في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس
Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia
|
TUNISNEWS
9 ème année, N 3361 du 05.08 .2009
السبيل أونلاين :صرخة استغاثة من حرم الدكتور الصادق شورو
حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس
السبيل أونلاين:قالت أن معاناته طالت و أن وضعه الصحي يتدهور بشدّة نداء عاجل لنجدة البروفيسور المنصف بن سالم لإستعادة حقوقه
حــرية و إنـصاف:بيــــان
السبيل أونلاين :خطير..حقوقيون يحمّلون السلطة التونسية المسؤولية عن حياة الدكتور الصادق شورو
الجمعية الدولية المساندةالمساجين السياسيين:أداء الأجهزة الأمنية…ببنزرت من يراجع..؟
السبيل أونلاين:البوليس يحاصر بيت المحامي عبد الوهّاب معطّر ويرافقه في كل تنقلاته
الجمعية الدولية المساندةالمساجين السياسيين:طارق الحرزي (رمز 009654 في السجلات الإعتقال) بين أيدي العراقيين مجدداً
الحزب الديمقراطي التقدمي:بلاغ عن اجتماع المكتب السياسي وموقف الحزب من الإنتخابات الرئاسية والتشريعية
زياد الهاني:لقاء الفرصة الأخيرة: المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين يدعو المكتب الموسّع للاجتماع الإثنين القادم (10 أوت)
الاخبار:«الجزيرة» non grata في تونس
محمد كريشان: موسم الهجوم على ‘الجزيرة’
وزير التربية والتعليم في تونس منع الحجاب في المدارس فنشروا صورة ابنته بالبكيني
الصباح:في ندوة مسيري جمعيات التونسيين بالخارج:مقترحات للحد من تأثير الأزمة على المهاجرين
خميس الخياطي:العين بصيرة… في «الشكشوكة» اللغويّة لـ «نسمة» التلفزيّة
حسن الطرابلسي:بيان مجموعة 19: الأزمة وتجلّياتها
إيلاف:شاكر الشرفي: “نخشى أن يتحوّل شيعة تونس إلى ورقة تستغلها إيران”
قنطرة :حوار مع الباحثة آمال قرامي حول حقوق المرأة في تونس:عودة إلى الأصولية – أم سير نحو إسلام معاصر؟
الصباح:فريقو» الحياة الزوجية:علاقات مجمّدة.. مشاعــر ميتــــة والأبنـــاء يدفعــون الثمــــن
حوارات – الشيخ راشد الغنوشي لموقع “الملتقى” : إذا كنا حركة شعبية ينبغي ان لا تكون مطالبنا حزبية
المغرب: باريس تأسف لمنع لوموند ومجلتان تفشلان برفع الحظر عنهما بسبب استطلاع رأي حول فترة حكم الملك محمد السادس
رويترز:صعود حزب مغربي يمثل اختبارا للديمقراطية الناشئة في المغرب
رويترز:المغرب في السنوات العشر الاخيرة
التايمز: 40 ألف صاروخ لحزب الله قرب إسرائيل
خضير بوقايلة:التوريث.. عدوى يجب القضاء عليها في مهدها
علي عبدالعال :معركة “التوريث” وخيارات الإخوان
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
التقارير الشهرية لمنظمة “حرية وإنصاف” حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس
صرخة استغاثة من حرم الدكتور الصادق شورو
السبيل أونلاين – تونس – خاص تلقى السبيل أونلاين رسالة من السيدة آمنة النجار حرم الدكتور الصادق شورو ، المقيم حاليا بسجن الناظور ببنزرت ، عبّرت فيها عن عمق المعاناة التى يكابدها زوجها وأسرته من خلفه ، وقد ناشدت حرم السجين السياسي الدكتور شورو كل المهتمين بقضايا حقوق الإنسان في تونس وخارجها بالتحرك الفاعل لوضع حدّ لمعاناة زوجها المستمرّة منذ أكثر من 18 سنة متواصلة وما لحق أسرته من تنكيل . وهذا نصّ الرسالة : صرخة استغاثة من حرم الدكتور الصادق شورو زوجي وراء القضبان منذ 18 سنة ، لم يغادر السجن الا لمدّة اقل من شهر ليزج به سريعا بحُكم ظالم معدنه القسوة يقضى بحبسه من جديد لمدة سنة ، جرمه الوحيد أنه يفكّر بصوت عال وقلبه ينبض املا لممارسة حق المواطنة في حرية الرأي والتعبير كسائر خلق الله على وجه المعمورة !!! . من أجل ذلك يقبع زوجي في زنزانة يزيدها سوء المعاملة ضيقا ومعاناة ، فقد أصبح في زنزانته بالغة الرطوبة المفتقرة الى أدنى مقومات العيش الصحّي من تهوئة ونور شمس ، وهو يشكوا آلآما حادة بالمفاصل وصداعا مستمرّا يحرمه من لذة النوم والإسترخاء . كما أن سوء التغذية نتج عنه هبوطا خطيرا في ضغط الدّم ، فإكتسح الشحوب وجهه ولازمته رعشة غير معهودة لديه ونحولا ينذران بما لايُحمد عقباه . اضافة الى ظروف الزنزانة القاتمة ، فقد أصبح زوجي يعيش على الماء والخبر نظرا الى أن السلّة (القفّة) التى أجتهد في إرسالها إليه يتم خلط ما فيها بعضه ببعض من طرف أعوان السجن حتى يصبح محتواها مقرفا ، وما ينجو من العبث لا ينجو من التلف ، بسبب الحرارة المرتفعة وعدم وجود ثلاجة لحفظ الطعام كما هو الحال بالنسبة للزنزانات الأخرى . هذا غيض من فيض ، من أوجه المعاناة التى ترهق زوجي وتسنزف صحّته ، وقد أصبحت أخشى عليه من إنهيار صحيّ كامل رغم تحمله وصبره ومقاومته الصامتة . وقد لحق جميع أفراد أسرتي منذ نعومة أظافرهم بعد إعتقال زوجي من الأهوال ما يفوق الخيال ، إذ بفقدان الزوج والسند لي ولإبنائي جاء عذاب التنقل بين سجون الجمهورية للزيارة حيث أمعنوا في التنكيل بنا جميعا بنقله المستمرّ بين السجون . وقد حُرم أبنائي من العمل رغم شهاداتهم العلمية وكفاءاتهم المشهود بها لمجرد إنتسابهم للدكتور الصادق شورو ، فقد أصبحوا ملاحقين بإستمرار ولا يُسمح لهم بالإستقرار في أي وظيفة ، وحين التفطن إليهم يقع فصلهم بشتى الأعذار . إننى زوجة السجين السياسي وسجين الرأي آمنة حرم الصادق شورو أرفع أكف الضراعة إلى الله عزّ وجلّ ليرفع عنّا الضيم والظلم والمعاناة ، ويسخّر لنا من أصحاب الهمم العالية والخلق الكريم من ناشطي حقوق الإنسان أفرادا ومؤسسات بالداخل والخارج ، ومن المتنافسين في الدفاع عن المظلومين ومساندة المستضعفين ، أن يهبوا الى نجتنا ويجتهدوا ما في وسعهم لوضع حدّ لمأساة عائلة بأسرها لم تعرف طعما للأمان منذ إعتقال سندها الدكور شورو ، والعمل على إنتشال زوجي من غياهب السجن لإنقاذه من الموت البطيىء ، ليسعد هو بالحرية ونسعد نحن بجمع شملنا بعد طول انتظار ، حتى يبقى لإنسانية الإنسان معنى … والله لا يضيع أجر من أحسن عملا . الإمضاء : السيّدة آمنة النجّار– حرم الدكتور الصادق شورو (المصدر : السبيل أونلاين ، بتاريخ 05 أوت 2009 )
أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 13 شعبان 1430 الموافق ل 05 أوت 2009
أخبار الحريات في تونس
1) تأجيل النظر في مطلب اعتراض الدكتور أحمد العش: نظرت محكمة تونس يوم الثلاثاء 04 أوت 2009 في مطلب الاعتراض الذي تقدم به اللاجئ السياسي السابق الدكتور أحمد العش على الأحكام الصادرة ضده منذ سنة 2000. وقد قرر القاضي تأجيل النظر في مطلب الاعتراض لجلسة يوم الجمعة 07 أوت 2009 لإضافة صحيفة السوابق لملف القضية. وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور أحمد العش قد وقع اعتقاله إثر عودته من فرنسا يوم الخميس 30 جويلية 2009 بعد سنوات من اللجوء السياسي قضاها بفرنسا. 2) إيطاليا تسلم السيد علي التومي إلى السلطات التونس سلمت إيطاليا يوم الأحد 2 أوت 2009 إلى السلطات التونسية السيد علي التومي رغم إصدار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لثلاثة قرارات تقضي بتعليق ترحيله. ومن المنتظر أن يمثل علي التومي، الذي يواجه عقوبة بالسجن في تونس، أمام القضاء التونسي بموجب قانون مكافحة الإرهاب اللادستوري الذي تطبقه البلاد منذ تاريخ إصداره في عام 2003. كما أن عائلته التي تجهل سبب و مكان اعتقاله تخشى أن يتعرض للتعذيب وسوء المعاملة كما تخشى أن يحاكم محاكمة غير عادلة وأن تسلط عليه أحكام جائرة بسبب ما يمكن أن يوجه إليه من تهم. وكانت إيطاليا قضت في عام 2003 بسجن علي التومي (أصيل مدينة مدنين، متزوج من إيطالية وأب لثلاثة أبناء) لمدة ست سنوات نافذة بتهمة “الانتماء إلى منظمة إرهابية” ومحاولة انتداب متطوعين للقتال في العراق. 3) نقل السجين السيد عدنان الحاجي إلى سجن المرناقية: تم مؤخرا نقل السجين السياسي السيد عدنان الحاجي من سجن القصرين إلى سجن المرناقية كما اضطرت عائلته لاستئجار مسكن بتونس العاصمة لتكون قريبة من السجين المذكور، ولا تزال دواعي هذا النقل مجهولة. 4) السجين الطيب بن عثمان يواصل إضرابه عن الطعام: يواصل السجين السياسي السيد الطيب بن عثمان إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الخامس عشر على التوالي للاحتجاج على المعاملة السيئة التي يتعرض لها من قبل إدارة سجن سيدي بوزيد وللمطالبة بإطلاق سراحه. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
قالت أن معاناته طالت و أن وضعه الصحي يتدهور بشدّة نداء عاجل لنجدة البروفيسور المنصف بن سالم لإستعادة حقوقه
السبيل أونلاين – تونس – خاص عبّرت لجنة الدفاع عن البروفيسور المنصف بن سالم ، الأكاديمي التونسي المعروف ، عن قلقها العميق من تدهور وضعه الصحّي . وأطلقت اللجنة نداء عاجل الى كل الباحثين الجامعيين والمثقفين ، وكل المدافعين عن حقوق الإنسان ، للتحرّك السريع والفاعل لنجدة البروفيسور المنصف بن سالم كي يستعيد حقوقه الأساسية وبالأساس العودة الى عمله بالجامعة التونسية والتنقل والسفر بكل حرّية . وقالت اللجنة في بيان صدر عنها باللغة الفرنسية اليوم الإربعاء 05 أوت 2009 ، تلقى السبيل أونلاين نسخة منه ، أن عالم الرياضيات يقاسي منذ 22 سنة متواصلة ، معاناة السجن والهرسلة البوليسية وإنتهاكات حقوقه الأساسية في الحياة ، فقد حُرم من الإلتحاق بعمله في الجامعة ، وعزل عن العالم الخارجي ، وهو ضحية ممارسات قميئة من جانب السلطات التونسية . وقالت اللجنة ان الدكتور بن سالم لم يستطع الإستمرار في علاج مشاكل بعينيه ، وهو يعاني ايضا من مرض السكري والذى بلغ قياسات مرتفعة ، كما يشكو من إرتفاع ضغط الدّم ، وقد أظهرت الفحوصات الطبية أنه يعاني من إضطرابات في نبضات القلب . وأعلنت اللجنة أن الدكتور بن سالم تلقى إتصالا خلال الفترة الأخيرة ، طُلب منه إلغاء الإشتراك في شبكة الإنترنت لأسباب إدعى المتصل أنه بن سالم يعرفها ، ولكن الدكتور رفض إلغاء الإشتراك ورغم ذلك وقع قطع خط الإنترنت عنه . وبخصوص طلب جواز السفر الذى قدّمه المنصف بن سالم بتاريخ 18 أفريل 2006 ، فقد منحته المحكمة الإدارية بتاريخ 15 جويلية 2009 ، حق الحصول على جوازه ولكن السلطة التونسية لم تسلمه وثيقة سفره ، ليجد نفسه مرّة أخرى محروما من أبسط الحقوق . وذكّرت لجنة الدفاع عن البروفيسور المنصف بن سالم ، أنه باحث في الرياضيات وله شهرة دولية ، مهندس متخرج من المدارس الفرنسية ، حاصل على دكتوراه الدولة في مجال الرياضيات ، مؤسس ومدير سابق لقسم الرياضيات في جامعة صفاقس ، محاضر ومستشار في جامعة ميشيغان في الرياضيات، محاضر في جامعة برلين في الرياضيات ، عضو بمركز الفيزياء النظرية بتريستا ، وباحث في جامعة الكويت . (المصدر : السبيل أونلاين ، بتاريخ 05 أوت 2009)
أطلقوا سراح جميع المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33، نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس: 71.340.860 البريد الإلكتروني: liberte.equite@gmail.com اعتقال اللاجئ السياسي السابق الدكتور أحمد العش تونس، في 12 رجب 1430 الموافق لـ 4 أوت 2009 بيــــان
اعتقل أعوان البوليس السياسي يوم الخميس 30 جويلية 2009 اللاجئ السياسي السابق بفرنسا الدكتور أحمد العش بعد عودته إلى أرض الوطن، وقد أحيل بعد ذلك إلى سجن المرناقية لوجود عدة أحكام غيابية صادرة ضده. وحرية وإنصاف 1) تدين بشدة اعتقال الدكتور أحمد العش وتعتبر أن الأحكام الصادرة ضده قد سقطت بالتقادم وتدعو السلطة إلى سن عفو تشريعي عام يضمن حق عودة التونسي إلى وطنه ويرفع المظالم ويعيد الحقوق إلى أهلها ويدخل بالبلاد في مرحلة جديدة ومتقدمة باتجاه احترام حق كل التونسيين والتونسيات في حرية التعبير والتنظم والمشاركة في الحياة العامة في إطار المساواة في الحقوق والواجبات. 2) تطالب بتوفير شروط العودة الكريمة والآمنة لكل المهجرين حتى تكون تونس لكل أبنائها شعارا وممارسة دون استثناء لأي طرف أو إقصاء لأي فكر. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس: الأستاذ محمد النوري
وفي انتظار طي هذه الصفحة الأليمة والمفجعة، ومع مطالبتنا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الدكتور أحمد العش وعن جميع المساجين السياسيين في تونس، ومع تأكيد تضامننا مع أفراد عائلته الكريمة في فرنسا وتونس، نعيد – للإنارة والتذكير ووضع النقاط على الحروف – نشر هذا المقال المهمّ الذي سبق للدكتور أحمد العش، وهو طبيب نفساني ومُعالج نفساني قدير أن وجّهه للرأي العام داخل تونس وخارجها عبر صفحات “تونس نيوز” في صيف عام 2008:
مقاربة نفسيّة للعلاقة بين السلطة والحركة الإسلامية في تونس معالم للخروج من سجن الخريطة المعرفيّة الواحدة (*)
بقلم: الدّكتور أحمد العش، طبيب نفساني ومعالج نفسي (مُعتقل حاليا في سجن المرناقية منذ وصوله إلى تونس من باريس يوم الخميس 30 جويلية 2009 عائدا إلى وطنه بعد غياب استمر أكثر من 20 عاما!!!) . لقد علّمتني تجربتي في العمل في المجال النّفسي منذ أكثر من ربع قرن بأنّ التّعامل مع البشر الآخر الذّي نريد أن نجري عليه تغييرا في تفكيره وفي عواطفه وسلوكه يعتمد أساسا على استعداد الطرف الآخر للتغيير والتّحوّل وعلى عامل الثّقة المتبادلة بين الطّرفين وأخيرا على قدرة المعالج وتجربته وخبرته في عمله ومعرفة كلّ عوامل التّأثير في النّفس البشرية. العلاج النفسي هو تخصص دقيق يهدف إلى تغيير الآخر ومساعدته على التخفيف من معاناته التي تسبب له قلقا لذاته ولغيره في علاقاته مع الآخر في البيت و في المجتمع. أما بالنسبة للشرط الأول وهو الاستعداد للتغيير ففيه درجات متعددة ·تبدأ بعدم إدراك الطرف المرشح للتغيير بأنه غير معني بذلك الأمر وذلك رغم معاناته الظاهرة وما يسببه سلوكه من معاناة للآخرين الذين هم في علاقة دائمة معه. ·الدرجة الثّانيّة هي درجة الاستعداد للتغيير وهي إحساسه بأنه يعيش مشكلا ما ولكن مرد ذلك إلى العالم الخارجي وليس إلى نفسه (الجن، الاستعمار، الزوج، الأطفال، النظام السياسي إلخ) . وبحسب قدرته على تأثيره على هذه العناصر الخارجية التي يعتقد أنها المفتاح لتغيير ما بنفسه، يمكن أن يحدث في نفسه تغييرا. ·الدرجة الثالثة هي الدرجة التي يبدأ منها الفرد بالإحساس بأن جزءا من مشاكله ربما قد يكون مردها إلى نفسه وفكره وطرق ممارسته وفهمه للناس والواقع، ولكنه لا يبدأ في التفكير في كيفية الخروج من هذا المشكل. ·الدرجة الرابعة وهي عندما يقتنع بأن جزءا كبيرا من مشكلته مرده إلى عوامل ذاتية وإنه قادر على التأثير على العوامل الخارجية إذا استطاع أن يصلح نفسه ويتعدى عوائقها. وأخيرا الشعور بأن الكيل قد طف وأنه لا يمكن لحياته أن تستمر بهذا الشكل، عند ذلك يبدأ يجتهد في البحث عن طريقة أو طرق ناجعة لتغيير نفسه. وبقدر تعقّد مشكل الفرد الداخلي الذي يريد إصلاحه بقدر ما تبوء الحلول التي يلجأ إليها إلى الفشل. إن نصيحة صديق أو أخ أو أب أو قراءة كتاب ومجلة قد تعين بعض الأفراد على تجاوز صعوباتهم ومشاكلهم النفسية وقد يملك الفرد لوحده من الذكاء والقدرة على الاستنباط والقدرة على الاستبطان وكذلك القدرة على اجتياز الصعوبة والإصرار والمضي قدما فيه حتى يتحقق التغير المنشود، ولكن في كثير من الحالات يبقى المصاب سجينا لعوائقه وصعوباته. يدخل هذا المصاب في أسلوب فاشل ومرّ لحلّ مشاكله إذ أنّه يهتدي إلى حلّ سرعان ما ينتبه إلى أنّ هذا الحلّ يرجعه إلى مربّعه الأول، ويبقى هذا “المهموم” يعيش ألما طيلة سنوات أو لربّما عشرات السّنين لأنّه أصبح حبيسا لخيار واحد لحلّ مشاكله وهذا الخيار الواحد لم يختره ولكن جاء بمحض “الصدفة “، إذ اكتشف أنّه بتطبيق حلّ سهل في البداية يمنحه راحة و اطمئنانا فهو يظنّ في كلّ مرّة أنّ هذا الاطمئنان هو نهائي وأنّ الألم لن يعاوده مرّة أخرى، ولكن بعد ذلك يكتشف أنّ المشكل المسبّب للألم يعاوده في كلّ مرّة لأنّه من طبيعة الحياة ويتجدّد بتجدّد هذه الحياة. ولكن بما أنه أصبح حبيسا لإستراتجيّة الحلّ الواحد وعدم القدرة على البحث على حلول أخرى، يبقى هذا المصاب يعاني هو ومن حوله طيلة سنوات عديدة .وقد تمتدّ الفترة الزمنيّة التّي ينتظر فيها مريض الوسواس القهري ثلاثين سنة قبل أن يراجع الطّبيب النّفسي. يبدأ مرض الوسواس القهري منذ الطفولة، ويشكّل إستراتجية المواجهة بالحلّ الواحد. عندئذ يبدأ المريض بسجن نفسه في أسلوب واحد ومحنّط وهو طفل ثمّ شابّ ثمّ ّكهل. بينما قد تكون مراجعة المختصّ منذ الطّفولة قد تغنيه من مرض سنوات عديدة. يمكنني ضرب أمثلة عديدة في وقوع عديد من البشر أو التّجمّعات البشريّة في نفس هذه الظروف. فحين تجابه هذه التّجمّعات صعوبات نفسيّة أو اجتماعية أو علائقية، فهي تنشئ لنفسها إستراتجية لحلّ هذه الصعوبات وتكتشف أن هذه الإستراتجية هي في الظاهر تريحها من الصعوبات والألم التي تواجهها، ولكن بعد ذلك تكتشف هذه التّجمّعات البشريّة أن الألم يتكرّر في كلّ مرّة بتكرّر المشاكل فتعود لاستعمال نفس الآلية والأسلوب المريح الذّي لا يكلّف شيئا كثيرا. وأن إستراتجيّة العلاج ناجحة ظاهريّا على المدى القريب ولكنّها في الأصل فاشلة على المدى البعيد. تلك هي آليّة و« ميكانيزم » المرض النفّسي المزمن عند البشر. نستطيع أن نأخذ لذلك عدّة أمثلة: 1 ـ الخجل الاجتماعي: في هذا المرض يشعر الفرد بضيق كبير وقلق قد يتطوّر إلى حالة الهلع و الكرب النّفسي حين يواجه مجموعة من النّاس لا يعرفها كما أنّه قد يفقد كلّ ملكاته في امتحاناته الشّفويّة أوحين يطلب منه أن يلقي كلمة أمام الملأ فيتلعثم وقد يظهر عليه تهتهة bégaiement)) إن الإستراتجية الأولى والسهلة التّي يعتمدها هذا الفرد هو الفرار و البعد عن كلّ الأماكن التّي قد تولّد هذا القلق فيلجأ إلى عمل لا يحتاج إلى اتّصال مباشر مع النّاس ، فتراه يتّجه إلى العمل في الإعلاميّة بشرط أن لا يكون على اتّصال بكثير من النّاس، ويحذر الامتحانات والحديث أمام النّاّس إلخ… إنّه يكتشف أنّه كلّما تفادى هذه المواقع شعر بالراحة ونقص قلقه وتوتّره فيؤسس في نفسه اعتقادا أن سبب قلقه هم الناّس والحالات التّي لا يرتاح إليها والتّجربة تعوّده أنّه كلّما تسلّح بهذا الأسلوب وهو الفرار، ارتاح ولم يشعر بالقلق ولكن في المقابل ينسى أنّ الإستراتجية الدّفاعيّة التّي تعوّد على استعمالها وهي إستراتجيته الوحيدة، هي العنصر الرّئيسي لاستمرار خوفه من النّاس ومن الامتحانات طيلة حياته وهو الهروب وعدم المواجهة . لذلك نقترح عليه كمعالجين إستراتجية المواجهة، مواجهة هذا الخوف. ولكن نسلّحه بكلّ الأدوات اللازمة لمواجهة هذا الخوف وذلك بإقناعه، أوّلا أنّ إستراتجيته في التغيير لم تفلح بل حبسته سنين طويلة في سجن الخجل الاجتماعي، ثانيا نعيد لنفسه الثّقة في قدراته الواعية الكامنة الظّاهرة والباطنة انطلاقا من تجاربه النّاجحة في ماضي حياته. 2 ـ الوسواس القهري: استمرار حالة المصاب بالوسواس القهري مردّه هو اسر المصاب نفسه في إستراتجية واحدة ظلّ عليها طيلة سنوات طويلة أبدت في الظاهر بعض النجاحات ولكنها فاشلة على المدى المتوسط و البعيد . لذلك ننصحه بمواجهة خوفه ومواجهة كلّ الأشياء التّي تولّد عنده قلقا وأفكارا وسواسية. ولكن ينبغي عليه أن يتنحى عن الإستراتجية الفاشلة التي استعملها طيلة حياته وهو الردّ على هذه الأفكار الوسواسيّة بأعمال متكرّرة قد تريحه في لحظتها ولكنّها تتكرّر بعد ذلك بمجرّد تعرّض الفرد للسياق الذي يثير عنده قلقا. ومثال وسوسة الصّلاة والوضوء عند المؤمن أفضل مثال لذلك فبقدر عودته للوضوء المتكرّر بقدر ما تعاوده الأفكار الوسواسيّة . 3ـ الاكتئاب: وهو من الأمراض الأكثر انتشارا في العالم. هذه الحالة النفسيّة التّي يفقد الفرد فيها الرّغبة في كل شيء يحبّه في الحياة. فالذّي كانت متعته في الصلاة لم تعد تثير عنده أيّ أحاسيس. والذّي كان الجماع الجنسي يثير عنده متعة كبرى لم يعد يرغب فيه، والذّي كان يتّقد حيويّة وحياة تصبح الحياة عنده لا شأن ولا معنى لها. في حالة الاكتئاب هذه يلجأ الفرد إلى حلّ جزء من مشكلته فيفشل وينتهي إلى خلاصة فكريّة بأنّه إذا فشل في هذه المرّة فلا فائدة في إعادة الكرّة فالنّتيجة معروفة مسبّقا.كما ورثنا في عصور الانحطاط، فالمثال يقول: ” شدّ مشومك لا يجيك ما أشوم منه”، “اللّي تعرفو خير من اللّي ما تعرفوش”. وأخيرا:” تقرأ أو ما تقراش المستقبل ما فمّاش”. هذه الشّعارات التّي أصّلت ورسّخت استراتجيّات الاكتئاب. يعبّر عنه ذلك بما يسمّى بالفشل المكتسب أو المتعلّم. فالمكتئب يكتسب و يتعلّم الفشل.وذلك أنّه جرّب أسلوبا أو إستراتجية لحلّ مشاكله . وجرّب ثانية وثالثة بنفس الطّريقة ونفس الأسلوب وبنفس النّظرة لنفسه و لغيره وللعالم، ولكن دون جدوى، المشكلة هي نفسها لم يتخلّص منها. فكان مآله الفشل. يمكن أن تقيس نفس الشيء على حالة الخوف والرّهاب من أيّ شيء . قد يعيش الفرد في معرض حياته صدمة معيّنة كمثل عضّة كلب في طفولته، فيصبح هذا الشّاب ينتابه الخوف كلّما رأى كلبا. مثال آخر: قد يوقد البخور لأوّل مرّة في موت أمّ الطفل فيصبح هذا الطّفل وحتّى بعد سنوات مرتعدا لمجرّد استنشاق البخور لأنّ ذلك يذكّره بالحادثة الأليمة. البخور هذه الرّائحة الطيّبة تصبح مصدرا للخوف والرّعب عنده وهو شّاب وبعد ذلك كهل. المشكل إذا ليس في الكلب ولا في البخور ولكن فيما يكتنف هذان العنصران من أحداث مفعمة بالآلام والاكتئاب .الإستراتجية المستعملة هنا هي الهروب من الشّيء المخيف وهي إستراتجية تثبّت المرض النّفسي . في العلاج النفّسي نهتدي بالطّفل شيئا فشيئا إلى مواجهة هذه الأشياء التّي تخيفه وذلك بأن يعيش هذه الأحداث مرّة أخرى في خياله ولكن بمشاعر مختلفة وخاصّة نشعره بأنّ له القدرة على ضبط هذه المشاعر وتوجيهها والتّأثير عليها. علّمتني تجربة ربع قرن من الزمن في العلاج النّفسي أنّ السّبب الرئيسي لأسر الإنسان لنفسه في مشكلة مزمنة هو أسر نفسه في إستراتجيّة واحدة لحلّ مشكلة ما . إنّ العلاج المعرفي هو أفضل وأهم العلاجات النفسيّة للاكتئاب يسعى إلى محاربة الأفكار السلبيّة التّي تولّد الإحباط ، وتغييرها بإستراتجيّة وأفكار أخرى. إنّ أزمة الذّّين لا يقدرون على استنباط أفكار وحلول واستراتجيات جديدة أنّهم حبيسون لما يسمّى بخارطة طريق معرفيّة مضطربة ولكنّها هي المحرّك الذّي يولّد في كلّ مرّة الاستراتجيّات الفاشلة لكلّ المشاكل المتشابهة . الخريطة المعرفية أو المنظومة الفكريّة: schéma cognitif تنشأ منذ الطفولة وتساهم التّربيّة إلى جانب الرّصيد البيولوجي والجيني في صقلها. هي المنظومة الفكريّة التّي يجيب بها كلّ فرد منّا حين تنتابه صعوبات. وهي عبارة عن درج يفتحه عقل الإنسان كلّما تعرّض لضغوطات في الحياة وهي مجموعة محدودة في العدد ولكنّها هي التّي تحدّد سلوكه مع نفسه ومع العالم. لقد حدّدها يونجYoung في بعض عشرات من الخرائط المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها (انظر بقيّة الخرائط). ضمن هذه الخرائط المعرفيّة قد يكتسب الفرد خريطة أو خرائط اختلّت وظيفتها فتسبّب له إعاقات كبيرة في الحياة، مثلا فكرة أنّ العالم الخارجي خطير، ويجب الحذر منه ( فكرة أني اقترفت ذنبا لا أدري ما هو ولا بدّ أن أكفّر عنه، وحياتي مرهونة بهذا الذّنب الوهمي الذّي أعيش به ولذلك ليس لديّ الحقّ في السعادة). من الخرائط المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها ، فكرة الخير المطلق والشرّ المطلق وأنّه ليس هناك البين بين، فكرة الشّعور الواعي بأنّ الفرد ليس محبوبا بل هو لا يستحقّ الحبّ وينجم عنه الشّعور بالهجران والضّياع والعزلة والوحدة. هذه الخرائط المعرفيّة ليست واعية ولكنّها محدّدة في تفكير وسلوك الفرد. إنّ شعور رئيس جمعيّة أو حزب حين لا يقع انتخابه مرّة أخرى، بالغبن والعزلة والنّقص لهو يعبّر عن هذه الخرائط المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها والتّي يحيى بها هذا الرّئيس. فهو لا يتصور عودته كرجل عادي وطبيعي إلى جمعيّته أو حزبه،(كما رأينا عودة شيراك مثلا إلى شقّته بعد اثنا عشرة سنة حكم فيها خامس أكبر دولة في العالم)، وذلك لأنّه يحمل الخريطة المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها ألا وهي:”لا يمكن لأحد غيري أن يكون رئيسا”. يمكن أن نجد ذلك في العلاقات الزّوجيّة: فكثير من الخلافات الزّوجيّة وحتّى العائليّة هي ناتجة عن أسر الإنسان لنفسه في خريطة معرفيّة واحدة في أغلب الأحيان تكون مختلّة. حين يدخل الزّوج بيته، وتلاحظ الزوجة ملامح الغضب أو الامتعاض، إذا كانت هذه الزّوجة أسيرة لخريطة معرفيّة واحدة فهي ستقول أنّه غاضب عنّي ومعاتبي. أمّا إذا لم تكن أسيرة هذه المنظومة المتواترة والتّي تقيّم بها ملامح النّاس وسلوكهم وحتّى أقوالهم فهي قد تقول مثلا لا بدّ أنّ هناك من أغضبه في العمل أو ربّما من جهل عليه في الطّريق أو ربّما أتعبه العمل الشّاق طيلة اليوم، أو أنّ هناك تغيّر كامل في برنامج يومه إلخ … هذه امرأة ليست حبيسة الخريطة المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها. إن الخطر الكبير في انحباس الفرد في خريطة معرفيّة واحدة يفسّر بها كلّ أقوال النّاس وملامحهم ومشاعرهم قد يؤدّي به إلى المواجهة والعنف والكراهيّة وربّما حتّى الحقد. كيف ذلك؟ حين تقول هذه الزّوجة بينها وبين نفسها أنّ زوجي غاضب عنّي، في حين أنّي مسخرّة كلّ جهدي له ولأولاده، ولن يتوقّف ذلك الأمر عند هذا الحدّ ولكن ستستنتج استنتاجات خاطئة فتقول في نفسها: « إنّ هذا الرّجل أناني لا يرى إلاّ مصلحته»، وقد تتذكّر أحداث تزيد دعمها لهذا الموقف فتزداد غيضا وتقول:« إذا هو يكرهني ويريد فنائي فسأسبق بالهجوم قبل هجومه سأضربه أو أصفعه أو أهجره». كيف ينشأ الاختلال الوظيفي في الخريطة المعرفيّة؟ يمكن أن نقيس هذه الإستراتجيّة على مستوى العلاقات العائليّة: فالطفل الذي يعيش وسط بيئة عائليّة فيها كثيرا من الخلافات أو شقاق بين الأبوين، يتّّّذكّر في كلّ مرّة أمّه تقول: « لولاك لطلبت الطّلاق من زمن بعيد فأستريح من هذا العذاب». هذا الكلام يشعر الطّفل بالذنب وأنّ سبب شقاء أمّه أو أبيه هو وجوده. وهذا الشّعور بالذّنب قد يرافقه طيلة حياته. هكذا تؤسّس عند الطّفل هذه الخريطة المعرفيّة وهي أنّ وجوده داخل مجموعة يسبّب لها الشّقاء،عند ذلك يمتهن نفسه ويحقرها ويرضى بكلّ ما هو دوني في الحياة. وفي بيئته سيقدّم نفسه قربانا لهذه العائلة. سيكون هو الشّمّاعة التّي يعلّق عليها كلّ فشل واضطراب داخل العائلة. هذا الطّفل سيصبح أسيرا لهذه الخارطة المعرفيّة من نعومة أظفاره ويعيد تجديدها في علاقته الزّوجيّة والمهنيّة وحتّى مع أصدقائه وداخل المجموعات التّي يعيش وينضوي إليها. هذا الطّفل لا يستطيع أن يوجد لنفسه مكانة داخل مجموعة من أنداده نظرا لأنّ الخريطة المعرفيّة التّي أسّسها بطريقة غير واعيّة دعّمت له الفكرة التّالية « إنّني لا أستحقّ أن أكون بشرا نظرا لأنّّني سبب شقاء الآخرين». داخل العائلة الواحدة: يلعب الاختلال الوظيفي في الخريطة المعرفيّة دورا كبيرا في تفكيك الأسر وإيجاد الخلافات وحتّى العنف العائلي. تصوّروا أنّ أبا يعيش بخريطة معرفيّة اختلّت وظيفتها وقد سبق أن ذكرناها وهو أنّ العالم الخارجي عالم خطير. هذا الأب سيسجن عائلته طيلة حياته داخل هذه الخريطة، وبالتّالي داخل البيت فلن يجرأ على بناء علاقات خارجيّة مع الناّس لأنّ هؤلاء خطرون ويمكن أن يؤذوه في كلّ لحظة.