و بعد تلاوة عطرة لآيات من الذكر الحكيم افتتح الأستاذ الدكتور محمد الطبطبائي الدورة الخامسة و مما جاء في كلمته : إن المؤتمر الدولي للقضايا الاسلامية المعاصرة يهدف إلى التواصل بين العلماء و أبناء الجالية و خاصة الأئمة و قيادات المراكز الاسلامية لأنهم هم أداة التواصل . و مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه و سلم بأنه من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم و أن العلماء و رثة الأنبياء . فالعلماء يبيّنون الأحكام الشرعية و هم ملجأ تساؤلات المسلمين في المسائل العملية و الاجتماعية . و رغم الانشغالات الكثيرة للعلماء إلا أنه تتوفر أحيانا فرصا للقاء بين العلماء و المسلمين ، و من هذه الفرص هذا المؤتمر المبارك إن شاء الله تعالى . يهدف هذا المؤتمر للتواصل بين العلماء و الباحثين و عموم المسلمين من ناحية و إلى التعرّف على المشكلات التي تعيشها الجالية المسلمة من ناحية أخرى و التي تستحق المزيد من النظر و البحث ، إضافة إلى فرص التواصل المباشر مع العلماء لحل بعض القضايا الشخصية على هامش المؤتمر . مع ادراكنا بأن للمراكز الاسلامية مَن لهم أهلية و يتصدون لتقديم المعالجات المناسبة لبعض المشاكل . و رغم ذلك فالمشاورة هي دأب العلماء و البحث هو الطريقة المثلى للوصول إلى المعالجة المطلوبة لكل ما ينزل بالمسلمين في مختلف أحوالهم . و يعالج المؤتمر في هذه السنة موضوعا يتعلق بالجانب الإيماني ، فهذا الجانب ينعكس على سلوك المسلم و المسلمون بحاجة إلى معرفة طرق تنميته لأثره الكبير في حياة الأفراد و المجتمعات . فالمسلم سفير لإسلامه ، فتصرفه لا يكون شخصيا و إنما هو عام . فالصحابة الكرام عندما قالوا : ” ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ” ، قال المفسرون مناسبتها أنهم دعوا الله أن لا ينهزموا في المعركة حتى لا يقول أحد لو كان الاسلام على حق لما انهزم المسلمون . فانهزامهم يؤثر على اقبال غير المسلم على الاسلام . كذلك فالانهزام الثقافي و الانهزام الأخلاقي سيكون سببا لعدم اقبال الآخرين على الاسلام و الدخول فيه . و في هذا المقام يجب التأكيد على هذه القضايا كلها المعلومة لديكم لأن الله سبحانه و تعالى يقول : ” و العصر إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ” . فلا يكفي أن يعلم الإنسان و لكنه بحاجة دائمة إلى من يوصيه و يذكّره : ” و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ” . فالحق يحتاج إلى علم و العلم يحتاج إلى من يبذل نفسه . قال العلماء من اشتغل في غير العلم سنة فهو سينسى هذا العلم . فلا بد من مذاكرته خاصة مع مشاغل الحياة المتزايدة .
و قد اخترنا بناء على دعوة كريمة من الرابطة الاسلامية النرويج بأن تعقد الدورة الخامسة في النرويج و في هذا المركز الطيب إن شاء الله تعالى ليستفيد منه رواد هذا المركز و بقية المراكز في النرويج. فمركز الرابطة الاسلامية في النرويج من المراكز الموثوقة و المعتمدة في دولة الكويت و هناك تواصل ثقافي و دعم مادي و معنوي لهذا المركز . و ذلك لثقتنا في القائمين على هذا المركز ، فهم موثوقون فكريا و في أمانتهم و نحسبهم كذلك و لا نزكي على الله أحدا .
اخترنا عقد هذه الدورة في النرويج و وفق دورية المؤتمر فلن نتمكن من العودة إليكم إلا بعد 15 سنة إن شاء الله تعالى ، ونسأله سبحانه و تعالى أن يحيينا و يحييكم إلى ذلك الوقت . فالمؤتمر يعقد كل سنة في دولة غربية و في مركز موثوق لدينا .
فباسمي و باسم جميع من حضر نتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من ساهم في انجاز هذا المؤتمر الذي نعلم الجهد المبذول لإنجازه ، فجزاكم الله عنا كل خير من رئيس للرابطة و جميع العاملين فيها ، الذين كانوا حريصين أشد الحرص على أن يخرج المؤتمر بأبهى حلة و توصيات و نتائج مهمة . و الشكر موصول إلى كل الحاضرين من البعثات الديبلوماسية و ما حضورهم إلا دليل على مستواهم الثقافي و درجة حرصهم على رعاية الجاليات المسلمة و متابعة شؤونهم . و كذلك جميع الاخوة أئمة المساجد من مختلف المراكز الاسلامية في النرويج ، و من حضر من المثقفين من الجاليات المسلمة . فجزاكم الله عنا كل خير و نسأله تعالى ان تكلل مثل هذه الجهود بالتوفيق و سوف يشع ضيوف المؤتمر بعلمهم على بقية المراكز الاسلامية طيلة إقامتهم في النرويج .
رحب الأستاذ ابراهيم بالكيلاني رئيس الرابطة بجميع الضيوف و توجه بالشكر الجزيل و التقدير الكبير إلى الأستاذ الدكتور محمد الطبطبائي رئيس المؤتمر على قبوله بعقد الدورة الخامسة في النرويج و مما جاء في كلمته : ” .. تنعقد الدورة الخامسة للمؤتمر الدولي للقضايا الاسلامية المعاصرة تحت عنوان “التربية الإيمانية و أثرها على الفرد و الأسرة و المجتمع” . و نثمّن هذا الاختيار لما للتربية الإيمانية من أهمية في البناء الداخلي للإنسان أو ما حدّده الدكتور عبدالمجيد النجار بتزكية الفرد و ذكر فيها ثلاثة أنواع من التزكية :
1. تزكية النفس بمعنى ” تنمية طاقات الخير و النجاعة و تطهير من شوائب الشر و الكلالة ” . و تثمر التربية الإيمانية على هذه الواجهة طمأنينة و أمنا نفسيا مصداقا لقوله تعالى ” ألا بذكرِاللَّهِ تطمئِنُّ القُلُوبُ “( يونس/62) و غزة و قوة و فخرا مصداقا لقوله تعالى ” و للّهِ العزّةُ و لرسولهِ و للمؤمنين ” (المنافقون/8) .
2. تزكية الفكر من خلال ما يمنحه من آفاق في التفكير لإدراك الحقائق و تدبير شؤون الحياة.و أبرز ما يمنحه الإيمان في التصور الاسلامي في مجال التفكير : سعة النظر ، يقول الله تعالى ” قلِ انظُرُوا ماذا في السماواتِ و الأرضِ و ما تُغني الآياتُ و النُّذُرُ عن قومٍ لا يُؤمنون ” ( يونس/101 ) . و الإيمان يحرر الفكر من الهوى و الشهوة ،و من موروث الخرافات و الأساطير و من توجيهات الكهنة و الطغاة .
3. تزكية العمل : يؤثّر الإيمان في سلوك الإنسان تأثيرا بالغا ، في اتجاه السّداد الخُلقي من خلال الاستشعار بالرقابة الدائمة . و في اتجاه السّداد النفعي العام . ” فالإيمان بالله حق الإيمان يصوغ كيان الفرد صياغة مميّزة ، فيجعله ينمو صعدا في سلّم الخير و الإثمار و الفعاليّة ” . و للإيمان أثر في تزكية البعد الجماعي من خلال ما يثمره من :
1. وحدة للجماعة : شعورا و ولاء و غاية . 2. و تحريرا للإرادة من كل أنواع الاستبداد . 3. و تحقيقا للتكافل الاجتماعي 4. و تعميقا للمشترك الإنساني و ذلك بالانفتاح على ” البعد الكوني لتصبح معايير و مقاييس للتعامل مع الآخرين باعتباراتهم الإنسانية التي يشترك فيها كل الناس بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية و الدينية و الحضارية كالعدل و الحرية و المساواة في الكرامة الإنسانية ، و الإنصاف و التعارف .. ” .
فتحت ظلال هذه الأشجار الإيمانية نستقبلكم ، و لثمارها الجنيّة ندعوكم . فأهلا و سهلا بكم و تحيات تقدير و إكبار إلى ثورتي تونس و مصر اللتان تخطّان طريق تحرير فعالية القيم الإيمانية و تَعِدان بحالة ناهضة للأمة . و نسأل الله لهما السداد في النظر و العمل و للبقية السلامة و التوفيق ” .
