24 mars 2002

1- أعطي الحجيج التونسيون توصيات بعدم أخذ أي منشور أو أي ورقة أو شريط يعرف الحجاج على كيفية الحج ومناسكه و….

وفي نفس الإطار تم إيجاد حاوية في مطار تونس قرطاج يرمى فيها كل شيء أخذ مجانا من أوراق أو أشرطة في موسم الحج فامتلأت الحاوية بالكتب وحتى المصاحف!!!

2- انفرد فندق “الشروق” في مكة المكرمة بصورة كبيرة “لحامي الحمى والدين “, وغير بعيد من تلك الصورة علقت صورة امرأة متبرجة بدون حجاب ” زبيدة المعروفي ” المشرفة على الفتوى والوعظ. ولعل إحدى فتاوي هذه ” الشيخة المجتهدة ” تعرفنا بمستواها وبدورها الذي أرسلها من أجله وزيرها جلول الجريبي حيث قالت للحاجات التونسيات: إن الحجاب للمرأة كالإحرام للرجل ينزع بعد الحج.!!!!

http://www.elmounaadil.ifrance.com/elmounaadil/

تونس: علي القليبي
يقوم حاليا وفد من رجال الاعمال الاميركيين بزيارة عمل الى تونس لبحث الوضع الاقتصادي في تونس ومجالات الاستثمار المتاحة فيها.
وقد استمع الوفد الاميركي الذي يضم 20 رجل اعمال الى شروحات حول واقع الاقتصاد التونسي وآفاق الاستثمار فيها من عدد من المسؤولين التونسيين من بينهم وزير الصناعة منصف بن عبد الله وحمودة حمدي وكيل وزارة التعاون الدولي والاستثمار الاجنبي الذي أكد ان نسبة نمو الاقتصاد التونسي بلغت خلال السنوات الخمس الاخيرة 5.3 في المائة، كما ان الصادرات قد ارتفع حجمها بنسبة 6.6 في المائة.
واوضح وكيل وزارة التعاون الدولي والاستثمار الخارجي، ان الاقتصاد التونسي يتميز بالتنوع، حيث يساهم فيه القطاع الصناعي بنسبة 21 في المائة من الناتج الداخلي الخام مقابل 7 في المائة للقطاع السياحي.
واشار حمودة حمدي الى ان نسبة التضخم في تونس شهدت تراجعا وصل الى 1.9 في المائة.
وعلى الصعيد نفسه، أكد وزير الصناعة التونسي منصف بن عبد الله انه في تفعيل اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي قامت الحكومة التونسية بوضع برنامج لتأهيل المؤسسات الصناعية وخاصة المصدرة منها بهدف تطوير قدراتها التنافسية، وقد شمل هذا البرنامج اكثر من 2000 مؤسسة، وقد اثبتت دراسة قامت بها وزارة الصناعة بين عامي 2000 و2001 على عينة تتكون من 300 مؤسسة صناعية، ان برنامج التأهيل ادى الى الزيادة في حجم صادراتها بنسبة 18 في المائة، كما انه بفضل هذا البرنامج تحصلت 310 مؤسسات صناعية تونسية على شهادة ايزو 9000. وبخصوص حجم الاستثمارات الاجنبية في تونس افاد وزير الصناعة منصف بن عبد الله انه ما انفك يرتفع في قطاع الصناعة، اذ بلغ في العام الماضي 240 مليون دينار تونسي (الدولار الواحد يساوي دينارا و500 مليم)، مما ادى الى انشاء 176 مؤسسة توفر 12 ألف فرصة عمل جديدة.
ومن جهته اعرب حمودة حمدي عن ارتياحه لتطور العلاقات بين تونس والولايات المتحدة في المجال الاقتصادي والاستثماري، حيث ان المبادلات التجارية شهدت خلال عام 2001 ارتفاعا بنسبة 10 في المائة، اي بقيمة اجمالية تساوي 470 مليون دينار تونسي، مشيرا الى انه توجد في تونس 49 مؤسسة اميركية تعمل في مختلف المجالات عدا قطاع الطاقة ويعمل بهذه المؤسسات اكثر من 11 ألف تونسي.
يذكر انه توجد في تونس 2318 مؤسسة بين اجنبية وذات مساهمة اجنبية.

