الأحد، 22 مارس 2009

TUNISNEWS

8 ème année, N 3225 du 22 .03 .2009

 archives : www.tunisnews.net


حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: “حملة التمشيط الإسترشادي :عينة من التفتيش في النوايا ..

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين:بعد جرائم الإحتلال ضد مدنيي غزة : جرائم ضد المعتقلين ..

الجزيرة نت:تحالف يساري تونسي يدعم المرشح أحمد إبراهيم للرئاسة

قدس برس:تونس: ائتلاف أحزاب يسارية يعلن عن مرشحه للرئاسة

إيلاف:تونس: مرشح اليسار يدعو لمنافسة فعلية في الانتخابات

المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية:القاضية ليلى بحرية تتعرض الى مضايقات جديدة

بيان المكتب السياسي للتكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات ردّا على افتراءات جلال الحبيب ومن وراءه

الحزب الديمقراطي التقدمي جامعة قابس: تقريــــــر

مكونات الحركة الطلابية المتمسكة بالاتحاد العام لطلبة تونس:بيـــان

الصادق بن مهنى:إلى جلبار النقاش.. صاحب كتاب «ماذا فعلت بشبابك؟ »

أنس الشابي:رسالة إلى عقلاء هذا الوطن

صالح عطية:الخبير الاقتصادي والجامعي حسين الديماسي يتحدّث لـ«الصّباح» حول الأزمة المالية العالمية:

د. ب. أ :67 غريقاً ومفقودا في حادث زورق قبالة السواحل التونسية

مالك التريكي:ميكانيك الدجل السياسي

طارق الكحلاوي :في الإسلاموفوبيا (6)

عبدالله نزيه البني:ملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائيّة: محامون يبيعون أملاكهم وعرب يشترون السجّاد

الجزيرة نت :أكاديمي يهودي: غزة فكت ارتباط انتقاد إسرائيل بالعداء للسامية

الصباح:تحليل إخباري: بعد أن بدا الإرباك على تصريحات بعض مسؤوليها إيران وخطأ استخدام الحبر الأحمر…

بلال الحسن:أوباما حين يتراجع عن طموحات التغيير

روى لـ«الحياة» قصة مطاردة طويلة غيّرت وجه العراق وهزت توازنات المنطقة (1) … أحمد الجلبي: عميل مزدوج


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


منظمة حرية و إنصاف

التقرير الشهري:حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

 جانفي 2009
منشور على صفحتنا بتاريخ 17 فيفري 2009
 فيفري 2009
منشور على صفحتنا بتاريخ 15 مارس 2009 https://www.tunisnews.net/15Mars09a.htm


أطلقوا سراح جميع المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 24 ربيع الأول 1430 الموافق ل 21 مارس 2009

أخبار الحريات في تونس


1)    تواصل حصار منزل السيد علي العريض: يواصل أعوان البوليس السياسي لليوم السابع على التوالي محاصرة منزل السجين السياسي السابق والناطق الرسمي السابق باسم حركة النهضة السيد علي العريض، و قد عمد الأعوان المذكورون إلى مضايقة أفراد عائلته الداخلين إلى المنزل و الخارجين منه و مطالبتهم بالاستظهار ببطاقة تعريفهم الوطنية كما تتم مضايقة الأقارب الذين يأتون لزيارة العائلة و حتى الجيران لم يسلموا من هذه المضايقات. 2)    بعض عائلات مساجين الرأي تطالب بإطلاق سراح أبنائها: طالبت بعض عائلات مساجين الرأي في رسالة موجهة إلى منظمة حرية و إنصاف بمناسبة يوم الشباب 21 مارس بإطلاق سراح أبنائها المعتقلين بمقتضى قانون الإرهاب اللادستوري بعدما قضوا بعضا من شبابهم بالسجن دونما جرم اقترفوه في حق بلادهم، و هذه العائلات هي: عائلة طارق الهمامي – عائلة غيث الغزواني – عائلة ماهر بزيوش – عائلة أنيس الهذيلي – عائلة كريم العياري – عائلة رمزي بن سعيد – عائلة وليد السعيدي – عائلة نضال بولعابي – عائلة رضوان الفزعي – عائلة علي بن سالم – عائلة محمد بن محمد – عائلة أكرم كامل – عائلة بلال الحجري – عائلة أسامة عبد الصمد – عائلة ربيع الخليفي – عائلة محمد المنصف البغدادي – عائلة حسني المرساني – عائلة شكري الجويني – عائلة عاطف الهمامي – عائلة محمد العربي – عائلة مراد العكري – عائلة حسني اليفرني.   عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري


الحرية لجميع المساجين السياسيين  الحرية للدكتور الصادق شورو الجمعية الدولية  لمساندة المساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس e-mail: aispptunisie@yahoo.fr تونس في 22 مارس 2009

في الأسبوع الثاني من ” حملة التمشيط الإسترشادي ” : عينة من التفتيش في النوايا ..

 


إستوقف عون أمن بزي مدني بمدينة بنزرت يوم الخميس 19 مارس 2009 المواطن الشاب شمس الدين البوسطانجي مطالباً إياه بالإستظهار ببطاقة هويته الشخصية، ثم دعاه مشافهةً إلى الحضوربعد ظهر اليوم إلى مركزالأمن الوطني”بوقطفة” حيث تولى أعوان فرقة الإرشاد و الفرقة المختصة التحقيق معه حول: ·         إسمه وإسم الأب وأفراد العائلة والدراسة والعمل ، ·         الصلوات التي يؤديها .. مع تفصيل فرائضها ونوافلها.. ·         اسم المسجد الذي يؤدي به صلواته. ·         البدع التي يناهضها.. ·         السنن التي يلتزم بها. ·         عن مصادر تثقيفه الديني، تلفزيون، راديو، فضائيات، كتب، أقراص ممغنطة… ·         الشيوخ الذين يرجع إليهم طلباً للفتوى.. ·         هل « ..يتورّك..»…؟  ( وضع الجلوس..) ·         هل يصلي بالقبض والرفع..؟ ·         ثم أخذت له صورة بواسطة هاتف نقّال.. ·         و خلال« الإسترشاد» إستحث أحد الأعوان الشاب شمس الدين البوسطانجي على الإجابة بالقول:( هيا وإلا جعلتك تتفرج على فيلم بالألوان….!!)، مُلمحا إلى استعداده لإستخدام العنف الشديد ضده، إن هو تباطأ أو راوغ في الرد. والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسين التي تعرض هذه الواقعة بوصفها عينة من التعسف اليومي الذي يطال الآلاف من الشباب التونسي القابع في السجون أو الملاحق في شوارع البلاد من شمالها إلى جنوبها متهما  بمخالفة ” ذوق السلطات ” في اختيار الهندام أو العبادات، فإنها تؤكد أن هذه الممارسات البوليسية الخرقاء  التي أفقدت المواطنين الأمان والإطمئنان قد شهدت تصعيدا خطيرا منذ سن قانون 10 ديسمبر 2003 لـ ” مكافحة الإرهاب “، الذي برّر ملاحقة المواطنين وشرّع التفتيش في النوايا و أطلق يد البوليس السياسي ليحوّل المخافر والمكاتب وحتى الشوارع لمحاكم تفتيش، يُساءل فيها “المواطنون” حول عقائدهم وأفكارهم .. عن الجمعية لجنة متابعة شؤون السجناء السياسيين المسرحين  


الحرية لجميع المساجين السياسيين  الحرية للدكتور الصادق شورو الجمعية الدولية  لمساندة المساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس e-mail: aispptunisie@yahoo.fr تونس في 22 مارس 2009

بعد جرائم الإحتلال ضد مدنيي غزة : جرائم ضد المعتقلين ..


تتابع الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ببالغ الإنشغال التدهور الخطير الذي تشهده ظروف احتجاز الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، حيث عمدت سلطات الإحتلال إلى تنفيذ تهديداتها و أودعت بعض سجناء الحق العام  الإسرائيليين “المختلين عقليا” في غرف العزل الانفرادي المحتجز بها الأسرى، وبالأخص أسرى حركة المقاومة الإسلامية (حماس ) ، و يجمع أغلب الملاحظين  على أن سبب التضييق على المعتقلين  يعود إلى الرغبة في الضغط على المفاوض الفلسطيني في عملية تبادل الأسرى مع الجندي الإسرائيلي ، و الجمعية  ، إذ تعتبر هذه الإجراءات العقابية تواصلا لجرائم الحرب المرتكبة في العدوان الأخير على غزة فإنها تنبه جميع المنظمات الحقوقية المستقلة و الهيئات الأممية و الضمير الدولي إلى ما تشكله من تعد صارخ على المواثيق الدولية و خاصة أحكام اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المعتقلين. عن الجمعيـــــة لجنة  متابعة أوضاع السجون  

تحالف يساري تونسي يدعم المرشح أحمد إبراهيم للرئاسة


الأمين العام لحزب حركة التجديد أحمد إبراهيم  (الجزيرة نت) أعلن تحالف يساري تونسي معارض دعمه لمرشح حركة التجديد التونسية المعارضة (الحزب الشيوعي سابقاً) أحمد إبراهيم للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ويتألف هذا التحالف الذي يحمل اسم المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم، من حركة التجديد (حزب معارض معترف به)، وحزب العمل الوطني الديمقراطي، والحزب الاشتراكي اليساري، (حزبان معارضان غير معترف بهما)، وعدد من المستقلين. وأكد مسؤولو هذا التحالف الحزبي في ندوة عقدوها اليوم الأحد في تونس، عزمهم المشاركة “النضالية” في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، وأنهم اختاروا الأمين العام الأول لحركة التجديد أحمد إبراهيم مرشحا لهم في الاستحقاق الرئاسي المقبل. وكانت حركة التجديد التونسية المعارضة أعلنت في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي ترشيح أمينها العام الأول أحمد إبراهيم لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتولّى أحمد إبراهيم الأمانة العامة لحركة التجديد عام 2007، خلفاً لمحمد حرمل، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي التونسي الذي غيّر اسمه خلال شهر أبريل/نيسان من عام 1993، ليصبح حركة التجديد. وسبق لحركة التجديد أن شاركت في الانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت عام 2004، من خلال ترشيح رئيس مجلسها الوطني محمد علي الحلواني الذي حصل على أقل من 1% من أصوات الناخبين. كما شاركت الحركة أيضاً في الانتخابات التشريعية التي جرت في أعوام 1994 و1999، و2004، وحصلت على ثلاثة مقاعد برلمانية. وطالب مسؤولو التحالف بضرورة أن تتم الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة في كنف الشفافية والنزاهة، وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد تعهد قبل يومين بأن تجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة، ضمن الشفافية واحترام القانون ومراعاة قواعد الممارسة الديمقراطية. وقال في خطاب ألقاه الجمعة الماضي بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لاستقلال تونس، إنه سيعمل على أن تكون هذه الانتخابات محطة سياسية متميزة في تاريخ البلاد، “في ظل ما وفرناه لها من شروط وضمانات”. يشار إلى أن الانتخابات الرئاسية التونسية التي سيخوضها الرئيس زين العابدين بن علي، ستكون تعددية، بعد إعلان ثلاثة معارضين هم الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية محمد بوشيحة، والأمين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوي أحمد الأينوبلي، والأمين العام الأول لحركة التجديد أحمد إبراهيم، ترشّحهم لخوض سباقها. المصدر:يو بي آي (المصدر : موقع “الجزيرة نت” نقلا عن وكالة “يو.بي.أي” بتاريخ 22 مارس 2009 .)  
الرابط:http://www.aljazeera.net/NR/exeres/85C06C6C-B894-406F-B896-  BDBE2F8C2AAF.htm


تونس: ائتلاف أحزاب يسارية يعلن عن مرشحه للرئاسة


تونس – خدمة قدس برس أعلن ائتلاف مكوّن من أحزاب يسارية مشاركته في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في تونس لخريف العام الجاري، وترشيح أحمد إبراهيم، أمين أوّل لحركة التجديد للانتخابات الرئاسية. وقال أحمد إبراهيم، في اجتماع عام عقده الائتلاف اليوم الأحد (22/3) بالعاصمة تونس، إنّه سينافس مرشّح الحزب الحاكم الندّ للندّ، وتابع “سننتصر”. وانتقد إبراهيم في كلمته الفساد كما وصف النظام القائم بـ “الأمنوقراطي” في إشارة إلى القبضة البوليسية على الحياة العامّة. ويعرف هذا الائتلاف اليساري باسم “المبادرة الوطنيّة من أجل الديمقراطية والتقدّم” ويضمّ حركة “التجديد” و “حزب العمل الوطني الديمقراطي” و “الحزب اليساري الاشتراكي”. وقالت المبادرة في بيان حصلت “قدس برس” على نسخة منه، إنّها ستشارك في الانتخابات “رغم التضييقات التي تفرضها النصوص القانونية وممارسات السلطة اليومية” وإنّها ستستغل تلك المناسبة “للتعبير عن انشغال الرأي العام أمام تواصل الانغلاق وعن حاجة البلاد إلى نقلة ديمقراطية”، على حد تعبير البيان. وكشفت المبادرة عن مضمون خطّها السياسي المعارض للسلطة والمناهض للتيار الإسلامي، وذكرت أنّها تسعى لبناء “قطب ديمقراطي حداثي وتقدمي حامل لمشروع مجتمعي يتعارض مع النمط السياسي التسلّطي القائم ويتباين مع المشاريع الاستبدادية التي توظّف الدين”. وطالبت المبادرة بتحقيق انفراج سياسي بإطلاق سراح سجناء الرأي، ومراجعة القوانين المقيّدة للحريات بما فيها المجلة الانتخابية والقطع مع المشاركات الصورية في الانتخابات وتوفير ظروف شفافة لإقامتها وتجريم التزوير.  
 
(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 22 مارس  2009)


تونس: مرشح اليسار يدعو لمنافسة فعلية في الانتخابات


تونس: رشح ائتلاف من التنظيمات اليسارية الاحد الامين العام لحركة التجديد احمد ابراهيم للانتخابات الرئاسية في تونس المقررة في تشرين الاول/اكتوبر المقبل. وقال ابراهيم انه يريد مواجهة الرئيس الحالي زين العابدين بن علي (72 عاما) المرشح لولاية خامسة. ويبلغ احمد ابراهيم الثانية والستين من العمر ويتراس منذ سنتين حركة التجديد المعارضة التي لها ثلاثة نواب في البرلمان التونسي. وتعتبر حركة التجديد وريثة الحزب الشيوعي الذي تأسس العام 1920، وهي تقود حاليا ائتلافا يضم مجموعات من التنظيمات اليسارية والمستقلة ينشط تحت اسم “المبادرة الديموقراطية”، وهو الذي رشح ابراهيم الاحد لرئاسة الجمهورية. وقال في اول لقاء شعبي للائتلاف الذي يترأسه في تونس “ان ترشحي ليس رمزيا وانا عازم على الدخول في منافسة فعلية للوقوف بحزم وبطريقة ندية بوجه مرشح السلطة”. ويدعو هذا الجامعي الى اقامة “دولة ديموقراطية حديثة علمانية” في موقف يتعارض مع المعارضة الراديكالية المقربة من الاسلاميين، ويختلف عن موقف المعارضة البرلمانية المعتدلة التي تدعم حاليا بن علي. وتابع ابراهيم “انه مرشح يعمل فعليا لاجراء قطيعة مع الماضي”، مكررا القول “انه حان الوقت للانتقال من التمرد الى معارضة فعلية ووضع حد للتسلط”. وتطرق ابراهيم الى “الخلل الهائل في الوسائل” بين السلطة والمعارضة، واعلن انه يأخذ علما بالتزام الرئيس التونسي باجراء انتخابات نزيهة تكون تحت رقابة هيئة مستقلة وليس وزارة الداخلية. ودعا الى اصلاح “جذري” للنظام الانتخابي وضمان حرية الاجتماع والتنظيم وحرية الصحافة اضافة الى الغاء مشروع قانون يدعو حسب قوله الى فرض رقابة مسبقة على خطابات المرشحين خلال الحملات الانتخابية. كما طالب باطلاق سراح “كل الذين حوكموا بسبب آرائهم” بينهم من اعتقل خلال اضطرابات اجتماعية جرت العام 2008 في منطقة قفصة المنجمية في جنوب غرب البلاد.
 
(المصدر: موقع “إيلاف” (بريطانيا) بتاريخ 22 مارس 2009)


المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية البريد الالكتروني marced.nakabi@gmail.com

تونس في 21/03/2009 القاضية ليلى بحرية تتعرض الى مضايقات جديدة


اتصلت بالمرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية القاضية ليلى بحرية قاضي الأطفال بالمحكمة الابتدائية بالقصرين وعضو الهيئة الإدارية الشرعية لجمعية القضاة التونسيين وأعلمتنا انه وقع خصم أكثر من نصف مرتبها لشهر مارس 2009 وقد اعتبرت هذا الخصم مرتبط بمواقفها وأنشطتها صلب المكتب الشرعي لجمعية القضاة التونسيين وخاصة البيان الأخير الصادر عن مجموعة من النساء القاضيات أعضاء المكتب الشرعي بتاريخ 8 مارس 2009 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة وقد كانت القاضية ليلى بحرية من بين من امضين على هذا البيان . إن المرصد يعبر عن تضامنه المبدئي مع القاضية ليلى بحرية ويأسف على حصول هذا الخصم من مرتبها الشهري ويأمل أن لا تتكرر هذه العملية منعا لكل توتر أو احتقان قي صفوف القضاة المرصد فضاء نقابي مستقل ديمقراطي وهو مفتوح لجميع النقابيين بدون استثناء ويمكن التواصل مع المرصد على العنوان الالكتروني التالي   : http://nakabi.unblog.fr عن المرصد المنسق محمد العيادي


بيان المكتب السياسي للتكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات   ردّا على افتراءات جلال الحبيب ومن وراءه

   


  
 
تعرّض المكتب السياسي أثناء اجتماعه يوم الأحد 22 مارس 2009 إلى بيان السيد جلال الحبيب الصادر بتاريخ الخميس  19 مارس 2009 في إحدى الجرائد اليوميّة وإلى ما جاء فيه من ادّعاءات غريبة تمسّ خاصّة من شخص الأخ مصطفى بن جعفر الأمين العامّ للحزب ،وتشكّك في وطنيّته وتتّهمه “بالبحث عن سند خارجيّ وتوجيهات أجنبيّة … لصياغة موقف الحزب وِفْقَ أجندات خارجية …” مما يمثّل حسب ادّعاءاته “تنكّرا صارخا للممارسة الديمقراطية داخل الحزب .”    وإزاء هذه الادّعاءات والافتراءات فإنّ المكتب السيّاسي يوضّح للرأي العامّ في الدّاخل والخارج ما يلي: 1 – إنّ مواقف الحزب وتوجّهاته ،والتي بنى عليها علاقاته في الداخل والخارج مُثْبَتة بكلّ وضوح في سائر وثائقه التأسيسيّة وفي سائر البيانات واللوائح والمواقف الصادرة عنه منذ نشأته، وهي الاختيارات والتوجُّهات التي ينخرط على أساسها كلّ تونسيّ وتونسيّة بكلّ حريّة في حزبنا ؛ وبالتّالي فهي القاعدة التي انتمى عليها السيد جلال الحبيب نفسه إلى حزبنا . 2 – إنّ التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحرّيات الذي احتضن السيد جلال الحبيب وفتح السبيل أمامه شيئا فشيئا لتقلّد المسؤوليات في صلبه بناء على انخراطه التلقائيّ والمتّحمّس في هذه التوجّهات، وبناء على ما بدا عليه إذذاك من دماثة أخلاق واستقلاليّة في السلوك ،لَيستغرب شديد الاستغراب من هذا الانقلاب المفاجئ،ولا يشكّ في أنّ  السيّد جلال الحبيب قد كان ، في هذا التنكر وهذا الجحود، صنيعة لبعض الأطراف التي أَمْلَتْ عليه هذا الموقف ،مُلَوَِّحَة له ببعض الوعود الزّائفة . 3 – إنّ ما تَعْمَدُ إليه بعض الأطراف في الآونة الأخيرة  – عن طريق من تستطيع أن تتّخذهم صنائع لها بأسلوب أو بآخر داخل الأحزاب والمنظّمات الوطنيّة – من قدْحٍ وتشكيك في وطنيّة رموز الساحة السياسيّة والحقوقيّة ،وفي اتّهامهم بالخضوع لإملاءات أجنبيّة  ، قد أصبح أمرا مكشوفا لا ينطلي على الرأي العامّ، لا في الداخل ولا في الخارج ،وإنّما الغاية منه هي المسُّ من سمعة المعارضين الذين ظلّوا أوفياء لمبادئهم واختياراتهم، من أجل الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان في هذا الوطن العزيز الّذي لا يمكن أن يزايد علينا أحد في محبّته والتعلّق به والإخلاص في خدمته وإعلاء شأنه . 4 – إنّ من شأن أي ّ حزب أن يربط علاقات بغيره من الأحزاب والمنظّمات داخل الوطن وخارجه،وبحُكْمِ علاقات تونس التقليديّة مع بلدان الاتحاد الأوروبي ، وبحكم عضويّة حزبنا الكاملة في منظّمة الاشتراكيّة الدوليّة،  فإنّ للتّكتّل الديمقراطي علاقات تقليديّة مع هذه الأطراف ، ومن الطبيعي ّ جدّا أن يساهم ممثّلوه ،وعلى رأسهم الأمين العام الأخ مصطفى بن جعفر ، في الندوات السياسيّة داخل البلاد وخارجها ، وأن تكون لنا اتصالات ومشاورات معها ، فلماذا هذا الاستغراب والاندهاش المثير للامتعاض ؟ ! ولماذا يأتي ذلك الآن والبلاد مقبلة في هذه السنة على انتخابات رئاسيّة وتشريعيّة، والتّكتّل مقبل على عقد مؤتمره ؟!  5 – إنّ دعم علاقات التّكتّل بالمنظّمات الخارجيّة ، وفي مقدّمتها الاشتراكيّة الدوليّة  – التي تنتمي إليها عشرات الأحزاب في العالم ،الغربيّة منها والعربيّة،  ومن بينها التجمّع الدستوري الديمقراطي حزب الحكْمِ – لا يقلق إلاّ من يسعَوْن دوما إلى عزل التّكتّل في الخارج ، كما أجهدوا أنفسهم بمحاصرته داخليّا ، وعزله بكلّ الأساليب عن الاتّصال بالمواطن التونسيّ ، ومنْْْْْعه من النشاط السيّاسيّ الطبيعيّ .  6 – إن التّكتّل الديمقراطيّ من أجل العمل والحريّات لن تؤثّر فيه ولا في مناضليه الصادقين مثل هذه الأراجيف، سواء تعلّقت بأمينه العامّ  الذي شبّ على الإخلاص لهذا الوطن ،أو تعلّقت بآختيارات الحزب وتوجّهاته؛ وإنّ حزبنا سيواصل عمله قُدُما ، لا من أجل عقد مؤتمره فحسب ،بل وكذلك من أجل إعلاء كلمة تونس ومن أجل رِفعتها ومكانتها بين الأمم. 7 – إنّ التّكتّل الديمقراطي ليأسف لهذه النهاية المثيرة للشفقة التي آل إليها السيد جلال الحبيب ، بعد أن فتح له الحزب أحضانه ورعاه،فتحوّل فجأة إلى دُمْية في أيادٍ تحرّكه كما تشاء ،وقد كان بإمكانه أن يثير أيّ نقد و أيّ  اعتراض داخل أُطُر الحزب ، وبالأسلوب الديمقراطي الذي نمضي دوما عليه ، لأنّنا دُعاة  حوار ومؤمنون بأهمية الحوار داخل الحزب وخارجه. وإنّنا إذ نعتبر أنّ السيد جلال الحبيب قد وضع نفسه بنفسه نهائيا خارج أُطُرِ الحزب، بشذوذه عن أسلوب الحوار الداخلي وفقدانه للثقة التي وضعها الحزب فيه، وبتصريحاته ومواقفه المتنكّرة والمتعارضة مع الأخلاقيّات الحزبيّة، فإننا نسأل له سلامة العاقبة وحُسْن المآل…  الأمين العامّ  د.مصطفى بن جعفر   

