الجمعة، 17 فبراير 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2097 du 17.02.2006

 archives : www.tunisnews.net


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان: بيـــان النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي: لائحة المجلس القطاعي حول منظومة “إمد”  الشروق: المناولة والحقوق… والقانون الشروق: المواطن وإلغاء سحب رخص السياقة: قرار صائب يطمئن على مصدر الرزق القدس العربي: تونس والجزائر توقعان اتفاقيات لتعزيز التعاون الثنائي

سمير عبد الودود: انتهاكات خطيرة في جرائد “الصريح ” و ” الشروق ” و ” الحرية ” و” أخبار الجمهورية ” و”أضواء “
ك .ح: دار لابراس تحجز لائحة النقابة: هل بدأت المواجهة مع اتحاد الشغل ؟ علي شرطاني: التطور التاريخي لمطلب العفو التشريعي العام
توفيق المديني: حماس» والحاجة إلى الانتقال من «ثقافة التحرير» إلى «ثقافة السلطة»
المبروك بن عبد العزيز: العرب مُـشتّـتـُون بين الأحلاف الإقليمية محمد خالد الأزعـر: حرية بلا حدود… فِتَن بلا حدود د. محمد عجلاني: لماذا يصوت الشارع العربي لصالح الإسلاميين؟ العربية.نت: بوش يعيد النظر في “الديمقراطية” بالشرق الأوسط إثر صعود الإسلاميين القدس العربي: فرنسا تطلق قناة فضائية مشتركة مع المغرب لتحسين صورتها في مستعمراتها السابقة سويس إنفو: تزايد الضغوط على أمريكا بشأن جوانتانامو سويس إنفو: الصحراويون يعيدون بناء ما دمره الفيضان ويطلبون مساعدات القدس العربي: هشام جعيط يقدم صورة جديدة لابن خلدون 


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

 

الرابطـة التونسيــة للدفــاع عن حقــوق الإنســان

Ligue Tunisienne pour la défense des Droits de l’Homme

 

تونس في 11 فيفـري 2006

بيـــان

 

 

تتواصل محاصرة مقرات فروع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق ويمنع أعوان الأمن (الزي المدني) أعضاء هيئات الفروع من دخولها منذ شهر سبتمبر 2005، كما يمنعون اجتماعات الهيئات بالمنخرطين وقيام هيئات الفروع بالمهام التي انتخبت من أجلها، ويتمّ ذلك بدعوى تنفيذ “تعليمات”.

 

وسجلت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في نفس الفترة حصول انتهاكات ضدّ مواطنين جاؤوا للاتصال بهيئات الفروع لتقديم تظلمات.

ورغم أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ذكرت مرارا في بياناتها وتدخلاتها أن هذا الحصار مخالف للقانون وتشكل بالتالي جرائم حق عام من الموظفين الذي يقترفونها، فإن السلطة تتعنت في ضرب هذا الحصار المتواصل. وقد سجلت الرابطة في العديد من المرات أن السلطة ترفع حصارها مؤقتا عندما يتحول مراقبون أو صحفيون أجانب لمعاينته.

 

ويتواصل منع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من عقد مؤتمرها السادس بحصار أمني، بتعلة وجود خلاف داخلي معروض على أنظار القضاء. ورغم تأكيد السلط على أن الرابطة مكسب وطني هام وأن عشرين من بين اثنين وعشرين من القائمين بالدعوى موالين للحزب الحاكم طلبوا طرح قضيتهم، ورغم الترويج إعلاميا بأن البقية سيرجعون في طلبهم الداعي إلى إلغاء الدعوة لعقد المؤتمر السادس، فإن الرابطة تسجل أن القضية تأخّر من جلسة إلى أخرى وآخرها إلى جلسة 25 فيفري 2006 حتى “يحدد بقية القائمون بالدعوى موقفهم” من طلب طرح القضية في سابقة إجرائية غير معهودة لدى القضاء المدني التونسي.

 

وعليه فإن الهيئة المديرة لرابطة تذكّر :

 

        أنه على السلطة أن ترفع فورا المحاصرة التي ضربتها على مقرات فروع الرابطة لما تمثله من انتهاكات مختلفة لحق الإجتماع والتنظّم وخرق للقانون الجنائي ولما نتج عنه من شلّ نشطات فروعها.

        أنه عليها أيضا رفع الحصار الأمني المضروب على أنشطة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ككل وتمكينها من عقد مؤتمرها السادس في أقرب الآجال والقيام بوظيفتها في نشر وحماية حقوق الإنسان التي بعثت من أجلها.

 

والهيئة المديرة تدعو هيئات فروع الرابطة  بمناسبة جلسة 25  فيفري 2006 للقيام بالتحركات الميدانية التي تدخل في إطار مشمولاتها من أجل تحقيق هذه المطالب.

وتدعو الرأي العام وجميع الفعاليات الديمقراطية والشخصيات الوطنية لمزيد الوقوف إلى جانب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في هذه الأزمة المفتعلة من طرف السلطة واتخاذ المبادرات التي تراها صالحة لذلك.

 

                     عن الهيئـة المديـرة

                             الرئيـس

                                                                                المختـار الطريفـي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

21 نهج بودلير ـ العمران ـ 1005 تونس ــ الهاتف : 71.280.596 – الفاكس : 71.892.866

البريد الإلكتروني ltdhcongres6@yahoo.fr

 


 النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي

  تونس في 10 فيفري 2006

 

لائحة المجلس القطاعي حول منظومة “إمد”

 

إن أعضاء المجلس القطاعي للنقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي المجتمعين بدار الإتحاد العام التونسي للشغل يوم الجمعة 10 فيفري 2006 تحت إشراف الأخوين الهادي الغضباني الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي ومحمد السحيمي الأمين العام المساعد المكلف بالدراسات والتوثيق، وبعد تدارسهم لمشروع إصلاح منظومة التعليم العالي المعروف بنظام “إمد” يؤكدون ضرورة إصلاح شامل لمنضومة التعليم العالي ولكنهم يحذرون من عواقب:

·  صبغة التسرع والإرتجال التي طرح بها المشروع الجديد والتي تتجلى من خلال إفتقاره إلى سند فلسفي ورؤية متكاملة المعالم والأبعاد وإكتفاءه بمحاكاة جزئية للمنظومة الفرنسية.

·  إنعدام التشاور الحقيقي وإستثناء النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي في الإستشارة حول مشروع الإصلاح.

·  الرؤية الضيقة لدور المدرسين في هذه المنظومة وإقتصاره على جانب التنشيط البيداغوجي والتغافل عن عديد الجوانب والمهام الأخرى.

·  غياب النصوص القانونية المنظمة للمنظومة الجديدة.

·  التعتيم الكلي عن حقيقة الاعتمادات التي يجب رصدها لتمويل هذا الإصلاح ومستلزماته.

 

وإعتبارا لجملة هذه النقائص، وتحسبا للمشاكل والتعقيدات التي ستنجم عن تطبيق المشروع الجديد في صيغته الحالية بدون معالجة مسبقة للإنعكاسات الترتيبية والتنظيمية والمادية وتجنيبا للجامعة العمومية مزيدا من الأزمات والإنتكاسات فإن أعضاء المجلس القطاعي يطالبون ب:

1.    إرجاء العمل بالمنظومة الجديدة إلى السنة الجامعية 2007-2008 حتى تستكمل كل الجوانب القانونية والعلمية والبيداغوجية والإدارية للمنظومة الجديدة وتقيم المنظومة الحالية بتثمين المكتسبات ومعالجة السلبيات في إطار استشارة حقيقية واسعة.

2.    القيام بحملة إعلام وتوضيح لدى كل الأطراف المعنية لإبراز محتوى المشروع وأبعاده ومستلزماته.

3.    تركيز لجنة وطنية ممثلة لكل الأطراف المتدخلة في الجامعة أساسها التمثيلية والكفاءة ومهمتها الإشراف على إرساء المنظومة الجديدة (صياغة، آليات التنفيذ، متابعة، تقييم)

4.    إعادة النظر في سير الهياكل العلمية بالجامعة من أجلتوضيح وتدعيم صلاحياتها في إتجاه إضفاء الصبغة التقريرية على مداولاتها وملاءمتها مع مقتضيات المنظومة الجديدة.

5.    فتح التفاوض مع النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي لتحديد تأثيرات مشروع الإصلاح الجديد على مهنة المدرس الباحث ومراجعة القانون الأساسي المنظم لها في اتجاه تحسين وضعهم المادي والمعنوي.

6.    دعوة النقابات الأساسية إلى تكوين لجان تفكير حول نظام “إمد” والحرص على التنسيق مع المجالس العلمية ومجالس الجامعات.

        

             الأمين العام المساعد                                                                   الكاتب العام

           المكلف بالنظام الداخلي                                                                 للنقابة العامة

               الهادي الغضباني                                                                   أنور بن قدور

 


المناولة والحقوق… والقانون

 

خلال هذه الأيام وصلتني رسالة من بعض عاملات التنظيف في شركات المناولة.

 

الرسالة على قصرها كانت تشير الى وضع العاملات ضمن شركات المناولة كما تشير الىأنهن يتقاضين رواتب لا تتعدى 70 دينارا في الشهر... الرسالة تطلب مني أن أبذل جهدا لكي يكون وضعهن محل متابعة في الرأي العام ومن المسؤولين الذين يهمهم الامر…

 

لكن بصرف النظر عن وضعية من أرسل هذه الرسالة فإن السؤال الذي يطرح هو:

 

**  لماذا تتجاوز شركات المناولة القانون…

 

** لماذا لا تعمل على تطبيق واعتماد التشريعات المنصوص عليها…

 

** لماذا لا تعطي العمال والعاملات حقوقهم كاملة ما دامت تنتفع وتستفيد من الانشطة التي تقدّمها هذه الشركات خاصة في المؤسسات العمومية التي من المفروض ان تتعاقد فقط مع شركات المناولة التي تلتزم باحترام القانون وتطبيق تشريعات العمل…

 

أعيد وأكرر أن الحلّ بسيط لا يحتاج الى مفاوضات طويلة وجلسات متتالية تهدر ساعات من وقت البعض… الحل في نظرنا ان يُطبق القانون الذي هو فوق الجميع…

 

* سفيان الأسود

 

(المصدر: صحيفة الشروق الصادرة يوم 17 فيفري 2006)


 

المواطن وإلغاء سحب رخص السياقة:

قرار صائب يطمئن على مصدر الرزق

 

* تونس ـ «الشروق»:

 

خلف قرار ايقاف سحب رخص السياقة من المخالفين وتعويضه بخطية مالية ارتياحا كبيرا لدى المواطنين خاصة أصحاب سيارات الأجرة وكل من يمتلك وسيلة نقل هي مصدر رزقه.

«الشروق» رصدت انطباعات المواطن التونسي بعد أن علمت من مصادر مطلعة بأن الهياكل المعنية بدأت في سلسلة من الاجتماعات لبسط القرار وتفسيره والنظر في كيفية تطبيقه خاصة فيما يتعلق بالخطايا، وإعلام مراكز الأمن والشرطة بالشروع في تطبيقه خلال اليومين الماضيين.

 

وأفاد راشد عبد المولى (إعلامي) أن قرار الغاء سحب رخص السياقة هو قرار حكيم وصائب نظرا لما ينجر عنه من اشكاليات خاصة لدى أصحاب سيارات الأجرة وغيرهم ممن لهم وسيلة نقل للعمل وطلب الرزق. وأضاف ان المواطن يفضل الخطية المالية على سحب الرخصة وتعطيل جميع شؤونه جراء ذلك.

 

وذكر عزالدين بالي (موظف) أن هذا القرار هو قرار هام لأنه سبق وأن تعرض إلى سحب الرخصة لمرتين متتاليتين وذاق الأمرين من ذلك نظرا لاستغلاله للسيارة للتنقل هو وجميع أفراد العائلة وأضاف انه في ظل اكتظاظ وسائل النقل العمومي خاصة في فصل الصيف يحرم صاحب السيارة من الترفيه والتمتع بفضاء الاجازة التي ينتظرها طيلة سنة كاملة من العمل.

 

واعتبر محرز الدرويس (حارس) ان الغاء سحب الرخص هو قرار صائب لكن يجب الانطلاق في التجربة أولا لفترة معينة للنظر في نجاحها أو فشلها لدى بعض الفئات.

وقال: «نخشى أن يستغل البعض هذه المسؤولية التي توكل للمواطن الواعي والقيام بتجاوزات وسط حركة المرور لتصل إلى الفوضى.

وأشار من جهة أخرى إلى ضرورة تطبيق القرار بالترفيع في عدد الدوريات للمراقبة.

وختم بأن القرار سينهي المحسوبية و»الأكتاف» في استرجاع الرخصة.

 

* زيادة الاطمئنان

وقال السيد علي الفهري رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب سيارات التاكسي: «نبارك هذا القرار الذي طالبنا به في العديد من المرات نظرا للاشكاليات العديدة التي كان يتعرض لها صاحب سيارة التاكسي جراء انقطاعه عن العمل».

وأضاف ان القرار سيزيدنا اطمئنانا على لقمة العيش للعديد من العائلات.

وهذا القرار سوف ينهي دوامة انعقاد اللجان الجهوية لسحب رخص السياقة التي تنظر في تقارير الأمن وتصل في الكثير من الأحيان عند التكرار السحب النهائي للرخصة.

وأشار إلى أن هذا القرار سيحفظ كرامة أصحاب السيارات ويدفعهم إلى الالتزام أكثر بقوانين المرور واحترام بعضهم البعض خاصة إذا حافظت الخطايا المالية على نفس القيمة التي يتم دفعها سابقا.

وعموما يظل الطريق إطارا لتلاقي آلاف الأشخاص عبر سياراتهم ومهما كان شكل العقوبة فإن الوعي باحترام أحدهم للآخر يبقى هو الأساس.

 

* نزيهة بوسعيدي

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 17 فيفري 2006)


تونس والجزائر توقعان اتفاقيات لتعزيز التعاون الثنائي

تونس ـ يو بي أي:

 

اختتمت امس الخميس بتونس اعمال الدورة الخامسة عشرة للجنة العليا المشتركة التونسية-الجزائرية بالتوقيع علي ثلاث اتفاقيات ومذكرة تفاهم وبروتوكول تستهدف تعزيز التعاون الثنائي في المجالات المالية والاستثمار والاعلام والتدريب المهني.

وتتعلق هذه الاتفاقيات التي وقعت بحضور رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي ونظيره الجزائري احمد اويحيي، باتفاقية للتعاون وتبادل المعلومات بين البنك المركزي التونسي وبنك الجزائر، واتفاقية ثانية لتشجيع وحماية الاستثمار في البلدين واتفاقية ثالثة للتعاون بين وكالة تونس افريقيا للانباء ووكالة الانباء الجزائرية بالاضافة الي مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الارشيف،و بروتوكول تعاون في مجال العمل والعلاقات المهنية.

واعرب رئيس الوزراء التونسي عقب التوقيع عن ارتياحه لنتائج هذه الدورة الجديدة للجنة العليا المشتركة التونسية ـ الجزائرية التي قال اتسمت اعمالها بالواقعية والشمولية في التطرق الي مختلف المواضيع ذات الاهتمام المشترك .

واشار من جهة اخري الي تتطابق مواقف ووجهات نظر البلدين حول المسائل المتعلقة بمنطقة المغرب العربي والقضايا الاخري الاقليمية والدولية التي تهم البلدين.

ومن جهته اعتبر رئيس الوزراء الجزائري احمد اويحيي ان نجاح هذه الدورة يعكس ارادة ثابتة ومشتركة لقيادة البلدين في دفع التعاون القائم بينهما وتنويع مجالاته” مؤكدا اهمية الاتفاقيات الموقعة في تعزيز المبادلات الثنائية في عدة مجالات وتبادل الاستفادة من تجارب البلدين.

وكان رئيسا وزراء التونسي محمد الغنوشي والجزائري احمد اويحيي قد عقدا قبل ذلك قبل جلسة مباحثات،تم خلالها التأكيد علي تكثيف العمل من اجل دفع مسيرة اتحاد المغرب العربي وتفعيل مؤسساته، بالاضافة الي دعم العمل العربي المشترك، والتصدي لظاهرة التطرف والارهاب من خلال معالجة اسبابها عبر مقاومة الفقر وترسيخ الحوار وتكريس قيم التسامح ومبادئ الاعتدال والوسطية.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 17 فيفري 2006)

 


 

من نشاطات معرض الدار البيضاء للكتاب الثقافية:

هشام جعيط يقدم صورة جديدة لابن خلدون 

الدار البيضاء ـ القدس العربي

 

تنوعت النشاطات الثقافية المنظمة في اطار الدورة 12 للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء وفي هذه الاطار نظمت ندوة حول المفكر وعالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون بمناسبة الذكري المئوية السادسة لميلاده، أكد فيها المفكر التونسي هشام جعيط أن ابن خلدون كرس من خلال مشروعه الفكري واقع التواصل الجغرافي والثقافي بين مناطق المغرب العربي.

وقدم الباحث التونسي جردا لمختلف المناطق والمدن المغاربية الواردة في مقدمة ابن خلدون، والتي عكست تمكن هذا العلامة من جغرافية بلاد المغرب الكبير وحضور هذه المنطقة كأفق للتأمل والتحليل لديه.

