الأحد، 28 سبتمبر 2008

Home – Accuei

 

TUNISNEWS
8 ème année, N°3050 du28.09.2008
 archives : www.tunisnews.net 

هند الهاروني : عبد الكريم الهاروني في شبه إقامة جبريّة

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين:بعد الحكم بسجن الصحفي إبراهيم عيسى .. : الكلمة الحرة .. خلف القضبان..!؟
 

المجلس الوطني للحريات:الاتهامات الموجهة إلى محي الدين شربيب تزييف للوقائع وتجريم لحرية التعبير

العرب: جمعية تونسية تتهم مسؤولين أمنيين بالإشراف على التعذيب

إسماعيل دبارة: دعوة إلى تكثيف الجهود من أجل إلزام السلطات بوضع حدّ للتعذيب

 الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية : دعوة

د. عبد المجيد النجار: الضرر المنهجي في أزمة المواجهة

الشيخ راشد الغنوشي: حق الإختلاف وواجب وحدة الصف(كتب بسجن برج الرومي رمضان 1403 ـ جوان 1983)

pdpinfoحوار مع …الأستاذ “محمد عبو” (محامي ، ناشط حقوقي تونسي…)

الطريق الجديد : زياد الهاني: “الإبحار والتعبير والتواصل هو الاستثناء، والمنع والحجب والغلق هو القاعدة”

طارق الكحلاوي: في الحجب وعقلنته

بوبكر الصايم:  الأصولية الدينية – الحركة الدينية السياسية التونسية كمثال

زهير الشرفي : صلاح الجورشي في معركة الحجاب كمثال

د. خــالد الطــراولي: عيد بأي حال عدت يا عيد…؟ نـــداء

عبد اللطيف الفراتي: وجه جديد للأمية

النفطي حولة : هيا  يا ابني ..

خالد الكريشي : قصة قصيرة : صــــورة الـــــــوالـد

الحبيب ستهم : من وحي الجنازات

برهان بسيّس: لا صلح… لا اعتراف… لا تفاوض بين فتح وحماس

قدس برس: مسلسلات هابطة اللغة وأخرى غير عائلية.. تونس في رمضان: تفوق التلفزيون الرسمي و’حنبعل’ تعترف بالفشل

الشرق الأوسط: «صيد الريم» يطرح مشاكل التحرش الجنسي

 السبيل أونلاين : قصة يوسف عليه السلام وطريق الانفراج والتأهيل الرسالي(1)

العفيف الأخضر: في الدين والدنيا (4): إلى متى الجهاد التلمودي الإسلامي؟

  شينخوا: الجيش الجزائري يقتل ثلاثة مسلحين بالقرب من الحدود التونسية

شبكة الدفاع عن حرية التعبير بشمال افريقيا:”جنح الصحافة” بمصر: محكمة الاستئناف تحكم بالسجن شهرين ضد الصحفي إبراهيم عيسى

إسلام أونلاين: مصر.. حكم واجب النفاذ بحبس الصحفي إبراهيم عيسى

حمدي عبدالرحمن  : استقالة ثابو مبيكي.. دروس وعبر!


 (Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم  وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين 

 

 

21- هشام بنور

22- منير غيث

23- بشير رمضان

24- فتحي العلج 

 

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- الصادق العكاري

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش

6- منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8- عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1- الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلو


سم الله الرّحمان الرّحيم تونس في 28 سبتمبر 2008-28 رمضان 1429

هند الهاروني :عبد الكريم الهاروني في شبه إقامة جبريّة

 

هذه اللّيلة الأحد 28 رمضان حوالي الساعة الحادية عشر ليلا، إثر صلاة التّراويح و بينما كان أخي عبد الكريم وأخي إلياس و النّاشط الحقوقي و عضو المكتب التّنفيذي لمنظّمة “حرّيّة و إنصاف” السّيّد حمزة حمزة في المقهى، تدخّل حوالي 8 أعوان أمن بالزّيّ المدني يتقدّمهم إطار أمنيّ و طلبوا من السّيّد حمزة حمزة الخروج معهم فسألهم عن السّبب فردّوا بأنّ عليهم جميعا أن يغادروا المقهى فاحتجّ أخي عبد الكريم بأنّ من حقّ السّيّد حمزة حمزة الجلوس معه و من حقّهم جميعا الجلوس في المقهى و سألهم عن سبب تصرّفهم هذا فأجابوا بأنّها “تعليمات” فعبّر لهم أخي عبد الكريم على أنّ الّذين أصدروا هذه التّعليمات يرتكبون خطأ و أنّه لا يمكنه أن يقبل بهذه المعاملة، حصار حول البيت و منع للزّوّار و متابعة لصيقة و منع من الجلوس في المقهى مع أصدقائه، فأجابوه بأنّه عندما يقابل مسؤولين كبارا يمكنه الحديث معهم في هذه الأمور، أمّا هم فينفذون التّعليمات ففضّل أخي و من معه مغادرة المقهى احتراما لصاحبه و لراحة الجالسين فيه و قد حرص أعوان الأمن على أن يغادر أخي عبد الكريم و من معه المقهى كلّ على حده و عند وصوله إلى بيتنا بقيت سيّارة لأعوان الأمن أمام المنزل. مع الإشارة إلى أنّ الحصار الأمني على أخي عبد الكريم قد اشتدّ خصوصا منذ انتخابه كاتبا عامّا لمنظّمة “حرّيّة و إنصاف” في مطلع شهر سبتمبر فبالإضافة إلى منعه من دخول مقرّ المنظّمة الكائن ب 33 نهج المختار عطيّة-تونس، وقع منع الأستاذ محمّد النّوري و عضوين من المكتب التّنفيذي للمنظّمة يوم السّبت 20 سبتمر من الدخول إلى بيتنا لزيارة أخي عبد الكريم و اليوم يقع منعه من الجلوس في المقهى مع ملاحقته أينما توجّه بما في ذلك للصّلاة في المسجد و زيارة والدتنا رحمها الله في المقبرة. الأمر الّذي جعل أخي عبد الكريم يعيش في شبه إقامة جبريّة و ما يمثّله ذلك من اعتداء على حرّيّته  و كرامته و يتعدّاه إلى التّضييق على عائلته و أقاربه و أصدقائه و جيرانه. و أمام خطورة هذا الوضع أدعو كلّ الأحرار في بلادنا و في العالم إلى العمل على وضع حدّ لهذه المعاملة اللا قانونيّة و اللا إنسانيّة و رفع هذا الحصار كخطوة أولى على طريق استرداد أخي عبد الكريم لحقوقه المدنيّة و السّياسيّة كاملة. هند الهاروني

 “ أطلقوا  سراح جميع المساجين السياسيين “   “الحرية للصحفي المنفي في وطنه عبدالله الزواري“ الجمعية الدولية  لمساندة المساجين السياسيين نهج الجزيرة تونس 43 e-mail: aispptunisie@yahoo.fr
تونس في 28 سبتمبر2008

بعد الحكم بسجن الصحفي إبراهيم عيسى .. : الكلمة الحرة .. خلف القضبان..!؟

 

 
أصدرت محكمة استئناف القاهرة اليوم الأحد 28 سبتمبر 2008 حكما بسجن الصحفي إبراهيم عيسى ( رئيس تحرير صحيفة الدستور المصرية ) شهرين مع النفاذ بتهمة .. “نشر أخبار كاذبة عن صحة الرئيس المصري من شانها الإضرار بالمصلحة العامة والاقتصاد القومي” .. ! ، و إذ تعرب الجمعية عن استنكارها للسعي للزج بصحفي نزيه في السجن عقابا على مقال عبر فيه عن رأيه بكل حرية ( و أورد فيه أخبارا منسوبة لمصادرها..) فإنها تعرب عن رفضها المبدئي للقوانين التي تشرع لملاحقة الصحفيين ووضعهم تحت طائلة التهديد المستمر بدخول السجن في قضايا النشر . كما تجدد الجمعية مطالبتها بلجم أجهزة أمن الدولة و تحديد مهامها برعاية أمن و سلامة الوطن و المواطنين بدل التفتيش في ضمائر الصحفيين و تأويل مدلولات مقالاتهم .. و النبش في نواياهم .. ! عن الجمعيــة الكاتب العام الأستاذ سميـر ديلــو


تونس في 28 سبتمبر 2008  

الاتهامات الموجهة إلى محي الدين شربيب تزييف للوقائع وتجريم لحرية التعبير

 

تلقّى المجلس الوطني للحريات ببالغ الاستغراب توجيه قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بقفصة إلى الناشط التونسي المهاجر محي الدين شربيب رئيس فدرالية التونسيين مواطني الضفّتين تهم تكوين عصابة والمشاركة في وفاق يهدف إلى تحضير وارتكاب اعتداء على الأشخاص والممتلكات وعرض وتوزيع وثائق ومنشورات على العموم بهدف النيل من الأمن العام إضافة إلى تهم عديدة أخرى وجّهت أيضا إلى عدد من النقابيين والناشطين بمنطقة الحوض المنجمي. وقد تم ختم التحقيق القضائي يوم 15 سبتمبر الجاري. وكان محي الدين شربيب قد نشّط في إطار جمعيته المذكورة حركة تضامن واعتصامات بفرنسا لمساندة أهالي الحوض المنجمي والتعريف بحركتهم الاحتجاجية. واعتبرت السلطات التونسية تحركات شربيب واتصالاته بمناضلي الحوض المنجمي جزءا من مخطط جماعي لإرباك النظام. وكانت تلك التحركات الشعبية التي تواصلت ستة أشهر كاملة من بداية العام الجاري قد حظيت بمساندة واسعة في تونس من أحزاب وجمعيات وساهم مناضلو الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاداته الجهوية في دعمها. لكنّ السلطات اختارت الأجهزة الأمنية لإخماد الاحتجاجا عبر القتل والتعذيب والسجن. والمجلس الوطني للحريات: -يعبّر عن تضامنه الكامل مع السيد محي الدين شربيب  ويعتبر أنّ التهم الموجّهة إليه ما هي إلاّ عقابا له على مساهمته في حركة التضامن والتحركات خارج تونس لمساندة مطالب أهالي الحوض المنجمي.  -يعتبر أنّ معظم التهم والمتعلقة بالعنف الموجهة إلى محي الدين شربيب ومن معه ترتكز على وقائع ممارسة حرية التعبير والرأي. -يطالب بوقف التتبعات المفتوحة في هذه القضية وإطلاق سراح جميع معتقلي الحوض المنجمي. عن المجلس الناطقة الرسمية سهام بن سدرين  


جمعية تونسية تتهم مسؤولين أمنيين بالإشراف على التعذيب

 

تونس – محمد الحمروني  أصدرت الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب تقريرا جديدا تعرضت فيه للانتهاكات الجسيمة الجارية في مخافر الشرطة التونسية. وخصصت الجمعية تقريرها للانتهاكات التي تعرض لها الموقوفون على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية بمنطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة (500 كلم جنوب العاصمة تونس). وطالبت الجمعية بـ «فتح تحقيق حول أعمال النهب والتنكيل والقتل التي تعرض لها أهالي قفصة على أيدي قوات البوليس ومعاقبة المسؤولين عن ذلك أمرا وتنفيذا، والتعويض لمدن الرديف وأم العرائس والمظيلة والمتلوي عما لحقها ولحق سكانها من أضرار مادية ومعنوية». وقالت الجمعية إن الشرطة التونسية استعملت بشكل «منهجي الضرب والتهديد والإهانة ،كما أنها لم تتورع عن التحرش الجنسي بالناشطة السياسية زكية الضيفاوي وتهديدها بالاغتصاب لإجبارها على التوقيع على محضر اتهام لم تتطلع على ما جاء فيه». وذكر البيان أن الهدف من التعذيب لم يكن اقتلاع اعترافات أو إجبار الضحايا على التوقيع على محاضر اتهام معدة سلفا فقط، بل تعداه إلى «الرغبة في الانتقام منهم وترهيبهم .. وثنيهم عن ممارسة حقوقهم «. وفي تصريحات صحافية أكد منذر الشارني الكاتب العام للجمعية أن ممارسة التعذيب في القضايا ذات الطابع السياسي في تونس، ليست مجرد تجاوزات فردية، بل هي ممارسة ممنهجة، تمثل جزءا لا يتجزأ من أسلوب الحكم.وبين الشارني أن ممارسة التعذيب تتميز بكونها شاملة، إضافة إلى أن كونها تتم تحت إشراف مسؤولين أمنيين كبار ذكر بعضهم بالاسم مثل محمد اليوسفي رئيس فرقة الأمن السياسي التي تعرف في تونس باسم فرقة الإرشاد، وبلقاسم الرابحي رئيس الفرقة الثانية المختصة بقفصة.وأكد على رفض الجهاز القضائي التونسي عرض الضحايا على الفحص الطبي وفتح أبحاث جدية في ممارسة التعذيب، رغم مطالبات المحامين بذلك.   المصدر: جريدة العرب (يومية – قطر) بتاريخ 28- 09-  2008


 

دعوة إلى تكثيف الجهود من أجل إلزام السلطات بوضع حدّ للتعذيب

إسماعيل دبارة من تونس: قال المحامي والحقوقي التونسي المنذر الشارني الكاتب العام للجمعية التونسية لمقاومة التعذيب في لقاء مع ‘إيلاف’ إنّ عددًا كبيرًا من الموقوفين على خلفية الإحتجاجات الاجتماعية على البطالة والفقر والتهميش والمحسوبية والفساد، التي شهدتها منطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة الجنوبية وعلى مدى الستة أشهر الأولى من العام الحالي، أكّدوا أنهم كانوا عرضة للتعذيب بمختلف أشكاله المادية والمعنوية أثناء اعتقالهم من طرف البوليس السياسي وخصوصًا في منطقة الأمن بقفصة التي نقلوا إليها بعد إيقافهم’. وقال الشارني :’تُبيّن الشهادات التي قدمها الضحايا سواء لمحاميهم أو عائلاتهم أو أمام المحاكم (بالنسبة إلى الذين تمت محاكمتهم) والتي نشرت الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب دفعة جديدة منها في تقريرها الأخير الصادر يوم 24 أيلول الجاري أن البوليس التونسي استعمل بشكل منهجي الضرب والتهديد والإهانة وسوء المعاملة، كما أنه لم يتورّع عن التحرش الجنسي بالناشطة السياسية والحقوقية زكية الضيفاوي التي أوقفت في هذه القضية وتم تهديدها بالاغتصاب لإجبارها على التوقيع على محضر بحث لم تطلع عليه’. وأضاف: ‘لم تتورّع عناصر الأمن عن استخدام العنف الجنسي أثناء استنطاق عدد من الشبان الموقوفين كإدخال ‘ماتراك’ بالدبر، التهديد بالاعتداء، الضرب والضغط على الأعضاء التناسلية’. وأكّد الكاتب العام للجمعية التونسية لمناهضة التعذيب التي لم تنل الاعتراف القانوني بعدُ أنّه ‘من الواضح من خلال هذه الشهادات التي استقيناها من تصريحات عدد من الموقوفين الذين مثلوا أمام المحكمة وعائلاتهم وأقاربهم أن الهدف من ممارسة التعذيب لا يتمثل في اقتلاع اعترافات أو في إجبار الضحايا على التوقيع على محاضر جاهزة مسبقًا، وإنما يتعدى ذلك إلى الرغبة في الانتقام منهم وترهيبهم وكسر معنوياتهم وثنيهم عن ممارسة حقوقهم التي تكفلها لهم المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ومن بينها الحق في التعبير والاحتجاج السلمي’. ودعا السلطات إلى إعادة النظر في موضوع الاعتراف بجمعيته وكل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي لم تنل الاعتراف القانوني بعد نظرًا لدورها الأساسي والايجابي في البلاد. وكانت الجمعيّة قد أصدرت تقريرًا يوم 24 أيلول الجاري جاء فيه: ‘الواضح أيضًا أن ممارسة التعذيب في عدد من القضايا كما في سائر القضايا ذات الطابع السياسي في بلادنا، ليست مجرد ‘تجاوز’ قام به عون أو عدد من الأعوان في حق هذا الموقوف أو ذاك، دون علم من رؤسائهم أو من السلطات القضائية والسياسية، بل هي ممارسة ممنهجة، وتمثل جزءًا لا يتجزأ من أسلوب حكم قائم على القهر، وذلك للأسباب التالية: أولاً: إن ممارسة التعذيب وفقًا لتعريف الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، كانت عامة وشاملة إذ لم يفلت منها تقريبًا أي من الموقوفين الذين تجاوز عددهم المئة. ثانيًا: إن هذه الممارسة تمت وتتم بمشاركة أو تحت إشراف مسؤولين أمنيين كبار بالجهة. ومن الملاحظ أن اسم كل من محمد اليوسفي، رئيس فرقة الإرشاد بقفصة وبلقاسم الرابحي رئيس الفرقة الثانية المختصة بقفصة يترددان كثيرًا في شهادات الموقوفين لضلوعه المباشر في تعذيبهم. وقد أكدت زكية الضيفاوي الموقوفة على إثر مسيرة 27 يوليو التضامنية مع المساجين أن محمد اليوسفي تحرّش بها جنسيًا وهددها بالاغتصاب. وقد كان حاضرًا في قاعة الجلسة يوم 1 أوت في حركة استفزازية لضحاياه ولعائلاتهم ومحامييهم. ثالثًا: إن جهاز القضاء يتستر على ممارسة التعذيب ويوفر الحماية للجلادين. فقد يرفض في مختلف المراحل عرض الضحايا على الفحص الطبي. كما رفض فتح أبحاث جدية في ممارسة التعذيب على قاعدة تصريحات الضحايا على الرغم ممّا فيها من تفاصيل دقيقة حول هذه الممارسة وحول الأماكن التي تتم فيها والأعوان الذين يقومون بها أو يشرفون عليها، رغم الآثار البادية على أجساد الضحايا. رابعاً: إن ممارسة التعذيب تتم بحماية من السلطة السياسية. فالتقارير التي تتحدث عما تعرض له الموقوفون من تعذيب، والصادرة عن هيئات حقوقية هي كثيرة وقد وجهت إلى السلطات ومع ذلك فإنها لم تحرّك ساكنًا لوضع حدّ لهذه الممارسة ومحاسبة الضالعين فيها، بل إنها تواصلت بشكل واضح مما يدل على أن الجلادين ينفّذون أوامر عليا ويتمتعون نتيجة ذلك بالحماية اللاّزمة. ورصد التقرير المطوّل للجمعية التونسية لمقاومة التعذيب عدد من الشهادات المؤثّرة على لسان موقوفين مثلوا أمام المحكمة خلال العام الجاري وذكروا أنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة، كما سبق للجمعيّة أن نشرت تقريرين مفصلين عن حالات تعذيب مماثلة في ما بات يعرف بقضية ‘مجموعة سليمان’.  وأكّد الشارني لـ ‘إيلاف’ ضرورة تكثيف الجهود محلّيًا ودوليًّا من أجل إلزام السلطات التونسية باحترام تعهّداتها الدولية ووضع حدّ لممارسة التعذيب وظاهرة الإفلات من العقاب مناشدًا كل الهيئات الحقوقية والنقابية والسياسية والثقافية في تونس بالوقوف إلى جانب أهالي الحوض المنجمي من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين، الموقوفين والمحاكمين، دون قيد أو شرط ووضع حدّ للتّتبعات ضدّ الملاحقين وفتح تحقيق حول ما تعرّضوا له من تعذيب وسوء معاملة، بمحلات البوليس وبالسجون’. كما دعا إلى فتح تحقيق حول أعمال النهب والتنكيل والقتل التي تعرّض لها الأهالي على أيدي قوات البوليس ومعاقبة المسؤولين عن ذلك أمرًا وتنفيذًا والتعويض لمدن الرديف وأم العرائس والمظيلة والمتلوي عمّا لحقها ولحق سكانها من أضرار مادية ومعنوية. وتأسّست الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب في تونس في 26 يونيو 2003 تزامنًا مع اليوم العالمي للأمم المتحدّة لمساندة التعذيب ومن أهدافها تطوير التشريعات المحليّة لمناهضة التعذيب و إحصاء ومتابعة حالات التعذيب وتقديم المساعدة القضائية والطبية لهؤلاء الضحايا. من جهتها تنفي الحكومة التونسية حصول تعذيب أو انتهاكات في مخافر الشرطة أو تعرّض أي من المعتقلين لسوء المعاملة. وغالبًا ما يؤكّد مسؤولون كبار في الدولة على علوية القانون ووجوب احترامه ، وجددوا الالتزام في أكثر من مناسبة على عدم حصول انتهاكات ، وأن ‘العدالة تتخذ مجراها في حال حصول تجاوز هنا أو هناك’. (المصدر: موقع إيلاف (بريطانيا) بتاريخ 28 سبتمبر 2008) الرابط: http://www.elaph.com/Web/Politics/2008/9/369372.htm
 


 
دعوة

يتشرف الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية بدعوتكم لحضور التظاهرة التي ينظمها بمناسبة اليوم العالمي لإلغاء عقوبة الإعدام ” من اجل عالم بلا عقوبة الإعدام” وذلك يوم الجمعة  10 أكتوبر 2008  على الساعة 15 و30 دقيقة ، بمقره الكائن ب 67 شارع أم كلثوم تونس 1000المدرج ب، الطابق الثالث.  
البرنامج
الساعة 15 و30 دق إلى 15 و50دق: مداخلة ” نضالات المجتمع الدولي والمجتمع المدني التونسي من اجل إلغاء عقوبة الإعدام” تقديم الأستاذ رابح الخرايفي الساعة 15و 50دق الى16 و05 دق:مداخلة “مشروع القانون المقدم من طرف أعضاء البرلمان من اجل إلغاء عقوبة الإعدام”: تقديم أعضاء البرلمان الساعة 16 و05دق إلى 16 و55دق : نقاش الساعة 16 و 55دق إلى 17 و05دق: استراحة قهوة الساعة 17 و05 دق إلى 17و25 دق : مداخلة ” عقوبة الإعدام في البلدان العربية والإسلام” تقديم الأستاذ سامي براهم الساعة 17و 25دق: نقاش الساعة 18 و15 دق: الاختتام


الضرر المنهجي في أزمة المواجهة

د. عبد المجيد النجار، أستاذ جامعي مقيم بباريس حينما تنشب مواجهة بين طرفين من المجتمع الواحد فإنّ أضرارا كثيرة تصيب الطرفين في الغالب أو أحدهما على الأقلّ ، وحينما تشتدّ تلك المواجهة لتأخذ شكل تدافع صراعي عنوانه التنافي الذي يسعى  من خلاله كلّ طرف إلى نفي الطرف الآخر فإنّ حجم الضرر يتوسّع في كمّه وكيفه، وحينما يكون ذلك الصراع قائما على ظلم يشعر أحد الطرفين أنّه مسلّط عليه من قِبل الآخر فإنّ الضرر قد يبلغ مداه من العمق على واجهات متعدّدة، نائلا بالأساس من الطرف المظلوم أو الشاعر بأنه كذلك. قد يكون معهودا ما يترتّب على المواجهات الصدامية من ضرر يلحق النفوس والأجسام: ألما معنويا وماديا، أو يلحق بالأسر: معاناة عاطفية وتفكّكا في الروابط، أو يلحق بالأموال: تلفا لأعيانها أو عجزا عن تحصيلها، ولكن قد يغفل كثيرون عمّا تسبّبه تلك المواجهة من ضرر بالغ في المنهج الذي يتمّ به التفكير في تقدير الأمور وصناعة الحلول، ويتمّ به اتخاذ المواقف العملية لمواجهة الأحداث، وهو الأمر الذي يزداد استفحالا حينما يتوالى أمد الصراع، ويمتدّ في الزمن طويلا، وأخطر ما في هذا الضرر أنه يطال الآلة التي تتمّ  بها صناعة الأحكام، ألا وهي المنهج، فيمتدّ أثره بالسلب إلى كلّ ما تثمره تلك الصناعة من الأفعال والمكاسب والأعمال. وإن لهذه المقولة لمصداقا في الماضي والحاضر حتى لكأنها قانون تجري به الحياة الاجتماعية في كلّ زمان. في الماضي اشتبك الخوارج في صراع مرير مع الحكام ومع غيرهم من طوائف المسلمين، فكان من الثمار المرّة لذلك ما ترسّخ لديهم من منهج تكفيري أصبحوا يزِنون به كلّ الآراء والمواقف، وحدثت من ذلك فتن كقطع الليل لا تزال آثارها فاعلة إلى اليوم. والشيعة في صراعهم مع أولي الأمر من الحكّام اختزنوا شعورهم بالظلم حتى تحوّل إلى منهج تأويلي باطني أتى عند بعضهم بالتحريف على أصول من الدين، وإلى الحكم بالضلالة التي قد تصل إلى حدّ الكفر على كلّ مخالفيهم فيما يعتقدون. ولسنا اليوم في منجاة من أن ينطبق علينا هذا القانون، كما أنه لن يكون شفيعا لنا يحول دون ذلك حسنُ النوايا وصدق الضمائر والمصابرة على ما نعتقد أنه الحقّ؛ ولذلك فإن الصراع الذي تخوضه بعض أطراف المجتمع مع أطراف أخرى أو مع النظام الحاكم مرشّح هو أيضا إلى أن يفضي بنا إلى أخلال منهجية نلمح بعضا من إرهاصاتها بل بعضا من بوادرها فيما نقرأ من المقالات وما نشهد من المواقف؛ ولذلك وجب التنبيه إلى هذا الخطر حتى لا نفقد الميزان المنهجي الذي نزِن به الرؤى ونقدّر به المواقف، فتنكسر إذن مجاذفنا، ونلقي بأنفسنا إلى التهلكة. ولعلّ من أهمّ ما يصيبنا من خلل منهجي جرّاء الصراع الذي طال أمده في بلادنا بين بعض الأطراف فيها ما نورده تاليا:

