المحكومة بالفشل ،والتي تريد الفصل بين ما لا يقبل الفصل ،أي بين الشباب وما يمور داخل الشعب والمحيط والعالم من أفكار اقتصادية واجتماعية ودينية تتسم بالطابع التنظيمي ،بينما النظام يحاورهم بعقلية الفردانية ، والتفكيك دون الحق في إعادة التركيب ، وتلك مهمة مستحيلة ،يلهو بها بطفولية واضحة الصفر المربع لنظام 7 نوفمبر .   (*) كاتب وصحافي تونسي   (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 23 مارس 2008)

من يحدد للتونسيين رئيسهم: الخطاب الرئاسي أم صناديق الاقتراع؟

مرسل الكسيبي (*)   حرصت هذه السنة وفي ذكرى الاستقلال التام المسلوب على عدم التفاؤل بما ستحمله لنا هذه المناسبة رسميا على الصعيد الوطني أو السياسي , ومن ثمة فقد توقعت في ظل تجربة حوار خضتها مع السلطة قبل أسابيع او قبل مايزيد عن شهرين بأن عقارب البوصلة تتجه رسميا الى مزيد من اطالة الأزمة وتمطيط اجال حالة الاحتقان , اذ أنه لاقابلية للدولة الغول بمراجعة رصيدها السياسي أو الحقوقي في ظل مايعتريها من حالة انتشاء نتيجة تدفق الدعم المالي الخارجي ونتيجة خلط أوراق اللعبة السياسية الداخلية بأوراق اللعبة السياسية الخارجية عبر ماتعتمده السلطة من مسالك لضرب الحريات ومصادرة الحقوق ونسف الحداثة القانونية والسياسية بطريق التوظيف السيئ وغير الأخلاقي لشعار التصدي للارهاب .   ولئن اتفقت المعارضة بمختلف أطيافها السياسية في تونس على استقباح الظاهرة الأخيرة-الارهاب- وعلى عدم اتاحة الفرصة لتوفر شروطها ودعائمها عبر دعم مطلب الاصلاح الديمقراطي والسياسي الشامل ومن ثمة تحصين البيت التونسي بتزاحم الأفكار والثقافات في حركة اصلاحية وتنويرية تستفيد من رحيق الأصالة ومكاسب العصرنة ضمن الموازنة بين مطلبى الحفاظ على الهوية ومطلب الدمقرطة …, الا أن السلطة وفي حيرة نخبوية تصل حد التعجب وفي ظل حالة قلق شعبي تصل حد الاحباط , حاولت بكل الأشكال صناعة الموات السياسي والاجتماعي عبر تدجين كل الأحزاب والجمعيات وكل الفضائات الحقوقية والثقافية والاعلامية المقاومة , وهو ماترتبت عنه حالة غير طبيعية من عزوف الشباب عن الانخراط في هياكل المجتمع المدني المناضل – مع استثنائات هنا وهناك طبعا – .   حالة فراغ سياسي وحقوقي سيئ ومدمر لم تعوض عنها الا جرأة بعض الجمعيات الحقوقية التي خرقت جدار الصمت , فكانت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ومنظمة حرية وانصاف صوتان شجاعان أمام تراجع دور الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وانحسار غير مفهوم لدور المجلس الوطني للحريات …   أما على الصعيد السياسي فلئن غرقت أجندة هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات في حوارات ذات اجندات ايديولوجية مباشرة , الا أن الحزب الديمقراطي التقدمي استطاع في ظل حالة الفراغ المقصود جلب الأنظار الى استراتيجية المقاومة المدنية الباسلة عبر انخراطه في عمل ميداني يومي جلب له الكثير من الأنصار والطاقات الشبابية الواعدة  وكثيرا من الاحترام على مستوى النخب بالداخل والخارج …   ولئن كان العاقل والمراقب لاينفي الدور البارز الذي لعبه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في السنوات الأخيرة في عملية استنهاض الجسم المعارض بالداخل والخارج , الا أن حجم التشويش الذي مورس من قبل السلطة على هذا الحزب كان كفيلا في ظل تعقد الوضع الداخلي وتصاعد حالة الاحتقان بتجميد بعض هياكله أو اضعافها فوق التراب الوطني أو حتى فوق التراب الفرنسي أين يتواجد حاليا واحد من أبرز قادة المعارضة التونسية ورئيس المؤتمر من أجل الجمهورية الطبيب المنصف المرزوقي .   الساحة التونسية المعارضة في ظل قرب الاستحقاق الرئاسي المزمع تنظيمه سنة 2009  بدت على مستوى الزعامات  عرضة للاستهداف القانوني الاستثنائي  عبر عملية اقصاء مدروسة وقع تضمينها سابقا في المجلة الانتخابية أو ربما حتى في بعض مفاصل الدستور …   أمام هذا المشهد لم يكن من بد أمام الأستاذ أحمد نجيب الشابي وهو واحد من أبرز وألمع المعارضين التونسيين الا أن يعتمد سياسة الاعلان الاستباقي للترشح للانتخابات الرئاسية برغم كل العراقيل السياسية و »القانونية » المذكورة , ومن ثمة فقد شرع في حملة انتخابية على الطريقة الأمريكية حين بدأ في الاتصال المباشر بقواعد حزبه والجماهير سنة ونصف قبل انطلاق الحدث الانتخابي الأبرز والأهم …   واذ لم يكن مستبعدا أن تعمد السلطات الى حيلة قانونية لاستبعاد الترشح الشرعي والسليم للأستاذ الشابي مع قرب موعد تعديل المجلة الانتخابية في الغرض , الا أن الغريب هو أن يفاجأ التونسيون في خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الاستقلال  بالحديث عن قرب تعديل الدستور قصد السماح لرؤساء الأحزاب الحاليين والمباشرين لمهامهم بالمشاركة في هذا الاستحقاق , وهو ماعنى أن الخطاب الرئاسي قصد وفي غير ريبة وشك اقصاء الأستاذ الشابي بصفته رئيسا سابقا للحزب التقدمي وليس رئيسا حاليا مباشرا لمهامه …   وبالنظر الى موضوع هذا التعديل الدستوري الذي بشر به الخطاب المذكور فانه ليس للتونسيين أن يختاروا رئيسهم بحرية , اذ أن واقع ولسان الحال يقول بأن الرئيس يختار منافسيه وليس الشعب التونسي !   لقد كان بوسع الرئيس بن على أن يبتعد بخطاب 20 مارس أو خطاب ذكرى الاستقلال عن هذا الموضوع أو أنه يعلن عن فتح باب الترشح للرئاسيات وبموجب تعديل قانوني ودستوري لجميع من يرى في نفسه الكفاءة لهذا المنصب من التونسيين والتونسيات … لم يحدث هذا وهو ماكان متوقعا جدا في الأوساط السياسية المعارضة , ومن ثمة فان خيار المقاطعة للانتخابات أو فرض خيار ترشيح الأستاذ الشابي وغيره عبر حملة شعبية ودولية يعدان خياران ممكنان في الأشهر والأسابيع القادمة …   لاأمانع شخصيا في موضوع اعادة ترشيح الرئيس الحالي لدورة جديدة غير أن المنافسة الانتخابية الرئاسية  لابد أن تقع على أرضية اتاحة نفس الفرصة لكل من يرى في نفسه الكفاءة لهذا المنصب , وهو مايعني أن الخيار والترجيح الانتخابي لابد أن يترك للارادة الشعبية الحرة بقطع النظر عما يمتلكه حزب الدولة من قدرات تعبوية ومالية غير طبيعية …   تونس في تقديري المتواضع ستكون بموجب هذا التنقيح الدستوري غير العادل أمام أزمة دستورية وسياسية حقيقية لايمكن التعويض عن خسائرها الفادحة الا برفع حالة الاحتقان عن الفضاء العمومي وتحرير كل سجناء الرأي واستعادتهم لحقوقهم الوطنية المشروعة مع تحرير مواز للاعلام واعادة الاعتبار للسلطة الرابعة كي تؤدي وظيفتها الفاعلة كعين امينة على مايتهدد الرأي العام من مخاطر حقيقية في ظل تصاعد حالة الاحتباس الديمقراطي وتراجع المنظومة السياسية للدولة عما قدمته من وعود في قضايا الحريات والحكم الرشيد …   ملف اخر وأخير لاينبغي الغفلة عنه في ظل تصعد وتيرة مطلب الاصلاح ببعده السياسي بمناسبة قرب تاريخ الاستحقاق الرئاسي , اذ أن قضايا الوضع المعيشي والعدالة الاجتماعية والاستجابة لمطامح الشباب على مستوى التشغيل وتوفير فرص التألق والابداع تعد ملفا لايقل أهمية عن ضرورة استرجاع التونسيين والتونسيات لحرياتهم الأساسية وكرامتهم الحقوقية من دولة غول أهدرت عظيما من محصلات الاستقلال الحقيقي .   (*) رئيس تحرير صحيفة « الوسط التونسية » (أليكترونية – ألمانيا)   (المصدر: مدونة مرسل الكسيبي بتاريخ 22 مارس 2008) الرابط: http://morsel-reporteur.maktoobblog.com

 


المنظومة الموازية للتأمين على المرض … استرجاع مصاريف زيارة المشعوذين

 
عبد الجبار الرقيقي   أثار نظام التغطية الصحية الجديد نقاشات واسعة منذ سنوات عديدة و انقسمت الأطراف المعنية به إلى مساند و معترض و متحفظ ، و نحن اليوم نتهيأ للعمل به فعليا رغم اختلاف المواقف منه . غير أني لن أخوض في مناقشة هذا النظام لأني منشغل  » بمنظومة صحية » أخرى ما فتئت تتعاظم رقعتها و يتضاعف عدد المقبلين عليها و »المنتفعين » بخدماتها و أهملها « الصندوق الوطني للتأمين على المرض » ولم يولها أية أهمية. و أقصد بذلك جيش العرافين و المنجمين و المتطببين و المشعوذين الذين تتألف منهم هذه المنظومة الموازية . ودأبت صحف كثيرة على الإشهار لهؤلاء و منها جريدة « الحدث » التي أصابتنا بالصداع لفرط ما شهرت بالظلاميين و أصابتنا بالدوار لكثرة ما تغنت بتقدميتها و لكن عقلي عاجز عن فهم كيفية مناهضة الظلامية و خدمة العقلانية و التقدم، و في الوقت ذاته التمعش من الدرك الأسفل لقاع الخرافة و كهوف التحيل و زوايا الاقتيات من مصائب الناس و مآسيهم ؟   و أعتقد أن « الحدث » و شقيقاتها اللواتي يغنمن من المساحات الاشهارية المنمقة التي تخصص للمشعوذين لم يعد أمامهن سوى اقتراح وحيد ينسجم مع ما يأتينه من شنيع الفعال و هو : اقتراح منظومة رابعة للتأمين على المرض أغفلها المشرعون يمكن تسميتها كالتالي  » استرجاع مصاريف زيارة المشعوذين و التداوي بالحروز و الأحجبة  » غير أن هذه المنظومة الرابعة تحتاج بدورها إلى استشارة وطنية عاجلة لمناقشة الإشكاليات الآتية :   ما هي كيفية الانخراط بهذه المنظومة ؟ و هل يمكن الجمع بينها و بقية المنظومات ؟ و ما نسبة الاقتطاع من الأجر ؟ و هل من المنتظر إحداث مؤسسات عمومية لهذا الصنف من العلاج ؟ و هل ينقسم المشعوذون الى مشعوذ عام و مشعوذ متخصص على غرار الأطباء ؟ و هل سيتم العمل بنظام  » مشعوذ الأسرة » ؟ و هل تشمل التغطية الأعشاب و الحروز و البخور و السلاحف المجففة و السحالي المملحة و القنافد المسلوخة ؟ و هل هناك أحجبة و بخورات « جنيسة  » ؟   إن هذه المرارة الظاهرة في سخريتي احتجاج على جرم مشهود يجابه بالصمت منا و بالتواطؤ منهم، و كلاهما مشاركة في الجرم . فلو توقف الأمر في حدود الممارسات الاجتماعية الموروثة لمعالجة الأزمات النفسية و الاجتماعية لهان الأمر ، أما أن يصل الأمر بهؤلاء المشعوذين الى الادعاء العلني بشفاء أمراض و تسميتها بمصطلحاتها العلمية فهذا مما لا يمكن التغاضي عنه ، فقد ورد في العدد 10785 بتاريخ 05 مارس 2008 من « الحدث » الإشهار التالي : » … الوحيد في العالم الذي له القدرة على معالجة الصم و البكم و السرطان في مراحله الأولى و البوصفير( أ ب ج ) و داء السكري و فقر الدم …. ».   و في إشهار آخر بنفس العدد نقرأ ما يلي : » … يعالج الجلطة …و الشقيقة والعذر و الروماتيزم » و في صفحة أخرى مشعوذ آخر يدعي معالجة  » المجاري البولية و البروستات والسكري و التهابات المعدة و الفدة المزمنة … » و الحقيقة ألا « فدة » أشق علينا منكم و من مشعوذيكم .   إن هؤلاء المشعوذين القادرين على شراء مساحات اشهارية قارة لابد و أن صناعتهم رائجة و ربما أكثر من بعض الأطباء الذين أفنوا أعمارهم و أعمار أهلهم في البحث و التحصيل ، ولكن لماذا؟ قد يعود الأمر الى انغراس العقلية الخرافية عميقا في النفوس فلم تفلح الحداثة المصطنعة في اجتثاثها ، وربما لتقهقر درجة العقلانية لا في صفوف عامة الناس بل حتى لدى فئات رفيعة التعليم . كما أن بعض الفضائيات التي فقست في تربة الاحتلال الأمريكي للعراق ساهمت في هذا النكوص الخطر . و لعل الموجة التعبدية التي شهدتها بلادنا صاحبها خلط مقلق بين الدين و الشعوذة نتيجة ضحالة الثقافة الدينية لعموم المتعبدين و جهلهم بمآثر حضارتنا في مجال الطب .   وزادت وسائل الإعلام المحلية الطين بلة فهي إما متواطئة بصمتها و إما مستمتعة بجني المغانم من الإشهار لها، و إما بتهيئة الأذهان لقبولها بالتركيز على الغرائب و العجائب .   و التساؤل الذي يطرح نفسه على الجميع ولم أعثر له على إجابة شافية :   * ـ من يسند الترخيص القانوني لهؤلاء المشعوذين ؟ و من يسمح لهم بالإشهار ؟   *ـ كيف تسكت الجهات المطالبة بتطبيق القانون على جريمة واضحة و موصوفة و هي ادعاء ممارسة الطب دون مؤهلات علمية و مهنية؟   *ـ و كيف لا نسمع صوت ممثلي المهن الطبية و الوزارات المعنية و ممثلي الصيادلة و السيد مفتي الديار التونسية و ممثلي الصحفيين ليقولوا إننا لا نرضى بأن ترتكب باسم الدين أو باسم الطب أو باسم الإعلام جرائم في حق مواطنين أرهقهم المرض و الأزمات ؟   *ـ ما هو المقياس الذي اعتمد للترخيص لهم ؟ ومن يراقبهم ؟ و ما اختصاصه ؟   إن كل من له مسؤولية في تواصل هذه المهزلة / المأساة التي تدمر يوميا أسرا و تضيع شبابا و نساء من واجبه أن يتحرك لإيقافها. أما الصمت على الجرم فمشاركة فيه . ولكن لن يكون كافيا التتبع القضائي لبعض حالات الاغتصاب أو التحرش الجنسي للإعفاء من المسؤولية .   كلمة أخيرة نسوقها لمن يشهرون للمشعوذين و يقدمون قراءهم فرائس سائغة و يخونون عقد الثقة معهم  » لم نفهم مرة أخرى تشدقكم بالوطنية و أنتم تبيعون مواطنيكم لذئاب تلغ في دماء الضحايا متلذذة ، كما لم نفهم تقعركم برنين مصطلحات التقدمية و الحداثة و أنتم ترتزقون من كهوف الخرافة » .   (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 444 بتاريخ 21 مارس 2008)  


محرقة غزة و سؤال الأمة الواحدة هل نحن أمّة ؟

لطفي حجي   سؤال طرحه العديد من المفكرين والباحثين العرب منذ ما عرف بعصر النهضة العربية ومنذ ذلك التاريخ تعددت الرؤى حول مفهوم الأمة بين التيارات الإيديولوجية المتصارعة وكانت الأجوبة حسب الانتماء الفكري والأيديولوجي بين أمّة إسلامية للإسلاميين وأمّة عربية للقوميين.   إذا نظرنا إلى المسألة من الزاوية الإسلامية وجدنا أن لفظ الأمة ورد في القرآن إحدى وخمسين مرة في سياقات مختلفة، وفي المرات التي خاطب فيها القرآن المؤمنين بوصفهم أمّة كانت جميعها تحمل مضامين حاثة على الوحدة والخير والتضامن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي المضامين التي تلقفها العلماء المسلمون للحديث عن الأمة المسلمة ككيان يجمع شمل المسلمين ويوحدهم.   و بالتوازي مع تلك المفاهيم ذات الخلفية الإسلامية تعددت النظريات القومية حول الأمة التي تشدد على أنها قائمة الذات باعتبار توفر عناصرها المتمثلة في وحدة اللغة ووحدة الأرض ووحدة التاريخ. وإن هذه الأمّة العربية التي وحّد الزمان ظروفها على حد تعبير المنظر القومي الراحل عصمت سيف الدولة قد تشكلت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. وأصبحت أمّة عربية واحدة. ولذلك كان مدار القوميين الذين وصلوا إلى السلطة في عدد من الأقطار العربية هو الأمة ، وعليه لم يكن من الغريب وفقا لتلك الأرضية النظرية أن يكون شعار حزب البعث العربي الاشتراكي هو  » أمة واحدة ذات رسالة خالدة ».   ما دفعنا إلى تناول مفهوم الأمة الواحدة هي المحرقة التي تسلط على الفلسطينيين في غزة والتي قوبلت بصمت عربي وإسلامي رسمي لافت للانتباه على الرغم من أنها حولت أوضاع الفلسطينيين العزل في غزة إلى الأسوأ منذ أربعين سنة حسب تقييمات المنظمات الحقوقية. و قد أبرزت محرقة غزة عجزا عربيا رسميا يضاف إلى العجز في المواجهات السابقة بين الفلسطينيين و الإسرائيليين و هو ما يبرر إعادة طرح السؤال عن وجود الأمة الفعلي و أسباب تكرر هزيمتها أمام عدو لا يضاهيها من حيث العدة و الحجم و الثروة إن شئنا. .   إثر قيام دولة إسرائيل سنة 1948 كتب المفكر العربي قسطنطين زريق كتابا تحت عنوان « معنى النكبة » قال فيه » ليست هزيمة العرب في فلسطين بالنكسة البسيطة، أو بالشر الهين العابر، و إنما هي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ومحنة من أشد ما ابتلي به العرب في تاريخهم الطويل على ما فيه من محن ومآس ». واعتبر الرجل أن لنكبة العرب في فلسطين أسبابا قريبة وأخرى بعيدة وأن المعالجة المفروضة هي أيضا قريبة وبعيدة. أما المعالجة القريبة فتقوم على خمسة أركان تتمثل في تقوية الإحساس بالخطر وشحذ إرادة الكفاح، والتعبئة المادية في ميادين العمل كلها، وتحقيق أكبر قدر ممكن من التوحيد بين الدول العربية، وإشراك القوى الشعبية في النضال، واستعداد العرب للمساومة والتضحية ببعض المصالح لدرء الخطر الأكبر.   أما المعالجة البعيدة أو الحل الأساسي كما يسميه زريق فسبيله عنده في »تبدل أساسي في الوضع العربي، و انقلاب تام في أساليب تفكيرنا وعملنا وحياتنا بكاملها يكفل قيام كيان عربي متقدم قادر على أن يدرأ الخطر الصهيوني بل أي خطر أجنبي ويتغلب عليه ويتيح للشعوب العربية أسباب البقاء والكرامة والازدهار. و أهم مقومات هذا الكيان العربي المنشود هي الاتحاد، والتقدم الصحيح ». إن هذه القواعد التي وضعها زريق وأطنب في شرحها في كتابه سنة 1948 وجد نفسه مضطرا لإعادة التأكيد عليها في كتاب ثان ألفه إثر هزيمة 1967 بعنوان « معنى النكبة مجددا » لاعتقاده أن ذلك المعنى كما سماه ينطبق على الوضع العربي سنة 1967 . بمعنى أن العرب لم يستفيدوا شيئا من النكبة الأولى.   لم يكن زريق وحده من المفكرين العرب الذين حاولوا الوقوف على خفايا هزيمة العرب المتكررة بل كان هناك العديد من المفكرين الذين لم يعوزهم العمق و الجرأة و لعل أهمهم المفكر السوري ياسين الحافظ الذي كتب إثر هزيمة 1967 كتابا مرجعا بعنوان »الهزيمة والايدولوجيا المهزومة ». احتوى على عناصر عميقة في تحليل أسباب الهزيمة العربية لكن لم يلتفت إليه الساسة العرب لأن أغلبهم لا يهمهم استخلاص العبر من هزائمهم المتتالية كما لا يهمهم رسم سياسات المستقبل التي تحقق لأمتهم النصر المنشود.   اعتبر ياسين الحافظ  » أن المعنى العميق لحرب الأيام الستة يتجاوز بكثير معنى الهزيمة العسكرية العادية التي منيت بها هذه الأمة أو تلك في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، كان ممكنا أن نسمي نتيجة هذه الحرب هزيمة عسكرية لو كان ثمة ظل من التكافؤ السكاني بين الشعب العربي وإسرائيل، أما وأن إسرائيل أصغر بخمس عشرة مرة من قطر عربي واحد فقط ، وتكسب منه المعركة العسكرية بمثل هذه السهولة والسرعة، عندئذ لا تعود المسألة مسألة هزيمة عسكرية عادية لا من قريب ولا من بعيد. »   إن عدم إنصاتنا على امتداد أكثر من نصف قرن إلى صيحات الفزع التي أطلقها عرب من ذوي التفكير الثاقب والضمائر الحية يبرز أننا لا نزال نراوح المكان نفسه في تصورنا لذاتنا و في علاقتنا بالكيان الصهيوني، و أننا نعيش انقساما عميقا في تمثل الوعي بالأمة الواحدة والمصير المشترك في العالم العربي. ومن اليسير أن نلحظ انقساما بين أربعة مفاهيم متضاربة.   الأول هو وعي الدعاة لمفهوم الأمة الواحدة و الذي يتحول عندهم إلى نوع من التبشير الديني أو الإيديولوجي لا يراعي عادة تغيرات الواقع و انكساراته ، و الثاني هو وعي الشعوب الذي هو وعي فطري يرغب بحق في الوحدة والتوحد من منطلق قناعة أبنائها أنهم بالفعل أمة واحدة ، و الثالث هو وعي المفكرين الناقدين وهم الذين يطلقون صفارات الإنذار مع كل هزيمة تعيشها الأمة ليبينوا الأخطاء والمزالق ويبرزوا محدودية الاستراتيجيات وعجز السياسات عن تحقيق الانتصار وبلوغ الأهداف في توحيد الأمة و نجاوز هزائمها التي كادت تتحول إلى هزائم مزمنة.   و نجد في الأخير وعي السياسيين الرسميين أصحاب النفوذ والقرار الذين يقايضون مفهوم الأمة بالرغبة في البقاء فتتحول الأمة عندهم إلى أداة سياسية فارغة من أي مضمون، وهي أداة للمزايدة في اللقاءات الرسمية العربية حيث يتحول الخطاب الرسمي الظاهر إلى خطاب توحد في حين أن الممارسة هي ممارسة تناحر ومحاربة مستمرة وعجز دائم عن رسم سياسات موحدة على محدوديتها.   لذلك يهرب أولئك الساسة الفاقدون عادة إلى أي نوع من الشرعية يهربون نحو الشعارات الكبرى والمزايدات في ما بينهم بخصوص العروبة و الإسلام، ويرفضون في المقابل وضع اللبنات الأولى للتعاون والتنسيق. يعلم الجميع مثلا أن الاتحاد الأوروبي بدأ بالاتفاق بين مجموعة من دوله في الخمسينات حول التعاون في مجال الفحم والطاقة ومن هناك انطلقت عجلة التعاون ليصبح الاتحاد على ما هو عليه الآن من عملة موحدة، وبرلمان مشترك لسن القوانين، ومجلس اتحاد لاتخاذ القرارات، ومفوضية لتجسيد السياسات المتفق عليها.   استطاع الأوروبيون تحقيق ذلك في نصف قرن- وهي نفس المدة على نكبة فلسطين الأولى- على الرغم من أنهم ليسو أمة و لم يدّعوا ذلك يوما، لكنهم مع ذلك تجاوزوا الشعار والمزايدة إلى ما يمكن أن نسميه بالسياسات الواقعية والعقل العملي الذي يغلب الواقع على الشعار ويقدم المصلحة على الرغبة لإدراكهم أن التقاء المصالح هو المدخل الأساسي للتعاون ومن ثمة للتوحد إن كانت هناك النية . وذلك العقل العملي هو الذي غيبته أنظمتنا السياسية التي ترفض الشروع في وضع اللبنات الأولى لعمل مشترك جدي يكون مدخلا للتوحد ولو بعد عقود .   إن الأنظمة العربية ونظرا لافتقارها للعقل العملي ولنية البناء الجماعي عمقت على امتداد العقود الماضية التجزئة من حيث نادت بالوحدة ، وبينت انه لم ينفع معها حث الإسلام على فضل التوحد و خيرية الأمة الواحدة و ذلك رغم تكرار تشبث تلك الأنظمة بالإسلام . كما لم ينفع معها الفكر القومي الذي جعل من الأمة الواحدة قصب السبق في الصراع العربي الصهيوني. ولم ينفع معها أيضا صيحات المفكرين المنادين بالتغيير لتجاوز الأسباب العميقة للهزيمة العربية.   يضاف إلى تلك العوامل الدائمة منذ خمسين سنة عامل جديد استفحل بعد سقوط بغداد و يتمثل في أن الأنظمة العربية الراهنة أصبحت تقايض وجودها في الحكم بالصمت عما يجري في فلسطين و العراق و بالكف عن التفكير في سياسات تقود إلى الموقف العربي الموحد الذي قد يوحي بوجود الحد الأدنى من التنسيق و التضامن العربيين. إن تلك السياسات هي التي تفسر استمرار المحرقة ضد الفلسطينيين، و هي التي تجيب عن سؤالنا الأول بأننا لسنا أمة في سياساتنا رغم نبل المشاعر الشعبية، و أن أنظمتنا المتشبثة بنفس السياسات منذ نكبة 1948 لم تع دروس التاريخ فبقيت تنتج الهزيمة تلو الأخرى.   (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 444 بتاريخ 21 مارس 2008)

