28 janvier 2005

في مجابهة الغطرسة الغربية

أحمد السميعي

منذ مدة وأنا أفكر في صياغة بعض الأفكار التي تراودني بخصوص تطور الأوضاع السياسية في تونس بعد “انتخابات” أكتوبر الماضي إلا أني وجدت نفسي مجبرا في نهاية الأمر على الحديث عن الجهاد والمجاهدين لارتباطه الوثيق بالسياسة الدولية الحالية ولاستحالة فهم ما يحدث في تونس بمعزل عن ذلك. فالغرب يشن الآن حربا شاملة على الإسلام والمسلمين ويفرض على العالم بأسره اعتبار الجهاد الإسلامي عملا إرهابيا في كل الحالات و تجريم حتى مجرد الحديث عنه.

وإذ أقدمت على الخوض في هذا الموضوع فلاقتناعي بأهميته البالغة. والحرب بين الإسلام والغرب وان بدأت مع ظهور الدين الحنيف في جوار الإمبراطورية الرومانية في القرن السابع الميلادي وتواصلت عبر العصور بأشكال مختلفة فان غزو أفغانستان سنة 2001 يمثل بداية مرحلة جديدة في لهذه الحرب تشارك فيها كل الدول الغربية التي تسيطر اليوم على العالم وتستعمل فيها كل ما تملك من أسلحة فتاكة وتكنولوجيا متطورة وإمكانيات مادية ضخمة.´

الشرق والغرب

يتفق الغرب والشرق عادة على اعتبار أن الإنسان الغربي مادي وواقعي مرتبط بالأرض بينما الإنسان الشرقي مثالي وروحاني مرتبط بالسماء. وهذه الصورة وان كانت لا تكتسي صبغة الإطلاق فهي تعبر في واقع الأمر عن قدر كبير من الحقيقة وتتجلى ملامحها في مختلف السلوكيات والأنشطة وطرق التفكير وأساليب التعامل بين الناس في الشرق والغرب.

فبينما تكون العلاقات بين الناس في الغرب مبنية عادة على المصالح فإنها ترتكز بالأساس على العواطف عند الشعوب الشرقية.

وبينما يتجلى الفن الغربي في المسرح والرقص والرسم ونحت التماثيل فإن الإبداعات الشرقية تتجلى خاصة في القدرة على الصبر والتأمل والحكمة وقول الشعر.

وإذا كانت الموسيقى الغربية تدغدغ الجسد وتدفعه إلى الحركة فان الموسيقى الشرقية الأصيلة تغوص إلى الوجدان وتدغدغ الأحاسيس.

و حتى بخصوص العلاقات الحميمية بين المرأة والرجل فان الغربيين يستمتعون بالتعبير عنها أمام الآخرين وحتى على قارعة الطريق بينما يخجل الشرقيون من هذا التصرف ويستهجنونه ولا يستطيعون التعبير عن هذه العلاقات والاستمتاع بها إلا في عزلة تامة.

ولعل الدين هو المجال الذي يتجلى فيه بأكثر وضوح التمايز بين الشرق والغرب. فالديانات التوحيدية التي تؤمن بإله واحد متعال خلق الكون وخلق الإنسان وبعث في البشر رسلا منهم يهدونهم إلى “الطريق المستقيم” جاءت كلها من الشرق. أما الديانات الغربية فإنها ترى في الآلهة كائنات متواصلة ماديا مع الإنسان (الأبطال يعتبرون أبناء آلهة أو أنصاف آلهة) لها صفات بشرية (تتزاوج وتنجب وتتصارع… ) ولها قدرات خارقة للعادة تمكنها من البطش بالإنسان والانتقام منه أو مساعدته وإنقاذه من المآزق حسب مزاجها ولا تعرف ما هو “الطريق المستقيم”.

 وحتى لما انتشرت المسيحية في الإمبراطورية الرومانية فان الكنيسة بقيت منفصلة عن مؤسسات الدولة وعن السلطة السياسية التي أصبحت في صراع معها وصل أحيانا إلى حد الصدامات العنيفة والحروب. وهذا على عكس الإسلام الذي تأسست الدولة على أساسه وبقيت السلطة السياسية في هذه الدولة تستمد شرعيتها من الالتزام بتعاليمه. وقد أدى التمايز بين الذهنية الغربية والذهنية الشرقية إلى انقسام المسيحية نفسها بين كنائس شرقية وكنائس غربية. وها هي السلط الغربية تحاول اليوم أن تفعل نفس الشيء بالنسبة للإسلام الذي يغزو ديارها. فهي تسعى إلى عزله عن الحياة الاجتماعية وحصره في مؤسسات تخضع لرقابة وزارات الداخلية كما تسعى إلى تكوين أئمة ورجال دين مزيفين يستعملون عبارة “الإسلام الأوروبي” بدل الإسلام في أوروبا.

والغرب يعاني من مرض الاستكبار ويدعي التفوق على باقي الشعوب. وهذا الاعتقاد في علوية الغرب هو اعتقاد راسخ متأصل في العقلية الغربية حتى عند أصحاب ما سمي بالفكر التنويري في أوروبا أمثال فولتير وديدرو ومونتاسكيو وغيرهم. وحتى ماركس وأنقلز المنظرين لثورة شيوعية توحد كل العمال في العالم فقد أسسا نظريتهما اعتمادا على تحليل الأحداث التاريخية التي وقعت في الغرب وفي ذلك اعتقاد ضمني بأن الغرب هو مركز العالم وأن الشعوب الأخرى ليست لها أهمية ولا تأثر على مجرى التاريخ ولا ينظر لها إلا كحالات خاصة.

و العصر الحديث يتميز بسيطرة الغرب على العالم بأسره في كل المجالات. وان ما يسمى في الوقت الحاضر”عولمة” هو في الحقيقة”غربنة” (occidentalisation) .

والغرب مستبد ومتغطرس وعنصري ولا يفهم ولا يتعامل مع الآخرين إلا بمنطق القوة رغم ما يدعيه من دفاع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة وحرص على السلام في العالم.

فالتاريخ لم يسجل حملات ابادة جماعية وأعمال نهب على نطاق واسع واستغلال فاحش للإنسان مثل ما قام به الأوروبيون في القارة الأميركية وفي افريقيا وآسيا منذ “عصر النهضة” إلى الآن. لقد أسسوا حضارتهم الحالية على استغلال كل شعوب الأرض استغلالا فاحشا وأبادوا شعوبا بأكملها وسرقوا ثرواتها وأراضيها.

والغرب يعتمد على ازدواجية المعايير ويبرهن عن قدر كبير من النفاق في تعامله مع الآخرين.

فبينما نراه مثلا يكرر تقديم الاعتذارات لليهود عن المجازر التي ارتكبها في حقهم أثناء الحرب العالمية الثانية بمناسبة وبدون مناسبة لتبرير قيام دولة إسرائيل العنصرية على أرض فلسطين ولكسب أصوات اليهود، ونراه يصر على مطالبة تركيا بالاعتذار عن المجازر التي ارتكبتها في حق الأرمن كتعلة إضافية للتخلص من هذا البلد المسلم خارج المنظومة الأوروبية، فإنه لم يعبر حتى عن مجرد أسف عن المجازر التي ارتكبها في حق الشعوب في افريقيا وآسيا وعن عمليات الابادة الجماعية التي قام بها ضد السكان الأصليين في القارة الأميركية وفي أستراليا والتي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر  بل نراه على عكس ذلك يفتخر بهذه الأعمال ويعتبرها “عملا تحضيريا” ساهم في تقدم البشرية. وها هو اليوم يواصل أمام أعيننا عمله “التحضيري” بنفس الأسلوب في إطار مشروعه الخاص بمنطقة “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” .