تنغلق هذه العائلة على نفسها وتفتح أكبر باب على مصراعيه للعنف الدّاخلي والإهمال ولزنا المحارم تلك هي العائلات التي استطاعت الخريطة المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها عند ربّ البيت أن ينشرها في بيته وهي أن العالم الخارجي خطير. في ظنّي يمكن أن نوسع هذه النّظريّة لتشمل التّجمعات البشريّة والتنظيمات والعلاقة بين الأفراد داخل المجتمع والعلاقة بين المؤسّسات والمجتمع والعلاقة بين الحاكم والمحكوم. في التّنظيمات البشريّة: قد يتسلّل إلى هذه التنظيمات أشخاص خطرون للقيادة. والسلطة بطبعها تجتذب نوعيّة خاصّة من النّاس. فهي تجذب النّاس الذّين لهم رغبة بالحضور والتأثير والسيطرة بالعنف والكراهيّة وحتّى القتل. هذه الشّخصيّات التي تتسلّل للقيادة تملك في الظاهر قدرات كبرى في التّنفيذ والتنظيم. كما أنّه قد يهبها الله جسما وهامة ووجها جذّابا مع قدرة بالغة تجعله قادرا على سلب عقول النّاس ولكنّه سلب بأتمّ معنى الكلمة لأنّه يستعمل طرقا عدّة للتأثير على النّاس قد تصل إلى أساليب تشابه التّنويم كنبرة الصوت واعتماد الضّبابيّة في الكلام حينا إلخ. هذه الشّخصيّات لها ثقة كبيرة في نفسها ولكنّها ثقة مبالغ فيها، ثقة تبهر النّاس وخاصّة الذين يشعرون بعدم اكتمال الثقة في نفوسهم. هذه الشّخصيّات قادرة على تحريك عواطف ومشاعر النّاس بسهولة كبرى ولكن للأسف الشّديد هذا الوجه البرّاق في هذه الشّخصيّات يحجب عن النّاس مواطن ضعف كبرى في هؤلاء. فحبّهم للقيادة وحرصهم عليها ومتطلّبات شخصيّاتهم النّرجسيّة أو«paranoïaque » «الزّوريّة» لا يمكن لها أن تقف بهم عند هذا الحد ، وإذا كان من سوء طالع النّاس أن يكتشفوا الوجه القبيح في قيادتهم فإنه سيكون متأخّرا ، لأنّ هذا الأخير قد ضغط على زرّ آلات الاختلال الوظيفي في الخريطة المعرفيّة وهي التّالية: · أنا الأفضل وأنا الأجدر بالاحترام. · النّقد لتصرّفاتي يعني أنّني لست في المستوى. · ينتهي بعد ذلك بتصفية منافسيه معنويّا أو جسديّا. إنّ القائد الذّي يحيى باختلال وظيفي في الخريطة المعرفيّة أيّا كانت رؤيته لنفسه أو لغيره أو للعالم ، يقنع بها تنظيمه داخل هذه المجموعة فيحيون أسرى في ظلال هذه الخريطة سنوات طويلة. كربّ البيت الذّي يعيش باختلال وظيفي في الخريطة المعرفيّة كفكرة أنّ العالم الخارجي خطير يكرّس خطّا كاملا لحياته الأسريّة وأبنائه طيلة سنوات، ضمن هذه الخريطة بأسر كلّ أفراد العائلة داخلها. حين يشتبك المقدّس بالمدنّس أو المطلق بالخاص: الأخطر من ذلك داخل التّنظيمات حين يتشابك فيها الجانب السّياسي والجانب الدّيني. ففي المخيال الجماعي للمسلمين قائدهم السّياسي هو قائدهم الدّيني، وقائدهم في المسجد هو قائدهم في الدّولة. هذا الخلط يجعل وضع التنظيمات السّياسيّة الإسلامية متشعّبا لأنّ السّياسة عمل اجتهادي يمكن أن يخطأ فيه الفرد أو يصيب. وهو ليس حكرا على أحد. كلّ مهتمّ بالسّياسة يمكن أن يتدرّج إلى مناصب عليا. انظر مثلا الوزير الأوّل السّابق لفرنسوا ميتران انحدر من عائلة مهاجرة وكان يشتغل عاملا في إحدى المصانع. أمّا القائد الدّيني فهو يصبح مربّيا فلذلك يكسو نفسه عباءة القدسيّة والهيمنة والوقار فبذلك يصبح من الصعب مناقشته بكلّ صرامة وانتقاده بشدّة نظرا لأنّه من المفروض يمثّل السّموّ نحو كمال الخلق والرّفعة. الجمع بين الصّنفين هو في نظري أبّد قيادات الحركة الإسلامية. العمل السّياسي هو عمل اجتهادي بشري يمكن أن يخطأ فيه أيّ بشر مهما كان ذكاؤه ومهما كانت مواهبه والعمل التّربوي عمل يعطي لصاحبه والقائم عليه مكانة متميّزة بين صفوف التّنظيمات الإسلاميّة، ويجعله عملا ينزع منزع المتنزه عن الخطأ. لذلك يصبح نقد الرئيس السّياسي والمربّي في آن واحد أكثر صعوبة من نقد القائد السّياسي فقط. في اعتقادي أنّ العمل في مجال التّربيّة والثّقافة هو ليس من صلاحيات رئيس الحزب السّياسي، فمهمّة التربية يقوم عليها كثير من المختصّين، فالتّربيّة مجال شاسع يجب أن تتضافر فيه جهود الكثير من الاختصاصات. وفي الحقيقة يمكن أن يكون كلّ فرد داخل تنظيم هو مربّ لنفسه ولغيره. كلّ هذه الخاصيّات تجعل امتلاك قائد التّنظيم لخريطة معرفيّة اختلّت وظيفتها خاصّة داخل التنظيمات الإسلاميّة التّي يتداخل فيها الدّين بالسّياسي والسّياسي بالدّين والمطلق مع النّسبي والنّسبي مع المطلق يشكّل خطرا على المجموعة بأكملها،خاصّة داخل تنظيمات يجمع فيها القائد بأقوى سلطانين الدّيني والسّياسي. إنّ أسر القائد لنفسه في خريطة معرفيّة واحدة قد اختلّت وظيفتها عن نفسه وعن الغير وعن المجموعات البشريّة يجعل هذه المجموعة تدور في حلقة مفرغة طيلة سنوات نظرا لأنّها ظلّت حبيسة لهذه الخريطة المعرفيّة اللاواعيّة لقائدها . أردت بهذه المقدّمة أن أبيّن للقارئ الأداة العلميّة التّي استعملها في قراءتي للسلوك البشري سواء كان فردا أو زوجا أو عائلة أو مجموعة صغيرة أو تنظيما أو حتّى دولا. وهي في اعتقادي أن أسر الفرد نفسه في خريطة معرفيّة واحدة يفسّر بها حالته النفسيّة والعلاقات البشريّة وسير المجموعات الإنسانية هو أسلوب محنّط وهذا الأسلوب هو الذّي يجعله يكرّر الفشل في تجاربه مع هذه الدّوائر البشريّة. كيف يعالج المعالج النّفسي هذا الاختلال الوظيفي في الخريطة المعرفيّة عند الغير؟ يعتمد المعالج في ذلك على المراحل التّاليّة: 1) إنّ أوّل مرحلة هي أن يكتشف “المصاب” أو”المعاق” أو “المريض” الاختلال الكامن في ذهنه والذّي أعاقه طيلة سنوات عديدة، وجعله يكرّر التّجارب الفاشلة في حياته طالما هو يحافظ على هذا الاختلال. وقد يكتشف خللا وظيفيّا في واحدة أو أكثر من هذه الخرائط المعرفيّة. وللوصول إلى ذلك هناك تقنيّات. 2) في مرحلة ثانية نطلب من المريض تعليل هذه الخريطة المعرفيّة التّي اختلت وظيفتها وفهمها، وذلك بالعودة إلى التّجارب الطويلة في حياته ابتداء من طفولته وتربيته وتاريخ والديه وأجداده وربّما قبيلته. كلّ ذلك ساهم في دعم وتثبيت تلك الخريطة المعرفيّة. كيفيّة تغيير الاختلال الوظيفي في الخريطة المعرفيّة؟ تنقسم الخرائط المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها إلى نوعين: نوع يمكن تغييره تماما، وذلك بممارسة عكس ما تقتضيه هذه الخريطة المعرفيّة. فإذا افترضنا أنّ هذه الخريطة مفادها أن نوعا من البشر هو سيّء كان عصيان هذه الخريطة يعنى التّعامل مع هذا الصنف البشري الذي تحذّر منه تلك الخريطة. . وهناك من الخرائط المعرفيّة التّي لا يمكن عصيانها ولا تعديلها ولكن يتأقلم الفرد معها وذلك بأن يعيش في ظلّ هذه الخريطة بأقل ألم. فالذّي يعتقد في خريطته المعرفيّة أن الحياة خارج وطنه عذاب وألم يمكن له أن يعيش خارج وطنه ويغيّر مشاعره بالتّأقلم مع واقعه الجديد. هذا النّوع من التّغيير يخصّ الخريطة المعرفيّة الثّابتة التّي لا يمكن زحزحتها في أغلب الأحيان فالذي هو مضطرّ بأن يعيش تحت سقف عائلة ليس له غيرها كذلك بالنسبة للذّي ليس له وطن آخر يعيش تحت ظلّه. هذا يعني أن البشر قد أودع فيه خالقه قدرة على التّأقلم سريعا. ولكن قبل أن نشرع في إشكال التّغيير لهذه الخرائط ، يبدأ المعالج النّفسي بهزّ القناعات عند الفرد الذي اقتنع بهذه الخريطة المعرفيّة من زمن طويل، كأن يسائله عن إيجابيّاتها وسلبيّاتها ، وماذا قدّمت له من خير وشرّ طيلة حياته، وماذا يمكن أن يجد كبديل آخر لهذا التّفكير. ويشرع المعالج في تسيير أمثلة متعدّدة ومتنوّعة، الغرض منها أن يبحث للمصاب عن نفسه عن حلول أخرى واستراتجيّات أخرى خرائط معرفيّة أخرى غير التّي تعوّد عليها طيلة سنوات طويلة. يمكن أن نستدلّ بالقرآن الكريم في تعبير يعقوب عليه السّلام حين نصح أبناءه بأن لا يدخلوا من باب واحد ولكن من أبواب متفرّقة، وماذا يمكن أن نجد كدليل آخر لهذه الفكرة. أسئلة تجبر المصاب لكي يعمل عقله مرارا لكي يشكّ في البداية عن مدى وجدوى إستراتجيته وحلوله ثمّ نساعده عن البحث عن حلول وإيجاد استراتيجيّات أخرى عندما يحابه مشاكل وصعوبات. إنّ عملي كطبيب نفسي منذ سنوات طويلة مع المستعصيّة عليهم مشاكلهم بدعوتهم إلى التّخلّي عن الحلول التّي جرّبوها طيلة سنوات ولم تفلح وأبقتهم في مكانهم وانغلقوا على أنفسهم ولم يتقدّموا خطوات إلى الأمام إذا لم أقل أنّ هذه الحلول قد جرت عليهم الويلات. هذا العمل هو مركزيّ لكلّ طبيب معالج للنّفس البشريّة. هو أن تقول للنّاس تخلّوا عن الحلول التّي جرّبتموها طويلا ولم تقدّمكم، هذه الحلول التّي أوهمتهم أنفسهم أنّها حلول.هذه الحلول التّي تختزن إستراتجية واحدة لا غير وخريطة معرفيّة واحدة قد اختلّت وظيفتها كيف يمكن أن ننزّل ذلك على إشكالية العلاقة بين السلطة والحركة؟ إنّني بهذا الجهد أردت أن أهزّّ بعض القناعات عند النّاس وأردت بهذه الأدوات التّي أكرمني اللّه بها وعلّمني إيّاها منذ عشرات السّنين وهذه التّجربة التّي توفّرت لي وأن أساعد النّاس على تخفيف أو تجاوز مشاكلهم. أردت أن أساهم في حلّ معضلة العلاقة بين الحركة والسلطة في تونس. لقد انتسبت إلى الحركة الإسلاميّة منذ نعومة أظافري وأنا في السّادسة عشرة من عمري وكنت من السّابقين لهذا المنبر لأنّه في مشروع الحركة مشروعا إصلاحيّا للبلاد والعباد. واعتقدت أنّه بإمكاننا أن نقدّم شيئا لهذه البلاد من خلفيّتنا الإسلاميّة. وأذكر أنّه في بداية السّبعينات اجتذبت الحركة خيرة أبناء تونس. كنت أذكر أنّ الأوائل في كلّ الصّفوف العلميّة والأدبية كانوا منضمّين إلى الحركة في ذلك الوقت. اجتذبت الحركة ألمع وأذكى خيرة أهل البلاد، وحتّى إذا لم يمكن الفرد في الحركة لامعا في التّحصيل العلمي، تجده أفضل فرد داخل أسرته فهو أفضلهم خلقا وأكثرهم حلما وأشدّهم شعورا بالمسؤوليّة. وقدّر الله أن أعيش زمنا طويلا في الحركة في البلاد عايشت فيها تقلّبات فكريّة وسياسيّة متعدّدة وكانت الصدمة الأولى في حياتي هو اعتقالي من الجامعة على إثر تجمّع داخل الحرم الجامعي وكنت في ذلك الوقت أول طالب إسلامي يعتقل في ديسمبر1979. وتمّ تجنيدي قسرا بعد ذلك إلى جهة نائية في البلاد طيلة سنة ولكن من فضل الله قد تمكنت من العودة لمواصلة الدراسة في كليّة الطبّ بعد عام واحد. إنّ الفتنة الفكريّة التّي مرّت بها الحركة سنة 1981 وخاصّة في الجامعة جعلتني آخذ مسافة عن الحركة نظرا لأنّه لم يعد هناك ثوابت ترتكز عليها الحركة. عدت بعدها إلى الحركة من جديد في أواخر 1985 حين أفرج على المساجين وانتعشت الحركة فترة من الزّمن. غادرت تونس في 1987 لمواصلة اختصاصي في الطبّ، في ذالك الحين بدأت البلاد تدخل في دوّامة الصّراع على الخلافة. ومنذ ذلك الزمن، وأنا مهجّر، أتابع أحداث البلاد عن كثب والتّطوّرات التّي مرّت بها الحركة. أستطيع أن أقول أنّني أمضيت من عمري في الحركة و في المهجر أكثر بكثير ممّا أمضيته في الدّاخل. عشت انعكاسات أحداث 1987 ـ 1991 على أبناء الحركة في الخارج و في الدّاخل وذلك من أصداء ما تواتر عن أخبار البلاد. لم أكن أظنّ أنّه في يوم من الأيام سأعيش هذه الفترة الطّويلة من الزّمن منقطعا تماما عن بلادي ورائحة حقولها ومزارعها وسمائها الزرقاء. مضت سنين طويلة ومات العديد من الأهل والأقارب والأصدقاء ولم نهنأ بأن نلقى النّظرة الأخيرة عليهم. مرّت السّنين وحرمنا من أن نرى أبناء أهالينا يكبرون أمامنا ويستمتعون بقصص وتجارب خالهم أو عمّهم أو أخيهم أو قريبهم. لم أكن أظنّ في يوم من الأيّام أن الحركة وتونس ستعيشان مثل هذه المأساة الكبرى في تاريخهما، قتل العشرات ، سجن عشرات الآلاف عاشوا القهر والظلم والتعذيب بكلّ أصنافه (راجع كتاب الإنسان المهدور والإنسان المقهور لمصطفى حجازي). مات من مات في السّجن ومات الكثيرون بعد خروجهم من السّجن وخرج المئات بإعاقات جسميّة ونفسيّة وذهنيّة. تشتّت كثير من العائلات، ذاق الأطفال والعائلات والنّساء الويلات. كانت تصلنا التّقارير عن الدّاخل ومن منظمات حقوقيّة عالميّة وكنّا لا نصدّق ما يقع في بلادنا إلى أيّ حدّ يفعل الإنسان بأخيه الإنسان. أذكر أنّني كنت وأنا في الخامسة عشر من عمري أتصفّح مجلّة المجتمع التّي تروي قصص مروعة عن النّاس الذين خرجوا من سجون مصر، بعد عشرين سنة من السّجن. لم أكن أتخيّل أنّنا سنعيش ما كنّا نقرأه في الصّحف منذ عشرين سنة أو أكثر. كان يخيّل إليّ أن هذا العهد قد ولّى ويجب ألاّ يعود إلى الأبد. أذكر كذلك وقد كنّا نعتمر في سنة 1981 مع مجموعة من الإخوة الذين كانوا مطلوبين للقضاء بتهمة الانتماء للحركة. كان أحدهم يهمّ بالعودة إلى تونس فأعترض له الشّيخ عبد الله عزّام رحمه الله وقال له:« لا ترجع أبدا يا أخي يجب أن تنتهي مهزلة أخيك في الله سبعة عشر أو عشرون سنة سجنا». وعدل هذا الأخ عن فكرته، وإذا بنا نحن نعيش ما اعتبره الشّيخ رحمه الله مهزلة. لم أكن أقرأ تلك التّقارير فقط ولكنّي شاهدت عيّنات كثيرة من اللاّجئين السّياسيّين التّونسيّين وقد أصابتهم عديد من حالات القلق النّفسي والاكتئاب وهم يكتمون آلامهم موكّلين أمرهم لله ولم يراجعوا أطبّاء نفسانيّين. هناك من أصابته أمراض أدّت بحياته كالسّرطان لم يعد إلى وطنه إلاّ مكفنّا. وهناك من بقي سنوات يطوف في أرجاء الأرض الواسعة باحثا عن مكان آمن، فلم يفلح إلاّ بعد أكثر من عشر سنوات بعد أن أغلقت في وجهه العديد من أبواب بلدان العالم. المأساة النّفسيّة للاجئين السّياسيّين التونسيين لم يكتب عنها إلاّ القليل. انظر إلى مقال كتبته في مجلّة” رؤى” عن سيكولوجيّة التّهجير. لقد عاش الكثير من أبناء الحركة في المهجر فترة اكتئاب طويلة لم يخرجوا منها إلاّ بعد خمس سنوات على الأقلّ بقوا يراوحون أنفسهم في مكانهم يتراشقون التّهم ويبكون حظّهم وشعورهم بالذّنب تجاه أصدقائهم الذّين تركوا لهم ساحة الويلات فبقوا يعانون الأمرّين. لقد كان الحوار خلال تقويم 1995 هو الذي أخرج جلّ أبناء الحركة من هذا الاكتئاب الجماعي الذي ظلّ فيه أغلبهم فترة أربعة إلى خمسة سنوات، كانت سنوات النّظر والتّأمل في الذّات وأحسب أنّ فترة الاكتئاب كانت طويلة وفوّتت علينا فرصا عديدة. أنا لا أشكّ أن أغلب أبناء الحركة كانت لهم ظروف ماديّة وإدارية صعبة ولكن كلّ ذلك لا يبرّر طول هذا الاكتئاب.فوّتنا على أنفسنا مشاريع إستراتجية كان يمكن لنا أن نفكّر فيها ونبنيها . هذه المشاريع إلى يومنا هذا لم يشرع في التّفكير فيها، هذه المشاريع التّي يمكن أن نخدم بها ليس الحركة ولكن بلادنا تونس. هذه المشاريع هي الإسهام الحقيقي في مشروع تقدّم الإسلام قي الغرب. الاندماج الفاعل في مواطن الغرب. العلاقات الأكاديمية السّياسيّة. المشاريع التّجاريّة… قلت ولازلت أقول أن طول مدّة المحنة في تونس والتّفكير فيها والتّعامل معها بنفس الخريطة المعرفيّة التّي اختلّت وظيفتها، وقد تكلّمت عن خاصيّتها، جعلتنا لا نسرع في إيجاد حلّ لهذه المعضلة. منذ عشرين سنة والخطاب السّياسي السائد هو ” ترقبوا الانفجار الاجتماعي في تونس”، “هذا النّظام عمره قصير”، لا أبالغ إن قلت أنّ هذا الخطاب السّياسي ساد منذ أكثر من ربع قرن فلم يزد إلاّ من عزلتنا واستطاعت هذه الأنظمة أن تجدّد نفسها من الدّاخل وتعيش طيلة سنوات. ووقعت انفجارات اجتماعيّة في السّنوات التّالية:1976، 1978،1981، 1984، 1987، 1991، 2006، ولكن وقع تطويقها والحدّ من أضرارها وتغيّرت وجوه في القيادة السّياسيّة ولكن ظلّ النّظام قائما على سياسته ومنهجيّته ولم يتغيّر فيه شيء. الكثير راهن على الغرب لكي يساعدنا على نشر الدّيمقراطيّة فإذا به ينجز أسوء مثال لكي نكره مشاريع الدّيمقراطيّة للغرب في بلادنا. وبقينا ننتظر الانفجار الاجتماعي أو الثّورة الشّعبيّة ولكنّه لم يتحقّق أيّ شيء من ذلك، بل بالعكس خسرت تونس وأبناءها أجيالا كاملة من المثقّفين والعلماء والطّاقات الهائلة. خسرت تونس عددا كبيرا من أفذاذها الذّين أمضوا سنوات طويلة في السّجن، أو على قارعة الطّرقات وخسرت تونس كذلك عددا كبيرا من مفكّريها وطاقاتها في الخارج الذّين أصبحوا يمتهنون المهن اليدويّة أو التّجاريّة لكي تدرّ عليهم أرباحا لكي يقتاتون بها. فصل عن تونس عدد كبير من أبنائها وأبناء أبنائها وتربوا في بيوت أخرى يعانون الأمرّين لكي يجدوا لأنفسهم موقعا وموطأ ومستقبلا فيها. صحيح أنّ هذا الواقع لا يختلف كثيرا عن واقع كثير من البلدان العربية مع بعض التّحفظ، فتجربة الإسلاميّين في اليمن والمغرب، والسّودان والكويت والأردن وغيرها لم تكن بهذا العنف وهذه الجراح الكثيرة. إنّ الآثار النّفسيّة والاجتماعية والاقتصادية ستبقى عالقة ما لم تتمّ مصالحة حقيقيّة في البلاد. ما هي التّوجّهات الفكريّة الآن داخل الحركة في المهجر؟ في الحركة – وفي المهجر بالذات- توجد الآن وجهتان وتيّاران في ظنّي متباينَين: تيّار يؤمن بأنّ المصالحة تأتي بالمغالبة والضّغط والاحتجاج الشّعبي. وتيّار يؤمن بمدّ الجسور مع السّلطة والتّنازل عن بعض حقوق الحركة وإمكانيّة العمل السّياسي والثّقافي في السّقف الذي تحدّده السّلطة الآن. التيّار الأول هو الذي ساد طيلة عشرين سنة، بقيت الأفراد تنتظر طيلة هذه المدّة الانفجار الاجتماعي في تونس وتنتظر الثورة داخل البلاد. بقي هذا التيّار سلبيا جدّا إزاء السلطة، مستحضرا ما أصاب الحركة من ويلات ومؤمنا بأنّ هذا النّظام لا يصلح ولن يصلح. هذا التيّار يؤمن بالحلّ الشّامل لمشكلة الحركة في إطار حلّ سياسي، بينما يعتقد التّيار الثاني أن الحلول الجزئيّة قد تؤدّي إلى حلّ كامل أو شبه كامل .تيّار المغالية والممانعة تيّار في اعتقادي أقلّ من التيّار الثاني رغم أنّه يمثّل الخطاب الرّسمي للحركة كما أن هذا التيّار يعمل على كبح جماح الرؤية الثّانية إن لم نقل يحاول تكميمها. التّيّار الثّاني يؤمن بالحلول المتدرّجة وإمكانية التّنازل المؤقّت عن بعض حقوق الحركة، في ظنّي أنّ هناك كثير من أبناء الحركة لم يقولوا كلمتهم بوضوح في هذا الموضوع . إنّي أعتقد أنّ الحركة أخطأت منذ زمن طويل حين اعتمدت منهج الوفاق” المغشوش” لمحاولة جمع أفكار متناقضة أدّت في الآخر إلى فشل ذريع ومآلات خطيرة . منهج الوفاق “المغشوش” لن يخدم الحركة ولن يقدّمها. إنّ محاولة العمل على جمع المتناقضات في بعض الأحيان ومحاولة التّحرّك في كلّ المجالات هو فكر خاطئ يجب مراجعته.ما ضرّ أن تكون هنا حركات إسلاميّة ما ضرّ أن تكون هناك حركات سياسيّة إسلاميّة متنوّعة؟ ما ضرّ أن تترك الحريّة للتّونسيّين جميعا للانخراط في أيّ حزب سياسي بما فيه الحزب الحاكم؟ إلى متى تبقى الحركة هي حركة الثّقافة و الدعوة والنّقابة والسّياسة والفكر والفنّ والعلم؟ ما ضرّ أن يكون هناك حزبا سياسيا على شاكلة حزب حركة المجتمع من أجل السّلم؟ دع النّاس يختارون بحريّة. لمَ لا يكون لنا نحناح رحمه الله وعبّاس مدني وجاء باللّه؟ إنّ الخارطة المعرفيّة التّي سادت الحركة طيلة أكثر من عشرين سنة هي الخارطة التّي اختلّت وظيفتها وهي التّي تعتقد أن هذا النّظام لا مجال للحوار معه ومحاورته. في الحزب الحاكم أناس وطنيّون ومخلصون اختاروا الإصلاح ضمن ذلك الإطار رغم علمهم بكثير من الفساد داخل الدولة. في أجهزة الدّولة والمؤسّسات هناك كثير من الخيّرون والأفاضل قابضون على الجمر يعملون من أجل الوطن. هناك إطارات علميّة ومهنيّة وغيرها مخلصة وصادقة تعمل بجدّ وإخلاص لا يمكن لنا أن نقطع بالقول بأنّ كلّ ما فعل في تونس هو سيّئ وخراب. لم يهاجر إلى الخارج الآلاف من الأطبّاء التونسيين كما هاجروا من سوريا والجزائر والعراق. لقد انتابني ألم شديد لما علمت أنّ عدد الأطبّاء الجزائريين والسوريين قد يبلغ 10000 طبيب فضلا عن كلّ أصحاب الشّهادات الأخرى. يحضرني في هذا المقام ملاحظة دوّنتها عالمة النّفس الشّيليّة “أنّا فاسكاس”، تلك الأستاذة الجامعيّة التّي هاجرت من موطنها الشّيلي في ظلّ دكتاتوريّة “بينوشي” . هذه العالمة عاشت فترة من الزّمن في أوروبا تدرس الانعكاسات النفّسيّة للتهجير على أبناء وطنها. هذه المرأة قابلت في يوم من الأيّام بعد سنوات عديدة من التهجير امرأة في مقتبل عمرها فسألتها من أيّ بلد هي وأين تعمل فأجابتها بأنّها من تلاميذها، درست عندها. وهي الآن أستاذة جامعيّة بنفس الجامعة التّي غادرتها منذ سنوات. علّقت” أنّا فاسكاس” على هذه الحادثة قائلة تلك هي السّلطة الحقيقية التّي تلاشت بين أيدينا نحن اليساريّون في الشّيلي. لقد عملنا طيلة سنوات لنكسب رهان السّلطة فخسرناها وغبنا عن كلّ مواقع القرار والتّنفيذ وعشنا مهاجرين في أطراف العالم نبحث عن مواقع لنا بينما نسينا أنّ أكبر سلطة وأكبر تأثير هو تواجد كلّ فرد في موقعه في بلده الأستاذ الجامعي في جامعته والمعلّم في مدرسته والعالم في مصنعه… لم تقع في تونس مواجهات دمويّة قتلت عشرات الآلاف من النّاس وأحرقت الأشجار والغابات .لم يؤل الإسلام في تونس كما آل إليه الإسلام في روسيا أو تركيا في عهد أتاتورك. هناك مؤشّرات على تقدّم اقتصادي رغم أنّه يشوبه خلل. سمح لجمعيّات حقوقيّة بالنّشاط داخل البلاد، أعفي على العديد من المساجين رغم أنّها كانت خطوة متأخّرة. هذه الخريطة المعرفيّة المختلّة الوظيفة صاحبتنا طيلة عشرات السّنين، وفي كلّ مرّة نجابه المشاكل بنفس آليتها وحلولها ولكنّها فشلت. لم تعد تونس تحتمل تواصل هذه المأساة. يجب أن تبقى تونس لكلّ التّونسيّين باختلاف توجّهاتهم الفكريّة. يجب رفع شعار: (لا مجال لتكرّر هذه المأساة مرّة ثانية) « Plus jamais ça » لن نسمح العودة إلى هذا الماضي الذي ذهب ضحيّته جيل كامل أهدر طاقته وخلف آثارا سلبيّة على الأجيال المقبلة. لقد قلنا أنّه يجب أن نسعى جادّين وبدون تردّد وبكلّ قوّة نحو المصالحة ونحو مدّ الجسور للحوار مع السّلطة. لا بدّ لنا أن نعترف بأخطائنا في مواقع عدّة في عملنا ويشفع لنا أنّنا كنّا مخلصين لم نتورّط في قضايا خطيرة لم تطلق الحركة ولو رصاصة على جندي. تقييم الحركة سنة 1995جيّد ولكنّه يجب أن يضاف إليه أشياء أخرى تتضمّن رؤيتنا المستقبليّة لموقع الحركة في البلاد. كيف ستكون؟ هل على شكل جمعيّة ثقافيّة أو غيرها؟ ما هي الضّوابط القانونيّة لذلك؟هل من الضّروري أن يتشكل حزب سياسيّ باسم الحركة؟ كيف يمكن لأبناء الحركة والأجيال المستقبليّة المساهمة في الحياة السّياسيّة والاقتصادية والثّقافيّة في البلاد؟ أمّا أنا فمن وجهة نظري الشّخصيّة يجب أن يحدث في حركتنا كما حدث في تركيا. ليكن حزبا سياسيّا مستعدّا للعمل ضمن قانون الأحزاب الحالي على الرّغم من النّواقص فيه. حزب ” براغماتي” يصبو للعدالة والتّنمية. وليكن حزب آخر يؤمن بالعولمة والشّموليّة، حزب من حقّه أن يرفع شعارات كبرى إسلاميّة،لا أدري هل يمكن تطبيقها في الظرف الرّاهن وأحزاب أخرى؟ أليست العدالة الاجتماعية هدفا رئيسيا لأجله بعث الله رسله إلى النّاس جميعا عبر القرون الماضية؟ ألا يكون تحقيقا للعدالة هو تحقيق لمطلب رئيسي لما يصبو إليه الإسلام؟ ما هو المطلوب؟ ← من الحركة: • أن تتّخذ خطوات جادّة وسريعة نحو الحلّ بمبادرات حقيقيّة بالمطالبة بالحوار مع رئيس الدّولة أو أيّ شخص تفوّضه السّلطة يكون فيه الحوار جادّا وصريحا. •أن تطمئن الحركة السّلطة بأنّ رغبتها حقيقيّة في طيّ هذا الملفّ نهائيا وطيّ آثاره وأن يستعيد كلّ فرد من الحركة في الدّاخل والخارج موقعه في بناء تونس اقتصاديّا وفكريّا. • أن تبدي استعدادا للعمل داخل الأطر القانونيّة. • أن تتحلّى بخطاب يقرّب ولا يبعد بين الطّرفين وبأنّ نقول للمحسن إذا أحسن أحسنت وإذا أساء أسأت. ← من السّلطة: • أن تبادر بالإفراج عن بقيّة كلّ المساجين السياسيين وعودة كلّ المغتربين. • أن تكفّ عن الرّقابة الإداريّة لكلّ المسرّحين. • تمكين المسرّحين من العمل و التّداوي والسّفر وهذه من أبسط حقوق المواطنة. • إيقاف كلّ تتبّعات عدليّة في حق كلّ المعارضين السياسيين. • التوقف عن تفويض الكلام باسمها لأطراف إعلاميّة متطرّفة لا تنتج إلا الأحقاد أو الضّغينة لدى الطّرفين. هذه الخطوات الأوّليّة والمستعجلة التّي يجب أن تتلوها خطوات بنّاءة في نفس الاتجاه. الملف الإنساني مهم ومهم جدّا لتتحسّن الأوضاع الصحيّة والنّفسيّة والماديّة لكلّ الذين شملهم الضّيم. أن يعود كلّ مغترب إلى أرض وطنه بعد غياب ما يقارب العقدين من الزّمن أمر مهم جدّا. كذلك في العودة روح التّواصل بين أفراد أبناء هذه البلاد. إنّ تونس اليوم في أمسّ الحاجة إلى مصالحة صادقة وحقيقيّة بين كلّ أبناء وطنها ، بين الحاكم والمحكوم، بين القويّ والضّعيف بين الضّحيّة والجلاّد. ظهور مجموعات العنف هذه هو مؤشّر سيء لمستقبل البلاد وأسوء منه هو التّعامل الأمني فقط مع هذه الظّاهرة. مصر عاشت ظاهرة العنف هذه ولكن عالجتها بكلّ الأشكال الأمنيّة، القضائيّة، وخاصّة منها الثّقافيّة والسّياسيّة ممّا حدا بمجموعات العنف إلى المراجعة الشّاملة لأفكارهم. السعوديّة كذلك عاشت نفس الظروف والجزائر. رغم أنّ المعالجات هذه بقيت منقوصة فنحن في بلداننا في أمسّ الحاجة إلى حريّة التّعبير والتّفكير والتّنظّم. أعجب كلّ العجب حين كان يخطب «لوبان» أمام النّاس خطابا متطرّفا عنصريّا شاذّا ولكنّه لم يكن يمنع من الكلام لأنّ الدولة الفرنسيّة هي على ثقة كبيرة في وعي وذكاء المجتمع الفرنسي، « لوبان» الآن لا يتجاوز 5% من مجموع الأصوات يجب أن لا نخاف من أعطاء الكلمة لكل النّاس ليعبروا عن أرائهم ولو كانت متطرّفة. إن المعالجات الأمنيّة للظّواهر الفكريّة الاجتماعية النّاتجة من الكبت في الحريّة لن تجعل من هؤلاء إلاّ شهداء وأبطال ويتجذّّر العنف في بلادنا لا سمح الله. أملي أن تتخلّى السّلطة التّونسيّة كما تتخلّى المعارضة على الخرائط المعرفيّة المختلّة الوظيفة. وأن يلجأ كلّ طرف إلى فتح استراتجيّات متعدّدة وحلول متعدّدة وليس الإصرار على هذه الخرائط المعرفيّة التّي جرّبتها من سنوات طويلة ولكنّها لم تزد المشاكل إلاّ تعقيدا. أملي أن يكون مقالي مفتاح خير لكثير من الحوار البنّاء. رجائي ألاّ تكون الخرائط المعرفيّة ثانية، هي التّي ستفسّر مقولتي في اتّجاه سلبي. لم أقصد بكلامي أيّ طرف أو شخص ما ولكن كان توجيهي للخرائط المعرفيّة أساسا للطّرفين في المعادلة. أرجو أن يهزّ كلامي قناعات ثابتة عند عدّة أطراف باتت ثابتة على خريطة معرفيّة منذ سنوات طويلة. كلّ بني آدم خطّاء وخير الخطاءين التوّابون. واللّه من وراء القصد.
