الأربعاء، 14 ديسمبر 2005

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2032 du 14.12.2005

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بيـان اللّجنة الوطنيّة لمساندة الطالب أيوب الغدامسي: إعلام الحياة : تونس تعقد مؤتمرها الأول عن الطاقة النووية الشروق:  نقاش المستشارين – حماية القضاء والمحاماة من كل التباسات أو تشكيكات والحزم في مقاومة مظاهر التطرّف والطائفية الشروق: وزير العدل: لن نتسامح مع أي تطاول على القضاء… والاصلاحات ستتواصل رغم المعترضين اللجنة العربية لحقوق الإنسان : مخاوف من تسليم السلطات السعودية لمعارض ليبي  قدس برس:  محكمة ليبية تؤجل البث في قضية الإخوان إلى 22 ديسمبر الجاري القاضي المختار اليحياوي: الخطاب علي بن عرفة: جهاد الإضراب عن الطعام والإنتحار د. أحمد القديدي: حسين التريكي .. مجاهد حُـوكـم بالإعدام ثلاث مرات ما يزال حياً

محمد العروسي الهاني: شخصية و عبقرية الزعيم الحبيب بروقيبة و اشعاعه العالمي و صدق اختياراته جعلته محل تقدير الشرق و الغرب (الحلقــة الثـــانية)

توفيق المديني: جدل فرنسي حول قانون تمجيد الاستعمار

جمال كرماوي: الـعـكـري

خميس الخياطي: عن بعث شياطين الإستعمار الفرنسي البشعة…

عادل الحامدي: الفريضة الغائبة في بلاغ مكة المكرمة

محمد كريشان: شطب جبران تويني

د. هيثم مناع: الصحفيون وحركة حقوق الإنسان

فهمي هويدي: مفارقات المشهد الانتخابي في مصر

أسامة أبو ارشيد: ليس خوفا من الإخوان .. ولكنه البغض للإسلام!

حسين المحمدي: “مجازر عربية يومية بدم بارد .. أنموذج تونس” (الحلقة 18 )

 


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

 أنقذوا حياة محمد عبو

 أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين

 

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين

33 نهج المختار عطية 1001 تونس

الهاتف: 71.340.860

الفاكس: 71.351831

 

تونس في: 12 ديسمبر 2005

 

بيــــــان

 

يتعرض الناشط الحقوقي و عضو الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين و السجين السياسي السابق السيد لطفي العمدوني إلى مضايقات من طرف أعوان الأمن بمركز شرطة الكبارية تتمثل في منعه من متابعة الدروس التي تلقى في كلية الشريعة و أصول الدين بتونس أيام الدراسة من الساعة الثامنة إلى الساعة العاشرة صباحا و ذلك بجبره بالحضور بمركز الشرطة على الساعة التاسعة صباحا بذريعة إخضاعه للمراقبة الإدارية التي تفرض عليه حسب التعليمات الصادرة من مركز الأمن إلى الإمضاء بدفتر المراقبة كل يوم في ذلك الوقت بالذات. في ذلك تجاوز للسلطة من قبل مركز الأمن الذي أساء تأويل قرار المراقبة الإدارية الذي لا يخضع الشخص المراقب إلى وجوب الإمضاء اليومي و لا يفسح المجال لمركز الشرطة للتضييق على الشخص الخاضع للمراقبة.

 

علما بأن السجين السياسي السابق السيد لطفي العمدوني قضى عقوبة بخمسة عشر سنة وقد وجد كل الأبواب موصدة أمامه للعمل بما يوفر له ضرورات الحياة و قد اضطر للعمل بالأسواق الأسبوعية كتاجر متجول في غير أيام الدراسة.

 

و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ترى أن هذا التصرف من قبل أعوان الأمن من شأنه أن يمنع السجين السياسي السابق السيد لطفي العمدوني من ممارسة حياته بشكل عادي و من حقه في الدراسة و في العمل. و تدعو السلطات للكف عن مثل هذه الممارسات المخالفة للقانون و لأبسط الحقوق .

 

رئيس الجمعية

الأستاذ محمد النوري


 

إعلام للرأي العام الطّلابي والوطني

تحيّة نضالية ، وبعد             إنني الطّالب أيوب الغدامسي ونائب الأمين العام للإتحاد العام لطلبة تونس المسؤول عن النّظام الداخلي والممضي أسفله هذا، أتوجه إليكم بالآتي لإعلامكم بالمظلمة التي أتعرض لها منذ قرار عميد كلية الحقوق إحالتي على مجلس التّأديب من أجل أفعال لم أرتكبها ثمّ صدور قرار قاض بالطّرد من كليّة الحقوق هو محل طعن أمام المحكمة الإدارية مرورا برفض برسيمي بمؤسّسات تعليميّة أخرى: كليّة الحقوق بصفاقس وكليّة الحقوق بسوسة وكليّة العلوم القانونيّة بتونس.          أحيطكم علما بكون القرار الصادر عن كليّة الحقوق يقضي بطردي فقط من كليّة الحقوق بتونس وهو ما يمنحني الحق في التّرسيم بأجزاء جامعيّة أخرى، لكن يبدو أنّ الوزارة منحت لنفسها الحق بشكل تعسّفي وجائر إصدار قرار سياسي بمنعي وحرماني من التعليم وهو، ما أكدته اتّصالاتي العديدة بعمداء ورؤساء الجامعات بكل من كليّة العلوم القانونيّة بتونس وصفا قس وسوسة.          إن ما يؤكد أن القرار سياسي هو التفاعل مع ملف يتعلق بطالب آخر أحيل من أجل نفس التهمة وحول نفس الوقائع في ذات الجزء واتخذ بشأنه قرار الطّرد من الجامعة التّونسيّة ومع ذلك مُنح التّرسيم بكليّة العلوم القانونية بتونس منذ السّنة الفارطة وهو ما يؤكد لي ولكم الصّفقة السّياسية المبرمة بين وزارة التعليم العالي والشق ألأغلبي لقيادة الإتحاد العام لطلبة تونس التي أصرت على إقصاء ملفي من كل المفاوضات مع وزارة الإشراف، بل وصل الأمر بالأمين العام خلال السّنة الفارطة إلى حدّ إلغاء لقاء كان مبرمجا مع وزير التّعليم العالي حول تباحث ملفات المطرودين بمجرّد حضوري مع لجنة المفاوضات.         إن القرار السّياسي المتخذ بشأني هو ضريبة استقلاليتي ورفضي المبدئي السمسرة بمصالح الطّلبة ومقاومتي لمحاولات تحويل الإتحاد العام لطلبة تونس لخليّة للحزب الحاكم أو أداة في تصرّف مجموعات انتهازية لخدمة مصالح حزبيّة ضيّقة وإفراغه من محتواه النقابي والسّياسي.        أمام هذه المحاصرة وحرماني من حقي الأساسي في التّعليم خلال السّنة الدراسيّة 2004-2005 والسّنة الدّراسيّة الجارية بتواطؤ كل الجهات الرّسميّة واستنفاذ كل الإجراءات والمحاولات القائمة على الحوار وأمام هذا القرار السياسي أتوجه إلى كلّ الأطراف الجمعياتيّة والحقوقيّة ومكوّنات المجتمع المدني ومناشدتهم مساندتي في الحركة الاحتجاجية التي سأخوضها دفاعا عن حقّي المهضوم في الدّراسة ومناصرتي في قضّيتي العادلة بكلّ الوسائل النّضاليّة.

الطالب أيوب الغدامسي عضو المكتب التنفيذي،  نائب الأمين العام  


 اللّجنة الوطنيّة لمساندة الطالب أيوب الغدامسي إعلام   

 

إنّ اللجنة الوطنيّة لمساندة الطالب أيوب الغدامسي عضو المكتب التنفيذي نائب الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس المكلف بالنظام الداخلي، وعلى إثر تواصل نهج المماطلة في تمكينه من حقه في الترسيم بإحدى كلّيات الحقوق وزيف الوعود التي صاغتها الإدارة من وزارة التعليم العالي وجامعة 7نوفمبر وعميد كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية تونس2 والتي اتضحت غايتها التضليليّة لتفويت فرصة اجتياز الامتحان المبرمج لشهر جانفي 2006، اعتبارا لتراجع عميد الكلية المذكورة في الوعد الذي عبّر عنه بمحضر الأساتذة وبعد إجراء اتصالات بالجامعة والوزارة، تعلن ما يلي: ·       استنكارها لسلوك المماطلة الذي انتهجته سلطة الإشراف حيال ملفّ الطالب أيوب الغدامسي. ·  مساندتها المُطلقة واللامشروطة للطالب أيوب الغدامسي ورفاقه في نضالاتهم من أجل إقرار وتكريس حقه في الدراسة ورفع المظلمة عليه. ·  دعوة الرأي العام الطلابي والوطني والعالمي لمساندة مطلب ترسيم الطالب أيوب الغدامسي بإحدى كليّات الحقوق بتونس.   عن اللّجنة الوطنيّة لمساندة الطالب أيوب الغدامسي: المنسّقة نزيهة جمعة


الغنوشي يتصل بمرشد الاخوان

اتصل رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي هاتفيا بفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الاستاذ محمد مهدي عاكف مهنئا إياه بالفوز الذي حققته جماعته في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مصر مؤخرا. وقد تطرق الرجلان خلال المكالمة إلى جملة من القضايا التي تشغل الساحتين العربية والإسلامية. 

من ناحية أخرى أرسل الشيخ الغنوشي معايدة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة المقيم في مستشفى فال دو غراس الفرنسي للعلاج متمنيا له فيها شفاء عاجلا.

(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 14 ديسمبر 2005 على الساعة 8 و32 دقيقة صباحا)


تعزية
 
المحترم الأستاذ غسّان تويني  عائلة الشهيد جبران تويني الإخوة والأخوات  صحافي جريدة النهار المناضلة باسم رفاقي في المؤتمر من أجل الجمهورية من تونس وباسمي الخاص  أتوجه إليكم وعبركم إلى كل الشعب اللبناني بأحرّ التعزية في مقتل الشهيد جبران تويني . إن يد الغدر التي استهدفته استهدفت عبره الوحدة الوطنية اللبنانية والصحافة الحرّة وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي كان من أصلب المدافعين  عنها .لذلك نحن نشعر أننا أيضا معنيين بقتله وأن موته خسارة كبرى لنا أيضا.  لكن الرسالة التي تضمنتها العملية  الهمجية من تهديد  وتخويف مردودة على أصحابها فهم لن يرهبوننا ولن يوقفون احتضار  جمهورية الخوف التي فرضتها على كل شعوب الأمة أجهزة انتهى عهد طغيانها وجبروتها ولا محاسبتها . لقد كان جبران منارة وهو حيّ ولن يزيده  استشهاده إلا توهجا وبريقا في الضمير الجمعي اللبناني والعربي. رزقكم الله الصبر والسلوان وتأكدوا أننا لن ننسى أبدا الشهيد وأن تضحيته لن تذهب سدى .

                                                            د. منصف المرزوقي باريس في 12 ديسمبر 2005  


تونس تعقد مؤتمرها الأول عن الطاقة النووية
 
تونس – رشيد خشانة    
 
يبدو أن الاهتمام بالطاقة الذرية، وخصوصاً باستخدامها السلمي، يتوسع باستمرار، خصوصاً مع الارتفاع المذهل في اسعار النفط، وكذلك بروز الآثار السلبية لتراكم احتراق الوقود البترولي في البيئة العالمية. وخطت تونس خطوة كبيرة في اتجاه تملكها التكنولوجيا المتصلة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية، عبر مؤتمر متخصص رعاه «المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية» أخيراً، في بلدة الحمامات التي تبعد 60 كيلومتراً من العاصمة. واستهل المؤتمر عمله في حذر شديد، وخصص أول ندوة علمية أقامها منذ إنشائه لموضوع «الإستخدامات والتطبيقات السلمية للتكنولوجيا النووية» مُركزاً على قطاعي الصحة والتقنية البيولوجية (البايوتكنولوجيــــــا).
 
 
وأوضح المدير العام للمركز الدكتور عادل الطرابلسي إن المؤتمر يعتبر حلقة أولى في سلسلة من الندوات التي يعتزم المركز إقامتها سنوياً، تحت عنوان «أيام العلوم والتكنولوجيا النووية». وفي المؤتمر، ناقش خبراء عرب وأجانب تقنيات المعالجة بالأشعة والتحاليل الإشعاعية وسلامة المنشآت النووية. وأشار الطرابلسي الى عقد مائدة مستديرة على هامش الندوة، خُصصت لدرس خطة لتدريب كوادر تونسية في مجالي العلوم والتكنولوجيا النووية.
 
وشهدت تونس في الستينات ظهور أول مركز للعلوم النووية في شمال أفريقيا أسسه العالم النووي الدكتور بشير التركي، وحالت خلافات مع مسؤولين حكوميين دون استمراره. واعتبر وزير البحث العلمي والتكنولوجيا التونسي الطيب الحذري لدى افتتاح «الدورة الأولى لأيام العلوم والتكنولوجيا النووية» أن منظومة البحث العلمي في البلد أبصرت تطوراً مهماً تشهد عليه مشاركة 31 مركز بحث و135 مختبراً و629 وحدة بحوث تضم 13 ألف باحث. ويعتزم التونسيون تنمية استخدام الطاقة النووية في الأهداف السلمية وبخاصة الطب والزراعة وحماية البيئة والموارد المائية. ويتولى «المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية» إدارة المشاريع التي تُنفذ في هذه القطاعات.
 
ونوّه الطرابلسي بحضور خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية (مقرها في تونس) والمفوضية الفرنسية للطاقة الذرية، إضافة الى خبراء من مراكز أبحاث تونسية الندوة التي استمرت ثلاثة أيام بمشاركة 150 باحثاً من ضمنهم ثمانون اختصاصياً من رؤساء (وكذلك خبراء) مراكز البحوث في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وبلدان عربية وأفريقية. وركز المشاركون على تبادل الخبرات والتجارب والإطلاع على آخر المستجدات والتطويرات العلمية في مجال التكنولوجيا النووية واستخداماتها السلمية. وتُعتبر التجارب التي قام بها «المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية» لاستثمار الطاقة النووية في خدمة مشاريع التنمية الإقتصادية والإجتماعية المحلية الحافز الرئيس لتعزيز دور المركز وتنويع مجالات عمله، ضمن محاولته إرساء تعاون مع الصناعيين من جهة ومراكز البحث الأخرى في الداخل والخارج من جهة ثانية.
 
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)

 


 

في نقاش المستشارين حول العدل وحقوق الانسان والشؤون الدينية والعقارية:

حماية القضاء والمحاماة من كل التباسات أو تشكيكات والحزم في مقاومة مظاهر التطرّف والطائفية

 

* باردو ـ الشروق :

تعرّض المستشارون صباح امس الى عدد من الملفات والقضايا التي تهم منظومة العدل وحقوق الانسان وسير المصالح الدينية والعقارية.

 

وأشار السيد محمّد حسين فنطر الى أهمية مواصلة دعم الترابط بين الحقوق المادية واللامادية وبناء محيط يمكّن الفرد من العيش والتفتّح على الآخر وقال فنطر ان المكاسب المتحققة في تونس في هذا الغرض تستدعي مواصلة العمل تدعيما لروح التفتّح والتأصّل والحوار والتعارف على الديانات الاخرى واقترح فنطر ضرورة تمكين الجالية بالخارج من التعرّف على ديانة بلد الاقامة بالاضافة الى تأطيرها اسلاميا.

 

وقالت المستشارة زينب عبد الخالق ان نشاط تسجيل العقارات يشهد بعض البطئ مما يحول انجاز المشاريع في آجالها، وتساءلت عبد الخالق عن امكانية مراجعة التشريع الجاري به العمل بما يساهم في سرعة تنفيذ الاحكام وخاصة الصادرة منها ضد الادارة وذلك لمنح المزيد من الفاعلية لها وتحسين صورتها وعلاقتها بالمواطن.

 

* هيكلة وتمثيلية

واقترح السيد فيصل التريكي اعادة النظر في هيكلة تمثيلية المحامين بالالتجاء الى مبدإ الناخبين الكبار في ظل تسلّط بعض الفئات على ارادة المحامين. وكما تعرّض نفس المتدخل الى نقص العنصر البشري في المحاكم على مستوى القضاة وكتبة المحاكم وقال ان الطاقة البشرية لها حدود وطالب بالترفيع في ميزانية وزارة العدل وبالتفكير في عملية تأهيل شاملة حتى تسير المصالح العدلية المختلفة بشكل متناسق وتتاح امكانية انصهار الاصلاحات التي تم اقرارها في ما بينها.

 

وأشار السيد الشاذلي القليبي الى عدد من المواضيع التي تهم الحياة الدينية في البلاد من ذلك ان الكثير من المساجد في حاجة الى العناية خاصة من الناحية الجمالية واقترح للغرض احداث لجنة مراقبة تتكون ممّن لهم دراية وطالب القليبي بضرورة الفصل الكامل بين قاعات الصلاة والمداخل اليها وسائر المرافق ولاحظ المتدخل ان التلاوات التي تسبق صلاة الجمعة بها نمط شرقي وقال ان منحة الأئمة الخطباء زهيدة واشار الى أن بعض المساجد داخل الجمهورية قد شيدها مهندسون بلغار بما يتطلب اعادة تأهيلها خاصة على مستوى المآذن والواجهات.

 

* تبسيط وشباب

وطالب القليبي بتبسيط الاحاديث النبوية التي تبثّ في الاذاعة والتلفزة حتى تكون قريبة من الشباب خاصة ونحن في عصر فيه الالتباس والغلوّ في التعلّق ببعض الامور البسيطة، وناشد المتحدّث الوزارة ايلاء كتاب التحرير والتنوير للعلامة محمد الطاهر بن عاشور الاهمية اللازمة بالنظر الى ما فيه من اهمية كبيرة.

وتساءل النائب إلياس القضّومي عن اجراءات تسوية الاراضي الاشتراكية في بعض الجهات في ظل الاعتراضات الموجودة.

 

* مواجهة التطرّف

وألحّ المستشار رضا الملولي على ضرورة مواجهة التطرّف الديني المولّد للارهاب وسدّ الطريق امام دعاة الدولة الدينية لمنع تسللهم للمشهد السياسي وقال الملولي ان المساجد ومثلما خضعت في وقت سابق الى توظيف من قبل اصحاب الخطاب الماضوي الفج فإنها اليوم تخضع لتوظيف جديد من خلال احتواء الخطب المنبرية لخطابات مجدّدة ومهلّلة لانجازات ما يبقى مجالها ليس المسجد بل اماكن اخرى واستغرب المتحدث من تعمّد بعض الأئمة تقديم قراءات غريبة مُسقطة تكون عادة مصدر توتر وقلق هي الاخرى وقال: «لقد انغمس رجل الدين في ما لا يعنيه ولابد من مراقبة الخطب بما يوفّر تنسيبا للافكار وتسامحا خاصة وان عبادة الاشخاص مخلّة بجوهر الديانة الاسلامية».