الحزب الديمقراطي التقدمي جامعة قابس قابس في 20 مارس 2009 تقرير

صعدت أجهزة السلطة الحاكمة في المدة الأخيرة حملتها المسعورة على مناضلي الحزب الديمقراطي التقدمي مسقطة بذلك ورقة التوت التي طالما تسترت بها مدعية بناء دولة القانون و المؤسسات فإذا بالاعتباطي و التعسفي هو السائد. و لوضع الرأي العام الوطني و قوى المجتمع المدني في الصورة تنشر جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي رصد ما علمت به خلال شهر من انتهاكات و اعتداءات و خرق للقانون طال مناضلي حزب قانوني في دولة الاجهزة. 14 فيفري2009  تعرض عضو الحزب الديمقراطي التقدمي بنايل الأستاذ عادل غريب و خطيبته و عائلته للمنع من السفر الى ليبيا و إرجاعهم من الحدود تطبيقا لتعليمات الإدارة العامة للحدود و الأجانب 17 فيفري 2009 أعلمت جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقـدمي أنّ أعوانا من الأمن اعتدوا بالعنـف الشديد على المناضليْن خالد بوجمعة وياسين البجاوي عضويْ الجامعة، ثم لاحق  عون أمن بالزي الرسمي يُدعى سليم الزلزلي المناضل خالد بوجمـعة وعنّفه تعنيفا بالغا وزجّ به في سيـــارة الشرطة وافتك منه هاتفه المحمول واعتدى عليه لفظيا قبل أن يطلق سراحه. 20 فيفري2009  تعرض الاخ مولدي الزوابي عضو جامعة الحزب الديمقراطي التقدمي بجندوبة الى التنكيل و الهرسلة حيث أصدر ضده القضاء المستعجل حكما يقضي بدفع معاليم اثنا عشر شهرا نظير كرائه لمكتب، و لم يُعلم بصدور الحكم سوى منذ يوم واحد على الرغم من صدوره رسميا منذ الحادي عشر من سبتمبر الماضي. هذا و قد اعترف مالك المكتب بتعرضه إلى ضغوط رهيبة من أعوان الأمن وهياكل التجمع في بوسالم لدفعه إلى رفع شكاوى ضد الاخ المولدي لإخراجه من المقر 21 فيفري 2009 أعلمت جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي أن السلطات عمدت اليوم إلى منــع مقنع للندوة التي دعت إليها حول النشاط السياسي  والجمعياتي في تونس في أفق 2009 والتي كان من المفروض أن يحاضر فيها الأستاذ عبد الوهاب معطر المحامي والناشط الحقوقي. وجاء المنع بتعطيل الأستاذ معطر ومرافقه الأستاذ محمد عبو بإيقافهما بمنطقـة المنيهلــة وهمـا في اتجاه بنـزرت بدعوى ارتكاب مخالفة مروية. ولـم يقـع إخلاء سبيلهما إلا بعــد ساعتين بعد تجاوز موعد انطلاق الندوة دون أن يقدّم لهما أي تفسير. 22 فيفري 2009 تعرض المناضل معز الجماعي  منسق مكتب الشباب الديمقراطي التقدمي بقابس و العضو النشيط باللجنة الوطنية لمساندة المناضل رشيد عبداوي الى اعتداء عنيف للغاية من قبل اعوان البوليس السياسي ادى الى كسر خطير و اصابة اخرى لا تقل خطورة على مستوى الاذن. يشار الى ان معز الجماعي تعرض للاختطاف من قبل اعوان البوليس السياسي في محطة النقل بقفصة وهو يستعد لزيارة تضامنية مع عائلة رشيد عبداوي يوم الاحد 22 فيفري 28 فيفري 2009 منعت جحافل من البوليس مناضلي المجتمع المدني من الوصول على مقر الحزب الديمقراطي التقدمي بسوسة لحضور اجتماع تضامني مع معتقلي الحوض المنجمي حيث وقع منع السادة عبدالرحمان الهذيلي و مسعود الرمضاني و سالم الحداد و جمال مسلم من الوصول الى مقر الحزب 2 مارس 2009 أغلقت السلطات الجهوية بالقصرين مطعم على ذمة مراد النصري أصيل معتمدية “فوسانة” ، كان بعثه قبل أشهر كمشروع تجاري للإرتزاق منه بعد يأسه من الحصول عن عمل في الوظيفة العمومية رغم تحصله على شهادة الأستاذية إختصاص فنون و جماليات. وذكرت جامعة الحزب بالجهة إن ما تعرض له السيد “النصري” كان على خلفية نشاطه صلب (الحزب الديمقراطي التقدمي) و مشاركته في تأسيس فرع للحزب في منطقة فوسانة. 6 مارس 2009 منع عدد من أعوان البوليس السياسي تحت إمرة رئيس منطقة باب بحر بتونس مساء اليوم الجمعة 6 مارس 2009 الناشط الحقوقي السيد زهير مخلوف عضو منظمة حرية و إنصاف من الدخول إلى المقر المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الذي هو أحد أعضائه لحضور نشاط حزبي داخلي و دفعوه بالقوة و فتشوه و احتجزوا قرص التحميل الخاص به ( Flash disk ) و هددوه بالتعرض للأسوأ إذا ما واصل التصوير و نشر الأفلام على الانترنت. اعترض عونان من أعوان البوليس السياسي ( تابعان لفرقة الإرشاد بنابل ) أحدهما المدعو الحبيب المنصوري و الثاني المدعو رفيق بن جدو المناضل السياسي السيد عدنان بوزية و أجبراه على الإمضاء على ورقة يجهل مضمونها واحتجزا بطاقة تعريفه الوطنية و طالباه بالحضور يوم الاثنين بمقر فرقة الإرشاد بنابل. و السيد عدنان بوزية أصيل منطقة المعمورة هو عضو بالحزب الديمقراطي التقدمي و يعمل تاجرا متجولا بالأسواق. 9 مارس 2009 قامت السلطات الأمنية بتوزر يوم الاثنين 9 مارس باعتراض الطالبة الديمقراطية التقدمية الانسة ميلودة الرحيلي و هي قادمة من مدينة نفطة بعد لقاء اجرته في فضاء عام مع الكاتب العام لجامعة توزر  وقد وقع إرهابها و تهديدها لثنيها على العمل السياسي بتدبير و إيعاز من الجهاز البوليسي للسلطة عمدت الشركة (الوحيدة في البلاد)الموزعة لجريدة  “الموقف” إلى توزيع كميات ضئيلة جدا من الاعداد 485 و 486 الصادرين في شهر فيفري و العدد 489 لشهر مارس إذ لم تتجاوز الكمية الموزعة النسختين في العديد من الاكشاك و الجهات,         17 مارس 2009 منع أعوان البوليس السياسي منتصف نهار اليوم الثلاثاء 17 مارس 2009 الأستاذ محمد النوري من من حضور الندوة الصحفية التي عقدت نهار اليوم بمقر جريدة الموقف رغم كونه أحد أعضاء فريق الدفاع عن الصحيفة المذكورة.   كاتب عام الجامعة عبدالوهاب عمري  

مكونات الحركة الطلابية المتمسكة بالاتحاد العام لطلبة تونس بيـــان تونس في 22/03/2009

نحن مكونات الحركة الطلابية المتمسكة بالاتحاد العام لطلبة تونس والداعمة لمشروع التوحيد النقابي صلب المنظمة الطلابية نعبر للرأي العام الطلابي والوطني عن الآتي: 1. احتجاجنا عن عدم استجابة سلطة الإشراف لمطالب الطلبة المضربين عن الطعام منذ 40 يوما بالمقر المركزي للاتحاد العام لطلبة تونس من أجل حقهم في الدراسة. 2. مطالبتنا بإطلاق سراح مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس والكف عن سياسة المحاكمات ومجالس التأديب الكيدية. 3. تمسكنا بحق المنظمة الطلابية في انجاز مؤتمرها الوطني 25الموحد أيام 10،11 و12 أفريل 2009 بكلية العلوم ببنزرت وفق مقررات الهيئة الإدارية الوطنية واستعدادنا للإسهام الفاعل في إنجاح هذه المحطة النضالية. 4. دعوتنا الأطراف الطلابية التقدمية المتمسكة بالاتحاد العام لطلبة تونس لتغليب مصلحة الاتحاد والانخراط الجدي في المؤتمر الوطني 25 الموحد كما نعلن استعدادنا للتصدي لكل المؤامرات التي تهدف إلى تعطيل المؤتمر وتخريب الاتحاد. ختاما نهيب بكل القوى الوطنية التقدمية لإسناد ودعم الاتحاد العام لطلبة تونس في انجاز مؤتمره حتى يستعيد دوره الطلائعي في الجامعة والبلاد. التيار النقابي التقدمي الشباب الديمقراطي التقدمي طلبة قوميون طلبة مستقلون اتحاد الشباب الشيوعي التونسي النقابيون الراديكاليون  


إلى جلبار النقاش.. صاحب كتاب «ماذا فعلت بشبابك؟ (*)»

بقلم: الصادق بن مهنى


رفيقي صديقي أخي جلبار النقاش! لقد كان للقائي بك في سجن برج الرّومي (قبل 37 عاما) وقع في نفسي وأثر في حياتي يرافقانني حتّى اليوم.   ولقد كان لمعايشتي إيّاك في برج الرّومي، أنت ورفاق ذكرتهم في كتابك، فعل في فكري وفي قلبي بل وفي كلّ كياني… لقد تعلّمت منكم الكثير، الكثير: ارتيادَ دروب شتّى في المعرفة، والتّغاضي عن العسف، واجتراحَ مضاربَ رحبة للفرح، والاغراق في التّسآل لكن دون التّيه فيه، وإبصار السّماء الزّرقاء جميعها من مجرّد مربّع صغير، ورفض الانحناء وإن انعدم السّند ووهن البدن، والايمان الطّفولي بأنّ غدا مشرقا لا بدّ أن يأتي وإن طال الزّمن، والتحفّز للعطاء وكأنّه الكسبُ، ومطاولة الاِنشراح وإن اشتدّ وطأ الكابوس… ومعكم تعلّمت كيف يتحوّل الصّبر ملكةً، وكيف يغدو التّجاوز غريزةَ، وكيف يكون الثّبات دينا. وإلى جانبكم عشتُ انصهار الرّفاقة بالصّداقة بالاخوّة فغدونا إنسا بشرا ليس إلاّ… وبفضل إزركم تحوّل الكابوس حلما لذيذا، والضّيق سعةَ، والسّرابُ حقٌّا، والوحدة تعدّدا… كم سهرنا حول فكرة، وتعبنا خلف رأي، وتحلّقنا حول أغنية، هرّة، أو خطاب وكم نهلنا من حلم، قصيد، ينبوع نتخيّله، أو أفق ابتغيناه رغم البعد رفيقا… كم مررنا من ثقب إبرة، وجرينا على حدّ قاطع و”حرقنا”الحدود والعذابَ والاخرون نيام… كم قرأنا، وكتبنا، وابتدعنا وتداعينا إلى أمل شمس قمر وحضور في الغياب… كم قهرنا السّأم، والهمّ، وعواء الذّئب، وإغواء عروس البحر، وسياط الضّيم، والشوق إلى الاخر واللامحدود، والتّيه، والجور، وجذب الغريق…معك ومع رفاق آخرين ذكرت بعضهم في كتابك، ومنهم ناشرك ذو القلب الواسع كضحكته الهدّارة، تعلّمنا كيف نصنع من الظّلماء نورا، وكيف نزيح الابواب المقفلة من خارج الجدران السميكة الاسوار المكهربة الاضواء الكاشفة العيون الفاضحة النوايا الخبيثة مخطّطات الهدم والعسف، وكيف يظلّ داخلُنا دَاخلنا، ويرسخ العزم، وينمو الزّهر فينا، ويمتدّ بنا البصر حتّى الاقاصي، ونغلب ونحن هناك لا نهرب ولانرهب… معك ومع رفاق أصدقاء إخوة منهم من رحل ومنّا من رحل شيء منه مع من رحل تصدّينا، تحدّينا، دمنا وداومنا… وكم ضحكنا، وضحكنا، وضحكنا، وفرحنا… معك ومع رفاق أصدقاء إخوة آخرين، وعلى مدى سنين أرادوها ظلاما دامسا وأردناها نورا ودفءا، فغلبنا، اعتدنا التآخي، وقطعنا مع الملل والنّحل والقبائل، وارتدنا مرابع طفولاتنا فألفيناها مرابع طفولتنا، ونظرنا صوب الافاق فرأيناها أفقا واحدا في كلّ عين من عيوننا… أخي صديقي رفيقي: قرأت كتابك فكتبتُ هذا… وقبل أن أكتب خطّطت لاكثر من مقال وتقديم وتحليل… غير أنّ وجداني ناور وحاور وداور، وانبثق عنه في لحظة واحدة وحيدة وبدفق ما انبثق… فلتقبله كما هو، أو فلتحاوره وتحلّله على عادتك في تلك اللّيالي، ولتسِمّه بما تشاء من نعوت أنت تحسن إبداعها… ولكن دعني، قبل ذلك، أضيف: صديقي ما زالت في عينيك غمامةُ حزن أريدكَ أن تطردها، وما زال في نفسك شيء من نكد أريدك أن تذرُوَه، ويا حبّذا لو أطلقت العنان لروحك لتنهل وتنهل وتظلّ تنهل من الفرح الذي كرعت منه معك، ومعهم، هناك… صديقي رفيقي أخي: شكرا لك لانّك كتبت… فلانّك كتبت اِلتأم شمل بعد طول انقطاع، ولانّك كتبت غالبتني الكلمات وانتَصر قلمي عليّ.   ــــــــــــــــــــــــــ (*) كتاب صدر مؤخرا وتضمن شهادات وخواطر عن مرحلة السجن والنضالات التي خاضها نخبة من الطلبة والسياسيين من رموز اليسار التونسي في السبعينات   (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 22 مارس 2009)
 


