الأربعاء، 9 يونيو 2010

Home – Accueil

TUNISNEWS

 10ème année, N°3669 du 09.06.2010

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

ولضحايا قانون الإرهاب


حــرية و إنـصاف:استمرار المراقبة اللصيقة لرئيس وأعضاء المكتب التنفيذي لمنظمة حرية وإنصاف
السبيل أولاين: تقارير أمنية كيدية تحرم مواطنين في نابل من جوازات سفرهم كلمة:

منظمات دولية تصف وضع حرية التعبير في تونس بالمتردي

قدس برس:منظمات دولية تنتقد تسييس القضاء بتونس

كلمة:اتحاد الشغل والرابطة ينظمان مسيرة تضامن مع أسطول الحرية

الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بتونس :توضيح

زياد الهاني:ملف الفساد في “لابريس”: متى يحسم الرئيس المدير العام أمره؟

أولياء أمور تلاميذ المدرسة التونسية بالدوحة: رسالة إلى سيادة رئيس الجمهورية  

الصباح:البشير التكاري في اجتماع عام بصفاقس:الأمن الاقتصادي رافد للاستقلال الوطني

كونا:افتتاح المؤتمر العربي الرابع للمسؤولين عن الامن السياحي

الشيخ عبد الوهاب الكافي :خواطر في ذكرى التّأسيس

الخبر:تفاصيل جديدة عن اغتيال علي تونسي

الصباح:من الذاكرة الوطنية بورقيبة والماركسية

جون مولينو:عن الماركسيّة والدّين: أكثر من أفيون

مصطفى زين :الدين في صلب الصراع السياسي

موفق نيربية :عن فشل الدولة بين احتكار العنف المشروع وغير المشروع

عبدالسلام المسدّي :شيء من تاريخ الثقافة

محمد كريشان:مستقبل الصحافة العربية المستقلة الطيب السماتي:تهنئة

المصريون:سفينة سويسرية تشارك في “أسطول الحرية 2” الجاري إعداده

العرب:حماس لا تمانع وجود بعثة أوروبية لمراقبة معبر رفح وميناء غزة

الجزيرة.نت:أميركا قلقة لخلاف تركيا وإسرائيل

الجزيرة.نت:تركيا من حليف لأميركا لشوكة بحلقها

رشاد أبوشاور:تركيا: الدور والمصلحة!

عبد الباري عطوان: افول عربي.. وصعود تركي ايراني

د. فهمي هويدي:دعوة لإتقان التزوير

لمى خاطر:رموز الأمة.. نوافذ غزة على العالم!

يوسي بيلين:اسرائيل والعالم: ليس الاعلام بل السياسة


 Pour afficherlescaractèresarabes suivreladémarchesuivan : Affichage / Codage / ArabeWindows)Toread arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


 منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

أفريل 2010

https://www.tunisnews.net/23Mai10a.htm


الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 26 جمادى الثانية 1431 الموافق ل 09 جوان 2010

أخبار الحريات في تونس

 


1)    استمرار المراقبة اللصيقة لرئيس وأعضاء المكتب التنفيذي لمنظمة حرية وإنصاف: لليوم الثالث على التوالي يتعرض عدد من أعضاء المكتب التنفيذ لمنظمة حرية وإنصاف للمراقبة اللصيقة، فبالإضافة للأستاذ محمد النوري رئيس المنظمة الذي يخضع باستمرار للمراقبة والمتابعة والمحاصرة سواء بمكتبه أو منزله أو عند تنقله، يتعرض منذ ثلاثة أيام كل من المهندس عبد الكريم الهاروني الكاتب العام لمنظمة حرية وإنصاف والمهندس حمزة حمزة والسيد محمد القلوي عضوي مكتبها التنفيذي إلى مراقبة لصيقة من قبل أعوان البوليس السياسي الذين يتبعونهم في كل تنقلاتهم على متن سيارات مدنية ودراجات نارية. وحرية وإنصاف تدين المضايقات المسلطة على عضوي مكتبها التنفيذي وتطالب بوقف هذه الممارسات المخالفة للقانون التي تحد من حرية العمل الحقوقي وتدعو السلطة إلى فسح المجال أمام المدافعين عن حقوق الانسان حتى يقوموا بواجبهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان والحد من التجاوزات والانتهاكات.  2)    حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان: لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور.  عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري

تقارير أمنية كيدية تحرم مواطنين في نابل من جوازات سفرهم


السبيل أونلاين – تونس – خاص   أفادت مصادر خاصة أن مجموعة من مواطني مدينة نابل ممنوعة من السفر بسبب رفض السلطات التونسية اصدار جوازاتهم بتعلة أن أبنائهم ملتحين . وقد حرم بعضهم من آداء عمرة هذه السنة والتخطيط للقيام بمناسك الحجّ .   نشير الى أننا سبق وان نشرنا وثائق تخص وضعية السجين السياسي السابق نجيب الكريفي أصيل مدينة نابل المحروم من جواز سفره منذ عقدين رغم مطالبه ومراسلاته المكررة للحصول على جوازه .   وأكدت مصادر السبيل أونلاين أن المواطنين المعنيين ، اتصلوا مرار بالسلطات الأمنية المعنية باستخراج وثائق السفر ، وكان ردّ المصالح الأمنية في كل مرّة “انهم ممنوعون من جوازات السفر بسبب أن أبناءهم ملتحين” . واضافت احدى العائلات في حديثها الى مصادرنا “أن التقارير الأمنية المرفوعة الى وزارة الداخلية بشأن ابنها ليس لها أساس من الصحّة ، مشيرة الى أن عون البوليس في مركز شرطة سيدي عمر المدعو عزّ الدين طلب منهم رشوة قدرها 50 دينارا ، وبعد رفضهم دفع الرشوة قام العون المذكور برفع تقريره الكاذب. جدير بالذكر أن المواثيق الدولية لحقوق الانسان تؤكد أن “الجرم” (في صورة وجوده) لا يجب أن يتعدى فاعله.   ويكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني عبر الشرعة الدولية لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة حق الإنسان في الإقامة التنقل والسفر وقد تمت الإشارة صراحة عبر المادة الثالثة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نص على أن لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة ، ويحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه .   كما وتعد حرية التنقل والسفر من الحريات العامة التي لا يجوز مصادرتها أو تقييدها ، وقد حرص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على إرساء هذا الحق في المادة (12) والتي تنص على أن :”لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته”. ويكفل البند الثاني من ذات المادة حرية مغادرة المواطن لأي بلد بما في ذلك بلده .   وأكدت العائلات المحرومة من جوازات السفر الى مصادرنا بأنها تنوي رفع مظلمتها الى القضاء والى منظمات حقوق الانسان في صورة عدم تمكينهم من جوازاتهم .   ولنا عودة الى هذه القضية ان شاء الله …   (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 09 جوان 2010 )  
 


منظمات دولية تصف وضع حرية التعبير في تونس بالمتردي


حرر من قبل التحرير في الثلاثاء, 08. جوان 2010 أصدرت يوم 6 جوان 2010 ببيروت مجموعة مراقبة حرية التعبير في تونس المكونة من عشرين منظمة دولية عضوة في آيفاكس تقريرها عن وضع حرية التعبير في تونس خلال منتدى الصحافة العربية الحرة الذي استضافته الجمعية العالمية للصحف و ناشري الاخبار العضو في مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس.  وصدر التقرير بعنوان : “ما وراء الواجهة : تقويض حقوق الإنسان في تونس بسبب تسييس القضاء وفرض العقوبات الإدارية”.  وكشف التقرير كيف يتمّ توظيف النظام القانوني في تونس والتلاعب به من أجل إسكات الاراء المخالفة. وبيّن حاجة تونس لنظام قانوني مستقل استقلالا تاما عن الإرادة السياسية والتوظيف ضد الخصوم، معتبرا أن ذلك هو السبيل لحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير التي يكفلها الدستور.  و قد استند التقرير على سبع زيارات قامت بها المجموعة لتونس، كانت آخرها بين 25 أفريل و6 ماي 2010، ولوحظ من خلالها أن وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير في تونس قد تدهور تدهورا مقلقا عما كان عليه خلال الزيارة التي قامت بها المجموعة سنة 2007.  ويسجل التقرير عددا من الإنتهاكات المتكررة من مضايقات ومراقبة إدارية، وسجن الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان بالاضافة إلى احتجاز الناشطين في ظروف قاسية، وتعريضهم للمضايقات الجسدية وفصلهم من وظائفهم. وكذلك حرمان آخرين من حقوقهم في الاتصال والتنقل بحرّية. وتضمّن التقرير 18 توصية من أجل تغيير الوضع باتجاه حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير. (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 08 جوان 2010)
 


منظمات دولية تنتقد تسييس القضاء بتونس


تونس-قدس برس: قالت منظمات دولية إنّها تشعر بقلق خاص بسبب استمرار الاعتقال والاحتجاز والترهيب للإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وممارسي المهن القانونية في تونس. ولاحظ أعضاء بعثة تقصٍّ مكوّنة من فرق مراقبة حالة حرية التعبير في تونس التابع للشبكة الدولية أيفيكس ما وصفوه بالتناقض القائم بين بناء الدولة الدستوري والتشريعي وفشلا في حماية حقوق الإنسان وتعزيز سلطة قضائية موضوعية. وخلص تقرير البعثة الذي تم إطلاقه في بيروت على هامش المنتدى العربي الرابع لحرية الصحافة إلى أنّ تونس بحاجة إلى جهاز قضائي مستقلّ لوقف تدهور سجلها في مجال حقوق الإنسان ومعاملة سجناء الرأي. واعتمد التقرير على مقابلات التي أجرتها البعثة في تونس بداية شهر مايو الماضي، وسجلت البعثة عددا من الانتهاكات المتكررة والمضايقات وسجن الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان بالإضافة إلى حالات احتجاز في ظروف قاسية وانتهاكات جسدية وفصل من الوظائف والحرمان من حقوق الاتصال والتنقل بحرية. كما تناول التقرير سلسلة من العقوبات الإدارية المستخدمة لممارسة ضغوط غير مباشرة على الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، إلى جانب الضغوط المالية على صحف المعارضة ومنع التراخيص للإذاعات والصحف المستقلة.  
عن الشرق القطرية
 


اتحاد الشغل والرابطة ينظمان مسيرة تضامن مع أسطول الحرية


حرر من قبل التحرير في الثلاثاء, 08. جوان 2010 نظمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بالاشتراك مع الاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير يوم السبت 5 ماي 2010 مسيرة جماهيرية للتنديد بالعدوان الاسرائيلي على قافلة الحرية ومنادية بوقف جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد جابت المسيرة عددا من الشوارع الرئيسية بالمنستير و سط حضور أمني كبير تكثّف منذ ساعات الصباح الاولى. وقد سبقت هذه المسيرة بحوالي ربع الساعة مسيرة أخرى نظمها التجمع الدستورى و عمد الى تنظيمها من نفس نقطة الانطلاق و هي مقر الاتحاد الجهوي للشغل وفي نفس التوقيت مرورا بنفس المسار، وهو الأمر الذي اعتبره ملاحظون تعمدا من قبل الحزب الحاكم لارباك مسيرة اتحاد الشغل والرابطة. (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 08 جوان 2010)


الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بتونس :توضيح

 


توضيحا لما جاء في   في نشرة إخبارية  لراديوا كلمة  الموافق  ل : / 9 / 6 / 2010 حول  موضوع  تغطية   المظاهرة  التضامنية  مع أهلنا في فلسطين  التي عرفتها  مؤخرّا جهة المنستير ، ونــظرا لحالة التعتيم الشديد    للخبر  وذلك بحصرالمـظاهرة الشعبية المنددة بالعدوان البربري الصهيوني الغاشم  علي أسطول الحرية شريان الحياة  التي كانت متجهة  إلي غزّة  في مكونتين إثنتين – الإتحاد العام التونسي للشغل  و الرابطة التونسية للدفاع  عن حقوق الإنسان بجهة المنستير – فقط  – وتجاهل  بقية المكونات في الجهة وتغييب بقية الأطراف المشاركة نوضح التالي : تصحيحا لما أورده رديوا كلمة – 1/  فقد شاركت في المظاهرة  الشعبية الجـهوية بالمــنستير كـلّ التــشكيلات السياسـية و النقــابية  المعترف بـها و غيـر المعــترف بها  و بدون إستثـناء في  تلك الحـركة الإحتجـاجية                                                                                                                                   وعليه   لمصلحة من هذا التشكيك المستمر و المتزايد  بحق رفاق نضال أخرين  أمام الرأي العام الوطني و النقابي ؟؟ وهو ما يعدّ إنتهاك صارخ لحقوق الأخرين  و إحتكار ، ومغالطة متعمدة  ، تتجدد في كاّ تظاهرة  سياسية  بالبلاد  في عملية تقزيم  تتكرر بصفة مستمرة لأدوارهم النضالية  في الساحة الوطنية ، حدث ذلك في   عديد المناسبات و المحطات السياسية  السابقة  التي عرفتها البلاد  لذلك وجب رفع الإلتباس ، علي أمل عدم ممارسة مثل هذه السلوكات مستقبلا  .  الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بتونس           


ملف الفساد في “لابريس”: متى يحسم الرئيس المدير العام أمره؟


شهد ملف الفساد في مؤسسة “لابريس” تطورا جديدا بإحالة عون رابع على مجلس التأديب بتهمة سوء التصرف. كما تمت إحالة ملفات الأعوان الثلاثة الآخرين الذين أدانهم المجلس إلى فرقة الأبحاث الاقتصادية لتقرر ما إذا كانت ستتم إحالتهم على القضاء لتتبعهم جزائيا، خاصة وأن إجراءات مجلس التأديب أثارت بعض الجدل حول مدى سلامتها. لذلك يبقى الحكم الأخير بيد القضاء الذي سيقرر وحده وجود الجرم من عدمه. وكل متهم يظل بريئا إلى حين صدور حكم قضائي باتّ يجرّمه. هذه التطورات على أهميتها لا تمنع وجود تساؤلات حول “الحصانة” التي يتمتع بها بعض المسؤولين السابقين الذين أدانهم تقرير الرقابة العامة الإدارية والمالية بالوزارة الأولى، والذين تقدر تجاوزاتهم في حق المؤسسة بالمليارات حسب بعض الإفادات؟ فالرئيسة المديرة العامة السابقة التي أدانها التقرير تمثل الإجراء المتخذ ضدها في مجرد نقلتها إلى وكالة الاتصال الخارجي بنفس امتيازاتها؟ في حين أتم المدير التقني السابق عمله بشكل عادي إلى حين خروجه للتقاعد؟؟ رغم تورطهما المباشر في عدد من الصفقات التي أضرت بشكل كبير بالمؤسسة وخاصة المتعلقة منها بشراء (الفلاشوز) والمعدات الإعلامية المتطورة التي جرى اقتناؤها استنادا إلى كراس شروط مفصل على قياس المستفيدين من الصفقة؟ الرئيس المدير العام الحالي للمؤسسة منصور مهني صرّح بأنه أحال الملف برمّـته إلى المتفقد الإداري والمالي بوزارة الاتصال، ومثل هذا القول مردود عليه. أوّلا لأن مؤسسة “لابريس” لها الاستقلالية الإدارية والمالية التي تخولها أخذ القرار، والرئيس المدير العام مفوض من مجلس الإدارة للقيام بكل الإجراءات اللازمة. ثانيا هيئة الرقابة المالية والإدارية بالوزارة الأولى أعلى سلطة ودرجة من المتفقد الإداري والمالي بوزارة الاتصال، ولا يمكن بالتالي تغليب الفرع على الأصل. لذلك فمنصور مهني بصفته المسؤول القانوني الأول عن المؤسسة مطالب بأن يحسم أمره قبل اجتماع مجلس إدارة المؤسسة الأسبوع القادم، وبأن يحيل بما له من سلطة قانونية ملف هيئة الرقابة المالية بالوزارة الأولى على القضاء ليقول فيه كلمته، ويلزم من تثبت إدانته بإرجاع ما نهبه من أموال المؤسسة. علما بأن أعوان المؤسسة وخاصة حاملو الأسهم فيها، ليسوا معنيين بسجن من تثبت عليه تهمة الفساد بقدر ما يهمهم أن تستعيد مؤسستهم أموالها المسلوبة. وقد بدأ بعض أعوان “لابريس” في تدارس مسألة القيام مباشرة بقضية في الغرض لدى القضاء دفاعا عن حقوقهم ولقطع الطريق أمام أيّ تراخ أو تراجع عن تتبع المفسدين الذين تدور تساؤلات حول الحصانة التي يتمتع بها بعضهم، بما من شأنه أن يضيّـع حقوق المؤسسة والعاملين فيها؟ زياد الهاني http://journaliste-tunisien-62.blogspot.com/2010/06/blog-post_09.html  


رسالة إلى سيادة رئيس الجمهورية

 


سيادة الرئيس من جديد نتوجه إليكم نحن أبناء تونس بدولة قطر بهذا النداء و كلنا أمل في تدخلكم و الإذن بتوجيه عنايتكم الكريمة إلى الجالية التونسية بقطر و بالأخص إلى المدرسة التونسية بالدوحة التي أصبحت في أشد الحاجة إلى تدخل عاجل من سيادتكم قبل أن يحصل المكروه الذي نبهنا إليه مرارا من خلال مراسلاتنا لمختلف الجهات الرسمية في تونس من دون جدوى خاصة بعد بدأت تتبلور مظاهر أزمة خطيرة جدا قد تعصف بهذه المؤسسة التعليمية و من ثمة بإستقرار الجالية التونسية بقطر المرهون بإستقرار هذه المدرسة .                                                                                              سيادة الرئيس لقد شهدت المدرسة التونسية بالدوحة منذ إشراف المنظمة التونسية للتربية و الأسرة وخاصة منذ تولي سالم المكي رئاستها  حملة من النهب المنظم و إستنزاف لأموالها التي هي في الأساس متأتية من الرسوم المدرسية التي ندفعها نحن الأولياء مقابل تعليم أبنائنا و خدمات هي الأتعس بين مدارس بقية الجاليات المقيمة بدولة قطر،  فيما إنصب إهتمام منظمة التربية و الأسرة على توظيف الأقارب و المعارف حتى و إن لم تتوفر فيهم المواصفات المطلوبة للتربية و التعليم ولم يحملوا الشهادات العلمية  اللازمة،  ولا أدل من ذلك من أخت سالم المكي ،، و إبنة أخته ،، و زوج أخته ،، و العديد من معارفه الذين يتقاضون رواتب توازي أضعاف رواتب الإطارات التربوية العاملة بحق ، كذلك الشأن بالنسبة للمنسق العام الذي لا يحمل حتى الشهادة الإعدادية والذي يتقاضى راتب يفوق الخمسة ألاف دولار  إضافة للعمولات التي يتقاضاها من الوساطات التي يقوم بها والمتصرف المالي و من دروس التدارك و رسوم التنقل من و إلى المدرسة و بين الدوحة و تونس  ومن البنوك التي تودع لديها أموال المدرسة وغير ذلك.                                                         كل هذه الأمور و غيرها من التجاوزات الخطيرة أصبحت من الأمور الملازمة للمدرسة منذ مدة طويلة و بمعرفة من رئيس المنظمة سالم المكي الذي راسلناها و قابلناه مباشرة في تونس و الدوحة وأحاطناه علما بكل هذه التفصيل و وعد بالتدخل و إصلاح الوضع غير أنه أخلف وعوده بل و أصبح جزء من الفساد المستشري بالمدرسة بتستره على ما يحصل مقابل توظيف أفراد عائلته و برواتب خاصة و خاصة جدا و التغاضي حتى عن كل الجرائم المخلة بالشرف و الأخلاق الدائرة بالمدرسة والتي ألحقت أشد الضرر بسمعة المدرسة و الجالية و جعلت من هذه المؤسسة التربوية مثالا يتندر به لا في مجال العلم و المعرفة و لكن في مجال الفساد و سوء التصرف المالي و الإداري و حتى التحيل ولا أدل على ذلك ما قام به شقيق المتصرف المالي الذي قدم إلى الدوحة على كفالة المدرسة ثم إختلس مبلغا كبيرا من المال من مشغله وسيارة كان قد إشتراه بقرض بنكي و يفر إلى تونس تاركا المدرسة في ورطة و محل تتبعات تحقيقات أمنية .                                                               سيادة الرئيس إن المدرسة التونسية بالدوحة التي مضى على تأسيسها أكثر من ثلاثين سنة لم تعرف خلالها غير النجاحات والتألق و الإستقرار وتخريج الأجيال المميزة بفضل تظافر وتكاتف أبناء الجالية الذين هم نخبة من الإطارات و الكفاءات المشهود لها بالسمعة الطيبة، والمدرسين الذين قدموا التضحيات الجسام لتعليم أبنائنا تحت مظلة تحت إشراف السفارة التونسية بقطر،،، لتجد نفسها اليوم في حالة إفلاس لم تعرف معناه قبل إشراف منظمة التربية و الأسرة بالرغم من الزيادات المتكررة في الرسوم المدرسية سنويا لترميم ميزانية منهوبة بدون رقيب ولا حسيب عدى زيارات بعض رسل منظمة التربية والأسرة التي هي عادة عبارة عن مكافآت ينعم بها رئيس المنظمة على حاشيته للفسحة والإقامة في أفخم  النزل والتبضع على حساب ميزانية المدرسة المنهكة أصلا.    أما الأخطر من كل ما سبق سرده سيادة الرئيس هي النتيجة الحتمية لذلك الفساد ، و لإهمال الإدارة غير الكفأة للمدرسة التي جندت نفسها لخدمة مصالحها و مصالح رئيس المنظمة و عائلته ، على حساب الرسالة التربوية ولإستهانة المنظمة التونسية للتربية والأسرة بالجالية التونسية بالدوحة التي غيبتها وهمشتها و فرضت عليها بعض المتنفعين الذين جاء بهم المنسق العام وأغلبهم من غير أولياء الأمور ليلعبوا دور شاهد الزور والديكور حتى أنهم لم يجدوا الشجاعة للإجتماع بالأولياء منذ تنصيبهم قبل أكثر من ثلاثة سنوات لتكون نتيجة ذلك ما وصل إليه حال المدرسة من عجز مالي وتسيب و إهمال كاد أن يودي بحياة عديد التلاميذ خلال الحريق الذي نشب بالمدرسة و كذلك شأن الطفلة التي تم نسيانها بحافلة المدرسة والتي إنتهي بها الحال إلى العناية المركزة لمدة طويلة، وما تبع هذا و غيره من تحقيقات و زيارات بوليسية متكررة فاقت زيارات التفقد البيداغوجي الأمر الذي أصبح يهدد جديا مصير المدرسة التي  أضحت مهددة بالإفلاس و ربما حتى بالإغلاق في أعقاب أحكام قضائية جنائية بالجملة صادرة عن المحاكم القطرية بالغرامات المالية التي فاقت في أحد الأحكام  أكثر من مائتي ألف دينار تونسي (500 ألف ريال قطري) علاوة على أمر بإخلاء المقر في الأيام القليلة القادمة .   سيادة الرئيس المحترم …  في الوقت الذي نسمع فيه عن حرصكم الشديد على الحفاظ على مصالح أبناء تونس في الخارج والإنصات لمشاغلهم لا سيما المبادرة الأخيرة المتمثلة في قرار تنظيم لقاءات دورية تجمع الوزراء بمختلف الأطراف ذات العلاقة بمجالات إختصاصهم في حوارات مفتوحة و صريحة تبثها التلفزة تعزيزا لفضاءات الحوار بين المسؤولين و المواطنين و ترسيخ تقاليد الإصغاء لشواغل المواطنين ،، ما زال رئيس منظمة التربية و الأسرة  سالم المكي غير عابئ بمشاغل أولياء أمور المدرسة التونسية بالدوحة مستخفا بحالة الغضب التي تسود أبناء الجالية التونسية بقطر الذين وصفهم بالغربان، غاضا بصره عن كل التجاوزات ، ضاربا عرض الحائط بتوصيات سيادتكم بعد أن تورط حتى النخاع في كل الفساد المستشري بالمدرسة التونسية بالدوحة لخدمة أفراد أسرته .   سيادة الرئيس المحترم ،،، وفقا لما وقع سرده من تجاوزات و غير ذلك من تزييف للنتائج الدراسية بهدف إرضاء بعض الأولياء و إمتصاص غضب البعض الآخر و تهميش دور المدرسين و هضم حقوقهم و إهانتهم و تغييب الأولياء  ,, فإننا نتوجه إلى سيادتكم بهذا النداء للتدخل العاجل و الإذن بفتح تحقيق في ما سبق ذكره و محاسبة كل المورطين في هذه التجاوزات التي أضرت كثيرا بمدرسة الدوحة بمستقبل وسمعة الجالية التونسية بدولة قطر ، شاكرين لكم إهتمامكم وعنايتكم الكريمة بالتونسيين بالخارج .   أولياء أمور تلاميذ المدرسة التونسية بالدوحة     أبو محمد التونسي  


البشير التكاري في اجتماع عام بصفاقس: الأمن الاقتصادي رافد للاستقلال الوطني


صفاقس (وات)- بين السيد البشير التكاري عضو اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن ما تشهده البلاد من لقاءات واجتماعات في فضاءات التجمع يندرج ضمن تكريس الحوار الدائم بين مكونات المجتمع.  وأضاف في اجتماع عام يوم أمس الثلاثاء بدار التجمع بصفاقس، حيث أشرف أيضا على اجتماع لجنة التنسيق الموسعة، ان الخارطة السياسية في تونس تقوم اليوم شاهدا على مدى التنوع الفكري وتطور التعددية صلب المؤسسات الدستورية لا سيما في مستوى المجالس التشريعية والبلدية.وبين أن ما يروج من افتراءات ضد تونس تحت تسميات حقوق الانسان وحرية التعبير هي اكاذيب لا يمكن ان تنطلي على التونسيين والتونسيات الذين بلغوا درجة من الوعي تخول لهم ادراك خفايا مثل هذه المؤامرات، مؤكدا ان التصدي لمثل هذه الحملات المغرضة التي تستهدف المصالح الحيوية للبلاد وامنها هو من صميم المسؤولية الوطنية ومن المسائل التي لا تقبل المساومة. وأشار الوزير الى مشروع القانون الذي نظر فيه مجلس الوزراء وسيعرض قريبا على مجلس النواب بغاية تعزيز المنظومة التشريعية الضامنة لحماية المكاسب الوطنية. وبين ان هذا القانون الذي يؤكد على اهمية الامن الاقتصادي كرافد للاستقلال الوطني ومقوم من مقومات مناعة الشعب التونسي سيمكن من مواكبة التشريعات المعمول بها في عدد من الدول المتقدمة التي ينص قانونها الجزائي على تجريم الاساءة الى المصالح القومية الاقتصادية واعتبارها خيانة وطنية (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 09 جوان 2010)