واعتبر جعيط أن ابن خلدون قدم نموذجا جديدا في عصره لمفهوم العالم من خلال الشعب العلمية التي انفتح عليها، وكذا الأدوات الفكرية والمنهجية التي وظفها. فقد كان هذا المفكر الكبير ـ يقول جعيط ـ عارفا ملما بالفلسفة وعلم الكلام والتصوف والجغرافيا وغيرها من مجالات المعرفة.

وأبرز أن هذا النمط من المثقفين الذي جسدته شخصية ابن خلدون جعلته يعيش في شبه عزلة عن محيطه الفكري، مستطردا أن واقع الانزواء والتهميش قد يكونا قد ساعداه علي شحذ قدراته الإبداعية والتجديدية وعدم اتباعه المنظومة الثقافية السائدة آنذاك.

وأكد جعيط أن إجراء مقاربة لأعمال ابن خلدون، علي ضوء واقع العالم الإسلامي في القرنين 14 و15، تكشف ثراء الإسهام الخلدوني الذي أنتج الكثير من الأفكار والمفاهيم التي يعترف الجميع أنها كانت سابقة لعصرها.

وتوقف المفكر التونسي عند إسهامات ابن خلدون في مجال الفلسفة السياسية وكذا في التأسيس لما بات يطلق عليه حاليا سوسيولوجيا الثقافة ، من خلال تحليله لظاهرة العمران البشري.

 

والمفكر هشام جعيط أستاذ في جامعة تونس، وحاصل علي الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، ومن أهم مؤلفاته الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي (1974)، و أوروبا والإسلام ((1978 و الفتنة (1989) و أزمة الثقافة الإسلامية

(2001).

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 17 فيفري 2006)

 


 

انتهاكات خطيرة في جرائد “الصريح ” و ” الشروق ” و ” الحرية ” و” أخبار الجمهورية ” و”أضواء “

 

تونس – كتب سمير عبد الودود

 

انتهاكات خطيرة ومتواصلة  لأبسط أبسط  قوانين الشغل  و لأبسط أبسط مقتضيات الاتفاقية الاطارية الخاصة بسلك الصحفيين ، في عديد المؤسّسات الصحفية التونسية ، و لا يجد المرء أي تفسير لاستمرا صمت السلطات عليها الاّ كونها مستفيدة من مزيد التنكيل بسلك الصحافيين كسرا لأي ارادة لهم على المطالبة بحرية التعبير و كذلك محاباة منها لمديري هذه المؤسسات الاعلامية الذين تعوّدوا و مازالوا يدينون لها بالولاء …

 

 ففي جريدة ” الصريح” مثلا ، و رغم مئات الملايين المتدفقة على المدعو صالح الحاجة من مالنا العام عبر حنفية الاشهار العمومي الممنوحة له من وكالة الاتصال الخارجي ، يجد هذا المدير في نفسه ما يسمح له بأن يمنع الاحاطة الاجتماعية على الصحافيين العاملين معه و ذلك للعام العاشر على التوالي ، كما يصل الأمر بهذا الحاجة الى حد أن يؤخّر الأجور على صحافيي الجريدة لأكثر من شهرين ، و ليت هذه  الأجورالتي نتحدث عنها كانت  قانونية بل انها أقل بكثير جدا من الأجورالمنصوص عليها في القوانين ، فاحدى الصحافييات ب ” الصريح ” تنال راتبا لا يتجاوز 250 دينارا رغم أنها حاصلة على الأستاذية في الصحافة من الجامعة و رغم أن لها أقدمية في المهنة تتجاوز الى حد الان 4 سنوات .  و ينسحب الأمر حتى على من هم أقدم منها في الجريدة بما في ذلك رئيس التحرير عبد السلام الزبيدي الذي يسند له صالح  الحاجة راتبا شهريا مع تأخر متواصل في السداد ، انّما هو في الأصل راتب يخصّ صحفيا حاملا للدرجة 51 في السلّم الوظيفي للأجور في قطاع الصحافة المنصوص عليه في الاتفاقية بينما يفترض به أن يمنحه راتبا يخص الدرجة 72 الخاصة بالاطار التسييري .

 

 و على مستوى توفير وسائل العمل فحدّث و لا حرج  ب ” الصريح ” ، فالمدعو صالح الحاجة وصل به الأمر الى درجة أنه  حرم الصحافيين من الهاتف في اتصالات العمل لأكثر من عامين متواليين ، كما أنهم لا ينالون أي معاليم على تنقلات العمل لاجراء التحقيقات لنشرها في جريدته، و غيرها من التجاوزات الأخرى التي بلا حد .

 

 و أمّا في جريدتي حزب الدستور و نعني ” الحرية ” و ” لورونوفو “، فأوضاع الصحافيين أكثر من مخجلة ، و يكفي أن تعرفوا أن أجورهم تصل اليهم بعد شهر كامل من موعدها الطبيعي ، و يكفي أن تعرفوا أن أغلب الصحافيين هناك مجبرين على العمل بأقل من نصف الأجور القانونية  ، وعلى الحرمان من أبسط الحقوق القانونية .

 

 و في جريدة  ” الشروق ” سنّ من فرضوا أنفسهم مسؤولين على الجريدة في غياب مدير مسؤول عليها ، عادة غريبة جدا  تتمثّل في حرمان الصحافيين من نشر توقيعاتهم على المقالات التي يكتبونها  الجريدة ، وقد بدأت هذه العادة مع الصحافية شهرزاد عكاشة التي حرموها من حق التوقيع على مقالاتها لمدة أشهر طويلة قبل أن يطردوها ظلما في شهر ديسمبر الماضي في انتهاك صارخ للقانون الذي يمنع تعاقد شخص اخر غير المدير المسؤول أو من هو موكّل عنه بواسطة توكيل قانونين، مع أي صحفي يعمل في أي  نشرية مهما كانت مواعيد صدورها يومية أم أسبوعية أم شهرية. لكنّ هذه العادة طالت بركاتها العظيمة فيما بعد مقالات كل صحافيي الملحق اليومي لجريدة ” الشروق ” الذين تنشر لهم الجريدة أعمالهم الصحفية و لكن دون نشر  أسماء أصحابها . و من جهة أخرى أقدم القائمون على ” الشروق ” بتجاوزات منذ نوفمبر الفارط ، كلّها من المضحكات المبكيات في تاريخ الصحافة التونسية ، في حق الصحفي سليم بوخذير ،  فأولا شرعوا في الامتناع عن نشر أي أعمال صحفية لبوخذير مهما كانت صالحة للنشر ثمّ صدر قرار بانتزاع مكتب هذا الصحفي بالجريدة في تمهيد واضح  لمحاولة استبعاده من الجريدة ،  و من الواضح أن كل هذه  التجاوزات تمّت بتعليمات من السلطات كردّ واضح منها على المقالات التي يكتبها بوخذير في أكثر من موقع اعلامي بالخارج عبر شبكة الانترنات عن أحوال الحريات و حقوق الانسان بالبلاد ، و الى جانب ما يحصل لبوخذير ، يشتكي الصحافيين ب ” الشروق ” من رفض غير مبرر من القائمين على الجريدة حاليا لعملية تمكينهم  من الترقيات التي يقتضيها القانون وغيرها من التجاوزات الأخرى .

 

 و غير بعيد عن ” الشروق ”  وصلت الأحول بجريدة ” أضواء  الى حد أن المدير صار يسند مبلغ 220 دينار كراتب شهري للصحافيين وحرمانهم من أبسط وسائل العمل كالهاتف ، كما يمتنع عن تمكين أغلبهم من التغطية الاجتماعية ، و كأن المساكين عبيدا لدى حضرة جنابه !

 

و أماّ في ” أخبار الجمهورية ”  فالمنصف بن مراد الذي يدّعي احترامه للقانون أوصل رواتب الصحفيين المتفرغين الى مبلغ 350 دينارا كسقف أعلى، نعم 350 دينارا لمن هم أرباب عائلات و مقيمون في منازل على وجه الكراء ، أليس هذا أمر يدفع الى البكاء بالله عليكم يا ناس يا هو …

 

 و الأدهى أن  هذا المدير العجيب  يقوم أيضا باجبار الصحافيين على العمل مساء كل اثنين وكل ثلاثاء لساعات متاّخرة جدا من الليل  دون أن يسدد لهم مليما واحدا اضافيا على هذا العمل الليلي !

 

انّه وضع مأساوي بحق ،  والمسؤول الحقيقي عنه  انّما هم ليسوا فقط مديرو هذه الصحف و انّما أيضا السلطات نفسها التي شجّعت بقوة و في الخفاء قبل لعلن على كل هذه الانتهاكات في حق الصحفيين وذلك  لمزيد القضاء على أي ارادة محتملة قد تولد لديهم على صنع استقلاليتهم عن ركابها ..


 

دار لابراس تحجز لائحة النقابة:

هل بدأت المواجهة مع اتحاد الشغل ؟

بقلم: ك .ح

 في الوقت الذي كانت جريدة لابراس تستعد للاحتفال بعيدها السبعين هاهي ازمة النقابة توشك ان تفسد احتفالاتها فما الذي حدث بالضبط حتي تعمد الادارة الي الانقلاب علي نقابة اساسية اعتبرت اقرب حليف لإدارة ظلت تعد اي تحرك نقابي او تعبير حر تمردا لا يغفر.

وفي الوقت الذي يحاول فيه اتحاد الشغل وهو يحتفل بستينيته ان يثبت انه بعيدا عن اتهامات كانت تعتبره دمية في يد السلطة وان مصلحة العمال فوق كل اعتبار تصادر لابراس لائحة امضاها الاتحاد واعدتها نقابة لا تنشط تحت الارض ولم تأت من خارج المنظومة التي تعتبرها السلطة غير شرعية.

لمن لا يعرف حكاية نقابة لابراس نشير الي انها ظلت مجمدة منذ منتصف التسعينات لم يقع تجديدها وحين تحرك موظفو دار لابراس لاصلاح الوضع تحرك الحرص القديم وحاول بكل الوسائل تجاهل عريضة أمضاها اكثر من مائتي موظف ورغم اللقاءات التي اجراها الزميلان المرحوم بلقاسم معتوق ومحمود الذوادي مع كل من عبد السلام جراد والهادي الغضباني فان مجرد الدعوة لتجديد النقابة كان تهمة تستحق العقاب.

وتمضي الايام ويعلن الصحفيون عن تاسيس نقابتهم التي طالبت بها اجيال وتبناها حشاد ورغم الترحيب بهذا الحدث فقد احرجت النقابة الجديدة البعض واثارت حفيظة البعض الاخر…

في هذا السياق كان لا مفر من تجديد نقابات الاتحاد وان اجل مؤتمر -وات- ربما بسبب الاحباط وعدم الوضوح فان العمال والموظفين في لابراس تحاملوا علي انفسهم وجددوا نقابتهم.

هذه النقابة التي بدت في انسجام مع الادارة سرعان ما انقلبت علي كاتبها العام بعد اول اجتماع بالقواعد حضره ممثل الاتحاد وكان من الطبيعي ان تنقل المطالب في لائحة رسمية إلى الادارة االتي اعتبرتها موجهة ضدها رغم امضاء الاتحاد وكان لا بد ان تبحث عن كبش فداء فحاصرت الكاتب العام ومارست ضده شتى الضغوط وحين فشلت في تركيعه حاولت تأليب أعضاء النقابة لترحيله…

من لا يعرف لابراس التي تفاخر الادارة بان موظفيها محظوظون بالمقارنة مع غيرهم لا يجب ان تخفي عليه هذه الحقائق – بالفعل الموظفون هنا احسن حالا من غيرهم ولكن هذا مكسب قديم منذ العهد البائد بل هو يعود الي عراقة هذه المؤسسة – وعوض ان تنميه الادارة الجديدة حاولت ان تستخدمه للضغط علي الصحفيين وتكميمهم وإثارة الفتنة بين الموظفين.

ففي الوقت التي كانت تغدق فيه علي صحفيين ساهموا في تشويه صورة تونس تحرص علي حرمان الصحفيين المحترفين من ادني حقوقهم.

ظاهرة المحاباة ودعوة المديرة الي الكف عن تحويل المؤسسة الي ضيعة خاصة مسالة طرحت في اجتماع النقابة ورغم ان ما جاء في اللائحة كان ملطفا فان المديرة اعتبرتها مروقا وتحديا واعلنت الحرب علي الكاتب العام حتى إن أدى ذلك الي خلخلة النقابة وإدخالها في ازمة لن تنتهي.

وقد يقول قائل ما رد فعل أعضاء النقابة المنتخبين شرعيا والذين يحظون بحصانة الاتحاد فاللائحة تلزمهم ولا بد من الدفاع عنها؟ يبدو ان الادارة قد نجحت اخيرا في شق صفوفهم ولا يلام من يرزح منهم تحت ضغوط مادية…….

وقد يتساءل البعض عن مصلحة الادارة في ادخال النقابة الشرعية في ازمة وافتعال مواجهة مع الاتحاد…او لم تدرك العواقب؟ وهذا التصرف هل يعود الى قلة خبرة المديرة وما تحرك الحرس القديم الذي ليس من مصلحته ان تسود علاقة الاحترام بينها وبين النقابة إلا دليلا علي ذلك.

الكل يعرف ان هذا الحرص المستنسخ في كل الإدارات هو الذي ساهم بشكل كبير طيلة العقد الماضي في تردي وضع الاعلام.

يبدو ان الإدارة قد بدات تشعر بالإحراج خاصة بعد نشر مقال فاضح بجريدة الشعب التابعة للاتحاد فراحت تبحث عن تهمة وتدعي ان الزميل منجي السعيداني المنتخب من قبل زملائه عضو بنقابة الصحفيين التونسيين ولا بد من خلعه.

(المصدر: رسالة تلقتها هيئة التحرير يوم 16 فيفري 2006 من مصدر معروف لديها)


 

التطور التاريخي لمطلب العفو التشريعي العام:

 

   بقلم:علي شرطاني

 

لقد كانت تونس من الأقطار العربية الإسلامية التي عان شعبها مما عانت منه الكثير من شعوب الكرة الأرضية، وخاصة امة العرب والمسلمين. هذه المعاناة التي مرت فيها بثلاث محطات تاريخية مفصلية كبرى وهي:

 

1 ـ الانحطاط والاستبداد العثماني المحسوب على نظام الدولة الإسلامية في عهد الخلافة.

2 ـ الغزو الغربي الصليبي للعالم المستضعف، وفي استهداف خاص لأوطان شعوب امة العربوالمسلمين.       

3 ـ الأنظمة الاستبدادية للدولة العلمانية الحديثة البديل “الاستعماري” لنظام الدولة الإسلامية في أوطان شعوب امة العرب والمسلمين.

 

فقد اختار الغزاة الصليبيون الفرنسيون بورقيبة ليكون خليفة لهم بالبلاد بعد إن أحسنوا إعداده لذلك، ونهل المعارف من جامعاتهم وزوجوه واحدة من بنات فرنسا، وكان إعجابه بالغرب وانبهاره بالنهضة الغربية الأوروبية وشدة إيمانه المطلق بالثقافة الغربية والحضارة الغربية بلا حدود. وكان كفره بالثقافة العربية الإسلامية الأصيلة وكرهه لها لا يخفى عن كل من عرفوه. وكان رجل محبا لذاته، قد أعمته النرجسية والاعتزاز بالنفس والاعتداد بها إلى حد الغرور. فكان ذلك من قبيل المرض العضال المزمن الذي صاحبه كل حياته. وكان كارها للشعب، وينظر إليه باحتقار وازدراء، وكان يعتبر أن له من الفضل عليه ما ليس لأحد عليه مثله “وهو الذي ارجع لها (الأمة التونسية) كرامتها وعرفها معنى الحياة1

بهذا المستوى من الإعجاب بالنفس والتعالي على الشعب والازدراء له والإعجاب والافتتان بالأجنبي الغازي، كان ينبغي أن يكون بورقيبة مستبدا قمعيا، لا يعترف إلا بالقليل من الناس في حزبه ممن ليس لهم من الأمر إلا السمع والطاعة ، أو ببعض الفضل لبعض الشخصيات الوطنية الذين لا يستطيع أن ينكر عليهم ذلك . وكان لا يخفي امتعاضه  وكراهيته وحقده على المخالفين له في الرأي، وعلى أولئك الذين كانت لهم مساهمات جادة من مواقع الخصاصة والجوع والفقر والمرض والجهل في مقاومة القوات الفرنسية الغازية. وكان موقفه منهم إلى أن لقي  حتفه مثل موقف الإدارة الفرنسية بالبلاد وخارجها: “…استطعنا بفضل قيادة الحزب وقيادة زعيم حزبه وإرشاداته ودعايته أن نبعث التمرد في صفوف الأمة وشجعنا عناصر من الأرياف والعشائر ممن كانوا يعيشون منذ القدم تحت سياط الذل والهوان التي كانت تلهبهم بها فرنسا، شجعناهم على التمرد وعلى أن ‘يفلقوا’ حتى يزداد الضغط على فرنسا ونرجعها إلى الجادة المثلى ونخرج عجلة السياسة الفرنسية من الطريق الاستعماري، وما إن اعتصموا بالجبال ووقعت