رسالة إلى عقلاء هذا الوطن


بقلم: أنس الشابي لمّا وقع بين يدي كتاب “مذكرات ناشر” الصادر عن دار المعارف بسوسة لصاحبه وصاحبها حسن(1) سارعت إلى الإطلاع عليه لأني توقعت أن يتعرّض لشخصي بحكم الوظائف التي تحمّلتها في وزارتي الثقافة والداخليّة إبّان هجمة تتار العصر وحلفائهم على منجزات دولة الاستقلال فهالني الكمّ الهائل من الشتائم التي طالت الأحياء والأموات بسبب وبدون سبب. ولأنّ الوالد رحمه الله ربّاني وعلّمني أن الإساءة لا تردّ بمثلها فإنّي سأغفل ما نالني من قذف وشتم وافتراء لا سند له موجّها اهتمامي أساسا لما يمكن أن ينفع الناس, أقول وعلى الله الاتكال. الحاج محمد مدبولي وحسن قبل أشهر معدودات انتقل إلى رحمة الله الناشر المصري الأبرز الحاج محمد مدبولي الذي أغنى المكتبة العربيّة بعدد لا يحصى من المصادر الأصليّة والنصوص الإبداعية والدراسات العلميّة رغم أنّ الرجل لا يحمل أية شهادة علميّة، ففي حديث تلفزيوني له عن تجربته في ميدان النشر ذكر أن بداياته كانت على بسطة لبيع الجرائد استطاع بجدّه أن يحوّلها إلى كشك ثمّ إلى أهمّ مكتبة وينتقل هو من بائع جرائد إلى الناشر الأهمّ في العالم العربي كلّ ذلك لأنّه كان متواضعا ويعرف حدوده بحيث لم ينسب لنفسه ما لا تستحقّ ولا كلّف نفسه ما لا طاقة له به. أحاط الحاج نفسه بنخبة من خيرة المثقفين الذين أفادوه بحسن نصحهم له فاستفاد وأفاد الثقافة والنشر وترك بصمته التي لن يمحوها الدهر مخلّدا اسمه كواحد من بين أهمّ روّاد النهضة والنشر. ذاك رجل أمّا لدينا فإنّ حسن كان متسرّعا فاعتقد واهما أنّ تحويل حانوت قرطاسيّة إلى دار نشر يكفيه للاستحواذ على اسم دار المعارف المصريّة بما تحمل من إرث، وتصوّر خطأ أن مجرّد وضع اسمه على نصّ ما سيجعله كاتبا وأديبًا. كما ادّعى(2) فيصف حياته التي ملأها وشايات وكتابة تقارير في خلق الله(3) بحياتي الأدبيّة(4) ويسمح له ذلك بالوعد بأنّه سيتفرغ للبحث والقراءة(5). يعلم القاصي والداني أن للكتابة شروطها وللتأليف منهجيته وللنشر قواعده فهل فيما نسب حسن لنفسه ما ينضبط لما ذكر؟ وهل فيما نشر ما يعدّ إضافة للمكتبة العربيّة؟ وهل أنّ البضاعة التي رمى بها حسن في سوق الكتاب تستأهل أن تدفع فيها المجموعة الوطنيّة أموالها وتضعها في مكتبات المطالعة العموميّة والمدارس؟ إجابة عن هذه الأسئلة سوف نتناول ثلاث شخصيات يدّعي حسن أنّه نفض عنها الغبار وأحيى ذكرها بما نشر لها أو عنها، وسنضع ما أخرجت مطبعة المعارف بسوسة في ميزان النقد العلمي وأصول البحث وقواعد النشر حتى يتّضح لكلّ ذي عينين جناية حسن وإساءاته البالغة لتاريخنا وشخوصه. طه حسين في مذكراته وفيما قبلها أقام حسن الدنيا ولم يقعدها لأنّه أعاد نشر بعض الكتب لطه حسين مقدّما ذلك في صورة مخالفة للحقيقة ادّعى فيها لنفسه الرّيادة والإضافة خصوصًا بعد نشره كتاب “في الشعر الجاهلي” سنة 1997  يقول: “لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه يمتلك نسخة منه قبل سنة 1997…… وبفضل طبعتنا هذه أصبح في الشعر الجاهلي متوفرًا في المكتبة العربية وفي متناول الباحثين والدارسين بل أصبح ينشر في كلّ من لبنان ومصر دون حــرج” (6) مضيفا لما ذكر في غرور  وصلف: “أخشى أنا على مؤلفات طه حسين من أن تمسّها أيادي المتعصبين.. خاصة بعد أن أسهمت أنا شخصيّا في كسر الحصار الذي كان مضروبا منذ حوالي ثلثي قرن على كتاب في الشعر الجاهلي”(7). يعلم كلّ مبتدئ أنّ إعادة نشر النصوص التي أثارت ضجّة إبّان صدورها يجب أن تحمل إضافة من شأنها تجلية النصّ ووضعه ضمن سياقه التاريخي والاجتماعي والسياسي، لهذا السبب بالذات يلجأ الناشرون الأذكياء إلى إثراء نشراتهم بـ: – دراسات علميّة تقدّم النصّ وتعرّف به. – نماذج من المقالات السجالية التي صدرت في الجرائد والمجلات أيامها. – نصوص الأحكام والقرارات القضائية. – بيبليوغرافيا لأهمّ الدراسات التي تناولت الأثر بالبحث. – فهارس يحدّدها المضمون كأن تكون للأعلام أو القبائل أو الشعر… والمتـأمّل في نشرة حسن يلحظ بجلاء أنها ليست إلا استنساخا في النشرة الأولى وتصفيفا للنص الأصلي في النشرات اللاحقة ولم تحمل أية إضافة تذكر، علما بأن هذا الناشر لم يلتزم بما تقتضيه أصول وقواعد النشر من التقيد بالنص وملحقاته إذ أسند لطه حسين صفة عميد الأدب العربي ووضعها على الغلاف وهي صفة لاحقة لا وجود لها سنة 1926 حيث اكتفى في الطبعة الأولى بوصفه بأنّه: “أستاذ الآداب العربية بكلية الآداب بالجامعة المصرية”. فالتزيّد في هذه الحالة لا يمكن عدّه إلاّ تزويرا وتزييفا وتصحيفًا. أمّا ادعاء حسن بأنه ساهم في كسر الحصار عن الكتاب وأن طبعته هي الطبعة الأولى فعار عن الصحّة لا تسنده الوقائع والدراسات  فمنذ صدور” في الشعر الجاهلي” وبعد سحبه من السوق لم تتوقف الأقلام عن مناقشته إذ صدرت عشرة كتب تردّ عليه من بينها “تحت راية القرآن” لمصطفى صادق الرافعي وكتب أخرى ألفها الشيخ الخضر حسين ومحمد الغمراوي ونجيب البهبيتي وناصر الدين الأسد ومحمود محمد شاكر، هذا فضلا عن مئات المقالات المنشورة في مختلف المجلات والجرائد، فالحصار الذي أدعى حسن كسره إنما مردّه هَوَانُ بضاعته وعدم متابعته الحياة الثقافية، إنّ غياب الكتاب في الأسواق لا يعني غيابه في المناهج والدراسات ففي مصر عقد المجلس الأعلى للثقافة ندوة بعنوان ” سبعون عامًا على كتاب في الشعر الجاهلي” يومي 16 و17 أفريل 1996 شارك فيها حوالي أربعين شخصية أدبيّة كما قامت مجلّة “القاهرة” بنشر نصّ الكتاب في عددين متواليين، أما طبعات الكتاب التي سبقت النشرة المشوّهة لحسن فهي التالية: 1) نشرة دار الجديد اللبنانية وهي صورة طبق الأصل كما هو مثبت على ظهر الغلاف اكتفى فيها الناشر بتصوير الكتاب دون أية إضافة، علما بأنّ الطبعة الأولى لسنة 1926 رائجة عن طريق آلات التصوير وكاتب هذه السطور  يمتلك واحدة منها منذ عشرين سنة خلت. 2) سنة 1994 قامت “دار النهر للنشر والتوزيع” المصريّة بإعادة تصفيف الكتاب الذي كتب مقدّمته أحد كبار النقاد في مصر وتلميذ طه حسين الدكتور عبد المنعم تليمة(8) تحت عنوان  “مدخل لقراءة في الشعر الجاهلي” وقد أعيد طبع الكتاب طبعة ثالثة سنة 1996. 3) “قضايا وشهادات” كتاب ثقافي دوري صدر العدد الأوّل منه في ربيع 1990 وخصّص لـ”طه حسين، العقلانية، الديمقراطية، الحداثة” في 500 صفحة عنون القسم الثالث منه بدءا من الصفحة 295 بـ”طه حسين وأزمته في الشعر الجاهلي ” حيث نجد مقالا لسيد البحراوي عنوانه “قراءة في الشعر الجاهلي” ذكر في خاتمته “كتبت هذه الدراسة في الأصل كمقدمة لطبعة جديدة من كتاب في الشعر الجاهلي تصدر قريبا عن دارسينا للنشر”(9). والذي نخلص إليه ممّا ذكر أعلاه أنّ نشرة حسن الرديئة سبقتها بسنوات طبعات أخرى أدق وأثرى وأجود، أما قوله بأن الكتاب كان أحد مشاريع دار المعارف منذ سنة 1988(10) فلا دليل له عليه. واللافت للانتباه أن حسن كتب مقدّمة في صفحتين أتى فيها بالعجب العجاب من ذلك قوله: “بعد أن وضعت الحرب العالميّة الأولى أوزارها خرجت المجتمعات العربيّة من سباتها”. مضيفا: “في نفس الوقت ظهرت نزعة جريئة لا شك أنها من آثار الحرب الكبرى وتأثيراتها الخطيرة تمثلت في ميل بعض الكتاب إلى التمرّد على ما يشدّهم إلى الماضي”.(11) وهو كلام لم يسبقه إليه أحد ولأن حسن لم يسمع بمحمد على الكبير وبحملة نابليون على مصر ودخول المطبعة وصدور الجرائد وإرسال البعثات العلميّة إلى فرنسا وانفلترا وتأسيس المدارس الأهليّة وترجمة الكتب ودخول الاستعمار وغير ذلك توهّم أنّ صدور بعض العناوين إنّما يعود إلى نهاية الحرب الأولى وغاب عنه – بجانب ما ذكر- أنّ الثورة العرابيّة وما تلاها من أحداث كثورة 1919 ودستور 1923 لعبت دورًا أساسيا في دفع النخب المصرية إلى المزيد من المساهمة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية. ولسائل أن يسأل صاحب المذكرفات ترى ما دخل الحرب العالميّة الأولى في سبات المجتمعات العربيّة وكيف أثرت فيها؟ وما علاقة طه حسين أو سلامة موسى أو علي عبد الرازق… بها؟  وما الذي يجمع بين ماضينا ونهاية الحرب الكونية الأولى؟ لأيّ كان أن يسوّد لنفسه من الأوراق ما يشاء أمّا أن يشيعها بين الناس ويختلق لذلك الأعذار فلا يجب أن يمرّ دون التنبيه إلى خطورته إذ لكلّ فن أربابه ولكل علم شيوخه فالتهافت على الكتابة دون امتلاك أدواتها واللّهاث لنشر الاسم دون تروّ وتأنّ لن يجعل من صاحبه إلاّ أضحوكة لهذا السبب بالذات أساء حسن لعميد الأدب العربي إساءات بالغة وروّج بين الناس سلعة مغشوشة لقصور في الآلة وضعف في الأدوات وخلل في ترتيب الأولويات وجهل بأبجديات الكتابة. إن الاكتفاء بصورة عن الأصل الصادر سنة 1926 من كتاب “في الشعر الجاهلي” هو في تقديرنا أفضل بكثير من نشرة حسن التي كان من المفروض أن تعدم. عبد العزيز الثعالبي إثر تغيير السابع من نوفمبر عثرت على كتيّب صغير للمرحوم عبد العزيز الثعالبي صادر عن دار المعارف بسوسة جاء في غلافه “وثيقة تاريخية، عرض وتقديم وتعليق حسن… يتضمّن هذا الكتاب حقائق خطيرة ظلت ممنوعة أكثر من نصف قرن”. وتساءلت أيّامها من يكون هذا العارض والمقدّم والمعلّق؟ فلا هو ممن لهم سابقة في العمل السياسي لا قبل الاستقلال ولا بعده ولا هو من الذوات العلميّة التي سبق لها التصدّي لدراسة تاريخ الوطن والتعريف بشخوصه. إلا أنني بعد الاطلاع على الكتيّب تيقنّت أني وقعت ضحيّة مغالطة بطلها صاحب دار المعارف الذي يتصيّد الأحداث والنصوص فينشرها بين الناس على علاّتها لغايات تجاريّة وهو ما صرّح به بعضلة لسانه  قال : ” منذ أن بدأت أمارس مهنة النشر وأنا أفكّر في طبع مصحف القرآن لغاية تجارية طبعا إذ كان إقبال المواطنين على المصاحف كثيرا خاصة في بعض المناسبات لا سيما شهر رمضان “(12) فمن كان هذا حاله مع القرآن هل ننتظر منه أن يتورّع عن الإساءة لأبناء الوطن إن توهّم حصول مكسب من وراء ذلك؟ إثر الخلاف بين أعضاء اللجنة التنفيذية والديوان السياسي للحزب الحرّ الدستوري وبعد فشل محاولات الصلح التي قام بها الشيخ عبد العزيز الثعالبي كتب هذا الأخير بيانا في الموضوع نشره في جريدة الإرادة العدد 250 مؤرّخ في 3 أكتوبر 1937. وقد ردّت جريدة العمل  على “الكلمة الحاسمة ” بافتتاحية عنوانها “ردّا على مزاعم وافتراءات” في عددها المؤرّخ في 10 أكتوبر 1937. ولأن ّ حسن لا علاقة له بتاريخ الوطن توهّم أنّ النسخة التي مكّنه منها المرحوم محمد المنصف المنستيري فريدة واصفا إياها بأنها: “من مخبآته…. سلمنا إياها قبل وفاته بحوالي شهر سنة 1971″.(13) والحال أنّ ” الكلمة الحاسمة ” لم تمنع ولم تصادر بل راجت وردّ عليها الديوان السياسي ويمكن لأيّ كان العودة إلى قسم الدوريات بالمكتبة الوطنية ومكتبة إبلا ومركز التوثيق القومي حتى يمكّن من نسخة منها.  ولأنّ حسن لا يحسن استعمال المصطلحات ولا يضعها في موضعها الصحيح أضاف لنفسه صفات العارض والمقدّم والمعلّق دون أن يبرّر ذلك.   فتعاليقه على النصّ لم تتجاوز السبعة هي التالية: – ص 41 الانقلاب المقصود به الثورة. – ص 42 حبّي المقصود به ودّي. – ص 49 التجانس في العمل المقصود به التنسيق في العمل. – ص 50 طابقني : أيّدني. – ص 51 جمادى الآخرة: جمادى الثاني(كذا). – ص 58 الإيالة : المملكة أو ما يعرف بالجمهوريّة التونسية الآن. – ص 66 فيريفيل: منزل بورقيبة… كما أصبحت تسمّى بعد الاستقلال. (وكانّي به يعترض على التسمية الجديدة) تلك هي تعليقات حسن على النصّ وتلك هي حدوده المعرفية التي لم تمكّنه من إثرائه بالتعريف بالشخصيات الوارد ذكرها أو الأحداث المشار إليها… أمّا التقديم فقد أتى فيه حسن بما لا يخطر على بال وبيان ذلك: 1) قول حسن “اندمج نفر من الشباب التونسي الذين أتموا دراستهم في الخارج في عضوية مجلس إدارة الحزب”.(14) وهذه أوّل مرّة نسمع فيها أنّ للحزب الحرّ الدستوري مجلس إدارة. 2) يقول حسن بأن جماعة الديوان السياسي عملوا: “على استدراج الشيخ إلى تصريح صحفي يفيد أنه يؤيّد النخبة المنشقة التي تعمل إلى  (كذا) تجديد في أساليب العمل يلائم المركز الدولي الذي يجتازه العالم”(15)  وقد حاولت جاهدًا أن أفهم هذا الذي كتب وأن أفكّ ألغازه فلم أتمكّن من ذلك وقلّبت الأمر على مختلف وجوهه إلاّ أني فشلت لأن المركز الدولي الذي يجتازه العالم صياغة لا معنى لها ولا تحمل أي مضمون إلاّ في ذهن كاتبها. واللافت للنظر أنّ حسن طيلة المقدّمة التي سوّدها لم يتوقف عن مدح وإطراء المرحوم عبد العزيز الثعالبي لفصاحته وبلاغته ورحلاته وتريثه وحكمته دون أن يتعرّض بكلمة واحدة إلى مواقفه السياسية داخل الوطن وخارجه ودون أن يشير إلى مصدر واحد معتمد اللّهم إذا استثنينا مقالا لإبراهيم بورقعة صدر في مجلّة مكارم الأخلاق سنة 1937. والذي نخلص إليه أن بيان “الكلمة الحاسمة” إنّما أعادت دار المعارف بسوسة عرضه على العموم استغلالا منها للظرف السياسي بهدف تحقيق الرّبح لا غير. تلك إساءة حسن الأولى للمرحوم الثعالبي أمّا الإساءة الثانية فقد وردت في مذكرفاته، حيث ذكر أن المرحوم الثعالبي طبع كتابه ” معجزة محمّد ” والصحيح معجز محمّد في مطبعة الإرادة وتساءل حسن عن السبب الذي دعا المؤلف لكتابة الجزء الثاني على الغلاف فلم يفده الحاج الحبيب اللّمسي الذي سارع بطبع الكتاب(16) وفي تقديرنا أنّ إلحاح حسن على الشيخ المنستيري بالسؤال  عن ذلك دفع هذا الأخير إلى إجابته بأيّ كلام حيث قال له: ” ألّف الشيخ عبد العزيز الثعالبي الجزء الأوّل من كتابه (معجزة محمّد) (كذا للمرّة الثانية والصّواب معجز محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) وهو مقيم في الجزيرة العربيّة… ولمّا بلغه أنّ هناك من سرّب خبر هذا الكتاب للسلط في المملكة السّعودية… قرّر الشيخ الثعالبي في تلك السنة الرحيل إلى العراق… ولما لاحظت عيون المراقبة غيابه … أدركت السلط المعنيّة أنّه فرّ حتى لا ينكشف أمر المخطوط الذي بحوزته فأرسلوا خلفه فرسانا لتعترض طريقه … فأمكن له أن يدفنه في الرّمال قبل أن يلحقه الفرسان”.(17) ثمّّّ يضيف حسن من عندياته أنّ الحاج اللّمسي: “لا بدّ أنّه كان يعرف مثل هذه المعلومات أو بعضها بطريقة ما”(18) .هذه القصة ينفرد بروايتها حسن لأنّ كتاب ( معجز محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) هو في حقيقته مختصر موجز لكتاب آخر عثر عليه صالح الخرفي لدى المرحوم الحبيب شلبي أحد أوفى أصدقاء  الثعالبي الذي احتفظ بأصل الكتاب بخطّ يد صاحبه ولم يخبر بذلك أحدا فنشره في 765 صفحة عن دار ابن كثير في طبعة أولى سنة 1997 تحت عنوان “الرّسالة المحمّديّة  من نزول الوحي إلى وفاته صلّى الله عليه وسلّم”.  والثابت لدينا أن الشيخ المنستيري بروايته أراد التخلّص من إلحاح في غير محلّه لأنّه يعلم علم اليقين وهو من صقور اللجنة التنفيذية وأحد أبرز أعضائها أن تراث المرحوم الثعالبي آل إلى شخصين لا ثالث لهما  الأوّل هو المرحوم الحبيب شلبي الخلّ الوفيّ وكاتم السرّ والثاني هو الحكيم المرحوم أحمد بن ميلاد الذي اشترى وثائق ورسائل الثعالبي من ابنه بعد وفاته وقد حافظ عليها إلى أن نشر بعضها بمساعدة الأستاذ محمّد المسعود إدريس. حافظ المرحومان على تراث الثعالبي وكتما سرّه حتى لا تناله أيدي الخصوم وتتلفه ولم يظهر أمره إلا بعد تغير الأحوال وتبدّل الزمان فرحم الله الشيخ المنستيري وطيّب ثراه وجازاه عن أمّته خير جزاء لأنّه حفظ السرّ بفذلكة عدّها حسن “معلومات خطيرة تعدّ من أسرار تاريخ الأدب العربي”(19). جلال السيوطي عقد صاحب المذكرفات  فصلا تحدث فيه عن اهتمامه بالجنس وعن الأسباب التي دفعته إلى نشر ما سمّاه “الجنس في أعمال الإمام جلال الدين السيوطي” حيث خلّط تخليطا لا مزيد عليه وحوّل مبحث الجنس إلى فحش و بذاءة  دفعت ابنه الاستاذ خالد جغام إلى الامتناع عن قراءة شرح لفظ الباءة قائلا لحسن بعد أن وضع القاموس أمامه ” اقرأ بنفسك…”(20) وهو سلوك عفويّ محمود لشاب استفظع ترديد الشناعات واستحيى من ذكر الفظاعات ذلك أن تناول الجنس بالبحث والدرس يستلزم الكثير من الرفق والتروّي  فتحوّل الجنس من مبحث تاريخي أو علمي إلى مجرّد إثارة وارد في كل آن وحين لأن الخيط الفاصل بينهما دقيق يدق عن التحقيق. والمتأمّل فيما سوّد حسن يلحظ بجلاء أنه استهدف بحديثه عن الجنس الاهتداء: “إلى حلول أفضل في طريقة ممارستها”(21) لهذا السبب بالذات  جمع كل ما هبّ ودبّ من قريب أو من بعيد للوصول إلى هدفه الذي أشرنا إليه يدلّ على ذلك: 1) للسيوطي كتاب “رشف الزلال من السحر الحلال” ويعرف كذلك بمقامة النساء(22) وهو عبارة عن مجموعة من المقامات وصف فيها عشرون عالما مختلفو الاختصاص ما شاهد كلّ واحد منهم ليلة زفافه وما حصل له مع حليلته من خلال التورية مستعملا في ذلك مصطلحات كلّ فن وعناوين كتبه وأسماء مؤلفيها. والكتاب يندرج ضمن المجاميع الأدبيّة التي تستهدف الترويح عن النفس من خلال الملح والنوادر والطرائف والأشعار. وقد اجتهد الناشر اللبناني للكتاب في إثراء النصّ وذلك من خلال التعريف بالمصطلحات والإرشاد إلى طبعات الكتب والترجمة للشخصيّات. استغلّ حسن هذه الطبعة فنقل منها مقاطع طويلة استثنى منها أغلب الهوامش واستبدلها بجملة واحدة هي: “كلّ هذه الألفاظ زيادة على تحميلها معاني جنسية هي في الوقت نفسه تورية لأسماء كتب…”  فمرّة فقهية(23) ومرّة في أصول الفقه وعلوم الدين(24) ولم يبق من الهوامش إلاّ ما له علاقة بالفحش وقد وصل به الأمر إلى حدود ليّ عنق المعاني من ذلك أن المحدّث في المقامة الثالثة أورد مصطلح الرفع ويقصد بالحديث المرفوع: “ما أضيف إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولا يقع مطلقه على غير ذلك”(25) فإذا بحسن يكتب: “ولكنه هنا يريد بالرفع الاهتزاز وهو من حركات الرهز أثناء الجماع”(26) أما الحديث المضطرب فهو الحديث: “الذي تختلف الرواية  فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسبته مضطربا إذا تساوت الروايتان”(27) فإن حسن يقول عنه:  ” ولكنه يعني هنا التحرّك والتموّّج وهي حركات من توابع الغنج والتغنّج “(28). بهذا الأسلوب دمّر حسن في نشرته هذه نصّا أدبيّا بما فيه من سجع وجناس وطباق وتوريات غاية في اللطف وحوّله إلى نص ماجن فاحش صادم للحياء. 