افتتاح المؤتمر العربي الرابع للمسؤولين عن الامن السياحي  


 
تونس – 9 – 6 (كونا) — شدد الامين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد بن علي كومان هنا اليوم على ضرورة تكثيف التوعية السياحية لاسيما من خلال الاجهزة السياحية والمؤسسات الاعلامية. واكد الدكتور كومان في كلمة القاها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العربي الرابع للمسؤولين عن الامن السياحي اهمية اقامة “تعاون وثيق” بين الاجهزة الامنية ومؤسسات القطاع السياحي المختلفة مضيفا “ان هذا التعاون مهم جدا من اجل توفير شروط النجاح للقطاع وامنه”. كما شدد على ان “الجماعات الارهابية تجد في هذا القطاع هدفا بارزا في سعيها الى الاضرار بالمرافق والقطاعات الحيوية لخلق حالة من الفوضى الى جانب سعيها لتعكير علاقات الدول بعضها ببعض نتيجة سقوط ضحايا الاعمال الارهابية مضيفا ان هذه الجماعات “تدرك تماما تداعيات ضرب قطاع حيوي مثل السياحة لاسيما الانعكاسات السلبية البالغة سواء على الصعيد الاقتصادي او الاجتماعي”. واوضح الدكتور كومان في السياق ذاته “ان هناك انماطا اخرى من الاجرام تؤثر بصورة مباشرة في القطاع السياحي مثل النصب والاحتيال والاسستغلال والغش ” مشددا على ضرورة مكافحة مثل هذه الممارسات. من جانبه قال رئيس المؤتمر العميد حمدان السرحان من (الاردن) في كلمته “ان العلاقة بين الامن والسياحة مترابطة فالسياحة لاتزدهر من دون الامن” مؤكدا اهمية تضافر الجهود بين كافة مؤسسات الدولة تنسيقا وتوعية. كما اوضح ان ظاهرة الارهاب وخطره على هذا القطاع يتطلب التعاون العربي مع الدول الصديقة الاخرى مضيفا ان هناك مشكلات امنية اخرى تؤثر على السياحة كقضايا السلب والسرقات والتحرش الجنسي والسلوكيات العدوانية تجاه الاجانب من الزوار والسياح. ودعا السرحان في هذا الصدد الى دعم التعاون العربي من خلال تنسيق امني “على مدار الساعة” في المجال السياحي. من جهته استعرض رئيس الوفد الكويتي وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون الامن العام اللواء خليل الشمالي خلال المؤتمر التجربة الوطنية في مجال التنسيق والتعاون بين اجهزة الدولة المختلفة. واكد اهمية دور الاجهزة الامنية في تأمين وتوفير المناخ الملائم لنجاح التظاهرات والانشطة السياحية كمنسق ولاعب محوري بين مؤسسات الدولة. يذكر ان المؤتمر العربي والذي يستمر على مدى يومين يتناول التأمين الذاتي للمؤسسات والمرافق السياحية والاجراءات الامنية في المواقع السياحية والاثرية. ويشمل جدول اعماله ايضا بحث التعاون بين الاجهزة الامنية والمؤسسات السياحية ودوره في تعزيز القطاع السياحي فضلا عن عرض تجارب عدد من الدول الاعضاء في مجال الامن السياحي. هذا ومن المنتظر ان تصدر عن المؤتمر جملة من التوصيات التي سيتم احالتها على الامانة العامة تمهيدا لرفعها الى مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته المقبلة للنظر في اعتمادها. يذكر ان وفد دولة الكويت المشارك في المؤتمر يضم في عضويته الى جانب اللواء الشمالي مدير عام مديرية امن محافظة الاحمدي اللواء عبدالفتاح العلي
 
(المصدر: وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بتاريخ 9 جوان 2010)  


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

القيروان في 06 جوان 2010    خواطر في ذكرى التّأسيس


ما بال بعض إخوان لنا في الوطن سمحوا لأنفسهم – ظلما عدوانا -بالانفراد بالتحكم في رقاب إخوان لهم في نفس الوطن ومكروا ولمّا ينفكوا عن المكر ليبقى لهم الحكم مدى الحياة ؟ ألسنا جميعا أبناء هذا الوطن وورثه أجداد و آباء وأخوان لنا – طيب الله ثراهم – جاهدوا بأرواحهم وبأموالهم لتكون تونسنا العزيزة حرّة ومستقلة لجميع التونسين وبدون استثناء وليكون القول الفصل للبرلمان ( ألم يكن هذا هو شعار شهداء 9 أفريل )وليكون هذا البرلمان منبثقا بحق من الشعب ، ولينعم كلّ أبناء هذا الوطن بخبرات بلاده كل حسب جهده وبلائه وأن يسود العدل بين مواطنيه لا فرق  أمام القانون بين مسؤول – مهما كانت درجة وظيفته – وبين بقية أبناء الوطن ؟ أفلا يكون وفاؤنا لعالمنا الجليل ابن خلدون خالصا وتقديرنا له صادقا – لا بمجرّد إقامة النّصب والتّماثيل – بل وكذلك بتطبيق السّنّة التّاريخية التي طالما نبّه إليها ( العدل أساس العمران) فلا تبقى قصور العدالة عندنا عديدة  وبالمرمر الرفيع مشيدة ولكنها غالبا وللأسف من القسطاس المبين خالية ؟ ما بال هؤلاء القوم – وهم منّا وإلينا – متمادين في غيّهم يعاكسون مجرى التاريخ والعالم حولنا يسير – ولو ببطء – لتكريس حقوق الإنسان في كثير من البلاد ؟ أليس لنا الحق لنتمتع – كغيرنا – بالديمقراطية ولو على مراحل مدروسة ومتتالية فشعبنا الكريم لم يكن ليرضى أبدا بديمقراطية ممسوخة أو مزيفة تحمي مصالح الأقوياء ويسحق فيها الضعفاء ؟ هل شعبنا أقل نضج من غيرنا من البلاد الإفريقية والذين – وبشهادة أهل الذكر- لا يفوقوننا لا علما و لا ثقافة ؟ وما بال هؤلاء القوم وهم منا يقولون مالا يفعلون وينقضون ما عاهدوا الله عليه  (( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) ؟ ما بال هؤلاء القوم ما زالوا يسعون جاهدين ليطفؤا نور آيتين كريمتين في كتاب الله العزيز واضحتي الدلالة قطعتي الثبوت – إلا على من عميت بصيرته – في شأن حجاب المرأة  (الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب )  ؟ ما بالهم لم يتعظوا بسنة الله الماضية (( ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره )) فأصبحت – بفضل الله -رايات الإسلام خفّاقة في كامل أنحاء البلاد تحت سمائها الزرقاء وعلى أرضها الخضراء ؟ فتحية إكبار وتقدير لبناتنا العفيفات  وجزاء من الله لكنّ أكبر و ولغيركنّ من المؤمنات الطّيبات القابضات على دينهنّ – في بلاد دينها الإسلام بنصّ دستورها – كالقابضات على الجمر . متى يعي القوم أنّ مآل من يحارب الله ورسوله وشعائر دينه خسران الدّنيا والآخرة ؟  مال بال هؤلاء القوم يطاردون الشباب المتدين بشبهة التّردّد على بيوت الله والتمسّك بما يعتقدون أنّها سنة نبيّهم – صلى الله عليه وسلم – ما بالهم على سبيل الذّكر لا الحصر يستهدفون شبابا من جماعة الدعوة والتبليغ مع يقينهم أن هذه الجماعة لا تخوض أبد ا في ما ينفرد به الحزب الحاكم ولا يسمح أن ينافسه فيه أحد : شؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد ؟ ألسنا حيال استهداف واضح لمظاهر التديّن في البلاد ؟ ألسنا أمام إصرار عجيب على المضيّ في خطط قذرة لتجفيف منابع التديّن برغم كلّ دلائل الفشل والخسران ؟ أم على قلوب أقفالها ؟  متى يعي القوم أن غافلي الأمس خارج بلادنا الذين أنصتوا في الأمس القريب لأبواق دعايتهم الماهرة في التزييف وقول الزور والبهتان في كل ميادين الحياة وانطلت عليهم حيلهم الماكرة باتوا اليوم يسخرون من هذه الدعايات الفجة وهم يتابعون أحوال البلاد عن كثب لاسيما  ما يعانيه شبابها من بطالة و يأس دفع بهم لركوب زوارق الموت هروبا من جنة ” المعجزة الاقتصاديّة ” ؟ وما بال هؤلاء القوم يتركون الحبل على الغارب للمفسدين في الأرض بل ويفتحون لهم الأبواب عريضة -وبدون وجل –  للتعاطي مع مقدرات البلد ومؤسساته وكأنها ميراثهم الخاص يعيثون فيه نهبا وإفسادا ؟ متى ينتبه القوم أنهم بهذا العبث يضعون مستقبل البلد في متاهة المقامرة والمجهول ؟ ما بال هؤلاء القوم يمعنون في مضايقة المساجين السّياسيين ويصرون على معاملتهم معاملة أقسى من معاملتهم للمجرمين وكل الخارجين على القانون ؟ متى يفهمون أن إمعانهم في سياسة التشفّي والتنكيل في حقّ القائد الصادق الشورو – فكّ الله أسره  – لن يزيد الرّجل وإخوانه إلاّ ثباتا على نهجهم الذي أعلنوه لشعبهم وقواه الحية في مثل هذا اليوم الأغر ( 6 جوان 1981 ) منذ ثلاثة عقود ، ولن يزيد ظالميه إلاّ خزيا وعارا ؟   أمّا أنتم إخوة دربنا ورفاق مسيرتنا أبسط بين أيديكم أسئلتي مخاطبا عقولكم ووجدانكم : أتطمعون أيها الدّاعون- اليوم –  للمصالحة وحال القوم كما أسلفت أن يكون لدعواتكم صدى ؟ أي مصالحة ترجونها اليوم منهم وهم مازالوا متمسكين بهيمنتهم على كل القوم  – قولا وفعلا – فلم تنج أحزاب المعارضة من مضايقتهم في جلّ نشاطاتها المشروعة ثم رموها- زورا وبهتانا- بالعجز ؟  ولم يعلنوا-حتى اليوم -عن بشارة صادقة تمهد للمصالحة الجدية بل يطبخون – هذه الأيام – من القوانين ما يذكرنا بقانون حالة الطوارئ ؟ ألم تبرهن المعارضة- من جانبها – في وثيقة رسمية (الميثاق الوطني )وفي ما بعدها( وثائق 18أكتوبر) وفي مواقف حكيمة أخرى على رشد سياسي ليس فيه أي مراوغة ولا أي نفس من التطرف بل فيها من الرشد والصواب وسعي مخلص ما يكفي لإيجاد أرضية صالحة لحوار وطني جاد بين كل الأطراف وبدون استثناء ؟ أليس هو السبيل متى حسنت النوايا وصدقت الإرادة السياسية لحماية البلاد والعباد من كل مكروه لا تحمد عواقبه ؟ لكن هل من مجيب ؟ ولكن قدرنا أن لا نترك لليأس طريقا لنفوسنا وعزائمنا ، وأن نظل نعمل مع المخلصين لخير هذا البلد ، ألستم معي أعزّتي أنّ واجبنا مع كلّ القوى الصّادقة مجتمعة أن تسارع لحبك استراتيجية ذكية مرنة تجمع عليها لمقاومة سلمية طويلة النفس أهدافها المشتركة واضحة وتكون الاختلافات التي هي طبيعية بينها -وقتيا – مجمّدة حتى لا يجد خصمهم العنيد من خلالها ما يوقع بهم في جحيم التفرقة وليكن في حسبان خطتهم الصبر الجميل لتحمل التضحيات المتوقعة في مسيرتهم معا – وان عظمت – فعسى أن يفتح الله بيننا وبينهم بالحق وهو خير الفاتحين   ألم نتعلم من الحياة أن ّ حبل الباطل قصير ؟ وأنت أيها الإسلامي شابا كنت أم كهلا ، داخل البلاد أو خارجها ، و مهما كان انتماؤك سر بعون الله على درب أسلافك وأقرانك من إخوانك المجاهدين الأحياء منهم والشهداء ودع الذين استعجلوا الثمرة فلم تأتهم شكّوا وشككوا ثم انهزموا فانسحبوا .. فإن كنت في السجن- أيها المؤمن الصّادق – فليكن لك السجن بالصبر الجميل خلوة لا تقدّر ، وإن هجّرت فلتكن الهجرة لك – يا أخي المؤمن – سياحة مثمرة تفلح بها عند الله ولن تخسر ،  و إن قتلت أليس إلى الشهادة في سبيل الله – يا أخي المؤمن – نسعى كلنا ونرغب والله غالب على أمره وعليه وحده يكون منّا التوكل وهو الموفق وما توفيقي إلا بالله وهو رب العرش العظيم . عبد الوهاب الكافي سجين سياسي سابق  من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي


تفاصيل جديدة عن اغتيال علي تونسي

 


سيخضع شعيب ولطاش، المتهم باغتيال المدير العام للأمن الوطني علي تونسي، لتحقيق إضافي الأسبوع المقبل، لمعرفة تفاصيل أخرى حول القضية مكمّلة لعملية إعادة تمثيل الجريمة. وصرّح ولطاش أمام أطراف الجريمة، بأن تونسي اتهمه بالخيانة أثناء الملاسنة الحادة التي جمعتهما.  ما دفعه إلى إطلاق النار عليه. أفاد مصدر قريب من التحقيق لـ”الخبر”، أن عبد الحميد بورزق، قاضي التحقيق في ملف حادثة 25 فيفري الماضي، سيُخرج شعيب ولطاش من زنزانته بسركاجي الأسبوع المقبل، لاستجوابه من جديد في إطار التحقيق الإضافي المنصوص عليه قانونا. وهو إجراء يتم اللجوء إليه لمعرفة تفاصيل أخرى عن الملف قيد التحري.  وفي قضية تونسي، سيسعى القاضي، حسب المصادر، إلى افتكاك معلومات جديدة من ولطاش لإزالة زوايا غامضة في القضية تتعلق أساسا بدوافع إطلاق النار على ”سي الغوثي”، الاسم الحرَكي للعقيد المغتال. وسيجري التحقيق الإضافي بحضور دفاع ولطاش، وهو المحطة التي تسبق المواجهة التي ستجري بين القاتل المفترض والشهود. وعلمت ”الخبر” من مصدر مطلع،  أن القاضي بورزق أجرى مطلع الشهر الحالي، محضر معاينة على قميص علي تونسي المحجوز بحضور دفاع الطرف المدني ودفاع المتهم. وأسفر الإجراء عن غياب أي أثر للرصاص على القميص، بخلاف ما صرح به ولطاش أثناء إعادة تمثيل الجريمة في 26 ماي الماضي، عندما قال بأنه أطلق أربعة عيارات نارية بالجهة اليمنى لصدر تونسي. وذكر لقاضي التحقيق وهو يسرد رواية الحادثة بأنه لم يكن ينوي قتل مسؤوله المباشر في جهاز الأمن الوطني. وتختلف هذه الرواية عما صرح به القاتل المفترض، في أول لقاء مع قاضي التحقيق، فقد ذكر أن سلاحه الناري صوّبه نحو وجه الضحية، والخبرة العلمية التي أجريت على جثة تونسي أثبتت أن رصاصتين اخترقتا وجهه، إحداهما في وجنته اليمنى فهشمتها وكسرت فكه الأسفل. وحكى مدير الوحدة الجوية بالأمن الوطني، مجريات الحادثة أثناء إعادة تمثيل الجريمة. وأكثر ما يلفت الانتباه فيها، أنه نقل عن تونسي عندما اشتدت الملاسنة بينهما، قوله: ”أنت خائن”. ولما سأل قاضي التحقيق شعيب ولطاش عن سبب توجيه هذه التهمة إليه، قال بأن تونسي كان غاضبا وحمّله مسؤولية ممارسات مشبوهة في صفقة شراء عتاد اتصالات. وقال ولطاش نقلا عن تونسي وهو يتحدث بنبرة حادة: ”لقد تأخرت كثيرا يا سي ولطاش في إنجاز ما اتفقنا عليه، في حين حقق الدرك الوطني تقدما ملحوظا في نفس المشروع.. إنك شخص متهاون وغير مسؤول”. وكان تونسي يتحدث عن برنامج عصرنة أجهزة الاتصال، الذي كان موضوع اجتماع يوم 25 فيفري استدعى إليه المدراء المركزيين وأبرز إطارات الأمن الوطني من بينهم ولطاش. ونفى المتهم أن يكون تونسي نظّم اجتماعا في 25 فيفري خصيصا لمحاسبته بشأن صفقة العتاد. وقد أبلغ تونسي ولطاش في لقائهما بأنه أوفد مفتشية الأمن الوطني إلى مديرية الوحدة الجوية، للتقصّي في صفقة شراء العتاد. وسأله عن شكوكه في أنه استغل وظيفته كرئيس للجنة الصفقات بالأمن الوطني، ليمنح صفقة شراء العتاد لشركة نائب مديرها هو صهر ولطاش، الذي استمع إليه بورزق كشاهد في القضية.  
 
(المصدر: صحيفة “الخبر” (يومية – الجزائر) الصادرة يوم 9 جوان 2010)  


من الذاكرة الوطنية بورقيبة والماركسية


ورثت دولة الاستقلال عن الحقبة الاستعمارية تركة ثقيلة، وكان لا بد من توفير لقمة العيش لأكثر من نصف التونسيين، أي قرابة المليونين من الجياع. وحتى المساعدات التي وعدت بها فرنسا فقد تحولت الى مساومات صريحة، اذ ربط المسؤولون الفرنسيون تجسيم وعودهم باستمرار فرنسا في التمتع بالنفوذ والتحكم في المصالح الاستراتيجية كالقواعد العسكرية وغيرها، وحاولت حكومة الاستقلال تعويض المساعدات الخارجية بالاعتماد على الرأسمال المحلي، لكن القلة القليلة من أصحاب المال في بعض الجهات ظلوا منكمشين، والأرجح أنهم كانوا متعودين بالاقتصاد العائلي وتعوزهم تجربة المغامرة والمقامرة بأموالهم في مشاريع لا سابق عهد لهم بها. البديل الشيوعي في تلك الفترة الانتقالية الحساسة فكر الزعيم الحبيب بورقيبة في الشيوعية كمذهب يمكن أن يستعير منه بعض الحلول، وهو ما أكده في حديث صحفي غداة انتخابات نوفمبر 1959 الرئاسية، فقد قال: «لا يمكن أن نأخذ من الشيوعية ما هو حسن دون الارتماء في أحضان الماركسية، فأنا أدرس هذه المدة بعض المبادئ الاقتصادية بشأن اشتراكية الملكية الفلاحية خاصة «الكلوكوز» لعلي أعمل بها في تونس، فلا أرى لماذا نحكم بصفة مبدئية على الشيوعية، فليس ذلك كفرا ولا أريد أن أصاب بمركب الفوضى واللادينية الحمراء». وذكر الرئيس بورقيبة في ذلك الحديث «قدم طلبة من جامعات باريس وغرونوبول محملين بتقارير ملآى، يقترحون فيها تحسين موارد الدولة في مختلف فروع الحياة الاقتصادية فأذنت المسؤولين في الحزب بأن يمكنوهم من زيارة المدن والأرياف التونسية أولا، وبعد هذه الجولة اعترف لي أحد الطلبة بأنه مزق تقريره بينما كان يتأهب ليعطيني درسا في التقدمية ولو لم يمزق تقريره لكنت أتبع آراءه بقدر ما تبدو لي ضرورية». الاشتراكية الدستورية واستقر الرأي في النهاية على الاشتراكية الدستورية التي تم تبنيها بشكل رسمي في مؤتمر الحزب سنة 1964 في الوقت الذي كانت تتدرج فيه البلاد نحو التعاضد، وجاء في محاضرة للرئيس الحبيب بورقيبة في لجنة الدراسات الاشتراكية سنة 1967 مقارنا بين الماركسية والاشتراكية الدستورية: «وهذه ثورة عظيمة بعثناها بينما ينكب بعضهم على الماركسية وعلى غيرها من المذاهب، وقد يقول قائل إن الأرض أو المعمل آلة انتاج، ومادام الأمر كذلك فانه ينبغي انتزاع الارض أو ذلك المعمل من صاحبه وتعويضه بغيره، واذا اتضح أن المتصرف الجديد أساء التصرف بدوره تكون النتيجة الاخفاق، ومجرد الدعوة الى الانتراع انما هي قول مردود لأنه يفرض في جميع الصور اساءة المتصرف بالاثراء واستثمار عرق جبين الغير أو استغلال الأراضي لفائدة المالكين الخواص، ومن بساطة التفكير كذلك المطالبة بتوزيع الأراضي ورؤوس الأموال على الشعب، فإذا كان المتصرف الجديد جشعا أو فشلت مساعيه، وجد المعارضون للتأميم حجة تؤيد موقفهم، بينما يقول خصومهم: ليس ذلك الا مظهرا من مظاهر الديمقراطية. نزعة الأنانية والحقيقة ان الوازع في اتيان السرقة لا يوجد خاصة في صاحب رأس المال او في العرف او في العامل الذي انقلب الى متصرف، بل هو كامن في طبع الانسان، اذ جبل كل البشر على حبّ الاستثمار والاستحواذ، ولذلك كان من المتحتم رفع مستوى الفرد، تطهيرا لنفسه من هذا الدّنس الذي فطر عليه، فالله خلق في النفس البشرية نزعات الانانية والفردية الضيقة ـ وما قول الآخذين بالماركسية في هذا المضمار؟ هم يقولون ان هذا الاستثمار نتج عن كون ادوات الانتاج ملكا فرديا وعملية الانتاج عملا جماعيا، أجل هذه هي الفكرة العظيمة التي أتى بها كارل ماركس، واذا نحن جاريناه في هذا التفكير وأزلنا ذلك المالك الفردي ووضعنا مكانه افرادا آخرين فان النتيجة لا تكون دائما على نسق واحد في كل الحالات، بل تكون حسب قيمة الافراد. ألسنا نرى احيانا ذلك الفرد الذي كان يملك وسائل الانتاج يتصرف فيها بصورة احسن وأجدى من الذي وضعته الدولة على رأسها؟ ولن تفضي هذه العملية آخر الامر الا الى حمل الدولة على بذل الاموال، على وجه الاعانة، تسديدا لعجز المشروع. ومن اين للدولة المال الذي تعطيه؟ انه من الضرائب التي يدفعها كافة الناس. فلذلك تثور عندئذ ثائرة بعضهم فينددون بمساوئ تدخل الحكومة في القطاع الخاص وقلبه الى قطاع عام. وليس المشكل في واقع الامر تفضيل قطاع على آخر سواء كان خاصا او عاما، انما هو في كيفية التصرف، وفي طرق التوزيع بالنظر لوضع العامل، وبصورة تجعله لا يشعر معها بهضم او ضيم. تجاوز مقولات ماركس وانما الدولة لا تضطر الى التدخل الا للقضاء على الحيف الواضح. ونحن كمفكرين مسؤولين، يتحتم علينا ان نتمعن في دراسة هذا الموضوع، عوض ان نستمر في البحث عما قاله كارل ماركس، متسائلين هل ان ملكياتنا تدخل في نطاق ما يسمى بالملكية الكبرى او المتوسطة او الصغرى، ثم محاولة تحديد هذه الاصناف. وقد تعترضنا هكذا نظرية كارل ماركس السطحية التي تعتبر ان رأس المال اذا اضحى تحت تصرف الدولة، انفضت كل المشاكل وانتهت المظالم وسارت الامور على ما يرام. فكلمة رأس المال او ادوات الانتاج لا تنطبق على العمل فحسب، فكل شيء قد يصبح اداة انتاج، او وسيلة استهلاك او استثمار حسب الرغبة، ولما كان الاستهلاك نفسه معدّا لتغذية رأس المال البشري، فانه قد يعتبر في حد ذاته رأس مال بحيث انك كلما ازددت تعمقا في المسألة، ألفيت ان الصيغ والقوالب لا معنى لها الا بحسب العمل. وكل النظريات الفلسفية التي تحوم حول رأس المال، وكل ما يقوله من يدعى التخصص في هذا الموضوع، يمكن تلخيصه في انه من الممكن ان يكون كل شيء رأس مال. ومهما ذهب بكم البحث، تعودون الى مسألة اصلاح عقلية البشر، سواء كانوا تجارا او فلاحين او عمالا او اساتذة او طلبة وكم اودّ لو يتعمق الاساتذة الجامعيون والطلبة في البحث، ولو فعلوا ذلك لنظروا الى الامور نظرة جديدة، لأن الثورات الكبرى لا تكون في الغالب الا نتيجة تفكير جديد يفضي الى احلال سلّم قيم آخر مكان السلّم السابق. محمد علي الحباشي (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 09 جوان 2010)
 


عن الماركسيّة والدّين: أكثر من أفيون

 