المرزوقي في ندوة باريس عدو الأمة الأول نظامها السياسي

 
في لقاء نظمته اللجنة العربية لحقوق الإنسان في باريس يوم 22 مارس وضم نخبة من المناضلين الديمقراطيين والإسلاميين العرب قال الدكتور منصف المرزوقي أنه لم يبق مجالا للشك أن العائق الرئيسي ألأساسي امام تقدم العرب ووحدتهم هو نظامهم السياسي الاستبدادي المبني على رباعية الحكم الشخصي المؤبد والقمع البوليسي والفساد و وتزييف المؤسسات الديمقراطية. ما نبه له المرزوقي أن شعوبنا التي تتفكك اجتماعيا وأخلاقيا وتنهار مقدرتها الشرائية يوما بعد يوم لا يمكن أن تتحمل طويلا تبعات حكم غير راشد بل ويمكن وصفه بالحمق وحتى بالجنون . . ودعا المرزوقي الحاضرين للوعي أننا في سباق مع الزمان . إما أن تتهيكل القوى الديمقراطية والاسلامية المعتدلة في صلب جبهة تحرير وطني تقود مقاومة مدنية هدفها رحيل الدكتاتور ونهاية الدكتاتورية تستعمل كل تقنيات العصيان المدني السلمي من الاضرابات القطاعية والاحتجاجات المختلفة المتواصلة وصولا إلى الاضراب العام وتعمل على حث القوى داخل النظام على التفاوض من أجل نقلة سلمية حقيقية للديمقراطية ….أو فسح المجال للمقاومة المسلحة. أما الستراتجية التي اعتمدتها أغلب القوى السياسية المعتدلة في التعامل مع أنظمة ترفض كل إصلاح حقيقي وتصر على الغش والمناورة بجانب تواصل القمع فرهان خاسر البارحة واليوم وغدا. وسخر المرزوقي من الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس التونسي بن علي بخصوص فتح باب الترشح للرئاسيات وأكد أننا أمام تواصل المناورة وذر الرماد على العيون والامعان في نسق التزوير المفضوح كما سخر ممن يواصلون الحلم بتغيير من داخل منظومة الاستبداد وهم كمن يأملون شرب حليب الثور وقال المرزوقي أن تواصل التمسك بهذا الخيار العقيم والذي سيتضح اخفاقه يوما بعد يوم قد يؤدي إلى حسم الأمر لصالح المقاومة المسلحة وهو ما ينذر بدخول بلداننا في أتون حروب التي نراها في بعض أقطارنا مجرد بداية مسلسلها . فهناك اليوم أأربع قوى رئيسية تدفع للعنف : سياسة الأنظمة التي تعتبره مخرجا لازمتها ، الظرف الدولي ، تفاقم الازمات الاجتماعية واتضاح عجز القوى السياسية على فرض اصلاحات حقيقية وقال المرزوقي أن الواجب يحتم على الجميع التكاتف من أجل الستراتجية الوحيدة القادرة على إنقاذنا من هذا المصير الرهيب أي الإعلان الواضح على أن عدو الأمة هو نظامها السياسي قبل الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي والتجمع ضده في صلب المقاومة المدنية وعدم إهدار الطاقة وتضييع الوقت في اللعب مع الغشاشين بقواعد يغيرونها طول الوقت وبهذا وحده يمكن سد الطريق أمام حل العنف الذي لن يزيد الطين إلا بلة.
 
(المصدر: موقع المؤتمر من أجل الجمهورية  بتاريخ 23 مارس 2008)
 

س( لا ) م أنا بوليس وميثاق الشر(ف) للإعلام العربي

بقلم: فتحي بالحاج

 

(1)

 

يعيش الوطن العربي فوضى سياسية وفكرية ووطنيه بغيضة تعكس في طياتها واقع حالة التحنيط الفكري والاجتماعي و القهر والظلم الذي يتعرض له الإنسان العربي أينما كان وأينما تواجد داخل حدود هذا الوطن  الواسع بمساحته الجغرافية والثري بثرواته الطبيعية والفاقد لأبسط هوامش الحرية . وتكشف هذه الوضعية مدى تغَلغُل المؤسسات والقوى الاستعمارية داخل المجتمع العربي من خلال أنظمة حُكم تابعة ومدارس فكرية غربية ناطقة بالعربية مُعادية لقضايا التحرر الوطني الحقيقي.  وكما هو واضح من تسلسُل الإحداث يبدو جليا إن الوطن  العربي يتعرض إلى هجمة استعمارية شرسة تقودها الامبريالية الأمريكية بِمُساندة من قوى عربية مُعرَّبَّه من داخل وخارج الوطن العربي مُهمتها زرع الفوضى الفكرية والإحباط السياسي والوطني و القُبول بِالاستعمار كقدر لا مفر منه بل الأدهى هو أنها  تسعى إلى تحويل الإجرام الأمريكي « تحريراً » وتدمير مكونات المجتمع العربي ونسيجه الاجتماعي  « تطويرا » للعالم العربي كما جرى ويجري في فلسطين وفي العراق.  لقد ساهم  الإعلام العربي الرسمي  وتوابعه في قلب الحقائق فلقد تحول بعض السياسيين وبعض الإعلاميين العرب إلى َمُرتزقة تؤدي دورها المطلوب في خدمة المشروع الاستعماري الأمريكي في العراق والوطن العربي….

 

تتجلى المأساة العربية الراهنة وتحنيط العقل والوضع العربي في ارتباط عناصر السيطرة الخارجية على الوطن العربي بِعناصر السيطرة الداخلية, بمعنى أنَّ علاقة التَبعية وظاهرة المُرتزقة المُتفشِية في المؤسسة العربية الحاكمة المُرتبطة بالقوى الاستعمارية قائمة على أساس المصلحة المُشتركة في إخضاع واستغلال الوطن العربي [جُغرافيا واقتصاديا وسياسياً] لِخدمة المصالح المُشتركة للتابِع والمَتبُوع من خلال ترسيخ واقع قَهرِي  (1) ينتهي بأن تقتنع فيه الجماهير العربية العريضة  باستحالة هزيمة القوى الاستعمارية وباستحالة خلق بديل وطني للمُرتزقة فقوى الهيمنة الاستعمارية تهيمن على نظم الحكم وعلى المعارضة وهي وحدها دون غيرها التحكم فيما يجري فهي التي تحرس الحاكم وهي القادرة وحدها على تنصيب « البديل » ..وهكذا يصبح  الاستبداد والهيمنة الأجنبية  قدرا محتوما..فالخارج هو الذي يسيطر و يقرر ويحدد من يكون على رأس هذه الدويلات..وهكذا تتحول القيادات السياسية من حكام ومعارضة في سباق محموم من يقدم الخدمة الأجل لقوى الهيمنة الأجنبية.. هذا الخطاب الذي تبثه بعض قنوات رسمية وغير رسمية يهدف إلى تهيئة الأرضية الذي يَجعَل اعتماد نهج العجز والهزيمة التي ينتهجهُ النظام العربي الرسمي  نهجا « واقِعياً » مقبول قسرا او قهرا في ظِل تقاطُع وتَشابُك المصالح بين قوى الاستعمار الأمريكية وبين قوى الاستعمار الداخلي. يسعى حلف الاستبداد وقوى الغزو الأجنبي إلى النفاذ إلى العقل العربي وتدميره ليفرض عليه ما هو غير طبيعي في كل المجتمعات الإنسانية. لذلك فهو يسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم من خلال محاربة أي منفذ يمكّن قوى الحياة من توظيفه في هذه المعركة..إن ثقافة الهزيمة كثيرا ما تسقط وتتلاشى في الشعوب الحية كما الحال في أمتنا ومثقفي الاحتلال لن يجدوا نصيرا لهم إلا بالعدوان الخارجي كما هو الحال في فلسطين وفي العراق  أو بالالتحاق بمباركة بقوى القمع الداخلي وتشترك في هذه العملية الكبيرة آلات ضخمة من وسائل الدعاية وأساليب متنوعة وحديثة في فن الدعاية وأول ضحايا هذا الحلف البغيض هو الإعلام النزيه والمحايد بعد القضاء على الاعلام المعبر عن ضمير الأمة وتطلعاتها وطموحاتها ..إن هذا الحلف يرى في كل من يخالف نهج قوى الهيمنة وحلفائها خطرا داهما.. لقد كانت « وثيقة الشرف للإعلام العربي » التي أصدرها وزراء الإعلام العرب تصب في هذا التوجه وهو تكميم الأفواه والأصوات الرافضة للقمع والفساد والخضوع للقوى الأجنبية… إن الاحتلال الأجنبي والاستعمار معروف وممارساتها العدوانية نفسها وان تغيرت الشعارات فمن تحضير الشعوب إلى تمدينها إلى تهيئتها حضاريا إلى نشر الديمقراطية إلى الدفاع عن حقوق الإنسان.. الأخطر هو هذا السعي الحميم إلى احتلال العقل العربي من خلال تواطؤ رسمي هدفها ترسيخ العجز والخذلان كقدر محتوم وتقديم الاستقرار والأمن مَقرون بِبَقاء واستمرارية مُرتزقة أمريكا في الوطن العربي الذين  وفروا يُوَفروا  للغزو الأجنبي كلُ مُقومات السيطرة والنجاح. وبالرغم  وضوح الصورة وهول ما حَل  بالأمة العربية وخاصة بفلسطين وبالعراق من دمار واحتلال وما لحق بالأمة من دمار معنوي ونفسي, العراق فقد تفشت  ظاهرة وآفة مثقفي التبعية ومُرتزقة الهيمنة  وطفقت بعض الأبواق ، مُستهترة بالعقل والمشاعر العربية تُروِج لِعرَّابي الهزيمة وفارِشي الفراش الأحمر للعدوان والاحتلال الأمريكي الدامي على نطاق واسع. 

 

(2)

 

في كل المحطات التاريخية كنا خارج الفعل كنا إما ضحايا تابعين أو إما ضحايا جاهلين وفي أغلب الأحيان كنا ضحايا جاهلين وتابعين في نفس الوقت.   يقرر لنا ولا حول ولا قوة لنا..نبارك ما يقرر لنا ونتوج الذي يناصبوننا العداء المحبة ونبايعهم ليتحدثون باسمنا. عندما نخرج أنفسنا من دائرة الفعل، ونقبل أن يقرر الآخرون مصيرنا  علينا أن ننتظر أن يكون القرار مطابقا لمصالحهم لا لمصالحنا.. ان إلقاء نظرة على أهم المنعطفات التاريخية التي مرت بها الأمة في القرن الأخير تتجلى لنا وضعية الأمة وكيف خذلها حكامها ..وكيف صدقوا الدعاوي الاستعمارية، وتوهموا العدل والإنصاف من قوى الهيمنة.. البعض من ماساتنا يتأتي من أولئك الذين يصدقون الخطاب الاستعماري وتجدهم من اشد المدافعين عليه..

 

الخطاب الذي وزعه نابليون، لا يختلف عن خطاب العرش للملكة فيكتوريا في سبعينات القرن التاسع عشر، ولا عن خطاب ستانلي مود الذي قاد الغزو البريطاني للعراق عام ,1917 ولا عن خطاب بوش عند غزو العراق في عام .2003 هو في كل مرة خطاب الحرب بحجة نشر التحديث والحضارة (مع مصطلحات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والمجتمع الأهلي، الخ…..). لغة التمدين هي دائماً الحرب. ونجد من أبناء أمتنا ضحايا لهذا الخطاب..لقد تحولت الأمة العربية  جوهر الصراع بين قوى الهيمنة العالمية وفي كل محطة من هذه المحطات التاريخية كانت خارج دائرة الفعل وكانت قوى الهيمنة هي التي تتصرف فيها وتحدد مستقبلها وتحولت الأمة العربية الى قطع تلتهمها هذه القوى ففي كل مرة كان العرب يتعاملون مع القوى الغازية بأسلوب رد الفعل لا الفعل..وفي كل هذه المعارك المفروضة علينا  كنا نخسر مواقعنا والعدو يحقق انتصارات..

 

 

لقد كانت الحرب العالمية الأولى مناسبة لعقد اتفاق سايكس بيكو وإنتاج التجزئة العربية، وكانت أيضاً مناسبة لإعلان وعد بلفور بإعطاء فلسطين (أو جزء منها؟) لليهود الصهاينة. في مؤتمر فرساي للصلح بين الدول الأوروبية كان لويد جورج الصهيوني، رئيس وزراء بريطانيا، على استعداد للتخلي عن مناطق أخرى كثيرة وغنية لقاء الاحتفاظ بفلسطين (من اجل تنفيذ الوعد؟).

 

أما الحرب العالمية الثانية فقد كانت مناسبة لإقامة دولة إسرائيل في حين كانت الأرض العربية  في قبضة قوى الهيمنة  والأقاليم  العربية التي حولوها الى دويلة فقد مشروطة بالتنازل عن الوحدة العربية..ومرهونا بقبول الجيوش الأوروبية على أرضها وضباط الاحتلال قيادات داخل « جيشها الوطني ». كانت ردة الفعل سريعة شاملة، توّجَها عبد الناصر. لكن الغرب عاجله بحرب ,1956 التي شاركت فيها بريطانيا العظمى وفرنسا وإسرائيل. خرج منها عبد الناصر مهزوماً عسكرياً، وقيل منتصراً سياسياً. معنى عدوان 1956 إن الغرب تعلم من تجربة محمد علي في القرن التاسع عشر (2). إذا كانت الحرب العالمية الأولى مناسبة لوعد بلفور؛ والحرب العالمية الثانية مناسبة لإنشاء دولة إسرائيل؛ ففي إطار الحرب الباردة، أي الحرب العالمية الثالثة كان كامب  دايفيد؛ وفي أعقاب الحرب شبه العالمية على العراق عام 1991 كان مؤتمر مدريد؛ وفي خضم الحرب على الإرهاب انعقد مؤتمر انا بوليس. 2008 جاء المؤتمر لاستكمال تحقيق الأهداف من فرض لقبول الأمر الواقع ودق إسفين في نفسية الإنسان العربي وتكميم الأفواه المعارضة..لأن مؤتمر أنا بوليس أمكثر من مجرد مؤتمر عادي انه يدشّن مرحة جديدة في التطبيع الشعبي والجماهيري وفي مطاردة النفس الرافض والممانع.وهذه الأهداف هي.:

 

أولا: دخول كل العرب بيت الطاعة عن طواعية وإعلان الاعتراف بالكيان الصهيوني والولاء التام لأمريكا.

ثانيا:التسابق إلى خلال المفاوضات اللاحقة على نيل رضا بوش وجعله أكثر اعتزازا في آخر عهدته، وتحسين صورة أمريكا أمام العالم.

 

ثالثا: توطئة التطبيع من خلال محاولة تعميمه جماهيريا وتجاهل ما كان الشعب الفلسطيني ينشده ويناضل من أجله منذ    60  سنة. وبذلك يكتمل السقوط العربي.

 

رابعا: إسكات الأصوات التحررية والرافضة في المعارضة وفي وسائل الإعلام  ودفع هذه الأنظمة الانخراط الفعلي فيما يسمى بقوانين محاربة الإرهاب.

 

لقد كان مؤتمر أنا بوليس مدخل لمرحلة جديدة دخله النظام العربي الرسمي فاقد الإرادة..منزوع الهوية..وخرج منها بالتزامات خطيرة أولها تكميم الأفواه وإسكات الأصوات المقاومة والرافضة للهيمنة.. جاء مؤتمر انابوليس في سياق الحرب العالمية على الإرهاب كحلقة من حلقاتها.. مؤتمر انابوليس ليس ارتداداً على سياسة سابقة كانت ولازالت عدائية للمصالح العربية. بل استكمالا لتحقيق المسيرة العدائية للعرب وفرض واقع الهزيمة  على العرب.. حرب الإرهاب الذي تشنه إدارة بوش  تنكر حق الأمم في مقاومة القوى الغازية الفكرة في أساسها وجوهرها انتزاع حق شرعته القوانين الدولية والشرائع السماوية واعترفت به وثائق « الأمم المتحدة ». مع مؤتمر انابوليس  يدخل النظام العربي الرسمي  مرحلة جديدة مطالب فيها باستكمال الشق الأمني وهو إسكات الأفواه ومحاربة كل صوت مخالف تحت شعار محاربة الإرهاب.. موضوع انابوليس هو نفسه موضوع حرب الإرهاب: هو شعوب هذه المنطقة التي تريد شيئاً ويراد لها شيء آخر. ولا يمكن أن تكون نتائج هذا المؤتمر إلا حرب على حرية التفكير إلا حرب على كل صوت مخالف إنهم يريدون منا أن  تتخلى الشعوب عن هويتها عن انتماءاتها عن مطالبها، وعن وجدانها ومشاعرها، يراد لهذه الأمة أن تتخلى عن نفسها وإن رفضت التخلي فإنها تصير موضوعاً للحرب (على الإرهاب). والحرب على الإرهاب يمكن أن تكون خارجية (جيوش احتلال) أو داخلية (حروب أهلية وانفجارات داخلية). هذه هي الصورة الحقيقية لمؤتمر بكل أبعادها أنابوليس..انخراطت كل الأنظمة العربية الرسمية في هذه الحرب على الإرهاب بدون توضيح الفارق بين الإرهاب وبين المقاومة التي هي حق مشروع ، وتحولت هذه الحرب إلى حرب على حرية الرأي  والى حرب على الرأي المخالف والى حرب على حق هذه الأمة في استرجاع إمكانياتها وأرضها من قوى الهيمنة..