2) نسبه كتب للإمام جلال الدين السيوطي دون إثبات وهذه الكتب إمّا أنّها من النوع الفاحش الهابط في لغته ومبناه أو أنّها تشتمل فصولا يسهل استغلالها والانحراف بها إلى خدمة الهدف الذي حدده حسن وذكرناه أعلاه من ذلك: أ- “الإيضاح في علم النكاح ” وهو عبارة عن رسالة غاية في الفحش والبذاءة كتبت بعاميّة سوقيّة وقد ذهب الأستاذ جليل عطيّة وغيره إلى أنّ مؤلّفها هو عبد الرحمان  بن نصر الشيزري المتوفي سنة 589هــ وفي تقديرنا أنّه من باب المستحيلات أن يكون كاتب الايضاح المنشور هو نفسه كاتب “نهاية الرتبة في طلب الحسبة” لاختلاف مستوى الكتابة والتباعد بين الأسلوبين. ومن الجدير بالملاحظة أن هذا النوع الماجن من الرسائل يلقى رواجًا كبيرًا بين الناس لهذا السبب بالذات يتدخّل النساخ وغيرهم فيه بالتغيير للمزيد من الإغراب ترويجا لسلعتهم لدى العامّة فهل يصحّ أن ينقل قاضي الحسبة عن فرج المرأة ما يلي: “ياهمي يا هميّ … رايح يقتلني” (29) والأمثلة التي تؤكّد هذا الذي ذهبنا إليه لا تخلو منها صفحة من صفحات “الإيضاح” التي نشرتها دار المعارف بسوسة. أمّا الشيزري القاضي الشافعي وصاحب نهاية الـرتبة فإنّه يصبح لدى حسن في إصرار غريب الشيرازي(30)  ويؤخّر وفاته دون سند من سنة 589هـ(31) إلى سنة 774هـ(32) ورغم هذه الأخطاء التي لا تغتفر فإن حسن يتطاول على حاجي خليفة لأنّه  نسب “الايضاح” للشيزري لا للسيوطي خلاف رغبته فيقول: “وإنّي أدرى بذلك من صاحب كشف الظنون”(33) فسبحان الله ولا حول ولا قوّة إلاّ به. ب – “الرحمة في الطبّ والحكمة “وهو كتاب نسب للسيوطي فيما هو متداول من طبعات ومنها الطبعة التونسية التي نشرتها مكتبة المنار والصحيح أن مؤلفـه هـو: المهدي بن علي بن إبراهيم الصُبُنري المتوفى باليمن سنة 815 هـ/1412م وقد أكّد ذلك مجموعة من الباحثين الثقاة في التراث الطبي العربي من بينهم: – الباحث السوري الأمريكي الدكتور سامي خلف حمارنة في كتابه “مخطوطات الطبّ والصيدلة المحفوظة في دار الكتب الظاهرية بدمشق” ص 449. – الباحث المحقق الأستاذ محمّد العربي الخطابي في كتابه: “فهارس الخزانة الحسنيّة ” المجلّد الثاني الطبّ والصيدلة والبيطرة والحيوان والنبات  ص 110 و111. – الباحث الألماني ألبيرت  ديتريش في كتابه ” مخطوطات طبيّة في مكتبات إسطنبول وسوريا” ص207. – علاّمة اليمن والحجّة في تراثه عبد الله بن محمد الحبشي في كتابه “مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن” ص495. وآخر ما نذكر من مصادر تؤكّد خطأ نسبة “الرحمة في الطب والحكمة” للسيوطي فهرس مخطوطات الطبّ الإسلامي في مكتبات تركيا ص276 وفيه إحصاء لما في مكتبات تركيا من مخطوطات من بينها واحدة كتبت سنة 867هــ ومن المعروف أن السيوطي ولد سنة 849 هــ ” ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس وخلا بنفسه في روضة المقياس على النيل منزويا عن أصحابه جميعـا كأنه لا يعرف أحدًا منهم  فألف أكثر كتبه”(34) وبمقارنة بين التاريخين المذكورين يتبيّن لكلّ ذي عينين أن نسبة الكتاب للسيوطي خاطئة لأنّ النسخة المشار إليها كتبت وعمر السيوطي لم يتجاوز 18 سنة. ويضيف الأستاذ جليل العطيّة إلى قائمة الكتب التي نسبها حسن للسيوطي كتاب “الكنز المدفون والفلك المشحون” لمؤلفه يونس المالكي المتوفى سنة 770هـ(35). في تقديرنا أنّ الإصرار على نسبة الكتب والرسائل لغير أصحابها لا هدف له : ” سوى التفنن في كشف أسرار الجنس وإثارة الشهوة لإعادة البهجة إلى الحياة “. وهو ما صرّح به حسن مضيفا: “أن من أراد الحزم في كتابة شيء في علم الباه عليه أن يخلع لباس الحياء أول ما يفعل”(36). لم يكن الجنس في تراثنا من الممنوعات أوالمباحث المحظور الاقتراب منها إذ تناوله الفقهاء بالدرس والإفاضة في إطار حفظ النسل وأحكام الطهارة ولم يلجؤوا إلى الوصف المفصّل للممارسات الجنسيّة لأنّها لا تحمل أي إبداع أو تفرّد لا يتكرّر فالجنس كما يقول فؤاد زكريا تجربة عاديّة ذات أصول بيولوجيّة يشترك فيها الناس جميعًا بل يشتركون فيها مع الحيوانات أيضا،أمّا الذين يستهدفون الربح العاجل فقد التجؤوا إلى نفض الغبار عن كتب الفحش والبذاءة بحجّة إحياء التراث وما دروا أنّهم بما نشروا إنّما يترجمون عما في نفوسهم ويحضرني في هذا المقام رأي للإمام  محمد الطاهر ابن عاشور حيث يقول: “فالغلوّ في الغالب (يبتكر) …بداعية إرضاء ما في نفس المبتكر… من حبّ الإكثار والزيادة والتفريع في الأمور المستحسنة لديه فإن النّهم في المحبوب من نزعات النفوس”(37). جملة هذه النواقص التي أتينا على ذكرها أعلاه بجانب أخرى أغفلناها خشية الإطالة كانت حاضرة في المقدّمة التي كتبها محمد بنيس ونشرها حسن ظنّا منه أنّها تشيد “بعمله ” وهي في الواقع تصفه بما يستحق حيث اكتفى المقدّم بالحديث عن ترجمة له لنص عبد الكبير الخطيبي بجانب سرد لعموميات عن الجسد والشبق والجماع إلاّ أنّه يؤكّد  أمرين: الأوّل منهما: إن هذا النوع من الكتابة الفاحشة الإباحية التي نشرت بداية من الثمانينات هي “ثقافة شعبيّة” وهي من نوع ” العمل الأدبي الشعبي”(38)، ومن المعلوم أن ما هو شعبي من حكايات وخرافات وقصص إنّما يشترك في صياغته وكتابته رواته لهذا السبب بالذات تجده منوّعا يأخذ من كلّ شيء بطرف بحيث لا ينظمه ناظم ولا ينضبط لمعايير أي فن أو علم لأن الهدف منه هو المزيد من الإغراب والتعجّب لدى السامع أو القارئ. والمتأمّل في النصوص السيوطية التي جمعها حسن يلحظ بكل جلاء غياب الإمام جلال الدين السيوطي المفسر والمحدّث واللّغوي والأصولي والفقيه … وحضور شخص آخر سوقيّ مشوّه ومشوّه. والثاني : أنه لم يطلّع على النص الذي وافق على تقديمه، ودليلنا على ذلك أننا لا نجد ما يفيد أنّه قرأ فصلا منه فيشيد به أو ينقده بل اكتفى بالقول أن عمل حسن: “يمكن أن يكتمل في طبعات لاحقة”(39) وهو كلام قابل لوصف كلّ المجاميع. وفي المرّتين اللّتين أتى فيهما محمّد بنيس على ذكر كتاب حسن يقول: “وعندما نقرأ اليوم هذه المؤلّفات وغيرها كثير”(40) ويقول: “وعندما أقرأها أو أقرأ  غيرها من أعمال عربيّة عن الجنس والجماع”(41). بهذا الأسلوب الذكيّ تخلّص بنيس من قراءة هذا الكتاب بقراءة غيره، ولأنّ حسن “مهووس”(42) و”يلهث وراء… الجنس”(43) لم يتفطّن لما في المقدّمة من تلميح يكاد يكون تصريحا فنشرها فرحا مسرورا. الشـراءات في مذكرفاته شن حسن هجومًا ساحقا على وزارة الثقافة وخصّ كلّ من له علاقة بشراءات الكتب بالسب والقذف ولم يسلم من هجائيته سوى صالح البكاري لأنّه أذن في المدّة القصيرة التي تولّى فيها الوزارة باقتناء كتب من دار المعارف بما قيمته 70 ألف دينار(44) وهو مبلغ يساوي دخل أنس الشّابّي من وظيفته طيلة عشر سنوات بالتمام والكمال. كنت عضوًا بلجنة الشراءات التابعة لوزارة الثقافة من سنة 1989 إلى بدايات سنة 1995 تاريخ تنحيتي منها من طرف البكاري فواكبت أشغالها طيلة هذه الفترة إذ تعرض قائمات الكتب ويتم الاختيار وفق ضوابط محدّدة ففيما يخصّني كان اعتراضي أو موافقتي يصدران أساسا بعد تقييم الكتاب معرفيا وتعييره من الناحية اللّغويّة ومدى انضباطه للاختيارات السياسية والمجتمعية التي أجمع عليها التونسيون ضمن هذه المنهجيّة اعترضت على اقتناء كتب دار المعارف لأنّها في تقديري لا تستجيب للحدود الدنيا التي تبرّر وجودها  في مكتبات المطالعة العموميّة، ورغم مرور ما يفوق العشر سنوات فإن منشورات حسن لم تتغيّر وبقيت على حالها من الهوان والضعف والتلبيس وحتى لا نتّهم بالتزيّد عليها أوردنا أمثلة لذلك أعلاه. شتم الأحياء مرفوض أخلاقيا إلاّ أنّه يحدث ويجوّزه البعض بحجّة أنّ الحيّ قادر على الردّ والدفاع عن نفسه، أمّا الأموات فهم يمثلون خطّا أحمر لا ينبغي تجاوزه فإذا انتقل الإنسان إلى رحمة ربّه وجب أن تكفّ الألسنة عن ذكره بالسوء لأنه عاجز عن الــردّ. فالانتصار على الأموات شبيه بعفة الخصيان. لهذا السبب بالذات ساءنا أن يتناول حسن المرحوم العروسي المطوي بالشتم المقذع  مدعيا أنّه حرّضني على الاعتراض على اقتناء منشورات دار المعارف وهو ما لم يحصل منه البتّة إذ لم يكن عضوًا باللجنة أيّام عضويتي بها كما أنه لم يفاتحني في مسألة الشراءات لأنه أيامها كان صاحب نفوذ وتقدير كبيرين في وزارة الثقافة فهل يعقل أن يطالبني سي العروسي بما هو قادر على فعله بمجرّد مكالمة هاتفية مع الوزير. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يعرف كل من عاشر المرحوم في مختلف الوظائف التي تقلّدها أنّه كان عفّ اللّسان نظيف اليــد هادئا لا يكاد يسمع له صوت وما الشهادة التي نشرها تلامذته وأصدقاؤه عن دار الغرب الإسلامي إلاّ الدليل البين على صدق ما قلنا أما تقييم الإنتاج الأدبي والفكري للمرحوم فهو من مهام الباحثين والدارسين وهو أمر لا قدرة لحسن عليه ولا علاقة له به. واللافت للانتباه أن حسن في نفس الوقت الذي شتم فيه وزارة الثقافة لم يذكر وزارة التربية ولم يشر إليها البتة في مسألة الشراءات. وقد تبيّن فيما بعد أن وزارة التربية تشتري من حسن بعشرات الآلاف من الدنانير ففي مقال للدكتور جعفر ماجد صادر بجريدة الصدى بتاريخ 12 أكتوبر 1991 صفحة 5 بعنوان ” شراء الكتب كيف يتمّ ؟ ” تحدّث فيه عن شراءات وزارة التربية أيامها وقد بلغت ميزانيتها نصف مليار ثم ذكر دور النشر المستفيدة من ذلك فأتى ترتيب دار المعارف الثالث بـ 32 عنوانا وقد أثار الدكتور جعفر ماجد جملة من التساؤلات حول عمل لجنة الشراءات بوزارة التربية ؟ وحول الضوابط والقواعد التي تحكم سيرها؟ وحول تركيبتها؟ أسئلة لم تجد إجابة عنها إلى اليوم إذ بقي الحال على ما هو عليه ودليلنا على ذلك أنّ صاحب المذكرفات لم يشر إلى شراءات وزارة التربية وهو ما يدعونا إلى مطالبة السيد الوزير بإعلام المجموعة الوطنية بالطرق المعتمدة عند اقتناء الوزارة للكتب التونسية والمورّدة خصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار أنّ جملة ما تقتنيه الوزارة من نسخ يصل إلى حدود 600000  نسخة وفق ما ذكر السيد محمد الشاوش رئيس اللجنة سنة 1991 فإذا سعّرنا النسخة الواحدة بدينارين فقط  يتبيّن لنا أن المبلغ الجملي يفوق المليار من المليمات وما هو بالمبلغ الهيّن. وبعـد رغم أنني لم أتعوّد الحديث عن نفسي ورغم أن الإساءات التي طالتني من حسن وغيره لا عدّ لها ولا حصر فإني مجبر اليوم على وضع النقاط على الحروف وباختصار شديد أقول: 1) بالنسبة للطالبي، صدر كتابه عيال الله في شهر أكتوبر 1992 وكتب عنه تلامذته مدائح عديدة في الصحافة خلال الأشهر الموالية. أيامها كنت موظفا بوزارة الثقافة  فكتبت مقالا عنوانه ” عيال والله “نشرته في جريدة الصحافة بتاريخ 3 و10 و19 جانفي 1993. وقد أثارت هذه الحلقات الثلاث ضجّة كبرى كان من نتيجتها تكريم الطالبي في كليّة آداب منوبة حيث تبرّع عبد المجيد الشرفي بشتمي الذي أثار الضحك في القاعة(46) هذا فضلا عن الوشايات والتقارير والقذف العلني في اجتماعات حقوق الإنسان وغيرها. يقول حسن في مذكرفاته أني: “منعت كتاب عيال الله … من التوزيع لأكثر من سنة … وسحبته عنوة من المكتبات”(47) هذا الكلام مكذوب تماما لأنني كتبت رأيي في الكتاب وهو رائج بين الناس فلم يمنع ولم يسحب ولأي كان العودة إلى محمد بن إسماعيل ناشر الكتاب ومحمد بن نور الموظف أيامها بالسراس وحسن بن عثمان وشكري المبخوت والمنصف وناس منجزي الكتاب ومحمّد الطالبي نفسه للتثبت من صحّة ما قلنا. لما صدرت الترجمة الفرنسية للكتاب لم أعترض على توزيعها رغم أن الشرفي في المقدّمة شتمني وقد كنت أيّــامها مسؤولا عن الرقابة  في وزارة الداخلية هذا الموقف حيّر البعض ولأنّي أميّز بين عمل الرقيب الذي يستهدف حماية الوطن وبين تصفية الحسابات الشخصيّة سمحت برواج الكتاب. لم تتوقف الحملة ضدّي حتى بعد خروجي من وزراة الداخليّة فشتمني الطالبي قولا في المستقلّة وكتابة في الحياة اللندنية بتاريخ 30 مارس 1999 ورغم ذلك فإنّ أنس الشابّي هو الوحيد الذي دافع عنه بعد الهجمة التي تعرّض لها إثر نشره كتابه “ليطمئنّ قلبي” لا لشيء إلاّ لأني لا أحمل حقدا أو ضغينة نحو أي كان وليس من أهدافي تصفية الحساب مع أي كان. 2) ذكر حسن في الصفحة 231 من مذكرفاته أني: “بعت كميّة هامة من كتابي لوزارة الثقافة” وهو كلام مكذوب من ألفه  إلى يائه فكتابي عن الحركة الإسلاموية طبعته دار الجيل  وروّجه وكيلها السيد الصادق باباي فباع نسخًا لا أدري عددها إلى وزارة الثقافة علما بأني لم أحصل على مليم واحد لا من دار الجيل ولا من الصادق باباي ولا من وزارة الثقافة نظير الطبع أو البيع… في الصفحة 233 يقول حسن بعد قراءته كتابي بأني : ” متواطئ مع الحركات المتمرّدة ومتعاون ومتعاطف معها…” وهو كلام سبق أن ردّده صالح البكاري وكتبه في رسالة موجّهة لي جوابا عن شكوى رفعتها لسيادة الرئيس ، علما بأنّ أنس الشّابّي ينقد التطرّف منذ سنة 1981 في الطريق الجديد والمستقبل والرأي والموقف والمغرب العربي… أيّام كان حسن يبيع الأقلام والقراطيس وأيام كان صالح البكاري يترجم خطب الزعيم بورقيبة مأجورا بالصفحة. ففيما قلت وكتبت عن المتطرّفيـن وفيما أصدروه عني من بيانات ومقالات ما يكفي ولا فائدة في الإعادة والتكرار. 3) عن مشاركة لي في برنامج الاتجاه المعاكس ذكر حسن في الصفحة 234: “أنه لم يسعفه الحظ بمشاهد هذه الحصّة الفاشلة” إلاّ أنه يسمح لنفسه أن يبدي فيها الرأي، قديما قالت العرب ” الحكم على الشيء فرع عن تصوّره ” فما العمل يا ترى مع من يصدر عن رأي مسبق وقول معدّ؟ في مذكرفاته يصف حسن حاله بقوله: “كنت أفكر في أمر غريب خطر ببالي أكثر من مرّة وفي أكثر من مناسبة هل أن جميع الحاضرين عقلاء وأنا الوحيد بينهم مجنون ؟  أم أنّ الجميع مجانين وليس بينهم عاقل غيري؟؟  أمر يبعث على الحيرة!… إن لم أقل يعقدني…”(48). سؤال يعلم كلّ عاقل جوابه. ——————————— الهـوامش : 1) سنقتصر على ذكر الاسم دون اللّقب لأنّنا نقدّر عاليا عائلة “جغام” التي عاشرنا بعض أفرادها فعرفنا فيهم عفّة اللّسان والصدق والإخلاص. 2)  مذكرفات 147. 3) نفسه 228 و 236. 4) نفسه 31. 5) نفسه255. 6) نفسه 465 و467. 7) شذرات في النقد والأدب، دار المعارف بسوسة 2004 – ص 116. 8) رغم تتلمذ تليمة للدكتور طه حسين إلاّ أنّه في مقدّمته لم يذكر ذلك تواضعا منه وإشعارًا بأنّ أستاذية طه حسين تتجاوزه وزملاءه إلى كلّ من درس العــربيّة. أمّا حسن فإنه يكتب في مذكرفاته ص16 و418: “أستاذي الكبير” ولا ندري متى تتلمذ له وفي أية جامعة استمع لمحاضراته وأية بحوث له أشرف عليها وهل يريد بذلك حشر نفسه ضمن تلامذة طه حسين الذين من بينهم العلاّمة شوقي ضيف وسهير القلماوي وغيرهما.  9) قضايا وشهادات 367 و 368. 10) شذرات 118. 11) نشرة سنة 2004 ص 5. 12) مذكرفات 24. 13) الكلمة 7. 14) نفسه 13. 15) نفسه 17.   (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 22 مارس 2009)


