السواحل التونسية تشهد موجة جديدة من الهجرة غير الشرعية بإتجاه إيطاليا
تونس, تونس, 8 (UPI) — تشهد السواحل التونسية موجة جديدة من الهجرة غير الشرعية بإتجاه جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية، هي الثانية من حيث حجم عدد المشاركين فيها منذ فرار الرئيس المخلوع بن علي إلى السعودية في الرابع عشر من شهر يناير/كانون ثاني الماضي. وذكرت مصادر إعلامية تونسية اليوم الثلاثاء إن هذه الموجة الجديدة بدأت قبل ثلاثة أيام،إنطلاقا من شواطئ محافظات مدني، جنوب البلاد، وصفاقس، جنوب شرق، ونابل، شمال شرق، فيما أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن إحباط محاولتين جديدتين للهجرة غير الشرعية. ووفقا للمصادر نفسها، فقد تمكن نحو 1400 مهاجر تونسي غير شرعي خلال يومي السبت والأحد الماضيين من الوصول إلى جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية على متن زوارق ومراكب صيد أبحروا بها من شواطئ تونسية. وفي غضون ذلك، قالت وزارة الداخلية التونسية إن وحدات من الحرس الوطني (الدرك) تمكن ظهر الأمس الإثنين من إحباط محاولتين للهجرة غير الشرعية،شارك فيهما 18 شابا تونسيا. وأوضحت أن عملية إحباط المحاولتين الجديدتين تمت قبالة سواحل مدينة منزل تميم من محافظة نابل الواقعة على بعد نحو 60 كيلومترا شمال شرق تونس العاصمة. وكانت السواحل التونسية شهدت خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط الماضي موجة غير مسبوقة من الهجرة غير الشرعية بإتجاه السواحل الجنوبية الإيطالية،حيث وصل أكثر من 6 آلاف مهاجر تونسي غير شرعي إلى جزيرة “لامبيدوزا” بعد ثلاثة أيام من فرار الرئيس المخلوع بن علي. وكادت تلك الموجة أن تتسبب في أزمة سياسية بين تونس وإيطاليا، وذلك في أعقاب إعلان وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني أنه سيطلب “السماح للقوات الإيطالية بالتدخل في تونس لوقف عمليات تدفق المهاجرين غير الشرعيين”. وقد ردت عليه الحكومة التونسية المؤقتة في نفس الوقت بالتأكيد على لسان الناطق الرسمي بإسمها الطيب البكوش بالقول إن”الشعب التونسي يرفض أي حضور عسكري أجنبي على أراضيه”،فيما حذرت أحزاب سياسية من مغبة أي تدخل عسكري أجنبي في تونس. في المقابل، لم تتردد بعض الأطراف السياسية والحقوقية التونسية إلى الحديث عن مخطط لتشويه “الثورة في تونس”،من خلال دفع الشباب إلى الهجرة ،وبالتالي القول إن شباب تونس يخشى من الثورة التي لم تفتح أمامه أبواب الأمل في المستقبل. غير أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أكدت تحقيقا ميدانيا أجرته بالتعاون مع منظمات حقوقية أخرى، أثبت أن تلك الموجة هي “ظاهرة محلية لعبت فيها الظروف الإقتصادية والإجتماعية التقليدية دورا هاما”.
(المصدر: وكالية يو بي أي (يونايتد برس إنترناشيونال) بتاريخ 8 مارس 2011)
دفاعا عن “المجلس الوطني لحماية الثورة، دفاعا عن جبهة 14 جانفي، دفاعا عن الثورة : من هم دعاة الركوب على الثورة؟
ردّ على مقالة الأستاذ فاخر القفصي الصادرة بجريدة الصباح 3 مارس 2011
سقطت حكومة الغنوشي يوم الأحد 27 فيفري وأدّى سقوطها فيما أدّى إلى قيام حملة هوجاء ضد “المجلس الوطني لحماية الثورة”. واستقبلت وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمقروءة وصفحات “النات” كمّا هائلا من النقود والشتائم والسبّ الموجّه ضدّ المكونات الجمعياتية والحزبية التي يحتضنها المجلس الوطني لحماية الثورة.
لمعرفة من يقف وراء هذه الحملة المسعورة تجب الملاحظة أنها تزامنت مع تحرّكات في بعض الشوارع والمدن بقيادة بقايا التجمع وميليشيات النظام القديم التي لم تكتف بالمطالبة بعودة الغنوشي بل نظمت أعمال العنف والحرق والتخريب لترويع المواطنين. ولعلّ أبلغ ما حدث ما جدّ في مدينة قصرهلال. ما حدث في قصرهلال هو تعبيرة واضحة لما حدث في كامل البلاد منذ استقالة الغنوشي: تجمعات تدعو إلى عودة حكومته وتطالب بفك اعتصام القصبة وأعمال تخريب وعنف أينما أمكن ذلك لميليشيات التجمع وحملة إعلامية ضد مكونات المجلس الوطني لحماية الثورة وخاصة ضد إتحاد الشغل وضد ح زب العمال وممثله حمّة الهمامي.
هكذا يبدو تقاسم الأدوار بين بلطجية التجمع في الشوارع والكم الهائل من الأصوات التي احتلت وسائل الإعلام وركزت تشويهاتها ضد قوى الثورة. ولكن الجميع لا يدرك اليوم بوضوح ممّن تتركّب قوى الثورة المضادة. فإلى جانب بقايا التجمع جاءت التعزيزات من صفوف ما تبقى من الأحزاب الكرتونية حليفة نظام بن علي المنهار. بعض رموز هذه الأحزاب التجأ إلى اجتماعات المنزه والمنار والقبّة ليدّعي الحديث باسم “الأغلبية الصامتة” أي في الواقع باسم الأقلية الانتهازية التي كانت تدعم بن علي ونظامه والتي توارت عن الأنظار وأجبرتها الثورة على الاختفاء والصمت.
إلى جانب ميليشيات التجمع وبقايا الأحزاب الكرتونية تتضخم قوى الثورة المضادة بالعناصر المنتمية لـ”حركة التجديد” وحزب نجيب الشابي الذين ثارت ثائرتهم بسقوط حكومة الغنوشي وفقدانهم لكراسيهم الوزارية.
ومع الأسف أن بعض الوجوه المحسوبة على الديمقراطية والتقدمية اختارت في هذا الظرف بالذات مهاجمة القوى الثورية تحت تعلاّت مختلفة وتركت جانبا الصراع المبدئي والضروري ضد حكومة الغنوشي والتجمع ومليشياته والبوليس السياسي وقد سخّرت بذلك أصواتها وأقلامها لمحاربة هذا أو ذاك من مكونات المجلس الوطني لحماية الثورة. الغباء الذاتي أيضا دفع بهذه الوجوه إلى المساهمة في خلق حالة من الضوضاء والغموض السياسي سهلت أعمال العنف والتخريب التي ذهب ضحيتها مواطنون عاديون ومناضلون مثلما حدث في مدينة قصرهلال أين يصارع الموت الطالب أحمد أمين بن علي أحد مناØ �لي الإتحاد العام لطلبة تونس الذي كان ضحية لاعتداء همجي من قبل مليشيات التجمع.
هكذا ضمت قوى الثورة المضادة خليطا هائلا من أنصار النظام القديم ومليشياته وبقايا الأحزاب الكرتونية المندثرة وأحزاب المعارضة اللبرالية التي شاركت في حكومة الغنوشي ورهط من الذوات المتفاقمة النرجسية لتلتقي كلها موضوعيا في خندق واحد وليصب فعلها السياسي في مصب واحد ألا وهو الدفاع على ما تبقى من نظام الديكتاتورية.
لنأتي الآن إلى الإنتقادات التي وجهت إلى المجلس الوطني لحماية الثورة.
يشترك في صياغة هذه الإنتقادات كل من دافع عن حكومة الغنوشي و”الشرعية الدستورية”. فمواجهة مجلس حماية الثورة يهدف في آخر التحليل إلى تفكيك وحدة الحركة الديمقراطية في مواجهة بقايا النظام الديكتاتوري وتشتيت صفوفها بإشعال حرب بسوس بين فصائلها، حرب عنونها الكل ضد الكل. لقد تكفل البعض بالتشكيك في وجود حركة النهضة داخل المجلس، وتكفل البعض الآخر بإعلان الحرب ضد اتحاد الشغل وأمينه العام وطعن البعض الآخر في تواجد “الوطنيون الديمقراطيون” وتيارات البعث وتقوم شلة أخري بسب وشتم حزب العمال، وهكذا دواليك. إن الهدف السياسي لدى كل خصوم مجلس حماية ال ثورة، عدى دفاعهم المعلن وغير المعلن عن حكومة الغنوشي وعن الشرعية الدستورية البائدة، هو ضرب وحدة الحركة الديمقراطية والثورية حتى تبقى مشتتة الصفوف ودون برنامج سياسي يقودها وتستنير به الجماهير في التصدي لمخططات ومناورات قوى الثورة المضادة.
أولا: استقلالية المنظمات؟
الكثير من منتقدي تركيبة مجلس حماية الثورة ركزوا على ضرورة أن تبقى المنظمات حيادية وخارج كل تحالف سياسي وأن لا تنخرط في أعمال مشتركة مع أحزاب سياسية بتعلة الحفاظ على استقلاليتها. اعتمادا على ذلك جاءت الهجمات ضد الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وضد جمعية المحامين وضد جمعية القضاة وضد الإتحاد العام التونسي للشغل. وفي الواقع أصحاب هذه الانتقادات لم يبلوروا انتقاداتهم من باب الصدق والنزاهة أو الحرص على استقلالية المنظمات. هدفهم من ذلك هو إضعاف الجبهة الواسعة التي تمّ تحقيقها داخل المجلس ضد حكومة الغنوشي وتوجهاتها السياسية وهم يحبذون Ù �و انساقت هذه المنظمات وراء حكومة خيانة الثورة أو على الأقل أن تبقى في مواقع الحياد بينما تهدد القوى المضادة بتصفية الثورة وتركها في مرحلة الحد الأدنى الذي يسهل الالتفاف عليه فيما بعد.
والحقيقة أن المسائل العالقة بمصير الثورة ونتائجها، من ذلك حل التجمع ومحاسبة ومحاكمة المتسببين في سرقة أموال الشعب وتقتيل أبنائه وحل البوليس السياسي، ذراع الديكتاتورية القمعي، وتحرير القضاء وإستقلاليته وانتخاب جمعية تأسيسية هي التي حسمت الصراع السياسي داخل أغلب المنظمات. هذا الصراع اختزلته في الأيام الأخيرة الموقف من حكومة الغنوشي بين مناصر لها ومعارض. لقد فشل أنصار الغنوشي وأنصار الأحزاب اللبرالية المتحالفة مع بقايا النظام القديم هذا الصراع السياسي داخل أغلب المنظمات والجمعيات لذلك طالبوا بحيادها وعدم انخراطها في تحالف سيا سي. المثل الشعبي يقول في هذا الباب “إلي ما يلحقش النخلة إيقول صيش”.
يجب أن نذكرّ بأن المنظمات التي انخرطت في مجلس حماية الثورة قامت بذلك في إطار احترام استقلالية قرارها أي أن أحدا لم يجبرها على ذلك بقطع النظر عن صحة موقفها أو خطئه. بهذا المعنى يمكن القول أن الرابطة التونسية لحقوق الإنسان مثلا، التي اتخذت قرارها بالمشاركة في مجلس حماية الثورة من هيئتها المديرة، ليست أقل استقلالية في قرارها عن “جمعية النساء الديمقراطيات” التي حبذت البقاء خارج المجلس. هذه الجمعية كانت لها أولويات سياسية أخرى. وهذا الأمر ينطبق على جمعية القضاة والمحامين والإتحاد العام التونسي للشغل. بل يمكن الجزم أن الجمعيات القليلة Ø �لتي بقيت خارج مجلس حماية الثورة يهيمن داخلها الموقف السياسي الأقرب إلى تواصل حكومة الغنوشي. فأنصار التجديد وحزب نجيب الشابي متواجدون في أغلب المنظمات ولهم تأثيرهم داخلها.
إن تحالف المنظمات والأحزاب هو دليل على تقدير سليم للمخاطر التي تتهدد الثورة كما هو برهان على النضج سياسي لأصحابه، نضج لم تعرفه تونس في تاريخها النضالي من قبل. ولقد كنا دوما خلال عهد الديكتاتورية ندعو إلى توحيد صفوف الحركة الديمقراطية والثورية وهاهي ثورة شعبنا تتيح لنا ذلك. ومثل هذه التحالفات التي تجمع في صلبها الأحزاب والجمعيات ليست بدعة تونسية. ومعروف العمل بها في تجارب الثورات وحتى في فترات الصراع السياسي السلمي بما في ذلك داخل أكثر الدول ديمقراطية.
إن الأمر الأهم في الوضع الراهن لا يتمثل في الدفاع عن نوع من الاستقلالية الوهمية للمنظمات والجمعيات. ونقول وهمية لأن مثل هذه الإستقلالية لا معنى لها سياسيا غير مهادنة بقايا النظام الديكتاتوري وترك السلطة وجهاز الدولة بيديها تتحكم به كما تشاء وتناور كما يحلو لها. وليس الوضع وضع “توخي مبدأ الحياد والتسامي عن الصراعات” بقدر ما هو وضع يتطلب الدفاع عن الثورة وعن ديمقراطية فعلية وعن حريات كاملة وواسعة. لأن أكبر الضمانات لحماية استقلالية القرار داخل المنظمات والجمعيات هو الانتهاء من نظام التجمع والبوليس السياسي وانتصار الثورة انتصارا كØ �ملا. إن الذين يدافعون عن حياد المنظمات بينما تتلقى الثورة الضربات القاسية من عنف وتخريب وقتل ودسائس ومناورات، هم من أنصار الثورة المضادة شاءوا ذلك أم أبوا. هذا إن لم يكونوا من أنصار الغباء السياسي، وذلك مهما أبدوا من حسن النوايا، لأنهم من دعاة تفرقة وتشتت القوى الديمقراطية والثورية ديدنهم في ذلك إشعال نار الفتنة وحرب الكل على الكل.
ثانيا : السكتارية والإقصاء؟
الغريب أن أعداء تقارب المنظمات والأحزاب داخل مجلس حماية الثورة يطالبون المنظمات بتركه والخروج منه وفي نفس الوقت يوجهون إلي أنصاره تهمة الإقصاء ومحاولة الإنفراد بالقرار السياسي.