ومعظم زعماء الغرب ونخبه يتحدثون اليوم عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان على أنها قيم غربية ويتفاخرون بذلك وعندما يريدون تبرير تدخلهم في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى وفرض وصايتهم عليها لضمان مصالحهم فإنهم يتسترون بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ويقولون إنها قيم كونية.

فما أبعد هذا التصرف الغربي عن تصرف المسلمين الذين يدعون إلى عبادة الله وفعل الخير والتواضع وإقامة العدل بين الناس والابتعاد عن الفواحش والذين قاموا بالفتوحات في الماضي وتوسعوا في الأرض لا بحثا عن الكسب ولاستعباد الشعوب وإنما قاموا بذلك لنشر الإسلام وتوحيد الشعوب والقبائل حول تعاليمه السمحة التي ما إن آمنوا بها وطبقوها بإخلاص إلا وأصبحوا إخوة لا يفرق بينهم جنس ولا لون ولا ثروة ولا جاه. وإذا كان انتشار الإسلام في العالم قد تم في البداية على يد المسلمين العرب فان الذين دخلوا الإسلام من كل الأجناس ساهموا فيما بعد في هذا الانتشار. ويذكر لنا التاريخ أبطالا مسلمين كبارا من غير العرب ساهموا في نشر الإسلام في الشرق والغرب.  

وفي الغرب عداء متأصل للإسلام. فقد رأينا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 كيف أن زعماء غربيين كبار أمثال الرئيس الإيطالي والرئيس الاميركي وغيرهم عبروا بكل وضوح عما يكنونه من عداء واحتقار للمسلمين. ولما أحسوا بخطورة ما قد يترتب عن كلامهم من ردود أفعال إسلامية وعالمية حاولوا استدراك الأمر بالاعتذار أو بالتخفيف من وقع بعض العبارات مدعين أنها مجرد زلة لسان.

وروح العداء للإسلام تظهر اليوم بشكل سافر واستفزازي فيما يبذله الغرب من جهود لمحاصرة كل نشاط إسلامي في العالم سياسيا كان أو ثقافيا أو إعلاميا أو حتى خيريا وتشويه القائمين عليه وملاحقتهم وسجنهم وتلفيق التهم ضدهم. كما يظهر هذا العداء للإسلام في معظم وسائل الإعلام الغربية التي تترصد حركات المسلمين وسكناتهم في كل مكان لتشن عليهم حملات دعائية معادية تتهمهم فيها بالإرهاب والتعصب واضطهاد المرأة والتخلف وعدم القدرة على التطور.

الصراع بين الشرق والغرب

هناك مؤرخون كثيرون يفسرون التاريخ البشري على أنه صراع متواصل منذ القدم بين الغرب والشرق. وهذه أيضا صورة تعبر عن قدر كبير من الحقيقة عندما نتأمل المسار التاريخي للبشرية بشكل عام. فالحروب التي خاضها الرومان ضد فارس وقرطاج والحروب التي شنها المسلمون على الرومان وكذلك الحروب الصليبية ثم الحملات الاستعمارية الأوروبية التي بدأت منذ أواخر القرن الخامس عشر والحربين العالميتين* في القرن الماضي هي التي طبعت التاريخ البشري بشكل عام وهي التي مازالت تلقي بظلالها على السياسة العالمية إلى الآن.

أ- الحملات الاستعمارية الأوروبية الحديثة

لقد تم اكتشاف القارة الأميركية من باب الصدفة سنة 1492 على يد كريستوف كولومب. فكريستوف كولومب كان يعرف كروية الأرض وأراد أن يقوم برحلة تجارية إلى الهند متجها نحو الغرب ولما وصل للشواطيء الأميركية كان يظن في البداية أنه قد أدرك الهند.

وقد أدى هذا الاكتشاف إلى تدفق موجات بشرية من أوروبا جاءت تبحث عن الثروة في “العالم الجديد”. وقد عمد الأوروبيون إلى إبادة جماعية للسكان الأصليين وترحيل ما تبقى منهم إلى أماكن قاحلة وأقاموا مستعمرات على أراضيهم سرعان ما تطورت إلى ولايات تابعة للدول الأوروبية ثم إلى دول مستقلة في وقت لاحق.

أما الأفارقة السود فقد تم اصطيادهم في الغابات كما تصطاد الوحوش ونقلوا إلى “العالم الجديد” ليقع استغلالهم كعبيد من طرف الأسياد  البيض.

وقد فتح هذا الاكتشاف شهية الأوروبيين للاستيلاء على أماكن أخرى من العالم بعدما استهوتهم الثروات الخيالية التي غنمها المستعمرون وتجار العبيد ومستغلي مناجم الذهب في القارة الأميركية. لقد امتدت الرحلات الاستكشافية الغربية إلى أقاصي الشرق فوصلوا إلى الهند والصين واليابان وأندونيسيا واستراليا وماليزيا والفيلبين وغيرها… مرورا بالسواحل الإفريقية والعربية والفارسية. وأقاموا مستعمرات ومناطق نفوذ في كل هذه البلدان تمهيدا لاحتلالها.

وإذ تمكنت الشعوب الآسيوية المتطورة وصاحبة الحضارات العريقة من إثبات وجودها والتصدي للاستعمار الغربي ومقاومته فان الشعوب شبه البدائية في استراليا قد لقيت نفس المصير الذي لقيه الهنود الحمر في القارة الأميركية.

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى أصبحت كل القارات في العالم تحت السيطرة الأوروبية ولو بدرجات متفاوتة.

ب-

لقد اتخذ صراع الغرب مع الإسلام شكل المواجهة الدائمة منذ ظهور الدين الحنيف إلى هذه الساعة. فبعد الانتصار الساحق الذي حققه المسلمون على الإمبراطورية الرومانية في فلسطين وبلاد الشام وشمال إفريقيا وتمكنهم من اقتحام أوروبا من الغرب رد المسيحيون الغربيون الفعل بشن هجمات متتالية على فلسطين ومصر وبلاد الشام منذ أواخر القرن الحادي عشر. لكن هذه الهجمات التي سميت في التاريخ بالحروب الصليبية والتي دامت حوالي قرنين من الزمن لم تنجح في إخضاع الأراضي المقدسة ولو أن المسيحيين الغربيين استطاعوا الاستيلاء لبعض الوقت على القدس وعلى بعض المدن الفلسطينية. وقد صمدت بيزنطة المسيحية عدة قرون أمام محاولات المسلمين المتتالية لاقتحام القارة الأوروبية من الشرق قبل أن تسقط مدينة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية بيد العثمانيين سنة 1453 . وبعد سقوط بيزنطة برزت النمسة والبندقية وروسيا لتتصدر جبهة الصراع مع المسلمين من الشرق إلى موفى القرن الثامن عشر بينما تمكن الملوك الكاتوليك في الغرب من استرجاع الأندلس وطرد المسلمين منها بعد سقوط غرناطة سنة 1492.

