اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل :
من الحوض المنجمي لبنقردان إلى سيدي بوزيد، نضال من أجل الشغل والعيش الكريم
تتواصل منذ يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 التّحرّكات الاحتجاجيّة الشّعبيّة بمدينة سيدي بوزيد والتي انطلقت على إثر إقدام الشّاب محمّد بن الطّيّب البوعزيزى على إضرام النّار في جسده تعبيرا منه على حالة اليأس التي تصيب آلاف العاطلين عن العمل و احتجاجا على ظروفه المتردية كخريج جامعة معطل عن العمل وحرمانه حتى من حقّه في لقمة العيش عندما لاحقه أعوان التّراتيب البلديّة وتعمّدوا تعنيفه ومنعه من الانتصاب كبائع خضر على عربة متجولة لا يكاد توفر له ولعائلته المفقرة أبسط ضروريات الحياة، وامتناع والي الج هة على قبوله وسماع تظلمه.
وقد شهدت المظاهرات مشاركة آلاف الموطنين أغلبهم من العاطلين عن العمل ومن عامّة الفئات الاجتماعيّة الفقيرة والمهمّشة بالجهة، ورفع المتظاهرون عديد الشعارات المندّدة بالسياسات التي تنتهجها السّلطة مطالبين بالتنمية وبأحقيتهم في التشغيل. وكما حدث سابقا في الرّديف وفريانة والصخيرة وبن قردان جابهت السّلطة هذه التّحرّكات الاحتجاجيّة بالقمع والعنف وإلقاء القنابل المسيلة للدّموع على المتظاهرين ممّا أدى إلى اندلاع مواجهات مباشرة بين المواطنين وقوات الأمن لم تمنع تواصل المسيرات والتجمعات.
إن اللقاء النّقابي الديمقراطي المناضل، بقدر تعاطفه مع الضحية محمد البوعزيزي وأسرته فإنه يؤكد مساندته المطلقة ودعمه التّام لنضالات أهالي سيدي بوزيد الهادفة إلى الدّفاع عن حقّ الجهة في التّنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعن حق شباب المنطقة في الشّغل القار وفى الحياة الكريمة فانّه يعتبر أن التحرّكات التي تشهدها المنطقة تؤكّد مرّة أخرى فشل الخيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسية التي تعتمدها السّلطة، وهو ما تكشفه الأوضاع الحياتية والاقتصاديّة المتردّية التي يعيشها المواطنون وتدهور البني الأساسية للمنشآت الاجتماØ �ية كالصحة والتعليم والثقافة في عديد الجهات وخاصّة الدّاخلية المحرومة منها كما تأتي هذه الاحتجاجات لتؤكد عمق الأزمة التي تشهدها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتي تمظهرت في النّضالات الاجتماعيّة التي شهدتها البلاد سابقا في مدن الحوض المنجمى وبن قردان وفريانة والصخيرة وتشهدها سيدي بوزيد اليوم.
وإذ يدين اللّقاء النقابي الديمقراطي المناضل بشدّة الاعتداءات التي تعرّض لها المواطنون من طرف قوات الأمن فإنه يؤكد أن الحلول الأمنية التي تعتمدها السّلطة في مواجهة التّحركات الاحتجاجيّة السّلميّة للمواطنين لن تجدي نفعا ويطالب بالإطلاق سراح كافة الموقوفين ومحاسبة الذين دفعوا بمحمد البوعزيزي إلى حد إضرام النار في جسده. كما يهيب اللقاء النّقابي الديمقراطي المناضل بكافّة الهياكل النّقابيّة وقوى المجتمع المدني للعمل على دعم هذه الحركة الاحتجاجيّة و الوقوف إلى جانب أهالي الجهة يؤكد الدور الريادي للإتحاد العام التونسي للشغل كرافد أساسي في النضال الاجتماعي وفي الدفاع عن الحق في الشغل القار والتنمية والعدالة الاجتماعية الحقيقية.
اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل تونس في 19 ديسمبر 2010
(المصدر: “البديـل عاجل” (قائمة مراسلة موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 19 ديسمبر 2010)
الاتحاد الجهوي للشغل بالمهدية المهدية في 20 /12 / 2010 بيان
إن المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بالمهدية بعد استعراضه ومتابعته للأحداث التي جدت بمدينة سيدي بوزيد والمتمثلة في الاحتجاجات الشعبية على خلفية محاولة الشاب الجامعي المعطل عن العمل محمد البوعزيزي حرق نفسه في محاولة تعبير يائسة عن حالة التهميش و الإقصاء التي يعاني منها الألف الشبان في مناطق مختلفة من البلاد لا سيما المناطق الداخلية التي زادت الاختيارات الاقتصادية للسلطة في عزلتها وفقدانها اادينامية المطلوبة لخلق مواطن الشغل ونتيجة ضعف الاستثمار العمومي او الخاص بها : – يعبر عن تضامنه الكامل مع الشاب محمد البوعزيزي ويتمنى له الشفاء العاجل ويستنكر ما تعرض له من منع وتضييق لتحصيل قوته المتواضع . – يدين صمت أجهزة الإعلام الرسمية والعمومية وتعمدها التعتيم الإعلامي عن الأحداث وهو ما يتناقض مع حق المواطنين في إعلام حر ومواكب . – يعتبر أن لجوء السلطة مرة أخرى إلى المعالجة الأمنية بالتصدي للمسيرات الاحتجاجية السلمية واعتماد حملات المداهمة والاعتقال للمشاركين في تلك الاحتجاجات لن يزيد الوضع الا احتقانا . – يطالب بمحاسبة المتسببين في دفع الشاب محمد البوعزيزي حرق نفسه . – يطالب بالإفراج الفوري عن كافة المعتقلين والكف عن ملاحقة المحتجين ورفع الطوق الأمني عن مدينة سيدي بوزيد . – يدعو السلطة إلى مراجعة اختياراتها التنموية الحالية بما يوفر حلولا عاجلة وحقيقية لمواجهة ظواهر الفقر والبطالة والتهميش التي تمس مناطق عديدة من البلاد وأخرى آجلة بما يضمن تحقيق التوازن في التنمية بين الجهات والتوزيع العادل للثروة بين الفئات وتشريك مكونات المجتمع المدني وفي طليعتها الاتحاد العام التونسي للشغل في ضبط تلك الاختيارات ومتابعة تنفيذها . عاشت نضالات شعبنا من اجل الحرية والعزة والكرامة عاش الاتحاد العام التونسي للشغل حرا مستقلا ديمقراطيا مناضلا .
الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بالمهدية عبد الله العشي — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux
نقابة التعليم الثانوي تطالب باطلاق سراح شباب سيدي بوزيد
حرر من قبل المولدي الزوابي في الأثنين, 20. ديسمبر 2010 طالبت نقابة التعليم الثانوي في بيان لها صدر يوم أمس الاثنين 20 ديسمبر السلطة بإطلاق سراح الشبان المعتقلين على خلفية ما تعرفه الجهة من احتجاجات ومواجهات بين مئات الشبان وأعوان الشرطة منذ إقدام شاب في العقد الثالث من عمره يوم الجمعة 17 ديسمبر الجاري على حرق نفسه أمام مقر الولاية احتجاجا على فقره وسوء معاملته والاعتداء عليه من قبل فرقة التراتيب البلدية. وأضاف البيان أن النقابة تطالب بإيقاف المداهمات والمطاردة ورفع الحصار على أهالي سيدي بوزيد ومحاسبة التمتسببين في التجاوزات الصادرة عن قوات البوليس. كما طالبت النقابة وهي أكبر القطاعات داخل الاتحاد العام التونسي للشغل بإصلاحات جذرية حقيقية تمس كل الميادين على حد تعبير البيان مذكرة بما حدث في قفصة والصخيرة وبن قردان والرقاب من احتجاجات كشفت فشل خيارات السلطة الاجتماعية والاقتصادية وغيبت التنمية لاسيما في المناطق الداخلية التي وصفها البيان بالمفقرة (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 20 ديسمبر 2010)
بنزرت …تجمع نقابي مساندة لتحركات اهالي سيدي بوزيد الاحتجاجية
اتفق عدد من النقابيين في جهة بنزرت على انجاز تجمع عمالي ونقابي غدا الاربعاء 22 /12 / 2010 بدار الاتحاد الجهوي للشغل مع العاشرة صباحا تعبيرا عن تضامن ومساندة نقابيي بنزرت للتحركات الاحتجاجية التي شهدتها سيدي بوزيد في الايام الماضية وسيكون هذا التجمع اول تحرك ميداني ينجزه نقابيون من خارج جهة سيدي بوزيد. نقابي – بنزرت — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux
كفانا بكـــاءً….البحث عن مسار آخر للنضال في تونس,,ضرورة ملحّة
عبر التاريخ البشري كانت للشعوب بطولات ونضالات من أجل ازاحة الأحتلال والظلم والعبوديه وسرعان ما توجت مراحل نضال هذه الشعوب بأنتصارات عظيمه وتحققت ارادتها في نيل الاستقلال والحريه وبناء دولهم وتحطيم ركائز التخلف ومقومات العبث والفوضى.
