(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
21- رضا عيسى 22- الصادق العكاري 23- هشام بنور 24- منير غيث 25- بشير رمضان |
16- وحيد السرايري 17- بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي |
11- كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14- محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش/. |
6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان |
1- الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش |
“المرصد الديمقراطي”
نشرة دورية يصدرها مركز دراسات الإسلام والديمقراطية – واشنطن
السنة الثانية، العدد الثامن، لشهر فيفري 2008
http://www.csidonline.org/images/stories//democracy_watch_02-15-08_lres.pdf
محكمة الاستئناف بتونس تواصل النظر في قضية سليمان
البوليس السياسي يعتدي على فاطمة قسيلة وسامية عبّو ومحمّد عبّو
الرابطــة التونسيــة للدفــاع عن حقــوق الإنســـان
تونس في 19 فيفـري 2008 بيـــــانهيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات تونس:
بــلاغ
1- عقدت “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” اجتماعها الدوري يوم الخميس 7 فيفري 2008. وتمحور النقاش في هذا الاجتماع حول موضوع “انتخابات 2009″. وقد أفرز النقاش الذي جرى في أجواء اتسمت بالصراحة تمسك كل مكونات الهيئة بمواصلة العمل المشترك وفقا للأرضية المشتركة وذلك بقطع النظر عن عدم التوفق إلى موقف موحد من تلك الانتخابات، وهو أمر ليس مطروحا اعتبارا لأن “هيئة 18 أكتوبر” ليست جبهة سياسية في الوقت الراهن وبالتالي فهي ليست مطالبة بمثل ذلك الموقف.
وقد تم الاتفاق إثر هذا الاجتماع على تكوين لجنتين تتولى الأولى بلورة رزنامة عمل حول محور الفساد واستقلالية القضاء والثانية حول محور الحريات والعفو التشريعي العام وشروط الانتخابات الحرة. كما تم الاتفاق حول تنظيم اجتماع حول مسألة عقوبة الإعدام بمناسبة الأحكام الصادرة في قضية “مجموعة سليمان”
2- انتظم يوم الخميس 14 فيفري 2008 بمقر “التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات” اجتماع حول مسألة عقوبة الإعدام. وقد بادرت “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” بالدعوة إلى هذا الاجتماع في علاقة بصدور حكم الإعدام من قبل محكمة الجنايات بتونس العاصمة على الشابين عماد بن عامر وصابر الراقوبي الموقوفين في إطار قضية “مجموعة سليمان”. وقد ترأس الاجتماع الذي انتظم تحت إشراف التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الديمقراطي التقدمي الدكتور مصطفى بن جعفر. وقدم الأستاذ الحبيب مرسيط، رئيس فرع منظمة العفو الدولية محاضرة بعنوان “المعركة من أجل إلغاء عقوبة الإعدام” شارحا دواعي هذه الحركة، مفندا الحجج المقدمة لتبرير الحفاظ على تلك العقوبة، داعيا إلى التعبئة من أجل أن تلغى في تونس لتلتحق بلادنا بغالبية الدول التي قطعت هذه الخطوة.
وعلى إثر هذه المحاضرة تداول على الكلمة الأساتذة منذر الشارني وأحمد نجيب الشابي وراضية النصراوي الذين ينوبون في القضية. وقد أكدوا جميعا خلوّ الملف من أفعال ووقائع مادية تبرر قانونيا صدور حكم الإعدام على الشابين المذكورين. ولم يخفوا خشيتهم من أن تقر محكمة الاستئناف يوم 19 فيفري القادم هذا الحكم، هذا إن لم توسعه ليشمل متهمين آخرين. كما أنهم لم يخفوا خشيتهم من أن تسارع السلطة بتنفيذ أحكام الإعدام التي تصدر وهو ما يستوجب التحرك بسرعة للحيلولة دون صدور مثل هذه الأحكام في الطور الاستئنافي الجاري حاليا، وفي حال صدورها لا بدّ من العمل من أجل إيقاف تنفيذها.
وأحيلت الكلمة بعد ذلك إلى السادة خميس الشماري وحمه الهمامي وعلي العريض وهم من أعضاء هيئة 18 أكتوبر للإدلاء بشهادات. وقد انتقدوا كثرة الجرائم الموجبة لعقوبة الإعدام في القانون التونسي ومواصلة نظام الحكم سن قوانين تتضمن هذه العقوبة، ومواصلة المحاكم التونسية إصدار أحكام بالإعدام على مدار السنة، ولاحظوا عدم مشاركة تونس في التصويت الذي تم في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر نوفمبر 2007 على قرار يدعو الدول الأعضاء إلى إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام.
واختتم الدكتور مصطفى بن جعفر الاجتماع باقتراح إصدار نداء/عريضة لمطالبة السلطات بتوفير شروط المحاكمة العادلة لـ”مجموعة سليمان” وعدم إصدار أحكام بالإعدام. وقد تم تبني هذا الاقتراح ومن المنتظر ترويج النداء للإمضاء بداية من مطلع الأسبوع القادم، على أن يتبع بتحركات أخرى للغرض نفسه.
3- وباقتراح من الحضور تحول غداة الاجتماع وفد يتركب من السادة مصطفى بن جعفر ومية الجريبي وعصام الشابي وخميس الشماري إلى منزل السيدة فاطمة التليلي، أرملة الزعيم الوطني والنقابي السيد أحمد التليلي، البالغة من العمر 90 سنة والتي دخلت في إضراب مفتوح عن الطعام للفت انتباه الرأي العام الداخلي والخارجي إلى خطورة وضع ابنها السيد عبد الرحمان التليلي القابع بالسجن منذ ما يزيد عن الأربع سنوات إثر محاكمة غير عادلة، والمضرب عن الطعام في منتصف جانفي الماضي. وقد كان أدى في اليوم السابق للاجتماع كل من السادة أحمد نجيب الشابي ولطفي الحاجي والسيدة راضية النصراوي، زيارة للسيدة فاطمة التليلي وعبروا لها عن مساندتهم لها.
4- وفي يوم الجمعة 15 فيفري 2008 نظم “منتدى 18 أكتوبر” بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي بالعاصمة ندوة حاضر فيها صلاح الدين الجورشي حول “الهوية العربية الإسلامية والديمقراطية“. وتأتي هذه الندوة استكمالا للندوة التي انعقدت قبل 5 أسابيع بمقر التكتل الديمقراطي وحاضر فيها الأستاذ عياض بن عاشور حول “الإسلام والديمقراطية”. وتندرج المحاضرتان في إطار الحوار الذي تنظمة “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” حول محور علاقة الدين بالدولة في النظام الديمقراطي. ومن المنتظر أن يُختتم الحوار حول هذه المسألة بوثيقة مشتركة تحدد نقاط الاتفاق، على غرار الوثيقتين السابقتين المتعلقتين بالمساواة بين الجنسين (مارس 2007) وحرية الفكر والعقيدة (أكتوبر 2007). وللتذكير فإن الهدف من هذا الحوار هو بلورة مدونة سلوك تؤسس لميثاق ديمقراطي بين مختلف مكونات هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات.
5- أوقف السيد علي العريض يوم السبت 16 فيفري 2008 من أمام منزله ووقع نقله إلى منطقة الأمن بباردو حيث احتفظ به لمدة ساعات. وقد تم استنطاقه من قبل أعوان البوليس السياسي حول نشاطه وحضوره الندوة حول عقوبة الإعدام التي عقدت بمقر التكتل الديمقراطي قبل يوم واتصاله بشخصيات سياسية من أحزاب أخرى. وتعرض السيد علي العريض خلال استنطاقه للسب والشتم ووقع تهديده بإرجاعه إلى السجن إذا لم يحجم عن القيام بأي نشاط أو اتصال أو حضور أي تظاهرة. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الناطق الرسمي السابق لحركة النهضة لمثل هذه التهديدات.
كما علمت “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” أن عددا كبيرا من أعوان البوليس السياسي حاصر يوم الجمعة 15 فيفري مكتب الأستاذة راضية النصراوي بنهج أم كلثوم بالعاصمة ومنع حرفائها من الدخول واعتدى بالكلام البذيء على بعض النساء اللواتي جئنا للسؤال عن قضايا أبنائهن المحالين طبقا لقانون “مكافحة الإرهاب” كما منعوا السيدة فاطمة قسيلة، الناشطة الحقوقية وعضوة “اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان بتونس” من الدخول إلى المكتب.
وفي يوم السبت 16 فيفري حاصر البوليس السياسي منزل عائلة أيمن الجزيري بسيدي بوزيد الموقوف ضمن “مجموعة سليمان” والذي صدر ضده حكم ابتدائي بـ30 سنة، ووقع ترويع العائلة وطلب منها إخراج السيدتين فاطمة قسيلة وسامية عبو، العضوة بهيئة “الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب”. ولم يتورع البوليس عن شتمهما وعن تعنيف السيدة سامية عبو ومحاولة إرغامها على مرافقتهم. وتكررت العملية يوم الإثنين 18 فيفرى بسوسة حيث منعتا بالعنف الشديد من دخول منزل عماد بن عامر المحكوم عليه بالإعدام في إطار قضية “مجموعة سليمان”.
إن “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” تدين هذه الممارسات التي تستهدف النشاط الحقوقي والسياسي
وترمي إلى فرض الصمت حيال ما ترتكبه السلطة من انتهاكات للحريات وحقوق الإنسان.
تونس فى 18 فيفري 2008
(المصدر: البديـل عاجل (قائمة مراسلات البديل موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 18 فيفري 2008)
إعتداءات ومحاصرة
إضراب جوع احتجاجي
احتجاجا على الاعتداء الفضيع الذي تعرضت إليه فاطمة قسيلة وسامية عبّو قرّر عدد من المناضلات التونسيات الدخول في إضراب جوع بيوم. قائمة أوّلية في المشاركات: – راضية النصراوي، رئيسة الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب – بشرى بالحاج حميدة، محامية – فاطمة قسيلة، الكاتبة العامة للجنة الحريات – ليلي بن دبة، محامية – سامية عبو، الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب – عفاف بالناصر،اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل بقفص – غزالة المحمدي – نادية الهمامي، مهندسة باريس – سعيدة قراج، محامية – حميدة الدريدي، طبيبة فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان المنستير – نجاة حسني، ممثلة وعضو منظمة العفو الدولية تونس – نجوى الرزقي، سجينة سياسية سابقة – زكية عمروسية، اتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل – زكية الضيفاوي، نقابية وحقوقية القيروان – نزيهة رجيبة (أم زياد)، المرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع. (المصدر: البديـل عاجل (قائمة مراسلات البديل موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 18 فيفري 2008)
الاحتشام يمنع “تقوى” من مواصلة دراستها بتونس!
تونس: تصاعد الحملة ضد المحجبات.. والمنظمات الحقوقية تستنكر
معارضون ومحامون تونسيون ضد عقوبة الإعـدام
التقرير الصحفي الأسبوعي السادس – الجزء الثاني
«وعد.. ربّي»
في وقت من الأوقات.. معلوم الاذاعة والتّلفزة كانت له مبرّرات.
أمّا اليوم فقد دخلت على الاذاعة والتّلفزة تغييرات جذرية.. وصارت لها مداخيل جمّة بفضل الومضات الاشهارية.
فلماذا لا تلغي الدولة هذا المعلوم من قائمة مقابيضها الجبائية.. ونحن نعدها، في المقابل بأن نكف عن «الاستمتاع» ببرامج مؤسّساتها السّمعية والمرئية.
محمد قلبي
(المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 19 فيفري 2008)
معانات بلا حدود
الحق في الشغل و الحرية
إلى نقابة الصحفيين: الآن..وليس غدا!!
زياد الهاني : نصر الدين بن حديد والشرف “المتناوب” ؟!
بقلم: زياد الهاني
الشرف كلّ لا يتجزّأ، والتعامل معه بانتقائية أو القول بتعدّد مستوياته، وتقسيمه إلى شرف (وضيع) يجوز دوسه وشرف (رفيع) يراق على جوانبه الحبر والدم؛ يحيل على عدمه. فابحث عن الأصل لأن فاقد الشيء لا يعطيه..
كتب نصر الدين بن حديد في ردّه المعنون: ردّا على ما كتبه زياد الهاني، صبري سؤال واعترافك قائم (تونسنيوز عدد ٢٨٢٢ بتاريخ ١٤/٢/٢٠٠٨)، “اتهمني زياد الهاني في علاقتي بذاتي وارتباطا بشرفي وأتهمه في علاقة بشرف الآخرين وشرفهم وعرضهم والبون واضح والفرق بيّن..”.
والمغالطة في ما كتبه “الزميل” واضحة وبيّنة. فأنا لم أتهمه بشيء، بل نقلت واقعة قسمه المشهود بشرف زوجته (وهي سيّدة فاضلة أكنّ لها كلّ التقدير) على التزام لم يوف به. وكان ذلك بمحضر مئات الصحفيين وهو ما لا قدرة له على إنكاره. وكان حريّا به والحال أنه أقسم بقسم الرجال أن يوفي وفاءهم، لكنه لم يفعل. وهو الذي له في الرجولة والأنوثة قول وفصل وتنظير..
أمّا ما يسميه اتهاما لي “في علاقة بشرف الآخرين” فهو في الأصل مطالبة منه بأن أكشف عن اسمي زميلين ذكرت خلال مؤتمر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنهما اصطحبا الزميل سفيان رجب أمين المال المتخلي لجمعية الصحفيين والعضو الحالي بمكتب النقابة إلى سبرولس. وقد سأل أحدهما عن إمكانية التفويت له في مسكن شاغر بحيّ الصحفيين بالغزالة رغم تأكيدنا له في وقت سابق بأن ذلك غير ممكن. وذكرت في حينه بأنه لا تثريب على من دفعته الحاجة الملحّة لطلبه ذاك، وأننا جادّون في تحصيل مشروع سكني جديد للصحفيين سيوفر سكنا لائقا لحوالي ٣٠٠ منهم.
وقد ترفّعت صحبة زملائي في القائمة المهنية “الصحافة كرامة ومسؤولية” عن توظيف تلك الحادثة في الحملة الانتخابية خاصة وأن الزميل المعني مترشح في قائمة منافسة، وتمسكنا (وهو ما لا يكن متبادلا من الجميع) بأن يبقى الجدل في مستوى البرامج والأفكار.