ثم تناول الكلمة منسق المجلس المشترك للجمعيات الدينية في النرويج السيد Espen Lynne Amundsen و الذي أكد على أهمية الحوار ، و أشار إلى أن المجلس مظلة ينضوي تحتها 14 مؤسسة ممثلة للأديان و للتوجهات الانسانية و للجمعيات غير المؤمنة . و هذا ميزة تتميز بها النرويج . و قد تأسس المجلس منذ 15 سنة . و ذكّر اسبن أن المجلس يشتغل على محورين أساسيين في هذه المرحلة :
· السياسة الدينية مع الحكومة النرويجية · الحوارية بين جميع الأديان و الاتجاهات من أجل معرفة و فهم متبادل أكبر
أما كلمة السلك الديبلوماسي فقد ألقاها السفير المفربي الذي شكر الأستاذ الدكتور محمد الطبطبائي على إقامة الدورة الخامسة في النرويج و توجه بالشكر إلى الرابطة الاسلامية في النرويج على استضافتها للمؤتمر و حسن تنظيمها له. و قد أكد سعادته على أهمية استحضار بأن الملسم حقيقة هو سفير الإسلام ، فبالأخلاق الحسنة و بالاتقان في العمل و احترام القوانين نقدم الصورة الصحيحة للإسلام . أما كلمة المجلس الاسلامي النرويجي فقد ألقها الدكتور Faruk Terzic فقد أبرز فيها مجموعة من التحديات التي تواجه الأئمة في النرويج بداية : تعريفا و دورا . و أشار إلى بعض المسائل العملية التي تحتاج إلى دراسة و بحث و معالجة من طرف العلماء ، فالسنوات القليلة القادمة تواجه أبناء الجالية المسلمة في النرويج مشكلة طول يوم رمضان ، إذ تصل ساعات الصوم إلى 20 ساعة أو يزيد ! فما هو رأي العلماء في مثل هذه المسألة ؟ و غيرها من النوازل ..
و قد ألقى كلمة الضيوف الدكتور عبدالعزيز المطوع مرحبا بالضيوف و شاكرا ريئس المؤتمر و الجهة الحاضنة ، مؤكدا على أن التربية الايمانية في مختلف أبعادها الفردية و الأسرية و العامة مهمة جدا ، منبها إلى ضرورة الاهتمام بالجوانب المتعلقة بالأسرة و التحديات التي تواجهها ، متمنيا للمؤتمر بالنجاح و التوفيق .
و بعد هذه الكلمات قُدمت ثلاث مداخلات : الاستاذ الدكتور بدر الماص ، الاستاذ الدكتور عياض السلمي و الدكتور عبدالرحمن المطيري .
عبد الباري عطوان
كثيرة هي المفاجآت التي تأتينا من العاصمة السعودية الرياض، ولكن آخرها، وهي دعوة كل من الاردن والمغرب، للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي، فوراً دون تردد، نزلت على الكثيرين كالصاعقة، سواء داخل المجلس او خارجه، من حيث توقيتها او الاهداف الغامضة التي ترمي الى تحقيقها.
العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز هو صاحب هذه المبادرة، تماماً مثلما كان ولا يزال صاحب مبادرة السلام العربية في طبعتها الاصلية، ولا يقدم على مثل هذه الخطوات، الا من اجل مواجهة خطر ما يهدد بلاده على وجه الخصوص، ويريد تحصين البيت استعداداً لهذه المواجهة.
احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) (الهجوم على برج التجارة العالمي في نيويورك) ومشاركة 15 سعــــودياً مـــن بين 19 (مجموع عدد المهاجمين)، ورغـــبة المملكـــة في امتصاص الغضـــبة الامريكــــية وتجنب خسارة حليف امريكي استراتيجي، كلها عوامل دفعت العاهل السعودي الى اطلاق مبادرة الســـلام العربية التي تحقـــق اعـــترافا وتطبيعا كاملا مقابل انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة عام 1967. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو عن الخطر الجديد الذي يقف خلف نسف صيغة مجلس التعاون الخليجي الحالية التي استمرت ما يقرب من الثلاثين عاماً، وكل الادبيات والاتفاقات التي احاطت بها، او تفرعت عنها، واضافة عضوين جديدين ينقصهما الكثير من شروط العضوية الصارمة، وعوامل التجانس الحتمية للانضمام الى هذا النادي المحافظ والمخملي.
هناك من يقول انه الخطر الايراني الذي فرض هذه الاستثناءات في شروط العضوية، وهناك من يجادل بان خروج مصر مما يسمى بمحور الاعتدال كان سبباً قوياً لا يجب الاستهانة به، وثالث يعتقد بان مرحلة الاستقطاب المذهبي الزاحفة الى المنطقة بقوة، والمنطقلة من البحرين بالذات، تحتم تكوين مخزون سني، او بالأحرى عمق امني سني، يعزز دول الخليج المخترقة بخلايا ايرانية، نائمة وصاحية، يمكن ان تزعزع استقرار المنطقة اذا ما اعطيت لها الاوامر من طهران للتحرك.
اختيار الاردن والمغرب لم يكن عفوياً او ارتجالياً فالدولتان تملكان اقوى جهازي مخابرات في الشرق الاوسط، وتقيمان علاقات تحالف استراتيجية مع واشنطن، والاهم من كل ذلك انهما دولتان ‘سنيتان’ بالمطلق، ولا يوجد فيهما اي مذاهب اخرى، وهذه مسألة على درجة عالية من الاهمية بالنسبة الى العاملين في مطبخ السياسة السعودية على وجه الخصوص.
بعد احتلال القوات العراقية للكويت في آب (اغسطس) عام 1990، استنجدت الحكومة السعودية بنظيرتها الباكستانية لارسال قوات لحمايتها من اي هجوم عراقي على أراضيها اسوة بما حدث في الكويت، وفعلاً لبت الحكومة الباكستانية نداء الاستغاثة فوراً، ووصلت القوات المطلوبة الى حفر الباطن، ليكتشف السعوديون ان من بينها عناصر شيعية، فبادر العاهل السعودي الى الطلب من رئيس وزراء باكستان سحب هذه العناصر بسبب حساسية المنطقة (توجد فيها اقلية شيعية) فاعتذر الباكستانيون بانهم لا يستطيعون ذلك، فجرى صرف النظر عن الاستنجاد بأي قوات باكستانية في المستقبل، وربما هذا العامل هو الذي حتم اللجوء الى المغرب والاردن هذه المرة. ‘ ‘ ‘ من الواضح ان العاهل السعودي، الذي استاء من نجاح الثورة المصرية في اطاحة نظام الرئيس حسني مبارك، ثم غضب من جراء تقديمه واعضاء اسرته، ورجال بطانته الى المحاكم بطرق مهينة، فهو يعتبر الرئيس مبارك رئيس قبيلة، او في منزلته، ورئيس القبيلة لا يمكن ان يخلع او يهان. وهذا ما يفسر حالة البرود التي تسود العلاقات حالياً بين مصر الثورة والمملكة العربية السعودية.
لا نعرف ما هو موقف دول الخليج الاخرى من هذه الخطوة السعودية المفاجئة، وكذلك رد فعل الشعب اليمني الذي وعد بالانضمام الى المجلس ولم يظفر من الجمل الخليجي حتى الآن بغير أذنه، ولكن ما نعرفه ان دولاً خليجية ليست مرتاحة، وعارضت التسرع في ضم الاردن والمغرب دون دراسة وتمحيص الامر الذي يعني اضافة موضوع خلاف جديد الى جانب الخلافات الحدودية القائمة، مثل الخلاف الحدودي الاماراتي السعودي حول شريط العيديد وحقل الشيبة، والخلافات الأخرى مثل العملة الخليجية الموحدة والاتفاقية الامنية، والتنقل بالبطاقة وبعض قوانين الاقامة والعمل.
منطقة الخليج تواجه حالياً خطرين اساسيين الاول هو الطموح الايراني الاقليمي المتصاعد والمدعوم ببرنامج نووي يوشك ان يعطي ثماره، وترسانة من الاسلحة التقليدية الهائلة، والثاني هو الثورات الشعبية التي تجتاح المنطقة وتطالب بالحريات الديمقراطية والشفافية والمساواة وحكم القانون.
العاهل السعودي يريد تشكيل محور جديد لمواجهة الخطر الايراني اولاً، والحفاظ على الملكيات العربية في مواجهة ثورات التغيير، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وهذا ما يفسر ارسال المملكة ومن ثم دول خليجية اخرى قوات عسكرية الى البحرين لحماية نظامها من الانتفاضة الشعبية المطالبة بالاصلاحات، وهي انتفاضة متهمة بطابعها الشيعي، والدعم الايراني لها.
وربما يكون من السابق لاوانه التشكيك بفرص نجاح المحور الجديد الذي ما زال في طور النمو، ولكن من المفيد في الوقت نفسه تسليط الاضواء على بعض المخاطر في هذا الاطار:
اولا: التجانس في المحور الجديد سيكون على مستوى القمة، اي الاسر الحاكمة، بحكم طابعها الملكي العائلي، ولكنه قد لا يكون كذلك على مستوى القاعدة. بمعنى ان هذا التجانس كان متكاملاً، او الاقرب الى التكامل في مجلس التعاون في شكله الحالي، ومثل توسيعه، اي على صعيدي القمة والقاعدة معاً (الشعوب والحكام) وكان هذا التكامل هو سر استمراره منذ تأسيسه عام 1981 لمواجهة الثورة الايرانية بقيادة الامام الخميني. ثانيا: ربما يكون انضمام الاردن الى مجلس التعاون يحقق احد الشروط الضرورية، اي الامتداد الجغرافي، ولكن ليس الحال كذلك بالنسبة الى المغرب، الامر الذي يذكرنا بالحال الذي انتهى اليه مجلس التعاون العربي بين العراق ومصر واليمن والاردن للسبب نفسه ولاسباب عديدة ابرزها طموحات الرئيس الراحل صدام حسين في الزعامة، ومخاوف مصر والاردن منها بحكم ارتباطهما بالغرب وامريكا على وجه الخصوص. ثالثا: العاهل المغربي محمد السادس ليس مثل والده في تطلعه الى المشرق، وهو يفضل التمدد شمالا نحو اوروبا، والابتعاد كليا عن القضايا العربية الشائكة، فلم يعقد إلا اجتماعاً واحداً للجنة القدس التي ورثها عن والده، ولم يستضف اي قمة عربية طارئة او عادية، ومن النادر ان يشارك في هذه القمم في حال انعقادها، ويحرص على الوحدة الوطنية المغربية (تحقق التلاحم بين العرب والامازيغ) اكثر من حرصه على الوحدة العربية والقضايا المتفرعة عنها.