1 ـ  تقدير الوقائع بميزان العواطف.
لعلّ الخطوة الأولى في المنهج الصحيح الذي ينبغي أن يكون ميزانا للحقّ في الرؤى والمواقف هو تشخيص الواقع الذي هو مسرح التدافع على نحو ما هو عليه في حقيقته الذاتية، إذ ذلك هو المدخل الصحيح للتعامل معه التعامل المؤدّي إلى ما فيه الخير، ولكنّ الصراع حينما يطول أمده، وتشتدّ وطأته كثيرا ما يفضي بالمتصارعين إلى تشخيص الواقع من خلال ما تحكم به العواطف: نكالا في الطرف المقابل بتبشيع صورته إلى أقصى حدّ ممكن أحيانا، أو استخذاء انتهازيا أحيانا أخرى، وفي كلّ الحالات ترتسم صورة لمجمل المشهد لا تعكس الحقيقة الواقعية، وتُبنى على تلك الصورة الزائفة برامج العمل، وأساليب التعامل، ولا تكون النتيجة إلا خطأ لأنها بُنيت على الخطإ. وقد تكون حقيقة الواقع معلومة أحيانا، ولكن يقع كتمانها وتُظهر بدلها الصورة الزائفة استجابة لما تقتضيه المناورات السياسية التي أصبحت لا تنضبط بضوابط العدل، وهي درجة من الخطإ فيما نقدّر بسيطة التركيب، ولكنّ الدرجة المركّبة من الخطإ والتي قد تنتهي إلى الضرر الأبلغ هي تلك التي تستقرّ فيها الصورة الزائفة للواقع في الأذهان منسوجة بخيوط العواطف مع الاعتقاد بأنها هي الحقّ، ثم يقع الانطلاق منها على زيفها لتكوين الرؤى والأفكار، ورسم خطط المواقف والمواجهات، ولا تكون النتيجة إذن إلا البوار في تلك الرؤى والمواقف، إذ شرط العلاج لكي يكون ناجعا هو أن يكون تشخيص الداء صحيحا، ولعلّ ذلك هو ما نبّه إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ‘ ولا يجرِمَنّكُم شَنآنُ قَوم على ألاَّ تَعدِلُوا اعدِلُوا هو أقربُ للتَّقوى ‘ ( المائدة/8 )، فمشاعر العداوة كما في الآية ينبغي أن لا تكون هي القيّمة على تشخيص واقع الأعداء وما يفعلون، وإنما ينبغي أن يكون ميزان العدل هو القيّم على ذلك التشخيص لتنقل الصورة على حقيقتها، وليكون الحكم إذن هو الحكم الصائب في صناعة المواقف وأساليب التعامل. وربما ساعد اليوم على الوقوع في هذا المنزلق المنهجي ما يمكن أن نسمّيه بأوهام الانترنات؛ ذلك أننا نرِد كلّ صباح على هذا المعين، فنأخذ منه أخبارا جزئية عن أحداث تقع في بلادنا تكون أحيانا كثيرة فجّة غير نضيجة لسرعة ما يقع التقاطها ونشرها قبل أن تمتحنها يد التمحيص والتحرّي، وتكون في الغالب قد حررتها أقلام من هذا الطرف أو ذاك من المتدافعين، دون أن تتوفّر لنا فرصة للنقد العلمي في شأنها، أو دون أن نبذل جهدا في ذلك النقد، فإذا على سبيل المثال ترتسم في أذهاننا جرّاء تلك الأخبار الجزئية الطرية صورة لواقع يمور بأسباب من الاضطراب توشك أن تفجّر الوضع بأكمله في وجوه الحكّام كما نراه في كتابات بعض المعارضين وتصريحاتهم، أو صورة لواقع ينعم بأسباب من الرخاء توشك أن تجعل ذلك الوضع قريبا من فراديس الجنان كما تصوّره أقلام وألسنة استصحبت لغة خشبية سادت زمنا طويلا فأصبحت مطبوعة على المديح الذي لا يرى إلا البياض وحذفت من قاموسها ألوان السواد ، وهكذا تنطبع في النفوس والعقول صورة للواقع زائفة في اتجاهين متناقضين بحسب مواقعها في صفوف المواجهة وما هي به مستعدّة من المشاعر للقبول: هوًى من العداوة، أو هوًى من الممالأة والانتهاز. وعند التحرّي الرصين يتبيّن أنّ الواقع لا هو هذا ولا ذاك، وإنما هو مشهد يتكوّن من مربعات سواد ومربّعات بياض، ولكن تسبق الصورة الزائفة الموهومة بالانترنات لتؤسَّس  بها على خطإ  الأفكار وأساليب التعامل، إذ حينما تكون المقدمات خاطئة تكون النتائج كذلك على وجه اليقين. ومنذ أشهر كتبت مقالة عما رأيته من واقع الوضع التونسي خلال العشريتين الماضيتين بناء على قدر من التحرّي الذي ترشد إليه الآية السالفة، ورسمت فيه مربعات لما في ذلك الواقع من بياض وأخرى لما فيه من سواد بغية أن ننطلق في التعاطي معه من منطلق حقيقته كما هو عليها، الأمر الذي رأيت أنّ من شأنه أن يسدّد خطانا في ذلك المسار، ولكن تلك المقالة قوبلت بنكير صاخب من قِبل بعض الأحباب، وربما بنكير أيضا من بعض الخصوم، وما زلت في حيرة من أمر ذلك النكير، هل هو بسبب أنّ ما قلته ليس حقّا فيُحاكم إذن إلى الوقائع كما ذكرتها وهي أصدق الشاهدين بخطإ المقولة أو صوابها، أم هو بسبب أنّ ما قلته حقّ ولكنه لا ينبغي أن يُقال من باب المناورة السياسية، ولمّا لم يصحب ذاك النكير بيان لا بهذا ولا بذاك، فلم يبق عندي من تفسير إلاّ أنّ ذلك ما هو إلا إفراز لخلل منهجي صنعته عشريتان من الصراع المرير مع السلطة الحاكمة، أصبحت الأذهان فيها لا تقبل في شأن ما تقول وما تفعل إلا السواد الذي تصنعه مشاعر الشنآن، أو البياض الذي تصنعه مشاعر العصبية أو الانتهازية، وهكذا تضيع حقيقة الوقائع لتحلّ محلّها الصورة الخطأ، فيُبنى عليها الرأي الخطأ، ويُتّخذ منها الموقف الخطأ بسبب من هذا الخلل المنهجي.
2 ـ الانشغال بالهدم عن البناء
صراع الفرقاء إذا ما طال أمده أفضى إلى ضرب من ثقافة الهدم؛ ذلك لأنّ الخصم بما يترسّخ في الأذهان من أنّه على الباطل يتأسّس، وعلى الخطإ تدور كلّ دواليبه، فإنه يكون من الحقّ أن يُعامل بالهدم لأسسه وأفكاره، ولمساعيه وأعماله، إذ هو العائق دون الحقّ الذي ينبغي أن يقوم، وهكذا يصبح الهدم هو الصناعة التي تتمحّض لها الجهود، أما البناء لتأسيس ما ينبغي أن يكون فيصبح متأخّرا في الرتبة، بل قد يصبح نسيا منسيا. ويزداد هذا المشهد قتامة حينما يقَر في النفوس أنّ الهدم هو الواجب الأول في حلبة التدافع بين فرقاء الوطن حينما تعتقد أنّ خصمك يقوم على باطل، ويتبع ذلك شعور بأنّه إذا ما مُورس ذلك الهدم فإنّ الواجب يكون قد تمّ على أحسن الوجوه، وأنّ الضمير قد استراح إذا ما وقع التمادي في ممارسة الهدم للخصم المناوئ بأشكال  مختلفة، تبشيعا وتشنيعا، وتزييفا للأقوال والأفعال، وتسفيها للرؤى والأفكار، وتبخيسا للمنجزات والأعمال، وقد يتعدّى الأمر إلى نصب المكايد المتبادلة للنيل من الوجود المادّي للخصم المناوئ، وهكذا تتكوّن بطول الصراع ثقافة للهدم ليس فيها للبناء مجال. إنّ هذا الخلل المنهجي قد يصيب الحركات التي قامت بغية إصلاح تحمل فيه مشروعا نبيلا دون أن يعصمها منه نبل المقصد ولا صدق النوايا، وذلك في حال ما إذا امتدّ حبل المناوأة لمن تراه طرفا يعوق دون الإصلاح الذي تريد، وهو المشهد الذي بدأت تظهر منه في بلادنا مصاديق ملحوظة، سببها فيما نرى شدّة ما طال من صراع بين جملة من الفرقاء، وعلى رأسه يأتي صراع بين صفّ النظام الحاكم من جهة، وصفّ الفصائل المعارضة وفي مقدمتها المعارضة الإسلامية من جهة أخرى. وقد كان يجب فيما يقتضيه المنهج السويّ أن تتّجه حركة التدافع إلى البناء لما ينبغي أن يكون في مشروع الإصلاح الذي تحمل: رؤى وأفكارا، وبرامج ومشاريع، لتكون تلك الأفكار والمشاريع هي القائمة بمهمّة الدفع لمن يُرى أنه باطل في الطرف المقابل، وتتولّى هي عملية الهدم بطريقتها بدل أن يُكتفَى بالهدم بالأقوال المشنّعة، والمواقف الشانئة، على أنّ ذلك الهدم قد يكون ضروريا هو أيضا في بعض الأحيان على وجه الابتداء، ولكن بتقدير دقيق، لا ينقلب فيه إلى ثقافة تحبط البناء وإرادة البناء. ومما أعجبني في هذا السياق ما كتبه العالم المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني من مقالة  تأصيلية بعنوان ‘ إنجاز البدائل مقدم على مقاومة الرذائل ‘، ومن بين ما جاء فيها قوله:’ ينبغي أن تعطى العناية والأولوية للأعمال والمبادرات والمشاريع الإيجابية البناءة والمفيدة ..وإن هذا المنهج سيقتضي حتما تقليصا في مقدار الاشتغال بمحاربة المفاسد والرذائل لفائدة إنجاز المصالح البدائل. إن القيمة الحقيقية أو القيمة المضافة لأعمالنا وجهودنا هي أن نوقد شمعة لا أن نلعن الظلام، فلعن الظلام يحسنه كل أحد ويمارسه كل أحد، وللأسف فإن كثيرا من الحركات والأحزاب الإسلامية قد حُشرت أو حشرت نفسها في مربع المعارضة وفي منطق المعارضة، ومنطق المعارضة هذا يلزمك أن تقف دوما بالمرصاد لكي تنتقد وتستنكر وتدين وتستهجن وتقاوم وتعارض وتفضح وتسبّ وتلعن، والاشتغال بالمعارضة والمناهضة ينبغي أن يكون مهمة عرضية لا مهنة دائمة، أما الأصل الدائم فهو الاشتغال بالبناء والإنجاز وتحقيق المصالح والمنافع’ ( مقالة بموقع الحوار نت ). وبالإضافة إلى ما أصّل به شيخ المقاصد رؤيته هذه في القرآن والسنة فإنني أضيف أنّ القرآن الكريم يوجّه دوما إلى أنّ الباطل الذي يُراد أن يُبطل ينبغي أن يستحضر مبطلوه الحقّ أولا لإبطاله به، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:’ بل نقذِفُ بالحَقِّ على الباطِلِ فيدمَغُه فإذا هو زاهِقٌ’ ( الأنبياء/18)، فلكي يُزهق الباطل ويهدم ينبغي أن يكون الحقّ جاهزا مسبقا ليُدمغ به، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبطل فاسد المعتقدات والعادات إلا ومشروع الحقّ جاهز عنده ليقاوم به ذلك الباطل، وفي ذلك أسوة لنا في فقه التدافع، فلا يكون لنا مشروع هدم إلا ويتقدمه في العرض مشروع بناء. إن أزمة الصراع حينما تستفحل فإنها تغوي حركة التدافع بأن تنحرف إلى الهدم وتعرض عن البناء، فإذا ما كان أحد الطرفين يستشعر المظلومية فإن تلك الغواية قد تنتهي به كليا أو جزئيا إلى اجترار أوجاعه، وإلى شنء أعدائه وترذيلهم، ثم يكاد ينغلق على ذلك فلا يكون للبناء في حركته مكان. وحينما طال صراعنا خلال العشريتين الماضيتين بقطع النظر عن المتسبّب في ذلك الصراع، فإن من الحقّ علينا أن نحاكم أنفسنا بالمبدإ القرآني الآنف الذكر: ماذا حققنا من بناء نواجه به الخصوم لنبطل به الباطل الذي نشنّعه عليهم؟ ماذا أنجزنا من رؤى وأفكار ومشاريع ندمغ بها ما نحسبه باطلا من رؤى الخصم ومشاريعه ورؤاه؟ فيما يخصّني لم أر من ذلك شيئا معتبرا، أما لعن الظلام فقد رأيت منه شيئا كثيرا، وحيث إنني على قناعة تامّة بأننا نتوفّر على قدرات هائلة تمكّننا من البناء، فإننا إذ لم نفعل ليس لي من تفسير لذلك سوى خلل في المنهج أصابنا جرّاء سقوطنا في مواجهة مستفحلة عطّلت فينا طاقات البناء، ونشّطت نوازع الهدم، فأصبح الهدم أصلا بعدما كان حقّه أن يكون فرعا.
3 ـ اختلال ميزان القسط
العدل بالإضافة إلى كونه قيمة عليا في مجال الأخلاق، فإنه أيضا قيمة منهجية في مجال التقديرات والأحكام. ومن فروعها إعطاء كلّ شيء حقّه دون تهويل أو تهوين، ودون مبالغة بالزيادة أو النقصان، ومنها تقدير الأفكار والآراء بحسب أقوال أصحابها لا بحسب نواياهم، ومنها أن تعتبر رأيك صوابا يحتمل الخطأ ورأي المخالف خطأ يحتمل الصواب، ومنها أن تقابل الحجة بالحجة لا بالتجريح والشتيمة. وحينما ينشب الصراع ويستفحل فإنّ العدل قيمةً منهجية يكون معرّضا للانتهاك؛ ذلك لأن النفوس في هذا الصراع تكون مشحونة بالعواطف والأهواء، وخاصة إذا كان صراعا يُسلّط فيه الظلم على أحد طرفيه، وحينئذ فما أيسر أن تمتدّ تلك العواطف والأهواء لتجرف أمامها قواعد العدل، فتحاكم الآراء إلى النوايا، وتتجاوز الأحكام حدودها بالتهويل والمبالغة أو بالتهوين والاستنقاص، وتنشأ الدغمائية التي تدّعي الحقّ المطلق فيما هو نسبي، وتقاوم الحجة بالشتيمة والسباب. وفي كلّ ذلك مصاديق من واقع ما نرى، وهي إذا كانت الآن في بداياتها فإنها مرشحة للتفاقم حتى تصبح خللا منهجيا مهلكا تضطرب به بوصلة الحقّ الذي نريد. فمنذ أيام كتب أحد الأساتذة في ركن من أركان أحد المواقع ملحوظة قال فيها إنه عند عودته إلى تونس لاحظ انتشارا للحجاب في الشارع بل وفي مراكز العمل الرسمية وغير الرسمية، واستنتج من ذلك أن منشور 108 وإن كان ما زال قائما قانونا فيبدو أن الحاكم غضّ الطرف عنه بعض الشيء واقعيا، ورأى أنّ ذلك بادرة إيجابية داعيا إلى إزالة هذا المنشور بصفة نهائية. وكتب أستاذ آخر رسالة وجهها إلى وزير الشؤون الدينية يرجوه فيها أن يسعى من أجل إبطال هذا المنشور السيء الذكر منوها بان المشرع التونسي لا تنقصه الحكمة التي تجعله يقدم على هذه الخطوة التي ترفع الحرج وتنقذ السمعة. وربما كان فيما كتبه هذا وذاك عبارات غير رشيقة أو جزئيات غير دقيقة، أو فلنقل أفكار غير نضيجة. انبرى لهذين الأستاذين أحد الشيوخ الأفاضل من ذوي السبق في الدعوة، فانقضّ على كل واحد منهما بثلاث مقالات طويلات متتاليات مع وعد بالمزيد، وانهال عليهما بأقذع الأوصاف وأبشع النعوت وأقسى عبارات التجريم، ومن عينات ما قال في أحدهما وقد كان في تلك اللحظات في حاجة إلى المواساة لفقدان والده رحمه الله : ‘ ألا يكفي هذا السيد ما ارتضاه لنفسه من عودة ذليلة، أعطى بها الدنية في دينه، فأحبط بها أجر هجرته وجهاده، وخذل بها صفّ دعوته، وفرّق بها شمل جماعته ووهّن عزم إخوانه، وأقرّ عيون أعدائه، ألا يكفيه كل هذا حتى يأتي ليقف اليوم هذا الموقف الخذول؟’ ( مقالة منشورة بموقع الحوار نت)  ياإلهي؟ إذا كان هذا من أجل عبارات غير دقيقة، أو فكرة اجتهادية خاطئة، فماذا لو خطا أحد الأستاذين خطوة أخرى فقابل مثلا رئيس الجمهورية، أو تقلّد وظيفة سياسية، هل يكون الحكم عليه بالخروج من الملّة، فيُساق إذن إلى ساحات القصاص ؟ وإذ أعلم من فضل الشيخ وصدق نيته ما أعلم، ومن جهاده الدعوي ما هو مشهود، فليس لي من تفسير لهذا الذي قال سوى أنه خلل في المنهج أدى إلى ترتيب هذا ‘العقاب القاسي’ على ذلك ‘الخطإ الصغير ‘، وكان يمكن أن يُحسم الأمر بتصويب ناصح يُسرّ به إلى الأستاذين أو يُعلن، فتحصل الفائدة المرجوة، ولكنه الخلل في موازين العدل الذي تصنعه مرارة الشعور بالظلم، والذي ينتهي إلى تقدير الأفكار والمواقف بغير أقدارها فيؤول في مبالغات تنتهي بالأمر إلى الجور في الأحكام، وكأني بهذا الجور قد أرسى عند البعض فيما نقرأ ونسمع على تخوم التكفير للخصوم، وذلك مؤشّر بالغ الخطورة إذا لم تتداركه يد الحكمة، وهكذا تضيع الحقيقة بسقوط العدل قيمةً منهجية توجّه إلى معادن الحقّ. وفي ذات السياق نشرت جريدة الصباح منذ أيام ملخصا لأطروحة علمية عن حركة النهضة، وجاء فيها الأمر مخلوطا حقا بباطل فانبرى لها موقع الحوار نت للردّ بمقالة مشكوك في أنها من تحريرها بالرغم من أنه ممهور بتوقيعها، وإذ كان المقام مقاما علميا إذ يتعلق الأمر بأطروحة جامعية، فميزان العدل كان يقتضي أن يكون الردّ سجالا تتدافع فيه الحجج، وتتحاكم فيه العقول إلى منطق العلم، فيُدحض ما يُدحض مما ورد في الأطروحة من الخطإ، ويُثبت ما يُثبت فيه من الحقّ، وكلّ ذلك بمنطق البراهين والحجج المتعارف عليها في هذا الشأن، ولكن المقال جاء على خلاف ذلك زفرةَ موتور من صراع استحكمت فبه أهواء الشنآن ، فإذا هو في معظمه سنفونية من الشتائم لم تُطح بالعدل في معناه المنهجي المقتضي لمقارعة الحجة بالحجة، وإنما أطاح به في معناه الأخلاقي أيضا، فكان محور الردود في مناقشة هذه الأطروحة العلمية يتعلق ‘ بالعصابة المستولية على الحكم في تونس’ ، وإذا هو يتحدث عن ‘سوريا في أيام النعجة ( يقصد حافظ الأسد ) المقبور’، ويتحدّث عن مجلس النواب التونسي واصفا إياه بأنه ‘ مجلس الدواب ‘ وهلمّ جرا. وعلى هذه الشاكلة نرى كثيرين مما يكتبون ويتكلمون تحكم عقولهم دغمائية قاسية فتنحرف بها عن النسبية فيما مجاله النسبية إلى الإطلاق الذي لا يحتمل مراجعة، كما تحكمها هواجس وتوجسات يُحرّف بها الكلم عن مواضعه، وتُبنى فيها الأحكام على النوايا لا على التعابير والأقوال، وتُحاكم فيها الأفكار والمواقف الواردة على أساس خارطة ذهنية مسبقة صنعها منطق الصراع لا على أساس معطيات موضوعية خارجية.  وهكذا ينتهي الأمر إلى استهتار وإن يكن غير مقصود بميزان القسط في أبعاده المختلفة. وعلى غرار ما ذكرت سابقا، فإنه إذ لا يساورني شكّ في صدق النوايا وإرادة الخير فإنني لا أجد تفسيرا لما أوردت من عينات سوى أنه خلل في المنهج يؤدي لا محالة إلى خلل في النتيجة، فقديما قال شيخ المقاصديين الإمام الشاطبي :’ إذا صار الهوى بعض مقدمات الدليل لم ينتج إلا ما فيه اتباع الهوى’ ( الموافقات:4/222). ماذا فعلت عشريتان من الصراع المحتدم مع السلطة الحاكمة بقوم نهضوا من أجل النهضة، ومن أجل أن يقدّموا مشروعا متكاملا فيه للوطن خير؟ إن هذا الصراع بقطع النظر عن أسبابه والمتسببين فيه بالإضافة إلى أضراره في مجالات مختلفة، فإنه عطّل العطاء البنّاء: أفكارا ومشاريع ومقترحات في تفاصيلها النظرية والواقعية إلا أن تكون عناوين وشعارات عامّة ليس من شأنها أن تقوم وحدها بأعباء النهوض، وجنح بهم إلى ما يشبه أن يكون تمحّضا للهدم، اجترارا للآلام، ونقدا وتزييفا وإبطالا وتشنيعا وشتيمة لما يقدمه الآخرون من عطاء بقطع النظر عما فيه خطإ ومن صواب. والأخطر من ذلك كلّه أنّ العدّة التي تنتج البناء وهي العدّة المنهجية قد بدأ يصيبها خلل يستفحل يوما بعد يوم بتوالي أزمة المواجهة، ففي سبيل أن تستقيم المعادلة، وأن يعود التدافع إلى نصابه الصحيح الذي يكون فيه البناء هو الأصل والهدم هو الفرع يتوجّب فيما أقدّر السعي الحثيث لتفكيك العلّة المُسبّبة لتفادي ما تسببه من أضرار بصفة عامة، ومن أضرار بمنهجية التفكير والتقدير والتعامل بصفة خاصة، وما تلك إلا علّة الصراع، وإذ يتوجّب العمل الجدي من أجل تفادي هذه الأضرار، فمن هذا الصراع  ‘ هَل إلَى خُرُوج من سَبِيل’ ( غافر/11). وما توفيقي إلا بالله

حق الإختلاف وواجب وحدة الصف

بقلم الشيخ راشد الغنوشي

(كتب هذا النص بسجن برج الرومي رمضان 1403 ـ جوان 1983)

 أنبل ظاهرة، ولكن:

تلف عالم الإسلام غيوم قاتمة حاكتها أيادي الانحطاط وتجارب التجديد الفاشلة المرتبكة أورثت المسلمين مسلسلات من المصائب والنكبات وضروبا من الاستبداد والفساد والتمزق والتفرق والمحن المتكررة تكاد النفوس الخيرة تركن معها إلى اليأس من إمكانية تجنب الواقع البائس والمصير المهلك بعد أن أحاط بها أعداؤها. إلا أنه في خضم هذه الظلمات الكالحة انبثق قبس من النور اشرأبت إليه النفوس الخيرة يحدوها الأمل أن لا يكون ذلك فجر كاذبا بل فجرا صادقا… تلك هي أنبل ظاهرة في عالم المسلمين الظاهرة الإسلامية التي ولدت وانتعشت على أنقاض الهزائم المتكررة التي منيت بها أيديولوجيات اليمين واليسار على المستوى العسكري حيث قادت الهزائم إلى الاستسلام المتكرر للإمبريالية الصهيونية وحلفائها. وعلى المستوى السياسي ‘غدا الاستبداد والقمع كأنه قدر هذه الأمة’ وعلى المستوى الاقتصادي ‘الارتباط المذل بالاقتصاد الرأسمالي، وتفقير الشعوب رغم الثروات الطائلة” وعلى المستوى الأخلاقي والثقافي “انتشار التحلل والتخدير والتجهيل والانتقائية’.. فكان انتعاش العمل الإسلامي واندلاع ثورات الإسلام في إيران وأفغانستان وسوريا وفي المغرب العربي: أنبل ظاهرة انبثقت من ليالي اليأس الطويلة. إلا أن هذه الظاهرة بقدر الآمال التي عقدتها الجماهير عليها فسارعت إلى الالتفاف حولها وبقدر الأخطار المحدقة بها من كل مكان بقدر ما يشقها من أزمات حادة من خصام وتوتر وعطالة وعنف وارتباك وتآكل. وهي ظواهر لئن اختلفت حدتها من جماعة إلى أخرى إلا أنها تمثل قاسما مشتركا بين الجميع مما شكل المعوق الأساسي لنموها وفعاليتها وقدرتها على مواجهة تحدياتها والتصدي لخصومها، مما بدت معه للبعض خشية إجهاض ذلك الأمل أمرا واردا جدا إذا لم يقع الوقوف على حقيقة الأزمة الداخلية التي تعيشها الحركة الإسلامية وإيفاؤها حقها من التحليل والدرس من أجل التشخيص الجاد وتحديد العلاج النافع.

ونلتقي ضمن الإطار المحدود بظروفنا هنا ـ في دار الغربة ـ بإلقاء اقباس من الضوء على أهم أسباب ظواهر الاختلاف والتمزق والعطالة ـ داخل الحركة الإسلامية وتقديم وصفة علاجية جاعلين واقعنا القطري نصب أعيننا. إن للأزمة أسباباً مباشرة وأخرى غير مباشرة ـ وتتلخص الأسباب المباشرة في:

المحنة

إن المحنة في حد ذاتها تعد مرحلة مهمة في تاريخ حركة ما ـ لأنها تمثل مرحلة متقدمة من مراحل نموها إذ تمر حركات المقاومة والمعارضة مع عدوها عبر خمس مراحل:

1- مرحلة اللامبالاة بها. 2- مرحلة السخرية بها وتحقيرها. 3- مرحلة السب والتشويه. 4- مرحلة الاضطهاد. 5- مرحلة النصر.

فالاضطهاد ـ كما أكد غاندي وآخرون ـ مرحلة تسبق النصر مباشرة، إلا أنها مرحلة خطيرة إذ يضع الحركة في مفترق طريقين ـ بحسب أسلوب مواجهته ـ يقود أحدهما إلى التشتت والانقسام والتلاشي بفعل غياب قياداتها التاريخية وتأثير الدعاية المضادة التي يقوم بها النظام والأطراف السياسية المنافسة وعمليات الاستقطاب الداخلية والخارجية التي تقوم بها حتى الحركات التي تشترك معها في نفس الأيديولوجية “الحركات الإسلامية الأخرى في صورة الحال’. وترتكز محلات التشكيك على القيادات والمناهج توصلا للنتيجة التالي: إن الاضطهاد ما كان ليحصل لولا أخطاء القيادة وعدم جدوى الأيديولوجية الفكرية القائمة عليها والخط الاستراتيجي. غاضة الطرف عن أنه حتى مع افتراض صحة ذلك فإن العدو بحكم خوفه على مصالحه واستماتته في الدفاع عنها لا يمكن أن يترك المجال فسيحا لحركة نموها مطرد في اكتساح مواقعه. دون أن يحرك ساكنا. ويقود الطريق الآخر إلى النصر عندما تنجح الحركة في توظيف ذلك الاضطهاد في تعرية معايب النظام وفضح ممارساته وارتباطاته ومظالمه حتى تلجئه إلى وضع الدفاع عن نفسه لتبرير القمع الذي يقوم به. ومن ثم تجعل حركات المعارضة السياسية الاضطهاد جزء من استراتيجيتها فتعمد إلى دفع النظام دفعا إلى ارتكاب هذا الخطأ ‘الاضطهاد’ فتورطه بذلك شعبيا ولا سبيل إلى تعريته وعزله جماهيريا دون توريطه في العنف ـ دون أن تتورط فيه ـ فيغدو الاضطهاد أقرب طريق للدعاية لفائدة الحركة وإيقاع النظام في التناقض بين مظاهر الديمقراطية التي يحرص على الاتصاف بها في الداخل والخارج وبين تورطه في العنف ضد حركة سلمية، مما يجعله في وضع محرج ويحرص معه على توريط الحركة ولو في حادثة واحدة للعنف كما أشار إلى ذلك مؤلف كتاب ‘Ghandi contre machiavel‘ إن الاضطهاد فرصة الحركة لإيجاد ميزان جديد للقوى، يقول ‘شافاز’ ‘إن السجن جزء فعال في استراتيجية اللاعنف’. ولا عجب أن نرى أبواب السجون في كثير من وقائع التاريخ القديم والحديث تفتح على أبواب الحكم، شرط أن تنجح الحركة في مواجهة تحدي الاضطهاد فتحافظ بإصرار واع وعنيد على وحدتها وعلى تصاعد نضالها باستمرار وممارسة الشورى في داخلها على أوسع نطاق مهما كانت الظروف ـ ولقد ذكر لي أكثر من واحد من رجال الحركة الوطنية أنهم كانوا يستفزون فرنسا بمختلف وسائل الاستفزاز لتوريطها في ممارسة العنف. أما بالنسبة لحركتنا فرغم الظواهر العريضة التي سوف نتناولها ـ فقد أحدثت تجربة الاضطهاد تحولات إيجابية لصالح الحركة على صعيد الرأي العام والقوى السياسية ـ ظاهرا أو حقيقة ـ والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية حتى غدت قضية الاتجاه في مركز اهتمام الرأي العام ولم تجد القوى السياسية المنافسة لنا بدا من إعلان مساندتها اللا مشروطة لنا وإدانتها المطلقة للنظام بينما كانت بيانات تلك الحركات قبل المحنة وحتى في بدايتها تعلن مساندة متحفظة مشككة في أهداف ووسائل الحركة مما يؤكد أنه في إمكان حركة مضطهدة أن تحمل تكاليف كل يوم سجن وتشريد ضرره على خصمها أضعافا مضاعفة بالقياس إلى ضررها هي. ولئن دفع ضغط الرأي العام وحركات المعارضة إلى إعلان تأييد ظاهري فقد بذلت أقصى الجهد في استغلال وضعنا للحصول على مكاسب من النظام بتخويفه المستمر من الشبح الإسلامي وبالتحالف معه “الانتخابات التشريعية التي تمت خلال محاكمتنا، تألب الشرائح الطلابية ـ الماركسية خاصة ـ في الجامعة في محاولة لاستئصاله معنويا وجسديا في غياب قياداته التاريخية بين سجن وتشريد”. ولقد استهدفت حملة التشكيك التي تعاونت فيها قوى النظام مع قوى المعارضة سرا ـ وحتى في العلن “تصريح المستيري لمجلة المغرب وتصريح عاشور لنفس المجلة” ـ فضلا عن محاولات الاستقطاب والتشكيك التي يقوم بها إسلاميون منافسون تحت سحابة ممزقة من التأييد. بهدف استغلال الموقف وإحداث التمزق والتشرذم داخل الاتجاه . ولا يستبعد ـ إذا لم تقع مواجهة الوضع الداخلي بكثير من الحزم والحكمة ـ أن تنال تلك المحاولات التي يقوم بها خصوم ومنافسون إسلاميون وغيرهم في الداخل والخارج بغاية الاستقطاب بعض النجاح في إحداث الخلل والتمزق.

 

والخلاصة أن المحنة ليست هي بذاتها سببا في إحداث ما حصل من خلل واختلاف واضطراب ـ رغم المكاسب التي حصلت من ورائها ـ بل أن الأسباب السابقة عنها. وهي أسباب عميقة ربما كان يحد من تفجرها بساطة المشاكل التي كانت مطروحة على الحركة قبل مرحلة التسيب وعدم الحاجة عندئذ إلى مواجهة الواقع ببدائل واضحة، ووجود القيادات المؤسسة للحركة عاملة في الساحة، ورغم ذلك فقد حدث الانشقاق مما يوجب مواجهة المشاكل الحقيقية بجد أكبر من أجل التحديات. ولا تجدي في ذلك المعالجات الجزئية المستعجلة وتهدئة الأوضاع آنيا عن طريق استعمال النفوذ المعنوي  الشخصي لبعض القيادات للقيام بمصالحات مفتعلة، فقد حصل ذلك وما كان له غير مفعول وقتي وجزئي. ولا يجدي كذلك إحلال قيادة محل قيادة أخرى لأن أسباب الداء عميقة وهيكلية وقد برزت في أوقات مختلفة لدى جماعات إسلامية كثيرة في أقطار متباينة مما يقطع أن البنيان الفكري والتربوي والتنظيمي هو السبب العميق الذي لم يعدم مفعوله وجود زعامات كبرى على رأس تلك الحركات، وهو بنيان لئن حصلت فيه بعض التعديلات الجزئية أو السطحية أحيانا بتأثير حركات الإصلاح فجذوره مترسخة في أعماق التراث.

تأثير التراث

التراث الإسلامي هو مجموعة التفاعلات التي حدثت بين الإسلام والواقع وما أثمرته من طرائق للتفكير وأساليب وأنظمة للحياة ومسالك وأذواق وآداب للأفراد والجماعات ـ وهي آثار لا تزال تمارس تأثيراتها الإيجابية حينا أو السلبية أحيانا، تمارسها حتى على اشد إنكارا لها وعداء، ولها قدرة هائلة على الحكم بالنجاح والفشل على تجربة لتغيير الواقع بحسب الموقف المتخذ منها. ونكتفي في إبراز أثر التراث على واقعنا بالتركيز على بعض الأحداث والقضايا المهمة في ذلك التراث.

أ ـ قضاية الاستبداد: إن الإجهاض المبكر لتجربة الحكم الشوري في الإسلام وبروز المطلق القبلي “قريش دون الأوس والخزرج من الانصار ـ وبنو أمية دون سائر قريش وبقية المسلمين ـ وبنو هاشم ـ العباسيون دون سائر العرب والمسلمين الخ الصراعات القبلية في ظل الإسلام’ كان له أبلغ الأثر ولا يزال على جميع شعب الحياة الإسلامية على تعددها، فقد غدا الاستبداد طابعا مميزا لها جميعا، بل غدا مؤسسة تعيد إنتاجه في مستويات مختلفة. على المستوى السياسي: أبعدت الجماهير عن السلطة ولا يؤتي بها إلا لأداء مراسم بيعة شكلية طوعا أو قهرا.. وانحصر الخلاف الفقهي في ذلك الصدد الذي يمكن أن تنعقد به البيعة حتى وصل الأمر إلى اعتبار الحكم شرعيا إذا بايعه شخص واحد قياسا على عقود البيع والتجارة .. ولم تطرح قضية مدى شرعية الحكم الوراثي حتى من طرف كبار الفقهاء.. وعلى المستوى الثقافي العقائدي سيطرت البحوث الكلامية التي ركزت عقلية الجير وسلب الإنسان كل إرادة واختيار لصالح الألوهية بزعمهم فسادت الأشعرية وهي جبرية مغلفة بأقنعة غامضة.. وعلى المستوى التربوي ساد التصوف الذي عزف طويلا أنشودة الفناء كهدف أعلى للتدين فسحر الناس وطوح بهم في عالم الأوهام.. وعلى المستوى الأسرى تركزت عقلية الاستبداد وإفناء شخصية الزوجة والأولاد حتى غدت الأسرة افضل مؤسسة في مجتمع الاستبداد تمثيلا وإنتاجا له. وعلى المستوى الاقتصادي عبثت أيدي أمراء الجور بالقطاع العام وهو كل ارض الفتوحات ‘ارض السواد أو العنوة’ واقطعوها لعملائهم وأقاربهم وقادة جندهم فظهر أسلوب الخماسة والرباعة…

ب ـ الإغراق في القضايا اللاهوتية الغيبية التي شغلت الأمة ببحوث ما ورائية لا طائل من ورائها ‘علاقة الذات بالصفات، خلق القرآن، مكان وجود الله في جهة أم في غير جهة؟ الله يرى أم لا يرى؟ كيف اسري بالنبي بالروح فقط أم بالروح والجسد؟ الخ” وهي بحوث كان طبيعيا أن تنشأ في ظل الاستبداد وتشجيع منه لصرف الجماهير والمفكرين عن واقعهم البائس. وكان من الطبيعي أن يضل العقل المسلم في متاهة تلك البحوث وأن لا يصل فيها إلى وفاق لتجاوزها لمجال العقل. فكان ذلك سببا آخر إلى جانب التمزق والانشقاق على المستوى السياسي أن يقع التمزق على المستوى العقائدي وتظهر عشرات من الفرق كل منها يزعم أنه يمثل الحقيقة المطلقة وينفيها عن الآخر. وكان ذلك النفي الفكري مرحلة للنفي الجسدي للآخر ‘الصراع الدموي بين السنة والمعتزلة، وبين السنة والشيعة وبين السنة والخوارج وبين المذاهب السنية نفسها’ فكان ذلك كله أسبابا عميقة لتجذير التشرذم في البيئة الإسلامية حتى عصرنا هذا.

