في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس
Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia
|
TUNISNEWS
9 ème année, N° 3504 du 26 .12 . 2009
الحرية لسجين
العشريتين الدكتور الصادق شورو
وللصحافيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف
ولضحايا قانون الإرهاب
حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس
السبيل أونلاين :هيومن رايتس تحمل فرنسا مسؤولية ما قد يتعرض له ياسين الفرشيشي بعد ترحيله للسنغال
السبيل أونلاين :محامي ياسين الفرشيشي يطالب فرنسا بأخذ تعهد من السنغال بعدم تسليمه لتونس
مجلة “كلمة”:السلطات الفرنسية ترحّل تونسيّا إلى السينغال خشية تعرضه للتعذيب في بلاده
السبيل أونلاين :التصريح بالحكم في قضية معتقلي نابل نهاية شهر ديسمبر الجاري
السبيل أونلاين :بعد صدور الأحكام القاسية..طلبة منوبة يضربون عن الطعام في السجن
السبيل أونلاين :الدوائر الأمنية والقضائية تتكتم على مصير عزوز صالح بودربالة وعائلته قلقلة على مصيره
وكالة رويترز :ارتفاع عدد وفيات فيروس (اتش1 ان1) في تونس إلى 18
جريدة الصباح:اتحاد الشغل وصفها بـ جريمة حرب.. عميد المحامين: مستعدون لتتبع المتورطين في اغتيال حشاد
صحيفة الوطن:اغتيال الزعيم حشّاد :سقط القناع عن الوجوه الغادرة … فهل دقّّت ساعة المحاسبة؟
مجلة “كلمة”:قناة “حنبعل” تفشل في مفاوضاتها مع “الجزيرة”
مجلة “كلمة”:حملة لغلق المغاور والأنفاق على الحدود الشمالية الغربية لتونس
صحيفة الوطن:غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة:ماذا بعد حجر استعمال الـ”بلاك بري” و”الهواتف الذكية”؟
صحيفة الوطن:المنسيّون في مقابرهم …هل من مزيد عناية؟
صحيفة الوطن:مشروع “ديزرتيك” للطاقة الشمسية :استغلال الجنوب لصالح الشمال
الـــــحـــــو ار نـــــت:نفحات من تفسير الدكتور الصادق شورو – الجزء الثاني
د.منصف المرزوقي: النظام المصري وليس مصر
عبدالحميد العدّاسي :الاغتيال الفرعوني
صحيفة الوطن:كوبنهاغن قناع جديد لغول الهيمنة
جريدة العرب:منتظري.. من ولاية الفقيه إلى التمييز بين الديني والسياسي
صحيفة الوطن:اضاءات مستشارو الرئيس
صحيفة “الحياة”:ماذا بقي من ابن خلدون بعد ستة قرون على وفاته؟
أبوذر:اﻷزمة، من إفلاس البنوك إلى إفلاس الدّول
(
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
منظمة حرية و إنصاف
التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس
جانفي2009
فيفري2009
أفريل 2009
أكتوبر 2009
الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس، في 09 محرم 1431 الموافق لـ 26 ديسمبر 2009
أخبار الحريات في تونس
1) إضراب المناضل السياسي رياض الحوار عن الطعام: يواصل المناضل السياسي السيد رياض الحوار إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الثامن على التوالي للاحتجاج على المضايقات المتكررة التي يتعرض لها من قبل أعوان البوليس السياسي. وقد أكد السيد رياض الحوار تدهور حالته الصحية وشعوره بالإغماء، كما أكد عزمه على مواصلة الاضراب. 2) السجين السياسي السابق علي الرواحي يعلق إضرابه عن الطعام: علق السجين السياسي السابق السيد علي الرواحي يوم الجمعة 25 ديسمبر إضرابه عن الطعام الذي شنه منذ 16 يوما للمطالبة بالحصول على حقه في استخراج جواز السفر، وقد جاء تعليق الإضراب عن الطعام نتيجة مناشدة ممثلين عن جمعيات حقوقية ببنزرت نذكر من بينهم السادة خالد بوجمعة عن منظمة حرية وإنصاف وفوزي الصدقاوي عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين والأستاذ أنور القوصري عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان . 3) اعتقال عزوز بن صالح بن المنصف بودربالة بالشقارنية وعائلته تجهل مصيره: اعتقل أعوان البوليس السياسي يوم الأربعاء 23 ديسمبر 2009 الشاب عزوز بن صالح بن المنصف بودربالة أصيل عمادة الشقارنية التابعة لمنطقة النفيضة بولاية سوسة واقتادوه إلى جهة مجهولة بعد تفتيش منزل عائلته من دون الاستظهار بإذن من وكيل الجمهورية . والشاب عزوز بودربالة مولود في 28 فيفري 1987، تلميذ في مركز تدريب في اختصاص الصيانة العامة في المكنين . يذكر أنه وقع اعتقال الشاب عزوز بودربالة في الصائفة الماضية صحبة مجموعة من الشبان أصيلي ولاية المهدية وصدر بحقه حكم بتاريخ 17 أوت 2009 يقضي بعدم سماع الدعوى . 4) حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان: لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
هيومن رايتس تحمل فرنسا مسؤولية ما قد يتعرض له ياسين الفرشيشي بعد ترحيله للسنغال
السبيل أونلاين – باريس – خاص قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ، أن فرنسا ستكون مسؤولة أمام القانون الدولي ، إذا كان المواطن التونسي ياسين الفرشيشي عرضة لسوء المعاملة في السنغال ، كما حمّلت البلدان المسؤولية في حال تسليمه للسلطات التونسية ، وذلك في بيان باللغة الفرنسية أصدرته المنظمة اليوم السبت 26 ديسمبر 2009 ، وحصل السبيل أونلاين على نسخة منه . وكانت السلطات الفرنسية قد رحلت الفرشيشي إلى السنغال يوم الخميس 24 ديسمبر ، رغم قرار المحكمة الأوروبية القاضي بعدم ترحيله ، ووصفت هيومن رايس ووتش الإجراء الفرنسي بأنه مفاجىء . وحملّت المنظمة كل من فرنسا والسنغال مسؤولية تسليم الفرشيشي إلى السلطات التونسية وتعرضه للتعذيب وسوء المعاملة . وقالت المنظمة أنها أرسلت رسالة يوم 8 ديسمبر إلى وزير الداخلية الفرنسي “بوريس هورتوفو” ، تدعو فيها فرنسا إلى الإلتزام بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان ، وأكدت في الرسالة أن التعذيب وسوء المعاملة تمارس على الدوام من قبل السلطات التونسية وسيكون الفرشيشي في حال تسلميه عرضة لذلك . وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد طلبت يوم 23 ديسمبر من السلطات الفرنسية وقف تسليم أو ترحيل الفرشيشي ، في إنتظار دراسة ملفه الذي وصل المحكمة عن طريق محاميه وليام بودون . وأدين الفرشيشي في فرنسا بـ 6 سنوات و6 أشهر سجن نافذ ، وملحق الحكم بالإبعاد من الأراضي الفرنسية وذلك في قضية لها علاقة بموضوع “الإرهاب” . وكان الفرشيشي تقدم في شهر سبتمبر الجاري بطلب اللجوء في فرنسا إلى إدارة حماية الاجئين ، وقد صدر قرار مستعجل برفض طلبه في اليوم نفسه التى إنتهت فيه فترة سجنه (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 26 ديسمبر 2009)
مصيره ما يزال مجهولا بعد ترحيله
محامي ياسين الفرشيشي يطالب فرنسا بأخذ تعهد من السنغال بعدم تسليمه لتونس
السبيل أونلاين – تونس – خاص طالب محامي التونسي ياسين الفرشيشي الذى رحلته السلطات الفرنسية يوم الخميس 24 ديسمبر الجاري إلى السنغال بضرورة أخذ تعهد من السلطات السنغالية ، يقضي بعدم تسليمه إلى السلطات التونسية . وما تزال وضعية الفرشيشي غامضة بعد ترحيله . وقال المحامي وليام بودون لوكالة ” فرانس برس” أنه يتمنى على فرنسا أن تأخذ “تعهدا غير قابل للنقض” من السنغال بعدم تسليمه لتونس ، فهو مهدد بالتعرض للتعذيب ، وتنتظره إحكام غيابية مدتها 32 سنة و6 أشهر سجن إضافة إلى 15 سنة مراقبة إدارية . وكانت عديد المنظمات الحقوقية إضافة إلى محاميه قد طلبوا من فرنسا عدم تسليمه. وقد تعهدت فرنسا للمحكمة الأوروبية بذلك ، ولكنها رحلته للسنغال . وأعتقل الفرشيشي سنة 2005 في باريس ، وأدين سنة 2008 بـ 6 سنوات و6 أشهر سجن نافذ بتهمة “الإنتساب إلى مجموعة إجرامية لها علاقة بشركة إرهابية” ، وكان ملحق الحكم الصادر ضده يقضي بمنعه من البقاء على الأراضي الفرنسية ، وقد رفض طلبه اللجوء السياسي إلى فرنسا . وفي العام 2004 ، أوقف ياسين الفرشيشي في تونس وتعرض للتعذيب من طرف البوليس السياسي . (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 26 ديسمبر 2009)
السلطات الفرنسية ترحّل تونسيّا إلى السينغال خشية تعرضه للتعذيب في بلاده
حرر من قبل التحرير في الجمعة, 25. ديسمبر 2009 رحّلت السلطات الفرنسية يوم الخميس 24 ديسمبر المواطن التونسي ياسين الفرشيشي بعد قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وقف إجراءات طرده من فرنسا وقتيّا لحين النظر في أصل القضيّة التي رفعها محاموه أمام نفس المحكمة، وذلك خوفا من تعرّضه للتعذيب في حالة تسليمه إلى تونس لصدور أحكام غيابية ضده وصلت 32 سنة بتهم الإرهاب. وكان ياسين الفرشيشي قد اعتقل بباريس في جويلية 2005 ثمّ حوكم من قبل محكمة فرنسية في أكتوبر 2008 قضت بسجنه ستة أعوام وستة أشهر مع حرمان نهائيّ من الإقامة بالأراضي الفرنسية وذلك على خلفية اتهامه بالانتماء إلى مجموعة مرتبطة بأنشطة إرهابية. وأفاد محامو الفرشيشي أنّ الحكومة الفرنسية قد أعطت وعودا شفاهية إلى المحكمة الأوروبية بعدم تسليمه للسلطات التونسية، لكنهم لم يتوصلوا إلى حدود يوم الجمعة بأية معلومات عنه بعد وصوله السينغال. ويعمل محامون بالتعاون مع الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان لتجنيب هذا المواطن التونسي من الوقوع بين أيدي سلطات بلاده. (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 25 ديسمبر 2009)
التصريح بالحكم في قضية معتقلي نابل نهاية شهر ديسمبر الجاري
السبيل أونلاين – تونس – خاص عقدت صباح اليوم السبت 26 ديسمبر 2009 ، في المحكمة الإبتدائية بتونس ، جلسة النظر في قضية المنجي بن عبد الله ومحمد لسود وجلال بوبكري من أجل تهمة “عقد إجتماع” ، وقد تأجلت الجلسة ليوم الإربعاء 30 ديسمبر الجاري ، للمفاوضة والتصريح بالحكم . وأعتقل المنجي بن عبد الله ، ومحمد لسود يوم الثلاثاء 01 ديسمبر 2009، وجلال بوبكري يوم الإربعاء 02 ديسمبر ، وقد شابت قضيتهم الكثير من الخروقات من بينها دخول منازل المعتقلين بدون إذن قضائي وخارج أوقات العمل الرسمية ، وتجاوزت مدّة إيقافهم الآجال القانونية ، وتعرضوا إلى ضغوط من أجل الإمضاء على محاضر البحث التى تتضمن إعترافات أنتزعت تحت الإكراه ، وأقوال أخرى وقع تغييرها من قبل الباحث الإبتدائي . وأحيل معتقلو نابل يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2009 ، على وكيل الجمهورية بتونس ، والذي أمر بإيداعهم سجن المرناقية بضواحي العاصمة . بالتعاون مع الناشط الحقوقي – سيد المبروك – تونس (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 26 ديسمبر 2009)
بعد صدور الأحكام القاسية..طلبة منوبة يضربون عن الطعام في السجن
السبيل أونلاين – تونس – عاجل قالت مصادر أن طلبة كلية منوبة الذين صدرت بحقهم أحكاما قاسية يوم 21 ديسمبر 2009 ، دخلوا في إضراب عن الطعام منذ يوم أمس الخميس 24 ديسمبر، وكانت الأحكام الصادرة تتراوح بين السنة والثلاث سنوات . وقالت لجنة مساندة “طلبة الإتحاد العام لطلبة تونس” ، أنهم يحتجون على المحاكمة الجائرة والأحكام القاسية التى صدرت ضدهم . وخلال مرحلة إيقافهم ، شن الطلبة إضرابا عن الطعام لمدة يومين للإحتجاج على الطريقة التى عوملوا بها أثناء التحقيق معهم وظروف إيقافهم السيئة . (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 25 ديسمبر 2009)
الدوائر الأمنية والقضائية تتكتم على مصير عزوز صالح بودربالة وعائلته قلقلة على مصيره