ان النظام في تونس الذي يرفع شعارات التحرير والديموقراطيه تحت يافطة حقوق الأنسان و تحسين المستوى المعاشي والنهوض بالأقتصاد وأحداث تنميه شامله , هذه الشعارات اصبحت مكشوفه وأوراقها قد تعرت في لعبة السياسه القذره وخاصة في السنوات العشر الأخيرة غير أن النظام العابث قد انفضح أكثر بسبب تماديه وايغاله في تهميش اراداة الشعب , وللذي مايهمنا الان هو هل بعد ما عرف ترهات وكذب نظام الجنرال بن ” علي” في مقولة الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وتوزيع الثروة بعد كل هذا هل نبقى فقط في دائرة الاستنكار والتظاهر وكتابة الآلاف من البيانات وبعدها نهدئ ونسكت من جديد الى أن تأتي مصيبة أخرى تحركنا؟؟؟ أم لا بد من سبيل آخر وخارطة طريق أخرى للنضال وسد أبواب الكذب التي عشنا عليها طيلة 23 سنة في حكم السابع من نوفمبر..المطلوب اليوم هي وقفة جماعيّة ومن الجميع من: طلبة، عمال، منظمات ، أحزاب ، شخصيات ، أغنياؤ فقراء…رجال ونساء من أجل تحقيق الاستقلال الثاني بتعبير البروفسير المرزوقي والخروج من داشرة البكــــاء وكتابة البياناتوالخروج على الفضائيات والنشاط على الفايس بوك…كل هذا جميل ولكن لابد من الفعل وأحسب أن الفعل والبرنامج لا بد أن يكون متواصلا وكالتالي: 1. التحرّك الإعلامي وعلى كل الأصعدة من قنوات وصحف وفايس بوك ومواقع 2. تشكيل لجان عمل من أجل التفكير في أشكال التحركات الإحتجاجية 3. توحّد المعارضة الحقيقية وتقريب وجهات نظرهم في معارضة الاستبداد 4. التواصل مع الجهات الاوروبية والامريكية الحقوقية لفضح سياسات النظام الباطلة 5. انشاء صندوق دعم مالي للفقراء من أبناء تونس في مناطق الظل يموّلهم اخواننا بالخارج والداخل 6. احصاء لكل تجاوز من السلطة في انتهاكات حقوق الناس من تعذيب وسجن وووو..وتقديم شكاوي للجهات العدلية التونسية والدولية 7. العمل الدائم والدؤوب واللامتناهي في مناهضة الاستبداد ووضع برنامج للندوات والتحركات الاحتجاجية بتونس وخارج تونس أمام السفارات والبرلمان الاوروبي 8.فضح العملاء الذين يصفقون للظالم 9.تأجيل كل خلاف فكري واديولوجي والتوحّد جميعا من أجل برنامج تحقيق الحريات في تونس ولكل التونسيين وبدون استثناءالدعوة الى مؤتمر جامع لكل الاتجاهات الفكرية والحقوقية والشخصيات الهامة للإتفاق على تحرّك دولي من أجل حد لكل استبداد
سامي النفزي
مخاطر خروج سيدي بوزيد بيد فارغة واخرى لاشيئ فيها
بعيدا عن التنظير..وفي صلب الموضوع مباشرة ايضا..هذه مخاطر خروج سيدي بوزيد من الازمة بيد فارغة واخرى لاشيئ فيها 1/الرؤى الحزبية الضيقة والتنافس على التوظيف السياسي 2/احجام بعض الاطراف على العمل الجماعي والتوجه الى تخريب كل تقارب بين مختلف القوى وفق مبدأ خالف تعرف وليس مبدأ تحقيق مكاسب للجهة اولا واخيرا 3/ التهافت على القنوات ووسائل الاعلام انتصارا للخلفية السياسية وليس للقضية الشعبية 4/تصدير الخلافات في التعامل التنظيمي مع هذه الظاهرة الاحتجاجية لوسائل الاعلام المختلفة 5/غياب مرجعية تنظيمية موحدة ومشتركة وملاحقة الاحداث 6/عدم الاستفادة من دروس تحركات احتجاجية سابقة في القطر هادي حامد سيدي بوزيد — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux
فقراء تونس يثورون من أجل لقمة العيش
تظاهرات واعتقالات بعد إشعال مواطن نفسه احتجاجاً في سيدي بوزيد كان إقدام محمد (26 عاماً) على إشعال نفسه، احتجاجاً على قطع باب رزقه من قبل أفراد السلطة التونسيّة، بمثابة الفتيل الذي أشعل بركان الحيف الاجتماعي والاحتقان في سيدي بوزيد، فتجسّد من خلال تظاهرات عنيفة في الشوارع قمعتها السلطة بالاعتقالات
سفيان الشورابي
تونس ــ لليوم الرابع على التوالي، استمرت التظاهرات والاعتقالات في محافظة سيدي بوزيد التونسية، التي شهدت ما يشبه «ثورة فقراء»، بعدما أشعل الجامعي محمد البوعزيز النيران في جسده يوم الجمعة الماضي أمام مقرّ المحافظة احتجاجاً على تعرضه للضرب وسط سوق الغلال والخضر، بعد مصادرة عربته التي يستخدمها لبيع الخضر والفواكه.
وعلى أثر الحادثة، تجمّع عدد من أهالي المدينة أمام مقرّ المحافظة، واشتبكوا مع قوات الأمن، لتنطلق بعدها تظاهرات احتجاجية أدت إلى صدامات بين متظاهرين طالبوا بتوفير فرص العمل للشباب، وقوات الأمن. وعمد المحتجون إلى حرق بعض السيارات، فيما حاولت قوات الأمن تفريقهم باستخدام القنابل المسيلة للدموع. وذكر شهود عيان أن طفلة ماتت جرّاء استنشاق الغاز من القنابل.
وتألّفت نتيجة هذه الحادثة «اللجنة الجهوية لمتابعة الأوضاع بسيدي بوزيد» وتضم باحثين جامعيين ونشطاء سياسيين ونقابيين. وأكدت اللجنة، في بيان، أنها ستعمل على «تشخيص المطالب التنموية ومساوئ التسيير الإداري على مستوى المنطقة، باعتبارها السبب المباشر في حال الاحتقان، ووضعها بين يدي السلطات على المستويين المناطقي والوطني». ولفت حافظ الغربي، أحد أعضاء اللجنة، إلى أن قوات الأمن لا تزال منتشرة بكثافة في المنطقة.
من جهة ثانية، أوضح قريب محمد، علي البوعزيز أن «الهدوء يخيم صباح الاثنين (أمس) على مدينة سيدي بوزيد». وأشار إلى أن «قريبه في حالة حرجة، وهو يعاني من حروق من الدرجة الثالثة ويرقد في مستشفى الحروق البالغة في بن عروس في الضاحية الجنوبية للعاصمة» التونسية. وأكد أن «التحرك جاء عفوياً على خلفية الأوضاع الاجتماعية التي تعيشها المنطقة، ولا سيما مشكلة البطالة».
وتحدثت مصادر طبية عن أن وزير الصحة العمومية المنذر الزنايدي يحرص مباشرة على حسن العناية بمحمد، مؤكدةً أن حالته حرجة.
وقد تصدّت السلطات لحركة الاحتجاجات بالقمع والاعتقالات، فشنّت حملة واسعة استهدفت العديد من الشباب على خلفية مشاركتهم في التظاهرات. وأظهرت مقاطع فيديو بثّها مشتركون تونسيون على موقع «فايسبوك» الاجتماعي قوات أمنية وهي تعتقل عدداً من المتظاهرين، وتطارد البعض الآخر الذي رشق سيارات الشرطة بالحجارة. وقد أكدت مصادر اعتقال بعض المتظاهرين إلى جانب فرض طوق أمني حول المدينة.
وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد أوضحت في بيان أن الاحتجاجات اندلعت «إثر إقدام محمد البوعزيز على إضرام النار في جسمه بعدما توجه إلى مقر ولاية (محافظة) سيدي بوزيد للتشكّي والدفاع عن حقه في ممارسة نشاطه كتاجر متجوّل، رغم مؤهلاته الجامعية، لإعالة أسرته الكبيرة العدد (9 أفراد والوالد متوفى) غير أنه قوبل باللامبالاة».
ودعت الرابطة إلى «فتح تحقيق جدّي وعاجل للوقوف على حقيقة هذه المأساة والمسؤولين عنها وللمعالجة الفورية للوضع الاجتماعي في المنطقة وتوفير العمل لطالبيه، وخاصة من حاملي الشهادات العليا».
وفي بيان، دعا الحزب الديموقراطي التقدمي المعارض إلى «إطلاق سبيل كل المعتقلين وإيقاف التتبعات العدلية بحقّهم»، وطالب بـ«فتح حوار مباشر مع ممثلي الشباب العاطل من العمل والهيئات المدنية بهدف وضع خطة تنموية تراعي التوازن والعدل بين الجهات».
وفيما لم يصدر عن السلطات الرسمية أي موقف إزاء هذه التطورات، رأى الحزب الديموقراطي التقدمي أن تواتر مثل هذه الأحداث في مدينة سيدي بوزيد وغيرها من جهات البلاد «يعبّر عن حالة احتقان شديدة وعن شعور بالظلم والحيف الاجتماعي لا يجد من السلطة الرسمية إلا التجاهل والصدّ».
بدورها، طالبت حركة «التجديد» (الحزب الشيوعي سابقاً) بفكّ الحصار الأمني على مدينة سيدي بوزيد وإطلاق سراح الموقوفين فوراً. ودعت إلى «رفع التعتيم الإعلامي وفتح تحقيق عاجل للوقوف على أسباب هذه المأساة، وإلى محاسبة المسؤولين».
ورأت الحركة أن الآوان حان «لاستخلاص الدروس من مختلف الأحداث التي شهدتها العديد من المناطق التونسية ووضع حد للتعامل الأمني مع التحركات الشعبية المشروعة».
وتتغلغل البطالة والفقر بقوة في محافظة سيدي بوزيد، حيث تبلغ نسبة الفقر 12.8 في المئة، فيما تصل نسبة البطالة بين متخرّجي التعليم العالي للإناث 44 في المئة (النسبة الوطنية 19 في المئة) والذكور 25 في المئة (النسبة الوطنية 13.4 في المئة). ويرى مراقبون أن اندلاع الاضطرابات في تلك المنطقة، بعدما عاشت مناطق أخرى تحركات مشابهة، يدلّ على حدة اللاتوازن في التنمية بين الجهات.
ويقول أحد النقابيين في المنطقة، سليمان الروسي، إن محافظة سيدي بوزيد تتمتع بإمكانيات كبيرة لا تُصرف بالطريقة المناسبة، بحيث تفتقر المنطقة إلى خدمات صحية وإلى بنية أساسية ملائمة لجلب الاستثمارات الصناعية والخدماتية.