 

(3)

 

النتائج الأولية لهذا المؤتمر:

 

أولا: حرب تدمير  وتطهير على أهلنا في فلسطين نفذتها الآلة العسكرية الصهيونية كما هو عادتها فراحت تعمل قتلاً وتدميراً فيما تبقى من أرض فلسطين، تقتلع الأشجار وتهدم بلدات بأكملها، وتبني الجدار العازل الذي حكم القضاء الدولي بعدم شرعيته، وبموافقة الأنظمة العربية الرسمية بدون استثناء يحاصر مليونا ونصف المليون من السكان في غزة، وتغلق المعابر المؤدية إلي الأراضي العربية، وتفرض الجوع والمرض والعري علي شعب أعزل.

 

 ثانيا: استنساخ قوانين الإرهاب على امتداد الوطن العربي : لكل إقليم قوانين إرهاب تهدف إلى تضييق النفس المناضل والحقوقي وتحاصر قوى المقاومة العربية.. وتكاد تنعدم اليوم هوامش الحريات القليلة التي كانت متواجدة على الأرض العربية بدعوى مقاومة الإرهاب..

 

ثالثا:  توجت مسيرة أنابوليس المظفرة  ب ضوابط ووثيقة يوهمون شعوبهم أنهم يريدونها لشرف الإعلامي العربي وهذه الوثيقة تفتح الأبواب مشرعة إلى محاربة القليل من فضاء الحرية الذي انتزعته بعض الفضائيات العربية..وإغلاقها قبل تنفيذ الحرب القادمة التي  يتم التحضير لها..فالأنظمة العربية لم تعد تتحمل  أسئلة الإحراج التي توجه إليها على الهواء الطلق..

 

وهكذا بدا واضحا أن الهدف هو استعادة السيطرة على قطاع الاعلام في الوطن العربي الذي بدأ يخرج من تحت السيطرة وأصبح يشكل تيارا عربيا رافضا لأساليب الهيمنة وطرق الوصاية المفروضة علينا..ذلك أن الأنظمة العربية أصبحت غير قادرة على تنفيذ استحقاقات أنا بوليس دون استعادة السيطرة الشاملة على وسائل الإعلام الفضائية..

 

(4)

 

 يلعب الإعلام  دورا أساسيا في تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي ومستوى نوعية هذا الوعي و التَسيِيس. الأنظمة تعرف خطورة هذا السلاح وقد عملت منذ انتصابها على السيطرة على هذا القطاع وقد مارس دوره في التجهيل والتضليل  وتزييف الوعي الجماهيري وذلك من خلال التبعية الكلية للزعامات الحاكمة وخدمتها لمصالح الطُغم الحاكمة ومصالح الاستعمار الغربي بشكل عام والاستعمار الأمريكي بشكل خاص. إن قراءة أولية لنوعية الإنتاج التي عملت على بثها وسائل الإعلام العربية تكشف بشكل مرعب خطورة الدور الذي لعبته في تشويه الوعي وقلب الحقائق ومقدار الاستهانة بالوطن والإنسان العربيين إن نوعية الثقافة السياسية التي تبثها وتنشرها الوسائل الإعلام العربية الرسمية ترتكز على اختزال الوطن في شخص ومصالح الحاكم وترسيخ ثقافة التبعية والدونية من خلال الولاء للحاكم التابع والمُتحالف مع الاستعمار ضد مصالح شعبه وقضاياه الوطنية ، وبالتالي يبقى الهم والهدف الأول لوسائل الإعلام العربية الرسمية هو إضفاء شرعية لسلط سياسية قائمة تفتقد إلى أبسط مقومات المشروعية وتعمل على تبرير مسلكية التبعية والارتزاق تحت شعار كاذب مثل « المصلحة الوطنية العليا للوطن » وقد سمعنا شعار مصر أولا والأردن أولا ولبنان أولا   لتبرير قبول شروط قوى الهيمنة الأجنبية وصل حد مشاركة قوى الاستعمار في العدوان على العراق واحتلاله وتدميره بالكامل, والتواطؤ مع أمريكا وإسرائيل في عدوانهم المتواصل على شعب فلسطين … ساهم الكثير من كُتاب وأبواق البلاط العربي وبعض الانتهازيين في تَعوِيم الحالة العربية وإعطاءَها صبغة الغُموض تحت شعار « الواقِعية والعقلانية السياسية » رغم الوضوح الساطع لأسباب الوضع الذي تتواجد فيه الأمة, بِمعنى اَّنهُ بينما يَقوم كُتاب وأبواق البلاط العربي بِتبجيل رموز الطغيان والهزيمة المُتمثلة في وجود الحاكم العربي وتبرير سياسة الذل والخذلان والتبعية التي يُمارسها الحاكم العربي, ويمارس البعض الأخر عادة  التباكي على حال الأُمة دون المس بـ »قُدسية » الرئيس وملوك المُرتزقة ودون تسمية الأسماء بأسمائها من خلال إلقاء اللوم على الاستعمار والعدو الخارجي غاضين الطرف على خُطورة العدو الداخلي ودوره المُباشر في ذبح وسلخ الأمة العربية من المُحيط إلى الخليج ومن الوريد إلى الوريد.

 

وتسعى ذات الوسائل على تسويق المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية وإجبار العرب على القبول التام والخضوع لكل الشروط الصهيونية,, ونشهد كيف يسوق الإعلام والحكام للمليشيات في العراق تحت مسميات  « الصحوات » والميليشيات التابعة للاحتلال الأمريكي في العراق!! والكل يعلم من هي الأسر الفاسدة المفسدة التي تقف وراء هذا ..فهل يمكن أن نقبل أو نقتنع بأن الدفاع عن المصالح الوطنية يتم من خلال الخضوع والركوع إلى من يعمل على تدميرها يوميا وفي وضح النهار..ومن يرسل الصواريخ وقنابل النابالم على المدن والقُرى العربية ويُقطع الأطفال ويهدم البيوت على رأس ساكنيها…. 

 

في ظل هذه الصورة الإعلامية السوداوية كانت هناك فتحات مضيئة، نبتت لعوامل عديدة ليس الآن مجال ذكرها بعض،  و تمنكنت من اختراق جدار العزل الذي بنته أنظمة عربية وللتاريخ، وبغض النظر عما قيل وما يقال عن الجزيرة فان هذه القناة لعبت دورا مهما في كسر حصار الأنظمة وفي جرأة غير معهودة فرضت نفسها وأسلوبها الجريء على الساحة الإعلامية العربية..وأصبحت مثالا يحتذي هذا الأمر لم يعجب ولم يرق لأنظمة الحكم العربية..وكلنا يعرف مسلسل الصراعات والخلافات التي تلي كل برنامج جريء وقمة المحاصرة التي عاشتها الجزيرة لاستخدامها أسلوبا مهنيا وطريقة موضوعية في التعامل مع الأحداث وصلت بجورج بوش وطوني بلير إلى التفكير عمليا بقصف المقر..ودفع بعض الصحفيين فيها ضريبة الدم.(وثيقة الشرف) تأتي في إطار سياسة  » سد الفتحة » التي خلقتها الجزيرة في جدار الصمت الذي فرضته الأنظمة العربية..على ما يجري داخل أروقتنا السياسة وسياسة التجهيل التي اتبعتها في التعامل مع الأنظمة العربية…أخطر ما في الوثيقة أنها دست السم بالعسل..ومع تبنيها لشعارات الحرية فإنها تسعى إلى تنصيب نظام مراقبة ليس على الفضائيات فقط بل على المشاهدين..إنها تستهدف نمط معين من البث  فالوثيقة تستهدف مجموعة البرامج والقنوات الفضائية التي تعرض الرأي والرأي الآخر، كونها أصبحت كابوسا لبعض الحكومات العربية التي لم تتعود على سماع الرأي الآخر، ولعل الشكل الاستثنائي الذي تم به الاجتماع الوزاري يفضح الأهداف الحقيقية للوثيقة

 

استحقاقات أنابوليس وما قد يتبعها فرضت على الأنظمة العربية إتباع سياسة جديدة خوفا من فضحها ..فاغلب بنود وثيقة الشرف موجودة في شكل قوانين زجرية مورست وتمارس على الصحفيين لكن الوثيقة تذهب إلى  ما هو أخطر أنها تضع السيطرة على الإعلام بتنسيق عربي رسمي حتى لا تفلت بعض الأصوات من عقال  هذا النظام العربي الرسمي المتداعي للسقوط .الإعلام مدخل للسيطرة على العقل العربي وكان لابد من إسكات الأصوات التي تعارض هذه الهيمنة والأصوات التي ستعارض نتائج أنابوليس..المشاركة الرسمية العربية في مؤتمر أنابوليس وقرار محاربة الإرهاب يقابله وعد بحماية الاستبداد والمستبدين …. في هذا السياق يأتي السيطرة على الإعلام والفضائيات التي خرجت من السيطرة وتعاملت مع الأحداث بموضوعية ومهنية، وإسكات الصوت المعارض الرافض..!!!


 

لعبة شدّ الحبل بين أمريكا وليبيا لا تُفسد للـ « بزنس » ودا

 
تونس – رشيد خشانة   على رغم الخط البياني للتطبيع الأمريكي – الليبي السائر إلى الأمام قُدما منذ قرر العقيد معمر القذافي التخلي عن الأسلحة غير التقليدية التي كانت بحوزته، لم تصل وتيرة المسار إلى السرعة التي كان يتطلع إليها الجانبان.   ظل الصّـحو والسّـحاب يتعاقبان على سماء العلاقات الثنائية؛ أحيانا عندما يذهب مسؤول أمريكي كبير إلى طرابلس، تلوح نُذر خلاف تؤدّي إلى إلغاء لقاء مع الزعيم الليبي في اللحظة الأخيرة، وأحيانا أخرى، يُعلن في واشنطن عن تسمِية سفير في ليبيا، لكنه لا يلتحق بمقر عمله.   كذلك، يُعلِـن الليبيون أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ستزور طرابلس، غير أن الجانبين يستعِـيضان عن الزيارة بذهاب وزير الخارجية الليبي إلى … رايس في مكتبها في واشنطن.   تكرّرت لعبة شدّ الحبل هذه مرات، لكن في هذه المرة تطوّرت إلى أزمة صامِـتة لا تظهر منها سوى المفاعيل الإعلامية والتّـراشق بالمواقف والمواقف المضادة في مجلس الأمن.   عارضت ليبيا، بصِـفتها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، مشروع القرار الذي تقدّمت به واشنطن لإدانة العملية الفدائية التي استهدفت المدرسة التلمودية في القدس المحتلة، وأثنت الشعوب ووسائل الإعلام في العالم العربي، وفي مقدّمتها الفلسطينيون، على الموقف اللِّـيبي.   لكن رد الفعل هذا زاد من تدهوُر علاقات طرابلس مع الولايات المتحدة، خاصة أن العرب أنفسهم شدّدوا على أنه « لولا وجود ليبيا في مجلس الأمن، لتم تمرير قرار إدانة الفلسطينيين، ممّـن قُتلوا في محرقة غزة ومن لا زالوا على قيْـد الحياة، بالتِـماس المجلس الأعذار للجرائم الصهيونية »، كما كتبت « البيان » الإماراتية.   وكان سليمان الشحومي، أمين الشؤون الخارجية (رئيس لجنة العلاقات الخارجية) في مؤتمر الشعب العام (البرلمان الليبي)، هاجم سياسة الولايات المتحدة في كلمته أمام الدورة نصف السنوية للبرلمان حين تعرّض للاعتداءات الإسرائيلية على غزة وتساءل « أين الذين يتحدّثون في العالم الغربي عن حقوق الإنسان »؟   وبدا ردّ الفعل الأمريكي على الموقف الليبي قريبا من « النرفزة » الإسرائيلية، التي عبر عنها بكلمات نابية المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان عندما قال « هذا ما يحدُث مع الأسف، عندما يخترق إرهابيون مجلس الأمن ».   قبل هذا الموقف الذي تلقفه العرب بالتّـرحيب، لم تكن العلاقات الأمريكية – الليبية في أحسن حال، واعترف سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة جاد الله عزوز الطلحي (وهو رئيس وزراء سابق)، بأنها « لا تسير بالسرعة التي يرغب فيها الطرفان، وإن كانت تتقدم في الإتجاه الصحيح »، والسبب هو التحفظ الذي أبدته ليبيا على مشروع قرار رمى لفرض مزيد من العقوبات الدولية على إيران.   وعزا الليبيون موقفهم إلى كونهم عانوا فترة طويلة من عقوبات فرضها عليهم مجلس الأمن، لكن الصحيح أيضا أن طرابلس تحرص على المحافظة على العلاقات التي أقامتها مع طهران بعد قطيعة طويلة.   ومن تجليات التقارب الجديد، الزيارة الرسمية التي أدّاها رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي إلى طهران العام الماضي، والتي تُوِّجت بالتوقيع على اتفاقات تعاون جديدة.   وعلى هذه الخلفية أيضا، قاطع الليبيون مؤتمر أنابوليس، الذي نظمته الولايات المتحدة في أواخر شهر نوفمبر الماضي، « كي لا تكون شاهد زور »، كما قال أخيرا وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم في كلمة ألقاها أمام البرلمان، معتبِـرا أن ذلك المؤتمر « كان مجرّد تسويق للوجود الإسرائيلي مع العرب »، وهو موقِـف لا شك في أنه أغاظ واشنطن.   أكثر من ذلك، شجّـعت السلطات الليبية نجل وزير الخارجية الأسبق صالح مسعود بويصير، الذي قـُتل في حادثة إسقاط إسرائيل طائرة مدنية ليبية فوق سيناء عام 1973، لإقامة دعوى قضائية على الدولة العِـبرية بواسطة مكتب محاماة في تل أبيب، وكأنما أرادت ليبيا أن تُذكِّـر العالم بالأعمال الإرهابية الإسرائيلية ضد الطائرات المدنية.   صعوبات مع الكونغرس؟    ويعزو مراقِـبون كُثر سبب تأخير التِـحاق السفير الأمريكي جين كريتز بمركز عمله في ليبيا منذ عشرة أشهر إلى وجود تلك النقاط الخلافية التي لا زالت تُـسمِّـم العلاقات الثنائية.    غير أن الأمريكيين يُلطِّـفون الوضع ويُرجعون التأخير إلى أسباب فنِّـية تتعلق بالصعوبات التي يواجهها الرئيس بوش للحصول على موافقة الكونغرس على تعيين السفير الجديد في ليبيا، الذي سمّـاه في 11 مايو الماضي (على رغم معاودة فتح السفارة الأمريكية منذ عام 2006).   وتشير مصادر أخرى إلى أن العقبة الرئيسية تتمثل في ما يعتبره الأمريكيون تراخِـيا لليبيا في صرف التعويضات لـ 270 أسرة من ضحايا حادثة تفجير طائرة « بان أمريكان » فوق لوكربي في سنة 1988.    ولا زال هناك تباعُـد بين الجانبين في تقدير المبلغ النهائي للتعويضات التي ستُدفع لأسر الضحايا، وكذلك تقدير الخسائر الليبية، نتيجة الغارات الأمريكية على بنغازي وطرابلس في عام 1986.   وكشف شلقم في الكلمة التي ألقاها أمام البرلمان الليبي في مطلع الشهر الجاري، أن هناك مشاكل قضائية مع الولايات المتحدة، وأن طرابلس تُـعارض السياسة الأمريكية في ما يخُـص العراق وفلسطين وسوريا. غير أن السُّـحب التي تنتشر بين الحين والآخر في سماء العلاقات السياسية، لا تعطل المشاريع الإستثمارية السائرة على قَـدَم وساق، وبخاصة في القطاع النفطي.   وفيما أشاح القذافي بوجهه عن بعض المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا ليبيا رافضا استقبالهم، مثلما فعل مع جون نغروبونتي، فتح ذراعيه لرؤساء الشركات النفطية الذين زاروها واستقبلهم بالأحضان.   أوراق احتياطية   وفي ظل استمرار البرود مع واشنطن، استخدم الليبيون أوراقا أخرى للتّـدليل على سِـعة هامش المناورة المُـتاح لهم، فوطّـدوا الشراكة مع الإتحاد الأوروبي واتّـجهوا نحو موسكو لتعزيز التعاون الثنائي.   وفي هذا السياق، أجروا ثلاث جولات من المحادثات مع الإتحاد الأوروبي، مهّـدت للتوقيع على اتفاق جديد، وأتى الاتفاق تنفيذا لوعْـد قطعه الأوروبيون للسلطات الليبية في هذا المعنى، لقاء إفراجها عن الممرضات البلغاريات اللائي اتُّـهِـمن بتعمّـد تلقيح أطفال ليبيين بفيروس الأيدز.    وأكد شلقم أمام أعضاء البرلمان الليبي أن بلاده ستستأنف المحادثات مع الإتحاد الأوروبي، « للوصول إلى اتفاق شراكة شامل قبل نهاية العام الجاري ». وتقاطعت تلك الرغبة مع الإقتراح الذي تقدّمت به المفوضية الأوروبية من أجل إقامة علاقات اقتصادية وسياسية أوثق مع ليبيا، في إطار مسعى عام لتعزيز العلاقات مع كِـبار المصدِّرين للطاقة ».   أما مع روسيا، فتوجد مؤشِّـرات تدُل على أن ليبيا عادت شريكا مُـهِـما لموسكو، وخاصة على الصعيد الإقتصادي. ونقلت وكالة « أنترفاكس » الروسية مؤخرا عن الرئيس الروسي المُـنتهية ولايته فلاديمير بوتين قوله خلال لقاء مع نواب من مجلس الدوما في الكرملين أن « روسيا تُـقيم حوارا نشِـطا جدا مع ليبيا »، ولم يستبعد تبادُل الزيارات بين مسؤولين من البلدين في أعلى المستويات »، ولم تتسنّ معرفة ما إذا كان واردا أن يؤدّي بوتين نفسه زيارة لليبيا قبل أن يغادر الكرملين في مايو المقبل.   حركة التِـفافية    كأنما شعر القذافي باحتمال ممارسة الأمريكيين ضغوطا عليه لتكريس الإنفتاح السياسي في الداخل، فاستبق الأمر بحركة التِـفافية من النّـوع الذي عوّد عليه المراقبين، إذ ألقى خطابا في افتتاح أعمال « مؤتمر الشعب العام » (البرلمان) بمناسبة الذكرى الحادية والثلاثين لقيام نظام « اللجان الشعبية » دعا فيه لإلغاء الحكومة، عدا وزارات السيادة أي الخارجية والدفاع والداخلية ووزارة رابعة تتولّـى مسؤولية الخدمات والأشغال العامة.   وذهب إلى أبعد من ذلك لامتصاص غضب الجمهور الملتاع من غلاء الأسعار، فشنّ هجوما غير مسبوق على حكومة رئيس وزرائه البغدادي المحمودي، متّـهما إياها بالعجز والإخفاق في إدارة شؤون البلاد.   وبالأسلوب نفسه، حاول مغازلة المواطنين بأن وعدهم بإعطائهم نصيبهم من النفط الليبي بواقع خمسة آلاف دولار دينار شهريا لكل أسرة، بعد الارتفاع القياسي لأسعار الطاقة في الأسواق العالمية.   وبدا أنه ينحُـو باللاّئمة على اللِّـجان الشعبية التي أنفقت 37 مليار دولار في السنوات الأخيرة، وكأنه ليس هو مَـن اختار تلك الحكومات. والثابت، أن تلك المغازلة كانت موجّـهة لمناكفة الأمريكيين لا أكثر، وإلا فلماذا لم ينتبِـه لمعاناة مواطنيه في الفترة السابقة، على رغم تدهور ظروف عيشهم؟ ولماذا لم يتجشم إعلامهم بما كان مُقبلا عليه على صعيد تسليم أسلحته غير التقليدية للولايات المتحدة والتطبيع مع الغرب، أو حتى إشعارهم بذلك مجرد إشعار؟   وسرعان ما انتهت الحركة الالتفافية في اليوم الأخير من دورة « مؤتمر الشعب العام »، إذ قرّر البرلمان الإبقاء على حكومة المحمودي بجميع وزاراتها، عدا واحدة فقط ألغيت، هي الشباب والرياضة.   المقرحي دفع الثمن    يمكن القول إن ضابط المخابرات الليبي عبد الباسط المقرحي الذي أدانه قضاة اسكتلنديون في كامب زاست في هولاندا عام 2000 في قضية تفجير طائرة « بان أمريكان »، هو الذي دفع ثمن التباعد الأمريكي – الليبي.    وكان متوقعا نقل المقرحي المحكوم بالسجن المؤبد من سجون اسكتلندا إلى سجون بلده (أي الإفراج عنه عمليا) بموجب اتفاقية قضائية أبرمت بين ليبيا وبريطانيا في مايو الماضي لتبادل السجناء وصيغت على مقاسه. لكن المحكمة العليا في اسكتلندا فاجأت الجميع برفضها كشف وثائق أمريكية كانت ستبرئ المقرحي، وخاصة وثيقة تردد أنها تشكك في مدى صلابة الأدلة الممسوكة ضده. واعتبر شلقم أن حجب الوثائق يشكل « إجهاضا للعدالة ».   وهذا يعني أن لعبة شد الحبل وإرخائه بين واشنطن وطرابلس ستستمر في الفترة المقبلة، وربما ظهرت فصول مشوقة في مسلسل تسجيل النقاط على رقعة الشطرنج، بعدما قرر الليبيون في ختام اجتماعات مؤتمر الشعب العام ملاحقة المسؤولين على الغارات الأمريكية على بنغازي وطرابلس سنة 1986 التي أمر بها الرئيس الأسبق رونالد ريغن و »ضمان حق الشعب الليبي في التعويض العادل عما لحق به من خسائر بشرية ومادية ترتبت على العقوبات الظالمة التي فرضت على ليبيا بين 1992 و1999″.   ويجوز الإستنتاج في ضوء هذه الخطوة الليبية الجديدة أن مجيء السفير الأمريكي المعين إلى طرابلس سيستغرق مزيدا من الوقت، وكذلك الزيارة التي أعلن سيف الإسلام القذافي منذ السنة الماضية أن الوزيرة رايس تعتزم أداءها لليبيا.   (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 23 مارس 2008)


ردا على الطالبي بعد صدور كتابه «ليطمئنّ قلبي»:

الحق أحق أن يتّبع

بقلم: عبد المجيد الشرفي

 

لقد ترددنا كثيرا في التعقيب على ما ورد في كتاب الاستاذ محمد الطالبي الاخير « ليطمئنّ قلبي » في شأننا. ولم يكن سبب ترددنا قصورا في الحجّة أو هروبا من المواجهة، ولكنه راجع إلى اقتناعنا بأنّ الجدل عقيم وأنّ البناء أفضل دائما من الهدم، من جهة، وإلى خشيتنا من أن يؤوَّل سكوتنا على أنه احتقار لمن هاجمنا وسبّنا بغير وجه حق، من جهة ثانية.