إن تهمة الإقصاء هذه خرقاء ومردودة على أصحابها. فمن ناحية يرفض أصحابها الدخول لمجلس حماية الثورة ومن ناحية ثانية يتهمون مكوناته بالإقصاء ومن ناحية ثالثة يستنكرون أحقية التواجد في داخله لهذا الطرف السياسي أو ذاك. بعضهم يستنكر تواجد حركة النهضة والبعض يستنكر تواجد الحركات البعثية والبعض الآخر يندد بمكونات جبهة 14 جانفي وهكذا دواليك. إن مجلس حماية الثورة لم يُقص أيّا كان من دخوله. لقد وُجّهت الدعوة لكل الأحزاب والحركات والمنظمات ما عدى التجمع والأحزاب الكرتونية التي كانت سندا وديكورا لديكتاتورية بن علي. لقد ضمّ المجلس في صفوفه 28 مكون ة جمعياتية وحزبية ولم تعرف تونس في تاريخها قط مجلسا بمثل هذا الاتساع والإجماع، زيادة على أنه احتضن أكبر الأحزاب المعارضة لديكتاتورية بن علي وأصغرها وأكبر الجمعيات وأصغرها التي وقفت طويلا في وجه الاستبداد السياسي. ورفضت حركة التجديد وحزب نجيب الشابي دخول المجلس بعد مشاركتهما في النقاشات الجارية لتكوينه بموجب الخلاف المبدئي حول صفته الاستشارية أو التقريرية في علاقته بحكومة الغنوشي التي لا شرعية لها ولا شعبية. ودافع ممثلي التجديد وحزب نجيب الشابي على الصفة الاستشارية أي أن يخضع مجلس حماية الثورة لحكومة الغنوشي وأن يكتفي بإبداء رأيه دون ص لاحيات تذكر، واقترح الرئيس المؤقت فؤاد المبزع أن يقوم شخصيا بتعيين عشر أعضاء داخله وتعين رئيسه وخضوعه لحكومة الغنوشي. أي أن أحمد إبراهيم ونجيب الشابي والمبزع كانوا على نفس الموقف المتمثل في “التشليك” السياسي لمجلس حماية الثورة. ولم يبق خارج المجلس إلا “جمعية النساء الديمقراطيات” و”مجلس الحريات” لا بسبب الإقصاء ولكن بمحض اختيار ممثلي هاتين الجمعيتين البقاء خارجه. أمّا في خصوص تمثيل الجهات فلم يكن في المقدور انتظار انتخاب ممثليهم الأمر الذي يتطلب شيئا من الوقت وإنما تُرك الباب مفتوحا حتى يلتحق به تدريجيا كل ممثلي الجهات.
أين هي السكتارية إذا وأين هو الإقصاء الذي يتشدّق به البعض وكيف يمكن القبول بتشويهاتهم التي تتهم مجلس حماية الثورة بأنه مجلس أقصى اليسار وأقصى اليمين؟
إن ألد أعداء هذا المجلس هم بقايا التجمع ومن تحالف معهم داخل حكومة الغنوشي من الأحزاب التي خانت الثورة والذين ترتعد فرائصهم من مشهد السقوط الكامل لنظام الدكتاتورية. ولكن من خصومه أيضا البرجوازية الكبيرة التي كانت السند الاجتماعي والعضوي لحكم بن علي والتجمع، دون أن ننسى بعض النوايا الحسنة من دعاة الحياد و”التسامي عن الصراعات”. هذا ما يفسّر حملة التشوهات التي تصاعد نسقها في الأيام الأخيرة ضد مجلس حماية الثورة ومباشرة بعد استقالة الغنوشي. وتبع الحملة الإعلامية ضد المجلس وضد جبهة 14 جانفي أعمال العنف والتخريب وتجمّعات ميسوري الحال في Ø �لمنزه والمنار والقبة الذين ثارت ثائرتهم وخرجوا عن صمتهم أمام مشهد انهيار حكومة الغنوشي وخطر إمكانية التوافق بين الوزير الأول الجديد ومجلس حماية الثورة. وتخفى كل هؤلاء وراء يافطة “الأغلبية الصامتة” أي الأقلية الداعمة لحكومة الثورة المضادة والتي لم تخرج من صمتها إلا بعد مداهمة الخطر لمعاقلها.
والمضحك أن هذا الرهط من البرجوازيين كانت أول مساهمة سياسية لهم في ثورة الشعب اغتصاب إرادة الجماهير باغتصاب صفة “الأغلبية الصامتة” والإدعاء الزائف بأنهم يمثلون أغلبية الشعب التونسي. إن الإدعاء بأن أغلبية الشعب التونسي كانت صامتة أو أنها كانت وراء حكومة الغنوشي هو إدعاء أخرق. لقد تناسى أصحاب مقولة “الأغلبية الصامتة” بسرعة مذهلة أين كانت أغلبية الشعب التونسي يوم الجمعة 25 فيفري. ثلاث مائة ألف متظاهر على الأقل خرجوا في مسيرات لا مثيل لها في تاريخ تونس تبنوا نفس مطالب معتصمي القصبة أي رحيل حكومة الغنوشي وحل التجمع وحل البوليس السياسي وح ل المؤسسات الصورية من مجلس النواب ومجلس المستشارين وإبطال العمل بدستور الديكتاتورية وأخيرا انتخاب جمعية تأسيسية. وهي نفس المطالب التي صاغتها أرضية جبهة 14 جانفي منذ يوم 20 جانفي تاريخ تأسيسها. بعد مسيرات بهذا الحجم يتحدث برجوازيو المنار والمنزه والقبة والغنوشي عن “أغلبية صامتة” والحقيقة أنه كان من الأجدر بهم أن يتحدثوا عن أقليتهم، أقلية من أصابهم الصمّ والعماء السياسي.
ثالثا: كل السلطات لمجلس الثورة؟
الإدعاء بأن مجلس حماية الثورة طالب بكل السلطات التنفيذية والتشريعية هو أيضا افتراء وتشويه لأهدافه ولأرضيته السياسية. لقد طالب المجلس بلعب دور الرقيب على الحكومة المؤقتة أكانت حكومة الغنوشي أو أي حكومة أخرى. ولا يمكن لمجلس حماية الثورة أن يلعب دور الرقابة هذا دون أن تكون له صفة تقريرية بحيث تضطر الحكومة المؤقتة إلى التشاور وإلى التوافق معه في المساءل المصيرية والمتعلقة بالفترة الانتقالية. وهذا يعني عمليا أن المجلس يطالب بجزء من السلطة السياسية لا كل السلطة كما يدعي خصومه. وهذا الأمر ضروري لحماية مسار الثورة والتصدي لقوى الثورة اÙ �مضادة. أين تكمن الضرورة في ذلك؟ في كون قوى الثورة المضادة وبقايا النظام القديم هي الماسكة حاليا بدواليب الدولة وبجهاز الإعلام وبجهاز القضاء وبجهاز الأمن بما في ذلك البوليس السياسي الذي يحرص الباجي قائد السبسي على صيانته.
الرقابة الشعبية على كل حكومة مؤقتة يمكن أن تمارس من جهتين. الجهة الأولى هي رقابة الشارع والمواطن والجهة الثانية هي رقابة المجتمع المدني المتمثل في الجمعيات والأحزاب السياسية التي قاومت الديكتاتورية ولم تكن سندا لها. إن مجلس حماية الثورة وممثليه في الجهات هو الذي يحتضن اليوم المجتمع المدني التونسي: الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وجمعية القضاة وجمعية المحامين والإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد العام لطلبة تونس وباقي الجمعيات وأكبر وأصغر الأحزاب السياسية. ثم إن أبواب المجلس مفتوحة لمن بقي خارجه من الأحزاب والجمعيات، زيادة علÙ ‰ أن الأحزاب والجمعيات التي بقيت خارج المجلس إنما تعد على أصابع اليد الواحدة. لذلك لا نرى أي تناقض بين اعتصام القصبة ومسيرات 25 فيفري التي طالبت بسقوط حكومة الغنوشي وبمجلس تأسيسي وبين مجلس حماية الثورة الذي يطالب بمراقبة أي حكومة مؤقتة تتولى الإعداد لانتخاب المجلس التأسيسي انتخابا تتوفر فيه مقومات الحرية والديمقراطية.
ماذا يعني بقاء مجلس حماية الثورة خارج كل سلطة ودون صلاحيات تقريرية ودون صلاحيات رقابة كما يدعو إلى ذلك خصومه؟ إنه يعني ببساطة أن تبقى كل السلطات التنفيذية والتشريعية بيد حكومة مؤقتة لا يوجد في صلبها ثوري واحد، حكومة لا يوجد في صلبها رجل واحد عارض أو ناضل ضد ديكتاتورية بن علي وعائلات الفساد! وتريدوننا أن نقبل بمثل هذه الحكومة وأن يعطيها الشعب الثائر وشعب الشهداء ثقته ودعمه لاستكمال وصيانة ثورته؟!
“ان الثورة يحميها من قاموا بها”، هذا ما يقوله بعض خصوم مجلس حماية الثورة ونحن متفقون معهم على هذا الأمر، تمام الاتفاق. ولكن دعنا نوضح الأمر. أولا مجلس حماية الثورة هو الوليد السياسي الشرعي للثورة. أغلب مكوناته ساهمت في النضال ضد نظام الاستبداد وكانت محلّ قمعه وبطشه. ثانيا هل يمكن اعتبار محمد الغنوشي الوزير الأول السابق وفؤاد المبزع رئيس البرلمان الصوري الذي زوّر واغتصب إرادة الشعب والباجي قائد السبسي الوزير الأول الحالي ومن لف لفهم من حماة الثورة، هل قاموا بهذه الثورة؟ أليس هؤلاء هم رجالات ديكتاتورية بن علي وديكتاتورية بورقيبة، أليس هؤلاء هم ديناصورات العهد البائد؟!
ولكن انتهازيي الأمس كما انتهازيي اليوم يحبذون أن تبقى كل السلطات، التنفيذية والتشريعية بيد هؤلاء لا مراقب ولا حسيب. أمّا أن يكون جزء من هذه السلطة بيد أبناء الشعب وأبناء الثورة فذلك أمر مزعج ومخيف!
رابعا: الوصاية والركوب عل الثورة؟
إن أبخس الاتهامات والتشويهات التي وجهت لأنصار مجلس حماية الثورة وخاصة لأنصار جبهة 14 جانفي هي تلك الاتهامات التي تدعي وصايتهم على الثورة وركوبهم عليها. وينصحنا البعض بـأن نتفضل بعدم استعمال “الخطاب الثوري للركوب على الثورة” وأن لا نشكك في “شرعية الحكومة بتكوين مجلس مصطنع يفتقد لأي شرعية” وبأن نقبل بـ”الشرعية الدستورية” “أداتنا” لـ”الديمقراطية والحرية” “في المرحلة الانتقالية”. ويرى أصحاب هذه التشويهات أن مناضلي الأطراف المكونة لمجلس حماية الثورة ولجبهة 14 جانفي لم يكن لهم دور أو تأثير في الثورة ولكن ذلك لم يمنعهم من تجميع كل أقلامهم وكل حقدهم وغضبهم ضد هؤلاء المناضلين.
والمغالطات هنا لا تحصى.
أولا ثورة الشعب التونسي لم تأت من لا شيء وليست طفرة داروينية ولا لغزا عصي الفهم، هي نتيجة تراكم تضحيات أجيال من المناضلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين والطلبة. هؤلاء كانوا دوما في صلب الثورة وفي مقدمة النضال ضد الديكتاتورية وتحمّلوا أعباء ذلك طيلة عقود كاملة وساهموا من موقعهم في تراكم الغليان والحقد الشعبي على نظام الاستبداد والفساد. هؤلاء هم الذين انخرطوا في الثورة منذ بدايتها في الحوض المنجمي. هؤلاء هم الذين وقفوا إلى جانب انتفاضة سيدي بوزيد منذ اليوم الأول من قيامها.
نحن نسأل خصومنا من الأطراف المكونة لمجلس حماية الثورة ولجبهة 14 جانفي لم يتعرّض إلى قمع البوليس السياسي والمحاكمات والسجن والتشريد والتعذيب وحتى القتل في زنزانات الداخلية؟! تتهموننا بركوب ثورة الشعب التونسي، قولوا لنا إذا من كان في سجون بن علي إلى حد يوم 14 جانفي وحتى بعده ومن شمل العفو التشريعي العام ومن عاد من ديار التشريد بعد 14 جانفي؟!
هذه المكونات السياسية والجمعياتية هي جزء لا يتجزأ من ثورة الشعب التونسي ولها أحقية دفعها والدفاع عنها وأغلب هذه المكونات لم تنتظر لا تأشيرة وزارة الداخلية ولا “الشرعية الدستورية” لنظام بن علي لتنخرط في نضال الجماهير. ولكن الثورة بطبيعتها، في تونس، كما في كامل الأوطان وعبر التاريخ، لها قوانينها. فلا تخضع لجدول أعمال الأحزاب والمنظمات ولا لتخطيط هذا الزعيم أو ذاك.
ثانيا خصومنا يقبلون بالشرعية الدستورية، شرعية النظام البائد لتحقيق مهام الثورة. خصومنا يسمحون لحكومة الغنوشي ولفؤاد المبزع ورشيد عمار أن تتكلم باسم الثورة ويعيبون ذلك علينا، على من قضى عمره في التحضير لها ودفع من أجلها أغلى الأثمان. ثم يتهموننا بالإقصاء. أليس ذلك من قبيل المهازل؟!
نحن نسأل خصومنا: من له أحقية الدفاع عن الثورة، أهم اللذين حكموا البلاد طيلة عقود مع بن علي وعائلات الفساد وحتى الذين حكموا مع بورقيبة، أم اللذين دخلوا البرلمان الصوري من أحزاب الكرتون والمعارضة اللبرالية والإصلاحية، أم اللذين نادوا بانتخاب بن علي سنة 2009، أم اللذين نادوا إلى حكومة إنقاذ وطني مع بن علي إلى حدود ساعات من هروبه، أم اللذين نبذوا كلمة “ثورة” من برامجهم السياسية نبذهم للطاعون، أم اللذين لم يكونوا ليتجرؤوا حتى على وصف نظام بن علي بالديكتاتوري، أم الذين لم يرفعوا إصبعا واحدا ضد ديكتاتورية بن علي بمن فيهم الوزير الأول الحال ي الباجي قائد السبسي، أم اللذين اكتشفوا ثوريتهم يوم 15 جانفي؟!
عندما كنا نتكلم عن الثورة وعن إسقاط الديكتاتورية كنتم تصفوننا بالحالمين والمتطرفين وعندما كنا ندعوكم إلى الثقة بشعب تونس وبطاقات جماهيره الثورية كنتم تخاطبوننا بالواقعية وبسياسة فن الممكن بدعوى أن شعب تونس “جبان” و”خبزيست” وأن شباب تونس لا يهتم لا بالسياسة ولا بالنضال وأنه شباب كورة وملاهي. وعندما دعا رفاقنا في النقابات إلى إضراب مساندة لانتفاضة الحوض المنجمي أقمتم الدنيا ولم تقعدوها واتهمتمونا بتنظيم الإضرابات السياسية. واليوم أصبحنا في قاموسكم دعاة الركوب على الثورة والوصاية عليها!
ثالثا إن من يهدد الثورة ويعمل على حصرها في الحد الأدنى ويحاول الالتفاف عليها لا يتمثل لا في مجلس حماية الثورة ولا في جبهة 14 جانفي. والمضحك أنكم تعتبروننا قلة لا وزن لها سياسيا (!) نحن ندعوكم إلى قراءة أرضية ومطالب هذه الجبهة وستجدونها نفس المطالب التي ينادي بها الشعب ومظاهرات 25 فيفري ومعتصمو القصبة وهاهي تتحقق الواحدة بعد الأخرى حتى استكمال الشعار المركزي لثورة الشعب التونسي: “الشعب يريد إسقاط النظام”، الشعار الذي يهزّ الآن أركان الوطن العربي بأكمله.
