TUNISNEWS
6 ème année, N° 2169 du 30.04.2006
قناة الحوار تستعيد البثّ ابتداء من الأحد المقبل 7 ماي 2006 عريضة تضامن مع الصحفي التونسي المضرب عن الطعام سليم بوخذير الموقف: محاصرة مقر “الديمقراطي” بالعاصمة محمد الهادي التواتي: قـيـادة التـّصحيح والهـروب بـعيـد الأعياد 1 مـاي مــن العـمـّـال علي شرطاني: دفاعا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (2 من 3) الحبيب ابو وليد المكني: بعد متابعة برنامج ملفات أي مفهوم للمجتمع المدني يراد لتونس ؟ رشيد خشانة: المسلك الإستئصالي أم الحواري أنجع للتعامل مع الإسلام السياسي؟ مسعود الرمضاني: غياب الديمقراطية يعمّق التبعية للخارج الطيب السماتي: وطني في أمس الحاجة إلى رجال محمد العروسي الهاني: تعقيبا على مقال عمر الماجري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي
جمال الدين أحمد الفرحاوي: لاريانة عبق لا يشيخ أم مـعاذ : كيف السبيل إليك…؟ سويس إنفو: المستشار هشام البسطويسي “القضاة آخر مسمار في نعش الديمقراطية”
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
قناة الحوار تستعيد البثّ ابتداء من الأحد المقبل 7 ماي 2006
عريضة تضامن مع الصحفي التونسي المضرب عن الطعام سليم بوخذير
شهرزاد عكاشة تتعرض لمزيد من الضغوط
تلقت الزميلة شهرزاد حكما قضائيا استعجاليا يطا لبها باخلاء محل السكني والقرار الصادر تحت عدد43119 حمله لهه لها وبصفة استعجلية ايضا العدل المنقذ وذلك بغير ما اعتدناه من تباطئ في القضاء القضية الصادرة ضد عكاشة بدعوي عدم الخلاص وقي هذا الوقت تتنزل في اطار الضغوطات التي تزايدت منذ شروعها قي اضراب الجوع ——————————–
محاصرة مقر “الديمقراطي” بالعاصمة
1 ماي 2006
قـيـادة التـّـصـحـيـح
والهـروب بـعـيـد الأعـيـاد 1 مـاي
مــن العـمـّـال
محمد الهادي التواتي
عيد الشغل هو عيد العمال بالفكر والساعد، عيد يرمز إلى نضالات وتضحيات الشغالين من أجل التحرّر والإنعتاق من قيود الذل والهوان المفروضة عليهم من طرف البرجوازيّة وحلفائها الماكرين هذه البرجوازيّة التي تطوّرت وظهرت اليوم بعباءة العولمة والشركات العابرة للقارات دون قيد ولا شرط لتلتف على المكاسب المنجزة منذ 1 ماي 1886 إلى يومنا هذا.
تاريخ الحركة النقابيّة مليء بالمحطات النضاليّة المشرقة ولكن ذكرى 1 ماي 1886 لها دلالاتها الخاصّة المرتبطة بالنقلة النوعيّة التي حدثت سنـ1886ـة في الحياة المهنية للشغالين. وبالرّجوع إلى تاريخ هذه المحطة يمكننا الوقوف على الدروس والعبر والنتائج التي افتقدتها الذاكرة والوعي النقابي نتيجة النسيان واللامبالات والتهميش المتعمد من طرف دعاة التصحيح والتجديد.
التاريخ في ظاهره قصص وفي باطنه تدقيق وتمحيص وموعظة. فاليتعظ من له ضمير حي وليواصل الآخرون تصرّفاتهم المخلة بالمبادي والقيم التي ضحى من أجلها أبناء نضالات وتضحيات 1 ماي 1886 أمثال محمد علي الحامي وفرحات حشاد في انتظار الحساب العسير الذي ينتظر من خان أمانة العمال !
في بداية السبعينات – الفترة التي عايشناها- كانت الاحتفالات بعيد الشغل تلقائيّة وفي حجم نظالات الرواد وتضحياتهم. كانت حقيقة عيدا بأتمّ معنى الكلمة. تظاهرة تنطلق من بطحاء محمد علي تجوب شوارع العاصمة – (عربات رمزيّة خاصة بالجامعات المهنيّة، عمال بأزياء العمل، لافتات، شعارات، أناشيد وطنيّة الخ…) – يشارك فيها وفود من كل الجهات تختم باجتماع جماهيري حاشد يعقد في “قنبطة” (Gambetta) أوبورصة الشغل يستخلص فيه عديد المناضلين الدروس والعبر من نضالات الأوائل الأبرار وتضحياتهم، دروس وعبر تشحن النفوس وتقوي العزائم وتدفع نحو النضال في سبيل مصالح الشغالين والبلاد.
واليوم ماذا نرى وماذا يمكننا أن نستنتج حين تعمد “قيادة التصحيح” إلى عقد اجتماع يتيم في أقصى الجنوب الغربي – (تـوزر)- للتظاهر بالاحتفال وبطريقتها الإقصائيّة بعيد الأعيـاد ؟
? أليس من حقنا والحالة تلك أن نتهمها بالتقصير وباعتماد التهميش لنضالات الطبقة الشغلية ؟
? أليس من حقنا أن ننعت تصرفات هذه “القيـادة” بالهروب من القواعد ومن الواقع الذي يسم وضع المنظمة وهل يمكن مواصلة الهروب من هذا الواقع المتردي إلى ما لانهـايـة لـه ؟
? أليس من حقنا وواجبنا أن نتسائل عن الأسباب التي تجعل “قيـادة التصحيـح” تخشى الحضور المكثف للعمال وتسعى إلى حصر هذا الحضور في أصحاب المنح والسيارات الاداريّـة ؟
? أليس من حقنا محاسبة هذه “القيـادة” المنبثقة عن مؤتمر جزيرة الأحلام والأوهام على حرمان مئات العمال والعاملات من حضور هذه التظاهرة للتعبير عن همومهم وليحتفلوا بعيد الأعياد مثل بقيّة عمال العالم؟
? ما ضرّ لو رفعت شعارات تدين العولمة ورموزها وتنقد “قيـادة التصحيح” وتدين احتلال فلسطين والعراق وأفغانستان وتنادي بالاستقلاليّة وبحرية الصحافة والحريات العامّة والفردية،…
أليست هذه الديمقراطيّة التي تنادي بها “قيـادة التصحيـح” ؟
? كيف يمكن قراءة الشعارات التي ترفعها “قيـادة التصحيـح” في ظل ما تأتيه هذه “القيـادة” على أرض الواقع من أفعال منافية لهذه الشعـارات ؟
? لماذا تواصل هذه “القيـادة” اعتماد الخطاب المزدوج في عصر الأقمار الاصتناعيّة والذرّة والانترنات، هل هذا راجع لجهلها أم هو استخفاف بالقواعد العماليّة ؟
? لماذا هذا الهروب بالتظاهرات والتجمعات من العاصمة – (المؤتمر الاستثنائي في جربة، المجلس الوطني في طبرقة، 01 ماي 2006 في توزر وبعد…) – هل هو الخوف من سماع أصوات الحق أو الاعتراف بالذنب ؟
لقد سبق وكشفنا استغلال هذه “القيـادة” لمختلف المحطات النضاليّة – (ذكرى تأسيس الاتحاد، ذكرى اغتيال حشاد، ذكرى وفات محمد علي،…) – للتباهي بخصال الرواد ونضالاتهم دون الاتيان بمثلها على أرض الواقـع.
ماذا تبقى لها لتغطي فشلها ؟ لا شيء يذكر إلاّ التمادي في الخطأ المفضوح ومواصلة التضليل باختلاق البدع للتغرير بمن يرومون ويقبلون درع “بوشكارة” واهمين اللحاق بقائمة المناضلين والرواد وهم منهم بـراء.
التاريخ شاهد على ما تعيشه المنظمة من تدهور مستمرّ وتهميش وتدجين وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه كل من اقترف ذنبا في حق هذه المنظمة والشغالين والبلاد. والشاهد والحاكم والمقتصّ سيبقى دون شك ورغم مكر الماكرين ذلك العامل المقصى عن المشاركة في حياة المنظمـة.
كم نحن الشغالين اليوم في حاجة إلى 1 ماي جديد ليعصف بعقليّة الاستهلاك المستوردة والمتفشية في نفوس هذه القيادة البيرقراطيّة التي تناست تماما المبادي والقيم !
عاش الاتحاد حرّا مستقلاّ مناضلا في سبيل البلاد والشغالين والحق
والمبادي والقيم التي لا تفنى رغم ثقافة الكوبي (Cow-boy)
محمد الهادي التواتي
أمين عام مساعد للاتحاد سابقا
بسم الله الرحمن الرحيم دفاعا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (2 من 3)
–الصعوبة الثانية: وهي صعوبة الضرار:
وهي التي انتهت بإلقاء السلطة بالرابطة جانبا وإنهاء أي علاقة معها و بها، وهي التي انتقلت رئاستها من الأستاذ سعد الدين الزمر لي إلى نائبه الأول الأستاذ “الوزير كان” محمد الشرفي، وهو الذي يعلم الكل أنه من أكبر رموز التطرف اللائكي اليساري الماركسي، وأشدهم شراسة وأكثرهم أصولية. وهي المرحلة التي انتهت فيها مكونات المجتمع المدني من تطهير الرابطة من مناضلي حزب الدستور ومن العناصر الأشد ولاء للسلطة، تأكيدا لاستقلالية المنظمة بما تعنيه الإستقلالية من إنهاء أي علاقة للنظام بمثل هذه المنظمات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وأي دور له في إدارتها أو توجيهها و التأثير فيها أو عليها.
وإذا كان معنى الإستقلالية لهذا الحد صحيحا، فإن الأساس الخامس العام للمبادئ العامة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الواردة بالنظام الداخلي المصادق عليه من طرف المؤتمر الوطني الثاني يؤكد كذلك على ضرورة أن تكون الرابطة “مستقلة عن جميع الحكومات والأحزاب السياسية”. وإذا كان إقصاء الحزب الحاكم مطلوبا قانونا ، فليس ذلك لأنه حزب سياسي فقط ، ولكن لأنه هو الدولة وهو الحكومة، وهو الذي يختزل كل ذلك في شخص الرئيس الحبيب بورقيبة الذي كان في ذلك الوقت وفي الأوقات السابقة واللاحقة له هو كل ذلك كذلك ،بالإضافة إلى الشعب والوطن. وإن احتواء اليسار الماركسي لها وافتكاكها والعمل من خلالها على إقصاء وتهميش كل من سواه، مع المحافظة التكتيكية على بعض العناصر المختلفة الحساسيات السياسية والفكرية معه فيها بما لا يكون قد أحالها به إلى حزب سياسي يساري ماركسي لينيني لا يتفق كذلك مع معنى الإستقلالية الوارد بالنظام الداخلي المشار إليه سالفا، وإن كان الماركسيون ليسوا حزبا سياسيا في ذلك الوقت، لاسيما وأن نشاطهم فيها وتسللهم إليها كان قد بدأ منذ سنة 1982 ،وهي السنة التي ما إن ألقي فيها القبض على قيادات حركة الإتجاه الإسلامي في ذلك الوقت بعد الكشف عن سرية التنظيم فيها وتمت محاكمتهم، حتى أعاد بورقيبة للحزب الشيوعي التونسي الإعتبار، بمنحه تأشيرة للنشاط السياسي العلني القانوني بالبلاد بعد أن كان قد حضره وحضر نشاطه السياسي بتعلة“تناقض عقيدته مع عقيدة الأمة“ منذ سنة 1962، أي بعد 6 سنوات من النشاط الشرعي، بعد تسليم الإحتلال الفرنسي مقاليد الحكم بالبلاد للإستبداد في 20مارس 1956. وإذا كان من حق عناصر اليسار الماركسي التواجد بالرابطة رغم عدم إيمانها بحقوق الإنسان ورفضها المبدئي لها، فإن وجودها الإنتهازي فيها لا يعطيها الحق في احتكار أطرها وهياكلها ومنابرها، والعمل على إنهاء وجود الآخر المخالف لها فيها وإقصائه وتهميشه ،حتى حين يكون هذا الآخر المخالف مواليا للسلطة ولكنه يحمي حقوق الإنسان ويدافع عنها ،وقابلا بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومحترما لقانون الرابطة الأساسي ولقانونها الداخلي ،وملتزما بقراراتها. وهي التي لها تنظيماتها ومنظماتها السرية والعلنية التي تعبر من خلالها عن نفسها ،وتضغط بها على النظام لإجباره على التسليم لها بما تصبح قادرة به على افتكاكه من حقوق. حتى جاء الإسلاميون الذين لولا وجودهم، ولولا قدرتهم على استقطاب الرأي العام والشارع التونسي، وقدرتهم على الإنتشار وكسب التأييد الشعبي لهم رغم الضربات والمحاصرة والمطاردة المستمرة، ما كان لنظام بورقيبة وحزب الدستور عدو الأمس بالنسبة لهم والذي أصبح الصديق وحليف اليوم ليسلم لهم بالوجود والإعتراف القانوني. لقد أصبحت الرابطة بالنسبة لليسار الماركسي خاصة في ظل عدم وجود أطر قانونية خاصة بهم يزاولون من خلالها نشاطهم السياسي ويعبرون من خلالها عن آرائهم ومواقفهم وعن ذواتهم إطارا سياسيا. وبذريعة المحافظة على استقلاليتها لتصفية الحسابات مع العناصر الموالية للسلطة، وفي النهاية لكل من يخالفهم الرأي. وبهذه العقلية وفي ذلك الواقع ومن خلال إيمان بنخبوية العمل الحقوقي والإنساني والثقافة الحقوقية أخذت هذه العناصر في تضييق دائرة الإنخراطات وبعث الفروع، بما يجعلها تحت السيطرة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. فكانت الأطراف الأكثر استهدافا من طرفها هي العناصر الموالية للسلطة باسم الإستقلالية، والإسلاميين باسم عدائهم بحسم زعمهم وأوهامهم “سفها من عند أنفسهم” للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولنا في قرار الهيئة المديرة بتجميد فرع قفصة ثم حله لاحقا خير دليل على ذلك. وفي واقع استمرار الصراع بين النظام والمجتمع المدني، وتواصل علاقة التوتر بين الدستوريين وجماعات اليسار الماركسي رغم الإعتراف القانوني لهم بأقدم إطار سياسي كان يجمع بين الكثير من أفرادها وعناصرها ومناضليها الذين منهم من بقي على الوفاء للحزب الشيوعي التونسي، ومنهم من لاذ بالإستقلالية عن التنظيمات السرية ،ومنهم من اختار الإنتظام في خلايا جديدة ناشئة وجماعات أخرى مختلفة، ليواصل كل من موقعه إقصاء الآخر المخالف حتى حين القدرة عليه لاستئصاله وتصفيته، مستفيدا من العنف الثوري الأداة الأفضل في ثقافة الصراع السياسي من المنظور الماركسي لإنهاء الصراع الطبقي وفرض الدكتاتورية. هذا العنف الذي لا سبيل في الفكر الماركسي وعند المناضل اليساري الثوري الأصولي للطبقة العاملة (البروليتاريا) للسيطرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدونه.على قاعدة أن الثوري الحقيقي “غير مطالب دائما باحترام الديمقراطية وغير مطالب باحترام حق الإختلاف فمن لا يشاطرونه الرأي هم تحت طائلة أحدى أوجه (الوعي الزائف) من نقابوية تحريفية ونزعة تخريبية وخيانة وعمالة وتواطئ مع السلطة وتذيل لها“1 على حد رأي بعض تلامذة القرامطة الجدد من اليسار الماركسي في فترة حكمهم للبلاد من خلال الرئيس بن علي والحزب الدستوري واعتزام الجميع إقامة نظام ديمقراطي من خلال تجمع اليمين الدستوري واليسار الماركسي والقومي العربي في ما سمي التجمع الدستوري الديمقراطي ،بعد الهجمة الشرسة التي شنتها أطراف التحالف المكون لنظام 7نوفمبر الرهيب ضد الشعب بذريعة القضاء على “أعداء” الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من الإسلاميين بالبلاد.