 

* عقوبات بديلة

وتساءل المستشار فؤاد الحوّات عن الأسباب التي جعلت العقوبات البديلة لا تحتل مكانتها في المنظومة الجزائية وطالب بفتح المزيد من الآفاق امام القضاة واستفسر نفس المتدخل عن صحة ما اقترحته هيئة المحامين من امكانية تمويل اجنبي لمعهد المحاماة المقترح.

 

* خجل

وقال المستشار محمد بن سدرين ان بعض العمال يجعلون من عملية طردهم من المؤسسات عملية تجارية يرتزقون منها وطالب باجراء شيء من المرونة على القضاء العرفي لأن المؤسسة دائما هي التي تكون عرضة للعقاب.

وطالب السيد يونس المناعي باتمام اجراءات تملّك اصحاب المؤسسات الصناعية للعقارات التي يستغلّونها وأشار الى وجود بعض الأراضي البيضاء التي لم يقع استغلالها من قبل اصحابها وتساءل المستشار عمر القصري عن المخطط بخصوص المسح العقاري الاجباري وطالب بمراجعة القانون المتعلق بالمؤسسات التي تمرّ بصعوبات اقتصادية وتساءل عن الاجراءات التي تم اعتمادها للحفاظ على اراضي الدولة القريبة من التجمعات السكنية.

وقالت المستشارة نعيمة الخيّاش ان انتقال القضاة للعمل بالمحاماة بعد تقاعدهم يقلّص من فرص العديدين وطالبت بالاستفادة من هؤلاء على مستوى التدريس والمحاضرات بالجامعة.

 

* اعانات وطوابير

وتعرّض المستشار أحمد الخزري الى توزيع الاعانات وقال ان التوزيع على نمط الطوابير مخلّ بحقوق الانسان وطالب المتدخّل بايصال تلك الاعانات الى مستحقيها في ديارهم عبر العمد او بعض الجمعيات.

 

واقترحت السيدة آمنة صولة ايجاد فرصة أمام مفكرين ومشايخ مستنيرين لملء الساحة الاعلامية ومجابهة المتعصبين وتعرية الظلاميين وتساءلت صولة عن امكانية اعادة عدد من الحقوقيين المخلصين لخدمة بلادهم وهم الذين تم ابعادهم في فترات ما (1994 ـ 2000) واقصاؤهم.

 

خالد الحدّاد

 


وزير العدل:

لن نتسامح مع أي تطاول على القضاء… والاصلاحات ستتواصل رغم المعترضين

 

باردو ـ «الشروق»:

جدّد السيد البشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان امس امام المستشارين عزم الحكومة على مواصلة الاصلاحات التي تهم المؤسسة القضائية وقال الوزير ان بعض التيارات تتغذى من المشاكل التي يعيشها القطاع وان الاصلاحات ستتواصل بالرغم عن هؤلاء.

وأشار السيد التكاري الى ان استقلالية القضاء وحياده هي من الخيارات الاساسية في النظام الجمهوري وشدّد على الحرص على ضمان هيبة القضاء لأن هيبة الدولة هي في هيبة هذه المؤسسة الهامة.

وقال الوزير: لا نسمح بأي تطاول وان حدثت وهي حالات شاذة وكلما وقع مساس الا وتم الردع في إطار القانون والضمانات.

وأشار السيد التكاري الى ان المبادرات الرئاسية لصالح القضاة والمحامين تنطلق من نظرة جديدة للقطاع تهدف الى جعله قادرا على المنافسة والحصول على خدمات متميزة.

وقال الوزير ان الحوار والتشريك هي من الاسس المبدئية لكل عمليات الاصلاح لكن هذا الحوار ليس تعاقدا والدولة هي التي تحسم وتصدر القوانين.

وأشار الوزير الى ان بعض التيارات تتغذى من المشاكل التي تعيشها المحاماة وتخشى كثيرا من ان تحل هذه المشاكل لأنه قد تجفّ عندها شرايينها وقال الوزير «اننا لا نريد ان ننظر الى المحاماة من خلال اقلية لا ترى غير مصالحها السياسية».

وأكد الوزير ان مشاريع القوانين جاهزة وستأخذ مسارها الاجرائي قريبا وبخصوص التغطية الاجتماعية أفاد الوزير: «مازلنا ننتظر رأي الهيئة لكن الانتظار له حدوده الزمنية وسنحسم هذه المسألة في إطار ما سبق ان اكدنا عليه من مبادئ الشمولية والشفافية والدوام والمساواة بين المحامين».

وأضاف الوزير: نحن نرى ان انسب نظام للتغطية الاجتماعية هو نظام التغطية لغير الاجراء بصندوق الضمان الاجتماعي بالنظر الى كونه يشمل جميع اصناف الامراض ويمكّن من مواصلة العمل بعد بلوغ سن التقاعد وامكانية اندراجه في النظام الوطني للتأمين على المرضى كما انه يسمح باجراء أحكام انتقالية بخصوص المحامين الذين تجاوزوا الخمسين من عمرهم».

وأشار الوزير الى ان الصندوق الحالي يمكن ان يكون نظاما تكميليا نافيا اية نيّة لإلغائه او القضاء عليه.

وقال الوزير انه سيتم التحاور مع الهيئة الوطنية للمحامين بخصوص انشاء فروع جهوية للمحامين خاصة وان عدد الفروع بقي 3 فقط في حين تطوّر عدد المحامين.

وقال: «سيتم التحاور ثم سيقع الحسم».

وأفاد الوزير انه تم رفض المقترح الوارد في وثيقة الهيئة بخصوص تمويل معهد المحاماة من اطراف اجنبية وقال: «سنحافظ على استقلالية قرارنا ونرفض ان يموّل المعهد من اطراف اجنبية».

وتعرّض الوزير الى المساعي لتسوية وضعية كتبة المحاكم وتحسين سير السجل التجاري مشيرا الى ان هناك منظومة جديدة للغرض يجرى التحاور بخصوصها مع وزارة التجارة والغرف التجارية.

وقال الوزير انه لا يمكن تعميم العقوبة البديلة على كل الجرائم وانه سيتم مراجعة القانون المتعلق بقضاء العرف واشار الى ان 790 مؤسسة قد استفادت من قانون الانقاذ في حين تم تفليس 476 مؤسسة اخرى.

وعن مسار حقوق الانسان قال السيد البشير التكاري ان كان هناك تشكيك فهو من اشخاص عجزوا عن العمل السياسي الشفاف في الساحة السياسية لذلك تسرّبوا الى العمل الخفي».

وقال الوزير: نحن نعلم هذه الألعوبة وسنعمل على فضحها» وجدد الوزير نفي وجود اية مساجين سياسيين مؤكدا ان السجون التونسية هي بالاضافة الى انها مؤسسات عقابية فهي كذلك مؤسسات للاصلاح والتأهيل والتكوين.

 

* خالد الحداد

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)


«العربية المصرفية» تستكمل مهمة استشارات مالية لشراء أصول النفط والغاز بين السويد وتونس بقيمة 230 مليون دولار أميركي

 

لندن: «الشرق الأوسط»

أعلنت شركة بي. أي. ريسورسز أي. بي السويدPA Resourses AB Sweden، انه تم استكمال شراء أصول النفط والغاز العائد لشركة ام. بي. زارات ليمتد التونسية (M P Zarat Limited) بـ230 مليون دولار أميركي.

واعلنت مجموعة المؤسسة العربية المصرفية للمشاريع الدولية وهيكلة التمويل، ان فريقها التابع للبنك الدولي للمؤسسة العربية المصرفية بي. ال. سي. باريس قام بدور المستشار المالي والبنك، الذي أدار العمليات المحاسبية لهذه الصفقة الكبيرة.

 

وتغطي هذه الصفقة نسبة 78.8% غير مملوكة لشركة بي. أي. ريسورسز من إنتاج حقل ديدون ومصالح إضافية لها في زارات بيرمت، ويبلغ إنتاج حقل ديدون 10000 برميل يومياً، وقد يرتفع إلى 20000 برميل يومياً في السنوات القليلة القادمة. وقد تم تقدير احتياطيات الحقل بـ100 مليون برميل وبعامل استغلال تبلغ نسبته 40%.

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)

 


اللجنة العربية لحقوق الإنسان

مخاوف من تسليم السلطات السعودية لمعارض ليبي

تتابع اللجنة العربية لحقوق الإنسان بقلق بالغ مصير المعارض الليبي عبد الله حسن أبو بكر الذي وصل الأراضي السعودية في 15 أكتوبر واعتقلته قوات الأمن في 19 نوفمبر الموافق 16 شوال  1426 من أمام فندق برج الأقصى في مكة المكرمة وصادرت منه مبلغ 40 ألف أورو كان يحمله خاصا بحملة الحج.

وكان السيد أبو بكر قد توجه إلى المملكة للقيام بإجراءات ترخيص حملة الحج مع وزارة الحج بانتداب من الهيئة الإسلامية في ايرلندا. وهو يعيش في ايرلندا مع زوجته وأطفاله الثلاثة منذ سبع سنوات، معاق منذ الولادة فاقد يده اليسرى ومعاق في اليد اليمنى مع انحراف في العمود الفقري ومصاب بالسكري واضطرابات قلبية، ويخشى على حياته في ظروف الشدة والمعاملة اللا إنسانية.

لقد آثرت الهيئة الإسلامية وعائلة المعتقل اللجوء إلى كل سبل المناشدة المباشرة لوزير الداخلية وسفير المملكة العربية السعودية وأكثر من أمير، أملا في إطلاق سراح السيد أبو بكر ومن اعتقل معه دون جدوى، وعندما ترددت أصداء عن احتمال تسليمه للسلطات الليبية تم الاتصال باللجنة العربية لحقوق الإنسان لكسر حاجز الصمت وخوفا من وقوع مكروه صحي أو إبعاد يودي بحياة المعارض الليبي.

إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان، تتسلم أكثر فأكثر شكاوى تتعلق بسوء معاملة طالبي الحج إلى المملكة لأسباب سياسية أو أمنية غير مبررة. وكانت قد طالبت مقررة المفوضية السامية لحرية المعتقد التدخل من أجل السماح لصحفيي قناة “الجزيرة” بأداء الحج والعمرة، كذلك رفع أية قيود عن حاملي وثائق سفر اللاجئين السياسيين باعتبار أن حملهم هذه الوثيقة لا يسقط عنهم فرضا (باستعارة قول العلماء) وأن لهم الحق في أداء الفرائض الدينية كغيرهم من المسلمين.

إننا نطالب السلطات السعودية بالإفراج فورا عبد الله حسن أبو بكر ونحذر من مخاطر تسليمه لبلده لما يترتب على ذلك من مخاطر مباشرة

باريس في 13/12/2005

 


بعد مداولات ساخنة استمرت قرابة ساعتين ..

محكمة ليبية تؤجل البث في قضية الإخوان إلى 22 ديسمبر الجاري

طرابلس الغرب – خدمة قدس برس

 

أجلت محكمة ليبية “خاصة” انعقدت صباح الاثنين (12/12) البت في قضية الإخوان المسلمين إلى يوم الخميس 22 كانون أول (ديسمبر) الجاري، بعد مداولات وصفت بالساخنة، استمرت قرابة ساعتين.

 

وأبلغ مصدر حقوقي في العاصمة الليبية طرابلس وكالة “قدس برس”، أن أعضاء الجماعة البالغ عددهم 85 معتقلا، مثلوا جميعا أمام محكمة استئناف خاصة، يرأسها القاضي عبد الله عون، وهو نفس القاضي الذي برأ الضباط التسعة المتهمين بتعذيب الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني.

 

وأضاف المصدر بأن بعض أعضاء الجماعة “قاطعوا القاضي أكثر من مرة، طالبين منه أن يفسح المجال أمام محاميهم للدفاع عنهم، بمنتهى الحرية، بعد كل هذه السنوات من الاعتقال التعسفي، وأن يمنحهم الوقت الكافي لذلك، مشددين على براءتهم”، حسب قول المصدر.

 

وأوضح بأن خمسة من المحامين البارزين، وهم الدكتور جمعة أحمد عتيقة، رئيس جمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي العالمية، وضو المنصوري عـون، ومحمد إبراهيم العلاقى، وصالح عبد الجواد، وأنور الطشان، قد انبروا للدفاع عن أعضاء الجماعة.

 

وأشار المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن المحامين تحدثوا بمنتهى الصراحة، مطالبين القاضي، الذي منحهم الوقت الكافي للدفاع عن موكليهم، بالإفراج عن موكليهم، مشددين على أن الحكم الصادر في حقهم باطل، لكونه صدر من محكمة “باطلة” في الأصل، وهي محكمة الشعب الملغاة.

 

كما طعن المحامون في اعترافات المتهمين، التي قالوا إنها انتزعت منهم تحت الإكراه والتعذيب، وتحدثوا عن الاعتقال التعسفي، الذي تعرضوا له، وانتقدوا تأخر صدور الحكم أربع سنوات من سجنهم، واستمرار “حبسهم طوال هذه المدة من غير وجه حق”.

 

يذكر أن محكمة الشعب الملغاة قد أصدرت أحكاما في 16 شباط (فبراير) 2002، بالإعدام على كل من المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور عبد لله عز الدين، أستاذ الهندسة النووية بجامعة الفاتح طرابلس، ونائبه الدكتور سالم أبوحنك، رئيس قسم الكيمياء بجامعة قار يونس بنغازي, وبالسجن مدى الحياة على 73 متهما، و10 سنوات على 11 متهما آخرين، كما برأت ساحة 66 متهما.

 

(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 12 ديسمبر 2005)  


 

انطلاق البث التجريبي

صوت الأمل.. دار الإذاعة الليبية في المهجر

 

بدأ البث التجريبي لإذاعة صوت الأمل / دار الاذاعة الليبية في المهجر يوم الأربعاء 25 شعبان 1426 هـ ، الموافق 28 سبتمبر 2005م ، وذلك علي امتداد 24 ساعة علي القمر “TelStar12” علي الذبذبة التالية:

 

Frequency 12608 Polarization horizontal Transponder 10 Symbol rate 19279 FEC 2/3

 


 

الخطاب*

 

المختار اليحياوي

 

من علامات المحن في هذا الوطن أن تضرب عن الطعام حتى يسمح لك بالكلام.

و من مفارقات الزمن أن تصل إلى حد الإنتحار ليدرك خصمك أنك مصمم على الإنتصار.

فلا أسوأ من هذا الزمن إذن و لا أنكى ممن يصولون فيه بحكمهم بلا خجل.

 

يقول توفيق بن بريك بأسلوبه الساخر “ما أحلى البلاد بلا عباد”، و أقول جادا غير هازئ “ما أحلى البلاد بلا قوّاد”. فحالنا اليوم حال من لم يبقى أمامه من حل لتستعيد بلاده صفائها و نقائها إلا أن يرحل عنها الزائد في هذا الوطن.

 

هل نفرغها من عبادها لنتركها سائبة سبيا لمن يحسبون أنهم وحدهم أصحابها؟

هذا طبعا ما لا يمكن أن يكون كما أحسبكم تدركون.

الزّائد إذن أن يرحّل عنها حكّامها غير مأسوف عليهم كما أجلي عنها المعمرون و لكنهم لا يفهمون.

 

المستبدون دائما لا يفهمون لأن الإستبداد من صنوف الجنون، لذلك نحتاج للكلام لنقارع السوط بالصوت لنرد الخطاب بالخطاب  و عسى أن يبقى كلام بكلام و لا ينالنا الانتقام :

 

قد تكون البلاد لكم وحدكم، كلها، بعبادها و دوابها كما يتخيّل لكم.

و قد تطول أيديكم كلما ليس لكم حتى مجرد قلم تسحقه أو صوت تكتمه.

و قد تطال أسماعكم همسنا لتقرأ آمالنا و تتجول معنا في مشاهد أحلامنا.

و لكنكم مهما فعلتم و مهما وصلتم في سبر أغوارنا و فك شفرة أسرارنا لن تكتشفوا سوى ما سوف يروّعكم و يدمر كيانكم. لأنكم سترون أنكم ببساطة غير موجودون. فحلمنا أضحى أن نحيا بدونكم، أن نسترد وطننا لنا وحدنا بدون أوصياء، بدون متسلّطين، بدون منافقين، بدون سفهاء و بدون لصوص و لا مرابين.

 

و منتهى القصور أن يستبد بالمرء الخيلاء و الغرور فيخال نفسه من أصحاب الرسالات و الكتب وهو في مجلس البطش و الظالمين لا يطالعه غير تصنع المنافقين للسرور ووجوم المسحوقين من ظلم الطغاة وضنك المتزلّّّفين فيعتقد أن الأمر أمره و لم يبقى في البلاد من لا يسبح بذكره.

 

و لكننا عندما نعيش في عصر الإتصالات، وفي حكم من يملكون الفضائيات و كل الأمواج و الذبذبات و كل الصحف و الأنترنات فما أسهل الغرور إليهم وهم يملئون بخطابهم كل الفضاء و ينشرون صداه في كل الأرجاء حتى تنبح به الكلاب و تعوي به الذئاب.

 

إنهم في غيّهم عاجزون أن يدركوا أن هذا الصخب المحموم صمّت عنه الآذان و انسدّت دونه منافذ القلوب و الأذهان حتى عدى فرط ضجيج يبعث على النفور و الازدراء، ينغص راحة العباد دون أن ينال منهم مراد.

 

فما عسانا أن نرد على من يعلي صوته بقدر ما تتسع دائرة الصمت من حوله حتى كاد يحول البلاد إلى خراب يحلق فوقها غراب.

 

ندرك اليوم أننا في مهب قد تعصف بنا في أية لحظة نزوة غضب

لكننا نعي جيدا دورنا…

دورنا أن نضل ذلك التحدي الذي لا ينحني و ذلك الصدى الذي لا ينفك عن قول “لا”.

دورنا أن نجلي الغشاء عن السفاسف و حسابات التفهاء.

فلا خير في الأوطان إن خار رجالها و يا خيبة الرجاء من وطن دنسه عار الجبناء حتى انتهى في مزاد السماسرة و الوسطاء.