رابعا: الملكية في الاردن والمغرب شبه دستورية، وفي البلدين تعددية حزبية، والحد الادنى من حكم القانون، وصحافة تتمتع بهامش نسبي من الحرية وخاصة في المغرب، بينما الملكيات الخليجية اوتوقراطية، وليست دستورية على الاطلاق، ولا تعرف التعددية الحزبية بل لا تسمح بها. مضافا الى ذلك، ان الاردن والمغرب واجها الانتفاضات الشعبية بتقديم تنازلات واجراء بعض الاصلاحات السياسية والتعديلات الدستورية، بينما واجهتها البحرين بالقمع والحلول الامنية الدموية، اما السعودية فأضافت إليها الرشوة المالية (مئة مليار دولار لتحسين القطاعات الصحية والتعليمية والاسكانية وتوفير المساعدات والوظائف للعاطلين) الى جانب القمع الامني وتضييق مساحة الحريات (تعديل قانون المطبوعات). * * * ردود الفعل في المغرب للدعوة الى الانضمام الى مجلس التعاون الخليجي جاءت فاترة، بينما كانت اكثر حماساً في الاردن، الفتور المغربي الرسمي والشعبي، يأتي من الخوف على حدوث انتكاسة في الانجازات الديمقراطية، والاصابة بفيروس الاوتوقراطيات الملكية الخليجية، اما الحماس في الاردن فيعود الى الطموحات المالية والاقتصادية، فالمواطنون الاردنيون يعتقدون ان المليارات ستنهال عليهم وسيتنقلون في العواصم الخليجية بالبطاقات الشخصية كمواطنين اصيلين، وينتقلون من دور ‘المكفول’ الى دور ‘الكفيل’ في لمح البصر.
الحذر المغربي مفهوم، اما الحماس الاردني على الصعيدين الشعبي والرسمي فيتسم بالتسرع، فاذا كانت مليارات الخليج، وعلى مدى ثلاثين عاماً من تأسيس مجلسه، والاغاني العذبة حول ‘انا خليجي وافتخر’ التي تصدح بها الاذاعات والتلفزيونات، لم تهبط على الدولتين الاكثر فقراً وهما البحرين وسلطنة عمان، فهل ستهبط برداً وسلاماً على الاردن؟ نأمل ذلك خاصة في ظل ظروفه الاقتصادية الصعبة جداً هذه الايام.
نخشى ان تكون الحرب الطائفية المنتظرة قد اوشكت وان هذه الحرب تتطلب قوات مغربية واردنية، عسكرية وامنية، لان الولايات المتحدة المتورطة حالياً في حربي استنزاف بشري ومالي في العراق وافغانستان (حرب افغانستان تكلفها سبعة مليارات دولار شهرياً) وثالثة قادمة في ليبيا، لم يعد بمقدورها التورط في حرب رابعة اخطر ضد ايران القوة الاقليمية العظمى.
الاردن يلعب دائماً دوراً وظيفياً خاصاً في الحرب والسلم، في الحرب كوعاء تصب فيه الفوائض البشرية من جيرانه في العراق وفلسطين وسورية، وفي السلم كضمانة للاعتدال على الطريقة الغربية والامريكية خاصة. الآن توجد ملامح تدخل غربي قادم الى سورية، ومواجهة مع ايران، ولا بد ان يكون للنظام الاردني ‘دور ما’ فيهما اذا اقتضى الامر. النظام مستعد لتلبية النداء، مثلما فعل في الحرب الامريكية ضد الارهاب، وهذه التلبية قد تتطلب منها خسائر بشرية، وحتى يهضم الشعب هذه الخسائر ويتقبلها لانها ليست من اجل تحرير فلسطين لا بد من تقديم ‘حوافز’ او بالأحرى ‘رشوة’ له، وليس هناك اقوى تأثيراً من حافز ‘خلجنته’.
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 ماي 2011)
<
هيثم مناع
عظّم الله أجركم وبعد.. لم يكن لدى محدثي الوقت لطويل العزاء، فمن حوله كل آثار التنكيل والعقوبات الجماعية بأهل المدينة، وليس ثمة متسع للمشاعر الشخصية: سجّل أخوي، الاتصالات مازالت مقطوعة، الكهرباء متقطعة، حظر التجوال شبه تام.. الخروج والدخول من كل منطقة في حي البلدة يحتاج لموافقة. رواتب الموظفين والعاملين في قطاع الدولة مازالت مقطوعة.. المدارس مغلقة والمساجد أيضا، محظور رفع الأذان، ولأول مرة منذ دخول الإسلام بلاد الشام تمنع الصلاة في المساجد يوم الجمعة.
لا يمكن لمحافظة قدمت حتى اليوم ثلثي شهداء انتفاضة الكرامة، وجاوز عدد معتقليها أكثر من نصف من اعتقل في سورية بعد 18/3/2011 والبالغ ثمانية آلاف شخص، أن تكون أمثولة الشباب السوري.. لا بد من تحطيم صورة القدوة وتعميم فكرة حلول النقمة على كل من يقف مع التغيير الديمقراطي. فالمطيع في منطق السلطة التسلطية مدلل والثائر مكبل، والهدف الأول للحل الأمني هو تحطيم الإرادات.
لجنة من الأهالي تقوم بتقييم الخسائر المادية في البيوت والممتلكات وقد سجلت اليوم خسائر بعض منازل حارة الأبازيد: المحامي مثقال الأبازيد، عبد الرحيم الأبازيد، هيال الأبازيد، عاطف الأبازيد، عبد العزيز الأبازيد، طه الأبازيد، أحمد اليوسف الأبازيد، نزار الأبازيد… سجّل: حرق، تدمير، تكسير ممتلكات منزلية، سرقة أدوات ومقتنيات، نهب عام. حتى ثانوية بنين درعا البلد تم نهب محتوياتها. في حين أصيب مسجد أبو بكر الصديق.. تم احتلال جامع بلال وبيت يوسف الأبازيد وموسى العبد وأبو أشرف السويدان وسليمان الأبازيد لتستخدم مقرات للأمن والقوات الخاصة، ولكي تتساوى أماكن العبادة في المظالم جرى استخدام كنيسة شمال الخط مقرا لهم أيضا. اليوم رأينا عددا من اعمدة الكهرباء تصل لتوضع مكان ما تم تحطيمه وتكسيره في الاسبوعين الماضيين. كل المحال التجارية تعرضت للنهب والسرقة من أجهزة الأمن والقوات الخاصة. مازالت الدبابات ترابط في المدينة، دبابتان عند خزان المياه الرئيسي، دبابة عند كل مصرف، ست دبابات عند المسجد العمري…
حدث جديد يقطع صمت حظر التجوال. لقد تم تشييع الشهداء حسن شحادة الأبازيد، بشار الأبازيد، أسامة بن الشيخ أحمد الصياصنة، عيسى غزلان، ياسر الأبازيد، عبد المحسن شحادة الأبازيد. وشارك في التشييع أكثر من 400 شخص يهتفون ‘يللي بيقتل شعبه خائن’، ‘الشعب يريد اسقاط النظام’.. وهذه أول مظاهرة مختلطة نسائية رجالية لأن آخر المظاهرات تحت الحصار كانت نسائية، ولم تتمكن مسيرات القرى القادمة من نصف القطر الشرقي والغربي قبل عشرة أيام، من الوصول لمدينة درعا، حيث حال إطلاق النار الكثيف واستشهاد أكثر من مئة متضامن من وصول المسيرتين إلى الأحياء المحاصرة.