السبيل أونلاين – تونس – خاص قدمت عائلة عزوز صالح بودربالة بمطلب إلى وكيل الجمهورية بسوسة ، للكشف عن مصير إبنها الذي أعتقله أعوان بوليس بلباس مدني قالوا أنهم قادمون من سوسة ، وكانوا يستقلون سيارة بيضاء اللون ، وذلك يوم الإربعاء 23 ديسمبر ، وتتكتم الدوائر الأمنية والقضائية عن مصيره ، وتلقت عائلته ردا من وكيل الجمهورية يفيد بأنه غير موجود بالمنطقة الأمنية بسوسة كما أفادهم مركز الشرطة بالنفيضة بأنه غير موجود لديهم ، وتخشي عائلته أن يكون أصابه مكروه . يذكر أن الأعوان الأربعة قاموا بتفتيش بيت العائلة ، من دون الإستظهار بإذن من وكيل الجمهورية . وقالت أسرته في المطلب الذي وجهته إلي وكيل الجمهورية بسوسة وننشر نسخة عنه، أن أعوان البوليس سألوا والد عزوز عن إبنه الذى كان صحبة أمه في حقل الزيتون ، ثم تنقلوا إلى مكان تواجده وإصطحبوه معهم دون إفادتهم بالمكان الذي ينوون نقله إليه ، وطالبوا من عائلته الإتصال به على هاتفه الجوال للسؤال عنه ، ولكن رغم محاولات الإتصال طيلة اليوم لم تتلقى أي ردّ ، فأصابها القلق مما دفعها للتوجه إلى عدة مراكز أمنية بسوسة للسؤال عنه دون العثور عليه ، إلى أن حلت الساعة التاسعة ليلا حيث ردّ هاتف إبنهم وخاطب أحد الأشخاص والده وسأله عن سيرة عزوز وعن حال العائلة في ذلك الوقت ثم خاطبنهم الأخير وقال لهم :”هاني في المكنين…” ثم سكت . والشاب عزوز صالح بودربالة مولود في 28 فيفري 1987 ، تلميذ في مركز تدريب في إختصاص الصيانة العامة في المكنين . نشير إلى أنه وقع إعتقال الشاب عزوز صالح بودربالة في الصائفة الماضية صحبة مجموعة من الشبان أصيلي ولاية المهدية وصدر بحقه حكما يوم 17 أوت 2009 بـ 3 أشهر مع تأجيل التنفيذ وكانت التهمة الموجهة إليه “عقد إجتماع” ، وقد نابت عنه الأستاذة إيمان الطريقي . وقد أصاب والده توعك بسبب إعتقال إبنه ، مما إستوجب نقله للمستشفى أين مكث تحت العناية بعض الأيام ، وهو ما يزال يعاني من أثر تلك الصدمة إلى حدّ الآن . وفي ما يلي نص المطلب : الحمد لله وحده سوسة في 26/12/2009 المرفوع إلى جناب السيد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية بسوسة -2- دامت عدالته الموضوع : لفت نظر وطلب تدخل عاجل العارضة :وردة بن أحمد بن الشيخ أحمد حرم صالح المنصف ، صاحبة ب ت ق عدد2951911 قاطنة بالحي الجديد النفيضة . المعروض على الجناب ما يلي : حيث أنه بتاريخ 23/12/2009 وفي حدود الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا وبينما كان إبني عزوز صالح متواجدا معي بغابة الزيتون سيما وأن الحال عطلة مدرسية ذلك أنه تلميذ بتكوين مهني بالمكنين إذ بسيارة عادية ذكر أصحابها أنهم تابعين لمركز أمن تقف أمام المنزل ويطلب من والده إحضار إبنه المذكور دون أن يبينوا له السبب وامام عدم تواجده إنتقل معهم إلى غابة الزيتون فتم أخذ إبني معهم دون حتى أن تتم إفادتنا عن وجهتهم عدى أنهم طلبوا منا أن نتصل به على هاتفه الجوال للسؤال عنه وقد بقينا نتصل به طيلة اليوم لكن دون أن يرد علينا أحد . وحيث أمام ذلك الوضع وحالة الهلع والفزع التى إنتابتنا فإني توجهت إلى عدة مراكز أمنية بسوسة للسؤال عن إبني غير أنه لم تقع إفادتنا في شيء إلى أن حلت الساعة التاسعة ليلا حيث ردّ هاتف إبني وخاطب أحد الأشخاص والده وسأله عن سيرة إبنه عزوز وعن حال العائلة في ذلك الوقت ثم خاطبني إبني وقال لنا :”هاني في المكنين…” ثم سكت . وحيث أنه أمام هذا الوضع وأمام عدم وضوح الحالة والواقعة والتعتيم الذي حام حول العملية فإني أجهل مصير إبني لحد الآن وأخشي ما أخشاه أن يحل به مكروه . لــــذا فالرجاء من عدالتكم التفضل بالتدخل السريع والناجع والإذن بإجراء المتعين للحصول على معلومات حول إبني والإذن بعرضه على الطبيب الشرعي في صورة تعرضه إلى مكروه . ولكم سديد النظر والسلام الإمضاء 09/27589 بالتعاون مع الناشط الحقوقي – سيد المبروك – تونس (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 26 ديسمبر 2009)
ارتفاع عدد وفيات فيروس (اتش1 ان1) في تونس إلى 18
(رويترز) – قال متحدث باسم وزارة الصحة في تونس يوم السبت انه تم تسجيل أربع وفيات جديدة بفيروس (اتش1 ان1) لترتفع الحصيلة الى 18. وقال منجي الحمروني مدير الخدمات الصحية الاساسية بوزارة الصحة لرويترز انه من بين الضحايا رضيع لم يتجاوز عمره ستة اشهر. وسجلت الوفيات الاربع في صفاقس وتونس العاصمة. وتجاوز عدد الاصابات بالفيروس في البلاد أكثر من ثلاثة الاف حالة. وتقوم السلطات بحملات مكثفة لحث التونسيين على التطعيم ضد الفيروس من خلال وسائل الاعلام لكن حتى الان لم يقبل على الحملات سوى نحو مئة الف تونسي. (المصدر : وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 26 ديسمبر 2009 )
اتحاد الشغل وصفها بـ جريمة حرب.. عميد المحامين: مستعدون لتتبع المتورطين في اغتيال حشاد
تونس ـ الصباح قال السيد عبيد البريكي أمين عام مساعد مسؤول عن الثقافة والتكوين النقابي باتحاد الشغل أن المنظمة قررت رفع قضية باسمها لتتبع قتلة المناضل الوطني فرحات حشاد وأكد المتحدث أن الاتحاد بدأ في اجراءاته العملية لتقديم القضية وتحديد القضاء المختص. واعتبر السيد البريكي أن جريمة اغتيال حشاد هي بمثابة جريمة حرب بما انها نفذت في شخص امين عام للمنظمة في تلك الفترة… وهي مسالة وطنية بالاساس. كما أوضح أن بعض المحامين الاجانب عبروا عن استعدادهم لتمثيل الاتحاد. وفي ذات السياق أعلن السيد بشير الصيد عميد الهيئة الوطنية للمحامين أن العديد من المحامين على استعداد تام للمشاركة في القيام بإجراءات التتبع القانوني لدى المحاكم المختصة وبتكليف من الاتحاد العام التونسي للشغل وقال أيضا »لابد من ملاحقة المجرمين الذين نفذوا وخططوا لاغتيال فرحات حشاد«. وأكد في هذا الخصوص أن الهيئة الوطنية للمحامين والاتحاد العام التونسي للشغل سيكونان هيئة للدفاع وأوضح العميد أن الدعوى القضائية ضد المغتالين ممكنة على اعتبار أن هذا النوع من القضايا لا يسقط بمرور الزمن لانها قضية إرهابية وتتعلق بشؤون الوطن. وتاتي هذه التطورات بعد الاعتراف الذي ادلى به الضابط انطوان ميليور احد افراد العناصر المؤسسة لمنظمة »اليد الحمراء« التي اغتالت النقابي الوطني فرحات حشاد في 5ديسمبر 1955 وبالرغم من مرور أكثر من 50عاما على عملية الاغتيال فقد صرح قاتل حشاد في شريط وثائقي قائلا« ان ما قمنا به عمل شرعي ولو كان ينبغي علي اعادته ساعيده« واكد انطوان ميليور في شريط وثائقي انه اغتال حشاد برصاصة في الرأس ولم تكن اعترافات الرجل المتلفزة وحدها دليل ادانة بل انه قدم في سنة 1997 كتابا له تحت عنوان: La Main Rouge – L>armée Secrète De La République.. وقد هزت هذه الاعترافات الرأي العام الوطني وطرحت معها عدة تساؤلات حول مسالة محاسبة مرتكبي الجريمة والمحرض عليها. خليل الحناشي
(المصدر : جريدة الصباح ( يومية – تونس) بتاريخ 26 ديسمبر 2009 )
اغتيال الزعيم حشّاد سقط القناع عن الوجوه الغادرة … فهل دقّّت ساعة المحاسبة؟
بقلم: محمد رضا سويسي بثّت قناة الجزيرة الوثائقيّة منذ أيّام شريطا وثائقيّا اشتمل على تحقيق تاريخيّ حول ظروف وملابسات اغتيال الزعيم النقابي والوطني فرحات حشّاد وعن الدّور الوطني والاجتماعي الّذي دفع إلى اغتياله. وقد كشف هذا الشّريط لأوّل مرّة النّقاب عن أسماء بعينها تورّطت مباشرة أو تواطأت بشكل غير مباشر في عمليّة الاغتيال بعد أن كانت التّهمة موجّهة بشكل جازم إلى تنظيم أو عصابة اليد الحمراء بشكل عام مع وجود شبهات غير متأكّدة حول إمكانيّة تورّط طرف أو أطراف داخليّة في هذه العمليّة مثل الإشارة إلى إمكانية تورّط الزعيم بورقيبة في الأمر وهو ما قد يكون لمّح إليه الشّاعر منصف المزغنّي في ديوانه “عيّاش الكسيبي واعتذاره عن الانبعاث في حرب قادمة” الّذي كتبه إثر أحداث 26 جانفي 1978 أي إبان فترة حكم بورقيبة والّذي قال فيه:” فرحات يعرف من قتله ولو زُحزح الصّمت عن شفتيه ليُخبر عنه لثانية قتّله”. ورغم ما ورد من استنتاجات لا تزال محلّ جدل على لسان بعض الباحثين في تاريخ تونس المعاصر مثل انحياز حشّاد إلى الخط الاشتراكي واعتبار المسألة الطبقيّة أولويّة في علاقتها بالمسألة الوطنيّة، ورغم غياب بعض الوجوه الّتي أرّخت تقليديّا للحركة النّقابيّة والاجتماعيّة عن الشّريط الوثائقي على غرار مصطفى كريّم وعبد السلام بن حميدة والهادي التيمومي فانّ ما بدا بارزا في الشّريط كجديد يُكشف للمرّة الأولى فهو اعتراف صريح من أحد أعوان تنظيم اليد الحمراء “أنطوان ميبر” بمسؤوليّة التنظيم عن عمليّة الاغتيال بدعم من الجندرمة الفرنسيّة وعن دوره فيها فضلا عن كشفه عن عمليّة تواطؤ من الدّاخل في عمليّة الاغتيال وهو اعتراف أتى واضحا وصريحا وبخطاب فيه الكثير من التّحدّي. وقد كان لهذا الشّريط وقعه الكبير لدى أعداد كبيرة من الشّباب والنّقابيّين والقوى التّقدّميّة حيث تمّ تناقله بكثافة على الشّبكة العنكبوتيّة وعلى العديد من المواقع كالفيسبوك وقد صحبت هذا النّقل العديد من التّعاليق الّتي تحدّثت عن حشّاد وكأنّه اغتيل بالأمس أو اليوم ممّا يؤكّد حضور هذا الزّعيم في الذّاكرة الشّعبيّة. كما سجّلت “الوطن” عند اتّصالها بالعديد من الوجوه النّقابيّة والحقوقيّة والتّقدّميّة طلبا ملحّا من الجميع بضرورة إحياء ملفّ اغتيال حشّاد والتّحقيق فيه مجدّدا على ضوء الاعترافات الجديدة الّتي أتت صريحة من عضو عصابة اليد الحمراء خاصّة وأنّ عصابة اليد الحمراء كانت تمثّل جهازا سرّيا من أجهزة الدّولة الفرنسيّة فضلا عن الاعتراف بدعم الجندرمة الفرنسيّة لعمليّة الاغتيال وهي قوّة علنيّة تابعة للأمن الفرنسي لا يمكن للدّولة الفرنسيّة أن تتبرّأ منها. مع الملاحظ أنه وقعت محاولة من بعض الباحثين للوصول إلى الكشف عن وثائق عمليّة الاغتيال في الأرشيف الفرنسي منذ خمسينيّة الاغتيال أي منذ سنة 2002 لكنّهم مُنعوا من الوصول إلى هذه الوثائق دون تبريرات مقنعة. إنّ التّفاعل الّذي شهده الشّريط من مختلف مكوّنات المجتمع المدني والحقوقيين ودعوتهم الملحّة إلى متابعة الأمر قضائيّا وهو ما عبّرت عنه حتّى قيادة الاتحاد العام التّونسي للشغل، المنظّمة النّقابيّة الّتي أسّسها حشّاد ـ الشروق،23 ديسمبر،ص 16 ـ إنّما يؤكّد فعلا عمق الجروح الّتي خلّفتها الحقبة الاستعماريّة في نفوس التونسيين من الجيل الذي عاصر هذه الحقبة والأجيال اللاحقة وهي جروح خلّفتها الجرائم البشعة لهذا الاستعمار والّتي تُصنّف كجرائم ضدّ الإنسانية ممّا يعني أنّه لا يمكن أن تسقط بالتّقادم. أمّا إذا أردنا أن ننظر إلى قضيّة جرائم الاستعمار في شموليّتها فإنّ جريمة اغتيال حشّاد الّتي كانت موضوع اعتراف أحد مجرمي عصابة اليد الحمراء إنّما هي واحدة من مئات وآلاف الجرائم المادّية والمعنويّة التي ارتكبها الاستعمار في حق هذا الشّعب وهي كلّها يجب أن تكون محلّ تتبّع ومحاسبة بالجملة والتّفصيل … وهذا هو جوهر مبادرة الاتّحاد الدّيمقراطي الوحدوي المطالبة باعتذار الاستعمار عن جرائمه والتّعويض عنها. (صحيفة الوطن التونسية العدد117 الصادر في 25 ديسمبر 2009)
قناة “حنبعل” تفشل في مفاوضاتها مع “الجزيرة”
حرر من قبل التحرير في الجمعة, 25. ديسمبر 2009 فشلت فضائية حنبعل الخاصة في الحصول على حقوق بثّ مباريات كأس إفريقيا للأمم التي تحتضنها أنغولا نهاية الشهر المقبل. وبحسب أسبوعية “أخبار الجمهورية” فإنّ القناة التونسية لم تسمح لها إمكانياتها بتلبية السقف الذي حددته “الجزيرة الرياضية” المالكة لحقوق البث الحصرية لكأس إفريقيا بمبلغ 10 مليارات دولار مقابل كل باقة بعشر مباريات. جدير بالذكر أنّ قناة حنبعل الخاصة كانت قد شنّت حملة عدائية ضدّ قناة الجزيرة الإخبارية والحكومة القطرية خلال الأشهر الماضية بالتزامن مع حملة تشويه مماثلة في الصحف العمومية والخاصّة. (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 25 ديسمبر 2009)
حملة لغلق المغاور والأنفاق على الحدود الشمالية الغربية لتونس
حرر من قبل المولدي الزوابي في الجمعة, 25. ديسمبر 2009 افادت مصادر مطلعة بان فرقا امنية بولاية جندوبة شرعت في حملة تهدف لاعادة غلق الانفاق والمغاور التي سبق وان سدتها منذ سنوات لاحتياطات قيل بانها امنية. واضافت ذات المصادر بان الحملة شملت عدد من مناطق الشريط الحدودي بكل من غار الدماء وفج حسين وفرنانة وعين دراهم وطبرقة، خاصة وان تلك المناطق معروفة بكثرة انفاقها التي تعود للفترة الاستعمارية. وحسب مصادرنا فان الحملة جاءت تحسبا لاستخدام تلك الأنفاق من قبل العناصر التي تنشط في مجال تجارة التهريب. وكذلك لاحتمال استعمالها من قبل المجموعات المسلحة الناشطة في الجزائر.
(المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 25 ديسمبر 2009)
غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة: ماذا بعد حجر استعمال الـ”بلاك بري” و”الهواتف الذكية”؟
هيكل سلامة تونس/الوطن جميعنا يتذكر كيف رفضت وزارة العدل نتائج دراسة صدرت في أوت الماضي عن وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين، أشارت فيها إلى أن عدد حالات الطلاق المسجلة خلال العام الماضي بلغ 9127 حالة، مقابل 16 ألف حالة زواج، وقد استنتجت مصادر صحفية حينها إلى أن تلك الأرقام تجعل من تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا في نسبة الطلاق. غير أن وزارة العدل رفضت هذا الاستنتاج، باعتبار أنه “لا يمكن من الناحية المنهجية وضع مقاربة بين البلدان بشأن أي ظاهرة بما في ذلك مقاربة نسب الطلاق، إلا إذا كانت أنظمتها القانونية مماثلة أو على الأقل متشابهة”. ما اضطرّنا للعودة إلى هذه الحادثة، التي بيّنت في واقع الأمر غياب كلّي للتنسيق بين مؤسسات الدولة، هو المنشور الذي صدر مؤخرا عن الوزارة الأولى، والموجّه بصفة خاصة إلى الوزراء وكتاب الدولة والمديرين العامين للهياكل والمؤسسات والجماعات المحلية، والذي يحجر استعمال خدمة الـ”البلاك بري” (Black Berry) ومثيلاتها المشغلة عبر “الهواتف الجوالة الذكية” (Smart Phone) في تبادل البيانات والمعلومات بين الهياكل والمؤسسات الإدارية. وقال المنشور-حسب ما نشرته صحيفة الصباح بتاريخ 22 ديسمبر 2009 – إنه” تبين أن بعض تقنيات الاتصال الحديثة التي تمكّن من تبادل المراسلات الالكترونية دون اللجوء إلى شبكة الانترنت عبر الهواتف الجوالة الذكية التي تستعمل تقنية الـ”بلاك بري” أو مثيلاتها لا توفر الحد الأدنى المطلوب من السلامة المعلوماتية وسرية المعطيات المتبادلة”. وحين نعود إلى شهر مارس الفارط، وبالتحديد عند قيام اتصالات تونس بالترويج لخدمتها الجديدة، قالت آنذاك أنها تسعى إلى تسويق حلول الـ”Black Berry” لمشتركي الهاتف الجوال المفوتر، لتمكينهم من النفاذ إلى بريدهم الإلكتروني والإبحار عبر الإنترنت أينما كانوا باستعمال أجهزة الهاتف الجوال،حيث تمكّن هذه الحلول و بفضل تطبيقاتها المتكاملة والمؤمّنة كليا (وهو ما لم يتم إثباته بتاتا.. !!)، من القيام بعدة وظائف، كالاطّلاع والردّ على البريد الإلكتروني، وإدارة جداول الأعمال حينيّا، وتصّفح شبكة الإنترنت، وتحيين دليل العناوين وقائمة المهامّ وإجراء المحادثات الفورية، والعديد من الوظائف الأخرى. وقد تزامنت فترة ترويج الخدمة الجديدة لاتصالات تونس مع جملة من الإجراءات اتّخذتها عديد الدول المتقدمة تكنولوجيا مثل الولايات المتحدة الأمريكية ( جانفي 2009) حين حجز الفريق الأمني الرئاسي جهاز الـ”بلاك بري” الخاص بأوباما، ويعتقد مسؤولو الأمن الأمريكي أن البريد الالكتروني هو بمثابة فريسة لاختراقات محتملة من قبل وكالات التجسس الأجنبية، كما أن أي خطأ صغير كضغط المفتاح الخطأ مثلاً على لوحة المفاتيح، قد تؤدي إلى تسرب معلومات سرية إلى الناس. في نفس السياق وفي مصر، أعطيت أوامر إلى الأجهزة الأمنية والقصور الرئاسية والأماكن الإستراتيجية (جوان 2007) بعدم السماح بدخول الأفراد من غير العاملين بها بصحبتهم أجهزة هواتف محمول أو أي أجهزة من الأجهزة الإلكترونية الأخرى، وقررت تركيب بوابات إلكترونية خاصة تمتلك القدرة على الكشف عن تلك الأجهزة مهما تناهت في الصغر. وقد جاءت تلك الإجراءات الأمنية بعد أن كشفت شركة “S.G.D” المعنية بالأمن القومي الفرنسي بعد تحريات سرية دامت عامين أن استخدام الهواتف المحمولة من نوعية الـ”بلاك بري” خاصة من كبار موظفي الدولة قد مكّنت الاستخبارات الأمريكية والبريطانية من الحصول على معلومات غاية في السرية. وكشفت المخابرات الفرنسية أن كافة الرسائل والخدمات الهاتفية التي تتم عبر هواتف الـ”بلاك بري” تمر عبر خوادم الحاسب الآلي الموجودة بالولايات المتحدة وبريطانيا، الأمر الذي يعني حصول أجهزة الاستخبارات في هاتين الدولتين على كافة المعلومات. على المستوى الوطني كان بالإمكان تجنب الاصطدام بمثل هذه المنشورات لو وجد بالفعل تنسيق بين مختلف الوزارات…أو ليس من مهام وزارة تكنولوجيات الاتصال مثلا تحقيق التفاعل بين الوزارات بتشجيع المشاريع المعلوماتيّة بين الوزارات ودفع المشاريع المجدّدة… !!!أ لم يكن على الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية، التي أحدثت سنة 2004 والتي تتولى السهر على تنفيذ التوجهات الوطنية والإستراتيجية العامة في مجال السلامة المعلوماتية وتأمين اليقظة التكنولوجية، أن تعطي تقريرا شاملا وواضحا عن ميزات وسلبيات استعمال الـ”بلاك بري” قبل ترويجه بين المواطنين حتى لا يضطر الوزراء والمسؤولين الساميين، الذين هم في الأصل مواطنون يسعون إلى امتلاك التكنولوجيا الحديثة، إلى التخلي عنها بأمر سيادي… !!! إن التنسيق والتعاون بين الوزارات بهدف الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتوفرة وتحسين الأداء أمر ضروري، ولا نخاله يستعصي على مؤسسات الدولة حتى تنهض بالأداء العام ولا تقع في تناقضات هي في غنى عنها. (صحيفة الوطن التونسية العدد117 الصادر في 25 ديسمبر 2009)
المنسيّون في مقابرهم …هل من مزيد عناية؟
سامية زواغة جرت العادة أن يهتم الناس بقضايا معيشتهم في الدنيا فيعملون على توفير حلول تقيهم غوائل البطالة والجوع والأمية والفقر ويجاهدون في سبيل تحسين ظروف حياتهم ويسلكون كل السبل لأجل تحقيق الرفاه . ولكن نادرا ما يلتفت الناس إلى قضايا موتهم والعمل على توفير ما يحفظ لهم ولذويهم الكرامة والسكينة بعد الممات خصوصا وان زيارة المقابر والترحم على الموتى وإكرامهم قيمة ثابتة في حضارتنا وعاداتنا وتقاليدنا يسعى كل الناس للمحافظة عليها خاصة في المناسبات العائلية و الدينية والوطنية ولذلك فإن البلديات تعمل على إدراج المقابر ضمن واجبات تدخلها وعنايتها. غير أننا نلاحظ وفي مختلف مناطق البلاد أن المقابر العمومية لم تعد في غالب الأحيان حافظة للكرامة والمنزلة التي تليق بالموتى وواجب احترام رفاتهم وما يمثله من قدسية وقيمة بل نرى أنها أصبحت مراتع للمواشي وخلوة للمعربدين والمنحرفين بجميع أصنافهم يشجعهم على ذلك غياب الحماية والمراقبة والردع من المجتمع أو من السلطات التي يفترض بها السهر على حماية المجتمع الأحياء منه والأموات وخصوصا الأموات الذين لا حول لهم أمام عبث الأحياء. إن ما تتعرض له المقابر في زوايا البلاد الأربعة مع استثناءات تؤكد الظاهرة لا يقف عند حدود الإهمال والاستباحة التامة لحرماتها من قبل الذين لا يحترمون الحرمة بل إن للسلطات البلدية والمحلية دورا كبيرا في استمرار هذا التعدي على الأموات وبالتالي على مشاعر الأحياء وذلك يبرز من خلال عدم تخصيص عناية كافية بالمقابر من حيث الحماية والتسييج المناسب وفي غالب الأحيان عدم تخصيص ميزانيات للصيانة والإشراف عليها . من جهة أخرى يبدو أن المسؤولين البلديين يغرقون في شكاوى الأحياء فلا يكلفون هياكلهم معاناة الاهتمام بقضايا الأموات الذين قد يعجزون عن تبليغ شكاواهم . المقابر ليست بأقل قيمة من أي عمارة اجتماعية أخرى وهي تحتاج وربما أكثر من غيرها إلى عناية خاصة وصيانة دائمة تؤكد أننا نحترم فعلا موتانا ونقدر حقهم علينا في الإكرام وحسن تذكرهم وإذا كان بعض الناس قد اتخذوا من المقابر والأضرحة أماكن للعبث والمجون والارتزاق واستباحة ما لا يباح فإن من واجبات السلطات المسؤولة مقاومة هذا السلوك وتوفير كل شروط الراحة لسكان المقابر وزوارها أيضا و لعل سن مزيد القوانين الردعية يصبح ضروريا إذا ما عجزت القوانين الجاري بها العمل عن تحقيق الغرض . كما أن البلديات مدعوة لتخصيص ميزانيات معتبرة للعناية بالمقابر تعضد الجهد الشعبي الذي بدونه لعجز الكثير من الناس عن دفن موتاهم. ومع تقادم اغلب المقابر خصوصا في المدن وضيق المساحات المتبقية للدفن فإن الضرورة تقتضي هذا التدخل البلدي لتهيئة فضاءات جديدة تستجيب لجميع المواصفات المطلوبة إكراما للأموات ورحمة بالأحياء من ذلك السهر على تشجير المقابر وتنظيمها بشكل يسهل الحركة داخلها وحمايتها بأسوار مانعة ومداخل محروسة تعطي الانطباع للزائر المحلي والأجنبي أننا مجتمع يحترم موتاه . (صحيفة الوطن التونسية العدد117 الصادر في 25 ديسمبر 2009)
مشروع “ديزرتيك” للطاقة الشمسية
استغلال الجنوب لصالح الشمال
ابن الجنوب كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول أحد أهم مشاريع الطاقة التي تنوي دول الاتحاد الأوروبي انجازها في المرحلة القادمة وهو مشروع “ديزرتيك” والذي يمكن تلخيصه في استغلال الصحراء في منطقة شمال إفريقيا بالأساس لإنتاج الطاقة الكهربائية ثم حملها من خلال خطوط الضغط العالي والربط البحري إلى أوروبا. لقد قدرت كلفة المشروع بما يفوق 460 مليار يورو اي ما يعادل 50 سنة مقدار ميزانية تونس لسنة 2010 وأكثر من 20 سنة ميزانية تونس وليبيا مشتركتين أو ما يعادل ميزانية دول المغرب العربي الخمس طيلة العشرية الأخيرة. انه بالفعل رقم ضخم لمشروع ضخم تتوقع الدراسات انه يمكن أوروبا من حل مشكلاتها من الطاقة على أساس أن 90 ألف كيلومتر مربع من الصحراء يمكن أن يوفر الطاقة الكهربائية للمعمورة وان أوروبا ستتمكن في وقت قريب من توفير 15 في المائة من استهلاكها من الطاقة الكهربائية مما تنتجه مشاريع محطات إنتاج الطاقة الشمسية في إطار برنامج “ديزيرتيك”. رغم أن كلفة إنتاج الكهرباء من خلال تحويل الطاقة الشمسية مرتفعة جدا نظرا لان إنتاجية محطات الطاقة الشمسية لا تتعدى 13 في المائة في حين أن إنتاجية المحطات التقليدية يمكن أن تتجاوز 70 في المائة فان الدول الأوروبية تسعى جادة لتحقيق هذا البرنامج ومطالبة دول المنطقة مالكة الصحراء للانخراط فيه والجهات المانحة لتوفير التمويلات الضرورية وفي مقدمتها المؤسسات البنكية والبنك الدولي بالذات. طبعا أسئلة عديدة يمكن طرحها حول مبررات هذا المشروع وموقف دول الجنوب المعنية ومدى انخراطها فيه والسماح للدول الغنية باستغلال أراضيها وصحراءها لتوليد كهرباء نظيفة وغير ملوثة وبكميات تسمح بالحفاظ على مستوى العيش في أوروبا دون انبعاثات غازية إضافية ودون التصادم مع حركات الدفاع عن البيئة والمجتمع الرافض لمزيد من التلوث ومحطات استغلال الطاقة الاحفورية والمحطات النووية التي باتت تمثل خطرا على حياة الناس بل إن دولا مثل ايطاليا تواجه صعوبات في بناء خطوط نقل كهرباء ضغط عالي وهي تعمل جاهدة على توفير حاجتها من الطاقة الكهربائية من خارج الحدود وحتى إن لزم الأمر إقناع دول الجوار في جنوب البحر المتوسط بقبول بناء محطات إنتاج كهرباء تقليدية على أراضيها. وفي هذا الإطار يتنزل الاتفاق المبرم بين الحكومتين التونسية والايطالية والمتعلق بمشروع انجاز محطة خاصة لإنتاج الكهرباء بقدرة 1200 ميقاوات يقتني منها الجانب الايطالي 800 ميقاوات عن طريق ربط بحري بين الدولتين و400 الباقية تقتنيها وزارة الصناعة والطاقة التونسية عن طريق الستاغ. ولعل خطورة هذا المشروع تكمن في انه على الأرجح سيستعمل الفحم وهي طاقة ملوثة وستصيب كامل منطقة الوطن القبلي وليس منطقة الهوارية فحسب وإلا لماذا تصر ايطاليا على انجاز هذه المحطة في تونس وليس على الأراضي الايطالية ونحن نستغرب موافقة الحكومة التونسية على هكذا مشروع دون أن تكلف نفسها بأخذ رأي الشعب والمواطنين أصحاب الشأن في المنطقة. دول الشمال الغنية تحاول دائما أن توفر حاجياتها دون المساس بمستوى العيش وطبيعته مع ضمان بيئة نظيفة وهي تعي جيدا خطورة الوضع البيئي مثل ارتفاع حرارة الأرض والانبعاثات الغازية والتهديد الذي تمثله الطبيعة نتيجة مرحلة طويلة من سلوك هذه الدول منذ بداية الثورة الصناعية إلى الآن فهي قد بنت اقتصادها وقاعدتها المادية على حساب الدول الضعيفة وثرواتها ولكن أيضا على حساب البيئة. حماس الدول الغنية لمشروع “ديزرتيك” رغم علمهم بالكلفة العالية جدا الآن لإنتاج الكهرباء مرتبط باقتناعها بعناصر ثلاث: 1- إن تطوير هذه التكنولوجيا ومواصلة البحث العلمي في تطوير آلياتها وإنتاجيتها سيساهم في خفض كلفة الإنتاج. 2- إنها فرصة لإيجاد طاقة متجددة بديلة عن لطاقة النفط الناضبة وكما تحكمت بشكل مباشر أو غير مباشر في طاقة النفط التي بنت اقتصاديات الدول الغنية فإنها تسعى للتحكم في مصادر طاقة القرن والمرحلة المقبلة بذلك ستواصل هيمنتها على دول الجنوب التي لا تستطيع أن تستغل لوحدها هذا المخزون الهائل من الطاقة المتجددة في الصحراء. 3- إن توفير طاقة غير ناضبة وغير ملوثة وحتى تجهيزاتها بعيدة جدا عن أراضيها يجعلها في كامل الاطمئنان مع شعوبها ويمكّن رأس المال من العمل والكسب الوفير ولعل رقم 460 مليار يورو كاستثمار رقم هائل ة يكاد يكون خياليا ويسيل لعاب رأس المال الباحث عن الربح السريع والمضمون كما سيمكّن العديد من الشخصيات والعائلات الناشطة في مجال السياسة والاقتصاد وعالم المال من اخذ نصيبها من الكعكة. هذه هي مصالح الدول الكبرى أما دول الجنوب والدول العربية بالذات فان لا مصلحة مباشرة لها واغلبها ليس في حاجة ماسة لمثل هذه التضحيات وان كانت أسعار النفط مرتفعة ثم أنها ستدخل المفاوضات مع الدول الأوروبية كالعادة منفردة فتقبل بكل ما يطلب منها وسيدّعي إعلامها أنها الرابح الأول وأنها نالت السبق وفازت به كما تروّج الحكومة التونسية حول اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. إننا في حاجة تدريجيا لطاقة بديلة عن الطاقة الاحفورية ولكن في ظل توافق لكل دول المنطقة وبتعاون جدي فيما بينها لبناء المستقبل ونخشى أن تسارع كل حكومة من حكومات المنطقة لعقد اتفاقيات مع الدول الغربية ترهن بها مستقبل الأجيال كما كان الحال في ما حصل في مشاريع إنتاج الكهرباء بالمحطات النووية والتي أبرمت مع الحكومة الفرنسية إبان زيارات الرئيس الفرنسي لكل دولة على حدة .