وبعد انتصار الثورة الفرنسية أي في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر بدأت تظهر في الغرب صراعات أوروبية-أوروبية من أجل الاستيلاء على”الإمبراطورية العثمانية” كما يسميها الغرب وهي دولة الخلافة الإسلامية آنذاك. وقد تواصل هذا الصراع على امتداد قرن كامل رافقته مساع أوروبية حثيثة لتفكيك “الإمبراطورية”. وبعد سقوط دولة الخلافة تقاسم الفرنسيون والإنجليز أشلاءها في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

ولازالت مناطق الاحتكاك بين الشرق المسلم والغرب المسيحي في البلقان وفي مضيق جبل طارق مشحونة بالتوترات إلى حد هذا اليوم.

وقد اعتمدت أوروبا في مخططها لتفكيك “الإمبراطورية العثمانية” على تشجيع الدعوات القومية داخلها( عرب-أ تراك- فرس- اكراد– بربر… ) وهي في الواقع دعوات جاهلية منافية لتعاليم الإسلام التي تحث المسلمين على التآخي وتؤكد على أنه “لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى”. وكان تشجيع الدعوات القومية من طرف الغرب يهدف إلى إفشال دعوات الإصلاح الإسلامية التي كانت تريد الحفاظ على دولة الخلافة وترى أن العودة إلى تعاليم الإسلام والتمسك بها هو السبيل إلى إصلاح حالة المسلمين.

وقد وصل الاستخفاف بالعرب من طرف الانقليز إلى حد توريطهم في صراع دموي ضد الدولة العثمانية تحت شعار “ثورة عربية ضد الاستعمار التركي” بينما كان القصد من وراء هذه “الثورة” التي قادها جاسوس بريطاني مندس بين صفوف القبائل العربية في الحجاز هو تمهيد الطريق أمام القوات الانقليزية والفرنسية لاحتلال المنطقة العربية بأكملها وتعميق الفرقة بين المسلمين وإلغاء دولة الخلافة. وهذا ما تم فعلا بعد الحرب العالمية الأولى.

لكن الاستعمار الغربي وان تمكن من تفكيك دولة الخلافة والاستيلاء على أراضيها وإخضاع حكامها فانه عجز عن إخضاع الشعوب المسلمة. وقد راعه ما وجد في هذه الشعوب من عمق إيمان وصلابة عقيدة تجعلها في مأمن من الخضوع والاستسلام “للكفار” فلجأ إلى التركيز على النخب بشكل أساسي وبالخصوص تلك التي تكونت في مدارسه وجامعاته. وقد وفر كل الإغراءات والتسهيلات أمامها حتى يفصل بينها وبين شعوبها ويجرها إلى الإيمان به وتقديسه بعد أن بعث فيها روح الانهزام الحضاري وانعدام الثقة في النفس. وقد نجح إلى حد في هذا المسعى وكون نخبا جعلها خلائف من بعده لقيادة شعوبها “المستقلة” لما أجبرته ملابسات الحرب الباردة على الاعتراف بهذا الاستقلال ولو صوريا.

وقد تبين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتفرد الغرب بالسيطرة على العالم أن كل ما قيل عن تصفية الاستعمار واستقلال الشعوب ليس سوى كلام للمغالطة ومحاولة لطمس الحقائق. لقد ظهر الاستعمار من جديد بشكل مكشوف وبأكثر شراسة من ذي قبل. فقد تم احتلال بلدان مستقلة بقوة السلاح ويتم اليوم أمام أعيننا تهديد أي دولة لا تخضع لإرادة الغرب ويقع التدخل السافر في الشؤون الداخلية لكل الشعوب وتسلط على الشعوب المسلمة ضغوط كبيرة وتهديدات لإجبارها على التخلي عن عقيدتها وثقافتها.

وان بعض النخب التي كونها المستعمر في البلدان العربية والإسلامية التي كانت تحت سيطرته هي التي فتحت له اليوم الباب على مصراعيه ليدخل من جديد وهي التي تشجعه على ممارسة هذه الضغوط وهذه التهديدات وتساعده على إذلال المسلمين و إخضاعهم بالقوة لإيديولوجيات غربية مادية ملحدة. إن هؤلاء يمثلون خطرا جسيما على مستقبل شعوبهم التي تعاني من فسادهم واستبدادهم وغطرستهم.

ويبدو أن أوروبا التي توحدت اليوم بعد أن تخلصت من صراعاتها الداخلية المزمنة تحاول استغلال هذه الفرصة التاريخية الفريدة لتركز كل جهودها على محاربة الإسلام تحت شعار محاربة الإرهاب والتطرف والأصولية وما شابه ذلك من الشعارات.

ومن أهم المخططات التي تهدف إلى محاربة الدين الحنيف هي العمل على تشويهه وتقسيمه إلى “إسلامات” متعددة. فقد كثر الحديث مثلا عن إسلام أصولي وإسلام سلفي وإسلام متشدد وإسلام متسامح وهناك حتى من يتحدث عن إسلام عصري… وبينما يحاول البعض إقامة تقسيمات جغرافية للإسلام فيتحدثون عن إسلام أوروبي وإسلام إفريقي وإسلام آسيوي يحاول البعض الآخر إقامة تقسيمات على أساس عرقي فيتحدثون عن إسلام عربي وإسلام فارسي وإسلام تركي وهناك حتى من يتحدث عن إسلام أسود…

لكن محاولات التشويه هذه ستمنى كلها بالفشل لا محالة لأن أصحابها فاتهم أن الإسلام يستند على قرآن عظيم لا يندثر لأنه مرسوم «في لوح محفوظ» ولا يستطيع أحد تحريفه لأنه «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» وأن جوهره واضح يتجلى في «آيات بينات هن أم الكتاب». كما فاتهم أن الأمراض النفسية والاجتماعية التي مازال يعاني منها الغرب والتي تسببت في مآسي كبيرة راحت ضحيتها شعوب كثيرة مثل العنصرية والاستكبار والظلم والتكالب على الربح والثروة وأكل أموال الناس بالباطل وتفكيك الأسرة وارتكاب الفواحش قد حرمها الإسلام كلها قبل أربعة عشر قرنا ونزعها من قلوب المسلمين وعقولهم. وهذا هو السر وراء الإقبال الكبير على اعتناق الإسلام الذي نلحظه اليوم في الغرب. فالإنسان مهما طغت عليه النزعة المادية يبقى دائما متعطشا لكل ما يغذي جانبه الروحي وينعشه.