مازالت مراكز الاعتقال المؤقتة والدائمة تعج بالشباب، ولا يشكل الإفراج اليوم عن قرابة عشرة سجناء نسبة تذكر لما بقي من معتقلين. أخبار باقي المحافظة ما زالت تحمل رائحة القتل العشوائي والتنكيل والتوحش الأمني. نوى ما زالت محاصرة، طفس تستعيد بعض أنفاسها، جاسم ونمر وإنخل تضمد جراح الأمس، 14 شهيدا من الحارة اليوم فقط، بينهم طفلان وأربع نساء وقد أحرق مشفى الرحمة في البلدة. قوات الأمن تدخل مدينة الحراك من الجهة الغربية بعد الغروب. يبدو أن عددا من الطلبة حاول التظاهر في المدينة الجامعية في حلب، في حين تستمر الاتصالات من أجل الإبقاء على تظاهرات يوم الجمعة في عموم محافظات سورية. ثمة حوادث متفرقة يتحدث عنها التلفزيون الحكومي السوري، في حين أوردت حركة شباب 17 نيسان للتغيير الديمقراطي تقريرا مختصرا من مدينة بانياس جاء فيه: بعد انقطاع تام للكهرباء والمياه والاتصالات الخليوية وخطوط الهاتف دام أربعة أيام، وبعد عودة خطوط الهاتف الأرضية جزئيا الى المدينة، ينكشف حجم الدمار والترويع الذي لحق بالبلد وأهله وقراه المحيطة من الجهة الغربية. مئات المعتقلين تم تجميعهم في الملعب البلدي وحي القوز حيث تم إنشاء مركز للاعتقال. المعاملة المشينة والتعذيب من الإهانات والتدعيس والضرب والجلد في مراكز الاعتقال المؤقتة. معظم الشباب والرجال بين معتقل وهارب ومتخف. عدد من المعتقلين اقتيد إلى القرى المجاورة لتتم أهانتهم واتهامهم بالعمالة والخيانة، تم الاعتداء على الطاقم الطبي في مشفى الجمعية في بانياس البلد واعتقالهم وتعذيبهم.. لم يتركوا شخصية ذات شأن إلا وقاموا بإهانتها، من أطباء وصيادلة ومهندسين ومشايخ وشخصيات اعتبارية. تم الاعتداء على عدد كبير من البيوت، حيث نرى آثار السرقة والتكسير. مئات البيوت تم نهبها وسرقتها، خصوصا التي لم يكن أهلها موجودين في المنزل وتم احتلالها من قبل الشبيحة والأمن يسرقون ما يمكن حمله ونقله من المنازل من شاشات التلفزيون حتى ملابس الأطفال! ويكسرون ما لا يستطيعون نقله كالأبواب والنوافذ وأدوات المطبخ.. تم تخريب وتكسير جامع الرحمن الذي يخطب به الشيخ انس عيروط .. وسرقة ما فيه من فرش وأثاث ونحوه. وتم الاعتداء بشكل كبير على المنازل المحيطة بالجامع (خاصة مكان إقامة الشيخ وعائلته) وثقب خزانات المياه الموجودة على السطوح في عمليات تخريب واضحة. تمت سرقة وتكسير بعض المحلات التجارية، خاصة المحلات الإلكترونية ونهبها وتمت سرقة جمعية البر والخدمات الاجتماعية القريبة من مبنى البلدية وهي تحتوي على مواد تموينية ومستلزمات ضرورية للفقراء والمساكين’.
لا تحرص السلطات الأمنية البتة على إخفاء تغولها ووحشيتها، بل أحيانا تحاول نشره على الملأ كوسيلة من وسائل الترهيب واستعادة سلاح الخوف. ويبدو أن مختصيها يعملون بكل الوسائل لتحويل مناطق وأحرار الانتفاضة إلى قوة نابذة عوضا عن أن تكون قوة جاذبة. على الصعيد الإقليمي وجه رئيس وزراء مصر رسالة ثانية للأسد، وعلى الصعيد الدولي أغلق الباب أخيرا أمام عضوية سورية لمجلس حقوق الإنسان وفرضت عدة عقوبات شخصية. وسائل الإعلام خففت بشكل بارز حجم تغطيتها للأحداث السورية. ويبدو أن ترويج السلطة لفكرة تقول بأن الأيام الصعبة خلفها وليست أمامها، جعلت العديد من مكاتب البورصة السياسية تعيد النظر في أسلوب تعاملها مع الانتفاضة، إلا أن الشباب الذي كان مركز القوة الفعلية، ونقطة ارتكاز المقاومة المدنية لم يقل كلمته الأخيرة.
‘ المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الانسان ـ باريس
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 ماي 2011)
<
ياسر الزعاترة
لم يكن بوسعنا أن نتورط في مستنقع الازدواجية في المحطة السورية، ولن نقول مثلما قال الأمين العام حسن نصر الله في معرض تعليقه على الحراك الشعبي البحريني إن الموقف في حالة دول المقاومة والممانعة قد يختلف عما عداه (لم يتحدث للأمانة عن تجاهل المطالب الشعبية، بل عن البحث عن مقاربة سياسية معقولة، مع أن تعاطي الحزب مع الأحداث لا يعبر عن هذا التوجه).
وعموما لم نقتنع يوما بأن بالمقاومة والممانعة تقف حائلا دون منح الناس حريتهم، ومن يعتقد أنه يلبي بالفعل أشواق الناس في العزة والكرامة ومواجهة الأعداء لن يخشى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع إلا إذا كان دكتاتورا في الداخل، بل إن مسار المقاومة والممانعة يغدو أكثر قوة حين يكون المقاومون والممانعون أحرارا وليسوا عبيدا لفرد أو نخبة معينة.
كنا ندافع عن النظام السوري تبعا لمواقفه المتميزة في دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، وموقفه من العراق ودعمه للمقاومة وصولا إلى إفشال المشروع الأميركي الذي كان يخطط لإعادة تشكيل المنطقة. ولعلنا نشير هنا إلى ما كنّا نلاقيه من صعوبة في إقناع السوريين بحقيقة مواقف نظامهم المشار إليها، الأمر الذي يبدو مفهوما إلى حد ما، لأن من الصعب على المظلوم أن يرى خيرا في من يدوس على حريته وكرامته. من هذا المنطلق تحدثنا في البداية عن الإصلاح، وليس عن التغيير الجذري، وهو ما تردد أيضا في الساحة الشعبية السورية، لكن الرئيس لم يقابل مطالب الإصلاح السورية الشعبية إلا بالسخرية كما في خطابه أمام مجلس الشعب، مع أن السخرية لم تعهد عنه، ولا نتجاوز الحق إذا قلنا إن خطابات المديح لسيادته التي سمعناها تتردد في المجلس قد أشعرتنا بالخجل كعرب ومسلمين.
دعك من الأسباب التي قادت إلى انفجار مدينة درعا، وهي أسباب لا داعي للتفصيل فيها، لكنها تعبر عن العقلية الأمنية التي تحكم البلد، بدءًا باعتقال طبيبتين والإمعان في إهانتهما، لمجرد قول إحداهما لصديقتها “عقبال عنا” في التعبير عن فرحتها بما جرى في مصر، وليس انتهاء بموقف المحافظ من توسط وجهاء المدينة من أجل الإفراج عن الأطفال الذين اعتقلوا بسبب كتابتهم على الحيطان ضد النظام احتجاجا على ما وقع للطبيبتين، وهو موقف طاعن في الازدراء كما روى القوم.
عندما خرج الناس يطالبون بالإصلاح والحرية، ردّ عليهم الرئيس بالخطاب الساخر إياه، ثم رد تاليا بالرصاص الحي، وعندما انتفضت المدن الأخرى وتواصلت عمليات القتل خرج بإصلاحات شكلية مثل إلغاء قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة، وذلك بدل الحديث عن إصلاحات دستورية ذات معنى.
ومع تواصل مسلسل القتل، ومعه التشويه الإعلامي للانتفاضة الشعبية والحديث عن مندسين وإرهابيين، تطورت المطالب الشعبية من إصلاح النظام إلى إسقاط النظام، الأمر الذي كان طبيعيا من دون شك، ولو اختلفت الاستجابة وتقدم النظام بإصلاحات حقيقية لاختلف الموقف برمته.
بعد اتساع نطاق الاحتجاجات وتوحد مطالب الناس في شعار إسقاط النظام، تفتق ذهن النظام عن خطة لعسكرة الانتفاضة، وذلك بأن يجري تحويلها من انتفاضة سلمية إلى تمرد مسلح، وبالطبع من خلال فبركات أمنية من جهة، ومن خلال مجموعات سلفية جهادية مخترقة من جهة أخرى، ونعلم أن للنظام خبرته الطويلة في التعامل مع هذه المجموعات اكتسبها خلال عمله معها في السياق العراقي، مع أنه ما لبث أن انقلب عليها بعد الضغوط الأميركية ووضوح فشل مشروع الاحتلال لحساب الحضور الإيراني، مع إعلان النوايا الأميركية بالانسحاب.
ونعيد التأكيد على أننا نتحدث عن اختراق، إذ لا يعتقد أن التيار المذكور يمكن أن يفكر بمثل هذا المسار، وقد ذهب أحد أهم منظري هذا التيار (أبو محمد المقدسي) إلى الاحتفال بالثورة الشعبية للسوريين. الطرف الآخر المتهم بحمل السلاح من قبل النظام هو الإخوان، وهنا لا تنطلي اللعبة على أحد أيضا، ليس فقط لأن الإخوان هم الأكثر حرصا على سلمية الثورة بعدما رأوا ثمارها في تونس ومصر (دعك من مرارة تجربتهم الماضية)، بل لأنهم لا يملكون القدرة أيضا، من دون أن يقلل ذلك من دورهم وحضورهم كجزء من الشعب السوري، هم الذي دفعوا أثمانا باهظة في مواجهته طوال العقود الثلاثة الماضية.
يخطئ الرئيس السوري إن اعتقد أن هذه اللعبة (لعبة عسكرة الانتفاضة) ستكون مجدية في مواجهة الانتفاضة الشعبية، في استعادة للمواجهة التي خاضها نظام والده مع الإخوان المسلمين مطلع الثمانينيات، والتي انتهت بمجزرة حماة الشهيرة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناس الأبرياء.
يخطئ في هذا التقدير لجملة من الأسباب، أولها أن ما جرى في مواجهة نظام الأب كان تمردا مسلحا بالفعل، وكان يتلقى دعما ما من بعض الدول العربية، بل كان يُسمح له بجمع التبرعات حتى في أميركا والدول الغربية، وإن تم ذلك لأغراض ابتزاز النظام وإضعافه وليس إسقاطه واستبداله بإسلاميين راديكاليين، أما اليوم فهناك إصرار على نبذ العنف، حيث يهتف الناس في الشوارع “سلمية سلمية”، أما قصص السلاح فلا يبدو أنها تمر على الناس، بما في ذلك تمثيليات الجنائز التي تبث كل يوم على تلفزيون السوري (يذهب سوريون إلى أن بعضها لعناصر من الجيش والأمن رفضت إطلاق النار على المتظاهرين).