الخبير الاقتصادي والجامعي حسين الديماسي يتحدّث لـ«الصّباح» حول الأزمة المالية العالمية:

المخرج الوحيد بإرساء علاقات مهنية اجتماعية تتماشى مع الثّورة التكنولوجية


أجرى الحوار: صالح عطية تونس الصباح: حذّر الخبير الاقتصادي التونسي، حسين الديماسي من أن تنغمس البشرية في أنماط فوضى متداخلة ومتزامنة إذا ما استمرت الأزمة المالية الحالية واستفحلت، خصوصا في المجتمعات الفقيرة.. وشدد الجامعي والمتخصص في قضايا التنمية في حوار لـ”الصباح”، على أنه إذا ما تفشّت النزعة الحمائية في السنوات المقبلة، فستكون الضربة القاضية للاقتصاد العالمي.. ووصف الديماسي الإجراءات المتخذة في الدول الغربية وأمريكا بخصوص الأزمة المالية، بكونها “تدعو إلى خصخصة البحبحة وتأميم الإفلاس”.. واعتبر محدثنا أن المخرج الوحيد من الأزمة الراهنة، يكمن في “إرساء علاقات مهنية – اجتماعية تتماشى مع الثورة التكنولوجية الرهيبة التي يشهدها العالم”، على حدّ قوله، مستبعدا أن يكون النموذج الاشتراكي بديلا للمنظومة الرأسمالية.. ولدى تقييمه لجهود الحكومة في مواجهة الأزمة، قال الجامعي التونسي أن تونس تسعى جاهدة للتلطيف من تداعيات الأزمة على بلادنا باعتماد الاجتهاد الذاتي.. وفيما يلي نص الحديث تحاليل غير دقيقة ** بعض المحللين يرون أن الأزمة المالية الراهنة، سببها القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، لتمكين الأمريكيين من بناء ما هدمته التفجيرات ما تسبب في تضخم القروض ومن ثم الأزمة… هل هذا التشخيص دقيق؟ ــ هذا التحليل غير صحيح على وجه الإطلاق، وهو يُعبّر عن نوع من استسهال الأمور بل عن شيء من الكسل الذهني، ذلك أنه منطقيا لا يمكن لسبب عرضي سياسي بحت، أن يكون وراء أزمة اقتصادية هيكلية. وفي حقيقة الأمر فإن جذور الأزمة الخانقة التي تعاني منها البشرية اليوم، ترجع إلى أواسط الثمانينات من القرن الماضي عندما بدأنا نشهد تباينا متصاعدا بين الإنتاج أي العرض من ناحية، والاستهلاك أي الطلب من ناحية أخرى، وتعود هذه الظاهرة بدورها إلى تراجع القدرة الشرائية الذاتية للأجراء الذين كانوا وما يزالون يمثلون أغلب المستهلكين. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار أحداث 11 سبتمبر كأحد العوامل التي ساهمت في تأجيل اندلاع الأزمة الحالية وليست سببا في تفجيرها.. إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تبعتها في الواقع حروب جانبية طاحنة (في أفغانستان والعراق تحديدا)، ما أفرز نمطا بديلا من الطلب (الأسلحة وما جانسها)، وأنعش بالتالي صناعة التسلح، خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، وساهم في إعطاء المنظومة الرأسمالية مهلة قبل انفجار الأزمة الحالية.. حول أزمة البنوك والبورصات ** الأزمة المالية انطلقت من البنوك، فكيف تطورت لتشمل البورصات، حتى تلك التي لا علاقة لها بمشكل العقارات أو بالتعاون مع بنوك أمريكية؟ ــ صحيح أن الأزمة المالية التي انفجرت بحدّة بداية من خريف 2008، انطلقت في أول الأمر من البنوك ثم سرعان ما شملت البورصات، وهذا ليس بغريب نظرا للتداخل القوي بين البنوك والبورصات وشركات الإنتاج والأسر. فالبنوك في مجملها شركات خفية الاسم، يتكون رأسمالها من أسهم تباع وتشترى في البورصات، وفي أغلب بورصات العالم، تحتل أسهم البنوك موقعا هاما للغاية يضاهي موقع أسهم شركات الإنتاج، إن لم يفوقه في بعض الأحيان، وهذا يعني أنه كلما اختلّت الحالة المالية لهذه البنوك، كلما انهارت أسعار أسهمها وحصل اهتزاز سلبي في مستوى البورصات.. من ناحية أخرى، فإن الاضطرابات المالية التي مسّت عددا كبيرا ومتزايدا من البنوك منذ خريف العام 2008، أفرزت شحّا خانقا من السيولة وندرة قاتلة في القروض، مما تسبب في تراجع فادح في الطلب أي في الاستهلاك، وبالتالي في زعزعة مؤسسات الإنتاج وانهيار أسهم هذه المؤسسات في البورصات، علما أن هذا التسلسل في التأزم، شمل جميع النشاطات الاقتصادية، وبخاصة قطاعات المساكن والسيارات والتجهيزات الكهرو منزلية (التلفزيونات والثلاجات وآلات الغسيل والحواسيب …)، نظرا لأن أغلب هذه السلع الاستهلاكية كانت لا تباع قبل انفجار الأزمة المالية إلا على أساس القروض.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن نحو 75% من مبيعات السيارات في فرنسا لا تحصل إلا على أساس القروض. وقد ساهمت الأسر بدورها وبقدر كبير، في انهيار البورصات باعتبار أنها سارعت في التخلص من الأسهم والرقاع التي تمتلكها، بسبب عجزهم عن تسديد قروضهم المتراكمة، أو خشية هبوط أكثر فداحة في أسعار هذه الأسهم والرقاع.. ** لكن هذا لم يمنع من انهيار عديد البورصات في العالم ؟ ــ هذا صحيح، فقد انهارت البورصات في أغلب أنحاء العالم بنسق سريع للغاية، لكن ليس بسبب الأزمة المالية فحسب، وإنما بالنظر إلى التباين الكبير بين أسعار الأسهم في البورصات والقيمة الحقيقية لهذه الأسهم المرتبطة بنجاعة المؤسسات الاقتصادية.. ويعود هذا التباين الفادح بين سعر الأسهم وقيمتها الحقيقية، الذي ما انفكّ يتصاعد قبل انفجار الأزمة المالية، إلى ظاهرة المضاربة التي أوهمت العالم برخاء مغشوش، والتي أفرزتها البنوك بغية تثمير الأموال المهولة العقيمة المكدسة لديها بكلّ الطرق، ويعني ذلك أن ما بُني على هوى سرعان ما يذهب جفاء.. بين إجراءات الأغنياء وأزمة الفقراء ** في تقديرك، هل أن الحلول والقرارات التي اتخذتها الدول الغنية، كفيلة بإخراج العالم من هذه الأزمة؟ ــ في اعتقادي، فإن الإجراءات التي تتحدث عنها، ليست كفيلة إطلاقا بإخراج العالم من هذه الأزمة، بل إن هذه الإجراءات يمكن أن تزيد الطين بلّة من حيث إمكانية تعميقها لحدّة هذه الأزمة، بما يزيد في تمطيطها واستمرارها في الزمن.. ** إلى ماذا يعود هذا الفشل حسب رأيك؟ ــ في رأيي، الفشل يعود إلى عدة أسباب متداخلة يمكن حصرها في العناصر التالية: ×× معالجة الأزمة على مستوى ظواهرها وليس على صعيد خفاياها.. ذلك أن أغلب الإجراءات التي تمّ اتخاذها إلى حدّ الآن، تمحورت حول إنقاذ الأجهزة المصرفية عبر ضخّ أموال طائلة من طرف الدولة في هذه الأجهزة بغية تجنيبها الإفلاس. وبالموازاة مع ذلك، تسرب خطاب صادر عن عدة جهات (محافظو البنوك المركزية القدماء والجدد ومجموعة دافوس بالإضافة إلى مجموعة “العشرين”…)، يدعو الدول إلى تأميم مؤقت للبنوك التي تمر بصعوبات مالية، قصد ترميمها ثم خصخصتها من جديد حين تسترجع أنفاسها.. بعبارة أوضح، فإن هذا الخطاب يدعو الدول أي المجموعات الوطنية إلى خصخصة البحبحة وتأميم الإفلاس. وفي حقيقة الأمر فإن أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية أعمق وأعقد بكثير مما يتخيله هؤلاء الحكام، ذلك أنه ظاهريا انجرت هذه الأزمة بسبب تفشي الأنماط المغشوشة من القروض الاستهلاكية (subprimes).. وتبعا لذلك فإن الحل الجذري والهيكلي للأزمة الحالية لا يكمن في إنقاذ أو تطهير الأجهزة المالية، وإنما في إرساء علاقات أكثر توازنا بين الأطراف الاجتماعية بغاية دفع التشغيل وتحسين الطاقة الشرائية للعمال، أي بغاية جعل الطلب يواكب العرض بصورة هيكلية ودائمة.. ×× التعاطي مع الأزمة بواسطة التركيز على الإنتاج دون إعطاء أهمية تذكر للاستهلاك، من ذلك أن جلّ بلدان العالم بما فيها البلدان الغنية، جنحت إلى إسداء قروض ميسرة أو منح إلى المؤسسات الصناعية التي تمر بصعوبات مالية، وبالخصوص إلى التخفيض في سعر الفائدة بصورة ملحوظة بغاية دفع الاستثمار والإنتاج والتشغيل. وفي واقع الأمر فإن هذا النمط من الإجراءات يبقى عقيما ما دام الطلب في انحصار مستمر، وقد أثبتت عدة تجارب تاريخية أنه في حالة ركود أو تقلص الاستهلاك، فإن الاستثمار لن ينتعش ولو بلغ سعر الفائدة الصفر. ×× معالجة الأزمة من طرف الدول بصورة انفرادية، والحال أنه لا يوجد مخرجا منعزلا قطريا لأزمة عالمية.. ×× التعامل مع هذه الأزمة من خلال مؤازرة الأثرياء وتفقير الفئات الوسطى والمعوزة.. وهذا ما تعكسه جلّ برامج الإنقاذ التي بلورتها البلدان الغنية، باعتبارها اعتمدت موارد مالية متأتية من تزايد تداين هذه الدول، أو من زيادة الضغط الجبائي، أو من طبع النقود بدون واعز ولا رقيب.. وهذه آليات لا يمكن أن تؤدي في نهاية الأمر، إلا إلى تآكل الطبقة الوسطى (تضخم مالي، تهرئة جبائية،..) وتسارع التراجع في الطلب واحتداد الأزمة.. ×× معالجة الأزمة بجنوح الدول بصورة شبه خفية إلى الحماية المقنّعة، من ذلك مثلا الشعار الذي يرفعه الرئيس الأميركي، أوباما، والقائل “استهلك أمريكيا” أو الشعار الذي يرفعه ساركوزي في فرنسا، والقائل “أنتج في فرنسا”.. وإذا ما تفشّت في السنين المقبلة هذه النزعة الحمائية، فإنها ستمثل بحق الضربة القاضية للاقتصاد العالمي.. تحفظات أساسية ** إذن أنت متحفظ ـ كما يبدو ـ على ما تم اتخاذه من إجراءات وقرارات وحلول إلى حدّ الآن.. ــ السبب هو أن الأزمة الاقتصادية الراهنة، تُعالج في الحقيقة “بالمقلوب” (الظواهر عوض الأصل، والعرض عوض الطلب، والانفرادية عوض الوفاق الجماعي، وإثراء الأثرياء عوض شدّ أزر الفئات المتوسطة والمعوزة، والتدرج نحو الانغلاق عوض المحافظة على الانفتاح…).. غير أن هذا التمشي في معالجة الأزمة لا يفاجئني، ذلك أننا نعيش في مجتمعات تشقها مصالح مختلفة بل متناقضة في أغلب الأحيان، ولن تتخلى الفئات الاجتماعية المتعايشة عن نزر من مصالحها إلا تحت الضغط الذي تحدده مواقع هذه الفئات في موازين القوى. وكمثال على ذلك شهدت المنظومة الرأسمالية فترة استثنائية تراوحت بين أواسط الأربعينيات وأواسط السبعينات من القرن الماضي، وقد اتسمت هذه الفترة بزوال الأزمات الاقتصادية العنيفة وبرخاء مسّ كل الفئات الاجتماعية، وخصوصا الشغالين، ناهيك وأن هذه الفترة سُميت “بالثلاثينية المجيدة” (les trente glorieuses).. ولم تكن هذه الفترة الاستثنائية في تاريخ الرأسمالية من باب الصدفة، بل كانت نتاج حدث عظيم أفرزته الحرب العالمية الثانية، والمتمثل في بروز شق منافس للشق الرأسمالي أي المعسكر الشيوعي، وفي هذا المناخ الجيو استراتيجي الجديد، وخشية الانزلاق في المعسكر الشيوعي، أُجبرت الدول والأعراف في البلدان الرأسمالية على الجلوس حول الطاولة مع النقابات العمالية للتفاوض حول اقتسام الثروة بأكثر ما يمكن من عدالة. ويعني هذا أن المنظومة الرأسمالية أصبحت لأول مرة في تاريخها تعدّل لا من طرف السوق وإنما من طرف الدولة بمفهومها الشامل (الحكومات، نقابات الأعراف، نقابات العمال)، ومعنى ذلك أيضا أن الأعراف في البلدان الرأسمالية لم يتخلوا عن جزء من مصالحهم إلا بالضغط المسلط عليهم من طرف الشق الشيوعي. ومع انهيار هذا الشق في بداية التسعينات، انزلقت جلّ بلدان العالم من جديد إلى فوضى السوق.. وأصبح الأعراف في هذه البلدان مثل “حصان شارد بدون مقوده”.. حول نهاية النظام الرأسمالي ** لكن بعض الخبراء والمراقبين اعتبروا أن الأزمة الراهنة مؤشر بنهاية النظام الرأسمالي والنموذج التنموي الذي أفرزه .. هل أنت مع هذا الرأي؟ ــ لا أعتقد أن الأزمة الراهنة تعلن نهاية المنظومة الرأسمالية وذلك لثلاثة أسباب رئيسية : ×× أولها أن الأزمة الحالية، لا تمثل الأزمة الوحيدة التي شهدتها الرأسمالية.. فمنذ نشأتها (أواخر القرن الثامن عشر) وإلى يومنا هذا، تخلّلت هذه المنظومة أزمات متواترة باستثناء “الثلاثينية المجيدة”، وقد عصفت هذه الأزمات بالرأسمالية دون أن تزيلها. وتعود هذه الأزمات المتكررة للمنظومة الرأسمالية، إلى تناقض هيكلي يهزّها باستمرار والمتمثل في التباين بين القدرة على الإنتاج والقدرة على الاستهلاك. ×× إن المنظومة الرأسمالية وجدت في أغلب الأحيان حلولا لتلطيف أزماتها، بل لإزالتها كليا في بعض الحالات (المستعمرات الممتصة لجزء من فائض الإنتاج، التسلح الدافع لصناعات إستراتيجية فعّالة، الأشغال العمومية الكبرى المُحدثة سابقا لعدد وافر من مواطن الشغل، تعديل المنظومة من طرف الدولة باقتسام الثروة بأكثر ما يمكن من العدل، الاستهلاك بـ”الطلوق” أي بالقروض على أساس مداخيل لاحقة وليست سابقة).. ×× إن الرأسمالية ليس لها إلى حدّ الآن بديلا واضحا وقابلا للتكريس العملي، رغم تواتر الأزمات في صلبها.. ** إذا لم تكن الأزمة الراهنة تعلن نهاية الرأسمالية، ألا تستوجب تعديلات على النظام الرأسمالي، على الأقل ؟ ــ شخصيا لا أرى في الأفق بوادر منظومة اقتصادية – اجتماعية جديدة يمكن أن تمثل بديلا للمنظومة الرأسمالية. وأعتقد أن المخرج الوحيد من الأزمة الحالية يكمن في إرساء علاقات مهنية – اجتماعية تتماشى مع الثورة التكنولوجية الرهيبة التي ما انفك يشهدها العالم منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، ويعني ذلك استبدال تعديل المنظومة الرأسمالية من طرف السوق، بتعديل من قبل الدولة، غايته تقليص مهمّ في مدة العمل وتحسين محسوس ومطّرد في القدرة الشرائية للشغالين. وهو حل وقع تطبيقه في وقت سابق في تاريخ الرأسمالية.. من ذلك أن الحاجيات الاستهلاكية للعمال تنوّعت بشكل مذهل في “الثلاثينية المجيدة” بعد ما كان الأجر يسخّر في جزء كبير منه للقوت، بالإضافة إلى أن معدل ساعات العمل في الأسبوع، أصبح لا يتعدى 48 ساعة خلال تلك الفترة، بعد أن كان يفوق 70 ساعة في أوائل القرن العشرين.. حلول غير ممكنة التحقيق ** هل بالإمكان تكريس مثل هذه الحلول في الوقت الراهن في أعقاب الأزمة الراهنة ؟ ــ هذا الحل يصعب تكريسه في الظرف الراهن لأسباب عديدة من بينها، السياسات الانفرادية الانعزالية السائدة في العالم لمعالجة الأزمة، والقطب الأحادي المهيمن حاليا على العالم، إلى جانب المواقف الانهزامية للعناصر الفعّالة في المجتمعات، مثل الأحزاب اليسارية والنقابات العمالية، واندثار عقلية النضال الجماعي لدى الأجيال الصاعدة قصد تغيير الواقع واستبداله بعقلية “تدبير الراس”.. ومع استمرار الأزمة الحالية واستفحالها، يُخشى أن تنغمس البشرية في أنماط فوضى متداخلة ومتزامنة، فوضى السوق وفوضى الشارع وفوضى المحيط.. ذلك أنه مع اللخبطة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية السائدة اليوم في العالم وفقدان الرؤى الواضحة، فإن البشرية مهيأة لأن تصبح كـ “الأغنام في ليلة ممطرة شاتيه” كما قال أبو بكر الصديق حين تُوفي النبي واندلعت حروب الردة.. هل النظام الاشتراكي بديل؟ ** في هذا السياق، كيف تجيب الأصوات التي عادت للتبشير من جديد بالنظام الاشتراكي كبديل للرأسمالية التي اعتبروها متداعية للسقوط .. في رأيك إلى أي حدّ يمكن اعتبار هذا الحديث عقلانيا وواقعيا؟ ــ أعتقد أولا أنه لم يعد هناك إلا قلّة قليلة من الناس ما زالت ترى في الاشتراكية بديلا للرأسمالية. وفي واقع الأمر فإننا لم نعش الاشتراكية النبيلة الطوباوية في القرن العشرين، وإنما عشنا رأسمالية الدولة (capitalisme d’Etat )، وهي منظومة أسوأ بكثير من رأسمالية الخواص، إذ يضاف فيها إلى جانب الاستغلال الفاحش للطبقة الشغيلة، التبذير الاقتصادي والتعسف السياسي. وتمثل الصين بقايا هذا النمط من الأنظمة الاقتصادية-الاجتماعية التي تفتقد فيها الطبقة الشغيلة أبسط الحقوق النقابية والسياسية، والتي أغرقت العالم بسلع بخسة ورديئة، وهي ظاهرة ساهمت بقدر كبير في إضعاف النقابات العمالية في بقية أنحاء العالم، وبالتالي في انفجار الأزمة الاقتصادية الحالية. وأريد أن أوضح هنا، أن الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، والمُتمثل في تقليص مدة العمل وتحسين القدرة الشرائية للأجراء، لم نثيره من باب العطف والشفقة على الشغالين، وإنما من باب الحرص على التوازنات الاقتصادية الموضوعية، أي من باب تجنّب الانغماس بأكثر حدّة في هذه الأزمة.. تداعيات الأزمة تونسيا.. ** الحكومة التونسية صرحت بعدم تأثرها بالأزمة قبل أن تقر بوجود تداعيات عملية… كيف تتمظهر الأزمة على الاقتصاد المحلي في تقديرك؟ ــ الحقيقة أن بلادنا ليست في قبّة عاجية، إذ أنها تتفاعل مع ما يحدث في العالم سواء كان الأمر إيجابيا أو سلبيا.. من ناحية أخرى، فإن اقتصادنا أصبح ـ منذ أواسط الثمانينيات ـ يعتمد التصدير كمحرّك أساسي للنمو الاقتصادي، كما أصبح مرتبطا ارتباطا عضويا ومتينا مع اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وهي منطقة مهددة بانكماش اقتصادي شنيع في السنوات المقبلة. وتباعا لذلك، فإن بلادنا معرّضة بدورها إلى هزّة اقتصادية واجتماعية حادة، ومن أبرز مظاهر هذه الهزّة، تصاعد البطالة بصورة لا تطاق، وخصوصا بطالة حاملي الشهادات العليا، والضغوطات العنيفة على المالية العمومية ( صعوبات جمّة في تسديد الدين الخارجي في مناخ عالمي يسوده شح خانق في السيولة)، واحتداد الخلل في التوازنات المالية لصناديق الضمان الاجتماعي.. ** كيف تقيّم التعاطي الحكومي مع هذه الأزمة؟ وما هي الخطوات التي تحتاجها المقاربة الحكومية في رأيك؟ ــ الحكومة تسعى جاهدة للتلطيف من تداعيات الأزمة على بلادنا باعتماد الاجتهاد الذاتي تارة، وعبر التأسّي بما تفعله دول الغرب تارة أخرى.. غير أن هذا الجهد الذي تقوم به بعض الدول منفردة، يبقى عقيما ما لم يكن منصهرا في إستراتيجية كونية وفاقية تكون بديلا للذبذبة والعشوائية الحالية، ذلك أنّ في أي أزمة عالمية، لا يمكن الحديث عن مخارج قطرية أو حتى جهوية..   (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 22 مارس 2009)


67 غريقاً ومفقودا في حادث زورق قبالة السواحل التونسية


تونس، كورونا (كاليفورنيا) – د. ب. أ – ارتفعت حصيلة غرق زورق مطاطي من نوع «زودياك» كان يقل 100 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقية مختلفة قبالة سواحل مدينة صفاقس التونسية (174 كلم جنوب العاصمة تونس) الى 67 غريقا ومفقودا. وذكرت صحيفة الشروق التونسية في عددها الصادر أمس ان قوات من البحرية التونسية تواصل البحث عن جثث الغرقى الذين حسبوا في عداد المفقودين، بعد ان أنقذت 33 مهاجرا من ركاب الزورق، الذي أبحر من سواحل دولة عربية مجاورة (في إشارة الى ليبيا). وأفادت الصحيفة أن المهاجرين غير الشرعيين الـ 100 ومن بينهم نساء وأطفال تكدسوا في الزورق الذي لا يتسع الا لعشرين راكبا في العادة، وان كل واحد منهم دفع لمنظم عملية الهجرة السرية، الذي قالت انه عربي الجنسية، 1200 دولار أميركي من أجل ايصالهم الى السواحل الايطالية. هذا وذكرت السلطات الأميركية ان شخصين قتلا جراء تحطم طائرة صغيرة بعد قليل من اقلاعها من مطار بلدية كورونا جنوب غرب كاليفورنيا. وتحطمت الطائرة وسط ضباب كثيف بعد وقت قصير من اقلاعها في طريقها الى «ليك هافاسو» في ولاية أريزونا، مما أدى الى مصرع قائدها وأحد الركاب. (المصدر:جريدة القبس ( يومية – الكوت ) بتاريخ 22 مارس 2009 )


ميكانيك الدجل السياسي


مالك التريكي   عندما تعطلت بنا السيارة، نزل صديقنا السوداني الظريف من مقعد القيادة وحاول أن ينقذ الموقف بما أوتي من فولكلور المعارف الميكانيكية، لكن سرعان ما أعيته الحيلة وأخذ منه اليأس، فعاد إلينا يَرْتجِز: يا جماعة، كما قال الشاعر ‘إن السيارة الجديدة خير من السيارة القديمة!’. منذ سماع هذا ‘البيت الشعري’ العذب، لم يعد من السهل علينا المضي في تصديق قول الأقدمين بأن ‘أعذب الشعر أكذبه’! ربما يجادل بعض المنغّصين طبعا بأن هذا ما هو بالشعر، لكن المعوّل هنا على ذوي الروح الرياضية الذين قد يقبلون، ولو على مضض، أن يسلكوه في ‘شعر الحكمة’: لا حكمة الغابرين، بل حكمة المعاصرين المتجذرة في تجارب قبائل المجتمع الصناعي ومصائبها. ولعل من العلامات الفارقة لهذه الحكمة التي راكمها المجتمع الصناعي، ووريثه المجتمع ما بعد الصناعي، أنها حكمة تطبيقية تتسم بحساسية مفرطة تجاه صحة المعلومات وخطئها، وبالتحديد تجاه مسألتي الصدق والكذب. ولهذا فإنك تجد في بلاد الغرب عامة أن بائعي السيارات، والسياسيين، والصحافيين، والمصرفيين هم من أدنى الفئات الاجتماعية شعبيةً بل وأسوأها سمعة. ولم يحدث للساسة أن تحسنت سمعتهم قليلا في بريطانيا مثلا إلا في الفترة الأخيرة. غير أن ذلك لم يكن بسبب تحسن في أدائهم أو تحسن في نظرة الجمهور إليهم. بل السبب هو أن الأزمة المالية الحالية، التي ترجّ الدول رجا وتنذر بسوء المصير الاجتماعي، قد جعلت الناس يكرهون البنوك ومدراءها، والمؤسسات المالية وخبراءها، والصيارفة والمصرفيين، وأولئك القوم أجمعين، كرها شديدا أصبح يفوق كرههم المتوارث للسياسيين. وإذا كان سوء سمعة باعة السيارات المستعملة مفهوما بالبداهة، وإذا كان سوء سمعة الصحافيين يعود أساسا إلى سطوة الصحافة الصفراء بأساليبها الفضائحية القائمة على التلصص على حياة الناس وانتهاك الحرمات، فإن سوء سمعة السياسيين في الديمقراطيات الغربية يعود أساسا إلى اعتقاد الرأي العام بأنهم دجالون محترفون: يطلق الواحد منهم من الوعود ما يعلم علم اليقين أنه لا قبل له بالوفاء به، ولكنه مستعد للتعهد بأي شيء، ولو كان مستحيلا، في سبيل أن يفوز في الانتخابات. المهم أن يفوز أولا، ثم يكون لكل حادث بعد الفوز حديث. يقول الواحد منهم أي شيء ولا يبالي، ثم يناقض نفسه بنفس القدر من الثقة ولا يبالي… حتى أنه يُؤْثَر عن سياسي محنك من طراز الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أنه كان يقول لخاصته، كلما ذُكّر بوعد كان قد قطعه على نفسه، إن ‘الوعود لا تُلزم إلا من يصدقها’!. وقد روى لي المدير السابق لإذاعة بي بي سي العالمية سام يانغر أنه لما كان مراسلا في واشنطن في السبعينيات، سأل عضو الكونغرس عن ولاية إنديانا لي هاملتون: ‘كيف تؤيد مشروع القانون الفلاني وهو ليس في صالح البلاد؟ فأجابه هاملتون: ‘يا بني، [أكد لي أنه خاطبه هكذا!] أي شيء يساعدني على الفوز بالمنصب مجددا فهو في صالح البلاد’! في ضوء هذا يصبح من السهل فهم موقف زوجة وزير الخارجية البريطاني الراحل روبن كوك، الذي دشن عهد حكومة توني بلير الأولى في أيار (مايو) 1997 بإعلان عزم بريطانيا على انتهاج سياسة خارجية ‘أخلاقية’ قائمة على مناهضة العدوان الخارجي والقمع الداخلي، عندما قالت إنها متيقنة، من منطلق التجربة، أنه ليس هناك سياسي يمكن أن يحركه شيء آخر غير المصلحة الشخصية. ومع ذلك فإن سلوك الساسة يختلف حسب اختلاف الطبائع وحسب مدى التداخل في شخصياتهم بين المصلحي والمبدئي. بل إنهم يتفاوتون حتى في درجات الاقتناع بما يعبرون عنه من آراء. إذ لمّا سئل السير روبن باتلر، الذي عمل مدير ديوان دائما لثلاثة رؤساء حكومات بريطانيين، عن الفرق بين ردود أفعال هؤلاء الساسة عندما كان يعترض على آرائهم، أجاب بأن مارغرت ثاتشر كانت تستشيط غضبا، بينما كان جون ميجور يلزم الصمت ويبدو عليه التألم. أما توني بلير فإنه كان يسكت برهة لإحداث الأثر المطلوب، ثم يقول: ‘… نعم، أوافقك الرأي’!!! أي أن الرجل قد بلغ من زئبقيته وهوسه بنيْل الرضا أنه لا يرى حرجا في أن يعتنق آخر رأي شاءت له الصدف أن يسمعه! ذلك أن شكسبير العظيم ما كان ليقول إنما ‘العبرة بالخواتيم’ لو لم يكن يقصد أن الرأي الجديد، يا جماعة، خير من الرأي القديم!   (المصدر: جريدة القدس العربي (يومية – بريطانيا) بتاريخ 22 مارس 2009)