أكّدوا أنه السجين السياسي الأكثر مكوثا في السجن في تاريخ تونس وطالبوا بوقف سياسة التشفي ضده واتهموا “صنّاع القار” بإستهدافه خطير..حقوقيون يحمّلون السلطة التونسية المسؤولية عن حياة الدكتور الصادق شورو
السبيل أونلاين – تونس – خاص قال حقوقيون أن السجين السياسي الدكتور الصادق شورو يُوشك أن يُقضّي في السجون التونسية 20 عاماً ، وأكّدوا أنها “عقوبة لم يسبق أن قضاها سجيناً سياسياً تونسياً في سجون تونس منذ الحماية الفرنسية على تونس سنة 1881 إلى اليوم وأن العقوبات السجنية التي أصدرتها محاكم السلطات الإستعمارية في حق الوطنيين التونسيين ، كانت تصدر على إثرها و بعد بضع سنوات، قرارات بالعفو، تنهي العقوبة ، وتهيأ لمناخ سياسي وإجتماعي ونفسي جديد”. وحمّلوا السلطة التونسية أي مكروه قد يصيبه (لا قدر الله) ، وهو ما يعكس تخوفهم على ما يمكن أن يؤول إليه الوضع الصحي للزعيم السابق لـ”حركة النهضة التونسية” ، الذى يعاني من مشاكل صحية بسبب سنوات السجن الطويلة . واستنكروا سياسة التشفي التى تسخدمها السلطات التونسية ضدّه ، وأكدوا أن “صناعاً للقرار” في تونس ” تأبى نفوسهم الترفع عن رغبات التشفي ، وغرائز الإنتقام، وأن هذا السلوك الجانح بات سياسة مقررة” . كما أكّدوا أن الأحوال الصحية للدكتور الصادق شورو المقيم حالياً بسجن الناظور ببنزرت “تتدهور بصورة تدريجية” ، فقد بدت الرعشة على إحدى يديه، وإصفرار على وجهه ويديه الإثنتين، وكان يتحامل طوال فترة الزيارة السجنية، للوقوف على رجليه لمتابعة مقابلة عائلته . وشجبت “الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين” ، في بيان تلقى السبيل أونلاين نسخة منه مساء الثلاثاء 04 أوت 2009 ، “سياسة التشفي التي باتت مقررة على الدكتور الصادق شورو” . وقالت الجمعية أن شورو عزف عن تناول أطعمة السجن وعن تسلم قفة عائلته بمحتوياتها، وإكتفى، منذ ما يقرب عن الأسبوعين بوجبة خاصة تتكون من” الخبز والزيت” ، وذلك “لعدم تمكينه ورفاقه بالغرفة السجنية من ثلاجة يحتفظ فيها بالأطعمة بصورة صحية ولأن الأطعمة والمواد الغذائية في مثل الدرجات العالية لحرارة هذا الصيف تصبح قابلة للتعفن السريع ” ، وأنحت بالائمة على إدارة سجن الناظور الذى لم تلبى تلك الإحتياجات . وأشارت الى أن الدكتور شورو بالرغم من تلك الظروف يصوم يوما بيوم . وأكّدت الجمعية أن مدير سجن الناظور تراجع عن وعوده لعائلة الدكتور شورو بتحسين وضعه وتلبية طلباته ، “بصورة توحي بأن ضغوطاً ما مورست عليه، كانت سبباً في عودة اللامبالاة من قِبَله ” . وعبّرت الجمعية عن خشيتها من أن يكون الدكتور الصادق شورو (لا قدّر الله ) مرشح للإنضمام إلى “قوائم الموت البطىء ، خاصة و”أن عشرات من السجناء السياسيين فارقوا الحياة في السجون التونسية أو بُعيد سراحهم بسبب إهمال قصدي أوبغيره ، لأحوالهم الصحية” ، وحمّلت السلطات العليا منذ الآن، ما يمكن أن يلحق الدكتور صادق شورو من أذى صحي أو نفسي ، بسبب تمسكها بساسة التشفي . والدكتور الصادق شورو الذي جاوز العقد السادس من عمره، كان قضى 18 عاماً سجناً، واُعيد بعد سراح شرطي إلى السجن مجدداً إثر تصريحاته لإحدى الفضائيات بتهمة الإحتفاظ بجمعية غير مرخصة، يُعاني بسبب مخلفات السجن من عدد من الأمراض أوجبت إتباعه حِمية خاصة. (المصدر : السبيل أونلاين ، بتاريخ 05 أوت 2009 )
الحرية لجميع المساجين السياسيين الحرية للدكتور الصادق شورو
الجمعية الدولية المساندةالمساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس e-mail: aispptunisie@yahoo.fr تونس في 05 أوت 2009
أداء الأجهزة الأمنية…ببنزرت من يراجع..؟
لا يزال أغلب طلبة منزل الجميل الذين إستهدفتهم الأجهزة الأمنية ببنزرت بالإعتقال خلال العشر الأواخر من شهر جويلية 2009 رهن الإحتجاز، ورغم تخلية سبيل الطالبين معاذ الشيخ عليّ و مهدي الدغار، فإن عائلات الطالبة رفيق اللافي (محتجز منذ 2009.07.22) وفتحي العبيّد ( محتجز منذ 28 جويلية 2009) و سليم الترّاس (محتجز منذ2009.07.30) ومروان الباشطبجي (محتجزمنذ2009.07.30)، تجهل مصيرأبنائها ومكان إحتجازهم، وقد عمد أعوان للأمن بزي مدني يوم الإثنين 03 أوت 2009 إلى ترتيب” كمين” قصد إعتقال الطالب محمد اللافي، فقاموا بإكراه الطالب مهدي الدغارعلى مهاتفة صديقه اللافي ودعوته لملاقاته بمحل عمومي، ولدى حضور الطالب محمد اللافي بالمكان إستجابة لدعوة صديقه، سارع أعوان الأمن إلى إعتقاله.. ويُذكر أن أعوان للأمن زاروا في 2009.07.31 محل سكنى عائلة اللافي لإصطحاب إبنها محمد، غير أن العائلة اعتذرت عن تسليم إبنها لعدم تقدم أعوان الأمن بإستدعاء قانوني، لكنها إصطحبت بعد ذلك إبنها رفقة السيد علي بن سالم رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، للإستفسار لدى مركز بوقطفة للأمن الوطني ببنزرت،عن سبب طلبهم لإبنها محمد اللافي، غير أن المتحدثين بإسم مركز الأمن أنكروا أن يكونوا بعثوا في طلب الشاب محمد اللافي، وأنه ليس لديهم أي مطلوب بهذا الاسم، والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين إذ تستغرب خروج بعض الأجهزة الأمنية على القانون باعتمادها نصب الكمائن اُسلوباً لإيقاف المواطنين بشهادة عميد الحقوقيين التونسيين السيد علي بن سالم (77 سنة) وإستهدافها المواطنين الآمنين بالإعتقال بناءاً على “شبهة” تديّنهم، ثم إجراء تحقيقات و تفتيشات في النوايا بحثاً عن دليل بين تلك النوايا يمكن أن يصلح للإدانة ، وإستمرارها على حجز الموقوفين بصورة تعسفية تتجاوز المدد القانونية المقررة. وهي تفعل ذلك دون مراعاة لما يخلّفه ذلك من حالات هلع وخوف في نفوس العائلات وأهالي الموقوفين ومتساكني مدينة منزل الجميل، وإذ تلفت الجمعية إنتباه المراقبين الحقوقيين إلى مستوى أداء الأجهزة الأمنية وخروقاتها، فإنها تدعوالسلطات العليا إلى التدخل لمراجعة أداء أجهزتها الأمنية ببنزرت ووضع حد لما ترتكبه من إنتهاكات في حق المواطنين، كما ىتدعوها إلى التدخل لتخلية سبيل المحتجزين بصورة غير قانونية. لجنة متابعة السجناء السياسيين المسرحين
البوليس يحاصر بيت المحامي عبد الوهّاب معطّر ويرافقه في كل تنقلاته
السبيل أونلاين – تونس – خاص يتعرض المحامي ونائب”الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين” في تونس ، والعضو القيادي بحزب” المؤتمر من أجل الجمهورية” ، الأستاذ عبد الوهاب معطّر إلى مضايقات بوليسية يومية ، حيث تلاحقه عناصر البوليس في كل تنقلاته .وأكّد معطر في إتصال معه من تونس مساء الإربعاء ( حوالي الساعة العاشرة بتوقيت تونس ، من ليلة الإربعاء 05 أوت 2009 ) أن بيته يخضع أيضا لمراقبة بوليسية مكثّفة . ويُعتقد أن تصاعد وتيرة التضييقات على معطّر تأتي على خلفية نقده القانوني للمجلة الإنتخابية التونسية من خلال مقالات نشر منها السبيل أونلاين حلقتين ويُنتظر أن تُستكمل بحلقتين أخريين . وكانت السلطات قطعت في وقت سابق خطّ الإنترنت على معطّر ، وجاء ذلك على ما يبدو على إثر إتصال بين الأستاذ معطّر والناشط الحقوقي السيد المبروك الذى كان يعتزم رفع قضية عدلية ضد السلطات على خلفية المشاكل التى كان يواجهها في إستخدام شبكة الإنترنت بسبب القرصنة . ولاحظنا خلال الفترة الأخيرة توسع دائرة الأشخاص الذين حجبت عنهم شبكة الإنترنت في مقار سكناهم ، ويجد أغلب النشطاء الحقوقيين والسياسيين في تونس صعوبات كبيرة في إستخدام الشبكة ، واشار مصدر للسبيل أونلاين أن سياسة قطع خطوط الإنترنت تأتي على ما يبدو في سياق “التحضير للإنتخابات القادمة” ، ومن المتوقع لها أن تجري خلال شهر أكتوبر أو نوفمبر من العام الحالي . بالتعاون مع الناشط الحقوقي – ابراهيم نوّار في سويسرا (المصدر : السبيل أونلاين ، بتاريخ 05 أوت 2009 )
الحرية لجميع المساجين السياسيين الحرية للدكتور الصادق شورو
الجمعية الدولية المساندةالمساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس e-mail: aispptunisie@yahoo.fr تونس في 05 أوت 2009
طارق الحرزي (رمز 009654 في السجلات الإعتقال) بين أيدي العراقيين مجدداً
قامت قوات الإحتلال الأمريكية بسليم الشاب طارق بن الطاهر العوني الحرزي المحتجز منذ يوم 18 ماي 2008 بسجن ” كروبر” في مطار بغداد إلى السلطات العراقية مع نحو مئة من العرب المحتجزين لديها. وكان سُمح للشاب طارق الحرزي بمخابرة عائلته عبر الهاتف، قال أنها ستكون أخر مخابرة قبل تسليمه هو والمحتجزين معه إلى العراقيين، وهو يرجح أن العراقيين ربما سيقررون تسليمه إلى السلطات التونسية. ويُذكر أن الشاب طارق الحرزي، الذي قطعت رجله في ظروف غامضة، وقع في أسر القوات العراقية سنة 2004 التي سلمته بدورها إلى القوات الأمريكية بعد إقتناعها ببراءته من عدد من التهم ، من بينها تهمة الإنتماء إلى تنظيم القاعدة، وأعادت القوات الأمريكية معه التحقيق فلم تجد بدورها أي دليل إدانه يمكن أن يوجّه ضده ، وكانت الجمعية قد نبهت إلى ما سيُهدد سلامة الشاب طارق الحرزي الجسدية في حال تم تسليمه إلى السلطات التونسية، كما وجهت نداءات عاجلة في الغرض لوقف تسليمه للسلطات التونسية، وهي مجدداً توجّه نداءها إلى السلطات العراقية تدعوها إلى عدم تسليم السيد طارق الحرزي الحامل في سجلات الإعتقال للرمز 009654… إلى السلطات التونسية ، كما تدعوها إلى تحمّل مسؤوليتها في ما يمكن أن يلحقه من أذى إن قررت تسليمه، وتنبه إلى أن سجل دولة العراق في مجال حقوق الإنسان سيتحدد إبتداءاً على ضوء قراراتها المتعلقة بمصير المحتجزين لديها، ومدى إستجابة تلك القرارات للعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان،
لجنة متابعة المحاكمات السياسية
الحزب الديمقراطي التقدمي
بلاغ عن اجتماع المكتب السياسي وموقف الحزب من الإنتخابات الرئاسية والتشريعية
10 نهج إيف نوهال – تونس الهاتف 71332194 عقد المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي اجتماعه الدوري صباح الأحد 2 أوت 2009 بالمقر المركزي للحزب، وتدارس في بداية أعماله سمات الوضع العام التي يجري في نطاقها الإعداد للانتخابات المقبلة، وآخرها تعيين المرصد الوطني للانتخابات، وذلك في ضوء التقرير الذي تقدمت به الأمينة العامة الأخت مية الجريبي حول الخطة التي ضبطها الحزب للتعاطي مع الرئاسية القادمة المتسمة بإقصاء الكفاءات الوطنية من المنافسة، وكذلك خطته لخوض الانتخابات التشريعية ومدى تقدمه في انجاز تلك الخطة للرفع من درجة استعداده مع اقتراب الإستحقاق الإنتخابي. وتوقف المكتب السياسي عند مختلف أوجه الوضع العام مسجلا اتجاه مؤشراته الاقتصادية نحو مزيد من المصاعب ومؤكدا أن الصبغة العالمية للأزمة لا تعفي الفريق الحاكم من مسؤوليته عن تراجع اقتصاد البلاد بسبب اتباعه لسياسة تصديرية تقوم على مشاريع ذات قيمة مضافة منخفضة وعلى تشغيل أيدي عاملة ضعيفة التكوين وزهيدة الثمن، ولا من مسؤوليته عن تلبد مناخ الاستثمار والأعمال جراء انتشار العتمة والفساد في المعاملات على نطاق واسع وفي غياب أية مساءلة أو محاسبة، وهو ما شكل عقبة أمام تطور المؤسسات الصغرى والمتوسطة والرفع من قدرتها التشغيلية. ونبه إلى أن الوضع الاجتماعي يُنذر هو الآخر بالتقلبات جراء التدهور المستمر لمستوى عيش الشغالين وفقدان العديد منهم لمواطن الشغل، فضلا عن تفاقم البطالة خاصة بين صفوف الشباب وعودة العديد من مظاهر الفقر المخلة بكرامة الإنسان. وعبر عن استيائه من إحجام الحكومة عن مراجعة هذه الخيارات التي ثبت فشلها، بل وإمعانها على العكس من ذلك في خطاب المنجزات والتمجيد لأغراض انتخابية غير خافية، مع إدارة الظهر لأي حوار وطني يساعد بلادنا وشبابها على الخروج من هذا المأزق. وتوقف المكتب السياسي بصفة خاصة عند تدهور الوضع السياسي عشية الانتخابات العامة مسجلا تراجع مؤشراته حتى عما كانت عليه سنة 2004. ويبرز ذلك خاصة من خلال إطلاق حملة غير مسبوقة لتزكية ترشح الرئيس الحالي، مصحوبة بحملة انتخابية أحادية واسعة النطاق عبر الصور واللافتات العملاقة في كل مكان، التي سُخرت لها جميع أجهزة الدولة وإمكاناتها بغير وجه حق. وفي غمرة هذه السيطرة على المجتمع نقض الحكم أيضا تعهده بضمان شفافية الانتخابات والسماح بالمراقبة المحايدة فعمد إلى تعيين مرصد لمراقبة الانتخابات من دون إشراك الأطراف المعنية بالإنتخابات فيه، وتقتصر مهمته على رفع تقرير لرئيس الدولة لتتحول بذلك هذه الانتخابات ومنذ الآن إلى مجرد بيعة تكرس زيف شعارات دفع التعددية وتوسيع المشاركة وتجعل منها نموذجا لانتخابات خارج العصر. وتوقف المكتب السياسي عند محاولات الحكم إخماد صوت الاحتجاجات الاجتماعية السلمية والتنكيل بمعتقلي وقادة هذه الاحتجاجات والقمع الذي تتعرض له الأحزاب المستقلة بمحاصرتها في مقراتها وتعطيل أنشطتها ومنعها من الاتصال بالمواطنين، كما نشط في ضرب حيوية المجتمع المدني بملاحقة وتشريد القاضيات والقضاة، الذين رفعوا لواء استقلال القضاء بعد السطو على جمعيتهم، وفي تكميم أفواه الصحافيين والإعلاميين الجسورين تلجيم أقلامهم، والعمل على تفكيك نقابتهم المنتخبة، بالإضافة لتعطيل انعقاد مؤتمر رابطة حقوق الإنسان ومحاصرة الرابطيين والحقوقيين الصامدين. ودعا المكتب السياسي لمواجهة هذا التدهور الخطر حاثا جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين على تنظيم إتحاد وطني واسع من أجل مراقبة الانتخابات المقبلة على أساس مبدإ المواطنة و بصرف النظر عن الموقف منها. كما حث دعا إلى إقامة أوسع التكتلات الوطنية واتخاذ كل المبادرات من أجل إطلاق سبيل معتقلي الحوض المنجمي ووضع حد لمعاناة عائلاتهم، ومن أجل وقف اضطهاد القضاة ومعاقبة أسرهم ونصرة استقلال القضاء، والوقوف في وجه الانقلاب على نقابة الصحافيين وإعلاء صوت حرية الإعلام والرأي وفرض عقد مؤتمر الرابطة وتحرير حقوق الإنسان من سيطرة أجهزة الدولة. وبخصوص الموقف من الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ظل إقصاء الكفاءات الوطنية من الترشح والمنافسة، وبخاصة مرشح الديمقراطي التقدمي الأستاذ أحمد نجيب الشابي، ومصادرة حق التونسيين في اختيار من يحكمهم، وفي ظل التداخل العضوي بين أجهزة الدولة والحزب الحاكم والانعدام الكامل لحياد الإدارة، بل في سياق من الانغلاق والتصلب المتزايدين، شدد المكتب السياسي على أن الرئاسية المقبلة تفتقد لأبسط شروط ومعايير الانتخابات مُعتبرا أن مقدماتها تنبئ بأن تونس لا تتجه نحو التداول أو حتى نحو بداية منافسة حقيقية في 2009، بل نحو تكريس التمديد والخلافة الآلية. كما تطرق المكتب السياسي في خاتمة أعماله إلى مشاركة الحزب في الانتخابات التشريعية مؤكدا من جديد على أهدافها السياسية والتنظيمية والمتمثلة خاصة في العمل على توسيع دائرة المشاركة السياسية والحد من السلبية السائدة لدى النخب، وإبعاد خطوط الخوف والإحباط المخيمين على المجتمع، إلى جانب إبراز التعددية الفعلية والبرهنة على أن تونس تزخر بالكفاءات وأن الفراغ السياسي إنما صنعه الفريق الحاكم الذي فشل في الانتقال بتونس إلى مصاف الدول الديمقراطية، وفي العمل من خلال ذلك على بناء قطب ديمقراطي يضمن لبلادنا الإصلاح والإستقرار والعيش الكريم. كما أكد من ناحية أخرى عزم الحزب على التقدم إلى هذه الانتخابات في كل الدوائر وعاين مدى التقدم في انجاز الترتيبات المطلوبة. تونس في 5 أوت 2009 عن المكتب السياسي الأمين العام المساعد منجي اللو
لقاء الفرصة الأخيرة:
المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين يدعو المكتب الموسّع للاجتماع الإثنين القادم (10 أوت)
في ما يمكن اعتباره لقاء الفرصة الأخيرة، دعا المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية الصحفيين أعضاء المكتب الموسّـع للاجتماع يوم الإثنين 10 أوت 2009 لبحث إمكانية إيجاد حلّ وفاقي في إطار القانون يخرج النقابة من أزمتها ويضمن وحدتها. علما بأنه يوجد خلاف بين الطرفين حول تحديد موعد المؤتمر الاستثنائي للنقابة. ففي حين قرر المكتب التنفيذي بعد استيفاء كل الإجراءات القانونية عقد المؤتمر في 12 سبتمبر 2009 مثلما يوجبه القانون الأساسي للنقابة ونظامها الداخلي، يصرّ الطرف المقابل على عقد المؤتمر يوم 15 أوت الجاري، رغم عدم قانونية هذا الموعد. ويبقى الأمل معقودا على تغليب المنطق والحكمة بما يحفظ مصالح الصحفيين ويمنع تقسيم نقابتهم لأنهم سيكونون الخاسر الأكبر من ترجيح النزعة التي تسعى لتغليب مصالح شخصية وارتباطات غير مهنيّة على حساب مصالح النقابة ومصالح عموم الصحفيين. (المصدر: مدونة زياد الهاني بتاريخ 4 أوت 2009) الرابط:http://journaliste-tunisien-18.blogspot.com/2009/08/blog-post_04.html
«الجزيرة» non grata في تونس
ما زالت العلاقات متوتّرة بين القناة القطرية والسلطة التونسية
بعدما دخلت محطة «حنبعل» على الخطّ متّهمة «الجزيرة» بـ«فرقعة الأنظمة العربية»
سفيان الشورابي يبدو أنّ الخلاف بين قناة «الجزيرة» والسلطة التونسية لن يضع وزره في مقبل الأيام. والسبب تناقض وجهات النظر بشأن وظيفة الإعلام. بينما تؤمن إدارة «الجزيرة» بأنه من حقّها، الذي جلب لها الامتياز عربياً ودولياً، نقل نبض الشارع العربي حتى لو أدى إلى إغضاب الأنظمة الحاكمة، ترى السلطة التونسية أنّه على القناة القطرية عدم نقل الأحداث المحلية التي لا ترغب هي بأن تصل إلى التونسيّين. المعركة بين الطرفين تعود إلى سنوات، مذ أصبحت «بلاتوهات» القناة حضناً لشخصيات تونسية معارضة سُدَّت في وجهها القنوات الرسمية وحتى الخاصة. «الجزيرة» الذي سطع نجمها بتغطيتها مختلف الحروب التي دارت فوق الأرض العربية، أصبحت مدار حديث التونسيين الذين راحوا يتابعونها وأشاحوا عن برامج قنواتهم المحلية التي لا تخرج عن مسار الدعاية «السوفياتية». ما حدا بالسلطات إلى إصدار تعليمات بمنع بث «الجزيرة» في المقاهي والأماكن العامة! لكنّ نسبة إقبال التونسيين على القناة القطرية لم يتأثّر بهذا القرار، فالمحطة سمحت لهم بالتعرّف إلى رموز معارضة وفتحت موضوعات محلية تُصنَّف في خانة الممنوعات. وهو ما أثار سخط الحكومة التونسية التي لجأت إلى سحب سفيرها من الدوحة عام 2007 احتجاجاً على ما وصفته بـ«الحملة المغرضة المركزة على تونس» بعدما أجرت «الجزيرة» حواراً مع المعارض منصف المرزوقي دعا فيه التونسيين إلى «العصيان المدني». أصبحت بلاتوهات القناة حضناً لرموز تونسيّة معارضة في هذه الأثناء، ظلت القناة الفضاء النادر الذي يتحدث عن انتهاك الحريات في تونس. واضطرت السلطة في النهاية إلى التراجع عن قرارها في قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وما تستوجبه من ضرورة استمالة رأس المال الخليجي. عودة الدفء بين البلدين كانت حصيلتها صفقات استثمارية بقيمة 5 مليارات دولار ولقاء بين الرئيس التونسي وأمير قطر الشهر الماضي. إلا أن الزيارة التي خُيِّل أنّها ستمحو الأزمة سرعان ما شوّشت عليها قناة «حنبعل» التونسية التي بثّت في اليوم التالي للزيارة، برنامجاً عن «المؤامرة التي تقودها «الجزيرة» ضد استقرار تونس». واستضافت المحطّة عدداً من الإعلاميين بينهم المراسل السابق لـ«الجزيرة» في موسكو أكرم خزام اتهم إدارة القناة بالرضوخ لأوامر الحكومة القطرية. وتزامن البرنامج مع حملة منظمة من صحف تتلقى تمويلاً مباشراً من الحكومة التونسية مثل «الشروق» التونسية و«العرب» اللندنية. ومن بين ما قاله المشاركون في البرنامج أنّ «الجزيرة» تعمل على «فرقعة الأنظمة العربية» و«التحامل على التجربة التونسية»! غير أنّ المشاركين، ومن بينهم رئيسا تحرير «روز اليوسف» و«الأهرام» الحكوميتين المصريتين تغافلوا عن نقد حالة الانغلاق الإعلامي الذي يسود تونس وسياسة الحكومة في كمّ الأفواه وفق ما تشير إليه التقارير الصادرة عن منظمات دولية مختصة. ووصل الأمر بأحد الصحافيين التونسيين إلى وصف قطر بـ«المجتمع العشائري الذي ليس فيه نخبة»! وبهذا، تأجّل مشروع تحسين العلاقات التونسية ــــ القطرية حتى إشعار آخر!
موسم الهجوم على ‘الجزيرة’ –
محمد كريشان يكاد لا يخلو يوم هذه الفترة، وفي أكثر من دولة عربية، من مقال في هذه الصحيفة أو تلك يشهـّـر بقناة ‘الجزيرة’ وينعتها والدولة التي تمولها والبلد الذي يحتضنها بأقذع الأوصاف، حتى إن احدى القنوات التلفزيونية الخاصة في إحدى هذه الدول خصصت لها برنامجا كاملا عبارة عن ثلاث ساعات متواصلة من الردح. لقطر ونظامها رجالاته الذين هم أولى وأنسب بالدفاع عنها، أما عن ‘الجزيرة’ فلا بد أولا من القول إنها ليست مشروعا إعلاميا معصوما ولا هو فوق النقد، وهو على كل لم يزعم يوما أنه لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من بقية جنباته. هو ببساطة تلفزيون له ما له وعليه ما عليه، ولعل ما لا يعلمه كثيرون أن العاملين فيه هم الأكثر صرامة في نقده في اجتماعاتهم وهيئاتهم وبحضور كبار المسؤولين دون تردد أو مجاملة. المشكلة إذن ليست في نقد هذه المحطة، فهي بأمس الحاجة إليه إذ يكفيها تخمة المديح طوال هذه السنوات، ولكن في الطريقة المبتذلة التي يتم بها ذلك وفي الصحف والصحافيين الذين تولوا هذه المهمة والذين ما عرف عنهم سوى أنهم يكتبون ويخرسون بالأوامر. وبعضهم اشتهر بتقاريره إلى الجهات الرسمية أكثر من مقالاته التي ينشرها. ويكفي أن يُـــسأل رجل الشارع عن رأيه في هذه الأقلام الجاهزة دوما للتكليفات الرسمية وكذلك عن رأيه في القناة ليعرف هؤلاء بالضبط المكانة التي لهم عند الناس ومكانة المحطة حتى وإن كان للكثيرين عنها عدة مآخذ. لو جاء هذا النقد من صحف مرموقة وأقلام ذات سمعة ومصداقية لكان لزاما على المحطة أن ترصده بعناية وتتوقف عنده ولم لا تأخذ بالكثير مما قيل لأنه السبيل الحقيقي لإصلاح هناتها وتحسين نوعية أدائها، ولو كان ما يكتب يمكن تصنيفه في خانة النقد التلفزيوني لكان جديرا بالتمعن والتدبر من القائمين على المحطة، لكن ما يجري هو حملات منظمة بأوامر عليا مما يكشف بالضبط مدى استقلالية القرار التي ينعم بها كتبة مقالات الردح والتي يندبون غيابها عن المحطة. الطريف في الأمر كله أن بعض هؤلاء الكتاب لم يجد من مقاربة مقنعة للتهجم على المحطة سوى القول إنها كانت جيدة في انطلاقتها ولكنها الآن انحرفت عن مسارها الأصلي مع أن الكل يعرف أن هذه المحطة ولدت مكروهة عند هؤلاء ومن يأتمرون بأمرهم منذ يومها الأول لأنها باختصار النقيض المهني للإعلام البائس الذي يمارسونه وللبيئة الإعلامية الرسمية المخنقة التي يسبّـحون بحمدها. الشيء الوحيد المحزن في موسم الهجوم على ‘الجزيرة’ هذا أن بعضه شارك فيه صحافيون سابقون في ‘الجزيرة’ بمستويات مختلفة. إذ رأى بعضهم كتابة المقالات والإدلاء بمقابلات، وهم أحرار في ذلك على كل حال، فيما اختار البعض الآخر شتم المحطة وسيلة استرزاق حقيقية إذ باتت تؤمن له الدعوات الرسمية والحفاوة الكاملة التي أعمت البصائر إلى درجة القول إن مراسلي الجزيرة في بعض مناطق النزاع يطلقون قنابل صوتية لجعل تقاريرهم أكثر إثارة!. ويبقى السؤال المحير هو لماذا لم تؤد هذه الغيرة الجياشة على المعايير الإعلامية الأصيلة، التي أبداها كل المشاركين في هذا الموسم، والتي تنكرت لها ‘الجزيرة’ كما يقولون، إلى أي تحسين في أداء الإعلام الوطني لدى هؤلاء؟ ولماذا ما زال المواطن العربي يثق في هذه المحطة ويتابعها ويعرض عن صحافته الصفراء وتلفزيونه التعيس؟ أفيدونا أفادكم الله!!
وزير التربية والتعليم في تونس منع الحجاب في المدارس فنشروا صورة ابنته بالبكيني
August 04 2009 16:54 منع الدكتور الصادق القربي وزير التربية والتعليم التونسي الحجاب في المدارس التونسية فنشر موقع ماروك بوست وهو موقع مغربي معروف صورة لابنة الوزير بالمايوه البكيني ( موقع البشاير المصري نقل الخبر والصورة عن ماروك بروست ايضا واعاد نشره ) … سبق وأن شغل الدكتور الصادق القربي منصب وزير البيئة وأيضا مندوب تونس الدائم لدى جامعة الدول العربية في القاهرة، وقد سبق وأن طالب مثقفون وصحفيون وموظفون تونسيون اوقفهم عن العمل بمصادر ممتلكاته بتهم الفساد كما طالب الموقعون الجهات المختصة بالتحقيق في التجاوزات المرتكبة في حق أبناء الشعب منذ اعتلاء القربي وزارة التربية، كما سبق وأن تعرض لحادث مرور في الاسماعيلية وزعموا أنه كان بصدد الصلاة ومن المعروف عن الوزير القربي محاربته للحجاب ولمواد إسلامية في المدارس التونسية ماروك بروست نشرت صورة ابنة الوزير وقالت انها حصلت عليها حصريا من مجموعة صور اخرى لها وهي في وضعيات إغراء قدمتها لجهات تنشط في مجال الجنس والرقيق الأبيض عبر الأنترنيت. وقالت ماروك بروست : والغريب أنها قدمت نفسها صراحة على أنها بنت الوزير الدكتور الصادق القربي، حيث قامت بإبراز مفاتنها بشكل مثير، أما الصور الأخرى فهي فاضحة جدا لا نستطيع نشرها حيث تظهر ابنت زعيم الفساد في تونس تمارس السحاق مع ابنة احد الوزراء الصورة على هذا الرابط الذي حجبته السلطات التونسية
في ندوة مسيري جمعيات التونسيين بالخارج
مقترحات للحد من تأثير الأزمة على المهاجرين
تونس ـ الصباح: كانت سبل تفعيل دور الجمعيات في الحد من تأثيرات الازمة الاقتصادية ومساهمة التونسيين بالخارج في دعم المجهود التنموي اضافة الى طرق توظيف تقنيات الاتصال الحديثة لتجذير الهوية الوطنية لدى التونسيين بالخارج وتعزيز صلتهم بارض الوطن اهم المحاور التي تدارستها الندوة التي نظمها امس ديوان التونسيين بالخارج بالاشتراك مع مركز الاعلام والتكوين والدراسات حول الجمعيات «افادة». بعد التذكير باسباب اندلاع الازمة الاقتصادية ومنطلقاتها اكد السيد محمد بن سعد رئيس جمعية الجسر على ضرورة الاقتداء بالتجارب الناجحة في مجال التشغيل والاستثمار خاصة النجاح الذي حصل مع مراكز النداء وضرورة تحسيس الجمعيات التونسية بالخارج للمستثمرين لجلب مزيد من المشاريع الى تونس. مشددا على ضرورة تفعيل عناصر مهمة في مقدمتها التحويلات المالية من الخارج الى داخل الوطن اضافة الى التمسك باستهلاك المنتوج التونسي والتعريف به في بلد الاقامة دون نسيان التعريف بفرص الاستثمار في تونس بمالها من امكانيات جمة خاصة على المستوى الصحي والسكن، وفي ختام كلمته بين السيد محمد بن سعد ان هذه العناصر لا يمكن ان تتحقق الا اذا التزمت الجمعيات بتخصيص جزء ولو يسير من نشاطاتها لصالح هذا الموضوع. واضافة الى مداخلة السيد بن سعد اوضح السيد فرج السويسي المدير العام لديوان التونسيين بالخارج انه لا يمكن ان يدعم المواطن التونسي اقتصاد وطنه الا اذا توفرت حقوقه في بلد الاقامة وموقعه المؤثر. التكنولوجيا وربط الصلة وكان التعريف بابرز التكنولوجيات الحديثة للتواصل ومساهمتها في ربط الصلة بين الداخل والخارج هو عنوان الجزء الثاني من الندوة حيث عرض السيد نور الدين المرابط مدير عام مركز الاعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات «إفادة» مختلف التقنيات التكنولوجية المؤثرة في حياة الانسان عموما والتونسيين بالخارج خصوصا اضافة الى ابراز مختلف استعمالات هذه التقنيات وكيفية تقريبها للمواطن المهاجر من وطنه وسبل التواصل مع الوطن انطلاقا من هذه التكنولوجيات. وفي هذا الاطار استشهد السيد نور الدين المرابط بأمثلة طريفة منها استعمال بعض العائلات لتقنيات مثل «الواب كام» حتى في توجيهات تخص طبخ بعض الاكلات التونسية حيث تقوم الام بتقديم النصح لابنتها وهي في فرنسا في طرق الطبخ وغيرها مما يقوي الروابط الاسرية. ومن جهة اخرى بين مدير مركز «إفادة» امكانية مساهمة هذه التكنولوجيات في قطع الصلة بين المهاجر ووطنه خاصة من خلال استعمالات مضرة كترويج اشاعات مغلوطة من شأنها ان تشوه سمعة تونس. مداخلات ونقاش وشهدت الندوة عدة مداخلات اخرى خاصة تلك التي افتتح بها البرنامج والتي بينت فيها السيدة سلوى التارزي بن عطية كاتبة الدولة لدى وزيرة شؤون المرأة والاسرة والطفولة والمسنين المكلفة بالطفولة والمسنين ان الازمة اثرت بوضوح في المواطنين التونسيين بالخارج مما استوجب عقد هذه الندوة. اضافة الى عدة تدخلات للسيد فرج السويسي المدير العام لديوان التونسيين بالخارج شملت عدة نقاط وقد اشرف السيد السويسي على النقاش الذي حمل عديد الاقتراحات من طرف القائمين على جمعيات تعنى بشؤون التونسيين خارج الوطن ومن اهمها التعريف باستقرار النظام البنكي التونسي المتميز مقارنة مع امثلة اخرى موجودة في الغرب اضافة الى تكثيف اللقاءات التونسية في بلدان الاقامة تحت رعاية اطارات تونسية عليا زيادة على اقتراح بتكوين اتحاد للنوادي والجمعيات المهاجرة لتكوين ما يشبه «اللوبي التونسي بالخارج». ومن اكثر الاقتراحات التي حازت على تأييد الحاضرين المقترح القاضي بتكوين لجنة دفاع متكونة من محامين تونسيين تتولى الدفاع عن المهاجرين التونسيين الذين تم فصلهم من اعمالهم بسبب الازمة وسيتم ترحيلهم الى تونس بسبب عدم امتلاكهم لاقامة شرعية.