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط ليوم 24 مارس 2002)

 www.crldht.org

ط1: لطليعة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ايار (مايو) 2000

قبل البداية:

من أهم المصاعب التي يمكن أن تعرض لمن يحاول تقديم هذا الكتاب تشعب مواضيعه وتعددها من جهة ومن جهة أخرى روح المؤلف في تأملاته, وذلك ان الكتاب في عمومه يعبر عن حيرة المفكر بين رؤيته للواقع واحلامه وطموحاته التي يرى للأمة العربية خصوصا والإسلامية, ومن هنا تجد الدكتور هشام جعيط حالما متفائلا ومحللا حائرا ما يجعل الكتاب والأفكار تمشي في بعض الأحيان في خطوط متقابلة وليس هذا عيبا في الكتاب بقدر ما يعبر عن حياة وحيوية في فكر المؤلف ومعانات ومعايشة لآلام الأمة. نظرا لما سبق أن لاحظته فإنه يصعب القيام بمسح وفيّ لمضمون المؤلف الذي بين أيدينا دون الوقوع في إطالة مخلة وسردية مملة. لذلك فإني سألجأ في هذا التقديم إلى حصر أهم التساؤلات التي تناولها الكاتب أو بالأحرى الأفكار الأساسية التي أقدر أن تحليل المؤلف يقوم عليها ويصدر عنها. كما سأحاول تقديم قراءة في هذه الأفكار ومحاورتها, ومن خلال تلك القراءة والمحاورة أعرض عددا من الأفكار الجزئية التي تعطي فكرة أوضح على مضمون الكتاب دون أن ألتزم بالتراتب الذي في الكتاب. ولا ادعي ان التقديم الذي سأعرضه للكتاب مسحا لكل ما ورد بين دفتيه بقدر ما هو تتبع للخط العام للافكار التي وردت فيه ويمكن أن يغفل بعض الإلماعات والتلميحات المهمة في تحليل وتوصيف المؤلف.

الكتاب:

الكتاب عبارة عن مجموعة من الدراسات المتفرقة للمؤلف امتدت على عشرين سنة مركزة على الوطن العربي لكن وحسب تعبير المؤلف قد تتجاوزه إلى مجمل العالم الإسلامي. تشترك هذه الدراسات في تناول موضوع مشترك. كما أن لكل استقلالية عن الأخرى بحيث أن وجود دراسة أو فصل تلو الآخر أو قبله لا يجعله نتيجة له أو تقديم لما سيأتي بعده. وقد تتكرر مجموعة من الأفكار لأن سياق الدراسة يستوجب تكرار الك الفكرة وإن كان ذلك في سياق مختلف. وقد رتب المؤلف فصول الكتاب إلى أربعة أبواب مع مقدمة وخاتمة عامة تؤطران ما ورد في مجموع الدراسات التي جمعها المؤلف تحت عنوان الكتاب المعبر عن الإشكالية العامة الجامعة بين فصوله “أزمة الثقافة العربية الإسلامية” وهي كما يلي:

-أزمة الثقافة العربية والإسلامية

-نحن واللآخرون

-الثقافة والسياسة في العالم العربي

-جدل التاريخ والثقافة والدين في المغرب الإسلامي.

الأزمة: يلخص هشام جعيط أزمة العالم العربي الإسلامي في غياب الديمقراطية كما يرى أن الحل الذي يؤدي إلى نهوض هذه الرقعة الحضارية في الديمقراطية ويرى أخيرا ان الديمقراطية قدر محتوم لا مناص منه وأنها إذا الأمل المنشود.

يعتبر هشام جعيط الديمقراطية إبداعا أوربيا بحتا. ويمكن فهم هذا الإبداع من خلال فهم الخصوصية الذاتية للتاريخ الأوربي. يحصي جعيط خصوصيات التاريخ الأوربي في: ضعف الدولة, واستمرار سلطات أخرى منذ العصر الوسيط غير سلطات الدولة والطابع الجدلي الشديد للتاريخ الأوربي وتثقيف المجتمع والإثراء العام, وأخيرا تنوع مصادر الثقافة المؤسسة للأنا. يعتبر جعيط مرحلة الأنوار مؤسسة للحداثة ولثقافة الديمقراطية وقد قامت ايديولوجيا الأنوار على مناهضة الدين أولا وقبل كل شيء كما كانت حركة مناهضة للحكم المطلق, ومؤيدة لحكم العقل اللامتناهي. يرى الدكتور هشام جعيط أن مناهضة الحكم المطلق, وتأييد حكم القعل اللامتناهي يجعل من فلسفة الأنوار تنحو منحى الكونية, كما يرى انها اصبحت قاعدة ايديولوجية لقسم واسع جدا من العلم الحديث.