بينهم وبين الجيش الفرنسي مصادمات وسالت الدماء في الجبال والمدن حيث تكونت المنظمات الإرهابية.في تونس وفي الوطن القبلي وفي الساحل والجنوب حتى تغيرت الظروف ورأى الحزب الذي شجعهم على التمرد أن الوقت حان لإيقاف الحركة التمردية…”1فقد كان بورقيبة ابن فرنسا البار وصنيعة الغرب الصليبي، متمسكا بثقافة المحتل التي جعل منها ثقافة الدولة العلمانية الحديثة التي اقترن اسمه باسمها وأصبحت من مفاخره ومن مفاخر العلمانيين واللائكيين من بعده. وينظر إليها والى المشروع الثقافي الذي قامت وانبنت عليه على إنهما من المكاسب التي يجب المحافظة عليهما وصيانتهما بعثها وغثيثها. ولذلك ظل احترامه وتقديره لبعض الجهات من احترام وتقدير الاحتلال الفرنسي لها. فلا مقاومة ولا جهاد إلا مقاومة وجهاد بورقيبة والمنخرطين معه في حزبه والسامعين والطائعين له. أما المقاومة الشعبية التي كانت تنظر إليها فرنسا”الاستعمارية” على أنها “فلاقه” وان المجاهدين الذين حملوا السلاح في وجهها فهم من “الفلاقة” أي مجرد

مجموعات من الإرهابيين وقطاع الطرق. فقد ظل بورقيبة ينظر إليهم على أنهم كذلك، وقد كان

 

يقول:”وثمة أناس آخروناغتروا وشاركوا في هذه المؤامرة الدنيئة…هؤلاء هم “الفلاقة” الذين

سميناهم المقاومين لأنهم ربما استنكفوا من كلمة “فلاقة” على أن مقاومة الحزب والإطارات للاستعمار لم تقتصر على معركة 52- 53- 1954.فالحزبيون الحقيقيون الذين لهم تأثيرهم خلال فترات المقاومة كلها هم الذين يصح أن يطلق عليهم لقب المقاومين”.1  

“… وبفضل بعض المنظمات الإرهابية التي يلقى عليها القبض ثم تعود للعمل، وبفضل من اخلصوا لوطنهم من المقاومين أمثال مصباح الجربوع والبشير ازرق العيون وحسن عبد العزيز وأضرا بهم… قد وضعنا في كفة الميزان جانبا وافرا من الدبلوماسية ومن الدهاء السياسي… واستدراج فرنسا لكي تخرج من مأزقها الضيق…”2

كان لابد من الحديث عن الثقافة التي أقام عليها بورقيبة الدولة العلمانية الحديثة في تونس. تلك الدولة التي تطورت في الغرب من الدكتاتورية والاستبداد والفاشية إلى دولة ديمقراطية ليبرالية رأسمالية أصبحت ذات منزع توسعي “استعماري” في باقي أنحاء العالم، لتكون في المستعمرات إرهابية استغلالية. ولتكون استبدادية دكتاتورية فردية في تلك المستعمرات بعد مغادرة جيوشها الغازية لها. هذه الثقافة البورقيبية الاستعمارية العلمانية اللائكية التي أقام عليها بورقيبة الدولةـ وكان بحكم طبيعته الاستبداديةـ لابد أن تكون له من المظالم في حق الشعب وفي حق الوطن وفي حق المخالفين له في الرأي والمختلفين معه في التصور والبرامج والرؤى وآفاق الحلول لمشاكل الشعب والوطن، ما يستوجب البحث عن بعض الحلول لبعض ما كان يعانيه منه خصومه مثل : العفو التشريعي العام الذي لا يمكن إلا أن يكون مبادرة وطنية من أجل الوطن والشعب أولا وآخرا والذي يمكن أن يستعيد به ضحاياه وضحايا الاستبداد عموما بعض حقوقهم أو حقوقهم كاملة. ويمكن أن يعاد لهم به الاعتبار السياسي والمدني والاجتماعي، ويمكن أن يتمتعوا بموجبه بكل ما لهم الحق في التمتع به من الحقوق.

وقد سبق للهالك بورقيبة – بذريعة المحافظة على وحدة الأمة وصيانة استقلال ا لبلاد وإقامة الدولة الوطنية القوية، وتحقيق فرحة الحياةـ أن قام بالتصفية الجسدية لبعض خصومه، وبتشريد ونفي البعض، وبإخضاع البعض الآخر للمحاكمة في محاكم خاصة فاقدة لكل استقلالية ونزاهة، وبعيدة كل البعد عن القانون وعن القضاء المستقل،والتي أصدرت عليهم أحكاما قاسية تراوحت بين الإعدام ومددا تختلف في الطول والقصر بحسب الأشخاص والجرائم المنسوبة إليهم، وبحسب المواقع والمواقف، وبحسب الظروف والأوضاع المختلفة وبحسب ما يراه وعصابات حزب الدستورـ الذي حاد به عن أهدافه وانحرف به عن مساره الوطني الحقيقي وتوجهاته العربية الإسلامية ـ التي أوكل لها المحتل مهمة إدارة الأعمال معه بها من بعده صالحا لهم. 

فقد كان تاريخ حكم بورقيبة لتونس تاريخ محاكمات سياسية. فما إن اعتلى سدة الحكم سنة 1956 حتى بدأ بالزج بمعارضيه وخصومه والمختلفين معه في السجون، ولم يتنحى عن السلطة بالانقلاب الذي أزاحه به وزيره للداخلية يوم 7 نوفمبر سنة 1987 إلا وكانت سجونه تعج بعشرات الآلاف من مساجين الرأي والمعتقلين السياسيين . وهو الذي كان ينكر كخلفه على ضحايا استبداده من الوطنيين والشرفاء والأحرار صفتهم السياسية أو اختلافهم في الرأي معه.

فبعد تصفية حساباته مع العائلة الحسينية المالكة اتجه إلى اليوسفيين والزيتونيين والقوميين والماركسيين الشيوعيين. ثم أنهى حقبة حكمه الاستبدادي بأكبر محاكمة عرفها تاريخ تونس الحديث، وربما حتى القديم.  والتي حكم فيها على من حكم من الآلاف من الإسلاميين وغيرهم ممن سبقوهم من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري والإجتماعي بأحكام تراوحت بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة ومدد طويلة وأخرى متوسطة وثالثة قصيرة…

وإذا كانت العلمانية مقترنة بالديمقراطية، فان بورقيبة كغيره من العلمانيين واللائكيين في أوطان شعوب امة العرب والمسلمين، كان معاديا للديمقراطية ولمن يخالفه الرأي وليس له من حب إلا

 

لنفسه. وليس له من إيمان إلا بها، وهو الكافر بعد ذلك بكل ما ومن سواها.

وكان كثير الحقد على خصومه ومعارضيه. وليس له من طريقة في معالجة مسائل وقضايا الخلاف في الرأي والمعارضة السياسية إلا الأسلوب الأمني والمحاكم الخاصة…

يقول بورقيبة في وقت مبكر من تاريخ البلاد بعد رحيل الجيوش الفرنسية الغازية في إحدى الفرص التي أتيحت له لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين من مختلف التيارات ـ مستفيدا من محاولة بعض الأحرار والوطنيين لقلب نظام الحكم في ظل رئاسته للبلاد، وقد كانت مجموعة من العناصر ذات العلاقة بالفكر القومي والعربي الإسلامي من المحسوبين على صالح بن يوسف وصوت الطالب الزيتوني وغيرهم من خصومه التاريخيين المختلفين معه في مسائل عديدة، كان من أهمها الهوية الثقافية لتونس، ومسالة الاستقلال، والعلاقة بالغرب والفرنسيين تحديدا، وكانت هذه العناصر إضافة إلى اختلافها معه منذ البداية ومواصلة معارضتها له قد ازدادت رسوخا في معارضتها له  بهبوب رياح التغييرات السياسية التي قادها القوميون العرب في المشرق العربي عن طريق الانقلابات العسكرية عليها.

“ويتمثل الغدر وسوء النية من جهة ثانية في هذه الفئة الشيوعية المتركبة من بعض البسطاء الذين يحركهم الحقد وانحطاط المستوى، وبعض الذين يدعون الحكمة، وأخيرا من بعض الأساتذة ممن درسوا الفلسفة والتاريخ وملأوا أدمغتهم بالمذاهب والكتب التي لا تنطبق على هذه البلاد واستبد بهم مركب النقص فحملهم على التظاهر بالتقدمية وبتزعم حزب تقدمي واندفعوا يعملون على تحطيم هذه الدولة بزرع بذور الحقد والكراهية في قلوب البسطاء، هذه هي الفئة الثانية الضالة التي يجب أن لا نغفل عنها، وهناك فئة أخرى هي فئة القدامى واليوسفيين الذين لا يمكن أن يغفروا لنا انتصارنا لان الانتصار هزيمة لهم…”1

“وثمة أناس آخرون اغتروا وشاركوا في هذه المؤامرة الدنيئة التي كادت ترمي هذه الأمة بداهية دهياء وتقذف بها في هوة سحيقة، هؤلاء هم “الفلاقة”…”2

وإذا كان بورقيبة يجد لنفسه مبررا ـ من خلال الموقع الذي أصبح يتبوأه من القضية الوطنية، وقد استقرت الأمور له بالكامل في البلادـ لتصفية حساباته مع العائلة المالكة التي أصبحت من الماضي أولا، ثم لأنه يحملها مسؤولية تواطئها مع الاحتلال وإلحاق الضرر بالشعب ثانيا، وهو الذي كان طرفا في سياسة هذه العائلة سواء في علاقته بالمحتل أو في السياسة التي كانت تنتهجها إزاء الشعب. وهو الذي يؤكد بعد أن آل له الأمر بالبلاد بالكامل، انه لا يملك مقومات الشعب. وهو وحده الذي جعل منه ذلك. وهو الذي كان وزيرا في حكومة نظام الباي. وهو النظام الذي لم يعد يصلح في نظر بورقيبة ومن هم على رأيه ويأتمرون بأمره وينتهون بنهيه لمرحلة ما بعد رحيل الجيوش الفرنسية الغازية. وهو الذي أصبح من مكونات نظام الاحتلال والذي لم تكن له أي مشروعية نضالية في مواجهة الاحتلال يستمد منها حق الاستمرار في السلطة أو المطالبة بحق البقاء والذود عن هذا الحق.

وإذا كان يجد لنفسه مبررا في التصدي لمن يسميهم القدامى، وهم صوت الطالب الزيتوني وكل الذين يختلفون معه على أساس مرجعي ثقافي وحضاري ـ وهم الذين كانوا يختلفون معه جوهريا، وكان صراعهم معه على أساس المرجعية العربية الإسلامية والثقافية العربية الإسلامية والنمط الحضاري العربي الإسلامي والعلاقة بالغرب وبفرنسا “الاستعمارية”إذا ما استثنينا اليسار الماركسي في ذلك.

وإذا كان يجد لنفسه مبررا مع اليوسفيين الذين كانوا معه واختلف بعضهم مع بعض على صفقة ما سمي الاستقلال الداخلي في البداية، ثم ليتحول بعد ذلك إلى خلاف على الهوية والولاء

والبراءة بعد أن التحق اليوسفيون بجماعة صوت الطالب الزيتوني بتأثر وتحت تأثير النظام

القومي العربي في الشرق الأوسط… وإذا كان يجد لنفسه مبررا في الحقد على من يسميهم انسجاما مع تسمية الغزاة الفرنسيين لهم ـ فلاقة- وهي مجموعات المجاهدين المقاتلين الذين لم

 

ينصاعوا لدعوته تسليم الأسلحة وإنهاء العمل العسكري ضد فرنسا. والذين ينسجمون في الكثير منهم مع موقف الزعيم صالح بن يوسف ورموز صوت الطالب الزيتوني والمؤمنون بضرورة مواصلة المجهود العسكري ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، لإحداث ما يكفي من الضغوط عليه للخروج من البلاد ومغادرتها بدون شروط. ولتخفيف الأعباء على الأشقاء الجزائريين حتى لا ينصب المجهود العسكري الفرنسي بالكامل على المقاومة في الثورة الجزائرية…

فإذا كان بورقيبة يجد لنفسه مبررا ويجد الباحثون له عن ذلك في إلغاء الأخر و استئصاله وتصفية حساباته معه من مثل اليوسفيين والقوميين والزيتونيين في جماعة صوت الطالب الزيتوني ومن هم على رأيهم من غيرهم ومن يسميهم “الفلاقة” وغيرهم ممن يختلفون معه في الرأي وفي المعارضة السياسية له   ـ فليس ثمة في الحقيقة مبررا قويا كافيا لاستثناء الشيوعيين ومصادرة  وجودهم السياسي بحل الحزب الشيوعي التونسي بعد سبع سنوات من النشاط القانوني بعد مغادرة الاحتلال الفرنسي للبلاد سنة 1956. وهو الحزب الفرنسي الشيوعي في تونس، والذي كان من التركات التي ورثها بعض التونسيين عن الغزاة الفرنسيين والمؤسسين له من اليهود. وهو الحزب الذي يلتقي مع الحزب الاشتراكي الدستوري التونسي في عدم المطالبة باستقلال تونس عن الإمبراطورية الفرنسية الغازية للكثير من أوطان شعوب العالم. وهو الحزب الذي قبل مع حزب بورقيبة بصفقة ما سمي بالاستقلال الداخلي. وهما الحزبان الوحيدان المنظمان اللذان شكلا الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. وكان لهما دور سياسي معا حتى سنة 1963تاريخ حل الحزب الشيوعي التونسي. وهما الحزبان اللذان يحظيان برضا الأجنبي عليهما وعلى قيادتهما وعلى مناضليهما، وقبلا له بمرجعيته وبثقافته وتوجهه الحضاري الغربي. وهما الحزبان اللذان يقطعان مع الهوية والثقافة العربية والإسلامية والتاريخ العربي الإسلامي والنمط الحضاري العربي الإسلامي لتونس ولأمة العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

وهما الحزبان اللذان قبلا برعاية المصالح الفرنسية في تونس. وقبلا بشروط فرنسا مقابل قبولها منح البلاد استقلالا منقوصا، وهي المضطرة في الحقيقة إلى ذلك، وهي التي كانت ستعلن انسحابها من جانب واحد إن عاجلا أو آجلا.

 فقد كانت القواسم المشتركة بين الحزبين أكثر من أن تلجئ بورقيبة لأخذ القرار بحل الحزب الشيوعي “التونسي”، لولا أن الأمر الأول كان متعلقا بالتركيبة النفسية له، وبنمط تفكيره الأحادي الجانب: أي انه لا يقبل أن يكون لغيره معه رأي، وان لا تكون له مشورة لأحد. وانه لا يفكر إلا في نفسه، ولا يفكر في احد ممن سواه. وإذا كان لابد من تفكير في الغير فانه لا يريد أن يفكر فيه معه احد. وان لا يكون لغيره معه رأي فيه. وأما الأمر الثاني، وبناءا على ما تقدم، فانه كان لا يقبل بالخلاف في الرأي ولا بالمعارضة السياسية. وقد كان من المبررات التي بحث عنها بورقيبة في حل الحزب الشيوعي التونسي زيادة على اعتبار أن ذلك من عوامل الإخلال بالوحدة الوطنية في تصوره وحسب زعمه، اعتبار عقيدة هذا الحزب تتعارض مع عقيدة الأمة… وبقرار الحل كان الشيوعيون في دائرة الاستهداف بالعقوبة كغيرهم من خصوم بورقيبة والمخالفين له في الرأي والمعارضين السياسيين له. وظل بورقيبة ينكل بالمعارضة السياسيةـ وهو الذي أصبح هو الحزب والدولة والشعب والوطن عقودا من الزمن، حتى ولدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يوم 7 ماي 1977 وعقد أول مؤتمر وطني لها يوم 14 فيفري 1982. وما بين الميلاد وانعقاد أول مؤتمر وطني لها: أي ابتداء من سنة 1980 بدأت الرابطة تؤكد في ما تؤكد عليه في مطالبها الكثيرة المتعلقة بحقوق الإنسان على مطلب العفو التشريعي العام.وقد كانت انتهاكات حقوق الإنسان في تزايد مستمر. وقد كان الصراع السياسي والاجتماعي على أشده في تلك المرحلة من تاريخ البلاد. وقد أصبح الوضع ينذر بخطر شديد، خاصة بعد أحداث 26 جانفي عام 1978 ومحاكمات 1979 وأحداث قفصة سنة 1980، إضافة إلى الاعتقالات والمحاكمات المتفرقة من هنا وهناك سواء في صفوف النقابيين أوالطلبة والتلاميذ أوالنشطاء السياسيين والحقوقيين والإعلاميين وخاصة في صفوف مختلف شرائح اليسار الماركسي واليسار القومي العربي، وبدرجة اكبر في صفوف عناصر وقيادات حركة الاتجاه الإسلامي في تلك الفترة بالذات  سواء على مستوى الحركة الشعبية أو الطلابية أو التلمذية. وقد بدا التعاون والتنسيق في استهداف الإسلاميين بين السلطة وبعض مكونات اليسار الماركسي والقومي العربي يتضح يوما بعد يوم ويأخذ أشكالا وصورا مختلفة، سواء من العناصر المتسللة منهم للسلطة أو في تيارات وتنظيمات المعارضة المنظمة أو غير المنظمة.وقد تطور هذا التنسيق عبر مراحل مختلفة من تاريخ الصراع في الجامعة خاصة بين اليسار الماركسي والقومي العربي والسلطة التي كان لهم نفوذ ما فيها، وتأثير على قراراتها وخياراتها إلى أن بلغ ذروته سنة 1990. وقد تعزز المتسللون بالملتحقين في إطار التحالف الذي انبثق عنه الحزب الدستوري الديمقراطي بعد زعمهم إلغاء الإطار السياسي القديم المتمثل في الحزب الاشتراكي الدستوري الذي لم يعد يفي بمتطلبات المرحلة الجديدة، والذي لم يعد الإطار المناسب للتحالف الجديد بين اليمين الدستوري واليسار الماركسي والقومي العربي، والذي كان نتيجته حملة الاستئصال التي تعرض لها الإسلاميون وخاصة تنظيم حركة النهضة الإسلامية في ما يشبه المجزرة و الإبادة الجماعية والتصفية لعشرات الآلاف من الأحرار بعيدا عن أي منطق سياسي وعن أدنى أبجديات وأساليب وقواعد وضوابط وأخلاق الصراع السياسي. وكان طبيعيا أن يكون الأمر كذلك، وقد أتيحت الفرصة لليسار الماركسي واليسار القومي العربي واليمين الدستوري الأقل نفوذا في السلطة التي أصبحت سلطة اليسار الماركسي أساسا وهو الذي لا يؤمن بشيء من أساليب الصراع السياسي بغير الاستئصال والتصفية السياسية والفكرية والثقافية فالجسدية لأصحاب الخلاف في الرأي والمعارضة السياسية. وبقدر ما كان بورقيبة استبداديا تصفويا واستئصاليا ومعاديا للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والهوية الثقافية والحضارية لتونس العروبة والإسلام ولأمة العرب والمسلمين، بقدر ما كان منضبطا لبعض قواعد الصراع السياسي رغم عدم إيمانه به، لأنه لم يكن يستهدف النساء والشيوخ والأطفال والأقارب وكل من له علاقة أو صلة بإطراف وعناصر الصراع. فالعقوبة الظالمة تنتهي عنده بانتهاء آجالها. ولا تطال بطريقة مباشرة بقية عناصر المجتمع ممن لهم صلة قرابة أو صداقة أو زمالة أو جيرة أو مصاهرة أو غيرها من الصلات والعلاقات بالمتهم أو المدان أو المضنون فيه أو الضحية الواقع عليه العقاب.

