الأحد، 11 يونيو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2211 du 11.06.2006

 archives : www.tunisnews.net


 الاجتماع الشهري للمكتب السياسي للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات

العربية نت: تقارير صحفية تتهم صهر الرئيس التونسي بالضلوع في سرقة يخت فرنسي

“المصريون” :الفرنسيون يلمحون إلى ضلوع صهر الرئيس التونسي في سرقة يخت فرنسي ثمنه أكثر من مليون يورو

سي أن أن : يخت فرنسي مهم مسروق ينتقل “لملكية” صهر الرئيس التونسي

سويس إنفو: تونس بين مطالب متصاعدة وإشارات غير بـيّـنـة

عبدالباقي خليفة :كرسي الإعتراف وكرسي الإنكار: إلى كل المناضلين و كل الخصوم تعالوا إلى كلمة سواء

ودّ الريّس: إهانة الحجاب والمصحف في تونس – المرجعيات الدينية والسياسية الإسلامية والكيل بمكيالين

حبيب الرباعي: لا يوقظ الغافلين إلا الكلام الصادق

الهادي بريك: إلى خنساء القدس .. إلى الحمامة المفجوعة : هديل

عبدالحميد العدّاسي: استراحة الأسبوع مع القسم الثالث من ” الأذكار “

رفيق بن عبد الوهاب معلى: بالمماطلة والتسويف ضاع حقي المشروع في اللجوء للصد عن العمل

 أ.فتحي نصري: يوميات حرامية

قدس برس: فتاة تونسية “مخمورة” تعتدي على والدها والسلطات تسجن موظفا ومقاولا بعد سقوط جدار

إسلام أون لاين.نت : الفرنسيون من أصل تونسي مع النسور لا الديوك الشروق: الحدث في الجنوب التونسي:«قناة المسار» تبث المونديال وتخترق «الحصار»

الجزيرة.نت: تظاهرة موسيقية في تونس تحتفي بالشيخ إمام 

الشرق الأوسط : استطلاع لمؤسسة «غالوب»:النساء في الدول الإسلامية لا يعتبرن أنفسهن مضطهدات

محمد بن المختار الشنقيطي:آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
 

الاجتماع الشهري للمكتب السياسي للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات

انعقد بمقر التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات يوم الأحد 4 جوان 2006 الاجتماع الشهري للمكتب السياسي مع المسؤولين الأولين للحزب في الجهات. وفي هذا الاجتماع قدم الأمين العام عرضا عن الوضع العام في البلاد، وعن نشاط الحزب وعلاقاته الدولية.   وعلى إثر النقاش الذي استغرق حوالي خمس ساعات، عبر الحاضرون عن موافقتهم على البيانات التي كان المكتب السياسي قد ساند فيها نضال المحامين من أجل استقلاليتهم وحق الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في عقد مؤتمرها السادس بكل حرية. و نددوا بالعنف الذي تعاملت به الشرطة مع المحامين ومسؤولي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومناضليها والشخصيات التونسية والأجنبية المدعوة لحضور مؤتمرها.   و عبر الحاضرون عن تضامنهم مع فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت على إثر إيقاف المناضلين علي بن سالم ولطفي الحاجي وحمدة مزقيش ومحمد بن سعيد في ظروف سيئة، ويرون أنه كان بإمكان السلطة – على إثر البيان الصادر عن فرع بنزرت والذي يندد بالظروف المهينة التي يعيشها المعتقلون السياسيون بسجن برج الرومي – أن تجري تحقيقا معمقا حول هذه الظروف بدل أن تعمد إلى تتبعات أمنية وقضائية ضد مناضلين لم يقوموا إلا بواجبهم .   كما عبر المجتمعون عن قلقهم إزاء تدهور الوضع الاجتماعي مما دفع قطاعات هامة مثل قطاعي التعليم و الصحة إلى شن إضرابات لاقت تجاوبا واسعا، و طالبوا الحكومة بأن تعي بخطورة المشاكل و أن تسخر جهودها للبحث عبر التفاوض الجدي عن حلها عوض تسخير وسائل الإعلام الطيعة لمغالطة الرأي العام و التقليل من حجم التعبئة النقابية.   وفي إطار تقييم نتائج اللقاءات الأخيرة التي أجراها الأمين العام :   * في بروكسيل يوم 22 ماي 2006 بمقر الحزب الاشتراكي الأوربي مع السيد بول رسموسان رئيس الحزب وبحضور أمينه العام السيد فيليب كوردري وأحد مستشاري الحزب السيد يونيك بولي، ثم بمقر الحزب الاشتراكي الفرنكوفوني البلجيكي مع السيد إيتيان قودان المسؤول عن العلاقات الدولية بالحزب، وأخيرا بالبرلمان الأوربي مع النائب الاشتراكي السيد آلان هيتشاتسون ومع السيد باتريك كوستيلو مستشار السيد جوزيب بورال رئيس البرلمان الأوربي ؛   * وفي باريس يوم 24 ماي 2006 بمقر الحزب الاشتراكي الفرنسي مع السيد بيير موسكوفيتشي المسؤول الأول عن العلاقات الدولية بهذا الحزب ورئيس لجنة الأخلاقيات في الاشتراكية الدولية والسيدين موريس برود وكريم بكزاد عضوي السكرتاريه الدولية للحزب الاشتراكي نفسه .   وقد عبر المكتب السياسي الموسع إلى مسؤولي الجهات عن ابتهاجه بالموقف الداعم الذي أبداه كل من الحزب الاشتراكي الأوربي والحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الاشتراكي البلجيكي والمجموعة الاشتراكية بالبرلمان الأوربي إزاء النضالات التي يخوضها الديمقراطيون التونسيون من أجل الحريات واحترام حقوق الإنسان، وهو يساند جهود مختلف الأطراف والهادفة إلى دعم وتطوير العلاقات الثنائية والمبادلات مع قوى التقدم في العالم وخصوصا مع الأحزاب الصديقة المنتمية إلى الاشتراكية الدولية .   وبخصوص الوضع الداخلي للحزب ندد المجتمعون بالعراقيل التي تتعرض لها هياكل التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات في نشاطها اليومي، وبما يطال مسؤوليها ومناضليها من عسف ومضايقات . وفي هذا الصدد استعرض المجتمعون حالة الأخ الهادي المناعي منسق جهة جندوبة (150 كم شمال غرب العاصمة) الذي أصبح، منذ مدة طولية، هدفا لمضايقات يومية تعرقل عمله وتمنعه أحيانا حتى من مجرد التنقل. كما استعرض حالة الأخ جلال بوزيد من صفاقس (270 كم جنوب العاصمة) المحروم من جواز سفره والذي منع، بالتالي، من المشاركة في مؤتمر علمي دولي في إطار اهتماماته المهنية بصفته باحثا، وكذلك حالة الأخ محمد بن خميس الطبيب المتقاعد وحسين السندي التاجر المتجول اللذين أجبرا من طرف مسؤولين وسلطات جهوية في الكاف ( 170 كم شمال غرب العاصمة) على الاستقالة من التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وإلا فقدا لقمة عيشهما … وعبر المجتمعون عن استيائهم من عدم رد وزير الداخلية إلى يومنا هذا على الرسالة المضمونة الوصول التي وجهها الأمين العام بتاريخ 20 أفريل 2006 لطلب مقابلته ليعرض عليه كل هذه المشاكل بهدف وضع حد للعراقيل التي تجعل من الترخيص القانوني الذي تحصل عليه الحزب منذ أكثر من ثلاث سنوات، ترخيصا بلا معنى .   ومن جهة أخرى، عبر المجتمعون عن إصرارهم على مواصلة عملهم رغم كل هذه الصعوبات والمشاكل الناتجة عن تشديد الخناق على الحياة السياسية بالبلاد، وذلك لتحقيق المزيد من الإشعاع لحزبهم وتمكينه في اقرب الآجال من صحيفة تكون أداة اتصال مع المواطنين وإطارا للحوار والنقاش مع القوى الحية بالبلاد .   مصطفى بن جعفر الأميـــــــــن العام   (المصدر: موقع ” للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بتاريخ 10 جوان 2006) وصلة الموضوع: http://www.fdtl.org/article.php3?id_article=146

مأزق أخلاقي جديد للحكومة التونسية:

الفرنسيون يلمحون إلى ضلوع صهر الرئيس التونسي في سرقة يخت فرنسي ثمنه أكثر من مليون يورو

 

تونس – المصريون – كتب مراسلنا سليم بوخذير : بتاريخ 10 – 6 – 2006   شكلة ديبلوماسية بدأت أجواؤها تخيّم هذا الأسبوع على العلاقات الفرنسية التونسية ، على خلفيّة ما وصفته الأطراف الفرنسية ب ” قضية العثور على يخت ثمين فرنسي كان سُرق من مدير بنك فرنسي ، لدى صهر الرئيس التونسي عماد الطرابلسي ” ملمّحة إلى “ضلوعه في اختفاء اليخت مؤخرا بميناء فرنسي ” ، فيما أقرّ السفير التونسي بـ “دخول اليخت فعلا إلى ميناء تونسي لكن بشكل مخالف للقانون”   و في تفاصيل هذه “القضية” التّي أوردتها اليوميات الباريسيّة المعروفة الصادرة يومي الخميس الجمعة 9-6-2006 ، “يتّهم” الطرف الفرنسي ،عماد الطرابلسي شقيق ليلى بن علي حرم الرئيس التونسي بـ” ظهور اليخت المسروق مؤخرا من”برينو روجي” مدير عام بنك “الإخوة لازار” الفرنسي ، لديه في تونس” .   و كان هذا اليخت قد “سُرق فجأة في جنح الظلام من ميناء “بونيفاسيو” بجزيرة كورسيكا بعد أن حطّ الرحال بـ “سردينيا” و ذلك في إحدى ليالي شهر مايوالماضي” ، على حدّ ما روته صحيفة “لوكانار أونشيني” الفرنسية .   و قالت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية ، إنّ “اليخت الذي اتّضح هذا الأسبوع أنّه تحوّل فجأة إلى ملكية صهر الرئيس التونسي عماد الطرابلسي إنّما هو نفسه يخت”برينو روجي” الذي كان سُرق منه من ميناء كورسيكا يوم 26 مايو 2006″ على حدّ زعمها ، ملمّحة إلى “ضلع له” في أمر “إختفاء اليخت في الميناء الفرنسي” .   وتابعت الصحيفة أنّ “قيمة اليخت الذي يبلغ طوله زهاء 18 مترا تفوق مبلغ مليون يورو” واصفة إيّاه بـ”الثمين جدّا” . و قال مصدر قريب من فريق التحقيق الفرنسي في هذه القضية الذي يقوده قاضي التحقيق “ديفيد لونوا” إنه “تمّ تغيير الشكل الخارجي لليخت المسروق الذي عُثر عليه لاحقا في مرفئ تونسي لدى صهر الرئيس التونسي لكنّ أرقام التسجيل سمحت بتحديد أنه نفس اليخت المسروق” .   و وصفت “ليبيراسيون” ، “علاقة” الرئيس الفرنسي جاك شيراك بمدير عام بنك “الإخوة لازار” بـ “الوطيدة” ، مشيرة إلى أنّ هذا هو الذي “قد يلعب دورا هامّا في هذه القضية و مدى إحراجها للعلاقات الثنائية بين تونس و فرنسا” ، فيما صرّح السفير التونسي بباريس لصحيفة “لوكانار أونشيني” أنّ “اليخت دخل تونس بطريقة فعلا و لكن بطريقة مخالفة للقانون ” ، لكنّه استدرك نافيا في ذات التصريح “أيّة صلة” لدوائرالحكومة في تونس بالموضوع .   و عرفت العلاقات التونسية الفرنسية قدرا من “التشنج” في الأيام الأخيرة على خلفيّة إنتقاد كان وجّهه الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية للحكومة التونسية عبّر فيه عن “أسف باريس لتعمّد قوات الشرطة في تونس بالقوّة منع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان من عقد مؤتمرها الوطني السادس” ، و هو ما أثار حفيظة وزارة الخارجية التونسية التي ردّت على نظيرتها الفرنسية في بيان فوري لها قالت فيه “إنّنا نرفض بشدّة تلقي دروس من أيّ كان(تعني فرنسا) في مجال حقوق الإنسان وإننا دولة قانون” .   و لم يُورد السفير التونسي في التصريح المنشور له بالصحيفة الفرنسية إسم الميناء التونسي الذي دخله هذا اليخت بالتحديد بعد “إختفائه بميناء كورسيكا” ، لكنّ صحيفة “ليبيراسيون ” الفرنسية قالت “أنّ “اليخت المسروق رسى بميناء سيدي بوسعيد” بالعاصمة التونسية ، نقلا عن مصدر رسمي من شرطة أنتربول .   وأعلن القضاء الفرنسي ان “القضاء التونسي يتحمل مسؤولية كشف الجهة التي تقف وراء عملية السرقة ومعرفة ما اذا كان صاحب اليخت الجديد له دور في مسألة السرقة ام لا ” .   و سبق أن أُثيرت أزمة ديبلوماسية في عام 1995 بين تونس و فرنسا بسبب قضية إتهام السلطات الفرنسية لنظيرتها التونسية وقتها بما وصفته عامها ب “تهريب شقيق الرئيس التونسي المنصف بن علي” بعد الحكم عليه ب”12 عاما سجنا في قضية مخدرات بفرنسا” ، و هي إتهامات كانت الحكومة التونسية قد رفضتها بشدّة وقتها و كذّبتها طويلا إلى أن وافت المنية الراحل المنصف بن علي بعد عام من ذلك تقريبا على إثر “أزمة قلبية” كما جاء في الرواية الرسمية لخبر وفاته .   (المصدر: صحيفة “المصريون” الألكترونية بتاريخ 10 جوان 2006) وصلة الموضوع: http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=19068&Page=5

 


تقارير صحفية تتهم صهر الرئيس التونسي بالضلوع في سرقة يخت فرنسي

القضاء التونسي يتعهد بالتحقيق في القضية  

سليم بوخذير ، وكالات   فيما تعهد القضاء التونسي بالتحقيق في القضية، قالت صحيفة فرنسية إن يختا تمت سرقته من أحد الأثرياء الفرنسيين ظهر لدى عماد الطرابلسي الاخ الاكبر لزوجة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ملمحة في الوقت نفسه الي ” ضلوع الطرابلسي في اختفاء اليخت مؤخرا من ميناء فرنسي” . وكان اليخت المسروق قد عثر عليه بأحد الموانئ التونسية.   وقالت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية في عددها الصّادر الخميس 8 – 6 – 2006 ، إن “اليخت الذي ظهر أنه تحوّل إلى ملكية عماد الطرابلسي صهر الرئيس التونسي إنّما هو نفسه اليخت الفرنسي الذي يملكه مدير عام بنك “الإخوة لازار وسرق من ميناء كورسيكا يوم 26 مايو 2006” .   وتابعت الصحيفة أن “قيمة اليخت الذي يبلغ طوله 18 مترا يصل الي مليون يورو” واصفة إياه بـ”الثمين جدّا” .وقالت الصحيفة “أنّ “صهر الرئيس التونسي أدخله إلى ميناء سيدي بوسعيد” بالعاصمة التونسية.   ووصفت “ليبراسيون” “علاقة” الرئيس الفرنسي جاك شيراك ب برونو روجيه مدير عام بنك “الإخوة لازار” بـ”الوطيدة” مشيرة إلى أنّ ذلك قد يلعب دورا مهما في هذه القضية و مدى إحراجها للعلاقات الثنائية بين تونس و فرنسا.   وصرّح السفير التونسي بباريس لصحيفة “لوكانار أونشيني” مؤخرا أن “اليخت دخل تونس بطريقة مخالفة للقانون ” ، ونفى أي صلة للدوائر الحكومية بالموضوع.   في الوقت نفسه ، تعهّد القضاء التونسي بمتابعة قضية سرقة اليخت الفرتسي. وقال مصدر قضائي تونسي لوكالة فرانس برس ان “اليخت دخل الى المياه الاقليمية التونسية في 9 ايار/مايو الماضي يقوده مواطنان فرنسيان اوليفيي بيفي وسيدريك سارمان وهما حاليا محل تفتيش من قبل الشرطة”. واكد المصدر ذاته على “ان الادعاء بتغيير ملكية اليخت لا اساس له من الصحة”.   وافاد مصدر قريب من التحقيق لوكالة فرانس برس ان اسم الاخ الاكبر لزوجة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ورد في اطار هذه القضية بدون ان يتمكن من تأكيد ما اذا كان هذا الشخص صاحب اليخت او مستخدمه.    (المصدر: موقع العربية نت بتاريخ 10 جوان 2006)


 

يخت فرنسي مهم مسروق ينتقل “لملكية” صهر الرئيس التونسي

باريس، فرنسا — (CNN)– تجددت الشبهات حول نشاطات سرقة وفساد تقوم بها عائلة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في فرنسا.   وبعد 12 عاما من القضية الشهيرة المعروفة بـCouscous Connection والتي حكم فيها على شقيق الرئيس التونسي بالسجن 12 عاما، قبل أن يعثر عليه مقتولا في مدينة الحمامات التونسية، اتجهت أصابع الشبهات هذه المرة إلى شقيق عقيلة الرئيس التونسي ليلى الطرابلسي بن علي.   وقالت جريدة لبيراسيون الفرنسية إنّ اليخت “أميرة” الذي يملكه رئيس مجلس إدارة بنك الإخوة لازارد، برونو روجيه، وطوله 18 مترا، والذي تزيد كلفته عن مليون يورو، فقد في كورسيكا قبل أن يتمّ العثور عليه في ضاحية سيدي بوسعيد الفخمة في الضواحي الشمالية للعاصمة التونسية والتي تعرف بكونها منطقة إقامة الرئيس التونسي وعائلته وعائلة زوجته الحالية التي عقد قرانه عليها في بداية التسعينات بعد طلاقه من زوجته الأولى.   ومن جهتها، قالت جريدة لوكنار أونشينيه الفرنسية الساخرة، والمتخصصة في النقد اللاذع، إنّ شركة التأمين التي يتعامل معها برونو روجيه، أوفدت محققا خاصا لتعقب اليخت الذي سرق من مرفأ بونيفاسيو ومن هناك وردت أنباء عن وجوده في سريدينيا قبل أن يظهر في تونس.   وقالت الصحيفة إنّ المحقق عثر على اليخت بطلاء جديد وبمالك جديد ليس سوى شقيق ليلى بن علي: عماد الطرابلسي.   وعادة ما تنحى السلطات التونسية باللائمة على كلتا الجريدتين، ذاتي التوجهات الاشتراكية، حيث تتهمها بالإساءة إلى تونس.   ونفت السفارة التونسية في باريس أي علاقة لعائلة الرئيس التونسي قائلة إنّ اليخت تسلل إلى المياه التونسية بوجه غير قانوني.   ولم تتناول الصحافة التونسية القضية التي قد تؤثر في العلاقات بين البلدين، حيث اكتفت جريدة الصباح اليومية التونسية بالإشارة إلى خبر قصير من دون توقيع أكّدت فيه رواية السفارة التونسية في باريس قائلة إنّه ربّما أرد مالكه أن يفوز بتعويض مهمّ من شركة التأمين.   وقالت جريدة لبيراسيون إنّ علاقة الصداقة التي تجمع من جهة، الرئيس الفرنسي جاك شيراك بنظيره التونسي وبشيراك وبرونو روجيه، هي التي قد تجد في النهاية مخرجا “دون فضائح” للقضية.   وأضافت أنّ عماد الطرابلسي صاحب “سمعة سيئة” فيما قال ملاحظ تونسي إنّ عماد وكلّ أشقاء وأقارب عقيلة الرئيس التونسي مورطون في تونس في كلّ قضايا الفساد حيث عادة ما “يستولون على كلّ ما يريدون من ممتلكات الدولة والأشخاص حتى لو اضطروا إلى استخدام أساليب الإجرام.”   وتعيد القضية إلى الأذهان، حالة التوتر التي سادت العلاقات التونسية-الفرنسية في مستهل التسعينات، بعد أن أصدر القضاء الفرنسي حكما بالسجن 12 عاما على شقيق الرئيس التونسي، الحبيب “المنصف” بن علي لتورطه في قيادة عمليات تجارة بالمخدرات في فرنسا.   ورفضت السلطات التونسية حينذاك تسليم الحبيب قائلة إنّه لا يوجد في سجلاتها شخص تحت اسم “المنصف” وهو الاسم المعروف به والذي شمله الحكم الفرنسي، قبل أن يعلن التلفزيون التونسي وفاته وأظهر صورا يقبل فيها الرئيس التونسي التعازي.   وقالت تقارير إنّ الحبيب لقي مصرعه في مدينة الحمامات في ظروف لم يتمّ الكشف عنها.   (المصدر: موقع “الحوار.نت نقلا عن موقع سي أن أن العربية بتاريخ 11 جوان 2006 على الساعة 4 صباحا بتوقيت غرينيتش)

 
بُـعـد نـظـر   يقتلون الأطفال في غزة ويزرعون اليأس…ثم يقولون إنه دفاع عن النفس. وقد يبدو زعمهم خورا وهذيانا لغويا… لكنه ليس كذلك لو تأملنا فيه مليا. أجل! إنه ليس تهرّبا من المسؤولية ولا مجرد كلام… فهم يدركون جيدا أن أطفال فلسطين سيقهرونهم في يوم من الأيام!   محمد قلبي   (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 11 جوان 2006) 

 