مر تاريخ البشرية بثلاث مراحل كبرى أو ما يسميه جعيط ثلاث حداثات كبرى:

الأولى “حداثة الإنسان العارف الذي تغلب على غيره من المزاحمين وفرض نفسه كالإنسان الوحيد منذ خمسين ألف سنة؛ والثانية حداثة الفترة النيوليتية منذ عشرة آلاف سنة حيث ابتدع هذا الإنسان الزراعة والقرية والدين البدائي… أما الحداثة الثالثة فقد تفجرت في أوربا الغربية مطلع القرن السابع عشر بشتى الإبداعات المادية والرمزية التي باستفحالها وتراكمها غيرت مسار الإنسانية مع الإبقاء على عناصر قديمة كالحرب والدين…” يعتبر جعيط أن الحداثات الثلاث حتميات تاريخية مسحت واكتسحت كل البشرية لذلك فإن الحداثة الغربية في رأيه هي حتمية البشرية اليوم وأنها ستلتهم المراكز الحضارية القديمة وتهضمها وتصوغها في قالبها. ويعتبر جعيط أن الحداثة الثالث لما تكتمل بعد, أي أن التاريخ لا يزال يتحرك في اتجاه صبغ بقية العالم بمعالمها وسماته. وينبه هشام جعيط إلى أن الجديد مع هذه الحداثة هو قطعها مع كل دين وليس استبدال أو تعويض دين مكان آخر وهو يرى انه من المفترض أن ينتشر هذا الإتجاه فيطال الإسلام والهندوسية ولو بعد زمن طويل. ومن هنا يرى انه مكن الغلط الحديث عن مشروع نهضة عربية بل هو ’وهم فضفاض‘وذلك أن الحداثة بسماتها الثقافية ستسود العالم ومنا هنا فإنه من الوهم البحث عن أي نوع من الخصوصية أو التشبث بها. الإشكال الأساسي الذي يطرحه جعيط متعلق بماهية الهوية الثقافية التي يتحدث عنها والتي يجب الحفاظ عليها؟ كما يتساءل مستغربا: هل يمكن الحفاظ على شيء من حيث أن الإرادة لا تلعب دورا أمام الصيرورة المستديمة؟ ثم يختم قائلا :”إن هذا سيأتي يوما ما قسرا, وبالتالي فنحن نستبعد كل شعور باليأس والقنوط.”

العالم العربي وركب الحداثة:

يعتبر الأستاذ هشام جعيط, أن عدم التحاق العالم العربي والإسلامي بركب الحضارة (الحداثة) عائد إلى عوامل ذاتية تعوق عملية التطور الذي لا محالة ستفرض عليه. فبينما سبق الآخرون إلى الحداثة بابتكارها أو باللحاق بها لا يزال العالم العربي العربي الإسلامي يتجها عملها في اللإتجاه المعاكس. بينما كان على الإسلام كثقافة عليا أن يتناول بنى الحكم والدولة في العالم العربي كي يكون قادرا على إنتاج ثقافة سياسية تمكن من تجديد بنى الدولة في العالم العربي الإسلامي وذلك على مثال الثورة الإيرانية. وفي هذا السياق يسترجع هشام جعيط السؤال التقليدي “لماذا تقدم الآخرون وتأخرنا نحن؟” كي يكسيه روحا جديدا إذ انه لا يحصر المؤلف كلمة الآخرين على أوربا والغرب عموما بل يوسعها إلى رقع حضارية أخرى مثل اليابان والصين والهند وحتى بعض المناطق الغير عربية من العالم الإسلامي مثل إيران وباكستان, فهو يرى أن هذه الرقع قد تحولت إلى الحداثة أو هي بصدد التحول إليها. ويرى جعيط أن هذا النجاح راجع إلى عدد من السمات الذاتية المحفزة على التخلص من الموروث القديم وعلى التحول إلى ركب الحضارة.