عمّار عبيدي (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 5 أوت 2009) http://www.assabah.com.tn/pop_article.php?ID_art=23490
العين بصيرة… في «الشكشوكة» اللغويّة لـ «نسمة» التلفزيّة
خميس الخياطي حدث في منتصف السبعينات في جامعة «السوربون الجديدة» (باريس 3 أو «سانسيي») وتحديدا بقسم العربية حيث كنا مجموعة من الشباب، بعضهم تونسيون، يحاضرون كل في مادته من تعريب إلى أدب إلى تاريخ فاقتصاد فمعجميات وما إلى ذلك. حدث أن أرسلت وزارة التعليم العالي الفرنسية وثيقة رسمية تخص تدريس اللغة العربية في الجامعات. رئيس القسم كان حينها المستشرق والروائي «أندري ميكال» قبل ان يحل محله المفكر محمد أركون… أتذكر ان الوثيقة الرسمية في تصنيفها للغات الأجنبية المدرسة في الجامعات والمعاهد العليا وضعت اللغة العربية من بين «اللغات الميتة» مثلها مثل الإغريقية واللاتينية والعبرية ولغة «المايا» إن لم اقل لغة «الواق واق»… أتذكر ان الأمر هالنا، معشر المدرسين العرب وغير العرب، لأننا رأينا إجحافنا ليس في حقنا نحن الذين نتعامل مع هذه اللغة والبعض منا لا يمتلك حينها في بلاد المهجر إلا بطاقة إقامة مثله مثل أي مهاجر، بل الأنكى والأدهى أن شعوبا كاملة من المحيط إلى الخليج تتعامل مع هذه اللغة في السراء والضراء، شعوب موجودة، ملموسة، تحب وتكره بهذه اللغة، تؤمن وتكفر بهذه اللغة، تحلم وتعيش بهذه اللغة… شعوب هي اللغة واللغة هي تلك الشعوب… كيف يمكن لهذه الشعوب أن توجد، وخاصة بعد حرب أكتوبر وحرب البترول ولغتها ميتة؟ ناضل البعض الفاعل من الأساتذة والطلبة والنقابيين حينها واقتنعت الوزارة أن اللغة لم تمت لأن العرب الناطقين بها ما زالوا يرزقون والبعض منهم يؤرق العالم بالرغبة الملحة في استمرارية الوجود… التوليد القيصري للغة لنتفق أن ما أشير إليه بتعبير «اللغة العربية» ليس لغة المعلقات ولا لغة القرآن، ليست لغة الخليل ولا المبرد، ولا إبن منظور ولا الفيروزأبادي، ليست لغة المتنبي ولا المسعدي ولا حتى لغة المنفلوطي… هذه اللغة، وهي سنة الحياة مع الأسف، ذهبت مع من أحبها… وهو ما كان يسر به الروائي الراحل عبد الرحمن منيف. ما أعنيه هي اللغة اليومية التي تقف على السكون، تلحن مرات وتصيب مرة ولكنها تستجيب في النهاية لحاجيات الناطقين بها بجمالها وقبحها. وإن لم تتمكن من ذلك، فهي، وبكل «صحة رقعة» تستعير من جيرانها ما يسمح لها بأن تكون. وليس في ذلك أي عيب… كل لغة على هذه البسيطة إما تتطور على هذا او تندثر… واللغة العربية لم تمت لأنها تطورت وإن في بعض الأحيان بعملية قيصرية… والتعامل اليوم مع اللغة العربية من طرف بعض العرب، وإن ليس بحجم وعنف ما جاء من الوزارة الفرنسية، هو تعامل بتعلة «التحديث» ومجاراة الأمر الواقع يجهز على اللغة العربية… ومثال ذلك ما نستمع إليه ـ وإن اليوم باقل حدة ـ في إذاعة «موزاييك» ونشاهده في قناة «نسمة تي في» التي تضع نفسها بنفسها في الحيز التونسي – المغاربي… بالأمس اللغة العربية ـ مع الأمازيغية طبعا ـ هي اللغة المغاربية. ولا أعتقد أن الأمر تغير اليوم وسيتغير غدا… «الشكشوكة» اللغوية «نسمة تي في» منذ انطلاقتها الأولى حتى الآن، بنت هويتها على «شكشوكة» لغوية لا هي سنة ولا هي فرض، لا هي عربية-بربرية ولا هي فرنسية… قال نبيل القروي مؤسس القناة في برنامج «ناس نسمة» أنه حائر في موضوع عملة برنامج «من سيربح المليون؟»، فهل يدفع المليون بالدينار التونسي أم الجزائري أم الدرهم المغربي أم بعملة «نسمة تي في»؟ أمام هذه الحيرة اختار اليورو… وأنت تشاهد برامجها المتقنة فنيا وتقنيا، المحكمة إعلاميا، القابضة على زمام العملية الاتصالية والفاتحة لحدود التصور، تصيبك اللذعات الكهربائية لسماعك لغة هجينة لا هي عربية بالكامل ولا فرنسية بالكامل، لا هي بالدينار ولا هي بالدرهم ولا حتى باليورو… ولأن نسمة عملية إتصالية، فلغتها من «اللغات الخفيفة» على وزن الأكلات الخفيفة التي تصيبك بالسمنة دون أن تغنيك عن الجوع… فسواء تعلق الأمر بالإعلانات عن البرامج أو ببعض البرامج ذاتها المستوردة أو المصنوعة «دياري»، فأنت أمام إما فرنسية فرنسا (وهي الأكثر حجما في هذه القناة) أو لغة يقال أنها مغاربية وهي في الحقيقة كلمة عربية وعشرة فرنسية… وحينما تثير هذه الشيزوفرينية اللغوية، يجيبونك أن الشارع التونسي والمغاربي هو هكذا، شيزوفريني لغويا وسلوكيا وحتى وجوديا… قد يكون الشارع وتكون لغة الشارع المغاربي على هذا النحو لأسباب عدة لا مجال لعرضها هنا. ولكن، هل من وظيفة الإعلام أن ينساق وراء «لغة الشارع» بتعلة التعبير عنه والانعكاس له؟ وما راي «المجلس الأعلى للاتصال» في هذا وهو المخول له الرصد والتقييم؟ كان ملك الفرنجه «فرنسوا الأول» (1494 ـ 1547) وملك النهضة الأوروبية يقول كلمته الشهيرة: «كل من يتكلم اللغة الفرنسية هو من رعيتي»… ونحن المغاربة نعرف ما قاله الشاعر حافظ إبراهيم «أَرَى لِرِجَـالِ الغَـرْبِ عِـزّاً وَمِنْعَـة / ًوَكَـمْ عَـزَّ أَقْـوَامٌ بِـعِـزِّ لُغَـاتِ. (…) َيَطْرِبُكُـمْ مِنْ جَانِبِ الغَـرْبِ نَاعِبٌ / ُنَـادِي بِـوَأدِي فِي رَبِيْـعِ حَيَـاتِي»… وهذا الوأد لن يكون معوله الأول إلا هذه الشكشوكة اللغوية التي تعتمدها «نسمة تي في». ولنا في لغة العقود الأخيرة من الزمن الأندلسي خير مثال… (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 5 أوت 2009)
بيان مجموعة 19: الأزمة وتجلّياتها
حسن الطرابلسي، باحث تونسي – ألمانيا أثار البيان الذي أمضاه مجموعة من المهاجرين الإسلاميين التونسيين بتاريخ 18 جويلية 2009 جدلا كثيرا حيث اعلن الممضون مساندة الرئيس التونسي بن علي ودعمه في ترشحه لفترة رئاسية خامسة. ومرد هذا الجدل ان البيان مثل حدثا تجاوز توقعات المعارضة التونسية عموما في دعمه غير المشروط للسلطة التونسية ولأن مباركة بن علي بالطريقة التي عرضها البيان أثارت تساؤلات عديدة شككت لدى البعض في طبيعة البيان وتوقيته وحتى في طريقة صياغته، كما شككت أيضا، لدى البعض الآخر، في وطنية ومبدئية الممضين عليه. ومما زاد البيان أهمية أن من الممضين عليه بعض المثقفين وبعض الكوادر السابقة في حركة النهضة التونسية المعارضة، ونحن إذ نحاول التفاعل مع هذا البيان/الموقف وتداعياته بعيدا عن الإتهام والتخوين فإنه لا بد من الإشارة إلى بعض المقدمات الضرورية التي تساعد على فهم السياق العام للبيان ولتنزيله في إطاره المناسب وذلك عبر الإشارة إلى بعض أساسيات الإشكال السياسي التونسي: ـ تغلب الصبغة السياسية على الوضع التونسي وأما بقية العناصر كالإقتصاد والتنمية وغيرها فإنها ورقة توظّف لخدمة الهدف السياسي الأكبر الذي لا لون له ولا مبدئية فيه. ـ تميز هذا المشهد منذ عقد التسعينات بانسداد الآفاق الذي تواصل إلى حدود سنة 2006 بعد فشل النظام في تلميع صورته في قمة المعلوماتية التي أنعقدت في تونس، حيث صاحب انعقاد هذه القمة ولادة تنسيق عملي وميداني بين المعارضة التونسية لم يكن النظام يتوقّعه بعدما نجح في التسعينات في عزل النهضة وضربها وتحييد المعارضة ثم الإرتداد عليها. هذا الوضع الجديد دفع النظام إلى محاولات للبحث عن تلميع صورته. وهكذا ومنذ 2006 بدأت الساحة السياسية التونسية تشهد حراكا مربكا للسلطة عمّق لديها حالة من التردد في طريقة التعامل مع الملف الإسلامي فبدأت تحاول سحب البساط من تحت النهضة والمعارضة لتبييض وجهها السياسي والديني، فكان أن راهنت على بعض محاولات التصالح التي قادها مجموعة من المثقفين والإعلاميين التونسيين ولكنها سرعان ما ارتدت على نفسها ونقضت عهودها ففشلت هذه الخطوات. على صعيد آخر بدأت السلطة التونسية تظهر نوعا من التصالح مع الهوية الإسلامية من خلال إنشاء بعض المؤسسات الدينية والتودد إلى بعض الشخصيات الإسلامية المعروفة فكانت دعوة بعض العلماء على رأسهم الشيخ القرضاوي، رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ولّد هذا الوضع حالة من اليأس لدى قطاع كبير من المهجّرين الإسلاميين إضافة إلى أن هؤلاء المهاجرين قد طالت مدة غيبتهم وأحس الكثير منهم بالهامشية في المجتمع الذي يقيم فيه، فاستعصى على الإندماج لأنه خشي الذوبان وآثر التوجه إلى العمل والنشاط في المراكز والمساجد والجمعيات الإسلامية في الدول التي يقيم بها، ولكنه صدم هناك لتعقد وطغيان الأحادية على العمل الإسلامي في الغرب، فلكي تمارس النشاط لا بد أن توالي تيارا أو جهة معينة. أمام هذا الوضع وجد العديد من المهجرين، الذين ارتفع عدد المثقفين والجامعيين منهم، أنفسهم مجبرون إما إلى الإنتماء إلى التحالفات الإسلامية في المهجر وإما الذوبان في المجتمع، وأمام رفض الحالتين سقطوا في التهميش فإذا بهم من جديد في عزلة ووحدة مما جعل الحنين إلى الوطن، الذي يعني هنا حياة ونشاطا وحرية، يكبر ويتضخم. في هذه الأجواء نجحت السلطة التونسية في الإتصال بعدد من المهاجرين الإسلاميين والتحاور معهم، ولا نريد في هذا المستوى أن نتهم أحدا بالخيانة والعمالة، وإنما نقول فقط بأن اتصالا حصل وكان من نتائجه زيارات إلى السفارات والقنصليات التونسية في أوروبا أدت إلى السماح للبعض بزيارة تونس وتوجت أخيرا بصدور بيان مجموعة 19 الذي يساند ترشح بن علي في اجواء غير مطمئنة. إن حالة إنسداد الآفاق السياسية في تونس إلى جانب وضعية التردد وطول فترة المنفى والخوف من التهميش التي يعيشها المهجرّ الإسلامي التونسي أدت إلى حالات من الإنفلات هنا وهناك فكان أن أدت إلى استقالة البعض من النهضة ومن العمل السياسي عموما وأصبحت العودة إلى البلاد هدفا في حد ذاته حاولت السلطة توظيفه لتلميع صورتها ولكنها فشلت لحد الآن، ثم أتت مجموعة 19 التي تميزت بنوعية أفرادها، فأغلبهم كوادر علمية أو نهضوية سابقة تحوز على قدر كبير من الإحترام والتقدير فكانت مباركة نظام 7/11 قضية استعصت على فهم كثير من أصحاب المقالات ومن ثمة بادرت إلى تخوين المجموعة واتهامها إضافة إلى أن ردود بعض أعضاء مجموعة 19 كانت سخيفة وغبية.. ويمكننا أن نخلص إلى القول بأنه رقم إقرارنا بأن السياسة هي فن الإجتهاد في الممكن، إلا أن أصحاب مبادرة 19 قد جانبوا الصواب وأخطئوا التقدير. فكان بيان 19 صك ولاء على البياض، لنظام بن علي لم تكن تحلم بها السلطة التونسية، وأثبت الممضون على المبادرة أنهم، رغم كفاءاتهم العلمية وتجربة البعض منه سياسيا، أنهم لا يزالون في مجال السياسية هواة وبعيدون عن الإحتراف. وهذا ما يجعل موقف النهضة وكل من رفض البيان من مثقفين مستقلّين وناشطين إعلاميين وحقوقيين أكثر سلامة وأعمق حجة وأوضح بيانا وأقرب إلى الحق. (المصدر: موقع “الحوار.نت” (ألمانيا) بتاريخ 5 أوت 2009)
عددهم في ازدياد مستمرّ ويتمسّكون بالمواطنة التونسية: شاكر الشرفي: “نخشى أن يتحوّل شيعة تونس إلى ورقة تستغلها إيران”
إسماعيل دبارة من تونس يبدو أن التنبيه المحتشم الذي كان يطلق سابقا في بلدان المغرب العربي عامة، وفي تونس خاصة ويتعلّق بانتشار المذهب الشيعي وتوسّعه وإمكانية تحوّله إلى ” خطر “، أضحى محلّ متابعة النخب الثقافيّة وربما السياسية كذلك وإن كان تفاعل تلك النخب إلى حدّ اللحظة تجاه ظاهرة التشييع محتشما هو الآخر. صنّفت عدة تقارير إعلامية ومقالات نشرت عبر صحف ومواقع الكترونية الجمهورية التونسية من البلدان التي تشهد ” حركة تشييع ” سريعة وواضحة المعالم. إلا أن تلك التقارير والتحذيرات لم تجد لها آذانا صاغية لدى كلّ من الإعلام الرسمي والخطاب الحكومي اللذان يؤكدان باستمرار أنّ الدولة لا تتدخّل في معتقدات وأديان المواطنين التونسيين المعروفين بتسامحهم واعتدالهم. إلا أنّ ذلك الصمت أو التجاهل لو صحّ التعبير يخفي صراعا يدار في الخفاء بين المذهبين السنّي و الشيعي و يمكن ملاحظته بجلاء عبر الشبكة العنكبوتية وخصوصا عبر شبكة “الفايسبوك” الشهيرة،حيث توجّه الاتهامات باستمرار إلى دور “مشبوه” للسفارة الإيرانية بتونس على حدّ تعبير عدد من المشاركين في تلك النقاشات”المذهبية” التي تدور رحاها بين سنة و شيعة لا يربط بينهم غير الجنسية التونسية المُشتركة، وما دون ذلك يبدو الاختلاف عميقا وحادا في أحيان عدّة. لا وجود في تونس لإحصائية رسمية أو مستقلة موثوق فيها حول العدد الحقيقيّ للشيعة، لكنّ الثابت أن عددهم يزداد يوما بعد، ونقل عن أبرز رموز التشيّع في تونس، الدكتور محمد التيجاني السماوي في تصريحات لـوكالة “إباء” الشيعية للأنباء أن “عدد الملتحقين بالمذهب الشيعي في تونس يُعدّون بالآلاف”. ويقول السماوي وهو من محافظة “قفصة” الجنوبية وزار المراجع الشيعية في إيران سابقا متحدثا عن شيعة تونس إنّ” السلطة تترك لهم حرية العقيدة، كما إنهم لا يتدخلون في الشأن السياسي، ويتابع: “لايوجد في تونس أي تعصب سياسي أو ديني، لأن الدولة أعطت الحرية لكل إنسان بأن يكن شيعيا أو سنيا أو حتى شيوعيّا”. لا يبدو الرقم الذي قدّمه السماوي قابلا للتصديق، لكن الشيعة في تونس منتشرون في كافة محافظات البلاد تقريبا و لا يخفي غالبيتهم تشيعه أو “استبصاره” و يؤكدون أنهم يتمتعون بالحرية في اعتناق هذا المذهب. يقول الأستاذ شاكر الشرفي الذي اشتعل سابقا بدائرة الشؤون الثقافية التابعة لسفارة جمهورية إيران الإسلامية بتونس في مقابلة مع “إيلاف”: “لا أعتقد أن عدد الشيعة في تونس بلغ اليوم الآلاف كما يدّعي البعض، ولكنهم في ازدياد مستمرّ و قد يبلغون الآلاف بسرعة، لا توجد إحصاءات موثوق فيها يمكن الاستناد إليها”. سافر شاكر الشرفي وهو أستاذ مادة “التفكير الإسلامي” بالمعاهد الثانوية ومتابع لموضوع الشيعة و التشيّع إلى إيران في مناسبتين، ويعرّف نفسه بأنه “كان منخرطا في حركة التشييع في تونس وتشيّع على يديه العشرات” و أنه من أبرز المتحمّسين للظاهرة الشيعية و الثورة الخمينية في إيران،وصديق للسفارة الإيرانية بتونس و من المساهمين في نشر قيم وأدبيات ثورة الخميني”. في العام 2006 التقى شاكر الشرفي في إيران بالرئيس الحالي أحمدي نجاد والسابق محمد خاتمي بالإضافة إلى عدد كبير من رجال الدين في كل من طهران وقم لعلّ أبرزهم آية الله التسخيري رئيس مجمع التقريب بين المذاهب، لكن سرعان ما اختلف الشرفي مع السفارة الإيرانية بتونس التي يقول إنها كانت ” تتستّر بالتشييع السياسي (ثورة الخميني) لنشر التشيّع العقائدي وهما متلازمان” على حدّ تعبيره. “كانت الكتب و الجرائد تأتينا من إيران و أقوم شخصيا بتوزيعها على الشباب والراغبين في اكتشاف المذهب الشيعي ” يقول الشرفي و يتابع:” غالبا ما تستند السفارة الإيرانية بتونس على كتب مثل “المراجعات” لـ”الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي” و كتب الإمام الخميني “الحكومة الإسلامية” و الجهاد الأكبر” لتمرير التشيع إلى السنة، كما كنت أقوم بتوزيع مجلات “الشهيد “و “كيهان العربية” و “الوحدة” بالإضافة إلى شرائط الفيديو و شرائط الكاسات”. واستنادا إلى الشرفي المعروف الآن في المنتديات الثقافية التونسية و شبكة الانترنت بتصديه للفكر الشيعي فإنّ الاختلاف مع مسئولي السفارة كان على قضيّة “عقائدية” لأنه ظلّ طوال أكثر من عشرين عاما ينشر التشيّع دون أن يحسم أمره في مسالة “الإمامة” بل ترك الباب مفتوحا للبتّ لاحقا في تشيّعه من عدمه”. الجامعة التونسية يراها البعض هي الأخرى مسرحا لعمليات تشييع فالطالب مراد.س (25 سنة) يقول لإيلاف إنه “تشيّع على أيدي طالب إيرانيّ يدرس اللغة العربية بتونس”. وتضلّ الانترنت مكانا مناسبا لنشاط الشيعة في تونس عبر ما يدوّنونه من مقالات وما ينشرونه من دروس ووصلات تحيل إلى مواقع إيرانية باللغة العربية تدعو للتشيّع. وتعتبر الجمعية الشيعية التونسية المُسماة “جمعية أهل البيت الثقافية” (غير مرخّص لها) فضاءا للتشييع ويترأسها تونسي يدعى عماد الدين الحمروني، كما يتردّد أن العديد من الشباب التونسي المتشيع يدرس بالحوزات العلمية في إيران. يُوصّف الأستاذ شاكر الشرفي الظاهرة الشيعية في تونس قائلا:”هي نبتة تنمو في غير تربتها فليس لنا في تراثنا التونسي التشيع الإمامي (نسبة إلى الإمامية)و إنما تشيّع إسماعيليّ (الشيعة الإسماعيلية) جاء مع الدولة الفاطميّة و انتهى عمليا مع سقوط تلك الدولة”. ويتابع: ” كان يمكن لظاهرة التشيّع أن تكون ظاهرة عادية لكن الشيعة المدعومين من إيران يمارسون تأثيرا معنويا و”ديماغوجيا” كبيرة على الشباب التونسيّ السنّي فهم يعتبرون المتشيع “مستبصرا” ويعني ذلك أنه كان أعمى وضالا ثمّ اهتدى بتشيّعه مع ما يعنيه ذلك من تشهير لمذهبه الأصليّ فيما بعد، أي التشهير بالمذهب السني المالكي المُهيمن في تونس والمغرب العربي”. على الرغم من أنّ الشيعة في تونس لا يمارسون عملا سياسيا ولا وجود لحزب يمثلهم ولا صحيفة تنطق باسمهم ولا حتى “حسينيّات” يمكن أن تُوظف لتمثيلهم كـ”طائفة” إلا أنّ الشرفي يعتبر التشييع في تونس “مشبوها” على حدّ تعبيره. “برز التشييع في تونس في سياق معروف وهو الحملة الأمنية على الحركة الإسلامية، دعمتهم الحكومة وغضّت الطرف عنهم ولازلت،لكي تستنزف حركة النهضة في قضايا عقائدية خلافية متشعّبة” يقول الشرفي و يضيف: “همّهم الوحيد افتعال قضايا جانبيّة ومعارك وهمية وهم يستفيدون من العلاقات التونسية الإيرانية الطيبة”. وربّما لم يخطئ الشرفي كثيرا بوصف العلاقة التونسية الإيرانية بالطيبة، إذ يرى متابعون أن التشيع في تونس يزدهر و يستفيد من العلاقة الودية بين الجانبين، وعلى الرغم من أنّ تونس قطعت علاقتها بإيران في أواخر الثمانينات، إلا أنها اليوم تبدو في أفضل حال فإلى جانب إنشاء لجنة مشتركة دائمة تنعقد كل ستة أشهر برئاسة نائب رئيس الجمهورية الإيرانية والوزير الأول التونسي أي بمعدل اجتماع سنوي في كل بلد، فإنّ مذكرات التفاهم الاقتصادية تجاوزت الخمسين مذكرة . كما تدعم تونس العضو في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية حقّ الجمهورية الإسلامية في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية. ويظلّ موقف الشيعة من الأحداث في تونس ضبابيا للغاية وسط اتهامات بالجملة تكال لهم حول ولائهم لإيران على غرار شيعة الخليج كما يقول شاكر الشرفي الذي عمل سابقا بدائرة الشؤون الثقافية للسفارة الإيرانية بتونس و يتخوّف من أن “يأتي يوم و يصبح شيعة تونس ورقة ضغط في أيدي الإيرانيين كما يحصل في لبنان و العراق”. أما الدكتور محمد التيجاني السماوي أبرز رمز شيعي في تونس فقال في تصريح سابق:” نحن لا نطالب لا بمسجد و لا حسينية و لا صحيفة لأن الأمور تجري رويدا رويدا … أنا لا أتدخل في شؤون الحكم والحكام و لدي مهمة أسمى من ذلك بكثير، ألا وهي تقديم النصيحة و كشف الحقيقة.. و أن نتجنب التعرض للنظام القائم ولا نتآمر عليه”. ولا يختلف السيّد الهادي نوّار 45 سنة (شيعي) مع السماوي في القول إن الشيعة ” لا يحملون أية ضغينة للنظام القائم في تونس وهم موالون له و ليس لإيران كما يحاول البعض ادّعاء ذلك” و يضيف:” تونس تحفظ حرية المعتقد وأنا والعشرات من أصدقائي الشيعة التونسيين لا نتعرّض للمضايقات نتيجة تشيّعنا، نحن مواطنون قبل كل شيء ننبذ الطائفية و التعصّب ونريد للآخرين التسامح معنا ونحمد الله أنّ تونس هي بلد التسامح ووجود أقليات أخرى تعيش بسلام جنبا إلى جنب على غرار “الأباضية ” والجالية اليهودية والمسيحيين و كلهم يمارسون طقوسهم و شعائرهم بحرية دليل على أنّ الشيعة لن يكونوا خطرا على الجمهورية التونسية كما يُسوّق لذلك البعض”
(المصدر: موقع “إيلاف” (بريطانيا) بتاريخ 5 أوت 2009) الرابط:
http://www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2009/8/468349.htm
حوار مع الباحثة آمال قرامي حول حقوق المرأة في تونس: عودة إلى الأصولية – أم سير نحو إسلام معاصر؟
كان يُنظر إلى تونس على أنها من أكثر البلدان العربية والإسلامية التي قطعت شوطا متقدما فيما يتعلق بحقوق المرأة ومثالا في الانفتاح، إضافة إلى نشاط الحركة النسوية في هذا البلد. بيد أن أفكار المحافظين الجدد والإسلامويين أخذت تجد طريقها إلى المجتمع التونسي، لاسيما عند الفتيات. بيآت شتاوفَر تحدَّث حول ذلك إلى الباحثة التونسية، الدكتورة آمال قرامي.
** “منذ بضعة أعوام لم تعد تونس نموذجا يحتذى في العالم العربي فيما يتعلق بحقوق المرأة” هل تعتبر تونس حتى الآن نموذجًا للعالم العربي فيما يتعلَّق بحقوق المرأة؟ آمال قرامي: منذ بضعة أعوام لم تعد تونس تعتبر من هذه الناحية ومع الأسف لم تعد بذلك نموذجًا للعالمين العربي الإسلامي. ومن الممكن هنا تسجيل تراجع واضح. وبما أنَّني على اتِّصال مباشر مع طالباتي، فأنا أستطيع أيضًا أن ألاحظ جيدًا كيف تضيع الإنجازات التي ناضل المرء من أجلها لفترة طويلة. والكثير من الطالبات أصبحن الآن مستعدَّات “للعودة إلى الشريعة”، كما أنَّهن يطالبن بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، حتى وإن كانت مضرة وغير مفيدة للنساء. وهكذا فهن يعتقدن على سبيل المثال أنَّ الطريقة الأفضل من أجل حلّ مشكلة البطالة هي عودة المرأة إلى العمل في البيت، والكثيرات منهن يرتدين النقاب ويدافعن عن قوانين الميراث الإسلامية التقليدية ويعتقدن أنَّ الكثير من الأشياء القيِّمة قد ضاعت بسبب تحرّر المرأة – كما أنَّ تعدّد الزوجات لا يزعجهن حقًا، بل هن يعتبرن تعدّد الزوجات أمرًا مشروعًا. ونحن النساء المتحرِّرات من الواضح أنَّنا لم نفعل إلاَّ القليل جدًا من أجل نشر أفكارنا وقيمنا. وعندما تسير اليوم في شوارع تونس، فستشاهد الجدَّات والأمَّهات اللواتي لا يرتدين الحجاب في أغلب الحالات، في حين أنَّ نساء الجيل الثالث يرتدين الحجاب. والعودة إلى الفكر الديني، واستعادة القيم الإسلامية واضحة وضوح الشمس. وهناك طبيبات ومهندسات يدعون للقضية الإسلامية – وحتى وقت قريب لم يمكن أي أحد في تونس يتصوّر أنَّ هذا ممكن.
** كيف تفسِّرين إعادة الأسلمة هذه؟ قرامي: أعتقد أنَّ وسائل الإعلام العربية لعبت دورًا مهمًا جدًا في ذلك. وفي السابق كنا نعتزّ ونفتخر بثقافتنا التونسية، وبانفتاحنا. ولكن لقد حدثت تغييرات كثيرة جدًا، وذلك منذ أن أصبحنا خاضعين لتأثير وسائل الإعلام العربية. ويضاف إلى ذلك أنَّ هناك أزمة هوية ذات أثر عميق، وقد تمت زيادتها من خلال الحربين في كلِّ من العراق ولبنان. وفي الوقت الراهن توجد في العالم العربي إحباطات هائلة، والناس يشعرون بأنَّهم يتعرَّضون للكبت. وفي ظل هذا الوضع فهم يبحثون عن الحماية والدعم في الدين. ويبدو لي أنَّ المهم في ذلك هو العودة إلى الطقوس، أي إلى اتِّباع الأحكام الدينية بشكل دقيق. وبالنسبة لي يعتبر هذا نوعًا من العبودية والتأليه. فمنذ بضعة أعوام يحاول المرء إغواء النساء وخاصة “من خلال الحجاب”. وأيضًا تلعب في ذلك القنوات التلفزيونية العربية دورًا حاسمًا. واليوم من الممكن للمرء أيضًا في تونس إيجاد موضة متنوِّعة من الحجاب، لم تكن في السابق معروفة هنا في تونس.
أَلا ترى الفتيات التونسيات الإيجابيات التي يتمتَّعن بها بسبب قانون النساء المتقدِّم نوعًا ما في تونس بالمقارنة مع معظم البلدان العربية الأخرى؟ قرامي: من أجل الإجابة عن هذا السؤال لا بد لي من التذكير بشيء. فكلّ هذا يتعلَّق في آخر المطاف بفشل التربية الدينية في تونس؛ حيث كانت مادة التربية الدينية في تونس لوقت طويل غير مرغوبة إلى أبعد حدّ، ولم يكن المدرِّسون يتعاملون مع التدريس بجدية. وهكذا لم يعرف جيل كامل من الشباب تقريبًا أي شيء جوهري حول الدين. ولم يتغيَّر الكثير في هذا الصدد حتى مع الإصلاحات التي أجراها وزير التعليم السابق، محمد شرفي. وعلى الرغم من أنَّه بذل ما في وسعه من أجل تفسير الرسالة القرآنية تفسيرًا معاصرًا؛ إلاَّ أنَّ مشروعه هذا باء بالفشل، وذلك لأنَّ المدرِّسين لم يقتنعوا بذلك. وكان لديهم جميعهم فهم محافظ جدًا للدين ولم تكن لديهم بالإضافة إلى ذلك أي فكرة عن علم الدين التربوي وعن الدراسات الدينية المقارنة، إلخ… ومن خلال ذلك كان هناك جيل كامل لا يتمتَّع في المسائل الدينية إلاَّ بمعرفة محدودة للغاية، وفي هذا الصدد لم يتعلَّم الشباب أيضًا من أسرهم شيئًا كثيرًا. وحتى إذا كانوا تعلموا، فقد كانوا يتعرَّفون في أوساط خاصة على الدين، وهنا بالتحديد كان الإسلامويون يلعبون دورًا مهمًا. الكثير من البرامج الدينية التي يتم بثها عبر الفضائيات العربية تنقل وجهات نظر محافظة أو حتى أصولية. فهل توجد هناك محطات تلفزيونية أخرى تحاول مواجهة هذه الموضوعات المحافظة برؤية حداثية وعلمانية؟ قرامي: هذه مسألة مهمة. فنحن موجودون في هذه الأزمة، لأنَّ الكثير من المثقفين من ناحية أصبحوا غير مبالين ولم يعودوا يبذلون في هذه المسائل أي شيء وبأي شكل من الأشكال. وقد أدركوا أنَّه لم يعد لخطابهم ولنظرتهم إلى العالم تقريبًا أي تأثير لدى جيل الشباب بالمقارنة مع التأثير الهائل للدعاة الذين ينشرون آراءهم من خلال المحطات التلفزيونية. ومن ناحية أخرى يبدو لي أنَّ الإسلامويين يقدمون بجد ونشاط على احتلال هذا المجال. وحتى أنَّ الأمر يصل في هذه الأيَّام إلى حدّ أنَّ بعض المشاركين في المناقشات التلفزيونية ممن يتبنّون مواقف ليبرالية ومعتدلة وعلمانية، صار يتم جعلهم موضع سخرية. ولهذا السبب من الممكن أنَّ العديد من المثقفين الذين يؤيِّدون الحداثة لم يعودوا للمشاركة في مثل هذه المناقشات.
لماذا لا تبذل الحكومات في بلدان المغرب العربي أي جهود من أجل مواجهة الفكر الديني المحافظ بشيء؟ قرامي: لدي انطباع بأنَّ الأوساط الإسلاموية المحافظة تتلقى الدعم والتشجيع أيضًا من جهات حكومية. وإذا ما ذهبت على سبيل المثال إلى معرض للكتاب، فستجد كميَّات هائلة من المؤلَّفات الدينية. وفي المقابل كثيرًا ما يتم إخضاع الكتب ذات الموضوعات النقدية للرقابة.
ما هو السبب الرئيسي – حسب رأيك – لزيادة جاذبية الآراء المحافظة الجديدة أو حتى الأصولية في العالم العربي؟ وهل يكمن السبب قبل كلِّ شيء في الشعور بالإهانة المستمرة من قبل الغرب؟ قرامي : من قبل الغرب وكذلك أيضًا من قبل أنظمتهم الخاصة بهم. وإذا لم يكن هناك حرية للتعبير عن الرأي، وإذا كان النقاش بشكل علني حول القضايا الاجتماعية الرئيسية مستحيلاً، وإذا لم يكن هناك ببساطة تقدّم في موضوعات كثيرة، فإنَّ مثل هذا التطوّر ليس غريبًا. وهناك جيل من الشباب برمَّته لم تعد لديه أحلام، ولا مُثل، ولا أمل. فهم يشعرون فقط بأنَّنا فشلنا. لديَّ العديد من الطلبة الذين يعرفون تمام المعرفة أنَّ درجة الماجستير في الأدب العربي لم تعد تساوي اليوم أي شيء. وهؤلاء الشباب يشعرون بأنَّهم مهانون في بلدانهم. وفقط قبل بضعة أعوام كان الشباب الذين يشعرون بالاحتقار من قبل مجتمعاتهم يستطيعون الهجرة. أمَّا اليوم فقد أصبحت الحدود مغلقة أكثر وأكثر، ومَنْ يتمكَّن على الرغم من ذلك من الوصول إلى أوروبا يكون وضعه صعبًا هناك كونه عربيًا ومسلمًا. واليوم يعرف هؤلاء الشباب أنَّ لا أمل لهم. ولهذا السبب فهم يهربون إلى الدين. دعينا ننتقل إلى الحديث حول موضوع دور المرأة داخل المؤسسات الدينية. فهل بقي هذا المجال أيضًا في تونس ملكًا للرجل؟ قرامي: لم تحاول ناشطات الحركة النسوية في الثمانينيات والتسعينيات الدخول إلى هذا المجال قطّ لأسباب مختلفة. وأمَّا بالنسبة لجيلي فإنَّ الكثير من الباحثات والباحثين يحملون الآن شهادات في اللغة العربية وآدابها وكذلك في العلوم الإنسانية الحديثة. وهكذا نشأت بعض الأعمال الجديدة حول موضوعات دينية. ولكن “الإسلام النسوي” – الذي يمثِّل حركةً تؤيِّد المطالب النسائية ولكنَّها تدعم هذه المطالب بحجج إسلامية – لم يتمكَّن في الحقيقة حتى الآن من ترسيخ وجوده في تونس. وكذلك لقد كان هناك انقسام واضح بين النساء؛ فإمَّا أنَّ الواحدة كانت ناشطة نسوية أو ذات نزعة دينية. ونحن النساء المتحرِّرات لم نكن نعي أنَّه يجب أن يكون هناك مشروع لمواجهة الإسلامويين، والدفاع على هذا النحو عن قيم الحداثة والعلمانية. غير أنَّ هذا تغيَّر الآن.
هل ترين أنَّ ثمة أهمية لظاهرة “الإسلام النسوي” الذي يظهر بشكل حركة نسوية؟ قرامي: طبعًا وبكلِّ تأكيد. فهذه الحركة سوف تساعد الشابات في تكوين فكرة أخرى جديدة عن الدين. وكما ذكرت آنفًا، فإنَّ التفسير المعتدل والتقدمي لا يكاد يشكِّل أي أهمية بالمقارنة مع التفسير المتزمِّت ومع التفسير الإسلامي. ولهذا السبب لا يمكن للجيل الشباب أن يكتشف أبدًا أنَّ العلوم الدينية غير محتكرة في أيدي الرجال وحدهم! ولا يوجد جدول يجمع أعمال النساء اللواتي أجرين أبحاثًا حول الدين، وفي كثير من الحالات يتم أيضًا وببساطة إسكات صوت هؤلاء المؤلِّفات.
ولكن أَلا تدافع الكثيرات من “الناشطات النسويات الإسلاميات” أيضًا عن المواقف المحافظة وحتى عن المواقف الإسلاموية؟ قرامي: يختلف هذا من بلد إلى آخر. ففي مصر تتمتَّع الإسلامويات بالخبرة في مجال الشؤون الدينية. وفي المقابل تتمتَّع الناشطات النسويات بالقدرة على فتح مجالات بحث جديدة. وإذا ما تمكَّن “المعسكران” من الاتِّحاد من أجل مشروع، فعندئذ ستتكوَّن حالات من التآزر والتعاون. وهكذا من الممكن التغلب على المعوِّقات. وهذا ينطبق أيضًا على ناشطات الحركة النسوية في المغرب؛ حيث أدركن أنَّه لا بدّ لهن على الأقل في بعض الأحيان من التعاون مع الإسلامويات. وهذا غير ممكن في تونس، وذلك لأنَّ الحركات الإسلاموية ممنوعة هنا، وبالتالي لأنَّه لا يوجد في تونس ناشطون إسلامويون وناشطات إسلامويات يجاهرون بأفكارهم؛ إذ يتحتَّم عليهم إلى حدّ ما العمل في الخفاء، كما أنَّهم يخشون من الظهور بشكل علني.