تونس بين مطالب متصاعدة وإشارات غير بـيّـنـة

صلاح الدين الجورشي – تونس   فجأة، وجد النظام التونسي نفسه مدفوعا لإثبات أصالته الإسلامية، وعدم معاداته للدين وقيّـمه وطقوسه. فقد نشرت معظم الصحف المحلية خلال الأيام الأخيرة، مقالات غير ممضاة تبرز أهم ما قامت به السلطة في مجال حماية الإسلام والمساجد، والتذكير بالطبعة الأنيقة والمتميزة للمصحف الشريف على رواية قالون، التي أذن بها الرئيس بن علي شخصيا.   أما الحدث الذي وضع السلطة في حالة دفاع عن نفسها، فهو بيان أصدره فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بولاية بنزرت يوم 1 يونيو الجاري، وورد فيه أن المساجين الموجودين بسجن برج الرومي، الواقع في مدينة بنزرت “يتعرضون لممارسات خطيرة جدا تمسّ من معتقداتهم، دون أن تتخذ السلطات الإجراءات اللازمة لوضع حدّ لها، رغم علمها بالموضوع”.   وأضاف البيان أن “عائلات المساجين اتصلوا بالرابطة وقدّمت معلومات مفادُها أن السجين أيمن بن بلقاسم الدريدي، المحال بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، تعرّض يوم الخميس 04 مايو 2006 لتعذيب فظيع بالضرب بالفلقة والدهس بالأرجل والضرب على كامل أنحاء الجسم، وذلك من طرف مجموعة من الأعوان بإذن من مدير السجن المدعو عماد العجيمي”، وأن نفس السجين، بعد أن تقدم بشكوى ضدّ المعتدين عليه “تعرض لاعتداء جديد من طرف نفس المدير وأعوانه، الذي زيادة على الاعتداء الجسدي، “قام بضربه بمصحف ثم ركل المصحف عند سقوطه أرضا”، مثلما جاء في نص البيان.   ضجة كبيرة   لقد أحدث هذا البيان رجّـة قوية في مختلف الأوساط، خاصة بعد أن أبرزته قناة الجزيرة الفضائية بإحدى نشراتها الإخبارية، وهو ما دفع بالحكومة التونسية إلى إيقاف أربعة أعضاء من هيئة فرع الرابطة، لتكتّـفي بعد ذلك بإحالة السيد علي بن سالم، رئيس الفرع على القضاء مع تركه في حالة سراح، نتيجة السن (حيث تجاوز عمره السبعين) ووضعه الصحي الحرج.   بقطع النظر عن مدى صحة عملية “تدنيس المصحف” من قبل مدير هذا السجن، حيث يتمسك محامي السجين صاحب الدعوى، إلى جانب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعدد من أحزاب المعارضة والجمعيات الحقوقية، بضرورة فتح تحقيق في المسألة، فإن الضجة التي قامت، جاءت في سياق ملتبس، حيث بدا وكأن هناك من يدفع في اتجاه إعادة أجواء مطلع التسعينات في البلاد حيث سعى يومها البعض إلى “تجفيف منابع التديّـن بحجة مقاومة الأصولية الدينية”.   فما حدث قبل أيام من حرمان عدد من طالبات كلية الحقوق والعلوم السياسية بالعاصمة التونسية من اجتياز الامتحان، واحتجازهن في مكتب أحد المسؤولين الإداريين بسبب حملهن الخمار، أدهش الجميع، ودفع بالنقابة الأساسية لكليتي العلوم الاقتصادية والحقوق إلى إصدار بيان أدانت فيه “هذا التصرف الغريب وغير القانوني”.   وبالرغم من أن أغلبية المؤسسات الجامعية التونسية لم تشهد أحداثا شبيهة، كما أن الآلاف من حاملات الخمار يتجوّلن في الشوارع بكل حرية، إلا تلك الحادثة المعزولة، أعادت إلى الأذهان مـا سبق أن صرّح به وزير الشؤون الدينية في شهر ديسمبر الماضي حول ما يوصف عادة بـ “الزي الطائفي”.   والمؤكّـد أن مثل هذه التجاوزات قد خلقت انطباعا ساد في الفترة الأخيرة، وجعل الكثيرين في البلاد العربية والإسلامية تتضخّـم عندهم الصورة، وتجعلهم يعتقدون بأن هناك حربا شعواء ضد التديّـن في تونس، وذهب بهم الظن إلى حدّ تصديق قصّـة خيالية تناقلتها مواقع افتراضية وصحف عربية كثيرة، حول استعمال بطاقة مغناطيسية لتحديد هوية رواد المساجد في البلاد، وقد نُـشر هذا الخبر في مئات من المواقع الإلكترونية.   “تدنيس المصحف”   كشفت المقالات والافتتاحيات، التي كُـتبت حول مسألة “تدنيس المصحف” عن وجود مخاوف حقيقية. فالخبر تناقلته بكثافة مواقع على الإنترنت، معروفة بتشدّدها، وبعضها قد يكون قريبا من تنظيم القاعدة والجماعات المقاتلة في العراق، ولا يعود ذلك فقط إلى الطابع الديني للحدث، وإنما أيضا لارتباطه بنوعية جديدة من المساجين الذين التحقوا مؤخرا بعالم السجون التونسية، وتتّـهمهم السلطات بتُـهم لها صلة بالإرهاب.   وإلى أن تثبت تلك التّـهم في ظل محاكمات عادلة وشفافة، فإن عددا من هؤلاء المساجين قد أظهروا نوعا من الجُـرأة والتحدي، جعلت بعض السجانين يخشون من أن يؤدي ذلك إلى كسر القواعد التي ترسّـخت منذ سنوات داخل السجون التونسية.   ومهما يكن من أمر، فإن الحديث عن انتهاكات ذات طابع عقائدي، قد يؤدي، حسب اعتقاد البعض، إلى تعريض أمن تونس للخطر والتهديد، خاصة مع انطلاقة واعدة للموسم السياحي، وهي مسألة يُـفترض أن تُـؤخذ بعين الاعتبار من قبل جميع الأطراف السياسية والمدنية، بما في ذلك المشرفين على المصالح السجنية أو الذين يظنون بأنهم يملكون العلاج الحاسم لمواجهة ظاهرة الغلو والتطرف، التي بدأت تكتسح بعض قطاعات المجتمع التونسي خلال السنوات القليلة الماضية.   نفس الأوساط تخشى أيضا أن تقلّـص الأخبار المتناقلة والمتعلقة بحرية التديّـن، من فرص تدفق الرأسمال العربي، والخليجي بالخصوص، على تونس.   صورة تونس في الخارج   لقد تعدّدت المؤشرات في الفترة الأخيرة على عودة المستثمرين الخليجيين للاهتمام بالساحة التونسية، وتجلى ذلك في حرص إحدى الشركات الإماراتية على شراء 30 بالمائة من رأس مال شركة اتصالات تونس، فسحبت ذلك البساط من تحت أقدام بقية المنافسين الغربيين، وخاصة منهم الفرنسيين، كما تتجه نية شركة إماراتية أخرى لبناء مشروع سياحي برأسمال ضخم.   “تحتاج صورة تونس في الخارج إلى إنقاذ وترميم”، هذا ما يعتقده الكثيرون، بما في ذلك أطراف قريبة من السلطة. وكما قال أحد وزراء الخارجية السابقين، فإن الدبلوماسية، مهما كانت نشطة، فإنها تكتفي بتنظيف “الفترينة” (أي الواجهة)، أما السياسة الداخلية، فمـوكول إليها العناية بما يوجد في “الفترينة”.   ولعل هذا الشعور هو الذي دفع ببعض الصحف إلى الترحيب بالتعديل الذي أدخله الرئيس بن علي يوم 5 يونيو على الجهاز الأمني، في وقت يتهم فيه معارضون السلطة باللجوء المكثف خلال الأشهر الأخيرة إلى رجال الأمن لمعالجة ملفات ذات طابع سياسي، وذهبت صحيفة “الصباح” إلى حدّ التلميح بأن تغيير المدير العام للأمن الوطني إلى جانب آمر الحرس الوطني، قد يندرج ضمن “مرحلة جديدة”.   كما أن مصادر أخرى تحدّثت عن لقاء جمَـع مسؤولا مكلّـفا بملف الإعلام بمديري الصحف، أشعرهم خلاله بأهمية الانفتاح الإعلامي “الموزون” في المرحلة القادمة.   إعادة بناء العلاقة بين الأمن والسياسة   في خط مواز، تتواصل عمليات تسوية ملفات عدد من الإسلاميين المغتربين، بتمكين زوجاتهم وأبنائهم من جوازات السفر، وفتح المجال أمامهم للعودة إلى أرض الوطن، دون التعرض لأية مضايقات أمنية، وهو ملف أصبح يثير قلق قيادة حركة النهضة، خاصة وأن بعض المستفيدين كانوا، إلى وقت قريب، من بين الكوادر الهامة في التنظيم. وقد أصدر بعض هؤلاء، قبل أسابيع قليلة، بيانا ردّوا فيه على محاولات إثارة الشكوك حول قبولهم صيغة تسوية أوضاعهم بمعزل عن ملف الحركة.   وبقطع النظر عن الجدل الدائر حول هذه المسألة، فإن ما يحدث يدل على نية التخفيف من حدّة ما يُـعانيه المئات من الإسلاميين في خارج البلاد. لكن مع ذلك، هناك من يعمل في الاتجاه المعاكس، حيث لا يزال آخرون يواجهون حرمانا متواصلا من حقوق كثيرة، رغم كل المراجعات والنوايا الحسنة التي أعلنوها.   يعتقد عديد التونسيين اليوم بأن الحياة السياسية في حاجة إلى “دفعة قوية تخرجها من حالة المراوحة” وتجنبها ما وصفه أحدهم بـ “الدوران في عالم الأزقـة الحـــادة”. كما أن أصحاب هذا الرأي يؤكدون على أن تونس “لا تتحمل عنف الخلايا النائمة”، ويشيرون إلى أنه لن يستفيد أحد من أية “هيجة دينية” غير محسوبة العواقب، لكنهم في المقابل، يلحون على القول بأنهم ينتظرون “وقفة لاستشراف المستقبل”، ويطالبـون بـ “قرارات علوية ترفع الحواجز وتطلق العنان لحوارات وطنية تعيد الحيوية للمجتمع والنخبة والمؤسسات”.   بل إن أحدهم ذهب إلى أكثر من ذلك عندما اعتبر أن تونس تنتظر “تغييرات واسعة تشمل الوجوه والأولويات والمشهد الإعلامي والسياسي”. أما الذين قرأوا التحوير الأخير قراءة إيجابية، فأكدوا بأن التجارب الســابقــة تفـرض “إعادة بناء العلاقة بين الأمن والسياسة”، وأن الحاجة أصبحت اليوم مؤكدة لتأسيس صورة خارجية جديدة تخرج تونس من وضعية “الاستثناء”، وتحول دون أن يصدق الآخرون كل ما يروج عنها بما في ذلك الإشاعات الأقرب إلى الخيال والأكثر بعدا عن الواقع المعاش.   (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 11 جوان 2006)


كرسي الإعتراف وكرسي الإنكار

إلى كل المناضلين و كل الخصوم تعالوا إلى كلمة سواء ” فأما الزبد فيذهب جفاءا ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض “

 

  عبدالباقي خليفة

العجب العجاب أن تدلي الإدارة ( الدينية ) في تونس بدلوها في قضية العدوان على القرآن الكريم في سجن برج الرومي مؤخرا ، إلى جانب السلطة التي دهنت شواربها كما يقولون ، فباعت دينها بدنيا النظام الحاكم ،و تخندقت معه في معركة القرآن التي يخوضها الشعب التونسي وطلائعه المناضلة ضد الفيئة الباغية على مقدساته واصفى وأنقى ما في ضميره الجمعي . وكنا نتشوف ونتطلع لموقف يوازي موقف الطاهر بن عاشور رحمه الله أثناء عدوان السلطة على حرمة شهر رمضان المبارك إبان حكم سلف النظام الحالي الحبيب بورقيبة . ولكن حق فيهم قول الشاعر “وما أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها ” أو قول الآخر ” نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا دين يبقى ولا ما نرقع “. وعبر متابعتي لما كتب حول هذا الموضوع من قبل الادارة ( الدينية ) الرسمية لم ألاحظ أي استشهاد بأية كريمة أو بحديث نبوي ، وإنما بمقولات مثل ” لا يستقيم الظل والعود أعوج ” وهي تنطبق على رأس النظام الحاكم أكثر من المعارضة والمعارضين .

كرسي الانكار : وهناك آخرون من باب ” رمتني بدائها وانسلت ” ساهموا على طريقة ” أولاد الحومة ” ولكن بأساليب بيئسة في محاولة اخفاء الجريمة ، بتوجيه الشتائم والسباب للمعارضة ، وضرب الامثال التي لا تنطبق على موضعنا شكلا ومضمونا . وإنما هي محاولة لتقليد بعض الكتاب الذين عابوا و انتقدوا و فضحوا ممارسات النظام الحاكم داخل الزنازين مع المساجين ،وفي الشوارع مع المناضلين ، وفي المهجر مع المهجرين وليس المهاجرين . ويذكرنا هذا بما قاله لي أحد الزملاء وهو نمساوي عن أحد البابوات القدامى الذي كشفته احدى الراهبات في وضع مريب ، فانقلبت بذلك راسا على عقب ، ثم صادف أن أحد التجار أراد الذهاب للخارج و ترك ذهبه عند تلك الراهبة ، و لما عاد طالبا أمانته أنكرت الراهبة معرفتها له ، فرفع الامر للبابا ، وقد أمر الاخير باجلاسها على كرسي الاعتراف داخل غرفة من زجاج ، وعندما وجه لها سؤال اين وضعت الذهب ، أجابت إني لا أسمع ، وكرر ذلك مرارا وبصوت مرتفع وهي تردد لا أسمع ، فأمر باخراجها من الغرفة ،وعندما سألها عن سبب عدم الرد على سؤاله ، قالت اجلس أنت على الكرسي وستتأكد بأن من يجلس عليه يفقد حاسة السمع ،و عندما جلس البائس على الكرسي ، وجهت له الراهبة السؤال التالي ، ماذا فعلت مع تيريزا ، وكان رد البابا : لا أسمع .

ولا شك أن الذين يجلسون على الكراسي في الادارة ( الدينية ) الرسمية في تونس لا يسمعون ، والذين يكتبون مكذبين جريمة الاعتداء على المصحف أو يحاولون إطلاق بالونات حرارية لتضليل ” قذائف الحق ” بتعبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ، و الذي له كتاب بهذا العنوان ،لا يسمعون ،فدهن الشوارب و الآذان والعيون بالرواتب والعلوات والامتيازات وبالترغيب والترهيب لا يجعلهم يسمعون ويستمعون للحقائق فحسب ، بل لضمائرهم ابتداءا و انتهاءا . فبينهم وبين ضمائهم مسافات و بون شاسع كما هو الحال بين الحقيقة والكذب .

والسؤال الذي كان على الجميع معرفة إجابته هو ( هل اعتدي على المصحف أم لا ) أما كون من قام بذلك مسلم حتى النخاع بتعبير أحدهم ، فهذا ما لم نسمع به أبدا ، كيف يكون مسلما من يركل المصحف برجله ، قطعها الله . ولن يرضينا ولا يرضي أي طرف يريد الحقيقة كاملة ناصعة واضحة ، القبول برواية النظام الحاكم ، وشهود الزور الذين لم يشاهدوا شيئا من ذلك . كان الاجدى ، والامر في غاية الخطورة كما يؤكد جميع الفرقاء ، أن تشكل لجنة من المساجين والرابطة التونسية لحقوق الانسان ،ومجمع الفقه الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي ، والحكومة التونسية ، للتحقيق في القضية . أما لملمة الموضوع والادعاء بأن شيئا من ذلك لم يحصل وأن الموضوع زوبعة أثارها بعض الناس في الخارج وغير ذلك ، فهي الاراجيف بعينها و المتاجرة بالدين ذاتها ، ولن تزيد الناس إلا ايمانا بما حصل فعلا في سجن برج الرومي .

استراتيجية النظام الخاطئة : لا يوجد هناك نظام حكم في العالم حاليا ، أغبى من النظام الحاكم في تونس اليوم ، فجميع الانظمة التي حاربت التوجه الاسلامي في المغرب والجزائرو سوريا ومصر ،صححت كثيرا من أخطائها و بقيت أخطاء أخرى نتمنى تصحيحها في القريب العاجل . وهذه الاخطاء هي الخلط بين التدين والحركات الاسلامية ، فجميع الحركات الاسلامية متدينة ، ولكن ليس كل المتدينين أعضاء في الحركات الاسلامية ، أو ينشطون في تيارات سياسية اسلامية .وقد أدرك النظامان في مصر وسوريا تحديدا هذه الحقيقة فعملا على تحييد ظواهر التدين في الصراع السياسي مع الحركات الاسلامية ، مع السماح بوجود نشاط ثقافي واعلامي للرموز الاسلامية من غير الاحزاب الاسلامية في الساحة الوطنية ، ومنها رموز معروفة بميولها الاسلامية الساطعة مثل الدكتور محمد سليم العوا ، والدكتور محمد عمارة ، بل بشخصيات معروفة بمواقفها المؤيدة للجماعات الاسلامية المقاتلة مثل المحامي منتصر الزيات ، حيث يتم استضافتهم في البرامج التلفزية للفضائية المصرية وغيرها من الفضائيات و المناشط داخل مصر ، و قد استطاع النظام المصري حصر خلافه مع الاخوان المسلمين في الاطار السياسي ، وهو ما نجد له صدى في سوريا في المدة الاخيرة . وفي الجزائر والمغرب هناك تطورات كبيرة حيث يجلس ممثلو الحركات الاسلامية جنبا إلى جنب مع ممثلي الحكومة لمناقشة قضايا الشعب دون أي حساسيات أو عقد سياسية و نفسية و ثقافية . أما معركة النظام التونسي ومن خلال ممارساته ، بعيدا عن تفتيش الضمائر ، فتدل على أن معركته مع الاسلام نفسه ، وليس مع تيارات أو حركات اسلامية . فلا نرى أي وجود للاسلام في مؤسسات الدولة ، بدءا بالادارات الخالية من المصليات ، وانتهاءا بالتلفزيون والاذاعة ،اللتان عششا فيهما المجون والخلاعة ، مع غلالة رقيقة من البرامج الحوارية ، و حصة دينية اسبوعية يتيمة ،ضعيفة وكيئبة .

كان على النظام أن يناقش المعارضة في مطالبها ، وأن يصحح أخطاءه بدل الاصرار عليها واخفاءها ، والتهجم على المعارضة والقاء اللوم عليها واتهامها بالعمالة ، والجميع يعلم من العميل المرتهن للخارج ، وأي خارج … هل نتحدث عن ” فرنسا الرسمية معنا ” عن الصهيونية التي ( أصبحنا أعضاء في تحالفها الدولي ) وسنضطر للحديث عن ذلك بالتفصيل – بعون الله – مستقبلا .

الظلامية وتحالف الاموات : تعالوا نناقش موضوع من يمثل دورالكنيسة والرهبان والقساوسة والمرحلة القروسطية بكاملها في تونس اليوم ، من يمارس الكذب والدجل ؟. من يمثل الظلامية بجدارة ؟ ، من يكفر من ؟ ألم يكفر النظام ،حركة النهضة المتهمة بممارسة السياسة ، وكأن السياسة ، حق إلهي مقدس ، حكر على العصابة الحاكمة ، كما كان الامر في القرون الوسطى . هل كفر الاسلاميون النظام الحاكم في تونس ، رغم أن ما يقوم به النظام في حالات كثيرة لا يفسر وفق مبادئ الاسلام نفسه سوى كونه من أعمال الكفر . كاستحلال الحرام وتحريم الحلال وانكار ماعلم من الدين بالضرورة . انتاج الخمور و بيعها ، و فتح مواخير الزنا في طول وعرض البلاد ، وأخذ الضرائب منها . منع النساء من ارتداء الحجاب ولا سيما الطالبات والعاملات والموظفات . منع الكتاتيب داخل المساجد . ( ترى ما موقف الادارة الدينية الرسمية من كل ذلك هل هو حلال زلال ) والقائمة طويلة . الناس بتعبير امرأة فلسطينية يأكلون الخوف و يشربون الخوف و ينامون خائفين في بلد يدعي نظامه زورا و بهتانا بأنه ( بلد الاعتدال و التسامح و الامان ) يا لها من جملة في حاجة إلى موسيقار لتلحينها .

ولا ندري من هو الظلامي في تونس ؟ أهو من يدعو إلى دولة الشعب أم إلى شعب الدولة ؟ من يقول تونس لجميع أبنائها أم من يمارس نظام الابرتايد ؟ من يقول نحتكم إلى الشعب وإلى صناديق الاقتراع أم من يحتكم فعلا إلى البوليس أو القوة وحالات الطوارئ غير المعلنة التي تخنق البلاد الآن . من يؤكد بأن المطالب الاساسية في تونس هي الحريات للجميع ، أو من يطالب بحرب اسئصالية ، حرب إبادة ضد مواطنين توانسة نبتوا و ترعرعوا في تونس لانهم ارتضوا لانفسهم طريقة حياة لا تعجب هيلاسيلاسي تونس و النازيين الجدد .

لن يدوم هذا العفن حتما ، كما لم تدم 70 سنة من الشيوعية وراء الستار الحديدي ، و كما انتهى نظام الابرتايد ، وكما زال حائط برلين . وهتافنا للجميع ، عودوا لشعبكم ، دعوا مائة زهرة تتفتح و مائة مدرسة تتحاور ، بتعبير ماوتسي تونغ بتصرف ( رغم إنه لم يطبق مقولته ) واتركو للانتخاب الطبيعي يعمل عمله ، فالحياة قائمة على الانتخاب الطبيعي والبقاء للاصلح .

يسأل البعض عن الضمانات ، العصر أكبر الضمانات ، العقد الاجتماعي والنظام الدولي يخدم طالبي الضمانات حتى لا يحصل انقلاب على الديمقراطية . النضالات أكبر الضمانات ، وطرد الخوف أكبر الضمانات ، وإذا غرقنا في سؤال الضمانات فلن تكون هناك ثقة في أي طرف سواء كان اسلاميا أو غير ذلك .

منتقدي المعارضة يخونهم التعبير دائما ، يصفونها بأنها ” تحالف للاموات ” مضحك جدا هذا التعبير ، إذا كان تحالفا للاموات لماذا أقض مضجعكم ؟ لماذا اصطففتم في طابور التزمير والطبيل للنظام على وقع أقدام الموتى الاحياء ، بدل الاحياء الاموات مثلكم ،  بتعبير باولو فرايري في كتابه ” الموت الحي ” .


 

إهانة الحجاب والمصحف في تونس: المرجعيات الدينية والسياسية الإسلامية والكيل بمكيالين

المرجعيات الإسلامية ومن ورائها الشعوب الإسلامية لم تدّخر جهدا في التنديد بالقانون الفرنسي المانع لارتداء الرموز الدينية (منها الحجاب وهو المقصود ابتداءا) في المدارس و المعاهد الثانوية وذات المرجعيات نفسها وذات الشعوب نفسها لم تدخر وسعا للتنديد بتدنيس المصحف في المعتقالات الأمركية في العراق وفي أفغانستان وفي جوانتنامو ونفس المرجعيات والشعوب احتجت على تعذيب المعتقلين في العراق وفي جوانتنامو ونفس المرجعيات احتجت وأقامت الدنيا ضد الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام والسؤال الذي يُطرحُ : بالنظر إلى ماذا نُدين ونَستنكر ونَحتج ونُقاطع؟ هل بالنظر إلى المقدسات المُعتدَى عليها أم بالنظر إلى المُعتدِي؟ هل ندّدنا واحتججنا وقاطعنا لأن القرآن دُنّس والرسول صلى الله عليه وسلم أُهين أم لأن الدانمارك والولايات المتحدة هي التي أَهانت واعتدت؟ واقع الحال يقول نعم ونكل إلى الله النيات؟ فالحجاب ممنوع في تونس منذ عشريــن سنة ، عشريــــن سنة، والقرآن مزّق وعُبث به وأُهين ألف مرة في سجون تونس وفي مكاتب التحقيق التونسية لذالك وجب علي شكرالإخوة القائمين على العريضة. أدعو الله لكم بالتوفيق وبارك الله فيكم، واسمحوا لي بهذه الكلمات المطلوب الآن ليس فقط اعتماد الحالة الأخيرة كقاعدة للإحتجاج بل تعديها إلى جمع الشهادات الموثقة عن أهانة المصحف ومنع الحجاب من أجل إثبات إعتيادية هذه الممارسة الشنيعة من طرف النظام التونسي  واثبات التعدي على المعلوم من الدين بالضرورة المطلوب اليوم الخروج من الإنطوائية القطرية (التي تطفوا جلية إلى السطح بمجرد قراءة الأسماء) ومخاطبة جميع المسلمين والهيئات والمؤسسات العالمية المطلوب إحراج المرجعيات الإسلامية (شخصيات وهيآت) من أجل أن تثبت مصداقيتها وقدرتها على توجيه الرأي العام الإسلامي وتحققوا أنكم لو صبرتم وواصلتم فالله سيوفقكم فهو الذي ينصر دينه ورسوله وقرآنه. وأسوق لكم دليلا على ذلك أن كل التحركات المصاحبة لاظراب 18أكتوبر ومع أنها كانت تحت مشاهدة ومتابعة عالمية  إلاّ أنها لم تتسبب حتى في إقالة شرطي بينما ” طار” مدير الأمن لمجرد تسرب الخبر إلى الإعلام وذلك قبل أي تحرّك لأجل هذه القضية أما إسلاميو تونس فقد رأيناهم مضربين عن الطعام ومحتجين ومنظمين للجان المساندة إسنادا لحركة 18 أكتوبر لكنهم الآن اكتفوا بالتنديد في البيانات وفي عريضة. أما إضرابات الجوع المساندة فقد غابت هذه المرة؟ وكذالك التضاهرات الإحتجاجية ؟ فهل عجزنا حتى على إقامات تجمعات أمام السافارات التونسية أو أمام سفارات السعودية أو التمثيلية الدبلماسية لرابطة العالم الإسلامي أو سفارات الدولة التي لها رئاسة الدورة الحالية لرابطة العالم الإسلامي؟  فهل نجوع ونساند لقضايا سياسية ولا نجوع ولا نشّهر ولا نساند إحتجاجا على مقدساتنا؟  وهل يرجع ذلك لأننا في الغرب العلماني ولا نستطيع أن نتحرك على مثل هذه المطالب؟  أم هل نخاف أن نخسر بعض الوجوه الغربية التي تساند قضايا الحريات في تونس على أساس لاديني؟  هل هذا هو ثمن الإقامة في الغرب؟  أم أننا نخاف أن نخسر أحزاب المعارضة التونسية التي نريد أن نطمئنها أننا لن نحتكر الشارع التونسي على أساس ديني من جديد؟ أم أنّ من بدأ بجمعية المحافضة على القرآن الكريم أصبح القرآن ليس على رأس أولوياته؟؟؟ إقالة القنزوعي ومن قبلها تراجعُ وزير الشؤون الدينية عن تصريحه ومن قبله تصريح رئيس الدولة أن حكومته لم تمنع الحجاب والآن تصريحات تكذيب الخب، هذا مع أن المجتمع الدولي لم يدافع عن هذه القضية، بل الشارع هو من فرض هذا التراجع في حين أن القضايا الحقوقية مسنودة من الهيئات والجمعيات الدولية ومع ذلك لم تحقق تراجعا في سياسة الدولة. هذا يدل على أن النظام أصبح شديد الحساسية للقضايا الدينية ويدرك أنها هي فقط من تهدد ملكه. وربما يحتاج هذا الأمر إلى مزيد تحليل وتدليل ليس هذا وقته. لكن في هذا المقام نسجل دهشتنا أمام تراجع الإسلاميين عن الدفاع عن قضايا دينية بمثل الحجم الذي تدافع به عن قضايا الحريات والمساجين؟؟؟  وأمام هذا التراجع الذي أعدّه تقصيرا وسوء تقدير أساسه ترك الفرصة للمعارضة العلمانية لأن مطالبها مطالب الإسلاميين وتحقيقها يحقق أهداف الإسلاميين المتمثلة في إطلاق سراح المساجين وعفو تشريعي عام. بل المؤسف أنه مع هذا التراجع تطلع علينا عريضة العفو المقدمة لسيادة الرئيس؟؟؟ ومن يصوغ مطالب العفو عن المساجين ومن يمضي على تلك العرائض، هل صمتهم عن إهانة المصحف ومضايقة المحجابات يندرج في إطار المقابل؟؟؟ أم في إطار ترتيب الأولويات؟؟؟ إن تنصروا الله ينصركم فاسألوه الثباة والتوفيق في الدنيا والآخرة لا أفهم كذلك لماذا الجمعيات الحقوقية تدافع عن المساجين وانتهاك الحرمة الجسدية ولا تدافع عن حرية المعتقد واللباس مع أن كل هذه الحقوق مدرجة مع بعضها في نفس المواثيق والقوانين الدولية والدستور التونسي والدساتير الغربية ؟ بعض الساسة الغربيين ومنهم الدانماركييون إبان أزمة الرسوم قالوا أن الحكومات العربية منافقة لأنها تنتهك حقوق الإنسان في بلادها وتطالب بها في بلادنا. والنظام التونسي يقول أمريكا تنتهك حقوق الإنسان فلماذا تنظرون إلينا نحن فقط ؟ ثم يقول لنا مقارباتنا واجتهاداتنا وحققنا خطوات ونطمح إلى أخرى فتساهلوا معنا في الزمن. ومرجعياتنا الإسلامية تدين الغرب ولا تدين حكام تونس علـــى معلومَيــن من الدين بالضرورة ؟؟؟ فهل لهم أيضا مقارباتهم واجتهاداتهم وحققوا خطوات ويطمحون إلى أخرى ويحتاجون زمنا ؟؟؟ هل نفهم هذا على أساس النسبية في الأحكام والبراجماتية والحنكة والدهاء وترتيب الأولويات أم نسلم بأننا في فتنة يصبح فيها الرجل مسلما ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسي مسلما ؟؟؟   التاريخ روى لنا صبر أحمد ابن حنبل*رحمه الله، أمام إرهاب الدولة، منفردا مع قلة من تلاميذه  في وجه المأمون والمعتزلة من وارائه في ما يعرف بمحنة خلق االقرآن وقد سجن من أجل ذلك رحم الله أحمد ابن حنبل وغفر له فمِثَاله أحرجنا في التماس الأعذار لعلمائنا المعاصرين ودّ الريّس