إن العالم العربي في رأي جعيط عاجز عن المشاركة في ابداع التكنلوجيا وفي تقدم العلم وحتى في النمو الإقتصادي وهو يرى أن ذلك راجع إلى تركيب الذهنيات في العالم العربي الإسلامي ما يفسر غياب الديمقراطية وتمنع هذه الرقعة الحضارية عن التحول القيمي الذي حف بالحداثة منذ منتصف القرن الثامن عشر. وهو يفسر هذا بالخصوصية الثقافية للعالم الإسلامي التي ورثها عن ممارسة الحكم منذ العهد العباسي. ويرى جعيط أن هذه الممارسة بعيدة عن الإسلام والقرآن حيث احترام الإسان مؤكد في النص. إظافة إلى المزاج العام للثقافة العربية فبينما لا تقوم الديمقراطية على العواطف يغلب على العالم العربي اعتماد العواطف في تحركاته اكان ذلك من خلال ما وصفه المؤلف بالثوروات العروبية الوحدوية أم من خلال الحركات الإسلامية التي لا يرى فيها المؤلف تواصلا مع الإسلام التقليدي, فالحركات الإسلامية بحسب رأي جعيط ليست حقيقة دينية في الأعماق ولا من جهة الثقافة الدينية لأن قواعدها الفكرية ضعيفة. ويعتبر المؤلف أن الحركات الإسلامية تدعو إلى ثورة ثانية بعد الثورات الوطنية والقومية التحديثية ولا تفيد الثورة في شيء في رأي المؤلف, بل إن الثورة معلدية حتما للديمقراطية.

إن المشكل الحقيقي حسب المؤلف هو مشكل التأخر الثقافي الذي يعرفه العالم العربي الإسلامي ويعبر هذا التأخر عن نفسه على مستوى النخبة وعلى المستوى الشعبي. فعلى المستوى الشعبي يرى الأستاذ هشام جعيط أن الشعوب العربية متخلفة عن تاريخها وعن بقية الشعوب الأخرى من حيث مستوى ثقافتها واهتمامها بالثقافة. كمال تفتقر هذه الشعوب إلى نخب ومفكرين معتبرين يمكن ان يساهموا في انتاج ثقافة عليا وفعل حضاري ورقي ثقافي. مقابل هذا الفقر كثرت الشعارات وضاقت مجالات حرية التعبير والفعل السياسي والإجتماعي.

لكن لا يجب أن يفهم القارء ان هذا التوصيف للواقع العربي الإسلامي عائد في راي الدكتور جعيط إلى البنية الثقافية العليا في الإسلام وذلك أنه يرى أن الإسلام كثقافة عليا يحمل مجموعة من قيم الحداثة من مثل موقف الإسلام من الإنسان, ثم موضوع المساوات, وكذلك العقلانية. يعتبر جعيط أن هذه القيم, قيم راقية في الثقافة الإسلامية العليا وأنها قيم حداثية تؤهل العالم العربي إلى الولوج إلى عالم الحداثة فالمشكل ليس في الثقافة الإسلامية العليا بل في التخلف الذي عرفه هذا العالم عن مثل هذه الثقافة الراقية وفي الإستبداد السياسي والفكري الذي عرفه العالم العربي الإسلامي. وكذلك في محاولة القفز على التاريخ التي قامت النخب العربية من خلال محاولة القفز على الإسلام, وشطبه أو تصور أن ذلك يكون من خلال عملية تغيير برامج التعليم. بينما يرى جعيط أن عملية التحول هذه عن الثقافة الإسلامية تحتاج إلى أجيال وإلى تطور بطيئ غير صدامي ولا يمكن أن يتم هذا إلا في اجواء ديمقراطية. ويزداد المشكل عمقا حينما يلاحظ المؤلف أن ما يصفه بالحركة الإسلاموية لا تمثل ربطا مع هذا التاريخ بقدر ما يعتبرها قفزة عمياء إلى الأمام.

يعتبر المؤلف أن هناك عاملا آخر عاق التحول الحضاري في العالم العربي الإسلامي, وهو أن أيديولوجيا الأنوار جاءت إلى العالم العربي الإسلامي في شكل معوج ومفروض من فوق على واقع آخر. ما أدى إلى رفضها في العالم العربي الإسلامي بمضامينها الأكثر قوة وجلاء. بمعنى آخر أنه كان هناك رفض للتخلي الصريح عن الإسلام كمبدإ كينونة وارتكاز. وقد أدى هذا, إلى إغفال المسلمين لسر نهضة الغرب, فهم وإن فهموا تفوق الغرب على صعيد القوة كما على صعيد الإقتصاد إلا انهم لم يفهموا أن هذا الصعود المدهش كان قائما على قطيعة مع الدين, أي على ايديولوجيا الأنوار. ويخلص جعيط في هذا المقام إلى اعتبار أن النخبة العربية الإسلامية كانت تسلك مسيرة معاكسة للمبادئ التي قامت عليها فلسفة الأنوار.