 

ونحن نربأ بأنفسنا عن أن نردّ على شخص كان أستاذنا في فترة الطلب، وأشرف على أطروحتنا، وأشرفنا نحن على الاعمال التي أهديت إليه في عيد ميلاده السبعين، وقمنا بتقديم الترجمة الفرنسية التي أخرجت لكتابه « عيال الله » بعنوان Plaidoyer pour un islam moderne (1)، ودعوناه إلى التعبير عن آرائه بكل حرية على منبر كرسي اليونسكو للاديان المقارنة، وتشبثنا بهذه الدعوة رغم اعتراض بعض السلط الجامعية الادارية. ثم إننا لم نسمع من الرجل يوما نقداـ ولو تلميحا ـ لِما نكتب أو احترازا ممّا ننجز، على كثرة المناسبات التي التقينا فيها وتحدثنا.

 

نربأ بأنفسنا عن أن نردّ عليه عندما أدركته الشيخوخة وتراجع عن مواقفه السابقة وعن ما كتبه هو نفسه وهو في سنّ الخمسين(2) ولا نستغرب كفر الطالبي اليوم بما كان يدعو إليه بالامس، فقد سبقه خالد محمد خالد إلى التنكر في كتابه « دين ودولة » لما دافع عنه في كتابه « من هنا نبدأ »، وانتقل محمد عمارة من الشيوعية إلى الاسلاموية، ومصطفى محمود من الالحاد إلى الايمان، وعباس عبد النور من التصوف وإمامة الناس في المساجد إلى رفض ما في القرآن جملة وتفصيلا في كتابه « محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن ». والقائمة طويلة للذين افتقدت مواقفهم الاولى الارضية المعرفية الصلبة التي يمكن أن تتطوّر وتتعمّق لا أن تمحى بفعل الظروف أو للشعور بقرب الاجل.

 

وقد أكّد في كتابه الاخير صحة التشخيص الذي ذهبنا إليه مع الاسف الشديد من أنه لم يسلم من غرق الشيخوخة، وذلك حين بيّنّا الاخطاء الجسيمة التي وقع فيها ونشرنا ذلك في مجلة Jeune Afrique  بعددها الصادر يوم 3 ديسمبر 2006، بعد أن نبهناه إلى بعضها في رسالة شخصية في جانفي 2006(3).

 

إلا أننا لاحظنا أن هذا الكتاب لبّس على كثير من القرّاء الذين ليس لهم إلمام كاف بالقضايا المطروحة فيه، فوجب التوضيح. وكما قال الشاعر:

 

إنّا لَقوم أبت أخلاقنا شرفا

 

أن نبتدي بالاذى مَن ليس يؤذينا

 

أمّا وقد أوذينا وثُلبنا واتُّهِمنا باطلا وورُمينا بشتّى النعوت القذرة فلسنا من الذين إذا لطمهم أحد على خدهم الايمن أعطوه الخد الايسر. وقد تكرّم علينا الطالبي بوابل من الشتائم (الخداع والتمويه والكذب والنفاق والمداهنة وما أشبه من الصفات التي تسيء إلى من تصدر عنه قبل الاساءة إلى غيره، و لا تدل إلا على عجزه). فهل يعلم القارئ ما سِرّ هذا الكرم الحاتمي؟ هو عنده… « العمل بآداب الله »!

 

فنسب إلينا ظلمًا القولَ بأنّ القرآن « إنما شرع في تصنيفه عثمان مع عصبة من الصحابة، وتواصلت العملية تعديلا وإضافة وحذفا على ما يزيد من قرن »(كذا)، وأننا « ننظّر للفكر الانسلاخسلامي »، نغوي ونغالط، ونردّد ما ترويه مصادرنا الاستشراقية، غايتنا « هدم الثقة في القرآن جملة وتفصيلا، وذلك بكل الوسائل والطرق، ولا يهمّـنا توخّي الموضوعية في ذلك… » وحين قدّمنا كتاب دي بريمار De Prémare: Les fondations de l’islam  في مجلة مقدّمات، وعبّرنا عن عدم موافقتنا الكاملة على ما جاء فيه، فَهِِمَ هو من دون سائر القراء أننا « لم نأخذ عليه سوى بعض الفجوات من قبيل عدم الاستشهاد ببعض المؤلفين ».

 

ونسب إلينا كذلك من خياله، ومتعسّفا في تأويل ما كتبناه، أننا نعتبر القرآن « تخميرة رجل تخمّر، حسِب تخميرته إنما هي «وحي يوحى» (كذا)، بل نقرر ونعتقد ونكتب أن « هذه التخميرة لم يتوفّر تسجيلها كتابيا، حسب تعبيرنا إلا في القرن الثانــي الهجري »(كذا).

 

فإذا ما اتفق أن قلنا قولا صائبا حسب تقديره فذلك « كله من باب كلمة حق أريد بها باطل » و »من باب الخديعة والتوهيم والغلث والتدليس والتقنيع » (كذا)4. ثم إن الاسلام الذي ننظّر إليه (كذا) بدون آخرة، وإننا عنده « لم نـقرأ الفاتحة ولو مرة واحدة في حياتـنا وإن مررنا عليها مرارا، مرار الاستشراقية المسيحية التي ننهل من علمها ومنهجيا إليها نـنتمي ». وأخيرا، وليس آخرا، أننا « قتل(ـنا) الاله » وظننا أنفسنا نيتشه الاسلام، ونحن مع ذلك… إلَهانيون (كذا)! (ص ص 33، 37، 40، والفصل الثاني كله وعنوانه: عبد المجيد الشرفي والتنظير المنهجي للانسلاخسلامية المقنّعة، ص ص 43 ـ 96، وغير ذلك من المواضع).

 

إننا لم نر أنفسنا في القليل أو الكثير من هذا الكمّ الهائل من الشتائم والحقائق المقلوبة. يا سبحان الله ! كم كان زملاؤنا الجامعيون الذين منحونا ثقتهم أكثر من مرة، والمئات من طلبتنا الذين علّمناهم وأطّرنا العشرات منهم لنيل شهادات عليا نجحوا فيها بعدما نظرت في أعمالهم لجان علمية ترأس عددا منها الاستاذ محمد الطالبي نفسه، كم كان هؤلاء جميعهم أغبياء وانطلى عليهم خبثنا وكذبنا وتدليسنا، إلى آخر قائمة الرذائل التي أتحفنا بها قاموسه ! بل ما أغبى قراءنا العديدين في مشارق الارض ومغاربها وهم الذين عبّر البعض منهم كتابة وعبّر الاخرون مشافهة وعلى رؤوس الملا عن امتنانهم لاننا صالحناهم مع الاسلام بعد أن نفّرهم منه جمهور الدعاة المتاجرين بالدين وكل من بدّعي أنه « يهتدي بهدي الله »، وكأنّ له تفويضا من السماء.

 

هل يعلم القارئ مَن هي أنّي لوران، المرأة ذات « الرؤية الواضحة » في نظر الطالبي، والتي نحن في رأيه كذلك ـ ربما لاننا ما زلنا صبيانا تنطلي علينا كل الحيل والمؤامرات الصريحة والمبطنة ـ بصدد تنفيذ مشروعها المعادي للاسلام في الفقرة التي عرّبها (ص 41)؟ هي ليست لا باحثة مرموقة، ولا سلطة معترفا بها في محفلٍ من المحافل الدينية والعلمية. إنها ليست سوى كاتبة مغمورة وعانس لها مشكلة شخصية وعائلية مع الاسلام وناقمة عليه لانّ أختها، المنحدرة مثلها من وسط كاثوليكي محافظ، تزوجت مُسلِمًا، وتبيّن لها فيما بعد أن له زوجة أخرى، وقبلت رغم ذلك البقاء في عصمته.

 

لن ننجرّ، على ما في نفوسنا من حسرة على ما في الكتاب من تناقض ومن تهافت صارخ، ومن تضخم مرَضيّ للذات، ومن مواقف لا يرتضيها فيما نعتقد أيّ مسلم (مثل اعتبار الانتحار « غير ممنوع ولا محرّم »، ص 29، وأنّ الزهد ليس من الاسلام في شيء، ص 156)، ومن انبهار بما يقوله بعض العلماء الغربيين في غير اختصاصهم، وتوظيفه التوظيف الساذج للدفاع عن آراء أبعد ما تكون عن العقلانية المزعومة، لن ننجرّ إلى الجدل والمماحكة في مواضيع خالية حتى من الطرافة بالنسبة إلى المتابعين للادبيات الاسلامية المعاصرة المهتمّة بالاشباع النفسي على حساب مواجهة الصعوبات المعرفية والسلوكية التي تعترض المؤمنين في عصرنا.

 

لا نستغرب كل ذلك ولن نجادل فيه أو نناقشه، ونحن بالعكس ممنونون للاستاذ الطالبي أن قدّم لاعمالنا إشهارا مجانيا، وإن كنا في الحقيقة غنيّون عنه، بما أنّ كتابه سيحفز الناس على التأكد بأنفسهم من صحة دعاويه وسيتيح لهم المقارنة بين الاصل وتأويله المغرض. ولكنّ من حق القراء أن يعلموا مدى صحة التهم التي وُجّهت إلينا، لا بتفصيل القول في كل تهمة، فنحن لم نرتكب جرما لا في حق الدين ولا في حق أي إنسان حتى نعتبر أنفسنا في حالة دفاع، بل بتوضيح ما لعلّه يخفى على غير الخائضين في هذا الميدان.

 

يعيب علينا الطالبي فيما يعيب أننا لا نبدأ كلامنا بالمسملة ولا نصلي على النبي عندما نذكر اسمه. وإذا كان هو يصرّح في كتابه هذا بأنه لا يبسمل ولا يصلي إلا عندما يكتب بالعربية، أما إذا كتب بلغة أجنبية فإنه يراعي عبقرية تلك اللغة فلا يبسمل ولا يصلّي، وينسى أن ثلاثة أخماس المسلمين لا يتكلّمون العربية ويبسملون ويصلون على النبي رغم ذلك بلغاتهم، فإن موقفنا أننا لسنا في مقام التعبد عندما ننشر أبحاثنا على الناس، ولا نشعر بالحاجة إلى الاعلان عن طبيعة انتمائنا الحميم حين نكون بصدد عرض الافكار والاحداث ذات الصبغة التاريخية وتحليلها بحسب ما تفرضه المناهج العلمية الكونية.

 

ثم إن البسملة كما يعرف كل الناس، حتى الاطفال منذ نعومة أظفارهم، هي ما ينطق به المقبل على قراءة القرآن ليعلم السامع أنّ المتكلم لا يأتي بكلام من عنده بل هو يتكلم باسم الله، وإذا بالمتظاهرين بالتديّن لا يشرعون في الكلام إلا بعد البسملة، وكأنّهم يخافون من أن لا يُحشَروا مع المسلمين وأن يضيع إيمانهم إن هم لم يُعلنوه باطّراد، ممّا يدلّ على هشاشته وسطحيته. ولكنّهم في الحقيقة وبدون وعي يرغبون رغبة دفينة في إضفاء قداسة مفروضة لكلامهم هم على سامعيهم، فلا يستطيعون بذلك الاعتراض عليهم. بالاضافة إلى أن البدء بالبسملة صار رمزا للانتماء إلى فرقة وحزب، رغم أن المدافعين عن هذا السلوك يبرّرونه بطلب البركة تارة، وبالحديث النبوي تارة أخرى5، أو بالسير على سنّة السلف، وما أشبه ذلك من التبريرات الواهية. وهذه الفئة هي ذاتها التي لا تنطق باسم الرسول الكريم إلا مشفوعا بـ »صلّى الله عليه وسلّم »، وهي لا تفقه معنى الصلاة عليه الواردة في القرآن، وتغفل عن أنّ الله يصلي على النبي كما يصلي على المؤمنين6، وتقبل في الصيغة التقليدية المعهودة حديثا الله أعلم بمدى صحته. فتؤدي التصلية عندها دور العلامة على الانتماء كذلك، وكأنها في قرارة نفسها تشكّ فيه، ومِن فرط ضعفه تخاف من زواله.

 

وليس هذا شأننا والحمد لله، لاننا على يقين بأن الظروف التي نعيشها في بداية القرن الحادي والعشرين تفرض الوعي بأن الانسجام الضروري في كل مجتمع يقوم اليوم على ركائز تكفلت العلوم الانسانية الحديثة بنزع القناع عن التبريرات الدينية التي كان الناس يلجؤون إليها لاكسابها القدر الادنى من المصداقية والبداهة. وبعبارة أخرى فإن التعبير عن الانتماء الديني بهذه الطريقة الشكلية ليس سوى تغطية على انتماءات أخرى ذات صبغة مصلحية دنيوية صرف، ولكنها تلبسها لبوسا دينيا بقصد الابتزاز المعنوي، واستغلال عواطف البسطاء والمغرورين، وممارسة مختلف أصناف الاستبداد.

 

على أن موقفنا الثابت في كل ما كتبناه، سواء في كتابنا « الاسلام بين الرسالة والتاريخ » أو في كتبنا السابقة له، أو في كتابنا الذي صدر مؤخرا عن دار الفكر بدمشق بالاشتراك مع الدكتور مراد هوفمان في إطار سلسلة « حوارات لقرن جديد » بعنوان « مستقبل الاسلام في الغرب والشرق »، أو في كتابنا الذي سيصدر قريبا بالفرنسية في تونس والدار البيضاء وباريس وعنوانه La pensée islamique. Rupture et fidélité، هو أننا لم ندّع يوما أننا نتكلم باسم الاسلام. لسنا دعاة ولا مُفتين. نحن نمارس البحث العلمي الحرّ لا البحث الديني المقيَّد، غرضنا معرفي بحت ونقصد دائما مزيد الفهم، ونعوّل على ذكاء القارئ عوض أن ندغدغ مشاعره، فلا نحلّل ولا نحرّم كما يفعل الكثيرون. ولا نعترف في الان نفسه لاحد مهما كبر شأنه وضخّمت قيمتَه أبواقُ الدعاية من الاموات والاحياء بأحقية الكلام باسم الاسلام أو باسم القرآن.

 

إنّ إيراد آية أو آيات في قضية ما لا يعني شيئا ما دام الاتفاق غير حاصل على تأويلها، علما بأنه لا وجود البتّة لنصوص قطعية الدلالة، وأنّ كل نص يحتمل أكثر من تأويل. إلا أن من التأويلات ما ينسجم والمقصود من مجمل النص القرآني وأهداف الرسالة النبوية، ومنها ما هو انعكاس لثقافة القارئ وقيم مجتمعه وأفق انتظاره. وممّا يبعث على الاسى أن يضطر المرء إلى التذكير بهذه الحقيقة الاولية التي لا يختلف في الاقرار بها كل المختصين في تحليل الخطاب، والتي تغيب عن الانظار لمجرّد أن المفسّرين والفقهاء والاصوليين القدماء عملوا على نقيض ما تقتضيه، ومارسوا لهذا السبب إقصاء مخالفيهم في الرأي.

 

ليس هذا تعبيرا عن نزوة من النزوات أو من قبيل خالف تعرف، بل هو ممّا تستوجبه المقاربة العلمية للظاهرة الدينية التي توخيناها. وإذا كان الاستاذ الطالبي نفسه قد درّس التاريخ منذ حصوله على الدكتورا تحت إشراف مستشرق حول الامارة الاغلبية، وارتقائه إلى رتبة أستاذ محاضر حتى إحالته على التقاعد، وإذا كان العديد من زملائنا الذين يكتبون في المواضيع المتعلقة بالاسلام يدرّسون مثله التاريخ أو الفلسفة أو غيرهما من المواد، فقد كان لنا الشرف في إدخال مادة تاريخ الفكر الاسلامي إلى رحاب كليات الاداب التونسية وتدريسها بواسطة المناهج المتعارف عليها في العلوم الانسانية، والمختلفة بطبيعتها عن مناهج الجامعات الدينية الاسلامية من أمثال الزيتونة والازهر والقرويين، وعن مناهج المعاهد والكليات اللاهوتية المسيحية وأهدافها.

 

ولقد كنا واعين منذ البداية بأننا نسلك في مقارباتنا مسلكا غير معهود في المناخ الاسلامي مشرقا ومغربا، يفرض علينا اليقظة التامة حتى لا نقع في مهاوي الانحياز في سعينا إلى فهم أفضل للظواهر المدروسة. ولذلك فإننا لم ننفك ننبّه طلبتنا ـ تجنبا لكل لبس ـ إلى أن في الاسلام ثلاثة مستويات يتعيّن عدم الخلط بينها: الاول هو مستوى النص التأسيسي الذي هو ركيزة الدين ومرجع وحدته، والثاني مستوى تأويلات هذا النص وتطبيقاته التاريخية، أما الثالث فمستوى الايمان الشخصي المستعصي على التحديد والحصر والتنميط. ونحن لا نهتم في دراساتنا إلا بالمستوى الثاني من هذه المستويات، لانه المستوى البشري النسبي المتعدد بتعدد الامكنة واختلاف الازمنة والبيئات والظروف وغيرها من العوامل. ومن أراد التأكد من ذلك فإننا نحيله على مجموعة البحوث التي أشرفنا عليها ونشرت ببيروت تحت عنوان جامع: « الاسلام واحدا ومتعددا »، ففي هذه البحوث التي بلغت إلى حد الان 15 عنوانا ما يغني عن أي دليل إضافي.

 

هذا التعدد في الاسلام بما هو إنجاز تاريخي للقيم والتعاليم القرآنية ـ إلى جانب ما فيه من وحدة ـ حقيقةٌ اختبارية ساطعة. ورغم ذلك فإن الاقرار بها صعب، بل مستحيل، على الذين يتشبثون بالنظرة الدغمائية والمعيارية. موقف هؤلاء أنك لا تكون مسلما إلا إذا تابعتهم فيما يرونه الحق والصواب، ولو خالفهم فيه مسلمون آخرون قديما وحديثا. ونحن لا نصدر البتّة أحكاما معيارية لفائدة شق دون آخر. هم ينتقون من الاراء التي يبديها المختصون في العلوم الصلبة خارج دائرة اختصاصهم ما يوافق مواقفهم المسبقة ويبررها، وينظرون على العكس من ذلك بعين الريبة إلى كشوف العلوم الانسانية والاجتماعية الحديثة. ونحن لا نأخذ بالنظريات العلمية إلا في مجال اختصاصاتها، ونستفيد من علوم الانسان والمجتمع ونستغل النتائج التي وصلت إليها والتي هي محل إجماع من « المجموعة العلمية » بصرف النظر عن أجناس أصحابها وأديانهم ومذهبياتهم، لانها الوحيدة الصالحة في مضمارها، وليست قط تهويمات غير مدعّمة بالحجج والبراهين العقلية والاختبارية المتينة. وبدون ذلك لا تتقدم المعرفة ولا أمل في الاسهام في إنتاجها بالمعايير الكونية. تلك هي وظيفة الباحث الجامعي ولا شيء سواها. وذلك أبعد ما يكون عن الشعارات الزائفة وعن ترديد ما قد يرضي النفوس المأزومة ولكنه لا يحل مشكلة ولا يقدّم بديلا مقنعا للمقولات القروسطية الرائجة.