الثورة تهددها بقايا النظام القديم وبلطجية التجمع والبوليس السياسي وبقايا الأحزاب الكرتونية والانتهازيين من كل درب وصوب وثوريو 15 جانفي. هؤلاء لازالوا يمسكون بدواليب الدولة والإعلام والقضاء وباقتصاد البلاد. الأولى بكم أن توجهوا نيرانكم ضد هؤلاء لا ضد مناضلي مجلس حماية الثورة وجبهة 14 جانفي.
وأخيرا لنذكر بخطاب حزب العمال زمن الشدة وزمن الحصار، لعلّ الذكرى تنفع قصيري الذاكرة، وانتهازيي اليوم حتى تبيان الغث من السمين وحتى يعرف شعبنا من هم الذين يركبون ثورته ومن هم الذين دافعوا عنها ولايزالون. بمناسبة المهزلة الانتخابية لسنة 2004 صاغ حزب العمال موقفه المبدئي من ديكتاتورية بن علي في وثيقته “من أجل بديل ديمقراطي وشعبي”، جاء فيها:
“إن الشعب التونسي بكل طبقاته وفئاته، وأحزابه وجمعياته ومنظماته وشخصياته التي لها مصلحة في الحرية السياسية، مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى التخلص من الدكتاتورية. ومن نافل القول إن هذه الدكتاتورية لا يمكنها بأي شكل من الأشكال، ومهما وَهَمَ الواهمون، أن تتمقرط أو تتنحى من تلقاء نفسها… إن الديمقراطية لن تتحقق بواسطة هذه الدكتاتورية أو بالتعاون معها بل ضدها وعلى أنقاضها. وما من شك في أن الشعب التونسي الذي يحفل تاريخه بالنضال والتضحيات قادر على هزمها وبناء النظام الديمقراطي الذي ينشده.
… إن الانتقال إلى النظام الديمقراطي لن يتحقق إلا عن طريق انتخابات حرة تسهر على تنظيمها هيئة أو حكومة مؤقتة تحظى بتأييد القوى الديمقراطية وتتمتع بكامل الصلاحيات خلال الفترة الانتقالية لإنجاز تلك المهمة. ويكون الهدف من تلك الانتخابات إقامة مجلس تأسيسي توكل له مهمة صياغة دستور جديد يرسي القواعد الأساسية للنظام الديمقراطي المنشود في نطاق الاستقلال التام للبلاد وتحررها من أي هيمنة خارجية”.
هذا ما دعا إليه ، ليس يوم 14 جانفي 2011 وإنما سنة 2004. وقبل انتخابات 2009 جاء في وثيقة “حزب العمّال الشيوعي التونسي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات وتعبئة الشعب التونسي من أجل افتكاك حقوقه ووضع حدّ للدكتاتورية” (24 أوت 2009) ما يلي:
“إن التغيير الديمقراطي الحقيقي لصالح الطبقات والفئات الكادحة والشعب التونسي عامة لن يتحقق عن طريق نظام بن علي البوليسي أو بالتعاون معه ومهادنته و”اللعب” في دائرة منظومته وبالتالي المشاركة في مهازله الانتخابية ومؤسساته الصورية بل بالنضال ضده بالاعتماد على الجماهير الشعبية الواعية والمنظمة للدفاع عن حقوقها المادية والمعنوية، وهو ما يتطلب التوجه إليها والعمل في صفوفها باستمرار حتى تنخرط بمئات الآلاف إن لم يكن بالملايين في الشأن العام فتنتفض ضد الاستبداد وتفرض إرادتها وتحقق التحول الديمقراطي والوطني وتكرسه عبر الدعوة إÙ �ى مجلس تأسيسي يسنّ دستورا جديدا يضع مقومات نظام جمهوري ديمقراطي وعصري”.
وأود أن أذكر بموقفي في جدالي مع دعاة “الواقعية” و”الإصلاح” في التعامل مع ديكتاتورية بن علي، خاصة من أنصار التجديد وحزب نجيب الشابي، في مقالة نشرت على صفحات “البديل” (“انتخابات” 2009 وسبل التغيير الديمقراطي في تونس ـ 22 أفريل 2009 )، جاء فيها ما يلي:
“الديمقراطي الحقيقي في الظرف الراهن (أفريل 2009) هو الذي يساعد على نهوض نضالات الفئات الاجتماعية المستغلة والمفقرة، يواكب تضحياتها اليومية ويطور قدراتها على الرفض والاحتجاج. إن تضاعف النضالات، بصغيرها وكبيرها، البارز منها وغير البارز، هنا وهناك، سيمثل حربا اجتماعية حقيقية، ستنتهي عاجلا أم آجلا بإنهاك قوى السلطة وبنهوض حركة اجتماعية شاملة. وعند المنعرج الحاسم سيكون في مقدور قوى شعبنا تمزيق جسد الديكتاتورية وتهشيم عظامها”.
“…المسألة الثانية التي يثيرها الجدل القائم حاليا بين الديمقراطيين حول “انتخابات” 2009، تتعلق بسبل التغيير الديمقراطي ومحتواه. إجمالا هناك صراع بين رؤيتين للمسألة.
الرؤية الأولى تتبنى إمكانية تحقيق التغيير الديمقراطي دون سقوط عنيف للديكتاتورية ومؤسساتها. دعاة هذه الرؤية يناضلون من أجل إصلاحات ديمقراطية ويعتقدون أن مثل هذه الإصلاحات هي من مصلحة المعارضة والمجتمع كما هي من مصلحة السلطة. لذلك هم يسلكون مسلك الحوار معها وليسوا من دعاة تأجيج النضالات الاجتماعية ضدّها، بل يسعون إلى احتوائها وكبح جماحها. هؤلاء يتهمون كل تجذر في مواجهة السلطة بالتطرف ويحبذون سياسة التواصل مع التسلط، عساه يرأف بالمجتمع وبالمعارضة. وهم ينبذون العنف بكل أشكاله ولكنهم لا يقطعون مع مؤسسات العنف ولا يطالبون بتصفيتها ( البوليس السياسي، وزارة الداخلية، الحزب الحاكم ـ إن كان لازال في مقدورنا تسميته بالحزب ـ، ومؤسسة الجيش). من الديمقراطيين إذا، من يحبذ بث الأوهام حول إمكانية إصلاح سلطة التسلط ومؤسساتها. لذلك يقبل البعض منهم اليوم بانتخابات مغشوشة سعيا منهم إلى تفادي خندق المقاطعة وشرورها.
وعلى عكس ذلك، لا تؤمن الرؤية الثانية (رؤية حزب العمال) بإمكانية تحقيق تغيير ديمقراطي مع تواصل مؤسسات الديكتاتورية. فالديمقراطية هي في تعارض تام مع مصلحة السلطة القائمة ولا يمكن أن تبنى إلا على أنقاضها. فإسقاط الديكتاتورية هو هدف كل نشاطها السياسي. والانتقال الديمقراطي يتطلب انتخاب جمعية تأسيسية تمثل بحق الشعب التونسي وتسن دستورا جديدا للبلاد، ديمقراطيا ويحمي كل الحريات. أمّا انهيار الديكتاتورية فلا يمكن أن يتحقق بمعول العمل الإرهابي المعزول عن فعل الجماهير بل سيكون ثمرة نهوض حركة جماهيرية عارمة لا تعرف الخوف ولا التردد. أما قوة الجماهير فستكون ضرورية ولا مندوحة عنها لتصفية مؤسسات التسلط وبنيانه”.
“… فسبيل التغيير الذي يجب الإعداد له ليس انتخابيا وإنما هو سبيل النهوض الشعبي الذي يلقي بكامل قوى الشغيلة في اتجاه واحد، اتجاه يهدف إلى كنس الديكتاتورية ودكّ مقوماتها. إنه الطريق الوحيد الذي سيمكن شعبنا من الديمقراطية الحقيقية والشعبية. إذ كيف لنا أن نتصور تغييرا حقيقيا، قادرا على هزم بوليس بن على وترسانة العنف التي بين يديه دون عزم وتصميم الآلاف بل ومئات الآلاف من المواطنين على التخلص نهائيا من سلطة الاستبداد؟!” عندما كان رفاقنا يصوغون تصوراتهم الثورية هذه ويصغون لنبض الجماهير الثوري كان أنصار حكومة الغنوشي من الأحزاب الإصلاحية وأنصار الشرعية الدستورية يتهموننا بالتطرف والمغالاة. واليوم يتهموننا بركوب الثورة والوصاية عليها. يقول المثل “إن لم تستح…”!
شباب تونس والثورة المستمرة
ان مسيرة ثورة الشباب العربي في تونس لم تنطلق هذه السنة فقط بل انها منطلقة منذ عشرات السنين ولكنها عرفت زخما كبيرا هذه السنة فكبرت تفاعلاتها حتى قادت تونس على المستوى القطري الى الغاء النظام السياسي رئيسا وحكومة وحزبا ودستورا وثقافة انتهازية وتقاليد بالية دمرت المجتمع العربي في تونس وفرضت الثورة برنامجها عبر المسيرات السلمية الحضارية الراقية ولنفترض أن شبابنا عثر على أسلحة قتالية متطورة مثل التي يملكها الجهاز القمعي للسلطة السابقة ما كان ليستعمله ضد مواطنيه انه شباب ثوري جدا ويريد احداث تغيير نوعي حقيقي في الجياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية يكون حقيقيا لا مجرد ذر رماد في العيون ولكن دون استعمال للعنف ضد شعبه حتى وان كان بوليسا سياسيا مخطئا في حق أبناء شعبه بحكم التعليمات الفاسدة.
ولن تتوقف مسيرة سبابنا الثورية حتى تحقق الثورة كل أهدافها المشروعة وكانت كلمة قيلت عند فك السباب لاعتصام القصبة الثاني اراديا بعد الغاء الدستور واقرار انتخابات لمجلس تأسيسي لصياغة دستور للبلاد سيكون بالتأكيد متناسبا مع حجم التضحيات والدماء الزكية التي سالت في سبيل اقراره حيث قال الشباب وقتها ان عادوا عدنا بمعنى أنهم مستعدون لفترة أخرى من الفعاليات النضالية في سبيل تحقيق أهداف شعبهم في الحرية والكرامة .
لقد فاجأنا الشباب بهذه الثورة العظيمة التي لم تغير الوضع في تونس بل انها عرفت تفاعلا عربيا شاملا في كل أرجاء الوطن العربي حيث تشهد معظم الساحات العربية حركة ثورية عربية عظيمة وهي بصدد اكمال ما بدأه شباب تونس حيث نجح شبان مصر في فعل نفس الفعل ولايزال ثوار ليبيا بصدد الفعل ونرجو لهم اللحاق باخوانهم في تونس ومصر حيث سيكون وقتها امتداد عربي كبير حقق ثورته الشعبية وغير حكامه وفرض الارادة الشعبية التي لن تخذل الأمة العربية كما خذلت سابقا عندما كان حكامها الحرامية يفكرون نيابة عنها ويفرضون عليها الأجندات الغربية والصهيونية المذلة لكل الامة وفي مختلف القضايا.
لقد كنت أظن أن هذا الشباب منقطع الى الفيسبوك في تفاهات ما أنزل الله بها من سلطان وأنهم يدهنون شعورهم بأنواع من الكريمات التي لا أستسيغها وكم مرة أفتعل مشاكل وهمية مع أبنائي بخصوصها باعتباري من الجيل القديم الذي لا يستسيغ هذه الأشياء التافهة وكما أنهم شباب مائع لايستسيغ سوى الفن الهابط ألحانا وكلمات ولكنهم فاجأونا حقيقة بنضالاتهم التي لم نقدر على الصبر لمثلها عندما كنا في سنهم انهم واجهوا الرصاص الحي بصدورهم العارية وفرضوا على أعتى ديكتاتور أن يهرب بجلده بالرغم مما يتوفر لديه من أدوات القمع الرهيبة .
والغريب في الأمر أنهم يحققون أجندتهم بأريحية كبيرة وهم متفائلون جدا وأثنا ء فعاليات الثورة كانوا يحرسون ليلا ويقومون نهارا بتحريك المسيرات فمن أين استمدوا كل تلك القوة انهم يعرفون ماذا هم فاعلون التحموا بهم وتفاعلوا معهم وافهموهم حتى تعرفوا أسرار الثورة في تونس بل الثورة العربية الشاملة التي تحتاح كل وطننا الآن ولا مرد لها الا تحقيق أهداف أمتههم في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وتحقيق الوحدة العربية باذن الله في أقرب وقت والقضاء على الاحتلال الصهيوني بأيسر الطرق. الناصر خشيني نابل تونس
الرد على توضيح السيد شكيب بن ميلاد بتاريخ 01-03-2011
الآن حصحص الحق و جنيت على نفسك بما حرمت عليّ و أحللت لنفسك أهذا حق الحوار الذي تدعيه . تصفني بعدم الشجاعة في الامضاء بتوأم روحي و قد بدأت أنت و تسترت وراء اسم لا وجود له البتة و لا أحد من أبناء الدار و لا حتى من روادها من يحمل اسمك فاعلم أيها الخرق الهيق (و ادرأها عنك إن استطعت) أن توأم روحي مؤسستى و نور عيني و امضائي ليس تهربا أو خوفا أو طمعا أو ما شابه لكنه الحياء و الخجل لأننا رُبينا أن لا نعتلي منابر الافاقين و الذين يتمخضون الفتن و الهرج و اني أعمل في قلبها و رائحة نورها تملأ وجداني بروح طيبة و أني أصغر عملتها في درجته الوظيفية و ليست لي شهادة علمية و اسمي أحمد الفطناسي و أدعوك من هذا المنبر لمناظرة تكون فيصلا أبيضا إصليتا ناقش ما تريده و قرر و حدد كما تشاء و كن أنت الشجاع كما تزعم و اذكر اسمك و صفتك صراحة ما دمت على حق و لست بفاعل . ملاحظة : طلب رجاء من أسرة الموقع و حفاظا على نزاهته . إذا أحجم السيد شكيب بن ميلاد عن ذكر اسمه الحقيقي و تحمله حق قلمه فإيقافه و الآفاقين أمثاله واجب وطني . توأم روحي – أحمد الفطناسي دار الكتب الوطنية
تونس بعد الثورة.. صحافي تونسي يشتكي من المضايقات بسبب مقال وآخر طردوه بسبب انتقاد ‘التعتيم الإعلامي’
سليم بوخذير 2011-03-07 تونس – ‘القدس العربي’: اشتكى صحافي تونسي مما وصفه ‘بمضايقته على خلفية آرائه’، فيما تساءل آخر عن سبب عدم مساندته من طرف نقابة الصحافيين إثر طرده من عمله لأسباب تتعلق بمقال كتبه.. كل هذا بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ونظامه. وقال مسعود الكواش الصحافي بصحيفة ‘الصحافة’ اليومية الحكومية لـ’القدس العربي’ أمس الاثنين: ‘لقد فوجئت بمدير الصحيفة المعين من طرف حكومة الغنوشي المستقيلة يمنعني من العمل بالفترة الليلية وتحويلي إلى الفترة النهارية، إثر مقال انتقدت فيه تعيينه على رأس الصحيفة’. وكانت الحكومة التونسية المؤقتة قد سنت قبل أيام من استقالة رئيسها محمد الغنوشي قرارا بتعيين زياد الهاني، العضو القيادي بالنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، مديرا لصحيفة ‘الصحافة’ مباشرة فور إعلان النقابة عن استقالتها من مجلس حماية الثورة المقرب من الحكومة المؤقتة، مما فتح المجال واسعا أمام التأويلات التي سارت في اتجاه أن هناك ‘اتفاقا خفيا بين الحكومة والنقابة’، بحسب بعض المنتقدين. وقال الكواش ‘أعتبر تحويلي للعمل نهارا بعد سنوات قضيتها في العمل الليلي مثلما أرغب، محاولة من المدير المعيّن لمضايقتي بسبب مقال ـ انتقدت فيه تعيينه – كانت الصحيفة قد منعت نشره فنشرته في مكان آخر’. وأضاف قائلا ‘أعرب عن تنديدي بقرار المدير الذي لن يُثنيني عن مواصلة التعلق بحقي في التعبير بما يقتضيه ميثاق شرف الصحافي وأخلاقيات المهنة’. من جهته تساءل الصحافي قيس الحرقافي عن عدم مساندة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين له في محنته ‘إلى الآن’. وتعرض الحرقافي لقرار فصل من العمل بمحطة ‘نسمة’ الفضائية الخاصة يوم 17 شباط/فبراير الماضي ‘بشكل تعسفي’، كما قال. وفي تصريح لـ’القدس العربي’ امس الاثنين، استغرب الحرقافي عدم وقوف النقابة الى جانبه في هذه القضية. وقال: ‘عدم مساندة نقابة الصحافيين لي رغم انقضاء أكثر من نصف شهر على مراسلتي المكتب التنفيذي حول ما تعرضت له من مظلمة، أمر غريب يطرح الكثير من نقاط الاستفهام’. واضاف الحرقافي ‘لقد اتصلت بي رئيسة قسم الموارد البشرية بالقناة وأبلغتني بقرار طردي قائلة بصريح العبارة إن القرار تمّ بسبب مقال نشرته بموقع فيس بوك عن سياسة التعيتم الإعلامي في تونس بعد الثورة’. وأوضح أن قرار فصله اتُخذ على ‘خلفية مطالبتي ببث ما تمّ تصويره في حي القصبة أيام الاعتصام الأول (المطالب برحيل الحكومة) وبسبب دعوتي إلى عدم بثّ مقابلة مع العقيد معمر القذافي لأنه ليست له مشروعية في نظري خصوصا بعد تسرّب معلومات عن صفقة مالية تمت وقتئذ لنشر الحوار’. وتابع الحرقافي ان الطرد شمل ايضا خمسة صحافيين آخرين على خلفية محاولتهم تأسيس نقابة بالقناة، حسب قوله، موضحا أن مصورين وتقنييْن يفوق عددهم عشرين زميلا تعرضوا للطرد أيضا. ويملك نبيل القروي وطارق بن عمار ورئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني قناة ‘نسمة’ التي كانت واحدة من القنوات الفضائية القليلة التي سمح الرئيس التونسي المخلوع بإطلاقها في تونس، فيما عُين بإدارتها الوجه المعروف بالحزب الحاكم سابقا في تونس فتحي الهويدي. وكانت شكاوى عديدة صدرت بعد الثورة عن صحافيين تونسيين بالمؤسسات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية ممّا وصفوه بـ’عودة شبح التعليمات إلى المؤسسات وبقاء رموز إعلام العهد السابق على رأس العديد من المؤسسات وهيئات تحريرها’.