 

* من وحي خطاب 10 ديسمبر 2005

 

المختار اليحياوي

تونس في 12 ديسمبر 2005

 


 

جهاد الإضراب عن الطعام والإنتحار

علي بن عرفة   فوجئت كما فوجئ قراء تونس نيوز بمقال طويل على صفحاتها يخلط بين الاضراب عن الطعام والانتحار. ولم يدخر الكاتب جهدا – والامر لا يستدعي جهدا في عالم الانترنات- في حشد اكبر عدد من النصوص الشرعية المتعلقة بالانتحار.وكان يمكن تجاهل المقال كله باعتباره خارج الموضوع – الاضراب عن الطعام- ولكنه بإشارته الى شهداء حركة النهضة، يفرض علينا التوضيح والرد ، انتصارا للذين امتحنوا في دينهم لأكثر من عشرية كاملة، فما كان منهم الا ما يرضي الله والمؤمنين، وما يغيظ سجانيهم وظالميهم، فجزاهم الله عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء، سائلين المولى سبحانه ان يتجاوز عنهم ماهو أعلم به منهم، ونحسبهم قد افضوا جميعا الى ربهم شهداء- ولا نزكي على الله احدا- وما القول بانتحارهم الاظلم يتولى كبره من تسول له نفسه الوقوف الى جانب قاتليهم بتبرئتهم من المسؤولية عن دماء الشهداء.    إن تحويل الأنظار من المظلمة التي أودت بحياة مواطنين تونسيين داخل السجون، الى عدد الأيام التي أضربوا فيها عن الطعام، واعتبار ذلك سببا للوفاة، يعد تبرئة للجناة الحقيقيين، ووضع للمسؤولية في ذلك على الضحية المبتلاة والممتحنة في دينها، و التي لم يعد لديها ما تقاوم به جلاديها الا بقية جسد منهك. هذه الضحية وهي تضحي بآخرما تبقى لديها بعد ان بذلت كل ما في وسعها من دمها وشبابها وعذاباتها والام عائلاتها، لم تكن تعلم  وهي تجتهد للفت أنظار العالم لمظلمتها، أن البعض من رفاق الدرب يعرض عنها، ويتهمها باليأس وعدم تحمل  المسؤولية، ويقدم لها مقاربة باردة برودة الطقس في فرنسا، في التشابه بين الإضراب عن الطعام والانتحار. وليته وفق في ذلك، اذا لهان الخطب على الضحية، ولكان لها في العلم بعض العزاء، فسنوات الجمر أثمرت فقها في الدين، ولكنها للأسف تموت مرتين، مرة حين اغتالها الجلاد، ومرة حين يتهمها التفقه الأعرج بالإنتحار، فلا هي أبقت على حياتها باستسلامها، ولا سنوات صبرها أثمرت علما يعتد به، وكل ذلك من حديث النفس حين تخلد الى الأرض، وإلا فإن ما عند الله خير وأبقى.
لم يكن شهداؤنا يعلمون أن فينا من سيشوه صورة الأبطال في عيون أبنائهم، وهي الصورة الوحيدة المتبقية لهم لتؤنسهم في مشوار حياتهم الطويل، والتي اجتهد الشهداء في رسمها صبرا وتجلدا داخل الزنزانات المظلمة طوال عشرية كاملة.
كان يسع الشهداء وبعضهم  يعلم قرب أجله بسبب إصابتهم بمرض السرطان مثلا، أن يقولوا في “قيادة المهجر” و كل الحركة ما يقوله البعض، فينعمون بأيام معدودة مع أسرهم،وقد كانت حركة النهضة  تدعو الاخوة المساجين الى تقدير أوضاعهم الخاصة بأنفسهم، على قاعدة لا يكلف الله نفسا الا وسعها، غير ان صاحب المقال وامعانا في الخلاف مع ” قيادة المهجر”  يراها وعلى خلاف كل المتابعين لبياناتها، أنها وراء اضراب المساجين عن الطعام، وهو ما يؤدي في النهاية الى وفاتهم المباشرة او اصابتهم بأمراض مهلكة، ولو أنصف لتبين له ان بيانات النهضة كلها تدعو السجناء للتوقف عن الاضراب، وتعدهم بمواصلة الجهد لنصرتهم. فهل يعتقد عاقل ان المهندس حمادي الجبالي، أو الدكتور صادق شورو، أو الأستاذ عبدالكريم الهاروني، او الأستاذ العجمي الوريمي، يضرب عن الطعام بأمر من جماعة هنا او هناك؟.
أعتقد جازما أن البعض من اخواننا لايقدر حجم المظلمة المسلطة على مساجيننا، فلا يرى اضراباتهم عن الطعام الا عملا دعائيا سياسيا يأتي استجابة لتقدير فلان او علان، وليس صرخة الم مرعبة من أعماق الزنزانات المغلقة تستنجد ببقية ضمير انساني لتخرجها من القبر كما قال صدقا المهندس حمادي الجبالي. وكان يمكن لاستشهاد سجين واحد داخل الزنزانات ان ينبه الضمائر الحية الى حجم المأساة وعظيم الجرم المقترف في حق هؤلاء المساجين، فتنهض للدفاع عنهم بكل وسيلة متاحة وفضح جرائم النظام المسلطة عليهم ،بدلا من بذل الجهد على صفحات الانترنات في التأكيد على المؤكد من حرمة الانتحار. فهل سجناء النهضة وأغلبهم قيادات في العمل الاسلامي بحاجة الى هذا التأكيد في حرمة الانتحار؟، أم ان صاحب المقال يسيئ اليهم من حيث لايعلم،أولا بالتصدر لتعليمهم حكم الشرع في الانتحار، وهو ما يعلمه كل مسلم، وثانيا بتبرئة الجلاد من دمهم، فهم منتحرون ومصيرهم الى النار.   ان الخلط بين الإضراب عن الطعام والإنتحار ليس له ما يبرره، لأن  أول ما يتعلمه المبتدئ في دراسة الفقه الإسلامي – دعك من المقاصد التي لم يتعلم منها البعض الا حفظ النفس،معرضين عن حفظ الدين، ولو توقف السلف عند فهم هؤلاء لما كان هناك جهاد أواستشهاد – أن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى، فهل الإضراب عن الطعام بنية لفت الأنظار الى المظلمة، واحراج الظالم امام الرأي العام والمطالبة بالخروج من زنزانات الموت، هي نفسها نية المنتحر اليائس من الحياة؟
 كيف يمكن المساواة بين هذه الروح النضالية العالية، التي تقاوم جلاديها و ظلمات الزنزانات والسجن الانفرادي حتى وهي تحت قبضة سجانها، وبين تلك المنهارة امام قدرها فتلجأ الى الخلاص من حياتها هربا من مواجهة واقعها؟  لست اعلم في تجارب المضربين عن الطعام من الاسلاميين الى اليساريين، ان احدا منهم كان يائسا أو جبانا، أو أنه مقبل على الموت كغاية للخلاص. وحركة 18 أكتوبر قدمت الدليل على ان الموت ليس غاية من خلال انسحاب السيد عبدالرؤوب العيادي من الاضراب عندما تبين ان الخطر يتهدد حياته، ثم أن المضرب عن الطعام كما هو معلوم يجتهد في الحفاظ على حياته بشرب الماء، ولو كان الإنتحار هو مقصد الإضراب فلماذا شرب الماء؟، فالكل يعلم أن طريق الانتحار عبر الإمتناع عن شرب الماء أقصرمنه عبر الامتناع عن الأكل. فهل يقول عاقل بأن النية واحدة وهي البحث عن الموت؟
 فإذا تبين إختلاف النية فقد وجب اختلاف الحكم، وعليه فرق العلماء وفي مقدمتهم الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي بين الانتحار والاستشهاد مثلما هو الشأن في فلسطين، وأجاز للأسير الإضراب عن الطعام للفت أنظار العالم الى مظلمته دون الوصول الى حد الموت وهو الرأي الراجح لدى أبناء النهضة.   اما ما ينكرعلى حركة النهضة من انتصار لليساري الملحد في التسعينيات بالاضراب عن الطعام، فهو مما يحمد لهذه الحركة، التي ناصرت ايضا حمة الهمامي عندما كان معتقلا ، بل وناصرت أحد الجلادين الذين اوغلوا في دماء ابنائها بالتعريف بمظلمته، عندما انقلب عليه سيده ظالما معتديا، لان الانتصار للمظلوم من اي ملة كان، ومقاومة الظلم من اي جهة كانت، منهج نتعبد به الله تعالى، وانني لا اجد تعبيرا وافيا أعبر به عن جزيل  شكري وامتناني للسادة أبطال حركة 18 اكتوبر، ومن ضمنهم السيد حمة الهمامي والاستاذ نجيب الشابي، الذين تمثلوا هذه القيمة-الانتصار للمظلوم- في تحركهم الأخير، فدافعوا عن المظلومين من كل الاتجاهات، ورفعوا مطلب الافراج عن كل المساجين السياسيين، متجاوزين بذلك أصواتا استئصالية لايعتد بها من داخل التيار العلماني، وهي أصوات لايخلو منها اتجاه من الاتجاهات لارتباطها بقصر النظر والعجز عن التعلم والاعتبار من تجارب الماضي.
 وبذلك يتأسس اليوم واقعيا ميثاق جديد بين التونسيين، قوامه الحرية للجميع دون اقصاء، والكل على الظالم لنصرة المظلوم من اي اتجاه كان. واذا كانت دعوة المظلوم  ليس بينها وبين الله حجاب، بصرف النظر عن ملة صاحبها، فكيف ينكرعلى النهضويين نصرة المظلومين من أبناء وطنهم.؟
إن مطلب الحرية لكل التونسيين على اختلاف توجهاتهم ، أمر لايختلف فيه اثنان داخل النهضة، من الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة ووليد البناني وعامر لعريض في المهجر، الى زياد الدولاتلي وعلي لعريض في تونس، الى الصادق شورو وحمادي الجبالي وغيرهم في السجون التونسية. وما الحديث عن جماعة هنا او هناك الا حديث أماني، يلتقي في المآل مع اتهام الشهداء بالانتحار في خدمة مصلحة النظام. 
 والله نسأل الفقه في الدين والسداد في القول والهداية للجميع.

 


 

حسين التريكي .. مجاهد حُـوكـم بالإعدام ثلاث مرات ما يزال حياً

د. أحمد القديدي (*)  

 

عرفته شخصيا في شهر مارس 1973 حين عاد إلى وطنه ووطني تونس بعد رحلة من رحلات عذابه الطويلة، وحين وقع الرئيس بورقيبة عفوا رئاسيا يلغي الحكم بالإعدام الصادر ضده في 1957 انه المجاهد التونسي العربي عمنا حسين التريكي أمد الله في أنفاسه وهو يحتفل هذه الأيام بعيد ميلاده الحادي والتسعين. وكانت تربطني في ذلك العهد صداقة طيبة بنجله عمر الموظف بوزارة الإعلام والذي حرم من والده سنوات حين كان المناضل الكبير حسين التريكي ممثلا لجامعة الدول العربية في الأرجنتين وعموم أمريكا اللاتينية. وقصة العم حسين من أغرب قصص الكفاح من أجل التحرير في تونس وفي فلسطين وآخر مرة قابلته فيها كانت منذ عامين حين زار الدوحة فأعدت معه تحريك رماد الذاكرة القوية أستزيد من حكمته وتجارب حياته.

 

وإني سعدت جدا بالمبادرة التي قامت بها مؤسسة التميمي للتاريخ في تونس حيث نظمت ندوة علمية تكلم خلالها المناضل الكبير حسين التريكي أمام جيل المؤرخين الشبان. وشيخ المجاهدين العرب ظاهرة حقيقية نادرة في تاريخ الكفاح المعاصر حيث أنه حوكم بالإعدام في محاكم الاستعمار الفرنسي عام 1947 لنشاطه المسلح من أجل التحرير ضمن فصائل المقاومة التابعة للحزب الدستوري بقيادة الزعيم بورقيبة، وكان مكلفا بمهمة سرية تتمثل في توفير المتفجرات وتصنيع المفرقعات حتى تتمكن المقاومة من القيام بأعمال فدائية ضد غلاة الاستعمار.

 

وحين اقترب موعد الاستقلال والنصر، ابتعد التريكي عن بورقيبة واقترب من منافسه على الزعامة صالح بن يوسف ودخل في حركة عروبية متأثرة بالثورة الناصرية والقومية العربية وانحاز للجناح المشرقي للحركة الدستورية التونسية وربط الصلة مع المقاومة الجزائرية، بل وعين عضوا ضمن الوفد الجزائري المفاوض لفرنسا برئاسة رئيس الجمهورية الجزائرية المؤقتة فرحات عباس. وفرحات عباس هو نفسه الذي حدثني شخصيا عن تلك المرحلة من الكفاح وعن الدور الفعال الذي قام به حسين التريكي وتونسيون آخرون في صلب الثورة الجزائرية، وكنت أتردد على بيت طيب الذكر فرحات عباس في مدينة نيس الفرنسية بعد رحيله عن الجزائر وكان ذلك عام 1978 بواسطة صديقه وصديقي الفرنسي الجزائري جيلبار كورنتو.

 

ثم استقلت تونس وأصبح بورقيبة أول رئيس جمهورية فيها ونصب المحاكم الجائرة لتصفية منافسيه والانتقام منهم ومن العائلة المالكة فنال حسين التريكي حكما بالإعدام عام 1957 وفر هاربا إلى ليبيا مشيا على الأقدام في الصحراء في نوفمبر من نفس العام حتى بلغ القاهرة التي كان له فيها أصدقاء من أيام تأسيس مكتب المغرب العربي في الأربعينات. وفي مصر احتضنته الجامعة العربية (حينها كانت تحتضن المناضلين…) وكلفته بمهمة تمثيلها في أمريكا اللاتينية وطار إلى بيونس أيرس حيث أنجز أعمالا مشرفة في التعريف بالقضية الفلسطينية ومقاومة الدعاية الصهيونية ونشر عدة كتب وصحف باللغة الأسبانية سرت في القارة الجنوبية لأمريكا مسرى النار في الهشيم وفضحت الاحتلال الإسرائيلي وربط التريكي علاقات بالأوساط الدبلوماسية العاملة في الأرجنتين إلى درجة أن المخابرات الإسرائيلية حكمت عليه بالإعدام وحاولت تنفيذ الحكم مرات عديدة في عدة بقاع من أمريكا الجنوبية وفشلت وعاش حسين التريكي بعد هذا الحكم الثالث بالإعدام. وهو حي يرزق كتب الله له أن ينجو برأسه من ثلاثة أحكام بالإعدام. وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين.

 

وكان التريكي مؤمنا بأن قضية تحرير تونس من الاستعمار لا يمكن أن تنفصل عن قضية تحرير الجزائر والمغرب وفلسطين وبأن العرب قوة عظمى إذا توحدوا وكان هذا هو وجه الخلاف مع بورقيبة الذي كان يدعو إلى انتهاج سياسة خذ وطالب. هذه بعض مقتطفات من حياة الرجل الذي بدأ حياة الكفاح عندما كان في الخامسة عشرة من عمره أي صار له اليوم 76 عاما من المقاومة وهو يسمي نفسه إلى يومنا هذا مقاوما ما دامت فلسطين لم تتحرر وتؤسس دولة مستقلة وما دام العرب لم يوحدوا الصفوف ولم يجمعوا كلمتهم.

 

لا أخفي عليكم أنني إلى اليوم ما أزال متعجبا كيف لم تتصل القنوات الفضائية العربية بشيخ المجاهدين ليكون على الأقل شاهدا على العصر وقد عاش قرنا من الكفاح وكيف لم تتحرك أية حكومة عربية لتكريمه وكيف لم يفكر أي قسم للتاريخ في أية جامعة عربية لاستقدام هذا المنجم الحي من التاريخ بل وكيف أهملت جامعة الدول العربية ممثلها القديم في نصف القارة الأمريكية ؟ والأهم من هذا كله كيف لم يسأل بعض ولاة أمورنا عن وضع حسين التريكي وكيف يعيش وهل يتقاضى راتبا وهل لديه المال ليتعالج وهو الرجل المتعفف الذي لا يشكو ولا يمد يده لأحد.

 

إن أمر غياب القيم الأخلاقية في العالم العربي أمر يستحق وحده الدرس والتقييم وإن لله الأمر من قبل ومن بعد!

 

(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)


 

بسم الله الرحمان الرحيم    

و الصلاة  و السلام على أشرف المرسلين

 

  تونس في 2005/12/12

 

شخصية و عبقرية الزعيم الحبيب بروقيبة و اشعاعه العالمي و صدق اختياراته

 جعلته محل تقدير الشرق و الغرب

(الحلقــة الثـــانية)

 

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل من الرعيل الثاني

 

بعون الله و توفيقه أواصل الكتابة عن مواقف واختيارات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله. و قد أسهبت في الحلقة الأولى التي تشرتها يوم 12/12/2005 بموقع الأنترنات و تهم شكر الملك الثاني محمد السادس عاهل المغرب حفظه الله و رعاه : الذي أذن مشكورا بإسناد الوسام العلوي الأكبر إلى الزعيم الحبيب بورقيبة. و قد أشرف مولاي رشيد شقيق الملك و نجل الملك الحسن الثاني وحفيد الملك محمد الخامس رحمهما الله على حفل التوسيم و أسند الوسام للحبيب بورقيبة و تسلمه نجله الحبيب بورقيبة الابن.

 

كما سلم وسام اَخر للشهيد فرحات حشاد و تسلمه نجله نورالدين حشاد. كما تسلم المناضل الزعيم جسين أيت أحمد من الجزائر الوسام العلوي و كذلك حفيد الجنرال ديقول من فرنسا اعترافا لهؤلاء بتضحياتهم و نضالهم الوطني.

 

و إن هذه اللّفتة السامية من لدن العاهل المغربي ستبقى خالدة في أذهان الوطنيين التونسيين و سيحنفظون بهذه الذكرى العزيزة التي جاءت في الوقت المناسب، حيث كثرت المبادرات الايجابية في فرنسا و المغرب و الجزائر…

 

و لا يخفى أن المناضلين الأحرار الذين عاشروا الزعيم المجاهد الأكبر و عاشوا فترة طويلة و تأثروا بمواقفه و جهاده و تضحياته الجسام و مؤازرته للحركة التحريرية بالمغرب و الجزائر بالخصوص ومساندة المطلقة للثورة الجزائرية و معاشرته للزعيم علالة الفاسي زعيم حزب الاستقلال و تقديره الكبير للملك الراحل محمد الخامس رحمهما الله و المناضل عبد الكريم الخطابي و زعماء الجزائر عند تكوين مكتب المغرب العربي بالقاهرة يوم 17  فيفري 1947 لتنسيق الجهود بين زعماء المغرب العربي الكبير و فكرة انجاز وحدة المغرب العربي بعد الاستقلال عام 1958 و عقد ندوة بطنجة حضرها قادة احزاب التحرير بتونس و المغرب و الجزائر لتنسيق المواقف.