في الإسلاموفوبيا (6)


 طارق الكحلاوي مثلما أشار «ابن الوراق» في مقدمته لكتاب «أصول القرآن» يرجع اهتمامه بالموضوع لسلسلة من البحوث بدءاً من سبعينيات القرن الماضي والتي حاولت إحياء الاهتمام به بالتحديد من زاوية «الاستشراق الكولونيالي» أي «الأصول اليهودية والمسيحية» للقرآن والإسلام برغم اختلافها الكبير معه. فالوجهة التي ستأخذها البحوث الجديدة منذ السبعينيات ستتجه منحى راديكالياً حتى مقارنة بأطروحات «الاستشراق الكولونيالي»، ففي الوقت الذي أسس فيه نولدكه (Noldeke) لفهم للقرآن يضعه من حيث تأريخه في سياق زمن حياة الرسول، وهو ما يتوافق مع الفهم الكلاسيكي الإسلامي لتاريخ القرآن، ستتجه البحوث الجديدة نحو فرضيات مختلفة تماما تسبق أو تلحق وفاة الرسول. البداية كانت مع باحث ألماني سيبقى لفترة طويلة منسياً وعلى هامش الوسط الأكاديمي. غونتر لولينغ (Günter Lüling) الذي سيدشن سلسلة من البحوث التي ستركز على أطروحة تاريخية بديلة تختلف راديكالياً عن سرديات المصادر الإسلامية بما في ذلك حول «أصول القرآن» في مؤلف صدر سنة 1974. يرى لولينغ أن نص القرآن كما نعرفه يحتوي على أربع «طبقات» أولها «القرآن الأول» والذي تم تحريره حسب رأيه من قبل فرقة مسيحية تعيش في مكة. اللغة الصعبة للولينغ والتعقيد البالغ لحججه لكن الأهم منذ ذلك اعتماده الحصري على تحليل لغوي فيلولوجي يرفض فيه بشكل مطلق رواية المصادر الإسلامية.. كلها عوامل أسهمت في تهميش الأفكار الواردة في كتاب لولينغ خاصة إثر اتهامه للوسط الأكاديمي الألماني بالتآمر عليه. في نفس إطار الطروحات الراديكالية البديلة يتنزل كتاب «الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تأويل النص المقدس» سنة 1977 للمؤرخ الأميركي جون وانسبرا (John Wansbrough) الذي سيكون أكثر تأثيراً من لولينغ بفعل موقعه كأستاذ في «مدرسة لندن للدراسات الشرقية» حيث سيشرف على تخريج عدد من الأساتذة معروفين في الاختصاص. وانسبرا سيرفض أطروحة لولينغ عن «أصل مسيحي» سابق عن حياة الرسول في مكة ويتجه إلى اعتبار زمن النص متأخراً يرجعه إلى القرن الثامن أو حتى التاسع الميلاديين (الثاني أو الثالث للهجرة) والمكان ليس مكة أصلاً بل العراق. وعلى هذا الأساس يعيد وانسبرا تركيب تاريخ الإسلام المبكر ليتفق مرة أخرى مع خلاصات «الاستشراق الكولونيالي» ولو بصفة أكثر راديكالية بأن الإسلام ليس إلا مجموعة من العرب الذين انشقوا عن المسيحية أو اليهودية ولم يتكون لديهم شعور بهوية خاصة ومنفصلة مثلما نعرفها اليوم إلا بشكل متأخر. حجر الزاوية في سلسلة الافتراضات (التي وصلت إلى مستويات سوريالية مثلما اتفق حتى غالبية المستشرقين) هي مماثلته النص القرآني بطريقة تجميع نصوص الحديث في مدونات متأخرة في القرنين الثامن والتاسع. وضمن هذا السياق المنهجي سيقوم طالبا وانسبرا اللذان سيذيع صيتهما فيما بعد باتريشيا كرونه ومايكل كوك في كتابهما الأول الشهير والذي سيبقى مؤشراً على اتجاه بحوثهما في البداية (Hagarism: The Making of the Islamic World) الصادر أيضا سنة 1977 بالأساس بمحاولة دعم فرضيات وانسبرا بالاعتماد على مصادر معاصرة لنشأة الإسلام (أي القرن السابع) بغير العربية، خاصة المصادر المسيحية بالسريانية والأرمينية. حيث يتم التأكيد على أن المسلمين الأوائل لم يكونوا سوى فرقة يهودية منشقة ليس في مكة ولكن في شمال الجزيرة العربية أو في سوريا ولم يتكون إحساسهم بالخصوصية إلا في وقت متأخر في القرن الثامن. جلب هذا المنهج القائم على وضع الفرضيات ومن ثم البحث عن «الوقائع» الكثير من النقد من قبل معظم المستشرقين، إذ قام وانسبرا (وكرونه وكوك) بجرة قلم بحذف كل محتويات المصادر الإسلامية المكتوبة حول تاريخ القرآن بذريعة أنها متأخرة بحوالي القرن عن نشأة الإسلام (بداية القرن الثامن ميلادي) ليشكل قطيعة مع كل مدونة الدراسات التاريخية الحديثة حول الإسلام بما في ذلك الاستشراقية. وفي المقابل تم إضفاء المصداقية المطلقة على معطيات المصادر المسيحية لمجرد أنها معاصرة. وهو ما أضفى إلى خلاصات متسرعة حتى في تفاصيل بسيطة، فتاريخ سنة 634 الذي تشير إليه إحداها (في وقت متأخر من القرن السابع) والذي يذكر غزوة نحو الأراضي البيزنطية بقيادة النبي الجديد تصبح كافية لاعتماد تاريخ جديد لوفاة الرسول. كما أن تصوير هذه المصادر للمسلمين على أنهم مجرد فرقة «متهرطقة» عن المسيحية أو اليهودية يتم أخذها بشكل جدي على أنها تصف واقعا حقيقيا وليس تمثلا مسيحيا يرغب في تقديم صورته السجالية الخاصة لمجموعة بشرية تنافس بشكل مطرد الإمبراطورية البيزنطية الراعية للمسيحية في الشرق في القرن السابع. وهكذا نحن بصدد مقاربة للمصادر غير متوازنة تذكرنا بالمقاربات القروسطية: إذ مقابل التكذيب المطلق للمصادر الإسلامية وإعدام أي مساهمة ممكنة لها في التأريخ للإسلام المبكر يتم القبول الكلي للمصادر المسيحية ليس فقط لتفاصيلها التاريخية بل لطريقة تمثلها للمسلمين الأوائل بدون أي اعتبار للطبيعة الإيديولوجية المتوقعة في هذه التمثلات. وعموماً ليس من المستغرب أن تحاول كرونه في وقت لاحق خاصة في السنوات الأخيرة تجنب تكرار أطروحاتها الأولى، خاصة أن المكتشفات الأثرية المتراكمة منذ تصاعدها في السبعينيات حول الفترة الأموية (قصور وترميم مدن وجوامع وغيرها من المعالم الدينية ونقود…) تشير رغم غياب المصادر المكتوبة المعاصرة إلى صورة عامة من التمثل الذاتي الإسلامي المتميز بل والمنافس بشكل واعٍ للطرف المسيحي المحلي أو البيزنطي. البرديات المعثور عليها في مصر والمؤشرة على النظام الضريبي في ولاية مصر الإسلامية منذ الفترة الأموية، ومثلما حاجج فريد دونير، تشير إلى وجود دولة مبكرة منذ القرن السابع وليس مجرد فرقة من الهائمين «المهرطقين». وعموما ستصل هذه البحوث إلى مأزق في العمق الأكاديمي مع وقوعها في «السجالية» (polemicist) وحتى «الهواية» (amateurism)، حسب تعبيرات كرونه ذاتها في مقال أخير، وذلك بحلول بداية القرن الجديد مع نشر كتاب «القراءة السريانية الآرامية للقرآن: مساهمة في تفكيك لغة القرآن» (سنة 2000) لكاتب ألماني يحمل اسماً مستعاراً، كريستوف لوكزنبرغ (Christoph Luxenberg) والذي يشير إلى نص «أصلي» للقرآن بالسريانية. ولعل من أهم الردود الأكاديمية على هذا المؤلف، الذي جلب الكثير من الاهتمام الإعلامي، الندوة التي تم تنظيمها في «جامعة نوتردام» الأميركية سنة 2005 والتي حاول فيها الكثير من المختصين نقد مسار «الدراسات القرآنية» التي تنطلق من أطروحة «الأصول المسيحية اليهودية» للقرآن كأطروحة مركزية (تم نشر أعمال الندوة سنة 2008). وعلى سبيل المثال نقرأ في الملاحظات التمهيدية لورقات الندوة نقداً لأطروحة لوكزنبرغ لمنهجها «الهيرمونيطيقي الساذج» الذي يتعامل مع النص وحده بوصفه حامل سر «القرآن» بمعزل عن ظرفيته التاريخية وتفاعل النص مع «القارئ». التركيز الإعلامي على فرضية لوكزنبرغ الفيلولوجية في تفسيره لكلمة «الحور» ضمن سياق سرياني يعني «العنب» تم النظر إليه على أنه عودة للسجالات التسطيحية «المعادية للإسلام» في القرون الوسطى. وتساهم في ترويج الاعتقاد بعلاقة مفاهيم مثل «الحور» بظاهرة «الاستشهاديين» بشكل ينزع هذه الظاهرة عن سياقها السياسي والثقافي المعاصر. كما تم نقد السياق الحقيقي لهذه المقاربات أي الواقع الراهن حيث لا يمكن التأثير في «قراءة القرآن» بالفيلولوجيا والهيرمونوطيقا بل بفهم للعلاقات الواقعية المعقدة بين النص والواقع. فـ«الإسلاموفوبيا الأكاديمية» ليست المقاربة الأكاديمية تحديداً بل سياقها السياسي وتداعياتها الواقعية حتى إن ادعت انفصالها عنها. وليس نموذج «ابن الوراق» الانتقائي والتجميعي إلا نموذجها الأكثر سذاجة. وهو ما يحيلنا مرة أخرى على بقية النماذج الأكثر سطحية من «إسلاموفوبيي الخدمة» الذين تفضح أطر تشبيكهم السياسية، في إطار «قمة الإسلام العلماني»، المعنى الحقيقي من شعار «نقد الإسلام» في أطروحاتهم. أستاذ «تاريخ الشرق الأوسط» في جامعة روتغرز (المصدر: جريدة العرب (يومية – قطر) بتاريخ 22 مارس 2009)


ملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائيّة: محامون يبيعون أملاكهم وعرب يشترون السجّاد


http://www.alfikralarabi.org عبدالله نزيه البني* «أناشد جنود الجيش وضباطه أن يمتنعوا عن تأدية الخدمة العسكرية لأن جيش إسرائيل تحوّل إلى منظمة إرهابية…وإذا كانوا ينكرون حدوث المجازر، لماذا إذاً ألّفوا لجنة للدفاع عن الجنود والضباط!!»، هذا الكلام ليس لأحد قادة حماس أو حزب الله، بل هو لطيار إسرائيلي سابق رافض للخدمة يدعى «يوناتان شابيرا». جاء هذا الحديث للطيار الإسرائيلي ضمن فيلم بعنوان «لائحة الاتهام» من إنتاج قناة الجزيرة عرض قبل أيام.. لقد هالت «يوناتان» مشاهد المجازر وأشلاء الأطفال في حرب غزة الأخيرة مثله مثل ملايين الناس حول العالم الذين تحولوا إلى شهود عيان على جرائم وحشية دخلت بيوتهم عنوة وعلى الهواء مباشرة.. خلال الحرب، ثار العالم الحر وعلت ملايين الأصوات الغاضبة، ولم يقبل المتظاهرون بأقل من محاكمة القادة الصهاينة أمام محكمة الجنايات الدولية، لارتكابهم جرائم حرب وإبادة ضد الشعب الفلسطيني. ولم تكد تخمد نار الحرب على غزة حتى خمد معها معظم الأصوات ونضب الحبر وشحّ الدعم. عاد القادة العرب إلى قممهم التصالحية الصورية، وأعدّوا المؤتمرات الدولية مع قيادات أوروبا وأميركا لإعادة إعمار غزة، منهم من كان يحسن النيّات ومنهم من كان يكفّر عن خطايا تواطئه المباشر وغير المباشر، وآخرون كثر كانوا يكفّرون عن صمتهم المقصود على ما جرى.. لكن هل يعقل أيضاً أن ترفع دعاوى ضد إسرائيل ولا يتجرّأ أحد من الدول العربية أو أثريائها على أن يموّل ويدعم هذه الدعاوى مادياً لكي تستمر حتى النهاية، أو على الأقل حتى يقتنع المدّعي العام بوقوع جرائم حرب ويأمر بفتح تحقيق ميداني. خلال إنتاجي لفيلم «لائحة الاتهام» تابعت مسار الدعاوى المقدمة ضد إسرائيل. وفي لاهاي، حيث مقر محكمة الجنايات الدولية، وبالتحديد في مكتب المدّعي العام لويس مورينو أوكامبو، اعتاد موظّفو قسم المعلومات والدلائل رؤية وجوه قانونية تزورهم شهرياً لمتابعة دعاوى مرفوعة ضد قادة إسرائيل. هذه الوجوه هي لمحامين عرب وأوروبيين تتقدمهم المحامية اللبنانية مي الخنسا، التي ترأس «منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب ـــــ حقوق» وهو تحالف أنشئ بعد حرب العراق عام 2003 لملاحقة القادة الأميركيين أمام المحاكم الجنائية لارتكابهم جرائم حرب ضد الشعب العراقي. باكورة نشاط المنظمة دعوى ضد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش تحمل الرقم واحد في سجلات محكمة الجنايات، حيث تقوم المحامية الخنسا وزملاؤها في المنظمة باستمرار بإضافة أدلة جرمية جديدة على ملف الدعوى. الملف الأكبر الذي قُدّم للمدّعي العام هو دعوى جرائم غزة، حيث تتهم المنظمة 100 شخصية سياسية وعسكرية إسرائيلية وأميركية وبريطانية، كلها متشاركة فيما بينها أو بطريقة فردية في ارتكاب جرائم حرب مباشرة أو بتواطؤ متعمّد. يتصدّر لائحة المدّعى عليهم من الإسرائيليين إيهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني وغابي أشكينازي ويوفال ديسكن، ثم يليهم أكثر من سبعين ضابطاً وقائداً للوحدات البرية والجوية والبحرية والاستخبارات في الجيش الإسرائيلي. أما المدّعى عليهم من أميركا وبريطانيا، فيتصدّرهم جورج دبليو بوش وروبرت غيتس وكوندوليزا رايس، إضافة إلى رئيس وزراء بريطانيا غوردن براون ووزير خارجيته ديفيد ميليباند ووزير دفاعه جون هيوتن. شملت الدعوى بريطانيا لأنها من الدول الموقّعة على نظام محكمة الجنايات الدولية، وتعتبر من الدول الأوروبية الكبرى التي تدعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً، وخاصة أن شركات بريطانية تصنع الأجزاء الأساسية لطائرات أباتشي وقذائف المقاتلات الحربية أف15 وأف16، وهي الطائرات التي استخدمت في عمليات قتل واغتيالات إرهابية ضد المدنيين، حسب ما أُدرج في الدعوى. تتضمن الدعوى تعداداً مفصّلاً وشهادات عن الضحايا والجرحى والدمار وعن الأسلحة المحرّمة دولياً والأسلحة الجديدة الفتاكة التي استخدمتها إسرائيل، كالفوسفور الأبيض والقنابل الإبرية المخترقة للملاجئ التي يرجّح الخبراء احتواء رؤوسها على اليورانيوم المنضّب لزيادة الاختراق، هذا بالإضافة إلى قنابل «الدايم» التي تحتوي على مادة التانغستين التي تسبّب شظاياها المجهرية تقطيع الضحايا إلى أشلاء. وتبيّن لي أيضاً أن دعوى منظمة «حقوق» تحظى بأولوية واهتمام لدى مكتب المدّعي العام، وأن التحقيقات قطعت شوطاً مهماً، حيث قامت مديرة المحكمة «بياتريس دي هيلين» بالتدقيق في كل مستند وصورة، مبدية إعجابها بالأسلوب المهني والقانوني في تقديم الأدلة. لكن تبقى بعض القرارات النهائية سياسية بامتياز رغم أن المحكمة تحاول النأي بنفسها عن ذلك. وحتى يقتنع السيد أوكامبو بالأدلة وبوجود جرائم حرب، يقوم المحامون برفع دعاوى أمام المحاكم الوطنية الأوروبية في حالة تمتّع أحد الضباط الإسرائيليين المتهمين بجنسية أخرى أوروبية، وهذا ما قامت به مَي الخنسا وزملاؤها في محاكم إسبانيا وبلجيكا. لكن هذه الجهود والمتابعات التي بدأت تثمر، أصبحت مهددة بسبب اصطدامها بعائق التمويل والدعم المادي، إذ إن المحامين من أوروبا يحتاجون إلى وسائل دعم لوجستية لانتقالهم، ومعظمهم يترك عمله الخاص مؤقتاً من أجل إيمانه بضرورة محاكمة إسرائيل وقادتها. إحدى المحاميات في المنظمة، وهذا ما علمته من تحقيقاتي الخاصة، باعت بعض ممتلكاتها من أجل تغطية مصاريفها ومصاريف المحامين الأوروبيين والاستمرار في متابعة القضية، وهي تعتمد على متطوّعين أصدقاء لتزويدها بصور وأفلام الجرائم، وهي مصرّة على الوصول بالدعوى حتى النهاية. بالأمس فقط، بيعت سجادة هندية مرصّعة بالألماس بمبلغ خمسة ملايين ونصف المليون دولار فقط، وذلك ضمن مزاد أقيم في إحدى دول الخليج. لقد ارتاح كثير من المسؤولين العرب لاعترافات الجنود الإسرائيليين الأخيرة بتعمّدهم قتل المدنيين الفلسطينيين. ارتاحوا معتبرين أن الكرة عادت إلى ملعب إسرائيل، وأن التهمة جاهزة بأدلتها الإسرائيلية من دون جهود عربية قضائية رسمية ومادية في لاهاي.. ألا يدرك هؤلاء أن تسريب مثل هذه الاعترافات «المقنّنة والمدروسة»، رغم خطورتها وأهميتها كدليل جرمي، هي مجرد «تنفيس مقصود» موجه إلى المجتمع الدولي برسالة مفادها «أن إسرائيل دولة شفافة وديموقراطية تحاكم جيشها بنفسها، وأن هذه الجرائم التي يتحدث عنها العالم هي مجرد تجاوزات فردية لن تؤثر على صورة (الجيش الأخلاقي)، وأنّ كلّ من قُتل من المدنيين كان في إطار الدفاع عن النفس..؟». في غزة وحدها أكثر من 1400 شهيد، بينهم 460 طفلاً و110 نساء و123مُسنّاً وأكثر من 5500 جريح، بمن فيهم 1600 معوق دائم، 100 ألف مشرّد ودمار كلّي وجزئي أصاب 21 ألف منزل. أسقطت إسرائيل على غزة قرابة مليون ونصف مليون طن من الذخائر والصواريخ «المحرمة والمحلّلة» فوق رؤوس مليون ونصف مليون نسمة، أي ما يوازي طناً من البارود لكل مواطن فلسطيني. العقيدة القتالية وقواعد الاشتباك في الجيش الإسرائيلي يخضعان لما يسمّى «مدوّنة القتال الأخلاقي ضد الإرهاب». وقد وضع المدوّنة سنة 2003 الفيلسوف الإسرائيلي «آسا كاشير» وامتدحها «غابي أشكينازي» بعد حرب غزة، وتقوم مبادئها الثلاثة على تحقيق الهدف أولاً وحماية الجنود ثانياً وفي الأخير حماية المدنيين!! هذا ما يبرّر اعترافات الجنود بقتل مدنيين بذريعة حماية أنفسهم، وبأن كلّ ما يتحرك هو هدف إرهابي مشروع كما أمرهم قادتهم.. *كاتب ومخرج لبناني


أكاديمي يهودي: غزة فكت ارتباط انتقاد إسرائيل بالعداء للسامية

 