حظي القاضي عدنان الهاني الرئيس المتخلي لجمعية القضاة التونسيين بثقة أعضاء المكتب الجديد المنتخب المنبثق عن المؤتمر 13 لمؤتمر الجمعية، وآلت إليه رئاسة الجمعية لفترة نيابية ثانية بالاتفاق بين أعضاء المكتب الذين اجتمعوا يوم أمس لتوزيع المسؤوليات. علما أن السيدة آسيا االعياري جاءت في المرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات (911 صوت) تلاها السيد عدنان الهاني بـ844 صوتا، ثم السيدة خديجة المزوغي بـ822 صوتا. وكانت نتائج انتخابات المؤتمر أفرزت فوز قائمة وفاقية كانت “الصباح” سباقة في الإشارة إليها في أعداد سابقة، جمعت بين أربعة أعضاء من المكتب التنفيذي المتخلي، من بينهم السيد عدنان الهاني الرئيس المتخلي للجمعية، وطارق ابراهم ، وآسيا العياري، وخديجة المزوغي أمينة مال الجمعية، يضاف إليهم ثلاثة قضاة من خارج المكتب وهم جلال الزواوي المستشار بمحكمة الاستئناف بتونس، وكريم المهدي وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس، ومنصف البرهومي وكيل رئيس المحكمة العقارية بتونس. تجدر الإشارة إلى أن القضاة دعوا في ختام أشغال مؤتمرهم إلى الترفيع في منحة القضاء باعتبارها منحة خصوصية لا يشترك فيها القاضي مع غيره من موظفي الدولة، ومزيد تحسين الظروف المادية للقضاة من خلال اعادة هيكلة سلم التأجير “بما يتماشى والمعايير الدولية لاستقلال القضاء على غرار ما تم لنظرائهم في عدة بلدان.” واعتبر القضاة في لائحة مؤتمر جمعيتهم الثالث عشر الذي حضره ما يناهز 1200 قاض من مجموع 1800 قاض من مختلف المحاكم التونسية بجميع أصنافها: العدلي والناحية والابتدائي والاستئنافي والتعقيب إلى جانب قضاة المحكمة الإدارية وقضاة دائرة المحاسبات والقضاة الملحقين بالوزارات، أن “مشقة العمل القضائي تقتضي تصنيف القضاة ضمن الإطارات النشيطة للدولة”، وطالبوا بـ”سحب التنفيل المقرر لهذا الصنف من الإطارات عليهم حتى يتسنى لهم الانتفاع بجراياتهم كاملة عند التقاعد وفي حالات العجز أو الوفاة.” ودعا القضاة إلى التفكير في إحداث محاكم استئناف ثانية ببعض المدن الكبرى والإسراع بإحداث محكمة استثناف ثانية بتونس، نظرا لتزايد عدد القضايا المنشورة لدى المحاكم. كما دعوا إلى الإسراع بتنفيذ قرار رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء تعميم التدريجي لإحداث دوائر الجنائية بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بغير محكمة الاستئناف والارتقاء بخطة رئيس محكمة ناحية إلى الرتبة الثالثة. واوصى القضاة بـ”بتعميم خطط وكيل أول لرئيس المحكمة الابتدائية ونائب لوكيل الجمهورية بجميع المحاكم الابتدائية “ضمانا لمزيد تطوير أداء العمل القضائي ولتجاوز الصعوبات المسجلة في الترقية بالنسبة لقضاة الرتبة الثانية”، وإعادة هيكلة المحكمة العقارية من خلال إحداث خطتي نائب رئيس المحكمة العقارية ورئيس فرع المحكمة العقارية وإدراجهما ضمن الخطط القضائية التي يضطلع بها قضاة الرتبة الثالثة”، فضلا عن إنجاز مقرات جديدة لكل من المحكمة العقارية، ومحكمة التعقيب. وثمن القضاة في لائحة مؤتمرهم الثالث عشر قرار رئيس الدولة سحب الزيادات الأخيرة التي تم اقرارها لبعض موظفي الدولة بخصوص المنحة الوظيفية على جميع القضاة برتبهم الثلاث والترفيع في منحة الاستمرار، وإذن رئيس الدولة بتسوية نهائية للملفات العقارية لمقاسم البناء الراجعة إليهم.. يذكر أن عدد المترشحين لعضوية المكتب التنفيذي بلغ 18 مترشحا ينتمي اثنان منهم إلى المحكمتين الابتدائيتين الأولى والثانية بتونس العاصمة وأربعة مترشحين يمثلون محكمة الاستئناف بتونس وقاض من المحكمة الابتدائية بمنوبة وآخر بابتدائية بن عروس ومترشح من ابتدائية قرمبالية ومترشح آخر من ابتدائية بنزرت وقاضية من ناحية قرطاج وقاض من ابتدائية باجة وقاض آخر من ابتدائية زغوان وقاضيين من المحكمة الابتدائية بأريانة وقاض وحيد من المحكمة العقارية ومترشح وحيد ممثل عن دائرة المحاسبات. تحسين الوضع المادي للقضاة وكان التقرير الأدبي تضمّن المطالبة بمزيد تحسين الوضع المادي للقضاة حسب ما اقتضته اللوائح السابقة، وتطوير العمل القضائي وتحسين الظروف المادية للعمل بالمحاكم بتركيز أدوات العمل الحديثة من حواسيب ومنظومات معلوماتية وربط مكاتب القضاة بشبكات معلوماتية متخصّصة، وتعميم برامج التكوين في هذا المجال. ومن أبرز ما اقترحه القضاة لدة مناقشة التقريرين الأدبي والمالي إعادة هيكلة سلم تأجير القضاة، والرفع من القضاء، وتمتيع القضاة بجراية تقاعد كاملة من خلال وضع نظام تقاعد خاصّ بالقضاة، وتطوير نشاط التعاونية، وتجديد أسطول السيارات الوظيفية، والترفيع في منحة الاستمرار ومنحة الإنتاج، علاوة على تحسين ظروف العمل بالمحاكم وإحداث مقرات جديدة لمحاكم لم تعد تليق بالعمل القضائي العصري. رفيق بن عبد الله تركيبة المكتب الجديد في ما يلي المكتب الجديد لجمعية القضاة التونسيين بعد توزيع المسؤوليات: عدنان الهاني رئيس دائرة بمحكمة الاستئناف بتونس: رئيس خديجة المزوغي قاضي ناحية بقرطاج: نائبة رئيس كريم المهدي وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس: أمين المال آسيا العياري (رئيس دائرة بمحكمة الاستئناف بتونس): كاتب عام جلال الزواوي مستشار بمحكمة الاستئناف بتونس: مكلف بالعلاقات الاجتماعية والشؤون الثقافية منصف البرهومي (وكيل رئيس المحكمة العقارية): كاتب عام مساعد طارق براهم ( رئيس المحكمة الابتدائية بأريانة): أمين مال مساعد (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 21 ديسمبر 2010)
آخر نكتة لبلدية قصرهلال التجمعية “المجتمع المدني عنصر فعّال في دعم العمل البلدي”؟؟؟
مراد رقية:
ان لمن المضحكات المبكيات في مدينة2مارس1934،مدينة الحاج علي صوّة،المنارة الاصلاحية المتميزة منذ مرحلة ما قبل الاستقلال،ليون الصغيرة بشهادة الفرنسيين المحتلين للبلاد أنذاك،ان منها العديد الذي لا يدخل تحت حصرومنها تلك التي ترسم على اللافتات البيضاء المثبتة بأنحاء المدينة والتي لا تملك من البياض سوى لون القماش التي رسمت عليه هذه النكتة السمجة المدفوعة الثمن من الجباية المحلية.
لقد كنت كتبت في تدوينة سابقة عن حصار الهياكل المحلية بقصرهلال للمجتمع المدني”غير التجمعي” والمتمثل خاصة بمجموعة المنستيرلفرع تونس للعفوالدولية والذي برمج محاضرة بعنوان”البيئة وحقوق الانسان” والتي برغم قيامها بتلك الاجراءات اللازمة والاعلام بالتظاهرة لدى السلط المختلفة فان حضور الأمن وحضور العمد والمراقبين على اختلاف درجاتهم قد فاق عددالحضور،ولعل هذا الذي كان مخططا له منذ البداية برغم عدم منع التظاهرة الجمعياتية.
لقد تعاملت السلط المحليةمجتمعة،بلدية ومعتمدية وعمد ومنظمات تجمعية مع الدعوة التي صدرت ووجهت لهم من مجموعة المنستير كما لوكانت موجهة لها من احدى المنظمات الارهابية التي نسمع عنها تباعا عبر نشرات الأخبار المختلفة،وقد سعت هذه السلط الى زرع الخوف في عقول وقلوب كل الراغبين المترددين في الحضور حتى خيّل للبعض أنه كان من الواجب استشارة معتمد المدينة قبل الحضور في التظاهرة وهي عن “البيئة وحقوق الانسان”؟؟؟
لقد عدنا وبحزم كامل أدراجنا الى الوراء وأصبحنا بحمد الله،وبكل برودة دم ورباطة جأش”نقول مالا نفعل” اذ أن السلط المحلية،بلدية ومعتمدية قد نصّبت نفسها ولية أمر عامة المواطنين،وخاصة منهم المسؤولين على المنظمات ذات المرجعية التجمعية لذلك وجب الاستئذان قبل حضور أي تظاهرة خشية الجلد والتتبع والتهميش.ولعل المضحك المبكي أن بلدية المكان،بلدية قصرهلال التي لم ينتخبها أحد،ولم تكلّف نفسها تسليم وصل ابلاغها طلب الحصول على فضاء عام لتنظيم التظاهرة، قد ثبّتت لا فتتين اثنتين متناقضتين تمام التناقض،الأولى تتعلق بالأسبوع المفتوح للجباية المحلية،والثانية تعتبر”المجتمع المدني عنصر فعّال في دعم العمل البلدي”فلعل المقصود بذلك أساسا هي لجان الأحياء،وليس المجتمع المدني المستقل لذلك نطالب البلدية التجمعية غير المنتخبة والتي وصلت الى مكانها نتيجة اغتيال وتغييب المجتمع المدني الهلالي المستقل أن تقدم لنا كشفا ضافيا بهوية المجتمع المدني الذي تتحدث عنه،الأكيد أن المجتمع المدني المقصود هي الشعب ولجان الأحياء والمنظمات ذات الولاء التجمعي الثابت؟؟؟
ان تنظيم تظاهرة”البيئة وحقوق الانسان” في فضاء خاص لعدم حصول المنظمين على فضاء عام،وحتى على وصولات من البلدية والمعتمدية بعد ابلاغهما بها،وتجنيد السلط المحلية لذلك العدد الهائل من المراقبين الأمنيين والاداريين ،والعمد النشيطين والمتقاعدين على السواء لهو دليل واضح على عدم ايمان هذه السلط بوجود مجتمع مدني خارج بوتقة التجمع الدستوري الديمقراطي،فأين نحن من الخطب الرسمية،ومن البرامج المرجعية مثل “تونس الغد”و”معا لرفع التحديات” التي أصبح التجمعيون وسلطاتهم الادارية والتنفيذية أول المتنكرين لها؟؟؟
وفي الأخير،وطالما أنه وقع الجمع بين لا فتتي الأسبوع المفتوح للجباية المحلية(20-27 ديسمبر2010) ولا فتة الادعاء بأن المجتمع المدني عنصر فعال في دعم العمل البلدي يجب أن يقتنع المواطن بأن هذه الهياكل المحلية لا تمثله في شيء،وبأن من واجبه الأكيد مقاطعتها جبائيا وسياسيا اذ كيف له أن يدفع لهياكل ولهيئات ولمنظمات تتنكر لحقوقه،وتلزمه بأن يستشير معتمد المدينة،ورئيس البلدية،ورئيس الشعبة،وعمدة الحي قبل حضور تظاهرة من تظاهرات المجتمع المدني…..العنصر الفعّال في دعم العمل البلدي المغتصب من التجمع الدستوري الديمقراطي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
السودان في مهب العواصف (الجزء الأول)
سالم الحداد تساؤلات يعيش السودان على وقع أزمة وجود، فهو مستهدف كوحدة ترابية ووحدة سكانية وكوطن يحلم بمستقبل واعد، فهو معرض للتشرذم بعد أن وقّع الطرفان الفاعلان فيه: الحكومة المركزية والحركة الشعبية، اتفاقية نيفاشا(كينيا) سنة 2005 التي تمنح سكان الجنوب حق الاستفتاء في الانفصال أو الوحدة في 9 جانفي 2011 بعد 23 سنة من الصراع الدامي.
وهذا الحدث المفصلي يجعل الغيورين على السودان والمتابعين لشأنه يطرحون مجموعة من التساؤلات: ما هي الأسباب التي أفضت إلى هذه الأزمة؟ هل تعود لأسباب داخلية موضوعية أم إلى أطماع خارجية؟ أيّ من الخيارين أرجح الوحدة أم الانفصال؟ إذا كان الانفصال ـ وهو الأقرب ـ ما هي تداعياته على السودان أولا ، وعلى الدول الإفريقية والوطن العربي ثانيا؟
I ـ جذور الأزمة
أولا ـ هشاشة البنية السكانية
إن الميزة الأساسية لبلدان العالم الثالث ـ والتي عاشت الفترة الاستعمارية بشكل خاص ـ أنها غير متجانسة ثقافيا ولغويا وأحيانا عرقيا. فيكفي أن نلقي نظرة بسيطة على الخارطة الجغرافية للدول الإفريقية حتى نلاحظ أنها لم تحددها تضاريس جغرافية كالجبال والأنهار والبحار بل مرسومة بالمسطرة وبالبركار ضمن خطوط مستقيمة وزوايا مدرجة. وهذا يدل دلالة واضحة على أن المخططين الاستعماريين لم يكلفوا أنفسهم دراسة التركيبة السكانية للمناطق التي استولوا عليها وأن يتعرفوا على مدى انسجامها أو تنافرها فالمهم بالنسبة لهم هو المساحة الجغرافية التي سيستغلون خيراتها، أما السكان فيمكن ترويضهم طوعا أوكرها.