أجرى الحوار بيآت شتاوفَر ترجمة: رائد الباش (المصدر: موقع “قنطرة – حوار مع العالم الإسلامي” (ممول من الحكومة الألمانية) بتاريخ 5 أوت 2009) الرابط:
http://ar.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-471/_nr-831/i.html
علاقات مجمّدة.. مشاعــر ميتــــة والأبنـــاء يدفعــون الثمــــن
تونس ـ الصباح: نظرة فابتسامة، فموعد فلقاء.. فشهر عسل او بضعة أشهر احيانا ثم تشهد العلاقة الزوجية منعرجا آخر أكثر رسمية وجدية خاصة مع مرور الايام وازدياد حجم المسؤولية.. علاقات مآلها الاستمرار وأخرى مصيرها الفشل والطلاق ذلك الشر الذي لا بد منه احيانا، وعلاقات اخرى لا هي من صنف الأولى ولا هي من الثانية. هي علاقات جامدة وفاترة يخيّم عليها الجفاء والبرود، اطرافها يعيشون تحت سقف واحد ولكنهم في عالمين مختلفين. انفصال اتفاقي ولكنه غير رسمي وغير معلن لاسباب ومبررات عديدة.. منها مصلحة الأبناء. وما أبعد مصلحة الأبناء عن مثل هذه الاجواء، انه «فريقو» الحياة الزوجية، علاقة مفصولة ومنقطعة بين الزوجين ولكن في البيت فقط!! اما رسميا فهي علاقة عادية ولعلها احيانا في قمة النجاح والسعادة امام الآخرين، الاسرة الموسعة والاصدقاء و المجتمع. ولكن ما خفي شيء آخر تماما لا يعلمه الا اصحاب الشأن.. والابناء الطرف الثالث في هذه العلاقة «المعلقة» والذين يدفعون الثمن في الخفاء.. قد يصعب حصر هذه الحالات من العلاقة الزوجية «المجمدة» لانها تحصل في هدوء تام وسرية مطلقة فلا تصل الى مراكز الشرطة او المحاكم.. وان وصلت احيانا فسرعان ما تعود ادراجها لتخمد وتسكن امام اسباب ومبررات اجتماعية ونفسية ومادية اصحابها أدرى بها واعلم. ولكن السؤال الذي يطرح نفس بالحاح هو ما هي الاسباب الكامنة وراء تجميد هذه العلاقة بعد عهود من التواصل و«السعادة» في الظاهر على الأقل؟ لا سيما وان بعض هذه الحالات قد خرجت الى دائرة الضوء بطريقة او بأخرى. «منية» سيدة فاقت الاربعين من عمرها. متزوجة منذ أكثر من 12 سنة تراجعت علاقتها مع زوجها بمرور الوقت حتى وصلت الى درجة «الصفر» على حد تعبيرها ملت المشاكل والعراك اليومي والخلافات على أبسط الاشياء باتت تعلم جيدا ان زوجها بات لا يطيقها فدخلت علاقتهما «العصر الجليدي» فتجمدت حتى أضحى الامر لا يعنيها كثيرا سيما انها وجدت البديل في العمل (الخياطة).. احيانا لا ترى زوجها لاكثر من يومين مع انهما يقطنان في بيت واحد. هي تشبه علاقتها بزوجها كأنهما «جيران» ولكن الامل مازال يحدوها في ان تنصلح الامور في يوم من الايام. وعن الأسباب قالت محدثتنا، انها النزوات العابرة ورفقة السوء الذين لا خير يرجى من ورائهم..» وختمت قولها «ربي يهديه ولا شيء يهمني غير مصلحة ابنائي الثلاثة..» اما «ربيعة ـ و.» فكان حديثها الينا مزيجا من الحقد والغضب والحزن الشديد.. لم تكد تذكر زوجها بخير.. فهو سكير وزان ومبذّر للأموال ولا ينفق على بيته رغم وضعيته الميسورة ـ الا القليل ـ لا يعجبه شيء في البيت «لا كلامنا.. ولا الطعام ولا الغسيل..» وعلى أتفه الاسباب تنشب الخلافات والمشاجرات فتكسر الأواني والتجهيزات وتعلو الأصوات.. حتى ملّت هي وابناها هذا الحال.. فانصرف كل منهم لحياته وشؤونه الخاصة ولا أحد منهم بات يلقي بالا الى الآخر رغم دفء البيت الذي يجمعهم.. الا ان برودة علاقتها الزوجية غيرت مناخ الجو العائلي الى جو يسوده الجفاء والتنافر واللامبالاة. اما عن ـ حنان ـ فهي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها ولكنها تحمل جبالا من الهموم والمسؤوليات على عاتقها فالى جانب مشاغل ابنيها فهي تبذل قصارى جهدها حسب قولها للمساهمة في توفير حياة ملائمة للأسرة، ولكن الزوج متهم ايضا في هذه الحالة، فهو كثير الشك في زوجته الى حد الوسوسة والتجسس عليها فكثرت المشاكل شيئا فشيئا بعد فترة قصيرة من السعادة والانسجام اثمرت طفلين في عمر الزهور، حينها لم تعد الفرصة امامها متاحة للتراجع فخيّرت ان ترضى بقدرها وتهتم بطفليها ولم تعد تهتم بزوجها الذي بات هو الاخر غير مبال بتدهور علاقته الزوجية التي دخلت مرحلة اللاعودة واللااستمرار فكان الجمود والفتور والجفاء في المشاعر والمعاملات.. زوجات.. متهمات ولئن حملت محدثاتنا ازواجهن السبب في تراجع علاقاتهم ودخولها مرحلة «الفريقو» فهن ايضا يتحملن جزاء من المسؤولية عند بعض الأزواج الذين يشتكون نفس الحالة. احدهم يقول «تزوجتها في سن مبكرة.. وشعرت بمرور الوقت اني لم أحسن الاختيار».. «زوجتي تفعل الكثير لارضائي الا انني أشعر تجاهها فقط بانها مربية جيدة للأبناء ولكن ليست تلك التي رسمتها في مخيلتي قبل الزواج..» يقول زوج آخر. اما مكي فيقول «اصبحتْ زوجتي مهملة فجأة لنفسها ولباسها حتى اصبحت أشعر انها لا تهتم بي.. ورغم نصائحي لها الا ان قناة الحوار بيننا اعتقد انها معطلة ولا مجال للتفاهم ابدا.. وكذلك لا مجال للطلاق والانفصال وتضييع أبناء ابرياء..» يقول زوج آخر: «حياتي الزوجية حياة باردة جدا ورتيبة ومملة وليس لي دافع للحديث معها.. لانها لا تفهمني..» وآخر يضيف بعد تجربة قرابة 20 سنة من الزواج: «ترى زوجتي النساء من حولها.. وهي كما هي لم تتغير.. وزميلتي في العمل تشعرني اني مراهق في الثامنة عشر من عمري رغم أني جاوزت الاربعين»!! هذه آراء بعض الأزواج في سبب تراجع العلاقات الزوجية وجمودها.. فهؤلاء رغم هذه الشروخ والفجوات التي يعيشونا في حياتهم الزوجية خيّروا عدم اللجوء الى ابغض الحلال.. ومهما يكن السبب في ذلك الا ان السؤال المطروح هنا هو كيف يمكن للأبناء العيش والتأقلم في ظل هذه الوضعية الاسرية الباهتة؟ أبناء يدفعون الثمن وآثار نفسية مدمرة «حميدة.ش» فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها، اصبحت من الحرفاء القارين لاحد الاطباء النفسانيين بالعاصمة روت بعض تفاصيل قصتها في كآبة واحباط. تقول «عشت طفولة كئيبة وعنيفة، لرغم حالنا الميسور الا ان الخلافات والشجارات لم تغب يوما عن بيتنا المرفّه، وبسبب اتفه الأشياء، حتى بت أتساءل كيف امكن لأبويّ الزواج؟ كبرت في بيت مشحون بالتوترات ولكنها اختفت تدريجيا بعد ان اقتنع الاثنان انه لا مجال للحوار او التفاهم الا ان ذلك لم يكن عبر الطلاق.. وليته كان الطلاق.. انها علاقة زوجية مع ايقاف التنفيذ. تنام امي في غرفة وأبي في غرفة أخرى.. لا يجتمعان على طعام او جلسة أسرية الا نادرا اذا اتانا ضيف او قريب.. مرضت أمي بعدة امراض مزمنة وهي تقضي يومها في المنزل اما والدي فلا يأتي الا فجرا.. شعرت بنوع من الاهمال خاصة أنه لا أخت لي اقاسمها احزاني وهمومي، فليس لي سوى أخ لا أراه هو الاخر الا نادرا.. فخضت عدة تجارب وعلاقات.. وبت أتردد على المقاهي والكازينوات ثم احسست بنوع من الحقد والكره الشديدين للآخرين ولكل المبادئ والقيم ولكل الممنوعات رغم أني اعلم أني خاطئة في ذلك.. احسست بكره تجاه أبي.. اصبحت عصبية واحيانا ولاتفه الاسباب وجدت نفسي ادخل حالة هستيرية وغضب وهيجان وأتلفظ بأبذإ العبارات واكسر كل ما وقعت عليه يدي من تجهيزات المنزل.. اخذتني والدتي الى طبيب نفسي.. ولكن ادويته اصابتني بالخمول والغثيان فامتنعت عنها.. ومازالت حياتي على هذه الشاكلة، تافهة وبلا معنى حتى أني لا أعتقد ان في وجودي فائدة.. فحياتي بلا معنى ولا جدوى..» هذه حالة من عديد الحالات المشابهة سببها حياة زوجية جامدة.. وقاتلة ذات آثار مدمرة على أبناء لا ذنب لهم وهم يعيشون يوميا تفككا أسريا وجمودا عاطفيا بين الأبوين افقدهم الحنان والاحساس بالرابط الأسري فعاشوا ألوانا من المعاناة والوحدة والشعور بالاحباط والكآبة. جمود «تعاقدي» في هذا الصدد افادنا الأستاذ عبد الوهاب محجوب استاذ علم النفس ان الحالات تتفاوت وتختلف في هذا المجال وأسوأها مرحلة الجمود العلائقي بين الزوجين وهو جمود تعاقدي وان كان بصفة غير مباشرة اي ان الطرفين لجأوا مجبرين او مخيرين الى هذه المرحلة حيث لا زواج ولا طلاق. وان كان الطلاق في هذه الحالة افضل لان آثاره حينها ستكون محدودة مع توفر قناة للتواصل والحوار وقد تؤدي الى العودة. وهذا النوع من العلاقة المجمّدة لا شك انه يعود بالضرر على الأبناء الى درجة الاصابة بحالة مرضية نفسية قد لا تحمد عقباها. والابن في هذه العلاقة اعتبره يتيما، وهو يتيم مشاعر الأبوين، لا أصل وجودهما.. وهو ما ينجم عنه نوع من السلوك الثائر الرافض للسلطة الابوية والأسرية فيخضع الابن لاشعوريا لنداء «اللاء» الباطني المتأثر بهذه العلاقة وهو ما يسبب غيابا شبه مطلق للاحترام والتقدير من طرف الأبناء داخل البيت مما يولد تدريجيا نوعا من العنف السلوكي تجاه الذات وتجاه الآخر فتجد الابن دائما ما يردد اثناء الغضب الفاظا عنيفة وتهديدات بالضرب او القتل أو الانتحار.. وذلك كنوع من معاقبة النفس عن الوجود فالابن هنا والذي عايش مثل هذه الأجواء الجامدة بين أبويه يتمنى التخلص من وضعيته وحياته ويسعى الى ذلك بمختلف الطرق كهجر البيت او اللجوء الى الخمور او المخدرات وباب الانحراف بشكل عام وبالتالي تنعدم فيه أسس تكوين الشخصية وهو ما يساهم في تدهور تكوينه ومستواه الاخلاقي والسلوكي والنفسي وحتى العلمي.. وكل ذلك من شأنه ان يولد في نفسه بشكل لاواع نوعا من الحقد والرفض لكل سلطة من السلط سواء الأسرية او الاخلاقية او القانونية.. مما يفتح امامه واسعا باب الانحراف والأمر سيان بالنسبة الى الشاب او الشابة مادامت الاسباب واحدة. طلاق غير منجز الاستاذ شهاب اليحياوي مختص في علم الاجتماع وصف لنا هذه الحالة بانها نوع من الطلاق غير «المنجز» وغير «المعلن» وهو طلاق مع تأجيل التنفيذ… وفيه نوع من اعطاء الفرصة للصلح وان طال امدة وغالبا ما يرفض اصحاب هذه الحالات من العلاقة الزوجية المجمدة الطلاق اما بسبب المكانة الاجتماعية لان اغلبهم من ميسوري الحال.. او حفاظا على الأبناء حسب ظنهم او هروبا من اجراءات قانونية وتبعاتها عند الطلاق الفعلي بالنسبة للطرفين وهو ما يجعل نوعا من التعاقد السري غير المعلن على ايقاف العلاقة الطبيعية للزواج ليحل بدلها فتور وبرود وجمود وغياب للحوار والعاطفة والأجواء الاسرية حتى في المناسبات وهو ما ينجم عنه تأثير سلبي تدريجي على الأبناء الذين يختل ميزان العاطفة لديهم ويضعف شعورهم بالحب للأبوين في ظل انقسام واضطراب واضح للاحساس بالرابط الأسري. ويستشعر الابناء هذا الشرخ الحاصل في العلاقة الأبوية مبكرا ليزداد مع مرور الوقت ونضجهم الفكري اكثر وهو ما ينتج في النهاية شرخا أسريا وتفككا عائليا يكون الأبناء في العادة ضحاياه الاساسيون وذلك ينعكس بوضوح في سلوكاتهم التي تميل الى العنف والكآبة والانكماش وهو ما يؤثر حتى على نوع علاقاتهم بالآخرين حتى الأقرباء وقد يؤثر ذلك ايضا بنسبة كبيرة في حياتهم المستقبلية سواء العاطفية او الدراسية والمهنية وغيرها. وأكد لنا محدثنا مجددا افضلية الطلاق الفعلي على هذا النوع من العلاقة الزوجية ذلك ان في حالة الطلاق يمكن للابن ان يمتص تدريجيا صدمة انفصال أبويه فيضعف عنده الشعور بالحقد والاحباط بينما في مثل هذه الحالة من العلاقات «المجمّدة» تزداد حالة الأبناء سوءا يوما بعد يوم. كما لخّص لنا المختصون اهم الاسباب المؤدية الى هذا النوع من العلاقات خاصة في تفاقم الشكوك او الاتهامات بالخيانة بين الزوجين الراجعة اساسا الى الزوج، اضافة الى عدم اهتمام الزوجة بنفسها وطغيان الملل والرتابة في الحياة اليومية للطرفين وكذلك زيادة الاهتمام بالأبناء واهمال الزوجة وتقصيرها في احتياجات الزوج العاطفية وتكاثر الخلافات والمخاصمات وعلى أتفه الاشياء اضافة الى ضعف المستوى الثقافي ووجود فارق تعليمي بين الزوجين وكذلك المشاكل الجنسية.. كل هذا يضاف الى وجود الأبناء والمظهرية الخارجية والخوف من اهتزاز المكانة الاجتماعية.. ظ ـ بالطيبي (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 05 أوت 2009)
حوارات – الشيخ راشد الغنوشي لموقع “الملتقى” : إذا كنا حركة شعبية ينبغي ان لا تكون مطالبنا حزبية
الأربعاء, 05 أوت/آب 2009 حوار الشيخ راشد الغنوشي مع موقع الملتقى الإلكتروني
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم .. في بداية هذا اللقاء يسعدنا أن نلتقي بأحد أعلام الحركة الإسلامية … مع فضيلة الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية الأستاذ راشد في بداية حديثنا معك نريد أن نتعرف على حضرتك عن قرب ، نحن كثيرا ما نسمع عن الشيخ راشد صاحب المبادرات السياسية و الآراء الفقهية و كثير من الأمور التي تجول في عالمنا الإسلامي نجد لحضرتك رأي و قلم فيها، نريد أن نقترب من حضرتك عن قرب و نتعرف على الشيخ راشد الغنوشي كإنسان منذ بدايته.. الشيخ راشد: مرحبا الملتقى: تعرفنا بنفسك النشأة الأسرة الهوايات الأولى ، ما إستمر منها ..بإختصار إن شاء الله الشيخ راشد: بسم الله الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أحيي منتدى الإخوة و شباب الإخوة فهم أمل الأمة و ركنها الأساسي في مغالبة الصعاب و تحقيق أهداف الحركة الإسلامية و مواجهة أعداء الأمة و أساسا تحقيق النهضة لهذا المشروع الذي طلت أمتنا منذ مائتي سنة على الأقل و هي تبحث عن الطريق إليه، و كثيراً ما كان بحثها على غير هدى و بالمحصلة أهداف النهضة في الأمة لمّا تتحقق بعد على النحو الذي يضع الأمة على خريطة العالم ويعيدها كما قال الأستاذ البنا إلى أستاذية العالم (كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تومنون بالله) (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا) . هذا المشروع ابتدأ منذ مائتي سنة على الأقل من أجل أن تأخذ الأمة موقعا يناسبها في هذا العالم و لمّا تصل إلى ذلك و لكن جهودها لم تذهب سدى و إنما هنالك تراكم لفعل الأجيال و كل جيل يراكم كسباً جديدا و يتغلب على صعوبات و يتقدم نحو الهدف ، و مطلوب ان ننظر إلى تاريخ أمتنا و منهاج نهوضها نظرة متكاملة تواصلية.. و ليس بمنطق الحذف و الإقصاء منطق (كلما دخلت أمة لعنت أختها) و إنما بمنطق التواصل (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، ينبغي أن نترفق بتاريخنا و نعتبر أنفسنا إمتدادا لخير ما في هذا التاريخ و ليس صفحة جديدة لا صلة لها بما سبق،.. نحن صفحة في كتاب هذه الأمة و نحاول أن تكون صفحة جيلنا كسبها أعظم مما سبق و لكن هو بناء على ما سبق و تلك هي الروح التي تصمد كما صورها النبي صلى الله عليه و سلم (مثلي و مثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً….) فهوعليه السلام لبنة في بناء النبوات و هكذا نحن في مشروع نهوضنا يجب أن نعتبر أنفسنا لبنة في هذا البناء الحضاري العظيم… و لا نعتبر أن الجيل الذي سبقنا و لو كان يختلف عنا بعض الشيء أننا نقيض له، لا بل نحن امتداد لهم متطوّر، لأن التطور الحقيقي هو إحتفاظ و تجاوز .. تجاوز و لكن فيه إحتفاظ لخير ما سبق و تجاوز للأخطاء، و هذا جزء من الوسطية في التعامل مع تراثنا القديم و الحديث، لسنا تكراراً لتراثنا، و لكن لسنا متعبدين بذلك التراث ولا نحن مستعبدين له ولا تكرارا له. أنا ولدت في خضم الحرب العالمية الثانية، ولدت تحت القصف و منطقتنا كانت تحت القصف، القصف الألماني في ذلك الوقت. و أحسب أني مازلت مستمراً أتقدم تحت القصف بإذن الله.. لملتقى: ربنا يحفظكم من القصف.. الشيخ راشد و أمتنا في الحقيقة كلها تتقدم تحت القصف، و جيلنا مرت عليه عواصف عاصفة، التحديث في الخمسينات و الستينات، التولّه بالغرب باعتباره النموذج الأعلى للتحضر، كان جيل الخمسينات و جيل الستينات و السبعينات جيلا مفتونا إلى حد بعيد…. لو بحثنا عن بعض الإعتذار له لقلنا جيلا لم تتوفر له فرص للثقافة الإسلامية، فالفكر الإسلامي لم يكن قد حقق قدراً من النضوج يستطيع به أن يستوعب أجيالا قد تدربت و تثقفت في المدارس الغربية بمناهجها المتقدمة، لم تكن بضاعتنا قادرة على المنافسة في ذلك السوق الذي يسيطر عليه الغرب، فوقعت أجيال في الأسر، في أسر الفكر الغربي، جيل طه حسين و جيل بورقيبة .. وما تولد بعد ذلك من حركات وطنية و حركات قومية و إشتراكية.. نحن لا نحقر من شأن تلك الأجيال.. ربما لم يكن ينقصها الإخلاص..كانت لها تضحياتها وعطاءاتها إلا أنها كانت ترى أن خير الأمة هو في ذلك الطريق الذي شخص رؤيته طه حسين إذ قال في كتابه مستقبل الثقافة في مصر: حتى نكون للغرب أندادا يجب أن نسير سيرته فيما يحب و ما يكره..وظل بورقيبة يردد شعاره الأثير:اللحاق بركب الامم المتقدمة ناظرا للإسلام في الأغلب أنه عقبة في طريق تحقيق هذا الهدف الأسنى..عقبة يتم تخطيها بضرب من التأويل ولو بتعسف إذا أمكن أو التهميش وحتى التحدي مثلما فعل مع الصوم والحق أن البضاعة الإسلامية التي كان يقدمها الأزهر أو الزيتونة لم تكن لتصمد أمام الفلسفة الغربية و الفكر الغربي و الفكر السياسي و الإقتصادي و لذلك تم إستهواء أجيال في أمتنا. أذكر أني- و أنا درست في جامع الزيتونة في الخمسينات- تعلمت على يد والدي رحمه الله وكان حافظا لكتاب الله و علمني قسما من كتاب الله. ثم ذهبت إلى المدرسة و كانت مدرسة مختلطة بمعنى عربية فرنسية، إلا أن والدي بمجرد ما لاحظ أن ما أودعني من قرآن قد نسي، وأن لساني قد بدأ يستعمل الفرنسية، حتى قرر أن ينأى بي عن هذا المسلك، و يرسل بي إلى جامع الزيتونة للتعليم الديني، و كان مشروع الاصلاح والتطوير في جامع الزيتونة يومئذ على يد العلامة محمد الطاهر بن عاشور و هو أحد تلاميذ محمد عبده. قد حقق قدرا من استيعاب العلوم الحديثة إلا أنه لم يصل الى مستوى من التطور ليقدم الإسلام على أنه منهاج للحياة في مقابل المناهج الغربية، فكنا عندما نخرج من جامعة الزيتونة إلى الحياة العامة كنا كمن يخرج من متحف تاريخي إلى الحياة، حيث جامعة الزيتونة و التعليم الديني كان في واد و الحياة كانت في واد آخر، الحياة كانت قد غربت بإقتصادها و تجارتها و إدارتها و ثقافتها وإدارتها ، و جامع الزيتونة ظل مُشَرقاً ظل تراثياً. و بالتالي البضاعة الدينية التي كنا نتلقاها لم تكن قادرة على أن تملأ قلوبنا عزة بالإسلام فنحمل رسالته التغييرية، وكأن ليس للإسلام رسالة للتغيير، لأنه لم يكن يقدم على أنه منهاج للحياة للمسلمين، بديلا عن المناهج الغربية راسمالية وشيوعية حلت محله، و إنما كانت تقدم عنه صور باهتة ، تحيل الى نماذج الحياة في صور تراثية تاريخية بالية الحقيقة أن الذي أنجزته حركات الإصلاح بقيادة محمد عبده، الأفغاني ثم رشيد رضا والبنا و الثعالبي والفاسي والمودودي وقطب وابن النبي ..قد نجحت في إخراج الاسلام من ذلك المتحف ورمت به في لجة الحياة يحاور ويجادل المناهج الاخرى مدافعا عن حماه بالحجة والمنطق بل يقدم نفسه بديلا عنها ، يقبل منها مواد وخبرات بشروطه ولخدمته ويرفض في إباء أخرى. وهكذا أمكن الى حد بعيد لجيل اسلامي جديد إخراج الاسلام من المتحف ووضعه في قلب المعركة التاريخية ، مالئا معتنقيه شعوراً بالعزة وبرسالته في تغيير العالم. مثل هذه التصورات وهذه الرسالة لم يكن يقدمها الأزهر و لم تكن تقدمها الزيتونة وأمثالهما من المؤسسات التقليدية رغم جرعة الاصلاح التي نالتها، و لذلك جيلنا في الحقيقة الذي تخرج من جامع الزيتونة خرج ببضاعة تراثية، و لكنه لم يخرج بعزة إسلامية و لا برسالة، لذلك القليل القليل من طلبة جامعة الزيتونة من كان يؤدي الصلاة أصلا رغم أن دراسته دينية، لأن الحياة قد أقلعت نحو الغرب بإدارتها و إقتصادها و إعلامها و ثقافتها و ظلت المؤسسة الدينية في المحصلة والرسالة مؤسسة تراثية. الملتقى: هل كان لهذه النشأة سواء نشأة الأسرة و القرآن ثم الإلتحاق بجامع الزيتونة أثر في المكون الأساسي للشخصية. الشيخ راشد لا شك أن يظل لذلك بعض الأثر في النفس و لكن التيار كان جارفاً، فهاجرت الى المشرق أتلمس النهل من المنابع وكانت قد سدت أبوابه بإحكام السياسة البورقيبية ربطا لتونس بمصادر إلهامه في اروبا الفرنسية. فنحن بقايا جامعة الزيتونة قلوبنا كانت معلقة بالمشرق فكنا نطمح أن نواصل دراساتنا في الجامعات المشرقية لأن الجامعة التونسية الحديثة قد تفرنست وكان طموحي دراسة الهندسة. فهاجرت إلى مصر إلى القاهرة و كان عامة التونسيين لا يزالون وبالخصوص الزيتونيين قلوبهم معلقة في المشرق حيث جذورهم الاصلية وحيث الملاذ الروحي من الرياح الغربية العاتية التي شرعت في تقويض بنيانهم الحضاري فكانوا يرون في النظام الناصري في ذلك الوقت و هو في مبتدئه يرونه نموذجاً يبشر بعزة العرب و عزة المسلمين، وتحرير فلسطين و توحيد العرب ، مع ملاحظة أن الإتجاه العربي و الإسلامي في شمال إفريقيا مقترنان فكل ما هو عربي هو إسلامي لأننا نحن أسلمنا ثم تعربنا، فالعروبة والاسلام في شمال افريقيا يقاتلان في خندق واحد في مواجهة خطر داهم متربص يهددهم بالخراب والدمار والاستلحاق يأتيهم عادة من الضفة المقابلة غازيا قاتلا ناهبا مبشرا مغرّبا.. هاجرت إلى المشرق العربي سنة 64 و كانت وجهتي القاهرة.. الملتقى: تأثراً بالناصرية الشيخ راشد ان أهل الجنوب التونسي الذي أنا منه و أهل الإتجاه العربي و الإسلامي الذين خسروا المعركة ومعهم المشرق العربي الذي تولى دعم الزعيم ابن يوسف ناصريين، قد علقوا آمالهم في الثورة الناصرية الشابة المبشرة بالامجاد كانت الناصرية بمثابة الملجأ الروحي لا سيما وأن بورقيبة كان في عداوة شديدة مع عبد الناصر، و كان يتجه بالحياة التونسية قدماً نحو الغرب بينما أهل التعليم العربي و الإسلامي ظلوا متجهين نحو المشرق يستمدون العزة و القوة و الأمل في التغيير، فأنا ذهبت إلى مصر بهذه الروحية، الإعتزاز بالعروبة و إعتبار عبد الناصر المثل الأعلى بالنسبة لجيلي من أهل التعليم العربي و الإسلامي في ذلك الوقت. الملتقى: إلى متى ظل هذا المثل برونقه و جماله يمثل لكم قيمة. لشيخ راشد : في صائفة 1964إجتمعنا في مصر على غير موعد حوالي أربعين من الطلبة التونسيين الزيتونيين الذين هاجروا من تلقاء انفسهم إلى مصر يريدون متابعة تعليمهم في الجامعات المصرية و ظللنا طيلة الصائفة في نضال متواصل من أجل الحصول على حق التسجيل في الجامعات المصرية، حتى أننا قمنا بمسيرة أمام بيت عبد الناصر للمطالبة بحقنا في التسجيل. و كان الأمن يسألنا ماذا تريدون و كان الناطق بإسمنا يقول “العربية في بلادنا متدهورة” أي اللغة العربية، فكان الضابط ينخرط في الضحك إذ يجيب صاحبه الذي يسأله ماذا يريدون ” يقولون العربية متدهورة في بلادهم ” إذ العربية لها معنى آخر في العامية المصرية أي السيارة . المهم أننا ما إن تحصلنا على الحق في التسجيل حتى انخرطنا في الدراسة في مفتتح السنة الدراسية وقد كنت قد سجلت في كلية الزراعة جامعة القاهرة يراودني حلم تطوير الحياة الزراعية الشاقة في الجنوب التونسي التي نشأت فيها وعشت ضنكها مع أهل قريتي. إلا إنه لم نمض في الدراسة أكثر من شهرين أو ثلاثة حتى تزلزلت الارض من تحت اقدامنا نتيجة لتصالح تم بين بورقيبة وعبد الناصر على إثر قطيعة وعداوة أفدنا –منها ، وكان ذلك ضمن تهيئة بورقيبة لرحلته الى المشرق العربي لتفجير أول قنبلة تطبيع في أريحا حيث خطب مناديا بالإعتراف بإسرائيل- وكان قد مر قبلها بالقاهرة والتقى بعبد الناصر. واستغرب بورقيبة من حملة الاعلام المصري عليه تحت ضغط الاعلام السوري ذاكرا أنه اتفق على ذلك مع عبد الناصر المهم أنه ما إن إنصلحت العلاقة بين تونس و بين مصر حتى طالبت السفارة التونسية بإسترجاع هؤلاء الطلبة المتمردين لأن نظام بورقيبة لم يكن يريد للطلبة التونسيين أن يتعلموا في الجامعات المشرقية لأنه يعتبرها مسكونة بالناصريين و البعثيين و هو يريد أن يقطع تونس عن إمتدادها المشرقي و يربطها بفرنسا و بالغرب عموما، فبادرت السفارة بالمطالبة بعودتنا فصدر قرار بفصلنا من الكليات التي سجلنا فيها، ووجدنا أسماءنا مشطوبة، و بدأ الشرطة تلاحقنا لتسليمنا إلى السفارة حتى نعاد إلى تونس .تصرف كل واحد بطريقته الخاصة. استسلم البعض للقرار وسلم نفسه. وآخرون واصلوا التمرد باحثين عن بدائل في ارض اخرى. أما أنا فقد أزمعت السفر إلى ألبانيا ، لا اعرف فيها أحدا إلا أني كنت أتابع بعض برامج إذاعتها العربية الادبية وأرسل لهم قصصا قصيرة. و قد كان لدي منزع إشتراكي آنذاك فكنت أنظر للتجربة الألبانية بنوع من الإعجاب. نوع من المنزع الثوري، و لكن و أنا في وكالة الأسفار لأحجز تذكرة نحو ألبانيا وجدت أحد أقاربي وهو طالب قديم في مصر، فظل يقنعني بالتخلي عن فكرة ألبانيا واصفا لها بالبلد المتخلف المنغلق و أخذ يرغبني في الذهاب إلى سوريا و بالفعل نجح في تغيير وجهتي و ذهبت إلى سوريا. ومرة أخرى يتدخل القدر في توجيه حياتنا في المنعطفات الاساسية. و كان ذلك في بداية سنة 1965 الملتقى: هل هذا كان بموافقة الأسرة أو بمعرفتهم..؟ الشيخ راشد لا لم يكن بمعرفة الأسرة. فأنا كنت مستقلا عن أي تأثير للأسرة في ذلك الوقت.. الملتقى:هل حاولت في فترتك الأولى في مصر أن إحتككت بتيار الإخوان.؟ الشيخ راشد: ما كانت لي أي صلة بالإخوان ولا بأي وسط اسلامي إطلاقا و لا بحياة التدين في تلك المرحلة. احداهن كتبت في الأنترنت الأيام الأخيرة بإسم مستعار بزعمها أنها تؤرخ للحركة الاسلامية بتونس فحاولت على نحو بئيس ربطي في تلك المرحلة بالجماعات الاسلامية الجهادية المصرية وأن ذلك كان قصدي من السفر الى مصر محاولة للربط بيني وبين جماعات الإرهاب، بينما لم تكن”الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت” قد ولدت بعد ولا كانت لي صلة بالتدين أصلا بل كنت ناصريا متعصبا وكانت نقمتي على الاخوان المسلمين يوم بلغني في السنة الموالية ما نسب لهم من تآمر على زعيمي المقدس بالغة الشدة، و ما كان لي إتجاه إسلامي أصلا في ذلك الوقت حتى أبحث عن جماعة إسلامية للارتباط بها . فأنا لم أذهب حتى لزيارة الأزهر مثلا و لا كان عندي أدنى اهتمام بهذا الجانب في ذلك الوقت. الملتقى: فلم تلتقي برموز الحركة الإسلامية و لا بالعمل الإسلامي أصلا .. الشيخ راشد: ما كان عندي هذا الإهتمام حتى أبحث عن رموز الحركة الإسلامية و لا عن التراث الإسلامي في مصر لم يكن هذا الإهتمام قائما في حياتي يومئذٍ.. فإتجهت إلى دمشق و هنالك حولت وجهتي أيضاً.. فسجلت في قسم الفلسفة و انخرطت بقوة في الصراعات المحتدمة في جامعة دمشق بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية بعثية ناصرية قومية اسلامية ماركسية..ولم ألبث حتى انخرطت عضوا في الحزب الناصري العامل على الساحة ويدعى “الاتحاد الاشتراكي” وكان يناضل من أجل عودة الوحدة بين مصر وسوريا . وخلال سنتين من الدراسة والجدل انتقل الصراع مع البعثيين الى صراع محتدم مع التيار الاسلامي وكانت الجامعة السورية جامعة دمشق في ذلك الوقت، كانت تعج بالمناقشات الإيديولوجية بين التيارالإسلامي و التيار القومي، هذه المناقشات خلخلت قناعاتي بالإتجاه القومي.. و أيضا الثقافة الفلسفية التي أخذت أتشربها ربما ساعدت على البحث و التعمق في الفكرة القومية ..كنا ندرس يومئذٍ كتابات ساطع الحصري الذي يعتبر العامل الديني عاملا ثانوياً في مكونات العروبة، صحيح أنني في ذلك الوقت لم أكن متديناً بالمعنى الحقيقي و لكن جزء من التراث و جزء من التربية الأسرية ظل قائما في نفسي، فكبر عليّ أن أكتشف أن هذا الحزب الذي أنا منخرط فيه بالكلية يعتبر أن التدين أو الإسلام عاملا ثانوياً.. حتى عندما طرح السؤال هل الإسلام مقوم أساسي من مقومات الحزب على النحو الذي يشترط في الإنتماء لهذا الحزب مكان للاسلام حتى كثقافة وحضارة أو يشترط محض الايمان بالله على الأقل ، فكان الجواب من قيادة الحزب أن هذا ليس شرطا..الدين مسالة شخصية. لقد مثل لي ذلك صدمة كبيرة . فنحن في المغرب العربي لا نستطيع بحال أن نتصور عروبة منفصلة عن الاسلام. لقد هزت هذه الصدمة قناعاتي بالفكرة القومية، و بدأت أكتشف أننا نجتمع في الحزب على مجرد شعارات: الوحدة، الحرية و الإشتراكية لكن عند التعمق حول ماهية الحرية ما هو أساسها الفلسفي وهذه الإشتراكية ما هي و ما أبعاد هذه الوحدة وما هو السبيل إليها ؟ .إكتشفت بأننا نجتمع على مجرد شعارات عاطفية ليس وراءها مضامين حقيقية . وأن صراعنا نحن الناصريين مع البعثيين هو مجرد اختلاف في ترتيب هذه الشعارات وجوهر الاختلاف حول الزعامات، و بدأت أكتشف من خلال المناقشات مع التيار الاسلامي والمطالعات وأن هذا المنهج في واد وحياة المسلمين في واد آخر وأن ما عليه أنا من إسلام هو مجرد انتساب جغرافي وليس هو الاسلام بحال. وأفضى هذا الاكتشاف الى نتائجه الطبيعية . إنتهت بإنفصالي عن التيار القومي وكانت تلك أضخم محطة تحول في حياتي شهدتها ليلة 15 جوان 1966 إعتبرت تك الليلة فاصلة بين مرحلة القومية العلمانية و بين مرحلة الإسلامية فكانت نقلة إلى الحياة الإسلامية بل إعتبرتها بالنسبة إلي نقلة إلى الإسلام ذاته و أن ما كنت عليه هو مجرد شعارات و مجرد تراث عاطفي و ليس هو الإسلام الحقيقي، فإعتبرت أنني الآن قد دخلت في السلم كافة، في تلك الليلة الفاصل بل كانت ليلة ميلادي الحقيقي، حيث بادرت الى الاغتسال وأداء الشهادة فاتحا صفحة جديدة في حياتي وربما في حياة غيري ، ناذرا نفسي لرسالة الاسلام. الملتقى: سقوط المشروع القومي و بداية المشروع الإسلامي الشيخ راشد: و كان ذلك قد سبق بقليل حرب 67 ، وكان الجدال قبلها محتدماً بين التيار الإسلامي و التيار القومي في سوريا، حول التوقعات من الحرب التي كانت في الافق :دعاة التيار القومي يؤكدون أننا في الصائفة سنكون على شواطئ حيفاء بينما دعاة التيار الاسلامي كانوا متشائمين جدا فمن وجهة نظرهم العقدية أن الله سبحانه لن ينصر أنظمة ظالمة متمردة عن شرع الله . كنا من منظورنا العقائدي مستيقنين أن هذه الحرب لن تربح. الملتقى: لأنهم لم يكونوا في إستعداد لها؟؟ الشيخ راشد : لأنه لم تكن مقومات النصر حاصلة، حيث كنا نرى أن قافلة الأمة تسير في طريق خطأ و بالتالي لا يمكن أن يرجى خير من هذه المسيرة بينما الشباب القومي يومئذٍ زملاؤنا في الجامعة كانوا يبشرون بأنهم سيمضون الصيف على شواطئ حيفا. لم يمنعنا ذلك لما حصلت الحرب سنة 67 من النزول في مظاهرة طلابية نطالب بحمل السلاح من أجل أن نحمي القدس، و فعلا مكنونا من بندقيات يوغسلافية خفيفة تدربنا عليها بسرعة، أذكر أن الطائرات الإسرائلية طائرات الميراج الفرنسية كانت تمر من فوق رؤوسنا تدك سماء دمشق دكاً، فكان الواحد منا يمتلئ شعورا مزيجا من المقت ومن العجز ومن الرعب، وما إن تمر الغارة حتى تتصاعد في سماء دمشق أعمدة الدخان وما كان هنالك رد يتصدى لهذا التفوق العسكري الإسرائيلي الساحق لا شك أن حرب 67 مثلت زلزالا إيديولوجيا و لم يكن فقط زلزالا عسكرياً بل كان زلزالا إيديولوجيا في المنطقة كلها، و أعطى مبررات للطرح الإسلامي أن الإسلاميين التي كانت الرحى تدور عليهم بإعتبارهم عقبة في طريق النهوض وعقبة في طريق المجهود الحربي، تبين أن هذه السياسات التي عارضوها و تصدوا لها أنها سياسات خطأ، وبالتالي أدت الى نتائجها المحتمة ، هذه الهزيمة الساحقة التي تلطفوا فاعتبروها مجرد نكسة خارجة عن السياق وطبائع الامور وهو محض التضليل. الحقيقة أن 67 كانت من وجهة نظر أخرى هزيمة إيديولوجية للأفكار الإشتراكية و القومية و التغريبية عامة، و كانت تبشيراٌ بالبديل الإسلامي و منطلقاٌ له جديداً. الملتقى: يوما ما قال أحد الدعاة المعروفين أنني حمدت الله سبحانه و تعالى أننا لم نهزم اليهود سنة 67 و إلا كان المشروع القومي الناصري إنتشر في الأمة و ذهبنا إلى فساد أكبر..! الشيخ راشد : أذكر أن سفارة تونس في لبنان حين إندلعت الحرب طلبت منا نحن الطلبة التونسيين أن ننتقل إلى بيروت لتأميننا ذلك لأن السفارة التونسية في دمشق كانت مغلقة بسبب تصريحات بورقيبة الداعيه إلى الإعتراف بإسرائيل و الآن ينظر إليه على أنه ذو نظر بعيد و كثير من العرب الآن قصيري النظر يقولون لو استمعتم إلى كلام بورقيبة ما وقع الذي وقع و هذا وهم في الحقيقة .. المشروع الصهيوني ليس متوقفا على كلام بورقيبة أو غيره، نحن نرى تنازلات يعطيها العرب و لا تقابل من الإسرائيليين إلا بمزيد من الغرور و مزيد من الإيغال في الغطرسة.المشروع الصهيوني قام على التوسع والعدوان وما كانت لتوقفه تصريحات وشطارات سياسية وتنازلات، لا توقفه غير المقاومة والجهاد لاقتلاعه، تصور لو أن العرب سنة 48 وافقوا على التقسيم لقبل الصهاينة بقيام دولة فلسطينية و هذا كله وهم، المشروع الصهيوني قائم على أن يرث المنطقة كلها بأن يأخذ فلسطين كلها و يجعل منها منطلقا للسيطرة على المنطقة و ليس هو في وارد أن يقاسم الفلسطنيين والعرب النفوذ في المنطقة، و هي الفكرة التي يزال البعض يروجها مضفيا تاجا الحكمة على شخصية ضالعة في علاقاتها الصهيونية ومنها العلاقة مع غولدمان رئيس الوكالة اليهودية التي أسست اسرائيل، الوكالة التي مولت رحلة بورقيبة الى المشرق، كما كشف عن ذلك أبرز المؤرخين التونسيين المعاصرين ، لإلقاء أول قنبلة تطبيع في المنطقة. قلت السفارة التونسية في لبنان طلبت إلينا عندما بدأت الحرب أن ننتقل إلى بيروت لأن دمشق لم تعد آمنة فكنت من بين من رفض قطعيا هذا الاغراء ، فلم يكن من شيم الاخلاق أن نفر في ساعة الخطر من البلد الذي آوانا في كرم، رفضنا و نزلت مع جموع الطلبة مطالبين كما ذكرت بحمل السلاح بقطع النظر عن رأينا في الجهة التي تقود المعركة: البعث، الأمة مستهدفة، فالواجب على كل فرد منها أن يبذل جهده في دفع العدوان، فإذا انقشع غبار المعركة نصفي حساباتنا بعد ذلك مع أبناء قومنا، وكذا فعل الاخوان المسلمون في السجون المصرية يومئذ عرضوا أنفسهم على السلطة أن ترسلهم الى الجبهة فإذا قضوا نحبهم نالوا الشهادة وإذا عادوا عادوا الى زنازينهم ولكن لم يجدوا استجابة. و لذلك قد أخطأ من تصور بأننا كنا نتمنى هزيمة 67 و فقد كانت اعظم ما حل بالأمة من كوارث فكيف يمكن لمسلم أن يتمناها ويدعو بإنتصار أشد الناس عداوة للذين آمنوا. فهذا تصور خاطئ، نحن مع قومنا وإن جاروا علينا ضد عدونا المشترك، يجب ألا تضطرب البوصلة في التعامل مع الأولويات و التناقضات، فتناقضنا مع إسرائيل هو التناقض الأعظم و تناقضنا بعد ذلك مع عبد الناصر أو مع البعث هو تناقض جزئي بالقياس الى التناقض الأعظم، و عندما يدخل النظام الناصري أو البعثي أو أي فريق من فرق الامة يدخل في صراع مع إسرائيل العدو الرئيسي ينبغي أن نكون وراءه صفا واحدا. فلا يصح الموقف الذي نسب إلى بعض المشايخ من أنه حمد الله على أن العرب إنكسروا في 67، كسر العرب هو كسر للإسلام..! العرب هم معدن الإسلام الأساسي فكسر العرب هو كسر الإسلام و عز العرب هو عز الإسلام إن شاء الله أذكر أني حضرت صلاة الجمعة خلال أيام الحرب كان موضوع الخطبة علامات الساعة وكان ذلك جزء من الانفصام والانشطار الرهيب بين الدين والسياسة بين نخبة الحكم وبين نخبة الدين، بين الدولة والمجتمع الملتقى: هناك محطة هامة أيضا مبكرة هي رحلتكم الاولى الى الغرب كيف كانت هذه النقلة من المشرق إلى قلب المشروع الغربي؟.. الشيخ راشد: بعد انقضاء السنة الدراسية سنة 65 أتجهت كما يفعل كثير من الطلبة التونسيين في دمشق بسبب حرمانهم من العودة الى وطنهم خشية حجزهم ومنعهم من استئناف دراستهم في المشرق اتجهت الى اروبا ابتغاء الاطلاع والاكتشاف وتحصيل بعض المال من طريق الاعمال العابرة فسافرنا برا صوب تركيا حيث تعرفنا في الاسكندرون على تونسي مهاجر أكرمنا ولما ودعنا وقد عرف أن وجهتنا ألمانيا زودنا بوصية الى ابنه الذي يشغل منصب قنصل امريكا في مدينة دسلدورف أحسن وفادتنا وساعدنا على تحصيل عمل في مخزن ضخم لتوزيع البظائع في منطقة الرور، وفي تركيا زرت في أنقرا ضريح كمال آتاتورك، وكان أبرز شخصية تركية في ذهني يومئذ. ومن تركيا الى بلغاريا، النمسا ، انتهى بنا المطاف في المانيا وكنت قد حصلت في المركز الالماني بتونس على قدر من لغتها شجعني على الاقامة بها مدة 3أشهر مستفيدا من توصية المهاجر التونسي وابنه الدبلوماسي ، فكانت فرصة للاطلاع والاكتشاف والمران اللغوي. ومن المانيا الى فرنسا حيث اشتغلت مدة بجنوبها في حقول جني العنب ثم بلجيكا ثم هولندا حيث أمضيت طابت إقامتي بما وجدت في هولندا خلافا لبقية الاقطار التي زرتها من انفتاح على الاجنبي حتى كان لي أصدقاء واستضافوني في أعياد راس السنة . المهم أمضيت في هذه الرحلة حوالي 6 أشهر متنقلا في هذه البلاد الأوروبية أتوقف في بلد أسبوعا في آخر شهر أو شهرين و أعمل في المطاعم و في أي عمل عابر . تشغيل الطلبة هناك معتاد وبخاصة في العطل من أجل توفير شيء من الكسب يوفر لي العيش و القدرة على الإرتحال. وباعتباري شابا كنت أسكن في مراكز دور الشباب لقد أسهمت رحلة الستة أشهر في توسيع آفاقي وتجربتي وقدرتي على مغالبة الصعاب وقد وجدت منها الكثير منها ضياع جواز سفري ومعه قدر من المال . تبين بعد مدة أنه مجرد خطإ. كما ساهمت هذه الرحلة في اهتزاز هالة الانبهار بالغرب في نفسي فقد رايت ظواهر سارية في اوساط الشباب وبخاصة في هولندا مثل ظاهرة المخدرات. بأن الغرب الذي كنت أراه بهالة عظيمة رأيت شبابه يتهافت على المخدرات و لا يدل على أنه يحمل مثلا عليا، بحيث أحسب أن تلك الرحلة قد مهدت لذلك التحول الذي سيحصل بعد سنة وعندما اتجهت الى فرنسا بعد الحصول على الاجازة في الفلسفة لم تكن اروبا عالما مجهولا لا سيما وقد اطلعت على جوانب اساسية من الفكر الفلسفي، ومن الفكر الاسلامي الذي غدا في المكان الارفع ً. الملتقى: لم يعد فيه إنبهار..! الشيخ راشد: لم يعد في نفسي مجال للإنبهار بالغرب سواء من ناحية التجربة العملية فأنا سحت في بلاد غربية كثيرة أو من الناحية النظرية فأنا درست قسما كبيراً من فلاسفة الغرب و من أفكاره و قيمه و مشاكله و تزودت بسلاح الإسلام و بالزاد الإسلامي فأصبحت أنظر للغرب من علو و ليس نظرة إنبهار و لا شك أن كتابات سيد قطب رحمه الله كان لها دور كبير في ملء فؤاد ذلك الشاب بمشاعر إستعلاء الإيمان و عزة الإسلام كما كان لكتاب شاعر الاسلام وفيلسوفه محمد اقبال “تجديد التفكير الديني في الاسلام” الذي قراته أكثر من مرة تأثير كبير في ترسيخ عقيدة أن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه. الملتقى: كيف كان تصورك لسيد قطب خاصة أنه هو خاض تجربة في الغرب في أمريكا أيضا الشيخ:]عندما حوكم سيد قطب رحمه الله سنة 1965أنا كنت في المعسكر الآخر بحيث كانت نقمتي عليه شديدة، كنت أقول في نفسي لو ثبت أن هذا الرجل تآمر على عبد الناصر بالقتل لجاز أن يشرب من دمه..! ، هكذا التصور في ذلك الوقت، و لكن بعد أن نوّر الله سبحانه و تعالى القلب بالإسلام، أصبح تراث هذا الرجل و معاناته تمثل زاداً هاماً جداً في هدايتي وملء نفسي بعزة الإسلام و روح التفوق الإسلام. بقيت في دمشق أربع سنوات سنتين منها في التيار القومي و سنتين في التيار الإسلامي.] الملتقى: و هذا يفسر أنك من مؤسسي التيار القومي الإسلامي..؟ لشيخ راشد : الآن بعد نضوج التجربة تم اللقاء ولم يعد التيار الإسلامي هو نقيض للتيار القومي. و إنما تواصلت حلقات التكوين و حلقات النهوض. النضال الذي ناضلته من أجل الوحدة العربية نضال صحيح. والانتقال من العروبة الى الاسلام كما أفهمه اليوم ليس انتقالا من النقيض الى النقيض . أنا اليوم أكثر عروبة مما كنت عليه. لقد تعمقت في عروبتي، وأنا اليوم أخلص وأنفع لها. ولقد صدق المرحوم ميشال عفلق إذ استغرب من عربي لا يكون مسلما وذلك عود الى العروبة التي نشأنا عليها في شمال افريقيا ويشمل مصر، حصلت في ظروف خاصة خصومة جانبية عابرة بين الروح والجسد مثلت ولادة المؤتمر القومي الاسلامي تجاوزا له ووضعا له بين قوسين. الإخوان أنفسهم قد تبنوا فكرة الوحدة العربية وهي اليوم ركنا من اركان استراتجيتهم .. فبعد أن جُردت فكرة الوحدة من مضمونها العلماني المعادي للإسلام إلتقى في المؤتمر القومي الإسلامي قادة الحركة الإسلامية بالقادة القوميين على أرضية العروبة و الإسلام، على أرضية عروبة روحها الإسلام و إسلام معدنه الأساسي هو العروبة. قلت. لقد تم التواصل بعد مرحلة الفصام النكد والخصومة الخاسرة الحمقاء حيث النظر للتيار القومي على أنه جزء من التيار الجاهلي وللتيار الاسلامي على انه تيار رجعي .ومع نضح التجربة كما قلت بدأ التواصل في شخصية الإنسان بين مراحل حياته. وبدأ التواصل بين أجيال الامة وتياراتها يكتشف و يدعم. الملتقى: هل هو إلتقاء حقيقي أننا إنتقلنا إلى التيار القومي الإسلامي و نجد أن هناك عددا من المظلات الآن يلتقي فيها القوميون و الإسلاميون رغم ما كان بينهم في تلك الفترة و رغم أن الأمر كان فيه دماء و كان فيه ظلم و كان فيه تشريد ليس فقط للإسلاميين و إنما لأسرهم و عوائلهم و نتج عن ذلك الكثير من المآسي.. هل هذا الإلتقاء إلتقاء حقيقي أم تكتيك مرحلة يتم فيها التعامل مع العدو المشترك ثم ما يلبث هذا اللقاء أن يعود إلى سابق عهده..؟ الشيخ راشد : المسلم لا يعقد تحالفات إنتهازية المسلم لا يتحالف إلا على أساس مبدئي. و كان واضحا من خلال محاوراتنا مع التيار القومي بأننا نبحث عن أرضية مشتركة حقيقية و ليس عن مجرد لقاء مصلحي عابر على أرضية مصطنعة..! الخصومة بين العروبة و الإسلام ليست خصومة محتمة بل خصومة مفتعلة، و خصومة أملتها ظروف معينة عندما تعلمنت الدولة الاسلامية العثمانية الحاضنة لمختلف القوميات الاسلامية وتبنت الفكرة القومية التركية ايدولوجية لها لم يكن عجبا أن تواجه بنزوعات قومية مقابلة وأن ينظر اليها على أنها صورة من صور الاستعمار، واصطبغ الرد هو أيضا بالصبغة الايدولوجية العلمانية السائدة في العصر ، فكان التصادم بين القومية والاسلام في تركيا وفي ايران وفي مناطق اساسية من العالم العربي فكان اضطهاد الحركات الاسلامية وكان التصادم القومية وبلغ رد فعل الحركة الإسلامية أحيانا حد إنكار العروبة جملة كما يقال في المثل “قذف الطفل مع الغسيل”. والواجب قذف الغسيل و لكن لا نقذف الطفل. قذف الغسيل و هو ما تلبس بالعروبة من علمنة لدرجة التحالف مع الشيوعيين و معاداة الإسلام و كتابات سيد قطب رحمه الله جانب كبير منها كان رد فعل على هذا الإنحراف الذي أصاب العروبة، على حين أن فكر البنا رحمه الله لم يكن يحمل هذا المكون العدائي للعروبة. بل الإخوان كانوا من المؤسسين لفكرة الجامعة العربية . و حسن البنا كان أحد الداعين لفكرة العروبة بهذا المعنى. و بالتالي التيارالإسلامي يعود إلى أصوله الحقيقية ويعبر فوق هذه القنطرة. فوق ظروف الخمسينات و الستينات ظروف العداوات فهو يعود إلى أصله و التيار القومي في الحقيقة قد أسسه الإسلاميون، فكرة العروبة هي فكرة من أفكار الإصلاحية الإسلامية قبل أن تؤخذ من أيديهم من طرف بعض الناس و تحول إلى إطار للعلمانية و لمعادات الإسلام فالتياران القومي و الإسلامي يعودان إذن لأصولهما. الحركة الوهابية والسنوسية والمهدية حركات اسلامية عروبية ومن بعدها دعاة الجامعة الاسلامية كانوا عروبيين :محيي الدين الخطيب وجمال القاسمي وأبو الثناء الالوسي والثعالبي …فليس للعرب من رسالة خالدة إلا رسالة الإسلام كما اكده المرحوم ميشال عفلق الذي مات على الإسلام إن شاء الله. الملتقى: ماذا عن حركة النهضة كيف بدأت الفكرة و كيف وجدت النهضة؟ الشيخ راشد : جاءت حركة النهضة في تونس امتدادا واحياء وتطويرا للحركة الإصلاحية التي ظلت تتبلور منذ مائتي سنة تجديدا لعلاقة الامة بدينها بما يعيد صورة الاسلام ناصعة متألقة مهيمنة على الحياة مستوعبة لكل ما استجد من معارف مستنبطة للحلول الملائمة لكل ما استجد من مشكلات بما يعيد الاسلام الى قلب الفعالية التاريخية في مقام محمود من أستاذية العالم حسب تعبير البنا، وكان من روادها رموز الجامعة الاسلامية الافغاني وعبده ورشيد رضا وشكيب ارسلان وفي تونس كان من قادتها خير الدين التونسي وثلة من مشايخ الجامع شركائه في المشروع النهضوي الذي أجهضه الى حين الاحتلال الفرنسي إلا أنه انبعث مع حركة الشباب التونسي في بدايات القرن وعبر عن نفسه في شكل منظم الشيخ الثعالبي مؤسس الحركة الوطنية والاستاذ محمد علي الحامي مؤسس الحركة النقابية، كما عبر عنه مشروع الاصلاح في جامع الزيتونة الذي ابتدأه خير الدين وأتمه الشيخ ابن عاشور ، إلا أن تلك الحركة النهضوية الكبرى عمل الاحتلال الفرنسي جاهدا على الانحراف بها عن هدفها في تحقيق نهضة تونسية على أسس عربية اسلامية لتتحول الى مشروع استلحاق لتونس تابعا لفرنسا خاصة واروبا عامة بزعامة الزعيم المنشق الحبيب بورقيبة . حركة النهضة هي استئناف منظم ومتطور لذلك المشروع المجهض ووضع القطار على السكة ليستانف السير على هدى تلك السوابق. وباعتبار المشروع الاصلاحي النهضوي هو مشروع للامة فإن حركة النهضة جزء من المشروع العام لاصلاحي للامة الذي عبر عن نفسه في كل قطر من أقطار امة الاسلام بما يناسب خصوصيات ذلك القطر. وتبقى حركة الاخوان التي أسسها البنا وحركة الجماعة الاسلامية في شبه القارة الهندية التي أسسها المودودي أبرز تعابير المشروع الاصلاحي الاسلامي المعاصر الذي تأثرت به حركة النهضة وذلك قبل تواصلها مع تراث الاصلاح في تونس وهو تراث اصيل ومهم هو امتداد بدوره للمشروع الخلدوني وفي المحصلة: من حيث التنظيم النهضة حركة تونسية و من حيث الفكرة هي جزء من التيار الإسلامي التيار الوسطي كما يسميه شيخنا القرضاوي بارك الله في عمره.. و كونها تنظيما تونسيا معناه أنها جزء من الواقع التونسي متفاعلة مع همومه ومشكلاته بل هي في وجه أساسي من وجوهها منتج من منتجاته . مرت بمرحلة أولى مرحلة التتلمذ على الفكرة الإصلاحية المشرقية خلال السبعينيات من القرن الماضي و في نهايتها بدأت تتفاعل مع المتغيرات و مع معطيات الوضع التونسي، تفاعلت مع الحركة النقابية ولقد مثّلت انتفاضة العمال سنة 1978رجة كبيرة في وعيها ولفت نظرها بقوة الى أهمية المسألة الاجتماعية. وجاءت الثورة الايرانية في تلك الفترة نفسها لتقدم لها أدوات تحليلية مفيدة في استيعاب الصراع الاجتماعي في إطار منظور اسلامي ينتصر للمستضعفين ضد المستكبرين. كما تفاعلت مع الحركة الديموقراطية الناشة في نهاية السبعينات بزعامة أحمد المستيري بل تتلمذت عليها . كما تفاعلت مع مشروع تحرير المرأة الذي جافته في مبتدئها لارتباطه بمشروع بورقيبة المعادي للاسلام ، ولقد أسهم فكر الترابي في هذا المجال في تيسير استيعاب هذا البعد المهم من أبعاد الاصلاح الضروري. وما لبثت أن تواصلت مع تراث الحركة الاصلاحية التونسية متفاعلة مع مكونات الثقافة و الخصوصيات التونسية لتخرج من ذلك بصيغة تجمع فيها بين المكون الإصلاحي المشرقي و بين المكون التونسي، هناك نص عرف بالأصول الثلاثة لحركة الإتجاه الإسلامي و حركة الإتجاه الإسلامي هي سلف النهضة و التي تأسست سنة 1981 و قبلها الجماعة الإسلامية بحيث التيار الإسلامي التونسي قد تشكل في ثلاث صيغ الصيغة الأولى في السبعينات الجماعة الإسلامية و في الثمانينات الصيغة الثانية حركة الإتجاه الإسلامي و في نهاية الثمانينات و حتى الآن حركة النهضة. في الصيغة الأولى غلبت فكرة الدعوة، الدعوة الإسلامية، التصحيح العقائدي و الشعائر.. في المرحلة الثانية نستطيع أن نقول مرحلة التسييس مع التركيز على التجديد الفكري، الثالثة غلب فيها الجانب السياسي.وتبقى النهضة مشروعا اصلاحيا اسلاميا شاملا الملتقى: هل هذا تطور طبيعي؟ الشيخ راشد: تطور طبيعي بمعنى أنه متفاعل مع معطيات البنية التونسية، اعتبرت في النص المذكور أن هذه الاصول الثلاثة المكونة لهذه الحركة هي: التدين السلفي الإخواني والمكون الثاني هو التدين التونسي والمكون الثالث هو التدين العقلاني، و هو جزء من التدين الموروث عن الحركة الإصلاحية في تونس الذي يمتد من خير الدين نهاية للثعالبي و الجامعة بين الفكرة الإسلامية و بين الحداثة الغربية، و لكن يبقى في المحصلة أننا أمام مكون تونسي هو جزء من الحركة الإسلامية في العالم. الملتقى: يجرنا الحديث حينما نتحدث عن النهضة و عن تونس حول وضع الحركة الآن سواء في الشتات على أرض الغربة كما تعيش حضرتك أو على أرض الوطن في تونس.. كثير ما نقرأ عن حوارات مثلا عندما خرج لبعض الوقت الدكتور شورو و عن بعض الممارسات التي تتم على الأرض عن إضطهاد النظام عن محاربة الإسلام كدين و عن ما تقومون به خارج تونس.. إلى أين المستقبل؟ كيف ترى مستقبل العمل الإسلامي عامة و حركة النهضة في تونس إلى هذا الحد يعني.. الشيخ راشد : أنا أرى بعين البصيرة و عين العقل أن المستقبل للإسلام إن شاء الله، لقد سلط على حركة النهضة مخطط إستئصالي بموازاة مخطط آخر سلط على الإسلام سمي تجفيف الينابيع، و كان ذلك على إثر إنتخابات 89 فازت فيها الحركة الإسلامية بنسبة عالية وخصوصا في العاصمة والمدن الكبرى ، السلطة حينئذٍ إرتجت أركانها و سارعت حليمة عودا الى عادتها القديمة مما أدمنت عليه منذ “الاستقلال” من حكم الحزب الواحد والتزييف الواسع ، ولم تكتف بذلك بل قررت معاقبة الفائزين وعاقبتهم بالاستئصال. وخطة تجفيف الينابيع هذه خطة ماسونية اعتمدها الحزب الحاكم مستعينا بعناصر شيوعية حاقدة على الاسلام وأهله هلعة من عودة الاسلام مرتعبة من انهيار المشروع الشيوعي في العالم بما دفعها للارتماء في أحضان سلطة بوليسية فاشية في خدمة الراسمال الدولي، وهكذا ينتهي جيل من المناضلين اليساريين أمضى زهرة شبابه في السجون والمنافي مناضلا ضد فاشية بورقيبة وتذيله للمعسكر الراسمالي يجد نفسه يمضي كهولته وشيخوخته في خدمة البوليس والمصالح الراسمالية. لقد تمت السيطرة على المساجد و تم تجفيف الينابيع الإسلامية في التعليم حيث تم العبث بمواد التربية الدينية و صفيت المكتبات من الكتاب الإسلامي حتى الكتاب الثراثي مثل إحياء علوم الدين فضلا عن كتب إسلامية حديثة.. وماذا عن زيارة الشيخ القرضاوي؟: الشيخ القرضاوي زار تونس المدة الأخيرة و إستقبله و زير الثقافة و لكن لا حظ الشيخ باستغراب أنه قد بلغه أن استقبال وزير الثقافة له لم يمنعه في معرض الكتاب الذي شهدته تونس أخيرا من منع كل كتبه ال170 لم يمنع واحد أو اثنان بل منعت جميعها .. إستغرب قائلا: “من ناحية وزير الثقافة يرحب بي و يمنع من ناحية أخرى كتبي!!!” قال أنا ألفت 170 كتاب لو منع واحدا أو إثنين أو ثلاثة و لكن أن يمنعها كلها فهذا يدل على نوع من عدم الجدية . هل يختلف ما يحدث في تونس هما يحدث في غيرها مثل مصر؟ قلت أكثر من مرة لإخوة مصريين عندما يتحدثون عما يتعرضون له من اضطهاد، وهو ولا شك ظلم لئيم وعدوان أثيم إلا أنهم لا ينبغي أن يقارنوا بين وضعهم الآن و بين وضع اسلاميي تونس، المقارنة الصحيحة أن يضعوا أنفسهم في وضع مصر الخمسينات و الستينات من القرن الماضي، .. هذا هو الوضع التونسي بل أشد لأن عبد الناصر ضرب الإسلام السياسي و الحركة الإسلامية لكن الأزهر توسع في الخمسينات و الستينات و نشأت إذاعة القرآن الكريم ومجمع البحوث الاسلامية بحيث كان هناك تركيز على ضرب الحركة الإسلامية بلا رحمة. الذي حصل لتونس في التسعينات يشبه ذلك و أشد.. يشبه ذلك من حيث درجة القمع، فقد سجن في بداية التسعينات حوالي 30 لفا في مجتمع عدده لا يزيد عن 10 مليون نسمة فإذا قارنا بمصر توجب ضرب هذا العدد في 7 لنصل إلى الرقم الصحيح.. إضافة إلى ذلك خطة تجفيف الينابيع و هي الأخطر التي جعلت الصلاة واللحية والحجاب والكتاب الاسلامي وحتى مجرد عدم تعاطي المنكرات علامة تصنيف والتعرف على الأصوليين، فالشاب الذي يصلي هو “خوانجي” باللهجة التونسية و هو متهم بالإنتماء، و منع الحجاب و لازال ممنوعا، و منع الكتاب الاسلامي حتى التراثي…إلخ. و لكن نستطيع اليوم أن نقول بعد عشرين سنة من الإضطهاد إن هاتين الخطتين قد فشلتا فشلا ذريعاً.. خطة تجفيف الينابيع خرج إليها الشعب في السنوات الأخيرة و داسها بالأقدام حيث زحف الناس صوب المساجد زحفا و إخترق التدين كل طبقات المجتمع، الحجاب عاد بقوة رغم أنه لا يزال ممنوعا. لقد حصل نوع من الانتفاضة الدينية في البلد و هذا عائد الى المخزون الاسلامي التاريخي وتجديد الحركة الاسلامية له ، ففي خلال التسعينات أمام إشتداد العاصفة على شجرة الاسلام مالت مع اتجاه الريح وتبين أنها كانت حالة كمون، الناس إضطروا إلى أن يكمنوا، ولكن بمجرد ما بدأت الدولة تضعف حتى أفصح الناس عن ما في نفوسهم.. الفضائيات كان لها دور كبير، الإنترنت كان لاه دور كبير كذلك حيث يمكن أن نقول إن خطة تجفيف الينابيع قد فشلت فالمساجد تعمر اليوم كما لم يحصل في العصر الحديث، حتى أن بعض المشايخ الذين زاروا تونس مثل الشيخ سلمان العودة إنبهر لمّا رأى المساجد مزدحمة و الحجاب يملأ الشوارع حتى ظن فضيلة الشيخ أن ما كان يتلقاه عن أحوال تونس تقارير خاطئة أو مبالغ فيها جدا وان المشكل هو مع الاسلام السياسي وأنه إذا كانت هناك حالات اضطهاد فهي مجرد تجاوزات و الحقيقة أن تلك التقارير لم تكن خاطئة ولا مبالغا فيها ولكنها كانت تصف واقع تونس في التسعينيات كما هو كتاب أخينا الداعية الكبير الأستاذ محمد الهادي الزمزمي في كتابه دقيق التوثيق “تونس الإسلام الجريح”. و لكن منذ التسعينيات وحتى أيامنا هذه التي شهدت زيارة أخينا سلمان الزيارة التي رحبنا بها، جرت مياه كثيرة تحت القناطر التونسية كما يقال، وهي التطورات التي ما يبدو أن أخانا قد تابعها . تلك التطورات خاصة التي حصلت خلال الخمس أو الست سنوات الأخيرة، بما جعل الصورة المنتزعة من جحيم التسعينيات متباينة تماما مع صورة واقع تونس اليوم حيث تمكن شعب أصيل من انتزاع قدر من حقوقه بأظافره مثل حقه في الصلاة وحق التونسية في زي التقى مع أن الحجاب لا يزال بالقانون محظورا وبين الحين والآخر يتعرض لغارة هنا وهناك يقوم بها مدير مؤسسة شيوعي فاشي على تلميذاته أو مدير جبان تزلف للسلطة استنادا للقانون القائم بينما يغض مسؤولون آخرون بهم قدر من الايمان والشهامة الطرف عن ذلك . الثابت أن الممارسات ضد الحجاب ممارسات ليست من قبيل التجاوزات الفردية ، و هي ليست ممارسات فردية و إنما هي سياسة دولة ذات تراث فرنسي علماني فج ومتنطع متجاف مع كل دين وبخاصة دين الاسلام. ورغم أن تلك السياسة اليوم في واد والشعب في واد آخر وأن من هم على راس السلطة ليسوا من الصنف البورقيبي الماركسي حامل شتى العقد على الاسلام وإنما من جهة الدين جزء من حالة التدين التونسي إلا أن نزولهم من الشجرة شجرة الحرب على الاسلام ودعاته وقد تورطوا فيها ليس بالامر اليسير ، هو باد ولكنه يسير ببطء تحت ضغط العناصر الماركسية المتطرفة المتموقعة في مواقع تعليمية وثقافية وإعلامية وسياسية وحتى أمنية مذعورة من كل خطوة تراجع عن تلك السياسات من أجل الالتقاء بالتيار الشعبي الذي ارتحل في اتجاه الاسلام في صور مختلفة. لا تخلو من نزوعات في اتجاه مواجهة الدولة بالعنف، على أساس أنها رفضت كل لغة أخرى كتلك التي التزمت بها النهضة وظلت عليها عاكفة لغة السلم والديمقراطية . أما الخطة الثانية و هي إستئصال النهضة فقد فشلت فالنهضة اليوم موجودة، و مساجينها منهم من مد الله له في حياته فخرج ، متلمسا طريقه لترميم جسمه المنهك ووضعه الاسري المهتز وكذا استئناف رسالته الدعوية وسط حصار خانق مفروض عليه ولقد نجح هؤلاء الابطال في نسج علاقات متجددة مع المجتمع المدني والسياسي فأقاموا عملا مشتركا مع عددً من الأحزاب الليبرالية و الإشتراكية و اليسارية على أساس مطلب الحريات و هو مطلب للجميع و الجميع يناضلون من أجله، كما نجحوا في الانسياب في الجمعيات الحقوقية و في عدد من مؤسسات المجتمع المدني. الثابت أن النهضة اليوم موجودة في حضنها الشعبي. الدرس من ذلك أن الدولة عجزت عن استئصال حركة عقدية منغرسة في ثقافة شعبها وهمومه ومن باب أولى هي عاجزة عن أن تمسخ هوية شعب، الهوية العربية الإسلامية الراسخة في نفوس الناس . قد تبدو تلك الهوية في بعض الأحيان أمام إشتداد الحملة و كأنها قد اختفت وكأن الإسلام لم يمر من هنا، هكذا بدا مشهد تونس في التسعينات ، ولكن كانت حالة كمون فقط مثل الدوحة أو الشجرة الكبيرة عندما تأتي عليها العاصفة تميل حتى لا تنكسر . في حديث للنبي عليه السلام ( مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يميلها الريح و لا يكسرها ” الملتقى: نعود إلى حركة النهضة و إلى الصحوة الإسلامية الشعبية الإسلامية في الشارع التونسي الآن، كثير من الشعب يكتب و يتساءل عن الأوضاع داخل تونس، و هل أنتم في حركة النهضة تسعون لفتح حوار مع النظام لمحاولة تسوية الأوضاع هل هناك مراجعات أو إتصال برموز من السلطة لمحاولة رأب الصدع الذي كان موجوداً في الفترة الماضية الشيخ راشد : السلطة ليس فيها رموز كثيرة فيها رمز واحد، فنحن إزاء حكم فردي و ليس إزاء مؤسسة، في عهد بورقيبة كان هناك حديث على شخصيات تتنافس على خلافته، شخصيات كبرى، في عهد بن علي لا نرى ظاهرة مشابهة حوله ، حول الرئيس أجهزة أمنية، حول الرئيس مجموعة مصالح و خاصة من الأقارب و الأصهار و هم يكادون يضعون أيديهم على مصادر الثروة في تونس، شركات و بنوكا. و يضعون أيديهم في كل أمر. هذا شبيه بالنظام العربي كله، هل تتجه السلطة لتتحول الى مافيا، و ربما كان هذا في الدول التي فيها ثروات كبرى مثل دول البترول أو الجزائر مفهوم، أما في بلد ليس فيه ثروات طبيعية فأن تقترن فيه الثروة مع الحكم فهذا بلاء عظيم. النهضة ظلت بإستمرار تدعو إلى الحوار و تسعى إلى المصالحة و لكن فعل مصالحة أو تصالح هو فعل إشتراك لايكون بالتمني و إنما يجب أن تتوفر إرادتان على هذا الأمر، فمن جهة السلطة لا تعط قط إشارة تصالح و لا تريد أن تشرك أحدا أياً كان إسلاميا أوعلمانيا. لا تريد أن تشرك أي أحدا. في الحقيقة دولة الإستقلال في تونس لم تعترف بالشعب أصلا، لم تعترف بالمعارضة اعترافا جادا، و إنما هي تكتفي بإسداء بعض الرشاوى لمعارضات مؤنسة لا تمثل شيئا، في إنتخابات 89 إعترفت الدولة بحوالي 20℅ للإسلاميين، والحقيقة أكبر من ذلك لكن حتى الـ 20℅ هذه لم تترجم بأي نفوذ سياسي لا نيابات و لا شيء و إنما الدولة وضعت كل ثقلها و كل خططها من أجل تصفية هذه المعارضة الأساسية و إستعاضت عنها بجملة من الأحزاب خصّها الرئيس بكوتة 20℅، بحيث الـ20℅ التي أخذتها النهضة بإستحقاق تعطى لستة أحزاب مجرد رشاوى بينما هي لا تستحق في منافسة حرة أكثر من 1%، و الحزب الحاكم يأخذ الـ 80℅ ، ، فالدولة تعامل مع هذه المعارضات تعامل القوي مع إنسان كسيح في حاجة الى الاخذ بيده وليس شريكا تتفاوض معه وتتبادل معه الضغط توصلا الى تسويات عبر التفاوض وهو جوهر العمل السياسي الذي لم تألفه الدولة التونسية الحديثة ولا اعترفت به.. هي تقدم للكسيحين رشاوى ب20% لكنها ترفض أن يأخذها أحد بإستحقاق لأن من يأخذها بإستحقاق يستطيع أن يرفع رأسه أمام السلطة و يجادل و ينتقد. ويضغط ويفاوض أي يمارس السياسة، والسلطة لا تمارس السياسة وإنما نقيضها أي القوة. الدولة تريد أن تمن على الناس مناً، تعطي لمعارضات لا قيمة لها عمليا رشاوى، و تترك هذه المعارضات في خصومة ليست مع الدولة و إنما تتخاصم فيما بينها حول الـ20℅ من يأخذ أكثر من غيره. و كلهم بلا شك يسبحون بحمد الرئيس لأنهم يدركون أنهم في منافسة مع النهضة ومع أحزاب أخرى ممنوعة يدركون أنهم لن ينالوا شيأ، لذلك الرئيس هو ولي نعمتهم.. الدولة إذن ليست في وارد أن تتصالح مع أحد و لا تريد ذلك لأنها تتعامل بفوقية و أنها هي صاحبة البيت. و تعترف بل حتى تصطنع تعددية وتمن عليها برشوة من أجل تصدير (صورة) تونس للغرب، حتى يقال بأن تونس قريبة من الغرب فيها تعددية و إنتخابات و ديموقراطية، حتى الإنتخابات الرئاسية الرئيس قال لا بأس بإنتخابات رئاسية فليكن و لكن ظل بإستمرار يأخذ بين 94℅ و 99℅ فهذا النوع من النظام لا يحمل إستعداداً للإشتراك مع أحد و التفاوض مع أحد و لتبادل الضغوط و إنما هو يدير الأمور كلها من مكتبه و يمن على من يشاء و يحرم من يشاء و “يعز من يشاء و يذل من يشاء”.. يعني يضع نفسه في موقع الألوهية..! أذكر عندما خرجت من السجن سنة 88 و بدأ التفاوض معي.. فعندما كان ابن علي في السنة الأولى من حكمه بدأ مشروع التفاوض و التصالح، كان الذي يفاوضني أحد مستشاري الرئيس كان ينصحني في مسعى لثقيفي بثقافة سياسية تجعلني قادراً أن أتعامل مع الرئيس . كان يقول لي “ينبغي أن لا تحاول أبدا أن تضغط على الرئيس لأنك إن فعلت ذلك وشعر الرئيس بأنك تضغط عليه ليتجه في هذا الاتجاه فإنه سيتجه الى الاتجاه المعاكس. حسبك أن تقدم مطالبك الى الرئيس دون أن تصحب ذلك بأي ضغط عليه .