 

و في هذا الظرف الدقيق الذي نشاهد فيه قادة من المغرب العربي و في طليعتهم الملك محمد السادس ملك المغرب يسند الوسام العلوي أعلى الأوسمة في المغرب للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة و نشاهد في فرنسا خصم الأمس تصبح اليوم أكبر صديق يعترف بالجميل لبطل التحرير و زعيم الكفاح الوطني الزعيم الحبيب بورقيبة. و تسعى بعد تخصيص ساحة للزعيم بباريس عام 2004  و تعمل بلدياتها بباريس الكبرى على إقامة تمثال للزعيم بورقيبة في قلب باريس. و في العالم شرقا و غربا كثر الحديث عن الزعيم و انجازاته و مكاسب الاستقلال و ابراز أهم التشريعات الاجتماعية و أهمها اصدار مجلة الأحوال الشخصية و تحرير المرأة يوم 13/08/1956 بدعم و قوة شخصية و شجاعة و جرأة الزعيم الراحل أول رئيس دولة في العام العربي و الاسلامي يستعمل الرأي و الاجتهاد و يعلن يوم 13

أوت 1956 عن اصدار اول مجلة للاحوال الشخصية بعد خمسة أشهر على استقلال البلاد.

 

نعم بعد الاستقلال التام و انتخاب المجلس التأسيسي لأول مرة في التاريخ خلفا للأفكار السابقة التي نادى بها الطاهر الحداد قبل الاستقلال و البلاد التونسية تعيش الصراع الشديد و المعركة الكبرى و تجابه أعتى مستعمرة و أقوى دولة عسكرية و أكبر مناورة حاولت مسخ الذاتية التونسية و ازدواج السيادة و ذوبان الهوية العربية الاسلامية. و المؤتمر الأفخرستي عام 1931 أكبر شاهد على محاولات الاستعمار الفرنسي لمسخ الهوية التونسية و لست مستعدّا للخوض في التاريخ و لكن اكتفي بإشارة واحدة أن بعد نظر الزعيم الراحل جنب البلاد عديد الكوارث حتى قبل الحصول على الاستقلال سواء انسياق بعضهم في المحور و التعاطف مع الألمان رغم تحذير الزعيم و حكمته و بعد نظره وقد وجه رسالة للدكتور الحبيب ثامر عام 1942  حذّره فيها من مغبة الانسياق و راء الألمان و حلفائه.

 

كما عارض الطاهر الحداد فيما ذهب إليه في عهد الحماية من أراء و مواقف تساعد الإستعمار الفرنسي و قد عارضه بورقيبة و ذلك محافظة على الشخصية و المقوّمات التونسية و الهوية الخصوصية للشعب التونسي المسلم. و نجح بورقيبة في كل المراحل بحكمة و ذكاء و اليوم هناك من يقول أن الحداد هو الذي حرّر المرأة التونسية لا حول و لا قوة إلا بالله العظيم : و العالم كله يشهد من الذي حرّر المرأة و غامر عام 1956 رغم حداثة الاستقلال التام.

 

 أما موضوع الدستور التونسي فإن دستورعهد الأمان عام1861 كان في ظل الدولة  الحسينية و غامر الباي محمد الصادق بدفع البلاد للحماية و بعد 20 عام  جاءت نكبة الحماية و حلول الاستعمار الفرنسي…

 

 و جاءت عبقرية بورقيبة بعد احتلال دام 75 عاما و حرر البلاد و العباد و انجز مجلسا تأسيسا منتخبا و صدر أول دستور تونسي عام 1959 بعد اعلان الجمهورية التونسية في  25 جويلية 1957 بمصادقة نواب الشعب و تم الغاء النظام الملكي و اعلان النظام الجمهوري و اسندت رئاسة الجمهورية للزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله في لحظة تاريخية. و في الحقيقة تعتبر أول دولة تونسية في التاريخ و أول دستور عصري بعد مداولات للمجلس التأسيسي دامت سنتين. و صدر الدستور يوم غرة جوان 1959 .

 

و مما يذكر أن المناضل محمد المصمودي الذي شارك مع مجموعة من المناضلين الوطنيين في تحرير بنود الدستور أصرّ مرارا على تحرير نص توطئة تذكر خصال الزعيم الراحل و مناقبه و فضله و تضحياته الجسام اعترافا له بالجميل. لكن الزعيم بورقيبة رفض ذلك و قال: أن الدستور أعلى من الأشخاص و يبقى فوق كل الأشخاص و فوق كل الاعتبارات. هذه شهادة للتاريخ أسوقها لمزيد التوضيح و اعطاء الزعيم الراحل حقه في هذا العصر.

 

و قد حاول بعضهم التقليل من شأن اتفاقيات الاستقلال الداخلي عام 1955 و اعتبروها خطوة للوراء و شكّكوا في النتائج. و جاء مؤتمر صفاقس نوفمبر 1955 الذي زكى سياسة المراحل البورقيبية. وبعد 9 أشهر كان التتويج الايجابي لمؤتمر صفاقس الحاسم.

 

و بعد الاستقلال التام عام 1956  شكّكوا في تحرير المرأة و نجحت مغامرة الزعيم بورقيبة. و جاءت معركة الجلاء و شكّك بعضهم و كانت النتيجة ايجابية و تحقق الجلاء العسكري 1963 . و شكّك بعضهم في الجلاء الزراعي و تم حسب مراحل العبقرية البورقيبية. و شكّكوا في انجاح الوحدة الوطنية و في خطة التعليم الشامل و التنظيم العائلي و في كل مراحل بناء الدولة. و لكن بفضل الله تعالى نجح بورقيبة نجاحا باهرا طيلة كفاحه الوطني من 1931 إلى 1987 ، 56 سنة في خدمة الشعب منها 17 سنة و نصف سجون و أبعاد و هجرة. و اليوم بعضهم يذكر ايجابيات من عاش 6 أعوام فقط في النضال قبل الاستقلال و يتجاهلون من عاش مجاهدا و مناضلا و محاميا و زعيما و قائدا نظيفا ليس له مثيل في العالم العربي رحمه الله و جزاه الله خيرا.

 

و الأوفياء من المناضلين بالمرصاد لمن تحدثه نفسه بالاساءة إلى الزعيم الحبيب بورقيبة و هو رمز خالد على الدوام حب من حب و كره من كره.

 

و مرجو من وسائل الإعلام التونسية أن تتقي الله في تاريخ تونس و زعيمها و قائدها الذي حرّر البلاد و العباد من الإستعمار و الظلم و الإستبداد، و عاش لغيره طيلة حياته لم يترك ورائه من حطام الدنيا إلا الذكرى الحسنة و الرحمة المتواصلة من طرف العقلاء.

 

و السلام و الله ولي التوفيق.

 

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري – تونس

 


 

جدل فرنسي حول قانون تمجيد الاستعمار

توفيق المديني (*)

 

أثار القانون الذي صدر في 23 فبرابر 2005 ،حول تمجيد الإستعمار الفرنسي  جد لا سياسيا سلخنا بين فرنسا و مستعمراتها السابقة ، خاصة الجزائر.. فقد جاء في نص القانون مايلي:”  إن تاريخ الوجود الفرنسي في الجزائر يتجلى بين صراعين: الحملة الاستعمارية، من 1840 إلى 1847، و حرب الاستقلال التي انتهت باتفاقيات إيفيان في عام 1962.خلال هذه المرحلة،قدمت الجمهورية على الأرض الجزائرية مهارتها العلمية  ،التقنية و الإدارية ، ثقافتها و لغتها، و كثير من الرجال و النساء ، غالبا من أوساط متواضعة، جاؤوا من أوروبا كلها ومن كل الطوائف، و أسسوا عائلات في ماكان يعرف بالمقاطعة الفرنسية.لقد تطورت البلاد  في قسم كبيرمنها  بفضل شجاعتهم وسعيهم للعمل. لهذا(…) يبدو لنا من المستحب و العدل أن يعترف التمثيل الوطني بإنجازات معظم هؤلاء الرجال و النساء، و جهودهم، حيث مثلوا فرنسا لمدة قرن في الضفة الجنوبية للمتوسط، ودفعوا ثمن حياتهم لذلك في بعض الأحيان”.

 

وقد استتبع هذا القانون هذه مادة وحيدة هي المادة الرابعة التي  قدمها النائب من حزب “الاتحاد من أجل حركة شعبية” (الحزب الحاكم الذي يترأسه نيكولا ساركوزي):”إن الأعمال الإيجابية  لمجموع مواطنينا الذين عاشوا في الجزائر طيلة حقبة الوجود الفرنسي هي معترف بها علانية “. وتوصي هذ المادة في القانون الذي دعا الاشتراكيون والشيوعيون وأعضاء في حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية في فرنسا (وسط) إلى إلغائه “بأن تعترف البرامج المدرسية بالدور الإيجابي الخاص للوجود الفرنسي في ما وراء البحار لا سيما في شمال أفريقيا، وتمجيد تاريخ وتضحيات مقاتلي الجيش الفرنسي المنحدرين من هذه الأراضي”.

 

إن هذا الموقف النافي بشكل عجيب للكولونيالية و المعبر عنه بهدوء في قلب مؤسسات الدولة  من قبل نواب واثقين من أعمالهم ، و معتقدين أنهم على حق، يؤيد تاريخ بعث الكولونيالية. ففي ما يشبه الغفلة إذن، سُنّ قانون لم يلبث أن أثار ضجة لم تهدأ، انطلقت من المستعمرات السابقة في أرجاء العالم، من جزر الأنتيل إلى الجزائر، حيث استنكر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ذلك القانون، وعدّه سبباً يحول دون توقيع “اتفاقية صداقة”، موعودة ومؤجّلة منذ سنوات طوال، بين بلده وفرنسا، كما استفاقت قطاعات من الرأي العام، من المثقفين خصوصاً، وانطلق نقاش، ملأ الفضاء العام، من ذلك النوع الذي يستهوي الفرنسيين، لكن القضاء كان قد حُمّ والأمر كان قد قُضي، حتى أن الحزب الاشتراكي، عندما نقد ذاته ورماها علانية بالتقصير، وتقدّم بمشروع لتعديل ذلك القانون، يرمي إلى إزالة ذلك البند الرابع، وهو المشروع الذي نظر فيه البرلمان يوم الثلاثاء الماضي، عاد من مسعاه ذاك خائباً ولم ينل غير شرف المحاولة.

 

إن إقرار  هذا القانون ، خاصة البند الرابع الوارد فيه ، يعتبر إنقلابا سياسيا خطيرا في ثقافة وقيم سياسية، كانت إجماعية لا تشذ عنها غير قوى اليمين العنصري المتطرف، التي درجت، منذ نهاية الحقبة الاستعمارية، نهايتها الجزائرية المأساوية والمزرية في آن، على نقد السياسة الديغولية الخارجية التي منحت الجزائر استقلالها بعد سبع سنوات من الثورة المسلحة العنيفة .

 

ومازاد الغضب حدة من هذا القانون ثورة شباب الضواحي في باريس و المدن الكبرى ، الأمر الذي طرح مجدداموضوع  الهوية ، وصعوبة  الإندماج للمهاجرين في المجتمع الفرنسي بسبب سياسة الإقصاء والعنصرية التي لا تزال منغرسة في الذهنية الجمعية الفرنسية.و ما أن هدأت “ثورة “الضواحي، حتى  تصاعد الغضب الشعبي الذي عبر عنه الشارع الجزائري تجاه القانون الذي يشيد بالاستعمار لبلادهم والذي أوقع مليون ونصف مليون شهيد خلال أكثر من 130 عاما، هو أحد عوامل تلك الخطوة.

 

في غضون ذلك،صعد اليسار المعارض ومنظمات حقوق الإنسان من حملة تهدف لإلغاء القانون.وبدأت قيادات أحزاب اليسار الفرنسي في حملة تجميع التوقيعات على عريضة لرفض القانون, وكان بمقدمة الموقعين رئيسا الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند والشيوعي جان ماري بوفي ورئيس العصبة الشيوعية الثورية أوليفيي بيزانسنو.كما وقع رئيسا حزب راديكال اليسار جان ميشيل بيلي وحزب الخضر دومينيك فواني على نفس العريضة.واشترط رئيس المجموعة الاشتراكية بالجمعية الوطنية جان مارك أيرو الإلغاء دون “إبطاء للمادة المتنازع عليها في القانون” مهددا باستحالة عمل المهمة المقترحة في حال عدم تحقيق ذلك الشرط.

 

ليس مقبولا من أمة فرنسية عريقة أن تنغلق على نفسها اليوم في إطار هويات ضيقة الأفق. و ليس مقبولا من  أمة تدعي أنها حققت فتحا بشريا في مجال الثورة الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان أن تسن أو تفرض  قانونا يوجه البرامج الدراسية لتمجد الإستعمار الفرنسي خاصة في شمال أفريقيا ويمنح تاريخ وتضحيات مقاتلي الجيش الفرنسي المنحدرين من هذه الأراضي المكانة السامية…

 

أمام الضغوطات الداخلية و الخارجية الرافضة لهذا القانون  المشين ، تخلى رئيس الحكومة الفرنسية دومنيك دو فيلبان عن تضامنه مع الأغلبية الحاكمة  يوم 8 ديسمبر الماضي. وهذا ما جعل الرئيس الفرنسي جاك شيراك يتراجع عن موقفه.وأوكل جاك شيراك مهمة أسماها “المهمة التعددية” إلى رئيس الجمعية الوطنية جون لوي دوبري، والتي تعنى بتقويم “عمل المجلس النيابي بمجالات الذاكرة والتاريخ”.ووصف المحلل السياسي أنطوان غيرال الخطوة الرئاسية، بأنها ترمي لنزع فتيل الجدل الحاد داخل فرنسا وفي أراضيها عبر البحار.

 

 في الوقت الحاضر، الذي انبثقت فيه النقاشات حول الإرث الكولونيالي لفرنسا،و بالتالي القانون الذي يمجد”مزايا الإمبراطورية الفرنسية” التي  تشكل عقيدة مشتركة لغالبية الفرنسيين بوصفهاإمبراطورية تنشر” الحرية و العدالة “في المستعمرات حسب إدعاءات المنظرين الإيديولوجيين لها   ، من المستحيل أن توقع  معاهدة الصداقة الفرنسية – الجزائرية .

 

(*) كاتب تونسي مقيم بدمشق

 

(المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)


 

الـعـكـري
جمال كرماوي

 

خرج الاستعمار من بلادنا ولكنه لم يخرج من رؤوس بعض التوانسة… كان ذلك في البداية وهم الذين صنعوا لنا مصطلحات عديدة تزيّن العلاقات التاريخية بفرنسا والعلاقات الحضارية وأهمية المتوسط جسر التواصل… وهم لا يقولون أن المصالحة وطي صفحة الماضي جاءت مبكرا جدّا… وبعد ظلم الاحتلال وجبروته ظلم هؤلاء دم الشهداء وعذابات الذين شرّدوا وانتزعت منهم أراضيهم… أسقطنا حق الذين سجنوا وعذبوا وديست حقوقهم وكرامتهم… بسرعة صرنا بلا ذاكرة… لأن القيمين على حساب التاريخ تصرفوا بلا وكالة… لا أحد فوّضهم لإخفاء المقابر… فالعلاقات الحضارية ليست كذلك… هي علاقات غاصب بمغتصب… علاقة قوي بضعيف وعلاقة أسياد ببشر دون مرتبة البشر… جاؤوا إلينا عبر «جسر المتوسط»… ولا أحد دعاهم… مكثوا في تونس والجزائر والمغرب وغرفوا ما غرفوا والبلاد غارقة في القدرية والجهل والأوبئة والفقر والجوع… نحن نسينا وهم لم ينسوا المكابرة والاستعلاء إلى يوم الناس هذا… نحن نسينا حقوقنا والتعويضات الواجب دفعها وصرنا ندفع لهم ثمن مساكن أقاموها من مالنا وحجارتنا وفوق أرضنا… هم أخذوا ثرواتنا وتزودوا برجال من شمال إفريقيا جندوهم في حروب استعمارية أو تحريرية تحت رايتهم… كانوا يحاربون من أجل حريتهم ويحتلون شمال إفريقيا ومن التونسيين من قضوا نحبهم في أقاصي الدنيا ولا يُعرف لهم قبر…

 

وها هي العقلية الاستعمارية تعود إلى السطح… خجلت الضحية وذهب دمها هدرا ولم يخجل الجلاد… ها هم يستصدرون قانونا يؤكد إيجابيات الاحتلال… مليون شهيد في الجزائر يعرفون هذه الإيجابيات… ومن يجهل «لطف ولياقة» المظليين الفرنسيين الذين قدموا من جحيم آسيا… ماذا تركوا عندنا بعد جولتهم السياحية التي طالت في إفريقيا… هل تركوا بنية تحتية… هل تركوا مصانع… هل تركوا جامعات… كل ما فعلوه هو جلب يد عاملة بخسة بنت وشيّدت ونظّفت مدنهم الجميلة ومع هذا جاء يوم أغلقوا حدودهم في وجه «الأنديجين»… ترى هل يدرون أنه بتزيين جريمة الاحتلال فإنهم يباركون احتلال إسرائيل لفلسطين وأمريكا للعراق ويباركون ما هو آت من اعتداءات على الشعوب… لماذا يلعنون هتلر إذن… ولماذا يدفعون لإسرائيل مدى الحياة ويحرسون حتّى قبور موتاها…

 

هل هذه هي فرنسا الثورة العظيمة… يبدو أن جيل ساركوزي وإخوانه وهو المهاجر حديثا يجهل التاريخ والأدهى أنه لا يعرف شيئا عن المستقبل.