ج – سيادة التقليد وغياب الاجتهاد وهو ثمرة لتضخم الماضي على حساب الحاضر ـ وهو ثمرة من ثمار مجتمع الاستبداد حيث تتحول الجماهير إلى قطعان تساق من طرف السياسي وشيخ الطريقة وفقيه المذهب، تساق بدون وعي، مشدودة إلى الماضي ـ فهناك الانتصارات العسكرية الرائعة والازدهار الفقهي والعلمي حيث تكونت المدارس الفقهية والكلامية الكبرى. فماذا للحاضر أن يضيف أو يعدل وقد اكتملت الحقيقة في الماضي، غير بذل أقصى الجهد في فهم تلك الآثار ومحاولة إيجاد مشبهة، كلما عرضت حادثة جديدة، بينها وبين حادثة مرت في الماضي وتناولها فقيه لنقل أحكامه وتطبيقها على الواقعة الحاضرة. فلا عجب أن تواجه بعد ذلك كل فترة جديدة بحملات من التشويه ‘حرق كتابات ابن حزم والغزالي وابن تيمية الخ…’ لإجهاضها بالانصراف عن مناقشتها بجد ومهاجمة صاحبها لرميه بالجهل بالدين وسوء القصد والجرأة على السادة العلماء وحتى بالعمالة للأعداء، بدل التوجه إلى الفكرة وتمحيصها والعمل على تطويرها وإثرائها. وأنى للقوى المحافظة أو المستفيدة من استقرار الأوضاع أن تدرك جديدا في تلك الفكرة وهي مشدودة بقوة إلى الماضي مستلبة لحسابه أبسط أساليب مقاومتها للمجددين: سخريتها بهم بأنهم ‘علماء آخر الزمان’. أنها تشيد بالماضي لقمع الحاضر وترفع أعلام الماضي لتقزيم أعلام الحاضر، ولعجزها عن مصادمة الفكر تصادم الشخص وإذا تناولت الفكرة أثارت حولها زوابع من الانفعالات وحملات تشويه عاطفية.

ومن الطبيعي مع سيادة التقليد أن يختفي الفكر وأن يختفي الإبداع وأن يستعاض بالمشاكل الحقيقية الواقعية بمشكلات وهمية ‘الصراع بين السنة والشيعة. المذهبية واللامذهبية. الخلف أم السلف؟ علي أم معاوية؟’ وباختفاء الفكر تختفي إمكانية الحوار الجاد.

فشل المسلمين في إدارة الحوار بينهم

إن الإسلام اعتبر الخلاف أمرا طبيعيا بين البشر أراده الله ليؤدي وظيفة معينة في حياتهم هي تمتعهم بالحرة وتحمل مسؤولية وجودهم وإثراء الحياة بمواقفهم المختلفة، فالله إذ جعل الإنسان خليفة فما يمكن أن تتحقق تلك الخلافة بدون حرية وإردة وعقل أناط بها مسؤولية الإنسان، فكان الاختلاف والتميز بذلك حقا شرعيا للإنسان، ومنعه بأي ضرب من ضروب الإكراه اعتداء فاحشا على الكيان الإنساني ومصادمة لغرض أساسي من أغراض الخلف ‘ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة’ ولكنه لم يشأ أن يجعلهم رأيا واحدا وعقيدة واحدة وقالبا واحدا ونسخا متطابقة بل أراد أن يتميز كلهم بشخصية متفردة بخصائصها تساهم من موقعها في إثراء الحياة ‘ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك. ولذلك خلقهم’ ـ كما يقول الشيخ الطاهر بن عاشور ـ للتعليل، لأنه لما خلقهم على جبلة قاضية باختلاف الآراء والنزعات وكان مريدا لمقتضى تلك الجبلة كان الاختلاف علة غائية ‘ولذلك خلقهم’، ولكن الله سبحانه وتعالى ـ كما يعلق الشهيد سيد قطب ـ يحب أن تبقى هذه الاختلافات المطلوبة داخل إطار واسع عريض يسعها جميعا هو التصور الإيماني الصحيح الذي ينفسح حتى تضم جوانحه شتى الاستعدادات والمواهب والطاقات فلا يقتلها ولا يحجبها ولكن ينظمها وينسقها ويدفعها في طريق الصلاح.. ومن ثم لم يكن بد أن يكون هناك ميزان يفيئون إليه ‘فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب والحكمة ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه’ وبغير هذا الحق الواحد وبغير الانتهاء إلى حكمه بلا مماحكة ولا اعتراض، بغير هذا كله لا تستقيم الحياة ولا يقوم في الأرض السلام ‘الظلال ص 215 إلى 216. فالاختلاف في طبيعة البشر أصيل وهو مراد من الله في استخلاف الإنسان ولكنه يغدو مهددا لوحدة البشرية وسلامها بالتمزق والدمار إذا لم يلتزم بالإطار العام للإسلام وهو يتألف من أصول الدين ـ مما لا يجوز الاختلاف فيه ـ وهي جملة عقائده وتشريعاته وقيمه مما هو صريح معلوم من الدين بالضرورة، صرحت به نصوص الكتاب صريحا واضحا، تستوي في إداركه العقول السليمة. أما المتشابه وهو ما التبس معناه فيرد إلى الراسخين في العلم ‘ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه’ ـ فالاختلال إذا حق يعد كل انتقاص منه من أجل حمل الإنسان على رأي واحد أو مذهب واحد اعتداء على الطبيعة الإنسانية وإفقارا للحياة وتشتيتا للطاقات.

ولكن إذا كان الاختلاف حقا ثابتا فوحدة الصف واجب بأمر مباشر من الله سبحانه ‘ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون’ فالنجاح في مواجهة التحديات لا يتحقق إلا بصف موحد وإن اختلفت اجتهاداتهم في فروع الدين وأساليب التطبيق، فهم ملتقون على أصول الدين مما هو صريح الكتاب ‘إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء’ والاختلاف إذا تحقق الالتزام بما هو صريح واضح في الدين لا يشكل أبدا عقبة في طريق وحدة الصف الإسلامي بل هو ثراء له.

إنها وحدة في تنوع وتنوع في وحدة مما يجعل مثل هذا الاختلاف رحمة إذ تجتمع ـ بقبوله ـ شتى الطاقات وتساهم كلها بإتلاف مواهبها في إثراء الحياة وتقدمها، فيغدو المختلفون وكأنهم يتنافسون في لعبة متفقين على قواعدها بعيدا عن كل تمذهب صلب وتعصب أعمى وفرض ألوهية مذهبية أو حزبية أو قومية.

‘ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك’ فليس كل اختلاف مذموم، فهناك مختلفون مطرودون من رحمة الله أولئك الذين قادهم اختلافهم إلى أن أصبحوا شيعا متعادية متنابذة، وهناك مختلفون مرحومون أولئك الذين لم يحل اختلافهم دون توحدهم واجتماع كلمتهم ضمن إطار الحرية: إطار أصول الإسلام وتعاليمه الثابتة، وما أوسعه من إطار، لو التزموا في ذلك الإطار بآداب الحوار الإسلامي.

إنه ليس غريبا أن نختلف بل من الغريب والخسار أن لا نختلف وقد تنوعت وتعقدت مشكلاتنا وحاجاتنا ـ والناس كانوا أمة واحدة لا اختلاف بين أفرادها في العهد البدائي عندما كانت حاجاتهم بسيطة ـ فلما تعقدت مشكلاتهم بتطور علومهم وحاجاتهم لم تعد الفطرة كافية في هدايتهم لحل تلك المشكلات فبعث الله النبيين لهدايتهم إن المشكل هو أن يهدد اختلافنا وحدتنا ويمنع اتفاقنا ويشل قدرتنا على التقرير في أمهات قضايانا وأن يتعكر حتى صفو علاقاتنا الشخصية، علاقات الاخوة الإسلامية.

اختلف المسلمون وكان في خلافهم من جهة ثراء كبير لحضارتهم، ولكن من جهة أخرى ولأسباب كثيرة منها ـ سرعة إجهاض تجربة الحكم الشوري وقيام الملك العضوض، وتكون الثقافة الإسلامية في ظل الحكم الاستبدادي ـ فشلوا إلى حد كبير في إدارة الحوار بينهم .. نجحوا في السقيفة في إدارة حوار رائد أرسي على أساسه نظام الخلافة الشوري، ولكن مبدأ الشورى لم يؤطر ولم يقنن فظل يمارس على نحو تغلب عليه العفوية ويعتمد إلى حد كبير على نوعية الحاكم لا على تنظيمات ومؤسسات ولذلك ما أن تغيرت نوعية الحاكم ـ على عهد سيدنا عثمان ـ بسبب ضعف الرجل وتعقد المشاكل خلال الفترة الثانية من حكمه حتى عجزت العفوية عن مواجهة الأمر وسهل في فترة لاحقة على المستبدين أن يفرغوا الشورى من محتوياتها ويبعدوا الجماهير عن الحكم. ومنذ عهد مبكر استبدلت الشورى، أي حكم الشعب كأساس، بالقوة كأساس للحكم، وغدا السيف هو أسلوب الحوار واضطرت المعارضات إلى أسلوب السرية والعنف، وقامت المذاهب الكلامية تبرر في كثير من الأحيان نمط الحكم القائم وتكفر معارضيه، وتفعل المعارضة نفس الفعل. وكان لمواريث القبائل من عصبية وعنف كما للمواريث الإمبراطورية السائدة في العالم أثر بالغ في إجهاض النموذج النبوي الراشد للحكم الشوري.

وكان من أسباب فشل الحوار عدم تفريق المتحاورين في كثير من الأحيان بين الحق الواحد المتمثل في الإسلام وبين الفكر الإسلامي وهو مجموعة الفهوم التي يستنبطها البشر من خلال الدولة يعتبر دولته تجسيدا للحق فمعارضوها مارقون كفرة، وصاحب المذهب الكلامي يعتبر مذهبه هو الحق فيميل إلى تفسيق أو تكفير الآخرين. ولقد أورثت تلك الصراعات بين الدول والمذاهب وتنافيها المتبادل صراعات مختلفة داخل المجتمع الإسلامي بين القبائل والطرقيات، صراعا هو باستمرار تناف مشترك تمارس فيه كل الأساليب اللاأخلاقية والعدوانية وكل ضروب الدهاء والتآمر والعنف، واستقرت في ظل مجتمع الاستبداد ثقافة للاستبداد خلاصتها: أنت نسخة مني أو طوع أمري وإلا فأنت عدوي، ولا وسط بين قرني التنافي  .. فلا عجب وقد نجحت الحركة الإسلامية المعاصرة في استقطاب جماهير غفيرة وأن تغدو أملها في العزة والحرية، أن تفشل في إجراء الحوار داخلها لأنها إلى حد كبير استمرار لمجتمع الاستبداد حيث غدا الحوار شحنات انفعالية تتهيأ لتصفية بعضها على الجبهة وأن يأخذ مسار تطورها اتجاها واحدا من الوحدة إلى التشتت ـ خلافا لمسار التطور الغربي من التشتت إلى مزيد من التوحد ـ فالقبائل في أوروبا تطورت نحو الوجود القومي وتطورت هذه نحو الوحدة الأوروبية ووجدت المجتمعات الليبرالية ووحدة الغرب قاطبة بالمعنى الحضاري ضد الشعوب الأخرى… وذلك هو مسار العقل وأسلوب عمله: سير متواصل من الكثرة إلى الوحدة، إلى وحدات أرقى ‘قانون نيوتن في الميكانيك الحرارية ـ نسبية انشتاين كقانون القوانين’. ذلك هو شأن التطور عندما يحكمه العقل حول مضامين فكرية، أما عندما يحل الانفعال محل العقل بسبب غياب الفكر والاكتفاء بترديد الماضي أو رفع شعارات، فإن الانفعال هو أسلوب الحوار، والسباب والشتائم والتراشق بالشعارات والانتصار للزعيم الفلاني أو الفلاني أو لحزب أو ثورة ضد حزب أو ثورة أخرى هو مضمون الحوار، عندئذ كيف يمكن للحوار أن يثمر غير مضمون الحوار، عندئذ كيف يمكن للحوار أن يثمر غير وجع الرأس والتنفيس عن الأحقاد والكبت والمزيد من تمزيق الصف والتنافر المتواصل والإسراع إلى الحلول السهلة القاتلة: حملات التشهير والافتراء والطرد والتجميد ورفع أعلام جديدة والتنويه بشيوخ جدد للقبائل الجديدة وتهيؤ الجميع لساعة الحسم. غاب الحوار ـ كما يقول حسن حنفي ـ وأصبح الخلاف في الرأي انشقاقا وأصبح التصلب سمة في الممارسة وجرت العادة على تصنيف الآخرين في قوالب جامدة يستحيل معها الحوار بالرغم مما كان لهذه الجماعات المغلقة من شعبية .. وغاب الحوار الديمقراطي الحر فسهل الانشقاق عليها من أجنحتها المختلفة فتذهب الطاقات في الدفاع عن الشعارات أو الأشخاص أو النماذج ولو كانت علاقتها بالواقع المراد تغييره بعيدة الشبه، ويغدو الفكر مجرد عواطف وجدانية تتطاير فوق الواقع وتحجبه، وعادة ما يكون الحوار دفاعا عن النفس أو المذهب ورغبة في الشهرة ومزايدة وإعلانا عن الذات، والدفاع يرتبط بالجدل والمهاترة والانفعال. الجل لا يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة بل يهدف إلى الانتصار على الخصم، وبدل أن تتوحد جهود الجميع في عمل مشترك تتعارض وتتنافر ويلغي بعضها بعضا. المجادل لا يفكر بل يريد هزيمة الآخر ولو كان على حساب موضوعه ومنطقه. المجادل لا يفكر بل يعارك ويحارب فيضيع العقل وتسود العاطفة بسبب غياب الفكر. ‘حنفي 115ـ 116 التراث والتجديد’ وصاحب الفكر ـ كما يقول أحمد أمين ـ في فيض الخاطر هادئ مطمئن يدلي برأيه يعرضه عرضا منطقيا مستندا إلى العقل والبرهان، ويستمع إلى المعارضة بانتباه شديد ورغبة أكيدة في أن يجد لديه تصحيحا لرأيه وتمحيصا له، ليقينه بمحدودية علمه وعقله ونسبية رأيه، بينما صاحب العقيدة متحمس منفعل لا يرى الحق في غير عقيدته فمن يجادله فيها هو عدوه الألد وخصمه المبطل. وما انفعالاتنا إلا تعبيرا عن خطأ كبير هو تحول ‘آرائنا’ ـ إن لم تكن شعاراتنا ـ في نفوسنا إلى عقائد هي عندنا الصورة الوحيدة للحق، وتحول محاورنا أو مخالفنا إلى عدو وخصم لا إلى رفيق في الطريق. كثيرا ما يتحول ذلك المخالف لنا ـ في مجرد وجهة نظر لا عقيدة تتعلق بكفر أو إيمان ـ يتحول في أعيننا إلى صفحة سوداء كالحة لا نور ولا خير فيها، فنصب عليها جام غضبنا وحقدنا وكبتنا وكل ما في جعبة تخلفنا من اتهامات في الدين والخلق: إنه مائع أو عميل أو متطرف أو فاسق أو خائن وحتى سارق، وننسى في سكرة الانفعال وحضرة الجدل أخلاقيات الإسلام في التعامل التي تمنع اعتماد الظن وإن يكن غالبا في الحكم على الأشخاص والتشهير بهم أو اغتيابهم وإن كانوا مخالفين، وبغضهم بدل الرفق بهم وإعانتهم على الشيطان والتوجه الخالص في صلواتنا إلى أن يهدينا وإياهم إلى الحق وأن يبارك في اخوتنا وأن يقضي ما نعلم وما لا نعلم من حوائجهم وأن نسعى عمليا في ذلك، كما ننسى في غمرة الشيطان الجدلية المتخلفة أن اليأس من الإنسان يصادم منهج الإسلام ودعوته كما يصادم كل منهج ثوري، فأخص ما يميز الثوريين على الطغاة الثقة في الإنسان، في الشعب، وقدرته باستمرار مهما بلغ فساده على التحول ‘اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون’ إن اليأس من الإنسان والمراهنة على تحطيمه من منهج يتعارض مع كل فلسفة للدين أو للثورة، وإنما هو ثمرة غياب الفكر وارث من مواريث مجتمعات الاستبداد إذ اليأس من الإنسان هو الخطوة المباشرة لإعدامه وتصفيته جسديا والحسم معه، واليأس من الإنسان هو سلاح القوى الرجعية والمحافظة والمستبدة تقمع الجماهير وتمارس العنف المادي والمعنوي وتراهن على الأساليب العسكرية والبوليسية لقهر الجماهير وفرض حجة القوة على المخالفين لتقيم حكم القوة على أنقاض حكم العقل والشرع. واليأس من الناس هو يأس من رحمة الله وشك في قدرته ‘إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون’ ‘خصلتان حبيبتان للرحمن: حسن الظن في  الله والثقة في الناس’ كما ورد في الحديث، وكيف يراودنا الأمل في هداية نصراني أو يهودي أو شيوعي واللقاء معه في صف الإيمان والنضال ويستبد بنا اليأس حتى أن مجرد إمكانية الحوار فضلا عن اللقاء مع إخوان لنا تجمعنا وإياهم محبة الإيمان؟ هل من يقظة أيها الناس؟

الانفصال عن الواقع

وإن من أسباب فشل الإسلاميين في إدارة الحوار بينهم اغترابهم عن الواقعية يهيمون مرة وراء مثاليات تاريخية ونماذج تراثية يحلمون ببعث رفاتهما وقد مضت وتخلت في رميم، ويذوبون مرة حد الفناء في تجارب ونماذج كان أهم سبب لنجاحها قدرتها على فهم واقعها وحسن التفاعل مع معطياته، ولكن نجاحها يغري المتحمسين لمحاكاتها شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لم نتردد في دخوله. وينجذب آخرون انجذابا صوفيا نحو عالمية مجنحة لا تعدو أن تكون طموحا أو حنينا إلى خلافة منقرضة وليس لها من الأسس الموضوعية ما يؤهلها للتطور والفعالية.. وتحاول تلك العالميات أو التجارب الجذابة بل يحاول أصحابها جهدهم إسقاطها على واقع مختلف دون دراسة علمية لذلك الواقع الذي نالهم وينال الكثير بسبب طموحهم إلى تغييره، فكان حريا بهم أن يجعلوا ذلك الواقع منطلقهم، تحدد أوضاعه ومصالحه نمط علاقتهم مع كل التجارب والنماذج والعالميات. لقد هامت قبلنا وراء العالميات حركات معارضة كثيرة فما تقدمت خطوة نحو الواقع وفهمه والتفاعل به وتغييره، وما زادها هيامها وراء النماذج العالمية غير مزيد من التمزق والتشتت والصراع الداخلي وتهميش كيانها، والواقع من حولها يتطور وحركات أخرى تبرز وهي مشغولة بالدفاع عن تلك العالميات ومحاولة إسقاطها على الواقع، يغني كل منهم على ليلاه. ولكنهم تنبهوا أخيرا إلى أن تغيير ظاهرة لا يتم إلا بمعرفة قانونها وذلك لا يتم إلا بتحليلها وفهمها بعيدا عن كل أفكار مسبقة، فكثفت دراستها للواقع التحامها به فكان ذلك عاملا فعالا في إعادة الاعتبار لها واتجاهها نحو توحيد صفوفها واعتبار العالميات كلها مجرد تجارب للاستفادة وليست نماذج للإقتداء. إن الفكر الفعال لا يولد إلا من خلال تفاعله مع الواقع، وإنه لا وحدة إلا على صعيد الواقع، إعطاء حاجاته ومقتضياته الأولوية لا ينازعها أولويتها إلا صريح الوحي، ولا أمل في بناء أيديولوجي استراتيجي إسلامي إلا من خلال استيعاب كامل لمعطيات ذلك الواقع.

 

(المصدر: موقع نهضة إنفو (أوروبا) بتاريخ 26 سبتمبر 2008)

الرابط: http://www.nahdha.info/arabe/nahdha/library/dif.htm?phpMyAdmin=fSIhVwJq0gM90jIPzAvfnM8kxS8


 

 خاص pdpinfo حوار مع …الأستاذ “محمد عبو” (محامي ، ناشط حقوقي تونسي…)                                                                                                              

الضيف عدد3 الأستاذ “محمد عبو” (محامي ، ناشط حقوقي تونسي…)

 

1- بدبي أنفو : مساندة زملائك المحامين لك  خلال فترة سجنك فاقت كل توقعات  السلطة و لفتت إنتباه الرأي العام الداخلي و الخارجي . و توسعت رقعة المساندة لتشمل المنظمات الحقوقية و الأحزاب السياسية رغم محاولة السلطة التقليل من حجم القضية و انتزاع الطابع السياسي منها. بماذا خرجت من تلك الدينامكية النضالية المساندة لك؟ * الضيف : أهم ما يمكن ذكره هنا هو أنّ التونسيين سواء الذين اختاروا التضحية من أجل تغيير الأوضاع أو الذين اختاروا الحياد، قد سجّلوا حالة تضامن تحسب لفائدة المحامين والمجتمع المدني والمعارضة الجدية وتاريخ الشعب التونسي. حالة من التضامن يمكن أن تشجّع الشباب على النضال السلمي ضدّ الإستبداد بالجرأة اللازمة. وفي المقابل تسحب البساط من تحت أقدام الذين يدعون للإحباط أو الذين يجدون في قمع السلطة و”جبن وأنانية” الشعب مبرّرا لضرب الجميع وتبنّي الأفكار الأكثر تشدّدا. 2 – بدبي أنفو : ماهي حقيقة مساهمة الرئيس الفرنسي “ساركوزي” في التعجيل بإطلاق سراحك؟ * الضيف : وقع تبليغي بواسطة سجين مقيم معي في الغرفة أنّي لن أخرج من السجن حتى “أتأدب”. ويبدو أن الرئيس ساركوزي كانت له معلومات حول “أدبي” فتدخّل لي وأنا شاكر له ولحكومته. وأتمنّى أن لا نحتاج في المستقبل لتدخلّ أجنبي لإنصاف التونسيين وأن توجد مؤسسات تضمن أن لا يتعرض المواطن للظلم على خلفية معارضته للحكومة. إلا أنه لا بد من التذكير بأنّ حقوق الإنسان وإن كانت حسب رأيي هاجسا من هواجس بعض الديمقراطيات الغربية فإنها لم ولن تكون الهاجس الأوّل ولا حتّى الثاني أو الثالث فالإقتصاد والتعاون الحيني ضدّ الإرهاب والمصالح السياسية تبقى أولويّاتهم. من ذلك أنّ زيارة ساركوزي الأخيرة لم تطرح فيها وضعيّة حقوق الإنسان ولم يقع فيها الإنتصار لمعاناة التونسيين التي لم يفلح مجهود المجتمع المدني التونسي لوحده ولا المنطق  السياسي السليم في وضع حدّ لها، بقدر ما كانت تهدف لإنجاح مشروع الإتحاد من أجل المتوسط وصفقة الإيربيس. الشئ الذي يدعونا لبذل مزيد الجهد وتجاوز عراقيلنا الداخلية وتغيير أساليبنا في العمل على أن لا تفلت الأمور من أيدينا فعدالة القضية ومشروعية الوسيلة تحرج النظام من داخله وأمام الرأي العام الداخلي والدولي فيكون ملزما إمّا بإجراء إصلاحات أو الهروب إلى الأمام بمزيد القمع بما يؤلّب عليه الجميع في الداخل والخارج. 3 – بدبي أنفو : ماهي التأثيرات السلبية و الإيجابية لتجربة السجن على حياتك الشخصية و المهنية ؟ * الضيف : التأثيرات السلبية كان ضحيتها الأبناء الذين خاضوا تجربة الحرمان من الأب وتجربة الترويع والخوف في سن مبكّرة. أما إيجابياتها فهي الحفاظ على نفس النهج بأكثر إصرار فليس من يسمع بالظلم ويشاهده كمن يتعرض له شخصيا. 4 – بدبي أنفو : رغم خروجك من السجن تعتبر حريتك غير متكاملة بموجب قانون السراح الشرطي . هل كان ذلك متعمد من السلطة؟ و لماذا ؟ * الضيف : قانون السراح الشرطي في بلادنا لا يمنع المستفيد من السراح من ممارسة حقوقه بل يجعله فقط عرضة للرجوع في قرار السراح الشرطي في صورة ارتكابه لجريمة في الفترة المتبقية من العقوبة أو في صورة مخالفته لشروط السراح الشرطي إن وقع سراحه بشروط وهو ما لم يحصل في حالتي إذ تمتعت بقرار سراح شرطي غير محدد لمقر إقامتي. وقد صرّح أحد المسؤولين بكونه لا وجود لنص صريح في قانون السراح الشرطي يمنعني من السفر وإنّما للإدارة تصوّرها لمفهوم السراح الشرطي وهو موقف لا علاقة له بقواعد تأويل القوانين. وعلى أي حال فإن فترة العقوبة قد انتهت في أواخر شهر أوت الفارط. 5 – بدبي أنفو :  سياسيا ، و بصفتك أحد إطارات “المؤتمر من أجل الجمهورية” . أين موقع “المؤتمر” في خريطة المعارضة التونسية ؟ * الضيف : المؤتمر من أجل الجمهورية ثابت على موقفه من إمكانية وضرورة إحداث تغيير حقيقي في تونس، ومن إمكانية قيام نظام ديمقراطي يضمن دولة القانون والمؤسسات والأمن وحريات المواطنين ويرقى ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة بما يجعلها نموذجا لبقية الدول العربية ،خاصة وأننا في تونس لا نعاني من قبلية أو عشائرية ولا من صراعات عرقية أو مذهبية ولا من ظاهرة الإنقلابات العسكرية ولا من اتساع ظاهرة التطرف. إلاّ أننا دعونا بعضنا بعضا لتوضيح بعض المواقف كموقفنا من اللائكية ومن الحركة الإسلامية و موقفنا من المعارضة والسلطة فأحيانا تبدو مواقفنا متضاربة من حركة 18 أكتوبر والمعارضة، وكذلك من السلطة التي يرى بعضنا أنه يمكن إصلاحها بالضغط وبالتضحيات اللازمة والبعض الآخر يرى أنه لا أمل في إصلاحها. وفي القريب العاجل لا بدّ من توضيح مختلف هذه النقاط والخروج منها برأي موحد لأن الإختلاف وإن كان ضروريا في مرحلة ما فإنه يعرقل عمل الأحزاب لذا سنصل في نهاية الأمر لتوحيد مواقفنا . 6 – بدبي أنفو : حسب رأيك ما هي العوامل المساهمة في تشتت المعارضة التونسية ؟ * الضيف : هي بالأساس مخلفات الصراعات السابقة زمن الإيديولوجيات، وتغليب المصالح الشخصية ،الذي لاحظناه في بعض المناسبات ،وكذلك الإنفراد بالرأي، والبحث عن المصالح الحزبية، ونسيان أن الأحزاب وسيلة وليس غاية في حد ذاتها، وتحقير الرأي المخالف. في حين أنه من الواجب الجلوس على طاولة واحدة والوصول إلى مواقف موحّدة بما يقتضيه ذلك من تنازل ومرونة لتحقيق الغايات الأسمى. 7 – بدبي أنفو : هل تعتقد أن الانتخابات الرئاسية و التشريعية لسنة 2009 ستمثل مرحلة إنتقالية للحياة السياسية في تونس ؟ * الضيف : هناك مؤشرات تفيد أن النظام يريد أن يمرّر هذه الإنتخابات في جو من القمع والتخويف وهناك مؤشرات على كون المعارضة لا تريد أن توحد مواقفها ونضالها في إطار جبهة سياسية وإذا لم يغير الطرفان مواقفهم فإني لا أرى أن هذه الإنتخابات ستكون فترة انتقالية إلا نحو مزيد التخلّف والإستبداد.  8 – بدبي أنفو : إعلاميا ، إلى ماذا تهدف السلطة من الهجمة الهسترية الشرسة التي تشنها على المدونات و مواقع الأنترنات السياسية ؟                                                       * الضيف : السلطة تقف وراء بعض المواقع “السياسية” التي اختصت في تشويه المعارضة والطعن في الأعراض. وفي المقابل تحجب مواقع لا مبرّر قانوني ولا حتى أمني لحجبها وقد صرّح بعض المسؤولين بكون المواقع التي يقع حجبها هي المواقع الإباحية والمواقع التي فيها دعوة للعنف .وهما صفتان لا تنطبقان على المواقع المحجوبة في تونس. وحتى بالنسبة لموقع فايسبوك الذي انخرط فيه أكثر من ستين مليون شخصا في العالم فإن فيه نظام رقابة داخلي يجعله في غنى عن تدخل الحكومات. ورغم ما أعلن عنه من تدخل رئيس الدولة لرفع الحجب عن فايسبوك فإنّ الحجب الجزئي والرقابة لا زالت قائمة فيه، من ذلك أني لا أستطيع تصفحه دون تقنية البروكسي أو انطلاقا من عنواني الإلكتروني وهو ما يؤكد أنها سياسة منظمة ومنهجية لمنع المواطنين من التعبير عن آرائهم ومن التنظم حول بعض الأفكار حتى وإن كان تنظما افتراضيا. 9 – بدبي أنفو : منذ مدة قصيرة ، قام أحد المقربين من السلطة بمهاجمتك بشدة على موقع “تونس نيوز” . ماهو تعليقك على الإتهامات التي إستهدفك بها ؟ * الضيف : فعلا نشر أحدهم ما سمّاه رسالة لصديقه محمد عبّو في موقع تونس نيوز ليوم 10 أوت الفارط وتم نشر جواب عليه في عدد يوم 13 من نفس الشهر لم يأت على كل يمكن قوله ولكني أعتقد أنه كان كافيا لدفع هذا التشويه الذي تزامن مع نهاية فترة منعي من السفر واسترجاعي لإمكانية السفر والمشاركة في بعض البرامج التلفزية ،وأيضا لدفع تشويه آخر استهدف كلّ الذين دافعوا عني وتبنوا قضيتي. وهذا أسلوب معروف .وأنتهز الفرصة لأذكر بكون العالم شهد حروبا فظيعة في القرن العشرين، إلا أنها على فظاعتها خرجت منها صورة عن حسن معاملة أسرى الحرب في كثير من الحالات، تُخجل في بلادنا من لا يترك وسيلة لإهانة خصومه الذين لم يحاربوه ولم يقاتلوه وإنما  انتقدوه لمصلحة الوطن التي تسمو على مصالح بعض الأفراد وأحاسيسهم وغضبهم .وأتمنى في المستقبل أن تدار المعارك السياسية السلمية بأسلوب أرقى لأن الأساليب الهابطة تحطّ من قيمة من حرّض عليها أكثر ممن استهدفته. 10 – بدبي أنفو : كلمة حرة إلى :     + هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات : يجب أن تقتنع كل مكونات الحركة أن فشلها يؤدي إلى مزيد الإحباط وأنها يمكنها أن تقوم بدور إيجابي إذا ما تجاوزت بعض العراقيل ونجحت في التحول إلى جبهة سياسية في القريب العاجل.         + الصحافة الوطنية (المستقلة ، الموالية ) : على الصحافي أن يقوم بدوره في تقديم إعلام موضوعي وجريء ولن يشفع لصحافي أنه كان مدفوعا لتزييف الحقائق. وقد تفتح يوما كل الملفات فيكون مصير من استغل مهنته للإثراء أو الإستفادة الشخصية على حساب مصلحة المتلقين، الخزي والعار وربما المساءلة القانونية.     +  الجمعيات الحقوقية : يجب أن تقوم بدورها رغم كلّ العراقيل وأن تتجنب الصراعات الحزبية. كما يجب عليها النضال من أجل الحق في التنظم لكل الجمعيات التي تستجيب للشروط القانونية والمحرومة من الإعتراف الرسمي بها وأن تناضل من أجل عودة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان للاضطلاع بدورها.     + أهالي الحوض المنجمي : أثبت أهالي الحوض المنجمي مبدئيّا قدرة على النضال السلمي من أجل حقوقهم وتغيير أوضاعهم التي لا يقبلها تونسي واحد في قلبه بذرة من الإنسانية. وأتمنى أن يقع حلّ مشاكل أبناء تونس في هاته المنطقة بإطلاق سراح المساجين وضخّ الإعتمادات الماليّة اللازمة لتوفير الشغل للعاطلين والقوت للجياع والكرامة للجميع. – بدبي أنفو : شكرا على إستجابتك لدعوتنا و إلى اللقاء في مواعيد لاحقة . حاوره : معز الجماعي المصدر: (موقع الحزب الديمقراطي التقدمي) الرابط : www.pdpinfo.org