(صحيفة الوطن التونسية العدد117 الصادر في 25 ديسمبر 2009)
نفحات من تفسير الدكتور الصادق شورو – الجزء الثاني
مفهوم السياسة بين المنطق العقلي والوحي وصلته بالواقع الحضاري
قال الله تعالى : ” بسم الله الرحمان الرحيم : والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر(2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3) “. لكي نرى ما يدل في هذه السورة على أصول سعي الإنسان السياسي علينا أن نحدد مفهوم السعي السياسي العام بما أمكن من الدقة ثم نقارب بين هذا المفهوم ومعاني آيات هذه السورة. إن مصطلح ” السياسة ” يطلق اليوم على ” فن الارتقاء بالمجتمع الإنساني من واقع مفضول إلى واقع أفضل منه ” . وإن ما يعرف عن فن أنه ذوق وإحساس بالوجدان وعلم وتدبير بالعقل. وإن المقصود بالارتقاء هو السعي من مرتبة دنيا إلى مرتبة أعلى منها في شتى اتجاهات السعي التي يعرفها الإنسان والتي تجمعها أربعة اتجاهات كبرى هي الاتجاه السياسي. وأما المقصود بالمجتمع فهو كل جمع بشري تجمع بين أفراده روابط عقدية فكرية واجتماعية اقتصادية وثقافية وسياسية فهو إما قبيلة أو شعب يضم عدة قبائل أو أمة تضم عدة شعوب. وأما الواقع فهو الحال الظاهر الذي يكون عليه الأفراد والروابط التي تربط بينهم وصورته متغيرة بين طرفي نقيض، كالإيمان والكفر، والغنى والفقر، والتماسك والتفرق، والعلم والجهل، والعدل والظلم، والحرّية والاستبداد. فالسياسة هي البحث والوجدان عن السبيل التي تجعل سعي المجتمع يرتفع به من حال عقدي فمري اجتماعي اقتصادي وثقافي وسياسي إلى حال أفضل، حتى إذا ما بلغ الأفراد أفضلها عرفوا معنى السعادة . فالغاية البعيدة للسياسة هي السعادة، كما رأينا أن غاية السعي العقدي الفكري هي الكمال. والمقصود ” بالسعادة” في الواقع الإنساني هو ” صفاء الفرد في ذاته وانسجامه مع غيره” فهي حالة ذاتية وجماعية لها جوانب عقدية فكرية واجتماعية اقتصادية وثقافية وسياسية، إذا أن صفاء الفرد في ذاته له شروط عقدية فكرية واقتصادية وثقافية وانسجامه مع غيره له شروط اجتماعية وثقافية وسياسية . إن الفرد في ذاته هو أن يرى صفات وأفعال الفطرة الحسية التي خلق عليها ، كالإيمان والعدل والإحسان والصدق ، ظاهرة فيه ونقيضاتها غريبة منه ، وأن تجد سبيلا سد حاجات عيشه كالطعام والشراب واللباس والمسكن . وأما انسجامه مع غيره فهو أن يرى نفسه مرتبطا بغير بروابط المودة والرحمة والأمن والسلام والحق والعدل. إن السعادة هي إذن حالة الفطرة الذاتية وحالة الفطرة الجماعية مقترنتان إحداهما بالأخرى في الواقع المجتمعي. فإن غابت إحداهما أو افترقت إحداهما عن الأخرى لم يبلغ حالة السعادة. إن حالة الفطرة الذاتية والجماعية، وهي حالة الإنسان المشرقة، وهي حالة يملكها كل فرد في باطنه العميق ولكن الذي يمنعها من أن تطفو إلي السطح وتظهر في الواقع الفردي والمجتمعي وهو سعي الإنسان لإظهار حالة نقيضة لها هي أيضا كامنة في باطنه العميق وهي حالته المظلمة . إن الإنسان في باطنه العميق حالتين متناقضتين من الفطرة الذاتية والجماعية ، حالة السعادة وحالة الشفاء . وهو بإدارته وسعيه قادر على أن يجعل إحداهما تطفوا إلى السطح وتظهر في الواقع والأخرى ترسب في القاع العميق فتختفي عن الواقع . وإن هذه الإرادة والسعي إلى السعادة هي التي سميناها ” سياسة”. إن السياسة بهذا المعنى هي سعي يبدأ عند كل فرد من المجتمع وليس خاصا بفئة أو مجموعة منه، فتقول عندئذ أن المجتمع ” يشوس” نفسه إذا سعى كل فرد فيه إلى إخراج حالته المشرقة من الباطن إلى الواقع وتغييب حالته المظلمة عن الواقع . إن السياسة تبدأ عند الفرد وتنتهي عند المجتمع، فمبدؤها الفرد وغايتها المجتمع وسبيلها سعي نحو السعادة أي الحالة المضيئة في الإنسان . وإن المجتمع ليسوس نفسه إذا ساس كل فرد فيه نفسه فحملها على إطار وجهها المشرق وإخفاء وجهها المظلم. وإن قدره الناس على سياسة أنفسهم تختلف بينهم اختلافا كبيرا، فمنهم من يظهر منه أكثر ما في وجهه المشرق وتخفي منه أكثر ما في وجهه المظلم، ومنهم من يظهر منه أكثر ما في وجهه المظلم وتختفي منه أكثر ما في وجهه المشرق، ومنهم من لا يظهر منه إلا القليل من هذا أو القليل من ذاك لذلك يترتب عن سياسة الناس لأنفسهم واقعا بعيدا عن حالة السعادة. فيحتاج المجتمع عندئذ إلى سياسة مجتمعية تقربه إلى هذه الحالة . فالسياسة إذن قسمان، قسم سياسة الفرد لنفسه ، وقسم سياسة المجتمع، ولكن مبدأ الأولى تختلف عن مبدأ الثانية، إذ الأولى مبدؤها الفرد والثانية مبدؤها المجتمع . وإن قسم سياسة المجتمع لنفسه هو ما اصطلحنا عليه بفنّ الإرتقاء بالمجتمع من واقع مفضول إلى واقع أفضل منه، وهو مصطلح السياسة في عمومه. إن سياسة المجتمع لنفسه هي حاجة نشأت عن اختلاف الناس في سياستهم لأنفسهم، وما هذا الإختلاف إلا تناقض في السياسات الفردية تجعل الأفراد يسعون في اتجاهات متناقضة ومت…. فيبعدون عن غاية السعادة . فسياسة المجتمع لنفسه هي إذن إزالة تناقض السياسات الفردية حتى لا تكون الحصيلة العامة لهذه السياسات إلا سعي نحو غاية واحدة هي سعادة المجتمع . إن ” السياسة” هي حاجة يفرضها الواقع الإنساني بوجهيه المشرق والمظلم وبقسميه الجزئي والكلي، إذ الواقع الإنساني يحتاج بطبعه إلى إظهار وجه المجتمع المشرق وإخفاء وجهه المظلم، ولا سبيل إلى ذلك إلا برفع التناقض بين الجزئي والكلّي ، أي بين الأفراد والمجتمع لقد رأينا فيما سبق أن السياسة هي فن، وأن الفن هو ذوق وإحساس بالوجدان وعلم وتدبير بالعقل . فأين هو وجه الحق في هذا الرأي؟ لقد رأينا أن غاية السياسة البعيدة هي السعادة، وأن السعادة في الواقع الإنساني هي صفاء الفرد في ذاته وانسجامه مع غيره. فبماذا يعرف الفرد صفاءه الذاتي وكيف يصل إليه ؟ أليس بالوجدان ذوقا وإحساسا. ثم كيف يعرف انسجامه مع غيره وكيف يصل إليه؟ بالعقل علما وتدبيرا تارة وبالوجدان ذوقا وإحساسا تارة أخرى . فالسبيل إلى الصّفاء الذاتي والانسجام الجماعي، الذي هو سبيل السياسة، ما هو إلا سبيل الوجدان والعقل معا، وذلك هو سبيل الفن . فالسياسة هي إذن فن يحكم أن سبيلها وسبيل الفن واحد. ولكن ما هي سيمات هذا الصفاء الذاتي فسيمته ظهور وجه الطبع الإنساني المشرق واختفاء وجهه المظلم ، أي ظهور وجه الحق واختفاء وجه الباطل، لأن الطبع المشرق هو الحق والطبع المظلم هو الباطل . فالصفاء الذاتي إنما يعرف ذوقا بالحق الظاهر وإن هذه المعرفة الذوقية ما هي إلا ” الإيمان” فللصفاء الذاتي سمة أولى هي الإيمان بالحق. ولقد رأينا أيضا أن صفاء الفرد في ذاته مشروط بسد حاجات معيشته من طعام وشراب وملبس ومسكن، وإن السبيل إلى ذلك هو العمل الصالح، فالسمة الثانية للصفاء الذاتي هي العمل الصالح. وأما الانسجام الجماعي الذي يدرك بالعقل فإن من سيماته رفع التناقض بين أجزاء الكل أي بين الفرد والجماعة،ة كما رأينا سابقا ولكن ما معنى رفع التناقض بين أجزاء الكل؟ أليس هو قبول كل جزء بما يراه أو يطلبه أجزاء آخرون من الحق ، فسبيل رفع التناقض بين الإفراد إنما هو التقاؤهم حول رؤية واحدة الحق وتحمّل مشقة السعي إليها جميعا وذلك هو الصّبر . إن من سيمات الإنسجام الجماعي إذن الإرتقاء حول الحق، والصبر في السعي إليه. هكذا نرى أن السعادة التي هي صفاء ذاتي وانسجام الحق والصبر . وهذه السيمات هي التي جاءت في سورة العصر كسبيل للفوز بالسعادة : إذ قال فيها تعالى ” إن الانسان لفي خسر ” أي خسر السعادة ولم يفز بها ” إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتوصوا بالحق وتوصوا بالصبر” . ولقد رأينا أن الفوز بالسعادة هو غاية السياسة . فسورة العصر قد بينت إذن أصول السياسة التي بها يفوز الإنسان بالسعادة وهي نفس الأصول الأربعة التي وصلنا إليها بالتحليل المنطقي لمفهوم السياسة والسعادة. هكذا نرى التقاء الوحي والمنطق العقلي حول مفهوم السياسة. إن بهذا الإلتقاء المبين عقليا تسقط حجة كل من يريد أن يجعل حاجزا بين السياسة وأصولها الدينية إما عن جهل بهذه الأصول وإما عن جهل بمفهوم السياسة المنطقي . إن آيات سورة العصر الثلاث ليست هي وحدها التي تبين ارتباط مفهوم السياسة العقلي بأصوله الدينية بل تبينه أيضا آيات كثيرة أخرى من القرآن والسنة النبوية الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أول من ربط في الواقع بين السياسة وأصولها الدينية . إن سورة العصر مكية أي أنها نزلت قبل الهجرة أي قبل أن تنشأ الدولة الإسلامية الأولى في يثرب، وهذا يعني أن مفهوم السياسة بأصوله الدينية ليس مرتبطا بمفهوم السياسة الدينية هو مفهوم عام مرتبط بكل مجموعة بشرية تربط بينها روابط عقدية فكرية أو اجتماعية اقتصادية او ثقافية أو سياسية ولو لم تكن لها دولة وهي ما يعرف بالأحزاب السياسية. إن الحزب السياسي الذي يربط مفهوم السياسية المنطقي بأصوله الدينية. إنما يعطي لمفهوم السياسة معناه الكامل والصحيح، وكذلك الدولة التي تربط مفهوم السياسة المنطقي بأصوله الدينية. ذلك أن الأصل هو الرابط بينهما والاستثناء هو الفصل بينهما . إن الفصل بين الدين وسياسة الدولة أو سياسة الحزب السياسي هو ما يعرف باللائكية التي هو مفهوم دخيل على المجتمعات الإسلامية وغريب عنها، استورده بعض مفكر بها وحكامها من دول الغرب ظنا منهم بأنه شرط من شروط الوصول الى ما وصلت إليه هذه الدول من التقدم والازدهار. وهو جزء من الفصل بين الدين وكل جوانب سعي الانسان أي السعي اللائكية هي مذهب فكري في رؤية العلاقة بين الدين وحياة الانسان المجتمعية مبني على الانفصال الكلي بينهما . فهو يحكم بأن الدين لا شأن له بالروابط الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تربط بين أفراد المجتمع وإنما هو أمر خاص بالأفراد ، أي هو ليس أكثر من شعائر فردية كالصلاة والصوم والحج . إن الإنفضال بين الدين والمجتمع الذي يحكم به مذهب اللائكية يعني ضرورة الفصل بين الدين وكل مؤسسات المجتمع، السياسة كالدولة والأحزاب السياسية والاجتماعية كالجمعيات الثقافية والخيرية وغيرها، والاقتصادية كالشركات الفلاحية والصناعية والتجارية، والثقافية كالمدارس والمعاهد والكليات. لقد قلنا أن المذهب الفكري مستورد من الغرب وذلك لأنه ظهر أول ما ظهر في المجتمعات الأوروبية على أيدي بعض المفكرين والفلاسفة لمّا كانت الكنيسة المسيحية في أوجه سيطرتها على تلك المجتمعات ولمّا بلغت تلك المجتمعات أسفل درجات الشفاء والبؤس فظن عندئذ هؤلاء المفكرون والفلاسفة والعلماء أن الدين المسيحي وبؤسه، وهو ظن خاطئ إذ لم يفرّقوا بين الدين المسيحي وبين الكنيسة المسيحية أي رجال الدين الذين كانوا يشرّعون للمجتمع المسيحي ويسوسونه . ذلك أن هؤلاء قد ابتعدوا عن أصول هذا الدين وزاغوا عن أحكامه إلى حدّ أن شرّعوا من الأحكام والقوانين ما هو متناقض تماما مع أصول الدين ويعملون به في واد آخر، ولكن رجال الكنيسة كانوا ينسبون كل ما يحكمون ويعملون إلى الدين حتى استيقن الناس ذلك ولا سيما المفكرون والفالسفة والعلماء الذين كانوا يجهلون حقيقة الدين، فارتبطت عندئذ * صورة الدين الحقيقية بصورة الفكر الديني المتخلف الذي أشاعه رجال الدين وهذا هو الخطأ الأصولي الذي وقع فيه هؤلاء . وهو خطأنا شيء عن جهلهم بالصورة الحقيقية للدين ، إذ لو علموها لفرّقوا بينها وبين الفكر الديني الغريب عنها الذي ابتدعته الكنيسة آنذاك، ولرأوا أن فكر الكنيسة المسيحية آنذاك هو أبعد ما يكون عن أصول المسيحية . ولذلك فأنهم عوض أن يرفضوا فكر رجال الدين لمّا رأوا فيه الضّلالة بعينها رفضوا الدين جملة وتفصيلا، وعوض أن ينسبوا شقاء المجتمع المسيحي وبؤسه إلى فكر رجال الدين نسبوه إلى الدين ذاته، فرفضوا الدين والفكر الديني معا وقالوا أن الهداية والنور إنما هما في الفكر الذي ليس له أي صلة بالفكر الديني وخلاص المجتمع من الشفاء والبؤس إنما الهو في الفصل بينه وبين الدين . وهكذا نشأت اللائكية على أساس نبذ الفكر الديني والفصل بين الدين والمجتمع. إن اللائكية قد جاءت نتيجة عاملين رئيسيين، الأول هو انحراف رجال الكنيسة المسيحية عن اصول دينهم فكر وعملا وعمّا يقتضيه التطور الفكري والعلمي والثاني هو جهل الفلاسفة والمفكرين والعلماء بأصول المسيحية فلو أفلح رجال الكنيسة المسيحية في وضع فكر يربط بين أصول دينهم بأصوله وفروعه غير مشوّهة بتراكمات الضلالات الفكرية المتعاقبة عليه عبر العصور لما نشأت اللائكية، ولو جد رجال الدين والفلاسفة مساحة فكرية مشتركة يقفون عليها جميعا ومنهجا واحدا يسوقون فيه المجتمع لإخراجه من واقع الشفاء والبؤس. وإن هذين العاملين الذي جعل اللائكية ترى النور في المجتمعات الإسلامية مضاف إليها عامل ثالث هو عامل الاحتكاك الحضاري. إذ مرّت هذه المجتمعات بفترة نضب فيها معين الفكر الديني الصافي أو كاد وخيّم عليها فيها شبح البؤس والشفاء والوهن حتى تداعت عليها الشعوب الأوروبية كما تتداعى الجياع على قصعتها، وبذلك التحقت الشروط الكافية لنبات اللائكية في أرضها كما التقت قبل ذلك اللائكية في المجتمعات الأوروبية. انه لمّا غزت الحضارة الأوروبية الشعوب الإسلامية لتستأثر بخيراتها وغلبتها على أرها بالقوة العسكرية استفاقة هذه الشعوب لترى أنها قد هوت إلى الدرجات السفلى من السلّم الحضاري بينما كانت الشعوب الأوروبية ترتقي إلى الدرجات العليا. فطفق عندئذ بعض مفكّريها قادتها يتساءلون عن العوامل التي جعلت زمام الحضارة والقوة يفلة من أيديهم ويستقر بأيدي الشعوب الأوروبية . وبعد درس الجدذور الفكرية للنهضة الأوروبية الحديثة وتمصيصها علموا أن مذهب اللائكية كان أحد عواملها الرئيسية وأن الشعوب الأوروبية لم تكن لتخرج من واقع البؤس والشفاء وتبني هذه الحضارة التي قهرت بها الشعوب الإسلامية إلا لمّا نبذت الفكر الديني وفرّقت بين الدين والمجتمع بل وأنكرت حتى الأصول العقدية في الدين كالإيمان بالله واليوم الآخر.