وأمام حرص الرابطة على استقلاليتها، وحرص اليسار الماركسي على الهيمنة عليها دون احتكارها والإستيلاء عليها بالكامل، ولكن ليكون له النفوذ الأكبر ولتتم له السيطرة على القرار فيها وإدارة أنشطتها وإخضاعها لثقافته، وحرص النظام على أن يظل له ليس أقل من موطئ قدم فيها، فضلا على أن تكون له السيطرة عليها كليا أو جزئيا تماما كما يريد ويفعل اليسار الماركسي، بحكم ما كان يتفق ويلتقي فيه بعضهم مع بعض وما يؤمنون به من ثقافة الإقصاء والإفتكاك والإحتواء والسيطرة.
وقد أصبحت الرابطة في هذه المرحلة موضوع صراع بين نظام الحزب الدستوري الإشتراكي البورقيبي وبين
ثقل اليسار الماركسي المعزز بمختلف عناصر الطيف الثقافي والسياسي والإجتماعي فيها. وفي الوقت الذي لم يكن للحزب الدستوري قواعد مهتمة بقضايا حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، وهي الفاقدة – في ظل الهيمنة المطلقة للزعيم الأوحد على كل شيء – لحرية المبادرة، ظل عدد المنخرطين في الرابطة إن وجد ضعيفا جدا لا يمكن أن يكون للعناصر الموالية للنظام به وزنا يرتقي بالبعض منهما إلى مواقع مهمة في مختلف مستويات هياكل المنظمة، إضافة إلى إجماع مختلف مكونات المجتمع المدني المختلفة الحضور بها على استقلاليتها عن السلطة وعدم فسح المجال لها لاكتساحها، وهي المعروفة بكثرة انتهاكها لحقوق الإنسان ومصادرة الحريات، ورفضها لأي دعوة لإقامة حياة سياسية ديمقراطية يعترف فيها الكل بالكل، ويعمل فيها الكل مع الكل من أجل خير البلاد والعباد ،بما يجعل وجود عناصر موالية لها فيها يتناقض مع ذلك. فيكف يمكن لسلطة فيها الخصام أن تكون حكما من خلال الرابطة وهي الخصم من خلال النظام؟. وكانت عناصر اليسار الماركسي المكون الأبرز في هذا الصراع. وهي الأكثر احتكارا بحكم طبيعتها وثقافتها وثقلها لبطاقات الإنخراط ، والتي تحرص على عدم فسح المجال للعناصر الدستورية خاصة وغيرها من الحساسيات السياسية بالتسلل بثقل للمنظمة، وعلى عدم وجود الإسلاميين أصلا فيها. هذه العناصر هي التي تعتبر أنه لا معنى لاستقلالية الرابطة عندها إلا أن تكون هي صاحبة الثقل الأكبر والعدد الأكثر فيها. وعندما وجد النظام أن الجمعية قد أصبحت منظمة نشيطة وفاعلة ومسؤولة، وأصبحت تمثل شوكة في حلقه بالتزامها بالديمقراطية النسبية على الأقل مقارنة باستبداده و،بمساندة كل المنتهكة حقوقهم بالوقوف إلى جانبهم ورفع ذلك إلى إليه وتنبيهها إلى خطورته ،والتحاور معه في الحد من ذلك والإنتهاء منه، وإعطاء كل ذلك بعدا إعلاميا إن على المستوى الداخلي أو الخارجي في إطار الإلتزام بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإحترام الكامل للقانون الدولي والقانون الأساسي لها وللدستور وللقوانين المنظمة لمختلف أوجه الحياة بالبلاد، لجأ إلى مقاطعتها وبعث منظمة حقوقية موازية برئاسة الضاوي حنا بلية أحد وزراء داخلية نظام بورقيبة سابقا. وهو نظام الرجل الذي ألحقت به كل قوى اليسار العربي والماركسي كل شعارات العمالة والخيانة والدكتاتورية والإستبداد. وتوجهت له كلها بكل تهم الفساد المالي والإداري ،والعداء للشعب وللأمة العربية، وهم الذين يتفيئون اليوم وارف ظلال نظامه ،وينظرون باعتزاز كبير لكل ما حققه من الكثير مما
كانوا معارضين له فيه ومما كانوا ينكرونه عليه ومما كانوا يختلفون معه فيه ،على أنه من المكاسب الوطنية والتقدمية على طريق المدنية والحداثة. وهم الذين لم يعد لهم من عيب يعيبونه عليه اليوم إلا أنه كان دكتاتورا اضطهدهم ولم يقبل بمشاركتهم له في الحياة السياسية. لقد تبين أن مختلف مكونات الحركة العلمانية اللائكية لم تكن على خلاف كبير مع بورقيبة، ولم تكن تختلف معه في الكثير، بل وفي جل خياراته السياسية والثقافية والتشريعية والإجتماعية خاصة. وهي الأمينة اليوم بعد قبوله بها طرفا معترفا بها قانونيا وبعد وفاته
ا على
نتائج مسيرته السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية. وهي السائرة اليوم على دربه استكمالا لعلمية هدم كل ما هو إسلام وتعريب، ومواصلة بناء وإقامة وتثبيت كل ما هو علمانية وتغريب بأكثر وضوح وبأكثر إصرار وبأكثر جرأة وبأكثر تحد لضمير الشعب ولقيمه ومبادئه وثقافته وأصالته وثوابته وتاريخيه وحضارته في هذه المواجهة التي كانت بين مكونات المجتمع المدني والنظام في تلك الفترة الصعبة من تاريخ البلاد. وكان الخلاف بين العناصر الموالية للسلطة بالرابطة وخارجها، وبين اليسار الماركسي المهيمن عليها، متصلا بتوسيع دائرة الإنخراط بها وعدم احتكارها بإعطاء أكثر ما يمكن من الفرص لإلتحاق أكثر ما يمكن من المنخرطين فيها باتجاه جعل ثقافة حقوق الإنسان ثقافة جماهيرية، ولتكون الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منظمة جماهيرية، أو بحصرها والتضييق فيها لتبقى في حدود النخبة باعتبار أن مثل هذه المنظمات والجمعيات لا يمكن إلا أن تكون نخبوية ولا يمكن لثقافة حقوق الإنسان إلا أن تكون ثقافة النخبة.
وليس صحيحا أن النظام والعناصر الموالية له كانت في ذلك الوقت تريد أن تجعل من الرابطة منظمة جماهيرية،و ما كانت تريد أن تجعل من ثقافة حقوق الإنسان ثقافة جماهيرية. وأن كل ما في الأمر أن النظام والعناصر الموالية له إنما كانوا يريدون أن يكون لهم من المنخرطين ما يمكنهم من المحافظة على الوجود في مختلف هياكل المنظمة، أو أن يكون لهم ثقل كبير أو الثقل الأكبر فيها ولم يرتق الخلاف في الحقيقة إلى مستوى نخبوية المنظمة أو جماهيريتها، ولا إلى نخبوية الثقافة الحقوقية والإنسانية أو جماهيريتها بين طرفي النزاع والخلاف. وما علمنا وقتها لا كمنخرطين ولا كأعضاء هيئة فرع بقفصة مثلا أن هذا الموضوع قد طرح على القواعد ولا على هيئات الفروع ،ولكن حقيقة الخلاف كانت في هذا المستوى وبهذا التوجه، محور جدل وحوار بين عضوي فرع قفصة للرابطة الأخ محمد الصالح قطيف وصاحب هذا المقال من جانب، وفرج فنيش عضو الهيئة المديرة في ذلك الوقت بنزل المأمون بقفصه، والذي كان يقيم به بمناسبة مساعي الهيئة المديرة للتحقيق في التجاوزات التي قام بها عضو الفرع محمد خميلة والمتمثلة في الإعتداء بالعنف على عضو الفرع بالقاسم التليجاني في اجتماع إخباري بالمنخرطين بمقر الإتحاد الجهوي للشغل بقفصه ،وكان سنده في ذلك مصطفى التليلي وهما ممثلا اليسار الماركسي أو المحسوبان عليه في صيغة التوافق التي تم الإنتهاء إليها في تشكيل هيئة الفرع في ذلك الوقت. وانطلاقا من حقيقة الطبيعة النخبوية للحركة العلمانية عموما، فإنه لا يمكن أن يكون الخلاف بين هذين المكونين من مكوناتها في هذا الشأن وفي ذلك المستوى سواء ذلك الذي يمارس القمع والإقصاء والتهميش من خلال السلطة، أو ذلك الذي يمارس كل ذلك كذلك من خارجها، لأن أي من هذين المكونين وباقي المكونات ذات نفس الطبيعة من نفس الحركة يؤمن بالجماهير ويحترمها ويسعى إليها، لما في مشروعها الثقافي والسياسي والإجتماعي التغريبي من تناقض مع المشروع السياسي والثقافي والإجتماعي العربي الإسلامي للجماهير والشعوب العربية والإسلامية. وبذلك فإنه من غير الطبيعي ومن غير العادي وأبعد ما يكون عن الصواب وعن طبائع الأشياء أن يكون الخلاف بين طرفين سياسيين وثقافيين على نفس المنهج وعلى نفس المذهب وعلى نفس الطريقة بقطع النظر عما بينهما من بعض الخلافات الجزئية والفرعية والثانوية أو حتى الأساسية أحيانا ،والتي لا تفسد في النهاية من الود بينهما شيئا. وذلك ما حصل فعلا منذ انقلاب وزير داخلية بورقيبة عليه يوم 7 نوفمبر 1987 في هذه القضية ، وفي ما أشاعت عناصر اليسار الماركسي ذات الثقل الأكبر في هياكل الرابطة في ذلك الوقت من خلافات مع المكون العلماني في السلطة الذي تبين أن بورقيبة كان حائلا بينه وبين التحاق باقي مكونات الحركة العلمانية به .إلا أن الطبيعي والعادي ووجه الصواب وما كان عليه الأمر ،هو ذلك الذي كان من خلاف بين العناصر المؤمنة بالنخبة بالحركة اللائكية والعلمانية الدخيلة ذات الطبيعة النخبوية ،وبين العناصر المؤمنة بالجماهير والشعوب بالحركة الإسلامية ذات الطبيعة الجماهيرية والشعبية المتآلفة مع الجماهير والشعوب والمنسجمة معها في نفس الإطار والمنهج والمذهب، وفي نفس الطريقة حضارة وثقافة وتاريخا ولغة وعقيدة ونظاما تشريعيا. فهذه العناصر وبحكم طريقتها وطبيعتها تلك لا يمكن أن تكون مؤمنة بالإقصاء والتهميش ولو من موقع الإضطرار، لأنها سوف لا تجد نفسها مضطرة إلى ذلك، ولذلك وبكل تواضع وبكل روح حضارية إسلامية رائعة، قبلنا سنة 1985 بالوفاق عندما حل الرفيق الميداني بن صالح عضو الهيئة المديرة المكلف بالفروع بقفصه للإشراف على مؤتمر تجديد الفرع بها، وأردناه فرعا متنوعا كان للحركة العلمانية فيه أكبر الثقل، بما جعل الإسلاميين في هيئته أقلية رغم الحضور المكثف لقواعدهم المنخرطة بفرع المنظمة من ذلك الوقت. وهو المستوى الذي لم تكن تؤمن به أي من مكونات الحركة العلمانية اللائكية. ولا هي قادرة على الإرتقاء إليه. وقد تبين بعد ذلك أن الهم الذي قبلنا به طويلا ومازلنا لم يستطع أن يقبل بنا ولو مرة واحدة ومازال على ذلك في الكثير من عناصره ومكوناته وتنظيماته.ليكون للأقلية اليسارية بعد ذلك المسؤولية الكاملة في حل الفرع نهائيا سنة 1989 من خلال استبدادهم بالقرار بالهيئة المديرة التي كانوا الخط الذي كان له الهيمنة الكاملة تقريبا على أخذ القرار فيها. وكان ذلك بعد أن سقطت المرحلة الأولى من نظام بورقيبة وسقطت معها رابطة الضاوي حنا بلية.وليستمر نظام حكم بورقيبة في مرحلته الثانية التي كان فيها لمكونات المجتمع المدني ذات الطبيعة العلمانية بما فيها تلك العناصر المنخرطة بالرابطة وذات الثقل في هياكلها الدور الأكبر في أكبر عملية لانتهاك حقوق الإنسان عرفتها البلاد في تاريخها الحديث. ولتكون الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نفسها طرفا مهما فيها ،بعد أن زج بها في الصراع الحضاري والثقافي الذي كان دائرا بين معسكر الأصالة والهوية والإصلاح والتجديد الذي كانت حركة النهضة الإسلامية في الحركة الإسلامية من أكبر تجلياته، ومعسكر الهجانة والتغريب والإلحاق الحضاري والثقافي الذي كانت الحركة العلمانية اللائكية ممثلة له، في تخالف انتهازي مقيت بين كل مكوناتها داخل السلطة وخارجها، والذي كان قد تم إلحاق الرابطة به بعد أن أنهت العناصر التي كانت تعمل جاهدة على المحافظة على استقلاليتها، والتي لم يكن لها أي معنى لذلك عندها سوى الإستقلالية عن السلطة، آخر مرحلة من مراحل استقلاليتها. وانقلبت على آخر رموز الإستقلالية فيها في ذلك الوقت بالإطاحة بالدكتور محمد المرزوقي الذي آلت إليه رئاستها في المؤتمر الوطني له سنة 1988 وكانت بذلك:
ـ الصعوبة الثالثة : وكانت الحالقة هذه المرة:
وهي المرة التي انكشف فيها كل الزيف وكل الإدعاءات ،لأنها المرة التي فقد فيها شعار استقلالية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان معناه عند من كانوا يرفعونه ويلوحون به في وجه مكونات المجتمع المدني والعناصر المنخرطة بها وفي وجه السلطة ،بعد أن انتقلوا إلى السلطة وأصبح يحل لهم أو يحلون لأنفسهم ما يحرم أو يحرمون على من كانوا في السلطة قبلهم ممن كانوا خصوما إلى حد العداوة لهم، وهم الذين أصبحوا حلفاء لهم و أصبح بعضهم أولياء بعض بعد أن كان بعضهم أعداء بعض، بل وقد أحلوا لهم هذه المرة – وقد أصبحوا كلهم مكونا منسجما لنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب – ما كانوا يحرمون عليهم من قبل حين كان أولئك في السلطة وكان هؤلاء في المعارضة. لقد طرح اليسار الماركسي واليسار القومي العربي هذه المرة معنى استقلالية الرابطة عن السلطة جانبا. ولم تعد هناك حاجة لمنظمة مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد أصبح كل من يكسب الصفة الإنسانية في ثقافتهم وفي تصورهم وفي قناعاتهم وفي ممارساتهم في هذه المرحلة بمنأى عن الإنتهاكات ،ويتمتع بكل حقوق الإنسان، بعد أن أخذ موقعه من السلطة حيث يحق له بصفته تلك ومن موقعه ذاك أن يضطهد ولا يضطهد. ولم يبق إلا أعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الذين لا حقوق ولا حرمة ولا صفة إنسانية لهم، والذين لا يجوز في حقهم إلا الإستئصال والقمع والإذلال والتنكيل. ولا حاجة في هذه الحالة للوقوف إلى جانبهم. ولا معنى ولا فائدة ولا مصلحة لأحد في وجود منظمة سواء حقوقية أو إنسانية للدفاع عنهم وعن حقوقهم.هكذا كان ومازال لسان حال جل القوم يقول، وهكذا كانت ممارساتهم ومواقفهم وأفعالهم.