وهذا تقريبا ما حصل في السودان الذي كان خاضعا للسيطرة البريطانية فالسودان ثاني قطر عربي من حيث عدد السكان بعد مصر فهو يعد 41 مليون نسمة منهم 7 ملايين في الجنوب.غير أن هذه البنية كانت فسيفسائية على المستوى العرقي واللغوي والديني، وهي عموما بنية عشائرية،تضم 572 قبيلة تتكلم 115 لهجة. أما دينيا فإن المسلمين يمثلون 70% من مجمل سكان البلاد والوثنيون والأحيائيون 25%، والمسيحيون5%. فالشمال تغلب عليه الهوية العربية الإسلامية وإن لم يخل من الأقليات الأخرى، أما الجنوب فتتوزع فيه المعتقدات كالآتي : المسلمون 18% والمسيحيين 17 % وغير الدينيين (الوثنيون والأرواحيون) 65%.
والبنية الفسيفسائية قد تكون عامل ثراء وتلاقح أو تكون عامل تمزق وتشرذم، وغالبا ما يكون الاحتمال الثاني أقرب وخاصة في العالم الثالث الذي لا تدرك مكوناته معنى الديمقراطية والتعايش مع الآخر وكثيرا تكون ثغرة تتسلل منها الأطماع الاستعمارية لشق صفوف المجتمع وإضعاف الدولة وبعثرة إمكانياتها في حروب أهلية داخلية لا يجني منها الشعب غير التخلف والجهل وهذا ما فعله الإنكليز زمن الاحتلال وما تفعله القوى العظمى منذ اليوم الأول من الاستقلال وما تمارسه الأنظمة الاستبدادية التي تثير الصراعات الأفقية حفاظا على مواقعها.
ثانيا ـ التفاوت الاجتماعي
اقترن التوزع السكاني بين المسلمين في الشمال والمسيحيين والوثنيين في الجنوب بتفاوت اجتماعي فأهل الشمال هم أكثر انفتاحا على العالم الخارجي فكان نصيبهم من العلم والثروة والسلطة أوفر من نصيب أهل الجنوب الذين مازالت البنية القبلية والاقتصاد الرعوي هي الأنماط السائدة لديهم وشعروا طوال العقود الأخيرة بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وهم مهمشون في وطنهم . وعندما ظهر البترول في الجنوب وأصبح من أهم موارد الاقتصاد السوداني في السنوات الأخيرة استيقظت لديهم الرغبة في امتلاك ثروة إقليمهم لتغيير واقعهم ولم يكتف أهل الجنوب بالأشكال السلمية للتعبير عن هذه الرغبة بل تجاوزوا إلى الكفاح المسلح.
تلك هي الجذور التاريخية والاجتماعية للأزمة الراهنة التي يتخبط فيها السودان ،إنها ليست مستوردة بل هي نتيجة لتراكمات موضوعية لعمليات الحل والترحال التي شهدتها منطقة شرق إفريقيا منذ عهود بعيدة. لكن السؤال المطروح هو : كيف تحولت هذه الظاهرة ـ التي لا يكاد يخلو منها أي قطر عربي أو إفريقي من أزمة اجتماعية يمكن معالجتها سلميا ـ إلى صراع دموي استمر حوالي أربعين عاما زُهقت فيه الأرواح وتعطل فيه الإنتاج وأُنهك الاقتصاد وتفكك النسيج الاجتماعي للدولة؟ لماذا عجزت الدولة الوطنية المعاصرة عن احتوائها وحل تعقيداتها؟ هل يعود ذلك لقصور أو تقصير الأنظمة الوطنية المتعاقبة أم إلى الأطماع الاستعمارية التي لم ينج ـ منها ـ أي قطر فيه ما يسيل لعاب الجشع الرأسمالية ؟ أم إليهما معا؟
II: كيف ولماذا تحولت الأزمة الاجتماعية إلى صراع دموي؟
أولا ـ إحساس الجنوبيين بالدونية
شعر الجنوبيون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية فهم أقلية مسيحية أو زنجية في مجتمع تسوده القيم العربية والإسلامية ولا يتمتعون فيه بالمساواة في الحقوق، فأبناء الشمال يحتكرون السلطة والثروة والمعرفة بالرغم من أن منطقتهم من أخصب المناطق التي تدر بخيراتها الفلاحية على كامل السودان. ويزداد هذا الشعور بالإحباط مع اكتشاف الطاقة بالجنوب أيضا ولا يكون لهم فيه إلا نصيب محدود حيث يقع جلبه في أنابيب نحو الشمال أين يكرر ويسوق داخل البلاد أو نحو العالم.
وقد نمى البريطانيون هذا الإحساس عندما منعوا التواصل والاندماج بين أبناء الشمال والجنوب فضيقوا على الدعاة الإسلاميين وشجعوا البعثات التبشيرية ومنعوا تدريس اللغة العربية وفسحوا المجال أمام اللغة الإنجليزية وروجوا لكراهية العرب والمسلمين باعتبارهم غزاة وساهموا في استعباد الزنوج.
وقد تحول الإحساس بالإحباط إلى نقمة على أبناء الشمال لدى أبناء الجنوب بل على نقمة على العرب والمسلمين. فكانوا يستغلون كل الفرص للمناداة بالانفصال أو بالأحرى الاستقلال ويرفضون نظام اللامركزية أو الاستقلال الذاتي أو حتى الوحدة الفيدرالية.
إن هذه المشاعر المتطرفة خلقت لدى الشماليين تخوفات على مصير السودان وخاصة وأنهم يرون أن تدخلات الدول الاستعمارية لم تنقطع وتأخذ أشكالا مختلفة فهي تترواح بين التدعيم العسكري للمتمردين في الجنوب كما فعل الكيان الصهيوني والتدعيم السياسي والمالي كما تفعل أمريكا. فكانوا يرفضون الانفصال ويقاومون كل أشكال التمرد بل إنهم استغلوا هذا التمرد ليفرضوا التعريب والأسلمة كما فعل الفريق إبراهيم عبود والنميري ونظام عمر البشير عندما كان متحالفا مع الجبهة الإسلامية. وعندما فكارتباطه بالجبهة الإسلامية بدأ التفكير في الدخول في التفاوض مع الحركة الشعبية لإيجاد حل سلمي، وبعد مفاوضات عسيرة توصل الطرفان إلى اتفاقية سلمية عرفت باتفاقية نيفاشا (كينيا)
ثانيا ـ غياب الحرية وسيطرة العسكر
لم يعرف السودان ـ رغم عراقته في التعددية السياسية وتواجد منظمات المجتمع المدني ـ الاستقرار السياسي ولم يتذوق طعم الحرية كمعظم الدول العربية، منذ انفصاله عن مصر واستقلاله عن بريطانيا. فقد انضم للعرش المصري منذ ولاية محمد علي وصارا يشكلان معا وحدة جغرافية وسياسية دعامتها الأساسية وادي النيل. وقد خضع البلدان للاحتلال البريطاني الذي توخى سياسة “فرق تسد ” أفضت إلى إجراء استفتاء في السودان حول انفصاله عن مصر أو الوحدة معها، إلى الانفصال. وبعد أن فك ارتباطه بمصر أبرمت بريطانيا اتفاقية الاستقلال مع القيادات السياسية المدنية التي لم يرق أداؤها السياسي للعسكريين فدشنوا أول عملية انقلابية سنة 1958 بقيادة إبراهيم عبود، ثم تتالت على حكمه أنظمة استبدادية قهرية ذات طابع عسكري . فقد وقعت فيه أربعة انقلابات أو خمسة بداية من إبراهيم عبود وصولا إلى عمر البشير مرورا بجعفر النميري وسوار الذهب وغيرهم. ولم يستطع أي واحد منهم أن يهتدي إلى حل موضوعي ينهي الأزمة بل وعلى العكس من ذلك ساهم كل واحد منهم ـ باستثناء سوار الذهب الذي سلم السلطة لفريق مدني ـ في إذكاء نيران الفتنة بين الشمال والجنوب. فكل الحلول بالنسبة لهؤلاء تمر عبر الخيار الأمني العسكري. ثالثا ـ سوء الأداء السياسي
لم يكن الساسة العسكريون وكذلك أغلب الساسة المدنيين ، في مستوى فهم التناقضات الاجتماعية والسياسية المحلية الثانوية والتعاطي معها فحولوها إلى تناقضات رئيسية شائكة وكانت البداية مع تخلي الحكومة المركزية برئاسة إسماعيل الأزهري عن تعهداتها للجنوبيين بتوظيف أبنائهم مقابل مساعدة البرلمانيين الجنوبيين له في الانفصال عن مصر<< إذ لم تمنح الجنوبيين سوى ست وظائف من مجموع 800 وظيفة>>
وعندما قام إبراهيم عبود بالانقلاب سنة1958 توخى سياسة أسوأ<< ورأى النظام أن الأسلوب الأمثل للتعامل مع المشكل هو الأسلمة والتعريب القسري، وفي سبيل تحقيق ذلك اتخذ ثلاث خطوات هي:
إنشاء مدارس لتعليم القرآن ومعاهد إسلامية متوسطة في الجنوب. استبدال يوم الأحد بيوم الجمعة كعطلة أسبوعية في الجنوب. إصدار قانون الجمعيات التبشيرية المسيحية الذي حظر التبشير المسيحي في الجنوب وانتهى بطرد المبشرين. >> وكان من أهم نتائج هذه السياسة بروز معارضة مسلحة جسدتها << حركة أنانيا >> خاضت الحرب الأهلية الأولى التي بدأت مع منتصف الخمسينات تلقت سنة 1969 الدعم والتسليح من الكيان الصهيوني عن طريق دول الجوار وخاصة أثيوبيا وأوغندا وبذلك صار لقضية الجنوب بعد إقليمي وبدأت تترسخ فكرة الانفصال. ولم تتوقف إلا بتوقيع اتفاقية أديس أبابا سنة 1972 تنص على تمكين الجنوب من حكم ذاتي.واستمرت الهدنة بين الطرفين 10 سنوات لتستأنف الحرب من جديد سنة 1983 في عهد الفريق النميري الذي أقام حكم الشريعة الإسلامية على كامل التراب السوداني.فأعيد نفس السيناريو حيث تمردت فرقة عسكرية في الجنوب، فبعثت له القيادة بكتيبة بقيادة العقيد جون قارينغ لقمع التمرد ، غير أن هذا العقيد لم يلبث أن تعاطف مع المتمردين وانضم إليهم وشكل الجميع “الجبهة الشعبية لتحرير السودان” انبثق عنها ذراع مسلح عرف “بجيش التحرير” خاض حربا مع الحكومة المركزية تواصلت 23 سنة، لم يتوقف سعيرها إلا في 9 جانفي2005 بتوقيع اتفاقية نيفاشا (كينيا) بين الرئيس عمر البشير وقائد جبهة التحرير القائد جون قارنغ.