وإذا كان بورقيبة معاديا للديمقراطية والحرية والمساواة والعدل وحقوق الإنسان وهوية تونس العربية الإسلامية، فان اليسار الماركسي صاحب النفوذ الأكبر في نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب – و بالرجوع إلى مرجعيته وثقافته وأسسها النظرية- وبالرجوع إلى ممارساته سواء خارج السلطة أو من خلالها، أكثر عداء للديمقراطية، باعتبار أن الديمقراطية عنده هي الدولة وهم لا يؤمنون بكل وبأي شكل من أشكال الدولة كما يؤكد ذلك لينين في احد خطاباته، وأكثر عداء للحرية والعدل والمساواة وهوية الأوطان والشعوب، وخاصة الهوية العربية الإسلامية وحقوق الإنسان التي يعتبرها اليسار الماركسي مشروعا بورجوازيا رأسماليا امبرياليا لا يستجيب لطموحات ثورة البروليتاريا  في إنهاء صراع الطبقات، والصراع من اجل النفوذ، وهيمنة رأس المال، والملكية الخاصة، وإنهاء الصراع من اجل السلطة حتى تؤول الأمور إلى طبقة العمال وينتهي الوضع إلى دكتاتورية البروليتاريا كمرحلة انتقالية باتجاه الشيوعية. تلك هي الأسس والأصول التي تقوم عليها الديمقراطية في الفكر والخطاب الماركسي. فالدولة هي الاستغلال، والدكتاتورية هي الديمقراطية، والحوار مع المعارضة السياسية وفي قضايا الخلاف في الرأي هو العنف الثوري الأداة المثلى لإنهاء المعارضة وحسم الخلافات في أي مستوى من المستويات وفي أي قضية من القضايا.

هذه الأطراف “الديمقراطية” بدءا بالهالك الحبيب بورقيبة ومن كان معه ممن أصابتهم مصيبة الموت أو من ظلوا ومازالوا على قيد الحياة منهم وممن كانوا في المعارضة السياسية لبرنامج بورقيبة السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، وانتهاء باليسار الماركسي واليسار القومي العربي قديما والجمعيات والمنظمات والاتحادات التي التحقت بنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب، والتي كانت من مكوناته وأمدته بما لا يستحق من التأييد والدعم على حساب الحركة السياسية الأكبر و الأكثر انتشارا والأكثر تأييدا من طرف الشعب بالبلاد والأكثر جدية ومصداقية. هذه الجهات التي كانت عناصرها ضحايا القمع البورقيبي الدستوري، وضحايا حلفائهم اليوم من مناضلي الحزب الاشتراكي الدستوري، قد تضرجت أيديها بدماء الأحرار والأبرياء من خيرة أبناء وبنات الوطن، وقد ألحقت أضرارا كبيرة بالبلاد قد لا يكون جبرها ممكنا. ومن اجل ذلك كان لابد من العودة لرفع شعار ومطلب العفو التشريعي العام الذي رفعته وتبنته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ سنة 1980، والذي ظلت تطالب به حتى أجهضه نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب سنة 1989، حين زعمت السلطة بعد أن التحق بها اليسار العربي واليسار الماركسي وكل الانتهازيين من مختلف مكونات المجتمع المدني والحركة العلمانية أنها استجابت له من غير أن يستفيد منه احد. وبدون أن يتحقق به للوطن وللشعب أي شيء وبدون أن يتحقق به ما يجب أن يتحقق من منافع واعتبارات لضحايا القمع والإرهاب والإستبداد . فقد ورد في التقرير الأدبي للمؤتمر الوطني الثاني يوم 23 و24 مارس 1985 بنزل أميلكار بتونس “ومن بين النشاطات العديدة التي قامت بها الرابطة من ربيع 1980 يمكننا أن نخص بالذكر الميادين الأربعة التي كان العمل فيها حثيثا وهي: حالة السجون، التعذيب، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمطالبة بالعفو العام”

“وإننا لم نتوقف عن المطالبة بإصدار قانون العفو الشامل للمعتقلين السياسيين وللمعتقلين بسبب آرائهم، ففي شهر ديسمبر من سنة 1980 نظمنا اليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار العفو التشريعي العام” وظلت الرابطة تناضل باستمرار من اجل ذلك وتؤكد عليه في كل مؤتمراتها وفي كل تظاهراتها وفي كل المناسبات، حتى لم تجد السلطة بدا من غض النظر عن حركات سياسية بدأت في الظهور وفي التعبير عن نفسها، وأخذت مواقعها في الساحة الوطنية، وبدأت تعبر عن مواقفها من خلال تلك المواقع من مختلف القضايا، ولم تتخلف منها جهة عن موافقتها على مطلب سن قانون العفو التشريعي العام وتبنيها له والمطالبة به، وما كان لأي جهة من الجهات وأي طرف من الأطراف السياسية التي أصبحت تتمتع بوجود موضوعي واقعي و ميداني، وتزاول نشاطها السياسي والثقافي والاجتماعي سرا وعلانية خارج إطار القانون، وآخذة موقعها من الساحة السياسية ومعبرة عن مواقفها من مختلف القضايا الوطنية و الإقليمية و الدولية في كل ما له علاقة بالسياسة الداخلية و الخارجية أن تتخلف عن هذا المطلب الذي اخذ بعدا وطنيا، واتخذت كل هذه التنظيمات والتشكيلات لنفسها منابر وفضاءات تعمل من خلالها على إبلاغ صوتها للشعب وللعالم. وتعبر من خلالها عن طبيعة نشاطها وعن علاقتها بالسلطة وبمختلف ألوان الطيف السياسي. لقد كان الوضع السياسي في تونس ومنذ سنة 1956 على درجة كبيرة من السوء وهوا لذي ليس اليوم أحسن منه حالا، رغم اختلاف الظروف والأحوال، وان كانت الأطراف الممثلة للسلطة والمحتلة لموقع اخذ القرار على نفس المرجعية الغربية، ولها نفس الولاء للأجنبي، وتفكر بطريقة واحدة أو تكاد، وهي عناصر استبدادية مشبعة بروح الأنظمة الشمولية ومكونة لها. وهي من طبيعة ثقافتها وتكوينها ومزاجها،وعلى نفس مرجعيتها، إلا انه كان ينبغي للمتأخرين أن يكونوا على درجة اكبر من الوعي من السابقين بطبيعة المرحلة التي آلت أمور قيادة الشعب فيها إليهم، وان يكونوا أكثر واقعية وأكثر اعتدالا وأكثر مسؤولية، استنادا إلى انه قد حصل لهم من التجارب الميدانية في ساحة المواجهة السياسية والثقافية والاجتماعية – سواء من موقع المشارك في السلطة والمنخرط فيها،أ ومن موقع المعارض، من الذين عانوا سنين طويلة من القمع والبطش والإقصاء والتهميش، ما يمكن أن يكون له اثر على تفكيرهم وسلوكهم السياسي في التعامل مع الأخر المخالف. إلا أن ما بالطبع لا يتغير. فقد أ بت كل هذه الأطراف المكونة اليوم لتحالف نظام 7 نوفمبر الرهيب إلا أن تظل محافظة على نفس مستوى التفكير المتحجر، وعلى نفس التوتر ضد الرأي المخالف والجهة المخالفة والآخر المخالف عموما، وان تعيد نفس الحماقات والجرائم والمأساة التي سبق أن كانت ضحيتها، على غيرها من الذين تجرعوا معهم مرارة الأسر والقمع والتعذيب والقتل والنفي والتيتيم والترميل والتثكيل ليكونوا بذلك قد صاغوا معادلة زادت الأمور تعقيدا. واختلط فيها الحابل بالنابل. وأصبح فيها ضحايا الجناة الأولين حلفاء لهم وشركاء لهم في الجناية والجريمة

 وبقي من ضحايا الجناة الأولين من أصبح مرة أخرى من ضحايا الأولين واللاحقين لهم من الجناة. واستمرت العلاقة بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة في الأصل علاقة صدام وصراع وتصفية حسابات لا مصلحة في النهاية فيها لغير الأجنبي. عوض علاقة الإخوة والتعاون والتلاحم والتضامن التي لا مصلحة فيها لغير الشعب والوطن وللإنسان ومن ثمة للأمة. لقد أريد لهذه العلاقة أن تستمر في اطر مختلفة لا يكاد ارتفاع الأصوات المنادية فيها بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أن ينتهي، ومن تولى بعد ذلك من أصحاب هذه الأصوات نفسها قد افسد في الأرض واهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. إن مكونات النخبة العلمانية اللائكية المنظمة منها أو غير المنظمة في تونس ليست فاقدة فقط لثقافة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ الحق والعدل والمساواة والأخوة والوحدة ولكن الأخطر من ذلك كله أنها معادية لها من منطلق مبدئي ومرجعي وواقعي. وحتى في صورة أيمان بعض المؤمنين بها فقد بدا واضحا أن هذا الإيمان ليس مطلقا، أي أنها ليست عندهم من حق كل الناس الذين لهم فيها حق. وإذا كانت هذه حقوق لكل البشر فان أكثر الناس عرضة لحرمانهم منها وانتزاعها منهم هم ضحايا الاستبداد السياسي، والمتضررين في قضايا الخلاف في الرأي في دوائر وساحات وفضاءات الصراع السياسي مع أنظمة الاستبداد من اجل هذه القيم والمبادئ نفسها.

وفي الوقت الذي كانت فيه هذه النخبة تبدي إيمانا بهذه القيم والمبادئ، وبهذه الحقوق، كانت تعتبر انه لا حق فيها لغيرها من الفئات والشرائح والجهات والأطراف التي كثيرا ما طالها القمع والإقصاء والتهميش، من اجلها. وان الحق كل الحق فيها ليس إلا لعناصرها أو لبعضهم دون البعض الآخر. بعد أن نصبوا

أنفسهم أوصياء على الإنسان وعلى حقوق الإنسان. وهم الذين وحدهم يعلمون من صاحب الحق في العفو

التشريعي العام، ومن الذي يستحق أ لتمتع به، ومن الذي ليس له الحق في التمتع به.وذريعتهم وتعلتهم في ذلك من موقع الغباء السياسي والاستعلاء والاستكبار والانحطاط الفكري والأخلاقي وقصر النظر، انه لا حق في الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة وجميع حقوق الإنسان لمن يصنفونهم من أعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ممن يختلفون معهم في التفكير وفي الرأي وفي السلوك. هذه هي ثقافة حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والعدل والمساواة لدى اليسار الماركسي واليسار العربي واليمين الدستوري وجل مكونات النخبة العلمانية اللائكية في تونس. فقد صنف كلهم أو جلهم، الإسلاميين منذ البداية على أنهم أعداء للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وغيرها من القيم والمبادئ الإنسانية، وخاصة بعد التحاق الجميع بالانقلابيين، وتشكيل نظام سبعة نوفمبر الرهيب، على خلاف ما كان عليه قبل ذلك كلهم أو جلهم من تشديد على ضرورة إصدار قانون العفو التشريعي العام، والتأكيد على عدم الاستثناء والإقصاء والتهميش. فقد كان الاختلاف ممكنا في التعامل مع هذا المطلب الوطني بين اليسار واليمين إلا أن ذلك لم يكن، لأنه لم تتبلور في تونس نخبة ليبرالية حقيقية في مختلف الظروف والأوضاع السياسية بالبلاد.

فقد تم التعامل مع المطلب التشريعي العام بتونس من قبل النخبة العلمانية اللائكية في أربعة مراحل مختلفة من تاريخ البلاد، اختلفت فيها المواقف منه باختلاف المواقع وباختلاف الجهة أو الجهات المستفيدة منه.

1-المرحلة الممتدة بين سنة 1980 و1987:

وقد كانت الجهة الوحيدة المؤهلة قانونيا للدعوة إلى سن قانون العفو التشريعي العام هي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وقد وجدت هذه الدعوة تأييدا واسعا من طرف القوى السياسية الميدانية غير المعترف بها قانونيا بما فيها تلك الغير مؤمنة بحقوق الإنسان، والتي كانت سريعة الالتحاق بالرابطة انخراطا وعضوية، والتي كانت قد لحقت بها أضرارا كبيرة في معارضتها لبورقيبة وإدارة الصراع السياسي والإجتماعي والحقوقي والفكري  معه من خلالها من اجل السلطة. وقد كان اليسار الماركسي وان لم يكن وحده من اكبر الأطراف المتضررة حتى ذلك الحين من الاستبداد البورقيبي. ولم تنقضي هذه الفترة من تاريخ البلاد حتى تم فيها بعض الفرز السياسي، وتم فيها الاعتراف القانوني بأكثر من حزب سياسي. وكانت كلها أحزابا يسارية ماركسية أو مخترقة اختراقا كبيرا من قبل عناصر هذا اليسار على خلفية ضرورة أن يكون لها موطئ قدم في كل التنظيمات السياسية والاجتماعية والهيئات والجماعات الثقافية والإنسانية. وبفعل حالة التذرر التي كان اليسار الماركسي خصوصا عليها. وما كان قد دب بين عناصره من خلافات جعل من الكثير منها تسعى لان تكون في حل من الالتزامات التنظيمية بما يتيح لها حرية الالتحاق بأي تنظيم يتحقق لها فيه ما تريد.

وقد كان مطلب سن قانون العفو التشريعي العام محل إجماع كل التنظيمات السياسية السرية والعلنية المعترف بها قانونا وغير المعترف بها. على خلفية أن أكثر المستفيدين منه هم الشيوعيون والقوميون العرب وهم الذين ومن مواقعهم تلك في ذلك الوقت لا يستطيعون أن يستثنوا مجاهرة وعلانية كما يفعل الكثير منهم اليوم من خلال غير تلك المواقع وبالتالي فقد كان الظاهر عندهم حتى ذلك الوقت أنه لا بأس في أن يكون الإسلاميون كذلك من المستفيدين منه وهم الذين أصبحوا في الحقيقة في ذلك الوقت الأكثر تضررا. وكان يمكن أن يكونوا كذلك بحسب حسابات اليسار اليوم ومنطقهم الفئوي والحزبي والنخبوي والشخصي النفعي والبعيد كل البعد عن المنطق الوطني والصالح العام الشعبي هم الأكثر استفادة منه كذلك. وهو الذي ينظر إليه دائما على انه إجراء قانوني يمكن أن يكون فاتحة خير لمرحلة جديدة تتخلص فيها البلاد من الاختناق السياسي، ويعاد فيها الاعتبار لضحايا الاستبداد وقضايا الخلاف في الرأي.