وبانتقال رئيسها السابق محمد الشرفي إلى الوزارة وقد أصبح ركنا من أركان الدولة وعلى رأس أحد أهم وزارات السيادة فيها، ووجود الدكتور محمد المرزوقي على رأس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي ظل كحقوقي قديم محافظا على المعنى القديم الذي لم يكن محل خلاف بإجماع داخلها لإستقلالية المنظمة، وأراد أن يدافع عن ذلك الشعار الذي كان يرفعه البعض، وذلك المبدأ الذي كان يؤمن به، ورفض التواطئ عن حقوق الإنسان مع من تواطأ، وتمسك باستقلالية المنظمة وبالدفاع عن حقوق الإنسان في أصعب مرحلة من مراحل تاريخ البلاد لم يسبق أن انتهكت حقوق الإنسان فيها مثلما كان يراها تنتهك من قبل من قبل من كانوا ومازالوا يقدمون أنفسهم على أنهم أعلام وفرسان لا يشق لهم غبار في الدفاع عن حقوق الإنسان.
وأمام هذا الإصرار وأمام الهجمة الشرسة التي كانت تشنها كل مكونات الحركة العلمانية اللائكية في تناغم خسيس بعضها مع بعض، إلا من رحم ربك، من بعض العناصر وبعض الشخصيات التي لا حول لها ولا قوة، ضد الحركة الإسلامية التي كانت تمثل عمق الشعب وأغلبيته الساحقة، حتى أن الهجمة لم تكن ضد حركة النهضة الإسلامية وحزب التحرير وغيرهما من التنظيمات والشرائح والعناصر والشخصيات الإسلامية ،بقدر ما كانت ضد الشعب العربي المسلم في تونس ،وضد هويته العربية الإسلامية، وضد تاريخه وثقافته وعقيدته وحضارته، وضد مكتسباته ومصالحه، أصبح لابد من الإنقلاب على الرابطة والإطاحة برمز الإستقلالية فيها في ذلك الوقت والرافع لشعارها والداعي لها والعامل على المحافظة عليها، والزج به في السجن لينتهي بذلك الحديث عن رابطة مستقلة ومدافعة عن حقوق الإنسان. ولتصبح هيئة حقوقية لجبهة سياسية مكونة من تحالف بعض بقايا الدستوريين ومختلف مكونات طائفة اليسار الماركسي ولطيف اليسار القومي العربي الذي كان البعثيون أكثر عناصره بروزا.
وبذلك تكون الرابطة قد دخلت أسوء مرحلة من مراحل حياتها أعتقد أنه لا يجب أن لا تحسب عليها كإطار ولكن يجب أن تحسب على سماسرة حقوق الإنسان الذين لا معنى لها عندهم إلا حين يريدون أن يوظفوها وحين يتم توظيفها لصالحهم حين يكونوا في مواقع الإضطهاد. وهم الذين من المعلوم أنه لا إيمان لهم بها من منطلق مبدئي ومرجعي وتاريخي. وهم الذين قد ضربوا بها عرض الحائط لما وجدوا أنفسهم في الموقع الذي تنتهك من خلاله. وهم الذين لم يجدوا حرجا في انتهاكها كما لم ينتهكها أحد من قبلهم.
وكان إقصاء الدكتور المرزوقي عنها وإنزال عقوبة السجن به من أجل تمسكه باستقلالية الرابطة وبحقوق الإنسان فيها، وتنصيب هيئة مديرة برئاسة توفيق بودر بالة سنة 1992 لتكون غطاء حقوقيا وإنسانيا للجرائم التي كان يقترفها تحالف نظام 7 نوفمبر الرهيب في ما يشبه التصفية العرقية لأبناء الشعب التونسي بكل فئاته نساء ورجالا وأطفالا وشيوخا، إنهاء للرابطة ولاستقلاليتها، ولحقوق الإنسان في تونس. ولا يمكن أن ينكر ذلك إلا جاحد أو شاهد زور أو منكر لما هو معلوما من الأحداث بالضرورة .
– كيف كانت الرابطة حتى ذلك الحين وكيف أصبحت ؟:
فإذا كانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حتى ذلك الحين، وقبل إبرام مكونات الحركة العلمانية اللائكية صفقة التحالف المشبوه في ما بينها ،على حساب البلاد والشعب ،حيث كانت الخسائر لا تعوض، وضاع من المكتسبات التي لا تقدر بثمن ما لم يكن بالإمكان استعادته منها ،والتي كان شعبنا قد قدم النفس والنفيس وضحى بالكثير من أجل افتكاكها وإنجازها،من أجل المشاركة في أكبر حملة قمع واستئصال لمن خالف رموزها وقيادتها ومناضليها الرأي من أبناء الشعب ،قلعة صمود ونضال وشوكة في خلق النظام الإستبدادي البورقيبي بالرغم من كل المآخذ المسجلة عليها، والسلبيات والنقائص التي اعترت نشاطها، إلا أنها في النهاية كانت رائعة في أدائها وفي مواقفها وفي حضورها الدائم في أصعب الظروف. متصدية للمظالم والإنتهاكات التي كانت ترتكب في حق الإنسان. وكانت بالرغم مما كان بين منخر طيها وهياكلها ومسيريها من خلافات ومن تعارض ومن تناقض، حريصة على استقلاليتها. وبحكم قدرتها على الجمع بين كل ألوان الطيف الفكري والثقافي والسياسي، كانت متبنية وبكل مسؤولية لكل المواقف ولكل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان كل الإنسان بقطع النظر عن فكره وثقافته وانتمائه السياسي ومعتقده .ومدافعة عن حقوق كل الفئات الإجتماعية وكل المضطهدين في التيارات والتنظيمات السياسية والمهنية والنقابية بالرغم من وجود إقصائيين واستئصاليين فيها، ومن وجود منحازين لجهة دون جهة، ولطرف دون طرف، ولحساسية معنية دون أخرى، ولطيف سياسي أو فكري أو مهني أو نقابي أو عقائدي دون آخر. إلا أن وجود المستقلين والأحرار فيها كان يمثل مصدر حرج لمثل هؤلاء، وكان أولئك يعملون جاهدين على أن لا يتم التغاضي عن أي مظلمة في حق أي مظلوم، وأن لا يهضم جانب أحد ولا يستثنى أحد من الوقوف إلى جانبه ومساندته ومؤازرته وإبلاغ صوته، خاصة في ما يتعلق بالقضايا العامة.
فهي التي دعت إلى ضرورة إصدار قانون للعفو التشريعي العام. وإلى تحديد مدة الإيقاف التحفضي، والى إعادة النظر في قانون الصحافة والجمعيات، وإلى الوقوف بصلابة أمام كل الإنتهاكات التي يتعرض لها الإنسان في جسده أو كرامته أو مكتسباته، والعمل على بعث محكمة لمراقبة القوانين. وعلى حماية المواطنين التونسيين في حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية، ومحاربة الإستلاب الحضاري، وإلى غير ذلك من القضايا التي تعرض لها المؤتمرون في المؤتمر الثاني سنة 1985.
وقد كانت الرابطة واضحة رغم تحفظ بعض المنخرطين، ورغم رفض بعض الرافضين، ورغم انتهازية بعض الإنتهازيين فيها في الدعوة إلى طرد البوليس السياسي (الفيجيل) من الجامعة ،وفي التصدي لسياسة تجنيد الطلبة ونفيهم إلى محتشد رجيم معتوق بسبب نشاطهم السياسي والثقافي والنقابي ورفضها لذلك ،وفي رفضها للمنشور المهزلة رقم 108 السالب للنساء حرية المعتقد واللباس، والمانع لهن من الدراسة ومن الشغل ومن ارتياد الأماكن والفضاءات والساحات العامة والخاصة، وفي الدعوة إلى حرية التعبير والصحافة والنشاط السياسي والثقافي بدون استثناء ومن غير إقصاء ولا تهميش.
لقد كان كل ذلك بفضل انفتاح الرابطة على كل مكونات المجتمع المدني، وعلى كل القضايا وكل الفئات بالرغم من ثقافة الإقصاء والإستئصال التي كانت مسيطرة على عقول وأذهان بعض العناصر النشيطة فيها والمسيرة لها ومن قناعاتها.وبفضل قدرتها على إدارة الحوار في ما بينها في مناخ ديمقراطي بعيدا عن التقاضي وعن الإحتكام للسلطة. وقد كانت قادرة على حل مشاكلها داخليا لما كانت عليه قوى المجتمع المدني من استقلالية، ولما كان قد حصل فيها من إجماع على نبذ السلطة السياسية، ولما كانت عليه هذه القوى من استقلالية وحرية ومبدئية. وبالرغم من أن التناقض كان كبيرا بين مكونات المجتمع المدني الملتف بالرابطة والمتصارع ديمقراطيا فيها ،إلا أن قطيعتها مع النظام البورقيبي الإستبدادي المتعصب، والحرص على استقلالية المنظمة عنه بعدم إعطاء أي فرصة للعناصر الموالية له بالتواجد في هياكلها، وفي المواقع الحساسة فيها، كانت هذه المكونات والقوى والفئات والتنظيمات والشخصيات بالرغم من كل شيء، صمام أمان ظل حائلا بين المنظمة وبين أن يصيبها ذلك النظام وتلك النخبة بما يصيبها به هذا النظام الذي هو امتدادا لذاك النظام وهذه النخبة التي هي نفسها التي كانت هنا وهناك، وبما هما بصدد إصابتها به اليوم من شلل أصبحت به كالمعلقة. وبذلك كانت الرابطة رغم كل شيء أكثر ديمقراطية وأكثر حرية وحيوية، وأكثر فاعلية وأكثر استقلالية، لما كان بين مكوناتها من تنافس من أجل ذلك.
– ووقعت الواقعة :
وما إن وقعت الواقعة التي جاءت بالإنقلابيين إلى السلطة بعد الإطاحة ببورقيبة يوم 7 نوفمبر الأسود سنة 1987، حتى اشرأبت الأعناق وبدأت الحسابات الضيقة تلعب دورها، وبدأ الطمع والإنتهازية يهزان أركان المجتمع المدني غير المتآلف وغير المتجانس، والذي بدا واضحا بعد ذلك أن أكثر ما كان يجمع بينه المظالم المرتكبة في حقه، والإقصاء والتهميش الذي كانت تعاني منه كل الفئات والتيارات السياسية والعائلات الفكرية، رغم التوازنات التي التجأ إليها النظام منذ سنة 1982 بتقريب الهوة بينه وبين بعض مكونات الحركة العلمانية باتجاه انسجام أكثر. وكان ذلك خيارا استراتيجيا عمدت إليه جل الأنظمة العربية العلمانية خاصة، وفي فترات مختلفة، لإقامة عازلا بينها وبين مكونات الحركة الإسلامية في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي. وهي التي انتهت من موقع المضطر إلى القبول بما لم تكن قابلة به من قبل، وبمن لم تكن قابلة بهم من قبل .وفعلا فقد قبلت كذلك مكونات الحركة العلمانية اضطرارا كذلك على اختلاف مرجعياتها وعلى اختلاف هويتها وعلى اختلاف تنظيماتها وفصائلها وحركاتها وأحزابها بمن لم تكن قابلة بهم من قبل من الأنظمة وبما لم تكن قابلة به منها من شروط ومن اقتراحات وحلول.