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)

 

عن بعث شياطين الإستعمار الفرنسي البشعة…

خميس الخياطي (*)

يقول فرانك ، وهو شاب فرنسي من أصل إيفواري (ساحل العاج) له من العمر 24 سنة، يعمل مدربا في الدفاع الذاتي (سالف ديفانس) وقد درب علي سبيل المثال فيلق مناهضة الإرهاب ، أنه وصديقته الفرنسية ذات العينين الزرقاوين ركبا مرة مترو الأنفاق. وعند محطة باسي (الدائرة السادسة عشرة) دخل العربة عجوز وزوجته، فما كان منه إلا أن قام ليتركه لهما مكانه. فشكره العجوز مضيفا: آهن، لقد أعطي الإستعمار ثماره إذا…

وأنا أقرأ ما حدث لهذا الفرنسي من أصل إفريقي في عدد خاص من المجلة اليسارية الفرنسية لو نوفال أوبسرفاتور العدد 2144 الخاص بـ حقيقة الإستعمار وقد شارك فيه البعض ممن أحترم مثل المؤرخ مارك فيرو الذي تتلمذت عنه في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الإجتماعية، تذكرت حادثا وقع منذ أكثر من عشرين سنة علي موجات إذاعة فرنسا الثقافية وعلي الهواء مباشرة. عند مناقشة كتاب المؤرخة الفرنسية من أصل تونسي لوسات فالنسي حول إستعمار الجزائر في العام 1830 من قبل جيوش شارل العاشر ولويس فيليب تحت راية التوسع الكولونيالي والدعوة الإنجيلية ، قام أحد المتدخلين (وهو مؤرخ كذلك) من الذين كنت أتعامل معهم يوميا في برنامج بانوراما ليقول لي دون مقدمات ولا مقبلات: كن موضوعيا يا عزيزي خميس. ألا تعتقد في قرارة نفسك وأنت الذي تتكلم الفرنسية بطلاقة وتعرف الثقافة الفرنسية جيدا بأن للإستعمار الفرنسي رسالة حضارية في أفريقيا وأفريقيا الشمالية تحديدا؟ إنزعجت حينها لأني تذكرت ما كتبه الراحل فرانز فانون ومن بعده التونسي ألبير مامي حول علاقة المستعمر (بفتح الميم) بالمستعمر (بكسر الميم)، ثم وضعت الأمر في خانة اليمين الفرنسي ـ وكان الرجل ينتمي إليه صراحة ـ لأن الأمر في النهاية أمر سياسي ويميني تحديدا حتي وإن تضمن اليسار الأوروبي علي جانب إستعماري معللا إياه بالعنصر الحضاري. ألم يكتب كارل ماركس في رسالة لأنغلس عن الدور الحضاري للإستعمار الفرنسي في الجزائر ؟ ألم تعمل الأحزاب الشيوعية المغاربية لسنين عدة ضمن الحزب الشيوعي الفرنسي حتي إنصهرت فيه وأخذت عديد المواقف التي تتناقض ومصالح الشعوب المغاربية في جانبها الإسلامي؟ هذا جانب.

الاستعمار كحظّ حسن!

من جانب آخر ومنذ أقل من عقدين، ولشرح أسباب مظاهر تقدم بعض الدوائر العربية (خاصة الدائرة المغاربية) عن الدائرة الخليجية، كتب صحافي سعودي رأيا في يومية سعودية موزعة علي نطاق كبير أن من حسن حظ الدول المغاربية أنه تم إستعمارها في وقت مبكر منذ العام 1830 من طرف فرنسا، وإلا لشهدت هذه البلدان تأخرا حضاريا. كتب هذا الصحفي أن للإستعمار جوانب إيجابية منها تسجيل الحالات المدنية، تعبيد الطرقات وتركيب السكك الحديدية، بناء المستوصفات والمستشفيات، نشر التعليم وتعميمه، الدعاية للإختلاط بين الجنسين، إلخ… وإن كان الصحفي السعودي محقا بعض الشيء في فكرته هذه، فإنه تجاهل أن ما يعتبره تقدما حضاريا ليس من المقبول أن يكون ثمنه كرامة وحرية الإنسان. ذلك أنه لا يحق لأي طرف أن يسلبك حريتك ويهدم تركيبة مجتمعك ويمحو سلم قيمك حتي يحضّرك . وليست هذه فكرة جديدة، بل لها في تاريخ علاقات المغرب العربي بفرنسا جذور متأصلة ونظرة واحدة علي المناهج المدرسية التي كانت تستعمل في المؤسسات التربوية في البلدان المغاربية التي كانت تحت سلطة فرنسا المدنية والمسلحة تبين أن ثقافة أوروبا (اليهودية/المسيحية) كانت مبثوثة تحت عناوين ثقافة الجمهورية. راجع برنامج دفاتر الجمهورية من سلسلة عروق التي بثتها الثالثة الفرنسية منذ سنين مضت.

قانون 23 فيفري/شباط (به بنود خمسة) والذي صادق عليه البرلمان الفرنسي في غياب أية معارضة يمثل آخر بدعة لليمين الفرنسي الذي، في عملية إحتواء للناخب الفرنسي المنتمي لأقصي اليمين (الجبهة الوطنية للوبين) خاصة في جنوب البلاد، إختار أن يبعث بجيل كامل من المواطنين الفرنسيين ذوي الأصول العربية/الإفريقية إلي خانة الإنزواء الثقافي، إن لم يكن الإحتماء الديني. هذا القانون في بنده الرابع يطالب برامج البحوث الجامعية أن تعير تاريخ الحضور الفرنسي وراء البحار وخاصة في أفريقيا الشمالية المكانة التي تستحق، و(أن تعتبر) المناهج المدرسية الدور الإيجابي للحضور الفرنسي وراء البحار وخاصة في أفريقيا الشمالية وأن تعير تاريخ وتضحيات محاربي الجيش الفرنسي أصيلي هذه المناطق المكانة العالية التي يستحقون (إلخ)…

أن يكون هذا القانون قبل وبعد ما يسمي بإحتشام بـ أزمة الضواحي ثم إستعمال الحكومة الفرنسية لقانون الطوارئ للعام 1955 لحل هذه الأزمة وهو القانون الذي سن حينها ضد مناضلي جبهة التحرير الوطنية، ففي ذلك دلالة عميقة علي أن المجتمع المستقر الفرنسي بدأ يفقد رصانته ويخون المبادئ التي يروج لها من أن الجمهورية هي أم لكل الناس الأحرار مهما كان جنسهم ومهما إختلفت عقائدهم إلخ… فكيف كان للرئيس جاك شيراك أن يشارك في قمة الفرنكوفونية بباماكو من جهة ويحث الرئيس الجزائري بوتفليقة علي إنضاء معاهدة الصداقة الفرنسية/الجزائرية وهو الذي ترك غالبيته اليمينية في البرلمان وتحت تأثير أستاذ الفلسفة والـ محافظ الجديد (مثل جماعة البيت الأبيض) والمنتمي لـ نادي لورلوج (Club de lHorloge) وهو النادي الذي يربط عقائديا بين اليمين واليمين المتطرف السيد كريستيان فانيست الذي يؤمن أنه حتي تجتمع فرنسا وضواحيها المأزومة، أي الفرنسيين ذوي الأصول العربية وأبناء الغولوا ، يجب إعتبار الماضي المشترك… وفي غياب معارضة برلمانية ومدنية، تمكنت الدولة من سن قانون يأمر المؤرخين كيف يكتبون التاريخ. وهي صفة من الصفات الرئيسية للمجتمعات الشمولية من الإتحاد السوفييتي أيام أبو الشعوب ستالين .

ومن عديد البرامج التلفزية التي تعرضت لهذا الموضوع/الشرخ الذي يعيد الحياة لشياطين الإستعمار الفرنسي رغم أنها ترهلت ولم يعد لها من زاد إلا التغني بالماضي المجيد، برنامج يعده ويقدمه الفرنسي من أصل تونسي سارج معطي بعنوان Riposte (الرد) علي الخامسة الفرنسية (هوتبورد، تردد 10834) وحضره عديد الفاعلين في الحقل السياسي والمدني الفرنسي منهم وزير قدماء المحاربين حملاوي مكشره وهو جزائري الأصل ومن الحركية (تابعة الجيش الفرنسي في الجزائر وغالبيتهم من القبائل) وهو الذي قدم مشروع القانون أمام البرلمان، الباحث والروائي اليميني جان ماري روار، مغني الراب الفرنسي/الإفريقي ديزيس لا باست، الباحث الأنتروبولوجي غاستون كيلمان، باتريك لوزيس رئيس فيديرالية الجمعيات الإفريقية بفرنسا وهو من حزب الرئيس شيراك والنائبة البرلمانية في القائمة اليسارية التابعة للراديكاليين كريستيان توبيرا…

علكة الكلام

نري ونستنتج أن الكشاف مسلط علي إفريقيا جنوب الصحراء وليس علي إفريقيا الشمالية (المغرب العربي) كما يأمل القانون كتابة التاريخ ولم يحضر من الفرنسيين ذوي الأصول العربية إلا الوزير. من المعروف عن سارج معطي أنه من اليسار الإشتراكي وكان عضدا للرئيس ميتران في ميدان السمعي ـ بصري ومخرجه التلفزي في مقابلته مع الرئيس السابق جيسكار ديستان في الحملة الإنتخابية الرئاسية، وبالتالي فهو يعرف جيدا الجانب التلفزي للمسائل السياسية. من هنا أتي البرنامج في أغلبية مداخلاته قائما علي فضح الحنين الكولونيالي مما جعل الوزير يصرح بأن القانون لن يطبق في المدارس وأن الأساتذة والمؤرخين أحرار في كتابة التاريخ… إلا أن الوزير نسي بأن الفارق كبير بين الذاكرة والتاريخ، وأن علكة الكلام (شعارات الجمهورية: حرية، مساواة، أخوة) لم تعد صالحة إذ فرنسا تويد من جهة أخري حكام العالم الثالث الطغاة مثل بانغو و إياديما والسلسلة طويلة… وخلاف لما قاله البعض، المسألة المطروحة من طرف الضواحي هي مسألة فرنسية/فرنسية، مسألة بين شباب لم يجد لمستقبله مكانا في خارطة بلاده وحكومة تغازل اليمين المتطرف وعينها علي الإنتخابات الرئاسية المقبلة… فباعت مستقبل شباب الضواحي بسعر بخس لتيار يحن للأيام الخوالي. وهو قصر نظر سياسي وجيوستراتيجي فاضح كما قالت كريستيان توبيرا.

من العار علي النخبة السياسية الفرنسية المستقرة (اليمين والوسط كما اليسار الإشتراكي) أن تضحي بمصلحة فرنسا في علاقتها بقسم نائم من مواطنيها الذي سيفيقون يوما وفي علاقتها بمحيطها المتوسطي/المغاربي من أجل مصالح سياسوية-ليبيرالية متطرفة تصب كلها في حلم أقصي اليمين: محو فسيفساء فرنسا الحقيقة. هي حقيقة الهوية الفرنسية اليوم وليست في إستعادة شاطين الهيمنة ولو في كتب التاريخ.

جملة مفيدة: المهم ان نلقي القبض علي الأفكار قبل إلقاء القبض علي الناس.
(من مسلسل البؤساء علي قناة series club ، هوتبورد، تردد 10796.)
(*) ناقد وإعلامي من تونس
khemaiskhayati@yahoo.fr
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)

 


مشروع قانون جزائري يجرم الاستعمار الفرنسي

 

الجزائر- وليد التلمساني

 

 يستعد نواب إسلاميون في البرلمان الجزائري لتقديم مشروع قانون إلى البرلمان يُجرِّم ممارسات فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر، كما يطالب السلطات بتقديم شكوى إلى المحاكم الدولية لمقاضاة باريس بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية.

 

يأتي مشروع القانون الجزائري الذي اطلعت “إسلام أون لاين.نت” على نسخة منه اليوم الأربعاء 14-12-2005 ردًّا على قانون صادق عليه البرلمان الفرنسي مطلع عام 2005 يمجد الاستعمار الفرنسي، ويتحدث عن دور إيجابي للتواجد الفرنسي وراء البحر، خاصة في شمال أفريقيا.

 

وعرض نواب حزب “حركة الإصلاح الوطني” الإسلامي الإثنين 12-12-2005 مضمون القانون الذي سيرفعونه إلى الحكومة في وقت لاحق قبل مناقشته والمصادقة عليه بالبرلمان.

 

وجاء في المشروع أن “الدولة الجزائرية تتولى متابعة كل الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية قضائيًّا، وهي جرائم لا يشملها التقادم، سواء تعلق الأمر بمعمرين أو حركيين (جزائريون تعانوا مع الاستعمار في فترة حرب التحرير) أو أصحاب أقدام سوداء”.

 

وأصحاب الأقدام السوداء هم الفرنسيون الذين عاشوا في بلدان المغرب العربي أثناء فترة الاستعمار، واستوطنوا هناك قبل أن تجبرهم الحروب التحريرية على العودة إلى فرنسا.

 

ويؤكد المشروع أن الجزائريين “يرفضون طي صفحة الماضي دون التدبر والتمحيص فيه ليكون أساسًا لبناء المستقبل”.

 

اعتراف واعتذار فرنسي

 

ويخصص مشروع القانون أيضًا فصلاً كاملاً لـ”واجب الاعتراف بالجرائم”، جاء فيه: “تلتزم السلطات الفرنسية أخلاقيًّا بالاعتراف بماضيها الاستعماري في الجزائر، وبكل الحقائق التاريخية السلبية المدونة في الذاكرة الجماعية، وتلك التي وردت في اعترافات الشخصيات المدنية والعسكرية الفرنسية وشهود العيان”.

 

كما يطالب القانون من باريس أن تقدم الاعتذار عن “الجرائم التي اقترفتها خلال الفترة الاستعمارية (1830- 1962)”.

 

ويقول واضعو مشروع القانون: “إن التاريخ شهد مبادرات بالاعتراف بالذنب وطلب الصفح، كما فعلت ألمانيا تجاه فرنسا نفسها بعد الحرب العالمية الثانية”.

 

وفيما يتعلق بالسلطات الجزائرية، يطالب مشروع القانون الجزائر بأن تعترف لأبناء وأحفاد المبعدين والمهجرين والمنفيين إبان الفترة الاستعمارية، بالحق في الجنسية الجزائرية وتتخذ كل التدابير اللازمة لتيسير الحصول عليها، كما تلتزم بتوفير تلقينهم أصول الدين الإسلامي الحنيف واللغة العربية في المواطن التي هم فيها.

 

ويوجد هؤلاء، بحسب واضعي مشروع القانون، بالآلاف في كاليدونيا الجديدة وجويانا الفرنسية.

 

مساعٍ لمقاضاة دولية

 

من جانبه، قال عبد السلام كسال أحد نواب الإصلاح المشاركين في صياغة مشروع القانون لـ”إسلام أون لاين.نت” اليوم الأربعاء 14-12-2004: إن السلطات الجزائرية مدعوة إلى إيداع شكوى لدى المحاكم الدولية لمقاضاة فرنسا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

 

وحول مشروع القانون قال: “لقد احتلت فرنسا بلدنا طيلة 132 سنة، وقتلت 3 ملايين جزائري في سبيل أن يدوم احتلالها، ونهبت خيراتنا، وفوق ذلك تصدر قانونًا يُمعن في إذلالنا. أوَنسكت على كل هذا ونطوي الصفحة وكأن شيئًا لم يحدث؟!”.

 

وأشار كسال إلى أن زملاءه الإسلاميين في البرلمان يعتزمون تنظيم لقاء يجمع ضحايا الاستعمار الفرنسي، مثل المصابين بعاهات مستديمة بفعل التجارب النووية التي أجرتها فرنسا قبل خروجها من البلاد عام 1962، أو الذين تعرضوا للتعذيب؛ لحثهم على رفع شكاوى ضد الدولة الفرنسية لإدانتها والحصول على تعويض مادي منها.

 

معاهدة الصداقة مؤجلة

 

وتمر العلاقات الجزائرية الفرنسية بفترة حرجة بسبب ما سُمي في الجزائر بـ”قانون العار” الذي أصدره البرلمان الفرنسي في 23 فبراير 2005، ورفض اليمين تغييره نهاية نوفمبر الماضي.

 

وتوقع الكثيرون من الجانبين نسف جهود التوقيع على معاهدة صداقة، كان يفترض أن يتم قبل نهاية 2005، إلا أن وزيرة الدفاع الفرنسية “ميشال أليو ماري” هونت من آثار التذمر الجزائري بشأن القانون على مشروع المعاهدة.

 

وقالت الإثنين 12-12-2005 على هامش مشاركتها في اجتماع وزراء دفاع مجموعة الـ 5 + 5 بالجزائر: “إنني على ثقة بأن معاهدة الصداقة سيتم التوقيع عليها في الشهور المقبلة… لدي شعور بأن الطرف الجزائري يتطلع حقيقة لمثل هذا النص الذي لن يعالج كل المشاكل بالطبع”.

 

وبحسب ميشال، فإن معاهدة الصداقة “ستتجه بصفة نهائية إلى المستقبل دون التنكر للماضي”، مشيرة إلى وجود “إشكالات تجمع بيننا بإمكاننا حلها بمجرد أن نسعى إلى ذلك في أجواء تتسم بالثقة والصداقة… أعتقد أنه يتوجب علينا الانتهاء من إعداد النص في الأشهر المقبلة”.

 

وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يعالج بفرنسا حاليًا قد وصف القانون الفرنسي بأنه “وقاحة وقلة حياء”، كما شنت عشرات الأحزاب والمنظمات الجزائرية حملة كبيرة ضد القانون الفرنسي الذي شكل فرصة لنفض الغبار عن ملفات تاريخية ساخنة مشتركة بين البلدين.

 

(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 14 ديسمبر 2005)
 

الفريضة الغائبة في بلاغ مكة المكرمة

عادل الحامدي (*)

 

تفرض التحولات السياسية المعاصرة وما تطرحه من تحديات نفسها بقوة علي الأنظمة العربية من كان منها في الواجهة ومن هو في الطريق. ولم يعد من الممكن لحكامنا أن يبقوا في منأي عما يشهده العالم والعربي والإسلامي منه علي وجه الدقة، إذ لا بد للغريق من حركة للنجاة وإن كانت في الوقت الضائع حتي. ومع أن المتابع لحركة التطور السياسي في العالم العربي خلال السنوات التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي وازداد نبضها سرعة بعد سقوط بغداد يدرك مدي حجم الاهتزاز العنيف الذي هز المنطقة وأن تداعياته لم تستثن أحدا وإن بدرجات متفاوتة. فظاهرة الإنفتاح السياسي علي جميع المرجعيات الفكرية والسياسية العربي منها وغير العربي وحالات الحراك السياسي العنيف أحيانا التي طالت بعض الدول العربية يوحي بأن الجميع أصبح مقتنعا بأن الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها أخذ بها وأن التغيير بات سنة لا تتبدل.

ومع أنه من المبالغة الحديث عن قناعة عميقة تدفع بقادتنا إلي الشروع في الحوار بنية الإصلاح وتجاوز الواقع المريض، إلا أنه من المهم التأكيد منذ البداية علي أن مجرد تشخيص المرض لا يغني عن ابتكار العلاج المناسب، فاختلاف وجهات النظر العربية حيال ما تتعرض له المنطقة من تهديدات داخلية وخارجية هو بداية تصحيح المسار، فقد أتي علي بلاد العرب حين من الدهر طويل ركن فيه الحكم السياسي إلي منظومات وأنساق من الفكر السياسي الذي لا يمت لعصرنا بأية صلة من الصلات، فنحن نعلم جيدا أن العالم الإسلامي قد مر قبل وبعد الاستعمار بقرون طويلة من الرقاد الحضاري والجمود الديني أتي علي كل فكر مستنير نعم به أهل الأرض خلال ازدهار عصور الإسلام الغابرة.