بعد رفعه دعوى قضائية بسبب غلق موقع “الفايس بوك” الالكتروني: زياد الهاني: “الإبحار والتعبير والتواصل هو الاستثناء، والمنع والحجب والغلق هو القاعدة”

  أقام الصحفي زياد الهاني دعوى قضائية ضد الوكالة التونسية للانترنت بسبب غلق موقع “الفايس بوك” الاجتماعي يوم 18 أوت الماضي. وقد أثار هذا الغلق احتجاجات المبحرين التونسيين على الانترنت. ولم يرفع الحجب عن الموقع إلا يوم 2 سبتمبر بعد تدخل من رئيس الدولة. “الطريق الجديد” حاورت السيد زياد الهاني حول أبعاد وحيثيات رفعه هذه القضية. أجرى الحوار: سفيان الشورابي   الطريق الجديد:  قمتم برفع دعوى قضائية ضد الوكالة التونسية للانترنت مطالبين إياها بتعويضات مالية عن الأضرار التي لحقتكم بسبب غلق موقع الفايس بوك، ما الذي دفعكم للقيام بذلك؟ الهاني:  غلق موقع فايس بوك لا يشكل حالة معزولة في سياسة الحجب والمنع واستهداف البريد الالكتروني الخاص لعديد المواطنين وأنا منهم.  مواقع جرائد قانونية محجوبة، مواقع أحزاب قانونية معترف بها محجوبة، مدوّنات يتمّ غلقها ، بريد الكتروني تتم قرصنته وتحويل وجهته، بريد الكتروني يتم ضربه.. وصلنا إلى حدّ وجب أن نقول فيه كمواطنين كفى.. !يكفينا من هذه الممارسات المتخلفة.. من الممارسات المهينة التي تعاملنا كمواطنين قصّــر.. لذلك جاءت هذه القضية التي أردتها أن تكون صرخة مواطن يرفض أن تصادر حريته ويعامل باحتقار.. الرقيب الالكتروني الذي يطلق عليه المدوّنون اسم “”عمار 404”  من خلال تدخله في شؤوننا الخاصة ومصادرته لحقوقنا بما له من سلطة يسعى لإبلاغنا رسالة واحدة :نحن في نظره لا نسوى شيئا! وعندما تحتقر المؤسسات والمسؤولون عنها المواطنين، أيّ شرعية بقيت لهم!؟ هل هذه هي الجمهورية ؟ هل هذا هي خلاصة الاستقلال!؟  قطعا لا.. الجمهورية ليست مشروعا مؤجلا للغد..  الجمهورية نحن.. نحن أبناءها الذين تربينا في أحضانها وعلى قيمها.. الجمهورية معركة متواصلة على الميدان لتثبيت الحقوق.. هي معركة من أجل دعم أركان الدولة وإعلاء القانون..دولة المواطنين جميعهم، والقانون فوق الجميع.. لذلك جاءت هذه القضيّة..     الطريق الجديد: ما هي آخر التطورات بخصوص القضية التي رفعتموها؟ الهاني:  تمّ تعيين جلسة أولى ليوم الثلاثاء 4 نوفمبر القادم بالدائرة الثالثة لمحكمة ناحية تونس.. وستشهد هذه الجلسة التحاق متقاضين جدد سينضمون للدعوى ضد الوكالة التونسية للانترنت، بحيث لن تبقى دعوى شخص ضد هذه الوكالة. ستكون دعوى جماعية ضد الغلق والحجب ومصادرة الحق في التواصل الحر مع الآخرين وحرية التعبير..   الطريق الجديد:  وصفتم حجب المواقع والمدونات بالجريمة، لماذا؟ الهاني:   نعم هو كذلك.. أنا لست من أنصار الحرية المطلقة التي جرب العالم شرورها.. من حقي وواجبي أن أحمي نفسي وأهلي وبلدي من الإرهاب.. من حقي وواجبي أن أحمي أطفالي من المواقع الإباحية ومواقع الفساد والإفساد.. لذلك لا يضيرني وجود رقابة تحميني من هذه الشرور.. ما أرفضه هو أن يتحول الاستثناء إلى قاعدة.. أن تصبح حرية الإبحار والتعبير والتواصل هي الاستثناء ، والمنع و الحجب والغلق هو القاعدة.. سياسة الحجب السخيفة المتبعة  إهانة لي كمواطن ليس فقط لأنها تعتدي على حقوقي، بل لكونها كذلك تستهزئ بذكائي وتمتهن كرامتي.. هي جريمة لأنها تتم خارج إطار القانون.. انظر حجب موقع فايس بوك مثلا : تدخل رئيس الدولة حسب ما أعلنته وسائل الإعلام لإعادة فتح هذا الموقع  تأكيد على أن حجبه لم يكن قانونيا.. فرئيس الدولة لا يتدخل علنا للإذن بعمل غير قانوني.. فطالما أنه هناك عمل غير قانوني، هناك إذا جريمة.. ما أدعو إليه اليوم هو الكشف عمّن خالف القانون.. نريد معرفته، ونريد تحميله مسؤوليته القانونية كي ينال جزاءه العادل، ويكون عبرة لغيره.. لو كلّ مرة حصل فيها تجاوز للقانون، تحركنا كمواطنين بأكبر عدد ممكن للتظلم لدى القضاء، بقطع النظر عن النتيجة، سترى كيف تتغير أشياء كثيرة في بلادنا نحو الأفضل..
(المصدر: صحيفة الطريق الجديد( تونس)  بتاريخ 28- 09-  2008)

في الحجب وعقلنته

بقلم: طارق الكحلاوي  في الأسابيع الأخيرة بدأ يظهر نقاش أكثر صراحة وحيوية في بعض الأقطار العربية حول موضوع الحجب أو الرقابة. يجذبني بشكل خاص النقاش الدائر في تونس، إثر حجب متقطع للشبكة الاجتماعية الافتراضية الأولى في العالم «فيس بوك» (Face book) والتي لاقت رواجا كبيرا بين مستعملي الإنترنت التونسيين في الأشهر القليلة السابقة. الحجب الظرفي الذي دام بضعة أيام بعد اضطراب في الدخول إلى الموقع، أدى إلى رد فعل غير مسبوق بين المشتركين التونسيين في «فيس بوك» وحالة من التجند الطوعي الذي مس قطاعات غير مسيسة في اتجاه رفض الحجب. كان ملفتا للانتباه بشكل خاص طرح الموضوع ضمن الفضاء الإعلامي السائد (mainstream) مثل صحيفة «لو توم» وموقع «بيزنس نيوز» الناطقين بالفرنسية. ردة الفعل كان يجب أن تكون متوقعة بعد حالة من التذمر المتصاعد بين مستعملي الإنترنت التونسيين إزاء حجب متزايد لمواقع واسعة الرواج، بما في ذلك موقعي نشر مقاطع الفيديو «يوتيوب» و «دايلي مووشين». إذ في الوقت الذي كان فيه الحجب يمس مواقع تصفح إخبارية يستعملها بعض من النخبة السياسية، فإنه أصبح يمس مواقع يتصفحها المستعمل غير المسيس. تزايد أصحاب المدونات وما ترافق مع ذلك من حجب بعض المدونات تراكم في اتجاه حشد مستعملين للإنترنت من خارج السياقات السياسية، وهو ما أدى من جملة ما أدى إلي إنشاء مدونة جماعية «ضد الحجب» (كانت بذاتها رمزا مضادا لفاعل الحجب حيث تعرضت إلى حجب متكرر برغم تغيير عنوانها وأحيانا كان الحجب يتم في أزمان قياسية). اتساع مساحة الجمهور المحجوب مع الحجب الظرفي لموقع «فيس بوك» كانت الخلفية التي صنعت ضجيجا واسعا. وفي هذا الإطار صدر خبر غير مسبوق أعلن فيه بصيغ رسمية «تدخلا رئاسيا» لتجاوز قرار حجب موقع «فيس بوك» تم نشره في الكثير من الصحف المحلية. في سياق النقاش الدائر لفت انتباهي ما يمكن توصيفه بالخطاب التبريري بين بعض الأوساط الإعلامية القريبة من الموقف الحكومي. يقوم هذا الخطاب بشكل صريح (يستحق الترحيب على كل حال) بالتبرير لما هو قائم من دون الانتباه لهشاشة أسسه ومحدودية فاعليته. يقع مثلا نقد العناوين «التعميمية» للحرية مقابل إعلان عناوين مماثلة في تعميميتها لتبرير ما هو قائم من قبيل: «الرقابة والتدخل أحيانا بالمنع ليس بدعة في عالم الإنترنت». ويقع في هذا الإطار عقد مقارنات مع الظرفية الأميركية حيث يقول: «لما وجد موقع (يوتيوب) الشهير أن بعض التنزيلات على صفحاته قد تمثل تهديدا لأمن قوات الاحتلال الأميركي في العراق قرر حجب ومنع هذه التنزيلات» ومن ثمة فإن «كل بلد يدافع عن مصالحه ولا معنى لأي حديث مطلق عن الحرية قد يصلح للمزايدة ولكنه لا يقنع غير المغفلين». يقع أيضا الحديث عن ضرورة مواجهة «الشتيمة» و «الإساءة» وغيرها من المصطلحات التقديرية وحمالة الأوجه. بدءا سيكون من الصعب الامتناع عن اعتبار الخطاب «التحرري» (libertarian) الداعي إلى حجب الحجب بشكل إطلاقي خطابا سرياليا، سواء من حيث إمكانات تطبيقه أو من حيث المساحة الاجتماعية المستجيبة له بما في ذلك في أكثر الديمقراطيات الحديثة قدما (أفكر هنا في المثال الأميركي حيث توجد أكثر التيارات «التحررية» عراقة سياسيا وإيديولوجيا يبقى أنها الأقل تأثيرا). ولا يمكن التشكيك أيضا في وجود نزعة «تحررية» من النوع الساذج أصبحت تشكل الخطاب السياسي، عن وعي أو غير وعي، لمعارضات محدودة الفاعلية ليس لها أحيانا الكثير من الخيارات سوى تصعيد الضغط الكلامي على حكومات تمارس سياسات غير إدماجية (non inclusive). إذن ليست عناوين «عقل» أو «منطق» أو «مصالح» الدولة في ذاتها هي ما يشكل مأزق الخطاب التبريري. تبريرية ولا عقلانية الطرح المذكور أعلاه تكمن في تعريفه التعويمي للدولة. سنتجاوز مضيعة الوقت في هذا الجدال عندما نتحلى بجدية فكرية أكبر ونتذكر أن أي مجال سياسي تأسس على عقد اجتماعي وسياسي يتشكل تاريخيا عبر مؤسسات تمثيلية سيفرز ضرورة مقاربة مختلفة، لنقل عن مجال ليس له عقد مماثل، في طريقته لتحديد «مصالح» الدولة. فالدولة غير الإدماجية تحدد «المصلحة» و «منطقها» من زوايا لا تمثل ضرورة القطاعات المتنوعة المشكلة لذلك الفضاء. لا يقع تعريف «مصالح» الدولة بمعزل عن طبيعتها وتحديدا في علاقة بمدى تمثيليتها وتعبيرها المؤسساتي عن عقدها الاجتماعي. في هذا الإطار سيكون من التهافت مقارنة الطريقة التي تم فيها تعريف «مصالح» الدولة في السياقين الأميركي والعربي. حجب «يوتيوب» الذاتي ليس هو الخبر الذي يستحق الاهتمام عند استحضار السياق العربي، بقدر ما هي ميكانيزمات هذا الحجب، بما في ذلك حدوثه ضمن حوار مفتوح وفي إطار تجاذب للقوى بين مؤسسات تشريعية ومنظمات غير حكومية. الضغط السياسي غير الجبري الذي أحاط بالقرار الأحادي لـ «يوتيوب» لا يمكن مقارنته بوضعيات يتم فيها الحجب عبر لوحة أزرار مجهولة المكان والهوية. حتى لا نسقط في اللاتاريخية، لا يمكن أن نتمثل تشكلا لحالة تتجاوز «الحجب السياسي» خارج سياقات المكان والزمان. الإرادوية السياسية كانت دائما المرض الطفولي للحركيين الديمقراطيين. ومنذ الأمثلة الرومانية حتى تلك الحديثة البريطانية والأميركية والفرنسية، مرت ممارسة الحجب وممارسة تحديد الحجب عبر مسارات عقلنة ومأسسة واحتجاب كانت جزءا من مسارات التشكل الديمقراطي. وهكذا مر الحجب من مكانة المؤسسة الاعتبارية المشكلة للسلطة المعنوية للدولة إلى التواري بشكل متزايد إلى الحد الذي أصبح فيه حدوثه ضمن أخبار الفضائح. تاريخ الحجب في مثل هذه السياقات كان تاريخ تحوله من المشروعية الأخلاقية إلى الضرورة المحدودة تشريعيا وديمقراطيا. غير أن الإقرار بهذه المرجعيات الواقعية لا يعني أننا يجب أن نقبل منطق «إما أبيض وإما أسود» الميكانيكي، خاصة أن هشاشة وضع «الحجب السياسي» القائم بدأت تتكشف مع الاضطراب الحاصل خاصة مع مؤشرات خلال الأسبوع الماضي على رفع ظرفي للحجب عن موقعي «يوتيوب» و «دايلي مووشين». بالإضافة إلى الإطار الديمقراطي العام، فإن منظومة الحجب القائمة تطرح متاهات حقيقية تحجب المسؤولية. الطابع السري وغير الشفاف لآليات الحجب (انظر في التفاصيل التقنية مقالات سامي بن غربية في (Global Advocacy Online) يفرض كخطوة أولى الاعتراف بممارسته حتى تمكن مأسسته وعقلنته، ومن ثمة احتجابه خلف التوازنات العفوية لحياة ديمقراطية جدية. وهو ما لا يمكن أن يتم بمجرد التصويت الأحادي على «منظومة قانونية» خاصة ضمن تصورات يمكن أن تستحدث خانة «المرض النفسي» كتسمية أخرى للتعبير المخالف. بوادر النقاش الراهن مشجعة حتى لو تخللها خطاب تبريري في بعض الأحيان. يكفي أن هناك دعوة للاعتراف بالحجب. غير أننا نحتاج حتما تجاوز التبرير نحو التفسير ونحو حوار أكثر شفافية وتنوعا. (*) باحث تونسي مقيم بأمريكا الشمالية (المصدر: صحيفة ‘العرب’ (يومية – قطر) الصادرة يوم 27 سبتمبر 2008)


 

الأصولية الدينية
بوبكر الصايم(*)  
 الحركة الدينية السياسية التونسية كمثال: إذا ما نظرنا إلى الواقع السياسي التونسي نجد أن من المشاكل الملقى ظلالها  على الدولة وخطورة تبعياتها على المجتمع بالإضافة إلى مشاكل الإقتصادية مثل البطالة والتشغيل على مستوى الشباب وخاصة على مستوى حاملي الشهادات الجامعية العليا الفقر وكأي مشكلة حاصلة في دولة على طريق النمو مازال خطر وشبح الأصولية الدينية والإرهاب يلقي بظلاله من الفينة والأخرى في بلادنا.
 فاالحل الأمني لهذه الظاهرة مقاربة غير كافية والإقتصار على هذا  النوع من المعالجات أعتقد أنه ناقص, والإبتعاد عن الخطاب الخشبي الغير المفهوم وإبتكار أسلوب حواري أكثر نضجا والإعتماد على  طرح أسباب التطرف ومناقشة هذا الموضوع من زواياه العديدة عبر وسائل الإعلام بأكثر عمق والمحاولة لإيجاد حلول عملية لمشكلة البطالة بالإضافة إلى مزيد من جرعة الحرية إن كان على مستوى الصحافة أو الإعلام المرئي والمسموع وخاصة الحوارات المباشرة من غير قناع وضرور إيجاد خطاب مقنع والأجوبة الشافية  لتساءلات هذا الشباب سوى من السلطة في تونس أو من مؤسسات المجتمع المدني أو من الأحزاب التقدمية  أعتقد أنها ستكون من الحلول الجذرية للقضاء على هذه الظاهرة  خاصة إذا ماوضعنا في حسبننا العولمة وتأثيرها بالإيجاب كما بالسلب على بلادنا فهذه السموم الفكرية التي تنقل إلى أبنائنا عبر هذه التكنولوجيا أو عبر الفضائيات قد ألقت بظلالها وتبعياتها علينا إن كان بشكل أقل خطورة من دول مجاورة ولكن لا زال هذا الخطر يلوح علينا في الفينة والأخرى ولا زال شبابنا المغرر بهم  يقع في براثين هذه الشبكات سوى الأصولية الإرهابية أو البراثين التطرف الديني وكلاهما يلقي تباعياته ويزيد من أزماتنا تعقيد ويعتبر من التحديات الكبيرة في تونس التي عانت منها كثير من دول المنطقة فعملية الإصرار على عدم الفصل مابين الدين والسياسة من الجماعات الدينية ومفهومهم للمواطنة المنقوصة وبما أن المواطنة لاتتجزئ فاالحرية كذالك لا يمكن تجزئتها وبالتالي الديمقراطية ليست فقط ألية حكم فحسب كما يزعم التيار الوصولي الديني والمسمى التيارالإسلامي السياسي أعبر هنا عن الحالة التونسية حركة الإخوان المسلمين التونسية المتمثلة في حركة النهضة ومن على شاكلتهم من التيارات الدينية السياسية المتسمين بأنهم التيار الوسطي ولا أعلم أين تكون وسطيتهم إلا في  المحاولات المتككرة لقلب السلطة بالقوة وإختراق مؤسسات الدولة  أو بالحرب الشرسة على مخالفيهم في الرأي باإعتبارهم علمانيين وكفرة و يستهدفون المقدسات أو ثوابت الأمة وإن كنت ولم أزل لم  أفهم لهذه المصطلحات معنى سوى تحريض وتهيج المواطنين بعضهم على بعض عبر هذا الخطاب الإرهابي الخطير وبما أني لست من هواة تعليق كل فشلنا وإخفاقاتنا على المؤامرة الخارجية وإن كنت أراها مؤامرة ومأساة من داخلنا وفي مابيننا بالإلتفاف على هذا المفهوم أو إختطافه أعني الديمقراطية عبر نوع من الإيحاءات بأن الديمقراطية لها أصل في الدين وذالك بتفريغها من محتواها وجعلها فقط آلية حكم وليست مشروع متكامل وثقافة مجتمع برمته يتداخل فيه الإجتماعي بالإقتصادي و السياسي بالثقافي أوبتتويه الممنهج عبر أن تصبح المشكلة هي في ماهية الديمقراطية والإستغراق في التعريفات وأي نماذج نحن نريد أن نأخذ النموذج الفرنسي أم الأمريكي أم البريطاني أم نخلط مابين ذاك وذالك العلمانية الجزئية أم العلمانية الكاملة كأننا أصبحنا نتحدث عن مخبر كيميائي لا شأن له با السياسة فهذا الخطاب الذي يسعى جاهدا لتتويهنا عبر هذا الجدل العقيم والتفريط ماتحقق من مكاسب وطنية  في تونس و بالقطع أمام التيار الوصولي الديني السياسي الذي أصبح يزحف علينا كنار في الهشيم و يريد أن يأخذنا إلى إتجاه الذي لا نريده وفرضه وصايته على الشعب التونسي وبناء دولة ثيوقراطية رجعية ومتخلقة بعد الوصول إلى سدة الحكم بحجة أنهم إستخدموا وإستقدموا أحدث وأرقى نظام سياسي وإنساني لإخراجنا من حالة التيه والتخبط وبالتالي أصبحوا حداثيين بإستخدامهم لديمقراطية كآلية وليست كأصل لهذا المفهوم للحكم ومايترتب عليه من مواطنة كاملة ولكن بمفهوم عبر الديمقراطية التي ستوصلنا إلى السلطة بحكم نحن الأغلبية وبالتالي سنسن ما نشاء من القوانين ونحكمكم كيف نشاء تحت عنوان مادام الشعب التونسي مسلم سينتخبنا كأكثرية وصار الحديث عن الديمقراطية بعدما تم العبث بها وتحويلها إلى ماأشبه إلى طلاميس لا أصل لها وليس لها مفهوم واضح ومحدد بل بلغة الأكثرية والأقلية كأننا في مباراة كرة قدم ولغة المحاصصة وبما أننا نحن أصحاب الفضيلة وأوصياء الله في الأرض فإننا سنحكمكم كما يحلو لنا كأن الوطن هو مخبر لتجاربهم الساقطة وعند هؤلاء العبثيين وفي نظري أيضا أن تصبح هم بعض المعارضة تونسية التقدمية هو التحالف مع التيار الديني الوصولي السياسي أو إنشاء تجمعات مشتركة مثل هيئة 18 أكتوبر التي أعتبرها من أكبر الأخطاء الفادحة على المستوى السياسي التي الوقعة وبالتالي القطع الطريق أما التيار الديني الوصولي السياسي الذي يستخدم الدين لذر الرماد في العيون ومدى عجز هذا التيار على طرح برنامج سياسي وفكري وتركيزه فقط على العاطفة الدينية لدى الناس ولا يتخطى حديثه عن السياسة بأكثر من خطب الرنانة ويتحول البحث السياسي والإقتصادي والإجتماعي عندهم إلى خطبة جمعة أو فك رموز النص المقدس وصولا إلى الخلط مابين العمل السياسي محض والعمل الديني بالسياسي و الذي يدخلنا إلى نفق مظلم جديد عبرالعبثية السياسية والمزيد من تفكيك المجتمع وتقسيمه والمزيد من مضيعة للجهد والوطن أومن خلال تجاربهم الدينية سياسية القمعية وتحالفاتهم المشبوهة وماوقع في السودان وما لهذه التجربة من مأسي على الشعب السوداني خيردليل من تحالف وجه الوصولية الدينية الترابي  مع العسكر النميري إلى الفريق عمر البشير وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع  فيجب أن نسأل هذه الأسئلة المشروعة حتى نصل إلى فهم مشترك وإجابة محددة وواضحة حكام كنا أومحكومين التصدي لتيار الأصولي في تونس من يتحمل تباعياته السلطة في  تونس فقط أم كل الفئات التقدمية معارضة كانت أم فعاليات المجتمع المدني أم كلاهما ثم هل يوجد أي مسؤولية أو دورلباقي فئات الشعب وشرائحه.                                  مسؤولية الحركة الوصولية الدينية المعروف باالديني السياسي كمثال : حركة النهضة التونسية (الإتجاه الإسلامي سابقا وهي جزء من التنظيم العالمي  لحركة الإخوان المسلمين فرع تونس). المتتبع لتيار الديني السياسي في تونس على التحديد وفي المنطقة العربية على الوجه العموم نرى أن هذا التيار مهما إختلف فنجد أنه يختزل الإرهاب والعنف كوسيلة متى أتيحت له الفرصة من ذالك على سبيل المثال حركة النهضة التونسية كتجربة حاولت عبر تجربتها أن تظهر لنا مسارين واضحين. المسار الأول: ـ الخطاب السياسي المتمسح بالدين وبالفضيلة. المسار الثاني: ـ الخطاب السياسي الإقصائي و التحريضي مصحوب في خط متوازي من إختراق مؤسسات الدولة من وزارة الداخلية والجيش وإستقطاب عاملين في هاتين المؤسستان وإنشاء مجموعات سمية بالجهاز الخاص أو المجموعة الأمنية أومجموعة الإنقاض الوطني كما يحلو للمشرف على هذا الجهاز السيد محمد شمام اللاجئ السياسي في سويد بعد إعترافه في شكل مقال  مطالب التوبة والإعتراف بالجريمة في رسالة وجهها لحركة النهضة و رئيس هذه الحركة راشد الغنوشي وباقي قيادات هذ التنظيم في داخل تونس وخارجها وبعد موجة التكذيب والإدعاء أن هذه التهم هي محض تلفيق ممن  إنجرى عن هذه المحاولة للإنقلاب بتصدي لهذا المخطط بحسم من السلطة في تونس و إذا مانجحت إحدى هاتين المحاولتين لقلب السلطة في تلك الفترة حسب إعتقادي فإنا كنا سندخل في تونس في تجربة من الحكم الظلامي تحت قيادة التيارالوصولي الديني السياسي ولمعرفة خطورة هذه التيارات الوصولية الدينية وعلى شاكلة ماوقع في السودان كنموذج لهذا التيار الجبهة الوطنية للإنقاذ السودانية بقياد رئيسها حسن ترابي والفريق عمر البشير وقبل البشير تحالف حسن الترابي  زعيم هذا التيار الديني  الوصولي مع النميري الإشتراكي التوجه لتتوج بشنق السياسي السوداني و الرئيس للحزب الجمهوري  محمود محمد طه وتحت حكمهما أي النميري وحليفه حسن الترابي صدرت قوانين سبتمبر 1983 و المسماة  بقوانين الشريعة الأسلامية فعارضها فوجهت إليه تهمة الردة عن الدين وبالتالي حكم عليه بالإعدام في أبشع جرائم العصر تقترف وتعطى لها مسحة دينية لتبرير هذه العبثية والسلوك العدواني والإجرامي بحق مواطنين مجرد أنهم إختلفوا مع نظام الحكم الديني ليلاقوا هذا المصير وهو القتل وماأشبه البارحة باليوم إغتيال الكاتب المصري فرج فودة في مصر على أيدي الجماعات الدينية  بالطبع يشمل فكل هذه الأصولية الدينية من الإخوان إلى السلفيين إلى الحزب التحريركل هذه أنها تشترك وتمثل الأصولية الدينية المتطرفة التي وجب التصدي لها . (*) باحث إجتماعي تونسي مقيم في دابلن