وفعلا فقد حققت الحركة الإسلامية للحركة العلمانية المعارضة خاصة ما لم تستطع أن تحققه هذه الحركة لنفسها منذ عقود من الزمن. وهي التي بفعل ضغطها الشعبي، وخطابها التعبوي، وقربها من وجدان المواطن العربي والإسلامي، وملامستها لأوجاعه، وانخراطها في حل مشاكله ومعالجة قضاياه الحيوية اليومية… وجديتها في المواجهة، وفي إرادتها الصادقة في التغيير، فرضت على الأنظمة تنازلات كانت رافضة لها من قبل ولم تقبل بها إلا اضطرارا باتجاه أطرافها في الحركة العلمانية المعارضة .وفرضت كذلك على مختلف مكونات الحركة العلمانية اللائكية القبول بالتعامل مع الأنظمة وإنهاء القطيعة معها، وبالتنازلات التي كانت رافضة لها من قبل. وانتهت إلى التخلي عن الثورية وقبلت بالإعتراف بالأنظمة بعد أن كانت غير معترفة بها وإلى التنسيق والعمل معها بعد أن كانت مؤمنة بالقطيعة معها، تأكيدا للقطيعة مع مختلف مكونات الحركة الإسلامية التي مازال عدم الإعتراف لها بحقها القانوني في الوجود السياسي هو الأصل. ومازال ينظر دائما إلى ما تم الإعتراف بها منها، بنوع من الريبة والحذر. لقد حصل جانب كبير من كل هذا قبل انهيار الإتحاد السوفياتي أولا، ثم إن كل ذلك لم يكن إلا تحت ضغط الحركة الإسلامية ثنايا، ثم إن إخفاق الحركة العلمانية في إنجاز المهمات التنموية الناجحة وفي استلهام مشروع الحداثة والتطور والتقدم فيه ثالثا، وذلك ما جعلها تتجه في خطوة ليست إلا حركة هروب إلى الأمام نحو الديمقراطية التي هي أبعد ما تكون عنها فكرا وسلوكا. وهي التي ظلت كافرة بها عقودا من الزمن. والتي كانت تتعاطى معها على اعتبار أنها غير ممكنة إلا في إطار علماني، وبين أطراف علمانية، وأن الحركة الإسلامية وحدها هي العائق أمامها لإقامة نظام ديمقراطي تعددي حداثي.
في هذه التحولات القصرية السريعة التي حصلت في بلادنا وفي جل أو كل بلدان العالم الثالث والعربي الإسلامي خصوصا، والتي زادها انهيار المعسكر الشرقي تأكيدا وسرعة، وزادها التدخل الأمريكي المباشر أكثر من ذي قبل في حياة شعوب العالم إرباكا وتعقيدا ،هي التي انتهت بمختلف مكونات الحركة العلمانية اللائكية ذات الطبيعة المادية الطبقية الإنتهازية إلى الإنضمام للانقلابيين وإقامة نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب. فكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ضحية هذه الصفقة، ولتكون طرفا من خلال القوى والتيارات العلمانية التكفيرية التي كانت فاعلة فيها ومهيمنة عليها زمن القطيعة مع فصيلها المهيمن على السلطة بزعامة بورقيبة والذي أصبح يقوده العسكري زين العابدين بن علي وزيره للداخلية بعد الإنقلاب عليه يوم 7نوفمبر الأسود سنة 1987 ،وليجمع من حوله جل مكونات الحركة العلمانية في حملة الإستئصال التي كانت البرنامج الموحد بينها، والتي كانت حركة الإسلام والحركة الإسلامية وحركة النهضة الإسلامية تحديدا هداف لها لإزالة أكبر وأهم عائق لقيام نظام ديمقراطي تعددي ،لا قيام له بزعمهم إلا بالحركة العلمانية وبالحركة العلمانية وحدها .وقد نسيت أو تناست أو كانت جاهلة أو تجاهلت مكونات نظام تحالف 7 نوفمبر من مدنيين وعسكريين ورجال بوليس ويسار ماركسي ويسار قومي عربي أنه حتى وإن كان لابد من ذلك، وعلى اعتبار أن زعمهم ذاك وظنهم الذي ظنوا بأنفسهم كان صحيحا، فإن ذلك مما كان ينبغي أن يكون غير ممكنا وهو الذي لم يكن ممكنا تاريخيا وواقعا إلا لحركة علمانية ليبرالية أصيلة ومبدعة، والتي لا تجد أصلا لها في ثقافتنا ولا في تجاربنا التاريخية ولا في واقعنا المعاصر، والتي لا وجود لها إلا في الغرب الإستعماري الصليبي العنصري وهي التي فسحت المجال للحركة اليسارية في أوروبا بالرغم من أوجه الخلاف والتناقض بينهما للمشاركة السياسية والوصول إلى السلطة عن طريق صندوق الإقتراع لإلغاء الديمقراطية والإلقاء بها بعد ذلك جانبا ، أو في ما يمكن أن يوجد من حركة في منهجها الكثير على الأقل من قيم ومبادئ وثوابت وخصوصيات المنهج الليبرالي ،وهو ما تفقده المناهج المؤمنة بها كل هذه الجهات المكونة لهذا النظام، بل إن ما هو معلوم عنها وما تعلمه هي نفسها من معاداة ورفض من خلال مرجعياتها ومنطلقاتها الفكرية ومناهجها المؤمنة بها لمثل هذه القيم والمبادئ والثوابت والخصوصيات. وإذا كان هناك من منهج أقرب إلى منهج مثل هذه الحركة التي لا وجود لها والتي بات مستحيلا ربما على النخبة العلمانية التونسية إيجادها ومهيمنا عليه فهو المنهج الإسلامي، أي منهج الحركة الإسلامية الذي جاء متميزا، وقد جمع بين إيجابيات كل من المنهج الموضوعي والمنهج المثالي.ومما يؤكد بعد هذه الجهات والأطراف والمكونات لهذا النظام عن قيم ومبادئ الديمقراطية وكفرها بالنظام الديمقراطي، هو توافقها على استئصال طرف المعادلة المخالف ،والذي تتمثل في منهجه جل قيم ومبادئي الحركة العلمانية الليبرالية، كحرية المعتقد والملكية الفردية وحرية التنظم والتعبير، وتكوين الأحزاب والتداول السلمي على السلطة وضمان واحترام حقوق الإنسان ،والتي أكدت ومن منطلق مبدئي وعن اقتناع تام بذلك في ظل الإنقسام الذي أوجدته الحركة العلمانية في تركيبة المجتمع العربي التونسي المسلم كغيرها من نخب نفس الحركة في كل أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين أنها لا تقبل بعير الصراع الديمقراطي ولو مع أكثر الأطراف والجهات تناقضا معها، بعيدا عن أي نوع من أنواع الإقصاء أو التهميش فضلا على الإستئصال الذي لم تجد هذه الأطراف بديلا لها عنه مع الحركة الإسلامية وحتى مكوناتها بعضها مع بعض.
لقد زج بالرابطة من خلال هذه الأطراف والجهات في أكبر حملة عرفتها البلاد لإنتهاك حقوق الإنسان. وبعد أن كان نظام بورقيبة وهيمنة حزب الدستور على كل مؤسسات البلاد يبحث لنفسه عن مجرد حضور بالرابطة، وإذا بها تسعى إليه أو يتم السعي بها إليه من طرف الرابطيين والأطراف والجهات والتنظيمات والشخصيات التي كانت مهيمنة عليها، وتبدي حرصا مبالغا فيه أحيانا على استقلاليتها، وليس ذلك عن النظام فقط ولكن عن كل أو جل المخالفين لهم في الرأي. وبقدر ما كان التدافع بين مختلف ألوان الطيف الفكري والسياسي والثقافي والإجتماعي بالرابطة بقدر ما كان الإسلاميون في دائرة الإستهداف الخاص كذلك ،خاصة من طرف اليسار الماركسي واليسار القومي العربي. إلا أن هذا الإقصاء والتهميش كان مستعصيا عليهم بحكم الثقل الإسلامي في الساحة السياسية والثقافية والفكرية والإجتماعية ،وبحكم قدرة الإسلاميين على التواجد حيثما كان ذلك ممكنا لهم برغم أنف الجهات التي تعمل على إقصائهم. ومع ذلك ظل اليسار الماركسي والقومي العربي قادرين على تهميشهم خاصة في الهيئة المديرة وفي هيئات الفروع كذلك. وقد ساعدهم على ذلك، الوضع الأمني الضاغط الذي كان يواجهه الإسلاميون باستمرار. وكان هذا الوضع نفسه مما يحرج الأطراف الرابطية التي لا تستطيع في النهاية، ومن موقع الدفاع عن حقوق الإنسان، ومن خلال الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومن خلال معارضتها للنظام أن تجعل موقفها منهم وتظهره كنفس موقف السلطة وإن كانوا طرفا غير مرغوب فيه، وهي التي تقبل لهم في النهاية بوجود رمزي مع العمل على الحيلولة دون أن يكون لهم من الثقل بمثل حجمهم السياسي وانتشارهم الشعبي والجماهيري.
هذا ما عشناه، وهذا ما أكده حرص الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الثاني على حل فرع قفصة، وهذا ما يقره بوضوح محمد الصالح فليس عضو الهيئة المديرة المنبثقة عن نفس المؤتمر في معرض حديثه عن الهجمة التي تتعرض لها الرابطة لمنعها من عقد مؤتمرها السادس في قوله “إن هذه الهجمة لن تبلغ مبتغاها في استهداف الهيكل الرابطي لأن مناضليها يمتلكون وعيا عاليا بتشبثهم برابطتهم التي خاضوا في صلبها على مدى ثلاثين عاما نضالات راقية شملت حيزا واسعا من الطيف الحقوقي فكان التجند الدائم ضد استهداف كل الأطراف السياسية ذات الخطاب السياسي الديني المستهدف لحقوق المرأة ومكتسباتها الحضارية والقانونية“2 .
لقد كان انقلاب 7 نوفمبر فرصة لليسار الماركسي واليسار القومي العربي للالتحاق بالنظام، وليكونوا أصحاب الثقل الأكبر في سدة الحكم. وبانتقالهم للسلطة نقلوا المنظمة الحقوقية إليها، وانتهى بذلك الحديث عن استقلالية الرابطة. ودخل بها الجميع في تصفية حساباتهم مع الحركة الإسلامية، وهي الحالة التي أصبح لا فرق فيها بين الدستوريين ومختلف مكونات اليسار الماركسي والقومي العربي ،بعد أن أصبح لا معنى لحقوق الإنسان بمجرد وجود هذه الأطراف كلها أو جلها خارج دائرة الإستهداف الأمني والسياسي والثقافي والإجتماعي، ولم تعد هناك فائدة في نظرهم ومن خلال مواقفهم ومواقعهم من المنظمة الحقوقية والإنسانية بعد أن أصبحت هذه الأطراف في السلطة. ولم يعد هناك من معنى للحديث عن استقلاليتها بعد أن تآلفت كل تيارات ومكونات الحركة العلمانية اللائكية داخل السلطة وخارجها، وكونت تحالف نظام 7 نوفمبر الرهيب، سواء بالإنتظام سويا في ما سمي التجمع الدستوري الديمقراطي كإطار سياسي، أو بمحافظة البعض على مواقعهم خارجه في أطر سياسية مختلفة تقضي منهم ضرورة المرحلة بأن يكون المشهد كذلك.
فقد عطلت هذه الصفقة الرابطة عن أداء وظيفتها والقيام بدورها الحقوقي والإنساني أكثر من عقد من الزمن، بل وقد جعل منها فرسانها القدامى طرفا في أكبر وأوسع عملية لإنتهاك حقوق الإنسان في تاريخ البلاد.ولم يزج اليسار بالمنظمة الحقوقية وحدها في هذا الأتون، بل كان طرفا ناشطا وفاعلا في تصفية الإسلاميين على أكثر من صعيد. فهو الذي كان له الدور الأكبر في ذلك بالجامعة سواء من طرف عناصره أو من طرف الإتحاد العام لطلبة تونس، وهذا ما يعلمه الجميع وما عشناه وما يعلمه اليسار الماركسي والبعض من أطراف ومكونات اليسار القومي العربي والتيار البعثي تحديدا. وهذا ما تؤكده الروايات والأحداث ،وهذا ما يفتخر به بعضهم ويقدمه على أنه من الأعمال الصالحة والجليلة التي إذا ذكر أهلها يشكر لهم ذلك.
فكان من مآثر الرفيق عمار الظواهري التي تحسب له والتي ينوه له بها الرفاق بعد هلاكه أنه “كان رفيقا مناضلا تقدميا يعلم مبادئ الشيوعية… والتحق بصفوف الإتحاد العام لطلبة تونس… وتصدى إلى جانب رفاقه في الكلية إلى هجوم “الخوانجية” ومحاولاتهم في بداية التسعينات لفرض منطق القوة على الطلبة“3 . وهي نفس التعلة التي كان النظام يعلل بها انتهاكاته المتكررة والمتواصلة للجامعة بعد أن فقد السيطرة عليها وكان يعمل باستمرار على محاولة استعادتها بعد أن أصبحت مستقلة عنه، وبعد أن قدمت الحركة الطلابية التضحيات الجسام من أجل ذلك ومن أجل إنهاء سيطرة النظام عليها، بل إنهاء مجرد وجود البوليس السياسي
(الفيجيل) بها أو تقليص ذلك الوجود إلى أدنى حد ممكن له، والذي استعادها بعد ذلك فعلا ومازلت خاضعة لسيطرة البوليس ،وللنظام من خلاله عليها النفوذ الكامل والسيطرة شبه الكاملة عن طريق الإدارة، وعن طريق الطلبة التجمعيين بمختلف مشاربهم الفكرية، بعد إخراج الإسلاميين منها وحل الإتحاد العام التونسي للطلبة وحظر نشاطه وإنهاء وجوده أصلا. وقد كان للإتحاد العام لطلبة تونس دور كبير في كل ذلك، ومازال محافظا أو في جهات منه وأطراف فيه على الأقل على ذلك الوضع.