رابعا ـ أهمية السودان والأطماع الاستعمارية
يحتل السودان أهمية خاصة على الصعيد الإقليمي العربي والإفريقي بل وعلى المستوى الدولي وتستند هذه الأهمية إلى عوامل إستراتيجية واقتصادية تحرك الأطماع الاستعمارية منها : 1 ـ الموقع الإستراتيجي يتوغل السودان في العمق الإفريقي، فهو يطل على تسع دول إفريقية هي مصر وليبيا من الشمال والتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى والكنغو الديمقراطي من الغرب وأريتيريا والحبشة ( بالإضافة إلى البحر الأحمر ) من الشرق وكينيا من الجنوب.
وتمثل هذه الإطلالة على هذا الكم الهائل من الدول عاملا تنمويا عندما يسود الأمن والاستقرار وتتحول إلى عامل توتر عندما تهتز العلاقات بينها. ولا أدل على ذلك من العلاقات المتقلبة بين السودان والتشاد
2 ـ الموارد الاقتصادية
ينهض الاقتصاد السوداني على ما تدره الطبيعة السودانية من منتجات فلاحية حيوية تلبي حاجيات المواطن السوداني إلى الغذاء والكساء، ومن طاقة نفطية جيدة تتبارى في السيطرة عليها القوى العالمية التقليدية مثل أمريكيا وانجلترا وفرنسا والناهضة مثل الصين والهند فأين يتجلى ذلك . أ ـ الفلاحة وهو أول قطر عربي فلاحي ، فالمساحة الزراعية تمسح مليونين وخمسمائة ألف كلم مربع منها حوالي 700,000 كم مربع تقريبا في الجنوب أي ما يعادل 28% من المساحة الكلية للبلاد وتوفرت له كمية هامة من مياه الأمطار والمياه السطحية والمياه الجوفية ومياه النيل التي تبلغ 15مليار ونصف متر مكعب. وهذا ما جعل 80% من السكان الناشطين يعيشون على الفلاحة بكل أنماطها: الزراعية ( القطن ، الحبوب الزيتية والخضر والغلال) وتربية المواشي وقد بلغت الثروة الحيوانية في السنوات الأخيرة (130مليون رأس). وهي تساهم ب34% من إنتاجي الناتج المحلي. وقد عرف السودان بتصدير مادة نادرة يتهافت عليها العالم وهو الصمغ العربي. ولأهمية هذه المائدة في صناعة الكوك كولا والبيبسي كولا ولنجاعتها كعلاج طبي استثناها الأمريكان من قائمة المواد المحظورة التي يمنع توريدها عقابا للسودان. وتحتل منطقة الجنوب ـ موقعا متميزا في الإنتاج الفلاحي، فمساحتها تقدر ب ألف 600 كلم مربع 90% أراض خصبة: فالغابات الكثيفة والجميلة المنتجة للخشب تمسح 23% ومساحة المراعي الحيوانية( الأهلية والبرية) من الأعشاب 40 % ومساحة الأراضي الزراعية 30% و المياه السطحية من الأنهار ومن الأمطار الغزيرة 7% ب ـ الطاقة والمعادن ليس هناك إحصائيات دقيقة واضحة حول إنتاج السودان من الطاقة لتباين مصالح الأطراف الفاعلة والمستفيدة منها: الدولة المركزية، إقليم الجنوب ، الشركات المتعددة، فالبعض يقلص من حجم الإنتاج والبعض الآخر يضخمه. لكن رغم هذا الاختلاف فقد رشحت بعض الملاح العامة حول أهمية هذه المادة في الاقتصاد السوداني بل وفي احتداد الصراع حول صياغة مستقبل السودان منها.
1ـ إن البترول صار المادة الأساسية في الاقتصاد السوداني الذي تتوقف عليه التنمية الشاملة وهذا ما اعترف به وزير الطاقة والتغذية في حكومة جنوب السودان الذي صرح لجريدة الشرق الأوسط قائلا: << إن اقتصاد الجنوب يعتمد على عائدات النفط بنسبة 98 في المائة في الميزانية العامة، آخرها ميزانية هذا العام(…)>> وأضاف<< إن الاعتماد في الميزانية على إيرادات البترول لا يتوقف على حكومة الجنوب وحدها بل الحكومة في الخرطوم تعتمد عليه بنسبة 95 في المائة على حساب القطاعات الأخرى>>
2 ـ إن البترول بكل مشتقاته يشكل % 40 من موارد الدولة المالية( مجلة النفط والغاز ، مارس 2005).
3ـ إن هذه الطاقة تتركز خاصة في الجنوب السوداني الإقليم المعرض للانفصال وفي منطقة<< أبيي >> الغنية بالنفط وهي المنطقة الواصلة الفاصلة بين الجنوب والشمال. فهي تحتوي على % 15من احتياطي السودان الذي يبلغ 6.7 بليون برميل، وتضم قبيلتين إحداهما موالية للحكومة المركزية ( المسيرية التي تعيش على تربية الماشية والترحال ) والثانية موالية للحكومة الجنوب ( الدينكا أقرب إلى الاستقرار).
وبالرغم من أن النزاع حولها عرض على محكمة لاهاي الدولية فإنها لم تحسم في القضية بشكل واضح حول السكان والطاقة مما جعل الخلاف متواصلا. ومن هنا فقد صارت هذه الطاقة عاملا حاسما في رسم الحدود بين الشمال والجنوب، فبقدر ما تحرص حكومة الجنوب على الانفصال للاستفراد بها، فإن الخرطوم تسعى لإبقاء السودان موحدا محافظة عليها
4 ـ إن الطاقة في السودان كبضاعة إستراتيجية عالمية هامة، صارت محل تنافس بل صراع دولي، فلم تعد احتكارا للأمريكان والدول الغربية، فالشركة الأمريكية شيفرون المنتجة للنفط منذ 1974 غادرت السودان سنة 1984 لأسباب اقتصادية حيث لاحت لها مدرات أقل ثمن في آسيا(كازخستان)وأسباب أمنية أمنية( حرب الجنوب) لتفسح المجال لتكتل من الشركات سمي بمجموعة شركات الكونسرتيوم التي تتكون من (الصينية 40% والماليزية 30% والكندية 25% والحكومة السودانية 5%).
وبهذا يكون البترول قد لعب دورا مزدوجا سلبيا وإيجابيا ، اقتصاديا وسياسيا في نفس الوقت
أ ـ الدور الإيجابي هو تعزيز اقتصاد السودان الذي كان كان يعتمد أساسا على الإنتاج الفلاحي ، فالبترول جلب إليها الاستثمارات الخارجية وفك العزلة المضروبة عليها من القوى الكبرى في العالم. وأهم مستثمر دخل بقوة للسودان هو الصين، وماليزيا والهند وغيرها
ب ـ الدور السلبي هو ازدياد ضغوطات مراكز القوى الغربية المدعمة لحركة التمرد وخاصة الكنائس الأمريكية والغربية على الكنغروس الأمريكي والحكومات الغربية والشركات الأوروبية العاملة في السودان وخاصة الكندية حتى تنسحب.
والهدف من كل ذلك هو محاصرة السودان وقطع الإمدادات عنه وتجميد إيداعاته في البنوك العالمية وشل اقتصاده بحجة أنه يستعمل هذه الإيرادات في تسليح الجيش ومحاربة أبناء الجنوب. والهدف النهائي هو دفع الحكومة المركزية للتسليم بانفصال الجنوب. ولم تكن الدول الأوروبية هي وحدها التي تستغل سلاح البترول ضد حكومة السودان بل إن حركة التمرد كانت تهدد بضرب آبار البترول والأنابيب الناقلة له من الجنوب إلى المصافي بالشمال.وهكذا دخل النفط حلبة الصراع السياسي في السودان داخليا وخارجيا. إن هذه الإمكانيات الطائلة التي يتمتع بها السودان سواء من حيث الموقع الإستراتيجي أو الموارد الفلاحة أو الطاقة النفطية أثارت شهية عدة أطراف استعمارية ليس من مصلحتها أن ينهض السودان وأن يوظف موارده الاقتصادية في تحقيق تنمية شاملة يتحول بها ومن خلالها إلى قطب تنموي في الوطن العربي وفي إفريقيا ويستقل بإرادته السياسية فعملت جاهدة على أن تتسلل عبر كل الثغرات لجسم السودان الهش وأن تستغل التناقضات الداخلية وأن تذكي فيها نيران الفتنة حتى تنهكه من الداخل فما هي هذه القوى وما هي أشكال تدخلها في الشأن السوداني وما هي الأهداف التي تروم تحقيقها؟
IIIـ القوى الاستعمارية : الأهداف وأشكال التدخل
لابد أن نلاحظ أن لعبة القوى العظمي والكيان الصهيوني إزاء الأمة العربية صارت واضحة لكل ذي بصر وبصيرة، فهدفها الاستراتيجي هو السيطرة على إمكانياتها، ولن يتحقق لها ذلك إلا بإضعافها وأنجع طريقة هي التسلل إلى الأقليات فيها ودفعها للتمرد. ذاك ما فعلته مع الموارنة في لبنان ومع الأكراد في العراق.وقد ساهمت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني بصفة منفردة أو بتعاون مع بعضها في إنهاك السودان .فأين يتجلى ذلك؟ أولا ـ بريطانيا من المعروف أن بريطانيا مارست أخطر أنواع الاستعمار، فقد قامت سياستها على مبدأ “فرق تسد ” فلم تكتف بتمزيق الهند بين الهندوس والمسلمين بل تركت منطقة كشمير جرحا نازفا إلى يوم الناس هذا ، نفس الخديعة وقعت مع الحكام العرب عندما زرعت الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي.وقد اكتوى السودان بنفس الجمرة حيث عملت طوال حكمها على بث الفرقة بين مصر والسودان انتهت بتنظيم استفتاء في السودان آلى إلى انفصاله عن مملكة وادي النيل. كما توخت نفس السياسة في تكريس القطيعة بين شمال السودان وجنوبه وكان المنطلق هو ” أن الإسلام خطر يتهدد إفريقيا” فبقدر ما كانت تشجع على التبشير بالمسيحية فإنها كانت تضيق على الدعوة الإسلامية، فاتخذت مجموعة من الإجراءات حالت بها دون التعايش والتواصل بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب، وتكريسا لهذا التوجه “أصدر البرلمان البريطاني قرارا يلزم الحكومة البريطانية بنشر المسيحية ودعم النشاط التبشيري” وانتهجت سنة 1922 سياسة “الأرض المقفلة” حيث لا يسمح بالدخول لبعض المناطق إلا لمن لا يشكل خطرا على سياستها ، وعلى المستوى التواصل اللغوي فقد شجعت على استعمال اللهجات المحلية وفي نفس الوقت ضيقت من مجال تعليم اللغة العربية مفسحة المجال أمام اللغة الإنجليزية كلغة وظيفية ثم رسمية في الجنوب. كما كونت أول جيش من الجنوبيين سمته << الفرقة الاستوائية>> وطردت الفرق الإسلامية من الجنوب واعترف بيوم الأحد يوم عطلة رسمية. ثانيا ـ أمريكا لا يمكن أن نتحدث عن تدخل أية قوة عالمية في بلد من البلدان دون معرفة مصالح القوى الإمبريالية فيه. فالسودان كما يتحدث عنه الخبراء الاقتصاديون يحتوي على مادتين إستراتجيتين في الحرب وفي السلم هما: البترول في الجنوب والأورانيوم في منطقة دارفور بالإضافة إلى المواد الفلاحية الأخرى وأبسطها الصمغ العربي الذي اعترضت شركتا الكوككولا والببسيكولا على إدراجها ضمن قائمة السلع السودانية المحظورة. وطمعا في هذه الثروة كان اهتمام أمريكيا بالسودان قديما قدم المصالح الأمريكية في هذا البلد. ومع تنامي الأحداث وتصاعد الأزمات فيه وتعددها، تحول الاهتمام إلى تدخل مباشر وغير مباشر. فالولايات المتحدة لم تغفر للسودان احتضان مؤتمر اللاءات الثلاثة في آخر أيام الرئيس جمال عبد الناصر، ولا تواجد زعماء القاعدة مع وصول جبهة الإنقاذ إلى السلطة، ولا عدم مشاركته في الهجوم الثلاثيني على العراق بعد غزو الكويت. ولا يمكن لها أن تتقبل أيضا الجهود الاقتصادية التي يبذلها السودان بعد سيطرته على ثروته البترولية وتوظيفها في تحقيق تنمية شاملة تساعده على التحرر من التبعية . هذه السياسية الاستقلالية أزعجت الأمريكان وكل القوى الاستعمارية التي تتربص بثروات السودان ، فكانت تستغل نقاط الضعف التي يعاني منها سواء بحكم هشاشة بنيته الديمغرافية أو بسبب سوء الأداء السياسي لحكوماته. فسلطت على السودان ثلاثة أنواع من العقوبات : أ ـ عقوبات عسكرية : شن الطيران الأمريكي غارة جوية على مستشفى الشفاء بحجة أنه على ملكية أسامة بن لادن لإنتاج الطاقة النووية.كما شجعت حركات التمرد ووفرت لها الدعم المادي و التغطية الإعلامية ب ـ عقوبات اقتصادية: فقد أدرجت أمريكيا والدول الغربية السودان منذ 1993 ضمن قائمة الدول المتهمة بالإرهاب وإيواء زعيم القاعدة أسامة بن لادن ودعت إلى مقاطعة منتجاتها الاقتصادية وتجميد أرصدتها المالية وبالَإضافة إلى هذه الحرب المعلنة، فقد كانت أمريكيا تشن حربا خفية تمارسها المخابرات عن طريق المؤسسات الدولية. ففي حرب دارفور كانت ترسل المساعدات إلى أهل دارفور عبر منظمات الأمم المتحدة، وقد اكتشف السودان أن هذه المنظمات ما هي إلا خلايا للجوسسة الأمريكية ودعم المتمردين،<< فقد ضبطت في عدد من المرات عينات من التربة مرسلة في صندوق خاص على إحدى طائرات الإتحاد الإفريقي ومرقمة بمربعات وبحقول ترمز إلى مناطق جغرافية معينة في دارفور…ومعلوم أن عددا كبيرا من أفرادها يعملون لصالح أجهزة التخابر الغربية ، يقومون بأدوار هي ضد الأمن القومي السوداني وما الإغاثة إلا ستار>>. ولذلك طرد العديد منها ولم يترك إلا المنظمات المعروفة والموثوق بدورها الإنساني. غير أن الموقف الأمريكي العدائي لم يلازم حالة واحدة فهو يتقلص كلما تواجدت في السودان حكومة قابلة للاحتواء وقبول الإملاءات، وهذا ما حصل مع حكومة النميري التي حاربت الشيوعيين لما قاموا بمحاولة انقلابية، وسهّل مرور اليهود الفلاشا من أثيوبيا إلى الكيان الصهيوني والتقى بالقيادة الصهيونية عند موت السادات.فهذه المواقف ساعدت على تخفيف الضغوطات التي سلطت على السودان ولعلها من أسباب استمرار الهدنة بين المتمردين والحكومة المركزية لمدة عشر سنوات. غير أن العلاقات لم تلبث أن توترت مع ثورة الإنقاذ الإسلامية(1989) التي احتضنت أسامة بن لادن والعديد من زعماء القاعدة وحاول الإسلاميون اغتيال حسني مبارك، ثم عادت إلى التهدئة من جديد عندما سلم حسن الترابي الكومندوس العالمي كارلوس للمخابرات الفرنسية وطُردت الحكومة زعماء القاعدة من السودان وبعدها تخلص عمر البشير من عراب الحركة الإسلامية حسن الترابي في السودان ثم قبل بالتعاون المخابراتي مع الولايات المتحدة. بعد هذه الإملاءات حاولت الإدارة الأمريكية أن تقوم بدور حيادي بين الحكومة المركزية أو أن توهم بذلك، فضغطت على الطرفين للوصول لاتفاق نيفاشا(كينيا). وقد تراوحت مواقفها من القضية السودانية بين الدفع سودان علماني موحد و والقبول بسودان ممزق بهويتين عربية إسلامية في الشمال وزنجية مسيحية وثنية في الجنوب. ويبدو أنها حسمت موقفها لفائدة الخيار الثاني تحت ضغط اللوبي الصهيوني واللوبي المسيحي الأمريكي الذي يتمتع بنفوذ كبير في الأوساط الأمريكية ، خدمة لمصالحها التي ستكون أوفر مع كيان الجنوب الذي يزخر بالثروات لكنه ضعيف ومهزوز وفي حاجة أكيدة إليها . وفي نفس الوقت ستواصل مساومتها للشمال الذي مازال يواجه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية وأبرزها قضية دارفور. في هذا الإطار ولمواكبة التحولات التي سيشهدها السودان قررت أمريكا أن توسع من فاعلية سفارتها في الخرطوم حتى تتحول إلى أكبر سفارة في إفريقيا على غرار سفارتها في العراق. وآخر الضغوط التي سلطتها الإدارة الأمريكية على الحكومة السودانية حتى تضعف أمام خصومها وتضطرها للدخول في مساومات معها وقبول التنازلات، دفعت المدعي العمومي للمحكمة الجنائية لتوجيه تهمة الإبادة الجماعية لرئيس الدولة بالرغم من أن التقارير الأممية تحدثت عن وقوع جرائم حرب من الطرفين المتنازعين في دارفور ولم تتحدث عن إبادة جماعية.فنظام السودان المهدد بإحالة رئيسه على المحكمة الدولية ليس من المستبعد أن يتنازل لحكومة الجنوب عن الكثير من مقومات سيادة السودان وعن مصالحه الحيوية مقابل المحافظة على وجوده . ثالثا : الكيان الصهيوني والسودان 1 ـ إستراتيجية السياسة الصهيونية قامت سياسة الكيان الصهيوني على السيطرة والاستغلال والتوسع بقطع النظر عن نوعية السيطرة ونوعية الاستغلال ونوعية التوسع في أية بقعة من بقاع الأرض، بداية من فلسطين والوطن العربي وصولا إلى أمريكيا مرورا بإفريقيا وأوروبا وآسيا. فعلى المستوى العربي عمل هذا الكيان منذ انبعاثه على كسر إرادة الأمة العربية وقضم أراضيها وشل قواها الفاعلة وشرذمة أقطارها وعزلها إقليميا وعالميا. ولم يكن السودان ـ رغم بعده الجغرافي ـ بمعزل عن هذه الإستراتيجية. ولم يكن الاهتمام به وليد حرب الجنوب ولا تمرد دارفور فهو مستهدف منذ أمد بعيد، وقد سبق للكيان أن نجح في تطويع إرادة حكومة السودان بقيادة جعفر النميري لأهدافه حيث تمكن في صفقة مشبوهة من السماح لآلاف المهاجرين من اليهود الفلاشا الأثيوبيين من المرور عبر السودان للكيان الصهيوني. فقد كشف وزير داخلية الكيان الصهيوني خطته لإنهاك السودان قائلا : << إنّ تدخلنا في دارفور أمر حتمي حتى لا يجد السودان الوقت لتركيز جهوده باتجاه تعظيم قدراته لصالح القوة العربية ، حيث أن السودان بموارده المتعددة كان بإمكانه أن يصبح دولة إقليمية قوية ، إلاّ أن الأزمات الداخلية التي يواجهها حالت دون ذلك، وقال: إن رئيسة الوزراء الإسرائيلية سابقاً جولدا مائير ذكرت أن إسرائيل مضطرة لاستخدام وسائل أخرى لتقويض الأوضاع من الداخل بالسودان، نظرًا لوجود الفجوات والثغرات في البنية الاجتماعية السكانية للسودان>>.غير أن السودان لا يستهدف لموقعه وثرواته فحسب بل كعمق إستراتيجي لمصر ولذا فالكيان الصهيوني يريد أن يكون السودان مشغولا لا يمتلك إرادته ولا يعمل على مناعة أمته . ففيم تتمثل هذه الأهداف؟ 2 ـ أهداف الكيان الصهيوني في إنهاك السودان يهدف من وراء ذلك لتحقيق جملة من الأهداف منها: أ ـ معاقبة السودان على أدواره التاريخية للسودان بعض الأدوار المشرفة في دعم حركة التحرر العربية حيث شكل العمق الاستراتيجي لمصر في حروبها ضد الكيان الصهيوني: 1956،1967، 1973 واستضاف مؤتمر اللاءات الثلاثة. كما كان من أهم الدول التي دعمت حركات المقاومة الفلسطينية. بـ جلب مياه النيل لصحراء النقب يمثل النيل الشريان الحيوي لمصر الذي تتغذى منه منذ أن ظهرت الحياة عليها ووجدت كشعب وكدولة. وقديما قال عنه المؤرخ اليوناني هيرودوت: ” إن مصر هبة النيل”. هذا الشريان الحيوي رسم الكيان الصهيوني خطة تمكنه من جلب مياهه ـ لصحراء النقب عبر قنوات تمر من تحت قناة سويس والحصول على نسبة 10% منها أي ما يقارب 8 مليار م3 سنويا لحل مشكلة المياه فيها. غير أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا بتوفر عاملين: 1 ـ إبقاء مصر في بيت الطاعة الأمريكية ضعيفة منهكة مستجدية للمساعدات الأمريكية وقابلة لكل الإملاءات التي تتقدم بها أمريكيا ودولة الكيان الصهيوني. 