1-    مرحلة انتقالية من 1987 إلى 1989:

وهي المرحلة التي انتهى فيها الحكم الفردي الاستبدادي “للزعيم” بورقيبة، وقد كانت البلاد بذلك قد دخلت مرحلة جديدة انتهى فيها الوضع إلى استبداد جماعي جديد اشد منه، كان بن على هو الحلقة الأضعف فيه، وهو الذي ابرم صفقة مع مختلف الطيف السياسي الذي كان في الغالبية العظمى منه يساريا ماركسيا وقوميا عربيا لتكوين نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب على قاعدة استئصال حركة النهضة الإسلامية كبرى الحركات السياسية المعارضة بالبلاد. وهي المرحلة التي خفتت فيها الأصوات المتمسكة بضرورة إصدار قانون العفو التشريعي العام والانشغال بترتيب الأوضاع الجديدة على النحو الذي يتيح أفضل الفرص و الظروف المناسبة لإنهاء أي دور سياسي للإسلاميين عموما بالبلاد ولحركة النهضة خصوصا. وبما أن نظام 7 نوفمبر الرهيب إنما جاء ملتفا على كل مطالب المعارضة، فانه قد استطاع أن يلتف على كل المعارضة العلمانية نفسها، وعلى مطلب العفو التشريعي العام. وتعتبر المبادرة المبكرة بسن قانون العفو التشريعي العام سنة 1989 من المبادرات التي أفرغت ذلك المطلب من مضمونه كما أفرغت كل المبادرات السياسية التي جاء بها هذا النظام من مضمونها الحقيقي التي كانت كل القوى السياسية المعارضة متمسكة بها. لقد كان نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب مجهضا لكل مطالب المعارضة التي قدمت من اجلها المال والرجال. والتي ضحى من اجلها الكثير من أطياف وفئات المجتمع التونسي عقودا من الزمن.

– وفي الوقت الذي مازالت حركة النهضة الإسلامية تعاني فيه من المضايقات رغم تأييدها لبيان 7 نوفمبر الخادع، وصعود الجنرال بن علي للسلطة بتدخل استخباراتي رفيع المستوى لإجهاض ثورة الشعب التونسي العربي المسلم ضد الاستبداد، وفرض الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدل والمساواة…

– وفي الوقت الذي مازال الكثير من قيادات وكوادر وقواعد الحركة رهن الاعتقال والاحتجاز والتحقيق معهم في زنزانات الإيقاف ومخافر الشرطة وفي السجون والمنافي ولم تتقدم السلطة البديلة قيد أنملة باتجاه تسوية أي من قضايا الحركة وقياداتها وقواعدها، إذا ما استثنينا إخراج اغلب القواعد من السجون وبعض القيادات وباقي القيادات في ما بعد، وإعادة بعض المطرودين من عملهم إلى سالف مواقعهم ونشاطهم المهني، وللأمانة نقول إعادة اغلب القواعد إلى سالف مواقعها من الشغل وقد كانت إعادة منقوصة نظرا للصيغة التعاقدية التي تم إعادة أغلب عناصرها على أساسها. فان ذلك لم يكن في الحقيقة إلا من قبيل ذر الرماد في العيون، وهو اقل ما يمكن أن تقوم به كل قيادة وافدة للسلطة بعد أي تغيير، وبأي طريقة وأسلوب، ومن أي طرف أو جهة – وفي الوقت الذي لم تكن السلطة قادرة فيه على إلغاء المنشور الفضيحة رقم 108 وهو في الحقيقة اقل ما كان يمكن أن تكون القيادة الجديدة  قادرة عليه، لو كانت صادقة في خطابها وفي توجهها السياسي وهي التي لم تكن قادرة كذلك على تمتيع الحركة بحقها في التواجد السياسي القانوني.

في كل هذه الأوقات، والترتيبات جارية على قدم وساق لتكون البلاد في قبضة اليسار الماركسي أولا. ثم اليسار القومي العربي واليمين الدستوري ثانيا. كرافدين معاضدين له. وفي مواصلة الالتفاف على مطلب العفو التشريعي العام – أعلن سنة 1989 عن صدور هذا العفو دون أن يكون له أي اثر على واقع البلاد والشعب ولا على حياة الأفراد والجماعات ممن لهم الحق في ما يترتب عنه من نتائج. هذا ما يؤكده ظاهر المشهد والواقع الموضوعي لأصحاب الحق فيه والذين من المفروض أن يكونوا من المستفيدين منه .ولكن إذا ما تفحصنا هذا المشهد نفسه من زاوية واقعية وموضوعية أخرى فان إصدار العفو التشريعي العام قد تم لتحقيق ثلاثة أهداف:

  1 ـ إن العفو التشريعي الذي كان حوله إجماع وطني قبل انقلاب 1987 قد تحقق أي قد صدر.

  2 ـ انه لم يحصل أعداء الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان منه على ما هو حق   لهم فيه .     

  3ـ انه قد تحقق به للديمقراطيين والتقدميين والحداثيين المتغربين ما يريدون. وهم الذين لم يبق لهم أي سجين رأي في سجون البلاد. وهم الذين أصبحوا بعده يتمتعون بكل الحقوق المدنية، وهم الذين تم القبول بهم شريكا في السلطة، حتى أصبحت البلاد كلها قبضتهم. وهم الذين أعطوا حق النشاط السياسي العلني القانوني وما يترتب عن ذلك من امتيازات ومنافع ومصالح ومكاسب. فهل يبقى بعد هذا مبررا لمواصلة المطالبة بإصدار العفو التشريعي العام بعد أن تحقق لهم من الغايات والأهداف والمنافع أكثر بكثير مما كان مطلوبا تحقيقها من خلاله؟

أما وقد صعد اليسار الماركسي والقومي العربي للسلطة،و وجدت كل قضاياه ومشاكله طريقها إلى الحل، وقد أصبحت راية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ترفرف في أجواء البلاد. وكل الظلاميين والرجعيين والمتطرفين والإرهابيين وأعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بين قتيل وسجين وطريد، فذلك ما هو مطلوب، وبذلك فقط ينعم الشعب والوطن بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالأمن والراحة والرفاه والاستقرار.

ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى أن هناك احد روافد اليسار الذي كما سبقت مني الإشارة إليه سالفا لو دخل الإسلاميون جحر ضب لدخله مناضلوه معهم لا يريد أن ينسحب عليه من القول ما ينسحب على باقي بطون طائفة اليسار. ولا يصح في حقه قول ما يقال في غيره من الأطراف، وكل الدلائل تشير إلى انه لا يريد إلا أن يكون طرفا سياسيا مشاكسا، وقد قوبل ملف مناضليه سواء في المعالجة الأمنية أو القضائية بنوع من الفتور الكبير في التعامل معه، وهم الذين كان سرعان ما تتم محاكمتهم، وسرعان ما يقع إصدار العفو عنهم وإطلاق سراحهم قبل انتهاء مدة العقوبة بكثير. ولهم أن يبقوا في حالة فرار ما شاءوا أن يبقوا، ولهم أن يسلموا أنفسهم لتصدر ضدهم أحكاما مختلفة لم يطل مكثهم بالسجن بعدها حتى يتم إخلاء سبيلهم “لظروف صحية” مثلا. وهم الذين قبع معهم في سجون نظام 7 نوفمبر الرهيب رجال لا تكاد الديمقراطية التونسية تسلمهم إلى ذويهم ليتم مواراتهم الثرى تحت حراسة أمنية جد مشددة حتى بعد مغادرة أرواحهم أجسادهم…

2-    المرحلة الفاصلة بين سنة 1990 و2001:

لقد كانت قرابة ثلاث سنوات كافية لمختلف بطون الطائفة العلمانية اللائكية الهجينة العبثية منها والعدمية  لوضع خطة لترتيب الأوضاع بالداخل الوطني وبالخارج بما يوفر لها أكثر ما يمكن من الضمانات حسب زعمها ووهمها لإقامة نظام ديمقراطي مستقر. وكان الأمر يقتضي منها مجتمعةـ بعد أن الحق بها من الحق والتحق بها من التحق من الجمعيات والإتحادات والنقابات والمؤسسات والشخصيات ـ وضع هذه خطة لمواجهة المخاطر التي تهدد هذا التحالف وتحول دونه ودون التمتع بنظام ديمقراطي مستقر ينعم فيه بالحرية والديمقراطية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان أو يمكن أن تهدده أو يمكن أن تمثل خطرا عليه خاصة وان الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية قد أفرزت ـ سواء في فترة المواجهة مع النظام البورقيبي الفاشي أو بعد أول انتخابات رئاسية وتشريعية تم إجراءها يوم 2 ماي 1989 بعد انقلاب 7 نوفمبر الرهيب سنة 1987 ـ قوة سياسية أبدت قدرة فائقة في ساحات الصراع والمناجزة السياسية والثقافية والاجتماعية وحتى الاقتصادية على الصمود والانضباط والالتزام، وقدرة كبيرة على إعادة البناء والتنظم على قلة إمكانياتها ومواردها وقدراتها البشرية، إلا أنها كانت تستمد قوتها من عمقها الشعبي، وقدرتها على التعامل مع مختلف فئات وبيئات الشعب، ومن ضعف النظام، وشدة ضعف قوى المعارضة المتغربة الهجينة الغريبة عن الشعب وعن ثقافته وحضارته وتاريخه وأمجاده… ولا يمكن لغير الحركة الإسلامية في بلاد العرب والمسلمين وفي تونس تحديدا أن يكون لها هذا الإشعاع وان تحظى بهذا التأييد لها والالتفاف الشعبي حولها والتعاطف معها. وقد كانت أداته السياسية وإطاره التنظيمي، وقد كانت الحركة العلمانية اللائكية تنظر بعين الريبة والقلق والخوف من هذه الحركة، وواصلت تقديمها للنظام الجديد القديم غريمها القديم وهدفها في التغيير قديما وحديثا، وللعالم الخارجي وللأجنبي تحديدا، على أنها الخطر الأكبر الذي يتهدد مكاسب البلاد، والعقبة الكأداء في وجه القوى “الديمقراطية”  لإقامة نظام ديمقراطي تعددي حقيقي، وأخذت قرار المواجهة معها. وهو في النهاية قرار النخب المتغربة الهجينة العبثية منها والعدمية بقيادة اليسار الماركسي بكل تناقضاته واختلافاته وتبايناته – في مواجهة الشعب، من خلال السلطة ومن خارجها في علاقة تبادل للأدوار، وتكامل للمجهود الأمني والإستخباراتي، في حملة واسعة النطاق، كتلك التي تم فيها تدمير شعوب بكاملها لصالح النخبة الماركسية في أوطان شعوب المعسكر الشرقي الماركسي اللينيني. وقد كان الفرق واضحا في طبيعة المواجهة وحجم الحملة، بين فترة حكم بورقيبة حيث كان لهم بعض الوجود من خلال المتسللين، وبين الفترة التي آل فيها أمر البلاد إليهم بالكامل في ظل حكم العسكري زين العابدين بن علي. وحيث انتهى الحديث في هذه الفترة عن حقوق الإنسان وعن العفو التشريعي العام، ولسان حال القوم والجماعات المكونة والمعارضة والمساندة لنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب يقول: إن مطلب العفو التشريعي العام قد حصل وقد حقق أهدافه، وان حقوق الإنسان قد أصبحت مكفولة بصعود الشخصيات والفئات والجماعات الناشطة في جمعيات حقوق الإنسان، وخاصة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان للسلطة. وأصبحت تمثل إحدى مكوناتها الأساسية، ولها إشراف مباشر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأمنية…

فلم يبق أمام الرأي العام الداخلي والمنظمات الإنسانية والحقوقية بالداخل والخارج إلا أن تفهم وان تعلم أن هذا الذي يحصل في تونس إنما هو ذلك الذي يجب أن يحدث دفاعا عن المكاسب الوطنية وعن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وضمانا للاستقرار والأمن، لأنه لا حرية لأعداء الحرية، ولا حق في المشاركة في الحياة الديمقراطية لأعداء الديمقراطية، ولا حق في حقوق الإنسان لأعداء حقوق الإنسان، ولم يعد هناك مبرر للعودة لإصدار عفو تشريعي عام، لان ذلك سوف لن يكون إلا لصالح الإسلاميين أعداء الوطن والشعب، والمارقين عن الدين، لأنهم وحدهم الذين بات ينظر إليهم على أنهم يعانون من القمع والتنكيل والقتل والملاحقة والسجن والتعذيب. والحقيقة عندهم وكما يسوقونها للداخل الوطني وللخارج الأجنبي والعربي الإسلامي، أن ذلك الذي حدث ومازال يحدث، إنما هو ذلك الذي لابد من حدوثه لحماية حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والعدل والمساواة وحماية المواطن من العنف والإرهاب والتطرف. فلا حق لأعداء حقوق الإنسان في حقوق الإنسان، ولا حق للمتشددين والأصوليين والمتعصبين الظلاميين في العفو التشريعي العام وفي المشاركة في الحياة السياسية.

وكم كانوا قلة في هذه المرحلة من تاريخ البلاد أولئك الذين اعتبروا أن الأمر في البلاد قد أصبح في منتهى الخطورة، وان الانتهاكات الحاصلة لحقوق الإنسان ذات الصلة بالتعذيب واستهداف السلامة النفسية والجسدية والعقلية للمعتقل والسجين والموقوف وأهله وذوي الصلة به قد بلغت من البشاعة والانتشار في الأوساط المختلفة من البلاد ما لم تعرف البلاد له مثيلا في تاريخها. وللأسف الشديد فان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كبرى الجمعيات المدافعة في الأصل عن حقوق الإنسان في تونس، كانت طرفا مهما في ما كان يحصل في ذلك الوقت وفي ما تواصل حصوله بعد ذلك، إلا ما كان من رئيسها السيد المنصف المرزوقي، الذي انتهى به الأمر إلى الاستقالة أو الإقالة ثم إلى المحاكمة والسجن من اجل مواقفه الواضحة في ذلك الوقت مما يحصل من انتهاك لحرمة الوطن و”المواطن” التونسي، ولحرمة الأسرة التونسية ولحرية الشعب التونسي، وهو أمر يذكر له فيشكر. لقد حصل كل ذلك من خلال ترويج اليمين الدستوري واليسار العربي والماركسي خاصة، ومن منطلق مبدئي مرجعي معاد لعقيدة  ولثقافة وحضارة الشعب والأمة، من أن هؤلاء – في إشارة إلى الإسلاميين – ومن خلال موقعه في السلطة، ومن خلال منابرها ومؤسساتها، ومن خلال عناصره داخل أجهزتها ومؤسساتها ومن خارجها أيضا ـ سيمعنون في الشعب قتلا ويسلبونه كل حرياته ويلغون كل مكاسبه. وليس ذلك في الحقيقة إلا تبريرا لإمعانه ومن معه من مكونات نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب في قتلهم والتنكيل بهم لمجرد خلافهم معهم في الرأي، وعدم الذهاب معهم في ما يريدون ويطلبون من كل أبناء الشعب الذهاب معهم فيه، وقد أخذ ذلك الترويج الرخيص الذي لم يكن ينطلي على أحد طريقه في مختلف وسائل الإعلام وعبر مختلف الوسائط في محاولة لرسم أكثر الصور قتامه وبشاعة حول الإسلام والإسلاميين: حيث لا حرية فردية، ولا حرية عامة، ولا حقوق عامة ولا حقوق خاصة، ولا حرية معتقد، ولا حرية تعبير ولا تفكير، ولا حقوق للأقليات، وغيرها من الأراجيف التي يروجون لها لتبرير ما يقترفونه من جرائم في حق الشعب والوطن والأمة والإنسان، من اجل التمكين لأنفسهم وتحقيق أحلامهم ومصالحهم الشخصية والحزبية والفئوية والجهوية وتسفيه أحلام غيرهم وهدم مصالحهم ومصادرة أرزاقهم، ومن اجل التمكين لثقافة الأجنبي، وللمشروع الثقافي للدولة العلمانية الحديثة، الذي فرضه الاحتلال الغربي الاستعماري على الشعوب في أوطان امة العرب والمسلمين وسائر أوطان المستضعفين في العالم. وهدم كل ما هو أصيل، من الخصوصيات والثوابت، لتعميم النموذج الغربي الصليبي العنصري، وفرض رؤية واحدة للكون والحياة والإنسان، وإنهاء التنوع والإختلاف الثقافي والحضاري والجنسي والعرقي والديني والبشري.

هذا المشروع المشوه الذي من المفروض أن تكون حقيقته قد أصبحت معلومة لدى كل الأحرار في العالم من خلال الهجمة الإستعمارية الصليبية الإمبريالية على العالم وما ألحقته به من خسائر بشرية ودمار وخراب بيئي  وأضرار مادية ومعنوية ومن خلال نزعة العنصرية والتمييز والفوقية والإستعلاء التي يتعامل بها الغرب مع الآخر المخالف غير الغربي الأبيض وخاصة حين يكون هذا الآخر عربيا ومسلما وقد بدا ذلك بجلاء لا لبس فيه سواء قديما أو حديثا في التعامل مع كل ما هو حق عربي وإسلامي وليس أكثر دلالة على ذلك اليوم في ما يحدث من احتلال أفغانستان وسجن شبرقان بها ومن احتلال العراق و فضائح انتهاكات حقوق الإنسان التي يظهر بها علينا الإعلام الحر كل يوم في سجن أبو غريب ومعتقل قوانتنمو بكوبا التقدمي فيدال كاسرو والذي تحتجز فيه القيادة الصليبية للبيت الأبيض الأمريكي الآلاف من أبناء العرب والمسلمين منذ أكثر من4 سنوات بدون محاكمة وغيرها من المعتقلات السرية في أوروبا وعبر العالم. وتأييده المطلق للكيان الصهيوني الذي زرعه في أرض العرب والمسلمين فلسطين ومباركته لكل الجرائم في حق الإنسانية التي يقوم بها في حق شعبنا العربي المسلم الأعزل هناك، واتفاق كل عواصمه على معاقبته على اختياره بكل ديمقراطية ـ تلك الديمقراطية التي يتشدق بها ويجعل منها مبررا لغزو الأوطان واحتلالها وإلحاق كل ألوان وأنواع الدمار والخراب بها وبشعوبها ـ لقيادته المؤمنة باستعادة الحق الضائع كاملا والتحرير والإستقلال بعزة وكرامة .لأن هذه القيادة لم تكن علمانية على خطاه وعلى مزاجه وعلى ثقافته وعلى نهجه الحضاري وفي إطار مخططاته الإجرامية هذه المرة ولكن لأنها كانت قيادة إسلامية على منهج الإسلام وعلى عقيدة الإسلام وعلى درب محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم الذي اتجهت صحافته القذرة المسمومة في حملة مسعورة للإساءة إليه صلى الله عليه وسلم ولكل العرب والمسلمين من خلال تلك الرسوم المسيئة إليه صلى الله عليه وسلم والتي حضيت بتضامنه كله مع الصحف الدنماركية والنرويجية معتبرة أن حرية الإساءة لمشاعر ربع سكان العالم من المسلمين أقدس من المساس بمقدساتهم وعقيدتهم باسم حرية الصحافة.ألا يكون كل هذا كافيا لتنهي مختلف نخبنا في مختلف أوطان أمة العرب والمسلمين تقديسها للغرب وتعمل على إعادة الإعتبار لنفسها من خلال الإعتراف بمقدسات شعوبها وتقديسها.