زهير الشرفي : صلاح الجورشي في معركة الحجاب كمثال

لا أوافق السيد صلاح الجورشي حين يقول:” أما آن الأوان لكي تنتهي المعارك الوهمية حول الحجاب؟ “* فالمعركة حول الحجاب ليست وهمية بل هي معركة حقيقية معركة فرضتها فرق الأصولية والوهابية على شعبنا وتفرضها في كل بلاد المسلمين بل حتى في أوربا وغيرها. تلك الفرق هي التي تطلب من الشعب الفرنسي، الذي أجبر رجل الدين المسيحي على نزع جبته في الطريق العام، أن يقبل ويرضى باللباس الأصولي الإسلامي في الشارع الفرنسي بل في مؤسسات التعليم ومراكز العمل أيضا. كلنا نريد النهاية لهاته المعركة التي وفدت علينا رياحها من المملكة السعودية وإيران والتي تفرضها علينا الفرق الأصولية والوهابية باسم التراث الإسلامي وبواسطة خطاب لا يخلو من عبارات التكفير والترهيب. فكيف ستنتهي: بأي شكل وعلى أية أوضاع؟ هل يريد السيد صلاح لهاته المعركة أن تنتهي بانتصار بلطجة الفرق الأصولية والوهابية التي لا تقبل بحثا ولا حوارا حول مسألة الحجاب؟ بعد أن تفرض تلك الفرق مطلبا من مطالبها تنتقل مباشرة إلى مطلب آخر: فبعد الخمار في مؤسسات التعليم يأتي مطلب منع الاختلاط ثم منع خروج المرأة بدون محرم ثم منع قرارها في الزواج والطلاق والمعاملات بدون موافقة ولي أمر من الرجال… ثم منع الرجال من حلق لحيهم ثم منعهم من استرجاع مطلقاتهم قبل نكاح الغير لهن ثم قطع الأيدي والرجم في الطريق العام ثم كل المشهد الأفغاني… حين أتحدث عن بلطجة الفرق الأصولية فإنني أعني منهجها في رفض أي حوار حول مسألة الخمار: من أطاعها وقبل بمطلبها عليه أن ينتقل إلى تنفيذ المطلب الموالي ومن يرفض مطلبها فهو كافر وعدو لحرية اللباس وعنصري وكل سبل الاعتداء عليه وشتمه حلال في حلال؟ !.. إليك أيها القارئ الكريم هذا المثال: حين نشرتُ مقالي في الشبكة الافتراضية بعنوان “الخمار بين الفهم الأصولي والمعاني الأصلية ” قدمه السيد سامي حقي إلى أحد مواقع الأصوليين ( الحوار نت) وطلب من رواد الموقع مناقشته. فانطلق عدد منهم في الرد بالشتم والتكفير ومن بينهم السيد الهادي بريك مما استدعى السيد سامي حقي إلى التعليق بالقول التالي: ” المؤكد أن بريك مثلما عودنا في ردوده غير قادر على الرد العلمي والموضوعي على المقال ولذلك جعل يدور ويفضفض في مواضيع أخرى ليست لها أي علاقة بالموضوع : أي دلالة الآيتين .الثابت أيضا أن اطلاع الرجل مقتصر على كتب الفقه والإسلاميات القديمة والكتب الصفراء دون غيرها من انجازات العلوم الإنسانية الحديثة ،وهذه سمة يشترك فيها معظم الأصوليين . لن أدخل في مهاترات تتعلق بالإسلام وفضله على البشرية في العلوم والتقدم والحضارة ، هذا لا جدال فيه ، لما كان الاسلام ممثلا بالعقل كابن رشد والرازي وبن سينا . أما حالة الاسلام في الوقت الحاضر على يد الاصوليين أصحاب النقل الحرفي أمثال بريك فهي جلية في تقارير الامم المتحدة والمنظمة العالمية للصحة ومنظمات حقوق الانسان العالمية ..أخيرا ولن أعود الى نقاش خاو وغير مجد معك ، مشكلة المرأة المسلمة هي أنكم جعلتموها كائنا نجسا ، ذا عورة وباعثا على الفاحشة والرذيلة بلغتكم . لذلك ناديتم بحجبه وإخفاءه وإفناء جسده تحت اللباس . كلمة أخيرة : ربما ستنتصر أفكاركم الأصولية التحريفية للقرآن الكريم لعقود أخرى بفضل فوائض الجهل والفقر والتخلف الذي تستثمرونه جيدا ، لكن اتجاه التاريخ في تحريك الوعي وتنمية العقل البشري وتجديده لصالح الانسانية مسألة ثابتة وحاسمة أيضا في محو دجلكم وإرهابكم للمرأة باسم الإسلام وحاشاه الاسلام من ترهاتكم ودجلكم المزوقين بالحكمة الكاذبة” حين تنتصر أحزاب الخمار الأصولي وتفرض ارتداءه على بناتنا ونسائنا تبقى الإشكالات الفكرية والحقوقية الأصلية مطروحة بدون حل وبدون وعي للحل بل يبقى الكثير من الغموض حول مسألة الخمار مثلما هو الشأن إلى أيامنا في إيران والسعودية وتركيا إلخ… في تركيا ذاتها تفتح هذه الأيام أبواب الجامعات للخمار بأسلوب الغلبة والبلطجة السياسية. فالحزب الحاكم هو الذي يغير الدستور ويجمع الأصوات في البرلمان من أجل ذلك: لم نر حوارا حقيقيا أو انتصارا فعليا لقيم حقوق الإنسان وحرية المعتقد ومبادئ الديمقراطية في تركيا، ولم يقدم لنا السيد صلاح شيئا من حوار وحجج تقنع بأن الخمار الأصولي الذي يدخل الجامعات التركية يمثل تحقيقا لفهم عقلاني وإنساني لمقاصد الدين الإسلامي لا تقليدا أعمى لأقوال السلف وتنفيذا لأوامر الأصولية الدينية. كما أنه لم يقدم لنا أي شيء يقنع بأن ذلك الخمار التركي ليس مقدمة من مقدمات البرنامج السياسي للأصولية الإسلامية التركية التي بدأنا نرى إنكارها لحقوق الأكراد ودموية سلطتها بدخول جيوشها إلى أرض العراق المجاور. انتصارات حزب العدالة والتنمية في تركيا تفسر بمجمل الوضع السياسي المحلي والدولي لكنها ليست دليلا على سلامة فهمه للتراث الإسلامي ولا على ديمقراطية برنامجه ولا تغنينا عن البحث السليم في أصل الإشكالات المطروحة حول قضية الخمار في مؤسسات التعليم ومراكز العمل. قد آن الأوان، حسب رأيي واعتقادي، أن نعمل على توضيح مثل هذه المسائل في عقولنا قبل أن يفرض فقهاء البلطجة حلولهم ومطالبهم: هل حمل الخمار الأصولي الأسود فرض ديني حقا على مسلمات اليوم؟ هل حرية اللباس تعني السماح للطالبات بارتداء ما يشأن داخل الجامعة؟ هل أن حق ممارسة الطقوس الدينية يعني أن ترتدي الطالبة ذلك اللباس حتى في الجامعة؟ من سوء حظ شعبنا لم تقم مؤسسات الإعلام بواجبها وقد لا تنوي القيام بواجبها، مستقبلا أيضا، في إنجاح الحوار الوطني بل قد تواصل نشر إعلام يخدم مصلحة الفرق الأصولية مثلما جاء في ذلك الملف الفاشل حول قضية الخمار و”لباس الحشمة” في قناة سبعة التلفزية التونسية الرسمية. فقد انتصر الشيخ محمد بوزغيبة لرأيه القائل بأن المرأة المسلمة عليها أن تخفي الكل سوى يديها ووجهها بدون أي عناء، وتقبل الحاضرون فقهه وآراءه بدون مناقشة كما لو كان مؤمرا أو مولى عليهم. محمد بوزغيبة هو نفسه من صرح قبل الملف في جريدة الصباح بأنه علينا أن نترك الحديث في مثل هذه المسائل إلى أهل الاختصاص بمعنى أن نترك الحكم والحديث له ولأمثاله من دون أهل الحكمة والحقوقيين والجامعيين والحداثيين والعقلانيين… ( فكان بشكل ما قد قيد مسبقا حرية تعبير القادمين للملف). كان ينبغي على قناة سبعة التلفزية أن تبحث عن غيره من رجال الدين الذين يحترمون الآخر ويحترمون حق كل مواطن في البحث والتعبير عن الرأي. بمثل هذا السلوك الإعلامي يمكننا القول بأن المعركة منتهية وأن النصر سيكون لصالح الفرق الأصولية والوهابية حتى لو لم توجد القنوات التلفزية الأخرى التي يمولها شيوخ البترو- دولار ودوله. لا يذهبن برأيك أيها القارئ الكريم أنني لا أريد احترام حرية اللباس أو أنني لا أحترم حق الطالبة في ممارسة ما تعتقد أنه من طقوس دينها لكنني أرى أنه يجب على طرفي معركة الخمار أن يكتشفا أساليب أخرى يحافظان بها على الخمار الأصولي أو “لباس الحشمة” في هذا القرن الواحد والعشرين: فليفتحا كليات خاصة بالطالبات المخمرات مثلا وكليات خاصة بالطلبة الملتحين، ثم كليات للشيعة وأخرى عديدة بعدد الأديان والمذاهب… لن أطلب منهما سوى ضمان السلم والتعايش بين هذه الفرق وضمان احترامها لحقوق المواطن في الحرية والمساواة وفي طموحه لنهضة وطنه ولحاقه بركب الحضارة. خمار أم حجاب؟ لماذا استعمل السيد صلاح الجورشي عبارة “حجاب”؟ إن عبارة ” حجاب” الواردة في النص القرآني تعني حاجزا أو سورا فاصلا فكيف تصبح لباسا عند السيد صلاح الجورشي مثل كل الفرق الأصولية والوهابية؟ كيف وقع المرور من معنى الحاجز أو السور العازل إلى معاني اللباس؟ وردت عبارة الحجاب في الآية التالية من النص القرآني: ” يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما” من الواضح أن المعنيات بهذه الآية هن نساء النبي. فهو يطلب من ضيوفه أن لا يتجولوا في بيته كما بدا لهم وأن لا يخاطبوا نساءه عند الحاجة إلا من وراء حجاب أي من خلف الأبواب أو الحيطان أو أي حواجز توجد في البيت. لا بد لفهم هذا النص من الأخذ بعين الاعتبار كلا من عدد نساء النبي وعدد الضيوف في بيته وتعدد مشاربهم وطباعهم(تحدث المفسرون في أسباب نزول الآية عن وجود عدد كبير من الضيوف في بيت النبي). تنبغي أيضا ملاحظة وجود كثير من علامات الخصوصية في هاته الآية لعل أوضحها وأبرزها ما جاء في عبارات: ” …وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما “: الآية تمثل بشكل ما، علاوة عن كونها متعلقة بشؤون بيت النبي الداخلية، عتابا لؤلئك الضيوف الذين يؤذون النبي في زوجاته وتطلب منهم أن لا يسعوا لنكاحهن من بعد زواجه بهن. من المعقول إذا أن لا يسعى ضيوف النبي إلى اجتياز الحواجز الموجودة ببيته أو إيذائه في بيته بالسعي لنكاح أزواجه من بعده؛ لكنه ليس من المعقول تغيير هذه المقاصد لعبارة الحجاب الواردة في الآية باشتراط لباس قد لا يمنع ما قصد نص الآية منعه من إيذاء للنبي. إذا كان فقهاء السلف قد خلطوا مقاصد الآية بموضوع لباس المرأة في عصرهم، أو كان زعماء الفرق الأصولية والوهابية يوظفون هذا الخلط ويعيدون إنتاجه فهذا لا يجيز لمن يدعي العقلانية أو اليسراوية والاعتدال في القرن الواحد والعشرين أن يغض الطرف عن مثل هذه المسائل؟ لا ينبغي أن ننسى، أيها القارئ الكريم أن السيد صلاح الجورشي لا يصرح بانتماء أو قرابة من الفرق الأصولية والوهابية، بل هو عضو في الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان؛ فكيف يستطيع أن يسكت، عند حديثه في قضية حمل الخمار الأصولي في مؤسسات التعليم، عن الجانب الثاني أو الوجه المخفي من القضية الذي سألمح إليه بالملاحظات الثلاث الآتية ؟ : 1- عند الحديث حول علاقة حمل الخمار الأصولي بالعبادات والطقوس الإسلامية يتبين وجه ثان للقضية. الوجه الأول معروف وهو قول فقهاء السلف وكل الفرق الأصولية والوهابية بأن حمل الخمار يمثل واجبا على المرأة المسلمة. أما الوجه الثاني الذي لم يذكره السيد صلاح وتنكره كل فرق الأصولية والوهابية فهو القول بأن الدين الإسلامي في خطابه الأصلي لا يطلب من المرأة المسلمة أن تحمل ذلك اللباس( وسأكون سعيدا بمتابعة أي مناقشة جدية لمقالي سالف الذكر والخاص بهذا الموضوع مع السيد صلاح ). 2- عند الحديث حول حرية اللباس ينسى دعاة الفرق الأصولية والوهابية ما تعنيه تلك الحرية من حق في حمل كل أنواع اللباس : ما هو خليع وما هو خاص بعبدة الشيطان وما هو خاص بفرق الشباب الفاشي إلخ… وينسون أيضا أن حرية اللباس لا تعقل في عديد من الأماكن والحالات فالخمار الأصولي ذاته، ناهيك عن الجلباب، يحد من مقدرة المرأة على السمع وعلى مراقبة حركة المرور وقد يتسبب في عدد من الحوادث إن كانت المرأة حاملة الخمار راجلة أو على مقود السيارة، أما عند الحرب وعند حالات الصراع الاجتماعي والاحتكاك السياسي فستكون العوائق والمآسي أكثر عددا وأشد إضرارا حيث لا يمكن في تلك الحالات الفصل بين الجنسين ومنع الاختلاط. كيف ينسى السيد صلاح أن يأخذ بالحسبان مثل هذه الاعتبارات فلا يتحدث عما قد يحدثه هذا اللباس من تعطيل لحرية وسلامة وفعالية الحركة والعمل في مؤسسات التعليم ومراكز العمل كما في الطريق العام ؟ 3- عند الحديث عن حرية إقامة الطقوس والعبادات الدينية لا بد أيضا من اعتبار ما قد تحدثه بعض الطقوس من ضرر بالغير أو نيل من حقوقه. وليعلم الحقوقي صلاح الجورشي أن قتل المسيحيين، وغيرهم ممن يعتبره بعض دعاة الفرق الأصولية والوهابية كفارا، يمثل سنة محمدية لديهم ( انظر مقال أحد الإرهابيين اللبنانيين على الشبكة الافتراضية بعنوان: ” إسعاد الأخيار بإحياء سنة نحر الكفار” ). فهل نطلق لفرق الأصولية والوهابية حرية القتل بدعوى أنه يمثل جزءا من طقوسهم وعباداتهم واعتقاداتهم الدينية؟ حين تحمل الفتاة في الجامعة ما يدعى ب”اللباس الإسلامي” هل تكرس بذلك حقها في حرية الإيمان وحرية القيام بطقوس العبادة أم تكرس عبوديتها وانسحاقها أمام إرادة أمراء الفرق الأصولية والوهابية؟ هل تكسب حريتها بحمل الخمار أم تفقدها؟ كيف للسيد صلاح، الذي يفترض أنه يلتزم بقيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يدعي أن حمل الخمار يمثل تحقيقا للحرية وتجسيما لحق القيام بالعبادة وليس العكس؟ لماذا لا يقول مثلا أنها “حرية” العبد المملوك أو “حرية” السجين المقيد أو وهم الحرية الذي يخفي قيود العبودية والأسر؟ لماذا يدعي السيد صلاح أنه يرى في الفتاة الحاملة للخمار الأصولي الأسود فتاة تتحرر ويخفي علاقة الحدث بانتصار الفرق الأصولية والوهابية وزحف إيديولوجيتها وفهمها الخاص واللاعقلاني للتراث الإسلامي؟ إن كان من واجبات ” الحقوقي” صلاح الجورشي، بحكم عضويته في إدارة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن يسهر على تطبيق المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الآتي نصها: المادة 18. لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة. فهو مطالب أيضا بالسهر على تطبيق المادة 30 التي تقول: المادة 30. ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه. ينبغي للسيد صلاح الجورشي إذا مثل كل الحقوقيين أن يفهم أن حقوق إقامة الطقوس والشعائر الدينية يجب أن تقف وتمنع حين يقع توظفيها للمساس بحقوق الغير. وإن كان من الواجب إنقاذ من يقدم على الانتحار بل منعه أيضا فكيف لا يكون من الواجب الحقوقي والإنساني أن ننقذ الفتاة التي تخيط ثوب سجنها وتضع على الرأس حمل قيدها ؟ هذا مبدأ حقوقي وإنساني أكيد.. يبقى فقط السؤال: كيف؟ بالموافقة على منع الخمار الأصولي في مؤسسات التعليم والعمل، أم بالمطالبة بإحداث كليات خاصة بضحايا الدعاية الأصولية، أم بأنواع أخرى من الحلول؟ لقد انتشر الإعلام الأسود في هذا الزمن السيئ حيث صرنا نسمع ونرى ليلا ونهارا من يتهكم ويشتم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة لأنه نزع الخمار في الطريق العام عن إحدى نساء الوطن ونقرأ لأحد القياديين في رابطة حقوق الإنسان وهو ينتقد العلمانيين والعقلانيين والحداثيين انتصارا لخمار الفرق الأصولية والوهابية ومشاريعها السياسية . ليعلم هؤلاء الدعاة أن بورقيبة نزع الخمار عن المرأة وهي تبتسم … وهي مقتنعة وسعيدة باستقبال الحرية والنور. وليعلم صلاح الجورشي أن انتصار فرق الأصولية والوهابية لا يحصل ببترو-دولارات الخليج وحدها بل أيضا بالدعاية والإعلام الذي يساهم فيه بكتاباته والذي يصور مأساة التلميذة، التي تحمل الخمار الأصولي بسبب نقص في الوعي أو خطأ في فهم مقاصد الدين، بعبارات البطولة والنصر كما لو كان ذلك اللباس علامة إيمان وحرية لا علامة من علامات الخطأ في فهم التراث الديني وعلامة من علامات عبودية المرأة وإذلالها في عصر يرفض العبودية والتمييز بين الكائنات البشرية.
* أنظر المقال في صحيفة “العرب القطرية” (7-فيفري-2008) أو في موقع تونس نيوز (8- فيفري-2008)
 

عيد بأي حال عدت يا عيد…؟ نـــداء

 

 
د. خــالد الطــراولي ktraouli@yahoo.fr   ملاحظــة : كتبت هذا المقال منذ خمس سنوات وإذ أعيد نشره مجددا تحببا أولا في الأجر في أيام من أيام الله، ولكنه أيضا، تذكير حتى لا ننسى وتغمرنا الدنيا بجحافلها، وهو إشارة إلى أن المشهد لم يتغير كلية، وأن الهدف من هذا التحبير يبقى تجلية المغمور ونداء إلى أصحاب الشأن وأمل في خيرية النفس البشرية وخاصة في هذه اللحظات… بعد أيام قليلة يجمع رمضان لآليه التي نشرها بيننا، وردائه الذي ألقاه علينا، ويغيب بدره من جديد… و من وراء السحب والغمام ينبثق هلال جديد، وشهر جديد، وتحل أيام العيد…
عيد بأي حال عدت يا عيد؟ سوف يفرح أطفالنا ولكن هل سيفرح كل أطفال بلدي؟ سيلبس أطفالنا الجديد ولكن هل سيلبس كل أطفال بلدي؟ سيعلو محيّا أطفالنا الضحك والابتسام، ولكن  هل سيضحك كل أطفال بلدي؟ ستنال الهدايا أيادينا الصغيرة، ولكن هل ستلعب كل الأيادي؟ سنعانق أطفالنا ونظمّ أحفادنا ولكن هل كل أطفال بلدي سيجدون من يعانق؟ سنأكل في هذا اليوم ما لذّ وطاب، وسنزور الأحباب..، لكن هل كل البيوت تزار؟ هل كل وطني مزار؟ عيد بأي حال عدت يا عيد؟ إن العين لتدمع والقلب لينفطر وهو يسمع من بعيد، أزيز أبواب السجون تغلق في وجوه أطفال شبوا ولم يعرفوا من الآباء سوى الأسماء والصور الصامتة والباهتة. إن النفس لتنحبس أحيانا ولا تترك إلا زفيرا عابرا ينطلق من تحت الركام وهو يتابع مسار أجسام تتهاوى وأسماء تتلاشى وعناوين تسقط وذكريات أشباح… وجوه مكلومة وخدود ملطومة وآمال مردومة وأشواق معدومة…!
عيد بأي حال عدت يا عيد؟ كيف تنام الأجفان وتُرتاد الفرش ويلتقي الخلان، وأجفان لم تر النور منذ سنين، ولم تلمس غير الأرض فراشا والسماء لحافا..؟، كيف لهلال العيد أن يظهر لهذا الحزن الذي يملأ البقاع؟ كيف له أن يبتسم والابتسامة قد فارقت ثغور أطفال منذ الأمد؟ ليقف المرء في بعض ثنايا حديثه واجما لا يستطيع لا التقدم ولا التأخر! وتعجز الكلمات على عبور الحنجرة من جديد! ليعجز المرء إلا أن يبتلع ريقه بكل مرارة ويلتجأ إلى لغة الإشارة للنجاة ولا حول له ولا قوة! لا نريد في هذه الأيام أن تفرح وجوه وتحزن وجوه، لا نريد أن نزور الأقارب والأصدقاء ويبقى تونسيون من بني جلدتنا في بيوتهم حزانى وثكالى وأيتام، الكافل في غيابات السجن أو تحت اللحود أو من وراء الحدود، والأمهات يسكبن الدموع من وراء الدهاليز وفي زوايا البيوت وفي الأركان المظلمة، بعيدا عن نظرات ملائكية لطفل صغير لا يفقه كثيرا من لعبة الكبار..، لا نريد أن يقول هؤلاء الصغار يوما هذا ما جناه علي وطني وما جنيت على أحد!
عيد بأي حال عدت يا عيد؟ دعونا من السياسة ولو للحظات، دعونا من جلبة المواقف والبيانات، دعونا من التدافع والتجاذب والتعارض لساعات معدودة، والتزموا ولو لبرهة من الزمن العابر نداء العقل والقلب… كيف بكم يا أصحاب القرار وقد طويت الصحف وفارق الحبيب حبيبه وتنكر الوالد لولده وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ونودي لمن الملك اليوم ولا مجيب ولا معيد…لله الواحد القهار! كيف بكم وقد تعلقت بأطرافكم شكاوى المضطرين، من حُرِمَ طيلة سنين نظرة حنان من أب مسجون، من حُرِمَت العائل والولي وأصبحت ترتاد الأسواق بحثا عن لقمة مرميّة بين القمامات، من مات تحت أغلال السجان، من هاجر منفيا وترك الأهل والعشيرة، ولم يسعد حتى بمرافقة والديه إلى مثواهما الأخير…؟ إن الخصومة كبيرة والمشتكي عنيد، والمشتكى إليه عادل وشديد، والمتهم ضعيف ضعيف ضعيف… ليس حديثنا توسلا و لا نداءنا تذللا، والله إنا لنرأف بهذه الأحوال، فاغتنموا أياما مازلتم تعيشونها، ومفاتيح مازلتم تملكونها، وعناوين مازلتم ترتادونها، اغتنموا حالكم قبل فوات الأوان حيث لا عذر ولا اعتذار.
عيد بأي حال عدت يا عيد؟ ماذا لو فُتحت السجون في هذه الأيام وعاد الناس إلى جوار أهلهم وذويهم؟ ماذا لو فُتحت الحدود وعاد المنفيون إلى تربة أجدادهم؟ كلمة واحدة تكفي صاحبها أن يلفظها فمه، أو إشارة من إصبعه، حتى تجف الدموع وتستبشر الوجوه ويكون العيد للجميع، كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تُفتح لها القلوب وتُمحى له الذنوب. حتى تنال الرحمة والفرحة كل بيت في تونس، وأن لا يبقى بيت واحد ينتظر أبا لن يطرق الباب، ومبشرا قد غاب، وزائرا لن يجاوز الأعتاب! عيد بأي حال عدت يا عيد…بما مضى أم فيك اليوم تجديد ؟؟؟؟ هذه آمالنا، هذه أحلامنا، هذا سعينا، هذه أشواقنا… ولكم يا أصحاب القرار في تونس الكلمة الأولى والأخيرة، وبيدكم اليوم ما سوف تعجزون عنه في يوم آخر وقد شهدنا عليكم وشهدتم على أنفسكم! فلا تسقطوا غصن الزيتون ولا تغمضوا العيون، وكل عام وتونس بخير، وكل عيد وأهل تونس في ألف خير! يقول الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم-: ‘إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة، يصلون على عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل، فإذا كان يوم عيدهم  باهى بهم ملائكته، فقال : يا ملائكتي! ما جزاء أجير وفَّى عمله؟ قالوا: ربَّنا جزاؤه أن يُوفَّى أجرُه. قال : ملائكتي! عبيدي وإمائي قضوا فريضتي عليهم، ثم خرجوا يعجون إلى الدعاء، وعزتي وجلالي وكرمي وعلوي وارتفاع مكاني لأجيبنهم، فيقول: ارجعوا فقد غفرت لكم، وبدلت سيئاتكم حسنات. قال: فيرجعون مغفورًا لهم’ رواه البيهقي.
المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطيwww.liqaa.net

 


وجه جديد للأمية

عبد اللطيف الفراتي (*) صنفت اليونسكو منذ سنوات طويلة الأمية بأنها حال من عدم القدرة من طرف شخص تجاوز الخمس عشرة سنة على قراءة وفهم نص بسيط، ثم إن اليونسكو عرفت الأمية بأنها عجز من الفرد عن فهم محيطه والمساهمة الفاعلة في الحياة حوله. وتقدر اليونسكو لعام 2006 نسبة انتشار الأمية بـ13 في المائة من سكان العالم، غير أن هذه النسبة غير متساوية بين البلدان حيث تبلغ حوالي 73 في المائة في الهند إلى حد الاختفاء في البلدان الأكثر تقدما. وفي محاضرة ألقيت بمناسبة انعقاد ندوة تحت إشراف الأمم المتحدة قال موظف كبير في البنك الدولي: إن الأمية اليوم ليست فقط عجزا عن قراءة نص وفهمه بل عدم معرفة التعامل مع جهاز الكمبيوتر وعدم التعامل مع اللغة الإنكليزية. وآخر تعريف للأمية جاء عن طريق الإتحاد الدولي للاتصالات، وفق مؤشر لانتشار استخدام شبكة الإنترنت في 200 دولة في العالم. وباعتبار انخراط حوالي 350 مليون مستخدم للإنترنت من بين 7 مليارات هم عدد سكان الكرة الأرضية، أي بنسبة 20 في المائة، فإن كل بلد كان انتشار الإنترنت فيه يقل عن 20 في المائة اعتبر أميا إليكترونيا. وبالتالي فإن 80 في المائة من البشر يعتبرون في عداد الأميين الإلكترونيين. وقد يناقش المرء هذه المقاييس ومدى موضوعيتها، ولكن ذلك لا يمنع من اتخاذها، كمصدر للقياس، وهي بلا شك دليل على تقدم بلد أو تراجعه، وبعض الإخصائيين يصنفون دول العالم وفق ثلاثة أصناف : 1) الدول المتقدمة وحيث تتقلص نسبة الأمية الإلكترونية، وهي تلك البلدان التي يزيد فيها انتشار الإنترنت حسب نسبة استخدام شعوبها للشبكة العنكبوتية وعدد الخطوط الهاتفية ومدى جودتها وسعة تراسل المعلمات وعدد الحواسيب وعدد الكفاءات العاملة بالقطاع وفقا لدراسة نشرها المهندس التونسي عبد المجيد ميلاد ـ يزيد فيها ـ عن 50 في المائة ومن بينها وفقا لإحصائية نشرها نفس المهندس، هولندا وهي الأولى دوليا بـ91.34 في المائة والسويد 76.94 في المائة والولايات المتحدة الأمريكية 71.94 في المائة وسنغافورة 60.96 في المائة وماليزيا 59.72 في المائة والإمارات العربية المتحدة 52.51 في المائة، وغيرها من الدول التي تعتبر متقدمة في هذا المضمار. 2) الدول المتوسطة التقدم وهي تلك التي تتراوح فيها نسبة الانتشار الذي ذكرناه آنفا بين 50 و20 في المائة، ومن بينها بلجيكا وفرنسا بأقل بقليل من 50 في المائة وإسبانيا 44 في المائة وبولندا 42 في المائة وقطر قرابة 42 في المائة وإيران 32 في المائة ولبنان 26 في المائة والمغرب 23 في المائة . 3) الدول المعتبرة ذات أعلى نسبة من الأمية الإلكترونية وقد تم خلالها تصنيف عدد من الدول العربية هي بالترتيب المتصاعد كما يلي: **اليمن 1.43 في المائة ** ليبيا 4.36 في المائة ** السودان 9.75 في المائة ** الجزائر 10.34 في المائة ** عُمان 11.56 في المائة ** تونس 16.74 في المائة ** سوريا 17.41 في المائة غير أن هناك دولا تأتي في مراتب أدنى بأقل من 1 في المائة مثل أنغولا وبنغلاديش وأدنى من 3 في المائة ومنها الكامرون وغانا، وللأسف فإن التقرير المتاح بين أيدينا لم يتعرض لقائمة كل الدول المائتين التي يتحدث عنها وأغفل الحديث عن عدد من الدول العربية ومنها بالخصوص مصر. ويلاحظ أن القائمة لا تتضمن من الدول العربية التي تعتبر متقدمة سوى دولة الإمارات وتلك التي تعتبر متوسطة التقدم سوى قطر ولبنان والمغرب. ولا يعود سبب هذا التخلف العربي الذي تم تشبيهه بالأمية فقط لأسباب سياسية ومنها الرقابة المفروضة على الإنترنت وحجب أعداد كبيرة من المواقع بقرارات سياسية، بل إلى ارتفاع أسعار أجهزة الكمبيوتر في بعض البلدان وإخضاعها إلى أداءات جمركية عالية، وإلى انعدام شبكات اتصالات ذات جودة عالية، وقلة وجود سعة عالية للتراسل، وارتفاع كلفة الربط بأدوات الاتصال العصرية مثل الـ د س ل. ولعل الغريب أن تونس التي كانت في مقدمة الدول العربية التي أدخلت الإنترنت منذ 1991 ، ولعلها كانت الأولى ما زالت تقبع ضمن الدول ذات النسبة العالية للأمية الإلكترونية، وذلك رغم التشجيعات الكبيرة وتخفيض أسعار الحواسيب، وإقامة شبكة تراسل المعلمات عالية الجودة، غير أنه ورغم ذلك تبقى أسعار الحواسيب مرتفعة، كما تبقى تعريفات التلفون عالية، واشتراكات الربط للإنترنت مبالغا فيها حتى بالقياس إلى البلدان ذات مستوى الأجور والمداخيل العالية، ما يفترض أن تبذل السلطات جهدا كبيرا في السنوات القادمة من المكانة المتدنية التي تقبع فيها، والتي لا تتماشى مع بلد تتوافر له كفاءات عالية من مهندسين وفنيين بعضهم يشتغل في الخارج ولكنهم بالعدد الكافي لتوفير إمكانية رفيعة لجعل البلاد لا في موقع البلدان المتوسطة بل حتى المتقدمة. ولا يمكننا طبعا أن نتحدث عن البلدان العربية الأخرى ولكن الأكيد أن بعضها يملك قدرات كبيرة للمرور إلى مواقع أحسن مما هي عليه اليوم. (*) كاتب من تونس (المصدر: صحيفة ‘الشرق’ (يومية – قطر) الصادرة يوم 28 سبتمبر 2008)

هيا  يا ابني ..

النفطي حولة كان من بينهم ابن المنجم خرج لتوه من المنزل يهرول في الشارع المزدحم يسترق السمع من الحشود الغاضبة من بين الحركة  والجماهير الهادرة اقترب من المسيرة والمسير  وقبل أن يردد الشعار الأخير امتدت يد البوليس الماكرة تطلق الرصاص الحي وسط الجموع استعد للهروب وسار في الدرب وحيدا سمع صوت أمه تناديه وتذرف الدموع: ولدي وطنك مسلوب و أنت الآن شريد ولدي الوطن أصبح سجنا وأنت طريد هيا ارجع إلي ما عدت احتمل المشقة إني أخاف أن تصيبك من البوليس طلقة فاحزن عليك واصب جام غضبي على وطني الذي لم يعد يحميني من الجلادين  والقتلة وكبار اللصوص وعسس الليل أولئك السفلة هيا ارجع يا ابني قد طال غيابك وأنت تبحث عن رغيف خبز وشغل وشيء من أتعابك هيا ارجع يا بني قد طال انتظارك وأنت تفتش عن بقايا حرية بين الثنايا و المعارك هيا ارجع يا ولدي واسمع ندائي وصرختي وعويلي وبكائي هيا ارجع يا ولدي وخذ بيدي المخضبة بالحناء في يوم مولدي لأعانقك واسترد أنفاسي واحتضنك بين أهلي وناسي هيا ارجع يا قرة عيني  ولا تبقى محصورا إن الوطن كله بات الآن محصورا  ودم الشعب  أصبح الآن مهدورا فلا ملجأ إلا لحضن أمك فهي الوطن والحب وكان الحب جميلا هيا اقترب مني  يا ولدي ولا تبتئس فالليل مازال طويلا أني أرى روحك ترفرف بالقرب مني تخبرني عن الشهادة والشهيد إني أرى طيفك وظلك بين الشهداء فهيا ارجع يا آخرا أبنائي الأوفياء  28 سبتمبر- أيلول -2008


قصة قصيرة:                         صــــورة الـــــــوالـد*   الإهداء إلى روح الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر  في الذكرى الثامنة والثلاثين لوفاته وأعلم أنك الماضي الذي لا يمضي.