 

وعلى هذا الاساس فإننا حين اهتممنا مثلا بمعنى الوحي وبمعنى الكتاب في القرآن فإننا لم نناقش إلا النظريات التاريخية التي صاغها بشر يخطئون ويصيبون في شأن هذين المفهومين حين أرادوا فهم المقصود القرآني منهما. وما قلنا إنه أقرب هذه النظريات إلى المعقولية الحديثة لم نأت به من عندياتنا. هو موجود في المصادر الاسلامية المتداولة، وقد أحلنا عليها بكل أمانة، ولم يكفَّر من قال به أو أخرج من الملة. وكذا ما كتبناه في شأن ختم النبوة من الخارج واستندنا فيه إلى ما قاله الفيلسوف الهندي المسلم محمد إقبال منذ 1928، وذهبنا به إلى نتيجته المنطقية.

 

ألا ترى مدى الردّة العميقة التي نعيشها ونتبجّح رغم ذلك بأن ديننا دين العلم ودين العقل، بينما كان علماؤنا في عصور ازدهار الحضارة الاسلامية أوسع أفقا وأرحب تسامحا وأكثر وثوقا في أنفسهم من الذين يخشون في عصرنا من كل جديد ومن كل ما يوقظهم من سباتهم العميق! كيف لا وهم يسيئون إلى القضايا التي يدافعون عنها من حيث يظنون أنهم يحسنون، ومرضى ويحسبون أنهم في أتم العافية !

 

وينحصر الخلاف الجوهري بين هذين النمطين من التفكير في الموقف من الاجتهاد. فالخاص والعام يعلم مدى انتشار الدعوة إلى الاجتهاد في الاوساط الاسلامية منذ وعى المسلمون تأخرهم، إلا أن تطبيق هذا المبدإ ما زال محل اعتراض قوي، إذ أن العقول والنفوس والظروف معا غير مهيّأة لقبول ما ينجر عنه من تغيير في التفكير والسلوك. من هنا كان الاجتهاد عند المعترضين على نتائجه شعارا أجوف ومقتصرا على السفاسف التي تعج بها منابر الافتاء من كل لون. ومن هنا أيضا يعمّ التشبث بحلول الماضي في المسائل المحرجة لنمط التديّن القديم، رغم أنها لم تعد صالحة إلا بنوع من الترقيع وبألوان من الاسقاط، إن دلّت على شيء فعلى عمق الاستلاب الذي يشمل الجلاد وضحيته في آن. والضحية في قضية الحال هي الاجيال التي يوهمها المتطفلون على العلوم الدينية في معناها الحديث بأن غزو الفضاء، وغيره من الكشوف العلمية الحديثة، دليل على الاعجاز القرآني، عوض أن يوجهوا هذه الاجيال نحو امتلاك نواصي العلم الذي أوصل الانسان إلى الاكتشافات المذهلة في كل الميادين، والذي هو حصرا ثمرة المجهود العقلي الانساني.

 

نعم! إن المسلمين اليوم في أسفل السلم الحضاري، يُمتَهنون ويُستعمَرون وتغتصب أراضيهم وتستغل ثرواتهم ويستبد بهم حكامهم وينتشر في صفوفهم الجهل والامية والبطالة وغيرها من العاهات. وحين ترتفع الاصوات من بينهم أو في الاوساط الاجنبية تصف تخلفهم المادي والمعنوي لا يزيدهم ذلك إلا إيغالا في الهروب من مواجهة الواقع بالاسلحة الملائمة. إن هذا الوضع الذي يتّسم بالعجز عن إثبات الجدارة بالاحترام وعن رد الفعل الناجع والرادع للمعتدين يؤدي إلى توجيه العنف المكبوت نحو العنصر الاضعف، أي إلى المرأة بالخصوص، ويؤدي إلى الانطواء على الذات وعلى الماضي المُمَثلن، مثلما يؤدي إلى رؤية للعالَم وهو محشوّ بالمتآمرين، وإلى الخوف من كل جديد غير معهود.

 

ونحن فيما يخصنا نفضل الصراحة والكشف عن الادواء المكبّلة لتقدم مجتمعنا، بما فيها من تأويل ضيّق الافق للاسلام، على التغطية على العيوب والنقائص المتراكمة في هذا التأويل بفعل تخلفنا، نظرا إلى اقتناعنا بأن هذه النقائص مؤثِّرة في الواقع بمختلف أبعاده بقدر ما هي إفراز له. وحتى يقيس القارئ تخلفنا يكفيه أن يقارن بين ردود الفعل المتشنجة على رواية أو رسوم تصدر في الغرب وتسيء إلى الاسلام، وردود الفعل في هذا الغرب نفسه على كتاب صادر في ديارنا عن مؤرخ مرموق ويسيء إلى المسيحية، فيعتبر فيه صاحبه أن يسوع الذي يؤمن به المسيحيون قد تناول عشاءه الاخير في ماخور محاطا بالبغايا.

 

وبعد، فهنيئا لكل من يرضى باطمئنان القلب وراحة الذهن وعطالة العقل. أما نحن فدَيدَنُـنا البحث الجاد، والصدق مع النفس ومع الاخر، وبذل أقصى الجهد في تفهّم فكرنا الديني الماضي والحاضر على ضوء المعرفة الحديثة والمقارنة. ولن تثنينا التهم المتناقضة التي يراد إلصاقها بنا عن أمانة الاصداع بما يستجيب لمقتضيات المعرفة الحديثة، ولو كان مؤلِما ومخالفا للسائد. كما أننا لن نحيد عن هذا المنهج الصعب، لانه السبيل الامثل إلى الترقي في مدارج العلم النافع وتجنب الوهم وتحقيق المسلم لانسانيته على أفضل وجه ممكن.

 

=======

 

هوامش:

 

1ـ الحقيقة أننا قبلنا بإلحاح من الاستاذ محمد بن اسماعيل مدير دار سراس للنشر القيام بهذا التقديم. وكنّا محترزين من أن يُفهم من تقديمنا أننا موافقون على كل ما جاء في هذا الكتاب، ولا سيما دعوته إلى ما يسمّيه « النيمقراطية البرلمانية »، أي النظام الذي »لا يتعارض ما يسنّه النواب المنتخبون والممثلون « لسلطة الشعب » من قوانين مع « سلطة الله » المتمثلة في الشرع. فهو نظام ازدواجي السلطة، اليد العليا فيه لله«1. ولم نكتب التقديم إلا عندما تأكدنا من أنّ هذه الدعوة إلى نظام أشبه ما يكون بنظام الملالي في إيران قد حذفت من الترجمة.

 

2ـ يقول مخففا من هذا التراجع : « وهو ما لم يتّضح لي عندما كنت أكتب سنة 1972 كتيبي عن (الاسلام والحوار… »(ص 243).

 

3ـ وإلا فكيف يمكن تفسير ارتكابه لاخطاء لا يقع فيها حتى تلامذة الابتدائي من مثل جمعه لسُورة على « سورات » عوض سُوَر (ص 153)، وهو الذي يستشهد بالايات القرآنية بمناسبة وبغير مناسبة، وخلطه بين الفريسيين (pharisiens) من اليهود والفارسيين (وهو جمع مذكر سالم لفارسي، ص 154)، وارتكابه لاخطاء لغوية نحوية وتركيبية في كل صفحة تقريبا؟

 

4ـ ومن أغرب ما يندرج في هذا النطاق اختلاقه، ص 89، لقصة تصعيرنا الخد وإنكارنا الاخلاقية القرآنية في مجلس مضيق انتقل اثنان من الحاضرين فيه إلى رحمة الله (الاستاذان أحمد عبد السلام وفرحات الدشراوي) أما الباقيان منهم على قيد الحياة غيري وغيره فلا نظنه يقبل شهادتهما، فأحدهما للاستاذ الطالبي معه مشكلة، والثاني محسوب علينا في ظنه وفي ظن كل الذين يجهلون طبيعة العلاقة بيننا وبين من تتلمذ علينا. وليست هذه هي المرة الاولى التي يتوهم فيها أقوالا وأحداثا لم تقع البتة. وقد أقمنا الدليل على هذا الاختلاق في تقديمنا لكتاب « في الشأن الديني »، تونس 2003، وفي المقال المنشور بجون أفريك.في ديسمبر 2006.

 

ومن جهة أخرى من يصدّق يا ترى أن صاحبة دكتورا دولة تقتصر على الرجوع إلى مرجع وحيد مهما كانت قيمته هو كتاب رودنسون، وهي التي استغرق استعراض قائمة مراجعها الاجنبية، فضلا عن المصادر والمراجع العربية، أكثر من ثلاث صفحات، ولا صلة أصلا للنتائج التي وصلت إليها بما جاء في كتاب رودنسون؟ مع العلم أن الاستاذ الطالبي كان باقتراح منا رئيس لجنة المناقشة وأسندت إليها هذه اللجنة باقتراح منه أعلى درجة ! لماذا الاساءة إلى الجامعة التونسية وإلى العلم فيها إلى هذا الحد؟ لا نظن أن الحسد وحده كفيل بتفسير هذا الموقف. وليس لنا تفسير مقنع بغير عامل السن لما فيه من حقد مجاني.

 

5 ـ إن مجاميع الحديث تحتوي في الحقيقة على الشيء ونقيضه. انظر على سبيل المثال، إلى جانب ما جاء فيها من حث على البسملة، الحديث الذي أورده ابن حنبل في مسنده: عن أنس بن مالك أنّه صلّى خلف النبيّ وأبي بكر وعمر وعثمان وكانوا يستفتحون القراءة بـ:الحمد لله ربّ العالمين، لا يذكرون البسملة في أوّل القراءة ولا في آخرها، مسند أحمد، باقي مسند المكثرين، الحديث12924. ومعلوم أن المالكية لا يبسملون في الصلاة ذاتها قبل قراءة الفاتحة أو قراءة سورة أخرى.

 

6ـ جاء في سورة الاحزاب 33: « يا أيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبّحوه بكرة وأصيلا. هو الذي يصلّي عليكم وملائكته… » (41 ـ 43) ثم في الاية 56 من السورة نفسها: « إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ». وليس في الاقرار بأنّ الله يصلّي على النبي استجابة للدعوة إلى الصلاة عليه، لو كان القوم يفقهون.

 

(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 23 مارس 2008)

 

 


انتفاضة التيبت تعكّر مزاج الصينيين

توفيق المديني ما كانت تخشاه السلطات الصينية حصل .إنها انتفاضة التيبتيين التي كانت شرارتها الأولى قيام رهبان بوذيين عددهم ما بين 300 إلى 400 في وقت سابق من هذا الأسبوع باحتجاجات في عاصمة التيبت لهاسا ضد نظام بيجينغ، وصفتها مجموعة مؤيدة للتيبت بأنها الأكبر منذ أحداث العام 1989، عندما أعلنت السلطات الصينية الأحكام العرفية في منطقة الحكم الذاتي. وكانت الحكومة الصينية متيقظة منذ عدة أشهر لأية أحداث يمكن أن تعكرجو الألعاب الأولمبية التي تستضيفها بيجين في آب المقبل ، حيث قام الحزب الشيوعي الصيني بحملة من العلاقات العامة للتباهي بعقدها. إنّ الصّين الحريصة على الاستقرار الدولي الذي يسمح لها بمتابعة صعودها غير المرتد، ويؤمّن لها تنظيما سليما للألعاب الاولمبية عام 2008، تعرف ما هي الحدود التي عليها عدم تجاوزها. لكن، وفي ظروف داخلية تتصاعد فيها حدّة المطالب القومية ، أرادت السلطات الصينية تذكير العالم أن وحدة الأمة تأتي في المقام الأول، وأن انفصال أي إقليم هو بمنزلة إعلان حرب. قضية التيبت تلطخ بشكل عنيف الصورة البراقة التي يحاول النظام الصيني أن يقدمها عن نفسه في المحافل الدولية ، ولاسيما بعد النجاحات الاقتصادية التي حققها خلال العقدين الأخيرين. ألم تسحب الولايات المتحدة الأميركية اسم الصين من القائمة السوداء التي تضم الدول العشرالتي تنتهك حقوق الإنسان بصورة فاضحة! ولاشك أن أحداث لاسا الدموية تعطي ذريعة لكل معارضي انعقاد الألعاب الأولمبية في بيجينغ ، الذين ينددون منذ أشهربمفعول الشرعية التي يبحث عنها الحزب الشيوعي الصيني من خلال هذه التظاهرة الرياضية الدولية. التيبت مملكة قديمة أسسها زعيم قبلي يدعى سروغتسان غامبو نحو العام 620م ، وفي القرن السابع اعتنقت التيبت البوذية ،وفي القرن الثامن أصبحت التيبت دولة عسكرية ذات شأن في آسيا وقد حماها موقعها الجغرافي من الغزوات. وفي القرن الثامن خضعت للمغول كباقي مناطق وسط آسيا فاختفى النظام الملكي فيها عام850م واعتمدت سلطة ثيوقراطية سارت عليها حتى اليوم. وعزَّز المغول سلطة اللاماوات أي الرهبان البوذيين ابتداءً من القرن الثالث عشر وفي 1270م أصبح كوبيلاي خان أكبر القادة المغول سيد الصين دون منازع وحكَّم اللامية التي صارت ديناً للدولة. في أواخر القرن التاسع عشر ضعفت الصين عن السيطرة على التيبت، وفي 1904م حصلت بعثة إنكليزية إلى لهاسا على ضمانات تجارية للإمبراطورية البريطانية. وبين 1913م و1914م عقد مؤتمر في سميلا في شمالي الهند بهدف تطبيع العلاقات بين بريطانيا والتيبت والصين ومن نتائجه تعيين الحدود بين الهند والتيبت، ودعي خط ماك ماهون « الممثل البريطاني في المؤتمر »، غير أن الصين لم توقِّع عليه فبقي موضوع جدل وخلاف بين الصين والهند. وبقيت التيبت مستقلة حتى 1950م حيث غزت الصين الشيوعية التيبت ورغم قلة التيبتيين فإن عاصمتهم الصغيرة لهاسا صمدت سنتين أمام الصينيين نظراً لارتفاعها 3600م ولمقاومة أبنائها. وأصبحت التيبت بسقوط عاصمتها منطقة ذات حكم ذاتي في إطار جمهورية الصين الشعبية، لكن نظام الحكم هذا ألغي في العام 1959م عقب انتفاضة التيبتيين الاستقلالية والتي كانت عارمة انطلقت إبان احتفالهم بعيد رأس السنة لديهم فهاجموا الجيش الصيني وألحقوا به أول الأمر هزائم مما جعل التيبتيين يتشجعون إضافة لدعم الهند لهم وأعلنوا عبر برلمانهم « كاشا » استقلال بلادهم في 19 آذار 1959م فسحق الصينيون الانتفاضة واختفى الدالاي لاما ليظهر في الهند فعين الصينيون بديلاً له الباشان لاما. ويعتبر الدالاي لاما الزعيم الروحي والزمني للطائفة البوذية في التيبت وكان لا يزال في الخامسة عندما نصب ملكاً إلهياً7-7- في 1940م وبقي سيداً مطلقاً مما أزعج الصينيين الذين فرضوا له نائباً هو البانتن لاما. وقد حاز عام 1959م على الدكتوراة. وعندما فرَّ إلى الهند شكل الدالاي لاما حكومة تيبتية في المنفى ووضع دستوراً لتطبيقه عند رجوعه. وفي 1989م فاز الدالاي لاما بجائزة نوبل للسلام.. وفي أواسط حزيران 1996م عقد في بون مؤتمر دولي حول التيبت ويقوم الدالاي لاما بكثير من الأسفار والتجوال لتعريف العالم بقضية بلاده ولا يزال يلقى الترحاب في أكثر الدول التي زارها كما أنه ما يزال يعتبر الزعيم للشعب التيبيتي. بكل تأكيد، كل السكان الذين لم يعرفوا شيئا آخر سوى السلطة المركزية في بيجين ، تكيفوا تدريجيا مع الأمر الواقع، ولاسيما بعد أن ربطت السلطات الصينية العاصمة لهاسا بخط سكك الحديد مع باقي أراضي الامبراطورية الصينية، الأمر الذي ولد مشاعر لدى التيبيتيين أن بلدهم أصبحت من الآن فصاعدا أراضي فتح اقتصادي وسياحي لبقية الصين. بالنسبة للنظام الصيني، تشكل التيبت موقعا استراتيجيا مهما معززا بالموارد الطبيعية من البترول إلى الغاز الى الفحم الحجري، يجعل منه منطقة ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى السلطة المركزية في بيجين ، غير المستعدة لتقديم اي تنازلات حوله خوفا من انتقال العدوى لأقاليم صينية أخرى تطالب بالانفصال. ولكن الصين عليها أن تعي أنها لن تكون قوة عظمى إلا إذا اندمجت أقلياتها في مشروعها القومي بشكل طوعي لا عن طريق القوة.
 
(المصدر: (صحيفة المستقبل(يومية لبنانية) – السبت 22 آذار/مارس2008 – رأي -العدد 2911 –))

 


نجيبة بوزيان المسؤولة عن محضنة المؤسسات في مدينة التكنولوجيا بتونس لـ الراية : ندعم أصحاب الأفكار المتجددة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ونساندهم مادياً

 