ونفس الشيء كان قد حصل بالنسبة للإتحاد العام التونسي للشغل الذي حرصت الكثير من الأطراف على جعله كذلك طرفا في الصراع مع الإسلاميين، بعد إلحاقه بالنظام وجعله أداة من أدواته في الحملة ضدهم،
وليكون ضمن النسيج الفكري والسياسي والإجتماعي والجمعياتي المكون لنظام تحالف 7 نوفمبر “من أجل تونس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان” ضد أعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا كذلك ما عشناه وما نعلمه وما يقر به الكثير من الصادقين والمنصفين سرا وعلانية داخليا وخارجيا. ويظهر ذلك في تقييمات اليسار نفسه لنفسه بعد 13 سنة من هيمنة نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب على كل الأوضاع بالبلاد
وفي كل المستويات، بعد أن اتضح للبعض من مواقع مختلفة ولغايات وأهداف مختلفة ولأسباب وبدوافع مختلفة حجم الكارثة التي أحلتها كل هذه الأطراف – إلا من رحم ربك – بالشعب وبالبلاد لصالح الفئات والجماعات ذات الطبيعة النخبوية. حتى أن البلاد قد أصبحت في ما يشبه حربا معلنة من جانب واحد من النخبة العلمانية على الشعب، وإخضاعه لما تريد أن يكون عليه من غير أن يكون له رأي في ذلك. وزج بكل مؤسسات المجتمع المدني بمؤسسات السلطة وإلحاقها بها. “فاليسار ما عاد يسار السبعينات والثمانينات…
إن شرائح منه تحولت هي نفسها إلى بيروقراطية ناشئة في جوهرها حتى وإن استمرت تتغلف بالفشرة اليسارية والثورية فقد تنكرت لقناعاتها الأصلية وتخلت نهائيا تقريبا عن رؤاها السياسية المتصلة بتغيير المجتمع وقبلت بالإحتماء بسقف النقابوية كمعبر لتحقيق مآرب مادية ضيقة ومحدودة مرتبطة في أحيان كثيرة بمصلحة رموزها أو رمز من رموزها
إن الكثير من مناضلي اليسار داخل الإتحاد بهدف المساهمة في تغييره من الداخل وتطوير رؤاه ومواقفه وللضغط من أجل الحد من المنهج البيروقراطي في تسييره فكانت النتيجة عكسية إذ اندمج هؤلاء في الجهاز قلبا وقالبا. دخلوه لتغييره فغيرهم“.4كان لابد من هذا الإستطراد في إطار معالجة مشكلة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عنها. وكان لابد من ذلك لمعرفة طبيعة المشكلة وطبيعة المعركة، ومن هي الأطراف المتصارعة من أجل ذلك ولماذا؟ وبعد أن استفاقت مكونات نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب والجهات والأطراف المؤازرة والمساندة والداعمة والمؤيدة له من غفوتها على خيبة أمل كبيرة في تحقيق ما كانت ربما تطمح إلى تحقيقه، وما كانت ربما تعتقد أنه كان ممكن التحقيق من قبل جهات وأطراف غير مؤمنة في الأصل بما تعتقد أنه كان ممكنا في غياب الإسلاميين، لتجد في النهاية أنها لم تحقق إلا وهما ودمارا، وأنها لم تحصد إلا شوكا. وهي التي لم تزرع إلا شوكا، وأنها بضرب الإسلاميين ومحاولة استئصالهم قد ضربت شعبا بكامله ووطنا، وهي المؤمنة بالهدم والقادرة عليه، وهي العاجزة بالمقابل عن البناء وإعادة الصياغة والهيكلة، وأقامت نظاما دكتاتوريا مافيوزيا الجم الأفواه وانتهك الحرمات وأذل الإنسان وقطع الأرزاق ونهب الأموال وأفسد الإدارة. بدأت العناصر الملتحقة به وبعض المنظمات والأحزاب في مراجعة أدراجها ومغادرة مواقعها القديمة للعودة إلى ساحات النضال الإنساني والحقوقي والسياسي والثقافي والاجتماعي والإعلامي، والتي كانت حركة 18 أكتوبر 2005 من أوضح تجلياتها وأكبر تتويجا لها.
ولم يبق الإسلاميون وحدهم في دائرة الإستهداف، ولكن الإخفاق والتآكل الذي أصبحت تعاني منه مكونات تحالف نظام 7 نوفمبر الرهيب ،والتفكك الذي أصبح يعيشه وحالة الترهل التي انتهى إليها أفرزت مجموعات كثيرة ومختلفة لم تجد أمامها إلا خيار الإلتحاق بساحة الصراع والمواجهة مع النظام، لتجد نفسها في النهاية في نفس دائرة الإستهداف التي تركتهم فيها من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولتجد نفسها على صعيد واحد مع الإسلاميين الذين لم يغادروا هذه الساحة التي حاولت كل هذه الأطراف مجتمعة أن تنتزعهم منها انتزاعا حين غادرها كل الناس وكل هذه الجهات والأطراف والشخصيات نفسها تقريبا ،إلا من رحم، اقتناعا واختيارا أو خوفا أو طمعا أو خوفا وطمعا.
وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من المنظمات التي سعت إلى الإلتحاق بساحات تمت فيها أكبر عملية انتهاك لحقوق الإنسان في تاريخ البلاد المعاصر. والأكيد أن التحاقها، في الوقت الذي كان ينبغي أن لا تغادر فيه مثل هذه الساحات وأن لا تفارقها كان متأخرا جدا، لاسيما وأنه قد سبقتها أكثر من جهة ومنظمة إنسانية وحقوقية وحزبية بعد الإنقطاع ولمدة 8 سنوات عن عقد حتى مؤتمراتها الدورية، كان المؤتمر الخامس سنة 2000 وهو المؤتمر الذي مازال إلى اليوم مطعونا من طرف النظام في شرعيته، وهو المناسبة التي عملت فيها بعض الأطراف والعناصر بعد سكوت طويل وصمت رهيب ولمدة أكثر من عقد من الزمن ،على محاولة إخراج الرابطة والخروج بها من حيث كانت، لتبحث لنفسها عن طريق التحرير والخلاص والإستقلالية.
ولم تكن تلك عملية سهلة، خاصة أنها تدور هذه المرة بين نفس الأطراف من مكونات الحركة “العلمانية” نفسها، وهي التي جرتها إلى هذا المستنقع الذي انتهت فيه إلى الإنقسام، والذي لم تعد قادرة على إخراجها منه. ولعلها بين نفس الحساسيات ونفس التيارات ذات المرجعية والهوية اليسارية الواحدة وقد اختلفت مواقفها باختلاف مصالحها ومواقعها.
الصعوبة الرابعة: المؤتمر الخامس:
لقد كان المؤتمر الخامس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمثابة ميلاد جديد لها، بعد أن تم إغراقها وغرقت في مستنقع التبعية والإحتواء سنين طويلة، كانت البلاد في أمس الحاجة إليها فيها. وبعد أن فقدت فيها استقلاليتها نهائيا وتم احتواءها فيها احتواء كاملا. فكان ذلك بمثابة فقدانها لوجودها، وهي التي كانت قد
فقدت بذلك مصداقية كاملة كانت قد اكتسبتها خلال السنوات السابقة لسنة 1990. وقد أصبح ذلك نقطة سوداء في تاريخها الناصح. وبعد أن أريد لها أن تكون طرفا في استباحة الدماء وهتك الأعراض وقطع الأرزاق، وانتهاك الحرمات الجسدية والعقلية والنفسية للأفراد والمجموعات، رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا، ومن كل المستويات الثقافية والفكرية والمعرفية والعلمية،ومن كل الفئات الإجتماعية، بالتعذيب والتسبب في الإعاقات، والإضطرابات النفسية والإختلالات العقلية، ومصادرة حق الحياة بالقتل، وحق الحريات بالسجن، وحق العيش بالوطن بالنقي، وحق الإستقرار بالمطاردة والتشريد، وحق الإطمئنان بالمراقبة .ووضع الصعوبات والعراقيل المختلفة في كل الميادين والساحات أمام الرجال والنساء والأطفال، وعشرات الآلاف من الأسر بطشا بهم وتنكيلا، وحرمانهم من أبسط ضروريات الحياة. وأجيزت في حق الشعب في كل مستويات حياته وعلى كل صعيد كل الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وهي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
فما كان للمؤتمر الخامس أن يكون كذلك لولا مغادرة بعض من كانوا طرفا في مأساة البلاد إن بالمشاركة والموافقة أو بالصمت وملازمة الحياد، وبمبادرة من بعض الأحرار ممن لم يكونوا طرفا في المأساة، ومن كانوا رافضين لما يحصل، سواء بالصمت اضطرارا حتى حين على الأقل أو بالمعارضة علانية منذ البداية ولكن بدون جدوى، بعد أن ظهرت حقيقة الوهم الذي قام عليه نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب، والذي كان قد جعله ذريعة للقيام بجرائمه المختلفة ضد الشعب. وبعد ما تبين للكل حجم المأساة والخسائر الكبيرة التي لحقت البلاد على كل صعيد، وبعد ما تأكدت كل الأطراف السياسية والإجتماعية والحقوقية أن الملف الإسلامي قد تم وضعه حيث أرادت أن تضعه، والإنتهاء به إلى حيث كانت ترغب في الإنتهاء به إليه، وبعد أن أصبح ملفا جاهزا للتحرك به في كل المستويات، والتلويح به في وجه النظام كورقة ضغط عليه، لما كان عليه ذلك الملف من مأساوية لا تستحق الإستدلال عليها، ولكسب شرعية نضالية به، وكذلك لتحقيق بعض التقدم في حل معضلاته، ولاستيفاء شروط الحل المناسب لها في المستوى السياسي أو الإجتماعي بالنسبة لبعض المخلصين والصادقين، وللإكتفاء بالانتهاء به إلى مستوى من الحل المقبول الذي لا يجب أن يتجاوز المعالجة الإجتماعية والإنسانية بالنسبة للبعض الآخر. وقد كان كل ذلك بعد أن أخفقت بعض هذه الأطراف والجهات في كسب ما كانت تأمل أو تطمع أن تحصل عليه من مكاسب.
لكل هذه الإعتبارات، ولمثل هذه الأسباب والدوافع والأهداف، كان المؤتمر الخامس الذي شكل بداية الصراع عن الرابطة بين نفس التيارات والحساسيات من داخل السلطة وخارجها، بعد أن انقسمت عن نفسها واختلفت مواقفها ومواقعها ومصالحها، وأصبح لكل طرف منها معنى ومفهوما للعمل الحقوقي والإنساني، وأصبح لكل منها معنى ومفهوما للرابطة ولدورها ومهامها وأهدافها وغاياتها ،ومعنى لإستقلاليتها. هذه المعاني والمفاهيم التي كانت هذه التيارات والشخصيات متفقة عليها قبل الواقعة، وبعد التحاقها جميعها بالإنقلابيين بعدها بقليل ،وهي التي أصبحت مختلفة فيها بعد أن اختلفت مصالحها ومواقفها ومفاهيمها ومواقعها ،وبعد أن انقسمت على نفسها وتفرقت عناصرها، فكانت بين مغادر لموقعه بالسلطة أو قريب منها، وبين ملازم له أو محافظ عليه قريبا منها اقتناعا أو خوفا أو طمعا أو خوفا وطمعا .وقد أصبحت هذه المعاني والمفاهيم مختلفة عند نفس مكونات الحركة العلمانية باختلاف مواقعها ومصالحها “فإذا هم فريقان يختصمون”، فريق مازال يرى أن وجود الرابطة تابعة للسلطة وللعناصر المؤيدة لها وجودا محترما فيها مهما ومفيدا ولا يتناقض مع استقلاليتها وليس فيه أي استنقاص لها ولا ضرر فيه لأحد بل الفائدة كل الفائدة أن تكون كذلك ولا يرى حرجا في ذلك ولا مبررا للخوف منه، وفريق أصبح يرى ما كان يراه قبل إلحاقها بالسلطة التي التحقت بها عناصره كلها أو جلها التحاقا مباشرا أو غير مباشر، تصريحا أو تلميحا، سرا أو علانية، اختيارا أو اضطرارا، اقتناعا أو امتناعا، خوفا أو طمعا. وقد نجحت عناصر هذا الفريق فعلا في العودة بالرابطة إلى صدارة التنظيمات والهيئات والجمعيات والأحزاب المستقلة، وإلى صدارة الأحداث، وأن يخرج بها من الدوران في فلك النظام بالكامل والإبتعاد بها عن تزكية جرائمه وانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنس، وبالرجوع بها إلى ما كانت عليه قبل إلحاقها به. وكان طبيعيا أن تكون ردة فعل النظام عدم التسليم بذلك، والعمل بكل الوسائل لإعادة العبد الآبق عن طاعة سيده والإبن العاق لوالده إلى جادة الصواب. وفعلا فقد وجد في العناصر المناسبة المدينة له بالولاء والطاعة ما يتحقق له به من خلالها ما يريد. ووجد في القضاء التابع وسيلة وأداة مناسبة لتجريد الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الخامس من الشرعية القانونية. وبقيت بذلك الرابطة ولمدة 5 سنوات أخرى في مهب الريح كالمعلقة، مدافعة عن وجودها وعن حريتها واستقلاليتها وفي أمس الحاجة لمن يدافع عنها، وهي المدافعة عن الإنسان وعن حقوق الإنسان، ولكن دون أن يثنيها ذلك عن القيام بكل ما كانت هيئتها المديرة وفروعها ومنخرطوها قادرين على القيام به، من وقوف في وجه أي جهة لا تحترم حقوق الإنسان ،وفي وجه السلطة خاصة باعتبارها الطرف الأكثر انتهاكا لها ،والأكثر عدوانية وتجاوزا للقانون،بالرغم من المضايقات والإستفزازات والمحاصرة الأمنية،وبالرغم من رفض سلطة الإشراف الإعتراف بهذه الهيئة والتعاطي والتحاور والتفاوض معها في التجاوزات والإنتهاكات الحاصلة والمتواصلة في الحصول، والتي لم تتوقف يوما لحقوق الإنسان، ضمن خطة منظمة و ممنهجة متفق عليها، ودون أن يمنعها ذلك من الدعوة إلى ضرورة إصدار قانون للعفو التشريعي العام، والذي جعلت منه قضية وطنية مركزية لم تجد كل التنظيمات والأحزاب السياسية المستقلة منها والإدارية بدا من الموافقة عليه ولو بعد تردد وتلكئ البعض منها ،وبعد أن أعلنت أن موافقتها على ذلك ليست إلا من موقع صاحب الحق فيه ،باستثناء بعض الجمعيات والأحزاب ذات النشأة والتركيبة والهوية اليسارية التي مازالت غير موافقة على ذلك طالما أن ذلك ليس في الحقيقة إلا لصالح حركة النهضة الإسلامية ولصالح الإسلاميين عموما حسب رأيها وان ذلك ليس في النهاية إلا لصالح هوية الشعب وأصوله وثوابت ثقافته وعقيدته وطبيعة مجتمعة وخصائصه التاريخية والحضارية العربية الإسلامية التي تعمل هذه الأطراف منذ زمن طويل واستكمالا لمجهود ولعمل الغزاة الفرنسيين على هدم كل ذلك.