هناك ثانيا ما يتعلق بالوضع الدولي، ففي الحالة السابقة كانت هناك الثنائية القطبية، أما اليوم فالمشهد مختلف كما يعرف الجميع، ولن يكون بوسع روسيا أو الصين الدفاع عن قتل الناس الأبرياء في الشوارع، بدليل موقفهما في السياق الليبي حيال قرار مجلس الأمن رقم 1973.
هناك ثالثا ما يتعلق بالوضع الإعلامي، وهذه نقطة بالغة الأهمية، إذ إن ثورة المعلومات والاتصالات لم تعد تسمح لأحد بقتل الناس في السر، وزمن الهواتف المحمولة ذات الكاميرات وزمن اليوتيوب يفضح كل شيء، وبالتالي يستثير الرأي العام دولا وجماهير.
الأهم من ذلك كله هو ما يتعلق بالموقف الشعبي، ففي مطلع الثمانينيات لم يكن ثمة إجماع على الثورة على النظام، أما اليوم فالإجماع شبه متحقق إلى حد كبير، وحتى الحديث عن انحياز الطائفة العلوية للنظام لا يبدو محقا، لأن جزءا كبيرا منها ليس مع النظام، مع أن جرّ الكثير من أبنائها في معركة الدفاع عن النظام لا يبدو مستبعدا، وقد رأينا كيف تم تسليح الأقلية العلوية في مدينة بانياس التي كانت الأكثر تعرضا للقمع بعد درعا، ولا قيمة للقول إن أعداد المتظاهرين ليست كبيرة مثل مصر واليمن، لأن الخوف من دولة أمنية قمعية هو السبب، وينطبق ذلك على تردد بعض المناطق عن المشاركة، الأمر الذي لن يلبث أن ينتهي لينخرط الجميع في الثورة. في هذه الأثناء برزت مفاجأة في منتهى الإثارة تمثلت في التصريحات التي أدلى بها رامي مخلوف، المليادرير (ابن خال الرئيس)، لصحيفة نيويورك تايمز، والتي قال فيها “إذا لم يكن هناك استقرار داخلي هنا (في سوريا)، فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل”، ما يذكرنا بتصريحات مشابهة للقذافي.
كل ذلك يؤكد أن النظام لم يكن مخلصا في مقاومته وممانعته بقدر ما كان يعبر عن مصالح نخبته الحاكمة التي رأت أن كلفة المقاومة والممانعة أقل من كلفة الاستسلام كما كان يردد الرئيس السوري نفسه، الأمر الذي كنا ندركه بالطبع، من دون أن يدفعنا إلى التردد في مديح تلك المواقف قياسا بمواقف أنظمة أخرى كانت تذهب في الاتجاه الآخر، ومن أجل مصالح نخبها الحاكمة أيضا.
اليوم تبدو تصريحات رامي مخلوف محرجة إلى حد كبير للتيارات التي تدافع عن النظام وتقف معه في معركته مع شعبه، وفي مقدمتها حزب الله ومن يدور في فلكه، فضلا عن جحافل من القوميين واليساريين الذين لا يستحون من دفاعهم عن قتل النظام لأبناء شعبه، فضلا عن ترديد حكاية المؤامرة الخارجية، لكأن النظام هو وحده عنوان الوطنية والقومية، بينما السوريون مجرد جحافل من العملاء والمأجورين.
إنه منطق النخب الحاكمة التي تعلن استعدادها لحرق الأخضر واليابس من أجل مصلحتها بعد أن جمعت الثروة مع السلطة، وفي هذا الصدد يقول مخلوف في ذات المقابلة إن النخبة الحاكمة في سوريا قد تكاتفت أكثر بعد الأزمة (لا يريد الاعتراف بأنها ثورة مع أن كلامه يعكس ذلك)، مضيفا القول “نؤمن بأنه لا استمرارية من دون وحدة، وكل شخص منا يعرف أننا لا يمكن أن نستمر من دون أن نكون موحدين. لن نخرج ولن نترك مركبنا ونقامر. سنجلس هنا، نعتبرها معركة حتى النهاية”. وفي النهاية يعود إلى الدولة العبرية ليقول للغرب “يجب أن يعلموا أننا حين نعاني، فلن نعاني وحدنا”.
في ضوء هذه المعادلة، يمكن القول إن النظام قد قرر الذهاب بعيدا في منظومة القمع، كما يؤكد من جهة أخرى أن الانتفاضة الشعبية في سوريا قد تجاوزت فكرة الإصلاح، الأمر الذي يدركه النظام الذي أخذ يهرب إلى الأمام بتعزيز منظومة القمع والقتل، بدليل الدبابات التي أدخلها إلى مدينة درعا وبانياس وحمص ومدن أخرى، ويتوقع أن يدخلها إلى سائر المدن المنتفضة بالتدريج.
في هذا السياق جاء تحذير رئيس الوزراء التركي (أردوغان) من مغبة تكرار “حماة” أخرى، مع أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، لكن أنقرة التي خاب أملها بسلوك النظام لم تجد غير هذا الكلام المتشدد لكي تعبر من خلاله عن مخاوفها مما يجري، وهي التي اتهمت طوال أسابيع بمحاباة النظام تبعا للعلاقة المتميزة معه، ويبدو أنها أدركت أن الشعب هو الأبقى، وأن النظام في طريقه إلى الزوال ولا يواجه أزمة محدودة النطاق وحسب.
من الصعب الحديث عن مآلات الانتفاضة الشعبية السورية بعد دخول العامل الدولي على الخط، ولا شك أن التدخل الغربي لا يمكن استبعاده، لكن الشعب السوري لن يقبل على الأرجح تكرار السيناريو الليبي، حتى لو سكت على عقوبات تطال رموز النظام.
لكن تعويل النظام على تحويل الانتفاضة الشعبية إلى تمرد مسلح، ومن ثم إصراره على هذا المسار على نحو غير مقنع للداخل والخارج، مع تصعيد آلة القمع قد يسهل لعبة التدخل، لا سيما أن أطرافا في المعارضة السورية في الخارج قد لا تجد في الأمر غضاضة بسبب قناعاتها الخاصة، ومواقفها من النظام.
هل فات أوان الإصلاح؟ من الصعب حسم جواب السؤال، وسيعتمد الموقف على ماهية الإصلاح المطروح وتطور الموقف الشعبي، إذ إن إعلان النظام عن خطوات إصلاحية حقيقية تفكك النظام الأمني، وتشمل تعديلات دستورية تطال المادة الثامنة من الدستور، وصولا إلى دستور جديد يؤسس لديمقراطية حقيقية وليس ديكورية على النمط السائد في مصر وتونس واليمن قبل الثورات، هذا الأمر قد يفضي إلى توقف الثورة في انتظار انجلاء الموقف.
لكن هامشية هذا الاحتمال، بل استحالته في واقع الحال، معطوفا على الإسراف في سفك الدماء كما وقع إلى الآن ويتوقع أن يتواصل خلال الأيام والأسابيع المقبلة، سيجعل هدف إسقاط النظام هو الوحيد المتاح. ويبدو أن لدى الشعب ما يكفي من الجاهزية والإصرار على هذه المعركة، وهو مستعد لدفع أثمانها الباهظة. ويبقى موقف الجيش الذي نتوقع منه أن لا يقل انحيازا للشعب من موقف الجيش التونسي والجيش المصري.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 15 ماي 2011)
<
محمد عبد الحكم دياب
عقد السبت الماضي في القاهرة ‘مؤتمر مصر الأول’، وذلك بقاعة المؤتمرات الكبرى بمدينة نصر تحت شعار ‘الشعب يحمي ثورته’، وهي نفس القاعة التي كان يعقد فيها الحزب الوطني المنحل مؤتمراته السنوية. وتجاوز عدد الحضور أكثر من أربعة آلاف مشترك؛ من شباب الثورة والقوى الوطنية والسياسية والمجتمعية والمستقلة الفاعلة.
وولدت فكرة ‘مؤتمر مصر الأول’ على وقع ما جرى في استفتاء التاسع عشر اذار/مارس الماضي على التعديلات الدستورية، وصدور بيان دستورى جديد؛ أعطى الأولوية للانتخابات التشريعية والأرض غير ممهدة بعد لهذه الخطوة. فالثورة المضادة تراهن على نشر الفوضى، وفق معادلة صاغها حسني مبارك في خطاب تخليه عن الحكم حين قال إما الاستقرار أو الفوضى؛ أي ‘إما أنا أو الفوضى’.