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 8 مارس 2011)
الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان Ligue Tunisienne pour la défense des Droits de l’Homme تونس في 07 مارس 2011 “دورة الشهيد محمد البوعزيزي” للمجلس الوطنـي
لائحـة تضامنيـة مع الثورة اللّيبيّـة
نحن أعضاء المجلس الوطني للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المنعقد في “دورة الشهيد محمد البوعزيزي” يومي 6 و 7 مارس 2011، بعد استحضارنا للنضالات البطولية التي تخوضها الجماهير الليبية ضدّ أجهزة الإرهاب والقمع والدكتاتورية، من أجل التحرّر وإقامة نظام مؤسّساتي ديمقراطي، نؤكد دعمنا للشعب الليبي لامتلاك إرادته وتحقيق طموحاته الوطنية. وننددّ بأقصى شدّة بالمجازر الرهيبة التي تنفّذها عصابة القذافي ومرتزقته ضدّ الشعب الليبي الذي تتمّ إبادته عبر قصفه بمختلف الأسلحة الثقيلة ومنها الطائرات ونطالب بمحاكمة كل الضالعين في هذه الجرائم ضدّ الإنسانية أمام القضاء الليبي المستقل بعد نجاح ثورته المجيدة وأيضا أمام محكمة العدل الدولية.
عن المجلس الوطنـي المختـار الطريفـي رئيـس الرابطـة
لو سكت لكان أفضل سيدى العميد المؤقت
طالعت بجريدة الشروق بتاريخ 22 فيفري صفحة 14 ردّ رئيس الهيئة المؤقتة لعمادة المهندسين السيّد منجي ميلاد بخصوص البيان الذي أصدرته مجموعة من المهندسين الشبان الذين أطلقوا على أنفسهم “المهندسين الشرفاء”، و بصفتى أحد الموقعين على هذا البيان فإنّه يهمّني أن أتقدّم بالتوضيح التالي، و أن أبيّن موقفي من ردّ العميد المؤقت الذي في الواقع كان مخيّبا للآمال. أودّ في البداية أن أوضّح و أنّ ما دفعني إلى التوقيع على بيان “المهندسون الشرفاء” هو رفضي لأسلوب المغالطة الذي تعمّده السيّد منجي ميلاد عندما بدأ مداخلته خلال الإجتماع العام الذي دعت إليه الهيئة المؤقتة يوم 12 فيفري بقصر المؤتمرات و التي عبّر فيها عن تبرأه من ممارسات مجلس العمادة بقيادة غلام دبّاش و ندد بالخصوص بالمقالات التي تضمّنها العدد 39 من مجلّة المهندس التونسي و خاصّة المقالات بعنوان “المهندسون يصوّتون لبن علي” و “المهندسون مدينون لبن علي” و التي قال بخصوصها السيّد منجي ميلاد و هو عضو بمجلس العمادة و أنّ هذه المقالات لا تشرّف المهندس التونسي، و هو محقّ في ذلك. و قد حاول السيّد منجي ميلاد بناء شرعيته في التحدّث إلينا و في قيادة العمادة في هذه المرحلة على أساس رفضه لهذه الممارسات. و لكن بالرجوع إلى العدد 39 من المجلّة، و هو لا يزال موجودا ضمن موقع الواب الخاص بالعمادة، أتّضح و أنّ هاذين المقالين بالتحديد يحملان إمضاء هيئة تحرير المجلّة المتركّبة من 7 أعضاء متطوعين من ضمنهم السيّد منجي ميلاد و هو بالتالي يتحمّل مسؤوليّة هذين المقالين أوّلا بوصفه عضو مجلس العمادة المسؤول على المجلّة، ثمّ بوصفه عضو هيئة التحرير التي لها مسؤوليّة مباشرة في ما ينشر: أودّ أن أؤكّد و أني لست متحاملا على السيّد منجي ميلاد الذي لم يسبق لي معرفته و لست من المدافعين عن هيئة العمادة و لا على عميدها غلام دبّاش الذي يتحمّل مسؤوليّة مسار الولاء و الإنحراف عن أهداف المهنة الذي انتهجته العمادة خلال فترة رئاسته. و لكن قمت بإمضاء بيان “المهندسون الشرفاء” بناءا على ما سمعته على لسان السيّد منجي ميلاد يوم 12 فيفري، و على ما تسنّى لي قراءته بالمجلّة و هي وقائع ثابتة و موثّقة. و بالتالي فإنّي اعتبرت و أنّ ما جاء على لسانه هو مغالطة تفتح لنا المجال لتصديق ما يمكن أن يقال بخصوص هذا الأخير. و قد تدعّم موقفي الرافض للسيّد منجي ميلاد بعد الإطلاع على ردوده بجريدة الشروق، حيث خصّص نصّ الردّ على تشويه المجموعة التي أصدرت هذا البيان متّهما إيّاها بأنّها تنتمي إلى بقايا الحزب الحاكم السابق و تعمل بتحريض من رئيس العمادة غلام دبّاش. و لكن الأغرب في ردّ السيّد منجي ميلاد هو الربط بين مجموعة “المهندسون الشرفاء” و النقابيون الشرفاء” الذين انقلبوا على الإتحاد العام التونسي للشغل سنة 1984، و ذلك في محاولة منه لتشويه مجموعتنا. و هو ربط أقلّ ما يقال عنه أنّه ساذج، إذ نسي السيّد منجي ميلاد و أنّ معظم الممضون على بيان “المهندسون الشرفاء” لم يكن سنّهم يتجاوز 6 سنوات عند حدوث الإنقلاب على الإتحاد العام التونسي للشغل. من أين لك هذا الخيال الخصب سيدي العميد بالنيابة لتأتي لنا بمثل هذه الأضحوكة السخيفة التي لم نفهمها أصلا حيث عدنا إلى آباءنا لفهم ما حصل صلب الإتحاد سنة 1984. و بهذا فقد بيّن السيّد منجي ميلاد و أنّه عاجز على فهم حركة الشباب الذي ينظر إلى المستقبل، و كيف لرجل تجاوز السبعين من عمره أن يقود عمادة ثمانون بالمائة من منخرطيها معدّل أعمارهم أقلّ من 35 سنة. لم تردّ في إجابة السيّد منجي ميلاد ما يتعلّق بمحتوى جوهر بياننا و راح يردّ على الشكل و ينبش في الماضي، و هو هو ما يؤكّد و أنّه يفتقد للحجّة للردّ عن بياننا، و أين هي الموضوعيّة العلميّة و التحليل المنهجي الذي هي سمة من سمات المهندس. و هل يجب أن نمحي كلمة شرفاء من القاموس لأنّه وقع استخدامها سابقا في غرض غير شريف، عندئذ يجب أن يحذف رقم 7 و رقم 26 26 و أشياء أخرى لكي لا يتهم مستعملوها بالإنحياز إلى العهد البائد. يكفي أن نرى منك مثل هذا التحليل لكي يزداد يقيننا نحن المهندسون الشبان و أنّك لست برجل المرحلة و أنّ العمادة يجب أن تقودها الطاقات الشابة و نحن قادرون على ذلك.
ياسين الهمامى مهندس إعلامية
الثقافة والحكم والحكمة في رحاب الثورة التونسية
د. عبد الآله المالكي إن تسمية المتعلمين أصحاب الشهادات العلمية بالمثقفين أو النخبة المثقفة هي تسمية غير صحيحة عند إطلاقها فالثقافة مقيدة بالمعرفة العامة مع رجاحة العقل وحسن التدبير الناتج عن الحكمة والتي هي وضع الأشياء في موضعها ومجمل كل هذا يولد سلوكا حضاريا وأخلاقا سامية يسمو بها المثقف عن كل ما هو دنيء والثقافة تدعو إلى شعور المثقف بالمسؤولية تجاه الآخرين الأمر الذي يجعله يبذل كل ما في وسعه لتهيئة المناخ والآليات والفضاءات التي تستقطب الإصلاحيين وتوحد جهودهم للنهوض بالمجتمع طبقا للمعايير الحضارية التي تلبي كل الاحتياجات الأساسية لبني البشر . في تعريف المثقف والمثقف هو مصلح للفساد مقاوم للمفسدين وليس مشاركا ومعينا لهم فهو يتميز بالوعي والإلمام المعرفي بكل ما يدور حوله من ملابسات في كل قطاعات الحياة المعاشة مما يجعله محصنا من الاختراق الذاتي والتكيف مع الأوضاع الموبوءة التي تشهدها الساحة العالمية في جميع المجالات والتي تتناقض مع مشروعه الإصلاحي وبرنامجه الذي سطره فلا يمكن للمثقف أن يعيش على هامش الأحداث خارج برنامج مخطط في ظل قضية مركزية يحدد فيها موقعه وأهدافه ومراميه الإصلاحية فلا حياة عشوائية للمثقف فالعشوائية موطن دنيء يتناقض مع ماهية وجود الإنسان على الأرض يسمو المثقف بنفسه عن الوقوع فيه كما ينآى بها عن الانطواء والشخصانية لأنهما يتناقضان مع موقع مسؤوليته .أما مواصفاته فهي الأخلاق السامية والوعي والفطنة والحزم والعزم والجدية والصدق والإخلاص والإنصاف والخبرة وكل. ولذلك كان المثقفون قديماً يسمون بالحكماء وكانت، ولهم مجالس في سدة الحكم يستعين بها الحاكم في تدبير شئون الدولة أو العشيرة أو ما شابههما، وهذا هو الوضع الطبيعي في الحكم الذي انبثقت معانيه من الحكمة، قال علماء البلاغة(ربطت التاء بالحكم فصارت حكمة) فلا يتولى الحكم إلا من كان حكيماً ومن تولى الحكم فهو حاكم والحاكم هو الذي يفصل بين الحق والباطل مطلقاً وقد أدرك بعض الحكام القدامى عبر التاريخ هذه المسألة فكونوا مجالس الحكماء لإعانتهم على الحكم وأدرك أعداء الأمة والإنسانية هذه الحقيقة فابعدوا الحكماء وزرعوا حول الحكام بطائن السوء والجواسيس المجنَدين والمختَرَقين بسلاح المعلومة للوصول إلى الأهداف المرسومة بدقة ضمن المخططات المكرسة على الشعوب المقهورة لإضعافها وتدمير قيمها وكل مقومات حياتها وسجنها فى سجون موسعة ضمن منظومة الواقع المفروض الذي أسسوا ركائزه والياته ليسيطروا فيه على كل المؤسسات المجتمعية لإخضاعها إلى استيعاب كل مخططاتهم وبرامجهم التدميرية للأخلاق والقيم والأذهان و العقول والأبدان وكل مقومات الحياة مستعينين بجيش جرار من المتعاونين الذين اخترقت ذواتهم وصنعت عقولهم في مصانع المؤسسات والبرامج التى سيطر بها الغرب على فضاءات الثقافة والتعليم والإعلام والحياة المجتمعية وقد أصبح سائداً الآن ندرة الحكماء واختفاؤهم بسبب انعدام الحرية فى ظل أنظمة الحكم الاستبدادي المتميز بالقهر والطغيان, وفى عصرنا الحاضر اصبح سائدا ان المثقف هو صاحب الشهادة العلمية التى يحصل عليها عبر برامج التعليم المستندة على المعلومة التي خطط الغرب للاستيلاء عليها ووجهوا بها طلاب العلم إلى الطريق الذى رسموه وهو من أكبر الأعمال التي قاموا بها على مر التاريخ والتى اعانتهم على السيطرة على شعوب العالم – وفى هذا الموضوع تفاصيل كثيرة ودقيقة لا يسعها المجال – وانبثقت اغلب الاديولجيات الفكرية عن الخط المعلوماتى اليهودى الذى رسم مسبقاً لصناعة العقول والأذهان ضمن أهداف محددة عبر برامج هادفة واصبح كل من له شهادات ، وهو منطلق من هذه الاديوليجيات يسمى مثقفاً. وزج بهؤلاء المثقفين الذين اخترقت أدمغتهم وكياناتهم حسب تخطيط دقيق المعالم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون فى مراكز النخب فى المؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية والإعلامية والسياسية بشقيها الموالي والمعارض والاقتصادية وغيرها من مجالات الحياة العامة التي صبغت بتوجهات الخطط الاستعمارية للغرب المركوب الطبع من طرف الماسونية و مخططاتها وكان المؤشر لهذا التوظيف في مناصب إدارة هذه المنظومة الماكرة في الحياة العامة هوا لانتماء السري العلني إلى الجمعيات المشبوهة و نوادي ومحافل و مؤسسات التدريب والاعداد التي تكونت للسيطرة بها على مراكز النفوذ والمراكز المفاتيح للتسيير بآليات الاستبداد والقهر والطغيان لضمان السيطرة على البلاد والعباد وتمرير المخططات التدميرية في قوالب تبدو حضارية وهى السم الزعاف الذي تجرعته الشعوب والذي أوصلها إلى الحالة الراهنة التي نراها عليها اليوم وهى غنية عن التعريف والتفصيل. ولسائل أن يسأل كيف استطاع النظام الاستبدادي الوصول إلى تحقيق كل المخططات الواردة في برنامج الهيمنة الغربية على الشعوب لسجنها وإدارة كل مقومات حياتها وتدمير ركائز نهضتها ونموها وتطورها الحضاري بمفهومه الصحيح وبأية وسائل حقق هذا النجاح المؤقت رغم طول أمده إلى عشرات السنين؟ والجواب على هذا السؤال هو انه استعان بفرسان الحركة الثقافية والتعليمية الذين صنعت عقولهم وأذهانهم في ثكنات الثقافة والتعليم الذي كان يشرف على توجهاتهما بالكامل البنك الدولي والمؤسسات التابعة له والذي لا يعرف حقيقتها إلا الذين استعصت عقولهم واذهناهم عن الاختراق ألمعلوماتي فمعالجة هذه المسالة تتطلب حكمة بالغة من أهل الإصلاح والرشاد فجزء من هؤلاء النخب كما يسمونهم لهم من الطاقات والخبرات العالية التي يحتاج إليها المجتمع في كل المجالات غير أنهم محتاجون إلى التخلي عن انتماءاتهم و اديوليجياتهم وقناعتهم الذاتية الخاطئة والتي أثبتت إفلاسها ومحاولة فهم اللعبة الخبيثة التي تدور في العالم ضد الإنسانية جمعاء وأنهم أداة من أدواتها التي تحركها بالاختراق قوى الهيمنة والاستبداد المعروفة والخفية الظاهرة التي تحكم العالم و هي تسير به نحو الهاوية . فما قيمة المكاسب التي تحصلوا عليها بانخراطهم في هذه اللعبة القذرة التي جلبت الدمار والحرمان والشقاء للبشرية وهم راحلون عما قريب عن هذه المكاسب وتاركونها وراء ظهورهم ليواجهوا جزاءا محتوما على ما فعلوه طوعا أو كرها بفهم وبدون فهم لان موقعهم لا يحتمل الغفلة فان كانوا يعلمون فهي مصيبة وان كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم فالعقل السليم للمثقف يجب أن يوجهه إلى نفع البشر لان أحسن الناس هو انفعهم للناس وما ثمة أبشع واقذر وأحقر وأحط وأسفل وافسد وأدنس وافضع وأرذل واخسأ وأذم من الإضرار بالناس واشد بشاعة من ذلك وحقارة وسفالة ونذالة ورذالة وخساسة أن يكون هذا الإضرار من موقع العمالة والخيانة مقابل منافع زائلة وفانية عما قريب وبدلك ينزعون عن أعناقهم الأغلال المكبلين بها في سجن الأيديولوجيات والقماقم السياسية والتنظيمات المشبوهة ويخرجون إلى العالم الواسع أحرارا أسيادا ماسكين بشعار خدمة البشر عارضين خدماتهم من واقع خبراتهم للمشروع الإصلاحي لا من مواقع اديوليجياتهم فيسمون بأنفسهم إلى اعلي درجات الرقي الحضاري بعد أن كانوا في أسفل قعر الهاوية وهم لا يشعرون , وبهذا الرقي يساهمون مع أهل الإصلاح سواء كانوا حكاما او مجموعات او افراد فى التغير الحضاري الاخلاقى لحالة المجتمعات الانسانية و الآجله سواء إن كانوا حكاما أو أفرادا أو مجموعات في التغيير الحضاري الأخلاقي لحالة المجتمعات الإنسانية ومن هؤلاء فئة سوف يضنون أن تزحزحهم عن مواقعهم وقماقمهم سيفقدهم القيمة الاجتماعية الوهمية التي ينظر الناس إليهم بها لأنهم في حقيقة الأمر لا وزن لهم في المجتمع وليست لهم اي قيمة وإنما اعتمدوا في وقوفهم على آلات الحركة في المجتمعات فهم لا يقدرون على الوقوف بدون هذه الآلات والأحزاب والفضاءات الإدارية والسياسية واذا تخلوا عنها سقطوا في مستنقع الذل والهوان والحقارة ويتخلى عنهم الأسياد لان المهمة المناطة بعهدتهم اكتملت ولم يعد لهم بهم حاجة فيتركونهم يواجهون مصيرهم المرعب حسبما شاهدنا من نهايات مؤلمة ومذلة لهؤلاء الجنود الذين كانوا يصولون ويجولون بكل قوة وجبروت في ارض المقهورين منفذين لمخططات الأعداء التدميرية للمجتمع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بفهم أو بغير فهم فالنتيجة واحدة ويفقدون كل شيء وقد لا يفوتهم أن لديهم فرصة من اعظم الفرص بان يرقوا بأنفسهم إلى مجتمع النفع والخير و العزة والكرامة والحرية والرجولة والشهامة والنبل وسمو الهمم والرقي الحضاري ولقد أتاحت لهم قومة الشعوب المقهورة التي بدأت تكسر أغلالها لتفتح لهم أبواب الإصلاح التي كانت مغلقة لبناء المجتمع الحضاري الإنساني وإعادة ترتيب البيت الداخلي لهذه الشعوب على أسس العدل والحرية والنماء والرخاء والتخلص من آليات التدمير المجتمعي لمقومات العباد والتي سببتها سطوة المشروع الافسادي الغربي عليها . الحاكم الحكيم
ومن هذه المنظومة الثقافية يتخرج الحاكم الحكيم والذي ستكون مهمته صعبة جدا لأنه ورث مجتمعا دمر الاستبداد كل مقوماته ومسخ هويته وعصف بأخلاقه وأربك ساحة بناءه الحضاري وفتح فيه الأبواب على مصراعيها لمخططات الأعداء تدمر كل شيء أتت عليه وقد تمركزت آلياتهم في المفاصل والمقاطع الحساسة للمجتمع وهو الأمر الذي يفرض على الحاكم أن يكون في مستوى المهمة العظيمة التي أسندت إليه فهو ذو شخصية متميزة عالما بعلوم عصره محصنا ضد الاختراق الذاتي بخبرته ووعيه وأخلاقه وصاحب دراية كاملة بما يجري من أحداث في العالم , كذلك هو فطن وذكي وذو طاقة استيعاب كبيرة عارف بأعدائه وبأسلحتهم المادية والمعنوية السلمية منها والحربية عارف بخطط المشروع الافسادي الذي تركزه في الأرض منظومة الاستبداد والاستعباد والهيمنة الغربية عارف بأساليب السياسة وملابساتها وفنون الحكم ومطلع على الجوانب الاقتصادية واليات اللعبة الكبرى التي تدار بها ملم بحلول التنمية الإنسانية الحضارية العامة و حلول المعضلات التي تركها النظام الاستبدادي الفاسد .يعينه على هذه المهمة الصعبة الرشداء الحكماء الملمين بخطط الإصلاح المجتمعي والذين تمكنوا من فهم خفايا المشروع الاستبدادي الافسادي وتعمقوا في فهم خططه الظاهرة والخفية وفهم مصادرها والياتها وتكتيكاتها وملابساتها ومواطنها ومعسكراتها وأسلحتها السلمية الصامتة والناعمة وذات الدمار الشامل في المحيط المجتمعي وفنيات مستعمليها ووسائل الاختراق والتجنيد المباشر والغير مباشر وتقنيات الواقع المفروض وكلها أسلحة سلمية فتاكة استعملت في تدمير المجتمع ركبت بطريقة معقدة لا يمكن للمصلحين أن يحققوا أي نجاح إذا كانوا يجهلون ماهيتها في ارض التدافع التي ملاها الاستبداد بالألغام والأشواك لأنه كان يحارب وحده في ارض المعركة ولمدة طويلة وقد دمر بشراسة كل مقاومة لسطوته حتى جاءت القومة التونسية المباركة لتطيح بمدير السجن العام الذي سجن الغرب فيه الشعب التونسي وتفتح جزءا من أبوابه لحركة الإصلاح التي تتطلب فطنة ودراية وخطة إصلاحية دقيقة المعالم لتبطل آلية نفث السم في راس الأفعى الغربية وتحولها إلى بقرة حلوب الأمر الذي سيجعل هذه الثورة ذات حظ عظيم ولا يتأتى هذا إلا بمجهودات هؤلاء الحكماء الرشداء الذين ستفرزهم آلية الفرز والتدقيق الوطنية بمواصفاتها التنموية والحضارية وتقنياتها الحديثة التي تمكنها من الإلمام المعرفي بأحوال الناس وقدراتهم وأخلاقهم وتوجهاتهم فلا يمكن أن يمر إلى أي مركز من مراكز النفوذ والتسيير في مجال العدالة و السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والإعلام والصحة والشؤون الاجتماعية وغيرها من مجالات الحياة المعاشة إلا من وقعت تزكيتهم من طرف هذه الآلية قطعا للطريق على السفهاء والانتهازيين والجهلة والمجندين المخترقين والمغرر بهم . نحن شرحنا بعضا من الخاصيات التي يجب أن يكون عليها الحاكم ومعاونيه لأننا نريد لثورة تونس أن تكون نموذجا للإصلاح العام في سجل انعتاق الشعوب وتطورها الحضاري ونحن لا نستعجل النتائج لان الأمر مرهون في بناء الأسس والمنهجية لإعادة بناء مجتمع كرست عليه مخططات التدمير لأكثر من قرن وربع القرن من الزمن وهو ما سيستغرق بعض الوقت والمهم ان تعي الشعوب التي أسقطت أصنام الاستبداد إنها لم تسقط إلا راس الهرم , وإزالة رمة الهرم تتطلب وقتا وجهودا وتضحيات كبيرة ومخططات محكمة ودقيقة ينفذها الرشداء ممن تتوفر فيهم الخبرات السالفة الذكر بإعانة الجماهير التي يجب عليها أن تبقى في يقظة تامة واستعداد كامل لحماية مكتسبات الإصلاح الشامل كما يجب عليها أن تنتظم كلها في منظمات المجتمع المدني لتخرج من دائرة التلقائية . توحدها منظومة المشروع الإصلاحي رغم اختلاف مآربها و مشاربها وفئاتها . ونحن ليس لدينا خوف من هذه الحركات الالتفافية والمؤامرات التي تحاك الآن لثورة تونس فهي إلى زوال , تحركها قوى الهيمنة والاستبداد العالمي عن طريق مجنديها المخترقين للمحافظة على مواقعها التي استغرق بناءها عشرات السنين فهي تحاول الإبقاء على هذه المواقع الظاهرة والباطنة التي حافظت عليها من قبل ونجحت في تغيير لون الاستعمار إلى ماهو أبشع و أوهمت الشعوب بما يسمى بالاستقلال وسجنتها في سجون موسعة أذاقتها فيها الأمرين عشرات من السنين إلى أن جاء اليوم الذي كسر فيه الشعب التونسي أسوارها وبدأ يسترد حريته وكرامته وهويته ويتقدم نحو الانعتاق الكامل .