وإذا كان هناك من الأحرار من ظل صامدا في وجه النظام الفاشي، و طاله من الظلم والإنتهاكات ما طاله، فإن الإسلاميون وحدهم وفي غير تبجح ولا مزايدة ولا مبالغة ،وبعيدا عن أي مغالطة هم وحدهم الذين ظلوا رمز الصمود والمواجهة ،وضحية الخيار السياسي الإستبدادي لنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب. وظلت مواقف الأحزاب والتيارات والمنظمات مختلفة المناشط والمشارب متباينة ومختلفة منهم قربا وبعدا، صدقا وكذبا، مبدئيا وانتهازيا ،وضوحا وغموضا. وظل الكثيرون وإن كانت قلوبهم معهم فان سيوفهم كانت عليهم. ولم تكن الهيئة المديرة التي أفرزها المؤتمر الخامس رغم كل شيء استثناء في ذلك. وإذا كان يحسب لها مجهودها في المتابعة الميدانية والإعلامية لجميع قضايا حقوق الإنسان بالبلاد، إلا أنه و باعتبارها ضمت بعض العناصر الإستئصالية في صفوفها- وهي عناصر وإن كانت أقرب إلى النظام منها إلى المعارضة وإلى الرابطة نفسها حين تكون جادة وفاعلة وصادقة ومستقلة، إلا أنها لا تريد أن تحسب عليه، وإن كانت مواقفها كمواقفه في الكثير من القضايا إن لم تكن في كل القضايا ، وهي التي غالبا ما تكون أشد تطرفا وأكثر تحزبا باسم الحداثة والتطور والإنفتاح والتحرر من التجمعيين أنفسهم …- قد ارتكبت من الأخطاء ما يحسب عليها. ووقعت في تجاوزات لا يمكن لحقوقيين حقيقيين ولا لمنظمة حقوقية ولهيئة مديرة كهذه أن يقعوا فيها، لما كان في ذلك من انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان التي من المفروض أنه ليس أمام هذه الهيئة أخلاقيا وثقافيا وأدبيا، واستنادا إلى قانون المنظمة الأساسي وقانونها الداخلي، واستنادا إلى الدستور وإلى كل المنظومة القانونية الدستورية المنظمة لمختلف أوجه حياة الناس بالبلاد، واستنادا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل المواثيق والبروتوكولات الملحقة به إلا أن ترعاها وتنافح وتدافع عنها، وتتصدى لمرتكبي مثل هذه الإنتهاكات وتدعو إلى معاقبة أصحابها وتحمي المتضررين منها ،ولا يستطيع أي معتذر أن يسعفه أي عذر لها في ما ارتكبته وفي ما وقعت فيه من تجاوزات أخلاقية وأدبية ومن مخالفات قانونية.
ومن بين هذه التجاوزات التي لها دلالاتها، والتي ليست في الحقيقة إلا مواقف قديمة للنخبة العلمانية المتغربة، وهي التي انضمت بها إلى النظام الذي هو من طبيعتها، وهي التي ضمنتها لسياسته وألحقتها بها، وهي التي خرجت بها منه، وهي التي مازالت متمسكة بها وتعبر عنها وتمارسها وموافقة على تمسك النظام بها ولممارسته لها ،وهي التي تجلت هذه المرة في الموقف من الحريات الخاصة، أي الحريات الشخصية والفردية. والتي تتمثل هذه المرة في حرية المرأة ككل إنسان في اختيار أي نوع أولون أو شكل من أنواع وألوان وشكل اللباس الذي تريد ارتداءه في كل مكان وفي أي زمان، وفق معتقداتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها والنمط الحضاري والمجتمعي الذي تؤمن به…
ففي الوقت الذي كان ينبغي بل يجب على الهيئة المديرة للمؤتمر الخامس للرابطة أن تدافع عن هذه الحرية وتحمي أصحابها وتؤازرهم وتقف إلى جانبهم باعتبار ذلك ما تلزمها به مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل المبادئ والقيم والشرائع السماوية والأرضية، أبت إلا أن تنحرف عن ذلك اقتناعا من بعض عناصرها وأعضائها بذلك أولا، ولهوى عند البعض الآخر في نفوسهم ،ووقوعا تحت تأثير بعض العناصر الأصولية الإستئصالية الماركسية فيها كالرفيق صالح الزغيدي وغيره من محترفي سياسة الحقد والكراهية والتعصب وقهر المجتمع وإخضاعه لقناعاتهم وأفكارهم التكفيرية،ومن خارجها كجمعية من تسمين أنفسهن”النساء الديمقراطيات”،وبعض العناصر التي تلتقي مع كل هؤلاء في الرأي وفي التآمر على المجتمع وخداعه ،وتجتمع معهم على الفكرة ،من أعضاء فرع تونس لمنظمة العفو الدولية ،خرقا لقانونها الأساسي ولمبادئ المنظمة التي كما هو معلوم لا يجوز لفروعها الإهتمام بما يحصل بالبلد المحتضن لها من تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان، بل هي معنية بما يحصل من كل ذلك بالبلاد المجاورة ،وأمضت يوم 13أوت قيل بمناسبة مرور 47 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية باسم الرابطة بيانا مشتركا مع هذين الجهتين التين من المفروض أنهما جهتان حقوقيتان،في وقت مازال فيه النساء بمختلف أعمارهن ومستوياتهن ومسؤولياتهن ومواقعهن، وفي كل القطاعات والساحات والفضاءات، يتعرضن على امتداد 13 سنة حتى ذلك الوقت ومازلن إلى حملة منظمة ممنهجة، ليس أكثر منها تخلفا واضطهادا، ليس للنساء فقط ،ولكن للمجتمع كله، لمنعهن من ذلك الحق، وفرض عليهن ما تريده هذه الأطراف “الديمقراطية والحقوقية والإنسانية” ،وهي التي أبعد ما تكون في الحقيقة عن كل ذلك بكل المقاييس ،وما يريد النظام البوليسي”الديمقراطي” في تونس، نظام تحالف7نوفمبرالرهيب،تونس العهد الجديد، تونس”الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان،”من لباس في تونس دولة”القانون والمؤسسات”، تونس مختلف مكونات الحركة العلمانية، وهن اللاتي قد أصبحن بمقتضى ذلك المنشور الجريمة في حق النساء وفي حق مجتمع لشعب عربي مسلم يمنعن من التمتع بحقهن في التعليم وفي العمل وفي الحلول بكل الفضاءات والساحات العامة والخاصة. يطاردهن البوليس كبارا وصغارا في كل مكان، ويتعرضن لمختلف المضايقات والمظالم والإهانات والعقوبات. ولم يتعرض البيان لهذا الموضوع فقط ،ولكنه جاء متضمنا لهجوم كاسح على مختلف المبادئ والقيم والثوابت الإسلامية.والذي يهمنا تسجيله في هذا المقال ما جاء فيه من قول القائلين والممضين عليه : “ونذكر هنا بأن الإحترام الذي نكنه للمعتقدات الدينية لكل مواطنة ومواطن (وليس ذلك في الحقيقة إلا من قبيل ذر الرماد في العيون ومن المغالطات التي لم تعد تخفى على أحد ) لا يمنعنا من التعبير عن رفضنا المطلق لكل الأشكال والممارسات التي تستهدف النساء لجعلهن أدوات للتعبير الإجتماعي العلني عن خيارات دينية ينبغي أن تبقى فردية لا تتعدى الفضاء الخاص“ هذا الموقف المتناقض مع مواقف الرابطة من منشور رقم 108 سئ الذكر الذي كان من وراء صدروه هؤلاء وأمثالهم، قبل سنة 1990 والذي انقلب عليه فرسانها لما التحقوا بالانقلابيين وأصبحوا يمثلون عصب نظام 7 نوفمبر، يرسمون خططه ويضعون برامجه ويحددون توجهاته ويوجهون سياساته وينفذون قراراته… ومازالوا محافظين على هذا الموقف، وداعمين لوجود هذا المنشور ومطبقين له، انسجاما مع نظراء لهم في السلطة، وتناقضا مع مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ،ومخالفة لمواقفهم القديمة منه،سواء من موقع المعارضة السياسية أو من الموقع الحقوقية أو الإنسانية أو الأدبية أو الإجتماعية.فكان موقفهم المعلن الرافض للمنشور يوم كانوا في المعارضة كموقف الهالك بورقيبة المعارض من موقف الداعين زمن الإحتلال الفرنسي لبلادنا لنزع الحجاب – الذي كان مرادفا للحجب في ذلك الوقت – عن المرأة التونسية. وما إن تم تسليم مقاليد الحكم له، حتى انقلب على موقفه التكتيكي المخادع الإنتهازي القديم، ليعتبر أن أول ما يجب أن يخلص منه المرأة التي يريد، هو لباسها الشرعي التقليدي، تنفيذا لضرورة تثبيت وتأكيد ثقافة هدم البنى التقليدية التي جاءت بها حركة الإحتلال الغربي “للعوالم البربرية وللشعوب المتوحشة” التي جاء الرجل الأبيض العنصري زاعما أنه إنما جاء فاتحا ومعلما ومحررا لها…فما إن أصبحوا هم كذلك طرفا في السلطة ،حتى كشروا عن أنيابهم وانكشف الزيف والكذب والخداع ،وسقطت الأقنعة وعبروا بوضوح عن مواقفهم المبدئية من كل ما يتعلق بثوابت ثقافة الشعب وعقيدته طبيعة مجتمعه وتاريخه ونمطه الحضاري وليس من المنشور الفضيحة فقط ،وإن كان الكثير منهم لا يخفي ذلك من كل ذلك في الحقيقة من قبل.
ومازال هذا الموضوع وغيره من القضايا ذات العلاقة بهوية الشعب والبلاد، وبالإسلام وبالحركة الإسلامية، محط اهتمام الكثير من عناصر اليسار الماركسي والقومي العربي في بعض التنظيمات والأحزاب التي تتخذ من الطريق الجديد منبرا مناسبا لها للقيام بحملة متواصلة تبدو هادئة ضد ليس مبادئ وقيم وثوابت و ثقافة وعقيدة الشعب التونسي فقط ،ولكن ضد كل ما له علاقة من كل ذلك بأمة العرب والمسلمين قاطبة.
يقول زعيم حركة التجديد الماركسية اللينينية (الحزب الشيوعي التونسي سابقا) “إن التيارات التي توظف المقدسات الدينية في العمل السياسي وفي تقديم مشروعها المجتمعي لخطط “المستقبل” يرجع بالبلاد إلى الماضي… حتى في ما يخص الهندام“5.
يقول محمد جمور أحد رموز ووجوه تيار البعث القومي العربي، واحد مؤسسي حزب العمل الوطني الديمقراطي“نحن حزب يساري يستمد مبادئه ومنطلقاته العقائدية والسياسية من الفكر الاشتراكي … كما نتمسك بقيم الديمقراطية والحرية والحداثة والمساواة التامة بين الرجل والمرأة وحق المواطنة وسيادة القانون ونرفض أي توظيف للدين لأغراض سياسية مع احترامنا التام لحرية المعتقد“6
كما يقول اليساري الماركسي عبد الرزاق الهمامي، وهو من نفس الحزب “إنه يرحب بالعمل مع اللجنة7، ومع كل الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني، ويلتزم بالعمل مع سائر الأطراف، ما عدا حركة النهضة ،على تحقيق برنامج نضالي من أجل تحقيق المطالب الديمقراطية، بما في ذلك مطلب العفو العام8.
يقول عبد الله ضيف التواتي “هذه تونس كما أتمناها… بعدما حضرت حفلا لصباح فخري… كان الحاضرون فيه رجالا ونساء متحررين كما كان الأمر منذ سنوات…لا أرى في المسرح أحجبة تغطي رؤوس النساء ولا لحى تحجب الرؤية عن الوجوه… تذكرت قاسم أمين والطاهر الحداد والحبيب بورقيبة… ليلتها قلت في نفسي هذه تونس التي أتمناها… “9 .
وفي نفس العدد يقول محمد الصالح فليس “فالخوف والريبة يقتلان كل حنين وطني مسؤول ويزينان الحلول القصوى ذات الأبعاد الإنفعالية المدمرة ويفتحان الأبواب عريضة أمام كل أشكال التطرف المقيت ويشرعان الإلتجاء إلى فضاءات بديلة ليس أقلها الفضاء الديني لتعبئة الناس بفكر متعصب لا عقلاني وقاصر“.
ولست بصدد إحصاء على الرابطة أخطاءها ،ولا على الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الخامس هفواتها وقصدها وعمدها وحماقاتها ،ولكن هناك مسائل خطيرة تتناقض مع ميثاق الرابطة ومع قانونها الأساسي، ومع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ،ومع الدستور التونسي لا يجب أن تقع فيها .وهي ليست من قبيل
الأخطاء ولكنها ضرب من ضروب العمد والقصد في مجانبة الصواب، ومن الظلم وانتهاك حقوق الإنسان
التي تعتزم هذه الأطراف وهذه العناصر أنها ترفضه وتقدم نفسها على أنها مدافعة عنها ،ومن الوقوع في التناقض المخل بالإلتزام، والذي يذهب في النهاية بهيبة هذه الجهات والأطراف والعناصر ،ويفقدها المصداقية التي يجب أن تكون لها.