المكان مكة المكرمة قبلة المسلمين وأهم معلم من معالم دينهم والزمان تشرئب فيه أعناق ملايين المسلمين للطواف بالبيت المعمور إتماما لخامس ركن من أركان دينهم، أما سياسيا فإن قلوب ما يزيد عن خمس العالم تتجه نحو رب هذا البيت العتيق ـ وهي تري ما آلت إليه أوضاع المسلمين في أكثر من خمسين دولة من تخلف وتحجر وانغلاق وانسداد، بل وحتي اليأس مما يمكن أن تتمخض عنه سياسات دول قد أسلمت قيادها إما لحكومات أغلبها جبرية وإما تعلقت همة البعض من تلك النخب بالأمل الكاذب فيما قد يأتي من وراء البحار ـ قلت قلوب ما يزيد عن خمس العالم لم يبق لها غير الأمل الذي قد يتمخض عن مثل هذه القمم التي تتزيا بكل ما هو جميل وواعد، ورغم أنها ليست القمة الإسلامية الأولي التي تجمع كل ما لدينا من نخب حاكمة تعدنا في كل مرة بكل خير حتي إذا انفرط الجمع وجدنا أنفسنا لم نغادر من متردم.

تلك أبرز معالم المكان والزمان الذي تنادي فيه قادة العالم الإسلامي بضيافة كريمة من العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لبحث حال الأمة وسبل مواجهة الإرهاب والتطرف الذي اكتسح كل المناطق ما كان منها قيد الطلب أو في قائمة الانتظار. ومع أن حب الملك عبد الله بن عبد العزيز للسعوديين وللعرب عموما ومحبته الأكبر لدينه كبيرة كما تنقل روايات من التقوه في جلساته الخاصة والعامة، فإن ذلك لا يعفيه من المسؤولية الثقيلة التي تنتظره والمتمثلة في إطعام كل فم سعودي وتوفير المناخات الملائمة للحوار الصريح بين كافة القوي السياسية في أرض الحرمين الشريفين، والسعي إلي النهوض بنصف المجتمع والسهر علي تعليمهن وتثقيفهن فلا يكرمهن إلا كريم كما جاء في الأثر. كما أن الحكومة السعودية يطلب منها علي وجه السرعة أن تبادر إلي القضاء علي البطالة ومحاربة الفقر. ولئن يعسر المزايدة علي الشعب السعودي وعلي حكومته التقصير في إنجاز الدولة التوأم وإنقاذ القدس الشريف فالأعباء السعودية لا يجب أن تنسي قادتها من أداء واجبها القومي الذي لم تتخل عنه يوما.

غير بعيد عن أرض الحرمين حيث التأم الجمع، لا يزال العراق يعيش حربا أهلية مقنعة حتي وإن حرصت كل الأطراف علي تزيين هذه البشاعة بتجربة انتخابية تمنينا من كل قلوبنا أن ينجح التحالف ومن التف حوله في رسم معالم التجربة التي أرادها ديمقراطية وسالت من أجلها أنهار من الدماء، تمنينا لو أن بإمكان هذه الإنتخابات أن تخفي عنا تلك البشاعات التي أدمت القلوب وأدمعت المآقي.

وليس أدل علي أن هذه الصورة القاتمة التي رسمتها للقارئ الكريم ليست من محض خيالي وإنما لا تعدو أن تكون انعكاسا لواقع بات يؤرق كل مواطن عربي يرقب ما يحدث في العالم بحس المكتوي، ويصدق ما ذهبت إليه ما يحدث في دارفور من منازعات عرقية وخلافات بدائية فشلت الحومة السودانية ـ رغم حرصها ـ في إطفاء هذا الحريق الذي أزكم أنوفنا. وغير بعيد عن ذلك أيضا يري العربي كيف يلاحق محققون دوليون شخصيات سياسية مرموقة ويستنطقونها كما لو كانوا رعاعا يرتكبون جرائم حق عام من مثل اغتيال شخصية سياسية عرفت بوسطيتها واعتدالها.

لم يكن مطلوبا من الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يتناول هذا الواقع بقلم المفكر المبدع ولكن من حقي أن أشير عليه بأن من اختطفوا الإسلام أو من حاول الإساءة إليه من خارج الإطار الإسلامي ما كان أن يحدث له ذلك لولا أن دولنا التي ورثت الاستعمار في حكمنا لم تكن في المستوي المطلوب سواء تعلق الأمر بأداء أمانة الحكم وما تقتضيه من فهم للواقع العربي منذ أربعينيات القرن الماضي، أو علي مستوي توزيع الثروة وتأمين ضروريات العيش الكريم لكل فرد من الرعية. فلم يعد يخفي علي أحد أن رجال الدولة العربية في غالبية جمهورياتنا قادها اليسار وتبوأ دفة الحكم فيها علمانيون يعادون الدين ويحاربون الله جهرة علي مرأي ومسمع من شعوبنا. وإذا كانت أغلب دول الخليج قد نجت من هذه الكوليرا الفكرية والسياسية فإن أغلب الذين تمسكوا بإسلامهم أداروا اللعبة السياسية في حلبة من الصراع تجد في إطارها كل شيء إلا الإسلام. فذاك الذي يحمل بندقيته ليسقط بها أمه وأبوه وأخته وزميله في العمل وأخوه في الإنسانية ليس إلا شريدا مقهورا مطاردا أينما ثقف طلقته الدولة طلاقا بائــنا ورمت به بين أيد لم يعد يحمل أصحابها غير رؤوس معبأة بثقافة الموت وانتحار الذات.

لن يعجز المواطن العربي والمسلم إدراك أن الرغبة المحمومة التي تجيش في تقارير وملفات حكامنا التي يرفعونها إلي قادة العالم الجدد عن خطوات الإصلاح والانفتاح علي الرأي الآخر التي أصبحت واضحة للعيان في العالم العربي، ليست إلا تلوينا من تلوينات المماطلة السياسية التي لن تنفع لا الحكومات الراغبة في الاستئثار بالسلطة وغنائمها ولا أن تنقذ الشعوب التي يئن أغلبها تحت وطأة الفقر والاستبداد، وهي باختصار شديد محاولات فاشلة للإفلات من مطالب الديمقراطيين والتحررين من أبناء منطقتنا العربية والإسلامية لغسل الأدمغة الاستبدادية وتطعيمها بعدل المؤمن الصادق والسياسي الحكيم الذي يستمع القول فيتبع أحسنه.

(*) كاتب وإعلامي من تونس يقيم في بريطانيا
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)

شطب جبران تويني

محمد كريشان (*)

 

ليس مهما أن يكون جبران تويني قتل لأنه صحافي أم لأنه سياسي، المهم قطعا أنه قتل لمعتقداته كتابة أو قولا، ففي الصحافة كما في السياسة أسوأ ما نصل إليه مع الخصم الذي نختلف معه حد المقت أحيانا هو شطبه من الحياة حين تتراجع حظوظ تنحيته من ساحة الأفكار أو تهميشه أو تحييده. ومع أن ما يجري في لبنان أمر لا يمكن نزعه من سياقات موقعه وتاريخه لكنه في ذات الوقت من الاجرام إسقاطه من معضلة التعاطي مع الرأي المخالف في بلادنا العربية فنحن وإن كنا تعودنا، للأسف، أن يكون مثل هذا التعاطي تضييقا واعتداء وصولا في الغالب إلي تلفيق القضايا والزج في السجون فإن التصفية الجسدية بات في الفترة الأخيرة الحل الجذري الأسهل وهنا المصيبة حقا.

الوجه الآخر لاغتيال تويني الذي عرف بمواقفه النقدية ضد سياسات دمشق في لبنان وحتي في الداخل السوري أنه علي الأرجح جاء لضرب عصفورين بحجر واحد فهو من ناحية يزيح من الطريق معارضا عنيدا ومفوها يجيد لعبة الإعلام والعلاقات العامة، متسلحا كذلك بوزن جريدته العريقة، ومن ناحية أخري يزيد من غموض مسلسل الاغتيالات في البلاد مما يعوم أكثر فرص الوصول إلي حقيقة اغتيال رفيق الحريري الذي كان الأصل في فتح الباب أمام كل هذه التطورات فعندما يكون اغتيال تويني حلقة جديدة بعد كل من اغتيال سمير قصير وجورج حاوي والمحاولة الفاشلة مع مي شدياق وأحد قيادات حزب الله في الجنوب لا يمكن للمرء إلا أن يقف حائرا أمام المسؤول عن كل ما يجري.

إذا كان وراء مسلسل الاغتيالات هذا فاعل واحد فهذا الفاعل لديه بالتأكيد ليس فقط وقاحة فريدة لا يبزه فيها أحد بل، وهذا الأهم، لديه القدرة أو القناعة أنه يمكن له المضي قدما في مخططاته وأن لا أحد يمكن له أن يعيقها أو يوقفها، فلا التحقيق الدولي ولا المحكمة الدولية المحتملة يمكن أن يخيفاه أو حتي يدفعاه لتأجيل ما أقر عليه العزم من رهيب الأعمال، وكأنه متأكد تماما أن التحقيق لن يطاوله أبدا وانه من المستحيلات أن يتم العثور علي قرائن تدينه بلا مواربة. فإذا افترضنا أن سورية هي فعلا من يقف وراء هذه الدوامة الرهيبة، كما يميل أو يجزم كثيرون داخل لبنان وخارجه، فذلك يعني أحد أمرين إما أن الغباء بلغ هناك مبلغا عظيما غير مسبوق أو أن قدرة الأجهزة هناك باتت من الحنكة والدهاء ما يجعلها تعتقد أنه بإمكانها أن تفعل كل ما فعلت وتخرج منها سالمة كـ الشعرة من العجين وكلا الافتراضين يؤدي إلي التهلكة لا محالة.

أما إذا كان الفاعل أكثر من واحد، وهو في هذا الافتراض سورية وآخرون، فذلك يعني أن أطرافا مختلفة، داخلية ربما وخارجية ليس بينها اتفاق بالضرورة وقد تكون إسرائيل من بينها، رأت في اللحظة اللبنانية الراهنة فرصة ذهبية لخلط الحابل بالنابل فيتفرق دم الجميع بين الجميع. مثل هذا الافتراض سيزيد بالتأكيد من تعقيد فرص نجاح أي تحقيق لأن إجماع أكثر من طرف في وقت واحد بأن بإمكانه أن يصفي حسابات قديمة أو جديدة في لبنان دون أن يناله أي عقاب لتعدد المجرمين وتقاطع حساباتهم سيترك المجال واسعا للافتراضات والتحليلات وليس للقرائن والأدلة الدامغة. هذا الواقع قد يزداد ميوعة إذا استمرت ملفات أخري في المنطقة في الاشتعال، في العراق بالخصوص وربما فلسطين، مما يخلط الأوراق أكثر وقد تذروها الرياح… اللهم إذا كان لدي الدول الكبري عزم راسخ لا يتزعزع ولا يساوم علي جلاء الحقيقة ولو بعد عناء شديد ووقت طويل لفك لغز كل هذه الطلاسم.

(المصدر: صحيفة “القدس العربي” الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)


 

الصحفيون وحركة حقوق الإنسان

الدكتور هيثم مناع

 

شاءت الأقدار أن تتواكب ثورة المعلومات والإعلام مع الثورة الصامتة للمنظمات غير الحكومية. ففي مدى أربعة عشر عاما، تفصل بين 1990 ويومنا، دخلت السبرانية حياة أكثر من مليار من البشر وربطت الفضائيات أكثر من نصف سكان الأرض بقنوات فوق الحدود والرقابة التقليدية وازداد عدد المنظمات التي تتمتع بالصفة الاستشارية في الأمم المتحدة ECOSOC أربعة أضعاف (من 800 إلى 2400 منظمة)

وأصبحت كلمة الفضاء غير الحكومي الكابوس الأهم والأخطر لكل الدكتاتوريات المالية والسياسية.

 

كيف يمكن استقراء العلاقة بين مكونات هذا الفضاء، وبشكل خاص،  ما يعرف بالسلطة الرابعة والسلطة المضادة. هل ستوظف الثورات العلمية في خدمة السائد أم ستعيش صراعا بين القوة والقيم، بين إقامة العدل وتحقيق المصالح المباشرة؟ هل يمكن الاعتماد على الأشكال الجديدة للضغط والتأثير لتجديد المفهوم التقليدي لتوزيع السلطات (الثلاث!) بحيث تنال المشاركة حظا أوفر وتتسع جبهة المقاومة لاحتكار السلطة والثروة على الصعيد العالمي؟

 

لقد سجلت بداية الألفية الثالثة مواجهة مفتوحة مع الإنجازات الكبرى التي حققتها البشرية في النصف الثاني من القرن العشرين. بدأت الحملة مع الفرملة المنهجية للقوة العظمى الأولى لكل ميثاق أو اتفاقية جديدة لحماية الإنسان والبيئة منذ سقوط جدار برلين، ثم مواجهتها المفتوحة مع المحكمة الجنائية الدولية الوليدة، وإن علقت الرسالة الإخبارية للجمعية الأمريكية للقانون (ASIL) على هذا التوجه في مارس/آذار 1999 بالقول: “القانون الدولي اليوم أقل احتراما في مجتمعنا من أي وقت مضى”. فما هو التعليق المناسب منذ إعلان الإدارة الأمريكية عولمة حالة الطوارئ في نوفمبر 2001؟

 

لقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 مسرّعا فوضويا لهذا التوجه، حاولت معه الإدارة الأمريكية المحافظة مصادرة أهم المكتسبات التي أصبحت تحول موضوعيا دون إعادة هيكلة الخارطة السياسية الدولية ضمن مبدأ الهيمنة وفقا لمعطيات نظام القطب الواحد.

 

“الحرب على الإرهاب” أصبحت المحرك، بل المبرر لمنهجة انتهاك حقوق الإنسان على الصعيد العالمي وبشكل خاص في كل مناطق البطن الرخو التي تعتبرها الإدارة الحالية الأرض الخصبة لأطروحة الفوضى البناءة. التعذيب يعود بقوة بعد انحسار، السجون الخارجة عن القانون تصبح من عاديات الأمور والسجون السرية تدخل القاموس الأوربي الأمريكي من جديد، التحقيقات في غوانتانامو تتجاوز كل سجون الدكتاتوريات، أكثر من 28 ألف عملية استجواب لأقل من ألف شخص في قرابة أربعين أسبوعا. المعاملة القاسية والمهينة تتسبب في أكثر من 35 محاولة انتحار، ولتغطية كل هذه الجرائم، تشكيل فرق عمليات خاصة للمعلومات مهمتها التضليل الإعلامي وإعادة إنتاج مدرسة غوبلز في التأثير بالرأي العام..

 

لكن أليس للفقه حكمته عندما يقول “لا يوجد شر مطلق”؟ ألم تتسبب هذه الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات في توسع الحركة المدنية العالمية للدفاع عنها. وإن كان من السهل، إلى حد ما، ضبط قيادة أركان السلطة التنفيذية على الصعيد العالمي، تحجيم التحرك الدولي المشترك لسلطات تشريعية غير منسجمة في التركيب والوظيفة والبرنامج، والخوض في معركة مفتوحة مع التعبيرات البنيوية للقانون الدولي عبر اتفاقيات ثنائية تحدد من سلطاتها، فإن مراكز ثقل المقاومة، وبعكس ما يظهر للعيان، ليست في أشكال العنف المختلفة هنا وهناك، بل في تعبيرات السلطة المضادة من الفضاءات غير الحكومية على الصعيد العالمي والسلطة الرابعة. وبقدر ما يكون هناك من تناغم جدلي بين السلطة الرابعة والسلطة المضادة، يمكن الحديث عن إعادة بناء عملية الوعي وأنسنتها على الصعيد العالمي في وجه ثلاثية الخوف والأمن والانصياع الطوعي التي ينتجها العنف والعنف المضاد. يمكن للإدارة الأمريكية عولمة حالة الطوارئ، ولكن يصعب شراء ذمم كل من جعل همّه إقامة جسر مباشر بين الوضع البشري والوعي البشري، بين الحدث والناس.

 

لا يمكن الطلب إلى الصحافي التفرغ  لانتهاكات حقوق الإنسان، كما أن مهمته لا تنحصر في رصد أوضاع الحريات. لكن هناك تقاطعات أساسية بين الصحفي والحقوقي تبلورت مع الأيام وصارت جزءا من وعي الصحافي لدوره الإنساني ووعي الحقوقي لواجبه في بناء جسور حقيقية بين المجتمعات المدنية والسلطة

 

الرابعة:

أول هذه التقاطعات، الحياد الإيجابي أو الملتزم،

ثانيها، القدرة على التحليل في الحدث أو ما أسماه ميشيل سورا (السوسيولوجيا الساخنة)

الثالث، القدرة على رفض مبدأ الممنوعات باعتباره يمس مباشرة الحق في المعرفة وفي استعمالها

الرابع، المصداقية عندهما ابنة الصدق مع الذات والآخر والإحساس العميق بالتطوع،

وأخيرا وليس آخرا، كلاهما شاهد على العصر ومؤرخ فوق العادة  للمشكلات اليومية للناس.