إن العقلية الاستعمارية المريضة والمعتلة لا تستطيع أن تفهم أن انعتاق الشعوب من ربقتها وتحررها من سجونها لا يعني الانفصال الكامل عن الغرب وضرب مصالحه لان هنالك تشابك معقد للمصالح المشتركة فالاكتفاء الذاتي والتنمية الحقيقية التي تنشدها الدول المقهورة سابقا لا تتم إلا بآليات مشتركة بين الطرفين عبر شراكة حقيقية شراكة الند للند تتلاقى فيها مصالح الأطراف وسينتج عن ذلك متطلبات جديدة تعوض النقص الحاصل في الإنتاج والدخل المتأتي من الهيمنة على الدول الضعيفة عن طريق أنظمة الاستبداد التي وضعت على كاهل الشعوب لقهرها والسيطرة عليها هذا إذا قصر فهمنا وأوعزنا هذه الهيمنة إلى أسباب اقتصادية ……
وبهذه المناسبة فاني من موقعي كمواطن تونسي حيل أكثر من مرة بيني وبين مساهمتي في الانعتاق الاقتصادي لبلدي بتطبيق البرامج العملية لهذا الانعتاق والتي كانت نتاج جهود علمية كبيرة توجت فيما بعد بنيل الميدالية الذهبية لأفضل مشروع تنموي في العالم من طرف الهيئات العلمية العالمية وجوائز اخرى كثيرة. نداء إلى النظام الاستعماري الغربي
أوجه النداء إلى النظام الاستعماري الغربي بان يسحب آلياته وأسلحته السلمية ويوقف برامجه وجواسيسه و ومجنديه ويكف عن عرقلة الثورة فان أهل البصائر يعرفون جميع تفاصيل مخططاتها وسوف لا ينفعه الالتفاف لأنه سوف يخسر المعركة الثانية كما خسر الأولى التي كسر فيها الشعب باب سجنه فإذا تمادى فان المعركة الثالثة ستكون خسارته فيها أعظم لان خلط الأوراق لم يعد ينفع فالوضع غير الوضع والظرف غير الظرف والوعي غير الجهل فالشعوب عرفت طريقها للخلاص وأصبحت مستعصية على الاختراق في بداية قومتها وستزداد وعيا بمرور الأيام نتيجة لحركة الوعي التي بدأت تدب في شرايين أفكارها وأذهانها التي دنستها المخططات الفكرية الغربية الملوثة التي يجري العمل الآن على إعادة إنتشارها و تغير ألوانها و مواقعها و فرسانها في محاولة يائسه وهذه الثورة هي فرصة كبيرة للغرب الاستعماري ليصطلح مع الشعوب التي ذاقت الويلات من قهره في استعمارها المباشر السابق والغير مباشر الحالي مصالحة تاريخية يحقق معها شراكة حقيقية تنموية حضارية يعود نفعها على الطرفين ويمكن الثورة في تونس من تحقيق ما تصبو إليه من نمو وازدهار وتقدم حضاري, و تكون نموذجا تقتبس الدول الغربية من مناهجها ما يساعدها على الخروج من مأزقها الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بكيان مجتمعاتها بعد أن كانت تونس حقل تجارب للغرب لما يمكن تمريره إلى الدول الإسلامية من مخططات تدميرية لمجتمعاتها حسب ما نراه مجسما على ارض الواقع وقد شهد به المستشرق جيب في كتابه الذي تحدث فيه عن تونس وموقعها في إستراتيجيات السياسة الغربية وهو من كبار المخططين لهذه السياسة. د. عبد الآله المالكي Malki1001@hotmail.com www.abdelilahmalki.com
دعاة العلمانية والحداثة والوصاية على التونسيين
فوزي مسعود www.MyPortail.com أفزعت الثورة التونسية الكثير من الأطراف المحلية حملة رايات التبعية الفكرية للغرب وخاصة فرنسا، وهي العناصر التي طالما تحالفت مع النظام المخلوع، وهي التي كانت تمثل جناحه الفكري والثقافي، وهي التي كانت ولازالت متحالفة مع الغرب وممثلة لمصالحه بل ومدافعة عنها وخاصة مصالحه الثقافية والفكرية. هذه الشراذم التي هي كشجر الزقوم الذي زرع بين التونسيين وفي أرضهم، يمثلون للأسف إحدى نجاحات مشروع الإلحاق الفكري الذي زرعته فرنسا بأرضنا، ورعاه ونظر له سيئ الذكر بورقيبة، واستغله الطاغية المخلوع حين أتخذ هؤلاء بطانة له لفرض مشروعه الاستبدادي، وهل كان دعاة التبعية إلا مستبدين يحبون الاستبداد وأهله، متسلطين على الناس بثقافتهم الهجينة. ويمكن تمييز عنصرين يؤكدان نجاح مشروع التبعية الفكرية والثقافية ببلادنا للغرب وفرنسا تحديدا، و هما: أولا ان هذه العملية المتصلة طيلة عقود كانت من القوة والنجاعة بحيث أثمرت ونجحت لحد بعيد في زعزعة الخلفية الفكرية العربية الإسلامية لدى كثير من التونسيين، ثم ثانيا أن هذه النجاحات كانت من القوة بحيث أن ضحاياها وصلوا مرحلة الاستقلال عن المركز الذي هو الغرب، في إنتاج المواقف، بحيث أن تونس وصلت لمرحلة إنتاج عينات من المنبتين فكريا من الذين تجاوزوا مرحلة الدعوة للمفاهيم الفكرية الإلحاقية بالغرب في شكلها الخام، و انتقلوا لمرحلة التنظير لمواقفهم المتفرعة عن تلك الأسس من خلال محاولات عرجاء لتأصيلها بالبحث لها عن تأويلات في التراث الإسلامي. و التبعية الفكرية أمر كبير، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض تمظهراتها الفكرية والسياسية وهي العلمانية واللائكية والحداثة، فهذه مصطلحات أصبحت أوعية تحمل المفاهيم الفكرية والثقافية وتجارب الغرب لغرض زرعها بمختلف الأساليب بين التونسيين. أما الذي أبانت عنه الثورة فهو قوة هؤلاء المنبتين فكريا، حدا جعلهم يستأنسون في أنفسهم الجرأة ليطرحوا أنفسهم منظمين لمسار الحراك الفكري بتونس بل ومقيّمين حتى للتراث الإسلامي وناقدين له. دعاة التبعية والوصاية على التونسيين
لم يرضى دعاة الحداثة والعلمانية بأن يكونوا طرفا كمجمل الأطراف بتونس، يعرضون بضاعتهم بين الناس ويقبلون بما يرتضيه هؤلاء، ولكنهم نصبوا أنفسهم قيمين على سوق الأفكار والثقافة، ففكرهم وثقافتهم هما الأرقى والأفضل بزعمهم، فالعلمانية هي التي يجب ان تنظم حياة التونسيين، والحداثة يجب ان تكون هي موئل التونسيين. ويصل التنطع بهؤلاء حد تصور أنهم مخولون بالتحكم في مصائر التونسيين، من خلال تنصيب أنفسهم أوصياء عليهم. فهؤلاء يرون أن لهم الحق في تحديد الخطوط وألوانها التي يجب على التونسيين مراعاتها في تحركاتهم، فهم يحددون الخطوط الحمر التي لا يجب على التونسيين الوصول إليها، وهم يحددون الخطوط الخضراء التي يمكن للتونسيين المرور بها، ولعلها الخطوط البرتقالية تلك التي يجب الوصول إليها لكي يقع القبول بك في منظومة الحداثة، علما أن الحداثة لدى دعاة التبعية هي كبيرة الآلهة وصنمهم العتيد أين منه أصنام العرب القدماء. ينصب دعاة التبعية هؤلاء أنفسهم أوصياء على البلاد من دون إذن أي من التونسيين، وهل يستحق الموصى به إذنا لدى هؤلاء، مايهم لديهم هو الإذن من الجهات المانحة الغربية، ومراكز البحث الأجنبية والأطراف التي تقف معها في نفس درجات الإنبات وإن كانت عربية. يسمح هؤلاء لأنفسهم أن يوزعوا صكوك القبول والرفض على التونسيين ويسعون لجعل مواقفهم تلك هي المعتمدة دون سواها، أسوة بالدول الغربية حين تتصرف بمنهج استعماري مع باقي دول العالم، فتقبل تلك الدولة وترفض الأخرى، ومن شابه أباه فما ظلم، فدعاة التبعية الفكرية بتونس أيضا، يريدون أن يجعلوا مواقفهم الفكرية العرجاء القوانين المسيرة لتونس، فهم يريدون منظومة فكرية وثقافية تلغي الأبعاد العربية الإسلامية إلا في بعض جوانبها المبتسرة الفلكلورية، وهو يلحون أن تكون هذه المنظومة منسوخة بأشكال معينة من تلك الغربية. ودعاة التبعية هؤلاء ينصبون أنفسهم أوصياء على التونسيين في العمل السياسي، يعطونهم التوصيات الواجبة إتباعها لقبولهم في الساحة السياسية، فهذا احدهم يقول في ما معناه أن على حركة النهضة التقيد بمبادئ الحداثة لكي يقع قبولها. ودعاة التبعية هؤلاء ينصبون أنفسهم أوصياء على التونسيين في العمل الإعلامي، فهذه إحداهن تقول في ما معناه أن على الإسلاميين أن لايذكروا بعض مصطلحاتهم علنا ويجب عليهم تغييرها، وعليهم أن يتخلوا على بعض أدبياتهم لكي يقع القبول بهم. ودعاة التبعية هؤلاء ينصبون أنفسهم أوصياء على التونسيين في أمور الإسلام وفهمه، فهذه إحداهن تقول في ما معناه أن الإسلام لا يجب أن يتدخل في تنظيم أمور الناس ويجب على القوانين الضابطة وعلى رأسها الدستور أن تكون علمانية بحيث لا يكون هناك تأثير للإسلام عليها. واجب التونسيين نحو دعاة التبعية الفكرية لدعاة التبعية أن يعتقدوا أن الفكر الغربي الذي يحملون راياته هو الأفضل، ولكنهم لا يجب ان يعتقدوا أن التونسيين يشاطرونهم ذلك الرأي، فعموم التونسيين يرون مواقفهم تلك مجرد دلالات على مراحل متقدمة من الإلحاق الثقافي والاستلاب الذهني. لهؤلاء أن يؤمنوا بعلوية الفكر والثقافة الغربية وأفضليتهما على مثيلتهما العربية الإسلامية، ولكنهم يجب أن يعرفوا أن عموم التونسيين لايرون مثل ذلك الرأي، فالتونسيون معتزون بدينهم لايرتضون غيره منظما لحياتهم، وعموم التونسيين معتزون بلغتهم العربية لايزالون متشبثين بها رغم عقود الاستهداف. وإذا كان دعاة التبعية مصابون بنوع من تضخم الذات الفكرية والثقافية، يتصورون أنهم بما يحملون هم المركز، فإن من حق التونسيين بل من واجبهم أن يوضحوا لهؤلاء ان تحركاتهم لاتناسب أحجامهم، من واجب التونسيين أن يوضحوا لهؤلاء أن الفكر والثقافة التي يحملونها لا تكاد تساوي شيئا لدى المسلم، وان أمرهم والهباء سواء. من واجب التونسيين أن يوضحوا لهؤلاء أن العلمانية هي اجتهاد بشري يلغي علوية الإسلام ومرجعيته الضابطة لكل مناحي المجتمع، وهي بهذا المعنى حرب على الإسلام، والمنادون بها محاربون للإسلام. من واجب التونسيين أن يوضحوا أن قيم الحداثة هي تشاريع بشرية تكرس في أغلبها الانحرافات وتقننها، وهي بهذا المعنى نقض للإسلام ومحاربة له، والمنادون بها محاربون للإسلام. من واجب التونسيين أن يبينوا لهؤلاء حقيقتهم وأنهم مجرد أعوان الاستعمار وأدواته، يشتغلون على الجانب الفكري والثقافي، وأنهم حقيقة ابعد مايكونون عن دور رجال الفكر والثقافة كما يروجون لأنفسهم.
السعودية ومنع المظاهرات
صدر عن وزارة الداخلية السعودية بيان يمنع التظاهرات في السعودية، ويخضعها للعقوبة وللتعامل القاسي من قبل قوات الأمن، وذلك بحجة أن المظاهرات تخالف الشريعة الإسلامية (المطبقة تماماً في المملكة حتى على الحكام)، كما أن المظاهرات تؤدي اإلى الإخلال بالنظام العام والتعدي على حقوق الآخرين. البيان يؤكد ما كرره علماء السلطان منذ قرون وهو الكلام الذي لم يعد يقنع أحداً: مخالفة الشريعة والفتنة. ونحن لن نناقش وجهة النظر هذه لأننا كتبنا عنها كثيراً كما أن فتاوى العلماء الحقيقيين الذين يقفون مع شعوب أمتهم بدل الوقوف مع الحاكم الظالم تغنينا عن إعادة وتكرار رأي الإسلام في الموضوع. هذه الآراء التي تبين لنا على الأقل أن في الشريعة الإسلامية التي يدّعون التحاكم إليها مجال يتسع للرأيين وأننا لسنا ملزمين باتباع أحدهما بل نحن مخيرون بحسب الوقائع والأحداث والوضع السياسي في البلد التي نعيش فيها. الأمر الوحيد الذي يمكن أن نشير إليه هنا أن أمر تحليل وتحريم المظاهرات ليس من أمور العقيدة (كما يحلو للبعض أن يؤصل له) وإنما هو اجتهاد فقهي يدور مع الأحكام الخمسة بحسب الحالة والوضع، وفيه مجال كبير للاختلاف وتباين الآراء. الجميل في الموضوع أن البيان صدر الآن وكأن المظاهرات كانت مسموحة من قبل! فماذا يريد البيان أن يقول لنا والمظاهرات وكل أنواع التعبير عن الرأي المخالف ممنوعة بتاتاً في المملكة منذ عهد عبد العزيز؟ ثم إذا كانت المظاهرت ممنوعة بحجة أن هناك وسائل أخرى للتعبير، فما هي الطريقة المسموحة للتعبيرعن الرأي في السعودية؟ الإعلام بجميع أشكاله يسيطر عليه النظام الحاكم. العرائض والكلام المباشر وغير المباشر مع الحاكم منذ أكثر من ثلاثين عاماً لم تفد شيئاً ولم تغير شيئاً. رفع الصوت بالمطالب يقابل بوعود كاذبة لم يتحقق منها شيء. هناك خطوط حمراء في كل ما يمس الأسرة الحاكمة والفساد الحقيقي والمال العام والسياسة الخارجية والارتماء في أحضان الأمريكان فكيف بعبر الناس عن أرائهم وأفكارهم وهمومهم؟ الدكتور خالد الماجد أستاذ الفقه في كلية الشريعة جامعة الإمام، كتب مقالاً بعنوان ماذا لو قال السعوديون الشعب يريد تغيير النظام؟ فكانت عاقبته أنه الآن مرمي في السجن مع أنه لم يخرج في مظاهرة بل عبر عن رأيه كما يطلب منه النظام تماماً فلماذا سجن؟ أليس فقيهاً يدرس الفقه للطلاب؟ ألا يعرف الحلال والحرام وما يجوز في حق الحاكم وما لا يجوز؟ أم أنه خرج من الملة لأنه كتب مقالاً؟ معتقلوا الرأي لا يستطيع أن يكتب عنهم أحد، الظلم الاجتماعي والسياسي والطبقي في السعودية ليس له مثيل يذكر بمزارع العبيد في القرون الوسطى (لا يوجد نظام الرق المسمى بنظام الكفيل إلا في السعودية). أموال البترول التي لا تأكلها النيران لا يسمح لأحد بمعرفة مصيرها الحقيقي. الأسرة الحاكمة لا يعرف أحد ميزانيتها الحقيقية. الفساد كشفه الله لنا في طوفانات جدة التي تكررت وستتكرر في الأعوام القادمة بمجرد هطول الأمطار، لأن المشكلة ليست في المجاري بل فيمن يحكم المجاري. شيوخ الإصلاح الذين كتبوا عريضة للملك بعد أحداث سبتمر، سجنوا ولم يخرجوا حتى تعهدوا بتغيير أساليبهم في انتقاد الدولة، وهم الآن حتماً نادمون على أنهم خرجوا من السجون لأنهم لو بقوا لاستطاعوا تحريك الرأي العام قبل عشرين سنة. حاول النظام أن يرشو الشعب بخمسة وثلاثين مليار دولار وهي أكبر رشوة في التاريخ المعروف، وهو ثمن بخس جدا لشعب كريم أصيل لا يمكن أن يشرى بالمال. فمن أين أتى المال؟ ومن أية ميزانية؟ وإذا كان هذا الفائض موجوداً فلماذا لم يوزع قبل ثورة تونس ومصر وليبيا؟ ولماذا يوزع بهذا الشكل البدائي وماذا سيفعل الذين لم يصلهم منه شيء؟ وهل كل هذه الأرقام أصلاً حقيقية؟ وكم سيصل منها فعلاً للناس؟ مئات الأسئلة التي لا جدوى أصلاً من طرحها طالما كان الأصل مفقوداً وهو الشفافية والمحاسبة حتى أعلى المستويات أي مستوى الملك والأمراء والوزاء والعائلة المالكة فمتى سيتم هذا؟ وكيف إذا كان الكلام عنه يقود إلى السجن. هذه الرشوة تدل على أن النظام مازال في القرن الواحد والعشرين يحكمنا بنظريات سياسية من أيام العهد الأموي والعباسي ومن أيام ما قبل الإسلام حتى. نظريات طبقها مؤسس المملكة عبد العزيز ويظن أحفاده أنها مازالت صالحة إلى الآن، كانت السياسة سابقاً تعتمد على الركائز الأربعة المعروفة: القوة العسكرية، المال الذي تشترى به القبائل المخالفة، الزواج والمصاهرة مع القبائل المعادية، وأخيراً الاعتماد على القوات الأجنبية. فهل تغيرشيء في سياسة المملكة اليوم؟ الأمر الوحيد الذي لم يطبق في عصرنا هو زواج الملك عبد الله من بنات كل العوائل السعودية بحيث يصبح الشعب داخلاً في الأسرة المالكة وبذلك يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه. أما بقية البنود فتطبق بحذافيرها ولكن مع اختلاف الزمان وتغير فهوم الناس وهمومهم ووعيهم وتطلعاتهم وخاصة الشباب منهم، وهم بالمناسبة أقل الناس استفادة من المكرمات الملكية الأخيرة، وهم المرشحون لقيادة الثورة المقبلة، ولكن الحكام لا يعقلون. النظام السعودي مصمم على الجمود وعدم التغيير، ومستعد أن يضحي بالشعب في سبيل البقاء، سياسته الخارجية خاصة فيما يتعلق بالثورات العربية الحديثة ممقتة وبائسة وسخيفة فهو النظام الوحيد الذي يستقبل المطاريد (رغم النهي الشرعي عن ذلك ولكن أين العلماء؟)، وهو النظام الوحيد الذي أيد المجرمين السارقين في تونس ومصر إلى آخر يوم حتى إنه النظام الوحيد الذي مازال يؤمن باحتمال عودتهم ويساعدهم على ذلك. أما موقفه من المجرم الليبي، رغم العداوة الشخصية بين الملك عبد الله والقذافي، فهو موقف أقل ما يقال عنه إنه دنيء بالنسبة للشعب الليبي العربي المسلم، فهو مازال يريد أن يصالح الشعب مع المجرم بعد كل ما سفك من دماء وكل ما حصل من مآسٍ. يرفض هذا النظام أخذ العبرة من البحرين ومن عمان ومن اليمن ومن التاريخ كله، لذلك لا مناصة من انهياره ولا مفر من سقوطه، حتى لو ظن الكثيرون أن هذا اليوم بعيد، ولكنه أقرب مما يظن الجميع، والوضع هناك كبقية الدول العربية ينتظر شرارة، يراهن الحكام على إمكانية كتمها ووأدها قبل أن تنطلق، وهم واهمون، فمن يستطيع أن يراقب كل عربات الخضار في دولته؟ ومن يستطيع أن يراقب كل صفحات الإنترنيت؟ ومن يستطيع أن يدخل عقول كل شباب الأمة؟ ومن يستطيع أن يحبس الهواء الذي يحمل الأخبار من كل العالم؟ ومن يستطيع قبل كل هذا أن يحول بين الله سبحانه وتعالى وبين دعوة مظلوم؟ معتز فيصل / ألمانيا 06.03.2011
الثوار: لا ملاحقة للقذافي إذا رحل
استبعد رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى عبد الجليل أي حوار مع العقيد معمر القذافي، وأكد للجزيرة أن القذافي لن يلاحق في حال رحيله خلال 72 ساعة ووقف القصف، وذلك حقنا لدماء الليبيين. وكان المتحدث باسم المجلس مصطفى غرياني قال قبل ذلك إن ممثلا للقذافي عرض محادثات على المجلس الوطني بشأن الرحيل. وأوضح غرياني أن “المجلس تلقى اتصالا من ممثل للقذافي عرض فيه التفاوض بشأن الرحيل وأن المجلس رفض، وقال إنه لن يتفاوض مع شخص أراق الدم الليبي ومازال يفعل”. وذكر أن المجلس لا يثق بالقذافي وليس لديه ما يجعله يثق به اليوم”. من جهة ثانية, تحدث مراسل الجزيرة عن وساطة تقوم بها دولة أجنبية لم يكشف النقاب عنها لترتيب خروج آمن للقذافي, وإمكانية عدم ملاحقته جنائيا في حالة التنحي. في مقابل ذلك, نفى كمال حذيفة المنسق بين المجلس الانتقالي والمجلس العسكري في ليبيا وجود أي عرض بإعفاء القذافي من الملاحقة الجنائية إذا تنحى عن السلطة. وقال حذيفة للجزيرة “لا مجال للتفاوض والحوار, والطريق الوحيد أمام القذافي هو أن يدخل القفص ويحصل على ضمانات بمحاكمة عادلة”. وقال أيضا “القذافي ارتكب جريمة إبادة بشرية ولا يحق لأي شخص أن يتنازل عن دماء الشهداء”, مشيرا إلى أن القذافي يحاول الخروج من الأزمة عبر وسطاء. كما قالت مصادر للجزيرة إن المجلس الوطني الانتقالي رفض جملة وتفصيلا عرضا من القذافي بعقد اجتماع لمؤتمر الشعب العام (البرلمان) ليعلن خلاله تخليه عن السلطة. وكان مراسل الجزيرة في بنغازي بيبه ولد أمهادي قد نقل في وقت سابق عن مصدر موثوق به أن القذافي أوفد المهندس عزوز الطلحي، وهو رئيس وزراء سابق وابن عم رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، ليعرض على الهيئة التي تقود المعارضة تشكيل لجنة لتسيير شؤون الحكم في البلاد بعد تنحيه مقابل ضمان سلامته الشخصية وسلامة عائلته وعدم ملاحقتهم قضائيا. وقال المجلس -حسب مصادر الجزيرة- إن السماح بتنحي القذافي ورحيله فيه نوع من الخروج المشرف له وإنه تنازل عن حقوق من يرى أنهم كانوا ضحايا حرب وجرائم ضد الإنسانية، ممن سقطوا ليس أثناء الثورة الحالية فحسب بل في أحداث سابقة تسبب فيها نظام القذافي. وكان القذافي قد اعتبر ترحيب دول مثل فرنسا بالمجلس الوطني الانتقالي تدخلا في شؤون ليبيا، قائلا إن هذا الاعتراف “مثير للضحك”. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 08 فيفري 2011)
´
قوات القذافي تعمد الى تهجير افارقة في زوارق الى اوروبا
2011-03-07 بنغازي ـ ا ف ب: اعلن ناطق باسم الانتفاضة الليبية في مصراتة في اتصال هاتفي مع فرانس برس الاثنين ان قوات الزعيم الليبي معمر القذافي تعمد الى جمع افارقة وارسالهم في زوارق الى اوروبا. وقال عبد الباسط ابو مزيريق المتحدث الرسمي باسم اللجنة التسييرية في مصراتة ان ‘رجال القذافي صادروا عشرة زوارق صيد وجمعوا نحو مئتي افريقي’. واكد ان قوات القذافي ‘وضعت الافارقة في الزوارق وارسلتهم الى سواحل اوروبا’. وقد لوح القذافي في تصريح صحافي الاحد ‘بخطر القاعدة وهجرة مكثفة الى اوروبا’ في حال سقوط نظامه. من جانبه حذر ابنه سيف الاسلام الاحد اوروبا في تصريح لقناة فرنسية من انه ‘اذا لم يساعدنا الاوروبيون فقد تتحول ليبيا الى صومال المتوسط’. واضاف ‘سيكون هناك قراصنة قبالة سواحل صقلية وجزيرة كريت ولامبيدوزا. وسيتدفق ملايين المهاجرين وسيصل الارهاب الى ابوابكم’. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 07 فيفري 2011)
عهد المواطنة العربي الجديد
برهان غليون كالعنقاء التي تنبعث من رمادها، تولد الشعوب العربية اليوم من الحطام الذي آلت إليه في العقود الطويلة الماضية على يد نظم سياسية واجتماعية قاهرة وقهرية، وتتقدم على مسرح التاريخ طامحة إلى امتلاك مصيرها. ويعني امتلاك المصير استعادة الحق الأصلي بالتصرف والسيادة التي نازعتها عليها قبل أن تنتزعها منها النخب الحاكمة في سياق تاريخي استثنائي كسرت فيه إرادة الشعوب العربية، ونجحت فيه الدول الكبرى في استتباع النخب الحاكمة واستخدامها للعمل على أجندتها الخاصة. هي إذن بالجوهر ثورة سياسية عميقة تعيد تشكيل الشعوب التي صارت في العقود الماضية في حكم الرعايا والأتباع والموالي والعبيد المنقسمين والمتنازعين والمهمشين والشاكين بعضهم ببعض واليائسين من مصيرهم ومستقبلهم والمحتقرين لأنفسهم والمنخلعين عن ذواتهم بسبب عمق المهانة والعطالة والإحباط، وصهرها في أتون الحركة الاحتجاجية والثورة المستمرة على أشباه أسيادها أو أسيادها الزائفين، إلى أمم أو شعوب أمم يوحدها العمل المشترك والأمل الجامع في استلام زمام أمورها وانتزاع حقوقها. ففي هذه الثورة ومن خلالها اكتشفت الشعوب التي دفعت إلى الشك بنفسها، وحدتها وقدراتها، أي ذاتها، ووقعت، من دون أن يستدعي ذلك أي مفاوضات مسبقة أو حوارات سابقة أو تنظير، على عقدها أو عهدها الوطني الجديد: عهد الخبر والكرامة والحرية، تماما كما كانت الثورة الفرنسية لعام 1789 قد أسست لعهد الديمقراطية الغربية الجديد بشعارات تحولت في ما بعد إلى جدول أعمال جميع الشعوب الغربية والديمقراطية: الحرية والمساواة والإخاء. وقصدي من ذلك أن أقول أيضا أن هذه الثورة هي بالتأكيد ثورة الديمقراطية العربية كما وصفها العديد من المحللين، بما تعنيه الديمقراطية من إلغاء نظام السلطة المطلقة او أشكال الحكم الديكتاتورية وإقامة نظم سياسية تقوم على مشاركة جميع الأفراد في القرارات العمومية من خلال ممثلين ينتخبونهم بحرية. وهذا ما حصل في أوروبا الشرقية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وما حصل في أميركا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية قبل ذلك في السبعينات. لكنها ليست كذلك فحسب. ولا تقتصر على عملية إطلاق الحريات لشعب انتزعت منه. إنها أكثر شبها بالثورة الفرنسية التي لم تكن هي أيضا مجرد إطلاق للحريات أو تغيير نظام سياسي ديكتاتوري بنظام ديمقراطي آخر، وإنما إطارا لولادة أمة من هشيم الرجال والطوائف والجماعات المحلية والطبقات المتنابذة التي تنكر بعضها البعض. ومن حيث هي كذلك كانت في الوقت نفسه ثورة نفسية وأخلاقية وفكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية تستبطن بالضرورة انقلابا جيوستراتيجيا أيضا. فما حصل في البلاد العربية في العقود الأربع الماضية، على يد بعض النخب التي استلمت السلطة في ظروف تاريخية وبوسائل استثنائية، هو إعادة توطين الملكية المطلقة والتعسفية فيها كما لم يحصل في أي منطقة من مناطق العالم الأخرى، فوضعت العالم العربي بالفعل في حالة شاذه معاكسة لحركة التاريخ واتجاهها. وأقصد بالملكية المطلقة هنا نفي أي حقوق مهما كانت للشعوب في المشاركة في تقرير الشؤون العامة، وتحويلها إلى شعوب قاصرة أو فرض حالة القصور عليها، وتحويل البلدان إلى ما يشبه الإقطاعات القرسطوية التي يتحكم فيها أولياء نعمة من الملوك والسلاطين والرؤساء المبجلين الذين يفرضون سيطرتهم من خلال ترويع السكان بالميليشيات المسلحة التي لا تخضع لقانون غير إرادتهم، ويستحلون جميع الحقوق ويتعاملون مع البلاد كما لو كانت ملكية خالصة لهم، ولهم عليها حق التصرف الكامل، لهم ولأبنائهم وأقربائهم، كما يملكون حق الموت والحياة على السكان ويحولونهم بالجملة إلى عبيد وأقنان وأتباع. وربما كانت نكتة توريث الأبناء الحكم من قبل الآباء في الجمهوريات العربية هي أكبر مؤشر على نوعية هذه العلاقة التي نشأت بين أصحاب الحكم وبين الأرض والشعب، وكان من نتيجتها تصفية الإرث الفكري والسياسي الوطني أو المواطني العميق الذي تراكم منذ عصر النهضة في القرن التاسع عشر وعزز الشعور بوجود شعب وأمة عربيتين لدى الأفراد وفي نظر الرأي العام العالمي أيضا، بعد الانتصار على الاستعمار ونيل الاستقلال ثم في مرحلة ثانية، الثورة الوطنية التي تفجرت في الخمسينات والستينات بهدف تعميق أسس الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي ودمج الأرياف في الحياة العامة ، وقادتها الحركة القومية العربية، والناصرية منها بشكل خاص. ونجم عن انحطاط نموذج الحكم والسلطة في البلاد العربية تدمير منظم للنسيج الوطني، وتفجير نواة الوطنية الجديدة التي ولدت في إطار الصراع ضد الاستعمار والهيمنة الاجنبية وفي سياق الطموح إلى الانخراط في العصر ومسايرة القيم السياسية الحديثة. وحلت السلطة الشخصية المستندة إلى الولاء للحزب الواحد أو الطائفة أو العشيرة، محل سلطة القانون، وفرغت مؤسسات الدولة جميعا من مضمونها، واحتلت الجماعات الزبائنية ذات الأصول الحزبية أو الطائفية أو العشائرية الدولة واستعمرت مؤسساتها وطردت أي أثر لروح السياسة الوطنية وللقانون فيها، وتحولت الجيوش إلى ميليشيات تأتمر بأوامر النخب الحاكمة ولا تخدم سوى مصالحها، وأخضعت نظم التعليم لحاجات تعزيز سيطرة هذه النخب وهيمنتها، ووظفت المعارضات السياسية ذاتها، بعد عمليات إخضاع وإذلال وتدجين طويلة ومتواصلة، في خدمة السلطة شبه الإقطاعية الجديدة، وحيل بين الأفراد وإمكانية التواصل والتعارف والتفاهم والعمل المشترك والتعبير عن الرأي أو المصالح الخاصة، فما بالك بالتنظيم والتظاهر والاحتجاج. ووصل الأمر إلى حد منع الناس من التضامن في ما بينهم أثناء الكوارث الطبيعية من زلازل وغيرها حتى لا يقلل ذلك من هيبة الدولة أو القائمين عليها. وتفنن النظام في تفريغ الثقافة العربية من محتواها التحرري والإنساني أيضا، وفي تعميم ثقافة تجمع بين تعميم الخوف الشامل، من كل شيء ولأي سبب أو من دون سبب، نتيجة العسف المعمم وغياب أي حماية سياسية او قانونية للفرد، والانكفاء على النفس، والاستقالة من أي مسؤولية عمومية، والإنطواء على قيم العصبية الاسرية أو العائلية أو الطائفية او العشائرية، واليأس من المستقبل والانسحاب من العالم وإدارة الظهر لكل ما يشير إلى قيم التحرر الحديثة. وفي هذا العالم الاجتماعي الجديد الذي صاغه النظام، وفرغه من أي لحمة مدنية تجمع بين الأفراد ، والذي أقامه على تعميم الخوف الدائم والتهديد المنظم الذي يضمنه الحضور الشامل لأجهزة الأمن والقهر والمخابرات، والاستخدام المفرط للعنف الرمزي والمادي معا، والقطيعة مع العالم الخارجي، النفسية والفكرية وأحيانا المادية، وسن قوانين المراقبة على كل ما يتعلق بالاتصالات الحديثة والقديمة، وتنويع