ثم كانت الفضيحة الثانية، وتجدنا هنا بصدد الحديث عن فضائح، لأن الأخطاء كثيرة وهي ممكنة الوقوع ،بل يجب أن يكون هناك أخطاء، لأن الخطأ دليل على وجود الحركة والحيوية والفعل ،وهو صفة إنسانية ،وإن كان يختلط فيه كذلك الحق بالباطل، وسوء النية والعمد بحسن النية والسهو ،ويكون ذلك مؤذنا بحلول أزمة الثقة الواقعة أصلا والزائدة في الإستفحال والتي أصبحت من خاصيات ثقافة نظام “الدولة الحديثة” التي أوجدها الغزاة وفرضوها بقوة السلاح والتي سلموا زمام إدارتها من بعدهم للطائفة العلمانية الدخيلة التي أحدثوها في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين .هذه الفضيحة التي لم تستطع مختلف عناصر الهيئة المديرة ولا غيرها من أصحاب النفوذ الأدبي والمادي أن يحولوا دون وقوعها، وهم الذين ترجتهم الموظفة بمقر الرابطة أن يحولوا بينها وبين المحاولات المتكررة التي كان يقوم بها خميس كسيله الكاتب العام للرابطة للتحرش الجنسي بها ومحاولة اغتصابها، واستمرت على ذلك أياما طويلة وهي تمانع وتدافع عن شرفها وكرامتها وإنسانيتها، حتى انتهى بها الحال إلى الإنهيار التام ،وانتهت بها الصدمة إلى الإبقائها عليها بالمستشفى حسب ما تداولته مصادر الرابطة الإعلامية نفسها. وهي التي لم يبق أمامها من بد سوى وضع القضية بين يدي “القضاء”. وكانت فرصة للمتربصين بالرابطة وبالرابطيين الشرفاء والأحرار من نشطاء
حقوق الإنسان، أن يدفعوا بالقضية إلى أقصى نهاياتها، وأن يوجهوا للهيئة المديرة غير المعترف بها ضربة
كانت ممكنة ،وتجد لها مبررا ماديا ملموسا هذه المرة،.ويصدر حكما قضائيا بحقه يقضي بمعاقبته بعشر سنوات سجنا نافذة. وقبل أن يلقى عليه القبض و يوضع في حالة إيقاف ،ولما لا يكون بفعل فاعل وبتعاون مع جهات مسؤولة تعلم أنه لم يعد بالإمكان الإبقاء عليه بالبلاد خارج السجن ،وانه لابد له من ملاذ آمن خارجها ،فر أو تم تهريبه إلى الخارج كما تم تهريب الكثير من اللصوص والمجرمين من قبل، حيث كانت وجهته لبنان التي قيل أنه قد ذهب إليها في مهمة باعتباره ممثلا للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ،وبعد ذلك انتقل إلى فرنسا حيث تلقته وسائل الإعلام الفرنسية والفضائيات المختلفة باعتباره مضطهدا سياسيا وحقوقيا ،وليست التهمة الملاحق من أجلها إلا تلفيقا من “نظام بن علي”الذي هو أضعف حلقة قيه، والذي كان ومازال وسيظل نظام تحالف اليمين الدستوري واليسار الماركسي والقومي العربي عموما ،بغض النظر عن بعض الإستثناءات من الجهات البسيطة الهامشية أصلا ،ما زال يقال للضغط عليه وللحد من نشاطه السياسي والحقوقي. وبالرغم من أن هذه الرذائل يتفق فيها ويلتقي عليها ها وهؤلاء المتصارعين من أجل المواقع والمصالح والمنافع من داخل السلطة ومن خارجها ،إلا أنها يمكن أن يجعل منها فريق منهما للآخر أو لأحد عناصره قضية ذات بعد أخلاقي للإنتقام ولتصفية الحسابات المختلفة العالقة بينهما، وليحولها الآخر “المضطهد” إلى تآمر ضده وضد عناصره أو بعضهم، وتقديم نفسه على أنه مجني عليه، وليس ذاك ما يحدث ضده إلا مجرد تلفيق وكذب وتشويه للتغطية على الخلاف في الرأي وفي الرؤية وفي البرامج والتصورات وفي المنهج والحلول للمشاكل والأزمات العالقة ،وعلى الخصومة السياسية التي بينهما، أو بين هذا الفريق وأحد عناصر الفريق الآخر. وإذا كانت تصفية الحسابات بين النظام وبين الرابطة، بل وبين خميس قسيلة موجودة، فإن ذلك لا يعني أن قضية التحرش الجنسي ومحاولة الإغتصاب التي تعرضت لها موظفة الرابطة غير حقيقية وغير صحيحة. ولا يعني أن السلطة مخطئة في تتبعه قضائيا من أجل ذلك، وإن كان البعد السياسي حاضرا في القضية، وذلك لا يعني أنه غير متورط فعلا في هذه الجريمة. وأن ذلك كان محض تلفيق عليه. وأنه ليس وراء المشكلة والقضية إلا البعد السياسي والحقوقي. وأنه استنادا إلى الطبيعة والمرجعية المادية لهذه العناصر والفرق، سواء بالنسبة لأولئك الملازمين لمواقعهم في السلطة أو أولئك الذين اتخذوا مواقع لهم خارجها، فإن مثل هذه الرذائل والفواحش تعتبر في الظروف العادية ممارسات عادية على حد قول مصطفى التليلي عضو الهيئة المديرة الكلف بالفروع عندما كان يقدم لنا خميس قسيلة في اجتماع إخباري بالمنخرطين بفرع قفصة للرابطة على أنه مضطهد سياسي وحقوقي وإنساني. وعلى إثر مشادة كلامية دارت بيني وبينه بخصوص ما وقع فيه مما يتناقض مع حقوق الإنسان، وما فيه اعتداء على حقوق الإنسان. وهو الذي كان يرى أن مثل هذه الممارسات والسكوت عنها والموقف المؤيد لها والصامت عنها وغير الشاجب وغير الرافض لها مخالفا عنده وعند الحضور وبعض عناصر اليسار الذين كانوا حاضرين في نفس المكان وفي نفس الإطار،خرق لحقوق الإنسان واعتداء عليها عندما كان الأمر وقتها متعلقا بحادثة اعتداء على أحد مبيت الطالبات التابع لأحد الأجزاء الجامعية بقفصه، والذي كان مديره عبد العزيز خذيري طرفا فيه ،عندها كانت هذه الأطراف والعناصر من أشد المشهرين بالحادثة وبهذا المسؤول الذي لا يختلف عنهم ولا يختلفون عنه في الحقيقة في مثل هذه الرذائل الإعتداءات على الحريات وعلى شرف الناس وكرامتهم. وهم الذين قدموا ذلك للرأي العام وللحضور على أنه اعتداء على شرف الناس الواجب في نظرهم وقتها صيانته والدفاع عنه. أما وقد أصبح الأمر متعلقا هذه المرة بأحد رموز اليسار- الذي أنكر عن نفسه هذه الهوية في حديث معه في جريدة الصباح عندما التحق بـ”التجمع الدستوري الديمقراطي”سنة 1989 – بمقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وفي حق الموظفة بها، فلا يجب أن يكون هنا معنى لشرف الناس ولا لأعراضهم وكرامتهم.ويصبح التحرش الجنسي ومحاولة الإغتصاب عملا عاديا. وليس ذلك في النهاية إلا تلفيقا من السلطة يستبطن الخلاف السياسي والحقوقي معه، ولإخراج القضية عن حقيقتها وطبيعتها السياسية والحقوقية والإنسانية. وعوض أن تتدخل الهيئة المديرة والشخصيات والأطراف ذات النفوذ وذات الإعتبارات المعنوية والثقل الأدبي المشتكى إليها والمحاطة علما بالقضية، والمطلوب منها التدخل في الوقت المناسب لمعالجة المشكلة والحؤول دون وقوعها ولم تفعل، ربما من خلال النظر إلى المسألة على أنها ممارسة عادية ولا باس بها ،ولا مانع عندها من التنكيل بالموظفة، أو اعتبار سلوكها ذاك غير حضاري وغير متسامح، وينم عن عقلية متخلفة ومتزمتة ،أو ربما إهمال منها وعدم اكتراث ،أو لأي اعتبار من الإعتبارات الكثير المختلفة الأخرى. وعوض أن يكون موقف الرابطة واضحا في إعلان براءتها مما حصل ومن الفاعل، وهي التي يعلم كل أعضائها ذلك، ولا تتردد وبسرعة بفصله من موقعه من الهيئة، وإعفائه من مهامه باعتبار ما حصل هو اعتداء على حقوق الإنسان ـ ظلت محتفظة بعضوية خميس قسيلة وبمهمته وخطته بالهيئة المديرة ،ومتمسكة به وموافقة عليه. بل تجاوزت ذلك إلى الحاقة ممثلا لها بالمعهد العربي لحقوق الإنسان الذي يترأسه اليساري الماركسي المعروف كذلك الطيب البكوش، مما سبب للمعهد مشكلة تمثلت في تجميد السلطة السياسية بتونس لأرصدته المالية. وهو الذي مازال يقدمه آخرون كالآتي “كما أن تجربة السيد خميس قسيلة باعتباره في منطلق انتمائه للهيئة المديرة محسوب على التجمع الحاكم رائد في هذا المجال (الإشعاع الفكري والسياسي) حيث أدى به النسق النضالي في صلب العمل الرابطي إلى تثبيت أن سلطة الحكم غير قابلة بتوسيع هامش الصدقية في الدفاع الفاعل عن منظومة حقوق الإنسان ولا بقبول التشهير بكل التجاوزات التي تتعرض لها جوانب أساسية لهذه المنظومة ولذلك فقد أدى به التزامه النضالي الرابطي على الأقل إلى ضرورة فصم التناقض بين انتمائين متصادمين شكلا ومضمونا“10 .هكذا تعاملت الهيئة المديرة الأولى التي انتزعت الرابطة من براثين النظام، بل والتي خرجت من النظام أو ابتعدت عنه وخرجت بالرابطة وأعادتها وعادت بها إلى ساحة ظلت مفارقة لها طيلة أكثر من عقد من الزمن. وهي رغم كل شيء وبعد كل شيء الهيئة التي وإن أعادت لها بعض استقلاليتها عن النظام، فإنها لم تكن مستقلة عن اليسار الماركسي والقومي العربي. ولم تخرجها من التجاذبات بين نفس الطرفين المتنازعين داخل السلطة وخارجها. وبهذه الخلفية والعقلية التي مازالت تحكم أصحابها، والتي تريد أن تظل بعيدة عن النظام بالرغم مما كانت تلتقي وتتفق معه فيه ،فإنها لم تكن قريبة بما فيه الكفاية من الشعب ومن الإسلاميين ومن وبعض المضطهدين السياسيين الآخرين خاصة، بالرغم مما تعرضوا له ومازالوا يتعرضون له من اضطهاد وانتهاك لحقوقهم ولحقوق الإنسان عموما. وبالرغم من المجهودات المبذولة باتجاه رفع المعاناة التي طال أمدها عنهم.
1- الطريق الجديد عدد 42 أكتوبر 2005
2- الطريق الجديد عدد 43 نوفمبر 2005 .
3- الطريق الجديد عدد 36 مارس 2005.
4- الشيوعي العدد 14 فيفري 2004.
5- الطريق الجديد عدد 35 فيفري 2005 .
6 – الطريق الجديد عدد 40 جويلية 2005
7- الطريق الجديد عدد 43 نوفمبر 2005
8 – نفس المصدر.
9- لجنة الدفاع عن الحريات الديمقراطية المنبثقة عن ندوة بروكسل التي عقدتها المعارضة التونسية أيام 2و3 جوان 2005
10- الطريق الجديد العدد 43 نوفمبر 2005
-الصعوبة الخامسة: وهي صعوبة المؤتمر السادس: (يتبع) بقلم:علي شرطاني قفصة _ تونس
بعد متابعة برنامج ملفات
أي مفهوم للمجتمع المدني يراد لتونس ؟
الحبيب ابو وليد المكني
عندما يتابع المرء برنامج ملفات الذي تبثة القناة 7 التونسية مساء يوم الثلاثاء لا بد أن تتأكد لديه صدقية بعض الأفكار التي مفادها أن الخطاب الإعلامي الرسمي لا زال يتخبط بين محاولات محتشمة يقوم بها الإطار التونسي الكفؤ لدخول عصر حرية انسياب المعلومات و تقاليد سائدة في كل الأوساط التونسية تقيد حرية التعبير بسلاسل متوالية من المراقبة الذاتية و ضرورات استعمال الألفاظ و العبارات التي تفيد ان صاحبها يعبر عن نفسه من داخل التوجه الرسمي و ليس من خارجه و الأحسن من ذلك هو أو يكون حديثة لا يزيد عن شرح هذه التوجهات و العمل على تنزيلها منزل التنفيذ . و هذه بدون مبالغة الأجواء التي تميز العمل الإعلامي في زمن الديكتاتورية عندما يتحول هذا الإعلام إلى مجرد بروبغندا يحاول من خلالها تلميع صورة صاحب الأمر و النهي و فرض نمطية ركيكة في النظر والأداء والتعبير تغلف نفسها في كل عصر بما يناسبه من الشعارات و المقولات السائدة ولكنها لا تجرأ على ملامسة الواقع بعمق مخافة الوقوع في المحاذير التي لا يدري على وجه الدقة ما هي ، فبلزم نفسه بأقصى ما يمكن من الحيطة و التروي فيما يقول و ما يفعل . و سوف يؤثر ذلك طبعا على مردوده الحرفي مما سيجعل من حياته المهنية حياة مثقلة بالضغوط النفسية و العصبية التي لا تحمد عقباها ، ولعل ذلك ما حصل لبعض الإعلاميين اللامعين مثل المرحومين صالح جغام و نجيب الخطاب… بينما يتأكد أن تحرر ثلة من الكفاءات الإعلامية التونسية التي انتقلت للعمل في مؤسسات عربية أخرى من تلك الضغوط هوالذي جعلها تحقق تلك النجاحات الباهرة التي يفتخر بها التونسون في الداخل و الخارج و لعل أبرز الأمثلة لهذا النجاح هم الحبيب حريز و محمد كريشان و عسان بن جدو من العاملين في قناة الجزيرة …
وبالتالي فنقدها في هذا لمقال لا يتوجه أبدا إلى الإنسان التونسي ولكنه يهدف إلى إدانة التوجه الإعلامي المتبع في بلادنا و الذي لا نشك لحظة أنه لن يتغير بقرار يتخذه زيد أو عمر ولكنه في حاجة إلى الدخول في مسار تحرري ديمقراطي قد لا يزيد في نظرنا عن استبدال سياسة رفع الشعارات الجميلة بسياسة أخرى قوامها الصدق في القول و الإخلاص في العمل تحرر الطاقات و تفتح المجال واسعا أمام المواطنين حتى يعبروا عما يخالجهم بحرية ، و لن يحدث ذلك إلا بعد ان تخلو السجون من مساجين الرأي و تتسع البلاد لكل ابنائها ويعم بصدق الشعور بنخوة الإنتساب الوطن …
حلقة هذاالأسبوع من برنامج ملفات كانت تهتم بالمجتمع المدني من خلال طرح موضوع العمل الجمعياتي في تونس ، وللعلم فإن نفس الموضوع قد طرح في حلقة ماضية لم يمر عليها وقت طويل ولم يختلف مضمون الحلقتين كثيرا . فالمفهوم الذي يتم تكريسه للمجتمع المدني في كل مناسبة يدور فيها الحديث حوله هو ما يشمل فقط النسيج الجمعياتي الذي يعمل في الإطار الذي حددته السلطة و قد يتسع بالكاد إلى الجمعيات القريبة من أحزاب الديكور أما تلك المحسوبة على المعارضة فإنها تجرد تماما من الانتساب لأرض تونس لأنها على ما يبدو وقفا على التجمع الدستوري و الحكومة المنبثقة عنه ؟؟ و هكذا نستطيع أن نفهم لماذا كان على المجتمع المدني التونسي ـ حسب جملة المتدخلين ــ أن يقوم بواجبه في التصدي لحركة 18 أكتوبر أيام انعقاد قمتة مجتمع المعلومات في نوفبر الماضي .