تقدّم مطالبك وأنت مستيقن أنه سيستجيب لها بالقدر المناسب في الوقت المناسب ، لأن الرئيس هو الذي يحدد الاتجاه وسرعة السير اليه ” فكرت في هذا الادب في الطلب فأدركت أنه لا ينتمي الى عالم السياسة الذي عالم تبادل الضغوط وصراع المصالح بحثا عن حلول وسطى ووفاقات عبر التفاوض وتبادل الضغوط، هذا الأدب ينتمي الى عالم آخر ، فقد تعلمنا في أدب الدعاء مع الله أننا إذا دعوناه يجب أن نكون واثقين بأنه سبحانه سيستجيب لدعائنا في الوقت المناسب و بالقدر المناسب دون توقيت، لأنه سبحانه الاعلم بمصلحتنا . قلت و الله هذا هو تماما ما تعلمناه، في أدب الدعاء. أدركت أن حكامنا لا يرضون بحال أن نعاملهم باعتبارهم بشرا بل موظفين أجراء عندنا، وإنما باعتبارهم آلهة لا تسأل عما تفعل . وليس هذا بحاكم تونس فقط وإنما هو حال عموم الحكام في المنطقة الذين يجدون من الملإ من يزين لهم ذلك وينشر في الناس ثقافة الخضوع وتأليه الحاكم وأعوانه. الحاكم كائن متأله هو فوق الشعب و يريد من المعارضة أن تكون مجرد ديكور و أن تتعامل معه كما يتعامل الناس مع ربهم..! فلا ضغط و لا إلحاح، بينما هذا موت للسياسة لأن السياسة في حقيقتها هي تبادل للضغوط بين قوى متعادلة، بما يضطرها في النهاية إلى البحث عن تسويات و وحلول وسطى، و السياسة بهذا المعنى غير موجودة في العالم العربي، الموجود هو سيد يملي إرادته على الناس و أنت بين أمرين بين أن تقبل ما يمليه السيد و تعيش في كنفه و تتقبل عطاياه عندما يعطي و أنت شاكر، أو يحاول سحقك بالتجريم أو التهميش. إذن الحديث عن المصالحة في تونس هو رغبة من طرف واحد مثل النهضة و آخرين، و لكن هذه الرغبة لا قيمة لها ما لم توجد رغبة أخرى مقابلة لها و هي غير موجودة ، و لن توجد هذه الرغبة إلا حينما نستطيع أن نغير موازين القوة، تسأل ما هي وسائل الضغط في يدي؟ أنت إذا لم تؤزم الأوضاع في مثل هذه الأنظمة لن تنال شيئا، لن ينظر إليك حتى الغرب بإهتمام، لا ينظر إليك أهل الحكم في الداخل ولا القوة الدولية في الخارج، ما لم تثبت نفسك في الشارع ما لم تثبت على أنك قادر على أن تؤزم الأوضاع و تباشر ذلك، عندئذ سيأتي إليك صاحب السلطة و يقول لك كف عنا يدك قليلا لا تؤزم الأوضاع و تعال نجلس نتفاوض، فتلك مصلحة البلاد هذه الحالة غير موجودة في بلادنا و لا في العالم العربي.. هناك طرف واحد يحتل الملعب ويمسك على طاولة الكرة الكرتين معا!! الوضع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في مد هذه الاوضاع المهينة بما تحتاجه من دعم للاستمرار ، إلا أن المعارضة تتحمل من جهتها أيضا تبعة استمرار أوضاع الفساد والاستبداد بسبب تفرقها وإعراضها عن شرط التغيير: توحيد صفوفها لفرض التغيير والحريات. فأن يستقبل رئيس الدولة مرشد الإخوان المسلمين و يقول له تعال نتفاوض حول المستقبل في مصر لأن هذه بلادنا و مستقبلها يهمنا جميعا و يبين له ماذا تريد الدولة من الاخوان و ماذا يريدون هم من الدولة، لماذا لا يحدث هذا عندنا كما يحصل في الغرب، الوزير الأول البريطاني يلتقي في مواعد دورية مع رئيس المعارضة ليعلمه بالقضايا التي تهم المصلحة القومية، نحن مازلنا في عصر الحكم السلطاني المطلق أو شبه المطلق، حيث الحاكم بأمره و الناس أتباع و ليسوا شركاء في الحكم والوطن ،هم مجرد عبيد و أتباع ينتظرون عطايا السيد.. فحتى تنتقل أيها المعارض إسلامياً كنت أو غير إسلامي إلى أن تكون سيداً وتكون مؤهلا ليتنازل الحاكم بأمره ويحاورك ويتفاوض معك في شؤون البلاد ، هذه مرحلة لا تزال بعيدة والوصول اليها يقتضي لا أقل من ثورة في موازين القوة وفي الثقافة وفي العلاقات، ينبغي أن تفكر أيها المعارض ما هي أدوات الضغط التي تستخدمها من أجل حمل صاحب السلطان على أن يعترف بك شريكاً، و يعترف بأن هناك شعبا و هناك ممثلين لهذا الشعب ينبغي التفاوض معهم. دون امتلاك وتجميع ما يكفي من أدوات الضغط وتكتيلها في اتجاه تغيير موازين القوة لصالح الشعب سيظل الحديث عن السياسة ، عن التفاوض والتصالح حديثا أخلاقيا وليس حديثا سياسيا . إذن الحديث عن مصالحة في العالم العربي هو حديث أماني، فحتى الإسلاميين في السودان فاوضوا الجنوب، بعد العجز عن إخضاعه بالسلاح ففاوضوه وارتضوا أن يتقاسموا معه السلطة والثروة، وفهمت ذلك بقية المناطق فسارت نفس السيرة، فكانت ثائرة أهل دارفور، لأن الحكومة أعطت رسالة مفادها لكي تفاوضك الحكومة ينبغي عليك أن تحمل السلاح و هذه رسالة خطيرة، أجزاء أخرى من السودان الآن تفكر في حمل السلاح. نحن لا ندعوا لحمل السلاح لأن هذه كارثة، و السودان معرض الآن للضياع من وراء هذه السياسة ولكني أدعو الى عمل شعبي معارض جاد يكتّل وراءه أوسع التيارات والتجمعات والشخصيات الشعبية لفرض التغيير الديمقراطي بدل الاستمرار في سياسة الشحاذة أقول ينبغي أن نكف عن مطالبة الحاكم لأن هذا نوع من الشحاذة.. أعطني شيئا من الحرية أعطني حزبا أعطني صحيفة.. كفّ عن الطلب يا أخي و مارس ما بيدك من وسائل ضغط.. الحاكم سيأتيك و يقول لك تعال نتفاوض ماذا تريد؟ فسياسة الشحاذة لم تصل بنا إلا لمزيد من تعزيز غرور وتألّه الحاكم على نهج فرعون ” ما أريكم إلا ما أرى” و إطمئنو” وما أهديكم إلا سبل الرشاد” فهو وحده الماسك بمصائر الأشياء. المصالحة هي رغبة موجودة عندنا لكن لكي تتحول إلى واقع لا بد من عمل جاد لتغيير ميزان القوة في الشارع عبر العمل المشترك مع الأحزاب الأخرى و عبر تفعيل حركة الشارع، و حمل هموم المجتمع بدل أن نحمل همومنا كحزب، فكل حزب دائب على التذكير بمطالبه الخاصة به حزبا :نريد صحيفة نريد إعتراف نريد مقاعد في البرلمان. لكن و ماذا يريد الشعب؟.. إذا كنا حركة شعبية ينبغي أن لا تكون مطالبنا مطالب حزبية و إنما مطالب الشعب ماذا يريد الشعب و ماهي همومه؟، ملايين يعيشون بل قل يموتون بالتقسيط في عشوائيات لا تصلح حتى لحياة الحيوان . ما هو عملنا من أجل تلك الملايين المحشورة في العشوائيات والتي تحيط بالمدن والاحياء الراقية ..ربما يصل عددهم في مصر عشرين مليونا ونسبة مماثلة أو أكثر في معظم بلاد العرب ، ما هو عمل الحركات السياسية عموما و الحركة الإسلامية مع سكان القبور و العشوائيات؟، ما موقفها من أوضاع النهب التي تمارسها عصابات الحكم وتفريطها في ما تبقى من إستقلال البلد، أن تعيش غزة 22 يوم محاصرة و لا تزال محاصرة من الدولة المصرية و هي التي تمثل الخط الأمني الأقرب لحماية مصر فأن تضل غزة محاصرة و يضل الغاز يصل لإسرائيل و تحرم منه غزة بل إن المواد الغذائية تحرق و تحجز حتى تتعفن في سيناء و الشعب في غزة يموت.. أن مر كل ذلك بسلام ماذا يبقى للحركة السياسية من دور مع إستمرار وضع مثل هذا. نقول أنه ينبغي أن تسعى للمصالحة و لكن هذه المصالحة ينبغي أن لا تكون بين حزب و دولة لمصلحة حزب و لمطالب حزبية و إنما نحن نطالب بمصالحة شاملة للدولة مع مجتمعها بكل مكوناته دون غش ولا إقصاء لأي مكون شعبي ، إسلاميين ، شيوعيون، إشتراكيين و قوميين و كل الشعب.. نحن نطالب بمصالحة عامة تشمل النهضة و تشمل الإشتراكي و الشيوعي و القومي، لأن الحرية إما أن تكون للجميع أو لا تكون لأحد نطالب بوضع حد للإنفراد بالسلطة التي تجعل مصير شعب معلق بإرادة شخص حتى لو كان هذا الشخص عبقريا. الملتقى: في حديثنا عن الحركات الإسلامية و الأحزاب الإسلامية في العالم العربي، لأن هناك بعض الباحثين يقولون بأن هناك تراجعا للحركات الإسلامية على مستوى الشارع العربي و يستدلون على =لك بتراجع أعداد المنتخبين في البرلمانات، هل هذا بداية عودة لمنحنى الصعود الذي شهدته فترة الثمانينات و التسعينات للتيارات الإسلامية في مختلف الأقطار العربية..؟ الشيخ راشد: أنا على يقين تام أن مد الصحوة الإسلامية لا يزال في صعود بما هو إقبال على المساجد و على التدين عموماً إن في المستوى الفردي أو الجمعي، وفي مقابل هذا المد للإسلام تراجع للإيديولوجيات الأخرى.. لكن هل هذا المد الصحوي يترجم نفسه سياسياً عبر الحركات الإسلامية الوسطية؟ ليس دائماً، السبب مزدوج راجع إلى أن هناك خيبة أمل، فالمشاركة في الحكم و إستراتيجية المشاركة في الحكم التي سلكتها الحركات الإسلامية، هذه التجربة رغم أنها جائزة من الناحية الشرعية و لكن بدا أن هذه المشاركة لم تأتي بثمارها المرجوة فلم تحدث تغييرا . لم يكن للمشاركة الإسلامية في الجزائر مثلا إنعكاسات إيجابية على الوضع المعاشي للناس ولا على الوضع الثقافي فقد تراجع برنامج التعريب وتعززت الفرنسية . مشاركة الإسلاميين لم تغير في الأردن شيئا لا في مستوى المعاش ، ولا في المستوى السياسي فلم يتزحزح التطبيع مع الكيان الصهيوني. وفي مستوى المجتمع المدني زحفت السلطة على مؤسساته تضع يدها عليها، فماذا غيرت مشاركة الاسلاميين ؟ لم يتغير شيء. الأوضاع الإجتماعية أوضاع المواطن تزداد ترديا، نهب الحاكم و إستفراده بالسلطة و عبثه بالثروة مستمر، التفريط في إستقلال البلاد و المزيد من التذيل للخارج مستمر، ولذلك يتساءل الناس: مشاركة الأحزاب الإسلامية ماذا قدمت؟ ماذا غيرت من أحوال الناس.. الإخوان مثلا في مصر، الذي ما يزال يعطيهم وهجاً هو قمع السلطة لهم وما يقدمونه من خدمات اجتماعية وليس عملهم في البرلمان، هناك باستمرار بين 100 الى 200 ضيفا اخوانيا في مضافات الجمهورية. هذا هو ما ترك الدماء في قلوب الشباب الإسلامي حارة، أن المشاركة لم تسكب مخدرا في شرايين الاخوان بل ترك باستمرار دماء حارة تجري في عروق الشباب تؤكد أن الحركة لا تزال في مواجهة لأنها تدافع عن مطالب الشعب. ومعنى ذلك أن سياسة مبارك الحاقدة عليهم هي التي أبقت على قوة جاذبيتهم متجددة في مجتمع تسحقه وتنهبه الدولة بما يجعل كل خطوة اقتراب منها وتصالح معها لا تعدو كونها ضربا من الاشتراك في الغنيمة ونوعا من النفاق والانتهاز ، فكان صعود الإخوان من خلال ما يتعرضون له من الاضطهاد .. إن إشتراك الإخوان أو غيرهم سواء ب 60 نائبا أو 80 أو ب100 أو بـ 130 نائبا لايغير شيأ ما دام القرار بيد الديكتاتورية في النهاية، ذلك أن الحزب الحاكم نفسه هو في الحقيقة محكوم باعتباره جزء من الجهاز الأمني للنظام ، الأحزاب التقليدية أحزاب الحركة الوطنية وامتداداتها قد استهلكتها السلطة فماتت وإنتهت ، و تحولت ملحقات بالجهاز الأمني و تتمعش من جهاز الدولة. إن نواب الاخوان قد حوصروا لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين حتى على تقديم مشروع للبرلمان يناقش، فحتى حق الحديث و الكلام قد حظر، فصودر أهم مسوغ يستند اليه الاسلاميون لإقناع قواعدهم بالمشاركة أن هذه المشاركة لئن قصرت عن تغيير سياسة الدول فهي توفر للاسلاميين منبرا للخطابة للتعريف ببرامجهم والانفتاح والتواصل مع الناس ، فحتى هذا لم يعد مسموحاً به لأن المشروع الذي لا يريد الحزب الحاكم أن يتحدث فيه تمنع رئاسة المجلس إدراج هذا المشروع بحيث لا عجب أن نسبة الناخبين إلى صناديق الإقتراع خاصة في البلاد التي لا يضطهد فيها الإسلاميون مثل الجزائر و الأردن و تعيش الحركات الإسلامية فيها وضعية عادية، لم تعد هذه الأحزاب الإسلامية جاذبة للجماهير لأنها لم تر أن مشاركة الإسلاميين سواء في السلطة التشريعية أو في السلطة التنفيذية قد غيرت شيئا من أوضاع الناس و إنما أصبحت هذه المشاركة الإسلامية نوعا من التبرئة هي نوع من إضفاء الشرعية على أنظمة فاسدة تفرط فيما تبقى من إستقلال البلاد. أمام الذي حصل في غزة في الحقيقة هذه المشاركة توضع عليها علامة إستفهام. الملتقى: هل نفهم من ذلك على أنها دعوة للإسلاميين لمراجعات، و لمراجعة موقفعم تجاه المشاركة سواء بالنيابة بالترشح للمجالس النيابية أو القبول ببعض الحقائب الوزارية، أم أنها دعوة للأنظمة على فهم هذه المعادلة لأعادة صياغة علاقتهم بالإسلاميين في العالم العربي؟ الشيخ راشد :ينبغي للإسلاميين في العالم العربي، و لحركات التغيير إسلامية وغيرها أن يزنوا هذه المعادلة بدقة، هل مشاركتهم في أنظمة فاسدة هي سبيل إلى تغييرها أم سبيل لتكريسها و إضفاء الشرعية عليها، نبغي أن لا نذهل قط أو نكف قط عن كوننا حركة تغيير و أن هذه الأوضاع ليست الأوضاع التي نطمح إليها..بل نريد تغييرها ، هذه الأوضاع متناقضة مع ديننا، متناقضة مع مشروعنا، متناقضة مع إستقلال البلد ومع مصالحه الحيوية، مافيا فاسدة تحكم معظم بلداننا فينبغي أن يكون مشروعنا تغييرياً و ليس إضفاء الشرعية على أنظمة فاسدة، و في النهاية ننتهي بأن ندرج ضمن أصحاب المصالح ففي بعض البلدان أصبح الإسلاميون جزء من منتظم المصالح، فإشتراكهم حجزهم عن الناس أبعدهم عن الناس و عن هموم الناس فهذا أمر خطير. على كل حال رغم إختلاف الحالات لماذا وقع تراجع في الكويت؟ لماذا وقع تراجع في الأردن لماذا هناك تراجع في الجزائر من حيث نسبة الناخبين..؟ . كل حالة ينبغي أن تدرس بحالتها و لكن على العموم أنا أقول بأن الصحوة الإسلامية مدها لا يزال مستمراً، و حالة التراجع ليست حالة عامة على مستوى الحركة الإسلامية، فنحن من أيام قليلة في أكبر دولة إسلامية في العالم في أندونيسيا، الإسلاميون حسنوا مواقعهم تحسيناً مهما بنسبة 20 أو 30 ℅ سواء من حيث عدد الناخبين أو من حيث المقاعد التي حصلوا عليها فإذن نحن لا نستطيع أن نتحدث عن الأمر بإطلاق. الملتقى: في عجالة حول قضية مصيرية و هي قضية الأمة كلها القضية الفلسطينية و ما تمر به الآن من منعطف خطير في تاريخها و ما تتعرض له من ضغوط سواء من الحكومات العربية و الأنظمة أو من الضغط الخارجي لمحاولة الرضا بالقليل أو محاولة تمرير بعض الأمور.. في عجالة و تحت هذا الضغط الشديد و نحن نرى المنطقة و ما يحاك .. كيف ترى حضرتك مستقبل القضية الفلسطينية في ظل هذه الضغوط و التغييرات في المنطقة؟ الشيخ راشد : تمر القضية الفلسطينية بمرحلة خطيرة جدا . الحرب على غزة محاولة لأقصاء الحركة الإسلامية وتنحيتها باعتبارها عقبة في طريق ما تزمعه الولايات المتحدة من حلول تفرضها ، وباعتبار هذه القضية محور الصراع في المنطقة الذي تتغذى منه الراديكالية الاسلامية و بإعتبار الدور الطبيعي الذي تقوم به القضية الفلسطينية و أن كل من رفع لواء هذه القضية قاد الأمةً. إن قيادة الحركة الإسلامية للمشروع الوطني الفلسطيني يمثل تحولا خطيراً لا يريده أحد، لا يريده لا حكام المنطقة و لا إسرائيل و لا النظام الدولي.. و هو ما يفسر حجم الدمار الذي سلط على غزة كان يهدف كما قلت إلى إحداث تحول في القضية الفلسطينية على نحو يقضي على فكرة المقاومة و يترك الأمر أمام المساومة، و لذلك كانوا يدافعون عن محمود عباس ليس لذاته و إنما هم يرفضون شبح المقاومة إنها المرة الثانية بعد حرب لبنان التي تبدو فيها آلة الدمار الاسرائيلي بكل وضوح وكأنها تنفذ إرادة عربية ومحل قبول تام من قبل دول الاعتدال فضلا عن المعسكر الغربي ..! إن هناك خشية من الجميع و رفض أن تصل المقاومة وقوى الممانعة من ورائها الى حالة توازن مع الكيان الصهيوني تعتبر تهديدا حقيقيا له باعتبار بقائه متوقفا على تفوقه منفردا على كل قوى المنطقة وقادرا على تهديدها في أي وقت وردعها ، وحتى لو تم تفاوض عندئذ سيكون خطرا على هذا الكيان ودوره في المنطقة ، إسرائيل لا تقبل هذا ولا القوى الغربية التي اصطنعتها كقوة كبح لنهوض المنطقة وتوحّدها تريد هذا، والامر يشبه حال النظام العربي مع معارضيه يسعى جاهدا الى منع قيام معارضة جادة مرشح لها الاسلاميون تفرض عليه حالة توازن قوة ..هو مستعد لأن يهب بعض المكرمات للمعارضة ليس أكثر و لكن لا يريد للمعارضة أن تصل لمرحلة أنها مفاوضه من موقع الندية.. إسرائيل لم تعترف بمفاوض فلسطيني حقيقي، و إنما هي عملية ترويض و شراء للوقت، إسرائيل كانت تشري بإستمرار الوقت من أجل المزيد من الهضم و المزيد من التطويع و المزيد من التدمير فبين النهر والبحر لا يتسع الامر لأكثر من دولة. وهو صحيح فهل ستكون فلسطين أم اسرائيل ؟ هي اليوم اسرائيل. ويوم تصل المقاومة الى صنع ميزان قوة لصالحها ووراءها قوى الممانعة سينفتح التاريخ على دولة فلسطين متعددة الاعراق والديانات. قلت المحاولة فشلت في غزة، و صمدت غزة، صمدت حماس، صمد الإسلام، صمدت قوى المقاومة والممانعة، وخاب الاجتياح ومن ورائه النظام العربي والدولي الشريك في المعركة و فجر هذا الحدث إنتفاضة في الأمة وعلى مستوى العالم، هذا النصر الذي تحقق يعني الصمود لأن حماس لم تجعل خطتها تحرير تل أبيب اليوم، و إنما هي تدافع على هذه المساحة التي حررتها لتنطلق منها لمواجهة كل ضروب العدوان الاسرائلي والكيد الدولي على طريق تحرير بقية الوطن والامة والانسانية، فما أعظمها وأروعها من معركة. وهو ما يجعل الفارق نوعيا بين وضع غزة المحررة وبين رام الله المحتلة، بين سلطة هنية وسلطة عباس، الاولى في حرب مع الاحتلال وقاعدة انطلاق والثانية مؤسسة من مؤسسات الاحتلال قلت هذا النصر و بعدما إنتهت الحرب لأول مرة تصبح إسرائيل في نظر الدول المسماة دول الإعتدال، كأنها أداة تنفيذية لإستراتيجية دول الإعتدال، و الذي كانت تأسف له نظم الإعتدال هو أن إسرائيل لم تنجز المهمة كما ينبغي، و لذلك شائع أن النظام المصري كان يستحث إسرائيل لأن تواصل، ويغريها بأن حماس تحتظر وتوشك على الاستسلام و أنها في الرمق الأخير فواصلوا عملكم.. نتنياهو صرح أنه لأول مرة تلتقي الإستراتيجية الإسرائيلية مع النظام العربي، في ماذا تلتقي؟ في إقصاء الإسلاميين، لأن حماس تمثل مشكلة لهم و تمثل مشكلة للنظام الدولي لماذا؟ لأن إنتصار حماس معناه إنتصارللاسلام الذي تخوض القوى الدولية وعملاؤها حربا ضروسا عليه وأي انتصار يتحقق له وبخاصة في هذه المنطقة المحورية الاستراتيجية هو رفع من معنويات وصقوف وطموحات كل العاملين للاسلام على امتداد العالم ..هو انتصار للإخوان و إنتصار للمقاومة و لفكرة المقاومة في العالم حتى في أمريكا اللاتينية، بينما يراد لفكرة المقاومة أن تجهض وتستأصل. بعد أن فشل المخطط الإسرائيلي في إقصاء حماس كان من الطبيعي أن يترجم هذا النصر سياسيا، فالسياسة امتداد للحرب وترجمة لها ، وهو ما تجند النظام الدولي الذي لم يعترف بحماس وكذا النظام العربي الذي كان مؤيداً لإسرائيل و ضاغطاً على حماس من أجل حرمانها من ثمار نصرها..تجند لمنع حصوله فانطلقت صبيحة الحرب على غزة تظاهرة اروبية رسمية صوب المشرق العربي صوب شرم الشيخ تشد بأزر مبارك الضالع في هذه الحرب وتشد بأزر حليفه الاسرائلي تطمّئنها أنها ليست وحدها فالغرب وراءها فلا تهلع. كما هي مظاهرة تطمين لعباس الذي ينبغي أن يظل هو الناطق باسم القضية الفلسطينية و حتى إذا كان هناك لجنة اقنرحت خلال التفاوض بين حماس وفتح في القاهرة لتكون لجنة عليا تمثل غزة ورام الله مصر تصر أن يترأسها عباس بحيث ان كل الذي حاولته مصر في تنظيمها للمفاوضات هو حرمان حماس من ثمار نصرها من أن تترجم إلى مكسب سياسي للمقاومة هذا لا تريده قطعا إسرائيل و لا مصر و لا النظام الدولي . فمن هنا المأزق أن هؤلاء لا زالوا يشعرون أنهم في الميزان الدولي هم المتفوقون فلن يعترفوا بالمقاومة. إذن هي عملية عض أصابع و صراع قوة، هل هذا النظام الدولي المسيطر على البحار و على الأسواق و على الدول هل يقبل بالمقاومة طرفا مفاوضا للبحث معه عن تسوية حقيقية؟ أم أنه لا النظام الدولي و لا حتى النظام العربي يريد الإعتراف بالحركة الإسلامية و بحركة المقاومة، ؟ الامر لم يصل الى هذا المستوى ولكنه قريب من ذلك لا مناص للغرب أمام هزيمته في فلسطين والعراق وافغانستان وباكستان ..من القبول بالاسلام شريكا في السياسة الدولية سبيلا لضمان مصالحه في العالم الاسلامي وأن سياسة تهميش الاسلام او الغائه جملة قد فشلت فشلا ذريعا وأن التعويل على اسرائيل ضامنا لتك المصالح قد أدى وسيؤدي الى المزيد من الكوارث فلا مناص من اعتبار اسرائيل عبئا على المصالح الغربية وليست أداة من أدواتها وأن الاعتراف بالاسلام وحركاته شريكا في إدارة شؤون العالم حتم لازم. إن المشكل الفلسطيني اليوم هو هذا: حماس متمسكة بحقها بأن تترجم صمودها و ملحمتها في غزة سياسياً بأن يعترف بها دوليا وعربيا، وهو ما لايزال مرفوضا و النظام العربي لأنه يعيش مشكلة مع المقاومة و يعيش مشكلة مع الحركة الإسلامية لا يريد لحماس أن تتحول ناطقا باسم الوطنية الفلسطينية رغم أن سياقات الامور تمضي في هذا الاتجاه وخصوصا بعد غزة وبعد الانهيارات المتتالية لمسار اوسلو ولحركة فتح ..وكانت القنبلة التي فجرها قائد بوزن أبي اللطف بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقها على هذا الكيان المنخور في العمق. ولأن أحدا لا يريد لحماس أن تترجم ملحمة غزة سياسيا فإن مصر التي فرضت نفسها وسيطا متحيزا بين حماس وفتح هي الاحرص مثلا على أن تعطل عملية مبادلة الجندي ، لأن مبادلة الجندي كما تريد حماس بألف أسير فلسطيني هو إنتصار لحماس. و لأنه يغري من ورائها و يشجع ثقافة المقاومة في المنطقة. فلسطين هي جزء من حالة المقاومة في المنطقة و لذلك ما إستمرت الأمة في حالة مقاومة، و المقاومة في صعود فإن الأفق منفتح على تثوير المنطقة كلها وتقويض النظام العربي القائم انطلاقا من صاعق من مركز الزلزال في فلسطين. بما يعطي لهذه القضية المباركة أهمية استراتيجية بالغة في تقويض الانظمة البالية ووضع المنطقة برمتها على طريق النهوض والتوحّد، على نحو أنه لو لم تكن هذه القضية لوجب أن تكون..أمة يرتفع وعيها وحماسها وتبنيها لهذه القضية وأنظمة ممسوكة دوليا من رقابها لتكون مباينة لإرادة شعوبها منحازة الى الاحتلال. ذلك هو المشهد العام الذي لن يستمر الى الابد بل لن يستمر طويلا لأكثر من عقد أو عقدين إن شاء الله. لنجد أنفسنا أمام مشهد عربي واسلامي ودولي آخر مختلف تماما. …الثابت أن مصير أمتنا مرتبط بالاسلام وأن الاسلام يزيد ولا ينقص وثماره ستصب في خندق المقاومة في فلسطين…في كل يوم هناك تارك للصلاة يؤوب ..هناك تاركة للحجاب تؤوب، هناك مولّه بالنظام الأمريكي و أن أمريكا هي سيدة العالم يصحو أن أمريكا تعيش مآزق تنذر بانهيارها، و أن المشروع الغربي يعيش مآزق ليس في فلسطين فقط و إنما في العراق و في الصومال و في باكستان و أفغانستان، و في أمريكا اللاتينية، المشروع الغربي الذي نٌظر إليه في يوم ما أنه قال كلمته الأخيرة في مستقبل العالم يعيش مأزق و الدول التابعة له من باب أولى أن تعيش مأزق، من كان يتخيل أن مؤسسات الاقتصاد الدولي العملاقة ستنهار كأوراق الخريف ؟..من كان يجرؤ دون المغامرة باتخاذه هزؤا أن يصرح بأن اقتصادا يمكن أن يقوم على غير الربا بينما غدت البنوك الاسلامية بعد الزلزال الذي اصاب الاقتصاد الراسمالي مجال تنافس دولي للإفادة من خبرتها ؟ كلها مؤشرات لحركة مقاومة شاملة تنطلق من فلسطين و تنتشر لتصل إلى إفريقيا و إلى أمريكا اللاتينية هي في حالة صعود. القضية الفلسطينية هي قضية مباركة الله سبحانه و تعالى أهداها للأمة كعامل إيقاظ و مهماز لإستفزاز طاقاتها و تجنيدها و تخليصها من العناصر الهشة. هذه القضية المباركة ما تمسكنا بها و رفضنا المساومة عليها، فهذه سترفع كما فعلت دائما أقواما وتضع آخرين، و اليوم هي أهم رافعة من روافع الحركة الإسلامية في العالم فالمتمسك بهذه القضية متمسك بحبل متين سيصعد به إلى مرضاة الله سبحانه و تعالى الى عز الدنيا والأخرة. الملتقى :فضيلة الشيخ راشد الغنوشي في كلمة أخيرة إلى أبنائك من أبناء الحركة الإسلامية على إمتداد البسيطة و في القلب منهم أبناؤك في ملتقى الإخوان المسلمين ماذا تقول لهم؟ الشيخ راشد: أقول لهم إستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، المستقبل للإسلام إن شاء الله المستقبل للإسلام للعقيدة للدين لما نعتقده، و المستقبل للإسلام بمؤشرات الواقع، كل المؤشرات تدل على أن الإسلام في حالة صعود و أن كل البدائل التي قدمت عنه هي تتهاوى يوما بعد يوم، وحتى بأسرع مما توقع أحد. عندما كتب الشهيد كتابه المستقبل لهذا الدين وهو في غيابات السجون بينما كل المؤشرات من حوله مثبطة: العلمانيات كلها في حالة صعود والحركة الاسلامية في مصر مضروب حولها الحصار، ما الذي جرّأ ذلك العملاق أن يقفز فوق كل تلك الجدران الكالحة المظلمة ويبصر نور الله يعم العالم ..ألسنا اليوم نرى بدايات ما بشر به ليس بنور البصيرة كما كان يفعل ذلك العملاق بل بنور البصر؟ فليس أمامنا إلا أن نملأ النفوس و العقول بهذا اليقين مستبشرين ببيعنا الذي بايعناه ربنا على أن نعيش به وله محسنين الظن به سبحانه و تعالى و أن نتقي الله في كل حال أن نتقي الله في أنفسنا فلا يلفانا حيث نهانا ولا يفتقدنا حيث يريدنا التقوى أن نستشعر أن الله سبحانه و تعالى معنا ، المعركة معركة الحرية و معركة العدل ووحدة الأمة ومعركة فلسطين أن نستشعر أن الله سبحانه و تعالى معنا و أننا أصحاب وظيفة عليا هي حمل رسالة الإسلام الى العالمين و أن نتعلم فن العمل الجماعي في الوقت الذي ينبغي أن يكون لكل منا مبادراته، لكل منا أن يكون له كسب خاص في حسن العمل للإسلام، أن نتعلم فن العمل الجماعي وفي ثقافتنا العربية منه نقص ، حيث النزعة الفردية عميقة و نزعة التفرد و لذلك نرى كثيراً من الحركات تشهد حالات من التشقق لعدم رسوخ ثقافة العمل الجماعي و عدم رسوخ أيضا ثقافة إدارة الاختلاف ودياً وسلميا ، لقد غابت ثقافة الشورى منذ أول تاريخنا فتعمقت ثقافة الاستبداد في كل المستويات فلا مناص من ترويض أنفسنا وجماعتنا وحكامنا على فن إدارة الاختلافات سلميا. هذا هو المجال الاساسي الذي تفوق فيه الغرب علينا وهو سر تقدمه وتخلفنا.الغرب نجح بعد تجارب مريرة في تحويل شورانا إلى نظام لإدارة الإختلاف ودياً بينما كثير من خلافاتنا – والإختلاف سنة من سنن الله سبحانه و تعالى- تدار بالاقصاء والقمع، وذلك منذ أن إنقلبت الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض. مطلوب أن نتدرب و نروض أنفسنا ونعمق ثقافة إدارة الإختلاف ذهنيا و أن نستبقي وحدتنا وأن نحفظ التنوع و الإختلاف والشورى في إطار الوحدة، وحدة القلب و وحدة الصف نسأل الله أن يوفقنا لما يحب و يرضى و أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه و أن يحسن خاتمتنا و أن يحشرنا في زمرة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا.. و السلام عليكم الملتقى:و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته فضيلة الشيخ راشد الغنوشي جزاك الله خيراً و رفع الله بكم، تقبل تحياتنا من ملتقى الإخوان المسلمين، نسأل الله سبحانه و تعالى أن يديم في عمركم و أن ينفع بكم و أن يجعلكم دائما ذخراً للإسلام و للحركة الإسلامية في قلب لواء العمل جزاكم الله خيرا و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته (المصدر: موقع الشيخ راشد الغنوشي الإلكتروني بتاريخ 5 جويلية 2009)
المغرب: باريس تأسف لمنع لوموند ومجلتان تفشلان برفع الحظر عنهما بسبب استطلاع رأي حول فترة حكم الملك محمد السادس
الرباط ـ القدس العربي ـ من محمود معروف ـ فشلت مجلتان تصدران بالمغرب بالعربية والفرنسية في الحصول على حكم قضائي يبطل قرارا لوزير الداخلية بحجز عددي المجلتين لنشرهما نتائج استطلاع للرأي حول حكم الملك محمد السادس، كما قررت السلطات المغربية منع توزيع صحيفة “لوموند” الفرنسية التي نشرت نفس النتائج وهو ما اعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن اسفها له. وقضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الثلاثاء، برفض ملتمس مجموعة “تيل كيل” لإلغاء قرار وزير الداخلية القاضي بحجز العددين الأخيرين من أسبوعيتي “تيل كيل” و”نيشان”. وقال صحافيون في الاسبوعيتين ان ادارتهما قررت اعادة اصدارهما بدون نتائج الاستطلاع الذي انجز لمصلحة المؤسسة التي تصدر المجلتين بتعاون مع يومية “لوموند”، وسئل فيه نحو 1100 مغربي عن آرائهم في أداء محمد السادس ملكا وقال 91 بالمئة منهم إنهم راضون أو راضون للغاية عن هذا الأداء. وتوزعت الاجوبة على الاستطلاع كما نشرتها بعض المواقع الالكترونية بين اجوبة ايجابية بنسبة 91 بالمائة، من بينها 40 بالمئة ايجابية جدا و51بالمائة ايجابية نوعا ما، واجوبة سلبية نوعا ما بنسبة 6 بالمئة واجوبة سلبية جدا بنسبة 2 بالمئة. واعتبر 49 بالمئة ان المغرب مملكة ديمقراطية فيما اعتبرها 33 بالمئة غير ديموقراطية، ولم يعبر 18 بالمئة عن رأيهم. واجري الاستطلاع بين 27 حزيران/يونيو و11 تموز/يوليو باشراف معهد “ال ام اس- سي اس اي”، وشمل 1108 مغربيا فوق الـ18 سنة. وطرحت الاسئلة باللغة العربية. ويظهر الاستطلاع ايضا ان المغاربة متحفظون بشأن جهود الملك لمكافحة الفقر واصلاح قانون الاسرة. في ما يتعلق بالفقر، يعتبر 37 بالمئة من المستطلعين ان الوضع تحسن في السنوات العشر الاخيرة، و37 بالمئة ايضا ان الوضع لم يتحسن، فيما اعتبر 24 بالمئة منهم ان الوضع ساء. اما في ما يتعلق باكبر الاصلاحات التي اجريت في السنوات العشر الاخيرة، اي تعديل قانون الاسرة لتصبح المغربيات مساويات للرجل على كافة المستويات باستثناء الارث، فيبدو انه لم يحظ بتأييد المغاربة اذ اعتبر 49 بالمئة منهم ان الاصلاح بالغ في اعطاء الحقوق للمرأة، فيما اعتبر 30 بالمئة منهم ان الحقوق الممنوحة للمرأة كافية ولا يجب ان تتطور، واعتبر 16 بالمئة منهم فقط ان على المرأة الحصول على المزيد من الحقوق. واصدر شكيب بن موسى وزير الداخلية المغربي يوم السبت الماضي، قرارا بحجز العددين الأخيرين من الأسبوعيتين، إثر نشرهما مجموعة من المقالات تمس بالمقتضيات القانونية الجاري بها العمل. وأوضح بلاغ لوزارة الداخلية أن هذا الإجراء يأتي تطبيقا لمقتضيات قانون الصحافة بالمغرب. ونشرت الاسبوعيتان نتائج استطلاع للرأي حول عشر سنوات من حكم الملك محمد السادس وقال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة إن إجراء استقراء للرأي حول شخص الملك وجعله موضوع نقاش سياسي في الساحة العمومية، أمر يتنافى مع قدسية ومكانة المؤسسة الملكية. وأوضح خالد الناصري أن “عدم وجود قانون ينظم استطلاعات الرأي لا يحول دون وجود قوانين أخرى، فهناك قانون أسمى هو الدستور الذي يحرم المساس بالاحترام الواجب لشخص الملك، وهناك قانون الصحافة الذي لا يبيح بدوره الإساءة إلى المؤسسة الملكية” فيما تظل “القضايا الأخرى مباحة وتتعامل معها الصحافة بكل ما تشاء من الحرية”. وأوضح الوزير المغربي أن الحجز لا يهم نتيجة هذا الاستقراء ولكن مبدأ تنظيمه حول هذا الموضوع، مؤكدا أنه “لا يمكن ولن نقبل أبدا حتى في المستقبل أن تكون المؤسسة الملكية موضوع استقراء للرأي”. واعتبر أن من شأن مثل هذا الاستقراء للرأي “تلويث الحقل السياسي المغربي”، داعيا إلى “ترك المؤسسة الملكية في موقعها الذي يتسم بالحرمة” والمبادرة إلى كل النقاشات وتنظيم استقراءات للرأي في باقي القضايا. ومنعت السلطات المغربية توزيعا وبيعا عدد الثلاثاء من صحيفة “لوموند” الفرنسية بسبب تضمنه نفس الاستطلاع الذي نشرته “تيل كيل” و”نيشان”. ولم تسمح السلطات المغربية للصحيفة الفرنسية بدخول الأراضي المغربية، وأوقفتها مساء الاثنين في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء واعلنت السلطات المغربية قبل وصول عدد صحيفة “لوموند” إمكانية حجز عددها الذي نقل هذا الاستطلاع عن أسبوعية “تيل كيل”، الا ان الصحيفة قررت نشر نتائج الاستطلاع على الرغم من تحذيرات الناصري، وقالت إنها فضلت أن تكون السلطات المغربية هي المسؤولة عن المنع، وألا تكون الصحيفة هي التي مارست الرقابة الذاتية على نفسها. وقال خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية في وقت سابق إنه “لا يمكن الكيل بمكيالين”، وان “المقتضيات القانونية الجارية على الصحافة المغربية تسري أيضا على الصحافة الأجنبية” الموزعة بالمغرب. وأضاف أنه كلما احترمت الصحافة الأجنبية “ضوابطنا وثوابتنا كلما أتيح لها المجال لتباع بكل حرية، وذلك ما يقع يوميا من خلال فتح الباب لعشرات بل مئات المنابر الصحفية الأوروبية، لكن عندما يتعلق الأمر بالإساءة للمؤسسة الملكية، حتى وإن لم تكن مدبرة أصلا، فذلك لن يسمح لنا بأن نترك هذا العدد من اللومند يوزع بالمغرب. واثار قرار السلطات المغربية منع اللومند استئياء السلطات الفرنسية وقالت وزارة الخارجية الفرنسية أنها “فوجئت” بقرار السلطات المغربية مصادرة صحف نشرت استطلاعا عن حصيلة عهد الملك محمد السادس، وأعربت عن أسفها لهذا القرار وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومين نادال “فوجئنا بهذا الإجراء الذي نأسف له”. وأضاف “نحن متمسكون تحديدا بحرية الصحافة التي تكفلها شرعة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وهو ما صادق عليه المغرب”. وبررت وزارة الداخلية مصادرة مجلتي “تيل كيل” و”نيشان” بـ”نشرهما مجموعة من المقالات التي تمس بالمقتضيات القانونية الجاري بها العمل”. وقال أحمد بن شمسي ناشر المجلتين إن السلطات أبلغته أنه ليس من المقبول من ناحية المبدأ إجراء استطلاع رأي حول الملك، مؤكدا بالمقابل أنه ليس هناك قانون يمنع هذا النوع من الاستطلاعات. وأضاف بنشمسي أن وزارة الداخلية “خرقت القانون مرتين، الأولى لأنها لم تعلل قرار المصادرة، والثانية لأنها أتلفت النسخ المصادرة دون انتظار صدور حكم قضائي في الموضوع”. وباستثناء حزب الحركة الشعبية الذي التحق بالحكومة الاسبوع الماضي، عبرت مختلف الاحزاب السياسية المغربية عن رفضها قرار وزير الداخلية بحجز تيل كيل ونيشان ومقلت يومية اخبار اليوم المستقلة عن اسماعيل العلوي الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية (مشارك بالحكومة) ان الحجز موقف يؤسف له لانه لا يساعد على تكريس حرية التعبير ولا يغير من واقع الحال. ويقترح العلوي ان المنع يساعد الجلتين على الانتشار ويمس بصورة المغرب في الخارج فيما اعتبر حسن طارق عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحجز “خطأ قانونيا” وغير مفهوم. واكد محمد مجاهد الامين العام للحزب الاشترؤاكي الموحد اعتراضه على حجز الاسبوعيتين وقال مصطفى الرميد عضو الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية الاصولي ورئيس فريقه البرلماني ان رفض الملك التنفيذي لاستطلاعات الرأي يعني الدكتاتورية. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 05 أوت 2009)