الغطرسة الغربية متواصلة

في سنة 1992 وقع في اسبانيا حدث بالغ الأهمية تمثل في إقامة معرض دولي ضخم في مدينة اشبيليا للاحتفال بمرور خمسمائة سنة على “اكتشاف” القارة الأميركية. وقد رصدت لإعداد هذا المعرض إمكانيات ضخمة وسخرت له طاقات جبارة كما رافقته حملة دعائية غربية هائلة. لقد ساهم أبرز المهندسين المعماريين في الغرب في تخطيط مدينة جديدة لإقامة المعرض. وقد تجمع فيها أغلب الفنانين والموسيقيين الغربيين  من كل مكان للمساهمة في زخرفة المدينة الجديدة وإدخال البهجة عليها. وقد حضر لتدشين المعرض رؤساء مائة وأربعة عشر دولة. وعلى امتداد سبعة أشهر كاملة (من افريل إلى موفى اكتوبر) غصت المدينة بالزائرين من كل أنحاء العالم لتعيش أجوا ء ساحرة من البهجة والاستمتاع…

ولا أظن أنه خطر ببال الكثيرين أن هذه الذكرى التي افتخر بها الغرب في جو من النشوة والكبرياء كانت في الواقع ذكرى أليمة بالنسبة للجنس البشري. إنها ذكرى أليمة بالنسبة للسكان الأصليين للقارة الأميركية. وهي كذلك ذكرى أليمة بالنسبة للأفارقة السود. وقد نظمت عدة جمعيات مدافعة عن حقوق الهنود الحمر في أميركا عدة تظاهرات في ذلك الوقت كما نظم السود مسيرة ضخمة في لوس أنجلس احتجاجا على عنصرية البيض شارك فيها حوالي نصف مليون شخصا. وهذه الذكرى هي أيضا ذكرى أليمة بالنسبة للمسلمين لان اكتشاف القارة الأميركية تزامن مع سقوط غرناطة. وهي أخيرا ذكرى أليمة بالنسبة لليهود لأن محنتهم في أسبانيا وفي أوروبا بدأت مع هذا السقوط.

إن الطريقة التي وقع بها إحياء هذه الذكرى والاهتمام البالغ الذي حضيت به من طرف كل الشرائح الاجتماعية في الغرب إنما تضعنا أمام حقيقة لا مناص من الاعتراف بها وهي أن الغرب لا يعير أي أهمية للقيم الأخلاقية ولا يؤمن إلا بالقوة وأنه ليس مستعدا للاعتراف من تلقاء نفسه بأي ذنب اقترفه حتى ولو تعلق الأمر بابادة جماعية لشعوب بأكملها مثل ما جرى في القارة الأميركية.

وان ما يقع تضخيمه اليوم في وسائل الإعلام الغربية مما يسمى خلافات و صراعات بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبالا يتعدى كونه محاولة أوروبية قد تكون واعية أو غير واعية للتملص من هذه الجرائم. أما الأميركيون من أصل أوروبي وخاصة المنحدرون من أصول أنقلوساكسونية وهم أصحاب النفوذ الفعلى في الولايات المتحدة وفي كندا فإنهم يسعون إلى تجاوز الجرائم السابقة بالقفز إلى الأمام نحو ارتكاب جرائم جديدة في حق كل الشعوب في العالم وتقديم ذلك على أنه عمل خيري يريد نشر الحضارة والتقدم والحرية في كل مكان حتى تنعم بها كل الشعوب.

وها هي الغطرسة الغربية والنزعة الإجرامية تتجلى اليوم مرة أخرى أمام أعيننا في فلسطين والعراق وأفغانستان حيث عمليات القصف العشوائية للمدن والقرى بالأسلحة الفتاكة والتدمير الشامل للبنية التحتية بدون تمييز بين ما هو مدني وما هو عسكري وتقتيل السكان الأبرياء صغارا وكبارا رجالا ونساء وردمهم تحت الأنقاض. والمؤلم أن هذه الأعمال الإجرامية البربرية المتوحشة التي تعود الناس على رؤيتها كل يوم منذ عدة سنوات أصبحت لا تثيرهم كما تثيرهم بعض الأعمال الثأرية التي يقوم بها رجال المقاومة من حين لآخر دفاعا عن أنفسهم وأهلهم ووطنهم.

إن تلك الصور المشينة من سجن أبو غريب التي عرضت أمام أعيننا على شاشات التلفزة في فترات متلاحقة لها دلالات أكثر عمقا مما تردده بعض وسائل الإعلام حتى تلك التي تعتبر أشد عداء لقوات الاحتلال في العراق. فقرار نشر هذه الصور صادر عن القيادات العليا في قوات الاحتلال ولم يكن بإرادة أحد الصحفيين الذين التقطوا تلك الصور. وكيف يتسنى لصحفي مجند في القوات العسكرية وملتزم بتنفيذ أوامرها أن ينشر بمحض إرادته صورا تعتبر أسرارا عسكرية؟

إن نشر هذه الصور يهدف بالأساس إلى إهانة العراقيين وإذلالهم رجالا ونساء ومن ورائهم إذلال كل العرب وكل المسلمين وكسر معنوياتهم. ومن ناحية ثانية كان يراد استغلال هذه الحادثة التي أطلق عليها اسم “فضيحة سجن أبو غريب” للقيام بحملة دعائية واسعة النطاق توهم الناس في كل مكان بأن الولايات المتحدة الأميركية هي أرض العدالة والحريات وأن ديمقراطيتها تضمن الحقوق حتى لألد أعدائها.

فلو لم تكن هناك نوايا مبيتة لدى قوات التحالف ورغبة في تجاوز القوانين الدولية والقيم الأخلاقية لماذا لا يسمحون لوسائل الإعلام العالمية بتغطية المعارك وكل الأحداث بحرية كاملة؟

ولو كانت هناك فعلا عدالة في الولايات المتحدة لماذا اقتصرت الأبحاث على بعض الجنود البسطاء ولم تمس القيادات العليا للجيش مصدر كل الأوامر وقد أكد ذلك الجنود المتهمون أنفسهم؟

وهل تدمير مدينة الفلوجة بأكملها وردم أهلها تحت الأنقاض يدل على احترام للعراقيين أو على رغبة في إعانتهم وجلب الحرية إليهم؟

وهل قتل الجرحى بدم بارد يعبر عن روح حضارية لدى الجنود الأميركان؟

إن ما جرى وما يجري في العراق من قصف عشوائي للمدن والقرى وتدمير للمباني السكانية وللبنى التحتية وقتل للأبرياء واعتداء على الحرمات وترويع واغتصاب إنما يدل بشكل قاطع أن مجيء القوات الأميركية للعراق يهدف بالأساس إلى تدمير هذا البلد وإذلال أهله والانتقام منهم وان خرافة تحرير العراق من الاستبداد ونشر قيم الحرية والديمقراطية في ربوعه ليست سوى خدعة خبيثة من الخدع الغربية المعهودة. 

والنظام العالمي الذي نعيش في ظله اليوم والذي يشرع كل هذه الأعمال وقعت صياغته في أعقاب الحرب العالمية الثانية من طرف الحلفاء المنتصرين في الحرب. فهو نظام غربي محض في كل أبعاده. وحتى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صاغوه والذي يضفي عليه البعض صبغة القداسة فانه لم يساهم في صياغته أي طرف مسلم وهذا ما أدى إلى تحفظ المسلمين على بعض بنوده إلى الآن. وكان تأسيس دولة إسرائيل على أرض فلسطين من طرف مجلس الأمن قد أفقد هذا الإعلان مصداقيته منذ البداية كما كان شاهدا على الطبيعة الظالمة والمنافقة لهذا النظام “العالمي” الذي أسسه الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب.