   بقلم  خالد الكريشي (أبو جمال عبد الناصر)**   فجأة ومع الغسق إقتحمت بوادر الشتاء باحة المعهد الفسيحة، تنادت السحب للقاء حميمي، تلبدت الغيوم و أكفهر الجوّ، أرعدت السماء، وهبت رياح عاتية حاملة بين طياتها ما تبقى من أوراق الخريف الذابلة داخل القاعة سرت في جنبات جسمه النحيل نسمات باردة وإرتعشت فرائصه، أخرج قدميه الباردتين من نعله المطاطي و حكهما ببعضهما حتى يسري فيهما شيء من الحرارة، وضع الكتاب على   وجهه وعطس عديد المرات مما جلب إنتباه زملائه و تعليقاتهم السخيفة، تأوّه، نقرات الرذاذ الخفيف على شبابيك النوافذ تتسارع و تتسارع معها دقات قلبه، تعالت أصوات آخر القاعة: أغلقوا النوافذ أغلقوا النوافذ. إزدادت الجلبة و الضوضاء، فقد التركيز، أحسّ بالجوع، أكلة المساء بمطعم المعهد سيئة للغاية، طعم “الكاربوناتو”مازال بحلقه تذكر أن له “بسيسة”* لذيذة  بالمرقد أعدتها له أمه بالعسل العربي  و اللوز المجفف لمثل هذه الأيام الصعبة، تمّنى ألا يسطو عليها أحد، إطمأن قلبه، فالكل هنا و البارحة أكل منها فما عليه إلا الصبر لملء بطنه الخاوي، تساءل:كيف يستطيع المضرب عن الطعام مقاومة الجوع؟أبو الكفار كما سماه شاعره المفضل: لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر فالجوع أبو الكافر مولاي أنا في صف الجوع الكافر ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار”. إنسان غير عادي من يقاوم الجوع و الكفر معا، إنّه في  مرتبة وسطى بين الإنسان والجن تذكر ما قاله له صديقه الجديد أبو علي تحت شجرة الصنوبر ذات مساء :”إذا أردت أن تكون مناضلا حقيقيا فتنازل عن جميع الشهوات و الرغبات الحسية”.راقت له الفكرة: لماذا لا يكون مناضلا لمدة ساعتين فقط؟و يعتبر نفسه مضربا عن الطعام لحين صعوده للمرقد، وجد في ذلك سلوى، إزدادت نفخات الريح قوة فأفاقته من حالة الشرود، إنكمش، تضاءل فبدا على كرسيه الخشبي كقبضة يد.هؤلاء الأوغاد كأنهم متواطئون مع الريح حتى يتخلصوا من كل شيء أنشد أحدهم بصوت جنائزي: “نسمة الأرياح هبي و أحملي مني السلاما حبها أورث قلبي لوعة و هياما و جرى دمعي على الخدين حتى صار حراما” إدّعى أنّه  نظم هذه الأبيات لصديقته القيروانية الجديدة المحبة للشعر، الكل يعلم أنه يكذب، قلة قليلة صدقته، البعض الآخر يلعب الورق في آخر الصف الأيسر من القاعة، لم تتركهم الريح، تتطايرت الأوراق في الهواء تبا لهذه الريح! نطق أحدهم:كفوّا عن اللعب و أنظموا للنقاش الدائر بين الأخوين التوأمين الحسن والحسين حول ما يجري بالخليج العربي، تتزاحم     أسئلة عديدة بدون أجوبة شافية: هل تندلع الحرب؟ و متى سينسحب من المقاطعة رقم 19 ؟و لماذا لم يتجه “لإسرائيل “ليقضي عليها و يحرر فلسطين إن كان صادقا؟ وماذا سيفعل إذا؟هل تسانده بقية الدول؟و هل من الممكن في هذا العصر أن تتم الوحدة بالقوة؟طارح هذا السؤال يبدو أنه مطلع على الطريقة التي وحد بها “بسمارك”الأمة الألمانية !قال في سره محجما عن مشاركتهم الحوار،تتسع دائرة النقاش و تتعالى الأصوات و يكثر اللغط إنبرى كل واحد يدلي بدلوه في هذا الموضوع المغري، فرصة لإستعراض البعض قدراتهم المعرفية من خلال قراءتهم أو من خلال ما سمعوه و حفظوه جيدا لمثل هذه المناسبات، وحده صاحب السوط الجنائزي نأى بنفسه عن هذه الحلقة، كان يخط بعض الحروف على ورقة بيضاء أكيد أنه يحاول كعادته كتابة رسالة غرام لصديقته التي  لم تأت بعد، جف القلم لم يستطع كتابة سطر واحد، بدا بشعره الأشعث أكثر دمامة و هو يبحث عن شماعة يعلق عليها عجزه، إحتج واقفا:دعونا ندرس و أوقفوا هذا الهراء ،إذهبوا إلى هناك و شاركوه الحرب إن كانت لكم شجاعة و قلبكم عليه، قادرون فقط على الكلام….! .لم يلتفت إليه أحد، إزداد غيظه، قال متوعدا:سأنادي القيم العام، خرج مسرعا، صرخ وراءه أحدهم:يا قواد! عاد مسرعا لمقعده و هو يعوي كذئب مذعور: المدير المدير، ساد صمت رهيب كصمت القبور في لمح البصر عاد كل شيء إلى مكانه غرس الجميع عيونهم و هم مطأطأوا الرؤوس في الكتب و الكراسات التي أمامهم متظاهرين بالتركيز المفرط حد التماهي، دلف المدير داخل قاعة المراجعة بقامته الطويلة و بوجهه الشاحب و قد رسم بين أنفه و شفته العليا شارب أسود خفيف، كم من قلم لبدي  إستحقه هذا المدير لتثبيت هذا الشارب!؟تساءل في خياله مبتسما، رمقه بنظرة غريبة كأنه إكتشف فجأة ما كان يجول بخاطره حول شاربه  العجيب الإصطناعي  ثم خاطبه بغضب و هو يغلق مطرية رمادية اللون: -أنت تعالى. تظاهر باللامبالاة و أن الخطاب غير موجه إليه و ليس معنيا بهذه الدعوة، إقترب من طاولته أكثر و أضاف: -أنت أيها النحيل الأشقر تعالى. إشرأبت إليه الأعناق و إنصبت عليه كل العيون فهو الوحيد النحيل الأشقر بهذه القاعة، فهناك النحيل الأسمر و البدين الأشقر و هناك البدين الأسمر، إنه يقصده هو بالذات، تيقن أن في الأمر وشاية،فمن وشى به؟ -من؟أنا؟! -نعم أنت و من سواك أيها النذل؟ أضاف هادئا: -ما إسمك؟(يعلم أنع يعرف إسمه على الرابع و أصله و فصله). -أحمد -أحمد من؟ -أحمد العربي. -في أي قسم؟ -السادسة آداب واحد. -أين خزانتك؟ -هاهي و أشار بيده إلى خزانة حديدية بآخر القاعة مستطيلة الشكل رمادية اللون. أمره بحدة: -إفتحها. مشى بخطى متثاقلة واهنة، بدأ الأمر يأخذ أبعادا جديدة،تساءل عن ماذا يبحث هذا المدير بالخزانة؟ تمنى ألا يكون أحدهم قد دس فيها بعض المسروقات ليوقع به و تكتمل بذلك المسرحية، بيدين مرتعشتين و بعد عدة محاولات لوضع المفتاح في القفل، فتحت الخزانة، أجال بصره بسرعة داخلها إطمأن نفس الكتب و الكراسات مكدسة على بعضها لم تتغير، حذاؤه الرياضي و الجوارب بروائحها الكريهة موجودة بأسفل الخزانة .ألقى المدير المطرية على الطاولة و إقترب أكثر من الخزانة واضعا يده  اليمنى على أنفه تساءل: -لمن  هذه الصورة المعلقة؟ بصوت متلعثم مخنوق العبارات وخافت قال: -إنها صورة الوالد سيدي المدير. صفعه بيده اليسرى صفعة قوية أفقدته  توازنه  سقط على إحدى الطاولات .لم يكن يتصور أن يد المدير قادرة على إلحاق الألم بهذا الحجم.تحسس بيده مكان الصفعة إنها أربعة خطوط حمراء يكاد ينفجر بالبكاء .حاول أن يتمالك نفسه لتجنب سخرية زملائه. -أتمزح معي اعرف أن والدك كان فلاحا و لم يعرف من اللون الأخضر سوى لون الشجر و الحشيش، إنها صورة جمال عبد الناصر. قال وهو يضع يديه الإثنتين على وجهه حابسا دموعه: -كلا سيدي أقصد أنّها تشبه صورة الوالد الذّي لم يمهله الموت لإلتقاط أي صورة، أخبرتني أمي كلما  سألتها عنه:أنه في إحدى أيام الصيف و بعد أن باع منابه من القمح سافر لمصر لمحاربة الصهاينة  و في إحدى أيام شهر رمضان قيل لها أنه أستشهد و تم دفنه هناك. شعر بأن المدير أصبح أكثر هدوءا بعد كلامه هذا و هو يقلب الكتب  و الكراسات. -هكذا إذن.طيب و هذه الكتب من أين جاءتك؟تكلم، قال ذلك وهو يقرأ بصوت عال عناوينها.”نظرية العشق العربي”،”في آداب العشق العربي-التجربة الصوفية نموذجا”، “ديوان العاشق المجهول”،”الطريق إلى جنان العشق العربي الثوري”. -إنها من أبو علي. -و من أبو هو علي؟عدنا للمزاح,هل هو متزوج حتى يكون له إبن؟غبي جدا هذا المدير ألا يمكن أن يكون هذا إسمه المستعار أو الحركي تساءل في خياله بهدوء. – طالب بكلية الآداب عرفته صدفة منذ شهر بمحطة الحافلات. -وهو الذي مدك بالصورة؟صورة والدك قال متهكما!. -لا الصورة إقتطعتها من إحدى المجلات القديمة. إقتلع الصورة على مهل حتى لا تتمزق و دسّها في جيب بدلته، صمت طويلا ماذا سيفعل بي؟؟تردد، خاطبه بحزم و هو يضع الكتب تحت إبطه: -إسمع أعرف أنك تلميذ مجتهد وذكي لذلك سأسامحك هذه المرة، وإذا عدت لمثل هذه الأفعال مستقبلا سأحيلك على مجلس التأديب و عليك الإلتزام بهذا كتابيا و غدا صباحا تعال لمكتبي لتمضي الإلتزام. غادر المدير القاعة و ما إن خطا بعض الخطوات حتى عاد الجميع لحلقتهم و لأسئلتهم التي لا تنتهي و كأن شيئا لم يكن، كيف ستنتهي الحرب الثلاثينية؟ و قد إشتد القصف على عاصمة هارون الرشيد، أرواح تزهق تحت ملحمة الملجأ، سفكت دماء و سالت حمراء قانية سيلان ماء دجلة و الفرات، صاح في الملأ المجتمع بقاعة الرياضة بأعلى صوته: -إلى متى الصمت؟كأن دماؤهم دماء و دماءنا ماء. خرج الجميع سائرين إلى قلب المدينة، إلتحموا بالطلبة و إنضم إليهم عمال و فلاحون و عاطلون عن العمل ومندسّين، الكل يهتف حتى بحت حناجرهم :”شعب عربي واحد، دم عربي واحد، وطن عربي واحد ،جيش عربي واحد “.”شعب واحد لا شعبين من مراكش للبحرين”بعض المندسّين هتفوا بحياة آبائهم و البعض الآخر بحياة أجدادهم.في المساء عاد للمعهد منهك القوى، أمام الباب وقفت سيارة للشرطة، كانوا  بإنتظاره، لم يلتحق بقاعة المراجعة كعادته، حملوه لمنطقة الأمن، هناك ضربوه بشدة و قسوة، إنهالوا على والده سبا وشتما أغاضه كثيرا سب والده الميت، سب الميت حرام كما قالت أمه و أذكروا موتاكم بخير تضيف دائما.تساءل: ماذا فعلت؟و ماذا فعل والدي؟. سأله مدير فرقة الإرشاد السياسي بإستخفاف: -ها يا زعيم! هل حررت القدس؟ صمت ثم أضاف متبجحا كأنه قبض على صيد ثمين: -ملفك أسود,إبن ال(…)، تريد أن تصبح زعيما سياسيا مثل والدك الذّي لا تفارقك صورته ألا تعلم أن عصر الزعماء  كعصر الأنبياء إنتهى تماما بغير رجعة. صمت, أحس بالعطش و الجوع,ملعون أبو الجوع. أخرج ورقة مكتوبة من أحد الملفات الصفراء,خاطبه بشدة: -خذ إقرأ. كيف يقرأ  و هو ظمآن و جائع, جالت بخاطره فكرة:لماذا لا يدخل في إضراب جوع؟حتى يصير لجوعه معنى,فعليه أن يجعل من جوعه معنى بأن يضيف إليه وعي الجوع,إبتلع ريقه,حدّق فيها مليا مرتعشا,بدت مكتوبة بخط واضح و جميل كأنها مرقونة،لم تكن مؤرخة،كتب في أعلى الورقة بشكل مائل و بخط مغاير باللون الأحمر- سرّي جدا-.  [ من مدير المعهد الثانوي إلى السيد مدير فرقة الإرشاد السياسي . تحية طيبة تليق بمقامكم الرفيع: وبعد, أحيطكم علما بأن التلميذ أحمد العربي المرسم لدينا بالسنة السادسة آداب واحد،عمد في الآونة الأخيرة إلى بعث خلية سياسية بالمعهد مرتبطة بطالب بكلية الآداب يدعى” أبو علي” و ذلك بغاية بث الفوضى و إحداث البلبلة و تعطيل سير الدروس ، هذا و لم أتمكن من معرفة بقية عناصر الخلية،و قد تم ضبطه متلبسا بفعله المشين بقاعة المراجعة بعد تفتيش خزانته و حجز بعض الممنوعات(تصلكم صحبة هذا). في الختام تقبلوا مني فائق الإحترام و المودة و دمتم ذخرا لخدمة الوطن و المواطن./ المصاحيب: 1-صورة مقتطعة من إحدى المجلات يدعي المذكور أنها لوالده أو تشبه صورة والده. 2-كتاب:”نظرية العشق العربي”. 3-كتاب:”في آداب العشق العربي؟ التجربة الصوفية نموذجا”. 4-كتاب:”ديوان العاشق المجهول”. 5-كتاب:”الطريق إلى جنان العشق العربي الثوري”.]  ———– * نشرت هذه القصة بمجلة الحياة الثقافية (ماي 2005 وصحيفة الشعب سبتمبر 2004) . ** له كذلك: -“الحارق” قصة قصيرة( صحيفة الشعب ،ديسمبر 2004) –         “الرجل الحرباءة” قصة قصيرة(صحيفة الموقف ،أكتوبر 2004) –         “محمد شكري والسياسة ،آه من اللماظة أيها الريفي!” دراسة نقدية(الشعب ديسمبر 2004) –         “قراءة حالمة للرواية الفاضحة (مناضل رغم أنفه) وفن صياغة القمع روائيا” دراسة نقدية تنشر قريبا. –         “بطاقة زيارة” قصة قصيرة تنشر قريبا

من وحي الجنازات

الحبيب ستهم لقد شيعت في المدة الأخيرة عدة مناطق من البلاد شهداءها وموتاها إلى مثواهم الأخير ولئن تعددت واختلفت أسباب الموت بين شباب قضى وهو يدافع عن شرف الأمة ويدفع عنها الهوان والخنوع ويذود بنفسه عن بيت المقدس شرف العروبة والإسلام وبين من مات بعد صراع مرير مع أخبث الأمراض الذي وسم به بعد ما يقارب العشريتين متنقلا بين مختلف السجون والمعتقلات في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية وبين من مات وفارق الحياة برصاص الأمن بينما كان يحتج على واقع البطالة المرير وعلى عدم التوازن في الاستثمار بين الجهات وعل المحسوبية والمحابات وبين من مات بعد أكثر من شهرين من الإضراب عن الطعام دفاعا عن براءته وبين من مات غرقا وهو يحاول العبور إلى الضفة الشمالية بعد أن ضاقت به تربته وأهلها إضافة إلى وهج السحر الآتي من هناك عبر الأمواج وبين من مات تحت طعنات وهراوات ما يقارب العشرين شخص تجمعوا لحل مشكل فجانبوا الصواب وخلقوا مشكلا أكبر منه(جريمة قتل وقعت في المنستير)، إلا أن المتتبع لتلك الجنائز معاينة أو عن طريق الإعلام يلاحظ موجة الغضب والاستياء والسخط الذي كان عليه أغلب المشيعين فقد خيم ذالك الشعور إضافة إلى التعاطف مع الموتى على كافة الجنائز، الكثير من الأسئلة دارت بخلد الحاضرين صحيح اختلفت محاورها لكن المعني بالسؤال نفس الجهة تلك التي بيدها الحل والعقد تلك التي تسطر وتخطط وتفرض التنفيذ ولا تتهاون مع الرفض والممانعة، لماذا لم يقع تكريم شهداء القضية الفلسطينية؟ لماذا لم يدفنوا في مقبرة الشهداء؟ شهداؤنا دافعوا عن جزء من الأمة وهؤلاء الشباب دافعوا عن ضمير كل الأمة ألذاك السبب حوصرت مواكب دفنهم؟ ولفائدة من حرصت السلطة على دفنهم في صمت؟ في المقابل كيف علمت الجماهير بمواكب دفن غالبيتهم رغم التعتيم الرسمي؟ وما الذي دفع بتلك الجموع إلى الحضور والمشاركة في تلك الجنائز؟ ثم لماذا رفعت تلك الشعارات القلبية الحية النابعة من عمق الضمير الوطني والعربي والإسلامي؟ أي رسالة أرسلت تلك الجماهير؟ وكيف كان تلقيها من طرف الجهات المسؤولة؟… ليست هذه كل الأسئلة فهي كثيرة ولكن لا بد من سرد البعض منها مما دار في أنفس الحاضرين في بقية المواكب من مثل أليس في السجون مصحات ؟ وإن لم يكن ..لماذا لم يتم مداواة المتوفى خارج السجن قبل أن يستشري المرض في كامل جسمه؟ هل أن السجن للإصلاح ولتنفيذ الأحكام أم للتشفي وهدم الإرادة؟ هل أن السجون معدة من أجل إعادة التأهيل للحياة أم هي تعجيل للقطع مع الحياة وتقريب للموت؟ من المسؤول عن كل هذا ؟ من يجرؤ على المطالبة بالمحاسبة ؟ ومن هي الجهة المطلوب محاسبتها؟ كيف يضرب عن الطعام مواطن عادي جدا داخل السجن لمد تجاوزت الشهرين ويفارق الحياة ولا أحد ممن بيده القرار تدخل لإنقاذه؟ هل أن الجرم الذي ارتكبه يستحق عليه الموت؟ ماذا كان التصرف لو كان من المتنفذين أو ممن يدور في فلكهم هل كان سيلقى نفس المصير؟ هل فعلا ضحى بحياته من أجل إثبات براءته؟ الحسرة والأسى تعصر قلوب الجميع .. الإستنكار والاستهجان كلمات لا يمكنها أن تؤدى المعنى وتوفي بالغرض وتشفي صدور أناس قرروا رفض الظلم والقهر والرضوخ لسلطة القوة، تلك القوة التي لم يجد مشيعوا شهداء الحوض المنجمي مبررا لاستعمالها ولم يستوعبوا إلى الآن إصرار السلطة على استعمالها تجاه كل من طالب منهم بتحسين وضعه المادي وحقه في العيش الكريم ونادى بالعدل بين الجهات، لما كل تلك الشراسة وتلك الشدة في معالجة وضعية أهل المناجم؟ أليس من حقهم المطالبة بالإحاطة والرعاية من طرف مسؤوليهم وممثليهم؟ لما انقلب الحل من الحوار إلى الاعتقالات والمحاكمات؟ هل هي رسالة محتواها “أضرب القطوسة تخاف العروسة”؟ أم أن الشعب أصبح على درجة من التبلد الذهني والجمود الفكري بحيث تعطل عنده المنطق وكنه الأشياء وأضحت العصا والقوة والمعالجة الأمنية هي السبيل الوحيدة للتعامل معه؟ حتى جنازة المنستير والتي كان المتوفى فيها من أصحاب السوابق العدلية وله سيط في ذلك تحولت إلى مسيرة غضب تطالب بتتبع الجناة وتطالب بالقصاص العادل وإذ أسجل رفضي لعملية اقتحام الولاية وهي أعلى مؤسسة جهوية تمثل السلطة والإدارة فإني أتساءل من المظلوم في هذه القضية ومن الظالم؟ ولماذا كل هذا العنف وهذا الانتقام الذي جعل نحو عشرين شخصا يلتقون على شخصا بمفرده طعنا وضربا حتى الموت؟ وما هو الدافع الباطني الذي جعل أصدقاء المتوفى من سوسة وتونس والقيروان يحضرون الجنازة؟ حتى متساكني مدينته الذين كانوا يتحاشونه حيا حضروا بكثافة ألا تستدعي مثل هذه الواقعة البحث والتأمل في نفسية المواطن؟ ألا من دراسة للتمازج الحاصل بين عاطفة الحب والرحمة ودرجة الاحتقان والقسوة التي أصبحت بداخله؟ هذه القسوة وهذا التوحش الذي زاد تمظهره في الشارع والمدارس والعائلة ومراكز التحقيق والسجون وعمليات تفريق المظاهرات والمسيرات السلمية رغم قلتها ومحدوديتها،وعاطفة الحب والتضامن الجياشة والتلقائية التي كانت واضحة في الجنازات، نعم إنها جنازات وليست أكثر ولا أقل ولكن جعلتني أتساءل عن القيم وعن المبادئ وعن المثل والأخلاق والمروءة، عن الثقافة التي أوصلتنا إلى هذه الحالة .. سلطة متنفذة تريد تطويع الجميع لإرادتها تغير وتسن وتنفي من القوانين ما تشاء وكيفما تشاء من أجل المحافظة على موقعها ونفوذها، لقد أصمت آذاننا بعبارة ثقافة التسامح والتضامن والتكافل والبذل والتضحية لكن الذي حدث هوثقافة التمسح والتزلف والإنتظارية والولاء الأعمى خوفا وطمعا وانتهازا الأمر الذي ولد اليأس والاحتقان وعدم الثقة في السلطة وأجهزتها التي هي بدورها انتهجت أيسر سبيل للمحافظة على وجودها وللتعامل مع كل أمر من شأنه تعطيل برامجها أو تأخير أهدافها ألا وهي المعالجة الأمنية لكافة الملفات أو أغلبها فلإن كان الجهاز الأمني ضروري لضبط المخالفين للقانون وللسهر على تأكيد علوية القانون وحماية المواطنين بعضهم من بعض فإنه لا يحق للسلطة أن تجعل منه أداة قوة تحقق بها مطامحها بعيدا عن رغبات الشعب وتطلعاته فالقوة هي قوة الحلول المقنعة لا قوة القهر والإجبار قوة المنطق والدراسات والأبحاث المعمقة لا قوة التبرير وفرض الأمر الواقع، القوة حضرت في تلك الجنازات من الجانبين فمن ناحية جمع المشيعين تمثلت قوتهم في حل عقدة أقدامهم وألسنتهم وأيضا حناجرهم وقوة السلطة كانت ممثلة في الحضور الأمني المكثف الذي حضر في دور المراقب ولكن الذي نسيت السلطة أن تقوم به هو إرسال مراقبين متخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس ودراسة تلك التعبيرات التي صاحبت تلك الجنازات من أجل وضع سياسات فعلية وعملية تؤدي إلى رفع الاحتقان وتحييد استعمال القوة وتؤسس حقيقة إلى ثقافة التسامح والتكافل والتنافس الشريف في كنف الاحترام المتبادل، إن الاحتقان والغضب آفة إذا كبرت وعظمت تـأتي على الأخضر واليابس والبعض من تجلياتها عشناها  وتابعناها جميعا لا في مجالات السياسة وحقوق الإنسان ولكن في الكرة والحفلات والمهرجانات دون أن ننسى الأحداث الأليمة في سليمان والتي نرفضها جميعا كما نرفض كل من يحمل السلاح وينتهج القوة ضد الدولة، لذا وجب الإسراع بالحل وبرأيي لا يمكن أن تكون المبادرة من الشعب المغلوب على أمره والذي يلهث يوميا وراء القوت ومصاريف النقل والدراسة والمداواة وتسديد ديونه بديون أخرى  ولا من المعارضة بجميع فصائلها والتي تعاني المحاصرة  في صحفها ومقراتها ناهيك عن الفضاءات العمومية بل المسؤولية في دفع العجلة نحو التصحيح والمشاركة المسؤولة تعود على السلطة بما أنها هي الطرف الأقوى في المعادلة ومن مصلحتها المبادرة اليوم قبل الغد في عملية مصالحة واقعية وشجاعة مع بقية الأطياف السياسية ومع كافة مكونات المجتمع المدني والتأسيس لجسور ثقة متبادلة بينها وبين كافة مكونات الشعب حتى تجعل منه جسما معافى قادرا على الوقوف في وجه التحديات العالمية. رحم الله جميع الموتى وخاصة الذين جعلونا نستقي من جنازاتهم العبر نعم لتنقية المناخ السياسي نعم لرفع الاحتقان بطرق تحفظ كرامة الجميع نعم للمحاسبة والمساءلة دون تمييز نعم لعلوية القانون واحترامه من طرف الجميع  


لا صلح… لا اعتراف… لا تفاوض بين فتح وحماس

بقلم: برهان بسيّس بين «حماس» و«فتح» لازالت التوتّرات في ذروتها فبقدر ما تلوح حظوظ التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي قائمة بقدر ما يبدو اللقاء بين الفصيلين الفلسطينيين أقرب للمستحيل هذه المدّة بالذّات. خطاب الوداع الذي ألقاه أولمرت خلال إشرافه الأخير على مجلس الوزراء قبل الإستقالة كان واضحا في الإفصاح عن تحوّلات مهمّة في تفكير بعض قطاعات النخبة الإسرائيلية الحاكمة. أولمرت قال أنّ إسرائيل تخطئ بالتمادي في سياسة الإستيطان واحتلال الأرض والتمسّك بالجولان وأن مشروع إسرائيل الكبرى وهم ينبغي أن يزول من العقل اليهودي وأن خيار الدولتين هو طريق السلام الحقيقي في الشرق الأوسط ودونه المأزق الصّعب الذي لن يعني سوى زوال إسرائيل وهو خيار الدولة الواحدة الذي بدأ يقنع بعض الجهات الدولية اليائسة من إمكانية قيام دولة فلسطينية نتيجة المماطلة الإسرائيلية. وتيرة الخطاب الحاد والتهم المتبادلة خفتت على الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية لتشتعل بين رام اللّه وغزّة. من ذا الذي يمكن أن يلوم استعصاء الحلول على مسار الصّراع بين العرب وإسرائيل وهو يعاين حجم الإستعصاء في العلاقة بين أبناء الشعب الواحد والقضية الواحدة. من يريد «الإستمتاع» بمناخ العبث الدّرامي الذي يمارسه الفرقاء في فلسطين عليه أن يتابع هذه الأيام التراشق المركّز للشتائم والتهم بين تلفزيون فلسطين الناطق باسم «فتح» وتلفزيون الأقصى الناطق باسم «حماس». تراشق هذه الأيام بدأ مع بث تلفزيون «فتح» لما اعتبره صورا عن البشاعات التي ترتكبها ميليشيا «حماس» في غزّة في مواجهتها لمخالفيها من منتسبي «فتح» والعائلات المحسوبة عليها. التسجيل أظهر صورا لرجال مقيدين يتم الإلقاء بهم من علوّ أربع طوابق بطريقة وحشية مرعبة. كانت الصور على درجة من الفظاعة بحيث انتدبت لها الدعاية الإعلامية الفتحاوية عشرات الشخصيات للتعليق والتنديد. جماعة «حماس» التي أنكرت قيامها بهذه الأعمال بادرت بالتفتيش حول خلفية هذه الصور وتمكّنت بعد مجهود وصفته بالشاق من كشف أنّ مصدر هذه الصور هو عبارة عن تحقيق أجرته قناة «السي-أن-أن» الأمريكية يعرض لممارسات التعذيب التي كانت تمارسها أجهزة النظام العراقي السابق في حقّ المعتقلين. عرض تلفزيون الأقصى الحمساوي التقرير الأصلي في نسخته الأمريكية ثم انطلقت حملة الشتائم المزهوّة بمسكها للصوص التزوير في كامل حالة التلبّس. الكلام الذي قيل في شتم سلطة رام اللّه وأجهزتها لم يقل عن لهجة شتم شارون والصهيونية ونسل الصهاينة. لقد جاءت أوسلو بأرض غير مكتملة يتحرّك في جزء منها شرطة وقضاء ومدارس وأجهزة تقودها حركة تشتم ليلا ونهارا مسار أوسلو ورائحة الحديث عن التفاوض والسلام، أما الجزء الآخر من قطعة الأرض فقد قامت عليها سلطة لم تستطع أن تحول وعود السلام الصّغير إلى نموذج يمكن أن يمثل مرجعا نيّرا للعالم يؤكّد قدرة العربي على صياغة مصير أفضل لنفسه بعيدا عن الإحتلال. لا تنمية ولا شفافية ولا مشاريع عدى تشكيلات لامتناهية من قوى الأمن والشرطة المستنفرة دوما ضدّ المخالف من الفصائل المتناحرة. الآن فقط يمكن أن نفهم لماذا تريد إسرائيل التخلّص من احتلالها!!! (المصدر: جريدة ‘الصباح’ (يومية – تونس) الصادرة يوم 28 سبتمبر 2008)

مسلسلات هابطة اللغة وأخرى غير عائلية.. تونس في رمضان: تفوق التلفزيون الرسمي و’حنبعل’ تعترف بالفشل
 