محمّد الحاج سالم  جون مولينو (تقديم وتعريب: محمّد الحاج سالم)
الماديّة الماركسيّة تعني باقتضاب قبول القضايا التالية: أنّ العالم المادي موجود بشكل مستقل عن الوعي الإنساني أو غيره؛ أنّ معرفة العالم الواقعي ممكنة وإن لم تكن مطلقة؛ أنّ البشر جزء متميز من الطبيعة؛ وأنّ الفكر البشري هو الذي ينشأ من العالم المادي، وليس العكس منذ عام 1905 أكد لينين أنه “لا ينبغي للدّولة أن تتدخّل في الدّين، ويجب ألاّ تكون الجمعيّات الدّينيّة مرتبطة بسلطة الدّولة. يجب أن يكون لكلّ فرد مطلق الحريّة في اعتناق أيّ دين شاء أو إنكار جميع الأديان، أي أن يكون ملحدا على غرار عامّة الاشتراكيّين” يقول ماركس وأنجلز في “الفلسفة الألمانية” إن “النّاس هم منتجو تصوّراتهم وأفكارهم وهم أناس حقيقيّون فاعلون ومشروطون بحدّ تطوّر قواهم الإنتاجيّة، ولا يمكن للوعي أن يكون أيّ شيء أبدا، سوى الوجود الواعي، وخلافا للفلسفة الألمانيّة التي تنزل من السّماء إلى الأرض فإنّنا نصعد هنا من الأرض إلى السّماء” يجب أن نقبل حقيقة أنّ الثورة سيقوم بها العمّال الذين سيظلّون في معظمهم متديّنين. ولئن كان للأغلبيّة السّاحقة من العمّال أن تتخلّص من أوهامها الدّينيّة، فإنّ ذلك لن يكون من خلال البراهين والكتب والكرّاسات، ولكن من خلال المشاركة في النّضال الثّوري، ومن ثمّة من خلال بناء الاشتراكيّة * تقديم
نشر هذا المقال بالانكليزيّة تحت عنوان (More than opium: Marxism and religion) ضمن فصليّة “الاشتراكيّة الدّوليّة” (International Socialism) في عددها رقم 119 صيف العام 2008، وهي بقلم جون مولينو (John Molyneux) المناضل ذي التوجّه التّروتسكي والقيادي البارز في حزب العمّال الاشتراكي (Socialist Workers Party) في بريطانيا والمحاضر الأوّل في الدّراسات التّاريخية والنّظريّة في كلّية الفنّ والتّصميم والإعلام بجامعة بورتسموث (University of Portsmouth)، وهو من أبرز مناصري القضيّة الفلسطينيّة في بلاده ومناهضي الحرب على العراق. وقد ارتأينا تقديم مقاله هذا للقارئ العربيّ بعد أن رأينا فيه محاولة نظنّها غير مسبوقة لتفسير ظاهرة جديدة ما زالت تثير الاستغراب تتمثّل في التّقارب “الغريب” الذي بتنا نلحظه منذ بضع سنوات بين بعض الحركات الماركسيّة وحركات الإسلام السّياسي رغم “الحروب” المتبادلة بين هذين التيّارين والعداوة الشّرسة التي تنضح بها أدبيّاتهما طوال النّصف الثّاني من القرن الماضي. ولعلّ أهمّ ما يجلب الانتباه في هذا المقال هو دفاعه عن المهاجرين المسلمين في الغرب ونقد ما بات يسمّى “خُواف الإسلام” (الإسلاموفوبيا) الذي يراه صاحب المقال إفرازا طبيعيّا لتناقضات الامبرياليّة الغربيّة في خضمّ ما تعانيه من مصاعب مع بداية القرن الواحد والعشرين. ومع أنّ هذا المقال لا يخلو من نقاط ضعف تتمثّل بالخصوص في نكهته الإيديولوجيّة الصّارخة، حتّى لا نقول الفجّة أحيانا، فإنّ ذلك لا يمنع النّظر إليه بكونه معبّرا عن وجهة نظر مهمّة لشريحة لا تني تتعاظم في صفوف اليسار عموما والماركسي منه على وجه الخصوص في التّأكيد على احترام “حقّ التديّن” بوصفه غير متناف مع انخراط المتديّنين في النّضال من أجل مجتمع اشتراكيّ عموما، ومن هنا نقد الخطاب “المتهافت” لبعض “المرتدّين” عن الماركسيّة والمنقلبين إلى “يسار منافح عن الامبرياليّة” والدّاعين إلى “الإلحاد” على أساس من “فتوحات العلم الحديث” خدمة للمصالح الماديّة للرّأسماليّة العالميّة. كما أنّه لا يخلو من أهميّة أيضا في محاولته تحليل ظاهرة بعينها بصفة خاصّة، وهي ظاهرة محيّرة بعدّة مقاييس، ألا وهي الموقف “المستجدّ” من موضوعة الدّين، والسّعي إلى إيجاد مبرّرات له من خلال إعادة قراءة النّصوص المؤسّسة لماركس وانغلز ولينين بعين جديدة تُوائم بين ما يمكن وصفه بـ”النّظريّة العلميّة الخالدة” و”الموقف السّياسي الآني” الذي تفرضه موازين القوى على أرض الواقع. ****قبل عشرين عاما، قدّمت مداخلة في اجتماع عامّ لحزب العمّال الاشتراكي حول موضوع “الماركسيّة والدّين”. وقد بدأت كلامي حينها بعبارة: “ولحسن الحظّ، فإنّ الدّين اليوم، في بريطانيا العظمى، لا يمثّل قضيّة سياسيّة هامّة”. لكن الحال الآن تغيّرت للأسف. فقد غدا الدّين، أو بالأحرى دين معيّن، وهو الإسلام، في قلب النّقاش السّياسي العامّ. إنّه لا يمرّ يوم دون ظهور مقال يدقّ ناقوس الخطر بشأن الأئمّة الذين “يحضّون على الكراهيّة” أو حول سقوط مسجد في أيدي “متطرفّين”، أو بخصوص استطلاع للرّأي حول الطّبيعة المعيبة بشكل عميق للإسلام، أو مناقشة إذاعيّة لمسألة ما إذا كان المسلمون “المعتدلون” يبذلون ما يكفي من جهود لمكافحة “المتطرفين” وحماية الشّباب المسلم من الانسياق نحو “التطرّف”، أو برنامج تلفزيوني مخصّص لمحنة المرأة المسلمة، أو حكاية يقفّ لها شعر الرّأس حول حماقة ترتكب باسم الإسلام في مكان ما من العالم. وخلال إعدادي لكتابة هذا المقال، عثرت على هذا الخبر في صحيفة الاندبندنت أون صنداي (Independent on Sunday): “حذّر أسقف روتشستر يوم أمس من أنّ التطرّف الإسلامي في بريطانيا يخلق مجتمعات (محظورة) على غير المسلمين(…) وقال: إنّ غير المسلمين يواجهون بعداء في الأماكن التي تسودها إيديولوجيا المتطرّفين الاسلاميّين”. ودون التثبّت من صحّة هذا الخبر الواضح السّخف، أو مدى دقّة هذا الادّعاء، فإنّ التدفّق المستمرّ لهذا النّوع من التّعليقات حوّل الإسلام إلى دين مُحاصَر. بل وخلق هذا العرض المستمرّ للإسلام بوصفه مشكلة إلى جانب شيطنة المسلمين، ظاهرة تستحقّ بحقّ تسميتها خواف الإسلام (إسلاموفوبيا Islamophobia). وبالنّسبة لقرّاء هذه المجلّة، فإنّ السّبب في ذلك واضح تمام الوضوح، فهو لا يمكنه أن يكون متعلّقا بتعبير المسيحيّين عن عداء دفين تجاه الإسلام يعود إلى أيّام الحروب الصّليبيّة أو زمن الصّراع مع الدّولة العثمانيّة (رغم توظيف هذه الأفكار الرّجعيّة أحيانا على المستوى الإيديولوجي)، بل هو يعود بالأحرى بالأساس إلى كون معظم النّاس الذين يعيشون فوق أكبر احتياطيّات من النّفط والغاز الطّبيعي مسلمون. كما يعود أيضا، بشكل ثانوّي، إلى ارتداء مقاومة هذه الشّعوب للامبرياليّة في قسم كبير منها، منذ قيام الثّورة الإيرانيّة عام 1979، رداء الإسلام. فلو كان النّاس الذين يعيشون في الشرق الأوسط أو آسيا الوسطى بوذيّين، أو لو وجدت في التّيبت حقول نفط مماثلة لتلك التي في المملكة السّعوديّة أو العراق، لكنّا اليوم نواجه ازدهار “خُواف البوذيّة” (Buddhophobia). وعندها، سيتطوّر انطلاقا من البيت الابيض والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة، ومن داونينغ ستريت [مقرّ مكاتب رئيس وزراء المملكة المتّحدة – م]، مرورا بشبكات الصّرف الصحّي لشبكتي فوكس نيوز (Fox News) وسي إن إن (CNN) وصحيفتي الصنّ (Sun ) والدّيلي ميل (Daily Mail)، فكرة أنّ البوذيّة، رغم كونها بلا شكّ دينا عظيما، تتضمّن عيبا خطيرا ملازما لها. كما سيتمّ حينها تعبئة بعض “المفكّرين” أمثال صموئيل هنتنغتون (Samuel Huntington) وكريستوفر هيتشنز (Christopher Hitchens) ومارتن أميس (Martin Amis) لبيان أنّ البوذيّة، رغم ما مارسته من سحر على منتسبي حركة الهيبي السذّج في الستّينات، هي دين رجعيّ في الأساس يتّسم برفضه المتجذّر للحداثة والقيم الدّيمقراطيّة الغربيّة، وبفيوداليّته المتعصّبة، وثيوقراطيّته، وكرهه النّساء والمثليّين. وبما أنّه قد حدث بالفعل استخدام خواف الإسلام على المستويين الوطنيّ والدّولي كغطاء إيديولوجيّ رئيسيّ، وكمبرّر للامبرياليّة وللحرب (على غرار استخدام العنصريّة الفجّة في القرنين الثّامن عشر والتاّسع عشر)، فإنّ ذلك زاد بشكل كبير في وجوب قيام فهم نظريّ صحيح للدّين في مختلف أشكاله، من أجل تغذية توجّه سياسي قويم. بل بوسعنا أن نقول كذلك إنّ الفهم الأخرق، الآليّ والأحاديّ، للتّحليل الماركسي للدّين كان عاملا جوهريّا في تخلّي عدد من أفراد وجماعات اليسار عن الثّوابت السّياسيّة السّابقة والانقلاب إلى يسار منافح عن الامبرياليّة. والمثال الأكثر شهرة هو، بطبيعة الحال، مثال كريستوفر هيتشنز الذي ألّف كتابا عن الدّين بعنوان “الله ليس كبيرا” (God is Not Great) سنناقشه لاحقا، والذي كان انتقاله من موقع المفكّر اليساريّ والنّاقد الرّاديكالي للنّظام إلى موقع المتحزّب “النّاقد” لجورج بوش، سريعا ومتطرّفا (رغم أنّه لا يمكننا في حالة هيتشنز إلاّ أن نشكّ في أنّ اندفاعته نحو اليمين كانت نتيجة حوافز ماديّة أكثر منها نتيجة خطأ نظريّ بسيط). وكأمثلة أخرى على ذلك، نجد أعضاء “فريق إيوستون” (Euston Group) مثل نورمان غيراس (Norman Geras)، كما نجد من بين الجماعات اليساريّة المنظّمة الفرنسيّة “الكفاح العمّالي” (Lutte Ouvrière) التي حوّلها عداؤها للحجاب إلى حليف مؤقّت للدّولة الامبرياليّة الفرنسيّة في مواجهة مواطناتها الأكثر تعرّضا للقهر (1)، و”التّحالف من أجل حريّة العمّال” (Alliance for Workers’ Liberty) القريب من الدّوائر الصّهيونيّة والمعادي للإسلام. وفي الوقت نفسه، وهذا ليس من قبيل الصّدفة، قامت حملة إلحاديّة صاخبة ومعادية للدّين في الولايات المتّحدة وانكلترا، تزعّمها عالم الأحياء ريتشارد داوكينز (Richard Dawkins) وكان من ضمن بطانتها، إلى جانب هيتشنز، الفيلسوف دانيال دينّيت (Daniel Dennett) وآخرون. ولعلّ من شأن التفحّص النّقديّ للكيفيّة التي يبسط بها هؤلاء النّاس حججهم ضدّ الدّين أن يوضّح بعض العناصر الهامّة التي يتضمّنها الموقف الماركسي الكلاسيكي. ولكن يبدو من المهمّ أن نقوم أوّلا بعرض المبادئ الأساسيّة التي يقوم عليها التّحليل الماركسي للدّين، على أن لا نبدأ بالشّروح المباشرة لماركس حول الدّين، بل بالقضايا الأساسيّة للفلسفة الماركسيّة. * الماديّة والدّين
الفلسفة الماركسية ماديّة. ووفقا لفريدريك انغلز في “لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكيّة الألمانيّة”: “إنّ المسألة الكبرى الأساسيّة لكلّ فلسفة، وخاصة الفلسفة الحديثة، هي العلاقة بين الفكر والوجود(…) ومسألة موقف الفكر من الوجود(…) تصل في مواجهة الكنيسة نقطة حرجة في شكل سؤال: هل خُلق العالم من قبل الله، أم هو كائن منذ الأزل ؟ وقد انقسم الفلاسفة حسب تبنّيهم لهذه الإجابة أو تلك إلى معسكرين كبيرين. أولئك الذين يؤكّدون أولويّة الفكر على الطّبيعة، ويعترفون بالتّالي في نهاية المطاف، بحدوث العالم… وهؤلاء يشكّلون معسكر المثاليّة، والآخرين الذين يعتبرون الطّبيعة القوّة الأصليّة، وهم ينتمون إلى مختلف مدارس الماديّة” (2). فالماركسيّة، كما يقول انغلز، لا تقتصر على الوقوف بثبات في معسكر الماديّة، بل هي تمثّل أيضا “المرّة الأولى التي يحمل فيها التصوّر المادّي للعالم محمل الجدّ، ويتمّ تطبيقه بشكل مترابط على جميع المجالات المعرفيّة ذات الصّلة” (3). فالماديّة الماركسيّة، مختزلة في عناصرها الأساسيّة، تعني قبول القضايا التالية : 1. العالم الماديّ موجود بشكل مستقلّ عن الوعي (الإنساني أو غيره). 2. معرفة العالم الواقعيّ، حتى لو لم تكن كاملة أو مطلقة، ممكنة، وقد تمّ بالفعل التوصّل إليها. 3. البشر جزء من الطّبيعة، لكنّهم يشكّلون جزء متميّزا. 4. العالم المادّي لا ينشأ، في المقام الأوّل، من الفكر البشريّ؛ بل إنّ الفكر البشريّ هو الذي ينشأ من العالم المادّي. تتطابق القضيّتان الأولى والثّانية مع استنتاجات واكتشافات العلم الحديث، وهي تتموضع الآن ضمن نطاق الحسّ المشترك بعد أن تمّ إثباتها في الممارسة ملايين أو بلايين المرّات وبصفة يوميّة، على غرار معظم الاكتشافات العلميّة. وتتطابق القضيّة الثّالثة أيضا مع اكتشافات العلم الحديث، خاصّة اكتشافات داروين، وعلم المتحجرّات البشريّة الحديث، إلاّ أنّه سبق لماركس بحقّ أن عبّر عنها قبل داروين: “الشّرط الأول لكلّ تاريخ بشريّ هو بطبيعة الحال وجود كائنات بشريّة حيّة. ومن هنا، فإنّ أوّل واقعة ملاحظة هي التّكوين الجسمانيّ لهؤلاء الأفراد والعلاقات التي ينشئها مع بقيّة جوانب الطّبيعة(…) وعلى كلّ تاريخ أن ينطلق من هذه القواعد الطبيعيّة وما تتعرّض له من تعديلات من قبل الفعل الإنسانيّ عبر التّاريخ. ويمكننا التّمييز بين البشر والحيوانات من خلال الوعي، ومن خلال الدّين، أو من خلال أيّ شيء يروق لنا. أمّا البشر ذاتهم، فيبدؤون في تمييز أنفسهم عن الحيوانات حالما يبدؤون في إنتاج وسائل عيشهم، وهي خطوة يستتبعها تنظيمهم الجسمانيّ ذاته”(4). أمّا القضيّة الرّابعة فهي في آن الأكثر تميّزا بماركسيّتها والأقلّ انتشارا. فكثيرا ما نجد أناسا من أصحاب النّظرة المادّية للعلاقة بين البشر والطّبيعة، يتّخذون موقفا مثاليّا حالما يتعلّق الأمر بالعلاقة بين الأفكار والأوضاع المادّية ودور الأفكار في المجتمع والتّاريخ والسّياسة. وهم قد يقبلون، دون تفكير تقريبا، كون “الحرب الباردة كانت في الأساس مواجهة بين إيديولوجيّتين”، أو أنّ “الرّأسمالية قائمة على فكرة النّمو الاقتصادي”. ولهذا السّبب كانت القضيّة الرّابعة أكثر القضايا التي أكّد عليها ماركس وانغلز بشدّة في عديد المناسبات: “إنّ النّاس هم منتجو تصوّراتهم، وأفكارهم، إلخ. وهم أناس حقيقيّون فاعلون، ومشروطون بحدّ تطوّر قواهم الإنتاجيّة… ولا يمكن للوعي أن يكون أيّ شيء أبدا، سوى الوجود الواعي(…) وخلافا للفلسفة الألمانيّة التي تنزل من السّماء إلى الأرض، فإنّنا نصعد هنا من الأرض إلى السّماء(…) ننطلق من النّاس في عملهم الحقيقي، فانطلاقا من مجرى حياتهم الواقعيّة وتطوّرها نصوّر أيضا تطوّر الانعكاسات والأصداء الإيديولوجية لمجرى الحياة ذاك” (5). هل نحتاج بصيرة نافذة كي نفهم أنّ أفكار وتصورّات ومفاهيم النّاس، وفي كلمة واحدة وعيهم، إنّما يتغيّر بتغّير ظروف عيشهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة ووجودهم الاجتماعي؟ (6): “خلال الإنتاج الاجتماعي لوجودهم، يدخل النّاس في علاقات محدّدة ضروريّة ومستقلّة عن إراداتهم، في علاقات إنتاجيّة تطابق درجة معيّنة من تطوّر قواهم الإنتاجيّة الماديّة. ويشكّل مجموع هذه العلاقات الإنتاجيّة، البناء الاقتصادي للمجتمع والأساس الفعلي الذي يقوم عليه البناء الفوقي القانوني والسّياسي والذي تطابقه أشكال اجتماعيّة محدّدة من الوعي. فأسلوب إنتاج الحياة الماديّة يحدّد الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة والفكريّة عامّة. وليس وعي النّاس هو الذي يحدّد وجودهم، بل على العكس من ذلك، إنّ وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدّد وعيهم”(7). “فمثلما اكتشف داروين قانون تطوّر الطّبيعة العضويّة، اكتشف ماركس قانون تطوّر التّاريخ البشري المتمثّل في حقيقة بسيطة، تخفيها هيمنة الإيديولوجيا، ومفادها أنّه على النّاس أوّلا أن يحصلوا على الأكل والشّرب والملبس والمأوى قبل أن يتمكّنوا من تعاطي السّياسة والعلوم والفنّ والدّين، إلخ، ومن هنا، فإنّ إنتاج الموارد الماديّة الأساسيّة للوجود، وبالتّالي كلّ درجة من التطوّر الاقتصادي لشعب معيّن أو خلال حقبة معيّنة، هو ما يشكّل الأساس الذي قامت عليه مؤسّسات الدّولة والمفاهيم القانونيّة والفنّ، وحتّى الافكار الدّينيّة لأولئك النّاس، ولذا فإنّ تفسيرها يتطلّب الانطلاق من ذلك الأساس، لا العكس كما درج العمل به إلى حدّ الآن” (8). ومن هنا، يتبيّن لنا حضور موقف محدّد من الدّين، سواء صريح أو ضمنيّ، في الأفكار الأساسيّة للماركسيّة. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يكون واضحا أنّ لهذا الموقف طابعا مزدوجا. فمن ناحية أولى، فإنّ الإيمان الدّيني، سواء عند الماركسيّ أو عند الماديّ، وأيّا كان شكله، أمر لا يمكن تصوّره. فالأفكار الدّينية، مثلها مثل كلّ الأفكار، هي منتجات اجتماعيّة وتاريخيّة. فهي تنتج من قبل البشر، وهو ما يستبعد بالضّرورة الاعتقاد الدّيني، لأنّ الأفكار الدّينيّة تريد أن تكون متجاوزة للطّبيعة وللنّاس وللتّاريخ ومتعالية على الجميع. ولهذا السّبب عينه، ترتبط المثاليّة الفلسفيّة بالدّين ارتباطا وثيقا. فإذا ما كان العقل سابقا على المادّة، فأيّ عقل هو إن لم يكن عقل الله؟ أليس الله، حسب اصطلاح هيغل، هو “العقل المطلق”؟ أو كما يقول الكتاب المقدّس: “في البدء كان الكلمة، وكان الكلمة الله”. هذا هو السّبب الذي دفع ليون تروتسكي (Léon Trotsky) كي يكتب في نهاية حياته: “سأموت ثوريّا، بروليتاريّا، ماركسيّا، ماديّا جدليّا، وبالتّالي ملحدا شرسا” (9). ومن ناحية أخرى، فإنّ الماركسيّة ذاتها تستوجب تفسيرا ماديّا للدّين. فلا يكفي النّظر إلى الدّين ككلّ، أو إلى أيّ دين، على أنّه مجرّد وهم أو سخف استحوذ على عقول الملايين من النّاس لعدّة قرون. وهناك عادة شائعة بين بعض المؤمنين (وخصوصا في البلدان الامبرياليّة) تتمثّل في وصم معتقدات الآخرين (وخاصّة من يسمّونهم “الأهليّون”) بالخرافة، معتبرين إيّاها غير منطقيّة ومخالفة للقوانين المعروفة للطّبيعة، دون أن يدركوا أنّ ذلك ينطبق أيضا على معتقداتهم بشأن حمل مريم العذراء بلا دنس، وقيامة يسوع، وتكثيره الخبز لإطعام خمسة آلاف نفس، وما شابه ذلك. ولكنّ الماركسيّة لا تعمّم هذا الخطأ في وصم العقائد الأحيائيّة والكاثوليكيّة والإنجيليّة والراستافارايّة [نحلة تقدّس الامبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي- م] بنفس السّخف. فهي تتطلّب تحليلا للجذور الاجتماعيّة للدّين في العموم، ولمعتقدات دينيّة محدّدة بذاتها، وفهم الاحتياجات الإنسانيّة الحقيقيّة، الاجتماعيّة منها والنّفسيّة، والظّروف التّاريخيّة الفعليّة التي تطابق تلك المعتقدات والمذاهب. فعلى الماركسيّ أن يكون قادرا على فهم كيف كان الاعتقاد في قداسة هيلا سيلاسي وخلوده قادرا على إلهام موسيقيّ من عيار بوب مارلي (Bob Marley) في جامايكا الستّينات، أو كيف كان الاعتقاد في ألوهيّة يسوع وخلوده ملهما لفنّان وعالم رياضيّات مثل بييرو ديلا فرانشيسكا (Piero della Francesca) في فلورنسا القرن الخامس عشر.  
* الإنسان يصنع الدّين