القيود المفروضة على تنقل الأفراد وحركتهم، داخل بلدانهم وخارجها، وكسر حلقات التواصل الاجتماعي والثقافي بتضييق هامش العمل الجمعوي والإنساني والخيري، وكل ما يتعلق بما نسميه اليوم منظمات المجتمع المدني، وتجنيد قسم كبير من النخب المثقفة لبث ايديولوجية القهر الذاتي التي تقوم على تغذية مشاعر كراهية الذات وتشجع على الانخلاع عن الهوية والبرم بالانتماء للجماعة التاريخية والثقافية، من خلال الانتقاص من قدر الحضارة العربية وتشويه التاريخ وتسويد الثقافة وتقزيم الإنسان والتشكيك بتاريخ العرب ومقدرتهم العقلية على تمثل قيم الحضارة الحديثة أو معانقة القيم المدنية، وتكبيلهم بمشاعر الفشل والعجز واللافاعلية، وتوجيه الدراسة التاريخية والاجتماعية نحو ميادين لا هدف منها سوى إفقاد الفرد الثقة بنفسه ومقدرة مجتمعاته على الانخراط في العصر، مثل ما اعتدنا على قراءته عن الجروح النرجسية والعصاب والماضوية والانطواء على النفس والعداء للآخر، مما حفلت به المكتبة العربية في العقود الثلاثة الماضية ولم تعرفه الدراسات الاجتماعية عن أي شعب آخر خلال التاريخ، أقول في هذا العالم الاجتماعي الجديد الذي ساهم في خلقه واستمراره الطغاة الكاسرين والأجهزة الامنية الضاربة والمتمولين الشرهين والمثقفين والدعاة المحبطين والناقمين أو المستفيدين، انحلت جميع العرى الاجتماعية، وقضي على أي أثر للروح العمومية، للوعي الجمعي والإرادة العامة. لم يعد هناك شعب ولم تعد هناك أمة ولم يعد هناك مجتمع. ما بقي هو هشيم من الأفراد الذين يتعامل معهم النظام كزبائن، يجازيهم أو يعاقبهم حسب ولائهم له أو ابتعادهم عنه. وبمقدار ما فقد المجتمع مرجعياته السياسية والقانونية، وقتل فيه معنى الإنسان والإنسانية، أصبح أفراده يتعاملون في ما بينهم أيضا كزبائن، يشترون ولاء بعضهم، حتى داخل الأسرة الواحدة، ويبيعون بعضهم ويشترون بعضهم كما يبيعهم النظام ويشتريهم. في هذا السياق تشكل استعادة الشعوب لسيادتها وحقها في تقرير مصيرها من يد الطغاة والطغم التي حولتها إلى رعاع حتى تتحول هي إلى ملوك وسلاطين وأسياد السلطة والمال والجاه، إطارا لاستعادة الوجود كأمة وشعب ومجتمع وجماعة حية، وفي السياق نفسه إلى استعادة الملكية على الأوطان التي انتزعت وحولت إلى إقطاعات قرسطوية. وهي تنطوي بالضرورة، في ما وراء نداء الحريات المدنية والسياسية وبرامج تطبيقها وتعميمها على كل فرد، على ثورة أخلاقية واجتماعية وسياسية بالمعنى العميق للكلمة. فأول أبعاد هذه الثورة التاريخية، والأكثر وضوحا في الأحداث اليومية المستمرة لها ، هو من دون شك قلب التوازنات السياسية القائمة، بحيث يصبح من كان فوق تحت والعكس. فقد انقلبت الأية وصار الشعب منذ الآن هو سيد الموقف بعد أن كانت النخب الحاكمة المسلحة بأجهزة الأمن والمخابرات، وهو الذي يقود اللعبة السياسية ويحدد برنامج عمل الحكومة وجدول أعمالها. ولأول مرة في تاريخ العرب يتعرف الشعب على نفسه، ويتصرف بالفعل كمصدر للسلطات، ولا يتضرع للحاكمين أو يستجديهم احترام حقوقه، كما لا يتطلع للدول الأجنبية لاستجداء بيان الإدانة أو الشجب أو المساعدة وإنما يعتمد على نفسه ويحرص على عدم السماح لأي قوة داخلية أو خارجية أن تنتقص من سيادته. ولأول مرة تجد النخب الحاكمة نفسها في وضعية التبعية لإرادة الشعب والخادمة له. ولعل أفضل ما يعبر عن ذلك هذا الشعار الذي انتشر أيضا كالثورة في جميع أصقاع العالم العربي كشعار رئيسي ودائم : الشعب يريد. في البداية كانت الإرادة متمثلة في إسقاط النظام والآن جميع المطالب الاجتماعية تبدأ بفكرة الشعب وبالشعب. لكن في ما وراء هذا الانقلاب التاريخي الذي نشأ من إعادة تعريف العلاقة أو تحديدها بين الشعب والنخبة الحاكمة، أو بين السلطة والجمهور، هناك ثورة أخلاقية أعمق من ذلك تتعلق بإعادة تعريف العلاقة بين الفرد والفرد في إطار هذه السلطة التي يملك الشعب زمامها ويشكل مصدرها. ويعني الانقلاب هنا الانتقال من تعريف الناس، أو تصورهم لأنفسهم، في ما يتعلق بالعلاقات بين بعضهم البعض، كزبائن وأتباع وموالي ومحاسيب وأزلام، داخل الأحزاب وخارجها، في وسط النخب الحاكمة وداخل صفوف الشعب والمعارضة معا، إلى مواطنين. وجوهر المواطنة الاعتراف بالمساواة في إطار القانون أولا، لكن أبعد من ذلك، على المستوى الفكري والأخلاقي. ولا مساواة من دون الحرية التي تشكل جوهر المواطنة كحقيقة سياسية ومسؤولية عمومية. ومن منطلق المسؤولية التي تؤسسها الحرية والمساواة ينبع التكافل الضامن لإعادة انتاج علاقة المواطنة أي الشعب بوصفه أفرادا أحرارا ومتساوين، أو استمرارها. وأي إلغاء للحريات والمساواة القانونية والأخلاقية أو انتقاص منها أو مس بقداستها، يهدد تماسك الأمة ووحدة إرادتها ووجودها. في هذا السياق الذي تكونت فيه الأمة، أي روح المواطنية الجامعة، من خلال التضامن النشط الذي ما كان من الممكن للثورة أن تنتصر وتحقق أهدافها من دونه، برزت القيم الجديدة التي صقلت الأفراد وأعادت تربيتهم في لحظة واحدة، اللحظة التأسيسية المنبثقة في زمن الثورة المحررة، وهي في طريقها لإعادة تشكيل القيم والعلاقات الاجتماعية على أنقاض ثقافة الزبائنية والمحسوبية التي ورثتها من الحقبة الاستبدادية البائدة. فعادت الامور إلى نصابها الطبيعي، لم تلغ العائلية ولا الانتماءات الطائفية والقبلية ولكنها رجعت إلى حجمها الطبيعي أمام صعود مشاعر الانتماء الوطني والهوية الجامعة والمصالح والقيم الاجتماعية. فوجدنا الناس يتصرفون بعفوية وبساطة كأعضاء في مجتمع أو شعب واحد، يدافع كل فرد عن الآخر ويضحي من أجله، كما شاهدنا تسامي الأفراد والجماعات على مصالحها الخاصة والزمنية والارتفاع إلى مستوى المباديء المحركة والملهمة، فتراجعت وفي بعض الأحيان ذابت التمايزات والتناقضات الدينية وغير الدينية والحزازات الطائفية والعشائرية، وسار الجميع في حركة واحدة وعلى قلب واحد تحملهم موجة الانعتاق من ذل القهر والجوع والخوف الذي دمر لحمتهم الاجتماعية والوطنية. لقد ولدت الامة الحرة من تلك النواة الشبابية الصغيرة التي نجحت في التحرر من نظام العبودية وملحقاته الثقافية والسياسية والاجتماعية، وتعامل فيها كل فرد مع ذاته كرجل حر ومسؤول ومع أقرانه كأفراد أحرار مساوين، بصرف النظر عن أصولهم وأفكارهم واعتقاداتهم. ما جمع بين هؤلاء كافة لم يكن العقيدة الواحدة ولا الأصل الواحد ولا الدين أو المذهب الواحد، وإنما الإرادة الواحدة في العيش بكرامة وحرية، أي الطموح المقدس لمعانقة أفق القيم الانسانية، الذي لا يمكن لفرد أن يحترم فيه ذاته من دون أن يحترم غيره، ولا أن يضفي الشرعية على حقوقه، وأولها الحرية، من دون أن يعترف بشرعية حقوق الآخر، وبالتالي مساواته معه، وتقاسمه مع أعضاء مجتمعه جميعا حياة الكرامة والمسؤولية. كان من الطبيعي أن لا تخرج ثورة التكوين الجديد للشعب الأمة، أو انبعاثه كمجتمع مواطنين أحرار ومتساوين، من رحم تلك البؤر السياسية والثقافية والاجتماعية التي نشأت في ظل العلاقات الزبائنية وترعرت في ثقافة الاستقالة السياسية والأخلاقية، وإنما في وسط أجيال جديدة شابة لم تعرف حياة الذل والمهانة والزبائنية ولم تتعامل معها، بقيت متحررة من تجارب الماضي السلبية، ومن القيود الذاتية المفروضة على العقل والمانعة له من معانقة أفق الكونية الانسانية. فمن الكرم الذي يحرك روح الشباب في كل زمان ومكان ويجعل منهم الأسرع إلى التضحية ونكران الذات، وروح الحرية الطبيعية التي تسكن أجيالا لم تلوثها النزاعات الفكرية المديدة وتمزقها الحزازات المذهبية القديمة، سوف تولد ثورة الحرية والكرامة والأخوة العربية. وهي في الواقع وطنية عربية جديدة، أي مشروع أمة جديدة، تولد الآن من وراء الحدود الجغرافية وعبرها، تجمع بين العرب من دون استثناء وتوحدهم من جديد حول مباديء وقيم أساسية سوف تشكل المرجعية في تعامل الأفراد مع بعضهم البعض وفي تعاملهم مع النخب الحاكمة والسلطات السياسية، وتشكل بالتالي العقد أو العهد العربي الوطني الجديد . وهي وطنية لا يتناقض فيها القطري والقومي وإنما يتكاملان بمقدار ما يعزز تحرر شعب عربي من نظام الإذلال والقهر والعبودية والجوع تحرر الشعب الآخر، ويزيد من قدرته على مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية. كما لا تنفي فيها ممارسة الحريات الفردية الحقوق الجماعية، سواء أتجسدت هذه الحقوق في تأكيد تكافل الجميع في مواجهة الفقر والجوع، أو في تعاونهم للحفاظ على السيادة والاستقلال في مواجهة الضغوط الأجنبية. هنا تتكامل الأجندة الديمقراطية مع الأجندة الوطنية مع الأجندة الاجتماعية وتنشيء أو تدفع إلى ولادة نموذج لنظام مجتمعي وإقليمي جديد يشكل الالتزام بما سميته العهد الوطني العربي الجديد، عهد الخبز والكرامة والحرية، وتحقيق أهدافه وإنجاحه والفوز فيه، أساس وحدة مشاعر عرب اليوم وغاياتهم ومحور اجتماعهم، وقريبا الأساس العقدي لاتحادهم كافة، داخل كل قطر، وعلى مستوى الأقطار جميعا. ويعني عهد الخبز في هذا البرنامج المؤسس لوطنية عربية وأمة جديدة، أنه لا يجوز بعد اليوم أن يقبل العربي بأن يكون هناك في بلاد العرب من يجوع، وأن تأمين الحد الأدنى للحياة هو التزام جماعي، أخلاقي، وليس سياسة حكومية فحسب. وهو ما يساوي في العهد الجمهوري القديم شعار الإخاء والتكافل والتضامن كحق طبيعي للأضعف وواجب على الأقدر، وما لا يستقيم من دونه بناء اجتماعي حي وقابل للحياة. وتعني الكرامة أن احترام كل فرد، بصرف النظر عن أصله وفصله ومهنته ووضعه الاجتماعي هو واجب وطني، وأنه لا يجوز أن يبقى في بلاد العرب من يقبل الذل او يتعرض للاذلال سواء أجاء ذلك من قبل إهانة فرد لآخر أو جماعة لأخرى أو الانتقاص من كرامتهما أو حقوقهما، او ممارسة أي أشكال حاطة بالكرامة الانسانية تجاه أحد سلطة كان أم فردا أو جماعة مدنية. وأن أساس هذا الاحترام المتبادل للإنسان في كل إنسان، هو مساواة الجميع، من وراء اختلافات البشر والأفراد في اللون أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية أو الديانة أو الثقافية أو المذهب أو الفكر أو العقيدة السياسية. وأخيرا تعني الحرية الاعتراف بالحق المقدس لأي فرد في التصرف بشؤونه وتحكيم ضميره والتعبير عن نفسه وفكره والتواصل مع أقرانه والمشاركة المتساوية مع غيره في النشاطات العامة السياسية وغير السياسية، كما تعني كفالة تأمين ممارسة هذا الحق للجميع من دون تمييز، وأن أي انتهاك لهذا الحق والحريات المدنية والسياسية والاجتماعية المرتبطة به هو انتهاك لحق الجماعة والمجتمع وليس لحق الضحية فحسب، وتهديد للعهد الوطني وخيانة للمباديء التي قامت على أساسها وحدة المجتمع والشعب. من هنا، في ما وراء مظاهر التحرر السياسية البارزة اليوم، تشكل هذه الثورة/الثورات مرجلا عظيما لإعادة صهر الشعوب العربية التي شوهها الطغيان والاستقالة المعنوية والفساد، وحولها إلى أشباه أمم وأشباه رجال وأشباه دول، وإعادة صوغها في قالب جديد، إنساني واجتماعي، أي إعادة صقلها بالقيم والمباديء والمثل العليا التي انتزعت منها أو فرض عليها الانخلاع عنها حتى تتحول إلى ما يحتاج إليه الطغاة من انحطاط ليتمكنوا من وضع أنفسهم في موضع المبدأ الأخلاقي الملهم والروح المحركة والجامعة لهشيم الأمم وركامها. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 08 فيفري 2011)
تقرير استخباري يكشف عن وجود علاقات بين حزب العمال الكردستاني وإسرائيل
2011-03-08 إسطنبول- كشف تقرير استخباري أعده جهاز المخابرات العامة التركي وقدمه خلال اجتماع مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس عبد الله غول في 24 شباط/ فبراير الماضي أن حزب العمال الكردستاني يقيم علاقات مع إسرائيل. وذكرت صحيفة (توادي زمان) التركية في موقعها الإلكتروني الثلاثاء أن التقرير يشير إلى أن الحزب لديه خطة للقيام بانتفاضة في الربيع المقبل في محاولة للتأثير على الانتخابات العامة المقررة في 12 حزيران/ يناير المقبل. ونقلت الصحيفة عن مسئول أمني بارز لم تذكر اسمه قوله إن تقرير المخابرات يشير إلى أن إسرائيل كثفت اتصالها مع حزب العمال الكردستاني انتقاما للقاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان مع قادة حزب الله أثناء زيارته إلى لبنان. ويقول التقرير إن الحزب يشعر بالقلق إزاء ا نخفاض معدل التصويت لصالح حزب السلام والديمقراطية حيث يخوض مرشحوه الانتخابات كمستقلين. وتضمن التقرير مقابلات مع عناصر مختلفة من حزب العمال الكردستاني بشأن استراتيجية عمله في فصل الربيع. واعترف المسلحون في المقابلات بأنهم تلقوا تدريبا على يد مسئولين بالموساد. ولدى جهاز المخابرات العامة مشاهد فيديو لمقابلة يقول فيها مراد كارايالان المسئول الثاني بالحزب إنه هاجم القاعدة البحرية في الإسكندرونة أثناء أزمة أسطول الحرية في أيار/ مايو 2010 حيث قتلت إسرائيل تسعة أتراك أثناء التوجه إلى قطاع غزة محملا بالمساعدات الإنسانية. ويقول كارايالان إن الحزب وإسرائيل عملا معا أثناء حادث سفينة بحر مرمرة. وذكر خبراء إن شريط الفيديو يوضح أن الحزب وإسرائيل قام معا بتنسيق بعض الهجمات الإرهابية التي نفذها الحزب. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 08 فيفري 2011)