 

لا يوقظ الغافلين إلا الكلام الصادق

حبيب الرباعي   الزنزانة الأولى والثانية في دهاليز الداخلية لا تتسع لأكثر من معتقلين لكل واحدة منهما مع شيء من الضيق، وعندما تكون درجة الحرارة عالية خارج المعتقل، فإن الوضع داخله يتحول إلى جحيم لسببين:
ـ ارتفاع درجة الرطوبة داخل الغرف والزنازين. ـ أن المتنفس الوحيد للغرف التسعة مجتمعة والتي تضم في بعض الأحيان الـ 150 معتقلا، عبارة عن شباك حديدي مثبت فوق الباب الخارجي للدهليز على مسافة بعيدة من الغرف.   في صائفة سنة 87 وفي جو مناخي ملتهب، فتح ضابط من ضباط الداخلية الباب على أخوين في الزنزانة الثانية، لتجديد الهواء، أو قل لإدخال هواء بدرحة أقل مما هو عليه في الزنزانة. وقد عُـرف هذا الظابط بقسوة قلبه وشدة مراسه على الإخوة، وانغلاق عقله على قناعة واحدة وهي أن كل من يحتجز داخل تلك الغرف مجرم لا يستحق إلا القتل لتخليص المجتمع منه ومن فساده. وقد يكون معذورا في موقفه هذا، لأن الذين مروا أمامه طيلة السنوات التي قضاها هناك، كانوا ممن خانوا البلاد والعباد، أو ممن ارتكبوا جرائم كبرى…..، ثم إن الإعلام لم يدخر وسعا ـ ساعتها ـ في تجريم الإسلاميين والحكم عليهم قبل أن يقول القضاء كلمته. وذلك حال المجتمعات التي تتبعثر فيها المسؤوليات ولا يقوم فيها نظام ثابت وواضح، فيصبح الصحفي فيها قاضيا، والقاضي شرطيا يحمي السلطة، والشرطي المكلف بحفظ أمن المواطنين والسهر على سلامتهم، حارسا شخصيا لعائلة حاكمة وهكذا… .   فتح الضابط إذا الباب على الأخوين، لشحن الزنزانة بكمية من “الأوكسيجين” ليس لهم غيرها لباقي يومهم وليلتهم، وقد كان بيده فنجان قهوة يترشفها.   كان في الغرفة أحد قيادة “حركة الإتجاه الإسلامي” مضطجعا على أرضية الغرفة، وقد أقعدته كثرة الأورام والجروح التي أصابت جسده الطاهر النقي، في فترات التحقيق والتقرير على ما فعل وما لم يفعل وما فكر فيه وما لم يخطر بباله.   قال الضابط بلهجة الغاضب المتشنج: لقد أصبحنا لا نرى أبناءنا ليلا ولا نهارا بسببكم أنتم. وكانت ملامح هذا الضابط مخيفة بحيث لا يجد كثير من الاخوة المعتقلين الطاقة للحوار معه ولا مع من هم على شاكلته.   جلس الأخ وقال له في هدوئه المعهود: نعم، أنا أوافقك تماما على ما قلت، فأنت بسببنا تجمع الليل بالنهار في عملك، بطريقة غير معهودة لديك ولدى زملائك، ولكن أريد أن أضيف لك شيئا آخر غاب عنك طيلة هذه المدة وهو أني وإخواني الموجودين هنا، وقد تحملنا ونتحمل كل ما رأيت وترى وسمعت وعاينت، هو بسببك أنت.   قال الضابط: وكيف ذلك؟!! أليست أعمالكم هي التي قادتكم لما أنتم فيه؟!!   أجاب الاخ : أذكرك بما تعرفه أكثر مما يعرفه الملايين من التونسيين. فأنت على يقين من أن المستويات العلمية والوظائف التي يتقلدها العشرات من الرجال الموجودين في هذا المكان، ليست بالوضيعة ولا المتدنية، وأنت تعلم علم اليقين أن هؤلاء ليسوا بمجرمين ولا قتلة، وأنهم يزهدون في الأموال الزائدة التي يمكن أن يحصلوا عليها بعرق جبينهم من ساعات عمل إضافية، ـ كما يفعل العديد من التونسيين ـ، لا لشيء سوى توفير وقت أكثر للنشاط الدعوي. ولعلمك فإن راتبي يساوي ضعف راتبك يقينا. ثم سأله: “قلي بكل صراحة كم هو راتبك”؟ .   أجاب الضابط بعد تردد أنه يبلغ “كذا” من الدنانير.   قال الأخ: إذا خصمت من راتبك الإيجار والكهرباء والماء والنقل والأكل واللباس لكل أسرتك. فهل يبقى من راتبك مبلغ يمكن جمعه مع غيره لتكوين رأس مال، يفتح لك آفاقا للتوسع في حاجياتك الأساسية؟   ثم أردف قائلا: قارن الآن وضعك المادي المحدود، الذي له انعكاس بلا شك على وضعك العائلي والنفسي، بما يرفل فيه رئيس قسمك “فلان” من نعيم. فأنت تعرف سيارة الـW BM الخاصة بالشغل والـ MERCEDES التي يملكها ملكا خاصا، وأنت تعرف أيضا قصره الموجود في “سكرة”، كما لا يخفى عليك أن له العديد من العقارات والأملاك الأخرى، فماذا يزيد عليك هذا الضابط السامي، وأنا أعرف مستواه العلمي، وأعرف الدرجة العلمية المطلوبة في مثل وظيفتك، وهي أعلى من تحصيله العلمي. ثم انظر بعين العقل هذا النموذج الذي قدمته لك، وجعلتك أحد أطرافه وأنت تعرف تفاصيله أكثر مني، هل ترى فيه شيء من العدل في توزيع الثروة على مستحقيها؟. ولك بعد ذلك أن تقيس هذا الوضع على عدد لا حصر له من الحالات المشابهة في الإدارات والمؤسسات الخاصة والعامة في بلادنا.   إن من مطالبنا أن ينعم الناس بالعدل. وعندما قصرت همتك وزملائك على المطالبة بالحق والعدل في تنظيم شؤون البلاد، قامت هذه الفئة وأنا منهم بهذه المهمة، ونحن جميعا نعلم الضريبة التي سندفعها، ولو أردنا الدنيا وسعينا لها سعيها مثلكم، لكنا أحق بما تتولونه من المناصب وأهلا لها. فهل علمت الآن أنك تعاني بسببي وأنا أعاني بسببك، مع اعتبار الفارق.   أغلق الضابط الباب دون أن يتلفظ بكلمة، ثم عاد بعد هنيهة بفنجان من القهوة وقال لأخينا “خذ ترشف”.   إستخلاصات:   ـ لقد علم أخونا الفاضل هذا الضابط المسكين ـ رغم الدور الذي يقوم به هذا الأخير في البلاد ـ أن مشكلته أكبر من الساعات الزائدة المفروضة عليه في عمله. وأن مشكلته الحقيقية، تكمن في منهجيته الخاطئة في تحديد دائرة التحديات التي تعترضه في حياته وتشخيص أسبابها.   – أن شعوره بالمسؤولية تجاه أبنائه ضعيف، لأنه لا يتجاوز المشاعر الأبوية الغريزية، حيث عبر عن غضبه ممن تسبب له في قلة تواصله مع أبنائه، وكان الأحرى به أن يفكر في مستقبلهم الذي يُصنع أمام عينيه بطريقة غير عادلة ولا معقولة وقد نسي أنه أول خادم للحيف الذي ينتظر أبناءه وأحفاده. ـ إن مهمتنا الرئيسية أن نجعل فكرنا الذي لم يتضح إلا لأقلية من المجتمع، إلى فكر للأغلبية المشغولة بتحصيل لقمة العيش.   ـ هذا الضابط مثال واقعي لمئات الآلاف من أمثاله، من الذين جمّدوا عقولهم على معلومات لُقنوها بوسائل مختلفة، اختصت بتلبيس الحق بالباطل. وحُرموا مقابل ذلك من ثقافة مرجعيتها أصول الدين المعتبرة، تسمح لهم بمرونة كبيرة في قراءة الأحداث والوقائع، ومركزة على اجتناب الخلط بين السبب والمسبب والشرط والمشروط. ولقد ساهمت مناهج التعليم ووسائل الإعلام والبرامج الثقافية المعتمدة في تونس على صياغة عقل المواطن التونسي على نحو شبيه “بالحاسوب” الذي لا يستطيع إضفاء تحسينات على البرامج إن كانت قاصرة، ولا يهتم بالمدخلات إن كانت خاطئة.   ـ الإنسان عدو ما يجهل ـ كما قيل ـ وقد كان ولا يزال التجهيل سياسية معتمدة لكل من أراد الهيمنة على رقاب الناس. ولو تأمل كل الدعاة والغيورين على الإسلام حركة التجهيل التي تتوخاها كثير من الأنظمة المستبدة في أمتنا الإسلامية وما حققته من استعباد حقيقي لشعوبها، لقالوا هذه هي ساحة النزال ولن نتركها لهم فسيحة ليدمروا الأخضر واليابس، بل لا بد من المواجهة بالكلمة والقلم والبيان والخطاب والدرس …   ـ إن المعدات التي نحتاجها في صراعنا الحالي لا تتجاوز فتح عقول الناس لكي يكثروا من التساؤل بعمق حول ما يحدث في محيطهم، لأن التخلف والبساطة في التحليل، والركون لمقولة طرف واحد في قضايا محل نازع بين أطراف مختلفة، لا يمدهم إلا بأجوبة وهمية.   ـ إننا بحاجة إلى تنزيل قاعدة “لا تقل كل ما تعرف ولكن اعرف ما تقول”. لأن كثيرا من الكلام الذي يقال يصدق فيه قول القائل “تكلم كثيرا ولم يقل شيئا” وقد لاحظت أن أخانا اختار كلمة أولى شدت انتباه الضابط وهي”وأنا هنا من أجلك” ثم قدم له مثالا بسيطا تفاعل معه بسرعة، وهذه من الأساليب الجيدة في الحوار خاصة مع أناس ليس لهم وقت ولا رغبة كبيرة في الاستماع إلى مخالفيهم أو بالأحرى مخالفي متبوعيهم. “أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم” قيل أنها مقولة فرنسية، ولكننا نجد أصل هذه القاعدة في كتاب الله تعالى، قال تعالى: قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ {18} وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ {20} فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ {21} وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ {22} وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مليئة بمثل هذه الطريقة من الحوار. ويمكن لكل داعية أن يدرب نفسه على مثل هذه الطريقة الناجعة من الحوار.   ـ وليت الغيورين على دين الله في زماننا، يدركون أن أكبر خدمة يقدمونها لأعداء الإسلام، هي إطلاق رصاصة ولو في الفضاء، لكي تشتغل الآلة الإعلامية في حرب لا هوادة فيها حول قضية الإسلام والإسلاميين والإرهاب. وليتهم يدركون أيضا، أن أخطر شيء على الأنظمة العربية والإسلامية هو استعمال الكلمة الصادقة التي تنفذ في مكان ما في مخ الإنسان فتحركه 180 درجة ليتحول من واقف على رأسه مغمى عليه من شدة الإرهاق، إلى واقف على قدميه تشتغل كل حواسه ـ مداخل إدراكه ـ بطريقة سليمة وفاعلة، وهو ما فعله أخونا، بل إن كل إخواننا الذين اعتقلوا وعذبوا وشردوا، لا جرم لهم سوى استخدامهم لسلاح يشعر خصومهم أنه غير متكافئ مع سلاحهم، فمن أين لهم بأن يأتوا بسلاح الحجة بالحق؟ وهم لا يملكون سوى سلاحا ناريا فتاكا.   ـ إذا كنا نرى أن الخوف هو مجرد شعور ينتاب الإنسان مما سيحدث في المستقبل، فإن الخوف لدى الساسة، يمثل جرعة من التسكين والتخدير للشعوب، أثبتت التجارب عبر العصور نجاعتها، ولكن هل يمكنهم تخويف الناس من إنسان يقول: “أنا لدي فكر أريد عرضها على الناس، ولا أطلب منهم سوى الإستماع إليها، فإن قبلوها فقد أصبحنا فيها شركاء، وإن رفضوها فالمراهنة على العقول التي تقارن الأفكار فيما بينها فتختار الأصوب والأصلح والأعدل والأرفع لكرامة الإنسان”؟   تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   (المصدر: موقع “الحوار.نت بتاريخ 11 جوان 2006)


إلى خنساء القدس .. إلى الحمامة المفجوعة : هديل

ما ينبغي لكل حر من أمة العروبة والاسلام خاصة نسيان أو تجاهل أخصب أعراس الشهادة فوق الارض المباركة : فلسطين . لن يزال يوم التاسع من حزيران يونيو محفورا في الذاكرة رغم ثقوبها الكثيرة عاما بعد عام حتى يتخلص الاقصى من بطش بني صهيون ومن والاهم من عرب وعجم . في ذلك اليوم من عام 2006 إقترف الاحتلال الاسرائيلي أشد الجرائم بشاعة وفظاعة إذ عمد إلى إغتيال ثلة من الابرياء على بعض شواطئ غزة ومنهم سائر عائلة الطفلة الصغيرة اليافعة هديل : قتل أباها وأمها وأخويها في وضح النهار على مرأى ومسمع منها ومن الناس أجمعين يتابعون المشهد الاليم من خلال الفضائيات التي تنقله مباشرة .

ألا فيخسإ أزلام التطبيع مع الكيان الصهيوني كما  خسئ  من مسخهم الله قردة وخنازير:

ألم يكن ذلك اليوم الدامي الذي فقدت فيه اليتيمة هديل في لحظة بهجة على الشاطئ عائلتها بأسرها … كافيا لحمل القردة والخنازير من حكامنا الذين يفرضون علينا التطبيع رغم أنفنا على طرد ممثلي الاحتلال الاسرائيلي سواء من سفاراتهم وقنصلياتهم أو من مفوضياتهم الثقافية أو من أي مستوى آخر من مستويات التمثيل الذي يبحث له أولئك القردة والخنازير عن كل الحيل لارضاء الصهاينة والامريكان ؟

ألم تلتزم كل حركات المقاومة في فلسطين حرفيا بالهدنة المبرمة مع ذلك الكيان اللقيط على مدى الاشهر الطويلة الماضية رغم نقضها من لدن الخونة مرات ومرات ؟

إذا كان مفهوما لدى أولئك القردة والخنازير من حكامنا الذين يفرضون علينا التطبيع رغم أنفنا نكاية وتشفيا .. بأن إغتيال الشهيد أبي سمهدانة ـ عليه رحمة الله سبحانه ـ في ذات الفترة يندرج ضمن الصراع وخديعة الحرب لكونه مسؤولا أمنيا رفيعا …

إذا كان ذلك عند أولئك ـ دون غيرهم ـ مفهوما أو مقبولا فكيف الشأن مع إغتيال الابرياء وليس من دليل على براءتهم أقوى من كونهم يستمتعون بنعمة البحر وشواطئه فرارا من لظى القيظ ؟

بأي حق تيتم الطفلة الصغيرة اليافعة هديل ؟

بأي حق يحتفظ أولئك القردة والخنازير من حكامنا بمبعوثي العدو الصهيوني والامة بأسرها في حالة حرب مفتوحة معه دفاعا عن الارض . وأي أرض ؟ الارض الوقف . الارض المباركة . الارض التي هي جزء من عقيدتنا وركن من تاريخنا وشرط في عزتنا وشامة في حضارتنا . الارض التي لولا ظروف الاحتلال لكانت محجا لنا نشد إليه الرحال كما نشده إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة . الارض التي فتحها عمر وحررها صلاح الدين وسلمها أولئك القردة والخنازير ـ أمواتا وأحياء ـ بثمن بخس دراهم معدودة إلى أنذل عدو وأرذل خصم .

إذا كان سبحانه قد مسخ فيما مضى نفرا من بني إسرائيل لفرط كفرهم وعدوانهم قردة وخنازير مسخا ماديا فإني لا أشك لحظة في كونه سبحانه قد مسخ حكامنا الذين يسترضون الصهاينة المحتلين لاقدس أرض وأطهر عرض إلى قردة وخنازير عملا بالقانون الالهي الصارم ” أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ” .

لا يختلف المسخان سوى في كون المسخ الاول كان مسخا ماديا حقيقيا أما المسخ الثاني فهو مسخ روحي معنوي نفسي . أم هل تجد ـ حين تحدث نفسك في لحظة صراحة داخلية قحة ـ عشر معشار من بعض عذر لحكامنا الذين يحتفظون بالتطبيع في أي مستوى من مستوياته بعد يوم التاسع من حزيران يونيو : ذلك اليوم الذي هز الامة بأسرها هزا عنيفا وهي تتابع متابعة مباشرة حية بالصوت والصورة لفاجعة هديل في أبويها وأخويها وما نقموا منها سوى لانها فلسطينية عربية مسلمة .

 أيتها الحمامة المفجوعة لا تكفي عن الهديل لعلك تدركين بشارة النبي الجليل :

كلمة أخيرة للقردة والخنازير من حكامنا الذين يحتفظون بالتطبيع الصهيوني بعد اليوم : إذا كان النبي محمد عليه السلام قد نهى عن فجع الطائر في ولده ” من فجع هذه في ولدها ؟ ” رحمة بكل ذات كبد حرى رطبة فكيف تسترضون الصهاينة المحتلين الغادرين بعد ما فجعوا الطفلة الصغيرة اليافعة هديل في والديها وأخويها بدون ذنب إقترفته سوى ذنب الاستجمام على شاطئ البحر في موطنها غزة ؟ أيهما أولى بالصون : الطائر أم الانسان المكرم  يا من تكرمون الانسان الصهيوني القاتل السفاح وتوغلون في إهانة أمة هديل ؟

لا تكفي عن الهديل يا هديل لان الله سبحانه إختارك لتكوني خنساء فلسطين رغم صغر سنك .

لا تكفي عن الهديل يا هديل لان دموعك الحرى سيجعل منها سبحانه صواعق مدمدمة .

لا تكفي عن الهديل يا هديل لان بشارة نبيك محمد عليه السلام بتحرير فلسطين أذن سبحانه لانطلاق ضربة بدايتها في إثر أول قطرة من القطرات الزكية الندية لابويك وأخويك وفي إثر أول قطرة من قطرات دموعك .

لعلك تشهدين في حياتك يا هديل بذات عينك التي أبكت ببكائها أمة بأسرها ذات جنود البغي الصهيوني ومن يخلفهم يوم تسعر الارض من تحت أقدامهم نارا تلظى والسماء من فوق رؤوسهم حمما تدمدم يفرون مختبئين تحت كل شجر وحجر وبيت من وبر ومدر فيسخر سبحانه الشجر والحجر جندا من جنده ليقول بملء فيه ” يا عبد الله يا مسلم إن ورائي يهوديا تعال فأقتله “.

أملي في الله يا هديل أنك ترين ذلك المشهد بأم عينك التي شهدت به مصرع أبويك وأخويك .

يقيني في الله يا هديل أن ذلك اليوم آت لا ريب فيه .

لاجل ذلك كله لا تكفي عن الهديل يا هديل بل إملئي الكون هديلا ثم إرهفي السمع لتكتشفي أن كل حمائم الكون الواسع الفسيح تملأ الدنيا معك هديلا .

هديلك يا هديل أوجع على الصهاينة من هديل نيران المقاومة تنشر العز بعد ذلة .

الهادي بريك ــ ألمانيا


استراحة الأسبوع مع القسم الثالث من ” الأذكار “

 

 

كتبها: عبدالحميد العدّاسي 

 

هل هناك عناء نستريح منه اليوم في استراحة الأسبوع؟!

 

نعم عناء كبير بسبب ما يلحقنا دائما من فعل ” المغيّرين ” في البلاد، وقد سلّطوا زبائنهم على الحقيقة يشبعونها تشكيكا وانحرافا.

فالحديث عن الاعتداء على حرمات الله ( حادثة الاعتداء على المصحف الشريف ) ليس عندهم إلاّ انحرافا من الاسلامي، فهو يناصر اليساري والماركسي دون حرصا منه على المبادئ، أو نفاقا من اليساري والماركسي للإسلامي الذي كان بالأمس القريب ألدّ أعدائه دون حرصا منه كذلك على التوقّف عند الفكر ” المتحجّر ” والظلاميّة وموضوع الحدود وغيرها ممّا يؤرّق في العادة هذا الفريق. فيما انطلق بعضُ من انتسب إلى الصفّ الإسلامي ونأى بنفسه عن المغيّرين يزن مقادير الغيرة على القرآن الكريم فيقدّم هذا ويؤخّر ذلك نتيجة سلوك أصاب سويداء مزاجه أو سلوك أخطأها، ثمّ لا يتردّد في إصدار الترتيب النهائي لهؤلاء الغيورين دون انتباه منه إلى أنّ ربّ القرآن هو الوحيد العالم بما في الصدور ولو قيست الأمور بالسبق الإعلامي أو بالعرائض، أو قيست بتعبيرات الحزن أو بتعبيرات الفرح والاحتفال بالمناسبات لاختلّت الموازين، ولكنّ الله لا يغفل سبحانه وتعالى عن الميزان.

 

هناك عناء أيضا ممّا يُقرأ: فهذا يتناول سيرة رجل فيشرّحها مجانا للقرّاء، منذرا من سوء سماعه أو الاقتناع بكتاباته، خشية أن نتزيّى بجُبنه الذي أطنب هو في بيانه. وذاك يرسل كعادته فائدة يسمّيها بـ” أحسن إيمايل “، يلزمك قبل قراءته بقسم كي يشعرك بعد لحظة أنّك كنت مغفّلا لمّا أقسمت فيملي عليك فيما بعد شروطه دون حَراك منك… وهناك في جناح الأسرة فتاة تونسية تشبع أباها ضربا لتجرّئه على معاتبتها من أجل السهر حتّى الفجر خارج البيت دون أن يقدّر ولعها بالمساهمة في دفع عجلة الاقتصاد التونسي بما تحتسي من خمر ودون أن ينتبه إلى حرصها على تلميع صورة البلاد بإعطاء الفكرة ” الصحيحة ” عن المرأة ” المتفتّحة الناضجة “. وأمّا فلسطين فيكفينا منها صرخات هُدى غالية التي انطلقت أوّل أمس الجمعة من على رمال غزّة السجينة، وأمّا العراق والصومال والسودان وأفغانستان وغيرها من بلاد الإسلام فحِملها يثقل الكاهل وعناؤها كبير على كلّ مسلم غيور على حرمات الله…

 

فهل نحاول إذن الاستراحة… الأمر صعب، ولكن لنحاول جاهدين مع القِسم الثالث من كتاب الشيخ النووي رحمه الله وأعلى منزلته الأذكار، وأتوقّف قبل ذلك – مع رجاء الصبر على التطويل – مع هذه اللّطيفة: قال علماؤنا ( وأنا أحبّذ هذا ): يستحب لكاتب الحديث إذا مرّ بذكر الله عز وجل أن يكتب: عزّ وجلّ أو تعالى أو سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جلّ ذكره أو تبارك اسمه أو جلّت عظمته أو ما أشبه ذلك، وكذلك يَكتب عند ذكر النبى صلى الله عليه وسلم، صلّى الله عليه وسلّم  بكمالهما لا رامزا إليهما ولا مقتصرا على أحدهما. قلت: وعلينا في هذا الباب بالذات الانتباه إلى أنفسنا وإلى تقصيرها المجحف في الصلاة والسلام عليه صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك يقول فى الصحابى رضى الله عنه، فإن كان صحابيا ابن صحابي قال رضى الله عنهما وكذلك يترضّى ويترحم على سائر العلماء والأخيار ويكتب كل هذا وإن لم يكن مكتوبا فى الأصل الذى ينقل منه فإنّ هذا ليس رواية وإنّما هو دعاء، وينبغى للقارىء أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكورا في الأصل الذى يقرأ منه ولا يسأم من تكرار ذلك. ومن أغفل هذا حُرِمَ خيرا عظيما وفوّت فضلا جسيما.

 

القسم الثالث من كتاب الأذكار:

 

باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء:

 

اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث و الخبائث. و ينهى عن الذكر و الكلام على الخلاء.