وفي الوقت الذي كان المؤتمر فيه ينهي أعماله اندلعت فتنة طائفية في إمبابة، وهي واحدة من مدن الجيزة، وبؤرة عنف وتشدد منذ تسعينات القرن الماضي، ومازالت بيئتها خصبة لذلك؛ بسبب الازدحام والفقر والمساكن العشوائية. وهذا يقتضي إحداث التمهيد المطلوب، وتغيير الظرف الراهن، وخلق بيئة مواتية تتمكن فيها الثورة من بناء دولتها الجديدة؛ والانتخابات التشريعية التي فرضت نفسها على الاهتمام الرسمي والشعبي. تناولها ‘مؤتمر مصر الأول’ في إطار معالجة شاملة؛ من خلال أوراق تدور حول المبادئ الأساسية للدستور القادم، والرؤية المستقبلية للتنمية ومتطلبات العدل الاجتماعي، وقيام ‘مجلس وطني’ يناط به حماية الثورة واستمرارها ويهيئ المناخ لدخول الانتخابات والناس أكثر تحررا من إرهاب فلول الحكم السابق، وأكثر وعيا وقدرة على الاختيار السليم.
وتشكلت لجنة تحضيرية تعد للمؤتمر؛ مثلت شباب الثورة والجماعات السياسية والأحزاب والقوى المجتمعية الأكثر انحيازا للثورة وقبولا بها. وجدت اللجنة نفسها أمام إشكاليات عدة: إشكالية الدولة المدنية وضماناتها، وإشكالية الحماية الدستورية لموارد الدولة، وإشكالية الآلية المناسبة للعمل في بلد يسعى نحو ديمقراطية محصنة بسيادة الشعب. وتباينت وجهات النظر أثناء التحضير، حول مشروع ‘المجلس الوطني’، الذي أقره المؤتمر فيما بعد؛ فكان هناك من يرى فيه بديلا للبرلمان الغائب، واخرون يرونه عقل وذراع الثورة المدني والشعبي، الذي يتواصل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ باعتباره السلطة السياسية الأعلى في البلاد، ويكون على علاقة بحكومة تصريف الأعمال. وغيرهم يعتبرونه منبرا للحوار حول النظام السياسي الجديد.
وانتهى ذلك إلى تحديد مهمتين كبريين لـ’المجلس الوطني’: الأولى.. وضع رؤية شاملة لنظام حكم وطني ديمقراطي. والمهمة الثانية هي المحافظة على مكتسبات الثورة واستكمال أهدافها، والمهمتان تحتاجان لجهود كبيرة يلعب فيها ‘المجلس الوطني’ الدور الأكبر.
وصدرت عن المؤتمر وثيقة سياسية من المهم أن يتعرف عليها الرأي العام؛ بدءا من تقديم التقدير والإجلال لأرواح شهداء الثورة الأبرار. وتحية الاف الجرحى والمصابين، وعلى هذا الصعيد أدانت الوثيقة ما يتعرض له المصابون من إهمال وصفته بالإجرامي، بسبب الحرمان من الرعاية والعلاج ومن أبسط الحقوق. وحيت الوثيقة الشعب في مصر وخروج ملايينه إلى الشوارع والساحات والميادين في طول البلاد وعرضها، فصنع واحدة من أكثر الثورات رقيا وسلمية في التاريخ الإنساني، وحيت الوثيقة جيش مصر الباسل، الذي لم يخيب ثقة الشعب فيه بانحيازه للثورة وتأكيده على شرعية مطالبها وأهدافها وحمايته للثوار. وطالبت بوضع دستور جديد.. عبر جمعية وطنية تأسيسية، قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.
عرضت الوثيقة لما جرى فيما مر من الفترة الانتقالية من أحداث وتطورات إيجابية أهمها: التصدي لمحاسبة رموز الحكم السابق على فسادهم وجرائمهم. والشروع فى خطوات ملموسة لتصحيح مسار السياسة الخارجية، وضمان تحقيق المصالح الوطنية العليا، وعودة مصر لدورها المحوري وتأثيرها في محيطها العربي والإقليمي والدولى بعد تآكله وإنحطاطه إلى حد مهين وغير مسبوق.
ورصدت الوثيقة قائمة سلبيات وأخطرها هو إستمرار الغياب الأمني، وتزايد ترويع المواطنين، والخرق المستمر للقانون، وتكاثر الإعتداءات المشبوهة على المؤسسات والمرافق العامة، والإحجام غير المبرر لرجال شرطة عن ممارسة واجباتهم. والتباطؤ في الإجراءات والقرارات، التي تستجيب لشروط العبور الآمن للمرحلة الإنتقالية، مثل عدم حل المجالس المحلية المزورة الموروثة من النظام البائد، والإبقاء على محافظين منتمين فكراً وسلوكاً لعصر الفساد، الذى ثار المصريون عليه، وعدم التخلص من عناصر فاسدة مازالت تعشش في مؤسسات الدولة؛ خصوصاً فى الجامعات ووسائل الإعلام، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، ومنهم شباب الثورة، والتسامح مع من يهددون النسيج الوطني ويشيعون الكراهية ويحرضون على التعصب، وهو ما يعيق بناء المجتمع الديمقراطي الذى يتطلع إليه الشعب.
وعبرت الوثيقة عن قلق المؤتمر من اتباع ما أسمته سياسة ‘الدولة المتفرجة’ في حوادث وممارسات استلزمت تحركا سريعا وحزما وفرضا لاحترام القانون وحماية السلم الأهلي. والبطء والارتباك الحكومي فى التعامل مع الوضع الإقتصادي؛ الناجم عن سياسات الحكم السابق الكارثية، وفي اتخاذ إجراءات وقرارات تعيد دوران عجلة الاقتصاد الوطني، وفي تنفيذ مشروعات تنعش سوق العمل وتخفف من الظلم الإجتماعي الفاحش بين الفقراء، وفي البدء في خطط إنقاذ عاجلة لقطاعات الزراعة والصناعة والتعدين؛ تنطلق من تحسين أحوال المنتجين.. فلاحين وعمالا.
وفيما يتعلق بالجانب الأهم الخاص بالمبادئ الدستورية الأساسية شملت الوثيقة المبادئ العامة للدستور، وهي أن مصر جمهورية ديمقراطية مدنية.. الشعب فيها مصدر السلطات.. ويتمتع بالحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية. ومصر جزء من الأمة العربية.. تسعى لوحدتها ونهضتها. والدولة في مصر دولة قانون.. تحترم حقوق الإنسان.. وحقوق المواطنة كافة.. وتحمي تعدد وتنوع وثراء نسيج المجتمع الوطني. والإسلام دين أغلبية المصريين.. واللغة العربية لغتها الرسمية.. ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؛ من دون إفتئات على حقوق المواطنين غير المسلمين.
والدولة تضمن تكافؤ الفرص والمساواة التامة للمواطنين أمام القانون، وعدم التمييز بينهم بأية صورة وعلى أي نحو؛ بسبب إختلاف الجنس أو العرق أو اللون أو الدين، أو أي سبب آخر. وحرية الفكر والعقيدة حق مكفول لكل المواطنين لا يجوز تقييده. وحرية الرأي وحرية التعبير السلمي بكافة الوسائل، وكذلك حرية الصحافة والإعلام، والحق في المعرفة وتلقى المعلومات والأخبار الصحيحة من مصادرها، كلها حقوق مكفولة للمصريين تضمنها الدولة وتحميها التشريعات والقوانين. والفصل بين السلطات مبدأ أساسي للحكم.
واستقلال مرفق العدالة والقضاء. وتمكين الرقابة الشعبية والبرلمانية على السلطة التنفيذية واجب دائم على الدولة. وحق المواطنين في الإجتماع والإحتشاد السلمي والتنظيم، وتأسيس الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية والنقابات المستقلة، والحق في إنشاء الأحزاب السياسية؛ كلها حقوق إنسانية لا يحوز تقييدها بأي قيد إلا ما يتعلق بحماية النظام العام والمبادئ الأساسية للدستور. وعند التصدي التشريعي لتنظيم ممارسة هذه الحقوق والحريات يراعى عدم فرض قيود تمس أو تنال من أصل الحق.
وأكدت الوثيقة على أن القوات المسلحة المصرية درع الاستقلال الوطني، وركيزة الدفاع الأساسية عن أمن البلاد وحدودها وأراضيها ومصالحها الإستراتيجية العليا. وفي حالات الضرورة عليها واجب حماية النظام الديمقراطي والمبادئ الأساسية للدستور. أما العدالة الاجتماعية، وضمان وصول ثمار التنمية الشاملة والمتوازنة إلى جميع المواطنين؛ مسؤولية رئيسية وأساسية للدولة.
والحق فى التعليم، والحق في الرعاية الصحية، والحق فى المسكن الملائم والكريم، والحق في العمل بأجر عادل ومجز.. كلها حقوق أساسية تكفلها الدولة للمواطنين كافة، وتسهر على رعايتها وحمايتها. والمساواة بين الجنسين (الرجل والمرأة) على كل الأصعدة وفي كل المجالات؛ مبدأ أساسي من مبادئ الدولة.
وحماية النشء وحقوق الطفل ورعاية الأسرة واجبات أساسية للدولة. على أن يتضمن الدستور الجديد مادة تفرض حصانة عدم التعديل على المواد التي تحوي وتقر المبادئ والقيم الموصوفة بـ’فوق الدستورية’؛ خصوصا المواد المتعلقة بالحريات العامة، والطابع المدني للدولة، والمساواة بين المواطنين.