أمام هذا الفشل في فهم النهضة, مع فشل التجربة القومية وقفز الحركة ’الإسلاموية‘ وتسلط الدولة الوطنية, لا يجد جعيط من خيار “يغذي الروح” إلا في الديمقراطية, ولذلك يدعو النخبة الفكرية الناشطة المناضلة إلى المطالبة بالحرية دون توقف عند العقبات الزائفة وبلا تردد, كما يرى أن على هذه النخبة أن تسعى إلى زرع الثقافة الديمقراطية وتوسيعها مع ربط الأخلاق بالسياسة. وفي الأخير يعتبر جعيط أن العالم العربي يحتاج إلى العالم الخارجي كي يساعده على الخروج من عزلته ومن عدم الفهم الذي يعاني منه ويختنق فيه.

أولا التاريخ:

يتبنى هشام جعيط نظرة ترى أن التاريخ البشري, المادي منه والرمزي, محكوم بمجموعة من العوامل الموضوعية تفسر تطوره, كما ترى هذه النظرة أن التاريخ محكوم بالتقدم في اتجاه محدد, وهو الحداثة الأوربية. ويسير هذا التقدم في شكل خطي تصاعدي. كما أن مسار هذا التاريخ ضروري وحتمي وشمولي. بحيث لا يمكن الهروب منه أو النجاح في مقاومته أو تحريف مساره.

يمكن للمرء أن يلاحظ في هذا المقام أن هذه النظرة للتاريخ ليست الوحيد بل هناك عدد آخر من النظريات التاريخية التي لا تخفى على الدكتور هشام جعيط ولا شك ان هذه النظرية هي الأكثر رواجا لكن رواجها لا يجعلها صحيحة, خصوصا وانه لم يقع البرهنة عليها إلى حد الآن. كما أنها تقوم على تصنيف وتقييم أحادي للأشياء والمعاني من مثل تحديد مفهوم الحضارة أو السعادة البشرية بل حتى مفهوم التاريخ والعقل. فكل هذه المفاهيم السائدة اليوم والتي احتاجها الغرب كي تبرر نهوضه واستعماره للآخر في نفس الوقت موضوعة تحت محك التساؤل حتى لدى الغرب نفسه وذلك بسبب التناقضات التي ولدتها وتولدها.