 

باب ما يقول إذا خرج من الخلاء:

 

غُفرانك، الحمد لله الذي أذهب عنّي الأذى و عافاني.

 

باب ما يقول على وضوئه :

 

         بسم الله الرّحمن الرّحيم. في أوّل الوضوء.

 

         اللهمّ اغفر لي ذنبي و وسّع لي في داري و بارك لي في رزقي. بين ظهراني الوضوء.

 

         أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، اللهمّ اجعلني من التوّابين و اجعلني من المتطهّرين، سبحانك اللهمّ و بحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك و أتوب إليك. بعد الفراغ من الوضوء. وأمّا ما صاحب الأعضاء من أدعية خلال الوضوء فلا أصل له.

 

باب ما يقول إذا توجّه إلى المسجد :

 

اللهمّ اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل لي في سمعي نورا، واجعل لي في بصري نورا، واجعل لي من خلفي نورا ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا و من تحتي نورا، اللهمّ اعطني نورا.

 

باب ما يقول عند دخول المسجد و الخروج منه :

 

         بسم الله، اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، اللهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرّجيم. و يكون الدخول بالرّجل اليمنى.

 

         بسم الله، اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، اللهمّ اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب فضلك، ( أو قال: اللهمّ إنّي أسألك من فضلك )، اللهمّ أعذني من الشيطان الرّجيم ( أو قال : اللهمّ إني أعوذ بك من إبليس و جنوده ). و يكون الخروج بالرّجل اليسرى .

 

باب ما يقول إذا فرغ من المتابعة في جميع الأذان :

 

يصلّي على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ( الصلاة الإبراهيميّة )، ثمّ يقول: اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة والصّــلاة القائمة، آت محمّدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. ثمّ يدعو بما شاء، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ” ثنتان لا تردّان، أو قلّما تردّان: الدّعاء عند النّداء وعند البأس، حين يلجم بعضهم بعضاسنن أبي داود بإسناد حسن .

 

باب ما يقول بعد ركعتي سنّة الصبح :

 

         اللهمّ ربّ جبريل و إسرافيل و ميكائيل و محمّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أعوذ بك من النّار. ثلاث مرّات.

 

         أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم و أتوب إليه. ثلاث مرّات .

 

باب ما يقول بعد تكبيرة الإحرام :

 

         الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، وجّهت وجهي للذي فطر السمـــاوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلاّ أنت، أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت، و اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت، و اصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلاّ أنت، لبّيــك وسعديك والخير كلّه في يديك، والشرّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تبــــــاركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

         اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهمّ نقّني من خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهمّ اغسلني من خطاياي بالثّلج و الماء و البرد.

 

 

باب ما يقول في رفع رأسه من الرّكوع :

 

ربّنا لك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثّناء و المجد، أحقّ ما قال العبد، و كلّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ. ( أي لا ينفع صاحب الغنى عندك غناه و إنّما ينفعه العمل بطاعتك، ومنك معناه: عندك ) .

 

ما يقول عند سجود التّلاوة :

 

 

         اللهمّ اجعلها لي عندك ذخرا وأعظم لي بها أجرا، وَضَعْ عنّي بها وزرا، وتقبّلها منّي كما تقبّلتها من داود عليه السّلام. سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا.

 

         سجد وجهي للذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوّته، فتبارك الله أحسن الخالقين.

 

باب ما يقول في رفع رأسه من السّجود و في الجلوس بين السجدتين :

 

ربّ اغفر لي وارحمني واجبرني، وارفعني وارزقني واهدني. و اعلم أنّ جلسة الاستراحة سنّة صحيحة ثابتة في صحيح البخاري وغيره من فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ومذهبنا استحبابها، قاله الإمام النّووي الشّافعي.

 

باب القنوت في الصبح :

 

– اللهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، و بارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، فإنّك تقضي ولا يقضى عليك، وإنّه لا يذلّ من واليت، تباركت ربّنـــــــا وتعاليت.

 

–  اللهمّ إنّا نستعينك، ونستغفرك ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع من يفجُرك، اللهمّ إيّاك نعبد، ولك نصلّي و نسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إنّ عذابك الجدّ بالكفّار ملحق. اللهمّ عذّب الكفرة الذين يصدّون عن سبيلك، ويكذّبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألّف بين قلوبهـــــــم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، و ثبّتهم على ملّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأوزعهم ( أي مكّنهم ) أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم، إله الحــــــقّ واجعلنا منهم. و في هذا الدّعاء ترفع اليدان ولا يمسح بهما الوجه. وهو أصحّ الأقوال عند الإمام النّووي،  والثاني: يرفع ويمسح الوجه، والثالث: لا يرفع ولا يمسح . ويجهر بالقنوت.

 

أسأل الله لي ولكم حسن القبول وإلى استراحة أخرى بإذن الله…


 
المصنع التونسي لأدوات الترتيب “التقدم” شركة ذات مسؤولية محدودة، رأسمالها 268000 دينار المقر الإجتماعي: 32-34 نهج الحبيب معزون – صفاقس
صفاقس في 10 جوان 2006   عدد 06-2006-12   إلى السيد رئيس الاتحاد للجهوي للصناعة و التجارة والصناعات التقليدية بصفاقس  

الموضوع: بالمماطلة والتسويف ضاع حقي المشروع في اللجوء للصد عن العمل.

    و بعد فإنه يؤسفني اعلامكم بأن ما عاشته قضيتي الخاصة بطلب تنبيه مسبق للصد عن العمل من تسويف و مماطلة و من لجوء إلى ما تقتضيه الرتابة الإدارية من هدر للوقت على حسابي بمنعي من حقي القانوني في الصد عن العمل الذي كرسه المشرع كوسيلة ضغط جماعي للدفاع عن مصالحي المهنية و كوسيلة وقائية قصد تجنّب شن الاضرابات من طرف العمال وكرد فعل من المؤجر إزاء العمال بعد تنفيذهم خمسة اضرابات، كل ذلك أفقدني حقي المشروع في المساواة بيني كمؤجر و بين الطرف المقابل كأجراء.   إن اعتماد الفقرة الثانية من الفصل 376 مكرر من مجلة الشغل غير سليم و قد تم إمدادكم ضمن المراسلة المؤرخة في 26 ماي 2006 بنسخة من منشور السيد وزير الشؤون الاجتماعية الذي رفع الإشكال الذي توَلَّد عن تلك الفقرة، و لا أدل على ذلك من  أن الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس – والفقرة المعتمدة من طرفكم تشمله صراحة – يصادق جهويا على قيام العملة بالاضرابات، و إن الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة بصفاقس قد صادق سابقا على أكثر من صد عن العمل، و إن الدائرة الشغلية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس صادقت على الصد عن العمل الممضَى من طرف  الاتحاد الجهوي للصناعة و المجارة بصفاقس وبَنَت حكمها عليه، هذا يؤكد أن المنشور الذي عدل تلك الفقرة قد وصل لمن اعتمده.    وإن أحسنت الظن و النوايا في اعتمادكم تلك الفقرة من الفصل 376 مكرر فقد كان ينتظر من الاتحاد و هو المساند و الحامي لمنظوريه أن يتولى بعد التنسيق مع المركزية (ولأن الأمر لا يحتمل الانتظار) توجيه الطلب إليها للمصادقة بطرق سريعة و هي متوفرة حتى لا يُنْسِفَ انتهاءُ الوقت الطلب، و كان بالامكان أيضا لو توفر الحماس للقيام بالواجب أن يرسل الطلب للمركزية عن طريق أحد أعوان الاتحاد الجوي لإمضائه و إرجاعه في يومه للتأكيد الصادق و النزيه على  أن منظمة الأعراف تبادر فعلا بالقيام بما يدعمهم من هجمات العمال و من تنكيلهم المتزايد بالمؤجرين وكان بالامكان أيضا أن يتصل الاتحاد بالمؤجر وكيل المصنع وهو ابن المنظمة و قد ناضل فيها ما يقارب نصف قرنٍ ومازال عضوا لإحدى الجامعات الوطنية و رئيسا لإحدى الغرف الوطنية.   إن الأحداث تؤكد – مع الأسف الشديد – أنني مستهدف من وراء كل ما وقع، و أن الغاية واضحة من حرماني من حقي المشروع في اللجوء إلى الصد عن العمل دفاعا عن مصالحي المهنية، و قد ثبت فعلا سقوط حقي في ذلك بالمماطلة و التسويف حيث لم تقع الإجابة عن طلبي الأول الخاص بإصدار تنبيه مسبق للصد عن العمل بانتهاء الآجال الواجب احترامها لتنفيذ ذلك، و نفس المصير لقيه طلبي الثاني لإصدار تنبيه مسبق للصد عن العمل.   و أكبر شاهد على صحة ما ذهبت إليه هو أنني إلى تاريخ هذه الرسالة و بعد إمدادكم بالمنشور (الذي من المفروض أن استمده منكم) الذي يؤكد تعديل تلك الفقرة لم ألق منكم جوابا، و المؤسف حقا  أن ما عشته لا انتظره من منظمة الأعراف، و يحملني على الاعتقاد بأنكم  بما أقدمتم عليه ضد الأعراف وهو منكم دعم صريح و مكشوف للطرف المقابل في قضية الحال، و إننا لو كنا أجراء بالفكر أو بالساعد لوجدنا في كل موقف و في كل لحظة السند القوي لنا.   و إن عدم سعيكم الجاد لتمكيني من حقي الذي كرّسه القانون في اللجوء إلى الصد عن العمل دفاعا عن مصالحي المهنية شجع الطرف المقابل على تصعيد التجاوز على جميع المستويات، و قد كبدني المزيد من الخسائر الأدبية و المادية الفادحة، فعلى من تقع مسؤولية هذه النتائج ! ؟   و الســـــــــــــــلام   الممثل القانوني  للمصنع رفيق بن عبد الوهاب معلى  


  المصنع التونسي لأدوات الترتيب “التقدم” شركة ذات مسؤولية محدودة، رأسمالها 268000 دينار المقر الإجتماعي: 32-34 نهج الحبيب معزون – صفاقس
صفاقس في 10 جوان 2006   عدد 6-2006-11                                               السيد رئيس الإتحاد الوطني  للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية بتونس  

الموضوع: تقرير حول أثر التفصِّي من القيام بالواجب على المؤجر.

  و بعد فإن المشرع التونسي في نطاق العقدة الشغلية قد كرّس حق الإضراب لفائدة العمال قصد الضغط على المؤجر من أجل الدفاع عن مصالحهم المهنية و كرّس الصد عن العمل لفائدة المؤجر كوسيلة للضغط على العمال في إطار نزاع جماعي مهني، و من الإجراءات التي يَنبغي توفرها ليكون الإضراب أو الصد عن العمل قانونيين مصادقة المنظمة النقابية للعمال على الاضراب و مصادقة منظمة المؤجرين على الصد عن العمل.   و الهياكل النقابية بكل درجاتها هي سند لمنظوريها، و أداء رسالتها يَقتضيها توفير هياكل لا يَكفي أن تلمّ بالقوانين و الإجراءات بَل عليها أن تواكب كل ما يَطرأ على تلك القوانين و التراتيب…من تنقيح وتعديل و تفسير…   إن الهيكل النقابي تقوم رسالته أساسا على تأطير و حماية منظوريه انطلاقا من التحسيس و التكوين و الإقناع بقبول الآخر وصولا إلى الوقوف بجانبه و الدفاع عنه على جميع المستويات ما دامت قضيته من جميع الوجوه مشروعة.   إن الهيكلين النقابيين متقابلان باعتبار ما بين طرفي العلاقة الشغلية من تقابل (مؤجر و أجير) و إذا كان انسجامهما مطلوبا لفائدتهما و لصالح التنمية فانهما كثيرًا ما يختلفان، و تحسبا لذلك وجدت هياكل رسمية فنية و لجان جهوية تسعى للمصالحة بين الطرفين حفاظا على ديمومة المؤسسة و خاصة على مواطن الشغل و في صورة عدم الاتفاق يحتفظ الطرفان بحقهما في اللجوء إلى المحاكم المختصة، ويُكرّس المشرع نظرية المساواة بين الطرفين في اللجوء إلى وسائل الضغط الجماعية للدفاع عن مصالحهم المهنية.   و بكل صدق و صراحة يؤسفني القول بأن نقابة العمال تحمي منظوريها و تشد أزرهم أدبيا و ماديا ولو اقتضاها الأمر إلى الوقوف إلى جانبهم ورعايتهم فترة زمنية طويلة، و من موقفها الداعم لهم على جميع المستويات و في كل الحالات يستمد العملة القوة و الصمود و المواجهة إلى حد الوقوع في التجاوز أحيانا، و منظمة الأعراف أخيرا فقط و بعد المطالبة بذلك أصبحت تسجل حضورها (و كثيرًا ما يَكون حضورًا سلبيا فاترا محتشما لانعدام الخبرة أو حفاظا على الذات وعلى حسن العلاقة مع المسؤولين أحيانًا).   و رغم أن حضور ممثل منظمة الأعراف إلى جانب رجل الأعمال واجب، و من برنامجها الانتخابي السهر و الدفاع عن حقوق من انتخبوها فانه في أغلب الحالات يركب الأعضاء الخطة لمصالح شخصية، وقد تجلى هذا الواقع المؤلم مؤخرا في إهمال طلب إصدار تنبيه مسبق للصد عن العمل المرفوع إلى الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية بصفاقس بتاريخ 10 أفريل 2006 و الذي يُشكل وسيلة مجابهة قصد الضغط على الطرف المقابل.   و بعد انتظار أكثر من شهر، و بعد الاستفسار عن سبب عدم الإجابة بتاريخ 13 ماي 2006، و في هذه المراسلة أشير في الفقرة الثانية من الصفحة الثانية منها إلى أن منشور السيد وزير الشؤون الاجتماعية يشير إلى أن المصادقة على الإضراب و الصد عن العمل تكون على المستوى المركزي أو الفيدرالي أو الجهوي، و بعد تجاوز الأجل المحدد للتنبيه المسبق للصد عن العمل و إثر تطور الأحداث وجهت بتاريخ 20 ماي 2006 للاتحاد نفسه مرّة أخرى طلب إصدار تنبيه مسبق للصد عن العمل، وإثر ذلك وصلني من الاتحاد الجهوي ردّ في 24 ماي 2006 جاء فيه “….أنه سيقع عرض موضوع رسالتيكم المذكورتين على المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي و ذلك في أو ل جلسة له لإبداء رأيه وسنعلمكم بذلك في إبّانه كما نعلمكم أننا وجهنا رسالتيكم المذكورتين أعلاه للاتحاد الوطني للصناعة والتجارة و الصناعات التقليدية بتونس و ذلك باعتبار أن موضوعهما من أنظار الاتحاد الوطني تطبيقا لأحكام قانون الشغل و خاصة الفصل 376 مكرر منه و ما بعد”. و اقتضاني هذا الرد الاجابه عنه بتاريخ 26 ماي 2006 المصحوبة بنسخة من منشور السيد وزير الشؤون الاجتماعية.   و لو كان فعلا الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة قريبا من منظوريه و يُعايش ما يُعانيه عدد هام من رجال الأعمال من تحدي العملة لهم و من حوزهم بالقوة لمراكز عملهم، و قد كبدوهم خسائر فادحة أدبية و مادية أدّتْ إلى انهيار عديد المؤسسات و لو كان يدرك الهدف الأساسي الذي من أجله وقع اللجوء إلى الصد و المواقيت التي يَنبغي احترامها لأسرع في البت، خاصة و نفس هذا الاتحاد أقرَّ لنفس المؤجر و لغيره الصد عن العمل، لشرعية ذلك و لم ينازع القضاء فيه بل اعتمده و بنى عليه أحكامًا عرفية.   و لو كان الاتحاد فعلا سندا للأعراف و ذلك من أوكد واجباته لتواصل مع المؤجر وعرف حقيقة الأمور منه مباشرة و لو كان مطلعا و مدركا لأهمية الموضوع و واثقا من أن الموضوع من أنظار الاتحاد الوطني لوجه الطلب بالوسائل البشرية السريعة بعد التنسيق، أما الاعتماد على الرتابة الإدارية فليست إلا مماطلة و تسويفًا، و اتخاذ الزمن عذرًا لعدم القيام بالواجب يَحْملني على الاعتقاد  بأنني فعلا مستهدف بهذا الموقف اللامسؤول و الحال أن والدي مؤسس المصنع ينشط بالاتحاد وطنيا و جهويا ما يُقارب النصف قرن و عضو بإحدى الجامعات الوطنية و رئيس غرفة وطنية و أنني لم أطلب إلا ما كرّسه المشرع كحق للصد عن العمل لفائدة المؤجر.   كل ما حَصَل يؤكد مع بالغ الأسف أن الأمر قد وقع في أيدي أشخاص لم يكونوا متحمسين له لأسباب هم يعرفونها، و منها عدم الإلمام بالقانون و ملحقاته و تفسيراته و الخوف من القيام بالواجب المشروع و عدم تقدير تطبيق القانون في قضية الحال كوسيلة وقائية قصد تجنب شن الإضراب و يلجأ إليها المؤجر بصفة إرادية و اختيارية قصد الضغط على الطرف المقابل، و لا  أدل على ذلك و قد مضى على الطلب الأول شهران و على الطلب الثاني عشرون يوما و لم يرد عليّ من الاتحاد أي جواب مهما كان نوعه و لونه سوى ما تضمنه الرد السالف الذكر : سيقع عرض موضوع رسالتيكم على المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي، و الإعلام بتوجيه الرسالتين المذكورتين إلا الاتحاد الوطني و لكن أين المتابعة ؟ و الأمر مصيري.   و إذا كان هذا هو ما آلت إليه نقابة الأعراف فما عساهم يرجونه منها في وضعها الانتقالي أو بعد تجديد هيكلها إذا لم تمارس واجباتها نحو منظوريها في نطاق القانون و تتمكن من معرفة السبل لتلك الممارسة.   هذا و إن عدم تقدير القيام بالصد عن العمل المحكوم بمدة زمنية و بتراتيب دقيقة و التغافل عنها وعدم احترامها يوقف ممارسة الصد عن العمل و بالتالي تنعدم ببطلانه الوقاية من شن الاضرابات و رد الفعل بعد حدوث الإضراب. كل هذا يزيد نقابة العمال تصعيدا في المواجهة ما دامت منظمة الأعراف قد تخلت عن واجباتها كطرف مقابل يحمي منظوريها حتى تجسم تكريس المشرع لنظرية المساواة بين الطرفين في اللجوء إلى وسائل الضغط الجماعية للدفاع عن مصالحهم المهنية.   إن الواقع يؤكد أن الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية بصفاقس في صورة الحال قد حرم المؤجر من اللجوء إلى حقه المشرع في الصد عن العمل فانهارت نظرية المساواة بين الطرفين، و على مسؤولية مَن يَقع ما حدث و ما قد  يحدث للمؤجر من أضرار أدبية و مادية لعدم تنفيذه للصد عن العمل و ذلك لعدم مصادقة الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة على طلب تنبيه مسبق للصد عن العمل و هو بموقفه هذا قد أصبح داعما للطرف المقابل له.   و الســـــــــــــلام   الممثل القانوني للمصنع رفيق بن عبد الوهاب معلى  


 
يوميات حرامية  
 أ.فتحي نصري اثنان في أوطاننــــــا يرتعدان خيفـــــــــة مــن يقظــــة النـــائـــم اللـــــــص …. والحاكــــم الشاعر أحمــد مطــــــر   ما أكبـر الألم … ما أفظـع الجــرم … وما أوجـــع الجـــرح أحذيـــــــة في عقـــول … وعقـــول في أحــذيـــــة قد أخبرنا خير الأنــام أن الكتـــاب والسـلطـــان … سيفترقــان لكنه لم يخبرنـــا … أن السلــطان سيــدوس القــــرآن …؟ لم يخبرنــا … سيأتــي زمـان علـــى أمتـــي …يداس فيـه المصحـــف بالأقـــدام وا أسفــــــــاه……. وا حـــر قلبــــــــــــاه   بالأمس القريــــب … صاحــــت امـــرأة … وا معتصمــــــــاه فتنــادى المعتصــــــم …. لبيــــك أختــــــــــــــاه واليـــــــوم شعـــــب يصــــرخ……وا مصحفــــــــــــاه فهــل من معتصـــــــم يجيـــــب…. لبيــــك قــــرآنــــاه   ****** لســت أدري هل نـــأســـف على حالنــا…؟ أم نخجـــل من عرينــا وقبحنــــــا …؟ كيف نقبـــل أن تحكمنــــا حفنـــــة مـــن الحـــراميـــــة …؟ بالأمـــس تناقلت وكالات الأنبــاء خبر تورط أحد متساكني قصـــر قرطــاج في تهريــــب الغبـــرة والكـــوكـــايين…؟ وكــــان مــــــــا كـــــــان …. وذهــب فــي خبـــر كــــان …؟ ومــا أشبــــه اليــوم بالأمـــس … هــا هـــو التــاريـخ يعيــد نفســــه ســـرقــة فــي وضـــح النهــار … يـخـــت طــولـــه 18 متـــر …؟ تقــاذفتـــه الأمــــــواج بقــدرة قــادر من شــواطــىء فرنسا الى شواطـــىء قرطــاج…؟ ســرقـــة مـن العيـــار الثقيـــل… توحـــي بأن الحـــرامــي مــن الـــوزن الثقيـــل كيــف لا …. وقــد تعلـــم الحجـــامة فـــي ريــــــــوس اليتــــامــــى كيــف لا … ولـــم يبــــــق فــي تونـــس مـــا يغـــري بالســـرقة وكمـــا قــال أصحـــاب الكلمــــة… وفينـــا قمــح الــديــر… فرغــــــت لمطـــاميـــر لا تستغــربـــوا أيهـــا الســـادة مــن سرقــة يخـــت بهـــذا الحجــــــم…؟ فمـــن ســـرق شعـبــــا بكـاملـــه …قــادر علـــى ســـرقـــة أسطــــول بكــــاملــه…؟ لقـــد أصبــــح القصــــر جيفــــــة … يــــا ولاة الأمـــــــر…؟ لقــد فـــاحـــت الريـحــــــة … وشـــاعـــــت الفضيـحــــــــة…؟ مــــاذا سنجيـــب لــــو … ســـئلـــنـــا مـــن يكـــــون الســـــارق …؟ مــــاذا سنجـيــــب لـو … سئلنـــا مـــن يـــكون عمــــاد الطـــرابلســـــــي …؟ هـــل نقــــول … من طــرابلــس الشــرق… أم طـرابلـــس الغــرب … أم مــــــن حــــومـــة الطــرابلـسيــــــــــــة….؟ هـــل نقــــول هــــو ليـــس بأخ شقيـــق … هــو مجـــرد أخ مـــــن البــزولــــة …؟ بمـــا سنجيــــب … يــــا سحـــــرة فـــــرعـــــون ….؟ بمـــا سنجيـــب … يـــا غـــلمـــان السلــطــــــــان…؟ بمــا سنجــيـب … يـــا صــــاحـــب البيـــــــــــان …؟ بمــا سنجيــب … يــا ســــي بــرهــــــــــــــــان …؟ بالأمــــس كتبــــت … رفعـــت المصاحــف فـــوق السنـــان…؟ واليــــوم أراك صــــامتـــــــا … لا تجيـــــــــــــب …؟ هـــل جــــف القلــــــــم … وانحـصــــــــر اللســـــــــــــان …؟ لا أظنــك ستقـــول … ان السيـد ” برونو روجيــه ” أعـــار اليخـت لصديقـــه عماد الطرابلســـي … ثـــم نســـــي …؟ لا أظنــــك ستقــــــول … انـه استعـــاره بضمــان أمــوال الشعــب المهــربـــــة الــــــى بنـــــــك ” الأخـــوة لازار ” بفـــــــرنســــا … فقــد تغضــب بنـــوك سويســـــرا …؟ لا مفـــر لــــك… يظهــر أنـــك ستقحــــم الديــــن فــــي السيــــــاســــة …؟ فتقـــــول … سبحــان الــذي أســـرى بيخــت السيــد ” برونــــو روجيه ” ليــــــــــــــلا مــن مينــــــــاء ” كــورسيكــــا” الــى مينــــاء سيــدي بــوسعيـــــد …؟ وسيـــــــرد الانتربـــــــول الدولـــــــــــي ……؟ شــدو يـــا رجــــــال …شــــدو هـــــــذي العصــــابــــــة هــــــــــــــذي العصــــــــابة النهــــابـــــــــــة…؟ ****** مــــن المخـــزيــــات المبكيـــــــات … مــا وقـــع أخيــرا بنــزل الحمـراء بالحمــامـات…؟ جــــــائــــزة أحســـــــن رجـــــــل أعمــــــــال …؟ جـــــائـــــزة أحســـــــن رئــــــيس مؤسســـــة …؟ جــوائــــــز بالجملــــــة للسيــد بلحســـن الطرابلســــــي …؟ لــــم تبـــق ســــــوى جــــــائـــــزة واحـــــــدة اختطـفهــــــــا أخـــــوه… عمــــاد الــطرابلســــــــــي …؟ جـــــــائـــــــزة … أكبـــــــــر حـــرامــــــي…؟ فنعــــــــــم العـــــائلــــــة…. ؟   (المصدر: ركن “تصبحون على وطن” بمجلة “الوسط التونسية” الالكترونية بتاريخ 11 جوان 2006)