لكن “الزميل” بن حديد الذي لم ينسق المؤتمر وراء طلبه الذي بلغ إلحاحه فيه حدّ الوقاحة، بلغت به حالة “الهستيريا الخلاّقة” إلى حدّ تأليب السللط العمومية ضدي، وصولا إلى مطالبتها ضمنيا بمحاكمتي؟!
ولم تكن كتابات “الزميل” المسعورة ضدي والاتهامات التي حاول إلصاقها بي وكذلك بالزميل محسن عبدالرحمان العضو السابق بالهيئة المديرة لجمعية الصحفيين التونسيين ونائب رئيس صندوق تآزر الصحفيين حاليّا، سوى الجزء الظاهر من من كتلة الجليد وإحدى مرتكزات حملة وضيعة تستهدف توجّها داخل المهنة يتمسّك بثوابتها وبرصيدها النضالي العريق وخياراتها الاستراتيجية التي صاغتها أجيال من الصحفيين على امتداد عقود من النضال المشرّف.
* بين المتأصّل والموتور
الشرف في خطاب “الزميل” كتل منفصلة خاضعة للتعاطي الإنتقائي: شرف خاص في علاقة بذاته يجوز له أن يقسم به ويحنث، ويتعهد باسمه ويخلف، ويدوس عليه متى شاء وكيف ما شاء دون معقّب؛ وشرف عامّ “في علاقة بشرف الآخرين”، ينتخي له ويثور ويقيم من أجله الدنيا ولا يقعدها ويريق من أجله الحبر وحتى الدم إن لزم الأمر. أليس هو الذي أقسم أمام عديد الزملاء أكثر من مرة بأنه لو كان في الجزائر لأرسل للهاشمي نويرة من يذبحه؟! لماذا؟ لأنه اختلف معه في منهج التعاطي مع بعث النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين!!
تصوّروا: قلم مستقل مناضل وديمقراطي حقيقي مثل “الزميل” بن حديد تصل به السماحة ورحابة الصدر حدّ التهديد بالقتل؟!
من يتابع كتابات “الزميل” لن يحتاج جهدا خارقا ليدرك أبعاد طابعها التهجمي، كتابات تنتصر للقيم النبيلة في ظاهرها لكنها في الواقع سموم ينفها قلم فصامي حاقد يسعى إلى قتل كلّ ما هو أصيل وشريف فينا ومن حولنا..
وتبقى المعركة “المشرّفة” التي خاضها “الزميل” بن حديد أصالة ووكالة ضد الزميل الهاشمي نويرة رئيس الهيئة التأسيسية للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين محطة بارزة في سِـفره النضالي يحق له أن يفاخر بها. فقد هاجمه وتكالب عليه كما لم يهاجمه أحد، واتهمه زورا وبهتانا بما لم يتهمه به أحد. لكن الهاشمي نويرة الأصيل سليل العائلة العريقة ترفّع عن النزول إلى ساحته، ولم يردّ فيه الفعل ولم يكن يعجزه ذلك، وهو الذي انتشله عاطلا وسعى له دون منّ في عمل كريم حفظ له كرامته وقوت عياله. بل لم يدّخر جهدا في كلّ مناسبة اجتماعية لتوفير اعتمادات مالية لجمعية الصحفيين التونسيين، كان “الزميل” نصر الدين بن حديد من أكبر المستفيدين منها سواء على شكل هبة أو دين لم يرجعه.. هكذا تكون الأمانة والشرف، وهكذا يكون ردّ الجميل؟! إن أنت أكرمت الكريم…
لقد خسر أخي وزميلي وصديقي الهاشمي نويرة معركة انتخابية سيعلم الذين أضاعوه فيها أيّ فتى أضاعوا، لكنه لم يخسر نفسه ورصيده النضالي واحترام عموم الصحفيين له وهو الذي خدمهم بصدق وتفان وكتمان. أقول ذلك في الهاشمي وأنا أول من اصطدم به خلال الهيئة السابقة لجمعية الصحفيين التونسيين. أقول ذلك فيه وهو الذي كان أكثر المطالبين بطردي من الجمعية يوم ١٣ ماي ٢٠٠٥ إثر تقرير حول الحريّات أصدرته بمعيّة الزميلين محسن عبدالرحمان وناجي البغوري. وهو تقرير لم نتخلّ عنه كما روّج البعض بل تخليّنا عن نسبته للجمعية مع تمسكنا به على مسؤوليتنا، وكل ذلك مدوّن في محضر جلسة الهيئة المديرة الموسعة في ذلك التاريخ.
الهاشمي نويرة سيف من سيوف المهنة المشهرة. وإذ دخل غمده اليوم، فما من سيف لا يدخل غمده.. ولا يعرف قدر الرجال إلاّ الرجال، وللموتورين حضيضهم.
* الشرف المتناوب!
يقدّم ردّ “الزميل” بن حديد على السيدة نزيهة رجيبة المكنّاة أم زياد في مقاله المنشور تحت عنوان: المكابرة أم العناد في كتابات السخرية والاستهزاء وما ذهبت إليه أم زياد!؟؟ (تونسنيوز عدد ٢٨٢٠ بتاريخ ١٢/٢/٢٠٠٨) نموجذا لتعاطيه الانتقائي مع الشرف الذي يدّعي التجند للدفاع عنه. فقد خصص الجزء الأكبر من مقالته تلك لمناقشة الكاتبة في مفهومها للنضال “الحقيقي والأليم”، انتصارا منه للشرف النضالي “لبعض الأسماء المتشبثة باستقلاليتها” على حد قولها. لكنه أغفل شرف زملاء آخرين تناولتهم السيدة رجيبة مثل ذلك “البوليس المدسوس على الصحافة” على حد قولها، أو خميس الخياطي.
وإذا كان المتابعون لكتابات السيدة رجيبة قد تعودوا على أسلوبها في التعاطي مع الشأن العام، فــ”الزميل” وهو صحفي تفترض فيه الرصانة واحترام قواعد المهنة وأصولها والبحث عن الحقيقة لإظهارها للرأي العام، كان لزاما عليه وقد “انتخى” للردّ على الكاتبة أن يستوضح منها على الأقل عن هذا “البوليس المدسوس” الذي لا نخال شرفه يقبل التعايش معه في فضاء واحد. أما إذا كان يقرّها في ما كتبته فنتساءل عن سبب صمته عن اختراق المهنة والعبث بشرفها؟!! كما كان لزاما على “الزميل” بن حديد وهو الذي كان حاضرا في الندوة الصحفية التي تحدث فيها خميس الخياطي أن يصحّح على الأقل للسيدة رجيبة ما أوردته بخصوص زميله..لكنه لم يفعل؟!! فهل هناك أكثر من معيار في التعاطي مع الشرف، أم أن الشرف خاضع بدوره للدالّة الموجية التي يمثّل الفيزيائيّون بها التيّار المتناوب وتتطور نقاطها بين رأس وقاع؟!!
ويقدّم أهل “الكاوليّة” وهو الاسم الذي يطلقه العراقيون على الماخور، نموذجا فريدا في التعاطي الانتقائي مع الشرف. ويختص الغجر بإدارة الكاوليّات، فيعيش رجالهم على إيرادات أجساد نسائهم من البغاء دون أن يمنعهم ذلك من أن تكون لهم أعرافهم وقيمهم التي تستند إلى مفهوم خاص للشرف.
فلرجال الغجر اعتدادهم بأنفسهم وبشواربهم وشغفهم بمسابحهم. ولا يستنكف الواحد منهم القسم بشرف زوجته الذي يأبى عليه أن يقبض من الحريف مباشرة معلوم “الونسة”. كما تطالَب الغجرية بالحفاظ على شرفها وإلاّ كان مصيرها القتل. فغير مسموح لها مجامعة رجل بشكل كامل إلاّ بعد الدخول بها من قبل غجري من عشيرتها. لكن ذلك لا يمنع إنزالها لسوق “الشغل” منذ البلوغ للمشاركة في جلسات “الدقّ والرقص” التي لا تتجاوز العلاقة مع الحريف فيها حدود المداعبة والقُبل..
ومثلما جاء في المثل الشعبي: (كلّ بلاد وأرطالها)، وكذلك شأن العباد (وحديثك مع اللّي ما يفهمكش ينقّص من الأعمار)…
* كلمة أخيرة
الشرف واحد لا يتجزأ وهو ليس حالة توصيف وتوظيف، بل منظومة قيميّة متكاملة ومتدافعة تقوم على سماحة النفس وقدرة علىعطاء الخير استنادا إلى اعتزاز متواضع بالذات. ومن هنا تأتي قيمة الأصل، لأنه لا شرف لمن لا أصل له. والأصل هنا بمعنى الأصالة والتجذّر والانتماء..
من حق “الزميل” أن يكون له موقفه من المحافظة والمحافظين وأن يلعن من شاء منهم وكيف ما سمّاهم إلى حين أو حتى إلى يوم الدين مثلما جاء في مقاله. أنا محافظ معتز بمحافظتي وانتمائي. وإذ أستشهد بالقرآن الكريم (وهو ما لم يستسغه “الزميل” وعلّق عليه)، فلأنه مكوّن رئيسي في ثقافتي وسكن لنفسي ومنبع أساسي أنهل منه قيمي.. والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكفل حقّي في ذلك..
من حقّ “الزميلّ أن يتوهّم بأن كتاباته “السليطة المتجنية” شكل من أشكال “النضال” يعطيه “سلطة” في المهنة. من حقه أن يرى في جرّة قلمه المسمومة “قنبلة نووية” يرهب بها أعداءه، وفي التضليل والتزييف والتلاعب بالكلمات تجارة رائجة يسجل بها حضوره.. ومن حقّي أن أكون كما أنا ذاتا وفكرا ومنهجا وسلوكا، طالما أني لم أعتد على أحد..
لقد حارب “الزميل” بن حديد الذي كان حينها مترشحا لنقابة أخرى، مشروع نقابتنا “النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين” واستخدم مع غيره مصطلح “الشرفاء” وآتوا كلّ الخبائث لضربنا متوهمين بأن المشروع سيسقط. لكن المشروع الذي احتضنه الصحفيون التونسيون بكلّ حماسة ودفىء ثبت كما يثبت الغرس الطيّب في الأرض الطيّبة. وتحقق الإنجاز كثمرة لشراكة مع السلّط العموميّة تسعى لتطوير واقع المهنة والنهوض به، وكنتيجة لالتفاف عموم الصحفيين التونسيين حوله. ولا يمكن لحديث “الزميل” عن “افتكاك النقابة من الشرفاء” أن يثير أكثر من مشاعر الاستهزاء وحتى الشفقة.. وكما قلت له سابقا أعيد وأكرّر:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم << كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَال >> صدق اللّه العظيم..
أما المتنبي الذي نال نصيبه من سخط “الزميل”، فلا أظن ذلك ينقص من قدره وهو المحفوظ ذكره وبديع شعره في سجلات التاريخ. وإذ عجز “الزميل” عن تحمّل عبئ قسمه بشرف زوجته، فقد اختار المتنبي الموت على أن يخذل بيتا من شعره، ويكفيه ذلك حسبا وشرفا.. ويكفيه اعتزازا واعتدادا قوله:
أنا تِرب النّدى وربّ القوافي وسِمام العدا وغيظ الحســـــودِ
ِأنا.. في أمّــــةٍ تداركها اللّهُ غريبٌ.. كصالح في ثمـــــــود
تونس الجميلة
ناصر غزّة فـ”قتل”، ثمّ “أحيوه” ليقتلوا به
عبدالحميد العدّاسي
جاء في بعض أسطر الخبر الذي أوردته “حريّة وإنصاف” على صفحات تونس نيوز الغرّاء، بتاريخ 01 فبراير 2008: “ورغم تفرق التلامذة واحتمائهم بالمنازل المجاورة فإنّ قوات الأمن قامت بملاحقتهم داخل الـمنازل… وكان الشاب سامي بن فرج من بين من وقعت ملاحقتهم وضربهم إلى حدّ الإغماء، فتمّ نقله على سبيل السرعة إلى مستشفى جبنيانة ثم إلى مستشفى صفاقس أين لفظ أنفاسه الأخيرة، وانطلقت بعد ذلك مظاهرة طلابية من كلية العلوم بصفاقس.
وأمّا بيان فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بجهة صفاقس فقد جاء طاعنا في مصداقية الخبر ومكذّبا مقتل تلميذ بمعهد جبنيانة: “- تأكيد الأوساط الطبية المحايدة العاملة بالمسشفى الجامعي الحبيب بورقيبة، عدم قبول أو إقامة أو وفاة أي تلميذ بولاية صفاقس على هامش التحركات التلمذية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني. – تأكيد العديد من سكان منطقة أولاد حسن بجهة جبنيانة والمناطق المجاورة عدم حصول أي حالة وفاة أو تنظيم أي مأتم بها في اليومين الأخيرين مؤكدين لنا سلامة أبنائهم.”.