خالد شمت–برلين
اعتبر أكاديمي بريطاني يهودي بارز أن حرب إسرائيل الأخيرة على قطاع غزة، أفرزت رفضا دوليا متناميا لربط انتقاد إسرائيل بالعداء للسامية، وزادت موجات الكراهية والهجمات الموجهة ضد اليهود والمنشآت اليهودية والإسرائيلية في العالم. وقال أستاذ الفلسفة بجامعة أكسفورد البريطانية البروفيسور بريان كلوجش، إن عملية “الرصاص المصبوب” في غزة برهنت كغيرها من العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، على وجود ارتباط طردي بين تنامي المظاهر المختلفة للعداء لليهود وتوتير إسرائيل للأوضاع في الشرق الأوسط.   وقال في ندوة حول العداء للسامية بعد الحرب على غزة في “مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان” بالعاصمة الألمانية برلين إن نظرة المجتمعات المختلفة في العالم تتجه للعداء لليهود كلما كان أفرادها ساخطين على سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، فـ”كل الأزمات الكبيرة التي حدثت بين الإسرائيليين والفلسطينيين كانت لها تداعيات سلبية في الغرب شملت إلى جانب اليهود العرب والمسلمين وكل من له علاقة بالشرق الأوسط”. وأشار إلى أنه توقع في كتاب أصدره في 2003 “أن تسبب مواصلة إسرائيل لسياستها الاحتلالية ضد الفلسطينيين تعرضها لكراهية شديدة في العالم من المعادين للسامية ومن شرائح واسعة من عامة الأفراد الذين أوصلت الدولة العبرية صبرهم إلى منتهاه”، فممارسات الاحتلال الفاشلة تسببت في إفقاد إسرائيل أصدقاءها في أماكن كثيرة حسب قوله وزادت عدد المعادين لليهود الذين باتوا أكثر وأكثر هدفا للمعادين للسامية. انتقادات مشروعة وطالب الأكاديمي البريطاني –الذي يعد من المناوئين للصهيونية ويرأس المنتدى اليهودي للعدالة وحقوق الإنسان في بريطانيا– بعدم ربط الهوية اليهودية بإسرائيل، وقال إن كافة الانتقادات الموجهة للدولة العبرية بسبب سياستها وممارساتها انتقادات مشروعة ولا علاقة لها بالعداء للسامية، وإن الدعوة المنتشرة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية في أسواق ألمانيا ليست معادية لليهود، فـ”كل من يهاجم إسرائيل كقوة احتلال تستخدم أبشع الأسلحة المتطورة ضد الفلسطينيين، أو يتهمها بمخالفة الأعراف والمواثيق وانتهاك القوانين والمعاهدات الدولية، أو يصنفها كبؤرة لهز الاستقرار وإثارة المشاكل في الشرق الأوسط، ليس معاديا للسامية”. واعتبر البروفيسور كلوجش أن تطورات الشرق الأوسط تضع اليهود أمام خيارين: إما الانحياز للمبادئ العالمية لحقوق الإنسان أو لانتمائهم الديني والقومي، ليخلص إلى أن الواقع يفرض على إسرائيل انتهاج سياسة جديدة تقوم على التخلي عن خلفياتها الأيديولوجية، والاعتراف بالتعدد الديني والإثني فيها، وقبول معاملة العالم لها وتعاطيه مع سياساتها بالمعايير نفسها التي تتم مع أي دولة أخرى.   (المصدر: الجزيرة نت (قطر) بتاريخ 22 مارس 2009)
 


تحليل إخباري: بعد أن بدا الإرباك على تصريحات بعض مسؤوليها إيران وخطأ استخدام الحبر الأحمر…


بقلم: صالح عطية يبدو أن طهران دخلت مرحلة خطرة في تعاطيها مع بعض الملفات الدبلوماسية، حيث كان أداؤها خلال الأيام القليلة الماضية متسما بنوع من الإرباك، وبكثير من الإستفهامات التي رافقت بعض التصريحات الإيرانية في الآونة الأخيرة..  بداية هذا الإرباك ـ وبصرف النظر عما إذا كان جزءا من “الأدوار الموزعة” بإتقان بين الأجنحة في النظام الإيراني أم مجرد “خطأ في التعبير” ـ كان مع ما جاء على لسان علي أكبر ناطق نوري، العضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، عندما وصف البحرين بـ “المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة تاريخيا”، مثيرا بذلك أزمة مع المنامة، كادت تتطور إلى قطيعة لولا التدخل الإيراني في أعلى المستويات، من خلال الرسالة التي بعث بها الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، إلى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، والتي حاول فيها التقليل من خطورة تصريح نوري، مشددا حرص إيران على تعزيز علاقات الصداقة مع دول الخليج وخصوصا مع البحرين، قبل أن يعلن وزير الداخلية الإيراني، صادق محصولي، الذي نقل الرسالة بأن “الأزمة بين البحرين وإيران قد انتهت”، مؤكدا أنه “لم تكن هناك أزمة بالأساس”.. فوجئت إيران، كما فوجئ عديد المراقبين، بتوافد مسؤولين عرب وبالأساس من دول الخليج، لـ “التضامن” مع البحرين، فيما تلقت المنامة الكثير من الرسائل التي عكست وقفة عربية وخليجية واضحة ضد ما اعتبر تجاوزا إيرانيا غير مبرر، بل لم يكن متوقعا من طهران، وخصوصا تجاه دولة لم تستفزّ سابقا أي بلد في تاريخها.. وبالطبع، برزت على هوامش هذه الأزمة، مواقف من بعض الدول العربية، التي اعتبرت أن التوقيت الذي حصل فيه هذا “الخطأ الإيراني الفادح” ـ كما وصف ـ يعدّ المدخل لبدء “حركة قلب الطاولة” ضد المواقف، لا بل ضد العلاقات الإيرانية مع العرب.. وهكذا برزت الإيحاءات السعودية، والتلميحات الإماراتية، وزيارات المسؤولين من مصر والأردن وغيرها، في سياق هبّة جماعية تضمر رسالة مضمونة الوصول لطهران، مفادها أن العدّ التنازلي للعلاقات مع إيران قد بدأ، وسط توقعات بإمكانية حصول تغيير في الموقف من هذا البلد، على النقيض تماما من التلويح الأمريكي بالتقارب مع إيران.. وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد الرحمن العطية اعتبر في ختام اجتماع وزراء خارجية ومالية دول الخليج، أن التصريحات الأخيرة التي صدرت عن بعض المسؤولين الإيرانيين بخصوص سيادة البحرين، “عدائية ولا تنسجم مع مبادئ حسن الجوار”، الشيء الذي يعني اصطفافا خليجيا غير مسبوق ضد إيران، في وقت كانت طهران بحاجة إلى مساندة، أو بعض الصمت على الأقل إزاء صراعها المرير مع الغرب بشأن برنامجها النووي.. معضلة الفكر الشيعي ولم تكد “الأزمة” مع المنامة تغلق بسرعة لافتة، حتى فتحت إيران جبهة أخرى على نفسها مع المغرب الأقصى، انتهت بقرار الرباط، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، على خلفية “بعض العبارات غير المناسبة التي وردت في بيان رسمي إيراني بشأن دعم المغرب لوحدة وسلامة أراضي مملكة البحرين”، حسبما جاء في بيان للخارجية المغربية.. كشف الموقف المغربي بوضوح، جانبا آخر من العلاقات المخفية بين إيران وعديد الدول العربية، ونعني هنا التشيع الإيراني في المنطقة.. لقد أوضحت الرباط وجود “نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي”، وهذا معناه إعلان الحرب المغربية على الشيعة والتشيع والفكر الشيعي، الذي بدأ يخترق الجسم المغاربي خلال السنوات القليلة الماضية، وسط صمت لافت ومثير لكثير من التساؤلات التي طرحتها العديد من النخب، فضلا عن بعض الأوساط الدينية السنية في المنطقة، من دون أن تلقى صدى رسميا.. لم يخترق التشيع منطقة المغرب العربي فحسب، بل شمل العواصم الخليجية التي كانت بعيدة عمليا عن أي مسوّغ لنبتة الفكر الشيعي، قبل أن تفاجأ سلطنة عمان وجنوب السعودية، بل حتى الإمارات، وبدرجة أكبر الكويت، بمدّ شيعي اكتسح الساحة الدينية وبدأ يلقي بظلاله على المشهد السياسي، كما في الحالة البحرينية والكويتية والسعودية أيضا.. وفي الوقت الذي اعتقدت إيران أنها دخلت مرحلة “شهر العسل” مع الموقف الرسمي العربي إزاء الفكر الشيعي، الذي تقوده طهران وتصرف من أجله الأموال، وتسخّر في سبيله العقول والكثير من الوقت والجهد، في إطار سياسة ما يعرف بـ “مبادلة المصالح بالتشيع”، التي دأبت عليها إيران منذ سنوات عديدة، في هذا التوقيت، يطفو الملف الشيعي على السطح، لكن هذه المرة من نظام عربي لم يسبق أن برزت منه تناقضات أو تباينات مع النظام الإيراني، ليعيد طهران إلى المربع الذي اعتقدت أنها تجاوزته إلى الأبد، وهو العداء للفكر السني في العالم العربي، وبخاصة في منطقة شمال إفريقيا..   رسالة غير متوقعة بالتوازي مع هذه التطورات، تلقت إيران أنباء عن اختراق أمريكي جديد للبرنامج النووي الإيراني، كرسته رسالة الرئيس أوباما التي وجهها إلى نظيره الروسي، ميدفيديف قبل بضعة أيام، مشيرا من خلالها إلى إمكانية إعادة النظر في المشروع الأمريكي لنشر دروع مضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية، وذلك عبر تفاهمات أو “صفقة ثنائية محدودة”ـ كما يقول بعض المحللين ـ بشرط أن تتعاون روسيا مع واشنطن على محاصرة البرنامج النووي الإيراني، الذي تعدّ موسكو أحد أبرز الأطراف التي رعته وساهمت في تطور العديد من مكوناته.. ومعنى هذا، أن ثمة مشروعا لمقايضة النووي الإيراني بمصالح إستراتيجية روسية مع واشنطن، سواء عبر تمكين روسيا من دور متعاظم في آسيا الوسطى، انطلاقا من أفغانستان، أو من خلال الاعتراف الأمريكي الضمني بوزن موسكو وثقلها الهائل في حقلي النفط والغاز، أو من خلال تشريكها في عملية نزع السلاح النووي في العالم والمنطقة الشرق أوسطية بالتحديد، الأمر الذي لم تكن روسيا تعتبره جزءا من أجندتها في ضوء صراعها وتنافسها مع الولايات المتحدة على عديد الملفات والقضايا.. ولا شك أن إيران وهي تقرأ تصريح المسؤول الروسي بـ “ضرورة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من السلاح النووي، والانضمام إلى البروتوكول الملحق باتفاقية الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بمعاهدة حظر الانتشار النووي”، لا شك أنها قد أيقنت بأن الأمر ليس من قبيل الاستهلاك الإعلامي، بقدر ما يمثل نهجا جديدا في السياسة الأمريكية، على الرغم من أن هذا النهج لم تتبلور ملامحه بشكل نهائي إلى حدّ الآن.. الحبر والتوقيت الخاطئين لا يختلف اثنان على وجود خشية عربية وأمريكية وأوروبية، من الإرادة التوسعية الإيرانية في المنطقة، سواء من مدخل المصالح الاقتصادية أو التشيّع أو التحالفات السياسية، أو من خلال البرنامج النووي، بما جعلها تصنّف أمريكيا ضمن “دول الشر”، وعربيا كـ “خطر حقيقي” يهدد الوجود العربي واستقرار المنطقة.. ومع أن من حق إيران أن يكون لها موطئ قدم في السياسة الدولية، مستفيدة من موقعها وتاريخها وإمكاناتها النفطية والاقتصادية وثقلها السياسي، فإن الحرص على “تشييع” العالم العربي، أو إطلاق التصريحات التي تستنقص من استقلال بعض الدول العربية، بصرف النظر عن محدودية رقعتها الجغرافية (الحالة البحرينية)، كل ذلك لا يمكن فهمه إلا ضمن حالة من الإرباك السياسي الذي تمر به بعض قياداتها السياسية والدينية.. ونعتقد أن طهران، أيقنت أن ثمة مواجهة متعددة المداخل يجري التخطيط لها في مستويات إقليمية ودولية مختلفة ضدها، وعلى خلفية نزوعها التوسعي الذي قد يكون مشروعا بالمنطق السياسي الصرف، فاختارت إعادة الكرة إلى بعض العواصم في محاولة لدرء ما بدا هجمة منظمة عليها من ناحية، وجسّ نبض ردود فعل بعض الدول إزاء “التصريحات الاستفزازية الإيرانية”، خاصة فيما يتعلق بالمسّ بسيادة بعض الدول وحرمة ترابها.. لسنا حينئذ أمام “زلات لسان” إيراني، أو مجرد خطإ في تقدير بعض قياداتها الدينية أو السياسية، كما تردد، إننا إزاء جزء من استراتيجية لا تبدو معزولة عن طبيعة الفكر الإيراني ذاته، الذي يجنح إلى نوع من الغموض في بعض الفترات التاريخية، وهو ما يمثّل أحد أبرز مميّزات الفكر السياسي الفارسي قديما.. وسواء نجحت إيران في اختبار بعض الدول العربية ورد فعل البعض الآخر أم فشلت، إلا أنها كشفت أو اكتشفت بشكل واضح، أن حرثها الذي دأبت عليه في العالم العربي خلال عقد ونصف من الزمن، لم يؤت أكله بالشكل الذي كانت تتصور وتعتقد.. فما يزال ثمة الكثير من التخوف من طهران، وما يزال هناك الكثير من التردد إزاء الانفتاح العربي على إيران، بل ما يزال هناك رفض عربي لأي محاولة لكي تمدّد إيران رجليها في المنطقة، سواء كان العنوان، البرنامج النووي، أو البوابة الشيعية.. المطلوب من إيران في هذا التوقيت بالذات، أن تجفف الحبر الأحمر، لأن وظيفته ذات صلة بكل ما هو قطيعة وشطب وإلغاء وتضاد مع الآخرين، فيما هي تحتاج إلى حبر يجسّر ويعبّد الطريق أمام علاقات شفافة مع العالم العربي في المقام الأول، ومع المجتمع الدولي في المقام الثاني.. وهذا لن يتأتى إلا باستخدام الحبر الأزرق الناصع..   (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 22 مارس 2009)

أوباما حين يتراجع عن طموحات التغيير


بلال الحسن لا توجد مؤشرات تفيد بأن الرئاسة الأميركية الجديدة، لديها خطة عمل تنفيذية لإيجاد حل للصراع العربي ـ الإسرائيلي. المؤشرات تفيد بأن البيت الأبيض يسعى إلى تحريك الموضوع، يسعى إلى تحريك المفاوضات، يسعى إلى إيجاد حل جزئي في هذا البند أو ذاك. وفي الدبلوماسية يسمون ذلك دبلوماسية تحريك، أو دبلوماسية إدارة الأزمة، ولكن بعيدا عن دبلوماسية الحلول والاتفاقات النهائية. والجديد في إطار هذا الأسلوب، أنه لن يكون مرتبطا بتهديدات أميركية للفلسطينيين أو العرب على طريقة الرئيس السابق جورج بوش: افعلوا وإلا. أو على طريقته بتقديم وعدٍ مرضٍ للفلسطينيين (شعار الدولتين) ثم تقديم وعدٍ آخر مرضٍ للإسرائيليين (شعار الدولتين حسب شروط إسرائيل الاستيطانية). فالرئيس باراك أوباما هو صاحب شعار التغيير، والتغيير بالنسبة إليه يعني التخلي عن استراتيجية الحرب الوقائية فقط، ولكن الإغراء، والضغط، والمطالبة باستمرار نفوذ واشنطن، والدفاع عن حلفاء واشنطن مثل إسرائيل، يبقى قائما ومستمرا، ومن دون أن يشمله شعار التغيير. نقول ذلك لكي نفهم الرئيس أوباما من دون أوهام أو آمال عربية أو فلسطينية. ونقول ذلك وقد بدأت تتبلور أمامنا أمثلة عملية واضحة عن قرارات اتخذها أوباما، وتعبر عن هذا الذي نقوله. مثلا. أعلنت الإدارة الأميركية قبل أسابيع أنها لن تشارك في المؤتمر الذي تنظمه الأمم المتحدة ضد التمييز العنصري، وهو المؤتمر الذي يحمل اسم مؤتمر ديربان (مدينة في جنوب إفريقيا)، وسيعقد هذه المرة في جنيف. وسبب هذا الموقف الأميركي، أن وثيقة المؤتمر التي يجري إعدادها منذ الآن، ستتضمن إدانة للعبودية، وإدانة للعنصرية ضد السود، وضد كل مظهر آخر من مظاهر العنصرية، وسيتضمن هذا البند تأكيدا على عنصرية الحركة الصهيونية، وبخاصة في إطار سياسة إسرائيل ضد الفلسطينيين. هذه النقاط بالذات كانت في صلب وثيقة (مؤتمر ديربان) قبل سنوات، وبادرت الولايات المتحدة في حينه إلى رفض التوقيع على الوثيقة، وإلى الانسحاب من المؤتمر في أواخر أيام انعقاده، وها هي الآن تعلن مسبقا أنها لن تشارك في أعمال المؤتمر. وقد بادرت إسرائيل فور الإعلان عن الموقف الأميركي هذا، إلى إعلان ترحيبها بهذا الموقف الأميركي. نحن إذاً أمام موقف سياسي أميركي، يقف ضد مؤتمر تنظمه الأمم المتحدة، دفاعا عن إسرائيل، وحماية لها من تهمة العنصرية. ومن المؤكد أن هذا الموقف يرضي مراكز الضغط الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة الأميركية، ويؤكد وجودها، واستمرار نشاطها، واستمرار رضوخ الرئاسة الأميركية للضغوط التي تمارسها، تماما كما كان الحال أيام الرئيس بوش. إنما يتم اتخاذ القرار الأميركي هذه المرة بلغة أقل عدوانية. ولكن هناك جانبا آخر في هذا الموقف الأميركي، وهو أن الرئيس أوباما (الأسود)، والذي انتخبه السود الأميركيون بكثافة، سيتخلى أيضا عن إعلان موافقة أميركية على بيان يتضمن إدانة للعبودية التي عانى منها السود في أميركا حتى العام 1960. إن «التغيير»، وهو شعار أوباما الأساسي، لا يشمل خوض المعركة ضد العبودية، أي أن هناك سقفا للتغيير الذي يتحدث عنه أوباما، حتى في مسألة أميركية داخلية، كبيرة وحساسة. موقف أوباما هذا يمثل خيبة أمل للكثير من الأميركيين قبل سواهم، وتتشجع به دول أخرى (استراليا) فتعلن موقفا مماثلا يقاطع مؤتمر ديربان. وثمة وجه آخر للمسألة، وهو أن اللوبي الإسرائيلي لا يزال فعالا، ولا يزال ضاغطا، ولا يزال قادرا على ممارسة ضغوط لصالح إسرائيل. وشهدنا قبل أيام، معركة جديدة، بادر إليها اللوبي الإسرائيلي ضد أوباما بالذات، إذ حين اتضح أن أوباما يريد (تشاس فريمان) رئيسا لـ«المجلس الوطني للاستخبارات»، صوتت الأغلبية في مجلس الشيوخ ضد هذا التعيين، وقيل صراحة بعد ذلك إن سبب هذا الرفض، هو مواقف المرشح المذكور ضد سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، ومواقفه أيضا ضد سياسات أميركية معادية للصين. إن اللوبي الإسرائيلي يقول للرئيس الأميركي بكل صفاقة وبكل تحدٍ: نريد مشرفا على الاستخبارات صديقا لإسرائيل ومعاديا للصين. بينما قال فريمان نفسه، إن اللوبي الإسرائيلي يشن علي حملة بسبب العلاقة القوية التي بنيتها مع السعودية عندما عملت فيها كسفير. وحين يقبل الرئيس أوباما هذه النتيجة ولا يتحداها، فإنه يعلن توافقه مع مطالب اللوبي الإسرائيلي، وحتى بعد أن تعالت أصوات أكاديمية ذات وزن، تطالب بأخذ مصالح أميركا، وليس مصالح إسرائيل، بعين الاعتبار، عند بلورة قرارات السياسة الخارجية الأميركية. أما نصيبنا نحن العرب، ونحن الفلسطينيين، من هذه السياسة المرنة، والمتراجعة، التي يمثلها أوباما، فهو (جورج ميتشل)، الذي جاءنا مدعما بتقريره عن الوضع الفلسطيني ـ الإسرائيلي عام 2002. لقد أعلن ميتشل في ذلك الحين تقريره الوسطي، الداعي من جهة إلى وقف الاستيطان الإسرائيلي، والداعي من جهة أخرى إلى وقف الانتفاضة الفلسطينية (وقف الإرهاب الفلسطيني حسب التعبيرات الأميركية الشائعة). وربما يكون ميتشل رجلا طيبا، وسيضغط على إسرائيل لتنفيذ (خارطة الطريق)، أي سيضغط لتنفيذ إيقاف الاستيطان الإسرائيلي، وإزالة بعض المستوطنات (المستوطنات غير القانونية كما يقولون، وكأن بقية المستوطنات قانونية)، ولكنه لن يستطيع أن يتخطى ذلك نحو أفق سياسي للحل. ولكن «إيجابية» ميتشل تعني بالعمق «سلبية» السياسة الأميركية، و«سلبية» أوباما في التعامل مع القضايا العربية. هذا الواقع الأميركي. وهذا الواقع الأميركي ـ الإسرائيلي، لا بد أن يأخذه المتفاوضون الفلسطينيون في القاهرة بعين الاعتبار. أولا؛ الفريق الفلسطيني المؤمن بالتفاوض، ولا شيء غير التفاوض، عليه أن يعرف سقف المفهوم الأميركي للتفاوض الذي يرعاه بين الفلسطينيين وإسرائيل، فيخفف من حماسه له، ويخفف بشكل خاص من استعماله كأداة جلد للآخرين ضد مواقفهم الداعية للمقاومة، أو لشيء من المقاومة على الأقل، ضد الاحتلال الإسرائيلي. وأن يخفف بشكل عملي من الدعوة إلى تشكيل حكومة فلسطينية تحظى بالقبول من الجهات الدولية، لأن هذا المطلب الذي يبدو بريئا وإيجابيا، يتضمن تراجعا سياسيا كبيرا حتى قبل أن تبدأ المفاوضات عبر القيادة الأميركية الجديدة. ثانيا؛ الفريق الفلسطيني المعارض لنهج السلطة الفلسطينية، والذي خاض معركة غزة ببطولاتها ومراراتها التدميرية، عليه أن يدرك سرعة حركة رياح السياسة الدولية، وأنها ليست سرعة كافية لاندفاع سفينة النضال الفلسطيني بالقوة المرغوبة. ثالثا؛ الفريق العربي الراعي للمصالحة الفلسطينية، معني أيضا بإدراك مغزى الإشارات الأميركية، والتي تحتاج إلى استنباط استراتيجية عربية من نوع خاص، لا تتفاءل إلى حد الوهم، ولا تتشاءم إلى حد السلبية. وتحاول أن تضع قاعدة جديدة (وصعبة)، تكون أساسا لعلاقة جديدة مع الفلسطينيين، مقاومة وسياسة، وليس سياسة فقط.    (المصدر: جريدة الشرق الأوسط (يومية – بريطانيا) بتاريخ 22 مارس 2009)