 

فتاة تونسية “مخمورة” تعتدي على والدها والسلطات تسجن موظفا ومقاولا بعد سقوط جدار

تونس – خدمة قدس برس   أحيلت فتاة تونسية، في العشرين من عمرها، للمثول أمام محكمة جنائية، بعد اتهامها بالاعتداء بالضرب على والدها، بسبب احتسائها كمية من الخمر.   وقالت جريدة /الصباح/ التونسية، إن أباً سجّل شكوى ضدّ ابنته الوحيدة، بعد رجوعها إلى البيت في وقت الفجر، مخمورة، مع أصدقائها، وعندما عاتبها والدها انهالت عليه ضربا.   وبعد جلسة أولى للمحكمة، قررت سجن الفتاة لمدة سنة، غير أن والدها عاد وقدم طلبا، بإسقاط الحكم، فاكتفت المحكمة في جلستها الثانية، بسجنها “15 يوما بسبب السكر الواضح!”.   وعلى صعيد آخر، أصدر أحد قضاة التحقيق بمدينة قابس، في الجنوب التونسي، أمراً بالسجن ضدّ مسؤول رفيع المستوى بوزارة التجهيز ومقاول بناء. ووجهت للشخصين، تهمة التقصير، بعد أن سقط جدار في سوق شعبي، أدى إلى وفاة ثمانية مواطنين، وجرح خمسة آخرين.   وبحسب معلومات متوفرة عن الحادث، فإن الحائط تم تشييده منذ 3 سنوات من طرف المقاول الذي تم الاحتفاظ به على ذمة التحقيق، ويبلغ ارتفاعه حوالي 4 أمتار، بينما يبلغ طوله حوالي 10 أمتار، وقد تسبب انهيار جزء منه على سوق للملابس المستعملة، في مقتل ثمانية عمال، وجرح خمسة آخرين.   وحمّل مواطنو تلك الجهة السلطات، مسؤولية الحادث، مشيرين إلى أنه كان متداعيا منذ مدة، وآيل للسقوط في أي لحظة، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات لمنع سقوطه.   (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 11 جوان 2006)        

الفرنسيون من أصل تونسي مع النسور لا الديوك

 باريس- هادي يحمد- إسلام أون لاين.نت   كشفت أجواء كأس العالم لكرة القدم 2006 عن تباين بين المشجعين داخل الدولة الواحدة حول المنتخب الذي يرفعون رايته وفقا لجذور هؤلاء المشجعين.   ويجسد المشجعون من ذوي الجذور العربية بوضوح هذا التباين؛ حيث بدأ الفرنسيون من أصول مغاربية في رفع رايات المنتخب التونسي، وأعلن بعضهم أنه سيواصل تشجعيه حتى لو واجه منتخب فرنسا، البلد الذي يحمل هويته.   ويقول الشاب الفرنسي من أصول تونسية عادل الزمني لـ”إسلام أون لاين.نت” الأحد 11-6-2006: “أنا فخور بكوني فرنسي الجنسية؛ حيث ولدت في مدينة ليون، وبالرغم من ذلك لن أستطيع إلا تشجيع الفريق التونسي في أي لقاء يجمعه بالفريق الفرنسي”.   ويوضح أن هذا الموقف لا ينبع من فراغ بل لـ”تعلقي بأصولي وبأصول والدي القادمين من شمال تونس؛ الأمر الذي يجعلني أميل إلى تشجيع نسور قرطاج (الفريق التونسي) على حساب الديوك (المنتخب الفرنسي).   ويستدرك عادل قائلا: “الآن لي فريقان أشجعهما في كأس العالم، وهما تونس وفرنسا؛ لأنهما لا يلعبان في نفس المجموعة، وأتمنى ألا يلتقيا في أي دور آخر”. وانطلقت نهائيات المونديال بألمانيا الجمعة 9-6-2006 وتختتم بعد شهر كامل.   ورغم صعوبة المفاضلة بين المنتخبين الفرنسي والتونسي بالنسبة لـ”أمينة البلدي” (21 سنة)، فإنها اختارت تشجيع “منتخب بلاد الياسمين” في إشارة للمنتخب التونسي.   وقالت أمينة، التي لا تتقن التحدث باللغة العربية وتدرس بجامعة جوسي في باريس: “أنا من مشجعات نادي باري سان جرمان بالعاصمة الفرنسية ومنتخب الديوك، غير أني أجد نفسي أكثر قربا من المنتخب التونسي في حالة إذا ما تقابل المنتخبان”.   البخور لمؤازرة النسور   ويستعد عشرات التونسيين المقيمين بفرنسا للتوجه إلى مدينة ميونيخ الألمانية لحضور أول لقاءات المنتخب التونسي مع نظيره السعودي يوم الأربعاء المقبل.   واتفق المشجعون التونسيون على حمل كل ما يدل على الشخصية التونسية من ورد “ياسمين” وبخور “الجاوي” و”شاشية” تونسية (قبعة) و”جبة” بالنسبة للرجال و”الدربوكة” و”البندير” (أدوات طبل معروفة في تونس).   ويصطحب التونسيون “البخور” و”الجاوي” لكي يشعلوها مصاحبة للأهازيج الشعبية التي تشيد بالمنتخب التونسي.   وكعادة الجمهور التونسي في المباريات المصيرية زحف المشجعون التونسيون على أنغام الكلمات الصوفية، التي تتبارك بالولي الصوفي “أبي الحسن الشاذلي”، الذي تحتل طريقته “الشاذلية” مكانة متميزة في نفوسهم.   ويقول “مختار العبدلي”، أحد منظمي الرحلات لألمانيا، لـ”إسلام أون لاين.نت”: إن مديح الأولياء الصالحين، واستعمال البخور والجاوي عمل رمزي؛ حيث نتفاءل به لجلب الحظ الجيد لمنتخبنا”.   وأشار إلى أن 10 آلاف تونسي يستعدون للسفر إلى ألمانيا من فرنسا، التي تضم 500 ألف تونسي، موضحا أن نصفهم تقريبا يحملون الجنسية المزدوجة التونسية والفرنسية، وهي أكبر جالية تونسية خارج الوطن الأم.   سياسية الاندماج   ويثير ميل الفرنسيين من أصول مهاجرة، وخاصة مغاربية، لبلادهم الأصلية جدلا داخل النخب الفرنسية حول ما يسمونه بفشل سياسة الاندماج.   وسبق لفرنسيين من أصول جزائرية أن شجعوا المنتخب الجزائري في مباراة جمعته بالمنتخب الفرنسي يوم 6-1-2001 في إستاد سانت ديني الدولي بشمال باريس.   ولم يكتفِ المشجعون بذلك؛ بل أطلقوا الصفير في أثناء إذاعة النشيد الوطني الفرنسي “المارسياز” في بداية المباراة.   واعتبرت وسائل الإعلام الفرنسية حينها تصرف الجزائريين أمرا يدعو إلى طرح السؤال حول حقيقة ولاء هؤلاء المشجعين إلى فرنسا.   (المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 11 جوان 2006)
 


الحدث في الجنوب التونسي:

«قناة المسار» تبث المونديال وتخترق «الحصار»

في الوقت الذي منع فيه الجمهور التونسي والعربي ككل من متابعة كافة مباريات كأس العالم باعتبار البث الحصري لهذه المباريات على قنوات «اي ارتي» اتجه بحث التونسيين عن القنوات الفرنسية التي تملك بدورها حقوق البث على «الانالوجيك» في هذا الوقت بالذات حدثت المفاجأة السارة لسكان الجنوب الشرقي وعشاق الكرة هناك بتمكنهم من التقاط قناة أرضية عربية نقية الصورة والصوت تحمل اسم «المسار الرياضية» كتبت في اسفل الصورة «كأس العالم بين يديك».   وقد تمكن سكان مدينة مدنين مثلا من التقاط هذه القناة بسهولة وبجهاز التقاط عادي على موجة «VHF» بهوائي (6 éléments) والأقرب ان هذه القناة ليبية رغم عدم اشارتها الى ذلك لكن من خلال حدسنا وصوت المعلق يتأكد لنا ذلك.   هذه القناة التي نقلت حفل الافتتاح يوم الجمعة مباشرة ومبارتي المجموعة الاولى واصلت النقل يوم السبت على الهواء مؤكدة لمشاهديها انها ستمكنهم من متابعة كافة المباريات على الهواء مباشرة بصفة معلق عربي وتبث خارج اطار المباريات صورا تاريخية عن دورات كأس العالم منذ انبعاثه.   على كل هذه القناة بعثت الفرحة لدى سكان الجهة بما أن متّعتهم ومنحتهم فرصة متابعة كافة المباريات مجانا ودون تكلفة وبلغة الضاد التي يتكلمونها صورة وتعليقا.   * الحسين كسيكسي   (المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 11 جوان 2006)

تظاهرة موسيقية في تونس تحتفي بالشيخ إمام

   

تتواصل في العاصمة التونسية فعاليات مهرجان موسيقي يحتفي بالذكرى الحادية عشرة لرحيل الفنان المصري الشيخ إمام -أحد ابرز رموز الأغنية السياسية في العالم العربي- التي تختم يوم غد الأحد. وتمزج تظاهرة “اتجمعوا العشاق” بين الورشات التدريبية في الإلقاء الموسيقي والحفلات الموسيقية والمنتديات والنقاشات حول هذا الفنان الذي يعتبر رمزا من رموز التحرر السياسي وأحد أبرز نجوم الغناء السياسي العربي في النصف الثاني من القرن الماضي. وافتتح المهرجان الذي ينظمه مركز التياترو الثقافي بالعاصمة تونس بعرض تسجيلات نادرة عن الشيخ إمام وورشات في الارتجال الموسيقي بمشاركة مجموعات غنائية تونسية ومغنين عرب. ومن أبرز الفنانين المشاركين في التظاهرة، المصرية عزة بلبع التي تشارك التونسي أسامة فرحات عرضا موسيقيا مشتركا، كما تقدم الفنانات زينب سني وأماني حسني وآمال الحمروني عروضا غنائية ضمن مجموعة البحث الموسيقي بقابس المعروفة بالتزامها الغنائي وغنائها للحرية مهداة لروح الشيخ إمام. ويتجاوز رصيد الشيخ إمام الغنائي نحو مائتي أغنية كتب أغلبها رفيق دربه الشاعر أحمد فؤاد نجم من بينها “يا مصري” و “وقفوني على الحدود” و”نزلوا الثوار على جبهتنا” و “الحر البلدي” و”جيفارا مات”. ويقول المنظمون الذين يقيمون هذه التظاهرة للعام الخامس إن تكريم فنان “الرفض والثورة” دليل على التمسك بالفن الأصيل وعدم الانسياق وراء الأغنية العصرية.   (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 10 جوان 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء) 

 
استطلاع لمؤسسة «غالوب»:

النساء في الدول الإسلامية لا يعتبرن أنفسهن مضطهدات

واشنطن: هلينا اندروز (*)    كشف استطلاع لمؤسسة «غالوب» لاستطلاعات الرأي ان المرأة المسلمة لا تعتقد انها في وضع المواطنة من الدرجة الثانية، او انها تعتبر نفسها مضطهدة.   وطبقا للاستطلاع الذي اجري في العام الماضي، تبين ان عددا كبيرا من النساء المسلمات يعتقدن بضرورة حصولهن على حق التصويت بدون تأثير خارجي والعمل خارج المنزل، وتبوء اعلى المناصب في الحكومة. واجري الاستطلاع في مقابلات شخصية مع 8 آلاف امرأة.   وعندما سئلن عن الامر الذي يثير استياءهن بخصوص مجتمعاتهن، ذكرت اغلبية النساء المسلمات ان الافتقار الى الوحدة بين الدول الاسلامية، والتطرف العنيف، والفساد الاقتصادي والسياسي، هي مثار قلقهن الاول. اما الحجاب والنقاب، اللذان يعتبرهما الكثير في الغرب من وسائل القهر، فلم يشر اليهما في اجابات النساء على الاسئلة، طبقا لما ذكر المحللون.   وقالت داليا مجاهد، المحللة الاستراتيجية للدراسات الاسلامية في استطلاع «غالوب» العالمي، ان المعلومات الجديدة تقدم رؤية جديدة للعالم الاسلامي، حيث يعتبر الادراك الغربي المرأة المسلمة مضطهدة. واضافت ان حقوق المرأة المسلمة اثارت الكثير من الاهتمام بدون معلومات بحثية حول «ما الذي تريده المرأة المسلمة».   (*) خدمة «نيويورك تايمز»   (المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 10 جوان 2006)


بسم الله الرحمن الرحيم

آراء الترابي .. من غير تكفير ولا تشهير

   