ومن جانبه أكد السيد الأسعد الجموسي، وهو رئيس فرع آخر للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمحافظة صفاقس، في بيان أصدره أيضا السبت 02 فبراير، أنّ الخبر الزاعم بوفاة تلميذ في مدينة جبنيانة “مكذوب ومفتعل”، مضيفا: “… ولذلك فإنّ هيئة فرع الرابطة تندّد بمروّجي مثل هاته الأخبار الزائفة ويدعو كافة المواطنين لعدم تصديق هذه الأخبار التي يُراد من ورائها تهييج الشارع وترويج أخبار لا سند لها. وتهيب بكل القوى الديمقراطية تجنب مثل هذه الممارسات التي لا تخدم مصلحة البلاد ولا حقوق الإنسان”
يقول السيّد زهير مخلوف في مقاله (كشف النّقاب عن مقتل الشاب) تعقيبا على ما جرى: “… لقد نُقل أحدُ الشبّان من مواليد 8 / 07 / 1974 المدعو خليفة بن فرح (قلت: خليفة وليس سامي) إلى المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس على متن سيارة إسعاف مستشفى جبنيانة وذلك يوم الأربعاء على الساعة H 50 19 بعد أن بقي حوالي ساعتين ملقى على حافة طريق المهدية قرب منطقة جبنيانة، وكان حضور أعوان الأمن مكثفا مما أثار انتباه كل المارين والحاضرين حين كان المجني عليه ملقى على حافة الطريق وقد انتشر خبر الحادث بجبنيانة ومعاهدها...”. ثمّ يضيف: “ وأدعو في هذا المقام عضو الرابطة السيد عبد العزيز عبد الناظر الذي نفى وجود مأتم وحالة وفاة في جبنيانة أو المناطق المجاورة أن يتصل ليتسلم مضمون رسمي للوفاة صادر عن معتمدية العامرة بعمادة ذراع بن زياد من جهة جبنيانة مرسم تحت عـ267ـدد بتاريخ 31 / 01 / 2008 صادر عن بلدية صفاقس يؤكد وفاة شاب يدعى خليفة بن فرح مولود في 8 جويلية 1974 وهو موضوع الالتباس، ونرفق هذا المقال بصورة شمسية ومضمون وفاة للمجني عليه وأدعو السلطة لإنارة الرأي العام والكشف عن سبب وفاة هذا الشاب وكيفية وفاته ومن قتله بعد إتمام أعمال التحقيق؟“
قبل تعقيب زهير، وبعد أيّام قلائل أي يوم 06 فبراير، تململ الصحفي “المحقّق” أصيل منطقة جبنيانة بليل ليفيد، ضمن ما أسماه “خواطر ليلية” بما يلي: “…والحقيقة أنّ الخبر صدمني أوّلا لأنّني أصيل المنطقة وأعرفها كما أعرف أصابع يدي. وقد تقصيت مدى صحة هذه الحادثة من أطراف عديدة ولكن لا أحد يعرف هذا التلميذ، حتى أهالي منطقة (أولاد حسن) التي زُعم أنّ التلميذ المقتول ينتمي إليها.” ثمّ أضاف بحياد صحفي ملفت: “ولا شكّ أنّ التكذيب الذي نشره فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بصفاقس حول هذه الحادثة قد ألقى بظله على مصداقية بعض الجمعيات والمنظمات التي تدّعي الدّفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الرأي وتبيّن مدى سقوطها في ممارسات تتنافى مع أبسط قيم حريّة التعبير. ولا شكّ أيضا أنّ الاختلاف مع السلطة لا يبرّر بأيّ منطق تشويه سمعة البلاد بنشر أخبار زائفة وإثارة الناس ومغازلة عواطفهم وأحاسيسهم لتحقيق أهداف مشبوهة…”
وأمّا وزارة الدّاخليّة التونسية فقد أحسّت، يوم 06 فبراير كذلك، بأنّ الأمر قد يلامسها من قريب أو من بعيد، فتحدّث السيّد رفيق بالحاج قاسم في مداخلة له أمام أعضاء البرلمان التونسي عن الموضوع قائلا بأنّ: “المزاعم والإدعاءات التي روّجت لها بعض وسائل الإعلام بالخارج عارية عن الصحة، وكشفت مرة أخرى حقيقة مَن يقف وراء المحرّضين على نشر الشائعات والأكاذيب”. ما جعل بعض النوّاب “الفاعلين” يتوزّر أكثر من الوزير، حيث لم يتردد البرلماني سهيل البحري في اتهمام بعض الجمعيات الحقوقية في بلاده باللجوء إلى أساليب التّضليل والإثارة وإفتعال الأكاذيب. واعتبر في بيان وزّعه أمس أن مثل هذا الأسلوب، يكشف “ما آل إليه المشهد السياسي المعارض من ارتكاز على الأحقاد والضّغائن والإحتقان” (قلت: دون أن يركّز على أسباب تلكم الأحقاد والضغائن والاحتقان، ولعلّها جميعا لمرض في قلوب المعارضين).
ثمّ انطلق العديد من الأقلام المدافعة عن “الأخلاق” في التنديد بالكذب والكاذبين والذين قلّدوا الكاذبين فكانوا أكذب إلى غير ذلك من الاتهامات المجانيّة أو المجاملات القاتلة… وقد اعتذرت صحيفة تونس نيوز، يوم 06 فبراير، بعنوان حوى الكثير من الإشارات: “خبر “الوفاة المزعومة لتلميذ جبنيانة”.. والاعتذار الواجب.. والأسئلة المعلقة..“…
بعد استعراض معظم ردود الفعل أو أهمّها حول الخبر الذي جاء قرين حالة استثنائية تشهدها البلاد – كما بيّن زهير مخلوف – حريّ بنا نحن القرّاء أو السامعين والمتفرّجين أن نتوقّف عند الخبر… وعلى لساني أقول: لمّا قرأت النبأ استرجعت وحوقلت، ولكنّني لم أستغرب حدوثه. فالبوليس في تونس برعاية سلطة السابع من نوفمبر وتوجيهها يقتل النّاس دون حسيب ولا رقيب، ويطاردهم ويدخل البيوتات دون إخبار مسبق أو إذن من أصحابها فيروّع الصغار والحوامل ويُجهض أجنّتهم. وقد مرّ بنا جنائز ثلاث لقتلى النّظام التونسي (وهم بإذن الله أحياء عند ربّهم يرزقون: البوعزيزي، العياري، الطاهر بن الشاذلي) في أقلّ من نصف شهر أي ما بين 13 و24 يناير 2008. وقد أورد زهير قائمة طويلة في القتلى الذين لم يشكّك أحد في أنّ موتهم كان نتيجة استهدافهم بالبغض والكره والغيظ الذي عضّ منه الزبانية الأنامل والذي ترجموه بمعاملة لاإنسانية وتعذيب وحشي أفضى إلى ما أفضوا إليه رحمهم الله جميعا… فما الذي يمنع إذن من قتل سامي الذي تبيّن فيما بعد أنّه خليفة؟!…
أتمنّى ألاّ يتعرّض أحد للأذى في تونس وفي غيرها من بلاد العالم، ولكنّ ذلك لا يمنع من تصديق الخبر – وإن كذّبه رجال حقوق الإنسان أعضاء الجمعيّة التونسية للدّفاع عن اللاّئكيّة، بعبارات استعاروها من وزارة الدّاخلية-، فنحن في بلد ضُربت فيه استقلالية الصحافة والقضاء والمحاماة ومعظم المنظّمات وضربت فيه حرّية التعبير بل ضرب فيه التعبير نفسه، ونحن في بلد أنكر الوالد فيه ولده رحمة منه ببقيّة أولاده، ونحن في بلد “اعترفت” الأخت فيه باعتداء أخيها على شرفها كي تزهّد النّاس في الدّفاع عنه أو متابعة قاتليه الأصليين، ونحن في بلد تُعدّ فيه الرحمة جريمة (الحكم على طالبات بتهمة مساعدة زوجة سجين سياسي) والغلظة من تمام الرّجولة وقتل المواطنين دفاعا عن الوطنيّة… وأتمنّى أن تتعدّل المفاهيم وتصحّ، و”يتأدّم” (يصير آدميا إنسانيا) النّظام الحاكم وزبانيته ويرجعون إلى الحقّ والعدل بين النّاس، وتُرتق التمزيقات الخطيرة البشعة التي أحدثها المغيّرون في نسيجنا الاجتماعي، فإنّ ذلك كلّه يساعد وبسرعة في تغييب تلك “الإشاعات المغرضة” والقضاء عليها نهائيّا، فإنّ تونس الجميلة لا تحتمل وجود أيّ مُغرض!….
التجربة الموريتانية وموقعها من تطور النظام السياسي العربي الفاسد
في إطار اللجنة العربية لحقوق الإنسان قضّى الدكتور منصف المرزوقي مع الدكتور هيثم مناع خمسة أيام في موريتانيا لتنشيط ندوة تكوينية للشباب في ميدان حقوق الإنسان والتقيا بكبار الشخصيات السياسية والحقوقية وعلى رأسهم رئيس الدولة . نص المقابلة الصحفية مع موقع الأخبار أنفو المرزوقي لـ”لأخبار”: “اعتماد الفرنسية قاسما مشتركا خطر كبير على وحدة موريتانيا”
(المصدر: موقع د. منصف المرزوقي نقلا عنموقع الا خبار انفو الموريتاني بتاريخ 18 فيفري 2008)
تمر اليوم 19 فيفري 2008 سنتان كاملتان على وفاة المُنعّم المرحوم
الشيخ عبد الرحمان خليف،
الإمام الخطيب والمدرّس السابق بجامع عقبة بن نافع بالقيروان
قال رسول الله صلى الله عليه: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”.
وقد ترك الشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله رحمة واسعة – بالإضافة إلى ما بثه في صدور الناس من حفظ لآيات الذكر الحكيم – ميراثا علميا وفقهيا ثريا ومميزا لا يعرفه الكثير من التونسيين، وهو من العلم الذي يُنتفع به في الدنيا والآخرة بحول الله.
يمكن الإستفادة من الكتب التي ألفها الشيخ المتاحة على الإنترنت على الرابط التالي:
http://www.cheikhelif.net/site/site.php?rub=10
كما يمكن الإستماع إلى تسجيلات صوتية للعديد من خطبه الجمعية ودروسه القيمة المتنوعة التي كان يتابعها آلاف الأشخاص بجامع عقبة بن نافع بمدينة القيروان على الروابط التالية:
http://www.cheikhelif.net/site/site.php?rub=4
http://www.cheikhelif.net/site/site.php?rub=3
إضافة إلى عشرات الفتاوى في شتى المسائل المنشورة على الرابط التالي:
http://www.cheikhelif.net/site/site.php?rub=5
لعمرك ما الرزية فقد مال *–* و لا فرس يموت ولا بعير
و لكن الرزية فـقد حـر *–* يموت بموته خلق كـثير
وبهذه المناسبة، هذا مقال سبق أن نشره الشيخ خليف رحمه الله وأجزل ثوابه يوم 1 جانفي 1970 بعنوان:
ألم يعلموا أن للأفاعي والفئران حقوقا في الإسلام؟
في الناس من يعتبرون هذا العنوان غريبا، وإلا فمتى وكيف تكون للحيوانات المؤذية حقوق؟ أكثر الناس يعرفون الآن أن للإنسان حقوقا، أما حقوق الحيوان فهي لديهم مجهولة أو مهدورة، وأكثر المفتونين بمنجزات هذا العصر رأيتهم يعتزون بما حملت للبشرية وثيقة حقوق الإنسان من راحة، ومن اطمئنان لم يسبق لهما في تاريخ الإنسانية مثيل. كما رأيت كثيرا من حملة الأقلام تصدوا للمعجبين والمعتزين بما في تلك الوثيقة التاريخية، فأثبتوا لهم أن تعاليم الإسلام تمتاز عما في الوثيقة بأمرين عظيمين، وهما: ـ الشمول الواسع الدقيق . ـ والسبق التاريخي البعيد .