والمسلمون ليسوا هم وحدهم ضحية هذا النظام.

فاليابان مثلا ما زال مكتوف الأيدي ومغتصبا رغم حضارته العريقة ورغم عبقرية شعبه وإنجازاته العلمية والتكنولوجية العظيمة. إنه محتلا عمليا من طرف القوات الأميركية. وشعبه ما زال يئن تحت السيطرة وعمليات الإذلال المقصودة.

والصين رغم قوتها وعظمتها مازالت مهددة من طرف منظمة الحلف الأطلسي التي تحاصرها في عقر دارها وتتحرش بها من حين لآخر.

وأميركا “اللاتينية” ما زالت مسرحا لنشاط أجهزة المخابرات الأميركية و ما زال شعبها يتعرض لأعمال ابادة جماعية خفية وتكتم أنفاسه حتى لا ينفجر في وجه الغطرسة الغربية ويطالب بمحاسبتها عن الماضي وعن الحاضر.

المثقفون العرب وصراع الحضارات

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وردة الفعل الغربية العاصفة المتهجمة على الإسلام والمتوعدة للمسلمين في كل مكان كثرت الأحاديث والتعاليق والنقاشات حول نظرية “صدام الحضارات” التي ألف حولها المفكر الأميركي سامويل هنتنغتون كتابا في بداية التسعينات. وقد تعالت حينها وما زالت تتعالى ردود فعل المثقفين العرب من كل الاتجاهات تقريبا تستنكر فكرة الصدام والصراع وتقترح بدلها “حوار الحضارات”. وكان واضحا أن ردود الفعل هذه كانت إما إنها تخفي خوف هؤلاء المثقفين من هذا الصراع في ظل موازين قوى ليست متكافئة حسب تقديرهم بين الغرب والمسلمين وإما إنها تعبر عن اعتراف ضمني بانهزامهم الحضاري أمام الغرب ومحاولة استعطافه للحفاظ على حياتهم. وذلك لسبب واضح هو أن هذا الغرب المستكبر المتغطرس لا يعير أي اهتمام لهؤلاء المثقفين ولا لشعوبهم ولا يحترم فيهم ثقافة ولا دينا ولا فكرا ولا يفكر إلا في إخضاعهم. انه يتحداهم وما عليهم إلا أن يدافعوا عن أنفسهم أو أن يستسلموا.

والواقع أن صراع الحضارات- رغم كل ما يقال- هو حقيقة ثابتة تتجلى بكل وضوح في المسار التاريخي للجنس البشري. وقد ظهر هذا الصراع بشكل عام في صورة صدامات متتالية عبر التاريخ بين شرق متجه نحو السماء يبحث عن إقامة رابطة متينة معها للتعبير عما يدور بداخله من أحاسيس وغرب منغمس في النظر إلى الأرض يبحث فيها عما يشفي غليله مما فيها من منافع مادية ظاهرة ومخفية.

ويتجلى هذا الصدام اليوم بشكل واضح في فلسطين والعراق حيث يدور صراع عنيف لم يحدث له مثيل في التاريخ بين طرفين غير متكافئين من حيث الإمكانيات المادية طرف غربي معتد متجبر مدجج بأسلحة فتاكة وطرف عربي معتدى عليه مستضعف دفعه إيمانه القوي بالله إلى الإقدام على الاستشهاد بتفجير جسده في مواقع العدو لمقاومة الظلم والطغيان. الطرف الأول يصارع من أجل البترول والثروة دون اهتمام بمعاني الحق والباطل ويعتمد في هذا الصراع على قوة السلاح. والطرف الثاني يصارع للدفاع عن نفسه ومن أجل ما يعتقد أنه الحق ويعتمد في هذا الصراع بالأساس على قوة الإيمان.

ان المثقفين العرب يتهربون من مجابهة العدو الذي يمعن في إهانتهم وإذلالهم ولم يكلوا من المطالبة بحوار الحضارات رغم أنهم لم يجدوا أمامهم من يصغي إليهم أو يقبل بهذه الدعوة بجدية. انهم يتعللون لتبرير موقفهم هذا بوقوف بعض الأطراف الغربية من مثقفين و منظمات مجتمع مدني وأحزاب يسارية إلى جانبهم. وقد فاتهم أن كل هذه الأطراف مجتمعة لم تتمكن في أي وقت من الأوقات من منع حكامها من الاعتداء على الشعوب الأخرى عندما يقررون ذلك. فهل المظاهرات الضخمة التي وقعت في معظم العواصم الغربية منعت حكام هذه العواصم من المشاركة في الهجوم على أفغانستان أو على العراق؟؟؟ وهل التضحيات التي قدمها نشطاء حقوق الإنسان الغربيون في فلسطين المحتلة والتي أودت بحياة البعض منهم منعت شارون من تقتيل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم وتجريف أراضيهم؟؟؟

إن هذا الأمر يطرح نقاط استفهام عديدة بخصوص ما يسمى اليوم ديمقراطية غربية… 

وإذا كانت مساندة بعض الأطراف الغربية لنا ووقوفها في وجه حكامها لمنعهم من الاعتداء علينا تدفعنا نحن للهروب من مواجهة عدونا فقد أصبحت هذه المساندة وبالا علينا وليس دعما لنا…

إن الإقدام على الصراع المفروض علينا هو في كل الحالات أفضل وأنبل من الهروب منه لأن العدو عازم على مهاجمنا وتدميرنا وقفنا في وجهه أم هربنا من مواجهته.

إن الرافضين لخوض الصراع والمتقاعسين في الدفاع عن رسالة الإسلام الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور إنما يشجعون الغرب على المضي قدما في غطرسته وسعيه الدائم إلى فرض هيمنته على العالم وهو الآن يجر البشرية في طريق مظلم مليء بالأخطار سيؤدي في النهاية إذا ما تواصل إلى التدمير الكامل للحضارة والعودة بالإنسان إلى حالته البدائية.  

وفي كل الحالات لا يمكن أن تكون المطالبة بالحوار تعلة للهروب من مجابهة العدو لأن الفصل بين الصراع والحوار بشكل قاطع يعبر في الواقع عن نظرة سطحية ساذجة لأن أي صراع غالبا ما ينتهي بحوار وأي حوار قد يؤول في النهاية إلى صراع. وهذا ما نلاحظه دائما أكان الأمر يتعلق بعلاقة بين الأفراد أو بين الجماعات أو بين الدول.

إنها سنة الحياة كما أثبتتها التجربة وكما أشار إليها القرآن الكريم في آيات عديدة ومنها مثلا:«… وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين» 

ويبدو أن الجماعات المتهمة بالإرهاب هي وحدها التي تحملت مسؤولياتها كاملة في مواجهة العدو بثقة تامة في النفس وبدون حسابات وهي تدافع بكل صلابة عن عقيدتها التي حددت لها واجباتها وغاية وجودها على هذه الأرض.