وإذا كان لنا أن ننتقل الآن إلى أهمّ بيان مباشر لماركس حول الدّين، وهو ذاك الوارد في الصّفحات الأولى من “مقدّمة في الإسهام في نقد فلسفة الحقّ عند هيغل” (10)، فسنجد أنّه صيغة مكثّفة لجميع تلك العناصر، وهو يبدأ بالعبارة التّالية: “وبالنّسبة لألمانيا، فإنّ نقد الدّين قد اكتمل بشكل أساسيّ، ونقد الدّين هو الشّرط المسبق لكلّ نقد”. وقد قصد ماركس بكلامه هذا أنّ العمل المشترك بين الثّورة العلميّة والتّنوير (الموسوعيّون الفرنسيّون خصوصا) ونقد الكتاب المقدّس من قبل اليسار الهيغلي العلمانيّ في ألمانيا، هو من قام بإجهاض طموحات المسيحيّة والكتاب المقدّس في تقديم صيغة واقعيّة ودقيقة للطّبيعة وللتّاريخ، بل ولاهوت متماسك ومتّسق. وعلاوة على ذلك، فقد كان ذلك العمل ضروريّا وتقدّميّا نظرا لاستحالة القيام بتحليل نقدي حقيقيّ للعالم ما لم يتحرّر الفكر البشري من غشاوة العقائد الدّينيّة. ولكن هذه الجملة البسيطة مثّلت كلّ ما كان عند ماركس ليقوله حول هذا الجانب من المسألة، ذلك أنّه اعتبر دحض الدّين أمرا ناجزا، وهو ما أدّى به إلى أن ينتقل بسرعة نحو هدفه الرّئيسي، ألا وهو تحليل الأسس الاجتماعيّة للدّين: “إنّ أساس النّقد الإلحاديّ هو: الإنسان يصنع الدّين، والدّين لا يصنع الإنسان”. هذه هي نقطة البداية. وفيما يلي فقرة ذات كثافة استثنائيّة، مميّزة لماركس، يمكن اعتبارها بمثابة أطروحة دكتوراه مختزلة في عبارات قليلة: “إنّ أساس النّقد الإلحاديّ هو: الإنسان يصنع الدّين، والدّين لا يصنع الإنسان. الدّين هو في الواقع وعي الإنسان وإحساسه بذاته، وهذا ما لم يجده الإنسان بعد، أو افتقده مرّة أخرى. لكن الإنسان ليس كائنا مجرّدا يعيش خارج العالم الواقعي. الإنسان هو عالم الإنسان، هو الدّولة والمجتمع. هذه الدّولة، وذاك المجتمع ينتجان الدّين، أي وعيا مغلوطا للعالم، لأنّهما في ذاتهما عالم زائف. الدّين هو النّظريّة العامّة لهذا العالم، وخلاصته الموسوعيّة، ومنطقه في شكل شعبيّ، ووسام شرفه الرّوحي، وحماسته، ودعامته المعنويّة، ومتمّمه المهيب، وهو أساسه الكونيّ للعزاء والتّبرير. إنّه التحقّق الوهميّ لجوهر الإنسان، لأنّ جوهر الإنسان لا حقيقة واقعيّة له. لذلك فإنّ الصّراع ضدّ الدّين هو بصورة غير مباشرة صراع ضدّ هذا العالم الذي يمثّل الدّين شذاه الرّوحي”. الدّين إذن هو استجابة للاغتراب الإنساني، الإنسان الذي “خسر نفسه”. ولكن الاغتراب ليس شرطا مجرّدا أو خارج التّاريخ، بل هو نتاج ظروف اجتماعيّة محدّدة. ومع أنّ المجتمع هو الذي ينتج الدّين، أي رؤية مقلوبة للعالم يرضخ فيه البشر لإله وهميّ من صنع أيديهم، وذلك لأنّهم يعيشون في عالم مقلوب يخضعون فيه لمنتجات عملهم ذاتها، إلاّ أنّ الدّين ليس مجرّد توليف عشوائي بين خرافات أو معتقدات خاطئة، بل هو “نظريّة عامّة” لهذا العالم المغترب، للكيفيّة التي يحاول من خلالها بشر مغتربون إعطاء معنى لحيواتهم المغتربة في مجتمع مغترب. ولذلك، فهو يقوم بجملة من الوظائف الهامّة والمتنوّعة التي أشار إليها ماركس: “الخلاصة الموسوعيّة”، “منطق في شكل شعبيّ”، إلخ. وبالتّالي، فإنّ الصّراع ضدّ الدّين هو “صراع ضدّ هذا العالم الذي يمثّل الدّين شذاه الرّوحي”، هذا العالم المغترب الذي يحتاج النّاس فيه إلى الدّين. على أنّه يتوجّب علينا توضيح نقطتين بشأن هذا المقطع. الأولى أنّه يكاد يكون متجاهلا على المستوى العالمي من قبل المعلّقين الذين يقدّمون ملخّصات أو شروحات لفكر ماركس بخصوص الدّين، ربّما لأنّهم لم يقرؤوه (وهذا غير مرجّح)، أو لأنّهم (وهذا الأرجح) لم يفهموه، أو لأنّه (وهذا الأكثر ترجيحا) يتعارض جذريّا مع محاولات اختزال النّظريّة الماركسيّة للدّين إلى مجرّد تحليل أحاديّ من قبيل “يعتبر ماركس الدّين أداة الطّبقة الحاكمة” أو “حسب ماركس، وظيفة الدّين هي العمل على تهدئة الجماهير الكادحة”. وبالطّبع، فإنّ ماركس قال مثل هذه الأمور عن الدّين، ولكنّه قال أيضا أشياء كثيرة أخرى بشأنه، واختزال مجمل هذه النّظريّة المعقّدة إلى واحد من مكوّناتها، يؤدّي في الواقع إلى تزييفها. والنّقطة الثّانية هي أنّ ماركس كان شديد الحرص على استنتاجاته، حتّى أنّه كرّرها مرّات ومرّات، من خلال سحابة من الاستعارات والأمثال (11). ومع ذلك، فقد قام ماركس قبل أن يختم حججه بخصوص الدّين، بإدراج فقرة في غاية الأهميّة: “المعاناة الدّينية هي في آن، تعبير عن معاناة واقعيّة من جهة، واحتجاج على المعاناة الواقعيّة من جهة أخرى. الدّين هو زفرة المخلوق المضطهد، قلب عالم دون قلب، وهو روح ظروف دون روح. إنّه أفيون الشّعوب” (12). وإذا ما كان هذا المقطع أكثر شهرة من سابقه، فإنّ ذلك يعود إلى حدّ كبير إلى الجملة الواردة في نهايته والتي شاعت على نطاق واسع (وهي غالبا ما تعرض على أنّها جوهر أو مجمل تحليل ماركس). وفي الواقع، فإنّ الجملة الأولى ربّما كانت أكثر أهميّة وفائدة لفهم الدّور السّياسي للدّين. وإصرار ماركس على أنّ الدّين هو في آن تعبير عن المعاناة وعلى الاحتجاج عليها، هو النّقطة الرّئيسيّة التي تدين وتدحض كلّ تحليل يقصر نفسه على بيان الآثار المخدّرة والمنوّمة للدّين. وهو ما يؤشّر أيضا باتّجاه الحقيقة التّاريخيّة الهامّة (التي سنعود إليها) التي تفيد بقيام العديد من الحركات التقدّمية، الرّاديكاليّة أو حتى الثّوريّة، إمّا باتّخاذ شكل دينيّ، أو الاصطباغ بصبغة دينيّة، أو بتسليم قيادتها لأشخاص يحملون عقيدة دينيّة. وقد أشار ماركس وإنغلز في أعمالهما إلى الدّين في عدّة مناسبات، وحلّلاه في كثير من الأحيان. وعلى وجه الخصوص، فإنّ ماركس الشابّ كتب “المسألة اليهوديّة”، وهو كتاب مثير للجدل، لصالح تحرّر اليهود (13)، كما أسهم انغلز بعدد من الدّراسات المثيرة للاهتمام حول التطوّر التّاريخيّ للمسيحيّة ودورها، ولا سيّما “حرب الفلاّحين في ألمانيا” و”ضدّ دوهرينغ” ومقدّمة الطّبعة الانكليزيّة من “الاشتراكيّة الطّوباويّة والاشتراكيّة العلميّة” و”برونو باور والمسيحيّة المبكّرة”، و”مساهمة في تاريخ المسيحيّة المبكّرة” (14). إلاّ أنّ كلّ هذه التّعليقات يجمع بينها أمر واحد: أنّها لا تنظر إلى العقائد الدّينيّة والطّوائف والكنائس والحركات والصّراعات في حدّ ذاتها، أو بوصفها مجرّد حماقات أو خداع مدبّر من قبل الكهنة، بقدر ما تنظر إليها دائما بوصفها أفكارا وتعبيرات مشوّهة عن حاجات ومصالح اجتماعيّة حقيقيّة. ولعلّ من شأن بعض المقتطفات توضيح هذه النّقطة: • من “حرب الفلاّحين في ألمانيا”: “حتّى في ما يسمّى الحروب الدّينيّة للقرن السّادس عشر، فإنّ الأمر كان يتعلّق في المقام الأوّل بمصالح مادية طبقيّة ملموسة، وكانت تلك الحروب صراعات طبقيّة، كما هو الشّأن تماما للاصطدامات الدّاخليّة التي وقعت لاحقا في كلّ من انكلترا وفرنسا. وإذا ما كانت تلك الصّراعات الطبقيّة، في ذلك الوقت، تحمل راية الدّين، بحيث تستّرت مصالح مختلف الطّبقات وحاجاتها ومطالبها وراء قناع الدّين، فإنّ ذلك لا يغيّر من واقع الأمر شيئا، وهو يفسّر بكلّ يسر بطبيعة الظّروف في ألمانيا ذاك الزّمان(…) لقد تواصلت المعارضة الثّوريّة ضدّ الفيوداليّة طوال العصور الوسطى، وبدت، وفقا للظّروف، في شكل تصوّف أحيانا، أو في شكل هرطقة منفتحة أحيانا أخرى، أو في شكل عصيان مسلّح”. • من مقدّمة “الاشتراكيّة الطّوباويّة والاشتراكيّة العلميّة”: “كانت العقيدة الكالفينيّة مناسبة بشكل خاصّ للعناصر الأكثر جرأة من بين المنتمين لبورجوازيّة ذاك الزّمان.. وكان مذهبها القدريّ تعبيرا دينيّا عن حقيقة مفادها أنّ النّجاح والفشل في عالم المنافسة التّجاريّة، لا يتوقّفان على نشاط الإنسان أو مهارته، بل على ظروف لا يمكنه التحكّم فيها”. • من “تاريخ المسيحيّة المبكّرة”: “كانت المسيحيّة في الأصل حركة مضطهَدين، ظهرت للمرّة الأولى على أنّها دين للعبيد والمُعتَقين والفقراء والنّاس المحرومين من جميع الحقوق، والشّعوب التي قهرتها أو استبدّت بها روما (…) وكان لا بدّ [لانتفاضات الفلاّحين والعامّة في العصور الوسطى]، ولجميع الحركات الجماهيريّة في العصور الوسطى، أن ترتدى قناع الدّين بالضّرورة، وقد بدت وكأنّها استعادة للمسيحيّة الأولى إثر ما أصابها من انحطاط متزايد، ولكن التّمجيد الدّينيّ كان يخفي بانتظام مصالح دنيويّة ملموسة “. وبصفة عرضيّة، في هذا العمل نفسه، نقرأ إشارة حول الإسلام: “الإسلام على مقاس الشّرقيّين وبالتّحديد العرب، أي سكّان المناطق الحضريّة العاملين في مجال التّجارة والصّناعة من جهة أولى، والبدو الرحّل من ناحية أخرى. لكنّ ذلك يتضمّن بذرة اصطدامات دوريّة. فمع إثراء سكّان المدن الغنية والانغماس في التّرف، يتراخون في تطبيق “الشّريعة”. أمّا البدو الفقراء، فينظرون بسبب فقرهم وأخلاقهم الصّارمة، بعين الحسد والجشع لتلك الثّروات والمتع. وحينها يتوحّدون تحت قيادة نبيّ، مهديّ، لتأديب المرتدّين وإقامة معالم الشّريعة والإيمان الحقيقيّ ومكافأة أنفسهم على ذلك بالاستيلاء على كنوز المرتدّين. وبعد مائة سنة، يجد هؤلاء أنفسهم بطبيعة الحال، في نفس موقف المرتدّين؛ ومن هنا وجوب قيام حركة تطهير جديدة تحت راية مهديّ جديد، لتتواصل اللّعبة. وقد حدث هذا الأمر وبهذه الطريقة منذ حروب المرابطين والموحّدين الأفارقة لغزو إسبانيا وصولا إلى خروج المهديّ الأخير في الخرطوم الذي تحدّى بريطانيا بانتصاراته(…) إنّها حركات تعود لأسباب اقتصاديّة، رغم ارتدائها غطاء دينيّا”. والمسألة هنا لا تتعلّق بصحّة أو خطأ هذه الملاحظات النّوعيّة تاريخيّا، بل بتسليط الضّوء على المنهجيّة المتماسكة التي تستند إليها. * داوكينز، هيتشنز وإيغلتون
ريتشارد داوكينز هو عالم أحياء تطوّري اشتهر من خلال كتابه “الجين الأنانيّ” (The Selfish Gene) قبل أن يبني سمعة كبيرة ويختطّ لنفسه مسارا خاصّا بوصفه ناشرا للثّقافة العلميّة المبسّطة بين العموم. وقد نشر في عام 2006 كتابا بعنوان “وَهْمُ الله” (The God Delusion) يمثّل هجوما مباشرا ضدّ الدّين ودفاعا عن الإلحاد، وقد غدا من أكثر الكتب مبيعا على المستوى العالميّ وتسبّب في إثارة جدل واسع، خاصّة في الولايات المتّحدة، وتلقّى استحسان جهات متنوّعة مثل إيان ماك إيوان (Ian McEwan)، ومايكل فراين (Michael Frayn)، ومجلّة ذي سبكتاتور (the Spectator)، وصحيفة الدّيلي ميل (the Daily Mail )، وستيفن بينكر (Stephen Pinker). ويجب أن أقول بداية إنّني لا أشارك إعجاب العامّة بأسلوب وفكر داوكينز. فأن تقرأ له بعد أن تقرأ لماركس هو مثيل الانتقال من القراءة لتولستوي (Toltstoy) أو لجيمس جويس (James Joyce) إلى القراءة لكينغسلي أميس (Kingsley Amis) أو لأغاثا كريستي (Agatha Christie). وحيث يختزل ماركس كتابا في فقرة، يوسّع داوكينز مقالا قصيرا ليغدو في حجم كتاب كبير. وفي الواقع، فإنّ جميع صفحات ” وَهْمُ الله” التي تربو عن 460 صفحة لا تتجاوز من النّاحية الفكريّة ما لخّصه ماركس في الجملة الأولى من تحليله في عام 1843، أي اكتمال نقد الدّين في أساسه. فما يعرضه داوكينز هو دحض تَجْرَبِيٌّ (empiricist) وعقلانيّ للدّين جدير بعصر التّنوير، فهو لا يجاوز برهنة “علميّة” وضعانيّة على انعدام أيّ دليل واقعيّ يدعم ما يسمّيه “فرضيّة الله”، وعلى أنّ الأدلّة تجعلنا تقريبا (إن لم يكن بصفة مطلقا) على يقين بأنّ الله غير موجود. وكتكملة لذلك، يتحفنا بحجج منطقيّة داحضة لمختلف البراهين عن وجود الله، بدءا من “أدلّة” القدّيس توما الاكويني الجليلة و”رهان باسكال”، وصولا إلى الهذيانات الأخيرة للمدعوّ ستيفن أونوين (Stephen Unwin)، مع إيراد أمثلة عديدة على الحماقات والجرائم التي ارتكبت باسم الدّين. وإنّني لأفترض وجود من قد يمثّل له هذا الأمر كشفا مهمّا، وأنّ آخرين قد يستمتعون به لأنّه يجعلهم يشعرون بأنّهم أكثر ذكاء من الجماهير الجاهلة التي تنطلي عليها تلك الخرافات، ولكن لا جديد حقّا في كلّ ذلك من النّاحية النّظريّة، أو لنقل سوى نزر يسير هو نفس ما نجده مقرّرا ومعروفا منذ أكثر من مائتي عام خلت. وقد يكون الاستثناء الوحيد في جميع ذلك، هو محاولة داوكينز تفسير سبب انتشار الدّين على نطاق واسع في المجتمع البشريّ، ولكنّه فشل في محاولته تلك فشلا مزريا. فبما أنّه عالم أحياء تطوّري كما يعلن، فقد أحسّ بأنّه ملزم في إطار شرحه، بالقول بالفوائد الوراثيّة الموجودة في عمليّة الانتقاء الطّبيعي، إلاّ أنّ عداءه السّطحي للدّين تطلبّ منه أيضا إنكار أن يكون للدّين أيّ فوائد لضمان بقاء الفرد أو المجتمع. وقد حاول الخروج من هذا التّناقض عن طريق الإيحاء بأنّ الدّين مجرّد أثر جانبيّ لميزة يعلن أنّها مفيدة في الصّراع من أجل البقاء، ألا وهي نزوع الأطفال إلى تصديق ما يقوله لهم آباؤهم. ومن الواضح أنّ هذا الكلام لا يصمد أمام النّقد. أوّلا، لأنّ معرفة إلى أيّ مدى يفوق تأثّر الشّبان بالإيحاء شكّهم، ولا سيّما في مرحلة المراهقة، مسألة فيها نظر. وثانيا، لأنّه يمكن القول بنفس القدر أيضا إنّ التأثّر بالإيحاء هو في العموم، ميزة. وثالثا، لأنّه يبدو من المرجّح للغاية أن يكون مدى التأثّر بالإيحاء ودرجة نفعه في آن، مشروطان اجتماعيّا، ومن ثمّ يختلفان بدرجات متفاوتة باختلاف المجتمعات. وأخيرا، فإنّ هذه النّظريّة، مثلها مثل أيّ نظريّة أخرى تفسّر سلوك ومعتقدات الأطفال من خلال سلوك ومعتقدات والديهم، تواجه – إذا ما أرادت تجنّب الاضطرار إلى العودة القهقرى إلى ما لا نهاية – مشكلة تفسير التصرّف الأوّلي للوالدين. وكما لاحظ ماركس، فإنّ “المعلّمين أنفسهم يجب أن يتعلّموا”(15). وبعبارة أخرى، فإن شرح داوكينز لا يفسّر أيّ شيء على الإطلاق. بل إنّ نهجه في كتاب ” وَهْمُ الله” في مجمله، لا في هذا الخصوص فحسب، يدلّ على أنّه لم يجد ما يكفي من الوقت للنّظر بجديّة في النّظريّة الماركسيّة للدّين. ومع ذلك، فإنّ الرّداءة وعدم الحصافة الفكريّة ليسا موضوع انتقادي الرّئيسي لهذا الكتاب، إذ أنّ اعتراضي الرّئيسي عليه يتعلّق بما حواه من استنتاجات سياسيّة رجعيّة النّاتجة عن ضعفه المنهجيّ. فكما قال ماركس في ردّه على الفيلسوف الألماني فيورباخ، فإنّ الماديّة الميكانيكيّة تترك الباب مفتوحا دائما أمام المثاليّة، وداوكينز هو مثال صارخ على ذلك. فبدون إدراك منه، يسلك داوكينز مسارا متعرّجا ينقله من الحتميّة الوراثيّة الماديّة المبتذلة في نظرتها الى الطّبيعة والسّلوك البشريّ في المطلق، إلى مثاليّة مسرفة في رؤيتها لدور الدّين في ظروف تاريخيّة ملموسة. وهو يرتكب عند كلّ منعطف، خطأ افتراض أنّ النّاس عندما يفعلون شيئا باسم الدّين، فإنّ الدّين هو ما يحفّز سلوكهم. ولعلّ المقطع التّالي من مقاله “استحالة الله” (The Improbability of God) يوجز هذا النّهج : “إنّ معظم ما يقوم به النّاس يتمّ باسم الله. فالإيرلنديّون يفجّر بعضهم بعضا باسمه، والعرب يفجّرون أنفسهم باسمه، والأئمّة وآيات الله يضطهدون المرأة باسمه، والكهنة والقساوسة العزّاب يتدخّلون في الحياة الجنسيّة لأتباعهم باسمه، والكهنة اليهود يذبحون الحيوانات الحيّة باسمه. وسجّل الدّين في التّاريخ مثير للإعجاب: انطلاقا من الحروب الصّليبيّة الدّمويّة، والتّعذيب الذي مارسته محاكم التّفتيش والقتل الجماعي الذي ارتكبه الغزاة، وتدمير الثّقافات من قبل المبشّرين، وصولا إلى التصدّي الشّرعيّ إلى آخر لحظة ممكنة لكلّ تقدّم جديد للحقيقة العلميّة. وماذا خدم كلّ ذلك؟ أعتقد أنّه أصبح من الواضح بشكل متزايد أنّ الجواب هو: لا شيء. ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بوجود أيّ شكل من أشكال الآلهة، فيما يوجد أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأنّها لم توجد قطّ. إنّ الأمر لم يكن سوى مضيعة كبيرة للوقت وللأنفس، ويكاد يكون نكتة ذات أبعاد كونيّة لو لم يكن يتضمّن هذا القدر من المأساويّة” (16). في الواقع، ليس هذا سوى صيغة معدّلة حسب مذاق اليوم للعبارة المكرورة الزّاعمة أنّ الدّين كان وراء الكثير من الحروب. إلاّ أنّ ذلك لا يصمد أمام الفحص النّقديّ، ولنأخذ على ذلك مثال إيرلندا. فالفكرة القائلة بأنّ الصّراع الإيرلنديّ كان في أساسه دينيّا هي في آن كاذبة ورجعيّة. إنّها كاذبة حتّى في ما يتعلّق ببياناتها الرّسميّة وبوعي دعاتها الرّئيسيّين، فإذا ما كان كثير من الجمهوريّين، وليس كلّهم بأيّ حال من الأحوال، من الكاثوليك، فإنّ أيّ منهم لم يصرّح (أو حتّى فكّر) بأنّه كان يناضل من أجل الكاثوليكيّة؛ فالنّضال كان من أجل إيرلندا مستقلّة ومتّحدة. وقد كانت الأمور أقلّ وضوحا في معسكر الإتّحاديّين، حيث كان للتعصّب الأعمى دور أكبر بما لا يقاس، وذلك على الرّغم من أنّ الهدف المعلن كان أساسا من طبيعة “وطنيّة”، أي أن يظلّوا “بريطانيّين”. وبصفة عامّة، فإنّه كان من الواضح أنّ تلك النّزاعات كانت تخفي طموحات وطنيّة، فهي لم تكن خلافات حول مبدأ الاستحالة أو العصمة البابويّة، بل حول مسائل حقيقيّة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة تتعلّق بالاستغلال والفقر والتّمييز والاضطهاد. ومن هنا، فإنّ النّظر إلى الصّراع بوصفه صراعا دينيّا بالأساس هو موقف رجعيّ لأنّه يكرّس الصّورة النّمطيّة العنصريّة التي تظهر الإيرلنديّين في صورة بدائيّين أغبياء، ولأنّه يساعد على إضفاء الشّرعيّة على الحكم البريطاني بوصفه حكما محايدا بين فصائل دينيّة متحاربة. ويجب علينا أن ننسب الفضل لداوكينز في معارضته الحرب على العراق، وأنّه ليس واحدا من الأصدقاء السّياسيّين لجورج بوش. ومع ذلك، فإنّ مقاربته للدّين في سياق “الحرب ضدّ الإرهاب”، حتى وإن لم تكن نابعة من نيّة مبيّتة، هي أكثر رجعيّة. ذلك أنّ اعتبار عداء المسلمين للغرب مجانيّا وغير مبرّر يمثّل عنصرا مركزيّا في ايديولوجيّة المحافظين الجدد، بوش وتشيني وبلير وبراون، وهو لا ينظر إليه باعتباره ردّة فعل على الإمبرياليّة الغربيّة والاستغلال والهيمنة، بل اعتداء على أساس الدّين يسعى إلى تدمير العالم غير المسلم وقهره، وربّما أسلمته. * تأويل “شرّير” للإسلام
وبينما يرى البعض أنّ هذه الأهداف أصيلة في الإسلام بصفة عامّة (17)، يرى بوش وبلير وجوقتهما أنّها نتاج تأويل ” شرّير” للإسلام أو تحريف له، ومع ذلك فإنّ الدّافع في الحالتين يبقى من طبيعة دينيّة. وهذا التّفسير يمثّل تحدّيا للعقل، إذ يتعارض مع تصريحات كلّ من تنظيم القاعدة الذي أعلن مطالب سياسيّة واضحة مثل انسحاب القوّات الأمريكيّة من المملكة العربيّة السّعوديّة، وتصريحات منفّذي تفجيرات 7 يوليو/تمّوز فى لندن الذين أعلنوا أنّ الدّافع إليها هو ما يحدث في العراق. وفكرة أنّ أمريكا أو بريطانيا أو أيّ من الدّول الغربيّة الكبرى يمكن تدميرها وغزوها أو أسلمتها عن طريق وضع قنابل في قطارات الأنفاق أو توجيه طائرات نحو ناطحات سحاب، هي من السّخف بحيث لا يمكن أن تكون السّبب الحقيقيّ لحملة عسكريّة مستمرّة. كما أنّ الفكرة القائلة بأنّ اعتداء إرهابيّا يمكن أن يدفع الولايات المتّحدة إلى التوقّف عن دعم إسرائيل أو إخلاء أفغانستان خاطئة أيضا، ولكنّها ليست مستحيلة بشكل كامل. وبالنّسبة لبوش وبلير والمحافظون الجدد، فإنّ التّفسير “الدّينيّ” أمر ضروريّ، لأنّهم سيكونون بدونه مضطرّين للاعتراف بجرائم الامبرياليّة وسياساتهم الإجراميّة. وهذا النّهج هو الذي انضمّ إليه وأيّده داوكينز : “(انعدام الوعي) قد تكون العبارة المناسبة لوصف تخريب كشك للهاتف. إلاّ أنّها لا تساعد على فهم ما الذي ضرب نيويورك يوم 11 سبتمبر(…)، إنّه صادر عن الدّين. والدّين هو أيضا، بطبيعة الحال، المصدر الأساسي للخلافات في الشّرق الأوسط التي دفعت منذ البداية إلى استخدام هذا السّلاح الفتّاك. ولكن تلك قصّة أخرى لا تعنيني هنا. ما يهمّني هو السّلاح نفسه. فملء العالم بالأديان، أو بأديان من النّمط الإبراهيميّ، هو مثيل ملء الشّوارع بمسدّسات مشحونة” (18). أمّا كريستوفر هيتشنز، فهو يشبه داوكينز، في الرّداءة. فكتابه “الله ليس كبيرا” يحتلّ من النّاحية الفكريّة موقعا أدنى من كتاب “وَهْمُ الله” مع استخدام أكثر تعسّفا لمزيج من الحكايات الشّخصيّة الاستعراضيّة والجدل الصّحفي المتهافت. وقد كانت مماهاته بين المسألة الإلحاديّة والخواف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) متضمّن في عنوان الكتاب (وهو إشارة ساخرة إلى هتاف المسلمين: “الله أكبر”!) وممتدّ بلا أدنى حياء على طول صفحاته. وهو يستشهد، كي يحيّي بلا شكّ ماضيه اليساريّ، بفقرتين لماركس حول الدّين يوافقه فيها، ليواصل بعد ذلك كلامه متجاهلا معناها بصفة تامّة. وفي القسم الرّئيسي من الكتاب وهو بعنوان “الدّين يقتل”، يأخذنا هيتشنز في جولة هجوميّة إلى ستّ مدن تمزّقها الصّراعات (بلفاست وبيروت وبومباي وبلغراد وبيت لحم وبغداد) ليقدّم لنا كلّ مرّة موجزا ملخّصا للنّزاع في كلّ منها من وجهة نظر مركّزة حصريّا على الأحقاد الدّينيّة الخالصة، دون أيّ إحالة إلى التّاريخ، أو الامبرياليّة أو القمع أو الصّراع الطّبقيّ. إنّها محاكاة هزليّة للتّحليل السّياسيّ الاجتماعيّ. ولعلّ تحليل “فلسطين” هو الأكثر ترويعا على وجه الخصوص : “لقد سمعت مرّة المأسوف عليه أبا إيبان، وهو واحد من أرقى الدّبلوماسيّين ورجال السّياسة في إسرائيل وأكثرهم رقّة ضمير، يلقي كلمة في نيويورك. وقد قال إنّ أوّل ما يلفت النّظر بشأن الصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ هو السّهولة التي يمكن حلّه بها(…) شعبان بنفس التّعداد تقريبا يدّعيان ملكيّة نفس الأرض. والحلّ، بالطّبع، هو إنشاء دولتين جنبا إلى جنب. هل يوجد شيء أوضح من هذا بالنّسبة للذّكاء البشريّ؟ لقد كان هذا ما سيتمّ منذ عقود، لو تمّ إبعاد الحاخامات والأيمّة والقساوسة. إلاّ أنّ الإدّعاءات الحصريّة للسّلطة الإلهيّة التي أُعلنت من الجانبين من قبل رجال دين مهووسين مدعومين من قبل متعصبّين مسيحيّين يأملون في إعلان نهاية العالم (المسبوقة بموت اليهود أو تنصيرهم) جعلت الوضع لا يطاق، وجعل البشرية جمعاء رهينة نزاع يحمل في طيّاته تهديدا نوويّا. الدّين يسمّم كلّ شيء”. إنّ كلّ هذا يبعث على الضّحك، خاصّة حين يقول هيتشنز، وأنا أقتبس حرفيّا من يوتيوب: “إنّني مقتنع تماما أنّ المصدر الرّئيسي للكراهيّة في العالم هو الدّين” (19)، مرجعا ذلك لا إلى الوقائع الملموسة للرّأسمالية والإمبرياليّة وعدم المساواة والاستغلال أو الصّراع الطّبقيّ، بل إلى مجرّد خطأ استقرّ في أذهان النّاس. إنّ معارضة حجج داوكينز وهيتشنز بقوّة لا يمكنها بأيّ حال أن تؤدّي إلى تمييع النّقد الماركسيّ الكلاسيكيّ للدّين أو إلى فتح الباب أمام أيّ توافق نظريّ مع الأفكار الدّينيّة. ولنترك الآن هيتشنز المقرف لنلتحق بالأمميّ تيري إيغلتون (Terry Eagleton) الذي يعتبر مثالا لما ينبغي تجنّبه. كان إيغلتون منظّرا أدبيّا وثقافيّا بارزا، وقريبا من الماركسيّة، وقد هاجم في الماضي عنصريّة فيليب لاركن (Philip Larkin) وتعصّبه. إلاّ أنّه تميّز مؤخّرا بإدانة إسلاموفوبيّة زميله في الجامعة مارتن أميس. وكتب في عام 2006 نقدا لاذعا لكتاب “وَهْمُ الله” في المجلّة النّقديّة اللندنيّة لندن ريفيو أوف بوكس(London Review of Books). ورغم تقديم إيغلتون بعض الحجج المماثلة لما نعرضه هنا، على غرار ما يتعلّق بإيرلندا على سبيل المثال، فإنّ السّمات العامّة لنقده ليست ماركسيّة. وقد كانت حجّته الرّئيسيّة تتمثّل في أنّ داوكينز هاجم المسيحيّين الأصوليّين والمسلمين كما لو أنّهم يمثّلون الدّين في مجمله، متناسيا وجود لاهوت “تحرّري” لا يمكن الشكّ في وجوده: “إنّنا نتساءل عن وجهات نظر داوكينز بشأن الاختلافات المعرفيّة بين القدّيس توما الاكويني ودونس سكوت (Duns Scot )؟ هل قرأ ما يقوله إيريجان (Erigène) حول الذّاتيّة، وراهنر (Rahner) حول الرّحمة، ومولتمان (Moltman) حول الأمل؟ بل هل سمع بهم قطّ؟ كيف له أن يتخيّل، بوصفه محاميا شابّا مفعما بالحقد، أنّه يمكن القضاء على المعارضة من خلال تجاهل أقوى حججها؟” (20). إنّ نقدا كهذا لكتاب داوكينز، لا يخلو من صحّة، ولكنّه لا يخلو أيضا من مشاكل خطيرة. أوّلا، لإنّه من غير المعقول إعلان ضرورة الإطّلاع على جميع تعقيدات اللاّهوت المسيحيّ (أو البوذيّ أو الزرّادشتيّ) من أجل التمكنّ من الدّفاع عن الإلحاد ورفض اللاّهوت بصفته تلك. وثانيا، لأنّ إيغلتون، من خلال البرهنة على فهمه لمفهوم اللاّهوت التحرّري حول إله غير ماديّ ومجرّد محبّ ومسامح، على نقيض إله الكتاب المقدّس المنتقم، إنّما يترك الباب مفتوحا بالتّأكيد أمام إمكانيّة أن يكون ذاك الإله التحرّري قد وجد فعلا أو أنّه جدير بالعبادة، وهو ما يكرّره حين يقدّم تصوّره ليسوع باعتباره نموذجا أوّليّا للثّوريّ المناضل ضدّ الامبرياليّة: “يسوع لم يمت لأنّه كان مجنونا أو مازوخيّا، بل لأنّ الدّولة الرّومانيّة وأزلامها المحليّون وكلاب حراستها ارتعبوا أمام ما تبشّر به رسالته من محبّة ورحمة وعدالة، فضلا عن شعبيّته الهائلة بين الفقراء، وقد تخلّصوا منه لمنع حدوث انتفاضة جماهيريّة في إطار وضع سياسيّ شديد التقلّب” (21). إنّ إله الحبّ المجرّد لديتريش بونهوفر (Dietrich Bonhoeffer) أو يسوع الرّاديكاليّ لتيري إيغلتون بالنّسبة لشخص ماركسيّ، هما صنيعتان بشريّتان، أي إسقاطان وهميّان مثلهما مثل الآلهة المتعصّبة لإيان بيزلي (Ian Paisley) أو أسامة بن لادن. * الدّين والسّياسة الاشتراكيّة