ولقد أردت أن أعرض في هذه الكلمة شيئا من تعاليم الإسلام الخاصة بحقوق الحيوان، حتى يتبين أن الإسلام لم يقتصر على الاهتمام بحقوق الإنسان فقط، بل إنه اعتنى بحقوق الحيوان كما اعتنى بحقوق الإنسان. القرآن العظيم يبين لنا أن الله قد استخلف الإنسان في الأرض، وسخر له كل ما فيها، حتى تتوفر له كل مرافق الاستقرار، فقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ(1)
، وقال:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ، وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ , وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ(2)
. إن كل الحيوانات هي من جملة ما سخره الله للإنسان، ولكن مهما تختلف أجناس وأنواع الحيوان فهي لا تمثل إلا صنفين اثنين: ـ صنف ينفع الإنسان ، ولكنه يؤذيه . ـ وصنف ينفع الإنسان ولا يضره . فمن الصنف الأول ما خلق الله من الأفاعي، فإن سمها إذا استخرجه الإنسان بعناية خاصة، ومزجه ببعض العقاقير، فإنه يكون دواءا ناجحا لبعض أمراض الإنسان. والفئران أيضا تنفع الإنسان عند إجراء التجارب الصحية عليها، ولكنها ضارة للإنسان في غير هذه الحال. إن هذا التمازج بين الإذاية والمنفعة ليس خاصا بالأفاعي والفئران، ولكنه يوجد في كل حيوان مؤذ للإنسان كالعقارب وأشباهها. ثم إن الإنسان من حيث إن الله أباح له أن يأكل الحيوان فقد أذن له أن يذبحه، أما الحيوان الذي يؤذيه فقد أذن الله له أن يقتله. وهكذا كان الإذن الإلهي في إزهاق روح الحيوان منحصرا في الذبح والقتل، ولكن الله تعالى قد أوجب في هاتين الحالتين على الإنسان حقوقا للحيوان. ففي حال الذبح كان على الإنسان أن لا يقوم بالذبح، إلا على أحسن حال يمكن أن تريح الذبيح. كذلك الأمر في حال قتل الإنسان للمؤذي، فإن عليه أن يقتله بصورة لا يجمع له فيها بين التعذيب مع ألم القتل. ولقد ضبط رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية قتل المؤذي وذبح المسالم، وذلك فيما أخرجه مسلم ( 3615 ) عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ». فإذا لاحظنا قوله صلى الله عليه وسلم: « فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ » تبين لنا أن الله وإن أذن بقتل المؤذيات، فإنه أوجب لها حقا في أنها لا تعذب عند إرادة قتلها، فلا يجيعها الإنسان حتى تموت، ولا يحرقها، ولا يغرقها، ولا يقطع أوصالها، وبكلمة جامعة يجب على الإنسان أن لا يقتلها بأي نوع من التعذيب أو القتل البطيء، لأن كل ذلك ليس من الإحسان الذي كتبه الرحمن وجعله حقا للحيوان. وأما الحيوانات الأليفة للإنسان فحقوقها أظهر وأشهر سواء ما يكون عند الذبح أو قبله. فمن حقها عند الذبح أن تكون آلة الذبح قد تم إعدادها وشحذها جيدا من قبل أن تقاد الشاة للذبح، وأن تقاد للذبح برفق، وأن لا تضجع إلا وقت الذبح مباشرة، وأن يجهز عليها بقوة وسرعة. عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها، وهو يحد شفرته، فقال له النبيء صلى الله عليه وسلم: « أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟ هَلاَّ حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا » رواه الحاكم (7670). وفي سنن ابن ماجه( 3163 ) أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُحدّ الشّفار، وأن تُوارى عن البهائم وَقَالَ إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجْهِزْ . إن من هذه الحيوانات ما جعل الله له إدراكا خاصا قد يتبينه الإنسان من الحيوان، وخصوصا عند الفزع والخوف، ولعل هذا هو ما يتضمنه أمر النبيء لنا بأن يكون الشحذ لآلة الذبح مخفيا عن الحيوان، وقد يتبين سر هذا الأمر من حادثة غريبة عجيبة، وهي أن رجلا أخذ يشحذ سكينا لذبح شاة، وكانت الشاة تلحظه، ثم ألقى الرجل السكين على الأرض، وذهب سريعا لأمر خطر له، وشغله عن الذبح، فلما عاد لإتمام عملية الذبح لم يجد السكين، حيث أنه يعلم أن المكان ما دخله أحد بعده، فجعل يبحث عن السكين، فهداه بصره إلى خط في التراب ممتد من الموضع الذي ترك فيه السكين إلى إحدى الحفر، فنظر في الحفرة فإذا السكين فيها، فأدرك الرجل أن الشاة هي التي جرت السكين، وألقتها في الحفرة تخلصا منها، ورغبة في السلامة من الذبح. ولقد جعل الإسلام أيضا للحيوان حقا عند سلخه وتفصيل أجزائه، فإن كل ذلك لا ينبغي إلا بعد التأكد من موته، وانقطاع حركته تماما، فقد روى كل من الطبراني (12838) والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيء صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبيحة أن تفترس قبل أن تموت. والناس ليسوا سواء في تعاملهم مع أنواع الحيوان، فمنهم من هو كقرة بن إياس رضي الله عنه ، فقد روي عنه الإمام أحمد في المسند (15039) أنه قال: قلت يا رسول الله، إني لآخذ الشاة لأذبحها فأرحمها، فقال صلى الله عليه وسلم: « وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ ». ومنهم من هو كالمرأة التي روى البخاري ( 3223 ) من شأنها عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال: « عُذِّبَتْ اِمْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذَا حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ». ومنهم من يتعفف عن قتل الحيوان المسالم عبثا، لأنه يحذر المساءلة والعقاب في يوم القيامة، فقد روى الإمام أحمد ( 6565 ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ ذَبَحَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهِ سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وروى النسائي ( 4370 ) وابن حبان (5993 ) عن الشريد بن سويد أنه صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إلى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْهُ، يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ ». إن صور العبث التي يتصرف بها الإنسان مع الحيوان كثيرة ومنها أن يتخذ الحيوان الحي هدفا لتعلم الرماية أو للمباراة فيها فقد روى البخاري ( 5091 ) أن سعيد بن جُبير قال كنت عند ابن عمر فمررنا بفتية نصبوا دجاجة يرمونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن النبيء صلى الله عليه وسلم لعن من مثّل بالحيوان. كما روى الطبراني في الكبير ( 11709 )عن ابن عباس أن النبيء صلى الله عليه وسلم خرج على قوم قد نصبوا حماما حيا وهم يرمونه، فقال صلى الله عليه وسلم: « هَذِهِ الْمُجَثَّمَة لاَ يَحِلُّ أَكْلُهَا ». و المجثمة هو الحيوان يُنْصب ليكون هدفا للنبل والسهام حتى الموت . وروى مسلم ( 3617 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال: « لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا ». إن كل صور العبث بالحيوان محرمة في الإسلام، وكذلك ما يعتبره بعض الناس بعيدا عن العبث ولكن فيه إساءة بالغة، ومن أمثلة هذا النوع أن يعمد الإنسان إلى وسم الحيوان في وجهه بالنار(3) ولو وجه حمار. فقد روى مسلم (3953)عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مر النبيء صلى الله عليه وسلم على حمار قد وُسّم في وجهه فقال : « َ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ ». والمستهزئون بقيمة الوجه لا يقدرون منزلته، ولا يعلمون أن الوجه هو أحسن ما في كل مخلوق، وقد تقرر في الإسلام أن الوجوه لا تضرب ولو كان الوجه وجه حمار، فقد روى أبويعلى الموصلي في مسنده( 2094)عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبيء صلى الله عليه وسلم مر عليه بحمار قد وسم في وجهه، فقال: « ألم ألعن من فعل هذا ؟ ألا لا يوسمن في الوجه ، ولا يضربن في الوجه ». ولو أراد الناس أن يتقصوا ما في الإسلام من عناية ومن رفق بالحيوان لرأوا العجب العجاب، ذلك لأن الإسلام لم ينه عن قتل الحيوان عبثا ولا عن تعذيبه فقط، ولكنه نهى عن أن يتعب الحيوان بلا فائدة، فقد روى أبو داود (2204 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: نهى النبيء أن توقف الدابة وصاحبها فوقها وهو يطيل الحديث فقال صلى الله عليه وسلم: « إِيَّاكُمْ أنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإنَّ اللهَ إنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبْلِغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشَقِّ الأنْفُسِ ». كما نهى عن حرمانها من الرعي فقد روى الإمام أحمد (16967 ) وأبو داود (2185 )عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أن النبيء صلى الله عليه وسلم مر ببعير مناخ على باب أول النهار، ثم مر به آخر النهار وهو على حاله، فقال أين صاحب هذا؟ فابْتُغِي فلم يُوجد، فقال صلى الله عليه وسلم: « اتَّقُوا اللهَ فِي هَذِهِ البَهَائِمِ المُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً ». وفوق كل ذلك نهى عن كل ما يؤلم الحيوان عند الاستفادة منه، ولو كان المؤلم له مجرد خدش بالأظافر، فقد روى أحمد (15395 ) و الطبراني في الكبير(4469 ) عن سَوَادَةَ بْنَ الرَّبِيعِ رضي الله عنه قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ فَأَمَرَ لِي بِذَوْدٍ ثُمَّ قَالَ لِي : « إِذَا رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِكَ فَمُرْهُمْ فَلْيُحْسِنُوا غِذَاءَ رِبَاعِهِمْ وَمُرْهُمْ فَلْيُقَلِّمُوا أَظْفَارَهُمْ وَلَا يَعْبِطُوا بِهَا ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ إِذَا حَلَبُوا ». وأعجب من كل ذلك أنه أمر بتمكين الحيوان من رعي النبات الذي يستطيبه ويستسيغه أكثر من غيره ، فقد روى الطبراني عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال: « إذَا رَكِبَ أَحَدُكُمْ دَابَّةً فَلْيَحْمِلْهَا عَلَى مَلاَذِهَا ». أفلا يخجل الإنسان من مقارنة حقوق الحيوان في الإسلام بما يحدث في مصارعة المتحضرين للثيران، أو باعتزاز المفتونين بما في وثيقة حـقوق الإنسان؟ مقارنة بما هو مقرر له في الإسلام، عند هذا الحد أسكتني الشاعر القائل :
أَلَمْ تَرَ أنَّ السَّـيْفَ يَنْـقُصُ قَـدْرُهُ إِذَا قُلْتَ هَذَا السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ الْعَصَا
(المصدر: الموقع الرسمي للشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله، تصفح يوم 18 فيفري 2008)
صلاح الجورشي في معركة الحجاب كمثال
بقلم: زهير الشرفي
ما ان تفرض الفرق الاصولية مطالبها بتعميم الخمار حتى تنتقل الى مطلب آخر: منع الاختلاط؛ منع الخروج من دون محرم؛ منع قرار المرأة الزواج والطلاق دون موافقة ولي الامر؛ منع حلق الرجال لحاهم؛ منع..؛ قطع..؛ …
لا أوافق السيد صلاح الجورشي حين يقول “أما آن الأوان لكي تنتهي المعارك الوهمية حول الحجاب؟” (أنظر المقال في صحيفة “العرب القطرية” 7-فيفري/فبراير 2008 أو في موقع تونس نيوز 8- فيفري-2008) فالمعركة حول الحجاب ليست وهمية بل هي معركة حقيقية معركة فرضتها فرق الأصولية والوهابية على شعبنا وتفرضها في كل بلاد المسلمين بل حتى في أوروبا وغيرها. تلك الفرق هي التي تطلب من الشعب الفرنسي، الذي أجبر رجل الدين المسيحي على نزع جبته في الطريق العام، أن يقبل ويرضى باللباس الأصولي الإسلامي في الشارع الفرنسي بل في مؤسسات التعليم ومراكز العمل أيضا.
كلنا نريد النهاية لهاته المعركة التي وفدت علينا رياحها من المملكة السعودية وإيران والتي تفرضها علينا الفرق الأصولية والوهابية باسم التراث الإسلامي وبواسطة خطاب لا يخلو من عبارات التكفير والترهيب.
فكيف ستنتهي: بأي شكل وعلى أية أوضاع؟
هل يريد السيد صلاح لهاته المعركة أن تنتهي بانتصار بلطجة الفرق الأصولية والوهابية التي لا تقبل بحثا ولا حوارا حول مسألة الحجاب؟
بعد أن تفرض تلك الفرق مطلبا من مطالبها تنتقل مباشرة إلى مطلب آخر: فبعد الخمار في مؤسسات التعليم يأتي مطلب منع الاختلاط ثم منع خروج المرأة بدون محرم ثم منع قرارها في الزواج والطلاق والمعاملات بدون موافقة ولي أمر من الرجال… ثم منع الرجال من حلق لحيهم ثم منعهم من استرجاع مطلقاتهم قبل نكاح الغير لهن ثم قطع الأيدي والرجم في الطريق العام ثم كل المشهد الأفغاني.
حين أتحدث عن بلطجة الفرق الأصولية فإنني أعني منهجها في رفض أي حوار حول مسألة الخمار: من أطاعها وقبل بمطلبها عليه أن ينتقل إلى تنفيذ المطلب الموالي ومن يرفض مطلبها فهو كافر وعدو لحرية اللباس وعنصري وكل سبل الاعتداء عليه وشتمه حلال في حلال؟
إليك أيها القارئ الكريم هذا المثال:
حين نشرت مقالي في الشبكة الافتراضية بعنوان “الخمار بين الفهم الأصولي والمعاني الأصلية ” قدمه السيد سامي حقي إلى أحد مواقع الأصوليين (الحوار نت) وطلب من رواد الموقع مناقشته. فانطلق عدد منهم في الرد بالشتم والتكفير ومن بينهم السيد الهادي بريك مما استدعى السيد سامي حقي إلى التعليق بالقول التالي:
“المؤكد أن بريك مثلما عودنا في ردوده غير قادر على الرد العلمي والموضوعي على المقال ولذلك جعل يدور ويفضفض في مواضيع أخرى ليست لها أي علاقة بالموضوع: أي دلالة الآيتين .الثابت أيضا أن اطلاع الرجل مقتصر على كتب الفقه والإسلاميات القديمة والكتب الصفراء دون غيرها من انجازات العلوم الإنسانية الحديثة، وهذه سمة يشترك فيها معظم الأصوليين. لن أدخل في مهاترات تتعلق بالإسلام وفضله على البشرية في العلوم والتقدم والحضارة، هذا لا جدال فيه، لما كان الاسلام ممثلا بالعقل كابن رشد والرازي وبن سينا. أما حالة الاسلام في الوقت الحاضر على يد الاصوليين أصحاب النقل الحرفي أمثال بريك فهي جلية في تقارير الامم المتحدة والمنظمة العالمية للصحة ومنظمات حقوق الانسان العالمية ..أخيرا ولن أعود الى نقاش خاو وغير مجد معك، مشكلة المرأة المسلمة هي أنكم جعلتموها كائنا نجسا، ذا عورة وباعثا على الفاحشة والرذيلة بلغتكم. لذلك ناديتم بحجبه وإخفاءه وإفناء جسده تحت اللباس . كلمة أخيرة: ربما ستنتصر أفكاركم الأصولية التحريفية للقرآن الكريم لعقود أخرى بفضل فوائض الجهل والفقر والتخلف الذي تستثمرونه جيدا، لكن اتجاه التاريخ في تحريك الوعي وتنمية العقل البشري وتجديده لصالح الانسانية مسألة ثابتة وحاسمة أيضا في محو دجلكم وإرهابكم للمرأة باسم الإسلام وحاشاه الاسلام من ترهاتكم ودجلكم المزوقين بالحكمة الكاذبة”
حين تنتصر أحزاب الخمار الأصولي وتفرض ارتداءه على بناتنا ونسائنا تبقى الإشكالات الفكرية والحقوقية الأصلية مطروحة بدون حل وبدون وعي للحل بل يبقى الكثير من الغموض حول مسألة الخمار مثلما هو الشأن إلى أيامنا في إيران والسعودية وتركيا إلخ…
في تركيا ذاتها تفتح هذه الأيام أبواب الجامعات للخمار بأسلوب الغلبة والبلطجة السياسية. فالحزب الحاكم هو الذي يغير الدستور ويجمع الأصوات في البرلمان من أجل ذلك: لم نر حوارا حقيقيا أو انتصارا فعليا لقيم حقوق الإنسان وحرية المعتقد ومبادئ الديمقراطية في تركيا، ولم يقدم لنا السيد صلاح شيئا من حوار وحجج تقنع بأن الخمار الأصولي الذي يدخل الجامعات التركية يمثل تحقيقا لفهم عقلاني وإنساني لمقاصد الدين الإسلامي لا تقليدا أعمى لأقوال السلف وتنفيذا لأوامر الأصولية الدينية. كما أنه لم يقدم لنا أي شيء يقنع بأن ذلك الخمار التركي ليس مقدمة من مقدمات البرنامج السياسي للأصولية الإسلامية التركية التي بدأنا نرى إنكارها لحقوق الأكراد ودموية سلطتها بدخول جيوشها إلى أرض العراق المجاور.
انتصارات حزب العدالة والتنمية في تركيا تفسر بمجمل الوضع السياسي المحلي والدولي لكنها ليست دليلا على سلامة فهمه للتراث الإسلامي ولا على ديمقراطية برنامجه ولا تغنينا عن البحث السليم في أصل الإشكالات المطروحة حول قضية الخمار في مؤسسات التعليم ومراكز العمل.
قد آن الأوان، حسب رأيي واعتقادي، أن نعمل على توضيح مثل هذه المسائل في عقولنا قبل أن يفرض فقهاء البلطجة حلولهم ومطالبهم: هل حمل الخمار الأصولي الأسود فرض ديني حقا على مسلمات اليوم؟ هل حرية اللباس تعني السماح للطالبات بارتداء ما يشأن داخل الجامعة؟ هل أن حق ممارسة الطقوس الدينية يعني أن ترتدي الطالبة ذلك اللباس حتى في الجامعة؟
من سوء حظ شعبنا لم تقم مؤسسات الإعلام بواجبها وقد لا تنوي القيام بواجبها، مستقبلا أيضا، في إنجاح الحوار الوطني بل قد تواصل نشر إعلام يخدم مصلحة الفرق الأصولية مثلما جاء في ذلك الملف الفاشل حول قضية الخمار و”لباس الحشمة” في قناة سبعة التلفزية التونسية الرسمية. فقد انتصر الشيخ محمد بوزغيبة لرأيه القائل بأن المرأة المسلمة عليها أن تخفي الكل سوى يديها ووجهها بدون أي عناء، وتقبل الحاضرون فقهه وآراءه بدون مناقشة كما لو كان مؤمرا أو مولى عليهم. محمد بوزغيبة هو نفسه من صرح قبل الملف في جريدة الصباح بأنه علينا أن نترك الحديث في مثل هذه المسائل إلى أهل الاختصاص بمعنى أن نترك الحكم والحديث له ولأمثاله من دون أهل الحكمة والحقوقيين والجامعيين والحداثيين والعقلانيين… (فكان بشكل ما قد قيد مسبقا حرية تعبير القادمين للملف). كان ينبغي على قناة سبعة التلفزية أن تبحث عن غيره من رجال الدين الذين يحترمون الآخر ويحترمون حق كل مواطن في البحث والتعبير عن الرأي.