ثانيا:الحداثة\ الجنة

يقدم الدكتور هشام جعيط الحداثة على اساس أنها الجنة المنشودة بل بفضلها تمكنت البشرية من تشييد مساحات من الجنة على الأرض. ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن مفهوم السعادة البشرية مفهوم نسبي جدا وذاتي جدا. ولأنه كذلك وصفت في القرآن بأن لسكانها ما يشتهون وما يدعون إلى غير ذلك من الألفاظ المقربة والتي تربط التمتع بالجانب الفردي والذوقي الخاص. ما أريد أن اخلص له هو أن ما يوصف جنة في مقام لا يعني أنه ليس جحيما للآخر ولا أدل من ذلك أن الجنة الغربية مؤسسة على جحيم الدول والشعوب المنهوبةز إظافة كون هناك جنة في هذا العصر لا يعني أنه لم توجد جنات وجنان في ظل حضارات أخرى. السؤال الذي أود طرحه هو, من الذي يستطيع أن يجزم أن البشرية اليوم أكثر سعادة منها في ظل شكل آخر من التحظر؟ صحيح أن لهذه الحداثة كم هائل من الإنجازات التي تعبر على سلطة الإنسان على الطبيعة وقدرته على التغلب على مصاعبها ولكن هذا لا يعني أن هذه الإنجازات ولدت السعادة البشرية وأبعد من ذلك الجنة على الأرض. إظافة إلى أن كل هذه المفاهيم مفاهيم اعتبارية وليست موضوعية ولا يمكن البرهنة عليها ماديا إلا إذا أردنا أن نشيء الإنسان وحصره في قالب قوانين الطبيعة وبالتالي أن نسلخ عنه كل معنى للفعل أو قدرة على التأمل أو الحلمو مع أني ارى ان النظرة التاريخية التي يتبناه الدكتور هشام جعيط لا تؤدي إلا على هذا, وذلك ان الجنة التي يعدنا بها كعرب جنة ندخلها مكرهين بل نقاد إليها بالسلاسل. إظافة إلى انه لم يثبت في أي مرحلة من مراحل التاريخي البشري أن نمطا واحدا ساد كل الفعل البشري وحكمه ففي المرحلة الموصوفة بأنها المرحلة الزراعية كانت تتواجد مساحات كبيرة من الديمغرافية البشرية لا تزال تعيش في مرحلة القبائل الرحل التي تعتمد على الصيد. كما أنه لا تزال الآن مساحات مهمة من الخارطة الديمغرافية في وضع متناقض مع الحداثة الأوربية ومرتكزاتها. فما الذي يجعلنا نعتقد أن هذه الحداثة ستححق ما لم يتحقق خلال آلاف السنين. كما أن نمطا ما التحظر إذا ما انتشر فإنه يعبر عن نفسه باشكال مختلفة لذلك فإنه يصعب المماهات بين أوربا القرون الوسطى والعالم الإسلامي وكذلك بين أوربا الأنغلوسكسونية وأوربا الرومانية. إن الحداثة التي يتحدث عنها جعيط حداثة تلغي الدين بما هو اكساء للقدسية لمجموعة من الأحداث او اللحظات التاريخية أو الشخصيات البشرية وللكون عموما بما هو خلق للإله ولكن هذه النزعة اللادينية في التصور والتأويل ون كانت واسعة الإنتشار في أوربا فإنها لا شك غير ذلك في العالم اللاتيني الذي يفوق عدد سكانه أوربا المسيحية ثقافيا وحضاريا هذا في ظل نفس البنية الحضارية أما إذا اخذنا بعين الإعتبار كل الخارطة فلا شك أن العالم أكثر تنوع وتلون, والحقيقة أن الدكتور هشان جعيط واع بمثل هذا التنوع وإن كان تحليله يرى أن التاريخ متجه نحو إزالته. إنه إذا قبلنا القول بحتمية الحداثة فإنه لا يمكن القبول بنمطيتها لأن ذلك لم يقع ولأن الحداثة عبرت عن نفسها ولا تزال بأشكال مختلفة بحيث يمكن القول بحداثة أوربية وأخرى صينية وأخرى هندية ولما لا إسلامية. هذا في حال إذا ما قبلنا بأن الحداثة قدر البشرية المحتوم.

ثانيا نحن والآخر:

في ما يخص دور العامل الذاتي في التقدم ومثال اليابان: يأخذ هشام جعيط في تحليله للتاريخه بعين الإعتبار العوامل الداخلية التي تفعل وتؤثر في موضوع الدرس أكان ذلك العالم العربي أو بعض رقاع العالم الإسلامي مثل إيران أو الباكستان أو بعض المناطق الأخرى مثل الصين واليابان.

وفي هذا المقام أود أن اطرح بعض التساءلات الأخرى دون ان يعني كلامي رفض التحليل المهم الذي قام به الأستاذ جعيط ولكن ولأنه ركز في تحليله على العامل الداخي مع إلماحات مهمة للتأثير الخارجي إلا أني أرى أن الأستاذ جعيط وإن كان مبتكرا في تحليله من حيث أدواته وتصنيفه وتوصيفه إلا انه لم يختلف في روحه عن رواد النهضة العربية من حيث أنهم لم يعتبروا إلا العامل الذاتي في التحليل. وهذا لا يعني ان العامل الذاتي غير مهم ولكن أهميته أقل في رايي من العامل الخارجي خاصة إذا كان هذا الخارج متسلطا وإذا كان هذا الذاتي يعاني من ازمات وضعف داخليين.