العولمة في نجدة العملاء 

إن ظاهرة العمالة ليست ظاهرة جديدة يتميز بها هذا العصر بل كانت موجودة على مر التاريخ وفي كل الحضارات. يقول ابن خلدون في مقدمته قولته الشهيرة “المغلوب مولع أبدا بالإقتداء بالغالب”. والعملاء هم أصحاب النفوس الضعيفة من المغلوبين الذين يجندهم الغالب لاستعمالهم في إذلال شعوبهم. وقد تصل هذه الظاهرة إلى حد الكارثة التي تحل بالشعوب عندما ينصب العملاء حكاما على بني جلدتهم ويسخرون لقمعهم والتنكيل بهم وإذلالهم لمصلحة الغالب.

و الحكام العرب في هذه الأيام هم في الحقيقة من هذا الصنف ولا يمكن للشعارات الوطنية أو القومية أو التقدمية أو الثورية أو الديمقراطية أو حتى الإسلامية التي يرفعونها أن تخفي هذه الحقيقة. فكل هؤلاء الحكام مهما كان الشعار الذي يرفعونه ملتزمون بتطبيق الأوامر الغربية الصارمة في المسائل الحساسة مثل التطبيع مع الكيان الصهيوني العنصري تحت شعار السلام، ومحاربة الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب، وتفكيك الأسرة وإباحة الفواحش تحت شعار المساواة المطلقة بين المرأة والرجل. وهذه كلها أهداف غربية استراتيجية واضحة للسيطرة على العالم. وهي تلخص جوهر ما يسمى “العولمة” والتي هي في الواقع “غربنة” كما عبرنا سابقا.

أما الذين يحاولون إخفاء هذه الحقيقة ويقتصرون في تحديد مفهوم العولمة على جانبها الاقتصادي فقط فإنهم يغالطون أنفسهم ويغالطون الآخرين عن وعي أو بدون وعي لأن العولمة الاقتصادية كانت دائما قائمة – ولو بأشكال مختلفة- منذ أن وقع الاتصال بين مختلف الشعوب وتكونت روابط تجارية بينهم. ويمكن تحديد بداية العولمة الاقتصادية بالفعل مع بداية القرن السادس عشر حيث بدأ ت تظهر خطوط تجارية جديدة تربط بين كل القارات من أوروبا إلى أميركا والى الهند والصين وأقصى الشرق مرورا بالسواحل الإفريقية والعربية والفارسية.

إن عبارات مثل “العالم أصبح قرية صغيرة” و”العالم تغير ولا بد من التأقلم مع الواقع الجديد” و”الديمقراطية وحقوق الإنسان هي قيم كونية” وما شابه ذلك من العبارات – إنها وان كانت في جوهرها تعبر عن حقائق- إلا أن الغرب يروجها لتبرير تدخله في الشؤون الداخلية لكل الشعوب وإخضاعها لإرادته. أما العملاء العرب فإنهم يرددون هذه الشعارات لتبرير عمالتهم وانهزامهم الحضاري أمام العدو وتفريطهم في الدفاع عن كرامة شعوبهم.     

والعملاء العرب لا يخجلون اليوم مما يقولون ومما يعملون ولا يتسترون على ذلك. فمن يتابع تصريحات عملاء الأميركان في العراق مثلا يدرك مدى الوقاحة التي يتميزون بها ومدى احتقارهم لكل الشعوب العربية والمسلمة حتى أن أحدهم بات يتطاول على الشعوب المجاورة ويهددها بجلب الدمار إليها إذا لم تكف- حسب دعواه- عن مساندة المجاهدين. وفي الوقت الذي يتجرع فيه المرء العذاب أمام القهر المسلط على الشعب العراقي الأبي نرى هؤلاء العملاء يتبسمون أمام عدسات الكاميرا بكل صفاقة ويعتبرون أنفسهم حكاما ومسئولين ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان و يتباهون ب”الصداقة” التي تجمعهم مع حكام البيت الأبيض.

ويبدو أن نجاح المقاومة العراقية الباسلة في تسديد ضربات موجعة لقوات الاحتلال الغربية وعملائها قد أذعر الدول المجاورة التي ليست في الواقع أقل عمالة وتواطئا مع الاستعمار ضد شعوبها من العملاء العراقيين فراحوا يضيقون الخناق على كل المجاهدين ويسلطون عليهم المزيد من القمع والاضطهاد. وفي تناغم تام مع الاستعمار عمد هؤلاء العملاء كعادتهم إلى إغراق الجماهير في الأوهام بتقديم الوعود الكاذبة والتلويح بإصلاحات قادمة بينما يقع التخطيط للمضي قدما في طريق تدجين هذه الجماهير وإذلالها.

والعمالة للغرب ليست حكرا على الحكام العرب بل تشاركها في ذلك عناصر كثيرة من النخب الفكرية والسياسية. وقد استرعى انتباهي مقالا نشرته منذ مدة على صفحات تونس نيوز امرأة تقول أنها تونسية تذكر فيه بكل اعتزاز أنها كانت “ضيفة” لدى عائلة ديك تشيني (هكذا!!!) بمناسبة الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة. كما أخبرتنا في هذا المقال بأنها تلاقت هناك مع نائب وزير الدفاع الأميركي وتجاذبت معه أطراف الحديث…

وقد تحدثت هذه المرأة في مقالها عن الديمقراطية الأميركية بإعجاب. وهي تقدم نفسها كمناضلة ليبرالية متوسطية تسعى إلى جلب الحرية والديمقراطية للشعب التونسي وتصنف نفسها ضمن المعارضة الديمقراطية…

يبدو أن الولايات المتحدة قد صنعت “علاويات” كثيرين في كل أرجاء البلاد العربية والإسلامية وهي الآن تهيئهم لقيادة شعوبهم في المستقبل.

و هؤلاء العملاء يسخرون في الخفاء و في العلن من عباد الله الصالحين ومن المجاهدين الصامدين في وجه الأعداء والغزاة. ويتطاولون بكل صفاقة وبدون خجل حتى على الاستشهاديين الأبرار. وتبدو على وجوههم علامات الذعر كلما تجذرت المقاومة في العراق وفلسطين وبرز المسجد كرمز لهذه المقاومة.

السياسة في تونس مهمتها قمع الشعب وتزييف هويته  

إن الساحة السياسية في تونس ليست مفتوحة لأبناء الشعب اللهم إلا إذا اقتصر دورهم على التصفيق والهتاف في المناسبات وحسب التعليمات. وهي لا تتسع إلا للأحزاب المنهزمة أمام الحضارة الغربية. ولهذا السبب كانت الخريطة السياسية ملفقة ولا تعكس ما يطمح إليه الشعب التونسي. ف”الشخصيات الوطنية” التي تسعى إلى الحصول على موقع في السلطة لا يهمها نيل ثقة التونسيين بقدر ما يهمها إرضاء الأوساط الغربية المتنفذة في بلادنا.

وهناك بعض الانتهازيين في أوساط “المعارضة” ومن بين “الناشطين الحقوقيين” من أدرك هذه الحقيقة فأصبح مدمنا على السفارات الغربية في تونس يسعى إلى ربط علاقات متينة مع العاملين فيها في الخفاء وفي العلن ليضمن لنفسه “مستقبلا زاهرا” على حساب كرامته وكرامة الشعب والبلاد. وهذا الصنف من “المناضلين الديمقراطيين” يتكون عادة من أولئك الذين تنكروا لدينهم وثقافتهم وأصبحوا في قطيعة تامة مع شعبهم ولا بديل لهم عن الارتماء في أحضان السفارات الأجنبية. والأدهى وأمر أن هؤلاء يدعون أنهم يمثلون طموحات الجماهير الشعبية مستغلين الدعم الكبير الذي يلقونه من الأوساط الغربية.