بمثل هذا السلوك الإعلامي يمكننا القول بأن المعركة منتهية وأن النصر سيكون لصالح الفرق الأصولية والوهابية حتى لو لم توجد القنوات التلفزية الأخرى التي يمولها شيوخ البترو- دولار ودوله.
لا يذهبن برأيك أيها القارئ الكريم أنني لا أريد احترام حرية اللباس أو أنني لا أحترم حق الطالبة في ممارسة ما تعتقد أنه من طقوس دينها لكنني أرى أنه يجب على طرفي معركة الخمار أن يكتشفا أساليب أخرى يحافظان بها على الخمار الأصولي أو “لباس الحشمة” في هذا القرن الواحد والعشرين: فليفتحا كليات خاصة بالطالبات المخمرات مثلا وكليات خاصة بالطلبة الملتحين، ثم كليات للشيعة وأخرى عديدة بعدد الأديان والمذاهب… لن أطلب منهما سوى ضمان السلم والتعايش بين هذه الفرق وضمان احترامها لحقوق المواطن في الحرية والمساواة وفي طموحه لنهضة وطنه ولحاقه بركب الحضارة.
خمار أم حجاب؟ لماذا استعمل السيد صلاح الجورشي عبارة “حجاب”؟
إن عبارة “حجاب” الواردة في النص القرآني تعني حاجزا أو سورا فاصلا فكيف تصبح لباسا عند السيد صلاح الجورشي مثل كل الفرق الأصولية والوهابية؟ كيف وقع المرور من معنى الحاجز أو السور العازل إلى معاني اللباس؟
وردت عبارة الحجاب في الآية التالية من النص القرآني:
“يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما”.
من الواضح أن المعنيات بهذه الآية هن نساء النبي. فهو يطلب من ضيوفه أن لا يتجولوا في بيته كما بدا لهم وأن لا يخاطبوا نساءه عند الحاجة إلا من وراء حجاب أي من خلف الأبواب أو الحيطان أو أي حواجز توجد في البيت. لا بد لفهم هذا النص من الأخذ بعين الاعتبار كلا من عدد نساء النبي وعدد الضيوف في بيته وتعدد مشاربهم وطباعهم (تحدث المفسرون في أسباب نزول الآية عن وجود عدد كبير من الضيوف في بيت النبي).
تنبغي أيضا ملاحظة وجود كثير من علامات الخصوصية في هاته الآية لعل أوضحها وأبرزها ما جاء في عبارات: ” …وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما”. الآية تمثل بشكل ما، علاوة عن كونها متعلقة بشؤون بيت النبي الداخلية، عتابا لاؤلئك الضيوف الذين يؤذون النبي في زوجاته وتطلب منهم أن لا يسعوا لنكاحهن من بعد زواجه بهن.
من المعقول إذا أن لا يسعى ضيوف النبي إلى اجتياز الحواجز الموجودة ببيته أو إيذائه في بيته بالسعي لنكاح أزواجه من بعده؛ لكنه ليس من المعقول تغيير هذه المقاصد لعبارة الحجاب الواردة في الآية باشتراط لباس قد لا يمنع ما قصد نص الآية منعه من إيذاء للنبي.
إذا كان فقهاء السلف قد خلطوا مقاصد الآية بموضوع لباس المرأة في عصرهم، أو كان زعماء الفرق الأصولية والوهابية يوظفون هذا الخلط ويعيدون إنتاجه فهذا لا يجيز لمن يدعي العقلانية أو اليسراوية والاعتدال في القرن الواحد والعشرين أن يغض الطرف عن مثل هذه المسائل؟
لا ينبغي أن ننسى، أيها القارئ الكريم أن السيد صلاح الجورشي لا يصرح بانتماء أو قرابة من الفرق الأصولية والوهابية، بل هو عضو في الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان؛ فكيف يستطيع أن يسكت، عند حديثه في قضية حمل الخمار الأصولي في مؤسسات التعليم، عن الجانب الثاني أو الوجه المخفي من القضية الذي سألمح إليه بالملاحظات الثلاث الآتية؟:
1- عند الحديث حول علاقة حمل الخمار الأصولي بالعبادات والطقوس الإسلامية يتبين وجه ثان للقضية. الوجه الأول معروف وهو قول فقهاء السلف وكل الفرق الأصولية والوهابية بأن حمل الخمار يمثل واجبا على المرأة المسلمة. أما الوجه الثاني الذي لم يذكره السيد صلاح وتنكره كل فرق الأصولية والوهابية فهو القول بأن الدين الإسلامي في خطابه الأصلي لا يطلب من المرأة المسلمة أن تحمل ذلك اللباس (وسأكون سعيدا بمتابعة أي مناقشة جدية لمقالي سالف الذكر والخاص بهذا الموضوع مع السيد صلاح).
2- عند الحديث حول حرية اللباس ينسى دعاة الفرق الأصولية والوهابية ما تعنيه تلك الحرية من حق في حمل كل أنواع اللباس: ما هو خليع وما هو خاص بعبدة الشيطان وما هو خاص بفرق الشباب الفاشي إلخ… وينسون أيضا أن حرية اللباس لا تعقل في عديد من الأماكن والحالات فالخمار الأصولي ذاته، ناهيك عن الجلباب، يحد من مقدرة المرأة على السمع وعلى مراقبة حركة المرور وقد يتسبب في عدد من الحوادث إن كانت المرأة حاملة الخمار راجلة أو على مقود السيارة، أما عند الحرب وعند حالات الصراع الاجتماعي والاحتكاك السياسي فستكون العوائق والمآسي أكثر عددا وأشد إضرارا حيث لا يمكن في تلك الحالات الفصل بين الجنسين ومنع الاختلاط. كيف ينسى السيد صلاح أن يأخذ بالحسبان مثل هذه الاعتبارات فلا يتحدث عما قد يحدثه هذا اللباس من تعطيل لحرية وسلامة وفعالية الحركة والعمل في مؤسسات التعليم ومراكز العمل كما في الطريق العام؟
3- عند الحديث عن حرية إقامة الطقوس والعبادات الدينية لا بد أيضا من اعتبار ما قد تحدثه بعض الطقوس من ضرر بالغير أو نيل من حقوقه. وليعلم الحقوقي صلاح الجورشي أن قتل المسيحيين، وغيرهم ممن يعتبره بعض دعاة الفرق الأصولية والوهابية كفارا، يمثل سنة محمدية لديهم (انظر مقال أحد الإرهابيين اللبنانيين على الشبكة الافتراضية بعنوان: “إسعاد الأخيار بإحياء سنة نحر الكفار”). فهل نطلق لفرق الأصولية والوهابية حرية القتل بدعوى أنه يمثل جزءا من طقوسهم وعباداتهم واعتقاداتهم الدينية؟
حين تحمل الفتاة في الجامعة ما يدعى بـ”اللباس الإسلامي” هل تكرس بذلك حقها في حرية الإيمان وحرية القيام بطقوس العبادة أم تكرس عبوديتها وانسحاقها أمام إرادة أمراء الفرق الأصولية والوهابية؟ هل تكسب حريتها بحمل الخمار أم تفقدها؟ كيف للسيد صلاح، الذي يفترض أنه يلتزم بقيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يدعي أن حمل الخمار يمثل تحقيقا للحرية وتجسيما لحق القيام بالعبادة وليس العكس؟ لماذا لا يقول مثلا أنها “حرية” العبد المملوك أو “حرية” السجين المقيد أو وهم الحرية الذي يخفي قيود العبودية والأسر؟
لماذا يدعي السيد صلاح أنه يرى في الفتاة الحاملة للخمار الأصولي الأسود فتاة تتحرر ويخفي علاقة الحدث بانتصار الفرق الأصولية والوهابية وزحف إيديولوجيتها وفهمها الخاص واللاعقلاني للتراث الإسلامي؟
إن كان من واجبات ” الحقوقي” صلاح الجورشي، بحكم عضويته في إدارة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن يسهر على تطبيق المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الآتي نصها:
المادة 18.
لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة.
فهو مطالب أيضا بالسهر على تطبيق المادة 30 التي تقول:
المادة 30.
ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.
ينبغي للسيد صلاح الجورشي إذا مثل كل الحقوقيين أن يفهم أن حقوق إقامة الطقوس والشعائر الدينية يجب أن تقف وتمنع حين يقع توظفيها للمساس بحقوق الغير.
وإن كان من الواجب إنقاذ من يقدم على الانتحار بل منعه أيضا فكيف لا يكون من الواجب الحقوقي والإنساني أن ننقذ الفتاة التي تخيط ثوب سجنها وتضع على الرأس حمل قيدها ؟ هذا مبدأ حقوقي وإنساني أكيد.. يبقى فقط السؤال: كيف؟ بالموافقة على منع الخمار الأصولي في مؤسسات التعليم والعمل، أم بالمطالبة بإحداث كليات خاصة بضحايا الدعاية الأصولية، أم بأنواع أخرى من الحلول؟
لقد انتشر الإعلام الأسود في هذا الزمن السيئ حيث صرنا نسمع ونرى ليلا ونهارا من يتهكم ويشتم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة لأنه نزع الخمار في الطريق العام عن إحدى نساء الوطن ونقرأ لأحد القياديين في رابطة حقوق الإنسان وهو ينتقد العلمانيين والعقلانيين والحداثيين انتصارا لخمار الفرق الأصولية والوهابية ومشاريعها السياسية. ليعلم هؤلاء الدعاة أن بورقيبة نزع الخمار عن المرأة وهي تبتسم … وهي مقتنعة وسعيدة باستقبال الحرية والنور. وليعلم صلاح الجورشي أن انتصار فرق الأصولية والوهابية لا يحصل ببترو-دولارات الخليج وحدها بل أيضا بالدعاية والإعلام الذي يساهم فيه بكتاباته والذي يصور مأساة التلميذة، التي تحمل الخمار الأصولي بسبب نقص في الوعي أو خطأ في فهم مقاصد الدين، بعبارات البطولة والنصر كما لو كان ذلك اللباس علامة إيمان وحرية لا علامة من علامات الخطأ في فهم التراث الديني وعلامة من علامات عبودية المرأة وإذلالها في عصر يرفض العبودية والتمييز بين الكائنات البشرية.
(*) كاتب من تونس
(المصدر: موقع ميدل ايست اونلاين (بريطانيا) بتاريخ 19 فيفري 2008)
في الصميم
وضع النقاط على الحروف
الثوابت والمبادئ والقيم من شيم المؤمنين الصالحين بعيد على الثلب والشتم
اليوم أختتم الحلقة أربعمائة على موقع تونس نيوز منذ 32 شهر بمعدل 13 مقال شهريا وإن كل المقالات تؤكد النهج الصحيح للكتابة بأسلوب نظيف سليم وحضاري وبصراحة ووضوح وشفافية وصدق ووفاء وعلى النهج والثوابت والقيم الخالدة ونبل وأخلاق ودون رمي الورود وكم من صديق وفيّ وأخ عزيز ورفيق في النضال الوطني تخالفت معه في بعض الأفكار والمعلومات وكم من أخ كريم عزيز عقبت على تدخلاته وحواراته في التلفزة لتصحيح بعض الأخطاء أو الأحكام أو ذكر السلبي أو خدش التارخ الوطني أو التفصي من المسؤولية وجعل كل ما هو سلبي فعله الزعيم الراحل وهو الذي يتحمل المسؤولية قلت لهؤلاء بصراحة وأجبتهم بوضوح ولم أخشى إلا الله سبحانه وتعالى وربما غيري يصمت أو يناقف ويجامل ويبقى صديق حميم لبعضهم لكن هذا ليس من أخلاقنا الإسلامية المحمدية ولا من ثوابتنا ومبادؤنا الوطنية السامية والمتتبع لمقالاتي على امتداد 32 شهرا يدرك مدى نهج الصراحة والوضوح والصدق والشجاعة في الإصداع بالرأي الحر حتى أن بعضهم من أصحاب النظرة القصيرة والتجربة المتواضعة والميل مع الريح كما قال الشاعر الفنان الشاذلي الحاجي في أغنيته ميلي مع الأرياح هؤلاء قالوا لماذا الاخ الهاني أخذ طريقة جديدة في التعبير وحربية مطلقة وشجاعة قوية… وبعضهم قال الأخ الهاني بعد على التحزب وغير أسلوبه…وبعضهم قال الاخ العروسي اصبح متحررا اكثر من اللزوم...وبعضهم قال إن هذه المجموعات الصغيرة ذات النظرة القصيرة لا يعرفون مواقف وشجاعة المناضلين المخلصين ولو عاشوا سنوات من الحوار الصريح من 70 إلى 1981 الحوار متواصل فعدلوا ساعتهم على ساعة الحق وساعة الواقعية وساعة الجد والحقيقة ولكن مع الأسف هؤلاء أغلبهم جدد لا يعرفون مواقف القدامى وشجاعة أحرار هذا الحزب هم الذين لا يعرفون النفاق والمدح والانبطاح المجاملة ولو كانوا على هذا النحو والشكل مادام إشعاعهم وسمعتهم وبصماتم وذكرهم ومصداقيتم وبالتالي كتابتهم الجريئة اليوم…ولكن في المقابل بعضهم من المسؤولين الكبار يعرفون صدق ونهج وثوابت العناصر المناضلة ولم تتغير منذ 54 سنة مضمت وهم على خط الوفاء والثوابت ومع الأسف بعض المسؤولين الجدد أو المخضرمين لا يعرفون هذا النوع الجيد كما قال أحد الولاة بالقصرين زرته وكان معه اهم مساعديه الكبار بالولاية وكنت مرتدي بدلة جديدة ممتازة فقال الوالي مبتسما هذا القماش الرفيع غير موجود الآن في السوق فتكلم مسؤول كبير في الولاية وقال للسيد الوالي هذا النوع من القماش موجود عند التاجر فلان من صفاقس فابتسم الوالي وبعد ان غادر الإخوة المسؤولين وبقيت أنا مع السيد الوالي على انفراد ابتسم وقال مسكين هذا المسؤول لم يفهمني ولم يفهم كلامي انا أقصد الرجال الخلص أمثال الضيف الكريم القادم إلينا هذا النوع أصبح قليل ومفقود وفعلا صدق الوالي في هذا النعت هو قماش من نوع رفيع و غير موجود في الأسواق والذي ذكرني بهذه القصة ما قرأته يوم الأحد 2008/02/17 في مجلة حقائق حيث وقع حوار هام مع الأستاذ البشير الصيد عميد جميعة المحامين الرجل القومي وصاحب الاتجاه العربي والصريح والواضح وصاحب الثوابت أجاب عن سؤال حول اختارك زملائك على قاعدة نفسك الاحتجاجي والبعض منهم بدأ يردد أنك تغيرت في مواقفك الإجابية قال العميد البشير الصيد بصراحة ووضوح لا لم تتغير مواقفي وقناعاتي مازالت محتفضا بها ومن يتوهم ذلك فهومخطئ غير أن بعضهم قد ساءه اننا بصدد بناء علاقات صحيحة وسليمة مع السلطة الرسمية وهذا في رأي واجب من الواجبات على كل عميد ان يقوم به ولا اعتقد أنها تغير من قناعاته أو تبدل من أفكاره وعلى العميد ان يتحلى بالموضوعية وأن يسلك طريق الحوار والتفاوض لأنه الطريق الأجدى….ويعني أن الحوار مع السلطة فيه فائدة للمحامين…شكرا لسيادة العميد على هذه الإجابة الصريحة والمؤثرة والدامغة…وأنا شخصيا حصل لي يوم الاحد 2008/02/17 بعضهم اطلع على مقالي 399 حول النكتة الثقيلة وحول دور الفنان الفكاهي الذي ينبغي أن يكون دور البناء والنقد الموضوعي النزيه لا العكس والتهريج والشتم والثلب والنميمة وقد أعجب عدد هام من القراء بهذا المقال ولكن حصل أن بعضهم قال لي يا سي الهاني : بعض الصحف المعارضة اغتنمت هذه القضية وقامت بتهويلها وتضخيمها واستغلالا والوقوف إلى جانب الفكاهي الهادي ولد باب الله لماذا انت كتبت ضد هذا الفكاهي البطل وبعضهم لامني لماذا تدافع على النظام ابتسمت وقلت لهم وهو أقلية طبعا الحمد الله هل انتم مسلمين قالوا نعم قلت لهم ديننا حرم النميمة والغيبة ومس أعراض الناس وهتك سرتهم ومع الأسف هناك أشخاص حياتهم دوما الصيد في الماء العكر وضد السلطة على الدوام وهذا غير موضوعي أيها السادة الأفاضل الكرام اتقوا الله في خلقه. قال الله تعالى :”ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” صدق الله العظيم . وللحديث بقية.