وللتذكير نقول أنه ليس بوسعنا إلا أن نردد قول الله سبحانه وتعالى”وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين”وفي هذا السياق ليس هناك ما هو أدق وأكثر دلالة من قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز”إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون”.

  يقول تعالى:     

 “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساد والعاقبة للمتقين”.                      

                                                                                       صدق الله العظيم .

 

1- ما وراء المؤامرة ـخطاب القاه بورقيبة يوم 18 جانفي 1963

1ـ 2 ـ نفس المصدر

                                                                                        

                                                                                           علي شرطاني

                                                                                                       قفصة

                                                                                                          تونس

 

 


حماس» والحاجة إلى الانتقال من «ثقافة التحرير» إلى «ثقافة السلطة»

توفيق المديني (*)      

 

في ربيع عام 2004، اعتقدت حكومة آرييل شارون أنها وجهت ضربة غاية في القوة والقسوة إلى «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) باغتيال زعيمها الروحي للحركة الشيخ أحمد ياسين في 22 آذار (مارس)، والقائد البارز في الحركة الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي في 22 نيسان (أبريل). يومها ساد الاعتقادد في الدولة العبرية أنها تخلصت من ألد أعدائها، وأقصت «حماس» من المشهد السياسي الفلسطيني بصورة دائمة. بيد أن ذلك لم يحصل. فبعد بضعة شهور من التردد، تمكنت الحركة من اعادة تموقعها في مركز المسرح السياسي الفلسطيني.

 

كانت ولادة حركة «حماس» في زمن عصيب جداً. ففي وقت كانت المقاومة الفلسطينية التي كانت حركة «فتح» بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات تمثل عمودها الفقري قد انسحبت من بيروت في أيلول (سبتمبر) عام 1982، مذلولة وغارقة في إحباط ويأس، وتفرقت شراذم في عواصم عربية متباعدة تبدأ بعدن وتنتهي بتونس مروراً بدمشق وطرابلس الغرب، ولدت حركة «حماس» في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1987، مع بداية الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، من رحم جماعة «الإخوان» الفلسطينيين المرتبطين بـ»الإخوان» الأردنيين، والذين كانوا ينشطون في مناطق عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة.

 

وكانت تجربة الحركة الإسلامية في قطاع غزة خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي مميزة نتيجة عوامل داخلية وخارجية مختلفة. أهم العوامل الداخلية البنية الاجتماعية التقليدية للقطاع التي تجد لها تعبيرات في سيطرة العلاقات العشائرية والقبلية، إضافة إلى نمط الثقافة والأفكار المحافظة السائدة في أوساط سكانه، والضعف الذي كان يحيط بالقوى الوطنية والديموقراطية والذي غالبا ما يترافق مع اتساع نفوذ الحركة الإسلامية و تنظيماتها. أما أبرز العوامل الخارجية، فكان في مقدمها أنشطة «الإخوان المسلمين» المصريين، وموقف الحكومة المصرية المتسامح تجاه نشاط الإسلاميين الفلسطينيين.

 

وجسد تأسيس «حماس» القطيعة مع السياسة السابقة لـ»الإخوان المسلمين» الذين كانوا يتحاشون المقاومة النشطة ضد الكيان الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين منذ عام 1967، ويفضلون إعادة الأسلمة للمجتمع. وتشكل الجناح العسكري للحركة، «كتائب عزالدين القسام» عام 1989. وبانخراطها في العمل المسلح، سارت «حماس» على خطى «حركة الجهاد الإسلامي» التي أسسها الدكتور فتحي الشقاقي، وهو ناصري سابق تحول إلى «الإخوان» عقب هزيمة 1967، وكشف عن وجودها نهاية عام 1987 في قطاع غزة، عندما شن أعضاء منها مجموعة عمليات عسكرية ساهمت في ترتيب الأجواء الشعبية للإنتفاضة.

 

وبالنسبة الى «الاخوان المسلمين» المصريين، تقود أسلمة المجتمع إلى تحرير فلسطين، أما بالنسبة الى «الجهاد الإسلامي» فيعتبر التحرير أولوية قبل أسلمة المجتمع. لذا مزجت «حماس» بين المقاربتين. وإذا كانت «الجهاد» تأثرت بالثورة الإسلامية الإيرانية، فإن «حماس» لم تكن منفصلة عن عملية التجذير للشعب الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الصهيوني منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، ويأتي صعودها في إطار صعود الإسلام السياسي الذي ساد في العالم العربي بعد هزيمة الحركة القومية العربية وتراجع اليسار العلماني. لكن «حماس» تظل قبل كل شيء حركة وطنية دينية تعطي أولوية للمسألة الوطنية الفلسطينية، وهذا ما يجعلها مرفوضة في نظر الجهاديين السلفيين.

 

وفي الواقع، كان الإسلام بالنسبة إلى «حماس» أداة تعبئة استعداداً لحرب تحرير وطني أكثر منه أيديولوجية سياسية. فليس الإسلام وسيلة للشرعنة (لأنّ شرعيّة النضال من أجل التحرير ليست محل شكّ من أحد) بل إنّه علامة فارقة عن منظّمة التحرير الفلسطينية عموماً، وحركة «فتح» (حزب السلطة) خصوصاً، التي أمسكت مقاليد الأمور منذ وقعت عام 1993 إتفاقات أوسلو التي لا تعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة ذات سيادة، ولا تنص على تجميد الاستيطان أو الإنسحاب الكامل من الضفة الغربية و قطاع غزة، بل تقود من وجهة نظر الراديكاليين الفلسطينيين إلى تكريس حكم ذاتي فلسطيني هزيل، وهذا يتناقض مع ميثاق منظمة التحرير وطموحات الشعب الفلسطيني في الإستقلال. والإسلام هو أيضاً تقنية لتعبئة المدنيين. لكنّ الفارق مع الحركات الإسلامية الأخرى هو أنّ «حماس» تبقى في وضعيّة المعارضة المطلقة. فهي لا ترى في غزّة نواة الدولة الفلسطينية بل قاعدة للقتال، وهذا ما جعل الكيان الصهيوني ينتهج نهجا غاية في العداء إزاء الحركة. 

 

وعلى رغم أن «حماس» هُمِشَّت من قبل أوسلو، وحُوِربَت من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، إلا أنها استفادت من مجموعة من الأخطاء الاسرائيلية والفلسطينية. فقد قادت محاولة الإغتيال الفاشلة لخالد مشعل في الأردن إلى إطلاق الزعيم الروحي للحركة من السجون الصهيونية عام 1997. إضافة إلى إن الركض وراء سراب السلام من جانب السلطة لم يقد إلى بناء الدولة المستقلة، على رغم كل التنازلات التي قدمتها وقمعها للمعارضة الفلسطينية، خصوصاً حركتي «حماس» و»الجهاد»، في السنوات العشر الأخيرة.

 

فضلا عن ذلك فإن وصول المفاوضات بين ياسر عرفات وايهود باراك بإشراف الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى طريق مسدود، والزيارة الإستفزازية لآرييل شارون إلى باحة المــ سجد الأقصى في أيلول 2000 و إنطلاقة الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، و تداعيات أحداث 11 أيلول إقليميا ودوليا، وصعود شارون إلى السلطة في اسرائيل ما أطلق رصاصة الرحمة على إتفاقات أوسلو، وتبني الرئيس جورج بوش أطروحات شارون لجهة التخلص من عرفات وتصفية المقاومة الفلسطينية وانتهاج شارون سياسة الاغتيالات، كل هذه العوامل أدت إلى تعزيز شعبية «حماس» بوصفها القوة الأولى المستهدفة من قبل الكيان الصهيوني، وإلى تحويل الانتفاضة الى عمل مسلح.

 

ويرى محللون أن تفاقم ازمة السلطة الفلسطينية في ضــوء الفــــساد والإفساد الذي تاه فيه رموز السلطة بعدما توافدت أموال الخارج ببلايين الدولارات، وتعرض «فتح» بوصفها حركة فضفاضة وغير مؤطرة بأطر حزبية وتنظيمية دقيقة وصارمة إلى إنقسامات كبيرة شكلت تهديدًا جدياً لوحدتها الداخلية، لا سيما بعد رحيل «أبو عمار» في ذروة انهيار السلطة، كل هذه العوامل مجتمعة جعلت الشعب الفلسطيني يعاقب «فتح» إنتخابيا.

 

كما إن الأزمة الاقتصادية الفلسطينية الناجمة عن الحصار الاقتصادي الذي فرضته حكومة شارون، جعلت الشعب الفلسطيني يتجه نحو شبكة الجمعيات الأهلية التي تتمتع بفاعلية كبيرة. وهنا لعبت البرامج الاجتماعية لحركة «حماس» دورها أيضا. إذ إن تشكيلة الخدمات الاجتماعية والخيرية التي تقدمها الحركة تمثل تناقضاً صارخاً مع تداعي وزارات السلطة وانعدام فعاليتها. ففي وقت ادرك الفلسطينيون «حجم الفساد المعشعش في دوائر السلطة» كانت «حماس» تعرض نفسها كبديل «نظيف اليد» يعكف على تقديم المساعدات للفقراء والمعوزين والمحتاجين. ومن حركة معارضة للسلطة وسياستها نجحت «حماس» في عرض نفسها كبديل سياسي واجتماعي وعسكري وايديولوجي للنظام الفلسطيني الحالي.

 

هناك إجماع عربي و إسلامي على أن وصول «حماس» إلى السلطة سيجعلها تواجه تحديات كبيرة. فهل تستمر الحركة في تبني استراتيجية سياسية وعسكرية يحدّدها في شكل كامل النضال من أجل تحرير فلسطين، مع ما يقتضي ذلك من المحافظة على سلاحها الذي ينتمي عملياً إلى المرحلة التي كانت فيها في صف المعارضة، أم أنها، بحكم براغماتيتها السياسية، ستستبدل النضال المسلح برؤية سياسية، وتتحوّل من ثقافة الحرب الى ثقافة السلطة والإهتمام بالإدارة الملموسة لها؟

 

من السابق لأوانه إعطاء جواب قطعي عن هذا التساؤل، إذ ليس من السهولة بمكان أن تتخلى «حماس» عن استراتيجية المقاومة وعن ثقافة القتال التي تعتنقها بمجرد تسلّمها زمام السلطة فجاة. وهو وضع تقليدي بالنسبة إلى حركات التحرير الوطني، وإن كان الوضع الفلسطيني يتميز بتعقيداته الخاصة نظرا الى وجود استعمار استيطاني على أرض فلسطين، فضلا عن أن الدولة الفلسطينية التي يمكن قبولها غير موجودة.

 

من المؤكّد أنّ «حماس» ستحاول التأكيد على التزامها تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، وإدارة الــسلطة عبر تبنيها مشروع السلام العربي الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيزكمخرج للضغوطات التي بدأت تمارس عليها دوليا، لا سيما من جانب الدول المانحة للسلطة الفلسطينية.

 

(*) كاتب تونسي

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 17 فيفري 2006)

 


 

العرب مُـشـتّـتـُون بين الأحلاف الإقليمية

المبروك بن عبد العزيز – كاتب تونسي

 

شاركت ستّ دول عربية متوسّطية، زائدة الأردن وموريتانيا، في اجتماعات الحلف الأطلسي الأخيرة المنعقدة بصقلية، وتغيبت ليبيا وسورية ولبنان وفلسطين. وبالطبع لم تغب إسرائيل التي هي أقرب إلي الحلف من نفسه وإن لم تنتمي إليه بعد.

 

والمؤسف أنّ مسؤولي دول المغرب العربي، أو الإسلامي وهذا اصحّ لأنّه يضمّ كذلك غير العرب، يجدون صعوبة في الاجتماع مع بعضهم تحت سقف الاتحاد، بينما لا يتخلفون عن هذا الملتقي الهجين. لم يعد هناك شيء اسمه عدم الانحياز، فإمّا مع أمريكا أو ضدّها، وبالطبع يختارون الأسهل في غفلة من شعوبهم.

 

ومن حقنا أن نتساءل عن دور الحلف في منطقتنا، وهل في برامجه ضمّ بعض الدول العربية، سواء كانت جغرافيا أطلسية أو متوسطية أو حتّي خليجية؟

 

ابتعد الحلف كثيرا عن مهامه التي أنشئ لأجلها وهو يغيّر دوما أعداءه ليتغيّر بدوره. وبعد أن كان تحالفا عبر المحيط الأطلسي بين دول غربية إبان الحرب الباردة وفي مقابل حلف وارصو، ها نحن نسمع كل يوم بتوسع رقعة تدخله في العالم، فاليوم في أفغانستان، أي في حدود الصين، وغدا في دارفور، ولعله سيصل قريبا إلي الخليج لحراسة منابع النفط.

 

لقد التف علي الكرة الأرضية التفافا ولم يعد يفصله إلا القليل لإكمال دائرتها ولكي لا تغيب عنه الشمس. أما الخلافات التي تبرز أحيانا داخل الحلف فهي مجرد صراع علي قسمة الكعكة الامبريالية بين أقطابه الاستعمارية. فمثلا في العراق تغيبت فرنسا عن الوليمة لكنها موجودة في أفغانستان.

 

وبالطبع لن تنضم الدول العربية إلي الحلف أو بالأحري لن يضمّوها هم إليه، لأنهم لا يرغبون في أن يشاركهم العرب والمسلمون في أهدافهم وحتّي لا يعيقوا تحرّكهم مستقبلا. ولم يكن قبول تركيا سابقا إلا في ظروف عالمية مغايرة لما هي عليه اليوم، فقد كان ذلك وقت الحرب الباردة، ولموقع تركيا الاستراتيجي المحاذي للاتحاد السوفيتي السّابق.

كل ما يريدونه إذن هو التسهيلات لأساطيلهم وإنشاء محطات الإنذار والتجسّس في الأراضي العربية إضافة إلي السجون ومراكز التعذيب بالوكالة، في مقابل بعض الفتات من أسلحة أو تدريبات أو غير ذلك.

 

في كل يوم يزيد الحلف في إحكام طوقه علي روسيا، كما يسعي لمحاصرة مصادر الثروة الطبيعية بالشرق الأوسط لجعل الماردين الهندي والصيني تحت السيطرة الاقتصادية، علما وأنّ روسيا غير محتاجة لطاقة الشرق الأوسط. وتحت ذريعة مساعدة الأقليات كما في دارفور أومكافحة الإرهاب ، الذي لم يعرّف بعد، كما في أفغانستان يحاول الحلف وضع أقدامه في العالم الإسلامي لمحاصرة دول الممانعة كإيران وسورية.

 

وتتكرّر في كل يوم محاولات فصل مغرب العرب عن مشرقهم، فالتعاون الأطلسي مع الدول المتوسطية والتعاون الأورو ـ متوسطي و خمسة زائد خمسة ، التي يساوي الواحد من شمالها خمسة من جنوبها، وغيرها. يأتي علي حساب التعامل مع مجموع العرب أو المسلمين ككتلة واحدة أكثر قوة وتماسكا، وكذلك لدمج إسرائيل في فضاء متوسّطي هجين، يقال بأنّه بحيرة سلام، في حين يشكل العرب الحلقة الأضعف فيه، وبينما تتكدس فيه مئات القنابل النووية كتلك الموجودة في جنوب ايطاليا والله اعلم هي لمن هناك.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 17 فيفري 2006)


 

حرية بلا حدود… فِتَن بلا حدود

محمد خالد الأزعـر (*)

 

بدأ التعدي المشين على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) برسم كاريكاتوري لصحافي مغمور في صحيفة تافهة في أرض الدنمارك البعيدة. كان ذلك في ايلول (سبتمبر) الماضي، وقيل وقتذاك انها حادثة سلوكية منحرفة لرجل جاهل لا تستحق التوقف عندها. لكن مستصغر شرر تلك «الحادثة الفردية» في ذلك البلد القصي، تحول بعد اربعة شهور الى حريق كبير يوشك ان يتعولم بعدما «تأورب» و»تأمرك» وتطاير لظاه في جهات الدنيا وقاراتها الست.