بقدر ما تكون صورة المدافع عن حقوق الإنسان أو الصحافي منسجمة مع هذه المقومات المشتركة، بقدر ما يكون هناك انسجام مع الاختيار الذي حدده كل منهما لنفسه، باعتباره طرف فاعل ومؤثر في الرأي العام بدرجة أو بأخرى. ولا يعني هذا التصور الجميل بحال، أن عالم الصحافة وحقوق الإنسان خالٍ من حوانيت البيع والشراء والمتاجرة العلنية وغير العلنية، المباشرة وغير المباشرة، إلا أن مجرد تحوّل الإنسان أو الصحيفة أو المنظمة لعنصر تأثير، يجعل منه بالضرورة موضوعا للتوظيف أو الاحتواء. لكن الإنسان الصحافي، بالمعنى النبيل للكلمة، شريك أساسي في عملية بناء الوعي لا تدنيسه، وبالتالي نرى فيه الكائن القادر على الجمع بين الجدية والبساطة، العلاقة الطبيعية بالناس في غياب الفرقعة المشهدية، الفعل المتميز غير المفتعل أو المسطح، خوض المغامرة المعرفية دون حدود والتواصل المباشر مع الناس دون وسائط أو قيود. الجمع بين مرتكزات الثقافة والقدرة المستمرة على الفعل الإبداعي، القلق الدائم للجمع بين الموضوعية والشفافية والأمانة من جهة وروح المتابعة والبحث والاكتشاف المتجدد من جهة ثانية. الإصرار على قواعد مهنية صارمة وروح تضيف للمرونة مسئولية شرف المهنة.. وهل من حليف للمناضل من أجل حقوق الإنسان والعمل الإنساني أكثر فاعلية وتكاملا من هذا الكائن الضروري للعمل والإبداع الحقوقيين؟

لا يمكن التواصل مع المجتمع باختزال قراءة الوجود البشري في المواثيق والإعلانات الحريصة على الكرامة الإنسانية، كذلك، لا تشكل هذه المواثيق موضوع إجماع شعبي عالمي. فما زال النقاش قائما، بعد ربع قرن من الزمن مثلا، حول “اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة” وانسجامها مع القيم والمعتقدات المحلية هنا أو هناك. وبالتالي ثمة رسالة مشتركة للصحافي والحقوقي تقوم على التعاون من أجل خلق ديناميات مشتركة للفعل الذهني عند الأشخاص والجماعات دون خوف ودون أحكام مسبقة. إن القدرة اليومية على تفعيل الحوار المجتمعي في قضايا تهم المصير الإنساني برمته، هو الرسالة التي يتقاسمها الصحافي والحقوقي ترجمة وصياغة وقدرة على التواصل بين مالكي أداة الفعل الإعلامي والقادرين على صنع الحدث الإعلامي.

 

أثناء تغطية أحداث زلزال باكستان وكشمير، نجح أكثر من صحفي في فتح ملف الحرب على الإرهاب ونتائجها الكارثية على العمل الإنساني والخيري في البلدان الإسلامية. كنا في “المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية” نناضل من أجل توجيه الأنظار لهذه المعضلة قبل وقوعها، وقد استعرضت “الجزيرة” في أكثر من برنامج الوجود المهدد للجمعيات الإنسانية في العالم الإسلامي. ليأتي التكامل بين الصحافي والعامل في الحقل الإنساني بأجمل صوره في حالة عيانية. حيث ظهرت للعيان النتائج الكارثية لما يعرف بالحرب على الإرهاب على جانب أساسي من جوانب بناء المجتمعات المدنية في العالم الإسلامي ومحور هام من محاور الاكتشاف اليومي للحقوق بالتعرف على المعاني العميقة لحق التضامن.

 

لكن، ومقابل هذه الصورة البناءة، ثمة صورة رمادية وأخرى أكثر سوادا يعكسها إعلام آخر بعيد عن شرف المهنة وقيمها. فكما أن للسلطة التنفيذية جنوحاتها وأمراضها، السلطة الرابعة أيضا لها عللها ومشاكلها وتجاوزاتها. وعندما تكون موضوع توظيف، يمكن القول أن قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة” تجعل منها واسطة رديئة في خدمة منظومات البؤس. وفي هذه الحالة، يشبه صحافي الخدمات قاضي التعليمات الذي يتخلى عن سلطته ليوظفها في خدمة سلطة أخرى مالية كانت أو سياسية. وليس بالإمكان دائما توضيح التخوم بوضوح بين الصحافة الناقدة والصحافة الانتقائية النقد، الصحافة المقاومة للاستبداد والصحافة التي تكتشف الخصائص المميزة والخلاقة لهذا المستبد أو ذاك. 

 

في المنعطفات الكبيرة في تاريخ الشعوب، يطوف على السطح الطابع النسبي لمفهوم القانون، فالانحرافات الخطيرة التي تعيشها البشرية في مرحلة تسمح لقطاعات واسعة منها بوعي هذه الانحرافات وبربريتها، تخلق حالة انعدام ثقة بفكرة طاعة القانون. لغياب الثقة بالظروف المستوجبة والحالات الداعية إلى..، بل وكل من شارك في الديباجة والتحرير والتصويت والتطبيل والتطبيق. في هذا الوضع الذي يمكن أن يكون تحت حالة حرب أو حالة حصار، يقف الصحفي والحقوقي على مسافة واحدة: كلاهما في الميدان، كلاهما بصلة مباشرة مع الوعي المباشر لمعنى القانون، كلاهما يلاحق آخر الخيط بين البناء المدني والعصيان المدني، وكلاهما يطرح السؤال على نفسه: متى يبرر بالقانون الخروج على القانون؟ فالصحفي الذي ينقل انتهاكا لحقوق الإنسان في ظل حالة طوارئ، ينشر صورا للتعذيب من مناطق ممنوعة، يكشف وجود سجون سرية، هذا الصحفي يتقمص دور الحقوقي باعتباره العنصر الأفضل للقيام بهذا الدور. لقد صدر عن عدة منظمات عربية ودولية تقارير عن التعذيب في العراق، إلا أننا كنا بحاجة لمجلة “النيويوركر” لتحّول الموضوع من مجرد تقارير محدودة الأثر والفعل إلى قضية أمريكية وعالمية. نفس هذه الصحيفة كانت قد أوفدت قبل أربعة عقود ونيف حنا أرندت لتغطية محاكمة آيخمان، وقد أعطى اختيارها (آيخمان في القدس)، الكتاب الإشكالية  بين إحدى أهم نساء القرن العشرين والحركة الصهيونية.

 

الأم الروحية لتشريح النظام التوتاليتاري ومنظمات حقوق الإنسان كلاهما كانا بحاجة للسلطة الرابعة في اللحظات الصعبة. ألم يشعر الرئيس الأمريكي بوش الابن بنفس الحاجة ولكن للتدمير لا للبناء، عندما كانت قواته تكرر مجزرة حماة في الفلوجة ولم يكن بحاجة لقناة “الجزيرة” لتلعب معه من جديد دور الشاهد على حروبه؟

 

(*) مفكر وحقوقي عربي، درس الطب والانثروبولوجيا، له أكثر من 30 مؤلفا بالعربية والفرنسية والإنجليزية منها موسوعة “الإمعان في حقوق الإنسان” و”مستقبل حقوق الإنسان” و”أبحاث نقدية في حقوق الإنسان”.  

محاضرة  لندوة “دور الصحافيين في نشر القيم الإنسانية” التي ينظمها الهلال الأحمر القطري في الدوحة في اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10/12/2005)


 

مفارقات المشهد الانتخابي في مصر

بقلم: فهمي هويدي (*)

 

الفوز الذي حققه الإخوان المسلمون في الانتخابات النيابية المصرية أثار أصداء عديدة في داخل مصر وخارجها، ترسم صورة مثيرة للمشهد الثقافي العربي، حافلة بالمفارقات والغرائب، ذلك أن الانتخابات أسفرت عن فوز الإخوان بثمانية وثمانين مقعداً في مجلس الشعب المصري (من بين 440 مقعداً)، وبالتالي فإنها أثبتت حضوراً غير مسبوق في المجلس، لم يتوافر لأي فصيل سياسي في مصر منذ خمسين عاماً، إلى جانب أننا إذا أضفنا حصة أحزاب المعارضة الأخرى فسنجد أن ربع أعضاء المجلس ينتمون للمعارضة، وهو ما يعني أننا سنكون بصدد مجلس نيابي قوي، لم تشهد مصر مثيلاً له منذ ثورة يوليو 52، وهو عنصر إيجابي يمكن التعويل عليه في كسر احتكار الحزب الحاكم وفي مسعى الإصلاحي السياسي، إلا أن الأمر لم يستقبل من جانب بعض المثقفين ومحترفي السياسة بما يستحقه من حماس أو حفاوة.. كيف؟

 

لم يقرأ الخبر بحسبانه تغييراً مهماً في موازين القوة داخل البرلمان، وفر للمعارضة صوتاً مسموعاً يتعذر تجاهله، رغم أن الأغلبية ما زالت محجوزة لصالح الحزب الوطني المهيمن منذ ربع قرن، وإنما تعامل معه البعض باعتباره مقدمة للانقلاب على النظام وتغييره، من ثم فإن هؤلاء لم يسألوا عما يمكن أن تقوم به المعارضة من خلال المجلس، في التعبير عن أشواق الناس وأملهم في الانفراج السياسي، وفي مواجهة مشكلاتهم الحياتية، وإنما عمدوا إلى طرح العديد من الأسئلة حول موقف «الحكم الجديد» من الأقباط والمرأة والمؤسسات المدنية والعلاقات مع الغرب… وصولاً إلى انفلونزا الطيور والسحابة السوداء والمسرح والسينما…إلخ.

 

لأنهم تجاهلوا حقيقة أن ما جرى لا يتجاوز كونه تطوراً جديداً في الأداء البرلماني من خلال مؤسسات النظام القائم، وصوروه بحسبانه إرهاصاً لإقامة نظام جديد، فإن ذلك كان مدخلاً للتلويح بما حدث في الجزائر وفي إيران ومع نظام طالبان في أفغانستان، والإشارة الصريحة إلى احتمال استنساخ تلك التجارب في مصر.

 

كان واضحاً أن إلقاء الأسئلة لم يكن يهدف إلى الاستفهام والاستيضاح، وإنما أريد به أن يستثير المخاوف وأن يشيع القلق بين الناس، ومن أسف أن ذلك الخطاب لم تعبر عنه بعض الأقلام والتعليقات في الصحف فحسب، وإنما تبنته أيضاً العديد من البرامج الحوارية من خلال قنوات الإعلام الرسمي، خصوصاً التلفزيون.

 

الطريف في الأمر أن الخطاب الإعلامي المضاد درج على وصف نجاح مرشحي الإخوان بأنه استيلاء أو انقضاض أو انتزاع، في حين وصف نجاح غيرهم من مرشحي الحزب الوطني بأنه فوز وكسب وتعبير عن ثقة الجماهير! وهي مفارقة لا تخفى دلالتها في التعبير عن التميز غير البريء

 

أيضاً كان مثيراً للانتباه أن نفراً من أولئك الذين تبنوا خطاب التخويف والتهويل، عرف عنهم أنهم من «الليبراليين» الذين ما برحوا يدعون إلى نزاهة الانتخابات وإطلاق الحريات العامة، ولكننا فوجئنا بتنديدهم بالنتائج حين أتت بغير ما يشتهون في ظل هامش محدود من الحرية، الأمر الذي وضعنا إزاء حالة من «الليبرالية الانتقائية»، التي يراد لها أن تأتي بـ«جماعتنا»، وذلك موقف عبثي في حقيقة الأمر، لا يختلف كثيراً عن موقف بعض الأنظمة التي ترحب بالتعددية السياسية ولا تمانع من إقامة كل «ديكورات» المشهد الديمقراطي، مشترطة شيئاً واحداً هو أن تظل قابضة على السلطة ومستمرة في مواقعها.

 

بالتوازي مع حملة التهويل من «خطورة» النجاح الذي حققه الإخوان، دأب البعض على التهوين من دلالة ذلك النجاح، عن طريق التشكيك في حجم ودوافع الذين صوتوا لهم، تارة قالوا إن الذين اشتركوا في التصويت حوالي خمسة ملايين شخص لا تزيد نسبتهم على 24% من جملة الذين يحملون البطاقات الانتخابية (32 مليوناً)، وهو ما يعني أن 76% من الكتلة التصويتية المصرية عزفت عن المساهمة في العملية الانتخابية، وفي تقديرهم أن الذين صوتوا للإخوان حوالي مليون شخص (الإخوان يقولون مليونين) وبنوا على ذلك أن الدعم الشعبي لهم محدود للغاية (يتجاهلون أن الحزب الوطني يحكم البلاد منذ ربع قرن مستنداً إلى نفس النسبة التصويتية الضعيفة ولم يطعن أحد في شرعيته).

 

ولمزيد من التهوين من شأن النجاح فإنهم أضافوا أن الذين صوتوا للإخوان لم يكونوا كلهم من مؤيديهم المنتمين إليهم، ولكن هناك كثيرين صوتوا لهم احتجاجاً على الحكومة وليس حباً في الإخوان، وهي حجة مقبولة نظرياً، لكنها ضعيفة إلى حد ما، لأنها تثير سؤالاً آخر هو: إذا كان هؤلاء يريدون أن يبعثوا برسالة احتجاج إلى الحكومة، فلماذا ذهبت أغلبيتهم إلى الإخوان، ولم يصوت أحد منهم لأحزاب المعارضة العشرة الأخرى التي شاركت في الانتخابات، وذلك لم يحدث، فهو دال على أن تصويتهم لصالح الإخوان كان محملاً بدوافع أخرى غير مجرد الاحتجاج على الحكومة.

 

الملاحظة المهمة في هذا الصدد أن حملة التعبئة المضادة التي اعتمدت أسلوب التجريح والتخويف أسفرت عن نتيجة معاكسة، فرفعت بصورة نسبية من شعبية الإخوان ولم تنفر الناس منهم، وفي حدود علمي فإن تقريراً أعد في أعقاب تشديد الحملة من خلال أحد البرامج التلفزيونية المستحدثة، كانت خلاصته أن «المشتمة» التي نصبها على مدى عدة أسابيع كانت خطأ سياسياً وإعلامياً فادحاً، لأنه بسببها اتجهت أبصار البعض صوب الإخوان، مما أدى إلى خسارة الحزب الوطني لأكثر من 25 مقعداً في مجلس الشعب (لا أعرف كيف قاسوها وحسبوها).

 

أما الملاحظة الأهم فهي ان الهجوم كان شديداً في حملة التعبئة المضادة على ظهور الدين في المشهد، سواء في فكرة رفع شعار الإسلام هو الحل، أو في مبدأ المزج بين الدين والسياسة، أو في استخدام الصفة الإسلامية في اسم حركة الإخوان التي طالبها البعض على شاشة التلفزيون بحذف كلمة «المسلمون»، بحجة أن في التسمية شبهة الاستئثار بالانتماء إلى الإسلام، وتجريد الآخرين من ذلك الانتماء (لم يقل أحد إن الحزب «الوطني» الحاكم يحتكر الوطنية وأن غير المنتمين إليه ليسوا وطنيين)، وإزاء تواتر الإشارات المعبرة عن تصاعد الحساسية إزاء مسألة الدين ورفض الاعتراف بأن تعاليم الإسلام تتضمن منظومة للقيم تغطي حياة المسلم كلها، في عباداته ومعاملاته وأخلاقه، فإن ذلك سلط ضوءاً قوياً على وجه آخر للمسألة كشف عن صلتها الوثيقة بالصراع العلماني الإسلامي، الذي يتمحور حول دور الدين في الحياة، وما إذا كان ينبغي أن يكون فاعلا في تأسيس المجتمع المدني الإسلامي، أم يتعين إقصاؤه أو تهميشه في المجتمع المسلم.

 

لم يخل الأمر من مفارقة، حيث وجدنا في نهاية المشهد الانتخابي اصطفافاً، بمقتضاه اجتمع دعاة احتكار السلطة مع غلاة العلمانيين الرافضين للإسلام مع محترفي السياسة الكارهين للإخوان، حيث وقفوا جميعاً على أرضية واحدة رافعين رايات الدفاع عن الليبرالية والدولة المدنية، وفي المقابل وقف مع الإخوان بعض العناصر الوطنية التي ضمت خليطاً من العلمانيين المعتدلين والليبراليين الحقيقيين، وقد رفعوا رايات الدعوة إلى الإصلاح السياسي بإلغاء قوانين الطوارئ وإطلاق الحريات ومكافحة الفساد…إلخ.

 

المشهد بمفارقاته المختلفة يعيد إلى الأذهان ما جرى في تركيا في عام 1970، حين سمحت الأجواء الديمقراطية في البلاد بتأسيس أول حزب سياسي إسلامي (حزب النظام الوطني) بقيادة نجم الدين أربكان، الأستاذ بجامعة استنبول، وهي الخطوة التي هيجت شرائح العلمانيين المتطرفين، فثارت ثورتهم وانطلقوا صائحين، محذرين من الخطر الذي يهدد الجمهورية الكمالية، رغم أن مؤسسي حزب النظام كانوا في منتهى الحذر، ولم يشيروا إلى الدين أو الإسلام بكلمة، ولكنهم فقط تحدثوا عن «الأخلاق العالية والفضائل السامية»، أدت التعبئة المضادة ـ ضمن أسباب أخرى ـ إلى قيام انقلاب عسكري في العام التالي مباشرة، ترتب عليه حل حزب النظام الوطني، ولكن عناصر الحزب استفادوا من الهامش الديمقراطي المتاح وأسسوا في عام 72 كياناً جديداً باسم «حزب السلامة الوطني»، الذي شارك في انتخابات عام 73، وحصل على 11.8% من أصوات الناخبين، الأمر الذي أهله للمشاركة في الحكومة الائتلافية التي شكلت في العام ذاته برئاسة يولندا جاويد، رئيس حزب الشعب، وكانت تلك أول مشاركة للإسلام السياسي ـ بلغة هذا الزمان ـ في السلطة، وهي المشاركة التي اتخذت صوراً عدة، لأن حزب السلامة جرى حله في أول انقلاب لاحق (عام 80) فشكل نجم الدين أربكان حزب «الرفاه»، الذي حقق نجاحاً كبيراً في انتخابات البلديات عام 94، ونجاحاً نسبياً في الانتخابات البرلمانية عام 95، وتحت ضغوط المؤسسة العسكرية استقال أربكان من رئاسة الحكومة، وأغلق الحزب في سنة 97، لكنه عاد إلى الظهور لاحقاً تحت اسم حزب «الفضيلة»، الذي لا يزال قائماً إلى الآن.

 

ما يعنينا في هذا الاستعراض أن الهامش الديمقراطي الذي أتيح في تركيا أكسب الإسلام السياسي خبرات تطورت منذ عام 1970، الأمر الذي أفرز في نهاية المطاف حزب العدالة والتنمية، الذي فاز في انتخابات عام 2002، وبات يضرب به المثل في الاعتدال الإسلامي.

 

إن السؤال الذي تطرحه هذه الخلفية هو: لماذا نتعجل الحكم واستباق الأشياء، ولا نصبر حتى يتعلم الجميع ويطوروا أفكارهم وخبراتهم، ولماذا نستدعي نموذج طالبان في أفغانستان ونتجاهل النموذج التركي الذي يمكن القياس عليه في مصر؟

 

سوف تختلف الإجابة لا ريب، باختلاف المجيب، وما إذا كان ليبرالياً حقيقياً أو ليبرالياً مغشوشاً.

 

(*) كاتب ومفكر من مصر

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)

 


 

ليس خوفا من الإخوان .. ولكنه البغض للإسلام!