محمد العروسي الهاني –
هـ : 22 022 354
الرّجَالُ يقتلهم جَبَانْ
يخشى الجبانُ من النزال فيغـدرُ والغدْرُ طبْعٌ حاقدٌ وجبَــانُ
لا يَجْرُؤُ الجُبْنُ على رّجُـل سوَى في غَفلة و يدُلّـهُ خــوّانُ
منْ قال مات” عماد ُ “؟ لا لا لم يمُتْ فهو الشهيدٌ يَضيفُه الرّحْمـانُ
يلْقى هُناكَ” رَاغبًا” و”المُــوسَوي” يلْقى “يسينٌ ” نعم هُمْ جيرانُ
قدْ ظلّ عُمْرَهُ صابرًا ومُصَا بــرًا حَرْبا و نَصْرًا،زادُهُ الإيمـانُ
فَهْوَ العمادُ في الجهاد وفي غنــى عنْ شُهْرة قدْ زانَـهُ “رضْوانُ”
كالنسْر يَرْقبُ ما يُطلّ في المَـدَ ى وَيَهُز رأسًا يأْته البُـــرْكْانُ
من كَفه، ذاقَ العــدُوُّ مذلّـــةً ً وتوجّعَ منْ عزمــه الطّغيانُ
ما نال منهُ كيْـــدُ قوْم تُبّــع أوْ فَتّ فيه الوَاهــنُ الوَهّانُ
ظلّ يُقارعُ والرّيَـاحُ حَليفَـــة ٌ للغاصبين، وبعْضُـهُمْ إخوانُ
لمْ يلتفتْ يُمْنَى ويُسْــرَى ، إنمَا شَحَنَ الرّصَاصَةََ قلْبُهُ الخزانُ
قلبُُ الرّجُولة والكرامـة ثائــرٌ لا يُخمدُ ثوَرَانَـــهُ العُدْوانُ
لا يقبلُ الشهْمُ العزيزُ ذلّــــة ً وَلكمْ أُذلّ مُسَالمٌ، ومُـــدَانُ
عدْلٌ بلا أُمَم ،يتيمٌ شَــــاردٌ لاَ عَدْلَ إلاّ ما تُقيـمُ سنَـانُ
يَمْضي العَبيدُ إلى القيُود تمَسـّحًا هلْ يَرْكَـنُ لقيــوده إنسانُ ؟
يا ثائرٌ لم تنْحن لعواصـــف أنتَ لكلّ ثــوْرة عُنْــوانُ
أنت العلامة ُوالسبيلُ والمَــدَى لنْ تُطفئ قبَسَاتكً الأحْــزانُ
ما مات إلاّ الخائنُ المُسْتسْــلمُ لكنّ مثلَكَ رُوحُــهُ الرّيْحَانُ
دمُكَ مدَادٌ للتحَــــرّر ساخنا لا لنْ يَمَسّ دماءكَ النسْـيَـانُ
ستظلّ تشهدُ يا شهيدُ ملاحمــا تمْشي بها من بعْدكَ الأغصانُ
يأتيكَ نصرُ الله نصرًا غاليـًـا يأتيكَ في عَلْيائكالنصْرانَُ
نصْرُ الشهادة ثم نصرُ أمـــّة اللهُ أكبرُ عدْلهُ الميــــزَانُ
شعر بحري العرفاوي . تونس في 14: 02: 2008
1-إنها أزمة الدولة التسلطية العربية
توفيق المديني تشهد العلمانية تراجعا ملحوظا في معظم البلاد العربية منذ ثلاثة عقود ، ولم تعد تحتل ذلك الحيز الكبير من الفضاء العام في الحياة السياسية العربية المعاصرة.ويعود السبب في ذلك إلى احتدام التناقض الجوهري بين الاتجاهات العلمانية العربية الحديثة وقوى الإسلام السياسي في مسألة الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، وحقوق المرأة، وقضايا المساواة بين الرجال والنساء أمام القانون، وتطبيق الحدود، وبعض أوجه ممارسة حقوق المواطنة، ورؤية الإسلام السياسي الى الديموقراطية وتعدد الاجتهادات داخل قياداته، التي يذهب البعض منها الى القول بالتناقض التام بين الإسلام والديموقراطية، في حين يذهب البعض الآخر الى المطابقة بين المبادئ الديموقراطية والشورية الإسلامية . في الواقع التاريخي العياني، لا زالت تشكل هذه الموضوعات، ولا سيما منها موضوعي الديموقراطية والعلمانية بؤرة التوتر في العلاقة التناقضية بين التيارات السياسية العربية العلمانية من جهة، والإسلام السياسي من جهة أخرى. ولا زال الصراع الذي بدأ منذ عصر النهضة بين الحداثة العلمانية والرؤية السلفية التقليدية قائماً، وان كان قد اتخذ حركة المد والجزر، حسب الظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها الأمة العربية، وطبيعة القوى السياسية الأساسية المسيطرة على طاقات المجتمع العربي. وعندما كان العالم العربي يشهد في مرحلة الخمسينات والستينات تعاظم الثورات التحررية السياسية، وقيام الانتفاضات والحركات الشعبية والانقلابات التي تطيح بالأنظمة التقليدية الموالية للغرب، وتغير نظام الملكية، من تطبيق الإصلاح الزراعي الى تأميم الشركات الكبيرة والملكيات الكبيرة، حققت الحداثة العلمانية بعض الانتصارات والتقدم، لأنها كانت جزءاً من الصراع الإيديولوجي والسياسي والاجتماعي الجاري على الصعيد العربي بين القوى الثورية التي أسهمت في نشر الأفكار القومية عامة والماركسية بخاصة، وبين القوى التقليدية المحافظة. ولكن في ظل الوضع العربي القائم المتسم بالتراجع والهزائم والانكسارات، وهيمنة الإسلام السياسي، ولجم الحركة النقدية الجذرية، تشن الحركة الإسلامية هجوماً في الميادين السياسية والإيديولوجية والثقافية، وتطرح مطالبها الايديولوجية والاجتماعية، وترد على اطروحات الاتجاهات العلمانية ببرنامج إسلامي واسع له جذوره التاريخية، وركائزه الشعبية، ومواجهة الوحدة القومية بوحدة إسلامية، والاشتراكية باقتصاد إسلامي، والديموقراطية بالشورى، وحقوق الإنسان والحريات الديموقراطية بتطبيق الشريعة. فيكون الهجوم الإيديولوجي والسياسي شاملاً، ويصبح العلمانيون كفرة وملحدين وخارجين على الإسلام. وفي خضم المماحكات الجدلية السياسية بين الأحزاب والتيارات القومية والماركسية والإسلام السياسي حول موضوع العلمانية، يطالب الإسلام السياسي الحركة القومية بتحديد موقف من العلمانية، ويعتبر أن لا رابطة تاريخية بين القومية العربية والعلمانية، لأن القومية العربية حسب وجهة نظره خرجت في الواقع من عباءة الفكر الإسلامي وتاريخ نضال علمائه، ويصر على قناعته الراسخة بأن العلمانية ليست مرادفاً للديموقراطية، ولا هي ضرورة من ضروراتها، ولا هي إحدى آلياتها، ويربط بين قبوله بمبدأ التعددية الفكرية والسياسية ورفض العلمانية، التي تفسح في المجال في مفهومه للقوميين ان يتفردوا دون الإسلاميين بساحة العلم السياسي. وقد أثبتت التجربة العربية الماضية والحالية أنه لا يمكن أن نجد منفذاً أو حلاً جذرياً لموضوع العلمانية بهذه الطريقة من المناقشات الجدلية السياسية الحامية بين الإسلاميين والقوميين، لأن التناقض الجوهري بين القومية العربية الحديثة وبين الإسلام السياسي يتمثل في حل قضية الديموقراطية، التي لا يمكن تلمسها وفهمها فهماً علمياً سليماً خارج سياق الصيرورة الاجتماعية العربية، وما تتطلبه من إنجاز ثورة ديموقراطية. فالعالم العربي يعاني من التأخر التاريخي، ومن التخلف الشديد، والتجزئة، ومن بقايا الإقطاع والقبلية والطائفية، ومخلفات القرون الوسطى، والإقليمية، والاستبداد، والتمييز الطبقي الحاد، وهيمنة الاستعمار الجديد ممثلاً بالإمبريالية الأميركية، وهو تابع أو شبه تابع في مجمله، ويعيش في مرحلة ما قبل الاندماج القومي. ولذلك فان الثورة الديموقراطية لم تنجز فيه لا في العهد الكولونيالي، ولا في عهد الاستقلال السياسي، وهذا ما يجعل الثورة الديموقراطية ركناً أساسياً في المشروع القومي الديموقراطي النهضوي. كما أن الثورة الديموقراطية في العالم العربي أكثر تعقيداً منها في أوروبا القرن الثامن عشر، أو التاسع عشر. ففي أوروبا كان إنجاز الثورة الديموقراطية يتطلب الإطاحة بسلطة الإقطاع والكنيسة المتحالفين. وكانت هذه مهمة البرجوازية الغربية الظافرة التي تحالفت مع الطبقات الأخرى من الفلاحين والعمال. وقد فرض انتصار البرجوازية الرأسمالية والصناعية على الكنيسة في الغرب فصل ذروتي السيادة العليا (أي الدين ممثلاً بالكنيسة المسيحية)، والسلطة السياسية، أي فصل الكنيسة عن الدولة، وتحرير الدولة من هيمنة النظام العقائدي الديني الذي أصبح معيقاً للحداثة والتقدم وغير محتمل وغير مقبول في معارضة النظام المعرفي الجديد المنافس الذي شكلته البرجوازية كطبقة صاعدة في أوروبا. وترافق مع خروج الغرب من النظام الرمزي الديني بوساطة الثورة العنيفة، وصعود البرجوازية، وصعود السلطة الروحية الجديدة: أي العلمانية (بحسب تعبير بول بينيشو). وهي (أي العلمانية) أولاً وقبل كل شيء احدى مكتسبات وفتوحات الروح البشرية. وهي ثانياً موقف للروح البشرية أمام المعرفة التي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة أو التوصل الى الحقيقة، إنه موقف يحاول أن يكون منفتحاً وحراً الى أقصى حد ممكن تسمح به الشروط السياسية والاجتماعية، وأيضاً التقدم المنهجي والمعرفي والتقني السائد في عصر محدد، ومجتمع محدد، بحسب تعريف محمد أركون. لا شك أن العلمانية بما تعنيه فصل الكنيسة عن الدولة، قد شكلت قطيعة معرفية ومنهجية ونفسية كبرى مع التصور الديني القروسطي للحياة والعالم في تاريخ أوروبا، وتعتبر أهم منجزات الثورة الديموقراطية في الغرب، لأنها عبرت بالدرجة الأولى عن الصراع والمجابهة بين العقل المسيحي الذي يدافع عن النظام الثقافي والمعرفي القديم، وبين العقل العلمي الذي يؤسس لنظام ثقافي ومعرفي جديد، والذي توجه بانتصار هذا الأخير، وتحقيق القطيعة داخل آلية عمل العقل الغربي نفسه، أولاً. وعن الصراع بين الفضاء الديني والفضاء الفكري والعقلي ثانياً. وبين مفهومين فلسفيين للمعرفة القائمة على الإيمان الديني، والمعرفة القائمة على الحداثة الفكرية والعقلية، والعمل التاريخي السياسي المرتبطة بهما، ثالثاً. وبين رؤيتين متناقضتين حول مصدر حقوق الإنسان والمواطن، الرؤية التي تقدمها التعاليم الدينية التي تطرح أولاً حقوق الله، وما على الإنسان إلا تقديم الطاعة والامتثال للسيادة العليا، باعتباره مديناً لها في سياق تواصل العلاقة الروحية القائمة بين الإنسان والله، حيث إن مفهوم الإنسان كشخص بشري في هذه الحال وحدة لا تتجزأ بين بعده الروحي الوجداني، وبعده الدنيوي الوضعي السياسي المدني، ويتفوق على مفهوم المواطن، وبين الرؤية العقلية التي تعترف بحقوق الإنسان والمواطن أولاً كما جاء ذلك في الإعلان الشهير الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789، والتي تقر بالمساواة السياسية والحقوقية بين جميع المواطنين في حقل المواطنة، ودولة القانون وأمام مؤسساتها، التي تضمن وتكفل حقوق المواطن في حياته المدنية والسياسية، بصرف النظر عن صلته وانتمائه الديني أو المذهبي أو العرقي أو الاجتماعي، حيث لا يجوز القبول بأي تمييز في الحقوق المدنية بسبب المعتقدات الدينية، إذ أن كل إنسان مواطن يمتلك الحرية الكاملة في الانتماء للدين الذي يريده، أو في عدم الاعتراف بأي دين، رابعاً. ولهذا، فإن التحرر السياسي للدولة من الدين، أي تحررها من ذروة السيادة العليا التي كانت تخلع القدسية والمشروعية على هذه الدولة، وكذلك التحرر السياسي للإنسان من الدين، يمثل انتقال الدين من ميدان الحق العام الى ميدان الحق الخاص، لكي يأخذ شكل قضية فردية خاصة محضة. ولأن هذا التحرر السياسي هو حق يتعلق بالإنسان الواقعي، الفرد، مواطن الدولة، ومقياس لحريته، لا في الأفكار والمعتقدات أياً كانت طبيعتها، وإنما أيضاً في الحياة الواقعية، حيث يعيش الإنسان حياة مزدوجة، سماوية وأرضية، حياة في الدولة السياسية باعتباره كائناً اجتماعياً، وحياة في المجتمع المدني، باعتباره فرداً خاصاً، ولأن عملية الانتقال هذه، هي التي ستشكل ولادة العلمانية للدولة السياسية من ناحية، وللمجتمع المدني من ناحية أخرى. إن مبدأ العلمانية الذي سيتأسس عليه