و من اول وهلة يتبين المرء الإطار الذي سيتم فيه النقاش وهو متابعة برنامج الرئيس ، فالرئيس عليه أن يقرأ هذا البرنامج في مناسبة معينة لتنطلق بعد ذلك كل الفعاليات في تنفيذه و ليكون ذلك الوسيلة الوحيدة لإثباب وطنية الفرد . ثم بعد أن يرى الوجوه التي ستشارك في الحوار يدرك الحدود التي رسمت له والمضامين التي سوف يتم التعبير عنها فيه و لم يبق له إلا أن ينتظر ما يمكن أن يحدث من مفاجآت قد تقنعه بأنه لم نضيع وقته بالبقاء مع هذه القناة في الوقت التي تبث قنوات أخرى من الخليج الذي طالما قدمناه على أنه رمز للتخلف و السطحية حوارات على مستوى عال من الحرفية و العالمية تتناول آخر المستجدات العربية والدولية و تقدم حولها مختلف الآراء و التصورات .
و لأننا ننتمي للأقلية التي تحاول أن” تشوه ” كما يدعون صورة تونس فإننا سننقل للقارئ وجهة نظرنا من موقع هذه الطائفة و لن نقوم كما يريدون بالترويج لمفاهيم مكرورة تسبح بحمد زيد أو عمر و تقدم ذلك على أنه مكاسب تونس في عهدها الجديد .
لقد استهلت الحلقة بتقديم صورة عن العمل الجمعياتي في تونس أكدت على حجم عددها الذي يقترب من تسعة آلاف جمعية دون تفاصيل مع التأكيد على أن هذا النسيج الجمعياتي هو المعبر الحقيقي على المجتمع المدني التونسي الذي ينمتع بالحيوية و النشاط و يقوم بدوره في بناء المجتمع الديمقراطي … ليس هناك إشارة إلى قانون التدافع بين القوى و لا إلى حجم الضغوط التي قد يكون مارسها هذاالنسيج الضخم لفرض انتهاج سياسات بعينها أو الدفاع عن المجتمع في مقابل جنوح السلطة للانفراد بالقرار ، لأن هذه طبعا أفكار يروجها المنتمون للأقلية التي” تستقوي بالخارج” ، فتونس لها رؤيتها المتميزة في هذا الموضوع وهي رؤية لا يمكن فصلها عن الخيار الشمولي عفوا الديمقراطي ؟؟ الذي يتنهجه النظام منذ الاستقلال و يتمثل في أن النسيج الجمعياتي المطلوب بإلحاح يجب أن يقوم بدور تنزيل قرارات السلطة و برامجها في واقع التونسيين لضمان حسن الالتزام بها و تطبيقها و لا مجال أن تتحول هذه الجمعيات إلى هياكل تؤطر جهد المجتمع المدني من أجل إحداث التوازن السياسي مع السلطة الذي بدونه لا يمكن أبدا أن نتحدث عن دولة ديمقراطية بأي شكل من الأشكال .
و هذا ما تبين بوضوح من خلال هذه الحلقة من برنامج ملفات ، فالحديث الكثير عن ترسيخ عقلية الإقبال على العمل التطوعي لم تخرج عن هذه الاهداف قيد أنملة ، فالمنطوعون الذين لم يبخل عليهم الجميع بعبارت الإطراء و التشجيع و الثناء هم أولئك الجنود الذين يحققون لتونس تلك المكاسب في كنفة الإلتزام بتنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس ، أما أولئك المعترضون من أي فصيل كانوا فلا بد أولا من التقليل من شأنهم و تجريدهم من وطنيتهم ،باعتبارهم شراذم من الناس تعيش في الداخل و تستقوي بالأجني أو تقيم في الخارج و لا تعرف عن تونسها شيئا ،
هذا هو المحتوى الذي كان يجب أن يبرز من خلال الحوار أما عن المفاجآت التي لولاها لكانت متابعتنا للحلقة مضيعة لوقت ثمين، فتتمثل في ما فرض نفسه على الجميع وهي آثار إضراب الجوع التي قامت به مجموعة من الشخصيات الممثلة حقيقة للمجتمع المدني على مؤتمر قمة المعلومات إذ أشار أحدهم إلى أن هذه التحركات تمكنت من التشويش على المؤتمر وتبين معها أن النسيج الجمعياتي التونسي الهائل لم يمنع ذلك “التشويش ” مما يجعله في حاجة إلى إعادة تأسيس و ترشيد ، معتبرا أن الهياكل المشاركة في ذلك التحرك لا تدخل فيما يسميه بالمجتمع المدني التونسي … هكذا ؟؟ ثم قام نفس المتدخل الذي يمثل جريدة الشروق بإبداء ملاحظة في سياق توضيح ما صرح به الآخرون تلميحا وهو أمر يخص وضع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وكانت من الجمعيات القلائل التي ذكر اسمها . ” و اما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيبقى في الأرض ” و فهمنا من ذلك أن هناك خطا احمر قد رسم لكل المدعويين يتمثل في عدم الخوض في جمعيات بعينها حتى لا ينكشف المستور أو يقع البعض في المحذور …
المشاركة الأخرى التي كان لا بد أن تثير اهتمامنا هي مداخلة أحد المحسوبين على المعارضة من حركة الديمقراطيين الإشتراكيين ــ علما أنه كان الوحيد الذي يحتفظ بشاربه ويبدو ان حلق الشارب أصبح من سمات الشخصية التونسية ـــ فقد حمل معه رزمة من الأوراق سجل فيها كل ما يستدعي قوله حتى لا ينزلق لسانه فيخرج عن الإطار الضيق الذي وضع له ، و قد نجح المسكين نسبيا في التصريح بجزء من خطاب المعارضة مع التأكيد المستمر على أنه يتحدث من موقع الموالاة و بعيد كل البعد عن أي نوع من المغالاة . و لم يتطرق صاحب الشارب إلى مفهوم المجتمع المدني الذي يضم الأحزاب السياسية و النقابات المهنية إلى جانب النسيج الجمعياتي و لم يذكر شيئا عن دوره في حفظ التوازن السياسي بين السلطة و الشعب و لم يتطرق أبدا إلى حرمان الكثير من الجمعيات من الاعتراف القانوني … لكنه أكد على ضرورة إحداث مفهوم جديد للتطوع يكون حافزا على البذل و العطاء ,
و مما سجله المتابع المحسوب على الأقلية المشوشة من المفاجآت حديث أحد المعنيين بالعمل الجمعياتي عن فقدان الجمعيات التونسية إلى المشاريع الواضحة و إلى الشفافية التي تكشف عن حجم ميزانياتها و تبين كيفة التصرف في مواردها ، و هذا باب سيكون من الصعوبة بمكان غلقه إذا فتح لذلك تدخل المنشط سريعا لتطويق المشكل ، و أضاف المسؤول أنه قد انعقد ملتقى بالتنسيق بين وزارة الداخلية و منظمة الأمم المتحدة ضم عددا كبيرا من مثلي الجمعيات التونسية و كان فيه كلام كثير عن نقص الدعم المالي و غيره من المواضيع لكن عندما وصل الأمر إلى تقديم المشاريع الواضحة التي على اساسها سيقع تقديم الدعم المالي تبين أن الأمر يتجاوز الجميع . و أظن أن المرء لا يحتاج بعد هذا الإقرار إلى كثير من النباهة و الذكاء حتى يتبين له تهافت خطاب ممثل التجمع في الحلقة الذي كان يكرر على مسامعنا طوال الوقت حديثة عن بصمات العمل الجمعياتي التي نجدها في كل طريق و ميدان ، فاي نشاط هذا، لجمعيات لا تملك مشاريع واضحة ولا برامج محددة ؟؟
و قبل نهاية الحصة بقليل كان يجب أن نسمع مداخلة هاتفية يتيمة من مواطنة عاملة في جمعية “دستورية” كان المطلوب ميها أن تدلي بشهادة على أن العمل الجمعياتي في أوروبا و من خلال تجربتها الخاصة هو عمل خاضع لإشراف الحكومات و أن تونس لا تشد في ذلك عن القاعدة . و لم تنسى المتدخلة أن تقدم نموذجا لممثل جمعية سويسرية كان طوال الوقت يتخاطب مع سفارة بلاده في شأن ذلك الملتقى . و بهذا ” كاد المريب يقول خذوني ” فالمراد هو تصفية الحساب مع البلد الذي كان أكثر حزما من غيره في مساندة المجتمع المدني الحقيقي في تونس أيام انعقاد مؤتمر قمة المعلومات . ولا شك أن هذه “المفاجآة” أيضا تعبر عن جهلها أو تجاهلها لمفهوم العمل الجمعياتي في الدول الديمقراطية أين تراقب الدولة الجميع و تصرف على الجميع وتكون فيها الكلمة الفصل لصندوق الإقتراع في تعيين أصحاب القرار مع ترك هامش واسع تتحرك فيه هياكل المجتمع المدني بحرية للدفاع عن مصالح و آراء المنتمين إليها …و ليست أدوات طيعة في خدمة أولي الأمر .
و طبيعي أن يكون هناك اشياء أخرى تستحق النقد و التعليق و لكننا لم نفعل ذلك تجنبا للإطالة غير أننا لا ننسى ان نذكربأن انتقادنا لأسلوب التلفزة التونسية في إجراء مثل هذا الحوار لايعني أبدا أننا لا نقدر الجهد الذي يقوم به معظم المنخرطين في العمل الجمعياتي التونسي الذين يقدمون العون للمعوزين و المرضى و المعوقين و ينتشلون جزء من شبابنا من الضياع ، و هؤلاء لا يتساوون ابدا مع أولئك الذين يدفعون معلوم اشتراك المنخرطين من جيوبهم ، ليضمنوا تصويتهم لهم في الانتخابات لأنهم حتما يعلمون أن احتلال تلك المواقع ليس للتطوع فقط لخدمة الصالح العام و لكنه لحاجات أخرى في نفوسهم لا تخفى عنا .
عن موقع الوسط التونسية
المسلك الإستئصالي أم الحواري أنجع للتعامل مع الإسلام السياسي؟
غياب الديمقراطية يعمّق التبعية للخارج
وطني في أمس الحاجة إلى رجال.
تونس في 25/04/2006 بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري
تعقيبا على مقال عمر الماجري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي
بعنوان ” حتى لا تتحول المظالم إلى مفاخر – الذي نشره بجريدة الموقف في عدده 356 الصادر في 21 / 04 / 2006
لاريانة عبق لا يشيخ
كيف السبيل إليك…؟
اغتصبوكِ وأنت شابّّة عـــــــــــــــــــذراء
قـتلوا فيكِ الوفاء وباعوك للأعــــــــــــداء
قبضوا ثمن الجريمة بكم رأس من الشهداء
فكيف السبيل إليكِ والجرح ينزف دمـــــاء؟
********
كنتِ بالأمس بيت الأحرار والأتقيــــــاء
فصرت اليوم بيتا للعبيد ومرتعا للسّفهاء
غدروا بك ظلما و بهتانا وافتـــــــــراء
رقصوا على أشلاء الضحايا الأبريــاء
وغنّوا نشيد الحرية الــخـــرســـــــــــاء
فكيف السبيل إليك والجرح ينزف دماء؟
********
ضيّعوا أعمارنا بين الشعوب غربــــــــــــاء
سرقوا أفكارنا ليصبحوا أبطالا زعمـــــــــاء
باعوا الأرض وعلى شفاههم ضحكة استهزاء
وزينوا الزنزانة بصور الشـرفـــــــــــــــاء
فلا تبكي جريحا يعيش بين الأحيــــــــــــــاء
بل فابكي فقيدا عزّ به الــلـقــــــــــــــــــا ء
********
لا تنبهري بالقصور الشامخات في السماء
فتحت القصور بركان عاصفة هوجــــــــاء
فكم تمنيت لو ترميهم بالحجارة الصمـّـــــاء
فعار أن يحكم تونس أقزام جبنــــــــــــاء
أم مـــــــــعاذ ـ ألمانيـــا
2006.04.30
“القضاة آخر مسمار في نعش الديمقراطية”