محمد بن المختار الشنقيطي
لا تزال الآراء التي أفصح عنها الدكتور حسن الترابي مؤخرا تثير عاصفة من الردود. وقد وجدت من خلال تتبعي للجدل الدائر حولها شيئا من التساهل في النقل، والتسرع في الحكم، واتهام النوايا، ونقص الاستقراء، وصياغة المسائل الفرعية صياغة اعتقادية، والظاهرية التجزيئية في التعامل مع النصوص، وتداخل الأهواء الشخصية والسياسية مع الآراء الشرعية.   وهذه نظرات على معظم آراء الترابي المثيرة للجدل، نضع من خلالها هذه الآراء ضمن سياق التراث الإسلامي، آملين من خلال ذلك أن يرتفع الحوار حول آراء الترابي إلى مستوى الحوار المعرفي، بديلا عن خطاب التكفير والتشهير. فلست أشك أن لدى كل من الترابي ومخالفيه من أهل العلم ما يثري الحوار وينفع الأمة، إذا ساد الجِدُّ العلمي وخلصت النية لله رب العالمين..   ولست بالذي يفاجأ إذا أحاط بآراء الترابي الكثير من اللبس وسوء الفهم، فقد كنت أشرت في مقدمة كتابي عن “الحركة الإسلامية في السودان: مدخل إلى فكرها الاستراتيجي والتنظيمي” إلى ما اتسمت به كتابات الترابي من “التجريد في الأفكار والمصطلحات”، مؤكدا أنه “ليس من السهل على شباب الصحوة الإسلامية غير المتمكنين من ناصية اللغة العربية، المتمرسين بالمفاهيم الفلسفية والأصولية، أن يستوعبوا جميع كتابات الترابي بعمق، وهي كتابات تجمع بين تجريدات (هيجلْ) الفلسفية ولغة الشاطبي الأصولية”.    ومما يحسن بيانه هنا أيضا أن هدف هذه الملاحظات ليس الدفاع عن شخص الترابي، فأنا –بنعمة من الله- ممن يؤمنون بقدسية المبادئ وأرجحيتها على مكانة الأشخاص، بمن فيهم الصحب الكرام رضي الله عنهم، وكتابي المعنون: “الخلافات السياسية بين الصحابة: رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ” رسالة تأصيلية في هذا السبيل نسأل الله قبولها ووصولها.. كما يحسن التأكيد على أني لم ألتق الدكتور الترابي قط، ولا وطئت قدمي أرض السودان الطيبة. ويوم كان الترابي ذا جاذبية سياسية عظيمة وحضور وطني ودولي لم أحضر مؤتمراته، ولا اشتركت في “مؤتمره الشعبي العربي الإسلامي”.. أما اليوم فإن الترابي فقدَ الكثير من بريقه السياسي الذي اكتسب به أنصارا وأتباعا في الماضي، ولم يعد ممن يخشى الناس لهبَه أو يرجون ذهبَه كما يقال.   فلست إذنْ بالذي تجمعه مع الترابي علائق شخصية أو سياسية تؤثر سلبا أو إيجابا على رأيي فيه وفيما يطرحه من آراء مثيرة، وإنما أنا طالب علم أهتم بتجارب الحركات الإسلامية وفكر قادتها وعلمائها، وقد دفعني البحث في تجربة الحركة الإسلامية في السودان إلى تتبع فقه الترابي عن كثَب، والبحث في سياق أقواله ضمن رؤيته الفكرية العامة.   فهدف هذه الملاحظات حصرا هو دفع داء التكفير والتشهير الذي يستسهله البعض اليوم، والحث على أخذ المسائل الشرعية بمأخذ الجد دون تعجل، والعودة إلى منهج العلم والعدل وحسن الظن بأهل العلم، مهما أغربوا أو خالفوا المتعارف عليه من النقول والفهوم، كما أوصى فقيه الأندلس أبي بكر بن عاصم في “مرتقى الوصول”:   وواجبٌ في مشكلات الحكمِ   ***  تحسيننا الظن بأهل العلمِ   وأرجو من الله عز وجل أن تعين هذه الملاحظات على تبصرٍ أكثر بالمسائل المطروحة، وعدمِ استسهال البتِّ فيها بتسرع، وإمساكِ أهل العلم والعدل بزمام المبادرة فيها، وهم الذين يستطيعون أن يقدموا للأمة ما يفيدها في هذه المسائل، بدلا من تركها منبرا مفتوحا لمتتبعي العورات، المسترخصين تكفيرَ أهل التوحيد وتضليلَهم وتبديعَهم. ورحم الله إمام الحرمين الجويني إذ يقول: ” فإن قيل: فَصِّلُوا ما يقتضي التكفير وما يوجب التبديع والتضليل. قلنا: هذا طمع في غير مطمع، فإن هذا بعيد المدرَك ومتوعر المسلك”[1].   *****   لقد وجدت قسما كبيرا مما أنكر على الترابي أمورا اعتقادية أو فقهية منسوبة إليه تحاملا أو سوء فهم، وهي: القول بالفناء الحلولي في ذات الله، وإيمان أهل الكتاب، وإباحة الردة والخمر، وإسقاط الخمار. فلنستعرض هذه الأمور بإيجاز:   الفناء في ذات الله   قال بمقولة الفناء الحلولي في ذات الله بعض ملاحدة المتصوفة والفلاسفة في الماضي والحاضر. ولم أجد في موضع من مؤلفات الترابي –على مراسي بها وطول اصطحابي لها- استعمال مصطلح “الفناء في الله” ولا “الفناء في ذات الله”، وإنما وجدته يستعمل مصطلح “الفناء في سبيل الله”[2] وأحيانا يستعمل مصطلح “الفناء في أمر الله” فيقول مثلا إن التوحيد “يحرر المؤمن من كل ما يستعبده في النفس والمجتمع ويخلصه لربه، فيلتزم من تلقاء نفسه بأمر الله ويتحد به ويفنى فيه، ولا يستشعر مجانبة ولا حرجا”[3]. وهو قطعا لا يقصد باستعمال هاذين المصطلحين أكثر من استهلاك النفس والمال في نصرة الإسلام، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “ورجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”[4]. كما وجدت الترابي يتحدث عن “مرحلة الفناء” ضمن حديثه عن التطور التنظيمي للحركة الإسلامية، ويقصد به فناء الحركة في المجتمع وذوبانها فيه بعد نضجها وصلابة عودها، مقابل مرحلة التمايز والانحياز عن المجتمع التي تصاحب فترة التأسيس.   وإحسانا للظن بخصوم الترابي أرى أن اللبس قد دخل عليهم من شَبَه الاصطلاح هذا، وهم لا يدركون –على ما يبدو- أن استعمال مصطلحات الحلولية الملحدة ليس مرادفا للإيمان بمضمونها، وأن لا مشاحة في الاصطلاح ابتداء، فهذه ألفاظ عربية كانت موجودة قبل أن تظهر عقيدة الفناء الحلولي في الثقافة الإسلامية. ولغة الصوفية واصطلاحاتها سائدة في السودان وغيره من البلدان التي دخلها الإسلام على أيدي المتصوفة، فالدكتور حسن مكي مثلا يتحدث عن “فناء” الجيوش المعاصرة في الدولة[5].   فاستعمال اصطلاحات “القوم” من طرف الترابي أو غيره لا يعني بالضرورة إيمانا بمدلولها عند غلاتهم. وحتى الصوفية الذين يستعملون مصطلح “الفناء في الله” لا يقصد أغلبهم به الحلول، وإنما استعار أغلبهم هذا التعبير المنحرف من فلسفة الأوائل ودرجوا على استعماله من غير علم بمدلوله الأصلي، ولو سألت أغلبهم اليوم عن معناه لما استطاعوا جوابا.   وقلَّ أن يطلع الباحث على تشخيص أدق لانحرافات بعض المتصوفة أو تعبير أعمق عنها مثل تشخيص الترابي وتعبيره وهو يصف ما في “واقع الصوفية من بدعيات وجهالة في الاعتقاد والعمل، ومن كثافة طقوس تكاد تستنزف طاقات التدين في المراسم والأشكال، ومن رخاوة شرعية تقعد بصاحبها ساكنا عاجزا، ومن فرْط ولاء واتباع يكاد يحجب عن الله…”[6].   إيمان أهل الكتاب   ومن أكثر الأمور إثارة قول خصوم الترابي إنه يقول بإيمان أهل الكتاب، مما يوحي بأنه يسوي بين المسلمين وأهل الكتاب في الاعتقاد، وهذا مثال آخر على التحامل وسوء الفهم. فلم يقصد الترابي يوما أن دين أهل الكتاب في حالته الراهنة صحيح مقبول عند الله تعالى، ولا أنهم غير مطالبين باعتناق الإسلام، ولا هو يسوي بين توحيدنا وتثليثهم، كيف وهو الذي كتب أحد أعمق الكتب وأجملها عن “الإيمان: أثره في حياة الإنسان”، وبين فيه بمنهجه التركيبي البديع أنواع الانحرافات التاريخية التي دخلت على منهاج التوحيد. وهو يُرجع أغلب أمراض التدين لدى المسلمين إلى اتباعهم سنن أهل الكتاب في فهم النصوص وفي تنزيلها على الوقائع.   لقد وصف القرآن الكريم أهل الكتاب بالكفر في آيات عديدة يعسر حصرها. كما وصفهم بالشرك في بضع آيات، منها قوله تعالى: “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون”[7] وقوله تعالى: “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار”[8].   وكلام الترابي صريح بكفر أهل الكتاب وبشركهم. والذين يظنون أن الترابي المتضلع بمعاني القرآن الكريم يجهل ذلك أو لا يقول به مخطئون من دون ريب. ففي كتابه: “السياسة والحكم” وهو آخر ما كتبه من كتب (صدرت طبعته الأولى عن دار الساقي عام 2003) يصم الترابي أهل الكتاب بوصمة الشرك ثلاث مرات في صفحة واحدة، مستشهدا بنصوص القرآن الكريم، فيقول: “فقد كان الكتابيون بعد الدين الحق قد ارتدوا إلى إشراك… وكانوا يحملون على دين التوحيد المتجدد وهم مشركون… وفي شمال الجزيرة العربية تحالف الإشراك كافة كتابيا وعربيا، وأخذ يعدو على المسلمين”[9]. كما وصم الترابي أهل الكتاب بوصمة الكفر أكثر من مرة في نفس الكتاب فتحدث عن “الكفر الكتابي”[10] ضمن وصفه لحال يهود المدينة أيام النبوة.   أما تمييز الترابي لأهل الكتاب عن المشركين أحيانا فهو تمييز اصطلاحي، وله أصل في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى “لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين…”[11]. قال ابن تيمية: “إن الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب وإنما يدخلون في الشرك المقيد قال الله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) فجعل المشركين قسما غير أهل الكتاب”[12]. وقال: “فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به وجب تمييزهم عن المشركين، لأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك”[13].   وكذلك تمييز الترابي بين أهل الكتاب والكفار تمييز اصطلاحي، وله أيضا أصل في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: “ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا”[14]. وإذا كان كثيرون لا يرون التباسا في التمييز الاصطلاحي بين أهل الكتاب والمشركين، لكثرة ما تردد في القرآن الكريم، فإن بعضهم يستشكل التمييز الاصطلاحي بين أهل الكتاب والكفار. لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ممن انتبهوا إلى وجود هذا التمييز في الكتاب العزيز، فقال: “مع أن الكفار قد يُميَّزون من أهل الكتاب أيضا في بعض المواضع كقوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) فإن أصل دينهم هو الإيمان، ولكن هم كفروا مبتدعين الكفر”[15].   ومما يثير الإشكال لدى خصوم الترابي استعماله مصطلحات غربية لم يعتدها جل الدارسين بالجامعات الإسلامية، مثل مصطلح Monotheistic Religions الذي يترجم عادة بعبارة “الديانات التوحيدية”، ومصطلح  Abrahamic faiths ويترجم عادة بعبارة “الديانات الإبراهيمية” ويراد بهاذين المصطلحين في الجامعات الغربية اليهودية والمسيحية والإسلام. وهي ترجمة غير دقيقة، لأن اليهودية والمسيحية لم تعودا ديانتين توحيديتين ولا ملتين إبراهيمتين، ولكن الترابي ومالك بن نبي وغيرهما من كتاب الإسلام المتضلعين بالثقافة الغربية يستعملونها اصطلاحا، وإن لم يعنوا معناها المتبادر في أصل الوضع اللغوي العربي، أو في الاصطلاح الشرعي الإسلامي. وقد رأينا كيف ميزت آيات من القرآن الكريم بين أهل الكتاب والمشركين وبين أهل الكتاب والكفار تمييزا اصطلاحيا، دون أن ينفي ذلك صفة الشرك والكفر عن أهل الكتاب.    ويتحدث الترابي أحيانا عن التراث المشترك بين المسلمين والمسيحيين. وقد أثار هذا النوع من أحاديث الترابي حفيظة البعض، رغم أنه كلام لا غبار عليه، ففي الإسلام والمسيحية –رغم الخلاف في مسائل أساسية من العقيدة- مشتركات كثيرة، اعتقادية وأخلاقية وعملية. ويكفي تصفح العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل) الموجودان الآن –على تحريفهما- لترى أوجه الشبه الكثيرة مع النص القرآني. فقصة آدم ونوح ويوسف وعدد آخر من الأنبياء عليهم السلام تتشابه كثيرا في القرآن الكريم وفي العهد القديم وأحيانا بنسبة لا تقل عن السبعين بالمائة. وهنالك مشتركات كثيرة في مجال الإيمان بالمعاد والجزاء. كما أن الدعوة إلى فضائل الأخلاق من الصدق والأمانة والإنصاف وحسن الجوار…الخ متشابهة في القرآن الكريم وفي “العهد الجديد”.   لكن الترابي لم يقصد في يوم من الأيام مساواة بين الإسلام وديانات أهل الكتاب الحاليين في التوحيدية أو في الإبراهيمية، بل تواتر كلامه نافيا لذلك. فهو يقول مثلا نافيا عن النصارى صفة التوحيدية: “انقطع النصارى عن الرب الواحد بالواسطات الكنسية، وعن أصل دينهم بالمقولات العقدية لمؤتمرات القديسين”[16]. ويؤكد أن اليهود والنصارى “أشد كفرا بالرسالة المحمدية، غيرة من أصالتها الإبراهيمية”[17]. فهل يقول منصف بعد هذا أن الترابي يسوي بين الوحي الإسلامي الأصيل والمحرَّف الكتابي الدخيل؟!   لقد جاء القرآن الكريم مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل، وهو ما يقتضي بقاء شيء من الحق يصدقه القرآن، ولكنه جاء أيضا مهيمنا عليهما، وهو ما يستلزم رد ما يخالف القرآن في نصوصهما المحرفة الحالية. وثنائية التصديق والهيمنة هذه تختصر العلاقة الدينية بين المسلمين وأهل الكتاب. وقد تحدث ابن القيم عن المشتركات مع أهل الكتاب، فقال: “قالوا [أي العلماء الذين يخصون أهل الكتاب بدفع الجزية دون غيرهم من الكفار]: ولا يصح إلحاق عبدة الأوثان بأهل الكتاب، لأن كفر المشركين أغلظ من كفر أهل الكتاب. فإن أهل الكتاب معهم من التوحيد وبعض آثار الأنبياء ما ليس مع عباد الأصنام ويؤمنون بالمعاد والجزاء والنبوات، بخلاف عبدة الأصنام. فعبدة الأصنام حرب لجميع الرسل وأممهم من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء والمرسلين. ولهذا أثر هذا التفاوت الذي بين الفريقين في حِلِّ الذبائح وجواز المناكحة من أهل الكتاب دون عباد الأصنام”[18].   وماذا سيكون يا ترى رد فعل المنكرين على الترابي هنا إذا قرأوا هذا الكلام لابن القيم، وهو يعزو فيه إلى “طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام” منهم الإمام البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الرازي قولهم بأن التوراة الموجودة في أيدي اليهود اليوم غير محرفة أصلا، وأن التحريف وقع في تأويل النص، لا في النص ذاته. قال ابن القيم: “فصل: وقد اختلفت أقوال الناس في التوراة التي بأيديهم هل هي مبدلة، أم التبديل والتحريف وقع في التأويل دون التنزيل على ثلاثة أقوال: طرفين ووسط. فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة، ليست التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، وتعرض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعض، وغلا بعضهم فجوز الاستجمار بها من البول. وقابلهم طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام فقالوا: بل التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل، وهذا مذهب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري قال في صحيحه: (يحرفون: يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى، ولكنهم يحرفونه، يتأولونه على غير تأويله). وهذا اختيار الرازي في تفسيره. وسمعت شيخنا [ابن تيمية] يقول: وقع النزاع في هذه المسألة بين بعض الفضلاء فاختار هذا المذهب ووهَّن غيره، فأُنكِر عليه، فأحضر لهم خمسة عشر نقلا به… وتوسطت طائفة ثالثة، وقالوا: قد زيد فيها وغُيِّر ألفاظٌ يسيرة، ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه، والتبديل في يسير منها جدا. وممن اختار هذا القول شيخنا [ابن تيمية] في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)… ونحن نذكر السبب الموجب لتغيير ما غير منها، والحق أحق ما اتبع. فلا نغلو غلو المستهينين بها المتمسخرين بها، بل معاذ الله من ذلك، ولا نقول إنها باقية كما أنزلت من كل وجه كالقرآن”[19].   والتوراة الموجودة في أيدي اليهود منذ مجيء الإسلام إلى اليوم هي الأسفار الخمسة الأولى مما يعرف اليوم بالعهد القديم (أسفار: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) وليس من ريب أن العلماء القائلين إنها لم تنلها يد التغيير والتبديل قد أخطأوا خطأ جسيما، إذ يكفي تصفح سريع لتلك الأسفار للتوصل إلى استنتاج قاطع بتحريفها. ولو كان الترابي اليوم يقول إن التوراة الحالية لا تزال طرية كما أنزلت من عند الله لاستبيح دمه. رغم أن هذا الخطأ الفادح وقع فيه في الماضي علماء أعلام من حجم الإمام البخاري والإمام الرازي. ورغم ذلك فلا تزال الأمة تجلُّهم، وحق لها ذلك، فهم أهل للإجلال والإكبار.   والخلاصة أن ما قيل من قول الترابي بإيمان أهل الكتاب مجرد سوء فهم لتمييزات اصطلاحية يستخدمها أحيانا لدواع لغوية أو لمناورات سياسية. وأن تكفيره والتشهير به بسبب ذلك ينافي العلم والعدل الواجبان في مواطن الخلاف.   إباحة الردة والخمر   ومما نسبه إلى الترابي خصومه تحاملا أو سوء فهم قولهم إنه يبيح الردة، وهو لم يبحها قط وما يستطيع مسلم أن يبيحها، وإنما يقول الترابي – شأن العديد من العلماء المعاصرين وبعض المتقدمين- إنه لا عقوبة دنيوية قانونية على الردة ما لم تتحول إلى خروج سياسي وعسكري على الجماعة. فالردة تبقى أعظم الذنوب في الإسلام، لأنها هدم لأساس الدين، ولا ينكر الترابي ولا غيره من المسلمين ذلك، لما ورد فيه من آيات محكمات، مثل قوله تعالى: “ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”[20].   وغاية ما يقول به الترابي إن عقوبة الردة –إذا لم يصحبها خروج على الجماعة- محصورة في العقوبة الأخروية، وفي ذلك يقول: “وللمجتمع بمشيئته أن يؤمن أو يكفر بالرسالة الحاملة للشريعة، متروكا لأجَل القيامة وحسابها في مواقفه”[21] “ويخلِّي الشرع للإنسان أن يصرف رأيه تثبتا أو تعديلا أو تبديلا، ولو في أصل مذهبه مؤمنا، قد يؤاخَذ على ذلك غيبا في الآخرة، ولكن لا يؤذيه أحد في الدنيا بأمر السلطان”[22]. فالذي يدعي أن الترابي بهذا يبيح الردة، كالذي يدعي أن القرآن يبيح الردة بقوله تعالى: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”[23] وما أفدحه من خطإ وأعرجَه من فهم!!   إن هنالك فرقا شاسعا بين الذنب الواقع بين العبد وربه، وبين الجريمة بالمعنى الجنائي الذي يعاقب عليه الشرع عقوبة قانونية دنيوية، فعدد الكبائر في الإسلام حسب ما يروى عن ابن عباس يناهز السبعين، والشرع لم يجعل لأكثرها عقوبة قانونية دنيوية، ولم يقصد الترابي في حديثه عن الردة أكثر من ذلك.. لكن الذين لا يميزون بين القانون الخلُقي (حق الله) والقانون الحقوقي (حق العباد) في الإسلام يخلطون في هذا الأمر خلطا عظيما.  وسنتحدث عن قول الترابي في عقوبة المرتد لا حقا في هذه الملاحظات، لأن ما يهمنا في هذه الفقرة هو بيان التحامل والتأويل السيء الذي لابس الجدل بين الترابي وخصومه.  وفي إطار التحامل وسوء الفهم يأتي اتهامهم للترابي بإباحة الخمر، وهو لم يبح الخمر قط، بل جاهد عقودا من الزمن لمحو الخمر من المجتمع السوداني المسلم الذي ابتلي بهذا الداء العضال منتصف القرن العشرين، حتى تحدث الدكتور عبد الوهاب الأفندي عن أن “ثقافة الجيش [السوداني]… كانت محكومة بقواعدها الخاصة التي تعتبر تعاطي الخمر وممارسة الزنا عنوانا للرجولة”[24].   ومرد سوء الفهم هنا هو الخلط بين القانون الخلُقي والقانون الحقوقي في الإسلام مرة أخرى. وهو لبس حاول الترابي في كثير من كتاباته إزالته، وبين أن تعاليم الإسلام أوسع كثيرا من أحكام الشريعة بالمعنى القانوني، فهي تشمل سلطة الضمير، وسلطة المجتمع، وسلطة القانون، أو بحسب تعبيره: “الوجداني الخاص للفرد، والاجتماعي الأخلاقي للمجتمع، والقطعي السلطاني للشريعة”[25]. وهو يؤكد ضمن هذه الرؤية أن القانون لا يطال شارب الخمر إلا إذا بلغت فعلته السلطان، فأصبحت بذلك أمرا عاما. وهذا قول صحيح، ولا يقصد به االترابي أكثر من كون استتار المذنب يجنبه العقوبة القانونية، وهو لم يقل إن ما فعله ذلك المذنب مباحا عند الله عز وجل. فعدم وجود عقوبة دنيوية على الذنب أو عدم إيقاعها لا يجعل الفعل مباحا، وكم من معصية شرعية نصبت لها الشريعة عقوبة أخروية، لكنها لم تعتبرها جريمة جنائية ولم ترسم لها عقوبة قانونية دنيوية. ومن المعلوم أن الشرع يأمر بالستر، ولا يبيح للحاكم التجسس على الناس وتتبع عوراتهم وذنوبهم، وإنما يأمره أن يأخذهم بما يجاهرون به. وقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: “اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نُقمْ عليه كتاب الله”[26] وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: ” إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم”[27].   إسقاط الخمار عن المرأة   ومن هذا الصنف القول بأن الترابي لا يرى وجوب الحجاب (بمعنى غطاء الرأس)، في حين أن الرجل لم يقل سوى أن القرآن الكريم لا يستعمل لفظ الحجاب بمعنى الخمار، وهو يقصد أن الواجب على عامة المؤمنات هو الخمار أي غطاء الرأس، وليس الحجاب بالمصطلح القرآني الذي يراد به الساتر المادي بين الرجال والنساء، وقد استُعمل في القرآن الكريم ضمن الحديث عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. فكان كلام الترابي في هذه المسألة تحليلا لغويا لا فتيا شرعية، وهو كلام صحيح ودقيق. لكن المتحفزين لتتبع عورات الرجل حملوا كلامه على أنه إسقاط لوجوب الخمار، وكلام الرجل صريح بأنه لا يقصد ذلك ولا يؤمن به. فكتاب الترابي عن “المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع” طافح بالدعوة إلى العفاف والستر بما في ذلك الخمار، وفيه يقول الترابي: “وهديُ النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يبدو من المرأة إلا الوجه والكفان”[28]. وقد بين الترابي المحامل السيئة التي حمل عليها خصومه كلامه عن الحجاب والخمار، فقد سألته صحيفة الشرق الأوسط يوم 21/4/2006: “أثار حديثكم عن الحجاب جدلا واسعا، باعتبار أنه تغطية الصدر من دون الرأس.. فما حقيقة هذا الأمر؟” فرد الترابي: “هذه أكاذيب بعض الصحافيين الذين لم يحضروا الندوة التي تحدثت فيها عن بعض قضايا المرأة المسلمة. فهناك كلمات كُتبتْ لم أقلها، فبعض الصحافيين يستهويهم اسم الترابي فينسبون إلي ما لم أقله. فأنا في تلك الندوة ما كنت أتحدث عن أحكام أصلا، بل كنت أتحدث عن أن لغة القرآن نفسها اختلفت جدا في مصطلحات الناس. فالقرآن تحدث عن الحجاب أنه في حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نساء الرسول عليهن أحكام خاصة عن غير النساء وعلى الرسول نفسه أحكام خاصة من دون الرجال المؤمنين… فالحجاب هو ستار عام ليس هو زي في لبس المرأة. فهو حجاب عام قد يتخذ استعارة في اللغة كأن تصف أن بين الناس وبين القرآن حجابا… قلت في المحاضرة إذا تحدثنا عن زي المرأة لا تتحدثوا عن حجاب والمعركة حول الحجاب والمحتجبة، لكن تحدثوا عن الخمار، تحدثت هكذا بيانا للغة لا الأحكام… ولكن يطير بعض الناس بالأخبار (الترابي أنكر الحجاب) (الترابي يقول إن الحجاب للصدور فقط) كأني أريد أن يكون كل ما تحت الصدر أي من البطن كله يكون كاشفا!! ولكن هذا غباء عظيم وتزوير في الروايات عن الناس. ليت الصحافيين فقط يأخذون سماعة الهاتف ويسألونني ليتثبتوا من مثل هذه الأخبار… أنا لا أسميه أصلا حجابا، أسميه خمارا، لأن القرآن سماه لنا خمارا وسمى لنا الستار في الغرفة حجابا”[29]. ولولا ولع الترابي بالتدقيق اللغوي والاصطلاحي لما اهتم أحد بهذا الأمر أصلا. وعموما فهو لم يفعل هنا سوى أنه آثر استعمال الاصطلاح القرآني على الاصطلاح الفقهي السائد. ***** القسم الثاني من المآخذ على الترابي قضايا فقهية فروعية يصلح الاختلاف فيها، وفيها خلاف قديم طمره تراكم الجهل وطول العهد وانبتات الأمة عن تراثها الزاخر، مثل قتل المرتد، وإمامة المرأة الرجال، وبقاء المسلمة في عصمة زوجها المسيحي، وتنصيف شهادة المرأة بشهادة الرجل في الأموال. وآراء الترابي فيها –في تقديري- منها ما هو مقبول ومستنده قوي رغم إغرابه وقلة القائلين به اليوم، مثل رفضه لقتل المرتد المسالم، وتسويته بين الرجل والمرأة في الشهادة، ومنها ما هو ضعيف المستند، لكنه يبقى من موارد الاجتهاد، وقد قال به علماء أعلام من قبل، فلم يجعلهم ذلك كفارا، ولا حتى أخرجهم شذوذهم عن دائرة “السنة والجماعة”، وهي دائرة أضيق كثيرا من دائرة الإسلام الواسعة. فتحويل هذا الأمر اليوم إلى قضية كفر وإيمان غلو وتهويل، وهو يدل على الروح السياسية والطائفية التي سادت هذا الجدل أكثر من الروح العلمية النزيهة.   إمامة المرأة الرجال   وخذ مثلا قضية إمامة المرأة الرجال. فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل جوازها في بعض الظروف فيقول: “جوَّز أحمد في المشهور عنه أن المرأة تؤم الرجال لحاجة، مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين، فتصلي بهم التراويح، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأم ورقة أن تؤم أهل دارها، وجعل لها مؤذنا. وتتأخر خلفهم وإن كانوا مأمومين بها للحاجة. وهو حجة لمن يجوز تقدم المأموم لحاجة”[30] ويقول ابن تيمية: “قلت: ائتمام الرجال الأميين بالمرأة القارئة في قيام رمضان يجوز في المشهور عن أحمد. وفي سائر التطوعات روايتان”[31]. وهذا الإمام النووي يقول: “قال أبو ثور والمزني وابن جرير تصح صلاة الرجال وراءها حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبدري”[32]. وهذا ابن رشد يقول: “اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال، واختلفوا في إمامتها النساء، فأجاز ذلك الشافعي، ومنع ذلك مالك. وشذ أبو ثور والطبري فأجازا إمامتها على الإطلاق”[33]. فحديث قول الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان عن “إجماع الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أن المرأة لا تؤم الرجال” تعميم لا يصلح، وتجاهل لقول الإمام أحمد وغيره في هذا الباب.    لقد تمنيت لو أن خصوم الترابي تحدثوا في هذا الأمر بلغة فقهية مثل لغة ابن رشد إذ يقول: “وشذ أبو ثور والطبري، فأجازا إمامتها على الإطلاق”. فلم لا نقول: “شذ الترابي فقال بإمامتها على الإطلاق”، بديلا عن لغة التكفير والتشهير؟!؟ فليس من علماء الإسلام المعتبَرين إلا وله أقوال شاذة وغرائب، والشذوذ يسمى شذوذا ولا يسمى كفرا أو فسوقا. وكم من رأي فقهي كان شاذا في عصر ثم تلقاه الناس بالقبول في عصر آخر، فابن تيمية رحمه الله لقي عنَتا كثيرا من علماء عصره والعصور الخالفة من بعدهم، لقوله بعدم إيقاع الطلاق ثلاثا في لفظ واحد، لكن أغلب الفقهاء اليوم يقولون بقوله هذا.   