2 ـ تهديدها في نهر النيل شريان حياتها، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال احتواء دول منبع نهر النيل(أثيوبيا ،كينيا أوغندا ، تنزانيا) التي تطالب بمراجعة الاتفاقيات الدولية التي تعطي لدولتي المصب(مصر والسودان) حق الاعتراض على كل المشاريع التي تقلل حصتهما من المياه. وهذا ما نجح فيه الكيان الصهيوني منذ عقود، فقد كان يعمل على دعمها اقتصاديا وتقنيا من ناحية ودفعها لإحداث قطيعة مع الدول العربية وخاصة الدول العربية الإفريقية ( مصر، وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) التي تربطها صلات عضوية تاريخية وجغرافية واقتصادية بها، فهي تقدم مختلف المساعدات لتلك الدول حتى تقيم السدود والخزانات على نهر النيل. وهذا ما تسعى إليه أثيوبيا وأوغندا حاليا . وبهذا تكون دول المصب( مصر والسودان) بين خيارين أحلاهما مر: تمكين الكيان الصهيوني من مياه نهر النيل أو الدخول في مواجهة مع دول المنبع. ولا يمكن الضغط على مصر إلا من خلال احتواء السودان الذي يشكل العمق الاستراتيجي لمصر ولا يمكن احتواء السودان إلا من خلال تقزيمه وتهديده في وجوده و التسلل إلى مكوناته السكانية عبر ثغرات نسيجه الاجتماعي والسيطرة عليه من الخارج عبر المؤسسات الدولية بما في ذلك مجلس الأمن والمحكمة الجنائية ومحكمة لاهاي. د ـ الأطماع الاقتصادية الصهيونية في جنوب السودان بالإضافة إلى الهدفين السابقين فإن للكيان الصهيوني أطماعا اقتصادية في جنوب السودان ، ولعل أوضحها البترول والنزل، فهو يطمح إلى توريد النفط المستخرج من جنوب السودان والمار عبر الأنابيب إلى ميناء السودان على البحر الأحمر ومنه إلى ميناء إيلات كما أنه يمتلك شبكة من النزل السياحية وغير السياحية في جنوب السودان وفي العديد من الدول الإفريقية. تلك هي الأهداف التي يسعى الكيان الصهيوني لتحقيقها في السودان فما الوسائل التي توخاها ؟ 3 ـ وسائل الصهيونية لإجبار السودان على تنفيذ هذه الإستراتيجية توخى الكيان الصهيوني طريقتين: أ ـ الإنهاك من الداخل وقف الكيان الصهيوني إلى جانب كل حركات التمرد التي ظهرت في جنوب السودان وقدم لها مساعدات في شكل معونات اقتصادية أو حربية حيث تولت المخابرات الصهيونية ـ بتعاون مع مخابرات الدول المجاورة ـ إشعال نار الفتنة وتدريب المتمردين من جنوب السودان،ومدهم بالمساعدات المادية وتوفير التغطية الإعلامية، كان ذلك مع الحرب الأهلية الأولى(1972 ـ 1984) والحرب الأهلية الثانية( 1983 ـ2005). وهو الآن يقوم بنفس الدور مع متمردي دارفور فهو يستقبل زعماءهم ويقدم لهم الدعم المادي ويدرب مقاتليهم ويفتح لهم المكاتب في عاصمته. ب ـ محاصرة السودان إقليميا وعالميا عمل الكيان الصهيوني على إذكاء العداوة بين السودان والدول المحيطة به مثل التشاد الذي أنقذه من السقوط ، وأثيوبيا أوغندا الدولتين اللتين لهما أطماع في جنوب السودان ، وكل هذه الدول لم تكن على وفاق مع السودان، فالكيان الصهيوني يقدم لها الدعم السخي المالي والتقني حتى تنفذ له مخططاته، ويحرضها على إقامة السدود والخزانات والمشاريع التنموية الزراعية على ضفاف وادي النيل. أما عالميا فهو ينسق مع القوى العالمية الكبرى لتشويه صورة الحكومة المركزية وتوجيه تهمة القمع وسفك دماء الأبرياء والإبادة. نتيجة لهذا الدور الذي يقوم به الكيان الصهيوني لتشويه حكومة السودان المركزية عالميا ولدعم حركات التمرد محليا فإنه من المتوقع أن تبادر حكومة جنوب السودان بالاعتراف بالكيان الصهيوني عند الانفصال الذي صار وشيكا وقد عبر رئيسها سلفاكير عن نيته في تحقيق ذلك، وهو أمر طبيعي بالنسبة لحركة راهنت على دعم القوى العالمية الكبرى. تلك هي في نظري أهم الأسباب الداخلية والخارجية التي أذكت نار الفتنة بين فرقاء السودان فتمازجت فيها هشاشة البنية السكانية العرقية والدينية والسياسية بأطماع الدول الاستعمارية التي استشعرت مصالحها فيما يزخر به السودان من ثروات فلاحية وطاقات ومعادن بعضها وقع استغلاله والبعض الآخر فاحت رائحته وينتظر الاستقرار السياسي والتمويل المالي . فحولت السودان إلى منطقة متوترة خاض أبناؤها حربين كارثتين أهليتين دامت الأولى 17 سنة واستمرت الثانية 23 سنة. فما هو أهم حصاد هذه الحرب ؟
الشعب 18 ديسمبر2010
على خطى اليمين الأوروبي المتطر اليمين الفرنسي يتخذ مسلميها وقودا لمعاركه السياسية
علي بوراوي باريس – إسلام أون لاين شهدت فرنسا خلال الأسبوعين الماضيين موجة عنيفة من العداء للإسلام، شنّها تياران سياسيان من اليمين المتطرّف هما “الجبهة الوطنية” و”كتلة الهوية”، في إطار البحث عن أنصار، والهجوم على خصومهم السياسيين في البلاد. فقد شبّهت مارين لوبان، ابنة زعيم “الجبهة الوطنية” أداء المسلمين الصلاة في الشوارع (عندما تضيق بهم مساجدهم في صلاة الجمعة والعيدين)، بالإستعمار النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. بعد ذلك بأسبوع واحد، نظّمت “كتلة الهوية” اليمينية المتطرّفة، التي يرأسها فابريس روبير، تجمّعا في الدائرة الثانية عشرة بباريس، للتّحذير ممّا أسموه “الخطر الإسلامي الزاحف على أوربا”. وبقدر ما تجاهل الساسة الفرنسيون، من أحزاب اليمين واليسار والوسط، وكذلك وسائل الإعلام، نداء “كتلة الهوية”، بقدر ما اهتمّوا بتصريحات مارين لوبان، ردّا وتحليلا. فلماذا اختار هؤلاء معاداة الإسلام ومعتنقيه، في خوض معركتهم السياسية الحالية؟ ولماذا تجنّدت معظم الأحزاب السياسية، والمثقفون، ووسائل الإعلام، للردّ على تصريحات مارين لوبان دون غيرها؟ وهل يمكن أن تكون لهذا العنف الخَطابي والسياسي، امتدادات وآثار سلبية على مسلمي فرنسا؟ استعداء الإسلام قالت مارين لوبان، في تجمّع نظّمه حزبها اليميني المتطرّف “الجبهة الوطنية” في مدينة “ليون” الجمعة 10 ديسمبر2010، محذّرة مما اعتبرته وضعا يوازي الإستعمار النازي لفرنسا “جاء الحجاب منذ خمسة عشر عاما، وأصبح يتكاثر شيئا فشيئا. ثم جاء النّقاب، وكثر شيئا فشيئا. ثم أصبحت الصلاة تؤدى في الشارع العام. هناك حاليا ما بين عشرة وخمسة عشر مكانا عاما، يحتكره المسلمون لأداء الصلاة بصورة منتظمة. أنا آسفة، ولكن بالنسبة للذين يفضّلون الحديث عن الحرب العالمية الثانية، فإننا إزاء حالة احتلال. إنه احتلال أرض، واحتلال أحياء تطبّق فيها القوانين الدينية. إنّه احتلال. بالتأكيد لا توجد دروع، ولا يوجد جنود، ولكنه احتلال يؤثّر على السكان”. كما وصفت أحزاب “الإتحاد من أجل حركة شعبية” (حزب الرئيس ساركوزي)، والحزب الإشتراكي المعارض، وحزب الخضر، بحفّاري قبر الجمهورية، وذلك إشارة إلى تسامح هؤلاء مع المسلمين. جاء ذلك، في إطار التنافس على رئاسة حزب “الجبهة الوطنية” الذي أسّسه جان ماري لوبان سنة 1972، واحتفظ بمنصب الرّجل الأوّل فيه إلى اليوم، وتجتهد ابنته في وراثته فيه. فهي تتولّى حاليا وظيفة الشخصية الثانية في الحزب، والناطقة الرسمية باسمه. وقرّر والدها (78 عاما)، التخلي عن وظيفته لتقدّمه في السّنّ. وقد بدأ أعضاء الحزب فعليا في انتخاب زعيم جديد، سيعلن عنه يوم 13 يناير المقبل، في مؤتمر الحزب العام. وفي يوم السبت (18 ديسمبر)، أي بعد تصريحات مارين لوبان بأسبوع واحد، نظّمت “كتلة الهوية” اليمينية المتطرّفة، تجمّعا للإحتجاج على ما أسمته “خطر الإسلام الزاحف على أوربا”. ودعت له أحزاب وتيارات اليمين المتطرّف من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا. حضر هذا التّجمّع نحو ثمانمائة شخص حسب ما تحدّث به المنظّمون، ويقول محايدون إنّهم لم يتجاوزا الستمائة شخص، وتداولوا على الكلمة، وشدّدوا على خطورة الوجود الإسلامي في أوربا، وضرورة التّصدّي له. فقد قال فابريس روبير، رئيس “كتلة الهوية”، في الكلمة التي ألقاها في التجمّع “رسالتنا هي أن نظهر أنّ الإسلام يمثّل خطرا على العلمانية، وعلى قيم الحضارة الأوربية”. وأضاف “المشكلة في فرنسا، ليس في قلّة عدد المساجد، ولكن في كثرة عدد المسلمين”. وقال توم ترينتو، الذي قدِم من الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في التّجمّع “إنّ خطر الإسلام السياسي يتجاوز الخطر الذي مثّله هتلر”. أمّا أوسكار فرايزنكر، زعيم اليمين السويسري المتطرّف، الذي نشط في بلاده لمنع المآذن، فقد استقبله المشاركون استقبال الأبطال، وقال في كلمته “بينما نحن لا نفكّر إلاّ في التقاعد (المعاش)، وفي عطلنا، وفي تأميناتنا، فإنّ العالم الإسلامي ينتج أسلحة من المقاومين. رجال ونساء مستعدّون للتضحية بحياتهم، ليكونوا قنابل بشرية”. وبعد أن اتهم الكنيسة بخيانة كلام المسيح والإنجيل، قال إنّ الحرب المقدّسة في الإسلام، تكون بقطع الأيدي وتطبيق الحدود. وكان منظّمو التجمّع قد نشروا بيانا يوم 17 ديسمبر، شنّوا فيه هجوما عنيفا على معارضيهم، ووصفوهم بالفاشيين. وقال البيان إنّ الإسلاميين “يحلمون بفرض الإسلام وشريعته على الفرنسيين”. كما تهجّم بشدّة على عمدة باريس وأحزاب اليسار، و “حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية” الحاكم. ودعا المنظمون أنصارهم إلى المشاركة بكثافة في التجمّع لإنجاحه، وقالوا في البيان: يجب أن تمتلئ القاعة بالمشاركين، فلا تخافوا شيئا. نحن مازلنا في بلد ديمقراطي، حيث سيكون المشاركون محميين خارج القاعة بقوات الشرطة، وداخل القاعة بلجنة نظام ذات كفاءة واختصاص”. وأضاف البيان: سيسمح يوم 18 ديسمبر للحركة التي بدأت تأخذ مكانها، أن تدخل مرحلة جديدة، لن تُنسى، فلا تفوّتوا الفرصة”. وقفة احتجاجية معارضو هذا التجمّع، بداية