ولإنهاء هذا المقال، سنشير بإيجاز إلى أهمّ النّتائج السّياسيّة التي قد تتولّد، وهي قد تولّدت تاريخيّا، عن التّحليل الوارد أعلاه. أوّلا، وخلافا لاعتقاد شائع (تغذّيه مغالطة معمّمة على نطاق واسع)، فإنّ الاشتراكيّين الماركسيّين يعارضون تماما كلّ فكرة لمنع الدّين. وهذا ليس موقفا جديدا، فقد سبق أن نصّ عليه انغلز صراحة في عام 1874 استجابة لاقتراح من مؤيّدي الاشتراكيّ الفرنسيّ لويس أوغست بلانكي (Louis-Auguste Blanqui). والأسباب التي قدّمها انغلز تظلّ صالحة إلى يومنا هذا: “لإثبات أنّهم الأكثر راديكاليّة من بين الجميع، يلغون الله بمرسوم، كما في عام 1793 : “فلتتخلّص الكومونة الإنسانيّة إلى الأبد من شبح مآسيها الماضية (الله)، “من هذا المتسبّب” [الإله غير الموجود يغدو مسبّبا!] في بؤسها الحاليّ. لا مكان في الكومونة لكاهن؛ ويجب حظر أيّ مظهر وأيّ تنظيم دينيّ. وقد وقّع هذه الفتوى القاضية بتحويل النّاس إلى ملحدين اثنان من أعضاء الكومونة وهو ما منحنا فرصة للتأكّد، أوّلا، أنّه يمكننا أن نكتب ما نريد من أوامر على الورق دون فعل أيّ شيء لإنفاذها، وثانيا، أنّ الاضطهاد هو أفضل وسيلة لتعزيز معتقدات غير مرغوب فيها! “(22). وبعيدا عن الرّغبة في فرض حظر الدّين، يرى الماركسيّون أنّه ينبغي أن يظلّ مسألة شخصيّة مستقلّة عن الدّولة، وأنّه يجب أن تبقى الحريّة الدّينيّة كاملة سواء في ظلّ الرّأسماليّة أو تحت راية الاشتراكيّة. وقد سبق أن أعرب لينين عن ذلك بوضوح في مقال له عام 1905 بقوله: “لا ينبغي للدّولة أن تتدخّل في الدّين، ويجب ألاّ تكون الجمعيّات الدّينيّة مرتبطة بسلطة الدّولة. يجب أن يكون لكلّ فرد مطلق الحريّة في اعتناق أيّ دين شاء أو إنكار جميع الأديان، أي أن يكون ملحدا على غرار عامّة الاشتراكيّين. لا مجال للتّغاضي عن التّمييز في الحقوق المدنيّة على أساس المعتقدات الدّينيّة. ولا مراء في وجوب إزالة خانة التّعريف بديانة المواطنين في الأوراق الرّسمية”(23). ولعلّ الاتّجاه الوحيد الذي يراه الماركسيّون للقضاء على الدّين هو أن يتراجع تدريجيّا نتيجة اختفاء الأسباب الاجتماعيّة التي يقوم عليها، أي الاغتراب والاستغلال والقهر، وما إلى ذلك. والاشتراكيّون الماركسيّون، على أيّ حال، يعارضون أيّ امتياز تمنحه الدّولة للدّين، وهم يدعون إلى حلّ كلّ كنيسة رسميّة للدّولة (مثل كنيسة انكلترا). وما كان للتصوّر العامّ لموقف الماركسيّين حيال الدّين إلاّ أن يتأثّر إلى حدّ كبير بمثال الأنظمة الستالينيّة في روسيا وأوروبّا الشّرقيّة والصّين وكوبا وكوريا الشّماليّة، وغيرها. ولأنّ التقصّي المنهجيّ لهذه الأمثلة غير ممكن من خلال هذا المقال الوجيز، فإنّنا نأمل من قرّاء هذه المجلّة الاقتناع بأنّ تلك الأنظمة لم تكن بأيّ شكل ممثلّة للاشتراكيّة الحقيقيّة أو للماركسيّة. ومع ذلك، فإنّه قد يكون من المفيد الإدلاء ببعض الملاحظات في هذا الشّأن. إنّ القمع السّتالينيّ للدّين غالبا ما بولغ فيه وأسيء فهمه في آن. لقد بولغ فيه بمعنى أنّ الأنظمة السّتالينيّة عموما لم تقمع الدّيانات أو الكنائس الرّئيسيّة، بل تسامحت تجاهها إن لم تشكّل معها تحالفات، شريطة أن تكون سهلة الانقياد لها سياسيّا (وهو ما كانت عليه في العموم). أمّا سوء الفهم، فذلك لأنّ الحالات التي تمّ فيها اضطهاد أفراد أو جماعات دينيّة كانت في المقام الأوّل نتيجة إثارتهم مشاكل سياسيّة، وليس بسبب إيمانهم في حدّ ذاته بصفة أساسيّة، فقد كانت تلك المجتمعات تقمع كلّ معارضة سياسيّة. ويمكن أن نجد نظرة عامّة حول تعامل الدّول “الشّيوعيّة” مع الدّين في الفصل الأخير من كتاب بول سيغل (Paul Siegel) “الخانغ والمناضل” (The Meek and the Militant) (24)، كما توجد دراسة حالة مفيدة بشكل خاصّ حول علاقات الثّورة الرّوسيّة مع أقليّتها المسلمة في مقال ديف كراوتش (Dave Crouch) بعنوان “البلاشفة والإسلام” (The bolsheviks and Islam) (25). ففي هذا المقال، يبيّن كراوتش كيف كان البلاشفة في السّنوات الأولى للثّورة، يتقيّدون تقيّدا صارما بالمبادئ اللّينينيّة المبيّنة أعلاه، ونجاحهم بالتّالي في كسب المسلمين إلى جانبهم، بينما تسبّب صعود الستالينيّة في تعميم السّياسات الاستبداديّة على نطاق واسع من فوق، بما في ذلك قمع الحجاب، وهي السّياسات التي ثبت فشلها الذّريع. ولتحديد مواقفهم تجاه الحركات الشّعبيّة التي تحمل صبغة دينيّة، لا يعتمد الماركسيّون الاعتقادات الدّينيّة لقيادات الحركة أو لقاعدتها، أو معتقدات الدّين المقصود ولاهوته، نقطة انطلاق، بل الدّور السّياسي للحركة القائمة على القوى الاجتماعيّة وما تمثّله من مصالح. ولتوضيح كلّ هذا، لننظر في الأدوار التّاريخيّة لكلّ من الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة. لقد كانت الكاثوليكيّة في العصور الوسطى وبداية العصر الحديث دين الأرستقراطيّة الفيوداليّة بالأساس، وكادت تكون بالتّالي رجعيّة في عمومها. وفي المقابل، نزعت البروتستانتيّة الرّاديكاليّة نحو تمثيل البورجوازيّة الصّاعدة، أو العناصر العاميّة الدّنيا التي كانت على يسارها. وقد كان كبار المتمرّدين والثوّار في ذلك الوقت، أمثال توماس منذر (Thomas Munzer) وجون ليبورن (John Lilburne) وجيرالد وينستانلي (Gerald Winstanley) من البروتستانت المتحمّسين، أي متطرّفين وأصوليّين بلغة اليوم. ولكن منذ اللّحظة التي استلم فيها هؤلاء المتمرّدون البرجوازيّون السّلطة في هولندا وانكلترا، شاركوا في ما يسمّيه ماركس “التّراكم البدائيّ لرأس المال”، وتحوّلوا إلى استعماريّين وتجّار رقيق من النّوع الأكثر وحشيّة. لقد تحوّل أوليفر كرومويل (Oliver Cromwell) من ثوريّ قاتل للملوك في انكلترا إلى قامع في إيرلندا (حيث لا يزال اسمه يثير كراهيّة النّاس)، ولا سيّما للفلاحين الكاثوليك. يمكن للبرجوازيّين البروتستانت الهولنديّين أن يكونوا أبطالا في أوروبّا وأبطالا للثّورة الهولنديّة، لكنّهم كانوا المبدعين البائسين للأبارتيد (الفصل العنصريّ) في أفريقيا. ولقد استمرّ الدّور المغرق في الرّجعيّة للكنيسة الكاثوليكيّة في أوروبّا، وخاصة في جنوبها حيث أيّدت بكلّ همّة الجنرال فرانكو في إسبانيا وأبرمت اتّفاقات مع موسوليني وهتلر. وهي ما تزال قائمة اليوم، في شكل ملطّف، في الأحزاب المحافظة الرّئيسيّة في كلّ من إيطاليا وإسبانيا وجنوب ألمانيا. ولكن الدّول الأوروبيّة التي لا تزال فيها الكاثوليكيّة والدّين بشكل عامّ أقوى، هي إيرلندا وبولندا، حيث تمكّنت الكنيسة، بشكل معتدل جدّا ولكنّه قويّ، من التّماهي مع المعارضة الوطنيّة تجاه القهر. إنّ أيّ اشتراكيّ ينظر إلى القرن السّابع عشر لا بدّ له من التّماهي على الفور مع المتمرّدين البروتستانت ضدّ الملوك والأباطرة الكاثوليك. أمّا إذا نظر إلى إيرلندا العام 1916 أو بلفاست العام 1970، فإنّه سيشعر بنفسه إلى جانب القوميّين “الكاثوليك” وليس إلى جانب الاتّحاديّين “البروتستانت”. إنّ جميع اليساريّين الذين اعتبروا صعود نقابة “تضامن” (Solidarnosc) في بولندا وكأنّه صراع بين الكاثوليك “المتخلّفين” في مدينة غدانسك (Gdansk) والشّيوعيّين الملحدين “التّقدميّين” في الدّولة السّوفياتيّة، انتهوا إلى جانب المضطهد الإمبرياليّ. وهو ما يتكرّر اليوم في ما يتعلّق بالصّراع بين التّيبت والصّين بعد أن رأيناه بخصوص “الحرب ضدّ الارهاب” والصّراعات في الشّرق الأوسط. ويمكن تقديم عدّة أمثلة أخرى لدعم وجهة نظرنا. فمن أيّ نوع سيكون الاشتراكيّ الذي يبني موقفه من مالكولم اكس (Malcolm X) على أساس معتقداته الدّينيّة الرّجعيّة بوصفه عضوا في جماعة “أمّة الإسلام” (Nation of Islam)، أو من بوب مارلي بالنّظر فقط لاعتقاده في قداسة الطّاغية العجوز هيلاسيلاسي (Haile Selassie)، أو حتّى من هوغو شافيز (Hugo Chavez) بالنّظر فحسب لكاثوليكيّته المعلنة بصوت عال وإعجابه بالبابا؟ لسوء الحظ، فإنّ بعض الاشتراكيّين المزعومين ممّن ليس لديهم أيّ صعوبة لفهم هذا الأمر بخصوص هوغو شافيز أو بوب مارلي، عاجزون، تحت ضغط الدّعاية البورجوازيّة المكثّفة، على تطبيق نفس المنهج عندما يكون الدّين المستهدف هو الإسلام. ولكي نقدّم الأمور بشيء من التّبسيط، فإنّ فلاّحا فلسطينيّا، مسلما، أمّيا، محافظا، يؤمن بالخرافات ويدعم حركة حماس، هو من وجهة نظر الماركسيّة والاشتراكيّة الدّولية أكثر تقدّميّة من شخص إسرائيليّ متعلّم، ملحد وليبراليّ، يؤيّد الصّهيونيّة (ولو من وجهة نظر نقديّة). ويترتّب على ذلك أيضا عدم تقبّل الاشتراكيّين الماركسيّين فكرة أن يكون أيّ من أديان الأكثريّة، بطبيعته أو من حيث معتقداته، أكثر تقدّميّة من آخر أو أقلّ منه. ولكي يكون الدّين “أكثريّا”، أي البقاء حيّا على مدى قرون في أماكن وأنظمة اجتماعيّة مختلفة، فإنّه من الضّروري أن تكون لعقائده قدرة تكاد تكون لامتناهية على التغيّر والتكيّف، إذ أنّ الحاسم في هذا الأمر ليس العقيدة بقدر ما هو قاعدة اجتماعيّة في وضعيّة اجتماعيّة محدّدة. وهكذا نجد في الولايات المتّحدة مسيحيّة يمينيّة متطرّفة عنصريّة وإمبرياليّة عند الغالبيّة الأخلاقيّة أو المورمون (Mormons)، وتقليد مسيحي يساريّ مناهض للحرب وللعنصريّة كما عند مارتن لوثر كينغ (Martin Luther King). وفي جنوب أفريقيا، كان هناك مسيحيّون مؤيّدون لنظام الفصل العنصري (Apartheid ) وآخرون معارضون له؛ وفي أمريكا اللاّتينية، كان هناك كاثوليك يمينيّون مؤيّدون لحكم الأوليغارشيّة وداعمون للحكّام المستبدّين، إلى جانب “لاهوت تحرير” عند الكاثوليك اليساريّين؛ وبالطّبع، يوجد للإسلام أشكال متعدّدة ومختلفة، متعارضة في الغالب في ما بينها. وغنيّ عن الذّكر أنّ الحجّة الرّئيسيّة التي استخدمت لتبرير فكرة أنّ الإسلام على وجه التّحديد دين متخلّف، إنّما ترتكز على المواقف السّائدة في البلدان الإسلاميّة تجاه النّساء والمثليّين. إلاّ أنّه يجب علينا أن نذكّر أولئك الذين يستخدمون تلك الحجج، بأنّ تلك المواقف نفسها كانت سائدة في المجتمعات الغربيّة حتى وقت قريب نسبيّا، بل هي لا تزال موجودة في تعاليم العديد من الكنائس المسيحيّة. ولكن العيب الأساسيّ لهذه الحجّة يعيدنا إلى الأسس الماديّة الماركسيّة، فسرّ العائلة المقدّسة الإسلاميّة يكمن في الأسرة المسلمة الأرضيّة. فليس الوعي الدّيني الإسلاميّ هو ما يحدّد وضع المرأة في المجتمع المسلم، بل إنّ الوضع الحقيقي للمرأة هو الذي يشكّل المعتقدات الدّينيّة للمسلمين. لقد ولد الإسلام في شبه الجزيرة العربيّة، وانتشر غربا عبر شمال أفريقيا وشرقا عبر آسيا الوسطى. ولمدّة قرون، كان هذا الحزام الكبير بالأساس، فقيرا، متخلّفا وريفيّا، وهو لا يزال إلى اليوم كذلك إلى حدّ كبير. وتشهد مجتمعات أخرى، ذات مستويات تنمية وهياكل اجتماعيّة مشابهة، من إيرلندا إلى الصّين، اضطهادا مماثلا للنّساء وللمثليّين. وأخيرا، هناك مسألة العلاقة بين الحزب الثّوريّ والعمال المتديّنين. فكلّ حزب من هذا النّوع ينشط في بلد لا يزال فيه الدّين قويّا عند النّاس، وهي حالة معظم أنحاء العالم، يجب أن يحسب لهم حساب، أي أن نقبل حقيقة أنّ الثّورة سيقوم بها العمّال الذين سيظلّون في معظمهم متديّنين. ولئن كان للأغلبيّة السّاحقة من العمّال أن تتخلّص من أوهامها الدّينيّة، فإنّ ذلك لن يكون من خلال البراهين والكتب والكرّاسات، ولكن من خلال المشاركة في النّضال الثّوري، ومن ثمّة من خلال بناء الاشتراكيّة. وفي مثل هذه الحالة، يجب على الحزب ضمان ألاّ تكون الاختلافات الدّينيّة، أو الاختلافات بين المتديّنين وغير المتديّنين، عقبة في طريق وحدة نضال الطّبقة العاملة. أضف إلى ذلك، أنّه بقدر ما يصبح الحزب حزبا جماهيريّا حقيقيّا يقود العمّال في أماكن العمل وفي المجتمع، بقدر ما سيكون في صفوفه فئة من العمّال الذين لا يزالون متديّنيين أو شبه متديّنين. وسيكون رفض هؤلاء العمّال بسبب أوهامهم الدّينيّة عملا طائفيّا ومضادّا للماديّة. بل إنّ ذلك سيكون تقاسما للخطأ الدّينيّ/المثاليّ الذي يرى في الدّين أهمّ عنصر في الوعي، ويعتبر الوعي أهمّ من الممارسة. وفي الوقت نفسه، يجب ألاّ يصبح الحزب حزبا دينيّا، أي حزبا يقوم خطّه السّياسيّ واستراتيجيتّه وتكتيكاته على اعتبارات دينيّة. فالانتصار الثّوري يعني أن يسترشد الحزب بالنّظريّة التي تعبّر عن المصالح الجماعيّة وعن نضال الطّبقة العاملة، أي الماركسيّة. ولذلك يجب على الحزب في هذا المجال أن يكون واثقا من أنّه هو من يثقّف أعضاءه المتدينيّين ويؤثّر عليهم، وليس العكس. ولقد سبق أن وجد حزب ثوريّ عمل في مثل هذه الحالة، وهو الحزب البلشفيّ. وقد كتب منظّره الأساسيّ (لينين) بشأن هذه المسائل بحكمة ووضوح مقالا في عام 1909 بعنوان “موقف حزب العمّال من الدّين”، فيما يلي بعض المقتطفات منه: “الماركسيّة ماديّة. وبهذا الاعتبار فهي معادية للدّين بشدّة تفوق عداء الماديّين الموسوعيّين في القرن الثّامن عشر أو ماديّة فيورباخ له(…) ولكن الماديّة الجدليّة لماركس وإنغلز تذهب إلى أبعد من ذلك(…) ذلك أنّها تطبّق الفلسفة الماديّة في مجال التّاريخ(…) إنّها تقول إنّه يجب أن نعرف كيف نكافح الدّين، ولذلك يجب أن نفسّر بطريقة ماديّة مصدر إيمان الجماهير ودينها. ولا يمكن محاربة الدّين بالاقتصار على وعظ إيديولوجي مجرّد، يجب علينا أن لا نختزل الأمر في ذلك، بل يجب ربط ذلك النّضال بالممارسة الفعليّة للحركة العمّاليّة التي تستهدف القضاء على الجذور الاجتماعيّة للدّين. لماذا يستمرّ الدّين…؟ نتيجة جهل النّاس، يردّ التقدّميّ البورجوازي، والرّاديكالي أو الماديّ البورجوازي. لذلك (فليسقط الدّين وليعش الإلحاد طويلا، ونشر الأفكار الإلحاديّة هي مهمّتنا الرّئيسيّة). ويقول الماركسيّون: هذا غير صحيح، إنّه وجهة نظر سطحيّة(…) فهي لا تشرح الجذور العميقة للدّين بما فيه الكفاية، وهي لا تشرحها بطريقة ماديّة بل بطريقة مثاليّة(…) فأعمق جذور الدّين اليوم يتمثّل في الظّروف الاجتماعيّة المترديّة للجماهير الكادحة وعجزها التامّ البيّن في مواجهة القوى العمياء للرّأسماليّة(…) فهل يعني هذا أنّ الكتب التّربويّة المضادّة الدّين ضارّة أو غير ضروريّة؟ لا بالطّبع، ولكنّه يعني وجوب أن تخدم الدّعاية الإلحاديّة للدّيمقراطيّة الاجتماعيّة مهمّتها الأساسيّة، ألا وهي تطوير كفاح طبقة الجماهير المستغلّة ضدّ المستغلّين. ولنتفرض أنّ البروليتاريا في منطقة ما(…) تتكوّن من فئة متقدّمة من الاشتراكيّبن الدّيمقراطيّين (الاسم الذي كانت تحمله الجماعات الاشتراكيّة الثّوريّة في روسيا) الواعين إلى حدّ ما، وهم ملحدون بالطّبع، ومكوّنة من عمّال متأخّرين(…) يؤمنون بالله ويرتادون الكنيسة أو حتّى واقعين تحت التّأثير المباشر للكاهن المحلّي(…) ولنفترض أيضا أنّ النّضال الاقتصاديّ في هذه المنطقة قد أدّى الى شنّ إضراب. على الماركسيّ في هذه الحالة وضع نجاح حركة الإضراب فوق كلّ اعتبار، والردّ بقوة ضدّ تقسيم العمّال في هذا الصّراع بين ملحدين ومسيحيّين، لا بدّ أن يقف بحزم ضدّ أيّ انقسام من هذا القبيل. وفي مثل هذه الظّروف، قد تكون الدّعاية الإلحاديّة غير ضروريّة وضارّة، لا من جهة التخّوف من استنفار البورجوازيّة الصّغرى للفئات المتأخّرة، أو فقدان مقعد في الانتخابات، وما إلى ذلك، ولكن من أجل إحراز تقدّم حقيقيّ في الصّراع الطّبقيّ، وهو ما سيتكفّل في ظروف المجتمع الرأسماليّ الحديث بجلب العمّال المسيحيّين إلى الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة والإلحاد، بطريقة أفضل مئة مرة من دعاية ملحد صريح. لايجب علينا أن نقبل جميع العمّال الذين لا يزال يحتفظون بإيمانهم بالله فحسب، بل يجب أن نعمل أيضا على جذبهم إلى صفوف الحزب الاشتراكيّ الدّيموقراطيّ. ولئن كنّا نعارض تماما كلّ إهانة لمعتقداتهم الدّينيّة، إلاّ أنّنا نضمّهم إلينا لتثقيفهم وفقا لروح برنامجنا، وليس لكي يقفوا ضدّه” (26). هذه المقتطفات تؤكّد ما جاء في هذا المقال، وهو أنّ التّعامل مع المسألة الدّينيّة بشكل صحيح، وهذا أمر حيويّ جدّا في الحالة السّياسيّة الرّاهنة، لا يقتصر على مجرّد إبداء رأي فيها أو تعامل مرحليّ معها، أو حتى مسألة انتهازيّة انتخابيّة، بل يتجاوز ذلك إلى فهم الأفكار الأساسيّة للماديّة الجدليّة الماركسيّة. الهوامش والإحالات:1- Antoine Boulangé: Foulard, laïcité et racisme, l’?tincelle, 2004. 2- Frederick Engels: Ludwig Feuerbach and the End of Classical German Philosophy, in: Marx & Engels, Selected Works, volume 3, Progress, 1989 [1886], pp. 366-367. 3- نفسه، ص 382. 4- Karl Marx & Frederick Engels: The German Ideology, Lawrence & Wishart, 1991 [1845], p. 42. 5- نفسه. 6- Karl Marx & Frederick Engels: Manifesto of the Communist Party, 1848. 7- Karl Marx: Preface to a Contribution to the Critique of Political Economy, Progress, 1977 [1859]. 8- Friedrich Engels: Discours sur la tombe de Karl Marx, in: Marx & Engels: Œuvres choisies, ?ditions du Progrès, Moscou, 1955] 1883[, p. 177. 9- Léon Trotsky: Le testament, in: Journal d’exil, Gallimard, 1960, p.189. 10- Karl Marx & Frederick Engels: ?tudes philosophiques, ?ditions sociales, 1977, p.24. 11- “إنّ إلغاء الدّين بوصفه سعادة وهميّة للشّعب هو طلب للسّعادة الحقيقيّة”، “ونقد الدّين هو(…) نقد وادي الدّموع الذي يمثّل الدّين هالته”؛ “لقد عرّى النّقد القيود من الزّهور الوهميّة التي تغطّيها، ليس لكي يحمل الإنسان قيودا غير وهميّة ومثبطة، بل لكي يلقي القيود ويقطف زهرة الحياة”، “لقد تحوّل نقد السّماء(…) إلى نقد الأرض”، وما إلى ذلك. (المرجع نفسه، صص 25-26). 12- نفس المصدر، ص 25. 13- هذا النصّ غامض وكان موضع خلاف، وقد استشهد به دليلا على معاداة ماركس للساميّة. وقد تحدّث جون روز (John Rose) عن ذلك بالتّفصيل في مقاله في هذا العدد من مجلّة الاشتراكيّة الدّوليّة (International Socialism). انظر أيضا: Hal Draper: Marx and the Economic-Jew Stereotype, in: Karl Marx’s Theory of Revolution, vol. I: State and Bureaucracy (Monthly Review), 1977; Anindya Bhattacharyya: Marx and Religion, Socialist Worker, n° 4, March 2006. 14- Karl Marx & Frederick Engels: On Religion, Progress, 1957. 15- Karl Marx: Theses on Feuerbach, 1845. 16- Richard Dawkins: The Improbability of God, Free Inquiry, volume 18, n° 4, 1998. 17- يبدو داوكينز متبنيّا هذا الرّأي أو رأيا قريبا منه، انظر: Richard Dawkins: The God Delusion, Black Swan, 2007, pp. 346-347. 18- Richard Dawkins: Religion’s Misguided Missiles, Guardian, 15 Septembre 2001. 19- ليس من السّهل أن ندرك إلى أيّ مدى وصل هيتشنز. وأنا أقتبس مرّة أخرى من يوتيوب في نقاشه للقسّ آل شاربتون (Al Sharpton): “أنت ترى أنّني لا أحبّ أعدائنا، وأنّني لا أحبّ من يحبّهم. أنا أكره أعدائنا وأعتقد أنّه يجب قتلهم(…) وأنا متأكّد تماما أنّه لا ينبغي أن يكون لأيّ بلد آخر ميزانيّة تهدّد ميزانيّتنا، وأنا لست عاطفيّا حيال ذلك”. وهو يقصد بـ”أعدائنا” و”ميزانيّتنا” أعداء الامبرياليّة الأمريكيّة وميزانيّتها. 20- Terry Eagleton: Lunging, Flailing, Mispunching, London Review of Books, 19 Octobre 2006. 21- نفسه. 22- Karl Marx & Frederick Engels: On Religion, Progress, 1957. 23- Vladimir Lenin: Socialism and Religion, in: Collected Works, volume 10, Progress, 1965 [1905]. 24- Paul Siegel: The Meek and the Militant-Religion and Power Across the World, Zed, 1986. 25- Dave Crouch: The Bolsheviks and Islam, International Socialism n° 110, 2006. 26- Vladimir Lenin: The Attitude of the Workers Party to Religion, in: Collected Works, volume 15, Progress, 1973 [1909]. عن الماركسيّة والدّين: أكثر من أفيون http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=218193 جون مولينو (تقديم وتعريب: محمّد الحاج سالم)  