 

جرت هذه النقلة النوعية للحدث من الخاص والمحدود الى العام والواسع، بفعل دعوى تضامن بعضهم مع ما اعتبروه حقاً وحرية في النشر والرأي على خلفية الممارسة الديموقراطية، وتضامن آخرين في جانب اخر احتجاجاً على ما وصفوه بانتهاك حدود هذه الممارسة، موضوعياً. ومن الناحيتين الفقهية والقانونية لا يمكن التشكيك في صدقية موقف المحتجين الغاضبين وصوابيته نظراً الى ما هو مقرر، وبات معلوماً بالضرورة والمنطق والتواتر، ان حرية فرد او جماعة تتوقف حيث حرية الآخرين، وإن كان ذلك جائزاً وصحيحاً بالنسبة لما يسري على خواص الناس وعوامهم، فلا بد أنه اكثر جوازاً وصحة بكثير جداً إذا ما تعلق الامر بأنبياء الله ورسله. لكن السادة الديموقراطيين، القدامى والجدد، لهم رأي آخر يجل عن الفهم.

 

في وقت غير بعيد عن هذه الواقعة وتداعياتها المستفزة، دارت اقاويل ومناورات حول صحة «المحرقة النازية لليهود» من عدمها. عندئذ ذهب نفر من هؤلاء السادة في الرحاب العربية والاسلامية الى النصح بعدم الخوض عربياً وحتى اسلامياً في غمار هذه القضية، بزعم أنه لا ناقة للعرب فيها ولا بعير، فهي تخص اوروبا وربما الغرب ولا مصلحة تعود من وراء إنكار هذه الواقعة او تصديقها.

 

وهكذا هان على اولئك الناصحين نزع حديث «المحرقة» عن سياق حرية الرأي، بل وحرية البحث العلمي حول جزء من التاريخ الانساني، ما زال بعض شهوده احياء يرزقون، ولم يفطنوا الى ان مجرد ابتداع يوم عالمي لذكرى هذا الحديث تحت رعاية الامم المتحدة التي تضم عشرات البلدان العربية والاسلامية، يبيح لابناء هذه الدول بسط عقولهم وادواتهم البحثية وآرائهم بخصوصه، اللهم الا إن كان هؤلاء الاخيرون ليسوا من سوية البشر الذين تعالج الامم المتحدة شؤونهم و «تواريخهم»·

 

لعل الاهم في هذا الإطار، هو أن الاعتراض على اخضاع «حديث المحرقة» للتناظر واختبار ما ينطوي عليه من حقيقة وخيال، يفسح المجال واسعاً أمام محترفي صناعة السير والوقائع التاريخية، المكذوبة المفتراة. من هذه المتوالية غير الحميدة نعثر على نموذج صارخ آخر لازدواجية معايير بعض الديموقراطيين الذين يوظفون فقه حرية الرأي بكثير من التعسف والبلاهة واللامسؤولية. فإذا كانت هذه الحرية ملعونة إن خرقت حرمة امرئ واحد في هذا العالم، فكيف الحال بها إذا تجاوزت الى انتهاك حرمة نبي (صلى الله عليه وسلم) بما يغضب ربع سكان المعمورة من المؤمنين به وبرسالته، كونهم يعتبرونه اولى بهم من انفسهم طبقاً لشريعتهم؟! بل وكيف الحال بدعوة الى حرية من شأنها اشعال الفتنة والكراهية على نطاق عالمي، وقد يبلغ الحال بها الى تهديد السلم والامن الدوليين؟·

 

لا تأتي هذه التساؤلات، الاخير منها بخاصة، عن سخونة في الرأس او غلو في التقديرات. إن قضية انكار المحرقة لم تكن لتنذر بأخطار عن طبيعة عالمية، مهما ترامت ابعادها واشتد الجدل بشأنها. لكن الامر مختلف تماما امام ايذاء نبي المسلمين وأتباعه بمئات الملايين شهود ينظرون ويراد منهم الاصطبار على هذه الاذية وكظم الغيظ.

 

من اجل اتقاء فساد هذه الفتنة، ربما كان المتنطعون بحرية الكلمة والصورة والرأي بلا حدود في حاجة الى روادع قانونية دولية، تفوق بولايتها وشرعيتها ولاية القوانين الوطنية والقومية، وفيها يجري بالتخصيص والنص الصريح تجريم التجريح بأي شكل ووسيلة في ذات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وكل انبياء الله ورسله الذين لا يفرق المسلمون بين احد منهم في الايمان والاهتداء.

 

لمحنا الى أن نظرية الديموقراطية ومجموعة الحريات المرتبطة بممارستها تستطرد بداهة إلى مثل هذا المطلب، ومع ذلك لا يصير المحافل والتنظيمات الحقوقية الدولية، وفي طليعتها الامم المتحدة، التذكير بهذا الاستطراد وما يتصل به من واجبات. فمن لا يوزع بالثقافة والكلمة الطيبة والتربية الرشيدة قد يوزع بالقانون ورهبة العقاب المادي، وبالطبع تنسحب هذه الدعوة الى الدول ومؤسساتها التشريعية، إذ لن يطعن احد في النزاهة الديموقراطية لاي نظام يتجه الى قوننة كف التعرض للانبياء بتشريعات لا تقبل التأويل ولا التخفي والمراءاة بحرية الرأي والتعبير، ذلك أدعى للاخذ بالاحوط واقرب الى درء فتن الذين يبغون الفساد والكراهية في القرية العالمية. فعلها المجتمع الدولي وكثير من وحداته بخصوص «المحرقة اليهودية» وذكراها، فلِمَ لا يفعلها مع سير الانبياء، صوناً لكرامتهم وكرامة أتباعهم من «أرباب السوابق» في حق الديموقراطية.

 

(*) كاتب فلسطيني

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 17 فيفري 2006)

 


لماذا يصوت الشارع العربي لصالح الإسلاميين؟

د. محمد عجلاني (*)

 

عندما نصبت الأنظمة الغربية هذه الانظمة العربية الشمولية لم تكن تدري بأن عملتها هذه ستكون مقدمة لوصول الاسلاميين كما يسمونهم في الغرب الي الحكم لأن هذه الانظمة الشمولية التي تدعي العلمانية زكمت انوف الناس بفضائحها وفسادها، وكان من الطبيعي ان ينفر منها رجل الشارع العربي وهو يري ابناء هذه النخبة تركب السيارات الفاخرة جدا جدا في دمشق والقاهرة والجزائر وغزة بينما هناك المواطن العادي يموت كل يوم كدما وعملا حتي يستطيع تأمين سيارة متواضعة جدا هذا اذا استطاع، والمواطن العادي في دولنا العربية لم يعد يفهم ارتفاع هذه الاسعار الجنوني، وبالطبع عندما تجد ابناء النخبة يشترون بدون محاصصة او اسئلة، التاجر بدوره سيرفع الاسعار، وكل ذلك علي حساب المواطن العادي، الفساد الذي احدثته الطبقة الحاكمة العلمانية في تركيا من مسعود يلماز ومرورا بتانسو شيللر اتي بالطيب اردوغان الي الحكم في بلد يعتبر نفسه مقر ومسقط العلمانية.

 

في الجزائر حزب جبهة التحرير الذي اطلق الرصاصة الاولي للثورة انحرف عن خطه في الحكم واثبت عدم كفاءة ودراية في الادارة، فجاء الشعب بالاسلاميين او ممثلي جبهة الانقاذ الي البلديات التي اداروها بشكل جيد واكتسحوا بعدها الدورة الانتخابية البرلمانية الاولي قبل ان يوقفوا العسكر هذا الفوز الاسلامي الساحق عام 1991.

وحتي بعد حل جبهة الانقاذ صوت الشعب الجزائري في اول انتخابات رئاسية ديمقراطية عام 1995 لصالح مرشح السلطة من الاسلاميين وهو المرحوم محفوظ نحناح الذي حصل علي 25% من الاصوات بعد زروال مرشح العسكر.

 

اما مصر التي انبثقت منها حركة الاخوان المسلمين، وكانت حركة تربوية وتعليمية في البداية قبل ان تتحول الي سياسية، ولو لم يأت عبد الناصر الي الحكم وترك الانتخابات الديمقراطية تجري كما كانت عليه في عهد حزب الوفد والملك فاروق لفاز الاسلاميون بالحكم، ولكن بريق عبد الناصر وتأميم قناة السويس والجلاء الاجنبي عن مصر اجلت وصول الاسلاميين الي الحكم في هذا البلد، لكي يتحول اليوم الي حقيقة واضحة مع دخول هذا العدد الكبير من النواب المحسوبين علي التيار الاسلامي الي البرلمان المصري.

 

واذا انتقلنا الي فلسطين فإن هذا الفوز الساحق الذي احرزته حماس كان نتيجة اخطاء وتجاوزات ارتكبتها منظمة فتح، من فتح كازينو للقمار في اريحا الي ممثليها في الخارج الذين اصبحوا سفراء ليس للسلطة الفلسطينية وانما لهذه الدول التي يقيمون علي اراضيها بالطبع استفادت ايضا حماس من مساعدات لوجستيكية هامة وظفتها في مستشفيات وجمعيات خيرية جعلتها محط محبة واحترام لدي الشعب الفلسطيني علي حساب فتح التي كانت فتح عرفات وبعد عرفات تاهت وضاعت وفقدت التوجه الصحيح، وبالطبع لا نقلل من تضحيات حماس في الانتفاضتــــين الفلسطينية الاولي والثانية مما اعطــــاها زخما اجتماعيا ووطنيا.

 

اما اذا انتقلنا الي سورية، وهي المرشحة الأكبر في حال حصول انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة ان يقطف الاسلاميون محصلة هذه الانتخابات، فالمساجد اصبحت لا تعد ولا تحصي، والمكاتب تحولت كلها الي مكاتب دينية، وعدد الائمة تجاوز عدد المدرسين والمدرسات، وسيقول الاسلاميون يوما ما شكرا للرئيس الراحل حافظ الاسد الذي كان يخشي ان يقال بأنه معاد للاسلام والمسلمين، وهي عقدة النقص التي لازمته طوال حياته، وحتي بعد مماته حيث طلب ان يصلي عليه من طرف شيوخ الاسلام السنة مما اثار غضب بعض الشيوخ العلويين. وكل هذا وذاك والحكم يتخبط ومستمر في تخبط وسط ترقب من الاسلام الرسمي والشعبي ليكون حاضرا في الوقت واللحظة المناسبتين لكي ينقض علي الحكم.

 

المد الاسلامي آت ولا بد عنه، من الشرق الي الغرب، يتعثر هذا المد، ويدخل في صراع مع هذه الفئة او تلك، ولكنه قادم وهذه المرة عن طريق الاقتراع والصناديق وليس عن طريق الانقلابات والدبابات، ولكن يا تري هل يملك هذا التيار مفاتيح سحرية لحل مشاكل الدول التي يحكمها التي اصبحت لا تعد ولا تحصي لدرجة تتساءل من اين سأبدأ، من المشاكل الداخلية، البطالة وتدهور العملة والفساد وقلة المياه وضعف الانتاج، أم من المشاكل الخارجية، اسرائيل والعلاقات مع الغرب، انها كلها بمثابة اسئلة ستطرح علي من سيحكم هذه البلدان، لان المحاسبة هي احدي مبادئ الحكم الديمقراطي الصالح.

 

(*) رئيس مركز دراسات الحياة السياسية السورية ـ باريس

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 17 فيفري 2006)


تقارير صحفية تحدثت عن إبطائها وإضفاء صبغة واقعية عليها

بوش يعيد النظر في “الديمقراطية” بالشرق الأوسط إثر صعود الإسلاميين

 

دبي-العربية.نت، تونس- سليم بوخذير

 

جاء جدول أعمال الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد إلى بلدان المغرب العربي الثلاثة، وكذلك زيارة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الاثنين إلى المغرب، منسجما مع تقارير صحفية نشرت مؤخرا أشارت إلى أن المحافظين المقربين من الرئيس الأمريكي جورج بوش بدأوا يعيدون النظر في خطتهم لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بعد الفوز الساحق لحركة حماس في الانتخابات الفلسطينية. كما شكك عدد من المسؤولين في الطرح الذي عبّر عنه بوش في خطاب التنصيب لولايته الثانية من أن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل ضرورة أخلاقية ومصلحة وطنية أمريكية.

ورأى مراقبون أن جدول أعمال الزيارتين جاء في هذا الاتجاه، إذ لم تطرح الجولة “المكوكيّة” التي قام بها رامسفيلد إلى بلدان شمال إفريقيا، بتاتا ما “اعتاد المسؤولون الأمريكيون بحجم رامسفيلد على طرحه على الحكومات العربية في مثل هذه الزيارات”، وبالتحديد الدعوات الأمريكية إلى “الإصلاح السياسي” داخل هذه البلدان.

وقال المراقبون إن رامسفيلد في زيارته الأخيرة إلى كل من تونس والجزائر والمغرب “لم يطرح سوى مسألة التعاون الأمني الأمريكي –المغاربي في مجال ما يسمى بمكافحة الإرهاب” الأمر الذي “يعزز ما زعمته صحف أمريكية وبريطانية أن الإدارتين بصدد إعادة النظر في خطتهم لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط”.

وقال ارييل كوهين الباحث في “مؤسسة هيريتج” وهي مركز دراسات محافظ يؤيد السياسة الخارجية لبوش ويوصف المركز بأنه “منجم ” أساسي لإنتاج الخطط الإستراتيجية لتيار المحافظين الجدد، ان الدرس المستفاد من فوز حماس هو أن عملية نشر الديمقراطية يجب أن يتم إبطاؤها وإضفاء صبغة واقعية عليها إضافة إلى اعتبارها عملية طويلة المدى.

وقالت صحيفة “فيننشال تايمز” البريطانية الاثنين 13-2-2006 إن “فيضا من التقارير الاستخباراتية والدراسات الاستراتيجية بدأت تنهال على إدارة الرئيس بوش طالبة منه بإلحاح التراجع عن جهود نشر الديمقراطية في المنطقة العربية والتريّث في الأمر ، وذلك فور صعود حماس على اثر الانتخابات الأخيرة “.

وأضافت الصحيفة أن “بوش وكبار معاونيه من المحافظين الجدد قرّروا الاستجابة إلى هذه الدعوات سريعا وإدخال تغيير في السياسة الأمريكية في المنطقة يركّز على مزيد التنسيق مع الحكومات القائمة في جهود مكافحة الإرهاب، مع التريّث بشأن مسألة دعوات الإصلاح السياسي”.

وقدمت “فيننشال تايمز ” في تقريرها “مثالا” رأته يمثّل “دليلا” على “تراجع كلّي حصل فعلا لأمريكا في الأسابيع الأخيرة عن دعوتها السابقة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط ” وهو “مثال القرار الأمريكي الأخير بزيادة المعونات العسكرية الأمريكية لحكومة القاهرة في الموازنة المالية الأمريكية لعام 2007 إلى سقف عال جدا”.

وقالت الصحيفة “إن هذا القرار الجديد يأتي متناقضا تماما مع انتقادات أمريكية سابقة بما وصفته بخروقات مصرية كبيرة في الانتخابات التشريعية وتأجيل الإصلاح السياسي الشامل”.

وقالت الصحيفة “فيما دافع بعض المحافظين الجدد داخل البيت الأمريكي عن نجاح حماس من حيث أنه سيجعلها مسؤولة عن سلوكها وإمكانية أن يؤدي بها ذلك إلى تليين موقفها شيئا فشيئا من إسرائيل، تمسك الفريق الغالب من المحافظين الجدد برفض هذا الخيار ومقاطعة أي ديمقراطية قد تؤدي إلى صعود الإسلاميين في المنطقة الداعمين للإرهاب”.

وأضافت أن في مقدمة الذين دعوا الرئيس بوش إلى التراجع عن دعوات “نشر الديمقراطية ” الباحث اليهودي الأمريكي اريال كوهين الذي وصف صعود حماس بـ “الحدث الكارثي” قائلا “انّه على السياسة الأمريكية أن تعدّل فورا موقفها تماما بعده من مسألة نشر الديمقراطية في المنطقة”.

وفي سياق متصل، قال نيكولاس جفوسديف رئيس تحرير دورية “ناشيونال انترست” التي تدافع عن سياسة خارجية “واقعية” ان بعض المسؤولين بدأوا يشككون في الطرح الذي عبّر عنه بوش في خطاب التنصيب لولايته الثانية من ان نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل ضرورة أخلاقية ومصلحة وطنية أمريكية.

وأضاف انه بعد المكاسب الانتخابية التي حققها الإسلاميون في إيران والعراق ومصر فان ايمان المسؤولين الأمريكيين بقابلية تطبيق نموذج شرق أوروبا على الشرق الأوسط قد اهتز.

وأشارت الصحيفة إلى أن التصدعات بدأت تظهر أيضا في صفوف المحافظين الجدد الذين تبوؤوا منصب القيادة الإيديولوجية منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

وكان دونالد رامسفيلد قد خصّص مبحثاته مع المسؤولين التونسيين في زيارته يوم الجمعة الماضية إلى تونس لـ “تنسيق الجهود الأمنية المشتركة” في مجال ما يسمّى ب “مكافحة الإرهاب”، وتماما كما في تونس، تركّزت مباحثاته مع المسؤولين في الحكومة الجزائرية على موضوع “تعزيز الجهود الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي من خلال بيع الجزائر معدات عسكرية أمريكية عصرية لم يكشف عن طبيعتها بهدف تقوية ترسانتها في مقاومة الإرهاب “حسب بيانات إعلامية مشتركة، أما في الرباط التي غادرها، فقد تركزت مباحثات رامسفيلد على تعزيز نفس التعاون المشترك وهو التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب”.