تونس – قدس برس: كشف استبيان قامت به مؤسسة مختصة تفوّق التلفزة الحكومية في استقطاب أعلى نسبة في المشاهدة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر رمضان بنصيب 46 بالمائة متقدمة على قناة ‘حنبعل’ الخاصة التي حققت نسبة 22 بالمائة تليها القناة الحكومية الثانية ‘تونس 21’ بنسبة 20,6 بالمائة، وهو ما يجعل مجمع التلفزة التونسية يستقطب ثلثي المشاهدين التونسيين. ورصد هذا الاستبيان نسبة المشاهدة انطلاقا من موعد الإفطار وهي الفترة التي تبث فيها عادة مسلسلات تلفزيونية وبعض الأعمال الفكاهية. وقال حسن زرقوني مدير مؤسسة ‘سيغما’ للاستبيانات في ندوة تقييمة للأعمال الدرامية المقدمة في شهر رمضان إنّ النسب المذكورة تعبّر عن القسط في المشاهدة العامة فحسب ولا تعني بالضرورة الرضى والتعاطف مع البرامج المقدمة. وبالفعل فرغم تصدّر التلفزة الحكومية للطليعة فإنّها لم تسلم من الانتقادات التي تعلقت خاصة بما سمي تخمة الإشهار التي أزعجت المشاهدين، إذ بلغ عدد الومضات الإشهارية التي رصدتها مؤسسة الاستبيان المذكورة 7921 ومضة، شغلت مساحة 56 ساعة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من سهرات رمصان فترة ما بعد الإفطار. وأثار دخول سبع شركات خاصة للأعمال الدرامية الرمضانية جدلا تعلق خاصة بمسلسل ‘مكتوب’ الذي أنتجته شركة خاصة مملوكة لصهر الرئيس ابن علي، وقد منح أفضل توقيت للبث على حساب سلسلة ‘شوفلي حيّ’ الهزلية التي لقيت رواجا كبيرا بين التونسيين في السنوات الأربع الأخيرة. كما منح هذا المسلسل بشكل غير مألوف في التلفزة التونسية مساحة إشهارية بعشر دقائق، الأمر الذي برّره مدير التلفزة لطفي بن نصر بتخفيف العبء على ميزانية مؤسسته حيث تم اقتناء المسلسل مجانا مقابل منح صاحبه مساحة الإشهار. وانتقدت بعض الأوساط الفنية مسلسل ‘مكتوب’ لمخالفته الأعراف المعتمدة حيث اعتمد طاقما تمثيليا أغلبه من الهواة والوجوه الجديدة، مخالفة لشرط ثلثين من المحترفين المعتمد في الأعمال الدرامية التلفزية. وكانت مقالات صحفية قد انتقدت مسلسل ‘صيد الريم’ الذي تبثه قناة تونس 21 لاعتماده قاموسا لفظيا هابطا مثقلا بالبذاءات والإيحاءات الجنسية في شهر رمضان، وهذا المسلسل تدور أحداثه في مصنع للخياطة كل عاملاته من الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرشات الجنسية من رؤسائهنّ ومحيطهنّ. وعزا مدير التلفزة التونسية لطفي بن نصر الخلل الذي شاب برامج هذا العام إلى انطلاق الإنتاج بشكل متأخر ملاحظا أنّ الإعداد لبرامج العام المقبل سيبدأ في الأسبوع الأول بعد العيد خاصة على مستوى الكتابة. وكشفت أرقام أعلن عنها خلال ندوة تقييم الأعمال الدرامية أنّ ثلاثة مسلسلات رمضانية بلغت تكلفتها ثلاث مليارات و500 ألف دينار(مليارين و916 ألف دولار). من جهته قال العربي نصرة مالك قناة حنبعل الفضائية إنّ الفنانين الذين عوّل عليهم في البرامج الدرامية خلال شهر رمضان فاشلون، وقد خذلوه وصدموه بأعمال رتيبة وباهتة، وصفها بالمهزلة والرتابة وفقدان الإبداع رغم توفير الإمكانيات والتجهيزات العصرية. وأعلن العربي نصرة في تصريح صحفي نشرته أسبوعية ‘الأخبار’ أنّه قرر القيام بعملية غربلة لإقصاء الفاشلين حتى لا يظهروا في رمضان المقبل، مكتفيا بعنصرين فقط في انتظار بعث ورشة لكتابة النصوص تشرف عليها لجنة في القناة. (المصدر: صحيفة ‘الشرق’ (يومية – قطر) الصادرة يوم 28 سبتمبر 2008)  

«صيد الريم» يطرح مشاكل التحرش الجنسي
 
– صالح سويسي     بدأت قناة «تونس 21» في النصف الثاني من شهر رمضان بثّ مسلسل «صيد الريم» الذي تنتجه مؤسسة التلفزة التونسية، وكتبت السيناريو له رفيقة بوجدي فيما أخرجه علي منصور، الذي يعود الى التلفزيون بعد سنوات كثيرة ليقدم للمشاهد عملاً درامياً مميزاً من كل الجوانب. أمّا المنتج المنفذ فهو نجيب عياد الذي قدم للتلفزيون التونسي عدداً من الأعمال الناجحة من قبل. يطرح «صيد الريم» للمرة الأولى في الدراما التونسية قضية التحرش الجنسي بالمرأة بجرأة واضحة وبأسلوب فيه الكثير من الحرفيّة والدراية بخبايا المجتمع، من خلال تقديم صور عن حياة فئة مهمة من المجتمع التونسي، هي فئة «بنات المعمل» كما يصطلح على تسميتهن في تونس، أي عاملات مصانع الخياطة. هذه الفئة التي تمثّل عالماً بحد ذاته بكلّ مشاكله ومتناقضاته وحكاياته، حيث الفتاة التي تبحث عن الزواج بكلّ الطرق وبأسرع وقت، والمرأة الثرثارة التي لا همّ لها سوى الحديث عن الآخرين ونقل أخبارهم، والفتاة العانس، ثمّ الفتاة التي تسعى الى تثبيت مكانتها في العمل ولو من خلال علاقات غير شرعية بمرؤوسيها. كل هذا إضافة إلى الشاب الذي يعيش على استغلال زميلاته بوعدهنّ بالزواج لابتزازهنّ مادياً وجسديّاً معتمداً على وسامته. عالم خفي هذه الأجواء تتوافر كلّها في مصنع الخياطة الذي يبدو في ظاهره عالماً واضحاً وبسيطاً لكنه يخفي من المكر والتعقيد ما يسمح بتقديم صورة واضحة عن جانب مهمّ من المجتمع، حيث رب العمل الذي لا يجد أدنى مقاومة في صيد الريم (كنية عن الفتيات الجميلات). إلى جانب فضاء آخر هو الحيّ الشعبي المنغلق على مشاكله وهمومه والذي تنحدر منه غالبية العاملات وهو بحد ذاته عالم آخر من المتناقضات حيث وجه آخر من أوجه المجتمع يقدمها سكان هذا الحيّ الذين هم في معظمهم فقراء للحد الذي يجبرهم على البحث عن لقمة العيش خارج أسواره، لتكون محطة سيارات الأجرة ملاذاً ولكن هذا الفضاء تحكمه القوة الذكوريّة، حيث يشهد الأب على التحرش المستمر بابنته الصغيرة والجميلة والتي ستنهار بمجرد تركها العمل في المحطة والالتحاق بالمصنع حيث ستنساق نحو رغبات صاحب العمل الحاكم بأمره وينتهي بها الأمر إلى الانتحار، وهنا يظهر دور الأخت الصغرى التي نالت نصيباً من العلم لتنهض من صمتها وتسعى للانتقام. في الضفة الأخرى من المسلسل تبرز فئة اجتماعية أخرى هي طلبة الجامعات، وعلى رغم أنّ العمل قدم تلك الفئة مادياً أكثر ارتياحاً، إلاّ أنه لم يخف عديد المشاكل التي تعيشها من علاقات الحب والكره والانتقام والخوف والغدر والجشع والسخرية… في كلّ هذه الفضاءات التي اختارتها كاتبة السيناريو يقدم العمل للمرة الأولى على الشاشة التونسية وفي التلفزيون الرسمي قضيّة حرجة من أهمّ القضايا المسكوت عنها في المجتمع التونسي، وإن كانت أعمال أخرى قد تطرقت اليها بأشكال مختلفة، إلاّ أيّاً منها لم يكن بالجرأة والوضوح في طرح القضية والحديث عنها بجرأة. «صيد الريم» مثّل منعرجاً مهماً في تاريخ الدراما التونسيّة. هذا العمل قدم رؤية جديدة على مستوى المعالجة الدرامية وبناء الأحداث، أمّا على مستوى الأداء فقد أكد المسلسل أنّ تونس كانت وما زلت منجماً لطاقات تمثيليّة كبيرة يمكنها أن تقدم الإضافة الى المشهد الدرامي العربي متى كانت الفرصة متاحة أمامها. وإخراجاً لا يختلف اثنان في تونس على القيمة الفنيّة العالية للمخرج علي منصور الذي حتى وإن غاب سنوات عن الدراما إلاّ أنه كلّما أطلّ قدم عملاً مميّزاً. (المصدر: صحيفة ‘الحياة’ (يومية – لندن) الصادرة يوم 28 سبتمبر 2008) مثلت امتدادا لجامع الزيتونة المعمور مساجد متفردة في مدينة تونس العتيقة تونس – المنجي السعيداني حظي جامع الزيتونة المعمور الواقع في قلب المدينة العتيقة بالعاصمة التونسية، بالكثير من الدراسات العلمية والتاريخية وذلك بالنظر للأهمية التاريخية والحضارية التي يتميز بها في إشاعة القيم الإسلامية والمساهمة الفعالة في تخرج مجموعة هامة من العلماء والشيوخ الذين أثروا في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد التونسية على مر القرون. إلا أن المواقع القريبة من جامع الزيتونة والأبواب المحيطة بالمدينة العتيقة عرفت بدورها الكثير من المساجد ذات الصيت التاريخي التي قلما ذكرها المؤرخون واهتم بها الدارسون، ومن بين هذه … (المصدر: صحيفة ‘الشرق الأوسط’ (يومية – لندن) الصادرة يوم 28 سبتمبر 2008) الرابط:http://aawsat.com/details.asp?section=44&issueno=10897&article=488674&feature=1
 
 

السبيل أونلاين بسم الله الرحمان الرحيـــم

المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح – الحلقة العاشرة قصة يوسف عليه السلام وطريق الانفراج والتأهيل الرسالي(1)

كان الاعتراض الرئيسي على ما نشرته ولا زلت أنه كان علنيا، في موضوعات الأصل فيها – حسب رأي إخواني المعترضين – أنها خاصة بحركة النهضة وأبنائها. وكان ردي دائما أن حركة النهضة تَحمّلت أمانة إحياء المشروع الإسلامي ، وهذه قضية عامة وليست خاصة ولا حزبية ، وتحويلها إلى قضية حزبية أو خاصة بفئة ، هو انحراف خطير على المشروع الإسلامي ، يتحول به من كونه هو غاية وجود الحركة ، وكون الحركة وسيلة لخدمته ، إلى كونه وسيلة لخدمة الحركة . هذا ما انزلقت إليه حركة النهضة ، الأمر الذي أصبح يقتضي التوبة والتصحيح كما بينته في الحلقة الثامنة من حلقات “حتى لا يشوش على واجبي الشرعي” . إنه لم يعد لنا مناص بعد كل التطورات والمنزلقات الحاصلة إلا الرجوع إلى هذا الأصل (العمل في العلن ومع الجمهور المسلم التونسي). ورغم أن هذا هو في أصله بديهي ، ومن طبيعة الدعوة ورسالة الله إلى عباده ، فإن ما اعتراه من تلبيس خطير جعل الاعتراض على ما كتبته على الملأ شديدا من العديد من إخواننا، الأمر الذي أصبح يفرض بيان هذه البديهية وتأصيلها من خلال قرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم . وهذا هو هدف هذه السلسلة من الحلقات تحت عنوان “المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح”. وقد تقدمت الحلقة الأولى التمهيدية من هذه السلسلة في ركائز هذا المنهج ، والحلقة الثانية منها في قراءة وتقويم القرآن لغزوة بدر، والحلقة الثالثة في قراءة وتقويم القرآن لابتلاء غزوة أحد ، ذات الدلالات الكبيرة على ما حدث وما مر بنا ، والحلقة الرابعة في قراءة وتقويم القرآن لحادثة الإفك ، والحلقة الخامسة في قراءة وتقويم القرآن لابتلاء وغزوة الأحزاب ، والحلقة السادسة في تقويم القرآن لتطلع نساء النبي إلى متاع الدنيا وتخييرهن، والحلقة السابعة في تقويم النبي صلى الله عليه وسلم عادة العرب بتحريم الزواج من مطلقة الابن بالتبني بتطبيقه على نفسه، والحلقة الثامنة في عتاب الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في حادثة ابن أم مكتوم كما سجلته سورة عبس لإرساء الميزان الرباني في التقويم ، والحلقة التاسعة في تقويم علاقة المسلمين ببيت النبوة. هذا وألفت الانتباه إلى أن التقويم الذي قدمتُه ولازلتُ لا يتعلق بالأفراد ولكن بحركة النهضة ككيان جماعي يُعرف من خلال خططه وبرامجه وسياساته ومواقفه وأعماله وبياناته وتصريحاته. وسنمر الآن إلى الحلقة العاشرة التي ستتناول تقويم سيرة أبرز شخصيات آل يعقوب في قصة يوسف عليه السلام. إن سورة يوسف عليه السلام ، هي سورة قصته ، التي هي قصة ابتلاء يوسف وآل يعقوب عليهم السلام وتقويم سيرتهم فيها ، وسنتناولها في العناصر التالية: ابتلاء يوسف عليه السلام وتقويم سيرته / ابتلاء يعقوب عليه السلام وتقويم سيرته / ابتلاء إخوة يوسف عليهم السلام وتقويم سيرتهم . وبالنظر لطول هذه الحلقة فسوف نقدمها في جزأين يتناول الجزء الأول منهما العنصر الأول وذلك في الفقرات التالية : 1.جملة ابتلاءات يوسف عليه السلام 2.خلاصة ما انتهى إليه يوسف عليه السلام من وخلوص رباني 3.تناولت القصة شخصية يوسف عليه السلام تناولا شاملا وبكل واقعيتها البشرية 4.لا نفتقد في موقف واحد من مواقف القصة ملامح هذه الشخصية 5.بيئة الترف المصرية وأثرها على يوسف عليه السلام 6.حاجة يوسف عليه السلام إلى عملية تربية وتخريج للتأهل لدور الرسالة ودور السلطة 7.اكتمال عملية تخريج وتأهيل يوسف عليه السلام 8.بقيت مشكلة يوسف منغلقة مستعصية حتى صفا من التعلق بالدنيا وخلص تعلقه لله 9.بعد اكتمال التخريج يتفرد يوسف عليه السلام بمسرح الأحداث ويُقلّب على ابتلاءات من طبيعة أخرى جملة ابتلاءات يوسف عليه السلام يقص الله سبحانه علينا في سورة يوسف قصة نبي كريم وهو يعاني صنوفا من المحن والابتلاءات: محنة كيد الإخوة ، ومحنة الجب والخوف والترويع فيه ، ومحنة الرق وهو ينتقل كالسلعة من يد إلى يد على غير إرادة منه ولا حماية ولا رعاية من أبويه ولا من أهله ، ومحنة كيد امرأة العزيز والنسوة , وقبلها ابتلاء الإغراء والشهوة والفتنة ، ومحنة السجن بعد رغد العيش وطراوته في قصر العزيز ، ثم محنة الرخاء والسلطان المطلق في يديه , وهو يتحكم في أقوات الناس وفي رقابهم , وفي يديه لقمة الخبز التي تقوتهم ، ومحنة المشاعر البشرية وهو يلقى بعد ذلك إخوته الذين ألقوه في الجب وكانوا السبب الظاهر لهذه المحن والابتلاءات كلها . . خلاصة ما انتهى إليه يوسف عليه السلام من خلوص رباني هذه المحن والابتلاءات التي صبر عليها يوسف – عليه السلام – وزاول دعوته إلى الإسلام من خلالها , وخرج منها كلها متجردا خالصا ; آخر توجهاته , وآخر اهتماماته , في لحظة الانتصار على المحن جميعا ; وفي لحظة لقاء أبويه ولم شمله ; وفي لحظة تأويل رؤياه (إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر . رأيتهم لي ساجدين) وتحققها كما رآها، آخر توجهاته وآخر اهتماماته في هذه اللحظة هي التوجه المخلص المتجرد المنيب إلى ربه , منخلعا من هذا كله بكليته كما يصوره القرآن الكريم: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه , وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين . ورفع أبويه على العرش , وخروا له سجدا . وقال: يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا , وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن , وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي , إن ربي لطيف لما يشاء , إنه هو العليم الحكيم . . رب قد آتيتني من الملك , وعلمتني من تأويل الأحاديث , فاطر السماوات والأرض . أنت ولي في الدنيا والآخرة , توفني مسلما , وألحقني بالصالحين). وهكذا كانت طلبته الأخيرة . . بعد ذلك كله وهو في غمرة السلطان والرخاء ولمة الشمل ، أن يتوفاه ربه مسلما , وأن يلحقه بالصالحين . . وذلك بعد الابتلاء والمحنة , والصبر الطويل والانتصار الكبير . . تناولت القصة شخصية يوسف عليه السلام تناولا شاملا وبكل واقعيتها البشرية إن القصة تعرض شخصية يوسف – عليه السلام – وهي الشخصية الرئيسية في القصة – عرضا كاملا في كل مجالات حياتها , بكل جوانب هذه الحياة , وبكل استجابات هذه الشخصية في هذه الجوانب وفي تلك المجالات . وتعرض أنواع الابتلاءات التي تعرضت لها تلك الشخصية الرئيسية في القصة ; وهي ابتلاءات متنوعة في طبيعتها وفي اتجاهاتها . . ابتلاءات الشدة وابتلاءات الرخاء . وابتلاءات الفتنة بالشهوة , والفتنة بالسلطان . وابتلاءات الفتنة بالانفعالات والمشاعر البشرية تجاه شتى المواقف وشتى الشخصيات . . ويخرج العبد الصالح من هذه الابتلاءات والفتن كلها نقيا خالصا متجردا في وقفته الأخيرة , متجها إلى ربه بذلك الدعاء المنيب الخاشع كما أسلفنا في نهاية الفقرة السابقة . لا نفتقد في موقف واحد من مواقف القصة ملامح هذه الشخصية فإذا تابعنا شخصية يوسف – عليه السلام – فإننا لا نفتقد في موقف واحد من مواقف القصة ملامح هذه الشخصية , المتمثلة في كونه “العبد الصالح – الإنسان – بكل بشريته , مع نشأته في بيت النبوة وتربيته ودينه” . . فهو في السجن مع الظلم وظلماته، لا يغفل عن الدعوة لدينه , في كياسة وتلطف – مع الحزم والفصل – وفي إدراك لطبيعة البيئة ومداخل النفوس فيها . . كما أنه لا يغفل عن حسن تمثيله بشخصه وأدبه وسلوكه لدينه هذا الذي يدعو إليه في سجنه: (ودخل معه السجن فتيان . قال أحدهما:إني أراني أعصر خمرا , وقال الآخر:إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه . نبئنا بتأويله , إنا نراك من المحسنين . قال:لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما , ذلكما مما علمني ربي , إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون . واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب , ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء , ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس , ولكن أكثر الناس لا يشكرون . يا صاحبي السجن , أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان , إن الحكم إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه , ذلك الدين القيم , ولكن أكثر الناس لا يعلمون . يا صاحبي السجن , أما أحدكما فيسقي ربه خمرا , وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه , قضي الأمر الذي فيه تستفتيان). . وهو – مع هذا كله – بشر , فيه ضعف البشر، يتطلب الخلاص من سجنه , بمحاولة إيصال خبره إلى الملك , لعله يكشف المؤامرة الظالمة التي جاءت به إلى السجن ، ولكن الله – سبحانه – شاء أن يُعلّمه أن يقطع الرجاء إلا منه وحده: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما: اذكرني عند ربك . فأنساه الشيطان ذكر ربه . فلبث في السجن بضع سنين . . .). ثم تطالعنا ملامح هذه الشخصية كذلك بعد بضع سنين , وقد رأى الملك رؤياه , فحار في تأويلها الكهنة والسدنة ; حتى تذكر صاحب السجن يوسف – الذي اكتملت تربيته الربانية فاطمأن إلى قدر الله به واطمأن إلى مصيره – وحتى إذا ما طلبه الملك بعد تأويله للرؤيا , تمنع في هدوء المطمئن الواثق عن مغادرة السجن إلا بعد تحقيق تهمته وتبرئة سمعته: (وقال الملك: إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف , وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات . يا أيها الملأ أفتوني في رؤيايي , إن كنتم للرؤيا تعبرون . قالوا: أضغاث أحلام , وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين . وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة: أنا أنبؤكم بتأويله فأرسلون . يوسف أيها الصديق , أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات , لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون . قال: تزرعون سبع سنين دأبا , فما حصدتم فذروه في سنبله , إلا قليلا مما تأكلون . ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن . إلا قليلا مما تحصنون . ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون . . وقال الملك: ائتوني به . . فلما جاءه الرسول قال:ارجع إلى ربك فاسأله:ما بال النسوة اللآتي قطعن أيديهن ? إن ربي بكيدهن عليم . قال: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ? قلن: حاش لله ! ما علمنا عليه من سوء . قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق , أنا راودته عن نفسه , وإنه لمن الصادقين . ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب , وأن الله لا يهدي كيد الخائنيين . وما أبريء نفسي , إن النفس لأمارة بالسوء , إلا ما رحم ربي , إن ربي غفور رحيم . . وقال الملك: ائتوني به أستخلصه لنفسي , فلما كلمه قال: إنك اليوم لدينا مكين أمين . قال: اجعلني على خزائن الأرض , إني حفيظ عليم ). بيئة الترف المصرية وأثرها على يوسف عليه السلام بعد محنة كيد الإخوة ، ومحنة الجب والخوف والترويع فيه ، ومحنة الرق ، تحول يوسف عليه السلام مع هذا الرق إلى بيئة الإكرام والعز والتمكين بكل ما فيها من ترف ودنيا طاغية ، وهذا ملا ينبغي أن نغفله هنا ، قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)}[يوسف: 21] وقد أبرز القرآن بيئة الترف هذه التي أصبح يعيش فيها يوسف في مصر، كما هو واضح في الآيات [21 إلى 34] من سورة يوسف . لا شك أن ذلك كان ابتلاءاً شديداً عليه ، وكان أشده عليه فتنة امرأة العزيز ثم النسوة ، حتى سار اللغط في نسوة المدينة بسيرة امرأة العزيز وفتاها الذي راودته عن نفسه بعدما شغفها حباً. وكان استنكارهن عليها تبدو فيه غيرتهن منها أكثر مما يبدو فيه استنكارهن للفعلة، ولذلك انبهرن بيوسف لما طلع عليهن وعذرن حبها ومراودتها له ، الأمر الذي شجعها على الاعتراف الكامل وهي آمنة في ظل استسلامهن لأنوثتهن ، كما تصنعها بيئتهن الخاصة ، مع تهديد يوسف بالسجن إن لم يسقط معها فيها تريد . وانخرط النسوة كلهن في إغرائه ومراودته ومطاردته مما لم يكن له ملجأ منهن إلا الى الله (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33]. إن التجربة التي مرّ بها يوسف لم تكن فقط في مواجهة المراودة في هذا المشهد الذي يصوره السياق، إنما كانت في حياة يوسف فترة مراهقته كلها في جو هذا القصر مع هذه المرأة . ويؤخذ من صورة المأدبة التي أقامتها للنسوة أن الحضارة المادية في مصر كانت قد بلغت شأواً بعيداً وأن الترف في القصور كان عظيماً. وللنجاة بدينه آثر يوسف عليه السلام الخروج من ذلك النعيم المادي ومن كل الدنيا إلى السجن . ولا يعني هذا أنه خرج سالما من الآثار السلبية – لتلك الأجوء المادية التي عاش فيها لسنوات عديدة – على دينه عليه السلام ، وكل ذلك كان قبل أن يبعث رسولاً. حاجة يوسف عليه السلام إلى عملية تربية وتخريج للتأهل لدور الرسالة ودور السلطة ولأن يوسف كان كذلك فقد كان محتاجاً الى عملية تربوية تطهره منها ليتأهل للدور الذي سيؤديه وهو دور الرسالة ودور السلطة من غير أن تضره . وأجرى الله تلك العملية التربوية عن طريق السجن. ولا شك أنه لبث يترقى في تلك التربية ، حتى كان اختباره بالفتيين (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ) . وجرى كل شيء معهما على ما يرام ، وكان الخطأ في الأخير عند تعبيره لرؤياهما (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ). لقد ظن يوسف عليه السلام في هذه الواسطة الواصلة أنها فرصة، فوثق فيها وتوكل عليها، فكان في ذلك شركاً خفياً أشرك فيه ثقته في الله وتوكله عليه. لقد دل هذا الاختبار أن يوسف لم يصفُ بعد من تعلقه بوسائل الدنيا ، وأنه لازال محتاجاً لوقت آخر في العملية التربوية من خلال الابتلاء (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ). نعم لقد احتاج للتطهر الكامل من لوثة الدنيا الى كل تلك السنين، التطهر الذي أصبح ناصعاً وواضحاً في الاختبار الآخير. لقد عاد إليه نفس الفتى – الذي طلب منه سابقاً أن يذكره عند ربه – يسعى محتاجاً وهو السجين الذي طال به السجن ليُعبّر له رؤيا الملك التي حار فيها المعبرون ، فعبّرها له يوسف، من غير لومه عن نسيانه ، ولا اشتراط أو طلب شيء عن تعبيره لها. اكتمال عملية تخريج وتأهيل يوسف عليه السلام لا شك أن يوسف ذكر كل ذلك ، ولا شك أنه ذكر درس ابتلاء السجن، فلم يكن سلوكه خالصا من الدنيا ووسائلها – الدال على نجاحه في الدرس – فقط ، بل ابتعد كل البعد عن كل ما يمكن أن يكون فيه شبهة ذلك ، مفوضاً أمره كله الى الله متوكلاً عليه. لقد كان نجاحاً باهراً بما أصبح به أهلاً للتدخل الرباني، فإذا بالملك يرسل إليه مبعوثاً خاصاً ، ليخرج به معززاً مكرماً وليكون من خلصائه، فيأبى كل ذلك حتى تثبت براءته. وكان يمكنه أن يبادر الى ذلك ويكون أيسر وأمكن له في إثبات براءته بعد ذلك . لقد ارتقى يقين يوسفُ عليه السلام حتى أنه لم يعد يرى لغيره سبحانه تأثيراً ، فلن يؤخروا ولن يقدموا من قدره شيئاً. وهكذا نرى أن يوسف عليه السلام بمثل هذا الصفاء وهذا اليقين إضافة لما آتاه الله من علم قد تأهل الى الرسالة والملك معاً من غير خشية أن يضره ما سيكون عنده من سلطان ودنيا. بقيت مشكلة يوسف منغلقة مستعصية حتى صفا من التعلق بالدنيا وخلص تعلقه لله لقد بقيت مشكلة يوسف منغلقة مستعصية وهو العبد المملوك الغريب الضعيف الذي يمكن أن يُنسى ويهمل في السجن حتى يموت. وكان سبب انغلاقها هو التعلق بالدنيا الذي هو السبب الحقيقي لابتلاء السجن. وزال هذا الانغلاق وهذا الاستعصاء في اليوم الذي تخلص فيه تخلصاً كاملاً من أي تعلق بالدنيا ووسائلها ، وأصبح تعلقه بالله وحده غاية ومددا ، فجاءه الفرج بل ومع البراءة والعزة والنصر والتمكين. إني أرى في هذا الابتلاء ليوسف ابتلاءنا حيث كان التعلق بالدنيا هو السبب الحقيقي لوقوعه، وأيضا كان سبب استعصائه وانغلاقه حتى تم التطهر منه ، فهل نفقه هذا ؟ ونفقه أن الأسباب والوسائل التي نتوكل عليها بكل أنواعها من دون الله لا تغني عنا شيئاً فنرجع إليه ونوحده ؟ بعد اكتمال التخريج يتفرد يوسف عليه السلام بمسرح الأحداث ويُقلّب على ابتلاءات من طبيعة أخرى منذ اللحظة التي تجلت فيها شخصية يوسف مكتملة ناضجة واعية , مطمئنة ساكنة واثقة , نجد هذه الشخصية تتفرد على مسرح الأحداث , وتتوارى تماما شخصيات الملك والعزيز والنسوة والبيئة . ويمهد السياق القرآني لهذا التحول في القصة وفي الواقع بقوله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء , نصيب برحمتنا من نشاء . ولا نضيع أجر المحسنين , ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون). . من وقتها نجد هذه الشخصية تواجه ألوانا أخرى من الابتلاءات , تختلف في طبيعتها عن الألوان الأولى ; وتواجهها بذلك الاكتمال الناضج الواعي , وبتلك الطمأنينة الساكنة الواثقة . نجد يوسف وهو يواجه – للمرة الأولى – إخوته بعدما فعلوا به تلك الفعلة القديمة ; وهو في الموقف الأعلى بالقياس إليهم والأقوى . . ولكننا نجد سمة الضبط واضحة في انفعالاته وتصرفاته: (وجاء أخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون . ولما جهزهم بجهازهم قال:ائتوني بأخ لكم من أبيكم , ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين ? فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون . قالوا:سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون . وقال لفتيانه:اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون). ونجده وهو يدبر – بتدبير الله له – كيف يأخذ أخاه . فنلمح الشخصية الناضجة الواعية الحكيمة المطمئنة , الضابطة الصابرة: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه:قال: إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون . فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ; ثم أذن مؤذن: أيتها العير إنكم لسارقون . قالوا – وأقبلوا عليهم – ماذا تفقدون ? قالوا:نفقد صواع الملك , ولمن جاء به حمل بعير , وأنا به زعيم . قالوا:تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض , وما كنا سارقين . قالوا:فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ? قالوا:جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه , كذلك نجزي الظالمين . فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه , ثم استخرجها من وعاء أخيه . . كذلك كدنا ليوسف , ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك , إلا أن يشاء الله , نرفع درجات من نشاء , وفوق كل ذي علم عليم . قالوا:إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ! فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها له (المصدر: موقع السبيل أونلاين  بتاريخ 28- 09-  2008)  


 

في الدين والدنيا (4): إلى متى الجهاد التلمودي الإسلامي؟

 