الدين في صلب الصراع السياسي

الثلاثاء, 08 يونيو 2010


مصطفى زين كان الغرب يبرر شراكته العسكرية الإستراتيجية مع تركيا في الحلف الأطلسي، بأنها خط دفاع أول في مواجهة الاتحاد السوفياتي، وبأنها دولة علمانية خطت خطوات واسعة في تبني القيم الأوروبية والأميركية. وفي إطار هذه الإستراتيجية كان الجيش التركي ينشئ آلاف المدارس الدينية الإسلامية، ويخرّج مئات الخطباء سنوياً، للوقوف في وجه الإلحاد والمد اليساري والشيوعي والقومي المعادي للغرب. وكان ذلك يصب في مصلحة إسرائيل التي أصبحت الضلع الثاني في هذا التحالف. كان هذا أيام الحرب الباردة، عندما كانت الولايات المتحدة تدعم الأصوليين الإسلاميين لمواجهة الشيوعيين أينما كانوا، خصوصاً في أفغانستان وشبه القارة الهندية (هنا اصول المجاهدين الأفغان والعرب الذين آلت زعامتهم إلى أسامة بن لادن). لكن الظروف تغيرت. الحرب الباردة أصبحت من التاريخ. الاتحاد السوفياتي سقط. الشيوعية انحسرت. القومية العربية هُزمت. الدور التركي لم يعد مطلوباً في صيغته القديمة. أصبح المطلوب من أنقرة أن تكون قاعدة عسكرية وسياسية للانطلاق ضد «محور الشر» (إيران والعراق، قبل الاحتلال) وسورية. وأن تكون مع إسرائيل في مواجهة أي محاولة عربية لمقاومة الدولة العبرية. لكن لم يتنبه كثيرون إلى التغيير الحاصل داخل تركيا نفسها. خريجو المدارس الدينية أصبحوا في موقع المسؤولية في البلديات الكبرى، ثم في السلطة. قبضة الجيش ارتخت قليلاً، أملاً في الدخول إلى جنة الاتحاد الأوروبي. الإسلاميون لم يعودوا يأتمرون بأوامر الجيش. أصبح للدولة مصالحها الخاصة التي تتضارب، أحياناً، كثيرة مع مصالح شركائها. المؤشرات إلى هذا التغيير كثيرة، أهمها رفض أنقرة السماح للجيش الأميركي بالانطلاق من أراضيها لاحتلال العراق. وعدم السماح لطائراته بالانطلاق من قاعدة «إنجرليك» المشهورة. وعدم معاداة إيران التي أصبحت «الشيطان الأكبر» في عهد جورج بوش. وأخيراً توقيع اتفاق لنقل اليورانيوم مع أحمدي نجاد اعتبرت واشنطن (وإسرائيل) أنه يخلّص طهران من العقوبات الدولية، أو يؤجلها، في أقل تقدير. ما تغير داخل تركيا أيضاً، انها لم تعد تلك الدولة الفقيرة. اقتصادها يعتبر السادس عشر في العالم. وضعها السياسي والأمني مستقر، على رغم هجمات الإنفصاليين الأكراد. كل ذلك دعاها إلى رفع شعار»الاستقلال والتحرر من التبعية» وإلى البحث عن مصالحها في محيطها الشرق أوسطي، والسوفياتي السابق. وبدأت تطرح مشاريع طموحة وشراكات اقتصادية استراتيجية مع سورية والعراق وإيران. ودول الخليج العربي. باختصار أصبحت تركيا منافساً قوياً لأي دولة تطمح إلى مد نفوذها في الشرق الأوسط، بما فيها الولايات المتحدة. وأصبحت صداقتها لإسرائيل عائقاً أمام توجهاتها فطرحت شعار العثمانية الجديدة، مستخدمة الدين ضمناً للتأثير في محيطها. ما نشهده اليوم من تجاذب بين تركيا وإسرائيل بداية تحولات كبيرة في الصراع على الشرق الأوسط وفيه، وسيكون الدين، معتدلاً أو غير معتدل، في صلبه. استخدمته الولايات المتحدة في السابق لمحاربة الشيوعية، ويحاول استخدامه الرئيس باراك أوباما لإزالة العداء لواشنطن. واستخدمته إسرائيل لترويع الغرب. ورفعت إيران شعاراته لمد نفوذها. وتلجأ إليه تركيا اليوم، رافعة شعار القدس، لضمان مصالحها. أما الشعوب العربية الواقعة تحت تأثير هذه الدولة أو تلك، وفي غياب أي مشروع خاص بها، فليس أمامها سوى الانقسام والفرقة ورفع صور أردوغان أو الخميني.  
(المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 جوان  2010)  


عن فشل الدولة بين احتكار العنف المشروع وغير المشروع

الاربعاء, 09 يونيو 2010


موفق نيربية * الشرط الضروري ليكتسب أيّ كيان اسم «الدولة» هو أن يحتكر العنف الشرعي ليفرض النظام العام. فهي أربعة مفاهيم تلتقي وتجتمع معاً: الدولة والاحتكار والعنف والشرعية. وفي تاريخ الغرب، لم تكن العلاقة بين الدولة والعنف على هذا الارتباط المحدد، فكانت الأعمال الحربية بين الإقطاعيين مشروعة ضمن ظروف معينة، كما كان عنف المحاكم الدينية كذلك أيضاً في قضايا كالهرطقة والزنا أو الدعارة. وفي كثير من الحالات في الشرق، ساد نظام العشائر العرفي، وتمت قوننته بقانونٍ خاص حتى منتصف القرن العشرين (في بعض شرق المتوسط مثلاً)، كما ظلّ حكم الشرع الإسلامي سائداً في مسائل أكثر اتّساعاً من أعراف الغــــرب، لكنها معادلة لـــه فــــي حكم الردة (= الهرطقة)، وكل قضايـــا الجنس المشروع (= الزواج) وغيـــر المشروع (الزنا). وفـــي هاتين الحالتيـــن الغربيـــة والشرقية، لم تكــن الدولــة الحديثة قد تبلورت بعد. في دولة الاستبداد الشرقي كان الحاكم مهيمناً على أدوات العنف ومصادر الحياة العمومية كالريّ والمناجم مثلاً. وقد سمح بالعنف من قبل «القطاع الخاص» للدفاع عن الممتلكات والحقوق الخاصة على أن تنضم هذه الأدوات المتفرقة إلى القوة المركزية عند مداهمة الخطر الخارجي أو لتلبية متطلبات الغزو والفتح، أو لمواجهة عصيان داخلي. أما الريع العام فكان للسلطان، يوزِّع منه ما يضمن الولاء، أو ما يقوّي القدرة على ممارسة العنف، أو للمتع الخاصة والهيبة الفائقة؛ في حين يبقى الريع الخاص لأصحابه في ممالكهم الصغيرة، مع دفع «الضريبة». نشأت الدولة المدنية الحديثة بعد إقلاع الثورة الصناعية وتطور المراكز الحضرية، وعند بروز الحاجة إلى عقد اجتماعي، فدستور جامع، وحكم القانون، فاستقلال السلطات بعضها عن بعض، حتى تطورت المشاركة السياسية وتبلورت مقولة المواطنة وابتدأت الديموقراطية بالازدهار المتدرج. ورافق الحق في احتكار العنف من طريق الشرطة والجيش في تطوره تطورّ الدولة وتشكّلها الحديث، لكنه لم ينفصل عن الشرعية ويخرج عن حكم القانون إلا في الدول الشمولية والتسلطية أو المتخلفة عن الركب. في الدول الجنوبية، هنالك عقد إذعان لا عقد اجتماعي، ولا وجود لدستور يُطبق بالفعل، ولا سيادة للقانون إلا بما هو أدنى من قانون الطوارئ؛ وهنالك اختلاط للسلطات أكثر من استقلالها، ومشاركة سياسية عفوية وتطوعية (=إجبارية)، ويجري ترويج وتسهيل حياة كل العصبيات السابقة على المواطنة منعاً لشيوع مفهومها.. يتحقق احتكار العنف وحده، من دون شرعية إلا ما يؤخذ منها بالسيف، تحت قناع الاستفتاء أو الرضا والخوف أو إرهاب العرف والتاريخ. وتفشل الدولة في أن تتطور كدولة حين لا تتحكم باستعمال قوة العنــــف والإكراه، مثل أن تكون هنـــالك قوى تملك السلاح خارج نطـــاق أجهزة الدولة الأمنية، فلا تكون عندئذٍ دولاً فعالة أو فعلية. تتحــــقـــق الدولة هنا أيضاً من خلال الحفاظ على أدوات العنف تحت احتكارهــــا وحدها، وتحت شرط التزام هذه الأدوات بحماية الدستور وحكم القانون، وحيادها بين المواطنين، وعدم الخضوع للحكومة إلا في هذا الإطار المشروع. كيف تكون الدولة فاشلة أو مخذولة أو مغدورة؟ وكيف تحصل استدامة فشلها حتى تنعدم إمكانية إحيائها، مرة أخرى كدولة مدنية حديثة؟ من طريق حذف الصواب وتزليق طريقه بكلّ الوسائل التي يتمّ تخريجها غالباً على أنها نبيلة، وطنية وقومية ودينية أو غير ذلك. ولنحاول تعريف هذا الصواب، يمكن الاستعانة بعوامل وضعها صندوقاً «من أجل السلام» الأميركي، الذي وضع منهجاً لتقييم الاستقرار أو الهشاشة بالاستعانة بعدد من الباحثين، لتحديد درجة فشل الدولة، وهي اثنا عشر عاملاً: ثلاثة منها اجتماعية، كالضغوط السكانية وحركة اللجوء الداخلي والخارجي ووجود جماعات تتوارث الإحساس بالظلم أو بالتفوق. وعاملان اقتصاديان، هما النمو الاقتصادي غير المتكافئ في ما بين الجماعات البشرية، والأزمة الاقتصادية الحادة أو الشديدة. وستة عوامل سياسية، هي تجريم الدولة ونزع الشرعية عنها، وتدهور الخدمات العامة المتعاظم، وتعليق تطبيق حكم القانون والانتشار الواسع لانتهاك حقوق الإنسان، وعمل الأجهزة الأمنية بطريقة «دولة ضمن الدولة»، وبروز النخب العصبوية، وتدخل الدول الأخرى أو تزايد التأثيرات السياسية الخارجية. ووضعت العلامة الأكبر للدول الأضعف استقراراً، والأكثر فشلاً. فــــي المؤشـــر الذي يغطـــي الحالة في 2009، وباعتماد هذه العوامل، تم تصنيف 177 دولة بالتسلسل وعلى أربع درجات يقل فيها فشل الدولة بالتدريج: المجموعة الأولى التي يشتد فيها الإنذار بالخطــــر وتضم الصومال فــــي رأسها، ويحمــــل السودان الرقم 3، والعراق 6، واليمن 18، وإيران آخـــرها تحت الرقـــم 38. وتستـــمـــر القائمة في التصاعد حتى المجموعة المستدامة، ليظهر في رأسها النرويج وفنلندا والسويد وسويسرا على الترتيب. ولا يمكن تأكيد درجة الثقة بهذه الدراسة بالطبع، لكنها مؤشر جدير باتخاذ جانب الحيطة والحذر. أكثر من نصف العوامل الإثني عشر لفشل الدولة ترتبط بالعنف في شكل مباشر أو غير مباشر، لكنه العنف غير المشروع، وهو محتكر من قبل الدولة «الفاشلة». ولا تبتعد أية دولة عن فشلها المحتوم إلا بمقدار ما تبتعد عن العنف غير المشروع، وترجع إلى العنف المشروع، الذي لا تستطيع احتكاره كذلك إلا تحت حكم القانون وسيادة الشعب ضمن المعايير السائدة في عالم اليوم. لا تستطيع ذلك من دون «تشريع» ذاتها، والانتقال من الدولة اللا دولة خارج الحداثة والتحديث، إلى حالة الدولة المدنية، التي هي «وطنية» بمقدار ما تكون «عالمية». ينطلــق الحكام مــــن هــــذا النـــــوع مما يمكـــن استنتاجه من الصورة الفوتوغرافية التي تثبت الواقع في وضع ساكن نسبياً، فيصبح العابر واقفاً، والموقت دائماً، وبالأسود والأبيض. في حين أن الدنيا ليست كذلك، وهي أعقد وأكثر حركةً وحياةً وقوننةً حتى من صورة «الفيديو». فهم يستبدلون العنف المشروع بالعنف غير المشروع، وحكم القانون بالأحكام العرفية بمعناها العسكري أو العشائري، وسيادة الشعب بسيادة الزعيم وجماعته، والوطن الذي يُقاس بالإنسان- المواطن، بالوطن الذي تؤخذ قياساته من السجلّ العقاري. والأخطار الخارجية والداخلية التي تهدد الدولة قد تستدعي فرض حالة الطوارئ موقتاً، لكن الاستمرار في ذلك خطر داهم على الدولة، مسؤول مباشرة عن فشلها، وبأيدي أهلها، إضافةً إلى أن ذلك يزيد من هشاشتها وانكشافها أمام تلك الأخطار.  
* كاتب سوري  
(المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 جوان  2010)  


شيء من تاريخ الثقافة


عبدالسلام المسدّي 2010-06-09 إن الركن الثقافي –في حياة الشعوب والأمم– يبدو للنظرة العجلى أوهن الأركان إذا ما قيس إلى السياسي والاقتصادي والعسكري، ولكنه في التقرير المتبصر أقواها لأنه أعمقها وأبقاها؛ إن الوعي بالحاضر عبر إدراجه في الوعي بالتاريخ هو الحلقة المفقودة عند أصحاب القرار في وطننا العربي. تغيرَ الزمن السياسي، وتغيرت وحدة القياس فيه، ثمّ تبدلت آلياته، ولكن نسق السياسة العربية ظل ساكنا كأنما قد تجمّد على ما انطلق عليه لحظة الانتقال من حقبة الاستعمار إلى إعلان دولة الاستقلال. كل الدول العربية أعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، ولكن رجال السياسة العرب يتابعون –لاسيَّما بعد خيبتين في الوصول إلى سَدّة إدارتها تكشف خلالهما العمل الدولي عن نفاق شديد– المسائل من بعيد، وعلى حذر، ومنهم من يجد ملاذه في أحد البديلين الآخرين الألكسو والإيسسكو، ولكن الحلقة المفقودة تبقى هي هي: كيف السبيل إلى الوعي الفعال بالروابط الجدلية المكينة بين الشأن السياسي والشأن الثقافي، وكيف التمييز بين ما هو منها كالجسور الظاهرة على سطح الأرض وما هو كالأنفاق الغائرة في بواطن الأعماق. أفلا يقرأ الساسة العرب لوحة التسيير والتحكم في قيادة المشهد الكوني حتى يلموا بالأسرار إلماما؟ في يوم من الأيام (29 سبتمبر 2003) رجعت الولايات المتحدة الأميركية إلى منظمة العمل الثقافي الدولي المشترك، (اليونسكو) بعد أن كانت قد انسحبت منها في (31 ديسمبر 1984). هنا علينا أن نستدعي شيئا من ذاكرة التاريخ كي يسهل علينا فك شفرة الأحداث، وفي مقدمة ما نستعيده الحيثيات التي حفت بنشأة اليونسكو. لقد بعثت هيئة الأمم المتحدة بموجب معاهدة سان فرانسيسكو في (26 ديسمبر 1945) عندما حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وقد قامت في الحقيقة على أنقاض عصبة الأمم التي بعثت سنة 1920 ناشدة تعزيز السلم بين الدول، وواعدة بإقامة جدار من الصد يحول بين المجتمع الدولي ومنازع الحرب الضارية، ولكنها فشلت في الحيلولة دون انهماك الألمان في التسلح الجديد، كما فشلت في الحيلولة دون اندلاع الحرب الإسبانية الضروس. قامت هيئة الأمم المتحدة إذن في منطلقها بوفاق إحدى وخمسين دولة واجهت المحور خلال الحرب الثانية، فمثلت رمزا كثيفا للشعور بالمأساة الإنسانية، فطفا على الوعي التاريخي إحساس بالمرارة العامة حينما اختلطت الأوراق كونيا بين شعوب مستعمرة لغيرها وشعوب مستعمرة بغيرها، إذ تصدع ناموس السياسة الدولية، فوجد بعض هؤلاء مع بعض أولئك أنفسهم في خندق واحد يقاومون المارد الجديد الأعظم، النازية.. هذا الوعي الإنساني الجديد، وهذا الإدراك الدقيق لتعاظل القضايا بين جوانب السياسة الدولية وجوانب القيم الإنسانية غير المقيدة، هما اللذان دفعا إلى بعث مؤسسة دولية أخرى تكون بمثابة الوعي المضاد للحساب السياسي الدولي، فبعد سنة وبعض السنة من انبعاث هيئة الأمم المتحدة بعثت منظمة اليونسكو وذلك في (4 نوفمبر 1946) وربما بوسعنا أن نعيد قراءة ذاك الوعي الإنساني في لحظته التاريخية تلك، ومن خلال لحظات الجنون التي عاشتها الإنسانية عندئذ، والتي أعادت إلى المارد التاريخي سطوته قتلا ودمارا، ولم تنته الحرب العالمية إلا بمشهد الرعب الفظيع في هيروشيما الذي استيقظت عليه الإنسانية صبيحة (6 أغسطس 1945). ها هي الحقيقة الكبرى: إن التعدد السياسي كثيراً ما يخفي وراءه توحدا ثقافيا كاملا، وأما التوحد السياسي فلا يعني بالضرورة توحدا ثقافيا، وصراع الهويات الثقافية لا يهزمه التوحيد السياسي الغاصب، والصراع السياسي بين الأنظمة لا يمكن أن يباعد بين الشعوب إن كانت تؤمن بالانتماء الثقافي الواحد، ولن يأتي التاريخ على إحساس كل عربي أنه أقرب إلى أي عربي من أي كائن ثقافي آخر. هكذا نفهم الفلسفة العميقة التي قامت عليها منظمة اليونسكو، إنها باختصار تام: البحث عن الوئام الحضاري من خلال الاختلاف الثقافي. لقد اجتهد كل الذين تعاقبوا على إدارة هذه المنظمة الدولية في أن يترجموا هذه الفلسفة ترجمة عملية، واعتبروها ضربا من الميثاق غير المعلن، ولما جاء مختار مبو في (14 نوفمبر 1974) واصل الدرب الذي اختطه أسلافه، وربما أخذته الحماسة لأنه كان ابنا بارا للقارة السمراء التي دفعت أكثر من كل شقيقاتها ضريبة الاستعمار، وكان أصيل السينغال، وبلده عريق، حمله التاريخ على أن يؤلف الأضداد، فشعبه مسلم في غالبيته، واللغة الرسمية للدولة هي الفرنسية. وعندما تسلم مختار مبو إدارة المنظمة بدأت الولايات المتحدة تنظر إليه بارتياب، وبدا لها أنه إن لم يكن حليفا صريحا للمنظومة الشرقية فإنه –على أقل التقديرات– مشاكس للثقافة الأميركية، كلما اختلفت مع الفرنسيين انحاز إليهم وجاهرها بالعداء. أخذت الولايات المتحدة تشدد المتابعة، وتتعقب حيثيات التسيير وانتهى بها الأمر إلى الانسحاب من المنظمة واختارت بذلك أسلوب الزجر، فكثير من مشاريع اليونسكو وآمال أعضائها وجدت نفسها في سلة المعاقبة، إنه سلوك «التأديب» الدولي الذي بدأ يمدّ عنقه منذ لاحت بوادر انتهاء الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة، فهي التي تمسكت بمبدأ المقاومة المستميتة للأيديولوجيا الشيوعية، وعلى أرضها تكاتف في خندق المقاومة فيلق الساسة وفيالق المثقفين والمفكرين. أما في أوروبا فإن المقاومة لم تكن على تلك الدرجة من الحدة، والسبب دقيق جدا، ويعنينا جدا، لأنه شديد الالتصاق بقراءتنا هذه: كانت النخبة المثقفة في جل الأقطار الأوروبية –الليبيرالية الرأسمالية– منقسمة في الأعماق بين كتلة يمينية وكتلة يسارية. وكانت الريادات العلمية الأكاديمية –في معظمها– من شق اليسار المناهض للهيمنة والمقاوم للإمبريالية. لقد كانت الولايات المتحدة تعتبر نفسها صاحبة فضل جليل – في الوقت نفسه – على أوروبا وعلى إفريقيا. هي تعتبر أنه لولا نجدتها الكبرى لما انتصرت كتلة «الحلفاء» ولمَا اندحرت النازيّة، ولولا تزعّمُها لفكرة العالم الحرّ، وتفسيرُها القائل بأن أوروبا قد وقعت فريسة لتناقضاتها الناجمة عن سياستها الاستعمارية، لما حصلت دول إفريقية عديدة على استقلالها بواسطة استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة. فبعد أن خاضت شعوب المغرب العربي –تونس والجزائر والمغرب– حروبا تحريرية ضارية جاء عام 1960 وكأنه التتويج لحركة الاستقلال الجماعي، ناهيك عن أن تلك السنة قد شهدت حصول سبع عشرة دولة إفريقية على استقلالها، أولاها الكامرون (1 يناير) وآخرها موريتانيا (28 نوفمبر). وعلى هذا الأساس اعتبر عامُ 2010 عامَ الاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال القارة السمراء.   abdessalemmseddi@yahoo.fr (المصدر: “العرب” (يومية – قطر) بتاريخ 09 جوان 2010)