ثم إن هؤلاء لمّا نظروا في واقع المجتمعات الإسلامية راوا فيه بعض سيمات واقع المجتمعات الأوروبية قبل نهضتها الحديثة وأبرزها تخلّف الفكر الديني وانتشار عوامل البؤس والشفاء في المجتمع كالفقر والجهل والمرض. فقالوا عندئذ انه لا خلاص لنا من واقعنا المتخلف ولن تكون لنا نهضة تضاهي نهضة الشعوب الأوروبية القوية والمزدهرة إلا باتباع مذهب اللائكية. هكذا وقع هؤلاء المفكرون والقادة المسلمون في نفس الخطا الذي وقع فيه رواد اللائكية الأوروبية بل وأضافوا إليه خطأ آخر هو وضع تشخيص وعلاج واحد لنمطين مجتمعيين مختلفين اختلافا جذريا هما النمط المسيحي الأوروبي والنمط الإسلامي . إذ أنه رغم التشابه بين بعض سيمات واقع المجتمعات الأوروبية قبل نهضتها وواقع المجتمعات الإسلامية في فترة تخلّفها فإن كثيرا من السيمات الأخرى تجعلهما مختلفين تماما دينيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا. فلئن كان التخلف واحدا فإن عوامله ومظاهره المتعددة قد تختلف من مجتمع إلى آخر كيف وكما، فالخروج منه عندئذ لا يكون بنفس السبيل وجوبا، بل إن سبيل الخروج من التخلف ينبغي أن تختلف باختلاف عوامله ومظاهره، ومن لم يراع هذا الإختلاف فقد أخطأ التشخيص والعلاج معا. وإن من أبسط مظاهر الإختلاف بين تخلف المجتمعات المسيحية الأوروبية والمجتمعات الإسلامية فكريا ودينيا هو أن الأولى كانت تخضع إلى سلطة فكرية دينية تسمى ” الكنيسة المسيحية” وتضم عددا من كبار رجال الدين ولها نواميسها وطقوسها وتنظيماتها الخاصة ونفوذها يسري في كل طبقات المجتمع بما في ذلك الطبقات السياسية العليا والدنيا فهي تكاد تكون صاحبة النفوذ المطلق فكريا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا . فاذا ما أصاب هذه الكنيسة الوهن والجمود والمرض سرى كل ذلك في المجتمع بكل طبقاته . لذلك يصدق القول أن تخلف المجتمعات الأوروبية وبؤسها مرتبط ارتباطا عضويا ومباشرا وقويا ” بالكنيسة المسيحية ” . أما المجتمعات الإسلامية فلم تكن تخضع لمثل هذه السلطة الفكرية الدينية ، حتى وإن كان لرجال الدين دور في توجيه المجتمع ، إذ لم يكن لهؤلاء تنظيم وسلطة خاصة تجعلهم أصحاب نفوذ فكري واجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي يسرى في كل طبقات المجتمع.لذلك لم يكن واقع الفكر الديني في المجتمعات الإسلامية مرتبطا عضويا ومباشرا بواقع المجتمع العام . فقد يكون الفكر الديني متقدما في الوقت الذي يكون فيه واقع المجتمع متخلفا أو العكس. لذلك فإنه لا يصدق القول وجوبا بأن تخلف الفكر الديني، إذ قد يكون الفكر الديني بريئا من ذلك ويكون السبب الحقيقي للتخلف سياسيا ومرتبطا بالطبقة السياسية وفكرها وعملها. هذا أحد وجود الإختلاف الكثير بين واقع المجتمعات المسيحية الأوروبية والمجتمعات الإسلامية في عصور تخلّفها التي تفرض أن يكون تشخيص المرض وترتيب العلاج مختلفا تماما بينهما . فقد كان على المفكرين والقادة * في المجتمعات الإسلامية أن يفرقوا بين مظاهر تخلف المجتمعات المسيحية في القرون الوسطى ومظاهر تخلف المجتمعات الإسلامية ثم أن يفرقوا بين عوامل تخلّفهما ثم أن يفرّقوا أخيرا بين سبيل نهضتهما. ولو فعلوا ذلك لما وجدوا حاجة البنة إلى اتباع سبيل اللائكية للنهضة بالمجتمعات الإسلامية بل لوجدوا سبيلا آخر وأقوم من هذا السبيل. فلو أنهم سرّحوا النظر في تاريخ الحضارة الإسلامية لاستطاعوا استنباط سبيل لنهضة إسلامية حديثة أقوم وأيسر من سبيل اللائكية. ذلك أن نهضة المجتمعات الإسلامية الأولى وحضارتها لم تبن على اللائكية بل بنيت على أصول الدين الإسلامي، إذ استنبط مفكروها وحكماؤها فكرا دينيا إسلاميا متقدما وجعلوا الدين الإسلامي روحا تسرى في كل فئات المجتمع ومؤسساته لترتقي به في درجات السلم الحضاري فكريا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا .هكذا قامت على أساس الدين الإسلامي حضارة إنسانية راقية مازالت آثارها ترى حتى في الأقطار الأوروبية وكانت إحدى الركائز التي قامت عليها الحضارة الأوروبية الحديثة فما الذي يمنع اليوم من بعث دورة حضارية جديدة على أساس الدين الإسلامي تضاهي الحضارة الأوروبية الحديثة كما بعثت الدورة الحضارية الإسلامية الأولى . لا شيء يمنع من ذلك إلا ضعف الإرادة والاستسلام للحضارة الغالبة . فلو تعلقت إرادة المفكرين والعلماء والحكماء والحكّام المسلمين ببعث دورة حضارية إسلامية جديدة تستمد روحها من أصول الدين الإسلامي ولو تحرّروا من عقيدة التبعية للحضارة الغربية لاستطاعوا بناء صرح حضاري إسلامي جديد يضاهي الصرح الغربي قوّة ومتانة أو يفوقه. إن اللائكية ليست هي السبيل الحتمي لنهضة المجتمعات الإسلامية ولا غيرها من المجتمعات، بل إن سبيلها الأقوم هو ” السبيل الإسلامية ” التي يجعل الإسلام هو القاعدة التي تقام عليها كل أركان النهضة العقدية الفكرية والاجتماعية الاقتصادية والثقافية والسياسية . إن مثل الذين يريدون إخراج المجتمعات الإسلامية من التخلف باللائكية مستعيضين بها عن الإسلام كمثل طبيب يريد أن يشفي مريضه بدواء غريب عنه، ونسي أن في البيت وقد جربه من قبل وكان فيه الشفاء أم أن يخرج باحثا عن دواء غريب غير مستيقن من شفائه؟ لا شك أن دواء البيت هو أقرب وأيسر للشفاء كذلك فإن ” السبيل الإسلامية ” هي أيسر وأقوم >لنهضة المسلمين من اللائكية. إنه ليس للمفكرين المسلمين ولا لحكمهم حجة لا في أن الإسلام غير صالح ليكون قاعدة النهضة في المجتمعات الإسلامية، لأنه كان كذلك في دورة حضارية سابقة، ولا في أن اللائكية هي السبيل الوحيدة للنهضة، لوجود سبيل آخر وهي” السبيل الإسلامية ” التي جرّبها المسلمون السابقون وآتت أكلها . بل الحجة قائمة على عكس ذلك تماما أي على أن الإسلام صالح يكون قاعدة وسبيلا لنهضة جديدة، ويكفي لذلك أن يستنبط المفكرون من أصول الإسلام رؤية فكرية حديثة وشاملة لكل جوانب السعي الإنساني وأن يجعل الحكام روح الإسلام تسري في كل مؤسسات المجتمع وفئاته ليهتدي جميعهم إلى أيسر وأقوم سبيل النهضة الجديدة. وإنه لمن الخطأ المنهجي الفادح والتناقض الجوهري أن يتحدث المفكرون المسلمون عن الخروج من هيمنة الدول الغربية والتحرّر من أغلالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهم قد اتخذوا اللائكية قاعدة لكل أعمالهم وروح تسري في مجتمعاتهم إذ أن هذه القاعدة التي قامت عليها النهضة الغربية بكل بناءاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لن تقوم عليها في المجتمعات الإسلامية إلا بناءات مرتبطة ارتباطا وثيقا بمثيلاتها في الدول الغربية، أي أنها لن تكون إلا جزء منها. فكيف يجوز عندئذ الحديث عن التحرّر من هيمنة الدول الغربية لمن يسعى في الحقيقة بكل جهده ليكون جزء منها . أليس ذلك هو التناقض بعينه؟ إن التحرّر من هيمنة الدول الغربية لا يتيسّر إلا لمن أقام بناءه المجتمعي على قاعدة مغايرة تماما للقاعدة التي أيم عليها بناء المجتمع الغربي، أي لمن يجعل اللائكية قاعدة ومسلكا للبناء المجتمعي بل جعل الإسلام هو القاعدة والسبيل إلى ذلك . ذلك أن الفكر اللائيكي إنما هو كالبذرة لا تنبت إلا نفس الشجرة ولا تخرج إلا نفس الثمار سواء بذرتها في المغرب أو في المشرق . فإذا زرع هذا الفكر في المشرق أو المغرب الإسلامي فانه لن تنبت ويثمر إلا مجتمعا على نفس الصورة التي عليها المجتمع الغربي، فكيف السبيل عندئذ إلى التفريق بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي وقد ذاب الأول في الثاني كما يذوب الملح في الماء. إنه على المفكرين والحكام المسلمين أن تختاروا بين وجهتين مختلفتين اختلافا كبيرا، إما * إقامة نهضة ومجتمعا متحرّرين ومستقلين عن المجتمع الغربي فعندئذ لا قاعدة ولا سبيل إلى ذلك إلا من أصول الإسلام ، وإما أن يرضوا بأن تكون نهضتهم ومجتمعهم جزء من النهضة والمجتمع الغربي، الذي هو غريب تماما عن المجتمع الإسلامي، وسيكون لهم ذلك إذا ما جعلوا اللائكية قاعدة ومسلكا لبناء نهضتهم ومجتمعهم، وليس لهم أن يقولوا نريد أن نبني مجتمعا متحررا من أغلال الدول الغربية وحضارة مستقلة عن الحضارة الغربية ونريد أن نجعل اللائكية قاعدة وسبيلا لبلوغ هذه الغية، فذلك لا يستقيم لا عقلا ولا واقعا لأن الفكر اللائكي متناقض مع أصول الإسلام ولأن واقع المجتمع الإسلامي مغاير لواقع المجتمع الغربي. فإذا ما اختار المفكرون والحكام الوجهة الأولى فإن ذلك لا يعني رفض كل ما يأتي من الغرب فكرا أو عملا ، بل على العكس، أن لا يرفض من فكر الغرب وعمله إلا ما هو مناقض لأصول الإسلام عقيدة وعملا. لأن نهضة الشعوب والأمم إنما قامت على مبدأ إثبات هو مبدأ ” الأخذ الحضاري” الذي يعني أن كل أمة إنما تاخذ لبناء نهضتها على الأمة أو الأمم التي سبقتها في الحضارة، كما أخذت الأمة الإسلامية لبناء حضارتها عن الأمم الفارسية والهندية واليونانية، وكما أخذت الشعوب الأوروبية لبناء حضارتها عن الأمة الإسلامية . وكما أن الرفض من الغرب لا يكون كليّا فكذلك الأخذ منه لا يكون كليّا. وإنما يكون الأخذ والردّ ” انتقائيا”، بمعنى أن لا يؤخذ من الغرب إلا م لا يتناقض مع أصول الإسلام عقيدة وعملا ولا يرد عنه إلا ما هو متناقض مع هذه الأصول . فمقياس الأخذ والرد هو أصول العقيدة والعمل في الإسلامـ يؤخذ ما وافقها ويردّ ما خلفها . إن هذا المقياس هو الشرط الأول لتكون نهضة المجتمعات الإسلامية متمايزة ومستقلة عن النهضة الغربية ومتحررّة من قيودها، وهو الشرط الذي جعل نهضة الأمة عن نهضة غيرها من الأمم، ولقد كان هو الشرط الذي جعل نهضة الأمة الإسلامية الأولى متمايزة ومستقلة عن حضارة الأمم التي أخذت عنها . بناء على هذا الشرط المبدئي فإن اول ما ينبغي ان يرد عن الحضارة الغربية مذهب اللائكية ، لأنه متناقض كليا مع أصول العقيدة والعمل في الإسلام. ولنكن في ذلك معتبرين فقط بما فعله الشعوب الأوروبية لما كانوا في الطور الأول من نهضتهم غذ أخذوا عن الأمة الإسلامية علومها وفنونها وآدابها وحتى بعضا من شرعيتها وردّوا عنها أصول دينها. عن العالم اليوم يعيش ف ظل حضارة واحدة هي الحضارة الغربية اللائكية التي اكتسحت كل الأمم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وهيمنة على كل الشعوب بكل وسائل المدينة والعسكرية . وإن من أبرز سيمات هذه الحضارة انها مهلكة للإنسان ومدمّرة للعمران، لم تر أكثر شعوب الأرض منها إلا البؤس والشفاء فيما استأثرت قلة قليلة منها بأسباب الرخاء ولقد أحكمة الشعوب الغربية الحاملة لواء هذه الحضارة قبضتها على الشعوب المستضعفة وأرهقتها إرهاقا جعلها تبحث عن النجاة وعن مخرج لها من كابوس الغربيين القاتل . إن هذه الشعوب لن تستطيع المنجاة من ورطتها إلا إذا أطلت على العالم حضارة جديدة متمايزة أصولها العقيدية عن الحضارة الغربية لتستطيع هذه الشعوب أن تختار من بينهما تلك التي ترى فيها رخاءها وسعادتها . إن الشعوب في حاجة إلى ان تكون لها حرية الإختيار بين الإيمان والكفر . إن الإنسان خلق حرّا في اختيار عقيدته بين عقيدتين متناقضين، وكذلك الشعوب والأمم ينبغي أن تكون حرّة في اختيار وجهتها الحضارية بين وجهتين حضارتين متناقضتين، ولا سبيل إلى هذه الحرية إلا إذا وجدت هاتين الوجهتين، وجهة أخرى إلى جانبها مناقضة لها في أصولها العقدية الفكرية، وما هذه الوجهة إلا وجهة الحضارة الإسلامية هكذا نرى ان بناء نهضة إسلامية حديثة يقتضيه مبدأ حرّية الشعوب في اختيار وجهتها الحضارية . وان هذا البناء قد حان وقته الآن لأن العالم قد دخل اليوم في فترة أحادية الحضارة.