أسامة أبو ارشيد (*)

 

من المفارقات أن يطالب البعض بتغريب الإسلام حتي في أرضه! قد يقول البعض أين؟ فأقول وبدون مواربة في: مصر. أين يريد أقل من 7% من سكانها، هم الأقباط، أن يحددوا للغالبية العظمي خياراتها وتوجهاتها. ولو أمكنهم لطالبوا أيضا بتغيير دين الأغلبية. وعلي كل حال فبعضهم اليوم يطالب بتغيير المادة الدستورية التي تنص علي أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام. ولكي أكون واضحا منذ البدء، فأنا عندما أقول الأقباط، لا أقصد الأقباط كطائفة دينية مسالمة ومتعايشة مع إخوانهم في التاريخ والأرض والمستقبل، وفوق ذلك متعايشة معهم علي أرضية المواطنة، ولكني أقصد هنا قلة متطرفة تريد اختطاف الحديث باسمهم.

فمع تصاعد نجاحات جماعة الإخوان المسلمين في مصر في العملية الانتخابية للبرلمان المصري، وذلك علي الرغم من كل البلطجة العلنية والتزوير الرسمي حتي بدون الرتوش هذه المرة، علا صراخ وعويل بعض مفكري ومثقفي الأقباط، الذين لم تعجبهم نتائج صناديق الاقتراع، في ذات الوقت الذي يتباكون فيه علي حقوق المواطنة وغياب المساواة وخنق الحريات، فإذا بهم الآن يريدون أن يحرموا جماعة يبلغ تعداد أعضائها ومؤيديها تعداد أعضاء الطائفة القبطية كلها في مصر، بل وفي العالم بأجمعه.. يريدون أن يحرموهم من مواطنتهم وحرياتهم وحقهم في المساواة في بلدهم.

فهذا ميلاد حنا، أحد رموز الأقباط في مصر يعبر عن مخاوفه عقب الصعود السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية. قائلا: أنا أدق ناقوس الخطر لأحذر المصريين من أنه إذا ما تسلم الإخوان المسلمون السلطة، فإن مصر ستصبح دولة إسلامية مثل إيران والسودان . يحذر الشعب المصري من أن يٌحَكِمَ دينه في بلاده!؟ ورغم أن هذا التحذير مبالغ فيه وله أهداف أخري إلا أن السؤال يبقي: وماذا في ذلك إذا كان هذا خيار غالبية الشعب!؟ أتري كان الأقباط سيعارضون أن تتحول مصر إلي دولة قبطية لو اختار الشعب المصري ذلك! أقولها بالفم الملآن: كلا! بل إنه لو أتيح لهم الأمر لسطوا علي مصر كلها وانتهكوا حقوق المسلمين فيها، مدعين أن مصر في الأصل بلادهم. ولمن يظن أن هذه مبالغة مني أدعوه إلي زيارة مواقعهم علي الإنترنت ليري بعينيه كيف أنهم يعتبرون مصر لهم، اختطفها المسلمون بحد السيف بعد أن أعملوه في رقاب أهلها من الأقباط! ولا يتوقف حنا عند هذا الحد، وذلك حين يحذر في اليوم الذي يفوز فيه الإخوان المسلمون بأكثر من 50 في المئة من المقاعد، فإن الأقباط الأغنياء سيغادرون البلاد وسيبقي الأقباط الأفقر، وربما يغير بعضهم دينه. وأتمني أن أموت قبل أن يأتي هذا اليوم . هذا الكلام المنفعل والمبالغ فيه، هو كلام رجل كان قريبا من الإخوان وكان يحضر اجتماعاتهم. ولو كان المسلمون ـ كما يزعم ـ يرغمون الأقليات في بلادهم علي دخول الإسلام عنوة لما كان هناك قبطي واحد في مصر اليوم. وواضح جدا أن غضب الرجل ليس علي الإخوان فحسب، بل هو كذلك علي الدين الذين يحملونه، وهذا واضح من تحذيره من دولة دينية ، وذلك علي الرغم من أن الإسلام ليس مسيحية ولا يهودية، ولا يعرف مفهوم الدولة الدينية، والدليل علي ذلك تاريخ الدولة الإسلامية الممتد منذ وفاة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وحتي سقوط الخلافة العثمانية مطلع القرن الماضي مع استثناءات قليلة، مثلت بذاتها خروجا عن منظومة الإسلام القيمية. أنا لا أقول هنا أن الإخوان يمثلون الإسلام. هم جماعة من المسلمين، يصيبون ويخطئون في اجتهاداتهم، وكاتب هذه السطور لا يؤمن بكل فكرة إخوانية، بل حتي بكثير منها، ولا أظن أن الإخوان يطالبون أحدا بذلك، فالإسلام أكبر من الإخوان، وهو يتسع للجميع. هذه أفكار مؤسسهم، وهذه هي الأفكار التي تحيي عليها هذه الجماعة منذ تأسيسها، وليس أدل علي ذلك أنها رفضت تبني أطروحة الشهيد سيد قطب فيما يتعلق بجاهلية المسلمين، وكان أن رد عليها المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي، رحمه الله، بنفسه في كتابه دعاة لا قضاة .

لقد تناقلت وكالات الأنباء أخبارا جاء فيها أن الإخوان انسحبوا من بعض الدوائر الانتخابية لتمكين بعض مرشحي الأقباط من الفوز، كما أنهم دعموا أقباطا آخرين في هذه الانتخابات. وانتشرت تصريحات مبالغ فيها لقيادات الإخوان كالفطر في وسائل الإعلام لطمئنة الأقباط علي مستقبلهم.. أنا لا أفهم طمئنتهم عن ماذا وبماذا ولماذا؟ فهل وصل الإخوان إلي الحكم ليطمئنوا الآخرين علي حقوقهم!؟ أصلا هل يستطيع الإخوان أن يضمنوا حقوقهم في مصر!؟ لقد زور الحزب الحاكم ضدهم واعتقلهم وعذبهم ومنعهم من تشكيل حزب، بل وحتي من العيش بكرامة، وهم رغم ذلك كله لا يستطيعون فعلا ولا حتي قولا. فلماذا مطلوب منهم أن يطمئنوا الآخرين وهم أقصي ما يطمحون إليه من هذه الانتخابات تحقيق نسبة الثلث في البرلمان جراء التزوير!؟ إذا ما كان من أحد بحاجة إلي التطمين في مصر، فهم الإخوان أولا.

مؤرخ قبطي آخر، هو الدكتور يونان لبيب رزق، يحذر من تحول الإخوان إلي ميليشيات عسكرية، أو ما يسميه أصحاب القمصان السوداء ، تجر الوطن إلي مستقبل مظلم. ولا يتوقف عند هذا الحد، بل يصر علي ترسيخ فكرة أن الأقباط يرون المشكلة في عقيدة الإخوان لا تنظيم الإخوان. فعند سؤاله: ألا يكفي لتبديد هذا القلق تطمينات قيادات الإخوان المتتالية عن تمسكهم بالدولة المدنية في حال وصولهم إلي الحكم؟ رد قائلا: أشك في ذلك. بنية الإخوان نفسها بنية دينية، فكيف يدعي الذين يعتنقونها أنهم سيقيمون دولة مدنية .. مستطردا: لو تابعت ما يحدث علي الساحة ستجد أن أنصار الإخوان كانوا يهتفون طوال الوقت هتافات دينية ويراهنون علي الدين، فهل من المعقول أن يستبعدوه من الحكم بعد ذلك ليخسروا أنصارهم وأنفسهم وتاريخهم . مشيرا: إلي أنه لا يجد تغييرا في توجهات الإخوان رغم أن هناك من يقول إنهم غيروها في السنوات الأخيرة.. فلو تابعت المظاهرات والهتافات وما يحدث فيها، ورفع شعار الإسلام هو الحل، لن تجد تغييرا في التوجهات أو شيئا من ذلك، وإنما هو مجرد كلام فقط حتي يتم لهم التمكين أو التمكن. لا توجد تاريخيا جماعة دينية وصلت إلي الحكم وأقامت حكما مدنيا . إذن المشكلة مع شعار الإسلام هو الحل .. المشكلة كما يراها أولئك مع عقيدة الغالبية العظمي من شعب مصر. ولو كان النقد موجها إلي فضفاضية الشعار علي حساب البرامج العملية أو الحلول الفكرية لكان الأمر مفهوما، ولكنه موجه مباشرة إلي مضمون الشعار، الذي يري فيه أولئك أن الإسلام مصدر خطر.

يبدو أن بعض أقباط مصر والمهجر قد وصلوا إلي قناعة مفادها، أن الإسلام اليوم يتعرض لحرب عالمية شعواء، فالكل ضده، حتي أنظمة العالم الإسلامي تتحدث اليوم عن الإسلام وكأنه متهم، وفي هذا السياق تندرج القمة الإسلامية الاستثنائية المنعقدة قي مكة المكرمة (6 ـ 12 ـ 2005)، التي انطلقت من افتراض وجود خلل في المنظومة الإسلامية، تتمثل في الفكر المنحرف و الضال و المتطرف ، الذي أوصل إلي التخلف ، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن أسباب وجود هذا الفكر ودورهم في إيجاده وتوفير البيئة المناسبة له وقيادتهم هم أنفسهم أصلا لواقع التخلف . هذا فضلا عن الهجوم البذيء علي الإسلام من الخارج بل ومن أنظمة تحكم في العالم الإسلامي. دع عنك تلك الأقليات الفكرية والعلمانية التي تدعي الليبرالية، وهي في حقيقتها ليست بأكثر من ميليشيات فكرية حاقدة علي الإسلام. ولا ننسي هنا دور بعض الأقليات التي أصبحت جهارا نهارا تسيء للإسلام ولا من رادع لهم. وبما أن حال العالم الإسلامي كذلك، فإن بعض أقباط مصر والمهجر يرون فيها فرصة سانحة لهم لكي يكونوا حصان طروادة، الذي يؤمن تسلل التدخل الأجنبي إلي العالم الإسلامي ليفتته أكثر مما هو مفتت وليأتي بأقليات لتحكم الأغلبية وتدوس عليها، وتقيم دكتاتورية الأقلية . ولذلك أعود وأشدد أن المشكلة بالنسبة لهم لا تكمن في نجاح الإخوان في مصر، كلا.. إنهم يستغلون بعض التقدم المقنن للإخوان بالتزوير و البلطجة لكي يجلبوا التدخل الأجنبي بذريعة حمايتهم من السحق القادم المزعوم.

ليس الأقباط بحاجة إلي تطمينات الإخوان، فالإسلام نفسه يطمئنهم ويحمي حقوقهم شاء المسلمون أم أبوا. هم مواطنون، علي قدم المساواة مع المسلمين، وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم الدينية والسياسية والفكرية محمية بأمر هذا الدين. أحسب أن غالبية الأقباط يفهمون ذلك ويقرون بسماحة الإسلام، ولكن قلة منهم تريد اختطاف دينهم وقيادتهم إلي صدام دموي مع إخوانهم المسلمين في بلادهم. مرة ثانية ما يحمي الأقباط هو الإسلام وسماحته، وما يحمي مواطنة الأقباط هو الإسلام، وليس غيره. ولو لم يكن الأمر لسماحة الإسلام ورحابته وسعته لكان الغضب من سوء أفعالهم قد تفجر في وجوههم، ولكنه الإسلام وحده الذي يضبط كل مكنونات الغضب ونزواته. كنت أشرت في مقال سابق أن بعض الأقباط يشيرون إلي القرآن الكريم علي أنه أخطر كتاب عرفه تاريخ البشرية. طبعا هم يقصدون الإساءة لا المديح في هذا السياق. ولكنهم يتغافلون عن أن كلمات ثلاث في هذا الكتاب، الذي يغيظهم ويكرهونه، هي من تضمن سلامتهم وأعراضهم وحقوقهم في عالم الإسلام، حتي ولو كان خصمهم مسلما.. حتي ولو كان الغضب منهم قد بلغ كل أوجه. هذه الكلمات الثلاث هي: البر والقسط والعدل. لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة: 8). وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَي أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي (المائدة: 8). وكما أننا لا نطالب بأن تحكم أقلية من المسلمين بلادا غالبيتها من غير المسلمين، فهم أيضا مطالبون بأن يحترموا رأي الغالبية. تري هل تسيء الأقلية الضخمة من مسلمي الهند إلي عقائد الغالبية هناك؟ هذا علي الرغم من أن أعدادهم تتجاوز 150 مليون إنسان لا خمس أو سبع ملايين فقط. وتخيل لو أن المسلمين أو اليهود في أمريكا طالبوا بأن يتم حظر التيارات المسيحية، حتي اليمينية منها، ماذا كان سيترتب علي هذا الأمر!؟ هذا واقع الحياة: الأغلبية تحكم في أرضها، والأقلية تعمل علي صون حقوقها وتتفهم حساسيات الأغلبية، كما أن الأغلبية مطلوب منها ضمان حقوق الأقلية وتفهم خصوصياتها. هذا ما نطالب به في أمريكا ونعيشه نسبيا، ومع ذلك تطالب بعض مؤسسات الأقباط هنا بإبعاد المسلمين عن أمريكا، لأنهم ببساطة ينتمون إلي دين إرهابي معاد للمسيحية كما تزعم مواقعهم الإلكترونية الهابطة، وذلك في ذات الوقت الذي يريدون فيه تجريد الغالبية العظمي من الشعب المصري من هويته ودينه بحجة أنه يهدد حقوقهم!.

إلي الآن لم يعتذر البابا شنودة عن المسرحية المسيئة بحق الإسلام، والتي عرضت في إحدي كنائس الأقباط في الإسكندرية، وتبث الآن علي مواقع للأقباط علي الإنترنت إمعانا في الإساءة والتحدي. وفي الوقت الذي ما زال فيه بعض المسلمين المصريين من الذين حاصروا الكنيسة غضبا وحمية، قابعون في السجون، نجد أولئك الذين أعدوا هذه المسرحية يصولون ويجولون في شوارع مصر بحرية وأمان. وفي حين يقبع مئات الإخوان ـ الذين يدعي بعض الأقباط خوفهم منهم ـ في السجون لا لشيء إلا لأنهم مارسوا حقهم الإنساني والمواطنيّ بالترشيح والترشح والتصويت، يطالب بعض الأقباط بتدخل أجنبي في مصر وهم لا يخشون طرقة علي أبوابهم من رجال البوليس السياسي المصري. عندما اشتبك بعض الشباب المصري القبطي الغاضب، قبل عام من الآن، مع الأمن المصري بعد فتنة إعلان إسلام زوجة أحد كهنة كنيسة أبي المطامير بمحافظة البحيرة، وأوقعوا إصابات في صفوف الأمن، لم يلبث أولئك الذين اعتقلوا منهم في السجن أياما حتي خرجوا، وذلك بعد أن اعتكف البابا شنودة وأصر علي عدم دخول القاهرة وإلقاء عظته الأسبوعية قبل الإفراج عن من وصفهم بـ: أولادي . تري لو فعل هذا شيخ الأزهر الدكتور سيد الطنطاوي أو مرشد الإخوان محمد مهدي عاكف أكان النظام أخرج: أولادهم من السجن!؟ كلا! الكل يعلم أنهم كانوا سيلحقون بـ أولادهم ، في غياهب السجون. بل أبعد من ذلك، ففي حين سارع الأمن المصري إلي تسليم زوجة ذلك القسيس (وغيرها أخريات) التي اختارت الإسلام راضية راغبة إلي الكنيسة لمحاولة ثنيها عن الإسلام ـ بالمناسبة اختفت أخبارها منذ ذلك الحين ـ صدرت حديثا تصريحات عديدة من مسؤولين مصريين، وعلي رأسهم شيخ الأزهر طنطاوي، تؤكد أن طلب هؤلاء المسيحيات إشهار إسلامهن جري رفضه، لأن القانون والعرف المصري وضع قيودا عديدة علي إشهار إسلام غير المسلمين. وبعد ذلك كله يتكلم الأقباط عن تمييز ديني تمارسه أجهزة الدولة ضدهم. إذن، القضية هنا ليست الخوف من نجاحات الإخوان النسبية في الانتخابات والتي لا تعكس وزنهم الحقيقي، بقدر ما هي الكراهية للإسلام، واستدعاءً للأجنبي لسحق الأغلبية لصالح أقلية قليلة لا تتعدي الخمسة بالمائة وإن ادعت السبعة أو العشرة بالمئة.

وأختم بهذا: كنت في المقال الماضي حذرت من الفوضي القادمة في منطقة الشرق الأوسط. وشخصيا أؤمن أنها مسألة وقت. وأضيف أن واحدا من أهم الأسباب التي ستقود إليها ـ لا سمح الله ـ هو هذا المستوي غير المسبوق من الهجوم البذيء علي الإسلام، سواء من الداخل أم من الخارج دون أن يتحرك أحد للدفاع عنه. إننا نسير بخطوات متسارعة إلي حدود حرب حضارية، بل وحتي عقيدية، ولكنها ليست مقصورة علي ما تصوره الأكاديمي الأمريكي صموئيل هنتغتون من صراع بين حضارات وعقائد مختلفة، بل إنها ستشمل أيضا صراعا مريرا آخر، قد يكون دمويا، داخل العالم العربي والإسلامي ضد تلك الأقلية، مدعية الليبرالية، التي لا تفهم من الليبرالية إلا التطاول علي مقدسات ومعتقدات أمة متماهية مع دينها، ولكنها عند تمكنها من الحكم تمارس الديكتاتورية والقمع والفساد بإسم هذه الليبرالية المدعاة، هذا طرف أول. أما الطرف الثاني الذي سيشمله هذا الصراع المرير فهم بعض الأقليات، الدينية أو المذهبية أو العرقية، التي تريد أن تستغل واقع العالم الإسلامي الهش وضعف الإسلام السني اليوم لتصفية ثارات تاريخية… ثارات لن ينجحوا في كل الأحوال في حسمها لصالحهم، وذلك في حال نكأوا جراحات الماضي. إنها صرخة نذير.. إننا نسير نحو صدام دموي، ولن يوقفه إلا تعـــــقل الجميع واحترام الإسلام في أرضه، كما احترام الأقليات وضمان حرياتها ومواطنتها ضمن النظام العام، وهذا لن يتم قبل ضمان حقوق الغالبية وترسيخ مواطنتها أولا.

 

(*) كاتب ومحلل سياسي مقيم في واشنطن

(المصدر: صحيفة “القدس العربي” الصادرة يوم 14 ديسمبر 2005)


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

20 octobre 2010

Home – Accueil TUNISNEWS 10 ème année, N° 3802 du 20.10.2010  archives : www.tunisnews.net  Reporters sans frontières: Classement mondial de

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.