والمتابع لخطابات بعض ” المعارضين الديمقراطيين التقدميين” في بلادنا يدرك أنهم يتجنبون التعرض للسياسة القمعية الإجرامية التي مارستها السلطة ضد الإسلاميين وعلى العكس من ذلك يركزون معارضتهم للسلطة على تقصيرها – حسب رأيهم- في القضاء على ما تبقى في تونس من مظاهر التدين مثل إقدام الشباب على ارتياد المساجد أو إقدام الفتيات على ارتداء الحجاب. كما يركز هؤلاء في معارضتهم للسلطة على المطالبة بإلغاء البند الأول من الدستور الذي يذكر أن تونس بلد دينه الإسلام. ويحتجون على عبارة “الأخلاق الحميدة” التي تستعمل في بعض النصوص القانونية كما يطالبون بعدم التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية عند صياغة القوانين وهم يترصدون الفرص للتهجم عليها وتشويهها في تناغم تام مع الأوساط الغربية المعادية.

وهؤلاء “الديمقراطيون” يعارضون السلطة الحالية لأنها لم تمض في طريق تفكيك الأسرة وإفساد المجتمع بما فيه الكفاية- حسب رأيهم- إذ المرأة التونسية مازالت مثلا غير قادرة على تقديم دعوى قضائية ضد زوجها بتهمة الاغتصاب…

والغرب يتابع بطبيعة الحال هذه “النضالات الديمقراطية” ويحرك خيوطها من وراء الستار. إنه يمسك باللعبة السياسية في تونس و يستعمل هؤلاء “الديمقراطيين” لتنفيذ سياسته الهادفة إلى محاربة الإسلام وإخضاع المسلمين.

فمن كان على دراية بهذا الواقع يفهم بسهولة ما تتميز به الساحة السياسية التونسية من أمراض ومهازل ورداءات.  

فلا يستغرب مثلا من عزوف الشعب التونسي عن السياسة وهو يقضي أغلب وقته في البحث عن لقمة العيش.

ولا يستغرب من أن السلطة هي التي تصنع الأحزاب وليست الأحزاب هي التي تصنع السلطة.

ولا يستغرب من أن السلطة و”المعارضة الديمقراطية” تتعاونان على محاربة المعارضة الإسلامية.

ولا يستغرب من عجز أحزاب “المعارضة الديمقراطية”عن استقطاب الجماهير.

ولا يستغرب من نتائج “الانتخابات”التي تمت في اكتوبر الماضي والانتخابات التي سبقتها والتي كانت معروفة مسبقا.

ولا يستغرب من الدعم الغربي القوي الذي يلقاه طرفا النظام البوليسي التونسي وهما السلطة و”المعارضة الديمقراطية”.  

المجاهدون وحدهم يرفعون التحدي

لنحدد أولا من هم المجاهدون؟

إن الجهاد في الإسلام لا يعني بالضرورة القتال وان كان القتال (قتال المعتدين والظالمين) قد فرض على المسلمين« كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»

إن كل من شقي وتعذب من أجل دينه هو مجاهد.

فالذي زج به في السجون وتعرض للتعذيب لأنه سعى إلى نصرة دينه ثم صبر على هذه المعاناة هو مجاهد.

والذي تعرض للتنكيل وتحمل المضايقات والمحاصرة لأنه مسلم متمسك بإسلامه قولا وفعلا هو مجاهد.

وكل من دافع عن الدين الحنيف وتصدى لأعداء الإسلام وقاومهم هو مجاهد.

وان أول عدو للإنسان المسلم هي نفسه “الأمارة بالسوء” والتي يتعين عليه مقاومة أهوائها المدمرة والشريرة في مكابدة يومية لا تنتهي.

فالحديث الشريف نبهنا إلى أنه “سيأتي يوما على أمتي يكون فيه الماسك على دينه كالقابض على الجمر”.

فالمجاهد في سبيل الله هو الذي يتمسك بتعاليم الدين الحنيف ويسعى إلى نشرها بين الناس أينما وجد على هذه الأرض ولو تحمل الصعاب من أجل ذلك.

ويمكن إطلاق صفة مجاهد على كثير من الناس الصالحين من غير المسلمين وهم أولئك الذين يلتزمون بفعل الخير ويصرون على قول الحق ويبتعدون عن الفواحش والمنكرات ويقاومون الظلم والفساد مهما كلفهم ذلك من تضحيات. ومثل هؤلاء الناس هم في الواقع مهيئون لاعتناق الإسلام لو تسنت لهم معرفته والتفكير في تعاليمه. ذلك إن الإسلام هو النور الذي يضيء طريق الصالحين من عباد الله.     

وقد بات واضحا الآن أن المجاهدين وحدهم هم الذين يواجهون الهجمات العنيفة التي يشنها الغرب على الإسلام والمسلمين في كل مكان وعلى كل الجبهات تحت شعار “محاربة الإرهاب”. وقد تمكنوا من تحقيق انتصارات هامة على العدو وكسر معنوياته من خلال تمسكهم بتعاليم الدين الحنيف و إصرارهم على قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كانت العراقيل والصعوبات وصمودهم في وجه الطغاة والجلادين وتصديهم للهجمات التي يشنها الغرب و عملاؤه ضد الإسلام وكذلك من خلال الجهاد المسلح والاستشهاد في فلسطين والعراق.

أما المجموعات التي تتستر بشعارات مختلفة ديمقراطية كانت أم يسارية أم قومية أم غير ذلك…لتخفي عداءها للإسلام فلم يعد لها من دور في هذا الواقع الجديد سوى التشويش على المجاهدين ومحاولة إفساد الجيل الجديد وشل طاقاته بإغراقه في الأوهام كما وقع إفساد الجيل السابق الذي صنعت منه ثقافة الشعارات الثورية في نهاية المطاف ميليشيات “قومية” و”وطنية” و”ديمقراطية” و”تقدمية” وأجهزة “أمنية” لملاحقة الإسلاميين والتنكيل بهم.

خلاصة

إن ما يسمى اليوم بنظام “العولمة” الذي يراد فرضه على البشرية هو نظام أقامه الغرب وتتجلى فيه النزعة المادية المجحفة والغطرسة التي يتميز بها. إنه يعتمد على استعمال القوة استعمالا مفرطا لتدمير شعوب مستضعفة وإذلالها بدون اعتبار للقيم الأخلاقية ولا حتى للقوانين الدولية التي صاغها بنفسه. وقد أدى هذا النظام إلى إفساد كل شيء في حياة البشرية وخلق توترات كبيرة تنبأ بالمزيد من الكوارث في المستقبل.

ففي ظل هذا النظام أصبح العلم وبالا على البشرية وليس رحمة لها إذ أصبحت البحوث العلمية توجه لصناعة المزيد من الأسلحة الفتاكة وأسلحة الدمار الشامل.