 
* لدينا مؤسسات نجحت في تركيز أول بنك افتراضي لفائدة الحكومة البريطانية * ساعدنا علي إقامة أقطاب تكنولوجية مماثلة في عدد من الدول العربية والإفريقية * المحضنة كانت في 2007 العضو الباعث للشبكة الإقليمية حول محاضن المؤسسات * قطب الغزالة لتكنولوجيات الاتصال مدينة كاملة للنهوض بالاقتصاد اللاّمادي والرفع من نسق التشغيل   تونس – الراية – إشراف بن مراد .. يعتبر قطب الغزالة لتكنولوجيا الاتصال فضاء حيويا تنمو فيه بصفة متلائمة عديد النشاطات المتعلقة بقطاع المواصلات .وقد نجح في فترة وجيزة في تحقيق إشعاع ليس فقط في الفضاء الإقليمي ببعديه العربي والإفريقي. وإنما أيضاً في الفضاءين الأوروبي والآسيوي، وهو ما يفسر حرص شركات عالمية شهيرة علي الاستفادة من طاقاتها وخبراتها.   والقطب عبارة عن مدينة لتكنولوجيات الاتصال تتكامل فيه ميادين التعليم العالي والبحث العلمي والتكوين والصناعة في محيط متلائم من شأنه أن يشجع علي التجديد في قطاع يرتكز علي الذكاء والتطوير في مجال التكنولوجيا المتطوّرة التي تعتبر احدي دعائم ما يعرف اليوم بالاقتصاد اللاّمادي، أي اقتصاد الذكاء والفكرة والإبداع الافتراضي.   يمتد هذا الفضاء التكنولوجي علي عشرات الهكتارات. وينتظر أن يتضاعف عدد المؤسسات إلي 3 مرات بالنظر إلي الطلبات المتواصلة والعديدة من مؤسسات تونسية وأجنبية للتمركز بالقطب والتمتع بالامتيازات التي يضعها.   وقد بدأ العمل علي إنجاز قطب الغزالة لتكنولوجيات الاتصال سنة 1999 ثم شرع في النشاط الفعلي سنة 2000 وهو يندرج في سياق مشروع رئاسي يضم 12 قطباً تكنولوجياً.   ويسعي هذا القطب إلي توفير مواطن الشغل لآلاف الخريجين وتقليص البطالة، فضلاً عن دفع المؤسسات في قطاعات أخري غير الاتصالات والمعلوماتية للاستفادة من هذه النقلة لتتطور وتتحسن مردوديتها ومن ثمة مساهمتها في خلق فرص جديدة للتشغيل.   الأهداف   يمكن حصر أهداف قطب الغزالة في النقاط الآتية:   ـ استقطاب الكفاءات التونسية العاملة بالخارج وفي المخابر الدولية ذات العلاقة بمجال الاتصالات والإعلام.   ـ تصدير الذكاء والخبرات والكفاءات العلمية التونسية من خلال تطوير خدمات ومنتوجات جديدة مرتبطة بميدان البرمجيات والتطبيقات الإعلامية وآليات الصيانة ومراقبة الجودة وخدمات اتصالية ذات قيمة مضافة عالية.   ـ مساعدة الكفاءات الشابة علي بعث مشاريع صناعية مستحدثة.   ـ تعزيز اليقظة التكنولوجية لمواكبة التقنيات الجديدة للاتصالات وتكنولوجيا المعلوماتية.   ـ تطوير التعاون المتكامل مع وحدات الإنتاج والتصنيع والبحث في تونس.   مؤسسات نموذجية   تتحدد مهام المركز في ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في التكوين والبحوث والدراسات والانتاج.   ولتجسيد هذه المهام الثلاث تأسست المخابر ومراكز البحوث المختصة، كما تم استقطاب ما يفوق الألف مهندس وفني مختص في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ليرتفع مجموع العاملين في القطاع إلي ثلاثة آلاف عامل.   كما تم بعث شركات مختصة في مجال الاتصالات إضافة إلي جامعات ومراكز دراسات لتعزيز التكامل بين هذه الأهداف الثلاثة.   وتربط قطب الغزالة لتكنولوجيات الاتصال اتفاقيات شراكة مع أقطاب تكنولوجية مماثلة بفرنسا وإيطاليا وكندا وغيرها بهدف تبادل الخبرات إلي جانب أنه عضو بالجمعية الدولية للأقطاب العلمية.   ويفسر الارتفاع الملحوظ لعدد المؤسسات المتمركزة في القطب التكنولوجي فضلاً علي تزايد طلبات الاستثمار في الفضاء بالحركية الكبيرة التي يشهدها وتوفر كل الشروط التي تطلبها أي مؤسسة لتنقل نشاطها من مكانها الأصلي سواء داخل تونس أو خارجها حيث إن هذا القطب يتميز بعلاقاته الواسعة وإشعاعه الخارجي.   نتائج مشجعة   لا يقتصر دور المؤسسات المنتمية إلي قطب الغزالة علي الوساطة أو المناولة في مشاريع صغيرة، بل هي مؤسسات منجزة علي قدر عال من الخبرة أهم مميزاتها أنها:   ـ مؤسسات نجحت في تركيز أول بنك افتراضي مئة بالمئة علي شبكة الانترنت تحت مسمي البنك والمالية الدولية لفائدة الحكومة البريطانية وعلي إثر طلب عروض دولية ومنافسة كبري مع شركات عالمية ذات تجربة في القطاع.   ـ مؤسسات أخري كانت صاحبة الإنجاز في مشروع الرقمنة الكلية للمكتبة الوطنية الفرنسية.   ـ مجهود مشترك بين المؤسسات القائمة في الفضاء، ثم نقل التجربة التونسية (تجربة الأقطاب التكنولوجية) إلي دول عربية وافريقية، مثل اليمن وسلطنة عمان وموريتانيا والسينغال. وهذه البلدان أخذت بالمنوال التونسي من حيث التسمية وبعث نظير للدينار الالكتروني.   ـ مؤسسات أخري نجحت في تطوير تكنولوجيا الربط الهاتفي اللاسلكي (.ج.ج.ط) وذلك بتعويض الشبكة العادية، بطيئة الانجاز، مرتفعة التكاليف بشبكة سريعة الانجاز، محدودة التكاليف. ولاقت التجربة إقبالاً كبيراً من عديد من الدول العربية والافريقية بعد أن تم تطبيقها في تونس وحقق النجاح المأمول.   ـ وهناك أمثلة أخري تهم البرمجيات الموجهة، منها تحديث الإدارة الالكترونية أو التعليم عن بعد لفائدة مؤسسات وجامعات في دول متقدّمة.   التجديد التكنولوجي والعمل عن بعد   لم يكتف قطب الغزالة لتكنولوجيات الاتصال باستقطاب المؤسسات القائمة في المجال، بل عمد إلي إقامة محضنة لأصحاب الأفكار والمشاريع من الشبان، خريجي الجامعات التونسية. وتعتبرهذه المحضنة أول محضنة للمؤسسات في تونس التي تستقطب حاملي المشاريع المتجددة في قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لتدعمهم في إقامة عدد من المشاريع الهامة من أبرزها:   ـ هندسة الخدمات عن بعد وتطبيقاتها في فضاءات العمل عن بعد:   ويندرج هذا المشروع في إطار تركيز فضاءات العمل عن بعد التي تم بناؤها في خمس محافظات من البلاد (قفصة، المنستير، الكاف، سليانة، القصرين) إذ تتمركز أهم أهداف هذا المشروع حول الخدمات اللوجستية، الفنية والتشريعية لتركيز فضاءات العمل عن بعد.   ـ التصرّف في التجديد التكنولوجي: حيث يهدف هذا المشروع إلي التحكم في نظام التصرّف في التحديد التكنولوجي.   ـ القيام بدراسات وبحوث لإدخال وتطوير التكنولوجيات الحديثة في مجال الأنشطة البريدية.   ـ تطوير الخدمات البريدية والمالية وذلك باستعمال تقنيات المراسلات الالكترونية والموزعات التيلماتيكية.   ـ توفير الوسائل الضرورية لإدخال الخدمات البريدية ضمن آليات التجارة الالكترونية.   يشتمل قطب الغزالة علي مطبعة البريد التي تقوم بالمهام الآتية:   ـ نشر مطبوعات ووثائق المحاسبة لصالح مكاتب البريد.   ـ إصدار الطوابع البريدية علي الصعيدين الوطني والعالمي وذلك منذ شهر جانفي 1998.   كما يتمتع مركز الدراسات والبحوث للاتصالات بمكانة متميّزة في مجال الاتصالات بفضل المستوي العالمي لكفاءاته البشرية وثراء الخدمات التي يوفرها، وكذلك بفضل السعي المتواصل نحو الجودة حتي يتسني له تقديم خدماته علي الوجه الأكمل، ووضع كفاءات متميّزة ومتنوّعة في مجال الدراسات والبحوث والمصادقة الفنية والقبول الفني إضافة إلي ترسيخ شبكة واسعة للتعاون مع منظمات وطنية وعالمية.   كما يحتوي المركز علي إمكانيات كبيرة من الموارد البشرية المؤهلة في مجال الاتصالات إضافة إلي تجهيزات ومنظومات معلوماتية مواكبة للتطوّرات التكنولوجية ومركز للحساب والتنمية ومركز للرسم الالكتروني ومخبر للتجارب والقياس في مجال المواصفات.   ـ تتولي المدرسة العليا للمواصلات تأهيل مهندسين وإطارات عليا مختصة في التكنولوجيات الحديثة ويتم الالتحاق بهذه المدرسة بواسطة مناظرة وطنية مفتوحة للمترشحين الذين أتموا سنتين من الدراسات العليا في معهد تحضيري. ويدوم التأهيل 3 سنوات تتخللها 7 اختصاصات متنوّعة حيث يتم تخصيص السداسي الأخير لمشروع ختم الدروس.   ـ تؤمن المدرسة العليا للمواصلات حلقات من التكوين المستمر لصالح أعوان قطاع الاتصالات بهدف تطوير مهارات الموارد البشرية.   كما تؤمن للذين يأملون في التدريس والبحث، مرحلة ثالثة للتكوين مفتوحة للراغبين في الحصول علي شهادة الماجستير أو الدكتوراه أو شهادة الكفاءة في تكنولوجيات الاتصال والمعلومات.   من محضنة للمشاريع إلي أخري للمؤسسات   تقول السيدة نجيبة بوزيان المسؤولة عن محضنة الغزالة للمؤسسات: » لقد بعث قطب الغزالة لتكنولوجيات الاتصال كمشروع رئاسي سنة 1999 وهو يعمل علي تطوير الاقتصاد اللامادي الذي يرتكز علي جيل جديد من المؤسسات الصغري و الصغري جدّا وهي مؤسسات عاملة في مجال تكنولوجيات الاتصال والمعلومات. وتعتبر تجربة قطب الغزالة بأريانة التجربة الأولي علي صعيد البلاد التونسية و أيضا علي مستوي بلدان المغرب العربي في حين هي الثانية علي المستوي الإفريقي بعد جنوب افريقيا.   وتمثل محضنة المشاريع النواة الأولي لهذا القطب إذ تسعي لدعم ومساندة أصحاب الأفكار المجددة في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وتمكينهم من الدعم المادي بتوفير المكتب بما فيه من لوازم شغل وأدوات مكتبية. كما نواصل العمل علي تكوينهم في كل ما يرتبط بادارة المؤسسات والمحاسبة وإدارة المشاريع طوال مدة يمكن أن تصل إلي 24 شهرا وهي أقصي فترة يمكن أن يتم احتضانهم فيها من قبل هذه المحضنة. » وفي النصف الثاني من سنة 2006 انطلقت محضنة المؤسسات التي مثلت مرحلة متقدمة لمحضنة المشاريع إذ كنا نحتضن صاحب الفكرة ليصبح صاحب مشروع.أما اليوم فقد أصبحنا نرافقه في بقية المشوار لمدة يمكن أن تصل إلي ثلاث سنوات أخري حتي يثبت نفسه في السوق الداخلية و تضم هذه المحضنة اليوم 23 مؤسسة صغيرة. »   وتضيف السيدة نجيبة: »و للإشارة فإنّ المحضنة كانت في 2007 العضو الباعث للشبكة الإقليمية (علي مستوي بلدان شمال إفريقيا و الشرق الأوسط) حول محاضن المؤسسات وفي مايو 2007 احتضنت تونس الاجتماع الرابع لهذه الشبكة.وهي تهدف إلي توسيع آفاق أصحاب المشاريع و المؤسسات .وبناء عليه نجحنا في تكوين علاقات تعاون مع المغرب عن طريق هذه الشبكة. »   تواصل السيدة نجيبة بوزيان حديثها: »حاليا لدينا تقريبا عشر سنوات كتجربة في هذا المجال ويمكن القول إننّا حققنا نتائج محترمة رغم انه في عقليتنا الاجتماعية التونسية لم نتعود بعد خمس سنوات من الدراسة الجامعية أن ينتصب المتخرج لحسابه الخاص.و الآن يضم القطب 52 مؤسسة و قريبا سيضم 72 مؤسسة و لدينا مؤسسات تشغل أكثر من 300 مهندس. وقد ساهم هذا القطب في تطوير كامل الجهة . »   وعن مدي مساهمة القطب في مساعدة الاقتصاد التونسي علي الانخراط ضمن الاقتصاد اللامادي ،تقول السيدة بوزيان: » نظرا لأننا قطب تكنولوجي يهتم بتكنولوجيات الاتصال و المعلومات فإننا نسعي إلي استقطاب مؤسسات مختصة في هذا المجال من فرنسا و أمريكا و كندا و غيرها …وهي بدورها تعمل علي استثمار الكوادر و الكفاءات التونسية المعروفة بجودتها ومستواها العالي علي الصعيد العالمي لذلك فإننا نحرص علي تصدير الذكاء التونسي في شكل برامج و برمجيات ومعلومات بما يساعد علي الانخراط في منظومة الاقتصاد اللامادي. »   وتقول: »بالطبع المنافسة أصبحت أمرا واقعا وجب أخذه بعين الاعتبار للتطور و التطوير فنحن نرغب في المنافسة لتحسين كفاءتنا ومهاراتنا.وعلي هذا الأساس،قمنا بإرساء علاقات تعاون و تبادل مع عدة أقطاب تكنولوجيا في عدة دول.أما علي المستوي الداخلي طورنا هذه التجربة لنصل اليوم إلي عشرة أقطاب موزعين علي كامل المحافظات التونسية.   ورغم حداثة سنّ قطب الغزالة الذي لم يتجاوز بعد العشر سنوات إلاّ أننا حققنا نتائج محترمة خولتنا من تصدير ما توصلنا إليه من خبرة ومعرفة إذ قمنا بمساعدة الإخوة في موريتانيا علي بعث قطب مماثل في نواكشوط و أيضا قمنا بتجارب مماثلة في اليمن وسلطنة عمان. »     انفتاح علي الوسط المهني   يعد المعهد الأعلي للدراسات التكنولوجية في المواصلات مؤسسة ذات طابع علمي وتكنولوجي ويقوم المعهد بتكوين:   ـ تقنيين سامين في التصرّف في تكنولوجيات الاتصال وآخرين في التصرّف البريدي والتصرّف في المراسلات والتصرّف الاداري والمالي.   ـ تقنيين سامين في الاتصالات في اختصاصات متعددة وتتمثل في الإرسال والتحويل وهندسة الشبكات وإعلامية الشبكات والإرسال الاذاعي والتلفزي. وقد كون المعهد أكثر من 500 تقني سام يتمتعون بخبرة عالية وهو يؤمن منذ سنة 2000 تخرّج فوج جديد من كل سداسية.   يؤمن مركز الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات في تكنولوجيات الاتصال تكويناً مستمراً لكوادر وتقنيين في قطاع تكنولوجيات الاتصال حتي يتسني لهم تحيين معارفهم ومهاراتهم ويمكنهم من حسن استعمال التكنولوجيات الحديثة للاتصال والمعلومات.   ويعتمد المركز أساساً علي مؤسسات البحث والتكوين والشركات المقيمة داخل قطب الغزالة.   (المصدر: صحيفة « الراية » (يومية – قطر) الصادرة يوم 22 مارس 2008)  


الطبقة الوسطى إلى أين؟

عبد اللطيف الفراتي (*)   تتفق كثير من الدراسات التي أجريت في العامين أو الأعوام الثلاثة الأخيرة، حول تآكل وتراجع حجم الطبقات المتوسطة أي تلك الطبقات التي شكل اتساع حجمها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية دينامو التنمية وأداتها الرئيسية،والتي كثيرا ما اعتبر وجودها واتساع تواجدها علامة رئيسية من علامات القدرة على التفاعل مع الحقائق الاقتصادية والاجتماعية وتحويلها إلى عالم الإنجاز.   ففي فترة السنوات الأخيرة لما سمي بعهد أو عصر ما بعد الحقبة الصناعية، وجدت الطبقة الوسطى في الكثير من البلدان الأكثر تقدما وتلك التي تدعى بالنامية أو الناهضة، في وضع خسرت معه الكثير من مكتسباتها، ومن المكانة التي كانت تتربع على عرشها، كطبقة فاعلة ومؤثرة، ومتقدمة على غيرها من الطبقات التي توجد إما في أسفل السلم أو في أعلاه ولكنها عدديا لا تمثل ثقلا كبيرا ومؤثرا.   وبانحدار مكانة ودور الطبقات الوسطى تضخم حجم الطبقات الدنيا ذات الفاعلية المحدودة في قيادة عملية التنمية، فيما إن ذلك الإنحدار رغم بعض تضخم الطبقات الأعلى، لم يؤد لتحسن اجتماعي اقتصادي، فالإستهلاك الذي يعتبر الدافع الأول للنمو عن طريق زيادة الطلب ودفع عملية الإنتاج مهدد بالتقلص، إزاء عاملين اثنين كلاهما مهم جدا :   أولهما التقلص العددي للطبقات الوسطى التي كما رأينا تشكل عامل نمو للاستهلاك وبالتالي الإنتاج.   وثانيهما الخوف من المستقبل وما يمكن أن يخبئه الغد من مفاجئات، سواء للأجيال الحالية أو للأجيال المقبلة، بما يفرض الإحجام عن زيادة الإنفاق والاتجاه نحو الاكتناز في ظل تخوف أصبح قائما من مصداقية الجهاز المالي والمصرفي ومفاجآت البورصات وما صاحب أحيانا عملياتها من خسائر كبيرة أصابت الشركات وحتى الأفراد، وقللت لدى تلك الطبقات الوسطى من الثقة بما كان سائدا وصرفها عمّا تعودت عليه من استثمار في الأسواق الثانوية أو الثانية.   ومن هنا فإن هذه الطبقات الوسطى المتآكلة، والمتميزة في ما بقي منها بحذر يتناقض وطبيعة المغامرة المالية المبنية على ثقة في نظام اقتصادي حقق كل مكاسب العقود الماضية، وما صاحبها من رخاء على مستوى الأفراد ومستوى البلدان والدول لم تعد لها لا القدرة على لعب الدور الذي لعبته خلال تلك العقود، ولا الرغبة والجرأة في ظل نظام اقتصادي كانت تثق فيه وكانت تتعامل من خلاله وهي اليوم أو ما بقي منها مشتتة البال إزاءه، وإزاء اضطراباته المتعاقبة، شمل كل العالم في ظل عولمة، لم يعد لا فرد ولا دولة الإفلات من مخالبه، التي كانت وعودها سخية بتغيير العالم وجعله أفضل في ظل انفتاح كامل لانتقال السلع والخدمات والأموال والأشخاص، فإذا به لا يفي بوعوده وإنما يأتي بعكسها ويجعل تأثير الأزمات معولما ويأتي على الأخضر واليابس.   ما هو سبب كل ذلك؟   وهل من علاج ممكن له؟   أولا وبما أن الاقتصاد لا يمثل علما صحيحا، وبما أنه ليس ثابت المعطيات والنتائج مثل الماتيماتيكا والفيزياء أو الكيمياء، فإن الآراء تختلف في أسباب الأوضاع الحالية، التي نتج عنها تأزم في توزيع عناصر المجتمعات، وإذا كانت معطيات الأزمة غير متفق بشأنها، فإن النتائج المترتبة عنها هي الأخرى لا تخضع لاتفاق بطبيعة الحال وبالتالي لا تخضع لأي حلول يقوم عليها لا إجماع ولا شبه إجماع.   ولكن الأسئلة لا يمكن أن لا تطرح : هل هي الأسعار الملتهبة للبترول هي التي تقف وراء ما يمر به العالم وخاصة طبقاته الوسطى ذات الحيوية والدور الكبير هي التي تقف وراء ما تمر به الإنسانية؟   أم هي أسعار الخامات وانفجارها المتصاعد، أم أسباب أخرى متمثلة في التصاعد المستمر للطلب، وظهور دول جديدة كبيرة وناهضة غيرت التوازنات التي كانت قائمة.   مهما كانت الأسباب فالثابت الواضح اليوم أن عهدا جديدا مختلفا قد بدأ متميزا بصعوبات لم يتعود عليها المجتمع الإنساني ولم يخترع بعد لها أدوات التعامل معها.   (*) كاتب من تونس   (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 23 مارس 2008)

 

قالت ان غلقها بين البلدين الشقيقين يشكل حالة فريدة واستثنائية في العالم الرباط تدعو الجزائر لفتح حدودها البرية معها وتطبيع العلاقات الثنائية