وحددت الوثيقة المهام العاجلة المطلوبة وهي الإسراع بإعلان ‘المجلس الوطني’، ويتولى فور تشكيله تنفيذ واجبات المرحلة الانتقالية المتفق عليها. والبدء في إعداد قائمة مرشحين موحدة للانتخابات البرلمانية المقبلة. والضغط من أجل إصدار قانون مباشرة الحقوق السياسية؛ يسمح لكل المصريين في الداخل والخارج، الذين يبلغون سن الثامنة عشرة بالمشاركة في العملية الإنتخابية من دون قيود، وضمان نزاهة عمليات الإقتراع. والسعي لإستصدار قانون ينظم إنتخابات المجالس التشريعية والمحلية؛ بنظام القوائم، وإقرار حق المستقلين في إعداد قوائم خاصة بهم. وكان المؤتمر قد طالب بقانون يمنع استخدام دور العبادة كمنابر سياسية واستخدام شعارات الدين في الدعاية الإنتخابية.
لم تشهد مصر مؤتمرا بهذا الاتساع والحجم منذ انعقاد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في أيار/مايو 1962. والفرق بين المؤتمرين أن السابق كان بمبادرة من زعيم ورئيس دولة بحجم ووزن جمال عبد الناصر، والمؤتمر الحالي تم بمبادرة وطنية وتمويل شعبي ذاتي، دون مساعدة من أي جهة رسمية أو غير رسمية، في الداخل أو الخارج.
ويكتسي أهميته أنه عقد في مرحلة انشغل فيها كثير من شباب الثورة بالبحث عن جماعات سياسية وحزبية ينتمون إليها استعدادا للانتخابات؛ منهم من التحق بأحزاب قائمة، وآخرون يشكلون أحزابهم، رغم ما في قانون الأحزاب الجديد من قيود؛ ذكرتها ورقة المهندس الاستشاري والناشط السياسي ممدوح حمزة المقدمة للمؤتمر؛ كالنصاب العددي المقدر بخمسة آلاف مؤسس، والنصاب الجغرافي بأن يكون المؤسسون من عشر محافظات، والنصاب المالي، الذي يغطي تكلفة توثيق توكيلات المؤسسين في الشهر العقاري ونشر أسمائهم فى صحيفتين يوميتين.. غير مصاريف الاتصالات والمقرات والنقل والاجتماعات، وهي تكلفة فوق طاقة شباب الثورة وسواد الشعب. ولا تمكن غير الأثرياء والقادرين، أو من يحصلون على تمويل داخلي أو خارجي؛ وكثير منه غير بريء. وهي قيود في حاجة إلى مراجعة عاجلة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ واضع هذا القانون.. كي تستقيم الحياة السياسية وتستعيد عافيتها.
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 ماي 2011)
عرض/الصادق الفقيه
يعتبر جون جي ميرشايمر واحدا من أكثر المفكرين الواقعيين على صعيد السياسة الخارجية، ومن أكثرهم تأثيرا في العلاقات الدولية في العالم.
فهو واضح وقاطع ومحلل نزيه لا يعرف الخوف، إلى جانب أنه معروف بإثارته للجدل بسبب نظرته الجريئة حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، التي أثارت عاصفة من الانتقادات، ولخصها في كتابه “اللوبي الإسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية”، الذي صدر عام 2007 وترجم إلى تسع عشرة لغة ودخل قائمة أكثر الكتب الجديدة مبيعا، حسب تصنيف صحيفة نيويورك تايمز. إضافة إلى ما جاء في كتابه “مأساة سياسات القوة العظمى”، الذي فاز بجائزة جوزيف لبقولد للكتاب، من انتقاد حاد لسياسات أميركا ومنافسيها الكبار في العالم.
بيد أنه الآن يأخذ نظرة على جانب آخر في العلاقات الدولية مثير للجدل كذلك، لكن لم يسبقه إليه أحد هذه المرة، ولم تتطرق له الدراسات من قبل بهذه الدقة والتحديد، وهو “الكذب”. إذ يقدم تحليلا شاملا للكذب في الشؤون العالمية، مع حشد كبير من الأمثلة التاريخية المشتركة. ويميل إلى وجود دوافع محضة لقادة كذّابين.
الشكل والجوهر
اشتمل كتاب “لماذا يكذب القادة: الحقيقة حول الكذب في السياسة الدولية” لمؤلفه جون جي ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية والمدير المشارك لبرنامج سياسة الأمن الدولي في جامعة شيكاغو الأميركية عددا من الفصول.
إذ ضم جدول المحتويات، إلى جانب المقدمة، ثمانية فصول، بدأت بتعرف: ما الكذب؟ وفصل ثان عن “جرد الكذب الدولي”، وثالث عن “الكذب بين الدول”، ورابع عن “ترويج الخوف”، وخامس عَرَّف “إستراتيجية التكتم”، وسادس تحدث فيه المؤلف عن “صنع الأسطورة القومية”، وسابع فحص “الأكاذيب الليبرالية”، وناقش الفصل الثامن “الجانب السلبي للإخبار بالأكاذيب الدولية”، في حين تناولت “الخاتمة” استنتاجات دراسة المؤلف لظاهرة الكذب في السياسة الدولية، إضافة إلى المراجع والحواشي والفهرس.
ورغم صغر حجمه، وجد كتاب ميرشايمر تقريظا حميدا من كثير من الكتاب والمفكرين في الولايات المتحدة الأميركية، التي شكل كذب قادتها مادته الأساسية.
فقال جاك سنايدر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا “إلى كل صانعي الأسطورة حذار! إن جون ميرشايمر، الذي يكتب بحيوية واقتضاب، يفتح آفاقا جديدة في الكشف عن هذه القضية الساخنة لمزيد من التدقيق والتحري”.
ويتساءل كبير المشاركين بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي رئيس التحرير السابق لمجلة “السياسة الخارجية” مويسيس نعيم “هل الكذب في السياسة الدولية سلوك مشين، أو أداة مفيدة لفن الحكم؟ ومتى يكون مناسبا للقادة لكي يكذبوا على شعوبهم؟ هل هناك كذب أكثر من اللازم، أو أن القليل منه يحدث في السياسة الدولية؟”.
لقد أجاب جون ميرشايمر على هذه الأسئلة وغيرها من المسائل المتفجرة وبذات الجرأة والأصالة التي عُرف بها. إن هذه الدراسة تقدم رؤية ثاقبة من جانب واحد من أكثر المفكرين المثيرين للجدل في العالم. إنها قراءة رائعة ومحفزة. ويقول عنه جيمس ف. هوج الابن رئيس مجلس إدارة منظمة هيومن رايتس ووتش ورئيس التحرير السابق لمجلة “الشؤون الخارجية”، إن “هذه الدراسة الرائدة عن الكذب في السياسة الدولية مليئة بالمفاجآت. فزعماء العالم يمكنهم أن يكذبوا على بعضهم بعضا دون أن يتحملوا أية عواقب وخيمة، ولكنهم يفعلون ذلك أقل بكثير مما كنا قد افترضنا. ومع ذلك، عندما يكذب القادة على شعوبهم حول سلوك السياسة الخارجية، فإنه تنتج عن ذلك أضرار كبيرة، وبخاصة في الديمقراطيات. جون ميرشايمر يصنف أنواعا مختلفة من الأكاذيب، ويزن مخاطر القيام بها في هذا التحليل الثاقب، الذي له صلة وثيقة بعصرنا”.
في حين يذكر روبرت سين كيوهين أستاذ الشؤون العامة والدولية، في مدرسة وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون، أنه “في هذا الكتاب الصغير الرائع، يحتج جون ميرشايمر بأن الكذب حول السياسة الخارجية هو جزء لا يتجزأ من طريقة الحياة الديمقراطية، وهذه هي الرسالة الهامة بالنسبة لأعضاء الجماهير الديمقراطية الذين يرغبون في تجنب الخدع من قبل قادتهم”. ما الكذب؟
رصدت المعاجم للكذب معالم وصفات ووصفات عديدة، التي لا تخلو جميعها من معنى أن يقوم الإنسان بإعطاء أو إظهار دلالات، أو معلومات خاطئة، أو إخفاء دلالات، أو معلومات صحيحة, عن من يطلبها من أجل الحماية والتكيف الأفضل مع الظروف المستجدة. فالكذب تزوير للحقيقة كي يخدع بها الشخص الآخرين، من أجل تحقيق أهداف ودوافع ذاتية معينة.
أما كذب القادة فهو يشمل الكثير من الأشكال, وهو موجود لدى كل الأمم، إذ تمثل الجاسوسية والخداع في الصراعات والحروب أنواعا شائعة من هذا الكذب. وقد سار العرف أن الكذب في السياسة كثيراً ما يكون مباحا. لهذا أدمنه الساسة، الذين حفل بسيرهم ونماذج كذبهم هذا الكتاب.
لقد كان العراق المثال الأوضح في نظر ميرشايمر لكذب السياسيين الأميركيين، فما كان منه إلا أن يقول صراحة إن أعضاء إدارة الرئيس جورج بوش قد مهدوا طريقهم إلى العراق بالكذب، معتبرين أن “صدام قال الحقيقة حول قدراته من أسلحة الدمار الشامل قبل حرب العراق عام 2003، في حين أن كبار الشخصيات في إدارة بوش كذبوا بشأن ما كانوا يعلمون بشأن تلك الأسلحة”. لكن التفاؤل غير المناسب ليس هو نفسه التزوير المتعمد. إذ إنه على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين نشروا المعلومات المضللة عن علاقات العراق الإرهابية، فإنهم لم يخترعوا أدلة عن الأسلحة بقدر ما كانت تهمهم المبالغة في الثقة إزاء ما يعني هذا الدليل الضعيف.