مستقبل الصحافة العربية المستقلة


محمد كريشان 6/9/2010 ‘ما تخبئه الأيام للصحافة العربية المستقلة’ هو العنوان الذي اختير محورا لإحدى جلسات المنتدى العربي الرابع للصحافة الحرة الذي احتضنته بيروت في اليومين الماضيين ونظمه الاتحاد العالمي للصحف وناشري الأنباء. الجلسة التي حضرها عدد هام من الصحافيين العرب المستقلين، خاصة أولئك الذين أوقفت صحفهم أو تعرضوا هم أنفسهم للاعتقال أو السجن أو المضايقات المختلفة، شكلت مناسبة جيدة لتبادل الآراء في التجارب المختلفة لأكثر من دولة عربية. اللافت هنا أن الكثير من القواسم المشتركة جمعت هؤلاء، ليس فقط في بعض مظاهر معاناتهم مع الرقيب وأجهزة الأمن والملاحقات القضائية المختلفة، وإنما أيضا في طبيعة ممارسات السلطة القمعية حتى لكأنك تظن أن هي نفسها في كل الدول العربية بعقليتها وشخوصها وأساليبها. بالطبع العلاقة بين السلطة والصحافة في بلادنا العربية وفي غيرها غالبا ما اتسمت بالشد والجذب والكثير من انعدام الود، وقد وصفها برشاقة الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه ‘بين الصحافة والسياسة’ بالقول إنها ‘علاقة مركبة بين طرفين كلاهما يحتاج إلى الآخر وكلاهما يحذر من الآخر، الصحافي يريد الأخبار ويريد استقلاله، والسلطة تريد الوصول إلى الناس ولا يهمها استقلاله’. ولهذا لم يكن غريبا أن كانت جلسة النقاش في بيروت مناسبة لتبادل الشجون فيما يخص ما تعانيه الصحافة المستقلة في أكثر من دولة عربية. في المغرب مثلا، جاءت الصحف المستقلة بلهجة جديدة تجاه السلطة والأحزاب السياسية في البلاد في نفس الوقت وبالتالي فقد كسرت تلك الثنائية التي سادت لسنوات بين صحافة رسمية تتغنى بالمنجزات وأخرى حزبية معارضة لا يهمها إلا قول العكس. أما في تونس فقد كان مؤسفا استعراض أن ما عرفته ساحتها في ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي من تجارب جريئة لصحف ومجلات شكلت نموذجا لتعايش راق بين تيارات فكرية وسياسية مختلفة قد اختفت بالكامل، ولم يعد ممكنا أن يرى القارئ ما كان متاحا قبل زهاء الثلاثين عاما من مقالات ورسوم كاريكاتورية لاذعة. وفي مصر فإن الصحافة المستقلة وإن كانت بلا أنياب، كما قال أحدهم، إلا أنها استطاعت أن تنشر نوعية من المقالات من غير الوارد نشرها في ما يسمى الصحف القومية العريقة. أكثر من ذلك، بعض صحافيي هذه الأخيرة صاروا ينشرون في الصحف المستقلة ما لم يستطيعوا نشره في صحفهم. وفي اليمن ظاهرة طريفة سماها أحد المشاركين باستنساخ الصحف بمعنى أن السلطة تعمد في بعض الحالات وبوسائل مختلفة إلى دفع صحف مزعجة إلى الاختفاء ثم تعمد، عبر آخرين، إلى إصدار أخرى شبيهة لها في العنوان والشكل حتى أنك تظن أنها هي نفسها بينما الأمر مختلف مضمونا وتوجها. أبرز ما تجلى من خلال استعراض بعض هذه التجارب وغيرها أنه من الصعب جدا الحديث عن أي صحافة مستقلة في بلادنا العربية بمنأى عن الحراك الاجتماعي والسياسي، فحرية التعبير ليست منفصلة عن مرحلة التطور التي وصلها هذا المجتمع أو ذاك ومستوى الحياة السياسية التي أفرزها. ما هو موجود في هذه الدولة العربية أو تلك من صحافة مستقلة صلبة وصريحة لم يكن منــة أو تعبيرا عن قناعات ديمقراطية من هذه القيادة أو تلك. كله جاء لأن ما شهدته هذه الدولة من تحولات أو احتجاجات اجتماعية، خاصة إذا كانت للقوى السياسية والنقابية المعارضة دور فيها، فرض طبيعة تعامل مختلفة من السلطات التي وجدت نفسها مجبرة على خيارات لم تحبذها لكنها لجأت إليها مرغمة لمنع الانفجار الكامل. أحد المشاركين لم يمنعه ذلك من التعبير عن اعتقاده بأن قوة الصحافة المستقلة وجرأتها تزداد كل ما كان هناك صحافيون شجعان مستعدون لدفع الثمن، لكن آخر رد بأنه يخشى في هذه الحالة أن يتحول الصحافيون إلى تلك الطلائع التي تسبق المشاة من الجنود فتنفجر في وجودهم حقول الألغام المزروعة، فيتوقف البقية لتحديد ما إذا كان سيمضون في طريقهم قدما أم يعيدون حساباتهم!. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 09 جوان  2010)


بسم الله الرحمان الرحيم

الطيب السماتي

تهنئة

 
أهنئ الناشطة الحقوقية طالي فاحيما بمناسبة اعتناقها الدين الإسلامي و أرجو من المولى عز و على أن يحفظها و يحفظ كل المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات. كما أهنئ الشيخ رائد صلاح بالعودة إلى دياره معافى و جميع من كان على ظهر قافلة الحرية و أترحم عن أرواح الشهداء الأبرار.  و السلام الطيب السماتي تونس


سفينة سويسرية تشارك في “أسطول الحرية 2” الجاري إعداده

 


أعلنت الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة عن بدء تجهيز سفينة سويسرية لتشارك ضمن “أسطول الحرية 2” الذي بدأ ائتلاف “أسطول الحرية” بالإعداد له، والمتوقع انطلاقه باتجاه قطاع غزة في غضون الأسابيع القادمة. وقال أنور غربي ممثل الحملة في سويسرا: إنه في ختام أسبوع من الاعتصامات اليومية أمام ساحة حقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة بجنيف، دعت إليها جمعية “الحقوق للجميع” و”الحملة الأوروبية”- وبمشاركة أكثر من عشرين جمعية وحزبًا سياسيًّا سويسرية؛ من بينها “حزب الوسط”، و”حزب الشعب”، و”الحزب الاشتراكي”، و”حزب الخضر”، و”حزب العمال” لهذه المبادرة- أُعلن عن بدء التجهيز لسفينة سويسرية ستكون ضمن “أسطول الحرية 2”. وأضاف غربي، في تصريح صحفي اليوم الأربعاء، أنّه “عقب الإعلان عن بدء تجهيز السفينة، أُطلقت حملة كبيرة لجمع التبرعات؛ حيث حظيت هذه السفينة بدعم العشرات من الشخصيات السياسية والفنية والرياضية السويسرية المشهورة”. وأوضح رئيس جمعية “الحقوق للجميع” السويسرية وعضو الحملة الأوروبية، أنّ هذه السفينة هي الأكثر دعمًا من شخصيات بارزة في أوروبا، مشيرًا إلى أنّ حملة التبرعات تشهد إقبالاً كبيرًا، لا سيما عقب المجزرة الصهيونية التي ارتكبت بحقّ “أسطول الحرية” الأول الذي كان يُبحر باتجاه قطاع غزة وعلى متنه 750 متضامنًا دوليًّا، إلى جانب نحو عشرة آلاف طنّ من المساعدات الإنسانية. وأشار غربي إلى أنّ “المجزرة “الإسرائيلية” التي ارتكبت بحق المتضامنين على متن “أسطول الحرية”، شكَّلت دافعًا كبيرًا للأحرار في العالم من أجل دعم المزيد من الحملات الهادفة إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة”. (المصدر: صحيفة “المصريون” (يومية – مصر) الصادرة يوم 9 جوان 2010)

 


حماس لا تمانع وجود بعثة أوروبية لمراقبة معبر رفح وميناء غزة


2010-06-09 عواصم – AFP  أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس أمس، أنها لا تمانع وجود بعثة مراقبة أوروبية على معبر رفح، كما أنها على استعداد أيضاً لدرس الطرح الأوروبي بقيام فريق أوروبي بتفتيش السفن القادمة إلى قطاع غزة. وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم حركة حماس “لا مانع لدينا من وجود بعثة مراقبة أوروبية على معبر رفح، شريطة ألا يكون هناك أي تدخل إسرائيلي في هذا الموضوع”. وتابع “كما أننا على استعداد لدراسة فكرة التفتيش الأوروبي لحركة السفن القادمة إلى غزة حين تصبح التفاصيل جاهزة”. وكان وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس أعلن الاثنين أن مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيحاول في 14 يونيو في لوكسمبورغ، تقديم اقتراح مشترك بهدف رفع الحصار عن قطاع غزة. واقترحت فرنسا الأحد أن يتولى الاتحاد الأوروبي مراقبة سفن البضائع التي ترغب في التوجه إلى قطاع غزة، وأن يكلف الاتحاد الأوروبي بنقطة العبور في رفح. وقال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير “لقد تولينا في السابق معبر رفح، ويمكننا أن نقترح من جديد أن يراقب الاتحاد الأوروبي هذا المعبر بطريقة حازمة جدا”. وأضاف كوشنير “يمكننا تماما مراقبة شحنات السفن المتجهة إلى غزة. يمكننا القيام بذلك وسنقوم بذلك بكل سرور”. إلا أن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أبدى أمس تحفظا في برلين على الاقتراح الفرنسي. وفي مؤتمر صحافي مع نظيره الألماني غيدو فسترفيلي، ذكر فراتيني أن (حماس) وضعت حدا لمراقبة الاتحاد الأوروبي للحدود. وأضاف “سبق أن قام الاتحاد الأوروبي بمراقبة الحدود. في حينها كانت الحدود مع مصر وليس بين غزة وإسرائيل، لكن الشرط هو أن يوافق الجانبان على ذلك”. وتابع “تم وقف المراقبة الدولية لمعبر رفح لأن حماس لم تسمح بذلك، وعندها أغلق المصريون نقطة العبور هذه”. (المصدر: “العرب” (يومية – قطر) بتاريخ 09 جوان 2010)


أميركا قلقة لخلاف تركيا وإسرائيل


أعرب وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن قلقه اليوم الأربعاء بشأن انهيار العلاقات بين تركيا وإسرائيل وتداعيات ذلك على استقرار المنطقة، وعن قلقه من التوجه تركيا شرقا مدفوعة برفض بعض الأوروبيين لها، كما أعرب عن أمله في تحسن تلك العلاقات مع مرور الوقت. وقال غيتس للصحفيين في العاصمة البريطانية لندن إن “التدهور في العلاقات بين تركيا وإسرائيل أمر يبعث على القلق”. وأضاف “أعتقد أن الجانبين كانت بينهما علاقة بناءة بشكل كبير أسهمت في استقرار المنطقة، وأتمنى أن تكون إعادتها أمرا ممكنا مع مرور الوقت”. وقال غيتس إنه يعتقد بصفة شخصية أن ما يدفع تركيا إلى التحرك صوب الشرق هو رفض البعض في أوروبا إعطاءها العضوية التي تسعى إليها في ذلك التكتل. وقال غيتس إن على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين “التفكير مليا وبعمق في أسباب هذه التطورات التي تقع في تركيا، ومعرفة ما عليهم فعله لمواجهتها وإشعار القادة الأتراك بقيمة الروابط مع الغرب وإقناعهم بأهميتها”. وجاء انهيار العلاقات الإسرائيلية التركية بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الذي يحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل، ولكن غيتس عزا التغيير الكبير في السياسة التركية إلى الإحجام الأوروبي عن قبول تركيا ضمنه.  
رويترز (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 09 جوان  2010)


تركيا من حليف لأميركا لشوكة بحلقها


ظلت تركيا طوال عقود من الزمان مضت من أكثر حلفاء الولايات المتحدة الطيِّعين, فهي دولة ذات موقع إستراتيجي عند أطراف الشرق الأوسط ولطالما حذت حذو السياسة الأميركية. غير أنها في الآونة الأخيرة تبنَّت نهجاً جديداً في المنطقة، فالتصريحات الصادرة منها والأساليب التي تتبعها تهدف إلى تعزيز مصالحها الذاتية تماماً مثلما قد تستفز على الأرجح واشنطن. وبرز هذا التغير في السياسة التركية فجأة للعيان الأسبوع المنصرم عقب الهجوم الإسرائيلي الدامي على أسطول المساعدات التركي لقطاع غزة, والذي كاد يؤدي إلى قطع العلاقات مع إسرائيل, حليفتها القديمة. وقبل شهر واحد فقط أثارت تركيا حفيظة الولايات المتحدة حينما أعلنت هي والبرازيل عن إبرام صفقة مع إيران لتهدئة التوتر الناجم عن أزمة برنامجها النووي. واستقبلت تركيا أمس الثلاثاء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين استقبالا وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه كان حاراً في قمة للأمن الإقليمي بإسطنبول. وترى الصحيفة الأميركية أن التحول في سياسة تركيا الخارجية يجعل من رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان “بطلاً” لدى العالم العربي, وينطوي على تحدٍ صريح للأسلوب الذي تدير به الولايات المتحدة أكثر قضيتين إلحاحاً في المنطقة وهما برنامج إيران النووي وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ديمقراطية مزعجة وفي واشنطن يُنظر إلى تركيا على أنها “تجوس خلال المنطقة وتفعل أشياء تتعارض في مقاصدها مع ما تريده القوى الكبرى في المنطقة”, طبقاً لما يقول ستيفن كوك, الباحث لدى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي. ويضيف كوك قائلاً إن السؤال المطروح هو: “كيف لنا أن نجعل الأتراك يلزموا مسارهم؟”. من منظور تركيا فإن الأمر لا يعدو أن يكون إيجاد موطئ قدم لنفسها في فنائها الخلفي, وهي منطقة ظلت مضطربة ردحاً من الزمن نتيجة للسياسة الأميركية إلى حد ما. كما أن أمل تركيا الذي ظل يراودها أمداً طويلاً قد خاب في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي. ولعل بروز تركيا كقوة إقليمية يبدو مفاجئاً, لكنها قوة ظلت تنمو لسنوات منذ نهاية الحرب الباردة عندما كان العالم منقسماً إلى معسكرين وكانت تركيا حينها شريكاً صغيراً في المعسكر الأميركي. ولكن بعد عشرين عاما على ذلك, أُعِيد رسم الخريطة حيث باتت تركيا الآن دولة ديمقراطية تنبض حيوية وتنعم باقتصاد هو السادس في ترتيب أكبر الاقتصادات في أوروبا. وبعكس مصر والأردن اللتين تعتمدان اعتماداً كبيراً على المعونات الأميركية, فإن تركيا تتمتع باستقلال مالي عن الولايات المتحدة. ومن المفارقات الظاهرة أن ديمقراطيتها سبَّبت لواشنطن بعض المتاعب, فبعض أعضاء حزب أردوغان على سبيل المثال صوَّتوا في 2003 ضد السماح للولايات المتحدة بمهاجمة العراق من الأراضي التركية. نيويورك تايمز  
 
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 09 جوان  2010)


 


تركيا: الدور والمصلحة!

 


رشاد أبوشاور ترفع أيد كثيرة العلم التركي، في بلاد العرب، والمسلمين والدول الأوروبيّة، وفي أمريكا. وتتردد في الأسماع أسماء: أردوغان، وغول، وأحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا بوجهه الطفولي الهادئ، وكلامه الحازم، وقد باتوا نجوم سياسة عالميّا. هذه القيادة التركية الجديدة، تمتح من (تراث) قديم، ولكنها ليست أسيرته، وهي تبني على ما يجمع دينيّا، ولكن بدون استفزاز، فهي تقود تركيا الحديثة الطامحة المنفتحة، وتستند إلى صناديق الاقتراع، فحزب العدالة والتنميّة يقوده إسلاميون، ولكنه يؤمن بالتناوب الديمقراطي، ولا يغلق الباب في وجه أي حزب، وهو لم يستحوذ على الحكم بعد الوصول إليه، وهمه سيادة الدستور، وإقفال الباب في وجه الانقلابات وتحكّم العسكر، وإخراج تركيا من التبعية الأمريكيّة، والانفتاح على العرب الجار الأقرب، وعدم الوقوف في حالة تسوّل للقبول أوربيّا، فالحياة لا تنتظر، والدور لا يسعى، ولكن يُسعى إليه. في (الشرق) فراغ، وتركيا تتحرّك قدما منذ وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002. العرب مفتتون، تائهون كأمّة، بسبب القيادات الحاكمة التابعة التي ضيّعتهم، والتي لا تهجس بمصالح الأمّة، ولا بمصالح البلدان التي تحكمها، وإنما فقط بالحفاظ على البقاء في (الحكم) وتوريثه، فلا دستور، ولا قانون، ولا محاسبة، ولا تحرّك للأمام. في بلاد العرب لا شيء سوى الفقر، والبطالة، والفساد، والقمع، وانعدام الشعور بالمسؤوليّة، والكذب الرسمي السافر، وتبديد ثروات الأمّة على النزوات، ومراكمتها في بنوك الغرب، بينما ملايين العرب تفترسهم الأمراض والمجاعة والإحباط. العرب محاطون بإيران التي تسعى لامتلاك كل عناصر القوّة، وتركيا الصاعدة التي بات حالها أكثر تقدما، وتطورا، واحتراما، وحضورا، وبالكيان الصهيوني المختّص بإذلال العرب، وامتهان حقوق الفلسطينيين، والاستفراد بهم أشلاءً، بالحصار الخانق لقطاع غزّة، ونهب أراضي الضفّة، وتمزيقها. تركيا حزب العدالة منعت مهاجمة العراق عبر حدودها، ومنعت تحليق الطائرات الأمريكيّة من قاعدة(أنجرلك)، في حين كان حكّام بلدان عربيّة ينحازون للعدوان الأمريكي، ويغطون العدوان الذي دمّر العراق. ومن بعد انفتحت تركيا على سورية، ومدّت لها اليد، ومكنتها من تقوية وضعها سياسيا بحيث لا تعود متهمة بعلاقات أحادية مع إيران. تركيا بقيادتها الذكية، البارعة، مدّت اليد لإيران، وتجاوزت أنها سنيّة الإسلام، وأن إيران شيعيّة، ومع البرازيل وقعت على اتفاقية تصدير اليورانيوم، وهذه الخطوة اتخذت لتفويت الفرصة على المكيدة الأمريكيّة الصهيونيّة، وتجنيب إيران الحرب، وأيضا لتعلن بأنها هنا في المنطقة، وأن أحدا لا يمكنه أن يتجاوزها، وأنها قادرة على أن تمّد حبل تواصلها حتى أمريكا اللاتينيّة ـ فالمسألة ليست الإسلام على أهمية هذا العنصر العميق في تراث تركيا وجوارها العربي ـ فهذا هو الدور الذي اختارته قيادة حزب العدالة والتنمية … تأملوا الجانب الاقتصادي وروح العدالة الاجتماعية في اسم الحزب، وهكذا فليس صدفة أن هذه القيادة نجحت اقتصاديا، وجنبت الشعب التركي ويلات الأزمة الاقتصادية العالمية، ولم تكتف بالشعارات! عندما وقعت جريمة الاعتداء على أسطول الحرية لغزّة، كان السيّد رجب طيّب أردوغان في زيارة لعدة بلدان أمريكيّة لاتينيّة، وكانت هذه الزيارة الحدث التاريخي بالنسبة لتركيا قد جاءت بعد الشراكة التركية البرازيلية في اتفاقية اليورانيوم مع إيران، ولكن السيد أردوغان قطع الزيارة، وعاد ليقود المعركة في وجه الكيان الصهيوني، مستقطبا الشعب التركي بكل فئاته، في لحظة غضب وكرامة وطنيّة متصاعدة امتزج فيها القومي بالديني بالإنساني، وهنا براعة السيد أردوغان وأركان حزبه، فهو يتوجه بالخطاب الإنساني للعالم، فغزّة محاصرة، والحصار ظالم، ولا يجوز إنسانيّا، والسفينة (مرمرة) قائدة الأسطول حملت متضامنين إنسانيا، فيهم المسلم والمسيحي واليهودي، رجل الدين، والكاتب، والصحافي المحايد، والطبيب، ومن جنسيات كثيرة في العالم. في العمق أخذ الشعب التركي يغلي، فالإسلام حاضر، ولكن الشيوعي، والعلماني، والمعارض لحزب العدالة والتنمية حضروا، وتناوبوا محاصرة بيت سفير الكيان الصهيوني في أنقرة، وتدفقوا إلى الشوارع كتفا إلى كتف في المدن التركيّة! لا، هذا ليس تمثلاً، ولا هو موقف سياسي عابر، ولكنه تحوّل في السياسة التركيّة، فتركيا ليست تركيا الجنرالات، والتبعية لأمريكا، ومنفذة مخططات الأحلاف ضد مصر الناصرية والنهوض العربي التحرري في الخمسينات والستينات. قيادة حزب العدالة تعمل داخليا وخارجيا في نفس الوقت، يدعمها في مواقفها شعبها الملتف حول سياستها، وتقوّي حضورها داخليا بسياسة خارجية ترفع من قدر تركيا، وقيمتها، وترتقي بها إلى مصاف الدول ذات الحضور على المستوى الدولي، وهذا يرتد مكاسب اقتصادية، وسياسية، فعلم تركيا ليس مجرّد قطعة قماش، ولكنه يرفرف احتراما لبلد يتقدم لأخذ دوره في شرق أوسط جديد ـ غير شرق أوسط بيريس، وأوسلو، ووداي عربة، ومن قبل كامب ديفيد السادات ـ السيادة فيه لأبنائه..بانتظار نهوض العرب الذين يقودهم جهلة، فاسدون، بلا انتماء! ماكنة التدليس والتضليل الإعلامية الموجهة ضد إيران، وحزب الله، والمقاومة الفلسطينيّة، وسورية، اهتاجت وفقدت اتزانها، وشنّت هجمة بائسة بلهاء تستهدف تركيا وقيادتها، متهمة إياها بأنها وقعت في فخ إيران، وأن إيران ورطتها وقعدت تتفرّج عليها, وهكذا فقيادة تركيا الذكية الشجاعة والشريفة التي تمزج بين الضمير والانتماء والمصلحة التركية، ليست سوى ألعوبة في يد نجاد. هؤلاء يريدون التغطية، فضيحة تقصير حكّام تخلّوا عن فلسطين، والقدس، يتفرجون على موت أهلنا في قطاع غزّة، وغضبهم المعلن والسري من تركيا وقيادتهم سببه الحرج من الدور التركي الذي فضح ما هو أبعد من عجزهم: التآمر مع أمريكا والكيان الصهيوني. من يمولون هذه الأقلام، وهؤلاء الكتّاب المرتزقة، وتلك الفضائيات المبتذلة، لم يتحركوا لإنقاذ القدس التي تضيع، هم الذين يقدمون أنفسهم كحماة للإسلام والمسلمين، ويتشدقون هذه الأيّام بالعروبة في مواجهة إيران، وينسون أن العراق عربي قح أكثر منهم، وأن أيديهم ملطخة بدم أبنائه، وأنهم من فتحوا أبوابه للغزاة من كل صنف ولون! تركيا تأخذ دورها كأمة، بقيادة وطنية ذات كبرياء قومي، وبعقيدة إسلامية منفتحة معاصرة، وهذه القيادة لم ترث الحكم، ولا تأخذ دورها بالنفط، والرعاية ألأمريكية حتى آخر بئر نفطية، فقد أنهت هذه القيادة، وأستاذها أربكان، دور تركيا المضاد والمعادي والتابع والهراوة، وها هي تنهض بدور تقاعس عنه حاكم مصر وحاشيته، والمملكة السعودية التي لم نسمع منها جملة مفيدة في مواجهة مجزرة قافلة الحرية والشهداء الأتراك، ولم يصل المليار الذي تبرعت به كلاما لغزّة قبل سنوات!. الجماهير الفلسطينيّة، والعربيّة، والإسلاميّة، وفي العالم، رفعت علم تركيا، وهي بهذا كرّمت قيادة جديرة بالاحترام، وحكمت بالخزي على الكذبة (العرب) المتقاعسين عن نصرة الفلسطينيين في الضفّة، وقطاع غزّة. تركيا تخرج من عباءة التبعية الأمريكيّة، وتتقدم لأخذ دور تخلت عنه مصر!. ملايين العرب يحزنهم المشهد، فإيران تصعد، وتركيا ترفع علم حضورها عاليا، والكيان الصهيوني يعربد، وأردوغان التركي يصيح زاجرا، منذرا ببسالة، وحوله ملايين الأتراك يزمجرون بجدّية… يوعز حاكم مصر بفتح معبر رفح، والجماهير العربيّة تعرف أن هذا للامتصاص، وكل المعلومات تدلل على التنسيق مع الكيان الصهيوني بهدف الامتصاص حتى تنتهي (الهوجة)!. حين يرفع ملايين العرب العلم التركي فإنهم يعربون عن الاحترام والتقدير والوفاء، و..احتقار قيادات أخزتهم، وخذلتهم، وأذلتهم، وباتت عقبة في طريق تقدمهم، وتحقيق أهدافهم، عقبة يجب إزالتها من طريق أمتنا…  
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 جوان 2010)  