المجتمع المدني، والدولة السياسية سواء بسواء، هو موقف للروح إزاء قضايا الوجود وقضايا العمل، قبل كونها نظاماً سياسياً يقضي على التدين الفعلي لجماهير الشعب المتدينة، مثلما لا تعني العلمانية الإلحاد، وكما قلنا تسعى الى التقليل من شأن الدين، أو القضاء عليه، بل تحترم حرية المعتقد للشعب. ومن هذا المنظار، تصبح العلمانية روح المجتمع المدني، ولا يمكن تحقيقها الا في درجة جذرية من انفصال الدين عن الدولة، وبالقدر الذي تبرز به الدرجة المعينة من تطور الروح البشري للإنسان، حيث إن التحرر السياسي هو التعبير عنها، لكي تبني نفسها به في شكل دنيوي. وهذا لا يمكن حدوثه الا في ظل سيادة العقلانية، واستقلال المجتمع المدني عن السلطة الدينية، واستقلال السلطة الدينية عن السلطة الزمنية، والعلمانية عن الظلامية، وفي ظل سيادة الدولة الديموقراطية الحديثة المعاصرة، حيث ان كل إنسان مطلق بمفرده، مؤمناً كان أم متديناً متعصباً لدينه أم ملحداً، ظلامياً أم عقلانياً، يكون فيها كائناً نوعياً سائداً . ولكن تحرر الدولة الديموقراطية في الغرب من ذروة السيادة العليا الدينية، وسيادة النموذج الديموقراطي للحكم منذ القرن التاسع عشر القائم على حق التصويت العام، الذي حل محل وظيفة مديونة المعنى المستمد من الرأسمال الرمزي المرتبط بنظام الميثاق الديني، جعل العلمانية في الغرب مقطوعة عن كل علاقة بالبعد الديني، وقادت الى بناء مجتمع مدني تعددي يهيمن فيه نظام رمزي جديد أساسه حق الاقتراع العام، كإحدى خاصيات الديموقراطيات الكلاسيكية الغربية، وتحولت الى نوع من التمذهب الإيديولوجي كالأديان، حين فرضت تفسيراً اختزالياً للعالم ولتاريخ المجتمعات البشرية. ويحلل محمد أركون حاجة السلطة السياسية الى نوع من السيادة العليا بقوله: سواء كان المحيط الذي تمارس فيه السلطة دينيا او علمانياً، فإنها بحاجة الى ذروة السيادة العليا والمشروعية، ولا يمكن أن تنفصل عنها. والعلاقات الجدلية الكائنة بين السيادة العليا والسلطة السياسية تتغير وتتحول بحسب الأوساط الثقافية والتاريخة (أي بحسب المجتمعات البشرية). ولكنها تدلنا دائماً على استحالة الفصل الجذري بين العامل الديني بالمعنى الواسع للكلمة (أي ذروة السيادة العليا)، وبين العامل السياسي (أي ذروة السلطة السياسية). وقد كانت مسألة السيادة العليا محلولة طوال كل العصور الوسطى، حيث هيمن معطى الوحي واشتغل ومارس دوره بصفته مصدر كل حقيقة متعالية، ولكن بدءاً من اللحظة التي أخذ فيها حق التصويت العام يحل محل الوحي كمصدر للحقيقة والمشروعية، فإن سلطة الدولة قد أخذت تفرض طرائق شرعيتها الخاصة ومصادرها… فقد استمد الحكام مديونية المعنى طوال قرون عديدة من الوحي، وذلك في عالم المسيحية كما في عالم الإسلام. ويحاولون اليوم بكل قوة أن يستمدوه من حق التصويت العام. ولكن هذا الحق يتعرض باستمرار للضربات والصدمات التي تقلل من قيمته، وذلك من خلال الممارسة الفعلية للسلطة. ومديونية المعنى هذه هي الآن في طور النفاذ في النظام الديموقراطي في حين أنهم قد تخلوا بكل عنف ودون تفحص جاد عن مديونية المعنى التي تعبر عن نفسها في معطى الوحي. لقد قرروا فجأة بأن هذه المديونية صالحة فقط للشعوب البدائية ولا تليق بالناس الحضاريين. هذا هو السياق التاريخي ـ السياسي الذي تشكلت فيه العلمانية كلازمة أساسية على الصعيدين التاريخي المنطقي للثورة الديموقراطية في أوروبا. أما على الصعيد العربي المتسم بالغياب الكلي للديموقراطية، وللرقعة الثقافية على حد سواء، فإن شعار العلمانية يطرح الآن ضمن فراغ ثقافي، وانعدام وجود حداثة فكرية وعقلية، باعتبارها الوسيلة الأكثر إلحاحاً لطرح الأسئلة الجذرية على الواقع، والتاريخ، والإسلام، وإحداث مجابهة فكرية وثقافية خصبة بين الرؤيا العقلانية والعلمانية للعالم والحياة، والرؤيا الدينية للعالم والحياة. وظل شعار العلمانية يطرح في نطاق السجال الإيديولوجي مع الإسلام السياسي، ومرتبط ارتباطاً عضوياً بالأحزاب القومية واليسارية الراديكالية، التي تسعى للتخفيف من هيمنة الإسلام في الرمز السياسي والأيديولوجي للدولة، دفاعاً عن حقوق الأقليات الدينية التي لها حساسية مفرطة إما بسبب تفوق الإسلام كدين للأكثرية في الحياة العامة، وإما رغبة منها في التحديث الاجتماعي، معتبرة تجربة الغرب نموذجاً يحتذى به على الصعيد الكوني. ولا يمس هذا الطرح العلماني بشكل مباشر المعضلات الأساسية التي يعاني منها العرب في طورهم الراهن، خاصة إنجاز الثورة الديموقراطية . إخفاق الدولة القطرية إذا كان التشكل التاريخي للدولة القطرية ـ المسماة تجاوزاً بالقومية والحديثة ـ من حيث النشأة والولادة، يعتبر بمنزلة الولادة القيصرية الاصطناعية، لأنها جاءت عقب الاجتياح الاستعماري الغربي للعالم العربي والإسلامي الذي فكك الامبراطورية العثمانية، وعلى أرضية التوازنات الدولية الناشئة بعد تجزئة البلاد العربية وتقسيمها بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وبعد الحرب العالمية الثانية التي أعادت رسم الجغرافيا السياسية للعالم العربي والإسلامي، فإنه والحق يقال لم يكن للحركة القومية العربية نظرية واضحة المعالم عن الدولة القومية الحديثة كما شهدها الواقع الاجتماعي والسياسي في الغرب الرأسمالي مع بدايات صعود البرجوازية، وظهور الثورة الصناعية، والتي يصفها الكاتب التونسي رفيق بوشلاكه بأنها في مجملها دولة اندماجية قامت على أساس التداخل الوثيق مع قاعدة الأمة على أفق تجاوز الرابطة الطبيعية قبلية كانت أم أسرية لصالح الانتماء المدني السياسي والى الحد الذي لا يمكن تحديد السبق التاريخي والمنطقي ما إذا كان للأمة أم للدولة، بمعنى معرفة ماذا كانت الأمة القومية هي التي انتجت هذه الدولة ضمن سياق تطورها الذاتي أم أن الدولة نفسها هي التي صنعت الأمة وضبطت حدودها. الدولة القطرية العربية التي تروج لها بعض التوصيفات بأنها “الدولة القومية” أو “الدولة الوطنية الحديثة” هي حالة تعبر في الصورة العامة عن رهانات ورغبات ايديولوجية، أكثر مما تعبر عن حقائق واقع هذه الدولة القطرية ذاتها، التي تبقى نشأتها التاريخية مختلفة جذرياً عن السياق التاريخي ـ السياسي الذي نشأت فيه الدولة القومية الغربية ولأنها أيضاً ظلت بعيدة كل البعد عن الفتح البرجوازي الحديث بل لأنها تجهل كلياً هذا الفتح البرجوازي المسمى بالحداثة السياسية والثقافية، التي تقوم على ركيزتين أساسيتين هما: الديموقراطية السياسية الحديثة، والعلمانية والعقلانية. فالمظهر الخارجي الحديث للدولة القطرية العربية يخفي واقعاً داخلياً ذي بنية تقليدية ومتخلفة من حيث الجوهر، تهيمن فيها ايديولوجية تقليدية، ما تزال ترى الى السياسة باعتبارها شأناً من شؤون شخص الحاكم أو الزعيم أو القائد الملهم، الذي يستمد مبدأه وفاعليته من الواجهة المؤسسية لسلطة بيروقراطية الدولة، ونظام الحزب الواحد، وايديولوجية بيروقراطية الدولة، التي تفهم وتمارس السياسة في بعدها التقني البراغماتي وترفض منطق الصراع الفكري، والجدل الثقافي والمعرفي، وتعمل على اخضاع تنظيمات المجتمع المدني لمنطق هيمنة أجهزة الدولة التسلطية. إن صيرورة تشكل الدولة القطرية العربية الحديثة في علاقتها بالمجتمع المدني من جهة، وبالقوى الاجتماعية من جهة أخرى، لم تتم في نطاق القطيعة مع ميراث الدولة الكولونيالية التي تمثل الاستمرار التاريخي للدولة البيروقراطية الحديثة، التي ولدت في أعقاب الثورة الديموقراطية البرجوازية في الغرب من ناحية، مثلما لم تتم القطيعة مع الدولة السلطانية التي سادت العالم الإسلامي من ناحية أخرى. وهذه الدولة القطرية العربية التي اضطلعت بتطبيق مشروعها التحديثي في نطاق علاقته بالمجتمع التقليدي الذي دمرت الرأسمالية الكولونيالية توازنه العرضي الذي كان سائداً، والذي وسم المجتمع العربي الكولونيالي بالتجزؤ والتذرر، والتباعد، والتنافر، بين مختلف أطرافه، قد خلقت بيروقراطيتها الحديثة ذات الطابع المركزي المهيمنة على هياكل ومؤسسات السياسة، والاقتصاد، والمتغلغلة في بنى ومؤسسات المجتمع المدني الوليد، حيث أصبحت هذه الدولة القطرية التي توحدت مع جهازها وبيروقراطيتها الحديثة خارجة عن المجتمع المدني، ومنفصلة عنه. وكانت هذه الدولة القطرية تمثل في الوقت عينه العنصر التكويني الرئيس للعلاقات الرأسمالية وكونها “العلاقات الرأسمالية”، باعتبارها دولة كانت تبحث دائماً عن ممارسة سياسة وسط معينة بين النموذج الليبرالي ونموذج رأسمالية الدولة، وكانت تجسد رأسمالية الدولة التابعة للمراكز الرأسمالية الغربية بامتياز. لكن بعد تضخم هيمنة الدولة على المجتمع المدني وصولاً الى تدويله، وإلغاء دور القوى الاجتماعية والشعب على صعيد انتاج السياسة في المجتمع، انبثقت الدولة البيروقراطية التسلطية الحديثة، وامتلكت ناصية الاستبداد المحدث، من “مصادر الاستبداد التقليدي باحتكار الحكم مركز السلطة” من ناحية، ومن خلال “احتكار مصادر القوة والسلطة في المجتمع” عبر اختراق المجتمع المدني على مختلف مستوياته ومؤسساته، و”بقرطة” الاقتصاد إما خلال توسعة القطاع العام، وإما بإحكام السيطرة عليه فالتشريع واللوائح (أي رأسمالية الدولة التابعة) وكمون شرعية نظام الحكم تقوم على القهر من خلال ممارسة الدولة للإرهاب المنظم ضد المواطنين من ناحية أخرى. وتكمن خصوصية التحديث في الدولة القطرية العربية في انفصاله الكلي عن المسألة الديموقراطية، والحداثة السياسية، سواء في مفهومها الليبرالي الغربي المتعلق بإحلال مفهوم المواطنة، والاعتراف بسلطة الفرد الحر المسؤول، وبناء المؤسسات السياسية والدستورية التمثيلية، وما تقتضيه من إحلال قيم المشاركة السياسية من جانب الشعب في الشأن العام، بما في ذلك العامة، أم ببعدها المتعلق بالتوزيع العادل للثروة الوطنية وتوحيد التنمية وفق اختيارات اقتصادية اجتماعية تخدم مصالح الطبقات والفئات الشعبية. وفي هذه المعادلة غير المنطقية التي تقيم جداراً صينياً بين مشروع التحديث ونمط الديموقراطية، تكمن أزمة الدولة القطرية العربية في ديناميات بناء السلطة وقضايا التحرر والتحديث على اختلاف مسمياتها، ونعوتها، وشعاراتها، من حيث أنها أصبحت في صورتها العامة دولة الزعيم أو العائلة أو الطائفة، أو القبيلة، لا دولة الأمة، بمعنى سيادة الأمة، وسيادة الشعب تمارس الاحتكار الفعّال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع بعد أن أفرغت العملية السياسية من المعارضة، حيث ألغت المجال السياسي بهيمنتها المطلقة على المجتمع المدني، وإخضاعها النقابات لهيمنة الحزب الحاكم، وترييف المدن من خلال تهميش فئات الفلاحين وإبعادها عن كل تأثير سياسي، وخلقها مجالها السياسي الخاص بها، الذي قصر المساهمة السياسية على بيروقراطية الدولة المتكونة من