إنه على المفكرين والمثقفين والحكام المسلمين أن يعوا بأنهم يمرون بلحظة تاريخية تدعوهم إلى رفع ” الاحتكار الحضاري الغربي” لتمكين شعوبهم وكل الشعوب المستضعفة من حرية اختيار وجهتهم الحضارية بين الوجهة الغربية والوجهة الإسلامية ، وأول خطوة في هذا السبيل هي بناء نهضة إسلامية حديثة قائمة على أصول الدين الإسلامي ومتمايزة عن أصول الفكر اللائكي. إنه ليس من الغريب أن نرى اليوم دول الغرب تتفق على منع قيام النهضة الإسلامية الحديثة وتجنّد لذلك كل وسائلها المدنية والعسكرية المستحدثة، فهي تحاصر الدول الإسلامية الحديثة التي خرجت عن طاعتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا، كما تحاصر الحركات الإسلامية الأصولية الناشئة في المجتمعات بشتى الوسائل المدنية والعسكرية ، وإنها ما تفعل ذلك إلا لعلمها بأن قيام نهضة إسلامية حديثة سيجعلها تفقد هيمنتها على العالم بأسره ويفتح الباب أمام شعوب العالم لتتحرّر من قيودها، ولعلها أيضا بأن القاعدة الأصولية الفكرية المستمدّة من أصول الدين الإسلامي في هذه النهضة هي قاعدة نقيضة لأصول الفكر اللائكي الذي قامت عليه الحضارة الغربية . إنه لا همّ اليوم لرمز الحضارة الغربية إلا منع النهضة الإسلامية الحديثة من بلوغ غاياتها، فكريا عن طريق المحاضرة الكلية للأنظمة والحركات الإسلامية الأصولية، حتى تبقى الحضارة الغربية مهيمنة على كل شعوب العالم بدون منازع. عن النزاع الحضاري العالمي اليوم هو نزاع بين مرتكز النفوذ في الغرب ولواحقها في المجتمعات الإسلامية وبين الأنظمة الأولى تريد المحافظة على سيطرتها الكاملة والشاملة على كل الشعوب بدون استثناء، والأطراف الثانية تريد التحرّر من هذه السيطرة لها ولكل الشعوب . إنها إذن معركة تحرّر عالمية، وإنها لا تختلف عن المعركة التي خاضتها الشعوب المستعمرة في بداية هذا القرن من مستعمريها إلا في الوسائل والأساليب لأن موضوع النزاع وجوهره واحد هو إرادة تحرر المستضعفين من هيمنة المستكبرين وتقرير مصيرهم . ولأن الوسائل والأساليب قد تطوّرت فأصبحت تغلب عليها الوسائل السياسية والاقتصادية والمالية والثقافية وأساليب الترغيب والإقناع والجملة، ولا تجند وسائل قد أضعت أشد فتكا وإرهابا والأساليب أكثر تنوعا وإغراء مما كانت عله في القرن الماضي. إن هذه المعركة ستكون معركة هذا القرن إذ هي ليست معركة عام أو بضعة أعوام بل سيكون وقودها أجيال من المستضعفين. ذلك لأنها معركة حضارية تشمل الجوانب العقدية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ولأنها معركة عالمية تدور رحاها بين أكثر الشعوب المستعصية وبين مراكز الهيمنة المنتشرة في كل أنحاء العالم، سواء كانت دولا أو مؤسسات اقتصادية ومالية عالمية أو منظمات سياسية وثقافية واجتماعية عالمية. وإن اول خطة تخطوها الشعوب الإسلامية المستعصية وطلائعها المثقفة والمفكرة والواعية لخوض هذه المعركة هي التصدي للفكر اللائكي ومواجته بفكر إسلامي حديث قائم على أصول الإسلام وممسك بناصية الواقع الإنساني الحديث بمختلف جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والثقافي والسياسي ونشر هذا الفكر في كل فئات المجتمعات الإسلامية وغيرها.ليكون هو الأرض الصلبة التي تقف عليها هذه المجتمعات في معركة تحرّرها العملية . لأن جهد المجتمعات العملي في هذه المعركة لن يثبت في المقاومة إلا إذا سبقه وواكبه جهد فكري ينير له السبيل ويبين له الحقائق ويكشف زيف الفكر المقابل وعمله ويفتح له الأفاق ويدفع عنه الشبهات ويدحض الأقاويل الباطلة . إن لبّ المعركة عقائدي فكري وقشرتها اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية فلن تتغير قشرة المجتمعات إلا إذا تغير لبها . ولن تفشل قوى الهيمنة في زرع اللب اللائكي وتنميته في هذه المجتمعات إلا إذا أفلحت الطلائع المفكرة والواعية في زرع اللبّ الإسلامي الحديث في مجتمعاتها. وإن المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات المستضعفة لن تستطيع كسب معركة التحرّر الكامل ما لم تخص تكسب المعركة العقائدية الفكرية. وإن لنا لعبرة فيما آلة إليه المعركة و التحرّر السابقة . إذ أن الشعوب لئن كسبت فيها سياسيا وعسكريا فإنها لم تكسب المعركة العقائدية الفكرية وأن لنا لعبرة فيها آلة إليه الحركة السابقة . إذ أن الشعوب لئن كسبت فيها سياسيا وعسكريا فإنها لم تكسب المعركة العقائدية الفكرية إذ ظلت المجتمعات الإسلامية تعيش فراغا عقائديا فكريا بعد تحرّرها الجزئي حتى تسرب إليها الفكر العلماني عن طريق بعض نخبها الفكرية والسياسية، فما لبثت ان وجدت نفسها تحت كلكل هيمنة غربية أشد وطأ من سابقتها . ولو ان هذه الشعوب استكملت حرّيتها بالتحرّر العقائدي الفكري وتحصّنت بفكر إسلامي أصولي حديث لدفع الفكر اللائكي الغربي لما وجدت قوى الهيمنة الغربية سبيلا لإعادة استعبادها إن المعركة العقائدية الفكرية قد انطلقت منذ بداية القرن الماضي مع الشيوخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وأبو الأعلى المودودي وغيرهم ولكن أن تستمر وتتسع دائرتها لتشمل مواضيع الفكر الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي وغيرها ولتحيط بكل جوانب واقع المجتمعات الإسلامية. (المصدر : موقع الـــــحـــــو ار نـــــت بتاريخ 26 ديسمبر 2009 )
النظام المصري وليس مصر
د.منصف المرزوقي
متى يكف الصحافيون والمحللون عن كتابة جمل لا معنى لها مثل : مصر تقيم جدارا فولاذيا …مصر تعزل غزة…مصر تبرر قرارها بالسيادة الوطنية …الخ. ثمة في مثل هذه العنواين والتحاليل خطأ لا يغتفر، في أحسن الأحوال دليل جهل وفي أسوأها تواطؤ خبيث. فمصر هي مكانا أكثر من مليون كيلومتر مربع وزمانا أكثر من خمسة آلاف سنة وتمدنا هي تتابع أعرق حضارات الأرض وإنسانيا سبعين مليون نسمة هم حلقة من سلسلة الأجيال المتتابعة منذ فجر التاريخ والتي ستتواصل قرونا لا يعلم عددها إلا الله. أن يختزل كل هذا في نظام سياسي فاقد الهيبة وفاقد الشرعية فوالله إنه العجب العجاب. يا كتبة مثل هذه العبارات السخيفة اعلموا أن النظام المصري هو الذي منع الداء عن غزة منذ سنة وهوالذي يصرف أموالا المصريون بأمس الحاجة إليها لإقامة جدار العار…لا مصر التي يتغتصب شرعية الحديث باسمها عبر انتخابات يعلم الكل طبيعتها. عوض الانخراط في كذبة النظام المصري وتمريرها بسذاجة والانخراط فيها لاشعوريا أي أنه فعلا مصر وعلى الأقل .الناطق الشرعي باسمها ، كان أحرى بكم التعمق في سبب العملية الإجرامية الأخيرة. إن فهمها يمرّ بتذكّر السراتجيات الثلاث للنظام المصري – وهي نفسها لكل نظام عربي 1- البقاء في السلطة أيا كانت التبعات 2- البقاء في السلطة بأي ثمن 3- البقاء في السلطة مهما كانت الظروف في إطار هذه الستراتجيات الثلاث يمكن فهم العملية وتوقع ما أبشع منها . يجب أن يكون حاضرا دوما للأذهان أن مثل هذا النظام يعرف أن بقاؤه رهن بتحقيق شرطين 1- تواصل السند الخارجي أي الأمريكي الإسرائيل وهذا يمر بالانخراط في خطتهما: الاستسلام لا السلام . 2- كسر شوكة وروح المقاومة وإخماد نارها داخل مصر وعلى حدودها . ويتصادف في حالة غزة تبخر الفارق بين الداخل والخارج بما أن النظام المصري يعتبر حماس شقا مسلحا من الإخوان المسلمين الذي يعتقد – خطأ- أنهم يشكلون خطرا على اسراتجيته الثلاثة وبالتالي فإن كسرهم في غزة هو تحقيق نصر على أعداء الداخل. الاستنتاج من كل هذا ؟ الكف عن تحميل مصر ما لا ذنب لها فيه وهي قبل فلسطين ضحية نظام خصخص، ككل نظام عربي آخر، الوطن والوطنية….رمي الجسور بين المجتمعات المدنية والشعوب العربية التي أصبح النظام السياسي العربي الفاسد عاملا بالغ الخطورة في التفريق بيها ورميها في أعناق بعضها البعض وتنمية الفرقة والكراهية بينها…التمسك بخيار المقاومة السلمية للتعجيل بنهاية النظام السياسي العربي الفاسد…استغلال كل الأخطاء التي يرتكبها هذا النظام الآيل للسقوط للتعجيل بنهايته. ما لا يدركه النظام الحالي في مصر أنه في الوضع الذي عاشه نظام فاروق وقد بلغت القطيعة بينه وبين الشعب والأمة عمقا غير قابل للتجسير…ويومها أيضا كانت فلسطين هي الشرارة .
الاغتيال الفرعوني كتبه عبدالحميد العدّاسي
لمّا فكّر الفراعنة (*) في اغتيال إخوانهم القاطنين في غزّة المحاصرة بسور اسمنتي، عنصري المبدأ يهودي التخطيط صهيوني الحاجة أمريكي الصنع، نظرت إلى غزّة فوجدتها قد فُقِدت واستولي عليها خلال حرب 1967، تلك الحرب التقييمية لما يسمّى بـ”العرب” (والعرب منهم براء) حيث أظهرتهم جبناء فاشلين كاذبين منافقين ولكنّهم متمسّكين بـ”السيادة”… تلك “السيادة” التي أنستهم الكثير من المصطلحات لعلّ منها على وجه الخصوص: الرّجولة والغيرة على العرض وعلى الأرض وعدم التسليم بالهزيمة وعدم الخضوع والخنوع للعدوّ وعدم مصالحته قبل دحره ناهيك بالجلوس معه وتقبيله والرقص معه والسباحة معه والتخطيط معه ضدّ الولد والأخ والأخت والعشيرة… وقد عانت غزّة وأهلها منذ ذلك التاريخ الأمرّين كما عاني إخوانهم في القدس والضفّة والجولان وسيناء – المضحّى بهم في ذات المناسبة – وقد تعرّضوا كلّهم إلى الكثير من الذلّ أو محاولات الإذلال والعنت… حتّى كانت رجعة منهم إلى ربّهم وإلى دينهم أكّدت عندهم ووثّقت أنّ الخالق والرّازق والنّافع والضّار هو الله سبحانه وتعالى ولا أحد غيره، فانطلقوا يباشرون بوسائلهم المحدودة هذا اليهودي الذي أخبرهم قرآنهم عن جبنه وعن الشقاق بينه وبين أخيه وحتّى بينه وبين نفسه، فاستكثروا – وهم يكتشفون تلكم الحقائق (جبن اليهود وتفرّقهم) – تخاذُلَ جيوشِ أمّتهم الذين أسلموهم سنة 1967 وحمق قادتهم الذين طوّعوهم للعدوّ وتركوهم لهم سنة 1967 أكلة سائغة، ثمّ ما لبثوا أن استنكروا هوانهم الذي تجاوز كلّ الحدود… نظر أهل غزّة إلى ماضيهم فوجدوا شموخا تدانيه منارات تحاذيها شموع مضيئة: وجدوا محمّدا بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم بجوارهم هناك في بيت المقدس يصلّي بالأنبياء عليهم السلام ذات ليلة من ليالي الله، ورأوه يُعرَج به إلى السماء في إكرام استثنائي خاصّ به من ربّ العزّة وألفَوْه يأتيهم منها بعماد الدين الصلاة، ففهموا من المشهد ذلك، قيمة المقدس وبيت المقدس ومدينة القدس، وفقهوا مسؤوليتهم والمسلمين جميعا في الحفاظ عليها وعلى الأرض المباركة حولها محافظتهم على الصلاة.. ووجدوا عمر بن الخطّاب – الفاروق – يمشي بثيابه المرقّعة وهو يسحب الجمل الذي كان خادمه يركبه وعنده المرحِّب به الصحابي الفاتح أبو عبيدة بن الجرّاح، فسمعوه يقول قولته الشهيرة – وهو يهمّ باستلام مفاتيح بيت المقدس من البطارقة والمطارنة النصارى – في ردّ فعل على همسة أخيه أبي عبيدة لأجل ثوبه المرقّع: “لو أنّ غيرك قالها كنا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وإنما أعزنا الله بالإسلام, ومهما نبتغي العزة بغيره أذلنا الله.” ففهموا أنّ النكسة كلّ النكسة والذلّ كلّ الذلّ إنّما كانا بسبب ابتغاء العزّة بغير الله، وفقهوا أنّ لبس الفاخر من الثياب والمعصفر منه كثيرا ما أخفى أبدانا قد يكون الحكم فيها عدم الستر، وقد علموا أنّ أبدان الأنعام لا تُستَر!… ووجدوا قوما من الصحابة الأجلاّء وأخر من التابعين… ووجدوا السلطان العثماني سليم وانتبهوا إلى السلطان عبدالحميد متمسّكا بكلّ ذرّة من ذرّات فلسطين يمنعها ويمنع عنها الأطماع التي جاءت رديف القومية المتمسّكة بـ”السيادة”… ووجدوا صلاح الدين وعزّالدين القسّام ومصطفى السباعي والشافعي والطبراني والمقدسي وابن قدامة وابن مفلح والعسقلاني والسفاريني والحسيني وغيرهم من الأفذاذ من أهل فلسطين، رحمهم الله أجمعين، ففهموا أنّ العدوّ إنّما يخنس ويتقهقر بوجود أمثالهم… فلمّا عزموا على تقليد ساداتهم من النّبيئين والصحابة والتابعين والعلماء والصالحين… ولمّا أن بان منهم سلوك يذكّر بسلوكهم ومواقف تصبو إلى مواقفهم..، حاربهم من دونهم من الفلسطينيين إذ رأوهم قد أفسدوا عليهم جلساتهم وحواراتهم مع عدوّهم الذي كاد أن يرتضي لهم دولة تقام على بعضٍ من بعضِ أرضهم التي اغتصبها منهم.. وحاربهم من أسفل منهم من الفراعنة إذ رأوهم قد أفسدوا عليهم صلحهم ودعتهم التي اشتروها بنسيان هويّتهم والمشي على كرامتهم.. وحاربهم اليهود إذ رأوهم يذكّروهم بترحالهم وعدم أهليتهم للتواجد بين المسلمين لكثرة غدرهم واعتدائهم على المواثيق والعهود… وقف الجميع ضدّ غزّة كلّ بما يستطيع ينفق ممّا يملك بلا حدود… حتّى إذا أحاط بهم اليهود واليهود الأُخر من البرّ والبحر ومن السماء لم يرض الفراعنة بالقعود فجاؤوهم من تحت أرجلهم يفرغون اسمنتا مسلّحا فاض عن حاجتهم، ليمنعوا عن الغوّاويين تنفّسهم ويحقّقوا هم “سيادتهم”، وذات يوم كما قلت تنازلوا عن أرضهم ووسائلهم وناسهم لحفظ “سيادتهم” (**)… إذا كان الفراعنة قد سفلوا حتّى ساخت بهم أنفسهم في باطن الأرض لأنّهم قد فقدوا حياءهم، فما الذي يجب علينا نحن فعله كي لا نفقد حياءنا كما فقدوا هم حياءهم!… إخواننا المصريون مطالبون قبل غيرهم بإيجاد الإجابة المقنعة لهذا السؤال إذ أنّهم هم أكثر النّاس تجربة للتعامل مع فراعنة قد فقدوا استعلاءهم… ولقد وقع في نفسي أن لو أراد المصريون العرب النصارى المسلمون الوقوف في وجه الفراعنة لما استطاع الفراعنة إلهاءهم بما يجمعون من حطام أجدادهم (القطع الأثرية زعموا) كي يذلّوا إخوانهم وأبناءهم وأحفادهم، ولهبّوا إلى رفح يبعدون المعدّات المفسدة ومستعمليها!… ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*): اسم اختاروه لأنفسهم وقد صدقوا مع النّاس ومع أنفسهم في اختياره، إذ ما عاد اليوم شيء يربط حكّام مصر ومنافقوهم بحقبة ما بعد الفراعنة!… وأمّا أهل مصر فهم أهلنا وأحبّاؤنا… (**): نقل أمين هويدي (تولى رئاسة المخابرات العامة المصرية ووزارة الحربية في عهد جمال عبد الناصر) عن كتاب الفريق أول محمد فوزي (كان رئيسًا للأركان في الجيش المصري أثناء حرب حزيران 1967م.) أنّ الخسائر بأعداد قوة الطيارين كانت 4% و17% من القوات البرية، وكانت الخسائر فى المعدات 85% فى القوات البرية، وكانت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة أو الخفيفة 100%، و87% من المقاتلات القاذفة والمقاتلات، وكان عدد الشهداء والمفقودين والأسرى هو 13600 عاد منهم 3799 أسيرا من بينهم 481 ضابطا و38 مدنيا والباقى جنود وصف ضابط واتضح بعد المعركة أنّ عدد الدبابات مائتا دبابة تقريبا دمر منها 12 دبابة واستشهد منها 60 فردا وتركت 188 دبابة للعدو… قلت: إلى جانب غزّة والقدس والضفّة وسيناء والجولان!… إنّه ثمن “السيادة”!…