 
الرباط ـ القدس العربي من محمود معروف: لاول مرة منذ 14 عاما يطلب المغرب رسميا وعلنيا من الجزائر فتح الحدود البرية المغلقة بينهما وتطبيع للعلاقات الثنائية بعد ان كانت هذه المسألة من ابــرز محاور اللقاءات بين ممثلي البلدين علي مختلف المستويات، وجدد المغرب إرادته لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين آخذا بعين الاعتبار ماضيهما ومصيرهما المشتركين . وقال بلاغ لوزارة الخارجية المغربية أن المغرب دعا بروح من الصداقة الأخوية والصدق الكامل، إلي تطبيع العلاقات مع الجزائر وفتح الحدود بين البلدين . وقال البلاغ ان السلطات العليا بالجزائر اثارت في الأسابيع القليلة الماضية مسألة الحدود مع المغرب، حيث أشـــارت إلي أنها لا يمكن إعادة فتحها في الوقت الحاضر بسبب العراقيل المرتبطة بالظروف التي أدت إلي إغلاقها . وقدمت وزارة الخارجية المغربية توضيحات حول مسألة اغلاق الحدود وطلب فتحها، وقالت إن إغلاق الحدود كان بقرار أحادي من الجزائر في سنة 1994 في سياق مناخ دولي وإقليمي وثنائي أصبح اليوم متجاوزا . واغلقت السلطات الجزائرية الحدود البرية مع المغرب في اب/اغسطس 1994 اثر هجمات مسلحة استهدفت فندق اطلس اسني بمراكش اسفر عن مقتل وجرح سياح اسبان وعاملين بالفندق حملت السلطات المغربية الاجهزة الامنية الجزائرية مسؤولية تلك الهجمات وقررت فرض التأشيرة علي المواطنين الجزائريين الراغبين بزيارة المغرب والطلب من مئات الالوف من هؤلاء الذين كانوا في زيارة للمغرب مغادرته فورا. وسبق هجمات مراكش وتداعياته من فرض التأشيرة واغلاق الحدود حملات في الصحف الجزائرية تدعو الي اغلاق الحـــدود مـــع المغرب التي لا يأتي منها سوي المخدرات والسلاح في وقت كانت فيــــه الجزائر تشهد حربا مسلحة شرسة مع الجماعات الاسلامية المتشددة. وتحدثت الجزائر تلميحا او تصريحا عن استغلال الجماعات الاسلامية الجزائرية المسلحة لموقف السلطات المغربية لتهريب الاسلحة والاموال او عبور المسلحين نحو الجزائر. وانعكس اغلاق الحدود بازمة اقتصادية حادة في المنطقة الشرقية المغربية وتوقف عجلة التنمية ومشاريعها التي كانت تأخذ بعين الاعتبار تدفق مئات الالوف من الجزائريين للسياحة او التسوق في الوقت الذي انتعش فيه التهريب للمواد الاستهلاكية علي جانبي الحدود.   أزمة حادة   واسفر التوتر المغربي الجزائري عن جمود مؤسسات اتحاد المغرب العربي الذي تأسس في 1989 ويضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وتقلص التجارة البينية بين هذه الدول. وقالت وزارة الخارجية المغربية ان إغلاق الحدود بين البلدين الشقيقين يشكل اليوم حالة فريدة وإستثنائية في العالم، ويتعارض مع تطلعات الشعوب المغاربية وانتظارات شركائهم والمتطلبات الاقليمية للسلم والتنمية . وذكرت بمبادرات اتخذها المغرب سنتي 2004 و2005 موجهة نحو المستقبل تهدف إلي تشجيع تطبيع العلاقات الثنائية وإعطاء انطلاقة جديدة فعلية لبناء المغرب العربي. وقرر إلغاء إجراءات تأشيرة الدخول علي الرعايا الجزائريين الأشقاء عشر سنوات بعد فرضها، ونوهت بالقرار المماثل التي اتخذته السلطات الجزائرية معربة عن أسفها أن الحدود بقيت منذ ذلك الوقت مغلقة . وتصر الجزائر علي اعتبار مسألة الحدود البرية ملفا من ملفات العلاقات مع المغرب يجب تسويتها كحزمة واحدة من بينها وضع علامات ترسيم الحدود بعد مصادقة المغرب النهائية 1992 علي اتفاقية تلمسان ايفران الموقعة 1972 وممتلكات جزائرية بالمغرب ومغربية بالجزائر والتعاون الامني وتقديم وثائق رسمية عن مسؤولية الجزائر في هجمات مراكش او تقديم اعتذار رسمي وعلني مغربي عن الاتهامات التي وجهت لها. والمرة الاخيرة التي جري خلالها الحديث بشمولية عن العلاقات المغربية الجزائرية كان في لقاء القمة في الجزائر الذي جمع العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نهاية شهر اذار/مارس 2005 علي هامش القمة العربية. وسادت اجواء من التفاؤل لامكانية تسوية الكثير من الملفات بعد الغاء الجزائر مباشرة بعد القمة تأشيرة الدخول للمواطنين المغاربة. الا ان انتكاسة اصابت العلاقات بعيد ذلك باسابيع اثر تصريحات حملت التمسك بالمواقف المعروفة لدي الطرفين. وجددت وزارة الخارجية المغربية ارادة المغرب لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين آخذة بعين الاعتبار ماضيهما ومصيرهما المشتركين ودعوته بروح من الصداقة الأخوية والصدق الكامل إلي تطبيع العلاقات الثنائية وفتح الحدود بين البلدين، وهكذا يمكننا الاستجابة لتطلعات الشعبين الجلية التي تجمع بينهما قواسم مشتركة وتحقيق آمال ساكني الحدود خاصة الأسر المعنية، وفتح الطريق لتدفق السلع التي تشكل اليوم موضوع حركة غير قانونية وتهريب علني . وقالت ان بعض التصريحات التي أدلت بها السلطات الجزائرية تثير أسبقية التوصل الي تسوية نهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية . ويحتل نزاع الصحراء الغربية رأس قائمة القضايا المعلقة بين البلدين ويعتبر المغرب الجزائر الطرف الرئيسي في هذا النزاع فيما تصر الجزائر علي انها ليست طرفا وانها تدعم جبهة البوليزاريو لاقامة دولة مستقلة في الصحراء ايمانا منها بحق الشعوب في تقرير المصير وتعتبر الوجود المغربي في الصحراء الغربية احتلالا.   كلفة النزاع والحدود المغلقة   وطلب المسؤولون المغاربة الذين شاركوا في الجولة الرابعة من مفاوضات مانهاست بين المغرب وجبهة البوليزاريو التي جرت بداية الاسبوع الجاري بالمشاركة الفعلية للجزائر في هذه المفاوضات التي تجري تحت رعاية الامم المتحدة دون ان تفضي حتي الان الي اية نتائج ملموسة. وحسب دراسات نشرت مؤخرا فإن نزاع الصحراء يكلف المغرب ما نسبته 1 بالمئة من انتاجه القومي الخام فيما يكلف التوتر مع الجزائر واغلاق الحدود ما نسبته 2 بالمئة. وفي تصريحات نشرت الجمعة أكد الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية المغربي أن بلاده تنتظر الفرصة لتعميق العلاقات مع الجزائر لتطبيع العلاقات الثنائية بفتح الحدود، وذلك من أجل تفعيل العمل المشترك علي المستوي المغاربي. وأوضح الفاسي الفهري أن هناك عدة إمكانيات وفرص لم تستغل لحد الآن علي المستوي المغربي والجزائري أو علي المستوي المغاربي. وقال نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضي إلي التنسيق والاندماج الاقتصادي وإلي فتح الحدود وإلي مشاورات سياسية أمام المخاطر الأمنية وغير الأمنية التي تهدد المنطقة. وأضاف أن العمل الإيجابي والتنسيق والحوار والمشاورات مابين الجزائر والمغرب ضرورية لحفظ الأمن والاستقرار بهذه المنطقة لتجنيبها خطر التوتر والإرهاب. وأبرز أن المغرب العربي يعد ضرورة استراتيجية وسياسية واقتصادية واجتماعية معربا عن الأمل في أن نتغلب علي بعض العراقيل ومن بينها قضية الصحراء المغربية، ليكون لنا جميعا هذا التصور وهذا البعد في الرؤية حتي نبني المستقبل . وأكد أن المغرب يبحث عن حل علي المستوي الجهوي وفي نطاق المصالحة، مشيرا إلي أن مغاربة صحراويين يوجدون في تندوف فوق التراب الجزائري، ومن ثمة نريد المصالحة علي مستوي العائلات وكذلك علي المستوي الثنائي المغربي الجزائري . ودعت الولايات المتحدة الأمريكية إلي مواصلة محادثات حقيقية وجوهرية من أجل التوصل إلي حل سياسي لقضية الصحراء، مقبول من جميع الأطراف. وصرحت مسؤولة بوزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن ستواصل حث الأطراف علي تبني مقاربة حقيقية وعملية للقضايا الأساسية، ومواصلة مباحثات حقيقية وجوهرية من أجل التوصل إلي حل سياسي مقبول من جميع الأطراف . وأكدت جولي ريزيد، المديرة المساعدة بالمكتب المكلف بالعلاقات مع الصحافة بوزراة الخارجية أن الولايات المتحدة تشيد بتباحث الأطراف حول قضايا موضوعاتية و التزامهم بمواصلة المفاوضات . واشارت المسؤولة الأمريكية إن بلادها وصفت مرارا المقترح المغربي بمنح الصحراويين الحكم الذاتي في اطار السيادة المغربية بالجدية وذات المصداقية معربة عن أملها في أن تنخرط جبهة البوليزاريو في مباحثات حول هذا المقترح باعتباره نقطة انطلاق واقعية من شأنها أن تؤدي إلي تسوية هذا النزاع .   (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 22 مارس 2008)

قضية فتوح تشغل الغزيين ما بين السخرية والمطالبة بمحاكمته

غزة (فلسطين)- خدمة قدس برس   أثارت قضية ضبط 3000 جهاز هاتف جوال في سيارة القيادي الكبير في حركة « فتح » روحي فتوح أثناء عودته إلى الضفة الغربية عبر معبر الكرامة حالة من السخرية والاستياء في صفوف المواطنين الفلسطينيين الذين لم يفاجؤوا بالأمر، حسب قولهم، فيما استمر قادة من « فتح » في الدفاع عن عن هذا الرجل. ويعتبر فتوح من وجهة نظر نشطاء « فتح » في قطاع غزة من أنظف الشخصيات التي عرفتها الحركة، لاسيما وأنه كان على تواصل مع قيادة الأرض المحتلة حتى خلال إبعاده إلى الخارج حينما كان مع القيادة الفلسطينية في تونس. وانتخب فتوح في 1989 عضوا في المجلس الثوري لحركة « فتح »، وأصبح في العام نفسه عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني، برلمان منظمة التحرير. وبعد عودته مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى قطاع غزة عام 1994 انتخب عضوا في الانتخابات الأولى والتي لم تشارك بها حركة « حماس »، ليصبح فيما بعد رئيسا للمجلس التشريعي الفلسطيني. وبعد وفاة الرئيس ياسر عرفات في تشرين ثاني (نوفمبر) 2004 أصبح رئيسا مؤقتا للسلطة الفلسطينية حسب ما ينص عليه القانون الفلسطيني، الذي ينص على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة، على أن يعلن عن انتخابات رئاسية لاختيار رئيس جديد. وبعد ذلك أصبح فتوح ممثلا شخصيا للرئيس محمود عباس الذي جاء في الانتخابات التي أجريت في مطلع عام 2005 ولم تشارك فيها « حماس ». المواطن الفلسطيني استقبل ضبط فتوح يهرب أجهزة الخليوي باستهزاء وسخرية كبيرة وبعضهم أرسل للآخر نكات عبر الجوال بهذا الشأن ومن بين هذه النكات: « خبر عاجل/ الرئيس عباس يقلد روحي فتوح وسام نوكيا تقديرا لجهوده في خدمة الوطن والمواطن »، وأيضا من بين النكات: « إعلان هام/ تعلن شركة فتوح للجوالات عن وصول أكبر تشكيلة جوالات ». وقال الشاب علي سليمان من غزة أنا لم أفاجأ حينما سمعت بهذه الفضيحة لأن هذه الرموز تعودنا عليها السرقة وليس جديدا عليهم فهم من سرق كل أموال السلطة منذ وصولها إلى قطاع غزة وكانت تدخل الأموال لها من كل الجهات »، مضيفا « لو أن أحد مسؤولي حماس ضبطوا معه عشر أجهزة جوال وليس 3000 لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكن أمثال فتوح وغيره لم تثار حوله أي ضجة ». أما المواطنة عبير عبد الكريم فقالت لا أعرف كيف أن شخصية كبيرة بحجم فتوح تقلد مناصب كبيرة، من بينها رئاسة السلطة بعد وفاة الرئيس عرفات يسمح لنفسه أن يكون مهربا، حسب وصفها، مضيفة أن الإنسان يأسف لهذا الفعل من رجل بحجم فتوح أن يقدم على هكذا عمل، فالمرضى في غزة تموت على الحواجز وهذا الرجل يستخدم تصريح الدخول له للشخصيات الهامة في أي بي لتهريب جوالات ». من جهته طالب النائب محمد فرج الغول رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي بضرورة تقديم فتوح للمحاكمة على ما قام به وعلى بقية إعماله بأثر رجعي. وقال الغول في تصريحات له أن أمثال هذه الشخصيات التي لطالما ارتبط اسمها بإعمال فساد ونهبت وأساءت إلى الشعب الفلسطيني والى تاريخ الشعب الفلسطيني النظيف، يجب أن تقف عند حدها ويتم محاكمتها. من جهتها دافعت حركة « فتح » عن أحد رموزها بعدما ضبطت سيارته تحتوي على أجهزة خلوية متنقلة مستخدمة تصاريح الشخصيات الكبيرة. واعتبر النائب الفتحاوي إبراهيم المصدر فتوح « نموذجا من النزاهة ووضع نفسه تحت تصرف النائب العام حتى يأخذ القانون مجراه ». وقال المصدر في تصريح له « إن هذه النماذج الفتحاوية يستحق الاحترام والتقدير على مواقفه وقد سجل له التاريخ ولقيادته الحكيمة  للسلطة الفلسطينية  في أصعب الأوقات وأمانته في تحمل المسؤولية، و سلمها  من خلال صندوق الاقتراع »، مضيفا « بأن تاريخ روحي فتوح الذي كان رفيق القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات في المنفى وعاد معه إلى الأراضي الفلسطينية في 1994 لينهي ثلاثين عاما من العيش في الشتات، وكان  دائما  ملتزما بالخط المركزي لحركة « فتح ». وطالب النائب المصدر كافة و سائل الإعلام إلي وقف حملات  التشهير ضد فتوح وتوجيه أي اتهامات حتى تظهر نتيجة التحقيق وأن يقول القضاء الفلسطيني كلمته. هذا ويذكر أن فتوح أكد أن لا علم له بما حجز في سيارته، وأن سائقه هو المورط في عملية التهريب هذه، دون علمه، وأنه جمّد عمله في السلطة إلى حين الانتهاء من التحقيق، وتبرئة شخصه من عملية التهريب المزعومة. (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 22 مارس 2008)  

 

تحول من « الهيبز » لناشط ضد الحرب جندي مارينز سابق يدافع عن المقاومة بالعراق

منى الدريدي   أربعة أعوام قضاها في العراق، حولته من فتى « هيبز »، يملأ حياته بالفتيات والبيرة والألعاب الرياضية، إلى ناشط يرى أن دوره في الحياة هو حشد عقول الأمريكيين ضد الحرب على العراق، التي كان من أقوى المؤيدين لها. « لقد غيرت الحرب حياتي من طفل تافه، إلى شخص يمتلك رؤية للحياة » بحسب تعبير جندي المارينز السابق فينسينت إيمانويل لصحيفة « كريستيان ساينس مونيتور » الأمريكية الصادرة اليوم الجمعة. طالع: ويقول إيمانويل إنه يتعجب من نفسه عندما يفكر فيما كان عليه قبل سنوات، « في ذلك الشخص الذي نشأ في ولاية إنديانا وهو مولع في حياته بثلاثة أشياء: الفتيات والبيرة والرياضة ». وعندما وقعت تفجيرات 11 سبتمبر عام 2000، وهو ما زال طالبا، قام بالصراخ في وجه زميلة أمريكية له من أصل عربي قائلا: « إن شعبك هو من قام بهذه الهجمات ». وكان غضبه هذا من أقوى دوافعه للانضمام إلى كتائب المارينز في الجيش الأمريكي عام 2002، ثم مشاركته في غزو العراق 2003، الذي تحول بعد ذلك إلى احتلال مستمر حتى اليوم. ويقول إيمانويل للصحيفة الأمريكية: « كنت متحمسا للحرب حتى شاهدت فيلم « فهرنهايت 11 سبتمبر » للمخرج مايكل مور، والذي كان ينتقد فيه استغلال الرئيس بوش لتفجيرات 11 سبتمبر لشن حروب لا مبرر قانونيا أو أخلاقيا لها تحت شعار « الحرب على الإرهاب ». « هذا الفيلم كان البذرة التي حركت في عقلي تفكيرا كبيرا بشأن شرعية الحرب على العراق ». « وفي محافظة الأنبار بالعراق، كنت أجتمع مع صديقي كيفين كلارك ومجموعة صغيرة من زملائنا نتحدث عن الدين والحياة الآخرة والسياسة وإلى أين يسير العالم ». ورويدا وريدا أصبح إيمانويل يتحدث لزملائه عن عدم ارتياحه للخدمة في العراق، خاصة مع انتشار بعض الممارسات من جانب الجنود مثل إطلاق النيران بشكل عشوائي على المدنيين، وإهانة المعتقلين، التي كان هو شخصيا يشارك فيها. وفي فبراير 2005 جاءت نقطة التحول التام، عندما لقي صديقه الحميم كيفين كلارك حتفه في معركة مع مقاتلين عراقيين. لقد فجر هذا الحادث داخل إيمانويل نقمة كبيرة على الحرب، وبعد تفكير أصبح ينظر إلى « المتمردين » العراقيين على أنهم « مقاومون لهم قضية يدافعون عنها »، بحد قوله.   لدي صوت   وترك إيمانويل فرقته في المارينز يناير 2006 بعد أن أصبح ناشطا ومتحدثا مسموعا في توجيه النقد للحرب. ولكنه أراد أن يساهم في توعية الرأي العام بحقيقة الحرب من واقع تجربته ومعايشته لها على أرض العراق، بعد أن تعب من سماع الجنرالات والمثقفين وهم « يحكون عنها ويتبادلون الآراء ويحكمون عليها من على مقاعدهم الوثيرة في واشنطن ». ويتذكر إيمانويل يوما كان نقطة فارقة في حياته أيضا، حينما كان أحد المستمعين في ندوة نظمتها جامعة « فالباريسو » بولاية إنديانا حول الحرب على العراق. ويقول: « لا أحد من المتحدثين ذهب للعراق وشاهد ما يجري »، وفي نهاية حديثهم وقفت ورفعت يدي، لقد أردت أن يعرف الناس أنه لا أحد من هؤلاء الذين يملئون آذاننا بالكلام كان على حق ». وعندما عرف الحضور أنه كان من المشاركين في الحرب أرعوه انتباههم، وفجأة أصبح هو المتحدث الذي يستمع إليه الباقون. وتابع: « بعد المناقشة، اقترب منى محارب قديم ممن شاركوا في حرب فيتنام، وشجعني أن أنضم إلى تحالف محاربو العراق القدامى ضد الحرب ». وكان التحالف قد تشكل في عام 2004 من جنود شاركوا في الحرب على العراق، وأصبحوا من المناهضين لها، ويضم في عضويته الآن نحو 800 عضو من أنحاء الولايات المتحدة. كما أصبح إيمانويل مسئولا عن فرع للتحالف في ولاية إنديانا، ومهمته الآن تركز على تشجيع الجنود العاملين في العراق على التفكير في أهداف وشرعية الحرب. ويلخص مهمته في قوله: « من واجبنا أن نقوم بتوعية زملائنا وأهلنا بما يجري هناك في العراق ». أدرك إيمانويل كيف يمكنه بما يمتلكه من تجربة واقعية في العراق أن يساهم في تشكيل الرأي العام. « لقد أصبحت أمتلك صوتا، وأستطيع أن أوصله للآخرين ».   (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 18 مارس 2008)
 