وبالطبع فإن مستند الترابي في قوله بإمامة المرأة، هو ذاته مستند أبي ثور والطبري والمزني ممن قالوا بإمامة المرأة الرجال في الفرائض، ومستند الإمام أحمد في قوله بإمامتها في التراويح، وهو حديث أم ورقة رضي الله عنها أنها “كانت قد جمعت القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها”[34] وفي رواية: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها”[35] وفي رواية ثالثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “انطلقوا بنا نزور الشهيدة. وأذِن لها أن يُؤذَّن لها، وأن تؤم أهل دارها في الفريضة، وكانت قد جمعت القرآن”[36].   وقد تضمن حديث أم ورقة تعيين مؤذن لها مما يرجح صلاة رجل واحد على الأقل خلفها.. كما أن رواية ابن خزيمة تتحدث عن كونها ” تؤم أهل دارها في الفريضة” وهو ما ينفي حصر إمامة المرأة الرجال في النوافل أو التراويح فقط.   فالذي أراه في هذا الأمر -والله أعلم بالصواب- أن إمامة المرأة الرجال في صلاة الفريضة بالمساجد لا تجوز قطعا، إذ الأصل في الشعائر التوقف، ولم يرد نص بإمامة المرأة الرجال في الفريضة بالمسجد، فيجب القول بتحريمه رغم أنف القائلين بالإطلاق، مثل أبي ثور والطبري والترابي.. وكل ما سوى ذلك -مثل إمامتها أهل بيتها رجالا ونساء في الفريضة، وإمامتها غير أهل بيتها من الأميين وهي قارئة في النوافل والتراويح- فهو من موارد الاجتهاد التي لا ينبغي التحريج فيها، فضلا عن التكفير والتشهير..  وقد بين الفقهاء القائلون بإمامة المرأة الرجال أنها إذا أمتهم فلا تكون أمامهم، بل خلفهم أو محاذية لهم، بل حتى لو أمت المرأة النساء فإنما تقف وسطهن لا أمامهن. وهذا الذي يدل عليه فعل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: ففي الحديث أن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أمَّتا نساء فقامتا وسطهن[37].   وقد احتجت “الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان” على الترابي بضعف حديث أم ورقة، وهو احتجاج في غير محله. فقد حسن الألباني هذا الحديث كما رأينا، واعتبره ابن القيم مثالا على “السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في استحباب صلاة النساء جماعة لا منفردات”[38]. كما احتج مفتي المملكة العربية السعودية على الترابي بحديث “ألا لا تؤمَّنَّ امرأة رجلا”، وهو احتجاج غريب منه، لأن جمعا من جهابذة علم الحديث صرحوا بضعف هذا الحديث، منهم البيهقي[39] والنووي[40] والمزي[41] والذهبي[42] وابن الملقن[43] وابن القيم[44] وابن كثير[45] وابن حجر[46] والشوكاني[47] والألباني[48]… وآخرون غيرهم.   قتل المرتد وقتاله   مثال آخر من مسائل هذا القسم من المآخذ التي أُخذت على الترابي، هو رفضه قتل المرتد. ومن حق الترابي أن يجتهد في موضوع عقوبة القتل على الردة، وله في ذلك مستند من آيات القرآن الكريم، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين. فقد أجمع الصحابة على قتل المرتد المحارب، كما هو واضح من حروب الردة التي قادها الصديق ضد المرتدين عن الإسلام الخارجين على سلطة الخلافة الراشدة. أما المرتد غير المحارب، فقد صح عن بعض الصحابة منهم أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ما يفيد قتل المرتد المسالم. ففي البخاري:”… زار معاذ أبا موسى، فإذا رجل مُوثَق، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لأضربن عنقه”[49]. وفي المقابل صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يفيد عدم قتل المرتد المسالم، وهو واضح من قول عمر عن رهط من بني بكر بن وائل ارتدوا والتحقوا بالمشركين وقتلهم المسلمون في المعركة: “لأن أكون أخذتهم سِلْما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء، قال:[أنس بن مالك] فقلت: وما كان سبيلهم لو أخذتَهم سلما؟ قال [عمر]: كنت أعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه، فإن أبوا استودعتهم السجن”[50].. والسؤال هنا هو: هل من الوارد أن يتأسف عمر على قتل مرتدين لو كان يؤمن بأن قتل المرتد حد من حدود الله؟ وهل سيتحدث عن إيداعهم السجن لو كان يؤمن بأن حد الردة القتل وهو من هو في الشدة والصرامة في الحق؟!؟ وهل يدرك المسارعون إلى المناداة بإهدار دم المرتد مغزى قول عمر: “لأن أكون أخذتهم سلما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء”؟!؟   فإذا أضفنا إلى ذلك أن اثنين من أعلام التابعين هما الثوري والنخعي أنكرا حد الردة وقالا بالاستتابة أبدا.. وأن بعض علماء الأحناف لا يرون قتل المرأة بالردة لأنها ليست محاربة.. ترجح لدينا ما يقول به الترابي وغيره من المعاصرين من التمييز بين الردة الفكرية، والردة السياسية-العسكرية، فالأولى لا عقوبة عليها في القانون الجنائي الإسلامي، والثانية لها عقوبة تعزيرية تترواح ما بين القتل والسجن وغير ذلك مما تقدره السلطة الشرعية العادلة. وعلة العقوبة هنا تفريق صف الجماعة والخروج على نظامها الشرعي، فهي عقوبة على الجريمة المصاحبة لتغيير الدين لا على تغيير الدين. أما تغيير الدين فعقوبته عقوبة أخروية عند الله تعالى، وهي أغلظ من أي عقوبة دنيوية يتخليها البشر. ومما يرجح التمييز بين الردة الفكرية والردة السياسية-العسكرية أن لفظ الردة في عهد النبوة كان يستخدم استخداما واسعا لا يقتصر على معناها الاعتقادي الذي شاع في كتب الفقه فيما بعد، ومن ذلك: “قال رجل أما سلمة فقد ارتد عن هجرته”[51].   والتمييز بين قتال المرتد المحارب وقتل المرتد المسالم ليس بجديد، فقد عزاه ابن حزم إلى طائفة من أهل العلم، وشرحه بموضوعية فقال: “ومنهم من قال‏‏ بالاستتابة أبدا وإيداع السجن فقط،‏ كما قد صح عن عمر مما قد أوردنا قبل‏.‏ ووجوب القتال‏‏ هو حكم آخر غير وجوب القتل بعد القدرة‏,‏ فان قتال من بغى على المسلم‏,‏ أو منع حقا قِبَله‏‏ وحارب دونه،‏ فرض واجب بلا خلاف، ولا حجة في قتال أبي بكر رضي الله عنه أهل الردة‏,‏ لأنه حق بلا شك‏,‏ ولم نخالفكم في هذا‏,‏ ولا يصح أصلا عن أبي بكر أنه ظفر بمرتد عن الاسلام غير ممتنع باستتابة‏ فتاب‏ فتركه‏,‏ أو لم يتب فقتله، هذا ما لا يجدونه‏”[52].   وغاية ما يقال في موضوع قتل المرتد المسالم أن فيه تعارضا لظواهر النصوص، وتباينا في فعل الصحابة رضي الله عنهم، فالذين يتمسكون به من العلماء مستمسكون بظواهر أحاديث صحيحة تأمر بقتل المرتد، مثل قوله صلى الله عليه عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه”[53] والذين يرفضون قتل المرتد مستمسكون بظواهر آيات محكمات تنهى عن الإكراه في الدين، ومنها قوله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”[54] وقوله تعالى: “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”[55]. أما القول بأن الإكراه المنهي عنه في الآية محصور في الإكراه على دخول الدين ابتداء، وأن الإكراه على الرجوع إلى الدين تحت طائلة السيف غير داخل في عموم الآية.. فهذا تكلف بارد، خصوصا وأن الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم في اللغة العربية وهي النكرة في سياق النفي والنهي: “لا إكراه”.   وأما قول ابن حزم: “لم يختلف مسلمان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنيين من العرب إلا الاسلام أو السيف الى أن مات عليه السلام فهو إكراه في الدين”[56] فهذا تعميم بعيد عن الدقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الجزية من مجوس هجر، وهم عرب وثنيون يعبدون النار. كما وادع النبي صلى الله عليه وسلم قبائل عربية كثيرة، وتوفي صلى الله عليه وسلم وبعضها لمَّا يدخل الإسلام بعد[57].   فإذا كان للمتمسك بأحديث آحاد ظنية الورود والدلالة في موضوع الردة عذرُه الشرعي وثوابه على اجتهاده، فالمتمسك بنصوص القرآن المحكمة أوْلى بالعذر وأحق بالأجر. وإذا كان لنا أن نستسيغ تأويل الآيات المحكمات لتتوافق مع أحاديث الآحاد، أفليس الأوْلى أن نستسيغ تأويل أحاديث الآحاد لتتواءم مع نصوص الآيات؟ لقد تمسك الترابي –ومثله في ذلك كثيرون- بمنطوق الآيات الناهية عن الإكراه في الدين، فقال: “من ارتد عن دينه فلا إكراه في الدين، ولا استتابة أو عقوبة بالسلطان، وإنما التكليف على المؤمنين أن يلاحقوا المرتد بالدعوة والمجادلة، حتى يتوب ويستقر أشد إيمانا، ويخلص صدقا لا مراءاة وخوفا من العقاب العاجل”[58]. وتأولوا الأحاديث الواردة في ذلك بأن المقصود بها فقط الردة الحربية. ويبقى للقاضي المسلم النزيه أن يوازن هذا الخلاف في عقوبة الردة، ويعتبره شبهة كافية لدرء العقوبة كما يراه الترابي ونؤيده فيه، أو يلغي الخلاف ويتمسك بالنظرة الفقهية السائدة دون تدقيق.   تنصيف شهادة المرأة   ومن مسائل هذا الباب تسوية الترابي بين شهادة الرجل وشهادة المرأة مطلق، خلافا لما يدل عليه ظاهر آية الدَّين في سورة البقرة من التمييز بين شهادتيْهما في المال: “واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتُذكِّر إحداهما الأخرى”[59]. لكن وضع الآية ضمن سياق أعمَّ يظهر أن الأمر من موارد الاجتهاد. فالقول بأن تنصيف الشهادة حكم مُعلَّل بظروف الزمان والمكان في عصر النبوة، يوم كانت المرأة عديمة الخبرة في عالم التجارة والمال قولٌ وجيه.   وقد نقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية كلاما يميل فيه إلى هذا التعليل، إذ قال: إن “استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال فى العادة، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل”[60]. صحيح أن ابن تيمية لم يسوِّ شهادة المرأة بشهادة الرجل في الأموال فيما نعلم عنه، لكنه فتح الباب للاجتهاد في ذلك إن دعت لذلك مصلحة أو اقتضته ظروف الزمان المتبدلة، إذ يقضي كلامه هنا أن زوال الخوف من النسيان وعدم الضبط -كما هو الحال في شهادة امرأة خبيرة بالمحاسبة وإدارة الأعمال مثلا- يجعل شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل أو تفوقها.   وقد رفض الإمام محمد عبده ما ذهب إليه أكثر المفسرين الأقدمين من القول بالنقص في خِلقة المرأة ذهنيا وعاطفيا، وأن ذلك هو السبب في تنصيف شهادتها، فقال: “تكلم المفسرون فى هذا، وجعلوا سببه المزاج، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان، وهذا غير متحقق، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات”[61]. فالشيخ عبده ربط الحكم بالظروف الاجتماعية المتغيرة، ولم يجعل علته أبدية. والذي يتتبع أبواب الشهادة في الفقه الإسلامي باستقراءٍ متوسِّعٍ، يجد أن مدار الأمر كله على حفظ الحقوق، وآية ذلك عدالة الشهود وخبرتهم، دون اعتبار لذكورة أو أنوثة. لاحظْ مثلا قبول شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من جراح في المذهب المالكي، رغم أن الأصل رفض شهادة الصبي. ولاحظ قبول شهادة القابلة في قضية استهلال الوليد الدالة على ولادته حيا، حتى قال الإمام أبو حنيفة فيما نقله عنه ابن القيم: “تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو نصرانية”[62].   وقد سوَّى القرآن الكريم بين شهادة الرجل والمرأة في اللعان، فطالب أن يشهد كل منهما خمس شهادات تثبت صدقه وكذب خصمه، ولم يجعل على المرأة ضعف ما على الرجل من شهادات، ولا جعل شهادتها نصف شهادة الرجل. فتخصيص المال بتنصيف الشهادة في القرآن الكريم إذن مما قد يكون معللا. كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة المرضعة الواحدة: “عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل. ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره”[63]. وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بالقول: “ففي هذا قبول شهادة المرأة الواحدة وإن كانت أمَة”[64].   وقد تواتر قبول علماء الحديث رواية المرأة الواحدة للحديث النبوي، سواء بسواء مع الرجل. وما من ريب أن الشهادة على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كذا) أهم وأعمق أثرا على الملة والأمة من الشهادة على أن فلانا استدان من فلان بضعة دراهم أو دنانير.   فما ذهب إليه الترابي من أن تنصيف شهادة المرأة في آية الدَّين حكم معلَّل بعدم خبرة النساء حينها بالتجارة والتوثيق، وأنه يزول بزوال علته حينما يتعلم النساء ويتمرسن بالتجارة قول وجيه واجتهاد مُعتَبر، وليس هو مما يُنكَر. وكم من حكم معلل غير هذا في الكتاب والسنة زال بزوال علته، مثل أمر القرآن الكريم للمسلمين بإعداد الخيل لمواجهة عدوهم لما كانت الحرب على ظهور الخيل هي السائدة، وقد زال الحكم وأصبح إعداد الصناعات الحربية الحديثة هو المطلوب. ومنها أحكام كثيرة في باب الرق والحرب زالت بزوال موضوعها.   فلا أحد من علماء الإسلام اليوم يقول بأن أسرى الحروب يمكن استرقاقهم وبيعهم، واستحلال نسائهم سبايا، وغير ذلك من تقاليد الحروب القديمة التي كانت سائدة قبل الإسلام وفي صدر الإسلام. وإنما يتفق الجميع على أن تلك الأمور محدودة بحدود زمانها. فليس في القول بزوال الحكم بزوال علته نقض للنص الشرعي ولا خروج عليه، لأن الذي تغير هو موضوع الحكم وواقع الحال، وليس الحكم الشرعي ذاته. ومثل هذا النوع من الاجتهاد هو اجتهاد في النص، وليس اجتهادا في محل النص.   زواج المسلمة من الكتابي   ولعل المسألة الوحيدة التي أغرب فيها الترابي جدا هي قوله بزواج المسلمة من الكتابي ابتداء. وهو هنا يتعلق بأدلة نفي أكثر من تعلقه بأدلة إثبات، ويرى أن آية سورة البقرة التي تحرم تزويج المشركين والزواج منهم: “ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ… ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا…”[65]  لا تنطبق على أهل الكتاب، لأن القرآن الكريم لا يسمي أهل الكتاب “مشركين” في الغالب. كما يرى أن آية الممتحنة: “فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن”[66] من العام الذي أريد به الخصوص لأنها جاءت في سياق الحديث عن الكفار الوثنيين من أهل مكة، ولا يدخل أهل الكتاب في مدلولها.   ولم أجد للترابي مستندا قويا في هذه المسألة تبرر مخالفته الفهم المتعارف عليه بين أهل العلم في هذا الباب. بل لا أشك في خطئه في استدلاليْه كليهما: فتعلقه بالتمييز في الاصطلاح القرآني بين المشركين وأهل الكتاب، وبين الكفار وأهل الكتاب لا يسعفه هنا، لأنه تمييز اصطلاحي فقط، والأصل اشتراكهم في صفة الشرك والكفر كما يقرُّ الترابي بذلك. وكذلك اشتراكهم فيما يترتب على ذلك من أحكام، إلا ما دل الدليل على اختلافهما فيه، مثل زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية. وقصر “الكفار” في آية الممتحنة على كفار قريش أو غيرهم من غير أهل الكتاب ادعاء يحتاج إلى برهان، وهو يقتضي أن تكون “ال” في لفظ “الكفار” هنا عهدية لا استغراقية، ولا دليل على ذلك من اللغة حسب ما أعلم.   ولا أعلم خلافا بين أهل العلم في تعميم قوله تعالى :”لا هن لهم ولا هم يحلون لهن” على جميع الكفار من وثنيين وأهل كتاب. وهو تعميم جدير أن يؤخذ به، خصوصا وأن الآية كررت التحريم مبالغة وتأكيدا. قال البيضاوي: “والتكرير للمطابقة والمبالغة، أو الأُولى لحصول الفُرقة والثانية للمنع عن الاستئناف”[67]. ومثله قول الألوسي: “قوله تعالى: (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)… تعليل للنهي عن رجْعهن إليهم. والجملة الأولى لبيان الفرقة الثابتة وتحقق زوال النكاح الأول، والثانية لبيان امتناع ما يُستأنَف ويُستقبَل من النكاح”[68]. ولم تعلل الآية التفريق باحتمال الاضطهاد والفتنة في الدين، رغم أنه احتمال شبه متحقق. وهذا ما يؤكد عموم الآية في كل الكفار، وثنيين وأهل كتاب، محاربين ومسالمين. فمجمل القول هنا أن ظواهر القرآن تقضي بتحريم زواج المسلمة من الكافر عموما، والتمسك بظواهر النصوص حتى تدل القرائن على صرفها عنها أمر لا زم شرعا، دفعا للتسيب ومنعا للقول في دين الله بالأمزجة والأذواق. والذي أراه وجوب التمسك بظواهر هذه الآيات المانعة من زواج المسلمة من الكتابي ابتداء، حتى ولو اعتبرنا بقاءها مع الكتابي الذي تزوجته قبل إسلامها من موارد الاجتهاد، لأنه ورد عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه يقول الشيخ القرضاوي الآن، عملا بأنه “يغتفر انتهاء ما لا يغتفر ابتداء”.   ولست أشك في أن الترابي مخطئ خطأ جسيما في فهم آية الممتحنة، وهو خطأ تترتب عليه أمور جسام لها صلة بالأسرة المسلمة، وتربية النشء على الإسلام. لكن تبقى هذه الفروع فروعا، فمخالفة الفقيه الفقهاء السابقين في فرع من الفروع، تأولا منه للنصوص، لا يخرجه من ربقة الإسلام، بل لا يجعله مذنبا وهو يقول ما يدين الله تعالى به مما أدى إليه جهده واجتهاده، بل يبقى مجتهدا مأجورا في حال الخطإ والصواب كليهما. وأغلب ما نظن أنه مخالف للإجماع ليس فيه إجماع أصلا، وإنما نحن نجهل الأقوال المخالفة فيه. وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: “سمعت أبي يقول: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا ما يدريه ولم ينته إليه، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا”[69]. وهذا كلام أهل التحقيق والتدقيق، أما أهل التعميم والتهويل فلا يترددون في نقل الإجماع فيما لم يعلموا فيه مخالفا، فيضيقون واسعا من دين الله.   أما محاولة الترابي تبرير زواج المسلمة من الكتابيّ بالمصلحة في قوله: “علينا أن نترك للأقليات المسلمة التي تعيش مع الكتابيين، والذين تهمهم هذه القضية أن يقدِّروا الأمر حق قدره، وأن يزوجوا بناتهم للكتابيين، لعل هؤلاء البنات يأتين بالكتابيين من خلال العلاقة الزوجية إلى الإسلام”[70] فالوقائع لا تعضّده كذلك. ولأني أقمت ولا أزال أقيم في الولايات المتحدة منذ أعوام مديدة، فقد عرفت عن كثب ما يعرفه كل المسلمين في هذه البلاد من أن المصلحة تكمن في منع زواج المسلمة من الكتابي. فقد رأينا رجالا كتابيين كثرا دخلوا الإسلام بإقناع من نساء مسلمات عزيزات الأنفس، رفضن  الزواج منهن من دون ذلك. وقد أسلم في مركزنا الإسلامي بولاية تكساس الأميركية صحفي أميركي شاب منذ شهور، بعد أن أقنعته بذلك فتاة تركية مسلمة أراد الزواج منها. أما المسلمات اللاتي تزوجن كتابيين من غير أن يسلموا –وهي حالات نادرة جدا- فقد ضيعن دينهن وأطفالهن، وذُبْن في الثقافة السائدة ذوبان الجليد في النار.     رد الأحاديث الصحيحة   ومما أثار حفيظة البعض على الترابي رده بضعة أحاديث في البخاري ومسلم، وأكثر هؤلاء ممن اعتادوا الأجوبة السهلة على الأسئلة الصعبة، فأغلب أحكام الشريعة عندهم معلومة من الدين بالضرورة، وجلُّ النصوص محكمة، وجميع أحاديث الصحيحين ثابتة، ولم يترك المتقدمون للمتأخرين من قول. ولقد سمعت أحد هؤلاء يرد على الترابي قائلا: “إذا قال مسلم إن الماء حرام فهو كافر، لأن ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة”، فتعجبت من البون الشاسع بين هذا القول وبين قول الله تعالى: “ولكن من شرح بالكفر صدرا”[71]. كما سمعت آخر يقول: “إن من رد حديثا واحدا صحيحا فهو كافر” وهو لا يدري –على ما يبدو- أن العلامة ابن دقيق العيد جمع مجلدا من الأحاديث الصحيحة، التي لم يعمل بها هذا الإمام أو ذاك من أئمة المذاهب الأربعة.   فليس رد حديث آحاد صحيح لاعتقاد مخالفته القرآن، أو مخالفته ما هو أصح منه من الأحاديث، بكفر ولا ذنب، بل هو عمل اجتهادي يلجأ إليه كل المجتهدين في معرض تعارض الأدلة وتواردها على نفس المحل. كما أن هناك فرقا شاسعا بين راد الحديث النبوي إنكارا للرسالة وتكذيبا بحاملها، وبين راد الأحاديث اعتقادا بانتحالها وضعف نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.   وليس من ريب أن صحيحي البخاري ومسلم هما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وأن مجمل أحاديثهما صحيحة النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال صحة كل حديث أخرجاه، فقد رد عدد من الحفاظ أحاديث في صحيحيْ البخاري ومسلم،  منهم أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والترمذي، والعقيلي، والنسائي، وأبو نعيم، والدارقطني، وابن منده، والبيهقي، وابن الجوزي، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن القيم، والألباني..الخ. وقد ضعَّف البخاري نفسه أواحدا أو اثنين من الأحاديث الواردة في صحيح مسلم.   وفي البخاري ومسلم حوالي أربعين حديثا ردها هذا العالم أو ذاك من هؤلاء الجهابذة. وأكتفي هنا ببضعة أمثلة منها:   حديث أبي الزبير في صحيح البخاري “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار البيت ليلا”ً. قال الذهبي: “هو عندي منقطع”[72]. وقال ابن القيم: “وهذا الحديث غَلَط بيِّنٌ، خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم الذي لا يشك فيه أهل العلم”[73].   حديث أبي سفيان في صحيح مسلم الذي طلب فيه من النبي صلى الله عليه الزواج من ابنته أم حبيبة رضي الله عنها. قال ابن القيم بعد مناقشة ضافية: “فالصواب أن الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط والله أعلم”. ونقل عن ابن حزم قوله: “هذا حديث موضوع لا شك في وضعه”[74]. وقال ابن تيمية: ” “غلَّطه [أيْ مسلماً] في ذلك طائفة من الحفاظ”[75].   حديث مسلم حول صلاة الكسوف ثمان ركعات. قال الألباني: “ضعيف، وإن أخرجه مسلم”[76] وقال ابن تيمية: “ضعّفه حُذّاق أهل العلم”[77].   حديث مسلم: “لا تذبحوا إلا مسنة”. قال الألباني: “كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة”[78].   وقد أفرد بعض علماء الحديث كتبا لنقد أحاديثَ في البخاري ومسلم وبيان عللها في السند أو في المتن، أشهرها كتابا الدارقطني: “الإلزامات” و”التتبع”. ومنها كتاب: “غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأسانيد المقطوعة” للعطار، وكتاب :”علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم” لأبي الفضل بن عمار. وضعَّف العلامة ناصر الدين الألباني -وهو شيخ علوم الحديث والأثر في عصرنا- عشرات الأحاديث الواردة في أحد الصحيحين. ولا غرابة أن كان أكثر المطعون فيه من صحيح مسلم لا صحيح البخاري. قال ابن تيمية: “جمهور ما أُنكر على البخاري مما صحّحه، يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجّاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه”[79]. وعموما فإن التعميم والتهويل حول صحة كل حديث في الصحيحين ونقل الإجماع على ذلك إنما شاع حينما انحطت علوم الحديث، وساد فيها التقليد.   لقد رد الترابي بضعة أحاديث مما أخرجه البخاري ومسلم، استنادا إلى فهمه من تعارضها مع نصوص القرآن، لا تشكيكا في السنة ولا طعنا في حجيتها. ولأهل العلم أن يناقشوه في ذلك، وأن يطالبوه بالدليل فيما ادعاه من انتحال تلك الأحاديث، لكن الأمر كله يجب أن يظل نقاشا علميا من غير تكفير أو تشهير من جهتهم، ومن غير تبجح أو استهتار من جهته.   رجوع المسيح وظهور الدجال   القسم الثالث قضايا اعتقادية خالف فيها الترابي الفهم المتعارف عليه، وأهمها إنكاره رجوع المسيح عليه السلام وظهور الدجال، وكلامه في عصمة الأنبياء. أما مسألة رجوع المسيح فإنكار الترابي لها تعلق منه بظواهر آيات قرآنية مثل قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام: “ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد”[80] فهو يرى أن البعدية المذكورة في هذه الآية تنفي ما ذهب إليه الجمهور من أن عيسى بن مريم لا يزال حيا، وسيرجع في آخر الزمان. كما أن قوله تعالى على لسان عيسى: “وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا”[81] يثير إشكالا حول دفعه للزكاة إذا كان حيا يرزق في السماء اليوم!!   واعتمادا على ظواهر الآيات رد الترابي أحاديث البخاري ومسلم حول عودة المسيح وظهور الدجال، وألح على أن هذه الأحاديث أثر من آثار الثقافة المسيحية على التراث الإسلامي، تسربت إلى كتب الحديث دون وعي من أهلها، فقال في مقابلته مع الشرق الأوسط يوم 21/4/2006: “الأحاديث تقول يوشك أن ينزل عليكم عيسى ويفعل كذا، فأنا أصرف هذه الروايات إلى أثر الثقافة النصرانية، وأنها نسبت خطأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم”. وبمثل ما يقول الترابي قال العلامة المجدد محمد رشيد رضا من قبل، وكان أكثر تحديدا وتفصيلا فقال: “فنزول عيسى عقيدة أكثر النصارى وقد حاولوا في كل زمان منذ ظهر الإسلام بثها في المسلمين، وممن حاولوا ذلك بإدخالها في التفسير وهب بن منبه الركن الثاني بعد كعب الأحبار في تشويه تفسير القرآن بما بثه من الخرافات” وزاد: “ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عن كعب وكان يصدقه… ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب ، وكان يصدقه”[82]. وبمثل ذلك قال من المعاصرين محمد أبو زهرة ومحمود شلتوت والشيخ المراغي من علماء الأزهر. أما محمد الغزالي فقد نبه إلى نقطة مهمة، وهي أن القول بأن عيسى عليه السلام لا يزال حيا في السماء، تحمل شيئا من “شوائب الألوهية” في المسيحية[83].   وقد توصل الشيخ رشيد رضا إلى أنه “ليس في الكتاب والسنة نص قطعي الثبوت والدلالة على نزول المسيح يوجب على المسلمين الاعتقاد بذلك، وإنما ورد في نزوله أحاديث اشتهرت لغرابة موضوعها وتخريج الشيخين لها، وأكثرها عن أبي هريرة، وهذه المسألة من المسائل الاعتقادية التي يُطلب فيها النص القطعي المتواتر”[84].   أما كعب الأحبار الذي يتحدث عنه رشيد رضا هو الذي قال فيه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في صحيح البخاري: “إن كان من أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب”[85]. ونقلُ أبي هريرة عن كعب معروف في الأخبار الصحيحة، ومنها الحديث التالي: “عن أبي هريرة أنه قال: خرجت إلى الطور، فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”[86].   