كوبنهاغن قناع جديد لغول الهيمنة
د.أحمد القديدي*
منذ قرون و الغول الاستعماري الامبريالي يتلون كالحرباء و يغير في كل عصر قناعه ليواصل نفس الهيمنة على الأمم المستضعفة. و لجرد أبرز محطات تغيير القناع نسوق فقط مثال الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا ( الموحدة ضدنا أنذاك ) من سنة 1095 إلى سنة 1270 بتعلة : تخليص أكفان السيد المسيح من أيادي “الكفار” أي المسلمين! و دامت الحروب قرنين و انتهت بهزيمة أوروبا النكراء و موت ملك الإفرنج لويس التاسع في تونس. ثم جاء الإستخراب الذي سميناه سامحنا الله بالاستعمار منذ حملة بونابرت على مصر و الشام و احتلال المشرق و المغرب الإسلاميين بتعلة جديدة هي إلحاق أمتنا بركب المدنية و الحضارة بينما الحقيقة أن فرنسا اكتسحت الجزائر لأنها كانت مدينة للجزائر بملايين الفرنكات و لم تسدد باريس ديونها المستحقة للجزائر ( نعم و ليس العكس!) كما أن الجيش الفرنسي الغاصب الذي دخل تونس سنة 1881 وجد أن شوارع تونس مضاءة ليلا بفوانيس عمومية بفضل بلدية عصرية يرأسها الجنرال حسين بينما كانت المدن الفرنسية غارقة في الظلام! و تحررت شعوبنا في أواسط القرن الماضي لكن غول الهيمنة لبس قناعا جديدا فيما سميناه بالاستعمار الجديد أي الثقافي و اللغوي و الصناعي و التجاري وهو ما حلله في كتبه القيمة المرحوم مالك بن نبي حين تحدث عن قابليتنا نحن للاستعمار. فالغرب أسس لنظام اقتصادي و نقدي جائر هو نظام بريتن وودز في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي تصارعت فيها جيوشه و شعوبه و تحملنا نحن أوزارها دون أن نكون لا نازيين و لا فاشيين و لا مبيدين لليهود! هذا النظام القائم إلى اليوم (الرأسمالية المتوحشة) الذي نهبت به خيراتنا و هجرت عقولنا و أصبحنا في عقر ديارنا نقلد الغالب في الملبس و المأكل و اللغة كما قال العلامة عبد الرحمن بن خلدون. أما اليوم فالقناع المبتكر لتواصل الهيمنة و استمرار الاستعمار هو قناع البيئة و التلويح بالاحتباس الحراري. و رغم أن الحجة واهية و مردودة على الغرب لأنه هو الملوث الأكبر، فإن شعوبنا تكاد تصدق هؤلاء الدجالين الجدد ! فمن يرفض مبدأ إنقاذ الأرض ووضع الإنسانية في مأمن أمين من الفناء المعلن ؟ لكن الفشل الذريع الذي منيت به قمة كوبنهاغن يطمئننا على سلامة عقول المستضعفين و قدرتهم على الصمود و المقاومة. فالمخطط الجهنمي الذي هندسته مواقع القوة في منهاتن ( أي حكومة الظل المشكلة من 400 شركة عملاقة عابرة للقارات و متعددة الجنسيات القاطنة في ناطحات السحاب في ذلك الحي الأسطوري من نيويورك و التي تنصب و تعزل دمى الحكومات الغربية ) ذلك المخطط نقرأه في تقرير صندوق الأمم المتحدة للعمران البشري (أو سكان المعمورة) لسنة 2009 والذي اعتمدته قمة كوبنهاغن وثيقة أساسية وهو يدعو بكل بساطة إلى معالجة الإحتباس الحراري بالتخفيض من عدد سكان الأرض! و اللافت أن هذا الحل الإبادي دعمته مؤسسة بريطانية هي (أوبتيموم بوبيلاشن تراست) التي قدمت تقريرها لقمة كوبنهاغن و يقترح التقرير الاستغناء عن 500 مليون بشر من هنا إلى عقدين حتى يكون عدد سكان الأرض سنة 2050 لا يتجاوز الستة مليارات، أي يستقر على نسبته الراهنة في حين أن النمو الطبيعي للسكان سيصل بنا سنة 2050 إلى 9 مليارات! و يستنتج خبراء أسبوعية (ستراتيجيك ألرت) يوم الجمعة الماضي بأن المطلوب إذن من أقطاب الهيمنة العالمية هو إبادة ثلاثة مليارات من البشر! و وسائل الإبادة سيقررها هؤلاء الأقوياء أنفسهم ربما في قمة كوبنهاغن أو توابعها من المؤتمرات القادمة. وهذه الوسائل هي فرض التعقيم واسع الانتشار بالقوة في بلدان العالم الثالث و حبذا لو كانت البلدان المسلمة ثم ربما إشاعة أوبئة محدودة الإنتشار و معها ترك الأزمات الإقليمية تستفحل لتقبض أرواح الباقين! إنه مخطط قد تبتسمون يا قرائي الأفاضل لسماعه لكنه موثق و مطروح على القمة لكن طبعا بعبارات مختلفة منمقة و تعليلات دبلوماسية مزيفة و تسويفات عنصرية مزينة. و الحل ! كأني بكم تتساءلون ما هو الحل ؟ أقول لكم بأني شخصيا أؤيد أحد أصدقائي الخارجين عن طاعة الرأسمالية المتوحشة وهو عالم الاقتصاد الأمريكي ليندن لاروش الذي كان ترشح للرئاسة الأمريكية و صديقي الفرنسي جاك شوميناد المرشح سنة 1995 لرئاسة فرنسا و العديد من المفكرين الأحرار الذين ينادون منذ عقود و في قمة كوبنهاغن بالشروع في إنتهاج الحلول الحقيقية و الجذرية لأزمة العالم الحديث أي إعادة النظر كليا في منظومة بريتن وودس الجائرة و سن سياسات جديدة للتعاون الدولي يمسح ديون الفقراء الظالمة تماما و يخصص المليارات التي تفيض بها خزائن الغرب لبناء الجسور و الطرقات و مد شبكات سكك الحديد و إعمار الأراضي القاحلة و إيقاف الانجراف و تدمير الغابات والقضاء على الأوبئة في العالم الثالث المنهك. ألم يجدوا 11 ألف مليار دولار في ظرف أسابيع لإنقاذ المصارف سنة 2008 حين تهدد النظام الرأسمالي المغشوش بالانهيار! ألم يجدوا آلاف المليارات لخوض حروبهم في العراق و أفغانستان! إن خيارات جريئة و جديدة هي وحدها الكفيلة بمعالجة قضايا البيئة لأن هذه القضايا سياسية و ليست طبيعية. و قد سعدت شخصيا بانضمام شخصيات فذة ومنصفة لهذه الخيارات آخرها الأسبوع الماضي الأستاذ الفرنسي (موريس أليه) الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 1988. هذه هي الحلول وإلا فنحن أمام عملية غش تاريخية أخرى تقنع فيها الغول المفترس بقناع أخضر. *رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس
(صحيفة الوطن التونسية العدد117 الصادر في 25 ديسمبر 2009)
منتظري.. من ولاية الفقيه إلى التمييز بين الديني والسياسي
صلاح الجورشي
“كنا في زيارته وكان يخطب في وفد كبير من قوات الحرس الثوري القادمة من مدينة سمنان.. قرّعهم بشدة على تصرفاتهم الأمنية غير الدقيقة وتغطيتهم لها بالشرع.. وقال: يمر بكم من يحمل قارورة فيها سائل ملون، أحمر مثلا أو أبيض، وتعتقلونه على أساس أنه يحمل مسكرات، ويتبين العكس، فتتركونه وهو شاعر بالمهانة. أما الشرع فإنه لا يجيز لكم مثل هذا التصرف بأي حال من الأحوال، لماذا تهتكون أسرار الناس؟ يجب أن تكفوا عن تشويه الشريعة بأمزجتكم”. هذه الفقرة نقلتها من مقال كتبه الصديق هاني فحص على إثر وفاة آية الله منتظري، وضمنه شهادته في هذا الهرم الذي هوى. وقد ذكرني ما قاله عن الرجل بأول زيارة لي إلى إيران، حيث أخذنا المرافق مع بعض الصحافيين إلى حضور درس من دروسه عندما كانت صورته توضع إلى جانب صورة الإمام الخميني باعتباره نائبه والمرشح لخلافته. ورغم أنه في تلك المرحلة كان لا يزال مؤمنا بولاية الفقيه ومنظّراً لها، إلا أن في لغته شيئاً يميزه عن كثيرين ممن التقينا بهم. بدا وكأن حرصه الشديد على نقاوة الثورة جعله شديد الخوف عليها من الدولة التي قامت باسمها ولحمايتها. لكن مع ذلك لم يدر في خلدي أن هذا الرجل الذي يحتل كل تلك المكانة، سيجد نفسه بين عشية وضحاها معزولا، وفي إقامة جبرية استمرت سنوات طويلة حتى كاد ينساه الجيل الإيراني الجديد. لم أعرف قيمة الرجل وجرأته واستقامته الأخلاقية إلا عندما قرأت نص الرسالة التي وجهها لمرشد الثورة الإمام الخميني، يحتج فيها على الأساليب القمعية التي استعملت يومها لتصفية قادة وأنصار وشباب تنظيم مجاهدي خلق. ورغم هذا التنظيم كان يكثر الحديث عما يتعرض له أعضاؤه من تعذيب وقتل جماعي، إلا أني كنت أخشى أن يكون ذلك مضخما بهدف تأليب الرأي العام المحلي والدولي ضد سلطة ثورية ناشئة تواجه حصارا دوليا وإقليميا إلى جانب صراع دموي داخلي على السلطة. لكن، رغم دقة المرحلة ومخاطرها المباشرة وغير المباشرة، ورغم أن الرجل لم يكن يشاطر الفكر السياسي لهذا التنظيم ولا أسلوبه العنيف الذي كان له أسوء الأثر، فإن الشيخ منتظري لم يتحمل أن تسفك كل تلك الدماء لآلاف الشباب باسم حماية الثورة والدفاع عن الإسلام. أهم ما ميز سيرة هذا الرجل هو ما قاله الشيخ هاني فحص الخبير في الشؤون الإيرانية، والذي يتمتع بنظر ثاقب وبروح متعالية عن المذهبية رغم عمامته السوداء. قال في معرض شهادته: “ومن موقع الراعي والتاريخي شارك الشيخ حسين منتظري في وضع الدستور، وكان من أهم مؤصّلي مسألة ولاية الفقيه، ولكنه عالم أولا وسياسي ثانيا أو ثالثا، ومن هنا استمر ولم يكف عن إعادة النظر في المسألة شأن العلماء، وانتهى في آخر المطاف إلى الانحياز للتمييز بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة، وكتب فقهاً متراجعاً عن الولاية المطلقة للفقيه، داعياً إلى (نظارة الفقيه)، أي تحويل الفقيه إلى رقيب وناظر وإلى موقعه الإرشادي لا المولوي في إدارة الدولة”. ولا شك في أن هذا التحول في موقف الفقيد من مسألة جوهرية حددت منذ البداية مصير الثورة الإيرانية، لم تُمْلِه ظروفه الشخصية التي أخرجته من دوائر السلطة، وإنما جاء نتيجة تأملاته في تجربة تحويل نظرية ولاية الفقيه إلى نمط حكم. وبقدر ما كانت النظرية مغرية في البداية وملهمة لمؤسسي الدولة الإيرانية الجديدة، نظراً لما حملته من وعد بحكم العلماء مثلما بشّر البعض بحكم الفلاسفة، وما توحي به الأطروحتان من نزاهة الفقهاء وحكمة الحكماء، إلا أن التجربة أظهرت مرة أخرى أن للحكم آلياته الخاصة ومنطقه الداخلي، مما يجعل ممارسة السلطة مختلفة كثيرا عن التنظير لها. وهو ما جعل منتظري وغيره من كبار مراجع الشيعة يلتقون مع أغلب علماء السنة بأن يطالبوا بفقيه يراقب ولا يحكم. مكانه بين الأمة والناس وليس في أعلى هرم السلطة أو في خدمتها. عندها يكون صوتا من أصوات المجتمع المدني وليس قوة قهرية يقمع الناس باسمه وتحت ريادته. (المصدر : جريدة العرب ( يومية – قطر) بتاريخ 26 ديسمبر 2009 )
اضاءات مستشارو الرئيس
فاضل عباس (الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي – البحرين -) تعتبر عملية الفبركة على رئيس الدولة من قبل بعض المستشارين من أهم الخصائص العربية في بعض الأقطار العربية، فبعض المستشارين للرئيس يحاولون دائماً تجميل الواقع وإعطاء معلومات غير صحيحة للرئيس عن الأوضاع داخل البلد وبعضهم يصل في فبركاته إلى كتابة تقارير يتوقع فيها ما سوف يحدث في المستقبل ليس كما يطابق الواقع بل يكتب ما يتمناه الرئيس حتى لو كان صعب التحقيق. وهنا يمكن تحليل أسباب هذه الفبركات الى سببين، فأحد الأسباب هو كون بعضهم من المتملقين والمنافقين وبالتالي يعتقدون ان بقاءه في منصبه لا يتم إلا من خلال التضليل، وبعضهم يخاف من الرئيس خصوصاً اذا كان النظام دكتاتوريا وبالتالي لتجنب السلامة على نفسه وعائلته يفضل دائماً ان يقول للرئيس ما يحب ويتمنى. بعض المستشارين في إحدى الدول العربية بلغوا الرئيس أنهم نفذوا الأوامر بخصوص تعيين ضباط في الجيش ( عددهم 10 ) ثم ليكتشف الرئيس بعد فترة زمنية أن الأوامر لم تنفذ وان ما قيل له هو تضليل والغريب أنها لم تنفذ لأسباب فئوية تتعلق بضباط في الجيش!! ولكن الأغرب هو تبريرهم بعد ذلك بأن التعيين يأخذ إجراءاته الإدارية ( بعد سنوات ) والله غريب، ولكن الرئيس لم يكتشف المشكلة إلا بعد ثورة شعبية ضده وكل ذلك بسبب المستشارين. التقارير تؤكد أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد ضلل من قبل بعض المستشارين عن قوة الجيش العراقي ومدى تحمله للضربات الجوية الأمريكية، فكانت كل التقارير من قبل بعض مستشاريه تؤكد أنهم جاهزون للمعركة القادمة، ولكن الحقيقة كانت إن الهروب من الخدمة العسكرية قد زاد والرشوة والحصار لسنوات قد دمر أي قدرة على مقاومة العدوان الأمريكي، ومن كان مستعدا للمعركة قد ترك سلاحه وفر هارباً إلي الداخل أو الخارج، ويبدو أنه لم يكتشف ذلك إلا بعد سقوط النظام وتحول عضوية حزب البعث من ملايين إلى بضع مئات ولكن بعد فوات الأوان. الزعيم جمال عبدالناصر وقبل حرب 67 كان يعرف موعد الحرب عن طريق جهاز الاستخبارات المصري ولكن كل الذين حوله من مستشارين وعبدالحكيم عامر (برقبتي يا ريس) قد ضللوه وبلغوه أنهم جاهزون للحرب وصد العدوان الصهيوني، ليكتشف الزعيم كارثة حقيقية وهي الفساد في القوات المسلحة وكذب التقارير التي ترفع له بهذا الخصوص ولكن بعد فوات الاوان وهزيمة الجيش المصري في تلك الحرب !! . أحد الرؤساء العرب وقبل فترة بسيطة قام بزيارة لافتتاح مشروع خدماتي (شبكة صرف صحي) مهم وابلغه مستشاروه ان المشروع ناجح وقد تم الانتهاء منه، لتنشر صحف المعارضة في اليوم الثاني ان الرئيس قد ضلل والمشروع الذي افتتحه لم ينته العمل به!! بل ان الرئيس لو غيّر موكبه بزاوية 30 درجة لكان اكتشف مشكلة القمامة والصرف الصحي.