من حزب الرئيس ساركوزي، والحزب الإشتراكي المعارض، وحزب الخضر، ومنظمات حقوق الإنسان، ومناهضو العنصرية والإسلاموفوبيا، والمنظمات اليهودية، ومعظم وسائل الإعلام، جنحوا إلى تجاهله، وعدم النّفخ فيه، بعد أن سجّلوا موقفهم منه بوضوح. برتران دولانوي، القيادي في الحزب الإشتراكي المعارض، الذي يشغل منصب عمدة باريس، طالب محافظ الأمن في باريس ميشال قودان بمنع عقد التجمّع. ودعاه في رسالة وجهها إليه “إلى أخذ جميع الإجراءات الضرورية … لمنع عقد التجمّع”. وأضاف أنّ مثل هذا النشاط “لا علاقة له البتّة بالعلمانية، ولكن الأفكار التي يروّج لها منظّموه، تحمل خطابا حاقدا ومعاديا لجزء من مواطنينا، بدعوى عقيدتهم الدينية”. كما نظّم المعارضون وقفة احتجاجية، قريبا من القاعة التي احتضنت التجمّع، قرّروا منذ البداية أن تكون رمزية، لتسجيل احتجاجهم، والتنديد بمنظّمي التجمّع والمشاركين فيه. وقد شارك في الوقفة شخصيات من مختلف فصائل اليسار الفرنسي، وممثلو جمعيات حقوقية وإنسانية، رفعوا فيها شعارات تندّد بالفاشية. وقالت النائبة البرلمانية عن الحزب الإشتراكي الفرنسي في باريس، صندرين ميزاتي “إنّ العلمانية لا تعني الحقد، ولا اضطهاد الأغلبية للأقلية”. أمّا الهيئات والجمعيات الإسلامية، فقد اختارت متابعة التطوّرات بصمت. ورغم أنّها نسّقت مع معارضي التجمّع، إلاّ أنّ رموزها تجنّبوا الخوض فيه علنا، ورفضوا الإدلاء بتصريحات بشأنه. لكنّهم ردّوا بشدّة على تصريحات الزعيمة المرتقبة لحزب “الجبهة الوطنية” مارين لوبان، وذكّروها بدماء المسلمين التي سالت دفاعا عن فرنسا في معركة تحريرها من الإستعمار النّازي. مخاوف السياسيين أجمع السياسيون والمحلّلون الفرنسيون، أنّ تحرّكات اليمين المتطرّف هذه، ليست سوى فصل من فصول بحثه عن موقع له في الخريطة الحزبية والسياسية للبلاد، في إطار الإستعداد لرئاسيات 2012. فقد دأبت “الجبهة الوطنية” على التقدم بمرشّح لها منذ العام 1974. وقد تمكّن زعيمها من تحقيق المفاجأة في انتخابات 2002 ، والترشح للدورة الثانية، ونال فيها 14 بالمائة من أصوات الناخبين الفرنسيين. ثم جاءت الأزمة الإقتصادية وأخطاء الرئيس ساركوزي خلال السنوات الأخيرة، فأغرت قيادة هذا الحزب بإمكانية التسلّل إلى الناخبين، وانتزاع نسبة مهمّة منهم، خصوصا وأنّ أحزاب اليمين المتطرّف، شهدت خلال السنوات الأخيرة صعودا ملفتا في عدد من الدول الأوربية. ويرى عدد غير قليل من المحلّلين الفرنسيين، أنّ استعمال اليمين المتطرّف الإسلام لتخويف الفرنسيين، ومزاحمة الأحزاب العريقة على أنصارها، ليست سوى خطّة هجومية لاستفزاز خصومها السياسيين وإرباكهم، والظهور أمام الرأي العام الفرنسي في مظهر البطل القادر على حماية مصالحه. ولا يشكّ أحد، في أنّ حزب لوبان، يراهن على اقتحام جمهور حزب “الإتحاد من أجل حركة شعبية” الحاكم، وجرّهم إلى شباكه. لذلك، يعمل له الرئيس ساركوزي ورفاقه، كلّ حساب، ويعتبرون معركتهم معه، من أهمّ المعارك التي تنتظرهم في طريق الإعداد للإنتخابات الرئاسية القادمة. وقد اجتمع رئيس الحكومة فرانسوا فايون، يوم 14 ديسمبر الجاري، بنواب حزبه في البرلمان، ودعاهم إلى العمل بجدّ، لإفشال خطة حزب “الجبهة الشعبية” وبذل كل الجهود خلال الثمانية عشر شهرا التي مازالت تفصل البلاد عن الرئاسيات المقبلة، لربح المعركة، مؤكّدا على أهمية التعامل مع المستجدات، بدم بارد. وشدّد على أهمية وحدة الحزب، وانسجام رجاله. أمّا الحزب الإشتراكي، فقد اعتبرت سيغولان روايال، مرشحة الرئاسيات السابقة، أنّ الفشل السياسي لساركوزي وسوء تعامله مع مختلف القضايا الفرنسية، يوفّر لهذا اليمين أرضية خصبة للإنتعاش. من جهة أخرى، قال المفكّر الفرنسي جان بوبيرو، المتخصّص في تاريخ العلمانية وفكرها “إنّ العلمانية التي انتمت تاريخيا إلى اليسار، أصبحت اليوم مفهوما يستعمله اليمين، بل اليمين المتطرّف. وأضاف “لا يمكن أن نفهم هذا التطوّر، إلاّ بالإسلاموفوبيا، أي التخويف من الإسلام. فقد كان الكاثوليكيون والكاثوليكيون المغالون، يستعملون العلمانية لمعارضة دين آخر. وعندما يجد أشخاص من اليسار أنفسهم في نفس الجبهة مع هؤلاء، فإنّ ذلك يعني جهلا للعلمانية، التي ليس من طبيعتها أن تفرض شيئا، بل حماية الحريات: حرية الوعي والتدين”. حجم اليمين الفرنسي المتطرّف يؤكّد الجميع في فرنسا، أنّ المنتسبين لحركات اليمين الفرنسي المتطرّف، قليلو العدد، وأنّهم لا يمثّلون في الظّرف الحالي، أيّ تهديد جدّي. فحزب “الجبهة الوطنية” الذي يشارك في الإنتخابات الرئاسية منذ ستة وثلاثين عاما، يتألف من واحدا وثلاثين ألف (31 ألف) من جملة 63 مليون ساكن، حسب ما صرّح به رئيسه جان ماري لوبان. وقد شكّكت صحيفة “لوفيغارو” في هذا الرقم، وقالت إنّه غير مؤكّد، أي أقلّ من ذلك. أمّا “كتلة الهوية”، فقد أسّسها فابريس روبير في أبريل 2003 ، عندما اختلف مع جان ماري لوبان، فانشقّ عن “الجبهة الوطنية”. وهي تضم حاليا ألفي منخرط (2000) حسب ما يؤكّده المختصون الفرنسيون. وهي بذلك لا تتوفّر على قدرة للتأثير على النّاخبين. ووجودها قد يكون مفيدا، نظرا لخلافاتها الحادة مع حزب “الجبهة الوطنية”. لذلك، يرى الساسة الفرنسيون أنّها لا تمثّل أيّ تهديد سياسي أو أيديولوجي على المستوى القريب. هذا هو الحجم البشري لكلا التنظيمين الذين شغلا السياسيين ووسائل الإعلام. لكنّهما نشطين. والمخاوف التي يبديها خصومهم تجاههما، لا تعود لإقبال الفرنسيين على برامجهما وتنظيماتهما حاليا، ولكن للخلافات التي تشقّ كلا من حزب الرئيس ساركوزي، والحزب الإشتراكي المعارض، والتي يمكن أن تؤثّر على سير ونتائج الإنتخابات الرئاسية المقبلة. كما أنّ تأثيرات الأزمة الإقتصادية على مستوى معيشة الفرنسيين، قد تفتح شهية نسبة غير قليلة منهم، إلى البحث عن بديل جديد، وربما تنجح سياسة اليمين المتطرّف هذه، في دفعهم إلى محاولة اكتشافه، وربّما حتّى المغامرة بتجربته. رب ضارة نافعة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، حاولت من جانب آخر، التساؤل عن أسباب لجوء المسلمين إلى أداء الصّلاة في الشوارع العامة المحاذية للمساجد، عندما تعجز هذه المساجد عن استيعابهم. وأقرّت بأنّ المساجد الموجودة حاليا في فرنسا، لا يمكن أن تتّسع لهم، ليؤدّوا الصلاة داخلها. ودعا بونوا هامون، الناطق الرسمي باسم الحزب الإشتراكي الفرنسي، في حوار أجرته معه قناة إخبارية فرنسية، إلى ضرورة البحث عن حلّ لمشكلة قلّة المساجد وضيقها، يمكّن المسلمين من أداء الصّلاة داخلها، معتبرا أنّ الصلاة في الشوارع لا تليق ببلد كفرنسا. القناة الفرنسية الثانية، أعدّت تحقيقا أكّدت فيه أنّ المساجد المتوفّرة، ومساحاتها، لا يمكنها أن تتسع لمن يؤمّها، وأنّها دون الوفاء بحاجة هذا العدد من المسلمين، خصوصا وأنّهم معروفون بحرصهم على أداء شعائرهم الدينية. وقد أجاب أحد المسلمين الأفارقة على سؤال وجّهته له القناة بالقول: هل تظنّون أنّنا نتلذّذ ونتباهي بالصّلاة في العراء، يلفح أجسادنا البرد والثلوج؟ إنّنا ببساطة لا نجد مكانا نصلّي فيه داخل المساجد”. هكذا تفاعل الفرنسيون مع هذا الهجوم اليميني المتطرّف. لكنّ ذلك ليس سوى معركة في إطار الإعداد للإنتخابات الرئاسية المقبلة. ويمكن أن يتخذ هذا التنافس صورا أخرى، وإخراجا مختلفا عن هذا الشّكل. لكنّ المُعادين للوجود الإسلامي في فرنسا، وفي الغرب عموما، سيظلّون يبحثون عن قضايا، يستفزّون من خلالها مشاعر المسلمين، ويبتزّون فيها الرأي العام في بلدانهم. وهذا ما عبّر عنه الموقع الإخباري الفرنسي الشهير “ميديا بارت”، عندما شبّه الإستفزازات الأخيرة التي قام بها اليمين المتطرّف، بقطعة القماش الحمراء، التي يلوّح بها المصارعون المحترفون، لاستفزاز الثيران الهائجة. لقد انضمّ اليمين الفرنسي المتطرّف، إلى نظرائه الأوربيين، في تصويب سهامهم للإسلام والمسلمين في أوربا، واتخاذهم وقودا لمعاركهم السياسية، لأنّ المسلمين يمثّلون الحلقة الأضعف في هذه البلدان. فهم حاضرون في مختلف الدول الأوروبية بكثافة عددية هامة، ولكن ظهورهم عارية، وثقلهم السياسي والإقتصادي ضعيف. وسيظّلون على هذا الضعف إلى أن تدفعهم المحن دفعا، إلى تفعيل دورهم بشكل إيجابي. لأنّ الحياة السياسية ليست عملا خيريا يقوم على الصّدقات. ومعضلة المسلمين اليوم، في أوربا، كما في خارجها، أنّ جانبا مهما من وجودهم ووعيهم، قائم على انتظار صدقات السياسيين. الرابط http://www.islamonline.net/ar/IOLArticle_C/1278407189605/1278406721956/-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%AE%D8%B0-%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%87%D8%A7-%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AF%D8%A7-%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%83%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9