وكان صدام بلا شك أكثر مخادعة، إذ قام بحملة منسقة لتضخيم قدراته العسكرية. وبغض النظر عن ذلك، فليس هناك شك في أن رؤية إدارة بوش المرنة للحقيقة كانت إشكالية، لأنها أدت إلى وقوع كارثة في السياسة الخارجية. كما يقول ميرشايمر، فإن هذا النوع من السلوك يفسد النقاش العام ويولد عدم الثقة. ولكن هل يعتبر الكذب دائما خصلة سيئة بالنسبة للسلطة؟
وبما أنني لن أحاول من خلال هذا الاستعراض الإجابة على هذا السؤال، فإن الاطلاع على السيرة الذاتية لديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش الابن يظهر بعض جوانب هذه الإجابة.
لقد تقلد تشيني مناصب رفيعة خلال ثلاث إدارات في البيت الأبيض، وخدم ست دورات في مجلس النواب، وشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة هاليبرتون، والصورة التي انبثقت من هذه الأدوار جميعها مفزعة ومقنعة على حد سواء، حيث تبرز بوصفها أصدق تمثيل للمكيافيلية الكلاسيكية، ففي حالة تشيني يبدو أن الغاية التي تبرر الوسيلة هي السلطة، بشكل واضح وبسيط. لماذا يكذب القادة؟
يوفر ميرشايمر أول تحليل منهجي عن الكذب كأداة من أدوات فن الحكم وتحديد الأصناف والأسباب والتكاليف والفوائد المحتملة. واعتمادا على ثروة من الأمثلة، يحتج أن القادة يكذبون في كثير من الأحيان لأسباب إستراتيجية جيدة، لذلك فإن إدانة شاملة للكذب تبدو غير واقعية وغير حكيمة. ومع ذلك، هناك أنواع أخرى من الخداع إلى جانب الكذب، بما في ذلك الإخفاء والغزل والمراوغة. وربما لا يوجد فرق أكثر أهمية بين أن يكذب الزعيم على دولة أخرى، أو الكذب على شعبه. لكن ميرشايمر اكتشف أن الخداع الصريح بين الدول صار أمرا غير عادي، مع الأخذ في الاعتبار عدم الثقة بين القوى الكبرى، فوجد أن الخداع المباشر أمر صعب وبالتالي نادرا ما يستحق كل هذا الجهد.
وعلاوة على ذلك، فإنه يرتد أحيانا عندما يحدث. لقد كذب خروشوف بشأن حجم القوة الصاروخية السوفياتية، مما أثار حفيظة أميركا وجعلها تراكم مخزونها. وضُبط أيزنهاور متلبسا بالكذب بشأن طلعات التجسس التي قامت بها “يو 2” في عام 1960 والتي ألغت القمة المزمعة مع خروشوف.
لهذا، فإن أنواع الكذب المحلية التي استهدفها ميرشايمر، وقضى معظم الوقت في تفكيكها، هي “ترويج الخوف”، أي تضخيم التهديدات حتى يأخذ الجمهور الأمر على محمل الجد.
وقد نُسب إلى وزير خارجية هاري ترومان عبارته الشهيرة عن خطر الشيوعية، التي قال إنها لا بد من أن تقدم بمصطلحات “أكثر وضوحا من الحقيقة”.
وقد وضع ليندون جونسون هذه العبارة موضع التطبيق، فضلل الكونغرس بشأن هجوم مفترض على المدمرة الأميركية في خليج تونكين حتى يتمكن من تأمين التفويض لحرب فيتنام.
وعلى الرغم من أن الأسباب قد تكون نبيلة، فإن فرانكلين روزفلت، على سبيل المثال، كذب على الشعب الأميركي بشأن مهاجمة قوارب يوU-)boats) الألمانية المدمرة جرير (USS Greer) في عام 1940، لبناء قضية الحرب ضد هتلر، لأنها كانت ستؤدي بسهولة إلى كارثة، كما هو الحال مع أكاذيب إدارة بوش بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية. إستراتيجية التستر أوجد جون ميرشايمر اسمًا لهذا النوع من الكذب، اصطلح عليه “إستراتيجية التستر”. وهذا المصطلح ليس بالضرورة تحقيرا، لكنه يحاول أن يجد من خلاله الإجابة على السؤال: لماذا يكذب القادة؟ كما أنه يفسر كيف أن الحكومة عندما تستخدم هذا النوع من الكذب إنما هي تريد أن تتمكن من مواصلة سياسة لا تحظى بشعبية، ولكن من الحكمة السير فيها قُدما.
فبعد أزمة الصواريخ الكوبية، على سبيل المثال، نفى الرئيس جون كينيدي أنه وافق على سحب الصواريخ النووية الأميركية من تركيا في مقابل موافقة السوفيات على سحب الصواريخ من كوبا. وكان كينيدي في واقع الأمر قد قام بهذه المقايضة، لكنه حفظها سرا، لأنه كان يعرف أنها سوف لن تحظى بشعبية لدى الناخبين في الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي.
وقد أقدم الزعماء اليابانيون على عملية حسابية مشابهة في ستينيات القرن الماضي، عندما منحوا الإذن للبحرية الأميركية أن ترسو سفنها المسلحة نوويا في الموانئ اليابانية، وهو شرط لتنفيذ عمليات إستراتيجية الردع الأميركية. ولكنهم أدركوا أن هذا القرار إذا أعلن للجمهور فإنه سيثير الكثير من الجدل في بلد مناهض للأسلحة النووية، بحيث أنه قد يتعين عليهم التراجع عنه.
وهكذا، وعلى مدى نصف قرن فإنهم ظلوا ينفون الاتفاق. وفي 11 مارس/آذار 2010 فقط، استطاعت الحكومة أن تقر نهائيا أن الإدارات السابقة قد كذبت على الجمهور الياباني لعقود بشأن وجود أسلحة ذرية على أرضهم.
وأكدت الحكومة اليابانية لأول مرة على وجود اتفاقات سرية منذ حقبة الحرب الباردة تم فيها السماح للولايات المتحدة بجلب أسلحة نووية للبلاد، في انتهاك فاضح لسياسات اليابان غير النووية.
إن إستراتيجية التستر واحدة فقط من فئات الأكاذيب، التي جرى تصنيفها في هذا الكتاب. ومثل تعلق الفراشات بالرغوة، ظل ميرشايمر يجمع ويصنف الأنواع المختلفة من الأكاذيب في السياسة الدولية، ويقوم باختراع هذه التصنيفات بنفسه.
فوجد أن البلدان تكذب على بعضها بعضا للمبالغة في قدراتها العسكرية الخاصة. فقد هدد هتلر بإرسال ست شعب إضافية في منطقة الراين والحقيقة أنه لم يكن لديه سوى أربعة ألوية، أو أن تقلل منها كما فعلت بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى عندما ادعت أن المقصود من عمل دباباتها هو فقط نقل المياه بدلا من قتل المشاة.
كانوا يكذبون حفاظا على عنصر المفاجأة قبل مهاجمة عدو، كما فعل الاتحاد السوفياتي في 1945 عندما قال إنه ليست لديه نية لغزو اليابان، أو لخلق انطباع زائف عن هجوم وشيك كما فعلت إدارة الرئيس ريغان عندما كانت تضغط على معمر القذافي قائلة إن القاذفات الأميركية كانت على وشك مهاجمة ليبيا.
دبلوماسية الرياء
لقد أبانت وثائق ويكيليكس بجلاء ما حاول ميرشايمر أن يثبته في كتابه الجديد، إذ أخبرنا عن صور الأكاذيب بين الأمم. وكيف يمكن لـ”إستراتيجية التستر” أو “دبلوماسية الرياء” أن تعمل، فمثال الحكومة اليمنية وحده يكفي.
فعندما دمرت صواريخ كروز الأميركية معسكر تدريب لتنظيم القاعدة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2009، أسرع الرئيس علي عبد الله صالح لتحمل المسؤولية عن الضربات، التي زعم أن حكومته وحدها قد “خططت ونفذت”.
بل زاد صالح بأن قال: “سنواصل القول إن القنابل لنا، وليس لك” مخاطبا الجنرال ديفد بترايوس. وكانت هذه كذبة، لأن الهجمات قد أمر بها الرئيس باراك أوباما، ونفذتها الولايات المتحدة. ولكن “التستر” صار هو السياسة الرسمية، ويهدف إلى إخفاء حقيقة أن اليمن قد أطلق لواشنطن العنان لقتل “الإرهابيين” داخل الحدود اليمنية. الخاتمة جاء هذا الكتاب بميزة أنه أول عمل عن مسألة أساسية في العلاقات الدولية، هي الكذب. إذ لم يجد العالم تحليلا جادا حول كذب القادة من قبل. ولكن الآن وفّر لنا خبير بارز عملا بالغ الغنى، واحتج بأسلوب من شأنه أن يغير فهمنا حول لماذا يكذب هؤلاء القادة. ورغم استنتاج الكتاب أن الكذب بين الدول حالة نادرة، فإنه أقر بأنه أكثر شيوعا داخل البلدان، حيث تستسهل الحكومات الكذب على شعبها، خاصة وأن الشعب يميل إلى الثقة في حكومته أكثر من ثقة الحكومات في بعضها بعضا.
فمن كان منا يفترض أن الكذب بين الأمم أمر نادر الحدوث، في حين أن الكذب من جانب الحكومات الديمقراطية لشعوبها هو أكثر شيوعا من خلال المقارنة.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 14 ماي 2010)
<