أجهزتها الأمنية الضخمة: أي أجهزة العنف المنظم والرقابة والعقاب الجماعي التي تستخدم لتفكيك المجتمع المدني والإجهاز عليه، والحزب الشمولي الأوحد، وعلى المؤيدين والموالين من التكنوقراطيين والمنتفعين بالسلطة. إن الدولة البيروقراطية الحديثة عملت على خلق المجتمع وتأطير العلاقات الاجتماعية في كل الميادين وفق رؤية ايديولوجيتها الشمولية. ويقول رفيق بوشلاكه في معرض نقده لنمط التحديث المستجلب والمشوه بأنه يمثل الطلاء الخارجي للدولة القطرية العربية لإخفاء حقيقة القوى المتحكمة والماسكة برقاب هذه الدولة المسماة حديثة، والتي لا تعدو أن تكون في أحسن حالاتها نوعاً من الجمع والضم بين العصبية الجديدة والصاعدة، عصبية الجند والخدم التي يدخل ضمن دائرتها الجيش الحديث وأجهزة الأمن وقوة رأس المال طاقم المستخدمين، بما في ذلك الانتلجنسيا الحديثة التي حلت محل الفقيه التقليدي، والعصبية الطبيعية أو الموروثة المستندة الى قوة الطائفة أو القبيلة أو العائلة وإن كانت غالباً ما تتوارى خلف ظلال الحزب أو مقولة السيادة والوحدة الوطنية، وكثيراً ما تلتمس هذه الدولة لنفسها واجهات وشعارات مختلفة دون أن تجد صعوبة تذكر في استخدام من تشاء، وبالشكل الذي تشاء لتتويج هذه الدعاوى والشعارات بحسب سوق العرض والطلب فقد تسمي نفسها إسلامية وتحيط أجهزتها وطاقم رجالها بهالة من القداسة الدينية، إذا كانت الموجة العامة ضاغطة ودرجة الطلب على القيمة والرمز الإسلامي قوية، وقد تتلحف بشعارات التحديث والتنوير والدفاع عن قيم المجتمع المدني لإدانة خصومها والفتك بهم من جهة ولحظ التطابق مع القانون الدولي السائد خاصة بعد تداعي المعسكر الشيوعي للسقوط ومختلف مقولاته الرائجة من جهة أخرى. إن الفشل التاريخي للدولة القطرية نموذج الدولة والايديولوجية القومية، وانتشار ظاهرة الشعبوية وانعدام تقاليد الحوار الديموقراطي في ظل تغييب كامل للديموقراطية من جانب الدولة التسلطية، التي حلت سلطة الرئيس أو الزعيم أو القائد العام للحزب الواحد أو الملك، أو الحزب الواحد في أعماق نفسية المجتمع العربي محل المذهب الواحد أو الدين الواحد، الذي لم يكن يسمح بما عداها، وانفصال الدولة القطرية عن المجتمع الذي هو أبرز مظهر من مظاهر الدولة الاستبدادية، والهزائم المتلاحقة التي منيت بها الأمة العربية، وإخفاق المشروع النهضوي العربي، شكلت جميعها الأرضية الخصبة، والأسباب الرئيسية للعودة الضخمة والصارخة للعامل الديني، والاستخدام الشديد السياسي والاجتماعي والثقافي لهذا الإسلام السياسي من جانب الحركات الإسلامية المتطرفة التي تطلق على نفسها اسم “الصحوة الإسلامية” باعتبارها أحد افرازات الهزيمة المذلة للدولة العربية أمام العدو القومي الأميركي ـ الصهيوني من جهة، وأمام همجية الاستبداد من جانب الدولة التسلطية من جهة أخرى. وليست ظاهرة التطرف الديني والتعصب الايديولوجي سوى أحد تعبيرات الأزمة البنيوية العميقة الشاملة التي تطال سائر مستويات المجتمع العربي، ومظهراً من مظاهر أزمة الدولة التسلطية العربية التي قضت على السياسة، وعملية إنتاجها في المجتمع العربي، وأفسحت في المجال لتوليد التطرف والعنف بسبب احتكارها وممارستها لقوة العنف ضد الشعب العربي. إن هذا الواقع يتطلب منا أن نتفهم التطرف والعنف من قبل الإسلام السياسي كرد فعل على عنف الدول التسلطية العربية من ناحية، وعلى التغلغل الأميركي ـ الصهيوني في العالم العربي في ظل توقيعه اتفاقيات الاستسلام بين بعض العرب والعدو الصهيوني، التي تقود الى تصفية القضية الفلسطينية، وفي ظل سيادة نمط الاستهلاك الغربي، والعلاقات الرأسمالية الطرفية بسائر بني المجتمع، وتأثيرهما المباشر على صعيد تدمير البنى التقليدية، وتفكيك الروابط والعلاقات الاجتماعية، وتدمير القيم الشعبية من دون إحلال محلها روابط وعلاقات اجتماعية وقيماً حديثة ومدنية وعصرية، من ناحية أخرى. لهذا كله، فرضت حركات الإسلام السياسي استعادة إشكالية العلاقة بين العلمانية والإسلام.وهي استعادة ثأرية، تريد من ورائها إدانة الحداثة والعقلانية والقومية والعلمانية والديموقراطية أو الوحدة العربية.. وحذفها من حقل الفكر السياسي من أجل حذف القوى التي تتبناها من الواقع.
2-الذهنية الشمولية تصبغ الديني وغير الديني
ملحم شاوول 1 -صحيح أن الغموض يكتنف مصطلح “الاتجاهات غير الدينية” وإذا أردنا التدقيق نلاحظ أنها ثلاثة في العالم العربي: الاتجاهات “المادية التاريخية” أي الشيوعية أو الاشتراكية التي تعتبر الدين جزءاً لا يتجزأ من السلطات المسيطرة وأداة من أدوات الهيمنة على المجتمع، أي أنه عدو عقائدي للمشروع الشيوعي؛ والاتجاهات “العلمانية” التي تريد، على غرار بعض التجارب الأوروبية أو التجربة التركية في المشرق، فصل الدين عن السياسة وعن الدولة؛ وأخيراً الاتجاهات “المدنية” التي تنشد دولة المواطنة والقانون والمؤسسات. -2 في السياق التاريخي بدأت الاتجاهات الشيوعية والاشتراكية بلعب الدور الاجتماعي التغييري ودافعت عن فكرة “الثورة” و”التحول الاقتصادي الاجتماعي الجذري” بالعنف وبقيادة الفئات العاملة الأكثر فقراً واضطهاداً في المجتمع. هذه الاتجاهات واجهت وبعنف أحياناً التيارات الدينية واعتبرت في حينه أن التناقض والنزاع معها لا بد أن ينتهي بهزيمتها وبكف يدها عن السيطرة على المجتمع. في موازاة ذلك، ظهرت الاتجاهات العلمانية غير الاشتراكية، ومنها القومية عربية أو غير عربية، وتأرجحت بين النموذج الفرنسي “الأكثر ديموقراطية” والنموذج الأتاتوركي “الأكثر سلطوية”. وقد دعت هذه الاتجهات إلى كفّ يد السلطات والمؤسسات والفاعليات الدينية عن كل أشكال الحياة العامة وعن فسحات الشأن العام. ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي راج مفهوم “المدنية” و”الدولة المدنية” و”المجتمع المدني” وقد روجت له أيضاً بعض المرجعيات الدينية. من الواضح أن هذا المفهوم يعكس تراجع الطرح الهجومي للمادية الاشتراكية ولمشروع العلمنة ويظهر التيارات غير الدينية بمظهر دفاعي أمام تصاعد التيارات الدينية. ويعود الى ذلك كون مفهوم “المدنية” يقبل التجاور ويطالب التيارات الدينية الطائفية بفسحة تتيح له التحرك والعمل المدني على أمل أن تصبح الدولة كياناً مدنياً أي حيادياً من الناحية الدينية. -3 لقد انطبع في الذهن الشعبي التلازم والتطابق بين الأنظمة العربية “التقدمية” و”الاشتراكية” من جهة وبين أجهزتها القمعية ونزعتها الشمولية وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الفاشلة، وكل ما يمتّ بصلة إلى العلمنة والاشتراكية والقومية. هذا علماً من جهة أخرى، أن الأنظمة العربية فسرت “ما هو غير ديني” على هواها، محافظة على طقوس وتبريرات وأشكال من التخاطب الاجتماعي تهدف أكثر إلى تطويع “الديني” واستخدامه الوظيفي من اجل انتاج خطاب مختلف ومنقطع على مستوى المضمون والمنظمات والبناءات الاجتماعية عن السياق الديني وخارج مرجعياته. كما لم تعمد إلى قيام قضاء وتشريع يشكلان انقطاعاً واضحاً عن الصعيد الديني. فبات في التصورات والذهنيات الشعبية كل ما هو “غير ديني” يمثل سلطات القمع والبرامج الاقتصادية الاجتماعية الفاشلة كما أصبح “الديني” يشكل من الناحية الوظيفية ملاذاً للفئات الاجتماعية المواجهة لهذه الآلة الغاشمة. فكانت تجربة الشاه في إيران والقومية البعثية في العراق وسوريا والتجربة الناصرية في مصر وجبهة التحرير في الجزائر، ناهيك عن تجربة الماركسية اللينينية في جنوب اليمن. -4 بعد تصدع مشروع البناء القومي غير الديني وتوسع المجابهة مع المرجعيات الدينية التي استعادت القيادة الشعبية، عملت الأنظمة التي لم تنهَرْ على صياغة سياسة جديدة مع التيارات الدينية فحواها تقديم تنازلات مجتمعية لبعضها مقابل تجميد المواجهة مع النظام وعدم التدخل في إدارة الدولة. يعني ذلك الموافقة من قبل السلطات الحاكمة (والمستمرة بادعاء انتمائها إلى القومية العلمانية) على وجود فسحة في المجتمع الأهلي يمكن بعض الجماعات الدينية العمل فيها بل التحكم بتوجهاتها. وأبرز المجالات التي فتحت أمام عمل التيارات الدينية بموافقة السلطات والحكومات هي التعليم والخدمات الصحية والتنمية المحلية. فلا بد من تسجيل هذا التواطؤ القاتل للتيارات غير الدينية بين الأنظمة والحالة الدينيّة. فمن يدعي أنه في مواجهة مع الأصولية الدينية ويقدم تنازلات مهمة لها في مجالات الثقافة والتعليم وتكييف الشباب على نمط معين من التصور والتفكير إنما يحفر قبره بيده. -5 لا بد ايضاً من ملاحظة أننا لا نملك معلوات ميدانية وافية عن حجم ومستوى انتشار التيارات غير الدينية وتغلغلها شعبياً في مراحل ستينات القرن الماضي ربما لعدم وجود، في حينه، ممارسة لإستطلاعات الرأي وللعمل الميداني المنهجي كسبيل لمعرفة اتجاهات المجتمع. لكن، منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي وسبعيناته وخلال تسعيناته، تبين من خلال العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت، حيث أمكن إجراؤها بالحدّ الأدنى من الشروط الضرورية لتنفيذها، أن التيارات غير الدينية باتت أقلية لا تذكر (دون الـ5% من العّينات المستطلعة) في كل من لبنان ومصر والأردن وفلسطين. -6 في المقابل، تبين أيضاً أن أجندة التيارات الدينية السياسية وشعاراتها لا تختلف بشيء، بل تعيد انتاج جميع شعارات ومواجهات التيارات اليسارية والقومية التي كانت قائمة في الربع الأخير من القرن العشرين: أصبحت الإمبريالية العالمية استكباراً عالمياً والعدو نفسه، الولايات المتحدة، ومواجهة “الغرب” هي هي خلال الحرب الباردة وبعدها، كما بقيت مفاهيم المقاومة والعمل المسلح والحشد، والجماهير والأمة والشعبوية الاقتصادية الاجتماعية، تعيد ذاتها، كما أنشأت المؤسسات المرادفة لهذه المفاهيم من أجهزة أمن ومخابرات ورقابة على الاعلام وتقييد الحريات على غرار تلك التي كانت تمارس القمع عليها. جميع هذه الشعارات والممارسات هي شبه متطابقة بين “الديني” الحالي والذي كان يعتبر”غير ديني” سابقاً. فما هي مواقع الاختلاف السياسي بين مناضل “قومي علماني” في خمسينات القرن العشرين وستيناته وسبعينات ومناضل مسلم ملتزم دينيا في تسعينات ذلك القرن وبدايات القرن الحالي؟ والسؤال نفسه مطروح على صعيد الحزب السياسي والمؤسسة الإعلامية والنقابات والأجهزة السلطوية المختلفة. -7 لسنا تالياً بصدد أدوار واتجاهات متباينة ومتقابلة بين “الديني” و”غير الديني” والسؤال يبقى هل تستطيع فعلاً الاتجاهات غير الدينيّة أن تنتج حيزاً “غير ديني”؟ وهل تظهر تجربة الاتجاهات غير الدينية ومؤسساتها وهيكلياتها أنها تستوي في مكان آخر مختلف تماماً عن المؤسسات والبنى الدينية؟ أم نحن بالتعيين الأخير بصدد تصورات وبناءات شمولية أكان لباسها “غير ديني” أم “ديني”؟