ولم يطرح رامسفيلد مع نظرائه المغاربيين في الدول الثلاث ما من شأنه أن يدل على”استمرار” تمسك أمريكا بـ “أجندة الإصلاح ” التي كان “منتدى المستقبل” المنعقد أواخر2004 بالرباط برعاية أمريكية واضحة.

وعلى غرار رامسفيلد، كان ملف “الأمن ومكافحة الإرهاب” قد تصدّر جدول أعمال مباحثات وزير الخارجية البريطاني سترو مع المسؤولين المغاربة خلال زيارته هذا الأسبوع إلى الرباط، كما علمته العربية.نت “من مصادر مغربية ، وهو ما يؤكد وجود تطابق أمريكي بريطانيّ في ما “يرغبان فيه من المغرب العربي في الظرف الراهن”.

وتنظر أمريكا وبريطانيا إلى منطقة المغرب العربي على أنها توفّر ما لا يقل عن 40 بالمائة من الشبان العرب “المتسربين” إلى العراق عبر الحدود السورية للانضمام إلى المقاومة العراقية حسب ما أوردته تقارير أمريكية.

 

(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 15 فيفري 2006)


تزايد الضغوط على أمريكا بشأن جوانتانامو

 

جنيف (رويترز) – تزايدت الضغوط على الولايات المتحدة يوم الخميس لاغلاق سجن جوانتانامو فيما قال محققون تابعون للامم المتحدة ان المعتقلين هناك يلقون معاملة تصل الى حد التعذيب.

وفي تقرير من 40 صفحة تسرب محتواه بشكل كبير قال خمسة من مبعوثي الأمم المتحدة ان الولايات المتحدة تنتهك مجموعة من حقوق الانسان تشمل حظر التعذيب والاحتجاز التعسفي والحق في الحصول على محاكمة عادلة.

ومن المُرجح أن يؤجج التقرير الغضب في العالم العربي بشأن معاملة السجناء العراقيين في سجن أبو غريب في بغداد الذي تديره القوات الأمريكية بعد أن نشرت محطة تلفزيونية استرالية مزيدا من الصور عن انتهاكات وإساءات في حق السجناء هناك.

وقال واضعو التقرير “يتعين على حكومة الولايات المتحدة أن تغلق منشآت الاحتجاز في خليج جوانتانامو دون أي تأخير.”

واضافوا أنه حتى يحدث ذلك يتعين على حكومة الولايات المتحدة أن “تكف عن أي ممارسة تصل الى حد التعذيب أو العقاب أو المعاملة القاسية أو اللانسانية أو المهينة.”

ورفض البيت الابيض الذي يصف المحتجزين في جوانتانامو بأنهم “ارهابيون خطرون” ما ورد بالتقرير ووصفه بأنه تكرار لمزاعم سابقة وقال ان المحتجزين يلقون معاملة انسانية.

وقال سكوت مكليلان المتحدث باسم البيت الابيض ان التقرير “يبدو وكأنه إعادة لبعض المزاعم التي رددها محامو بعض المحتجزين ونحن نعرف أن محتجزي القاعدة مدربون على محاولة ترويج مزاعم زائفة.”

كما أشار أيضا الى أن الدعوات المطالبة باغلاق المعسكر لن تجد آذانا صاغية.

وقال مكليلان “هؤلاء الذين نتحدث عنهم ارهابيون خطرون وأعتقد أننا تحدثنا بشأن هذه القضية من قبل ولم يتغير شيء فيما يتعلق بوجهة نظرنا.”

وقال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان انه لا يتفق مع كل شيء ورد في التقرير لكنه يعتقد أنه يجب إغلاق سجن جوانتانامو في أقرب وقت ممكن.

وأضاف قائلا للصحفيين في نيويورك “عاجلا أو آجلا ستكون هناك حاجة الى إغلاق جوانتانامو وسيكون الأمر بيد الحكومة (الامريكية) لاتخاذ القرار ونأمل أن تفعل هذا في أقرب وقت ممكن.”

وقال عنان ان من المهم الموازنة بين المصالح التي تقتضيها الإجراءات الفعالة ضد الارهاب وبين الحاجة الى حماية حقوق الفرد لكن يجب ألا يعتقل الناس “بشكل دائم” ويجب محاكمتهم أو اطلاق سراحهم.

ويمكن أن تصل الأوضاع القاسية مثل وضع المحتجزين في الحبس الانفرادي وتجريدهم من ملابسهم وتعريضهم لدرجات حرارة شديدة وتهديدهم بالكلاب الى حد التعذيب المحظور في جميع الظروف والحروب.

وجاء في التقرير “لا بد من تقييم العنف المفرط المستخدم في بعض الحالات خلال نقل (المحتجزين)…واطعام المحتجزين المضربين عن الطعام بالقوة على أنه يصل الى حد التعذيب.”

وقال المحققون الخمسة انهم قلقون بشكل خاص من محاولات الادارة الامريكية “لاعادة تعريف” طبيعة التعذيب للسماح باستخدام أساليب معينة في استجواب المحتجزين.

وفي لندن أبلغت لويز أربور المفوضة السامية لحقوق الانسان هيئة الاذاعة البريطانية أنها لا ترى بديلا عن اغلاق المعتقل القائم في القاعدة البحرية الامريكية في كوبا والذي يوجد به 500 سجين بعضهم محتجزون منذ أربعة أعوام دون محاكمة.

وقالت أربور قبل صدور التقرير انه رغم عدم موافقتها على جميع التوصيات التي احتوى عليها التقرير فانه يجب على الولايات المتحدة اما أن تحاكم المعتقلين أو تطلق سراحهم وتغلق المعتقل.

لكن واشنطن التي تنفي الاساءة لمعتقلي جوانتانامو أو مخالفة القوانين الدولية اتهمت محققي الامم المتحدة بالتصرف مثل محامي الادعاء.

وكتب كيفن مولي مندوب واشنطن لدى الامم المتحدة في جنيف لاربور قائلا ان تقرير المحققين “حوى فقط بشكل انتقائي الوقائع التي تدعم هذه النتائج وتجاهل الحقائق الاخرى التي قد تقوض هذه النتائج.”

وتنفي الولايات المتحدة أن يكون الاطعام القسري للمحتجزين الذي يتم لانقاذ ارواحهم يرقى الى حد المعاملة القاسية.

وذكر المحققون الخمسة الذين بينهم مانفرد نواك مقرر الامم المتحدة الخاص بشأن التعذيب وليلي زروقي رئيسة مجموعة العمل بشأن الاحتجاز التعسفي ان النتائج التي خلصوا اليها في تقريرهم استندت الى مقابلات مع محتجزين سابقين ومحامين وأجوبة عن أسئلة أرسلت الى حكومة الولايات المتحدة.

لكن المحققين رفضوا عرضا أمريكيا لزيارة جوانتانامو في أواخر العام الماضي لان واشنطن لن تسمح لهم بمقابلة المعتقلين.

 

من ريتشارد وادينجتون

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 17 فيفري 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 


 

يقف وراءها شيراك وميزانيتها 60 مليون يورو ومقرها طنجة

فرنسا تطلق قناة فضائية مشتركة مع المغرب لتحسين صورتها في مستعمراتها السابقة

باريس ـ القدس العربي ـ من شوقي أمين

 

بعدما قررت فرنسا اطلاق مشروع قناتها التلفزيونية الدولية سي إي إي مع نهاية السنة الجارية في محاولة لتدارك الـتأخر الذي سجلته في مجال الحرب الاعلامية الدولية، ها هي تعتزم انشاء فضائية جديدة أطلق عليها اسم ميدي1 سات برعاية ومباركة الرئيس جاك شيراك وتبث من المملكة المغربية. وستكون مهمة ميدي1 سات ، حسب مصادر مطلعة، مقارعة القناتين العربيتين الجزيرة و العربية وتحسين صورة فرنسا لدي الجمهور المغاربي.

 

ويحدو قصر الاليزيه الأمل أن تكون هذه القناة شاملة ومعتدلة وتصب في قلب الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة بعدما بدأت تطفو علي السطح ارهاصات منافسة حقيقية اعلاميا واقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا علي ما كانت تعتبرها باريس موطئ قدمها.

 

وخصصت فرنسا لـ ميدي1 سات ميزانية قدرت بـ60 مليون يورو تتقاسمها كل من الدولة المغربية من خلال مؤسسة الاتصال السلكي واللاسلكي مغرب تيليكوم بنسبة 28% و الصندوق الشريفي للايداع (28%)، فيما تستحوذ فرنسا علي نسبة 30% من رأس مال القناة وذلك عن طريق أسهم المجمع الدولي للاذاعة والتلفزيون الفرنسي المسمي اختصارا سيرت .

 

وستساهم وزارة الخارجية الفرنسية في هذا التركيب المالي بمليون يورو، والوكالة الفرنسية للتنمية بثلاثة ملايين يورو. أما اذاعة ميدي 1 الفرنكو مغربية التي تأسست عام 1980 فستشارك بما يعادل 14% من رأس المال.

 

وتفيد معلومات حصلت عليها القدس العربي ان بناية حديثة هي قيد الانجاز في مدينة طنجة الساحلية (شمال المغرب) لتكون مقر الفضائية الجديدة. وستكون البناية مزودة باحدث تكنولوجيات الاتصال والبث. وفي هذا السياق تشكلت لجنة مهمتها السهر علي متابعة المشروع تضم تقنيين وخبراء في العمل التلفزيوني بالمغرب وباريس. وتعكف اللجنة هذه الأيام علي اختيار حوالي 50 صحافيا وتقنيا كمرحلة أولي.

 

واشارت مصادر علي اطلاع بالموضوع الي ان جاهزية المشروع تقارب الـ80 بالمئة، وبأن البث التجريبي سيكون ابتداء من شهر تموز (يوليو) المقبل. وتقول مصادر القدس العربي ان الاختيار وقع علي مدينة طنجة بالذات لعدة اعتبارات، منها أنها مدينة متوسطية بكل المقاييس وتتمتع بموقع استراتيجي يشكل رابطا حقيقيا بين أوروبا وباقي دول المغرب العربي. كما أنها تعتبر الشريك الاقتصادي الأول لفرنسا وأهم وجهة للاستثمار الأجنبي، فضلا علي أنها مقربة من الرئيس شيراك وزوجته، وحميمية بالنسبة لرئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان الذي ولد في العاصمة المغربية الرباط.

 

وفي اطار النهج الفرنكفوني الذي تحرص فرنسا علي تعزيزه أكثر من أي وقت مضي، ستكون لغة القناة العربية والفرنسية وتلتقط في كل دول المغرب العربي بالاضافة الي عدد من الدول الأوروبية، مما يعكس حرص فرنسا، ومن خلالها دول الاتحاد الأوروبي، علي انجاح الشراكة مع دول جنوب المتوسط. ويسود الاعتقاد ان الاعلام هو أحد أهم أسباب النجاح.

 

والقناة المشتركة كانت فكرة الرئيس الفرنسي شيراك والعاهل المغربي محمد السادس منذ 2001 في اطار التقاء وجهات النظر حول تفعيل الدور الفرنسي في منطقة المغرب العربي. ولقد أعلن الرئيس شيراك في زيارة للمغرب وتحديدا من مدينة فاس (شرق) سنة 2003، أن فرنسا مستعدة لتقديم يد العون من أجل شراكة تقضي بتحريك الدور الاعلامي الدولي في منطقتنا يكون له أثر جذاب وذو نوعية، طبقا لقيم الحرية والعدالة والتسامح .

 

من جهته شدد رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان في زيارة رسمية الي المغرب بمناسبة القمة السابعة الفرنكو ـ مغربية علي هذا الخيار الاعلامي الاستراتيجي ، معلنا عن توقيع فرنسا اتفاق تمويل مشروع القناة التلفزيونية.

 

وتجدر الاشارة الي أن ميدي1 سات سيرأسها بيير كاستالا، وهو أحد أكبر المقربين من الرئيس شيراك. ويرأس كاستالا ايضا اذاعة ميدي1 التي تتخذ من طنجة مقرا لها. ويُعرف كاستالا بانه حريص جدا علي مصالح فرنسا الاستراتيجية في المغرب العربي وبالذات في المملكة المغربية.

 

ويدخل هذا المشروع، حسب أوساط عليمة بالعلاقات الفرنسية ـ المغاربية، ضمن عزم فرنسا علي تبني منطق البراغماتية في أجواء منافسة اقتصادية واعلامية دولية لا ترحم، وتخليها بشكل صريح عن سياساتها السابقة التي كانت تتوخي الحيطة والحذر في مستعمراتها القديمة التي باتت تشكل اليوم واجهة مهمة في الخريطة الدولية. وأكثر من هذا وذاك باتت فرنسا تؤمن بثقل التكتلات الاقليمية التي أصبحت أوروبا أحد مراكزها الثقيلة لمواجهة الصقر الأمريكي و القوي النائمة مثل الهند والصين.

 

 (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 17 فيفري 2006)

 


الصحراويون يعيدون بناء ما دمره الفيضان ويطلبون مساعدات

 

تندوف (الجزائر) (رويترز) – أعاد سكان اقليم الصحراء الذين شردتهم الفيضانات في أحد الأطراف النائية بالقارة الافريقية بناء منازلهم الطينية بجنوب الجزائر يوم الخميس ودعوا لمنحهم مساعدات طارئة لتجنب اصابتهم بالامراض وسوء التغذية.

وجرفت الامطار الغزيرة التي هطلت على مدار الايام القليلة الماضية مساكن يعيش فيها نحو 50 الفا من 158 الف لاجيء يعيشون في مخيمات بالصحراء بالقرب من مدينة تندوف الجزائرية منذ هروبهم من الصحراء الغربية المتنازع عليها.

وقد غلب طابع التحدي على الحالة المزاجية لسكان المستوطنات المتهالكة وهي نتاج اطول النزاعات القائمة حول اراض في افريقيا.

وقالت باقية سالم (27 عاما) وهي ترضع طفلتها البالغ عمرها شهران داخل خيمة تلقتها منحة حديثا “انا مسرورة لانني على قيد الحياة.”

لا ابالي بالفيضان..فهو يحدث. وسوف نتجاوز الوضع قريبا. ولكننا بحاجة لمساعدة انسانية.”

وطبقا لبرنامج الغذاء العالمي فان 95 بالمئة من اللاجئين يعتمدون على تلقي المساعدات الغذائية حتى في الفترات الطبيعية كما ان ازمات نقص حادة في الغذاء تحدث غالبا بسبب الافتقار الى الموارد المالية.

وعلاوة على ذلك فان الالتزام ببرنامج غذائي محدود على مدار عقود قد خلف الكثير من حالات سوء التغذية.

ولا تتضمن وجبات برنامج الغذاء العالمي الاساسية لحوما ولا خضروات ولا فواكه. فهي تحتوي فقط على طحين (دقيق) وعدس وزيت نباتي وملح وسكر.

وسيطر المغرب على الصحراء الغربية بعد انسحاب الاستعمار الاسباني من المنطقة عام 1975 وشنت جبهة البوليساريو هجمات مسلحة متفرقة حتى توسطت الامم المتحدة في وقف لاطلاق النار عام 1991 وارسلت بقوات لحفظ السلام.

وكادت الوساطة تفضي لاجراء استفتاء على مستقبل الاقليم الا ان المغرب رفض السماح بالتصويت على تقرير المصير.

والجزائر هي المساند الرئيسي لجبهة البوليساريو.

ويعيش اللاجئون حاليا في خمسة معسكرات بالقرب من الحدود للمنطقة التي تخضع لسيطرة المغرب.

وقال احمد محمد 14 عاما وهو يقف امام ركام مدرسة متنقلة ان استئناف العملية التعليمية في المخيمات سيتطلب مساعدة خارجية.

وقال “نحتاج بشدة الدعم والمساعدة من المجتمع الدولي.”

وقال حماد يحيى ناظر مدرسة محمد المسؤول عن 500 تلميذ و52 معلما انه يحتاج الى “حل سريع” لاعادة تشغيل الفصول الدراسية.

وتنظم مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة حاليا جسرا جويا لنقل الخيام والاغطية والحشايا والواح البلاستيك واوعية المياه.

ووجهت ماليا بنت علي وهي امرأة فقدت منزلها ومقنياتها الشكر الى السلطات الجزائرية وجماعات الاغاثة الانسانية الاسبانية لانهم سارعوا اليهم بالمساعدات. لكنها عبرت عن قلقها من مواجهة البرد..حيث تنخفض درجات الحرارة في الصحراء في الساعات المبكرة لحد التجمد.

وقالت لرويترز “تلقينا خياما جديدة ومياها نظيفة ورعاية صحية. الجزائريون وصلوا اولا الى هنا وبعد ذلك الاسبان. قلقي في المقام الاول الان هو كيف ساعيد بناء منزلي وحماية اطفالي من البرد.”

 

من الامين شيخي

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 17 فيفري 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

7 septembre 2009

Home – Accueil TUNISNEWS 9 ème année, N° 3424 du 07.10.2009  archives : www.tunisnews.net   Liberté et Equité: Nouvelles des libertés

En savoir plus +

10 août 2010

Home – Accueil TUNISNEWS 10 ème année,N° 3731 du 10.08.2010  archives : www.tunisnews.net  Liberté et Equité: L’éloignement, une injustice faite

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.