والطب لم يعد عملا إنسانيا يسعى إلى معالجة المرضى وإنقاذ حياتهم بل أصبح نشاطا تجاريا لا يتحرج العاملون فيه من اعتماد الغش والتحايل والابتزاز لتوفير الكسب المادي.

ومؤسسات التربية والتعليم لم تعد تهتم بغرس القيم النبيلة في نفوس الناشئة وضمان التواصل بين الأجيال المتعاقبة بل أصبحت مهمتها هي تجفيف كل منابع التدين ودفع الناشئة دفعا نحو الحياة الحيوانية الخالصة تتحكم فيهم غرائزهم تحكما كاملا.

أما الأسرة التي كانت تمثل الحصن الحصين لأفرادها توفر لهم الحماية والاطمئنان وتدخل على حياتهم البهجة والسعادة فقد وقع تفكيكها وهدم أركانها وتشريد عناصرها من خلال التركيز على حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الإنسان بدون الحديث عن حقوق الأسرة والحال أنه لا معنى لحقوق أي فرد ما لم يقع احترام الأسرة والكف عن التدخل في شؤونها الداخلية وحمايتها باعتبارها الخلية الأساسية التي تتكون منها كل المجتمعات البشرية.

والغريزة الجنسية لم تعد تمثل مصدر الخطيئة الأولى التي أنزل الإنسان بسببها إلى الأرض بل أصبحت الغريزة الجنسية رمزا لكل معاني الحرية يقع التشجيع على إشباعها بدون ضوابط وبدون اعتبار لمعاني الشرف والوفاء والإخلاص ولا حتى الذوق السليم. والزنا الذي يمثل أخطر الأمراض على صحة الإنسان البدنية والنفسية ويساهم في تدمير الأسرة وخراب المجتمع لا ينظر له في التشريعات الغربية كجريمة ولا حتى كمجرد جنحة تجلب العقاب لمرتكبها.أي أن الحضارة الغربية تريد الآن أن تحول البشر كلهم إلى شياطين بينما الله حذرهم من الشيطان الذي هو عدو لهم في هذه الأرض وحثهم على مقاومته.

وقد نتج عن هذا الوضع بروز استقطاب ثنائي على مستوى عالمي، غير متوازن شديد الخطورة لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. فهناك قطب ماسك بأسباب القوة المادية الهائلة المتمثلة في المال والتكنولوجيا المتطورة والأسلحة الفتاكة وقطب ثاني مستضعف ولا يملك من أسباب القوة إلا الإيمان بالله. فأما القطب الأول فيتكون من الغرب عموما وتقوده الولايات المتحدة الأميركية وأما القطب الثاني فيتكون أساسا من الشعوب المسلمة وتقوده مجموعات من المجاهدين المنتشرين في كل مكان من العالم وفي سرية تامة لأن الجهاد حسب مفهومه الإسلامي العام محرم حتى في بلاد الإسلام. أقول إن المجاهدين هم الذين يقودون العالم الإسلامي وهذا كلام قد يعتبره البعض تشجيعا على الإرهاب وهو كلام لا يراد له أن يقال و يعرض صاحبه للوقوع تحت طائلة قانون ″مكافحة الإرهاب” إلا أنه كلام حق. وان قمع الحركات الإسلامية المجاهدة في كل مكان وحرمانها من التعبير عن رأيها ومن الاتصال بالجماهير لدليل قاطع على أنها تحظى بتأييد الشعوب المسلمة ويخشاها الغرب المتغطرس وعملاؤه من حكام العرب والمسلمين.

وقد أثبت المجاهدون في كل مكان قدرتهم الهائلة على التضحية والصمود في وجه الجلادين والعملاء كما برهنوا عن استبسالهم الأسطوري في الدفاع عن الحق والحرية والكرامة على أرض فلسطين والعراق.

وها هي الانتصارات التي حققوها إلى حد الآن قد أفزعت الغرب كما أفزعت عملاءه من العرب حكاما ومعارضين فراحوا كلهم يحاولون الالتفاف على هذه الانتصارات من خلال التظاهر بالرغبة في إجراء إصلاحات تساعد على بناء الديمقراطية وضمان حقوق الإنسان.

وقد جاء في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي بمناسبة تنصيبه لولاية ثانية أنه سيعمل على نشر الحرية في العالم لأن ضمان الحرية والأمن للشعب الأميركي مرتبط – حسب قوله- بانتشار الحرية في كل مكان من العالم. وهذا الكلام الجميل والخطير في نفس الوقت يجب تفسيره كالآتي: دعم عملاء أميركا في البلاد العربية وإضفاء مصداقية على خطابهم وهم الذين يحاولون منذ مدة إقناع النخب العربية بأن الولايات المتحدة جادة في جلب الديمقراطية للعرب.

وتكمن خطورة هذا المسعى في محاولة استدراج بعض الإسلاميين العرب في هذا الاتجاه لإرباك الساحة الإسلامية العربية وخلق فتنة داخلها لشلها وإبعادها عن ساحة النضال حتى تبقي الشعوب العربية في دائرة الاستعمار الغربي أطول مدة ممكنة.

إن الديمقراطية لن تتحقق في الوطن العربي مادامت الجماهير مهمشة تعيش تحت وطأة إرهاب الدولة وما دامت ″الشخصيات الوطنية″ تصنع في السفارات الغربية وفي البيت الأبيض و في قصر الايليزي وما دامت الحركات الإسلامية المجاهدة محاصرة وممنوعة من الكلام ومن الحركة.  

والغرب الذي يحمل وراءه إرثا ثقيلا من الأعمال الإجرامية في حق كافة شعوب الأرض بات اليوم فاقدا لأي مصداقية عندما يتكلم عن الحرية والعدالة والمساواة وهو ليس مؤهلا لنشر الديمقراطية في العالم. وان اعترافه بما اقترفه ضد الإنسانية من جرائم وتقديم الاعتذار على ذلك هو السبيل الوحيد لكسب مصداقية وللحصول على ثقة الشعوب.

ولا أظن أنه سيفعل ذلك يوما وأعتقد أن استمرار المسلمين الصادقين في الجهاد ضد الغطرسة والظلم وتعاونهم مع بقية الشعوب المضطهدة ومع الخيرين في البلاد الغربية هو السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية من هيمنة الغرب على العالم بالقوة وإجباره على القبول بتأسيس نظام عالمي جديد تساهم في صياغته كل شعوب الأرض ويضمن التعاون الحر فيما بينها على قدم المساواة. وعندها سيقع تجاوز العداء التاريخي بين الشرق والغرب وسيؤول التواصل بين الطرفين إلى إيجاد التوازن الكامل بين البعدين (المادي والروحي) الذين وهبهما الله لعباده حتى يتصالح الإنسان مع ذاته.

أحمد السميعي

القيروان في 28/01/2005

————————–

  * تدخل هذان الحربان ضمن الصراع بين الغرب والشرق لأنهما قامتا من أجل ترتيب البيت الأوروبي للسيطرة على الشعوب الشرقية وليس بسبب خلاف داخلي لا يخرج عن الحدود الأوروبية. وان محاولة إضفاء بعد إيديولوجي على هذه الحرب كالحديث عن صراع بين الديمقراطية والنازية هو محض كذب ونفاق.

«L’étrangleur à la cravate» a retrouvé la liberté