صعود حزب مغربي يمثل اختبارا للديمقراطية الناشئة في المغرب
الرباط (رويترز) – دفع صعود حزب أنشأه حليف للملك المغربي محمد السادس بعض المحللين والاحزاب المعارضة الى التحذير من أن الحياد الذي كان ركيزة العهد الاصلاحي للمملكة أصبح مهددا. وأعاد حزب الاصالة والمعاصرة تشكيل الخريطة السياسية المغربية خلال السنة الماضية بخروجه من التحالف الحاكم وحصوله على القمة في الانتخابات المحلية وتحديه القوى السياسية الاخرى للسيطرة على المدن الكبرى. ويقول الحزب انه لا علاقة له بالملك محمد الذي احتفل الاسبوع الماضي بمرور عشر سنوات على جلوسه على العرش لكن حقيقة أن مؤسسه تربطه علاقة بالملك أشعلت التكهنات بأنه يطبق برنامجا أعده القصر. وقال توفيق بوعشرين رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم اليومية ان الصعود السريع للحزب أبرز نمطا شائعا بين أعضاء النخبة المتصلة بالقصر. وقال “هناك اتجاه الى تركيز الثروة والسلطة والاعلام والسياسة في يد واحدة. لكن هذه اليد لا تريد أن تظهر وتبحث عن ظلال لها تتحرك فوق المسرح.” وقال فؤاد عالي الهمة مؤسس الحزب ان هدفه ليس تركيز السلطة ولكن اعادة تنشيط الديمقراطية. وقال ان الحزب جاء ليرج الخريطة السياسية الاسنة. ويشير قادة الحزب الى حقيقة أن نسبة الاقبال على الانتخابات المحلية في يونيو حزيران والتي كانت الاولى مع وجود حزب الاصالة والمعاصرة كانت 52 بالمئة بزيادة كبيرة عن نسبة 37 بالمئة التي شهدتها انتخابات عام 2007. لكن تاريخ المغرب يجعل شعبه حساسا تجاه أي اشارة على أن القصر يقحم نفسه في السياسات الحزبية. وفي الفترة بين الستينات والثمانينات خلال عهد الملك السابق الحسن الثاني نمت قوة الجماعات السياسية ذات الصلة بالقصر وتم ربطها بشكل واسع بانتهاكات لحقوق الانسان والقمع السياسي. ومنذ تولي الملك محمد العرش بعد والده وهو يعتبر على نطاق واسع صاحب الفضل في تحويل المغرب الى دولة أكثر تسامحا. وما يزال الملك يسيطر على الحكومة من منصبه كرئيس للدولة وزعيم ديني. ومازالت هناك قوانين تجرم انتقاد الملك والبرلمان ضعيف وتنتشر في البلاد السخرية من السياسات الحزبية. لكن السلطات أرخت قبضتها على المجتمع المدني وشكل المغاربة الالاف من الجمعيات المحلية لملء الفراغ الذي تركته الخدمات العامة في مجالات التعليم ومحو الامية أو تعريف الفقراء بحقوقهم. وانتعشت الصحافة بظهور العشرات من العناوين التي تشكك في سياسة الحكومة وتحاسب المسؤولين المقصرين. كما ساعد تحرير الاقتصاد المغربي على تحويل المغرب الى واحد من أهم المقاصد التي يتوجه اليها الاستثمار الاجنبي في أفريقيا. ويقول المستثمرون انه لا يبدو أن المغرب يحيد عن التزامه باصلاحات السوق. غير أن المراقبين السياسيين وخاصة من بين منافسي حزب الاصالة والمعاصرة يرون أن الحزب يكتسب نفوذا يتجاوز موقعه الرسمي كحزب من بين الاحزاب السياسية المغربية. وكان عالي الهمة مؤسس الحزب مسؤولا أمنيا رفيعا قبل أن يتنحى عام 2007 وتصفه وسائل الاعلام المحلية عادة بأنه صديق الملك. وبعد أشهر من ظهوره فاز حزب الاصالة والمعاصرة على حزب الاستقلال الحاكم في الانتخابات المحلية في يونيو حزيران. وعندما عزل وزير الداخلية المغربي حاكم اقليم مراكش القوي منير الشرايبي الشهر الماضي رأي القادة السياسيون في ذلك يد الحزب الجديد. فقد كان الحزب شكا من تدخل الحاكم في الطريقة التي سيحكم بها المسؤولون المنتخبون مدينة مراكش. وقالت وسائل الاعلام المحلية ان عزل الشرايبي ليس مسبوقا لان الحاكم يمت بصلة قرابة لرئيس الوزراء المغربي عباس الفاسي. وقال لحسن داودي المسؤول في حزب العدالة والتنمية وهو حزب اسلامي معارض ان هذا القرار رسالة للمجتمع المغربي بأن حزب الاصالة والمعاصرة يستطيع أن يفعل ما يحلو له. ويقول بعض المحللين ان الحزب يتعامل من خلال مبادرته الخاصة دون تأييد مباشر من القصر. لكن المحلل السياسي محمد الطوزي قال انه أيا كان الحال من تدخل القصر أو عدمه فان اقامة قوة سياسية جديدة من شأنها أن تقوي الاجندة الاصلاحية للملك محمد لا أن تقوضها. وقال “بعض الجوانب الاصلاحية لايمكن للملك القيام بها لوحده وهي في حاجة الى وجود دعامات سياسية قوية.” من الامين الغانمي (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 5 أوت 2009)
المغرب في السنوات العشر الاخيرة
(رويترز) – يعزو كثيرون في المغرب الفضل للملك محمد السادس في انهاء الكساد وادخال الديمقراطية في المملكة لكن بعض الساسة يقولون ان صعود حزب جديد له صلات بالقصر يمكن أن يهدد هذه الاصلاحات. فيما يلي تسلسل زمني عن المغرب منذ تولي الملك محمد السادس العرش: 23 يوليو تموز 1999 – توفي الملك الحسن الثاني اثر اصابته بأزمة قلبية واعتلى ابنه محمد السادس العرش. 30 نوفمبر تشرين الثاني 2001 – أم الملك صلاة الجمعة في السمارة العاصمة الروحية للصحراء الغربية للمساعدة في توطيد الروابط مع الصحراء المتنازع عليها. ويسيطر المغرب على المستعمرة الاسبانية السابقة منذ عام 1976 على الرغم من معارضة جبهة البوليساريو المؤيدة للاستقلال التي تدعمها الجزائر. 16 مايو ايار 2003 – نفذ مهاجمون انتحاريون خمسة تفجيرات على الاقل في الدار البيضاء. وقتل 45 شخصا بينهم 13 من المهاجمين وأصيب نحو 60 بجروح. اكتوبر تشرين الاول 2003 – الملك محمد يقول انه سيجري اصلاحات في مجال حقوق المرأة حيث رفع الحد الادنى لسن الزواج من 15 الى 18 عاما والسماح لهن بتطليق انفسهن. يوليو 2004 – بدء سريان اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. ابريل نسيان 2005 – قاض يمنع الكاتب الساخر علي لمرابط من ممارسة الصحافة لعشر سنوات. وكان لمرابط احد اشد المنتقدين للملكية قد شكك في نهج الحكومة تجاه وضع اللاجئين في الصحراء الغربية. اكتوبر 2005 – مئات المهاجرين يحاولون التدفق عبر سياج من الاسلاك الشائكة حول جيبي سبتة ومليلية الاسبانيين وهي الاراضي الوحيدة التابعة للاتحاد الاوروبي في افريقيا. ومات 11 مهاجرا على الاقل اثناء محاولة تسلق السياج. 16 ديسمبر 2005 – اول لجنة لتقصي الحقائق في العالم العربي تقول ان 592 مغربيا قتلوا على يد الحكومة بين الستينات والتسعينات وهي الفترة التي عرفت باسم “سنوات الرصاص”. وتم تعويض الضحايا وأسرهم لكن لم يعلن عن اسماء القتلة او يعاقب اي منهم. مارس اذار وابريل 2007 – المتشدد الاسلامي عبد الفتاح الرايدي يفجر نفسه في مقهى للانترنت بالدار البيضاء تجنبا للاعتقال. بعد ذلك بشهر داهمت الشرطة منزلا امنا في حي باكبر مدينة في المغرب. وفجر ثلاثة رجال منهم احد اشقاء الرايدي أحزمة ناسفة ليقتلوا انفسهم وضابطا بالشرطة ويصيبوا اكثر من 20. 7 سبتمبر ايلول 2007 – في الانتخابات البرلمانية فاز حزب الاستقلال بزعامة عباس الفاسي بمعظم المقاعد وتم تعيينه رئيسا للوزراء في 19 سبتمبر ايلول خلفا لادريس جطو. 6 نوفمبر 2007 – انتقد الملك محمد السادس زيارة العاهل الاسباني خوان كارلوس لجيبي سبتة ومليلية المتنازع عليهما قائلا انها أضرت بمشاعر الشعب المغربي وقد تهدد العلاقات الثنائية بين الدولتين. 6 سبتمبر 2008 – زارت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس المغرب في اطار جولة بشمال افريقيا. وناقشت اجراءات مكافحة الارهاب والاصلاح السياسي وحثت على الوصول الى حل لنزاع الصحراء الغربية. 6 مارس 2009 – المغرب أعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران بعد أن اجتاحت موجة غضب الدول الاسلامية السنية بعد أن أدلى مسؤول ايراني بتصريحات شكك فيها في سيادة البحرين التي يحكمها السنة. 13 يونيو 2009 – فاز حزب سياسي مغربي جديد يضم أقوى أنصار الملك محمد السادس بمعظم المقاعد في انتخابات محلية بعد أن دفع الاسلاميين المعارضين الى الهامش. (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 5 أوت 2009)
التايمز: 40 ألف صاروخ لحزب الله قرب إسرائيل
صحف – إسلام أون لاين .نت لندن- قالت مصادر إسرائيلية وأخرى غربية وثالثة زعمت أنها مقربة من حزب الله اللبناني إن الحزب صار أقوى مما كان عليه في صيف 2006، وإنه خزن 40 ألف صاروخ قرب الحدود مع إسرائيل؛ تمهيدا للرد على أي ضربة عسكرية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، بحسب تقرير نشرته اليوم الأربعاء 5-8-2009 صحيفة “التايمز” البريطانية، نقلا عن تلك المصادر. وكانت “إسلام أون لاين.نت” قد نشرت الأحد الماضي 2-8-2009 تقريرا بعنوان (“الضاحية مقابل تل أبيب”.. تهديد بقوة 42 ألف صاروخ) كشفت فيه من خلال خبراء عسكريين لبنانيين أن حزب الله طوَّر ترسانته الصاروخية، بحيث أضحت قادرة على الوصول لتل أبيب (113 كم من الحدود اللبنانية)، ومدن إسرائيلية أخرى، وكذلك صواريخه المضادة للدبابات ليتغلب على عقبتين أمامه في ميزان المواجهة مع إسرائيل، الأولى هي قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي أبعد جنوده وصواريخه عن المنطقة الحدودية المحاذية لإسرائيل، والثانية هي سلاح الدبابات الإسرائيلي. وفي تقريرها اليوم ذكرت صحيفة “التايمز” أن حزب الله يمتلك الآن 40 ألف صاروخ خزنها قرب حدود إسرائيل، ويدرب قواته على استخدام صواريخ أرض أرض قادرة على ضرب تل أبيب، وأخرى أرض جو لمواجهة هيمنة إسرائيل على الأجواء اللبنانية. ونقلت عن مصادر عسكرية وصفتها بالمقربة من الحزب الله أن الأخير “زاد من قوة وفعالية دفاعاته الجوية، وحصل على عدد كبير من صواريخ أرض جو من طراز إس إي 18 التي تُطلق من على الكتف من أجل التصدي للمروحيات والمقاتلات الإسرائيلية التي تحلق على علو منخفض”. إس إي 18 كما نقلت عن مصادر عسكرية غربية قولها: “إن مقاتلي حزب الله يتلقون تدريبات في سوريا على صواريخ إس إي 18، والتي يمكن أن تشكل تهديدا خطيرا على الطائرات الإسرائيلية التي تنتهك الأجواء اللبنانية بمعدل يومي تقريبا لأغراض الاستطلاع”، كما تزعم إسرائيل، وهو ما تعتبره الأمم المتحدة انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006. وأضافت المصادر أن حزب الله يأمل في الحصول على النسخة المحسنة من الصاروخ الإيراني الصنع “فتح 110” القادر على حمل رأس متفجر زنته 500 كجم، ويصل مداه إلى أكثر من 200 كم، مشيرة إلى أن حصوله على صواريخ متطورة مضادة للطائرات يمكن أن يدفع إسرائيل إلى الإقدام على تدمير هذه الأنظمة. إيران أكثر من لبنان التايمز نسبت إلى العميد آلون فريدمان، نائب رئيس أركان القيادة الشمالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، قوله: “إن سلام السنوات الثلاث الأخيرة يمكن أن ينفجر في أي دقيقة”، وذكرت الصحيفة بأن الأمين العام للحزب حسن نصر الله هدد الشهر الماضي بضرب تل أبيب ردا على أي هجوم يمكن أن تشنه إسرائيل على الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل الحزب، كما فعلت عام 2006. وقالت إن السبب الحقيقي وراء إعادة حزب الله بناء ترسانته التسلحية “له علاقة بإيران أكثر من لبنان، حيث سيأتي الرد الرئيسي من حزب الله إذا نفذت إسرائيل تهديدها بضرب المنشآت النووية الإيرانية” التي يردد الغرب أنها تستهدف إنتاج أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران، مرددة أن برنامجها مدني لأغراض مثل إنتاج الطاقة الكهربائية. وأضافت الصحيفة أن مسئولي حزب الله رفضوا إعطاء أي تفاصيل عن تعزيزاتهم العسكرية الجديدة، لكنهم لم ينفوا أنهم يعدون لحرب أخرى، ناسبة إلى نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قوله: “إن وضع حزبه اليوم أفضل بكثير مما كان عليه في يوليو 2006، وإذا ما فكر الإسرائيليون أن بإمكانهم إلحاق المزيد من الدمار بنا، فإنهم يعلمون أننا قادرون أيضا على إلحاق المزيد من الدمار بهم”. ودامت حرب 2006 نحو 33 يوما، واستشهد فيها أكثر من 1200 لبناني، معظمهم مدنيون، وقتل 160 إسرائيليا، معظمهم عسكريون، وانتهت الحرب بوقف إطلاق النار وصدور القرار الدولي رقم 1701 الذي يطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، وفيها حزب الله، ووضع حد لتهريب الأسلحة عبر حدوده. (المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 05 أوت 2009)
التوريث.. عدوى يجب القضاء عليها في مهدها
خضير بوقايلة 05/08/2009 أرض الكنانة تشكو شيخوخة نظامها ووهن رئيسها ولا حديث هناك إلا عن الموضوع الجديد القديم (من يخلف فخامة الريس؟). سؤال مترف، في الحقيقة، هذا الذي يردده إخواننا المصريون صباح مساء، فهم يتساءلون وهم في قرارة أنفسهم يملكون الجواب، وهو أن خليفة السيد الرئيس لن يكون من خارج حلقة النظام الضيقة، أما الأسماء فهي مجرد تفاصيل لا تسمن ولا تغني. فأن يكون نجل فخامته أو رئيس مخابرات النظام ليس مهما، لأن التوريث في كلتا الحالتين قائم، فجمال مبارك هو ابن الرئيس الذي هو من صلب النظام، واللواء عمر سليمان هو ابن النظام أيضا، والمصريون لن يشعروا بفرق كبير إذا ورث هذا أو ذاك العرش. لكن هذا ليس موضوع هذا المقال ولا هو شأننا اليوم، إلا في جزئيته المرتبطة بتداخل الشأن المصري في شأن كثير من الدول العربية وعلى رأسها البلدان المسماة مجازا بلدانا ثورية وقومية أو تقدمية كحال الجزائر. من هذه النافذة فقط أجدني مضطرا لأحشر أنفي في قضية قومية مصرية خالصة وأنضم إلى ملايين المصريين الذين يدعون الله ليل نهار أن يتحول كابوس التوريث إلى حقيقة قائمة، مع أن الكثير من المبتهلين شبه متيقنين أن البلاء نازل عليهم لا محالة، ذلك أن نظاما حديديا كالنظام المصري لا يمكنه أبدا أن يغادر ببساطة ويترك البلد في أيدي (المغامرين)، وأغلب الظن أنه قد أفلح في إقناع القوى العظمى الدولية والإقليمية بشرعية هذا المنطق. أما نحن فلا يسعنا إلا أن نواصل الدعاء ونبقى آملين في حدوث المعجزة وفشل تجربة التوريث في مصر المحروسة، ولا نفعل هذا كما أسلفت كرها لنظام لا يحكمنا أو تعاطفا مع شعب هو أكبر من أن يُخاف عليه، بل خوفا من أن تنتقل إلينا العدوى. فقد رأينا كيف كانت (أم الدنيا) ملهمة لدول عربية كثيرة منذ حركة الضباط الأحرار التي حملت إلينا الزوبعة القومية العربية والظاهرة الإخوانجية. ولا أبالغ إذا أضفت إليها العاصفة التكفيرية الجهادية. لا يزال الجزائريون يذكرون كيف أن حركة تشبه حركة الضباط الأحرار، (نسميها عندنا جماعة وجدة)، نسبة إلى المدينة الحدودية المغربية التي كان يرابط فيها ضباطنا الأحرار عشية الاستقلال، قادت انقلابا على الحكومة الجزائرية المؤقتة المدنية واستولت على الحكم بقوة الشرعية الثورية. وتشاء الصدف أيضا أن يعيَّن على رأس الدولة عضو من الجماعة إياها يدعى أحمد بن بلة الذي لم يكن يخفي هيامه وولعه بالرئيس جمال عبد الناصر وهو إلى الآن لا يزال يسبح بحمده ويفتخر بانتسابه إليه. حتى الرئيس هواري بومدين الذي نصّبه (أحرار وجدة)، إثر حركة انقلابية أسموها تصحيحاً ثورياً، رئيساً على الجزائر خلفاً للرئيس أحمد بن بلة، لم يكن بمنأى عن سحر الحركة الناصرية وعن وهج الثورة الاشتراكية الشيوعية بصفة عامة. كما أن مسلمينا (السياسيين أقصد) لا يزالون مرتبطين ارتباطا عضويا ومعنوياً بحركة الإخوان المسلمين التي انطلقت من مصر، وقد كان الخلاف الذي دب أخيراً في أوصال حركة مجتمع السلم التي أسسها الإخواني الراحل محفوظ نحناح مناسبة للجزائريين ليتأكدوا مدى ارتباط إخوان الجزائر بإخوان مصر وكيف أن سماحة المرشد العام كان يقود مساعي صلح بين الإخوة في صراعهم على خلافة عرش نحناح. قد يقول قائل إن النظام الناصري اندثر والمسافة الزمنية بيننا وبين (جماعة وجدة) تناهز الخمسين عاما، ثم إن نظرية التوريث إذا نجحت في مصر فلن تنبت بالضرورة نباتا حسنا في الجزائر، خاصة أن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لم يفكر يوما أن يكون له ولد، هذا اختياره وهو حر فيه ولا أحد يحاسبه على ذلك إلا الذي خلقه. قد يكون هذا صحيحا لولا حقيقتان اثنتان، الأولى هي أن بوتفليقة هو أيضا عضو من أعضاء (جماعة وجدة)، ولعله كان أصغرهم وقتها. والثانية هي أن له أخا صغيرا لعله يعامله بمثابة ابنه البكر، أي الوريث، بل كما قال أحد دهاة السياسة عندنا، إن له أكثر من أخ ولا بد أن يجد من بينهم من يورّثه عرشه بعد عمر طويل. أعلن الأسبوع الماضي في الجزائر عن ميلاد جمعية تدعى (حركة الأجيال الحرة)، وكان من المفروض أن يكون هذا الخبر عاديا لولا أن هذه الحركة قُدمت للناس على أنها البذرة الأولى لحزب جديد يجري تفصيله على مقاس وريث العرش المرتقب سعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر لفخامته، خاصة أن رئيس هذه الحركة لم ينف إمكانية تحول الحركة مستقبلا إلى حزب سياسي. ولم يكن بوسع أحد أن يقول إن (حركة الأجيال الحرة) هي حركة اجتماعية لا علاقة لها بألاعيب النظام وطموحات الرئيس ومحيطه، ذلك أن المتعارف عليه في الجزائر أن النظام منذ وقف المسار الانتخابي عموما ومنذ مجيء بوتفليقة خصوصا لم يعد يؤمن بشيء اسمه جمعيات أو تنظيمات مدنية أو أحزاب سياسية، هناك فقط فخامة الرئيس والكائنات التي تدور في فلكه وفي فلك النظام. اعتماد الأحزاب السياسية مجمد بقرار ملكي غير مكتوب، كما أن النشاط الحزبي للأحزاب التي ورثها بوتفليقة من العهد السابق ممنوع هو الآخر إلا أن يكون موضوعه تمجيدا لفخامته وعهد فخامته. فكيف في بلد ممنوع فيه أي نشاط حزبي أو جمعوي مستقل يحصل فيه أفراد أتوا من مناطق مختلفة من البلد على ترخيص يسمح لهم بعقد اجتماع وإعلان تأسيس جمعية أو منظمة مدنية ويحلفون أنهم بريئون من تهمة الانتماء إلى النظام أو أن يكونوا النواة التي ينتظر أن يخرج منها حزب وريث العرش؟ البلد لا يزال يرزح تحت وطأة حالة الطوارئ (هل لاحظتم أن الشبه لا يزال قائما مع حالة أرض الكنانة؟)، والجميع يعرف أن الجمعيات والأحزاب المعترف بها لا تحصل بسهولة على ترخيص لتنظيم نشاطات عمومية، ومع ذلك تقرر شلة من المواطنين الالتقاء في فندق بالعاصمة والإعلان أمام وسائل الإعلام عن تأسيس منظمة مدنية، فعلوا ذلك وكأنهم في الولايات المتحدة أو في بريطانيا من دون أن تفسد عليهم قوات الأمن اجتماعهم أو تعتقلهم بتهمة مزاولة نشاط غير مرخص. أكثر من ذلك، فقد اختار هؤلاء اسما يرهنون به مستقبل الأجيال الصاعدة مثلما رُهنت الأجيال السابقة من طرف حركة ضباط وجدة الأحرار. التوريث في جمهورية مصر العربية في حالة مخاض، بينما لا يزال في الجزائر علقة أو مضغة، لكن الخوف أن تكتب للجنين الحياة فتسري العدوى في الجسد الجزائري. ونداؤنا الأخير نوجهه لأحرار مصر (الأحرار الأحرار)، رجاء أجهضوا جنينكم وليكن التوريث كابوسا قديما، وتأكدوا أنكم إذا نجحتم فإن عدواكم ستستشري أيضا في الجسد العربي، ومثلما صعد نجم الضباط الانقلابيين في كثر من بلاد العرب أسوة بحركة الضباط الأحرار، فإن شبح التوريث سيتلاشى أيضا من أمام أعيننا بعد أن تطردوه من مصر. عندها لن يفرح كثيرا ابن عقيد الجماهيرية ولا ابن عقيد البلد السعيد ولا حتى سعيد الجزائر. فهل ستسمعون نداءنا يا أحرار مصر؟ نأمل ذلك، وإلا فسنغرق جميعا. ‘ كاتب وصحافي جزائري (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 05 أوت 2009)
معركة “التوريث” وخيارات الإخوان
علي عبدالعال 05-08-2009 سأل (محمدوف): “ما هو موقف الإخوان من قضية التوريث؟”، فأجابه (الغلبان) بعامية معهودة في المنتديات: “أنا زي كل الإخوان، نرفض التوريث، لكن أنا رأيي إن دي مش قضيتنا (…) دي قضية خسرانة خسرانة”، فجاءه الاحتجاج سريعا من (الفهم أولا): “أخي الغلبان، بمبدأ القضية خسرانة خسرانة يبقى بلاش نشتغل في مصر، ونلغي الجماعة في مصر، ونشتغل في أي دوله تانية، عشان كل القضايا في مصر خسرانة خسرانة”. كان نقاشا محتدما بين شباب الإخوان المسلمين على المنتدى المعروف باستقطابه عناصر الحركة، دفع خلاله (الغلبان) بوجهة نظره في أهم قضية سياسية تشغل بال المصريين حاليا، نافيا أن يكون تفكيره “استسلاميا” بل على العكس يراه “تفكيرا واقعيا” لأن الاهتمام بتصحيح المفاهيم، ونشر الوعي، وإتاحة الحريات، هو الذي “يُولد رفض التوريث عند الأمة”، وهو دفاع لم يقبله الإخواني الذي اختار (الفهم أولا) اسما مستعارا له، فرد متسائلا: “امال ايه هي قضيتنا بالزبط؟”، واستطرد: “لما يحصل التوريث بخطواته للي بتمسنا في كل الاعتقالات اللي حاصله دي يبقى قضية مين؟”، وأجاب نفسه متهكما: “شكلها كده قضية عم أحمد، خلينا نقعد نصحح المفاهيم لحد ما نموت، وولادنا من بعدنا يصححوا المفاهيم، وولادهم وولاد ولادهم”. عكس النقاش الإخواني الإخواني إلى أي مدى يمكن أن يحتدم الجدل داخل الجماعة لإيجاد مخرج من هذه الإشكالية التي قد يؤدي التعامل غير المحسوب معها إلى تدمير الحركة الإسلامية أو على أقل تقدير تلقيها ضربات ربما تؤدي إلى تراجع مشروعها إلى عشرات السنين، وهو نقاش لم يكن حكرا على قادة الجماعة ورموزها بل ربما هو أشد ضراوة على مستوى القواعد خاصة الشبابية منها، وهو ما برز واضحا عبر المدونات والمنتديات على شبكة الإنترنت. رفض مطلق للتوريث وإذا كانت قضية توريث الحكم تحتل هذه المساحة من تفكير الإخوان المسلمين فإن قراءة متأنية للمواقف المعلنة تؤكد أن الجماعة منذ طُرحت هذه القضية على الساحة السياسية بالتوازي مع تصعيد جمال مبارك عام 2002، تعارض تمرير هذا السيناريو بل تسعى جاهدة للحيلولة دون تنفيذه، ولعل ذلك ما بدا واضحا من خلال تصريحات عدد من كبار قادتها على رأسهم المرشد العام محمد مهدي عاكف، الذي أكد ضمن تصريح له: “أن الجماعة لن توافق في أي حال من الأحوال على أن يكون (جمال مبارك) رئيسا لمصر”. وإذا كان موقف الجماعة هو الرفض المطلق لنجل رئيس الجمهورية، فإن وراء ذلك جملة كبيرة من الأسباب يدفع بها الإخوان، أهمها: أن مبارك الابن “لا يعرف شيئا عن الشعب، وليس له تاريخ يتقدم به”، حسبما قال مهدي عاكف، كما أنه يتولى أمانة لجنة السياسات التي تنتهج “تزوير الانتخابات”، وبات “يتصرف في أمور الدولة، وساهم في إنشاء المحاكم العسكرية، ورعا الاعتقالات التي تنال الإخوان يوميا”، يضيف عاكف في حديث لوكالة “فرانس برس”: وقد فصلت المادة 76 من الدستور على مقاسه، لذلك فهو “أكثر إنسان يتحمل الكراهية الناجمة عن كل فساد العهد”، هذا على صعيد ملفه الداخلي حسبما يرى الإخوان المسلمون. أما بالنظر إلى ارتباطاته الخارجية وعلاقاته الدولية، فإن النائب الأول للمرشد د.محمد حبيب، فصل في ذلك معتبرا الابن الأصغر للرئيس مبارك “سياسيا شابا يتبنى الفكر الأمريكي، وله أجندة لا تتسق مع المجتمع المصري”؛ لأنها أجندة قادمة من واشنطن، على حد قوله، يسعى جمال لتحقيقها فقط “لمصلحة رجال الأعمال على حساب الطبقة الوسطى والفقراء”، ففي مقابلة أجرتها صحيفة “القدس العربي” رأى حبيب أن هذا لا يتفق مع سمعة وكرامة مصر. مما سبق يتبين أنه لم يعد ثمة مجال للخلاف لدى الإخوان على رفض التوريث والوريث معا، لكن ربما ما لم يتم حسمه حتى الآن داخل أروقة الجماعة هو مساحة المناورة المتاحة وخيارات التحرك المستقبلي، والتي ستلجأ إليها إذا تمكنت مجموعة التوريث في النظام والحزب الحاكم من فرض هذه الأجندة على البلاد، خاصةً أن الإخوان دائماً ما ينظر إلى كونهم القوة الكبرى والمنظمة في المعارضة المصرية، وهو ما تضعه الحركة في حسبانها خاصة أمام مطالب دائما ما تصدر عن قواعد الشباب في الجماعة بضرورة حسم الحركة الإسلامية الأم لمواقفها أمام الملفات الكبرى التي تشغل الرأي العام كالتوريث والانتخابات الرئاسية. فعلى الرغم من هذه المعارضة الشديدة التي يبديها الإخوان المسلمون أمام طموح جمال مبارك ورغبته في أن يرث حكم البلاد بعد والده، فإنها بقيت وما تزال معارضة “باردة”، لم تشتمل على أي تحرك عملي حتى الآن، وهو ما عكسه تصريح المرشد العام لوكالة الأنباء الفرنسية، بالقول: “لا نملك إلا أن نعلن رفضنا”، وهو الموقف الذي كرره محمد حبيب بصيغة أخرى حيث قال: “يجب أن نفرق بين أمرين، الأول أنك ترفض شيئاً، والثاني أن تكون لديك القدرة على منع حدوث هذا الشيء الذي ترفضه”، ما جعل المحللين يذهبون يمينا ويساراً في تأويلهم والتكهن بما قد تنتهي إليه خيارات الجماعة في المستقبل، خاصة في ظل ما يعتقد أنها إجراءات تجري على قدم وساق من قبل الحزب الحاكم من أجل إتمام المسلسل. ما بعد الرفض وقد تباين المتكهنون حول الخيار الأخير للإخوان أمام “التوريث” بين احتمالات عدة منها: لجوء الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها مئات الألوف من المصريين إلى تنظيم المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي قد تشمل العاصمة والمدن الكبرى في البلاد، وقد يقودها ذلك في حال نجاحها في تحمل الضربات الأمنية التي ستزداد عنفا كلما اقتربت ساعة الحسم إلى تنظيم إضراب عام يعم البلاد أو حتى عصيان مدني، ولعل ما يشير إلى ذلك التصميم الذي يبديه محمد حبيب في بعض تصريحاته مستبعدا أن يقدم الإخوان أي تنازلات تحت الصعوبات، قائلا: “أيا كان التصعيد، فموقفنا من التوريث لن يتزعزع”، مشيرا إلى أن جمال مبارك سيكون حاكما مستبدا، و”ليس بوسعنا بأي حال من الأحوال أن نهدر ثلاثين عاما أخرى من عمر الشعب في تجربة مشابهة لتجربة مبارك الأب”، وهو ما قد يفسر شراسة الحملة الأمنية والإعلامية والاقتصادية التي تستهدف الجماعة هذه الأيام. الخيار الآخر، أن تجنح الحركة إلى الانصياع والقبول بعملية ترويض يمارسها النظام في مرحلة ما؛ تفاديا لأي مواجهة تعكر الصفو على جمال في طريق مروره إلى كرسي الرئاسة، خاصة أن هذا الترويض حتما سيسبقه عدد من الضربات العنيفة التي قد تحمل الجماعة على الرضوخ، هذا الترويض قد يحصل منه الإخوان على بعض المكاسب التي سيحددها فقط اتجاه الأحداث، ومعدل ميل الكفة في كل اتجاه، إلى جانب ثقة كل طرف بما في يديه من أوراق. ومما يعزز هذا الرأي حرص الإخوان على إبراز جانبهم اللين والتأكيد عليه كخيار أوحد أمام الجماعة في جميع الأحوال، مهما تعاظمت التحديات، ففي الندوة التي نظمتها يومية “الشروق” القاهرية دفع د.عصام العريان التساؤلات حول موقف الجماعة في حال فرض النظام جمال مبارك بتجربتهم التاريخية التي وصفها بـ”المؤلمة” مع النظام الملكي، حيث جرى تصفية المرشد الأول حسن البنا، مؤكدا أن “ذاكرة الإخوان بالتأكيد تختزن هذه التجربة، ولا يمكن أن يقامروا على محاولات أخرى في هذا الصدد”. وفي تعليقه على ما يمكن اعتباره تناقضا في تصريحات الشدة واللين من قبل قادة الجماعة أمام ملف التوريث نفى العريان وجود أي “تناقض”، وفي تصريح خاص لموقع “الإسلاميون.نت” أشار إلى أهمية أن تقرأ تصريحات قادة الجماعة “في سياقها الزمني والسياسي”، فـ”الإخوان لا يمكن أن يوافقوا على التوريث”، وفي الوقت نفسه “لا توجد صفقات”، مفسرا ذلك بقوله: “أحيانا يلجأ الإخوان إلى تخفيف حدة التصريح فقط”، كما أن “كل أخ يعبر بطريقته اللينة أو الشديدة”. وأمام هذه الإشكالية التي لم تعرف معالمها بعد ظل الإخوان المسلمون يعولون كثيرا على الشارع المصري، وقواه الحزبية، ونخبه السياسية والثقافية والدينية، ويشددون في التأكيد على هذا المبدأ في جميع لقاءاتهم وتصريحاتهم، حيث يقول محمد حبيب: “إن رهاننا الحقيقي على الشعب”، الذي لديه طاقات هائلة لو تمت توظيفها واستغلالها بشكل جيد -من وجهة نظره- فسيحقق ما يريده، مؤكدا أهمية الدور الذي ينبغي على “القوى الوطنية والسياسية” أن تلعبه “لأن الشعب لن يتحرك بمفرده”، رافضا “أن يدفع بالكرة في ملعب الإخوان” وحدهم. وهو ما يدلل من جهة أخرى على المخاوف التي تحيك في صدور الإخوان المسلمين من تحملهم عبء الوقوف في وجه النظام وحدهم، أو أن تعول باقي القوى على دور جماعتهم منفردة في قيادة الشعب المصري إلى الاحتجاج، ضد قضية ربما باتت تمثل مسألة (حياة أو موت) للنظام الحاكم في مصر. صحفي من أسرة إسلام أون لاين (المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 05 أوت 2009)