ومن ابرز الأمثلة التي يمكن أن تفسر قيمة هذا العالم الخارجي مثال اليايبان التي ضرب بها المؤلف مثالا للتدليل على ثراء ثقافتها مقابلة ازمة الثقافة العربية الإسلامي. فالتقدم الذي عرفته اليابان بدا قاصرا على ما تتمتع به اليابان من تاريخ غير مشوب بالإستعمار. وإلى الثقافة المنفتحة والخالية من عقد الأخذ من الغير. وإلى البنية السياسية والثقافية التي تطورت في اتجاه التضييق من حدود السلطة التقليدية لصالح طبقة حكم جديدة وحديثة. والحقيقة أن هذه العوامل لا تستطيع وحدها تفسير تقدم اليابان ونموها الإقتصادي ويكفي لتبيين ذلك طرح الأسئلة التالية: هل كان يمكن لليابن أن يشهد نموا اقتصاديا إذا رفع في وجه تجارته الفيتو الأوربي في مرحلة, ثم الفيتو الأمريكي ابتداءا من مرحلة ما بعد الحربين؟ بل هل تستطيع اليابان المحافظة على نموها الإقتصادي الحالي إذا ما رفع في وجهها مثل هذا الفيتو؟ الحقيقة إن أضعف مثال يضرب للحديث عنه كمثال للتقدم المعجز- وإن كان جعيط لا يقول بالمعجزة رغم أن تحليله يفسر المعجزة- هو مثال اليابان. لقد ساعدت عدة عوامل خارجية في تقدم اليابان ابتداءا موقعها الجيوسياسي, ومجاورتها للصين ما جعلها منطقة مهمة وحيوية بالنسبة للمصالح الغربية ومنها دورها الحيوي في ما سمي بحرب الأفيون. لم تكن اليابان مكبلة مثل الصين بهم الدفاع عن وجودها مثلما كان الحال بالنسبة للعالم الإسلامي عموما والعالم العربي خصوصا الذي يمثل قلب العالم الإسلامي الحيوي. وقد ساهم وجود اليايبان بقرب الصين ثم بقرب الإتحاد السوفياتي في رغبة الغرب في دعمها وفتح الأسواق لها بينما كان يجب على الصين أن تقاوم وتحارب للحفاظ على وجودها أولا ثم لتحقيق نمو اقتصادي معتبر مستعينة بثروتها البشرية وبسلاحها الديمغرافي. لماذا لم يضطر اليابان إلى غلق مصانع صناعة البواخر ثم مصانعه الإيلكترونية كما اضطرت إلى ذلك مصر محمد علي او كما اضطرت إلى ذلك الجزائر في مرحلة بومدين؟

هذا في ما يخص الآخرين فماذا عنا إني لا أريد ان اقول أن العوامل الذاتية غير فاعلة في تحديد وضع ودور أي جسم ولكني اريد أن أؤكد أن من ابرز ما جاءت به الحداثة هو عقلية الهيمنة على الآخر وعقلية نهب ثروات العالم. وفي إطار روح الهيمنة والنهب لم يتمكن العالم الإسلامي الذي انتبه فجأة ليجد نفسه متأخرا بالنسبة لأوربا وصلت إلى مناجم الذهب في القارة الجديدة كما سيطرت على ممرات الطرق التجارية في العالم إظافة إلى تمكنها بسبب الوفرة والرفاه من تفريغ طبقة كاملة من ابنائها للعلم والمعرفة والثقافة كل هذا وبفضل كل النهب الذي قامت بها وتمكنها من اختراع البارود تمكنت أوربا من فرض فيتو على محاولات النهوض العربي والإسلامي بحيث كانت تصطدم تلك المحاولات بالأساطيل الأوربية الراسية في حلق الواد في تونس أو على شواطئ البحر الأحمر والإسكندرية في مصر. لم يكن في العالم العربي والإسلامي عوائق حقيقية تحول دون أخذه بأسباب التقدم المادي بل سارعت مؤسسات الخلافة إلى الأخذ وإلى استجلابها إما في نسختها الفرنسية أو الألمانية و البريطانية ولكن أوربا كانت تفرض على هذا العالم, المرهق بتاريخه القديم وبشيخوخته الممنوعة من التشبب, خططها وبرامجها ثم وجودها العسكري.

لقد طرح جعيط جيميع تساؤلاته موجهة إلى التاريخ ولم يحاول في كتابه أن يطرح اسئلة على الحاضر هذا الحاضر الذي اغلبه مفروضة على الأمة العربية معادلاته. وعندما يطرح جعيط اسئلة مهمة متعلقة بواقع النخبة العربية وعلاقتها بالدولة وفشل هاته في تحقيق مشاريعها النهضوية لم يجد من سبب لتفسيرها فشلها إلا تكرار أسطورة التسلط الشرقي مقابل الديمقراطية الغربية لا أظن أنه يخفى على الدكتور هشام جعيط, وهو من هو على رأس النخبة العربية, لا يخفى عليه حقيقة الدولة الحديثة ومدى قدرتها على احتكار السلطة وعلى ممارستها وإنه من البين أن الدولة التقليدية كانت أقل توحشا من الدولة الحديثة بما لا يجعل المجال مفتوحا للمقارنة بين سلطتها وسلطة الدولة الحديثة.