افول عربي.. وصعود تركي ايراني


عبد الباري عطوان الدول العظمى تنتزع مكانة بارزة وتحضر دورا فاعلا لها، من خلال الافعال لا الاقوال، والانجازات على الارض، والقيادات الشجاعة، والشعوب الحية المبدعة… نقول هذا الكلام بمناسبة الحجيج العربي والعالمي الى الاراضي التركية طوال الايام القليلة الماضية، ومنذ المجزرة الاسرائيلية التي استهدفت سفن اسطول الحرية في عرض البحر المتوسط امام شواطئ قطاع غزة. الرئيس السوري بشار الاسد حط رحاله على ارضها معزيا بضحايا المجزرة ومتضامنا مع القيادة التركية، وكذلك فعل الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، وقبلهم جميعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي توقف في العاصمة التركية وهو في طريقه الى واشنطن. هذا يعني في علم السياسة والاستراتيجــــيات الاقليمية والدولية امـــرين اثنــــين، الاول هــــو صعود الدور التركي وحصول اعتـــراف دولي بـــه، والثـــاني هو افول القرار العربي، واضمحلال مكانة القيادات العربية ودورها، سواء كانت تمثل دولا كبيرة او صغيرة لا فرق على الاطلاق. نحن الآن امام قوتين رئيسيتين صاعدتين في المنطقة، القوة التركية، والقوة الايرانية، ومن المفارقة انهما تتنافسان على تكريس شرعيتهما، وتوسيع دائرة نفوذهما اقليميا ودوليا، من خلال دعم القضية العربية المنسية، ومواجهة التغول والاستكبار الاسرائيليين. المنطقة العربية باتت مثل الرجل المريض، تعيش مرحلة اشبه بتلك التي مرت بها تركيا قبيل الحرب العالمية الاولى، ‘تتداعى الامم على قصعتها’، وحكامها منشغلون في كل شيء ما عدا القضايا الوطنية، ومستقبل شعوبهم، ولهذا باتوا كماً مهملاً، ويقومون في معظمهم بادوار وظيفية في خدمة المشاريع الغربية، تماما مثلما فعل نظراؤهم بالتآمر على الامبراطورية العثمانية والدخول في تحالفات مع الاستعمارين البريطاني والفرنسي ضدها. فليس من قبيل الصدفة انه في الوقت الذي تتوجه فيه القيادات الاسلامية والعالمية الى تركيا لتنسيق الاستراتيجيات الاقليمية والدولية، خاصة في منطقة آسيا، نرى جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي الذي يتباهى بصداقته الحميمة مع اسرائيل ودعمه المطلق لها، يتوجه الى شرم الشيخ للقاء الرئيس حسني مبارك لبحث كيفية كسر الحصار الدولي المفروض حاليا على اسرائيل من خلال تخفيف حصار آخر مفروض على قطاع غزة. ‘ ‘ ‘ القاهرة تنسق مع الامريكان والاسرائيليين (زارها مبعوث للموساد في زيارة سرية، ووكيل وزارة التجارة الاسرائيلية في اخرى علنية)، والرياض صامتة او مغيبة، ودول الخليج مشغولة بالعملة الموحدة وبعض مشاريع الجسور المجمدة، والشيء نفسه يقال ايضا عن دول الاتحاد المغاربي، فالزعيم الليبي معمر القذافي منهمك في انتمائه الافريقي الجديد، وحربه على سويسرا، والعاهل المغربي محمد السادس رئيس لجنة القدس خيب املنا عندما لم يدع هذه اللجنة للانعقاد في ذروة عمليات التهويد الاسرائيلية، ولا نعرف ما الذي يشغل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، اللهم الا اذا كانت متابعة فريق بلاده في المونديال اكثر اهمية بالنسبة اليه من القضايا المصيرية الاخرى. الدور العربي بات محصورا في الوقت الراهن بالتعبير عن عجزه، وتهميش دوره، في التشكيك في نوايا تركيا وايران، ومحاولة تشويه البلدين، والتذكير بانهما لم تطلقا طلقة واحدة ضد اسرائيل، وكل ما تفعلانه حاليا هو اطلاق صواريخ من ورق، اي التغني بالماضي العربي وحروبه، لتجنب الحديث عن الحاضر المزري والمستقبل الاكثر قتامة. حملات اعلامية شرسة تشهدها حاليا ضد تركيا، مشابهة لاخرى تستهدف ايران، مع فارق اساسي ان الاولى خجولة، ورموزها لا تملك ذخيرة قوية، فتركيا لا تحتل جزرا عربية، ولا يمكن استخدام العامل المذهبي للتحريض ضدها على غرار ما يحدث مع ايران، وفوق كل هذا وذاك لا توجد فيها معارضة خارج الاطر البرلمانية الشرعية يمكن تبنيها، وتخصيص برامج تلفزيونية خاصة للتضامن معها، مثل الثورة المخملية الايرانية. هذه الحملات لن تؤثر في تركيا، مثلما انها لم تؤثر في ايران ايضا، ولكنها لم تنجح في الوقت نفسه في اخفاء عورات من يقفون خلفها، وتنصلهم من واجباتهم الوطنية والاسلامية تجاه قضايا امتهم ومقدساتها. يعايرون تركيا بالقول بانها لم تقطع علاقاتها باسرائيل، ولم تلغ بعض الاتفاقات التجارية والدفاعية معها، ولم تعلن تجييش الجيوش والاساطيل لتحرير الاقصى، وهذا صحيح، ولا جدال فيه، ولكن هل قطعت الدول العربية، وخاصة مصر، علاقاتها مع اسرائيل، وهل ألغت اتفاقات كامب ديفيد، واوقفت كل مجالات التنسيق الامني، وجمدت، ولا نقول ألغت، اتفاقية ‘الكويز’ الاقتصادية الشهيرة؟ تركيا، وحتى قبل عام، كانت الحليف المؤتمن لتل ابيب، وراعية المفاوضات غير المباشرة بينها وبين سورية، والآن تفتح موانئها لاحتضان اساطيل كسر الحصار وترسل نوابها وسياسييها وافراد شعبها على ظهر السفن الى قطاع غزة. ورغبة هؤلاء في الشهادة، ورفضهم الانصياع لاوامر القراصنة الاسرائيليين، ودفاعهم عن انفسهم وسفينتهم برجولة هو الذي ادى الى هذه العزلة والكراهية لاسرائيل في مختلف انحاء العالم. ‘ ‘ ‘ التغيير الذي تشهده تركيا حاليا تجاه القضايا العربية، يتطور بسرعة، ويلقى تجاوبا في الشارعين التركي والاسلامي، والمعركة ما زالت في بداياتها، واللغة التي يستخدمها السيد رجب طيب اردوغان في مواجهة الغطرسة الاسرائيلية، ولكسر الحصار المفروض على قطاع غزة لم يستخدمها الرئيس الفلسطيني نفسه رئيس منظمة ‘التحرير’ الفلسطينية ولا اي زعيم عربي آخر، ولولا هذا الموقف التركي الشجاع، على المستويين الشعبي والرسمي، لما قرر السيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية زيارة قطاع غزة بعد ثلاث سنوات من التلكؤ، ولما اقدمت الحكومة المصرية على فتح معبر رفح، ولما تحركت اوروبا لايجاد صيغة لرفع الحصار وخلق آلية جديدة لمراقبة المعابر على غرار ما كان عليه الوضع سابقا. السيد اردوغان يستحق منا التقدير والتأييد في الوقت نفسه، لانه يمثل هذه المواقف الرجولية النابعة من ايمان عميق، ورفض متجذر للاهانات الاسرائيلية المتلاحقة، يعرض نفسه وبلده للكثير من المخاطر، فهو يتحدى الصهيونية العالمية وحلفاءها، واليمين الغربي الرأسمالي الشرس، وبقايا الاتاتوركية الرافضة لاي توجه اسلامي في داخل تركيا نفسها. من يتابع الحملات التي يتعرض لها السيد اردوغان في صحف ‘الاتاتوركية’ يكتشف حجم المصاعب التي يواجهها، والتضحيات التي يقدمها، وانا شخصيا سمعت احدهم شاركت معه في احد برامج تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية باللغة الانكليزية، ينتقد اردوغان بشراسة، ويقول لماذا يقدم على مثل هذه السياسات، ويناصر قضية المحاصرين في غزة، ويعرض بلادنا لازمات خطيرة في وقت نواجه فيه ازمات داخلية متفاقمة مع حزب العمال الكردستاني، واليونان على ارضية الخلاف القبرصي، وارمينيا بعد احياء موضوع مجازر الارمن؟ اردوغان يستحق منا الدعم والمساندة، ونشعر بالالم ونحن نرى دولا عربية تتآمر عليه، وتشوه صورته، وتشكك في نواياه، ولم نسمع دولة عربية واحدة، تؤيد مطالبه في اجراء تحقيق دولي وباشراف الامم المتحدة في مجزرة سفينة مرمرة، ومن أيّد فعلى استحياء شديد للغاية، ومن قبيل رفع العتب. تركيا حققت اختراقا كبيرا، وألقت حجرا كبيرا في بحيرة العجز العربي المتعفنة الآسنة، وعلينا كشعوب عربية، ولا اقول كحكومات، البناء على هذا الانجاز، واستمرار قوة الزخم الحالية، من خلال ابتكار وسائل اخرى لتعميق العزلة الاسرائيلية، مثل تنظيم قوافل اغاثة برية وبحرية وجوية لكسر الحصار على قطاع غزة وحماية المقدسات العربية والاسلامية. نخشى ان ينشغل العرب بمباريات كأس العالم، التي ستبدأ بعد يومين، عن قضاياهم المصيرية، وينسوا شهداء وجرحى سفن الحرية والكرامة مثلما نخشى من مؤامرات بعض المتآمرين في النظام الرسمي العربي الذين سحبت تركيا البساط من تحت اقدامهم، ونزعت ورقة التوت عن عوراتهم، وإن كنا نشك اصلا في وجودها.
 
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 9 جوان 2010)  


دعوة لإتقان التزوير


د. فهمي هويدي
لا يفاجئنا تزوير انتخابات مجلس الشورى، فقد اعتدنا على ذلك في كل انتخابات «نزيهة» مررنا بها، حتى صرنا نقول إننا بحاجة إلى إعادة نظر في تعريف مفهوم النزاهة، ولعلي واحد من القائلين بأن القائمين على الأمر في مصر يتصورون أن الوضع القائم لا يمكن أن يستمر دون اللجوء إلى أمرين هما: التزوير والتعذيب. لكن المفاجئ والمدهش حقا هو المدى الذي بلغته الجرأة على التزوير، الذي لم يعد يقوم على التلاعب في حساب الأصوات، وإنما صار ينحي الصناديق والأصوات جانبا في بعض اللجان، ويفرض النتيجة المطلوبة التي وردت في التعليمات، بحيث بات واضحا لكل ذي عينين أنه لم يكن مطلوبا أن تكشف الانتخابات عن توجهات الرأي العام وأوزان القوى السياسية، بقدر ما كان المطلوب إظهار صورة معينة حرص مخططو العملية على إظهارها، بحيث تضمن وجود عناصر بذاتها وتمثيل جهات معينة للوفاء بحق حسابات معينة تجمل الوجه في الخارج وتطمئن أولي الأمر في الداخل. لقد سبق أن دعوت إلى إلغاء الانتخابات وتوفير نفقاتها، وتوجيهها إلى ما ينفع الناس حقا؛ لأنني ما زلت غير قادر على تفسير الإصرار على إنفاق ملايين الجنيهات وإشغال المصريين، واستنفار الشرطة ورجال القضاء، لعرض تمثيلية ملتها الناس ولم يعودوا يجدون فيها أي عنصر للتشويق فضلا عن الإثارة. فنفس الحزب فائز بنجاح ساحق، ولا أمل في تغيير أو تداول من أي نوع. وإذا كان ذلك شأن عموم الانتخابات «النزيهة» التي تحدث في بر مصر، فإن الدعوة تنطبق بصورة أقوى على مجلس الشورى، فاقد الطعم والرائحة والوظيفة. إلا إذا كان مبرره الوحيد ألا يكتفي بمجلس الشعب الذي لا ينطق في موقفه من الحكومة (التي يفترض أنه يراقب عملها) إلا بكلمة «نعم»، ومن ثم رغب أهل القرار في إقامة كيان آخر يردد نفس الكلمة، بحيث لا تصبح «نعم» واحدة، وإنما تغدو «نعمين» في عين المراقبين والحساد. لقد كان الظن أن القائمين على الأمر سمعوا أصوات المجتمع الغاضب الذي عبر عن سخطه بأساليب شتى خلال السنوات الأخيرة. وأنهم إن لم يكونوا قد رأوا بأعينهم مظاهر الحراك المتنامي الذي يشهده الواقع المصري، فلابد أنهم قرأوا عنه سواء في الصحف السيارة أو في التقارير الأمنية. ولأن ذلك هو الأرجح، فقد توقع بعضنا أن تتصرف السلطة بصورة أكثر ذكاء وحنكة، بما يعطي انطباعا بأنها تسلمت الرسالة ويوهم بأنها بصدد التجاوب معها بما يعطي انطباعا بأنها ماضية في الإصلاح السياسي، وراغبة في إعادة الأمل إلى المحيطين، وإحباط وإجهاض دعاوى المعارضين «المغرضين». لم يتوقع أحد أن تجرى الانتخابات بمفهوم النزاهة التي نعرفها، ولكن الذين أحسنوا الظن توقعوا أن تلجأ السلطة إلى التزوير الذكي. وهو ما عبر عنه زميلنا خيري رمضان حين تساءل: لماذا حرص الحزب الوطني على تزوير الانتخابات بفجاجة، وكان يستطيع تزويرها بهدوء ورقي، وله في ذلك خبرة وسوابق (المصري اليوم 6/6) ليس ذلك رأي خيري رمضان وحده. لأن الصحف المعارضة والمستقلة حافلة بالآراء المشابهة، لكني تخيرته لأنه ليس محسوبا على المعارضة، ويفترض أنه محل ثقة النظام، بدليل أنه أحد المقدمين الأساسيين لأهم برنامج مسائي يقدمه التليفزيون الحكومي. إذا لاحظت أن الاعتراض ليس منصبا على مبدأ التزوير، ولكن على الأسلوب الفج الذى اتسم به، فإن ذلك يثير سؤالا حول تفسير ذلك التدهور في مستوى التزوير. وإذا حاولت أن أجيب عن السؤال فسأجد أنه لا يخرج عن أحد احتمالين، أولهما الاستهتار بالمجتمع وازدراؤه، الأمر الذي دفع المسؤولين عن الانتخابات إلى عدم الاعتناء بستر التزوير وإحكام إجراءاته.. الاحتمال الثاني أن يكون هؤلاء فقدوا الثقة في أنفسهم، أو شعروا بأن الأرض تهتز تحت أقدامهم، فلجأوا إلى المبالغة في ادعاء الشعبية والفوز، الأمر الذي أوقعهم في شر أعمالهم، حتى صارت النتيجة شهادة عليهم وليست شهادة لهم. ليس ذلك فحسب، ولكن الأهم والأخطر هو مضمون الرسالة التي بعثت بها السلطة إلى المجتمع من خلال فجاجة التزوير، ذلك أنها تقول للجميع بأعلى صوت: لا تعلقوا علينا أملا، وراهنوا على غيرنا إذا أردتم النجاة.
(المصدر: صحيفة “السبيل” (يومية –  الأردن) الصادرة يوم 9 جوان 2010)  


رموز الأمة.. نوافذ غزة على العالم!


لمى خاطر     بارقة أمل فريدة ألمت خلال الأيام الأخيرة بمن أصغى لخطابات وتصريحات عدد من رموز الرفعة في هذه الأمة التي اتحدت دونما اتفاق لكي تعلن انحيازها لقضية غزة ومظلمتها، فمن استمع لرئيس الوزراء التركي أردوغان ثم للسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، ومن قبلهما الشيخ رائد صلاح، وأخيراً المؤتمر الصحفي الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد مع أردوغان سيدرك أن بشائر انكسار الحصار صارت أقرب من أي وقت مضى، هكذا جسدت كلمات أردوغان وهو يعلن أن حماس حركة مقاومة وحكومة شرعية وصلت إلى الحكم من باب نزيه ولم تعط الفرصة لتحكم شعبها، وهكذا أكدت كلمات السيد نصر الله وهو يتحدث عن العبر والنتائج التي ستخلفها دماء الشهداء الأتراك، ومعنى أن تدلف تركيا بمثل هذه القوة وبهذا المستوى من الحضور إلى محور الممانعة. أردوغان الذي كان قبل سنوات وبعد فوز حماس في الانتخابات يقدم لها النصائح السياسية لتطويع مواقفها بما يتكفل بجعلها مقبولة دولياً نجده اليوم يقف مدافعاً عن شرعيتها في وجه العالم وناطقاً باسم عدالة مقاومتها ومذكراً بجريمة حصارها وحرمانها من فرصة الحكم وإثبات الذات. وهو اليوم يبدو فلسطينياً أكثر من فلسطينيين كثر لا يتحدثون عن غزة إلا عبر أبواق التحريض وبث الأكاذيب والتقليل من شأن حصارها وتسخيف صمودها. تحدث أردوغان عن القدس ونابلس ورام الله وربط مصيرها بمصير عدد من مدن تركيا، ترى هل تناهى لمسمعه أن المدن الفلسطينية الأقرب لغزة من تلك التركية التي تموج غضبا، محرومة بأمر دايتون من الانتصار لغزة بمسيرات يتيمة ولو حتى بمستوى إضاءة الشموع في ليل الضفة البهيم؟! غزة، خذلها نفر من الفلسطينيين وتآمروا عليها فقيض الله لها نوافذ تطل على العالم كله ورموزاً تعشقها الملايين تنظّر لها وتتبنى قضيتها وتعلن التحامها المصيري معها، وإنّ تفرد الموقف التركي على وجه الخصوص لا ينبع فقط من حسن توظيف القيادة لعناصر القوة التي تمتلكها، بل كذلك من حجم مصداقيتها وقبولها شعبياً وبراعتها في كسب تعاطف عالمي مع قضية شهداء الأسطول، وكيفية إدارتها للأزمة بحيث استثمرت الدماء لتكون مدخلاً لحشد التأييد والتعاطف مع قضية حصار غزة، فنجحت في إعادتها إلى واجهة الاهتمام العالمي عبر انتهاج آليات غير مسبوقة في إدامة التفاعل مع القضية وتطويره رسمياً وشعبيا، سياسياً وقانونياً وإنسانيا. هذا التسارع المضطرد للأحداث وبهذا النسق الإيجابي والخارق للتوقعات هو جائزة غزة لهذا العام بعد أن انتصرت على حصارها بجدارة، وهذا الحشد العالمي خلف معاناة غزة إنما هو جزاؤها الذي تستحقه بعد أن أعلت من قيمة الثوابت بصمودها المذهل طوال الأعوام الماضية. كان المتوقع أن تتمخض الحرب الأخيرة عن انكسار الحصار، غير أن أعداء غزة أرادوا من جراح الحرب أن تكون يدها المؤلمة التي تستنزف صبرها وتجبرها على الخنوع، لكن غزة ظلت تعض على جراحاتها حتى وأبناؤها ينامون في العراء، وحتى يوم أن لاحت نذر الجدار الإسمنتي في الأفق وكانت التنبؤات تشير إلى أنه سيكون بمثابة القفل الذي سيغلق آخر منفذ لغزة على الحياة. دروس أسطول الحرية ما زالت تترى، ولو أنفقنا كل وقتنا وحبر أقلامنا للحديث عنها لما استطعنا استقصاءها، فهي أكبر من أن نحيطها وعياً واستيعابا، أو توقعاً لمآلاتها واستشرافاً لمستقبل تطوراتها خلال قادم الأيام، لكنها تترجم عملياً وتتكاثر وتتفاعل على نحو إيجابي خلاق، فهل مرّ علينا يوم شهدنا فيه دولة الكيان بمثل هذا الحرج والتخبط وهي تضرب خبط عشواء فلا تحصد إلا المزيد من الأعداء الجديرين بمعاداتها؟ وهل سبق أن أتى على القضية الفلسطينية حين وجد فيه الفلسطينيون أن سفراء دمهم ومحنتهم قد غدوا موزعين على امتداد العالم؟ بعد أن عاينوا الإرهاب الصهيوني وجهاً لوجه بكل جوانبه في رحلة الأسطول التي لخصت حكاية الشعب الفلسطيني مع الشهادة والأسر والتهجير وحتى المقاومة دفاعاً عن النفس. إنها مؤشرات ومبشرات انكسار الحصار ورحيل ليله، فهنيئاً لك يا غزة نصرك الثالث، بعد إجبارك المحتلين على الرحيل عن أرضك عام 2005، ثم إفشال حملتهم العسكرية 2008/2009، ثم الاستعداد لإعلان الانتصار في معركة الحصار هذا العام بإذن الله. ما أروع الثبات وما أجلّ معانية، وكم ستكون القيمة المادية والمعنوية عظيمة لهذا الحصاد الذي ينتظر غزة حكومة وشعبا، وهي تكسر معادلة القهر وتجني ثمن تجلدها وعدم انصياعها لموازين الانكسار ومسوغاته.  


اسرائيل والعالم: ليس الاعلام بل السياسة


يوسي بيلين 6/9/2010 تبرهن عدة أيام في اوروبا، ولقاءات مع وزراء خارجية، واعضاء برلمان وشخصيات اعلامية مرة أخرى على أن من يعتقد أن مشكلتنا الرئيسية هي الاعلام يخطىء خطأ شديدا مضرا باسرائيل. يدرك العالم ما الذي حدث في الاسبوع الماضي. وواضح له أنه قد كانت بين نشطاء السلام الذين أتوا في سفنهم قرب شاطىء غزة جماعة أعدت نفسها لمواجهة عنيفة مع جنودنا. وواضح للعالم حتى إن كان يعتقد أنه لا مكان لمحاصرة غزة، أن ازالة الحصار لن تتم نتاج وصول السفن. ومن الواضح للعالم أيضا أن غزة لا تموت جوعا، حتى لو كان مقتنعا بأن الحديث ها هنا عن عقوبة جماعية غير مناسبة. ومن الواضح للعالم أن تركيا تلعب لعبة ساخرة جدا، وأن اردوغان يركب موجة خطرة تمكنه من أن يصبح جمال عبدالناصر الجديد للعالم العربي من غير أن يكون هو نفسه عربيا. بل إن الجدل في حقنا في العمل خارج مياهنا الاقليمية ليس هو الشيء المركزي. إن الغضب الحقيقي علينا هو لأننا جررنا أصدقاءنا في العالم الى تنديدات شديدة، والى اجراءات لم يشاؤوها بسبب الرأي العام الذي لم يكن مستعدا لاستماع أي تفسير عقلاني وقانوني في وضع يلقى فيه تسعة ركاب في سفينة لأهداف انسانية حتفهم في مواجهة مع جنود يهبطون بحبال من مروحيات. أين مرونتكم؟ وأين ايهود باراك في طائرة سفانا؟ وأين حنكة الجيش الاسرائيلي؟ أنتم تعملون في غير نظام، وعلى نحو محافظ، وعدم فهم لوسائل القرن الواحد والعشرين، وتستعملون طرائق الثمانينيات، وتسقطون مرة بعد أخرى، في دبي وفي غزة، وبعد ذلك ترسلون وزير الخارجية الاسرائيلي ونائبه الهاذيين ليبينا للعالم أن جنودكم الأشد تدريبا لقوا وحدة كوماندو ارهابية. انكم تحرجون أوباما، وأنتم تجعلون اصدقاءكم الذين بقوا لكم في اوروبا في وضع غير ممكن وتظنون انكم اذا زدتم ميزانية دعايتكم فسيكون كل شيء على ما يرام. أين تعيشون؟ ألا تفهمون أن الحديث عن تغيير سياسة لا عن تغيير دعاية؟ تعيش الجماعات اليهودية في خوف من جديد. ويوصون معتمري القبعات الدينية بالتخلي عن لبسها. وهناك تنسيق بين الكنس وأجهزة الشرطة المحلية. وفي حيطان المدن الكبيرة رسوم غرافيتية تقول ‘يجب تحرير غزة’، وفي بعض الاماكن لافتات مطبوعة تدعو الى وقف الحصار. ‘إن فكرة الدولة اليهودية كلها ترمي الى انقاذ اليهود. انكم تعودون وتعرضوننا للخطر مرة بعد اخرى. ألم تستطيعوا أن توجدوا شيئا أكثر نجاحا من دخول مواجهة مع ركاب السفن؟’ سألني أحد قادة يهود أوروبا بل أوصى بوصية عسكرية وهي تعطيل محركات السفينة… يمكن ان نقول دائما ‘ماذا كنتم تفعلون؟’ لكن هذا لم ينجح قط. يستطيع نتنياهو أن يجمع حفلا صحافيا آخر وأن يبين بالانكليزية أن الحديث عن نفاق. ماذا سيكون بعد ذلك؟ لا أحد جديا يعتقد أن رحلة السفن كانت ترمي في الحقيقة الى انقاذ سكان غزة. إن المشكلة الحقيقية هي أن اسرائيل فقدت قدرتها على دفع الانتقاد على أعمال كهذه لأنها تخلت عن كل مبادرة سياسية، والانطباع الواضح هو أن محادثات التقارب حادثة سياسية انفعالية لن تفضي الى أي شيء. هدفها كله أن تبرهن للولايات المتحدة على أن الجانب الثاني مذنب للاخفاق. اذا لم يقد نتنياهو وعلى الفور مبادرة منه ثنائية الطرف أو أحادية الطرف، دائمة أو موقوتة فسيجعل اسرائيل تخسر ما بقي من نظامها الوقائي، وفي هذا الوضع قد تجعلنا كل عملية او كل قول غير ناجح لوزير في اسرائيل، دولة منفية وتجعل يهود العالم على خطر. المسؤولية على كاهل رئيس الحكومة أكبر من التسويف بذلك وتجاهل الأمور وأن نقول لأنفسنا أننا تجاوزنا أزمات أكبر من هذه.  
عن اسرائيل اليوم 8/6/2010  
 

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

16 juin 2008

Home – Accueil TUNISNEWS  8 ème année, N° 2946 du 16.06.2008 archives : www.tunisnews.net   Liberté et Equité:Une délégation de Liberté

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.