العفيف الأخضر   طوال فترة الدعوة المحمدية في مكة لم تنزل آية واحدة تشرّع للجهاد. وكلّما إستأذن بعض الصحابة النبيء في استخدام العنف ردا على مظالم قريش، أجابهم: ‘ما أُمرتُ بذلك’. وهكذا كان الإسلام المكّي مسالما وروحيا، وتاريخيا، امتدادا للمسيحية التي دشّنت، في نظر هيغل، ‘الدين الحديث’، أي الدين الذي يُقصي كلّ أشكال العنف. أما الدين العتيق، في نظره، فكانت اليهودية التي تبنت، على غرار الديانات العتيقة، العنف المقدّس. لكن الهجرة إلى يثرب، التي ستسمّى المدينة، أي الدولة بالعبرية ‘مدينات’، كانت استثناءا من الإسلام المكي له مبرراته الظرفية: القرآن وحده لم يكن كافيا لإقناع قريش بالإسلام؛ والحال أن إدخال قريش فيه كان هاجس النبي الأول: ‘وأنذِر عشيرتَك الأقربين’ (214، الشعراء). تماما كحال أنبياء إسرائيل، ما جاؤوا إلا لإنذار عشيرتهم، أي شعبهم المختار، باقتراب نهاية العالم، الذي كان هاجس جميع الأنبياء. لكن، بعد أكثر من 15 عاما من الدعوة السلمية، لم تر الغالبية الساحقة من قريش في القرآن إلا أساطير الأولين: ‘وإذا تُتلى عليهم آياتُنا قالوا: سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إنْ هذا إلا أساطير الأولين’ (31 الأنفال). يقول المفسرون في سبب نزول هذه الآية: ‘كان النظر بن الحارث يختلف (= يروح ويجيء) على الحِيرة فيسمع سجع أهلها وكلامهم، فلما قدِم إلى مكة سمع كلام النبي، صل الله عليه وسلم، والقرآن قال: ‘قد سمعنا، لو نشاء لقلنا مثل هذا، إنْ هذا إلا أساطير الأولين’ (السيوطي، الدر المنثور في التفسير المأثور، ج 2، ص 327). أمام هذا الإصرار القرشي على تحدي القرآن، لجأ النبي إلى السيف لأول مرة في بدر 2 هـ. لكن كاستثناء من القاعدة المكية، اللاعنف: ‘أُذِنَ للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير’ (39، الحج). كانت القبائل الوثنية تُشرك معها آلهتها في حروبها لإضفاء القداسة عليها ورفع معنويات المقاتلين. اليهودية، التي ورثت كثيرا من عادات ومعتقدات الشعوب القديمة، كما هو معروف في تاريخ الأديان المُقارَن وأيضا بإعتراف أحبار شجعان، تبنت أسطورة إشراك الله في حروبها؛ سفر الخروج يؤكد: ‘بأن الرب رجل محارب’ (الاصحاح 17، الآية 3). انتقلت هذه الأسطورة إلى الإسلام تحت شعار ‘التدخل الرباني في التاريخ’. في حرب اكتوبر 1973، أكد شيخ الأزهر بأن ‘ملائكة بدر قاتلت مع الجيش المصري’، ومازالت حماس والجهاد الإسلامي مصرتين على أن الله يقاتل معهما؛ لذلك فالنصر ‘على اليهود’ مضمون سلفا بغض النظر عن ميزان القوى. كتب زعيم إسلامي مؤيدا حماس والجهاد الإسلامي: ‘هناك عامل واحد في معادلة الصراع يغفل عنه أغلب أطراف الصراع: مشيئة الله. لا يكون في ملك الله إلا ما أراد. ولا اعتبار لموازين القوى (…) وإننا في فلسطين، لا نبتغي ولا نسعى إلا لأن يكون الله معنا، وليذهب أعداؤنا وحلفاؤهم بكل من هم سواه’ (القدس العربي، 17 /3/ 2008). لأن الجهاد، لا يقرأ حسابا لموازين القوى، فقد كان سبب هزائم المسلمين في القرن العشرين! اكتفى القرآن المدني بالحث على الجهاد، وقدم له الحوافز المادية والرمزية، أما الفقهاء فقد قننوه في القرون اللاحقة مقسمين له في القرون اللاحقة إلى جهاد دفاعي ‘جهاد الدَّفْع’، عندما تُهاجَم دار الإسلام من دار الكفر، وجهاد هجومي ‘جهاد الطلب’، عندما تُهاجِم دار الإسلام دار الكفر. فما هي المرجعية التي اهتدوا بها لتقنين الجهاد وتقسيمه؟ ‘المشناه’، التي عرّبها المسلمون منذ عهد النبي بـ’المثناة’، أي الحفظ والتكرار، والمشناه هي، في الواقع، مِتن التلمود الذي كتبه بعض الأحبار بين 200 و220 م. ولم ينسبوه إلى الله، بل اعتبروه مجرد تقاليد فقهية شرعية شفوية خففوا بها الكثير من صرامة الشريعة اليهودية وعقوباتها البدنية، محاولين إضفاء مسحة إنسانية عليها كإلغاء حد الرجم عمليا: ‘يوجد حسب المشناه / المثناة 3 أنواع من الحروب المقدسة (= الجهاد) أمر بها الله في حالة هجوم العدو (على أرض إسرائيل)، الأولى، إلزامية؛ الثانية اختيارية وهي الحرب المقدسة ذات الهدف السياسي حصرا؛ والثالثة مرصودة لتوسيع حدود إسرائيل (…) لا تُعلن إلا بقرار من الملك’ (الموسوعة اليهودية ص 403، بالفرنسية). أليس القتال ‘فرض عين’ على كل مسلم ومسلمة في جهاد الدفع هو ذاته الحرب المقدسة الإلزامية التلمودية؟  أليس القتال ‘فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين’ في ‘جهاد الطلب’ هو ذاته الحرب المقدسة الاختيارية التلمودية؟ أليس الملك صاحب القرار الوحيد في الحرب المقدسة الثالثة التوسعية التلمودية هو ‘الإمام’، الوحيد المؤهل لإعلان الجهاد في الفقه الإسلامي؟ لا بأس أن يأخذ الفقهاء أحكام الجهاد وغيره من أساطير التلمود فذلك قانون التلاقح الثقافي الكوني. لكن البأس، كل البأس، هو اعتبار هذا الجهاد التلمودي ‘فريضة غائبة’ لا يصح إسلام مسلم إلا بالتسليم بها. وعلى أساسها قسم الفقهاء المعمورة إلى دار الإسلام ودار الحرب ودار الصلح وجعلوا جهاد الطلب التوسعي ‘باقيا إلى قيام الساعة’. مما جعل حرب دار الإسلام على دار الكفر عالمية ودائمة. وهي التي يرفع اليوم الجهاد – الإرهابي رايتها عاليا! رخصة جهاد الدفع انتهت بانتهاء إخراج النبيء وآله وأصحابه من ديارهم المكية. حل محله في عصرنا الدفاع الوطني في حالة العدوان الخارجي، أو المقاومة الشعبية في غياب الجيش الوطني. أما جهاد الطلب فهو توسع امبراطوري إسلامي، كغيره من الفتوحات الامبراطورية القديمة، لم يعد اليوم لا مرغوبا ولاممكنا. أفضل من عرّفه تعريفا جامعا مانعا هو أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، بصراحته المعهودة في رسالته لجنود جيش الفتح: ‘فأنتم مُستخلَـفون في الأرض، قاهرون لأهلها (…) فلم تصبح أمةٌ مخالفة لدينكم إلا أمّتان: أمة مُستعبَدة للإسلام يَجْزون لكم (= يؤدون لكم الجزية) تستصفون (= تصادرون) معائشهم وكدائحهم ورَشْح جباههم (= عرق جبينهم)، عليهم المؤنة (= للجيش) ولكم المنفعة (…) وأمةٌ قد ملأ الله قلوبَهم رعبا (منكم)’ (الطبري ج 5 ص 27). هذا التعريف العُمري لجهاد الطلب هو أدق التعاريف للنهب الخارجي كما مارسته جميع الامبراطوريات التي سبقت الإسلام أو عاصرته. فإلى متى يظل الإعلام والتعليم والخطاب الديني يحشون أدمغة المسلمين بأن هذا ‘الجهاد باق إلى قيام الساعة’؟ من الواضح اليوم، من موازين القوى بين ‘أمة’ المسلمين وأمم العالم، أن مجرد التفكير فيه لهو ضرب من الجنون الانتحاري. قطاع من النخبة الإسلامية، مثل الشيخ صبحي الصالح والمأسوف على  فقده محمد الشرفي، المنفتح على روح العصر، المناهضة للفتح الامبراطوري، ينكر واقعة وجود جهاد الطلب مؤكدا أن الإسلام دين سلام مع الجميع بمن فيهم الأمم الوثنية المعاصرة التي تشكل 56 بالمئة من سكان العالم. لكن هذا الموقف ضرب من إنكار الواقع بما هو آلية نفسية لا شعورية تغلّب الرغبة على الواقع المعيش. جهاد الطلب، بالعكس، ما زال ضاربا في أعماق الشخصية النفسية العربية الإسلامية التي صاغها الخطاب الديني خاصة في الإعلام والتعليم. مَن مِنا لم يحفظ عن ظهر قلب سِيَر كبار الفاتحين، سعد بن أبي وقاص، خالد بن الوليد، ابو عبيدة بن الجراح، عقبة بن نافع الفهري، طارق بن زياد…؟ مَن مِن أبناء جيلي لم يقرأ عن ‘الفردوس الضائع’ ولم يحلم باستعادة الأندلس؟ ألم يُطلِق صدام على عدوانه الغبي والإجرامي على إيران ‘قادسية صدام’ إحياءا بائسا لقادسية سعد؟ ألم يقل قائد ‘الجيش الإسلامي’ في العراق لأسيره Georges Mal Brunot ‘مشروعنا هو إقامة الخلافة الإسلامية من الأندلس إلى حدود الصين’؟ ما وراء أحلام اليقظة هذه؟ أسطورة أن الجهاد باق إلى قيام الساعة، إلى أن يقتل المسلم آخر يهودي كما يقول حديث البخاري الشهير عن اشتراطات قيام الساعة! اعترف العضو في السي آي أي الذي كان مكلفا بملاحقة الشيخ المجاهد أسامة بن لادن بأن 80 بالمئة من المسلمين في العالم يبايعون ‘الشيخ المجاهد’ على المنـْشَط والمكْرَه! لماذا؟ لأنه الوحيد أو يكاد الذي يرفع اليوم عاليا راية الجهاد. قلّة فقط من المسلمين لم تهلل عند سماعها بـ’غزوتي نيويورك وواشنطن’. من سياسة النعامة، التي هي أعدل الأشياء قسمة بين النخب الإسلامية، طرد بن لادن من حظيرة الإسلام، كما فعل المجلس الإسلامي الإسباني، أو التنديد بالقاعد كـ’جماعة ضالة’، كما في السعودية. الواقع أن بن لادن ود. الظواهري وشباب القاعدة أكثر من خصومهم تعلقا بإسلام ‘الجهاد باق إلى قيام الساعة’ وبإسلام القراءة الحرفية للنصر، وهما اللذان يجب شطبهما من الخطاب الديني بدلا من شطب بن لادن من قائمة المسلمين، وهي استراتيجيا عقيمة جربتها عبثا كنيسة القرون الوسطى. إنها لظاهرة صحية وواعدة أن يشعر قطاع من النخبة الإسلامية بالخجل من جهاد الطلب الذي ترجمته المعاصرة هي ‘الإرهاب الحميد’ العالمي، على حد تعبير الشيخ القرضاوي الذي استعاره منه بن لادن في خطبة العيد الشهيرة، والذي تمارسه القاعدة وأخواتها؛ ذلك يعني أن هذا العنف الإسلامي العتيق – والعتيق جدا – لم يعد مناسبا للصورة المعاصرة التي يريد هذا القطاع من المسلمين تقديمها، عن نفسه وعن الإسلام، للعالم حيث فقد العنف كل شرعية في نظر الرأي العام العالمي وغدا اللاعنف هو المطروح على جدول أعمال القرن 21 كدفاع شرعي ضد المظالم الداخلية والخارجية وما أكثرها! الأجدى من إنكار الواقع والخجل منه هو تغييره بتغيير الخطاب الديني في المدرسة والإعلام وخطبة الجمعة والوعظ وفتاوى التحريض على الجهاد والاستشهاد؛ واعتبار إسلام الولاء والبراء الجهادي، الذي هو جوهر ما هو عنيف في إسلام المدينة، استثناءا من الإسلام المكي وإحلال هذا الأخير في ‘الخطاب الديني’ محل آيات الجهاد والقتال والعقوبات البدنية الشرعية… في الإسلام المدني الذي نسخت وقائع التاريخ أحكامه الظرفية بزوال الظروف التاريخية التي تطلبتها. هذا هو الرد الحقيقي على الجهاد الإرهابي المعاصر الذي يتطلب شجاعة دينية وروحية وفكرية وسياسية. فهل تتحلى النخب الإسلامية المعاصرة بمثل هذه الشجاعة الثمينة والتي ما زالت نادرة في أرض الإسلام! يا صناع القرار التربوي، إلى متى تتركون المؤسسة المدرسية العتيقة تغسل أدمغة أبنائكم بالتحريض على الجهاد والاستشهاد، وقهر المرأة، واضطهاد المواطن غير المسلم، وانتهاك حقوق الإنسان بالجلد، والرجم، ودق الأعناق وقطع الأيدي والأرجل من خلاف وغيرها من الفظاعات الشرعية التي فرضتها بعض آيات إسلام المدينة؟ لماذا لا تحاكون شجاعة صانع القرار التربوي الليبي الذي ألغى سنة 2006 تدريس الجهاد وآيات الجهاد والقتال والعنف؟ لماذا لا تعلمون أبناءنا، بدلا من ذلك، الإسلام المكي المسالم، الروحي والفردي الذي تلخصه أفضل تلخيص الآية الكريمة، انتبهوا فهي مدنية ومؤشر على أن الجزء العنيف في الإسلام المدني ظرفي ولم ينسخ الإسلام المكي الوديع: ‘يا أيها الذين أمنوا، عليكم أنفُسَكم، لا يضركم من ضلّ إذا أهتديتم’ (105، الأنفال). هذه الآية، التي لم يجرأ المفسرون كعادتهم على نسخها بالآيات التي تذوّب الفرد في الأمة، هي آية سبقت عصرها بقرون عديدة. لذلك أثارت ذعر بعض الفقهاء والمحدثين وحَيرة الباقين. الأولين اختفوا، للالتفاف على معناها، وراء ظهر ابي بكر أو النبيء نفسه أحيانا زاعمين أن هذه الآية لم تلغ تذويب الفرد في الأمة أي، لم تلغ الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي كان منذ عصابات الحنابلة في بغداد الى عصابات ‘المطاوعة’ في السعودية و’حراس الأخلاق’ في إيران يُشرْعِن اضطهاد النساء والشباب والمثقفين والتدخل في الحياة الخاصة للفرد. أما الأخيرون فقد اعترفوا بنزاهة نادرة قائلين ‘لا نعرف تأويلها’ أو، نقلا عن ابن مسعود، ‘تأويل هذه الآية لم يأت بعد’ أو، نقلا عن النبي نفسه، ‘إنما تأويلها في آخر الزمان’. (الدر المنثور…) ‘آخر الزمان’ هو زماننا، زمان الفرد وحقوقه وحرياته الأساسية؛ زمان فرض التخصص على الدين والعلم والسياسة…؛ زمان تخصيص جميع الأديان وثنية كانت أو توحيدية بالروحي فقط وترك الزمني للمتخصصين في شؤونه وشجونه. لماذا لا نؤسس، عبر المدرسة، انطلاقا من هذه الآية الجميلة والكريمة للإسلام العَلماني الذي يعطي ما للعقل الإلهي، الروحي، للعقل الإلهي، ويعطي ما للعقل البشري، الزمني، للعقل البشري واضعا بينهما برزخًا لا يبغيان لمنع رجال الدين من دس أنوفهم في السياسة والاقتصاد والتشريع والبحث العلمي والإبداع الأدبي والفني ومنع السياسيين من التدخل في الشأن الديني. منذ القرن 15 على الأقل لم يعد جهاد إسلام المدينة صالحا للزمان والمكان في أرض الإسلام. أما الإسلام المكي فهو الصالح الوحيد لزماننا ومكاننا وربما لأزمنة وأمكنة أخرى. إلى الأحد المقبل   (المصدر: موقع إيلاف (بريطانيا) بتاريخ 28- 09-  2008)  


 

الجيش الجزائري يقتل ثلاثة مسلحين بالقرب من الحدود التونسية

الجزائر 27 سبتمبر 2008 (شينخوا) قتل الجيش الجزائري  ثلاثة مسلحين باطلاق نار خلال غارة بالقرب من الحدود  التونسية ليلة الجمعة, حسبما ذكرت وكالة الانباء  الجزائرية الرسمية. ويشتبه أن المسلحين الثلاثة قتلوا أحد العسكريين في  مقاطعة تيريزا شرقي البلاد في بداية الشهر الحالي, وفقا  للوكالة. وافادت تقارير إعلامية بان جماعة اخرى من المسلحين  قامت بقتل عسكريين بعد توقيف سيارتهما على طريق في مقاطعة تيزي اوزو شرقي البلاد صباح يوم السبت 27 سبتمبر. يذكر ان الجماعات الجزائرية المتطرفة قامت بشن العديد من الهجمات مستهدفة الجيش والشرطة والدوائر الحكومية  والمدنيين منذ التسعينيات, وتحسن الوضع الامني في الجزائر في السنوات الاخيرة لكن الهجمات الارهابية مازالت نشطة في مناطق معينة. (المصدر: وكالة أنباء شينخوا (الصين – رسمية) بتاريخ 28 سبتمبر 2008) الرابط:http://www.arabic.xinhuanet.com/arabic/2008-09/28/content_730256.htm

 


جنح الصحافة” بمصر: محكمة الاستئناف تحكم بالسجن شهرين ضد الصحفي إبراهيم عيسى

 

الدار البيضاء, 28 سبتمبر 2008 أصدرت محكمة “جنح مستأنف بولاق أبو العلا”, حكما بالسجن شهرين  ضد رئيس تحرير “الدستور” المصرية, إبراهيم عيسى, على خلفية نشره لأخبار عن الحالة الصحية للرئيس المصري حسني مبارك. وكان أحد محامي الحزب الوطني بمصر, قد تقدم بدعوى, ضد الصحفي إبراهيم عيسى, في شهر أغسطس من العام 2007, قبل أن يدعي الأمن السياسي المصري, أن ما نشرت  صحيفة الدستور عن احتمال “تدهور صحة الرئيس”, قد تسبب في تسرب استثمارات أجنبية من مصر, تقدر ب 350 مليون دولار. تعلن شبكة الدفاع عن حرية التعبير بشمال افريقيا, الحكم بالسجن على الصحفي إبراهيم عيسى, حكما يستهدف حرية التعبير, في مصر, خصوصا بعد أن تأكد من خلال الطريقة التي تمت بها تسيير القضية أن المستهدف, هو رئيس تحرير الدستور, “لمعاقبته” على انتقاده للسياسات المنتهجة من طرف الحكومة المصرية. تطالب شبكة الدفاع عن حرية التعبير بشمال افريقيا, بالإطلاق الفوري لسراح الصحفى إبراهيم عيسى, وإلغاء “جنح الصحافة” بمصر. كما تد عوا كذلك مناضلي حقوق الإنسان عبر العالم بالتضامن معه, بتوقيع عريضة تطالب بإطلاق سراحه, على شبكة IFEX شبكة الدفاع عن حرية التعبير بشمال افريقيا

 

مصر.. حكم واجب النفاذ بحبس الصحفي إبراهيم عيسى

  •  شريف الدواخلي القاهرة- أصدرت محكمة استئناف بوسط القاهرة اليوم الأحد حكما واجب النفاذ بحبس إبراهيم عيسى رئيس تحرير جريدة الدستور المصرية لمدة شهرين إثر إدانته بما اعتبرته المحكمة ‘نشر أخبار وبيانات كاذبة’ عن صحة الرئيس حسني مبارك ‘على نحو أضر بالاقتصاد القومي’. وفي تعقيبه على الحكم، قال عيسى إنه سينفذ الحكم، معربا عن اعتقاده ‘أن هذا الحكم يفتح باب الجحيم على الصحافة المصرية’. وأضاف: ‘هذا هو حكم نافذ بحبس صحفي يعيدنا إلى المربع صفر’ في مجال الحريات الصحفية، بحسب رويترز. وتابع قائلا ‘رأيي أن دلالة الشهرين دلالة خطيرة، فهي تعني استسهالا لأحكام الحبس بعد ذلك’. طلب لنقض الحكم ومن جهته صرح عصام أبو عيسى محامى إبراهيم عيسى لـ’إسلام أون لاين’ أن ‘الحكم واجب النفاذ وسيطبق خلال ساعات ولا استئناف فيه’. وأضاف أنهم سيتقدمون بطلب لنقض الحكم. وكانت محكمة جنح ابتدائية نظرت الدعوى وحكمت في وقت سابق هذا العام، بحبس عيسى لمدة ستة أشهر خفضت إلى شهرين بالحكم الجديد. وأبدى أبو عيسى استغرابه من تخفيف الحكم بالحبس من ستة أشهر لاثنين بدلا من الاقتصار على الغرامة فقط فى قضية تتعلق بخبر عن صحة الرئيس ‘لا تستحق، فى رأيه، المثول للتحقيق من الأساس’. من جهته، رأى إبراهيم منصور رئيس التحرير التنفيذي للدستور في تصريحات لـ’إسلام أون لاين’: ‘أن النظام يصر على حبس عيسى’ المعروف بانتقاداته الحادة للرئيس مبارك وسياساته ويرفض أن يحاط رئيس الدولة بهالة من القداسة وتجنب النقد. وأضاف منصور أن ‘جريدة الدستور ستصدر بانتظام كما عهدها المصريون طوال فترة حبسه (إبراهيم عيسى) وكأنه موجود بالضبط’. وعلم مراسل إسلام أون لاين أن عيسى بدا كما لو كان متوقعا الحكم بحبسه حين خاطب الصحفيين العاملين فى ‘الدستور’ الجمعة الماضية قائلا: ‘أريدكم أن تطلعوا رجالة وتأكدوا أن الجورنال مش أنا، وكده كده هايطلع وصوتكم هايوصل للناس سواء كنت رئيس تحريركم أو لا’. وقفات احتجاجية وتدرس الجريدة إقامة مؤتمر صحفي خلال ساعات للتنديد بالحكم الصادر ضد عيسى، كما ستصدر بيانات للتضامن معه مع إقامة سلسلة من الوقفات الاحتجاجية اعتراضاً على الحكم، ويسود أروقة الجريدة شعور طاغ بـ’الظلم والإحساس بالمرارة’ بعد الحكم بحبس رئيس تحريرها، بحسب مصار صحفية بها. وعيسى هو أيضا أحد أربعة رؤساء تحرير حكمت عليهم محكمة جنح بالحبس لمدة عام وغرامة 20 ألف جنيه (3800 دولار) في سبتمبر من العام الماضي لإدانتهم بإهانة مبارك وابنه جمال العضو القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. وتنظر حاليا الحكم بحبس رؤساء التحرير الأربعة محكمة استئنافية أيضا. ونشرت الدستور في أغسطس من العام الماضي أن شائعات تتردد عن أن مبارك (80 عاما) توفي وأن مصريين كثيرين لا يصدقون أن الشائعات كاذبة. وقال عيسى في مقال نشر في الصحيفة في ذلك الوقت: إن هناك تقارير عن مرض مبارك بقصور في الدورة الدموية يتسبب في إصابته باختلال التوازن. وتواترت الشائعات عن صحة مبارك ونشرتها صحف مختلفة في أواخر أغسطس وأوائل سبتمبر 2007، لكن الشائعات خفت بعد ظهوره المتكرر في التلفزيون في ذلك الوقت. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 28 سبتمبر 2008) عنوان صحيفة الدستور المصرية: http://dostor.org/ar/


 

استقالة ثابو مبيكي.. دروس وعبر!
حمدي عبدالرحمن    كنت من أشد المعجبين بالمشروع النهضوي الذي طرحه الرئيس الجنوب إفريقي ثابو مبيكي تحت عنوان «النهضة الإفريقية»، والذي تم الترويج له في مختلف أنحاء القارة بحسبانه البديل الحضاري لمواجهة مخاطر العولمة الجارفة. ويعد مبيكي واحداً من القادة القلائل الذين امتلكوا رؤية إصلاحية واستراتيجية تتجاوز مشروعه الوطني في الداخل. والرجل ينتمي إلى أسرة سياسية عريقة في نضالها ضد نظام الأبارتهيد (التفرقة العنصرية). وقد نظر مبيكي إلى المؤتمر الوطني الإفريقي باعتباره مصدر حياته، والدم الذي يجري في عروقه، إذ انخرط في صفوفه وهو في سن الرابعة عشر. وفي عام 1962 رحل عن جنوب إفريقيا إلى تنزانيا، وسافر بعدها إلى بريطانيا حيث درس الاقتصاد في إحدى جامعاتها. وفي بداية السبعينيات، ذهب ثابو مبيكي إلى الاتحاد السوفيتي لتلقي بعض التدريبات العسكرية، عاد بعدها إلى العاصمة الزامبية «لوساكا» لينخرط في هياكل المؤتمر الوطني الإفريقي العاملة في المنفى. وقد اكتسب مبيكي شعبية كبيرة أثناء تمثيله للمؤتمر الوطني في بوتسوانا وسوازيلاند ونيجيريا قبل عودته إلى لوساكا ليعمل مستشاراً سياسياً لرئيس الحزب أوليفر تامبو. بيد أن إحدى المحطات الكبرى في تاريخ الرجل النضالي تمثلت في انخراطه عام 1982 في مفاوضات سرية مع بعض ممثلي نظام الفصل العنصري بهدف رفع الحظر عن المؤتمر الإفريقي. ومرة أخرى يصعد نجم ثابو مبيكي حينما يصبح نائباً للرئيس نيلسون مانديلا في مايو 1994. وبعدها بسنوات ثلاثة يتمكن مبيكي من تبوؤ سدة رئاسة المؤتمر الوطني خلفاً للرئيس مانديلا. وفي عام 1999 يفوز مبيكي برئاسة الجمهورية ليصبح ثاني رئيس منتخب في مرحلة ما بعد الأبارتهيد. ورغم بعض الأزمات السياسية التي واجهته في الداخل، تمكن من الفوز بفترة رئاسية ثانية عام 2004. ويغلب على أسلوب مبيكي في كثير من الأحيان الطابع الأكاديمي، إذ إنه كثير القراءة والكتابة في الصحف المحلية والعالمية، كما أنه يبدو محباً للحوار والجدل. وأذكر أنني دعيت ذات مرة عام 2001 للمشاركة في أعمال حلقة نقاشية في بريتوريا عن مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا المعروفة اختصارا باسم «النيباد»، وحضرها الرئيس نفسه الذي يعد أبرز مهندسي هذه المبادرة، وقد استمع مبيكي بعقل وقلب مفتوح إلى كل الانتقادات التي وجهت لهذه الرؤية الجديدة وله شخصيا، وحينما جاء دوري في الحديث طرحت البعد الفوقي وغير الشعبي الذي اتسمت به المبادرة، وتعويلها على الدول الصناعية المتقدمة في دعم جهود التنمية الإفريقية بدلا من التوكيد على التعاون مع دول الجنوب. ولم أنزعج من رد الفعل الغاضب لسفيرة بلادي في جنوب إفريقيا على ما قلته، إذ إنه أمر متوقع ومفهوم، لكن ما أدهشني حقا هو الاهتمام الشديد الذي أبداه الرئيس بسماع الرأي الآخر ومناقشته، عندئذ مرت بخاطري بعض الأحلام الوردية وقلت لنفسي مستفيقا: وأين نحن في بلادي من هذا الحوار الديمقراطي؟ لقد كان قرار المؤتمر الوطني الإفريقي بإقالة الرئيس مبيكي لا يخلو من القسوة، ولا يتفق مع التاريخ النضالي للرجل في صفوف حزبه، ومع ذلك جاءت استجابة الرئيس سريعة ومتفقة مع قواعد الانضباط الحزبي، إذ خرج على الملأ وأعلن استقالته من منصب الرئاسة قبل انتهاء مدته الدستورية. صحيح أن تلك الخطوة تعكس عمق الأزمة السياسية التي تعاني منها جنوب إفريقيا والتي تعد الأخطر منذ نهاية التفرقة العنصرية عام 1994، إلا أنها تقدم درساً رائعاً في الديمقراطية وتداول السلطة، وتشير إلى أن المؤسسات الديمقراطية تعلو على الأفراد، وأنه لا قداسة لأحد مهما علا شأنه في النظام الديمقراطي. ربما يرى البعض في هذا الحدث تداخلا بين الشخصي والسياسي في قواعد اللعبة السياسية. إذ يعد الخلاف الحاد بين الرئيس مبيكي ونائبه السابق، زعيم حزب المؤتمر الوطني جاكوب زوما، أحد الأسباب المباشرة التي تفسر رحيل مبيكي بهذه الطريقة، بيد أنه لا يمكن القول إن مجرد الثأر الشخصي قد يدفع بالحزب إلى الإطاحة بواحد من أهم كوادره المرموقين، إذ ثمة عوامل أخرى أعمق من ذلك البعد الشخصي في النظر إلى الأمور. فمن المعروف أن ثابو مبيكي كان عضواً سابقاً في الحزب الشيوعي، ورغم ذلك فإنه تبنى سياسات اقتصادية تحررية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في بلاده، وقد تمكن من خلال سياساته النقدية الصارمة أن يحقق نمواً اقتصادياً يصل %5 سنوياً، وهو أمر لم يسبق له مثيل. وفي عام 1996، طرحت حكومته حزمة من السياسات الليبرالية، أطلق عليها اسم «استراتيجية النمو والعمالة وإعادة التوزيع». وقد تضمنت هذه الاستراتيجية التزامات حكومية بفتح الأسواق ودفع الخصخصة وتوفير المناخ الملائم للاستثمار. ولا يخفى أن المؤتمر الوطني يقود تحالفاً عريضاً مع أبرز مجموعتين يساريتين في البلاد، هما الحركة الشيوعية والحركة النقابية (كوساتو)، وكلتاهما انتقدتا بشدة استراتيجية التنمية الحكومية بحسبان أنها أدت إلى إقصائهما من إدارة وتنفيذ خطط التنمية في البلاد. وعليه، فإن الصدام مع اليسار قد كلف الرئيس ثابو مبيكي ثمناً باهظاً. وإذا كانت عملية انتقال السلطة قد تمت بأسلوب سلمي ويسير، فإن ثمة بعض المخاطر التي تتهدد مستقبل النظام الحاكم في جنوب إفريقيا بعد رحيل مبيكي، إذ يرى بعض المحللين إمكانية حدوث انقسام بين صفوف المؤتمر الوطني تؤثر على حجم التأييد الشعبي الكبير الذي يتمتع به، فقد يفضل أنصار مبيكي الخروج من الحزب وتشكيل حزب جديد يخوضون من خلاله الانتخابات القادمة منتصف عام 2009. وأياً كان الأمر، فإن استقالة ثابو مبيكي تطرح أمامنا أكثر من معنى ودلالة ذات مغزى. فالديمقراطية تعني بالضرورة تداولاً في السلطة، فلا يصلح معها مفاهيم الزعيم الأوحد أو إقصاء المعارضة. كما أن النظام الديمقراطي يتجاوز المعنى الإجرائي ويؤكد على الأبعاد المؤسسية، وهو ما يبرزه درس جنوب إفريقيا. فهل يمكن لنا أن نعي هذا الدرس الديمقراطي بحيث تعمد النخب الحاكمة في عالمنا العربي إلى إرساء قواعد الممارسة السياسية الحرة وإشاعة ثقافة التسامح والقبول بالآخر؟ أم نظل نردد مع الفنان العربي الكبير محمد صبحي ونقول: انتهى الدرس يا عرب!   المصدر: جريدة العرب (يومية – قطر) بتاريخ 28- 09-  2008

 

Home – Accueil الرئيسي

 

Lire aussi ces articles

16 juin 2004

Accueil TUNISNEWS   5 ème année, N° 1488 du 16.06.2004  archives : www.tunisnews.net اف ب: رئيس مجلس حزب التجديد التونسي مرشح

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.