ثالثا ماذا عن الديمقراطية؟

قبل أن اختم حديثي أود أن أعود على موضوع الديمقراطية التي يرى الدكتور جعيط محقا أن غيابها يمثل أزمة العالم العربي الإسلامي. ولا يمكلك المرء غلا ان يوافقه على قوله بان هناك في ثقافتنا العربية الإسلاميةما يعيق انفتاحنا على الديمقراطية وعلى ممارستها. ولكني أريد أن استسمح الأستاذ جعيط في أن يسمح لي بطرح هذا التساؤل: هل نحن فقط من يعيق التجربة الديمقراطية في العالم العربي الإسلامي؟ ثم هل يمكن أن تجد دعوته للخارج بأن يتدخل من أجل الديمقراطية في العالم العربي لإسلامي آذان صاغية؟ هل يريد هذا الغرب للعالم العربي الإسلامي بأي لون تلون, عروبيا وحديا أم إسلاميا, أن يكون ديمقراطيا؟

إن من أهم سمات السلطة عبر التاريخ هو احتكار القدرة على الإكراه, وكما قال ابن خلدون أنه إذالم تقم سلطة مقابل سلطة تردعها مدت يديها إلى ما أكثر, وإن الثقافة السياسية التي قام عليها الغرب لا تخرج عن هذا التوصيف. فالغرب ليس اسثناءا من بين الأمم بل هو عاش حروبا دامية حتى أكره بسبب توازن القوى على السلم وما كان ليتمكن من ذلك لولا انفتاح مساحات نهب واسعة خارج خريطته ومن غير ديمغرافيتهو وليس يخفى على أحد كيف تختفي وراء الدبلوماسية حسابات الصواريخ النووية وغيرها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. إن الدول الغربية دول محاربة أولا وقبل كل شيء ثم ديمراطية. هذا في ما يخص العلاقات بين الدول, أما داخل الدول الغربية فإن الديمقراطية لعبة موزعة بين المتشابهين ولضرب مثال على ذلك يمكن التذكير بالقوائم السوداء التي وضعتها المخابرات الداخلية الأمريكية لمواطنيها من ذوي الميولات اليسارية الذين حوصروا وسجنوا وعذبوا بسبب انتماءاتهم العقائدية. وإن هذا الغرب غير مستعد ولن يكون سعيدا بديمقراطية في مناطق نهب تقليدية يمكن أن تحمل إرادة وطنية تريد نصيبا من حقها وكرامة لشعوبها والأمثلة على ذلك كثيرة وأقربها مثال الجزائر. إن اول المنتفعين من الوضع السياسي والثقافي للعالم العربي الإسلامي هو هذه القوى ذات النفوذ والمصالح في الوطن العربي والمسالة ليست متعلقة بخلفية عقائدية ولا ثقافية بقدر ما هي متعلقة بالخبر اليومي للمواطن الغربي. ويمكن في هذا السياق الإسشهاد بغلنر المفكر البريطاني المشهور عندما يشبه المواطن الغربي بالكلب المدلل بسبب الوفرة التي يعيش بفضل النهب الذي تقوم به دوله وكيف سيتحول هذا الكلب إلى ذئب ينهش ابناء قبيلته عندما يتوقف هذا النهب أو يقل.

وأخيرا وفي ما يخص الحداثة والإسلام أكتفي بالإشارة إلى نفس المفكر البريطاني في اكثر من مقام عندما يقوم بنفس المقارنة التي قام بها الدكتور هشام جعيط بين الإسلام والهند والصين ولكنه يخلص إى نتيجة مناقضة إذ يقول أن للإسلام قدرة عجيبة على استيعاب الحداثة وتحويل مقولاتها واسسها لخدمته, ومن هنا اسمح لنفسيب بالتساؤلك إلى أي مدى يصح القول بأن الحداثة والأنوار من قبلها مناقضة في اساسها للدين؟

أحمد قعلول

باحث في الفلسفة

جامعة ريدنغ

الملكة المتحدة