أزمة الخبز المصري بين فساد الحكم وتحيزه للأثرياء الجدد

أحمد ثابت (*)   تعاني الغالبية الساحقة من المصريين يوميا من جراء نقص الخبز المدعم وتنفق هذه الغالبية وقتا طويلا يبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة وقد يستمر حتى إغلاق المخابز عند الثالثة بعد الظهر.   حيث يتناوب أفراد الأسرة الواحدة الوقوف في الطوابير للحصول على 20 رغيفا في أقصى حد للفرد، وهذا الانتظار فسره الكثيرون بأنه أسلوب آخر من أساليب النظام المصري الأمنية في الأساس لإهدار طاقة وصحة الناس في طوابير جديدة ومتجددة.   فمن طوابير انتظار عبوة (جركن) المياه المتجددة كل صيف في بلد يجري فيه نهر النيل بموارده الوفيرة، إلى طوابير الازدحام أمام وسائل النقل العام والخاص، إلى تكدس المرور، إلى طوابير تبدأ من الفجر أيضا لاستخراج الشهادات اللازمة لإعادة بطاقات التموين المدعم.   وذلك حتى لا يكون لدى المصريين أي وقت للتفكير في استبداد النظام وفساده المركب المنظم الأخطبوطي، والمتداخل بين نخبة الدولة ونخبة ضيقة للغاية من كبار رجال الأعمال ممن احتكروا معظم مصادر الثروة والقروض وتهريب الأموال للخارج.   تبرير رسمي يخفي المسؤولية عن الأزمة   في رأي بعض المتابعين أن أزمة رغيف الخبز ترجع إلى عجز الحكومة عن ضبط الأسواق والأسعار وأصحاب المخابز ممن يتلاعبون بالدقيق المدعم ببيعه لشركات ومحلات الحلوى والفنادق الكبرى.   وفي رأي الحكومة التي تتنكر لأية مسؤولية عليها أن الأزمة تكمن في الناس أنفسهم لأنهم يستخدمون الخبز المدعم لإطعام الطيور والمواشي، والغريب أن تستمر حكومة مبارك في هذا الزعم رغم أن تفشي مرض إنفلونزا الطيور كاد يقضي على تربية الدواجن في مختلف بيوت الريف والحضر.   كما تبين من تحقيقات وتقارير صحف مصرية حكومية ومعارضة ومستقلة في الفترة الأخيرة أن الفلاح المصري بعد الارتفاع الرهيب في أسعار الأعلاف والبرسيم والدقيق والقمح والأرز والذرة، لم يعد يطعم ماشيته سوى قش الأرز والذرة، مما يضعف صحة الحيوان نفسه.   وتزعم حكومة مبارك أيضا أن الارتفاع في الأسعار العالمية للحبوب من قمح وذرة وأرز وراء قرارها بتقليص حاد في الكميات التي تدعمها من القمح والدقيق أو الطحين مما نتج عنه توفر كميات قليلة من الطحين الموجه للخبز الأسمر المدعم ورفع الدعم عن الدقيق الفاخر.   وأنه وراء قرار الحكومة نفسها بالسماح لأصحاب المخابز البلدية العامة والخاصة ببيع شرائح من الخبز بعشرة قروش وخمسة وعشرين قرشا وحتى خمسين قرشا، حتى من منافذ البيع التابعة لوزارة الزراعة. بل إن حكومة مبارك نفسها رفعت أسعار طن الدقيق المبيع من القطاع العام إلى 3800 جنيه مصري، في حين يبيعه القطاع الخاص بـ3400 جنيه.   أزمة نظام الحكم.. إنتاج الفساد وإعادة إنتاجه   وهذا يعنى أن الأزمة هي أزمة نظام مبارك نفسه أزمة الفساد والاستبداد وهدر الموارد وأزمة اختيار سياسي يصب في خانة الانحياز التام للأغنياء والأثرياء الجدد، حيث إن نظام مبارك ومن قبله نظام السادات انتهج سياسة تستهدف خلق شريحة ضيقة اجتماعيا تحتل قمة الهرم الاجتماعي لكسب ولاء هذه الشريحة للنظام ودعم استبداده السلطوي سياسيا وحكمه الفاسد ماليا واقتصاديا وإداريا.   فقد استند حكم عبد الناصر اجتماعيا على شرائح وفئات عريضة من صغار الفلاحين والعمال والشريحة الصغرى والوسطى من الطبقة المتوسطة لدعم سياساته وتوجهاته التقدمية داخليا وخارجيا، بديلا عن التحالف السابق من الإقطاع ورأس المال التجاري قبل ثورة يوليو 1952.   لكن نظام السادات ثم مبارك انقلب على المعادلة التحالفية الاجتماعية هذه التي كفلت مستوى مشرفا من الاستقرار الاجتماعي الاقتصادي والنفسي لغالبية المصريين، مكّن مصر ونظام السادات نفسه من خوض حرب تشرين/أكتوبر 1973 دون أزمات اجتماعية.   وجاء الانقلاب هذا بتدخل تعسفي مباشر وغير مباشر مشروع وغير مشروع وإصدار تشريعات وقوانين فاسدة لأنها صادرة عن نظام حكم فاسد، من شأنها تسويغ وخلق فرص التربح وتكوين ثروات طائلة من مصادر طفيلية أساسا ومن نهب المال العام والسمسرة والعمولات والهروب بمليارات الدولارات المنهوبة من بنوك القطاع العام للخارج.   والأكثر من ذلك هو توفير شتى سبل الحماية القانونية والأمنية والتغطية السياسية والإعلامية على جرائم وممارسات هؤلاء ضد الملاحقة القضائية أو رقابة الأجهزة المحاسبية الرسمية أو غضب الرأي العام.   وكان من تداعيات هذه السياسة المنظمة والمتعمدة سياسة خلق قاعدة اجتماعية حلقية ضيقة للغاية حول الحاكم ونظامه تحتكر موارد القوة السياسية والاقتصادية، إبعاد غالبية الشعب المصري من الحصول على حقوقه من السلطة والثروة، وتهميش متصاعد لشرائح اجتماعية عريضة وواسعة شملت الطبقات الدنيا من الفلاحين والمزارعين والعمال الزراعيين وصغار المستأجرين.   وكذلك إفقار منظم لمعظم شرائح الطبقة الوسطى، حيث عصف الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية الأساسية وفواتير الكهرباء والمياه والصرف الصحي ومختلف الرسوم على الشهادات والفواتير، بدخول ومكانة ومستوى معيشة هذه الفئات والشرائح.   وقد وصل ترتيب مصر من حيث مؤشر مدركات الفساد الصادر ضمن تقرير الفساد عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2005 إلى 77 من بين 146 دولة على مستوى العالم، ولم ينخفض إلا قليلا مع تقرير عام 2007، بينما حققت كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة 29 سابقة مصر في مكافحة الفساد، وجاءت قطر في المرتبة 38، في حين اعتُبرت إسرائيل من أفضل عشرين دولة في هذا الصدد.   وترتيب مصر في قائمة الدول الجاذبة للاستثمار بلغ 70 من مجموع 191 دولة، وأظهر الدكتور أحمد زويل من قبل أن الكونغرس أجرى دراسة مستفيضة عن أعلى عشر دول في قائمة دعم الفساد بالعالم وعدم مكافحته فكانت أربع دول عربية تحتل المراتب الأربع الأولى وبالطبع على رأسها مصر.   فساد توزيع الناتج والدخل والتحيز لقاعدة ضيقة اجتماعيا   وأزمة الخبز تتجلى أيضا وتنبع من فساد اختيار اجتماعي سياسي اقتصادي لنظام مبارك يتمثل هذه المرة في تخصيص متعمد لعوائد النمو التي تبدو في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لصالح الأغنياء.   فمن جهة استند رئيس الوزراء ووزراء المجموعة الاقتصادية إلى الزيادة التي تحققت في السنوات الثلاث الأخيرة في نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، للدفاع عن الحكومة بأنها تمكنت من معالجة العجز في الموازنة العامة والخلل بين النفقات والإيرادات وتخفيف عجز الميزان التجاري.   وتجاهلت حكومة مبارك أن هذه الزيادة وقتية وقصيرة الأمد ولن تستمر لعوامل خارجة أساسا عن إرادة نظام مبارك مع أنها جاءت لصالحه مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط عالميا وبيع شركات وبنوك مملوكة للقطاع العام.   ومثل هذا النجاح إنما يصب في خانة تحسن السياسات الكلية (الماكرو) التي يفضلها دائما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والحكومات الغربية وعلى رأسها الحكومة الأميركية، بينما السياسات على المستوى الجزئي (الميكرو) والقطاعي ألحقت ضررا بليغا بغالبية المصريين في مظاهر الفقر والإفقار والتهميش والبطالة وتدني مستوى الرعاية الصحية والصحة العامة وتدهور مستوى التغذية، إلى جانب تدهور نوعية وقيمة ومكانة التعليم مع ارتفاع نفقاته.   هنا يوجد مؤشر مهم وهو أن الزيادة الاسمية التي تحدث في مستوى الدخول يبتلعها التضخم والغلاء وتدهور القدرة الشرائية للجنيه المصري، مما يجعل الدخول الفعلية الآن في عام 2008 أقل من عام 1970 إذا حسب على أنه سنة أساس.   ومن جانب آخر ينمو متوسط نصيب الفرد في مصر بنسب لا تزيد في أحسن الأحوال عما بين 2 و2.5% سنويا، في حين يصل معدل الفقر البشري حوالي 33%، ومعنى ذلك أن من استفاد من الارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي هم الأغنياء والأثرياء الجدد.   وتدل على ذلك إحصاءات صدرت عن جهات دولية موضوعية إلى حد كبير مثل تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وحتى تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى جانب التقرير السنوي للتنمية الإنسانية العربية الرصين والمدقق منذ عام 2003.   ويمكن الخلوص من هذه التقارير إلى أن ما لا يقل عن ثلث المصريين يعيشون في فقر مدقع أي من لا ينفق مقدارا يعادل دولارا واحدا في اليوم، وأن نحو 70 إلى 75% من المصريين يعيشون في حالة الفقر حيث لا ينفق الفرد ما يساوي دولارين يوميا أي 11 جنيها تقريبا.   وأدت اختيارات النظام المتحيزة طبقيا للأغنياء والأثرياء الجدد كذلك إلى انقلاب حاد في نسب الفئات الاجتماعية من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أشارت تقارير دولية أخيرة إلى أن نحو عشرين مليون مواطن مصري يعيشون في فقر مدقع أي حوالي الثلث، وأن نصيب أغنى 10% من السكان بلغ 29.5% من هذا الناتج، ولكن هذا الرقم مأخوذ أساسا من واقع إحصاءات الحكومة المصرية الرسمية عام 1998.   هذا مع أنه يقلل إلى حد كبير من نصيب هؤلاء الذي وصل في تقارير أخرى إلى 40% تقريبا و55% لأغنى 20%، ومع أنه تقدير قديم لا يدخل في الاعتبار ما حدث من تركز شديد للثروة في يد قلة محدودة للغاية من قمة الهرم الاجتماعي الذي حدث من استفادة أعضاء هذه القلة من عمليات بيع أراضي الدولة والاتجار بها ونهب قروض البنوك وتهريبها للخارج ومن سياسات الخصخصة وبيع شركات وبنوك القطاع العام إلى جانب أنشطة غير مشروعة مثل تجارة المخدرات والأعضاء البشرية والسلاح والدعارة وغيرها.   وربما الأكثر خطورة هنا أن من بين هؤلاء الأغنياء حفنة قليلة للغاية تحصل على ثروات ودخول خيالية، مما يعنى أن مصر عادت إلى مجتمع النصف في المائة قبل ثورة يوليو 1952، ومن حيث النصيب من الدخل نلاحظ أن أغنى 20% من السكان حصلوا على 43.6% من مجموع الدخل الوطني.   وكان لابد من حساب نصيب القلة المحظوظة من بين هؤلاء العشرة وهي لا تزيد عن 2% من مجموع السكان، بينما حصل أفقر 20% في مصر على نحو 8.6% من الدخل وفي رقم آخر أدق 5% فقط.   الحروب والأزمات   كان النظام يحتج لرفع الأسعار في السبعينيات بتكلفة الحروب، فلما انتهت الحرب مع إسرائيل كان منطقيا توفير النفقات الناتجة عن تخفيض الاستعداد للحرب وإعادة توجيهها لصالح التنمية البشرية الشاملة.   لكن الأسعار استمرت لهيبا وعلى رأسها أسعار الخبز، مما يعني أن جذر الأزمة في فساد منظم يدعمه تسلط واستبداد سياسي وأمني تقوده نخبة متحالفة من كبار المستولين على أراضي الدولة وممن حظوا بصلات النفوذ والمصاهرة والولاء الزبوني وتداخل السياسة بعالم الأعمال الخاص السري والعلني بين كبار مسؤولي الحزب الحاكم وخصوصا أمانة السياسات بالحزب التي اخترعت خصيصا لجمال مبارك.   كما أن هذه الأمانة صارت تضم نخبة محدودة من كبار محتكري عمليات الاستيراد والتصدير والنقل التجاري والشحن البحري وناهبي المال العام وعلى رأسهم من يحتكرون استيراد وإنتاج وتوزيع  تحديد أسعار سلع إستراتيجية مثل المواد الغذائية والأدوية والإسمنت وحديد التسليح.   كما تعمق الدولة الأزمة من خلال رفع أسعار الأسمدة والدقيق والقمح مع زيادات متواصلة في أسعار الأرز الذي وصل أربعة جنيهات للكيلو وكان لا يزيد عن جنيهين مع بداية عام 2007، وأسعار الذرة والمكرونة، مما يغلق معظم الأبواب أمام غالبية المصريين وهم فقراء في الحصول على مورد أرخص للطعام بديل للقمح.   ولعل ما يفسر الأمر أن نظاما حاكما مثل نظام مبارك يعجز بكل طاقاته الأمنية والإدارية عن ضبط إشارات المرور وانفلات الشارع لحساب الأمن السياسي، أفضى به الأمر إلى عجز عن توفير رغيف الخبز المدعم، فهو نظام يدير موارد البلاد لحساب تحالف ضيق طبقيا لا يزيد عن 2% من مجموع 77 مليون مصري.e4   (*) كاتب مصري   (المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 21 مارس 2008)  

 

 

د. فيصل القاس: هل نصدّق الرسام الدنماركي المأفون أم فلاسفة الغرب ومفكريه؟

د. فيصل القاسم (*)   ليس هناك أدنى شك بأن من حق، لا بل من واجب المسلمين، من طنجة إلى جاكرتا، أن يهبوا هبة رجل واحد دفاعاً عن مقدساتهم التي أساء إليها رسام دنماركي مغمور ومأفون، وأعادت نشرها بعض الصحف الأوروبية الأخرى. وأعتقد أن الدفاع حتى الآن لم يكن بالشكل المطلوب، وكان لابد أن تدخل الحكومات الإسلامية على الخط لترفع العصا الغليظة في وجه الدول التي تحتضن المسيئين من رسامين وكتاب وسواهم، وأن لا تكتفي فقط برد الفعل الشعبي أبداً. لكن لماذا، في الوقت ذاته، نتوقف عند رسام كاريكاتير ساقط من الدرجة العاشرة، ونجعله ممثلاً للموقف الغربي من المسلمين، وننسى عظماء الغرب من مفكرين وفلاسفة ومؤرخين وأدباء وشعراء وقادة، وما قالوه في الإسلام ورسوله الأعظم وكتابه الخالد؟   أيهما نصدّق رساماً كرتونياً ينضح جهلاً وسخفاً وحقارة ودناءة وقذارة، أم المفكر والأديب الإيرلندي ذائع الصيت جورج برنارد شو؟ يقول شو: « لقد اطّلعت على تاريخ هذا الرجل العظيم محمد(ص)، فوجدته أعجوبةً خارقةً، لا بل منقذاً للبشرية، وفي رأيي، لو تولى العالم الأوروبي رجل مثل محمد(ص) لشفاه من علله كافة… لقد نظرت دائما الى ديانة محمد (ص) بأعلى درجات السمو بسبب حيويتها الجميلة. إنها الديانة الوحيدة في نظري التي تملك قدرة الاندماج… بما يجعلها جاذبة لكل عصر، وإذا كان لديانة معينة أن تنتشر في انجلترا، بل في أوروبا، في خلال مئات السنوات المقبلة، فهي الاسلام… إني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل الشروط اللازمة وتكون موافقة لكل مرافق الحياة…. ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد(ص) ليحل مشاكل العالم « .   أما المفكر والفيلسوف والمؤرخ الاسكوتلندي الكبير توماس كارلايل فقد أغدق الكثير الكثير من الإطراء والمديح على الرسول الأعظم إذ قال:  » إنما محمد(ص) شهاب قد أضاء العالم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ».   وحتى كارل ماركس أبو الشيوعية قال حرفياً: « جدير بكل ذي عقل أن يعترف بنبوءة محمد(ص)، وأنه رسول من السماء إلى الأرض….هذا النبي افتتح برسالته عصراً للعلم والنور والمعرفة، وحري أن تــُدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة. وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكماً من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير ».   بدوره يقول الأديب الروسي الشهير ليو تولستوي: « أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد(ص) الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء ».   أما الشاعر الألماني الأكبر غوته فيقول: « بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد(ص)…   وإننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد(ص)، وسوف لا يتقدم عليه أحد ».   وينسحب الإعجاب ذاته على الشاعر الفرنسي الكبير لامارتين الذي يعترف بأن « أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود….ليس هناك رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد(ص)، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق ».   أما عالم اللاهوت السويسري د.هانز كونج فقد قال حرفياً: « محمد(ص) نبي حقيقي بكل ما في الكلمة من معنى، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمداً هو المرشد القائد إلى طريق النجاة ».   وكما يعترف مفكرو الغرب وأدباؤه وفلاسفته وقادته بعظمة خاتم الأنبياء،.فإنهم في الآن ذاته يبصمون بالعشرة على عظمة الكتاب الذي أنزل على نبي الإسلام(ص). ويقول القائد الفرنسي الشهير نابليون بعد أن قرأ القرآن الكريم: « إن أمة ً يوجد فيها مثل ُ هذا الكتاب العظيم لا يمكن القضاءُ عليها أو على لغتها ».   وبدوره يؤكد العالم الأمريكي مايكل هارت بأنه « لا يوجد في تاريخ الرسالات كتاب بقي بحروفه كاملاً دون تحوير سوى القرآن الذي نقله محمد(ص) ».   وينشد الشاعر الألماني الشهير غوته قائلاً: »كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي… القرآن كتاب الكتب، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم ». ولما بلغ غوته السبعين من عمره، أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي أنزل فيها القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.   وبنفس الروحية يهتف أرنست رينان منشداً: » عندما تستمع إلى آياته تأخذك رجفة الإعجاب والحب، وبعد أن تتوغل في دراسة روح التشريع فيه لا يسعك إلا أن تعظــّم هذا الكتاب العلوي وتقدّسه ».   ويؤكد تولوستوي في مكان آخر بأن « شريعة القرآن سوف تسود العالم لتوافقها وانسجامها مع العقل والحكمة.. لقد فهمت… لقد أدركت… ما تحتاج إليه البشرية هو شريعة سماوية تحق الحق وتزهق الباطل ».   ولو كان رسامو الدنمارك الجهلة نظروا بالقرب منهم لقرأوا ما قاله الاستاذ الدكتور العالم النرويجي ايرنبيرغ في جامعة أوسلو الذي كتب يقول: » لا شك في أن القرآن من الله، ولا شك في ثبوت رسالة محمد(ص) ».   وينسحب الاحترام الغربي للدين الحنيف على أتباع ذلك الدين. فليس صحيحاً أبداً أن نظرة الغرب للمسلمين كانت دائماً دونية، بل على العكس تماماً، فقد كان المسلمون مضرباً للأمثال في شجاعتهم وبأسهم. يقول القائد الكبير بسمارك: » اعطوني فقط ستة آلاف مسلم لأحرر من خلالهم العالم َ من الظلم ».   أما المفكر والفيلسوف الفرنسي الكبير غوستاف لوبون فقد تغنى بإنسانية المسلمين العظيمة من خلال قوله الشهير: »لم يشهد التاريخ ُ فاتحاً أرحم َ من العرب ».   ويتمنى أحد المستشرقين لو « أن المسلمين احتلوا أوروبا لكانت تجاوزت عقدة القرون الوسطى التي لم تشهدها إسبانيا بفضل الاسلام ».   من يصدّق العالم بعد كل هذه الأقوال المأثورة لعظماء الغرب وفلاسفته ومفكريه وأدبائه وقادته في نبي الإسلام(ص)، وكتاب الله عز وجل وأتباعه، هل يصدّق ذلك الرسام الدنماركي المأفون وبعض مؤيديه من أبناء وبنات جلدتنا المارقين والمارقات، والساقطين والساقطات، أم يصدّق جورج بيرنارد شو، وكارل ماركس، وغوته، ونابليون، وتوماس كارلايل، وغوستاف لوبون، ولامارتين، وسواهم من خيرة ما أنجبه الغرب من أصحاب عقول راجحة، وآراء سديدة، وفكر نيّر؟.   (*) صحفي وكاتب سوري   (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 23 مارس 2008)3twddrarts

 
 


  

صراع الذهنيات في تركيا

 
د. محمد نورالدين (*)   تركيا تغلي. لا يمكن لأحد ان يتنبأ بما سيجري في هذا البلد الملفوف بمكوك من المشكلات الحقيقية والمصطنعة منذ ما يقارب الثمانين عاما.   آخر ما شهدته البلاد من احداث سياسية ما كان يخطر على بال احد.   مدعى عام الجمهورية عبدالرحمن يالتشينكايا يطلب حظر حزب العدالة والتنمية ومنع قادته بمن فيهم رئيس الجمهورية من العمل في السياسة لمدة خمس سنوات.   أما التهمة فهي ممارسات وتصريحات لأعضاء في الحزب تتناقض مع مبدأ العلمانية المنصوص عليها في الدستور.   والأكثر خطورة وغرابة ان حزب العدالة والتنمية هو الممسك بتلابيب السلطة منذ العام2002 ، ومع كل انتخابات نيابية او بلدية تحدث كان الحزب يضاعف اصواته بحيث وصلت في الصيف الماضي الى47 في المائة بفارق27 في المائة عن الأصوات التي نالها اقرب المنافسين له حزب الشعب الجمهوري.   ومع ذلك يأتي المدعى العام يطلب من المحكمة الدستورية حظر الحزب الأكثر شعبية في البلاد الذي قدم ممارسة وسلوكا ديمقراطيا غير مسبوق من قبل اي حزب في تاريخ البلاد. بل كان وهنا المفارقة الحزب الذي قاد تركيا خلال سنتين الى مفاوضات العضوية مع الاتحاد الاوروبي في حين عجز عن ذلك العلمانيون على امتداد اربعين سنة.   من هذه الزاوية لا يمكن ان نفهم قرار المدعى العام سوى انه خطوة اولى من اجل تصفية حزب العدالة والتنمية للتخلص من جملة « تهديدات » يشكلها الحزب على النخب الكمالية، المدنية والعسكرية:   1- ان حزب العدالة والتنمية مشروع لحاضر تركيا ومستقبلها وليس مجرد سلطة.   2- من خلال الممارسة على امتداد خمس سنوات يتبين انه رغم الجذور الاسلامية للحزب فانه كان ملتزما بمبدأ العلمانية. والواقع انه يقارب العلمنة بمنظور جديد ينسجم مع ما هو متعارف عليه في اوروبا وامريكا وليس كما يمارس من قبل النخب الكمالية المتشددة في تركيا التي تعتبر اكبر منتهكة لمبدأ العلمنة الحقيقية.   إن تطوير مفهوم العلمنة بشكل يجعله انسانيا ويحترم الحريات هو نقطة الخلاف الأساسية مع حزب العدالة والتنمية. وهم يريدون برفع دعوى اغلاقه استمرار التفسير الوحشي للعلمنة بصورة تضمن استمرار تحكمهم بالعباد والبلاد.   3- إن مبدأ الديمقراطية يعني قبل اي شيء الاحتكام للشعب والانحياز لهمومه. ولعل حزب العدالة والتنمية كان الأكثر جذرية في اللجوء الى الشعب عند المنعطفات الحادة وكان يكسب فيها. ومنذ خمس سنوات تذوب تدريجيا اصوات الأحزاب العلمانية ولا سيما حزب الشعب الجمهوري وحزب اليسار الديمقراطي بحيث لا يتجاوز حجم الكتلة الشعبية للعلمانيين العشرين في المائة. ان دعوى حظر حزب العدالة والتنمية هى فعل انقلابي موجه ضد استمرار الديمقرطية في تركيا.   4- لقد فضح حزب العدالة والتنمية بالخدمات التي قدمها الطبقة السياسية الفاسدة التي كلفت تركيا خلال التسعينيات اكثر من مائتي مليار دولار هدرا. والجميع يعترف بالدور الانقاذي لحزب العدالة والتنمية للاقتصاد التركي وضرب التضخيم وتعزيز الاستثمار وما الى ذلك. بالطبع لا يمكن ان يكون النجاح كاملا في بلد مثقل بالمشكلات الموروثة والمزمنة. لكن تصفية حزب العدالة والتنمية لا يمكن الا ان يؤدي الى زعزعة الاستقرار الاقتصادي. وهو هدف رئيسي من وراء الدعوة على حزب العدالة والتنمية. ان خلق اجواء متوترة هو السبيل الوحيد لاضعاف الاقتصاد ومن خلفه سلطة حزب العدالة والتنمية.   5- لقد نجح حزب العدالة والتنمية في اقامة افضل العلاقات مع دول الجوار ولا سيما سوريا وايران وروسيا والعالم العربي كذلك فتح امام حلحلة في قبرص واليونان. ان المتضررين من تقوية وضع تركيا الاقليمي يقفون حتما امام محاولة تصفية حزب العدالة والتنمية.ان قول البعض في تركيا ان « الامبريالية العربية » (!) هي تهديد لتركيا اكبر مثل على تلك النزعات العنصرية التي لا يستفيد منها سوى اسرائيل.   6- اما قول المدعى العام السابق فورال ساواش ان امريكا واوروبا لن تسمحا بإسقاط اردوغان بسبب علاقاته مع اللوبي اليهودي في امريكا فمحاولة خسيسة لتعمية الحقائق حول رجل كان نموذجا لأفضل العلاقات مع العرب الذي وصف سياسة ارييل شارون بأنها ارهاب دولة الذي كان « الأكثر عروبة » من بين الزعماء العرب في الموقف المندد بالعدوان الاسرائيلي في يوليو 2006.   7- واذا كان من خاسر مما تشهده تركيا من « اضطراب » سياسي فهو حاضرها ومستقبلها. تركيا لا تستحق ان تفجّر مسيرتها بقيادة حزب العدالة والتنمية من جانب طغمة لا تزال تعيش ذهنية بدايات القرن العشرين في معالجة القضايا الدينية والقومية والاجتماعية والفكرية.   تركيا امام مفترق طرق. تنجو اذا بقي العدالة والتنمية في السلطة ضمن السياق الديمقراطي وتغرق اذا اطيح به. وللشعب الدور الحاسم في ترجيح الخيار ورسم المسار.   (*) خبير لبناني متخصص في الشؤون التركية   (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 23 مارس 2008)

 

Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.