وأقل ما يقال في أحاديث البخاري ومسلم حول عودة المسيح ابن مريم وظهور المسيح الدجال أنها غريبة ومثيرة للريبة، وقد أشكلت على علماء أعلام في الماضي، منهم البيهقي وابن حجر وغيرهما، لمعارضة بعضها ليقينيات الوقائع، ومناقضة بعضها لبعض. ففي صحيح البخاري أحاديث توحي بأن الدجال هو الشاب اليهودي الغريب الأطوار صاف بن صياد الذي عاش في المدينة على عهد النبوة. فقد أخرج البخاري “عن محمد بن المنكدر: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم “[87]. وورد عن ابن عمر وأبي ذر بأسانيد صحيحة أنهما كانا يحلفان على ذلك[88]. كما ورد في صحيح مسلم عن أم المؤمنين حفصة بنت عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما شكهما في أن ابن صياد هو الدجال[89]. وقد حاول ابن حجر بتكلف شديد أن يتغلب على الإشكال بالقول إن “ابن صياد هو شيطان تبدّى في صورة الدجال في تلك المدة”[90] وليس هو بالدجال الحقيقي الذي يأتي في آخر الزمان، ونسي أن أحاديث البخاري تدل على شك النبي صلى الله عليه وسلم في أن ابن صياد هو الدجال الحقيقي، ولذلك قال لعمر: “إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله”[91]. فهل استيقن ابن حجر أن ابن صياد مجرد شيطان وليس هو الدجال الأكبر، وغاب ذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وحفصة بنت عمر وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر الغفاري وأبي سعيد الخدري!؟   ومن أمثلة هذا الاضطراب في أحاديث المسيح ابن مريم والمسيح الدجال حديث في صحيح مسلم يصرح بأن ظهور الدجال ونزول المسيح يكون بعد رجوع الجيش الإسلامي إلى الشام من فتح القسطنطينية مباشرة: “…فيفتتحون قسطنطينية، فبينماهم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون، وذلك باطل. فإذا جاءوا الشام خرج. فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة. فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم. فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء. فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته”[92]. والمشكلة في هذا الحديث أن القسطنطينية تم فتحها منذ أكثر من خمسة قرون، وعادت منها الجيوش الإسلامية ظافرة، فما وجدت المسيح ولا الدجال!!! إن أحاديث رجوع المسيح ابن مريم وظهور المسيح الدجال فيها اضطراب وتناقض كبير، أثارا حيرة العلماء الأعلام على مر العصور. فلم يك الترابي أول من شك في صحتها ولن يكون آخرهم. فطالب الثانوية المسلم اليوم يدرك أنه أن الإنسان المعاصر قد وصل إلى كل موطئ قدم من اليابسة، بل اطلع على الكثير مما في باطن الأرض، وصوَّر طبقاتِها الجيولوجية ومعادنَها وكنوزَها، ورحل إلى القمر، وهو الآن يخطط للرحيل إلى المريخ. فهل نلزم هذا الشاب المسلم أن يؤمن بما رواه لنا مسلم في حديث تميم الداري الطويل المشهور أن الدجال موثق بالحديد في جزيرة وصل إليها بحارة عرب ضلوا طريقهم، تحرسه دابة عجيبة الخلق تتحدث اللغة العربية بطلاقة!! قال تميم الداري ضمن خبره الطويل الذي ينسب الإمام مسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصديقه فيه: “…حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية. فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأَنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة،  فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يُدري ما قبُله من دبُره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا وما الجساسة؟ قالت: اعمَدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق… قال….إني مخبركم عني، إني أنا المسيح [الدجال]، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج. فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا”!![93] .   وهذه الغرائب غيض من فيض مما ورد في نزول المسيح وظهور الدجال. ويبقى السؤال: أين تلك الجزيرة اليوم بعد أن مسح الإنسان سطح الأرض مسحا؟! وأين الدجال الموثق فيها بالحديد؟! وهل هو الشاب اليهودي ابن صياد الذي عاش في المدينة وحج أو اعتمر إلى مكة كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري[94]؟ أم هو ذلك الرجل الموثَق في تلك الجزيرة النائية الذي تمنعه الملائكة من دخول المدينة ومكة كلتيهما كما في صحيح مسلم أيضا من حديث تميم الداري!؟   ليس مما يخدم الإسلام في شيء –وهو دين العلم والبرهان- أن يتم إلزام الناس بالإيمان بمنقولات مضطربة فيما بينها، مناقضة لبدائه العقل ومدرَكات الحس، بل ذلك فتنة للمسلمين عن دينهم الحق، كما فتنت الكنيسة أتباع المسيح عليه السلام، بتحريفاتها وتأويلاتها المناقضة للعلم والعقل. وليس من العلم والعدل النكير على المشككين في تلك الأخبار المضطربة، مثل الشيخ رشيد رضا ومحمود شلتوت ومحمد الغزالي وحسن الترابي. أما تكفيرهم بذلك فلا يستساغ أصلا، خصوصا عند المطلعين على جملة تلك الأحاديث، وما ذكره فيها أهل العلم من الغرابة والإشكالات. ولولا تكلف التأويل ونقص الاستقراء لدى هؤلاء المكفِّرة لما كفَّروا أحدا بهذا، ولسلكوا سبيل العلم والتحقيق.   ومما يحسن التذكير به مقارنةً في هذا المقام أن الإمام البخاري نفسه أنكر حديث مسلم عن أبي هريرة حول الخلق في سبعة أيام، وردَّه إلى مصدره المسيحي، كعب الأحبار. ففي صحيح مسلم “عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال:  خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة،  في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل”[95]. قال ابن تيمية: “وهذا [الحديث] طعَنَ فيه من هو أعلمُ من مسلم، مثل يحيى بن معين، ومثل البخارى وغيرهما، وذكر البخارى أن هذا من كلام كعب الأحبار”[96]. ثم أيد ابن تيمية ذلك الطعن “لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام”[97].   فإذا كان الإمام البخاري قد رد هذا الحديث الذي رفعه الإمام مسلم –أو أحد رواته- خطأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واكتشف البخاري أنه من كلام كعب الأحبار، فهل يُستغرَب –بعد تراكم المعرفة الشرعية والإنسانية أكثر من ألف عام على عصر البخاري- أن يرد علماء مسلمون بضعة أحاديث أخرى وجدوا بالدليل أن البخاري أو مسلم رفعها خطأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكتشفوا أنها من كلام تميم الداري الذي “كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم”[98] كما في صحيح مسلم، أو من كلام كعب الأحبار وهو نصراني آخر أسلم؟!؟   أليس أقل ما يقال في هذا السياق هو قول شيخ الأزهر السابق علي جاد الحق رحمه الله: “ولما كانت أسس العقيدة الإسلامية إنما تثبت بالدليل القطعي الثبوت والدلالة من القرآن والسُّنَّة، فإن مَن جَحد نزول عيسى عليه السلام وعوْدتَه إلى الأرض لا يخرُج عن الإسلام، ولا يُعتبر كافرًا، لأن ما جَحده غير ثابت بدليلٍ قطعيٍّ مِن القرآن أو السنة”[99]؟   عصمة الأنبياء عليهم السلام   ويدخل في هذا الباب كلام الترابي عن عصمة الأنبياء، فالذين يردون على الرجل لا يبدو أنهم يفرقون بين “عصمة البلاغ” و”عصمة التأسي”، ولا يميزون بين العصمة من الكبائر والعصمة من الصغائر. فلا ريب أن الأنبياء معصومون فيما يبلغون عن الله عز وجل، وبدون اعتقاد ذلك تسقط الثقة في الوحي، وعلى هذا القدر من العصمة لم يختلف اثنان من علماء الأمة، ولم يثر الترابي يوما كلمة حول هذا الأمر. وأما عصمة التأسي، أي هل هم معصومون من فعل الذنب ابتداء، أم معصومون من الإقرار عليه فقط، فهذا فيه جدل قديم منذ صدر الإسلام بسبب ظواهر الآيات الدالة على أن بعض الأنبياء ارتبكوا أخطاء أو أصابوا ذنوبا. قال الشوكاني: “وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه”[100].   والقدر المتفق عليه من عصمة التأسي أنه لا يتم إقرار الأنبياء على الذنب. قال ابن تيمية: “إن الله سبحانه وتعالى لم يذكر عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر توبته منه، ولهذا كان الناس في عصمة الأنبياء على قولين: إما أن يقولوا بالعصمة من فعلها [أي الذنوب]، وإما أن يقولوا بالعصمة من الإقرار عليها، لا سيما فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، فإن الأمة متفقة على أن ذلك معصوم أن يُقرَّ فيه على خطأ، فإن ذلك يناقض مقصد الرسالة ومدلول المعجزة”[101].   ويرى الباقلاني من الأشاعرة، وبعض علماء المعتزلة، أن الأنبياء غير معصومين، لا من الصغائر ولا من الكبائر، بينما يرجِّح ابن تيمية أنهم معصومون من الكبائر لا من الصغائر، ويقول إن ذلك ما يقول به جلُّ علماء المسلمين من مختلف المشارب والمذاهب. قال ابن تيمية: “القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام… وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء يقولون أن الأنبياء ليسوا معصومين من الصغائر، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول” وزاد ابن تيمية أن “أول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقا وأعظمهم قولا لذلك الرافضة [يقصد الشيعة]”[102].   وقد رد ابن تيمية على المتكلفين في القول بعصمة الأنبياء من كافة الذنوب صغيرِها وكبيرِها، واتهمهم بتحريف كلام الله عز وجل، فقال: “وإن كان كثير من الناس المتكلمين فى العلم يزعم أن هذا ليس بذنب وأن آدم تأول… وهذا القول يقوله طوائف من أهل البدع والكلام والشيعة وكثير من المعتزلة وبعض الأشعرية وغيرهم ممن يوجب عصمة الأنبياء من الصغائر، وهؤلاء فروا من شيء ووقعوا فيما هو أعظم منه فى تحريف كلام الله عن مواضعه. وأما السلف قاطبة من القرون الثلاثة الذين هم خير قرون الأمة، وأهل الحديث والتفسير، وأهل كتب قصص الأنبياء والمبتدأ، وجمهور الفقهاء والصوفية، وكثير من أهل الكلام، كجمهور الأشعرية وغيرهم وعموم المؤمنين، فعلى ما دل عليه الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) وقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)… وهذه نصوص لا تُردُّ إلا بنوع من تحريف الكلم عن مواضعه”[103].   فقول أحد الرادين على الترابي: “في شرعنا –عند أهل السنة– الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله، وعن الشرك، والكبائر، والصغائر، قبل وبعد البعثة” تعميم وتهويل في غير محله. وليت الذين يكفِّرون الترابي بقوله في عصمة الأنبياء يقرأون ما كتبه ابن تيمية: “إن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات… اتفق علماء المسلمين أنه لا يُكفَّر أحد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الأنبياء””[104]. أما قول “الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان” إن الترابي ينكر عصمة البلاغ، فكلام الترابي صريح بعكسه، بما في ذلك الكلام الذي نقلته عنه الرابطة في بيانها. فهي إذن دعوى من خصم على خصمه دون دليل، وتعميم في موطن يحتاج إلى تدقيق وتفصيل.   ومهما يكن من أمر، فليست أي من أقوال الترابي هذه بأشد مخالفة لظواهر النصوص وما تعارف عليه أهل العلم، من أقوال شاذة قال بها علماء أعلام في الماضي، فخرجوا بها عن القول السائد. وكم من علمائنا الأقدمين خالفوا ما اعتقد أنه إجماع، ليس في الفروع فقط، بل في العقائد، وتعرضوا للمحن بسبب ذلك، ومع ذلك انتشر قولهم واشتهر بعد ذلك وأصبح مقبولا، بعد أن تكشفت مداركه من النصوص وسوابقه في تراث الأمة، أو تم عذرهم فيه لما يُعلَم من عمق إيمانهم وحبهم لله ورسوله. وقول ابن تيمية وابن القيم بفناء النار في الآخرة، وهو ما يترتب عليه عدم خلود الكفار في العذاب، يدخل في هذا الباب. وقد رد عليهما بعض العلماء الأقدمين مثل تاج الدين السبكي في كتابه: “الاعتبار ببقاء الجنة والنار”، ومحمد بن إسماعيل الصنعاني في كتابه: “رفع الاستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار”، واهتموهما بمخالفة الإجماع. وبسبب اجتهاداتهما المخالفة لما تعارف عليه فقهاء عصرهم “نودي بدمشق من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله، خصوصاً الحنابلة. فنودي بذلك وقرئ المرسوم”[105]. ولم يكن الخطأ خطأ ابن تيمية أو ابن القيم رحمهما الله، فهما من أعلام الإسلام، وقد قالا بما أداهما إليه اجتهادهما واطلاعهما الواسع. بل كان ثمرة مريرة من ثمار التعصب المذهبي وضيق الأفق عند الطرف الآخر، واستخدام السلطة القاهرة في صراع الأفكار. فما أشبه الليلة بالبارحة، ونحن نقرأ بيان مجمع الفقه التابع لرئاسة الجمهورية السودانية حول الترابي!!   ورغم أن مسألة القول بفناء النار قضية كبيرة وخطيرة، حتى قال ابن القيم في “حادي الأرواح” إنها أكبر من الدنيا وما فيها بأضعاف مضاعفة، ورغم أنها تخالف ظواهر آيات عديدة من القرآن الكريم، فقد قال الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي في فتوى له إن كلا من القائلين بخلود النار أو بفنائها مجتهد مأجور: “لا يُنكر عليه ولا يضلَّل ولا يبدَّع، لأن السب والتجريح و تضليل الآخرين وهم ليسوا كذلك فيه إثم ومعصية ويترتب عليه الاختلاف والفرقة التي نهى الله عباده عنها”. واعتبر العلامة المحدث ناصر الدين الألباني ابنَ تيمية وابنَ القيم مجتهدين مأجورين في ذلك رغم خطئهما، وهذا الذي يجب القول به. بل دافع عن القول بفناء النار أحد المعاصرين في كتيب بعنوان: “القول المختار لبيان فناء النار”.   نحو التثبت والتأصيل   في عام 1998 أصدر محدِّث اليمن الشيخ العلامة مقبل الوادعي رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته محاضرة في شريطيْ كاسيت بعنوان: “البركان لنسف جامعة الإيمان”، يهاجم فيه جامعة الإيمان في اليمن، وهي صرح من صروح العلم والتقوى والدعوة. وكان الشريط صدمة لرئيس الجامعة، الشيخ العلامة الورع عبد المجيد الزنداني، كما كان صدمة لجميع مدرسي الجامعة وطلابها، ولأغلب العاملين للإسلام في اليمن. ولم يكن مصدر الصدمة محصورا في التحامل الذي بلغ حدا عجيبا، بل في التساهل في الرواية من شيخ محدث متمكن. فقد قال الشيخ مقبل رحمه الله  في إحدى شريطيه: “أخبرتني أم مالك وهي أوثق عندي من جميع الإخوان المفلسين” (يقصد الإخوان المسلمين) .. ثم أورد قصة عن أم مالك مفادها أن الشيخ الزنداني تحرسه النساء، ثم علق الشيخ مقبل على ذلك قائلا: “لقد أصبحت قذافيَّ اليمن يا زنداني”!!!   تعجبت غاية العجب لما أعلمه من حياة الورع والحيطة السائدة في جامعة الإيمان، والفصل الصارم بين الرجال والنساء، إلى حد منع الأساتذة من دخول قاعات طالباتهم، ونقل الدرس بالبث التلفزيوني إلى قاعات الطالبات.. ومع ذلك يأخذ شيخ محدث برواية كذابة حول أمر على هذا القدر من الخطورة، ويطعن في أعراض أئمة المسلمين ومنابرهم العلمية بناء على تلك الرواية المنحولة.   بل كان عجبي أكثر وأنا أعرف أن الشيخ مقبل رحمه الله عالم مبرَّز في علم الجرح والتعديل. فتساءلت بألم: هل يعجز من أفنى حياته منقِّبا في علم الرجال وتوثيق الرواة وتضعيفهم عن الاتصال بالهاتف على جامعة الإيمان أو على الشيخ الزنداني للاستبيان عن صحة ما قالته الكذابة “أم مالك”؟ وهل الشيخ الذي طالما حدَّث طلابه عن الرحلة في طلب الحديث، عاجزا عن السفر بضعة عشرات من الأميال إلى مقر الجامعة، أو التعريج عليها في إحدى زياراته لصنعاء، ليتحقق بنفسه مما نقل إليه عن جامعة الإيمان ورئيسها ومدرسيها. وكان من طرائف ما ورد في الشريطين هجوم الشيخ مقبل رحمه الله على المدرسين الموريتانين في جامعة الإيمان، وقوله إن منهم “الرافضي والأشعري والمعتزلي والمرجئ…الخ” ولأني كنت أحد أولئك المدرسين يومذاك، وأعرف المدرسين الآخرين حق المعرفة، فقد كانت دهشتي عظيمة.   تذكرت شريط” البركان لنسف جامعة الإيمان” وأنا أتابع بحزن ما آل إليه الخطاب الشرعي في التعاطي مع قضية الترابي وآرائه المثيرة، وآلمني حقا أن يتحول الحوار في قضايا شرعية على هذا القدر من الخطورة والأهمية إلى تراشق بالكلام، وولوغ في الأعراض، ومحاكمة للضمائر والسرائر، وتعجل في إصدار الأحكام دون تثبت في النقل أو تأصيل للرأي. لقد ورد في بيان مجمع الفقه في السودان ردا على الترابي: “إن كفر اليهود والنصارى يعد من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الاسلام، فمن أنكر كفر اليهود والنصارى أو شك في ذلك فهو كافر”. وهذا غلو في الصياغة، لأن لازم القول ليس منه، وقائل الكفر ليس بالضرورة كافر. فضلا عن أن الترابي لم يقل كفرا، ولم يتجاوز أن ميز تمييزا اصطلاحيا بين أهل الكتاب والمشركين، وبين أهل الكتاب والكفار، له أصل في القرآن الكريم، وكلامه متواتر بكفر وشرك أهل الكتاب، كما بينا من قبل. لكن المجلس الموقر لم يكلف نفسه عبء التثبت في ذلك. كما وصف بعض المنتسبين إلى العلم الشرعي ومنهج السلف في السودان الترابيَّ بالدجل والكفر والردة والنفاق والزندقة والضلال… وغير ذلك من ألفاظ قاموس التكفير والتشهير.   وقد ارتكب الترابي نفس الخطإ فجاءت لغته استفزازية مستهتِرة، ومن ذلك قوله مبررا فتواه بزواج المسلمة من الكتابي: “منع التزاوج بين المسلمات والكتابيين أقاويل لا أساس لها من الدين، ولا تقوم على ساق من الشرع الحنيف، إنما هي أوهام، وتضليل، وتجهيل، وإغلاق، وتحنيط، وخداع للعقول.. والإسلام منها براء”. وقوله عن تنصيف شهادة المرأة في الأموال: “ليس ذلك من الدين أو الإسلام، بل هي مجرد أوهام، وأباطيل، وتدليس، أريد بها تغييب وسجن العقول في الأفكار الظلامية التي لا تمت للإسلام في شيء…” وهذا إطلاق لا مبرر له، وتنكر لآراء سائدة وفهومٍ فقهية متراكمة للنص الشرعي، وحشد لألفاظ مستهجَنة لا يصلح استخدامها من طرف أهل العلم وهم يتحدثون في دين الله. وكان الأوْلى بمن استشكلوا أقوالا للترابي أن يردوها إلى سياقها في فكره وكتبه، أو يستفسروا منه عن مقصوده بها، ومصادر رأيه التي اعتمد عليها. كما كان الأوْلى بالترابي أن يسلك سبيل الحكمة والتأصيل وتقديم الدليل، ويترفع عن المهاترات والمراء.   ليس من الصعب على المطلع على مجمل الإنتاج الفكري للدكتور الترابي منذ الستينات إلى الآن، أن الرجل يمتاز باطلاع واسع على مختلف العلوم الشرعية، وعقل تحليلي تركيبي نادر، قادر على سبر المسائل الشرعية، والغوص على أصولها، والتنقيب عن أسسها وفحصها بدقة دون خوف من انهيار البناء. لكن ليس من الصعب أيضا إدراك أن الترابي تنقصه الحكمة في الطرح والرزانة في الأسلوب. والذي  يبدو لي أكبر خطإ ارتكبه الدكتور الترابي في حق نفسه أولاً، ثم في حق مستمعيه وقرائه بعد ذلك، هو أنه يقدم نتائج قراءاته الواسعة واجتهاداته الجريئة دون بيان لمقدماتها، فيلقي المسائل إلقاء من غير توضيح لمواردها ومصادرها، ويقذف بالآراء الجريئة المثيرة للجدل دون توثيق لها من كتب التراث الإسلامي، رغم أن أكثر آرائه التي تبدو للقارئ غير المطلع بدَعا مستحدثة لها أصول في نصوص الشرع ، وسوابق من آراء المتقدمين من علماء السلف، ممن لهم هيبة في العقل المسلم المعاصر، المولع بتقديس اجتهاد الأموات واحتقار اجتهاد الأحياء.   ولو أن الترابي خاطب حملة الثقافة الفقهية الحاضرة بلغتهم الأثرية السائدة، ووثق آراءه من التراث الفقهي والفكري المتراكم، لنآى بنفسه عن سهام الاتهام، ولوجد من يتفهم مقولاتِه وإن لم يتبنَّها، ومن يقبلُ بها رأيا اجتهاديا مشروعا، وإن لم يوافقه عليها. لقد جنى الترابي على نفسه وعلى الخطاب الشرعي عموما حينما قدم آراءه واجتهاداته مجردة عن الإسناد والتوثيق، فبدت للقارئ غير المطلع إرسالا للكلام على عواهنه، وخروجا على المرجعية الشرعية.   ولو سلك الترابي وخصومُه مسلك العلم والعدل، وتحلَّوْا بأدب الخلاف، وتجردوا من صراع السياسة وأهواء التحيز، والتزموا البرهان والدليل المجرد، لكان الجدل الحالي مثمرا، يستفيد منه المسلمون تحريرا لمسائل شرعية على قدر من الأهمية، وحفْزًا لطلاب العلم على مزيد من البحث والتنقيب، وأخذا للمسائل الشرعية بقوة، وعدم استسهال الخوض فيها من غير دليل وتأصيل.   من أجل ذلك جاءت هذه الملاحظات دعوة للتثبت والارتفاع بالجدل الراهن إلى مستوى الخطاب الشرعي، الذي يحسن الظن بالمسلمين، ويتنزه عن محاكمة الضمائر، ويفتح الباب لحوار الأفكار في وضَح النهار…   فما كان في هذه الملاحظات من حق فهو من الله المتفضل، وما كان فيها من خطل أو زلل فهو مني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم منه. والله الموفق لكل خير، وفوق كل ذي علم عليم..   السلام عليكم   أخوكم/ محمد بن المختار الشنقيطي مدير المركز الإسلامي في ساوث ابلين تكساس- الولايات المتحدة هواتف: 18067994785           18067978026 الموقع : www.fiqhsyasi.net  shinqiti2005@yahoo.com   الهوامش: [1]  الجويني: غياث الأمم في التثياث الظُّلَم 1/137 [2]  الترابي: الحركة الإسلامية في السودان ص 151 [3]  الترابي: قيمة الدين رسالية الفن ص 31 [4]  الألباني: صحيح سنن ابن ماجه، الحديث رقم 1414 [5]  مكي: الحركة الإسلامية في السودان (1969-1985) تاريخها وخطابها السياسي ص 85 [6]  الترابي: الحركة الإسلامية في السودان ص 151 [7]  سورة التوبة، الآية 30 [8]  سورة المائدة، الآية 72 [9]  الترابي: السياسة والحكم.. النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع ص 177  [10]  الترابي: السياسة والحكم ص 210 [11]  سورة البينة، الآية 1  [12]  ابن تيمية: مجموع الفتاوى 35/213-214 وابن القيم: دقائق التفسير 2/14 [13]  ابن تيمية: مجموع الفتاوى 32/178 [14]  سورة النساء، الآية 50 [15]  ابن تيمية: مجموع الفتاوى 31/180-181 [16]  الترابي: السياسة والحكم ص 30 [17]  الترابي: السياسة والحكم ص 44 [18]  ابن القيم: أحكام أهل الذمة 1/95 [19]  ابن القيم: إغاثة اللهفان 2/351-361 [20]  سورة البقرة، الآية 217 [21]  الترابي: السياسة والحكم ص 114 [22]  الترابي: السياسة والحكم ص 166 [23]   سورة الكهف، الآية 29 [24]  EL-Affendi : Turabi’s Revolution p. 102  [25]  الترابي: السياسة والحكم ص 116 [26]  الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 663 [27]  الألباني: صحيح سنن أبي داود، الحديث رقم 4888 [28]  الترابي: المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص 43  [29]  من حوار الترابي مع صحيفة “الشرق الأوسط” يوم 21/4/2006 [30]  ابن تيمية: القواعد النورانية 1/78 [31]  ابن تيمية: “نقد مراتب الإجماع” مطبوع ملحقا بكتاب ابن حزم “مراتب الإجماع” ص 290 [32]  النووي: المجموع شرح المهذب 4/223 [33]  ابن رشد: بداية المجتهد 1/153 [34]  قال الألباني في إرواء الغليل 2/255 “إسناده حسن” [35]  الألباني: صحيح أبي داود، الحديث رقم 592 وقال عن إسناده “حسن” [36]  الألباني: صحيح ابن خزيمة، الحديث رقم 1676، وقال: “إسناده حسن” [37]  حسن إسناده النووي في المجموع 4/296 [38]  ابن القيم في إعلام الموقعين 2/274 [39]  البيهقي: السنن الكبرى 3/90  [40]  النووي: الخلاصة 2/695  [41]  المزي: تهذيب الكمال 10/522 [42]  الذهبي: المهذب في اختصار السنن الكبير 3/1103 [43]  ابن الملقن: البدر المنير 4/433 [44]  ابن القيم: زاد المعاد1/410 [45]  ابن كثير: إرشاد الفقيه 1/174 [46]  ابن حجر: تلخيص الحبير 2/531 [47]  الشوكاني: نيل الأوطار  3/199 [48]  الألباني: إرواء الغليل، الحديث رقم 524 [49]  انظر صحيح البخاري، الحديث رقم 3444 [50]  رواه عبد الرزاق والبيهقي وصححه ابن حزم عن عمر، انظر: المحلى، المسألة رقم 2199 [51]  حسَّن ابن حجر إسناده في فتح الباري 12/284 [52]  ابن حزم: المحلى، المسألة رقم 2199 [53]  صحيح البخاري، الحديث رقم 6922 [54]  سورة البقرة، الآية 256 [55]  سورة يونس، الآية 99 [56]  ابن حزم: المحلى، المسألة رقم 2199 [57]  لاستقراء أوسع حول هذه الموادعات طالع كتاب د. محمد حميد الله: “مجموعة الوثائق النبوية للعهد النبوي والخلافة الراشدة” [58]  الترابي: السياسة والحكم ص 167 [59]  سورة البقرة، الآية 281 [60]  ابن القيم: إعلام الموقعين 1/90 [61]  محمد عبده: الأعمال الكاملة 4/732 [62]  ابن القيم الطرق الحكمية ص 117 [63]  صحيح البخاري، الحديث رقم 88 [64]  ابن القيم: إعلام الموقعين 1/96 [65]  سورة البقرة، الآية 219 [66]  سورة الممتحنة، الآية 10 [67]  تفسير البيضاوي 5/329 [68]  الألوسي: روح المعاني 28/78 [69]  ابن القيم: إعلام الموقعين 1/30 [70]  من حوار الترابي مع صحيفة الشرق الأوسط السابق الإشارة إليه [71]  سورة النحل، الآية 106 [72]  سير أعلام النبلاء 5/385 [73]  زاد المعاد 2/275 [74]  انظر ابن القيم: “جلاء الأفهام” ص 245 وما بعدها [75]  ابن تيمية: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 87 [76]  الألباني: إرواء الغليل 3/129 [77]  ابن تيمية: مجموع الفتاوى/18/18 [78] الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/91  [79]  ابن تيمية: قاعدة جليلة ص 86 [80]  سورة الصف، الآية 6 [81]  سورة مريم، الآية 30 [82]  مجلة المنار، المجلد 28، ص 756 [83]  عن أقوال هؤلاء المعاصرين انظر دراسة د. أحمد شلبي: “المسيح في نظر المسلمين” المنشور على موقع “البلاغ” [84]  من فتوى الشيخ رشيد رضا منشورة على موقع إسلام أون لاين [85]  صحيح البخاري، الحديث رقم 2679 [86]  صححه ابن حجر في نتائج الأفكار 2/432 والبغوي في شرح السنة 2/553 [87]  صحيح البخاري، الحديث رقم 7355 [88]  انظر ابن حجر في فتح الباري 13/341 وفي الأسئلة الفائقة 1/34 والنووي في في شرح مسلم 18/47 [89]  انظر صحيح مسلم، الحديثان رقم 2932 و2927 [90]  فتح الباري 13/328 [91]  صحيح البخاري، الحديث رقم 1354 [92]  صحيح مسلم، الحديث رقم 2897 [93]  انظر: صحيح مسلم، الحديث رقم 2942 [94]  انظر صحيح مسلم، الحديث 2927 [95]  صحيح مسلم، الحديث رقم 2789 [96]  ابن تيمية: مجموع الفتاوى 18/18 [97]  نفس المصدر والصفحة [98]  صحيح مسلم، الحديث 2942 [99]  من فتوى لشيخ الأزهر السابق علي جاد الحق، منشورة على موقع “إسلام أون لاين”  [100]  الشوكاني: فتح القدير 1/68 [101]  كتب ورسائل ابن تيمية في التفسير 15/147 [102]  انظر فتاوى ابن تيمية 4/319 [103]  ابن تيمية: مجموع الفتاوى 20/88 [104]  مجموع الفتاوى 35/100-102 [105]  ابن حجر: الدرر الكامنة 1/147

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

19 mars 2009

Home – Accueil   TUNISNEWS 8 ème année, N° 3222 du 19.03.2009  archives : www.tunisnews.net   AISPP: Communiqué Liberté et Equité

En savoir plus +

14 novembre 2009

Home – Accueil   TUNISNEWS 9 ème année, N° 3462 du 14.11.2009  archives : www.tunisnews.net   C.R.L.D.H. Tunisie: Journée de Solidarité

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.