(صحيفة الوطن التونسية العدد117 الصادر في 25 ديسمبر 2009)
ماذا بقي من ابن خلدون بعد ستة قرون على وفاته؟
عمر كوش * السؤال الذي يحضر عند الحديث عن ابن خلدون وأعماله هو: ماذا تبقى من ابن خلدون بعد أكثر من ستة قرون على وفاته سنة 808 هجرية؟ ويمتد السؤال إلى إمكانية استمرار حضور أفكاره وأطروحاته حتى اللحظة الراهنة؟ ويطاول السؤال الجهد المبذول في كتاب «فلسفة التاريخ عند ابن خلدون» (دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، 2009)، الذي تحدد مؤلفته زينب محمود الخضيري الهدف منه في إلقاء نظرة عصرية على فكر ابن خلدون، بصفته مفكراًً، ما زالت كتاباته تدرّس في العالم حتى الآن، ويكتشف فيها دائماً ما يُبهر، من دون انتزاعه مع ذلك من خلفياته الفكرية، ومن ظروف عصره التاريخية. والفكرة الشائعة عن ابن خلدون هو أنه كان مؤسس علم الاجتماع، إذ نادراً ما نعثر على أبحاث تدور حول فلسفته التاريخية، مع أن ابن خلدون كان أولاً وقبل كل شيء فيلسوفاً للتاريخ بحسب ما تذهب اليه زينب الخضيري، وله منهجه في دراسة التاريخ ونقده للمناهج السابقة على منهجه، إلى جانب تنبهه إلى العوامل المختلفة التي تؤثر في تطور التاريخ، وأهمها العوامل الاقتصادية والطبيعية والدينية. إلى جانب تنبهه إلى تطور الكائنات الحية، وتطور الإنسان، حيث التطور عنده ديالكتيكي تماماً، بحيث يسير التاريخ على شكل حلزوني في حركة صاعدة نازلة، ويتطور ويتكامل، ولكن ليس نحو الأعلى والأفضل دوماً، وليس في خط مستقيم أو عمودي، إنما يتحول من شكل إلى آخر، فهو جديد وقديم في الوقت نفسه. هذه العملية الجدلية تنظر إلى العالم في حركة تطور، مع أن هذا التطور ليس تطوراً هادفاً. وتقدم الخضيري دراسة عن حياة ابن خلدون ومؤلفاته، اعتقاداً منها أن دراسة حياته تساعد على فهم أفكاره، خصوصاً أن ابن خلدون عاش حياة حافلة، واحتك بصنّاع السياسة والحكام، ووضع منهجاً جديداً لدراسة التاريخ، وكان رائداً في عصره. انتقد ابن خلدون المؤرخين القدماء وفساد منهجهم وطريقة تفكيرهم وعدم توصلهم إلى طبيعة الأمور، وكذلك توهمهم للصدق بسبب اعتمادهم على النقل دون النظر العقلي ومعرفة أصول وقواعد السياسة وشؤون المجتمع، وتزلفهم للأمراء والفقهاء وأهل السلطان، وثقتهم العمياء بالرواة الناقلين للأخبار. ويرى أنه يتوجب على المؤرخ أن يضع الحقائق التاريخية تحت المجهر العلمي، ويستعمل منهج المقارنة والنقد للتأكد من صحة او أمانة الرواة واتفاقها مع طبيعة الأشياء. ويرجع السبب في قصور المؤرخين القدماء إلى جهلهم بطبائع العمران وأحوال الناس وعدم استنادهم إلى منهج علمي استقرائي. لذلك يرى ان علم التاريخ «يحتاج إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السِيَر والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال والإحاطة بالحاضر من ذلك ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بون ما بينهما من الخلاف. وتعليل المتفق منها والمختلف. والقيام على أصول الدول والملل ومبادئ ظهورها وأسباب حدوثها ودواعي كونها وأحوال القائمين بها وأخبارهم حتى يكون مستوعباً لأسباب كل حادث واقفاً على أصول كل خبر». «وحينئذ يعرض المؤرخ خبرَ المنقول على ما عنده من القواعد والأصول، فإن وافقها وجرى على مقتضاها كان صحيحاً وإلا زيَّفه واستغنى عنه». ولجأ ابن خلدون في دراسته للتاريخ إلى الاستناد إلى العقل والتجربة الإنسانية وليس إلى العقيدة، ورأى أن فلسفة التاريخ تقوم على المماثلة العضوية بين الفرد والمجتمع، وهي مماثلة بيولوجية، إذ إن الفرد يمر بمراحل مختلفة في نموه البيولوجي من الولادة إلى الشباب والكهولة ثم الموت، وكذلك المجتمع، حيث الدولة لها أعمار طبيعية مثلها في ذلك مثل الأفراد. وعمر الدولة لا يزيد على ثلاثة أجيال، وتمرّ بمراحل طبيعية محكومة بقانون اجتماعي، لأنها تتفق مع طبيعة الأشياء. ونظر ابن خلدون إلى الدولة، بصفتها الإطار المناسب والضروري للحياة الاجتماعية الإنسانية، وهي تمر بأطوار عدة، هي: طور الولادة أو التأسيس، وطور الانفراد بالملك والتوسع، وطور الفراغ والدعة والازدهار، وطور القنوع والكفاية، وأخيراً طور الإسراف والتبذير. وقد أشار ابن خلدون إلى تبدل أحوال الدول بالقول: «ومن الغلط الخفي الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام وهو داءٌ دوِيٌّ شديد الخفاء. وذلك أن أحوال الأمم والعالم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر. إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال. وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول». ووفق رؤيته تبدأ ولادة الدولة في البادية، لأن البادية هي الأصل، والبداوة تقوم على العصبية القبلية، والعصبية القبلية تدعو إلى التغلب، والتغلب يدعو إلى التملك والملك، والملك هو التغلب بالحكم والقهر. وعليه تنشأ الدولة أولاً في القبيلة ذات العصبية القوية، وتشبه هذه المرحلة مرحلة ولادة الإنسان. ثم تنتقل الدولة إلى مرحلة التوسع، حيث تقوم القبيلة بغزو المناطق المجاورة لها واحتلال أراض زراعية غنية، فيتحول البدو الرحل إلى حياة الاستقرار والتحضر والتنعم بمستوى اقتصادي أعلى. لكن العصبية في هذه المرحلة تبدأ بالضعف، ويصبح همها الأساسي هو جمع اكبر عدد من الأفراد المؤيدين، وبذلك تتحول سلطة القبيلة إلى سلطة الفرد الواحد. وهذه المرحلة تتماثل مع مرحلة الشباب عند الإنسان. ثم تأتي مرحلة ازدهار الدولة، حيث يرتفع مستوى المعيشة وتتوسع المدن وتتقدم التجارة والصناعة ويزدهر العمران. وهي مرحلة تدفع إلى الجاه والسلطة، فيزداد جمع الضرائب من جهة وتتراكم الثروة والبذخ والإسراف من جهة أخرى، ولا يعود للعصبية من وجود، لأن الدولة تعتمد في هذه المرحلة على الجيش والشرطة لفرض الأمن والنظام. وتشبه هذه المرحلة مرحلة الرجولة عند الإنسان. أما مرحلة الكفاية والدعة، ففيها يقلد الحكام من سبقهم فلا يبدعون، وتتحول الدولة بالتدريج إلى مرحلة الهرم والشيخوخة، فتبدأ التفكك. وعليه تصبح الدولة مريضة ولا أمل في شفائها. وتأتي المرحلة الأخيرة المتوجة لنهاية الدولة، حيث تقوم قبيلة بدوية ذات عصبية قوية بالهجوم والإجهاز على الدولة المفككة وتستلم السلطة بقوة عصبيتها. وهكذا تبدأ دورة اجتماعية جديدة في حركة حلزونية أبدية بحسب القانون الاجتماعي لمسيرة التاريخ. وعليه تعتبر المؤلفة مفهوم «العصبية» من أهم مفاهيم ابن خلدون، وهمزة الوصل بين فلسفته في التاريخ وفلسفته السياسية، باعتبارها أساس قيام الدول، وأهم محرك للتاريخ في رأي ابن خلدون. وتمتد الدراسة إلى الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون وأهميته في تطور التاريخ، إذ انه أشار إلى أفكار اقتصادية مهمة، تعدّ مفاهيم رئيسة في دراسة الاقتصاد في عصرنا الحديث مثل قانون تقسيم العمل، ومفهوم القيمة، ونظرية الأثمان، وتذهب المؤلفة إلى القول ان ابن خلدون قال بالاقتصاد الحر قبل آدم سميث. واعتبر ابن خلدون أن موضوع العمران هم البشر أنفسهم في وجودهم الذي يقوم على الاعتماد المتبادل، وعلى العمل والتعاون الإنساني وتشكيل الجماعات وبناء المدن والثقافة والحضارة وما يتعلق بهذا الوجود الإنساني من شؤون الحكم والإدارة والإنتاج والتوزيع، وكذلك في ما يتعلق بشؤون العمل والأسرة والتربية وسواها. ورأى أن العمران البشري، بدوي وحضري، حيث يمثل العمران البدوي حياة البداوة في الصحراء ونمط العيش والإنتاج، المميز بالبساطة والاعتماد على الاقتصاد الرعوي والاكتفاء الذاتي وما تسببه حياة الصحراء من خشونة العيش والتضامن بين أفراد القبيلة الواحدة الذين تجمعهم في عصبية واحدة. بينما يتمثل العمران الحضري بالاستقرار والتحضر، والاعتماد على الزراعة والتجارة والصناعة، والانتقال من سلطة القبيلة وعصبيتها إلى سلطة الدولة وحياة المدينة وترفها. * كاتب سوري (المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 26 ديسمبر 2009)
اﻷزمة، من إفلاس البنوك إلى إفلاس الدّول
منذ بضعة أشهر انطلقت آلة الإعلام / الدّعاية الغربيّة في حملة منظّمة للتبشير بنهاية اﻷزمة الخانقة الذّي وقعت فيها اقتصادات هذه البلدان. و رغم الخبرة الكبيرة لهذه اﻷجهزة و قدرتها العالية في توجيه الجماهير الشّعبيّة الوجهة التّي تريد إلاّ أنّها فشلت في إقناع جزء كبير من الرّأي العام الشّعبي بمقولاتها تلك. إقناع الجماهير الشّعبيّة بوهْم الخروج من اﻷزمة يشكّل، في حقيقة اﻷمر، جزءا أساسيّا من استراتيجية حكومات الدّول الغربيّة للخروج الفعلي منها. الإستهلاك و مزيد من الإستهلاك كان و لا يزال و سيظلّ الرّكيزة و المحرّك للإقتصاد الرّأسمالي و جماهير الشّعب المٌحبَطة تٌحجم طبيعيّا عن هذا السّلوك. وﻷنّه في الغرب ما زال هناك حدّ أقصى « لقلّة الحيا »، كما يحلو للدّكتور المرزوقي بتسمية « الكذب العيناني » الذّي تمارسه اﻷجهزة الماسكة بالسّلطة فإنّ هذا الوهْم، وهْمُ إنتهاء اﻷزمة، لم يُبنى من فراغ. جوهر اﻷزمة الحاليّة و التي لازالت في بداياتها، كما سبق وأشرت، هو حجم الدّيون (والدّين هو النّقد أليس كذلك ؟) و هذا الفهم يستند إلى إطار نظري قوي و متماسك، نظريّة « الدّوراة الإقتصاديّة لكنترادييف »[*]، و المعروفة بالدّوراة الطّويلة. الإنهيار التّاريخي و السّريع لمؤسّسات ماليّة عملاقة كان سببه تراكم الدّيون التي كان جزءا كبيرا منها غير قابل للسّداد. هذا الإنهيار دفع بالحكومات للتدخّل و إنقاذ باقي المؤسّسات الماليّة بشراء ديونها. ما وقع و سمّي إنقاذا لم يكن غير عمليّة تحويل الدّيون من ذمّة تلك المؤسّسات إلى ذمّة الحكومات (أي المجتمع في نهاية اﻷمر). يقدّر إجمالي التّداين الإضافي لهذه الدّول لسنة 2009 جرّاء عمليّات الإنقاذ هذه و لكن أيضا نتيجة للضّرر المباشر النّاتج عن الرّكود الإقتصادي الحاد (نقص مداخيل الجباية ..) بثلاثة ترليونات دولار أمريكي. غرق الحكومات في الدّيون قابله تخلّص البنوك التّجاريّة، أو ما بقي منها، من أعباء الرجّة الماليّة اﻷولى التي أحدثتها اﻷزمة. هذا التّخلّص من اﻷعباء جعلها تعود بسرعة و بكثافة إلى عمليّات المضاربة في اﻷسواق الماليّة و كأنّ شيئا لم يحدث. ارتفعت مؤشّرات اﻷسواق الماليّة في كلّ مكان منذ الثّلاثي الثّاني لهذه السّنة و أعطت لآلة الدّعاية و التّوجيه مرتكزات انطلاقها كما سلف. لكن بعيدا عن ارتفاع مؤشّرات البورصة الذّي لا يرجى منه إلاّ حجب الصّورة الحقيقيّة للأوضاع فإنّ الصّورة العامّة تبدو قاتمة، بل قاتمة جدّا. كثر الحديث أثناء و بعيد الرجّة الماليّة اﻷولى عن ديون الفقراء و المعدمين أو السّبرايم [**] و ما يقال الآن أنّ تلك مرحلة تمّ تجاوزها. المخاطر تكفّلت بها الحكومات و أبعدتها عن البنوك التّجاريّة. الذّي لا يقال أنّ تلك الموجة ستلحقها أخرى قريبا هي موجة ديون قليلي و « متوسّطي » الدّخل أو « اﻷلت آي » و « اﻷبشن أي آر أم » [***]. و أشير فقط لتفادي التّعقيدات التّقنيّة أنّ أساس هذه الدّيون يستند إلى فرضيّة التزايد الاّمتناهي ﻷسعار العقّارات و أسعار العقّارات قد انهارت في الولايات المتّحدة و الذّي بقي يزداد هوفقط أعداد العاجزين عن سداد هذه الدّيون. وفي حقيقة اﻷمر أنّ الرّكود الإقتصادي و فقدان أعداد هائلة من الموظّفين لوظائفهم جرّاء هذا الرّكود ساهم و يساهم في تغذية هذه الموجة الثّانية. إنّها الدّورة اللّولبيّة الخطرة التّي ابتدأت في التّشكّل حيث أنّ موجة انهيار تولّد و تغذّي التي تليها.كلّ الإقتصاديّين الجادّين و الذّين تنبّهو للرجّة اﻷولى قبل وقوعها و حذّرو منها يحذّرون الآن من خطر تشكّل دورة ثانية للإنهيار. هذه الآلية اللّولبيّة تنطبق أيضا على الجانب الإقتصادي (أو الإقتصاد الحقيقي كما يقال). كما كان متوقّعا انهارت اﻷسعار بعد الإرتفاع المخيف للبطالة (كلما يزداد عاطل ينقص مستهلك)وانهيار اﻷسعار يعني انخفاض ربح المؤسّسات المنتجة فانخفاض وتيرة الإنتاج فمزيد من تسريح الموظّفين ..هنا أيضا تدخّلت الحكومات للتّشجيع على الإستهلاك و حفظ مستوى ربحيّة المؤسّسات المنتجة. تمّ انقاذ سوق السّيّارات، مثلا، من الإنهيار بتكفّل الحكومات في معظم الدّول بنسبة تصل ثلث السّعر الإجمالي في بعض اﻷحيان. هذه الإجراءات كانت مكلفة و لم يكن أمام هذه الحكومات إلاّ المزيد من التّداين. هذا ما يفسّرالإرتفاع الحاد لمديونيّة الحكومات الغربيّة الذّي سبقت الإشارة إليه. في هذا المسار يبقى اﻷمل الوحيد للخروج من المأزق بأقلّ اﻷضرار هو إيصال عجلة الإقتصاد للدّوران الذّاتي(أي بدون مساعدات حكوميّة) قبل اكتمال دورة ثانية في المسار الرّكودي. قد يحدث هذا فعلا، فتخرج تلك الدّول مثخنة بالجراح (فالضّرر حصل فعلا) و لكنّها غير منهارة. في الحقيقة أنّه لا أحد يمكنه أن يتنبّأ بهذا المخرج لهذه اﻷزمة أو بغيره من السّيناريوهات اﻷكثر إيلاما لهذه الدّول و ذلك للسّبب البسيط أنّ هذا الدّمار لم يحدث من قبل في أيّ من مراحل تاريخ البشر المعروفة (نسيم نيقولا طالب). الثّابت أنّ نسبة المديونيّة للكثير من هذه الدّول بلغت أو شارفت الحد اﻷقصى المحتمل و قد بدأ بعضها يستشعر الخطر الفعلي، خطر العجز عن سداد الدّيون: اليونان دخلت مرحلة متقدّمة من ذلك. بريطانيا، إسبانيا، إرلندا و البرتغال مهدّدة فعليّا بذلك. الذّي حصل بالفعل لحدّ الآن هو عجز بعض الدّويلات التي تعيش على حافّة النّظام السّائد وبعض الإدارات المحليّة في الدّول الغربيّةعن سداد ديونها. هذا اﻷمر ليس بالهيّن رغم أنّه تمّ كتمه في المهد، فبعد دويلات « آيلاند » و إمارة دبي و حكومة كلفرنيا التي عجزت في فترة ما عن تسديد رواتب موظّفيها قد يأتي دور اليونان أو اسبانيا أو ..وحينها سنكون على يقين من حدوث الكارثة في غرب الكرة اﻷرضيّة. [*] Nikolai Kondratiev – Kondratiev long waves [**] Subprime loans [***]Alt-A mortgage & Option ARM أبوذر