روى لـ«الحياة» قصة مطاردة طويلة غيّرت وجه العراق وهزت توازنات المنطقة (1) …
 أحمد الجلبي: عميل مزدوج خدع الـ«سي. آي. أي» وكشف خطة الإنقلاب انطلقت الحرب قبل موعدها المقرر «لأن فرصة قتل صدّام قد لا تتكرر»


حاوره غسان شربل     الحياة     – 21/03/09// كلما صدر كتاب عن الغزو الأميركي للعراق يحضر اسم الدكتور أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي». والأمر نفسه كلما تناول مقال المغامرة المجنونة التي ارتكبتها إدارة الرئيس جورج بوش. ويقفز الاسم الى الواجهة في حلقات العراقيين والقسوة جزء منها وحلقات العرب التي لا تعوزها السهام. لا تنكر الكتب والمقالات والأحاديث ذكاء الرجل ودوره الحاسم في اغتيال نظام صدام حسين. لكن معظمها يمطره باتهامات خطيرة. «انه الرجل الذي دفع اميركا الى الحرب». «انه الرجل الذي استدرج الأميركيين الى المستنقع العراقي». «انه الرجل الذي ضلل الاستخبارات الاميركية واخترع شهوداً فبركوا روايات أسلحة الدمار الشامل والمختبرات الجوالة». «انه الرجل الذي ضلل كبريات وسائل الاعلام الأميركية ومعها الرأي العام في القوة العظمى الوحيدة». «انه الرجل الذي حصل على موافقة ايران على قرار الغزو الاميركي ونقل إليها أسراراً دفعت القوات الاميركية الى مداهمة مكتبه». «انه الرجل الذي أسس البيت الشيعي بعدما تمتع تنظيمه على مدار سنوات بدعم مالي اميركي». «انه الرجل الذي كان وراء صدور قانون تحرير العراق واقنع المحافظين الجدد لاحقاً بأن اسقاط نظام صدام هو فرصتهم لتغيير العراق والمنطقة فسارعوا بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) الى اغتنامها». «انه الرجل الذي حلم بانتزاع رئاسة عراق ما بعد الغزو وحين تعذر عليه ذلك راح يشاكس ويهاجم ويعرقل ويؤلب جهات اميركية ضد أخرى». وعلاوة على الاتهامات السياسية اتهامات شخصية «بالضلوع في الفساد». قرأت الاتهامات وسمعتها ولم اكن اعرف الرجل ولم يصدف ان التقينا. بدت قصة الرجل مثيرة، إذ لم يحدث من قبل ان اتهم فرد عربي بدور أدى الى تغيير في موازين القوى في العراق والمنطقة معا. نصحني سياسي صديق بعدم الاقتراب من الرجل لأن مجرد فتح دفاتره سيثير حفيظة بحر من الاعداء كما قال. ضاعفت النصيحة حشريتي. الصحافة لا تبحث عن الابرياء ولا تعيش على قصص القديسين. للمرة الأولى سيروي احمد الجلبي قصته. سيحكي عن زيارته لمعتقل اسمه صدام حسين وعن الحرب الاميركية التي اطاحته وعن اعتقاله. سيروي ما سبق الحرب وموقف ايران منها والأخطاء التي ارتكبت بعد الانتصار الاميركي. سيتحدث عن علاقته ببول بريمر الرجل الذي وُضع العراق في عهدته بعد اقتلاع نظام صدام وحلّ الجيش العراقي واجتثاث البعث وعمليات النهب الفظيعة التي حدثت. وسيروي مسار الجهود التي بذلها بعدما استنتج ان اسقاط نظام صدام حسين مستحيل من دون اقناع اميركا بإسقاطه. انها قصة سنوات طويلة تسرب الجلبي خلالها الى أروقة الكونغرس والـ «سي آي أي» ووزارة الدفاع وكواليس صناعة القرار. تأتي مشاركة الجلبي لتكمل الصورة في الشق العراقي من سلسلة «يتذكر» والتي شملت حتى الآن كلا من: جلال طالباني ومسعود بارزاني وعزيز محمد وحازم جواد وصلاح عمر العلي ونزار الخزرجي وحامد الجبوري وابراهيم الداود وعبدالغني الراوي. وهنا نص الحلقة الأولى: > انطلقت القذيفة الأولى في حرب إسقاط صدام حسين، أغارت الطائرات الأميركية، أين كنت في ذلك الوقت وماذا فعلت؟ – جئت من تركيا يوم 17/3/2003 وكنا قد دخلنا الى كردستان في كانون الثاني (يناير) 2003. > كيف دخلت؟ – مشياً على الأقدام من إيران. > وبعلم السلطات الإيرانية؟ – طبعاً، السلطات الإيرانية أقامت لنا وداعاً رسمياً، دخلت من إيران واجتمعنا مع القيادات المعارضة التي كانت موجودة هناك. > مثل من؟ – المرحوم المرجع السيد محمد باقر الحكيم – وقادة حزب «الدعوة» و «منظمة العمل الإسلامي»، كانوا موجودين في إيران، وكان معي في ذلك الحين في الرحلة الى إيران الأستاذ كنعان مكية، واللواء وفيق السامرائي والدكتور لطيف الرشيد وزير الموارد المائية العراقي الحالي. اجتمعنا مع قيادات المعارضة العراقية ومع المسؤولين في إيران. > مَنْ من المسؤولين الايرانيين؟ – مع وزير الخارجية في ذلك الحين كمال خرازي، ومع العميد قاسم سليماني مسؤول «قرار غاه القدس». > يعني فيلق القدس؟ – واجتمعنا مع العميد محمد جعفري، الذي كان في مجلس الأمن القومي الإيراني ومع الشيخ هاشمي رفسنجاني. واجتمعنا أيضاً مع العميد سيف الله الذي كان مسؤول قرار «غاه نصر»، يعني قيادة نصر التي كانت تدير علاقات الجمهورية الإسلامية مع المعارضة العراقية، وهذا الاجتماع جاء بعد مؤتمر لندن الذي عقدته المعارضة العراقية في كانون الأول (ديسمبر) 2002 وقبله حصل اجتماع في طهران، حضره الأستاذ مسعود بارزاني الرئيس الحالي لإقليم كردستان وأيضاً المرحوم آية الله السيد محمد باقر الحكيم ومندوب عن الأستاذ جلال طالباني هو كسرت رسول وأنا لتحديد ما سيخرج من تصورات مشتركة عن مؤتمر لندن للمعارضة. اتفقنا في ذلك الاجتماع، علماً أننا عقدنا اجتماعات اخرى في طهران، على تأليف حكومة عراقية موقتة. بعد ذلك عقدنا مؤتمر لندن، الأميركيون كانوا موجودين، كان السفير زلماي خليل زاد ممثلاً الرئيس جورج بوش، وكان مسؤولون أميركيون من «سي أي إي» ومن وزارتي الخارجية والدفاع، وكلهم كان ضد تشكيل حكومة موقتة. > لماذا؟ – لأنه كان هناك اتجاه قوي جداً في الإدارة الأميركية يدعو الى تشكيل سلطة احتلال أميركية أو مع الحلفاء، وكانوا لا يريدون قيام حكومة عراقية موقتة، والذين كنا نعتمد عليهم داخل الإدارة الأميركية لتأليف هذه الحكومة لم يضغطوا بما فيه الكفاية لتحقيق هذا الأمر. لذا عرقلوا تأليف الحكومة في مؤتمر لندن واتفقنا على أن يشكل المؤتمر لجنة من 65 شخصاً يجتمعون في صلاح الدين في  كردستان العراق في شهر كانون الثاني (يناير) 2003 للبحث في تنفيذ قرارات المؤتمر وتعيين هيئة تنفيذية لذلك، لكن الاجتماع تأخر. ذهبنا الى العراق، وكان من المفترض أن يعقد المؤتمر في 15 كانون الثاني لكنه لم يعقد، فذهبنا الى إيران في 17 كانون الثاني مع الجماعات التي أخبرتك عنها وبعد ذلك دخلنا الى العراق في نهاية الشهر المذكور. الدخول من إيران > دخلت سيراً على الأقدام؟ – نعم وهناك صور لدخولنا الى العراق، عبرنا من منطقة الحدود في بيرنشهر الى الحاج عمران سيراً على الأقدام الى العراق واستقبلنا وفد من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» وضم أحد أعضاء مكتبهم السياسي الأستاذ فلك الدين كاكائي وذهبنا من الحاج عمران باتجاه صلاح الدين، اجتمعنا مع الأستاذ مسعود وبعد ذلك توجهنا الى منطقة دوكان على بحيرة دوكان، وأخذنا مقراً أمّنه لنا الرئيس العراقي الأستاذ جلال طالباني، وكان آنذاك الأمين العام لـ «الاتحاد الوطني الكردستاني». وبدأنا العمل في دوكان، وكان ذلك في أول شهر شباط (فبراير) 2003، وتأخر عقد مؤتمر صلاح الدين الذي كان يفترض أن يحضره الـ65 شخصاً الذين لم يوافقوا على مؤتمر لندن، وكان هناك شكوى وتردد من قبل الولايات المتحدة لإرسال مندوب عنها، ومع ذلك أصررنا على عقد المؤتمر، فجاء وفد أميركي برئاسة السفير زلماي خليل زاد وكان هناك أيضاً وفد إيراني برئاسة العميد محمد جعفري من قيادة مجلس الأمن القومي في إيران وهو على علاقة حميمة بالعراقيين وخصوصاً الأكراد الذين حارب الى جانبهم لمدة 8 سنوات خلال الحرب ضد صدام. وبعد ذلك كان على علاقة طيبة بهم وله تأثير عليهم. وجاء في ذلك الوقت الى صلاح الدين. > هذا في شباط؟ – نعم وعقد مؤتمر صلاح الدين، وقررنا تأليف حكومة عراقية موقتة، ولكن خليل زاد وبناء على أوامر الحكومة الأميركية، عارض ذلك. > أوامر من؟ – البيت الأبيض كانت سياسته تقضي بعدم تشكيل حكومة موقتة. > ما تفسيرك لهذا الموقف؟ – تفسيري أنهم كانوا لا يريدون أن تسيطر المعارضة العراقية على هذه الحكومة، وكانوا يعتقدون، خصوصاً الـ «سي آي أي»، انه بإمكانهم الحصول على تأييد قادة عسكريين في العراق، وأعضاء في حزب البعث لتغيير صدام والتمرد عليه، وكانوا حتى آخر لحظة يتوقعون أن يلعب هؤلاء دوراً في التغيير في العراق وكانوا يقولون إن تأليف الحكومة الموقتة سيجعل هؤلاء ينكفئون عن دعم تغيير صدام ويُجبرون على الوقوف معه. > أنتم كنتم تريدون تأليف حكومة انتقالية؟ – نعم، حكومة عراقية موقتة Provisional Government. > حكومة موقتة قبل إسقاط النظام؟ – نعم، ويكون مقرها في العراق وتشارك في عملية التحرير. هذه كانت نقطة مهمة جداً. > هل كان الأميركيون يراهنون على ما يشبه الانقلاب العسكري؟ – نعم، هذه كانت أحلامهم. > وكانت لديهم علاقات مع عسكريين كبار؟ – خدعتهم المخابرات العراقية، خدعهم صدام. > كيف ذلك؟ – أنصحك بأن تقرأ كتاب War and discussion الذي كتبه دوغلاس فايث وكيل وزير الدفاع الأميركي ونشر سنة 2008. يصعب جداً الرد على النقاط التي يذكرها الكتاب لأنها مدعمة بوثائق ومحاضر من مجلس الأمن القومي، وأيضاً كتاب بوب وودورد، الأميركيون، حلم الـ «سي أي إي» بالاتصال بضباط عراقيين قصة تاريخية، وهي أحد أسباب خلافنا العميق معهم. قبل سقوط صدام كان لدى الـ «سي أي إي» ستيفن ريختر، مدير محطتها في عمّان خلال حرب الكويت سنة 1991، وفي ذلك الحين، التقى ريختر اللواء المتقاعد محمد عبدالله الشهواني في عمان، وهو الآن رئيس المخابرات العراقية. الطريق الى الانقلاب > بداية المؤامرة؟ – كانت بداية المؤامرة، التقاه هناك، وكان أيضاً يعزز هذه العلاقة باستمرار، وكانوا في الـ «سي أي إي» يعتقدون أن لديهم اتصالاً مباشراً بمجموعات من الضباط العراقيين عن طريق الشهواني ومن عرّفهم اليه. خلفية هذا الاتصال تعود الى حادثة مقتل عدنان خيرالله الذي كان وزيراً للدفاع وهو ابن خال صدام في حادث مروحية، وجرى اتهام صدام انه وراء مقتله. كانت تحيط بعدنان خيرالله مجموعة من الضباط، وكان لديهم وضع مميز، منهم الشهواني وعدنان محمد نوري، الذي كان في «الوفاق» في كردستان، ومنهم محمد نجيب الربيعي، ابن الفريق نجيب الربيعي الذي كان رئيس مجلس السيادة في زمن عبدالكريم قاسم وهو ضابط عراقي قديم ومحترم وقدير، وآخرون أحدهم ضابط موجود الآن في العراق، ما زال يعمل بشكل ما، لا أريد أن أذكر اسمه لأنه قد يُحرج. هؤلاء كانوا من جماعة عدنان خيرالله، وأيضاً منهم وزير الدفاع الحالي عبدالقادر العبيدي (أبو محمد)، طبعاً اعتقله صدام، هؤلاء كانوا على علاقة طيبة بعدنان خيرالله وعندما قتل الأخير فإن هؤلاء إما أُخرجوا أو أُبعدوا أو هاجروا. فاتصال ريختر بالشهواني كان سبباً لقيام اتصال بينهم وبين الاستخبارات الأميركية. > بعد مقتل عدنان خيرالله؟ – نعم، ثم تطور الأمر كثيراً بعد غزو صدام للكويت. فبدأوا يجرون اتصالات، وكانوا يعتقدون انهم يستطيعون القيام بانقلاب، خصوصاً بعد نهاية حرب الخليج واستمرار صدام في عرقلة تنفيذ القرارات التي وافق عليها وفي تهديد أميركا وأصدقائها في الكويت والسعودية. كل هذا الكلام الذي أقوله ثبت بعد ذلك من وثائق المخابرات التي وقعت في حوزتنا. كان الأميركيون يفكرون بالانقلاب العسكري، وفشلوا طبعاً، وأنت تعرف وضع حركة الـ96 وهناك معلومات كثيرة لم تنشر، تجعلك تستغربها. مثلاً من كان يقود العملية في العراق، من هو صلة الوصل. صلة الوصل اسمه عزت محمد عبدالرازق عفيفي. وهو مصري كان يعمل في السفارة المصرية في بغداد. > ماذا كان دوره؟ – كان مراسلاً للحقيبة الديبلوماسية، يأخذها من السفارة المصرية في بغداد الى عمان، لكنه في الحقيقة كان يعمل للمخابرات العراقية منذ سنة 1982، وهناك ملف يخصه في المخابرات، يصلح لتصوير فيلم. كان عفيفي صلة الوصل بين الشهواني والمتآمرين في بغداد. كأن يأخذ أموالاً وأجهزة اتصال الى بغداد ويسلمها للمخابرات العراقية لتطلع عليها وتلتقط صوراً للأموال وتسجلها ثم تسلمه إياها فيرسلها الى المتآمرين، فكانت الاستخبارات على علم كامل بالقضية. أنا كنت في كردستان في شهر 11 من سنة 1995 في مهمة لعقد اتفاق سلام بين الأطراف الكردية المتصارعة في ذلك الحين، وكان هناك وفد أميركي من وزارة الخارجية برئاسة السفير بوب دويتش، ذهبنا الى هناك وكنا سنصل الى اتفاق. كان مسؤول المخابرات في «المؤتمر الوطني» أراس حبيب على اتصال بضباط مخابرات عراقيين في بغداد، أحدهم أرسلته الحكومة في مهمة سرية الى أربيل، فاتصل بأراس وأبلغه بضرورة الابتعاد عن المؤامرة التي كان يحضر لها الشهواني والدكتور إياد علاوي لأنها مكشوفة لدينا، ابتعدا عنها. جاء اراس الي وأبلغني ذلك، قلت له تواصل معه لمعرفة المزيد، فقال إن معلوماته نقلاً عن ضابط المخابرات العراقي، تؤكد ان الأجهزة التي تأتي الى بغداد يحضرونها الى المخابرات لمعاينتها ثم نسلمها والعملية نديرها نحن. بعد هذه المعلومات الخطيرة ذهبت الى أميركا وطلبت اجتماعاً مع مدير «سي آي أي» في ذلك الحين جون دويتش، في عهد بيل كلينتون، وكان نائبه في ذلك الحين جورج تينت، فتم ترتيب الاجتماع وأحضر معه ريختر. أخذت معي كتاب حنا بطاطو عن العراق الى دويتش، وكان أستاذاً في جامعة «ام أي تي» التي درست فيها، كان قبلي بسنوات درس فيها ثم صار استاذاً للكيمياء. في أول اللقاء تحدثنا عن الجامعة، وأنا كنت على وشك أن أدرس الكيمياء، وعندما أنهينا هذا الحديث، قلت: «أنتم دولة كبرى تعملون ما تريدون، لكننا نحذركم، أنتم لستم مضطرين أن تقولوا لنا، لكن نحذركم من أن مؤامرة تحيكونها في بغداد ولديكم ضباط «سي آي أي» في عمان لهم مكان خاص في المخابرات الأردنية ويلتقون مع ضباط عراقيين، والمؤامرة هي بقيادة الشهواني وعلاوي وهذه مكشوفة للمخابرات العراقية. ولتأكيد كلامي، أنتم ترسلون أجهزة اتصال (بالساتيلايت وأجهزة تشويش) وأموال وعندكم حلقة وصل وبعض الأجهزة موجودة لدى المخابرات العراقية ولدينا معلومات عن ذلك من المخابرات العراقية، فاحذروا. حل صمت رهيب، وكان أحدهم ينظر الى الآخر لمدة نصف دقيقة، قلت لهم شكراً ومع السلامة. وذهبت الى أصدقاء في أميركا وقلت لهم اشهدوا أنا قلت لدويتش ذلك. أحدهم اتصل بتينيت، قال له: يا جورج أنا عند فلان يقول إن مؤامرتكم في العراق مكشوفة، شكلوا فريقاً من خارج الـ «سي آي أي» لديهم security clearance ليعرف ما يجري»، فرد عليه: «ان الوضع تحت السيطرة». بعدما انكشفت المؤامرة بدأت الـ«سي آي أي» تتهمني بأنني أنا من كشفها، وكانت هذه إحدى التهم التي أطلقوها ضدي، وثبت كذبها بالوثائق التي اكتشفناها في ملفات المخابرات العراقية عن تسلسل اكتشاف هذه المؤامرة. وهذه قصة تستحق كتاباً، لدينا ثلاثة ملفات حولها تبدأ من العام 1993. > بالعودة الى المؤامرة في العراق، كان الدكتور إياد علاوي على اتصال  بحركة «الوفاق» العراقية، ومع ضباط كان بينهم رئيس الاركان السابق نزار الخزرجي فمن شارك في إخراجه؟ – الحزب الديموقراطي الكردستاني بطلب من «سي آي أي». أحضروه من الموصل وعبروا به الى كردستان ثم أخذوه الى تركيا. في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عندما كنا في كردستان وصلني خبر من لندن مفاده أن الملك حسين يريد التحدث الي هاتفياً، أحضرنا هاتفاً مشفراً وتحدثت اليه، قال لي إنه يريد التحدث الى الأستاذ جلال والأستاذ مسعود. > متى كان ذلك؟ – في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1995. كنت في كردستان، وكان حسين كامل ذهب الى الأردن. كنت التقيت به في ايلول (سبتمبر) في لندن، قال لي (الملك حسين) إنه يريد عقد اجتماع للمعارضة العراقية في عمان يحضره السيد محمد باقر الحكيم والأستاذان مسعود وجلال وأنا. قلت له: طيب تفاهم وإياهم، قال: أريد أن ترتب مكالمات معهم. قلت له إن الاتصال بجلال سهل لأنه موجود في أربيل لكن مسعود موجود في منطقة بارزان وهو في حال قتال مع جماعة أوجلان، «بي كي كي». سألني الملك حسين ما هي «بي كي كي». فقلت لهم انهم «حزب العمال الكردستاني» فقال تعلمت معلومة جديدة، أرسلنا الهاتف الى جلال وكلمه، وكذلك أرسلناه الى الأستاذ مسعود وكلمه أيضاً، وبعدها تحدث مع السيد محمد باقر الحكيم في طهران لكن لم يكتب لهذا الاجتماع أن ينجح، الملك حسين أرسل مدير المخابرات الأردنية مصطفى القيسي الى لندن وطلب الاجتماع بي، كنت عند أخي الدكتور حسن، التقيته في لندن وقال إن الملك حسين يريد أن يحل مشكلته معي وإن ما حصل معي في الأردن مؤامرة علي وعلى الملك، وانه مقتنع بذلك ويريد حلها. قلت له: طيب ولكن عندي شغل. > هل كان ذلك في بداية 1996. – نعم وبعد وصولي الى لندن، اتصل بي في الصباح الثاني المرحوم السيد مجيد الخوئي، قال لي: عندي اللواء مصطفى القيسي مدير المخابرات الاردنية يريد لقاءك. ذهبت والتقيته على مدى 11 ساعة تناولنا الفطور والغداء والعشاء. > أطول اجتماع ممكن؟ – طويل جداً، قال إنه مكلف إعداد تقرير للملك حسين عن كيفية مساعدة المعارضة، تحدثنا كثيراً. وقال لي إنه قد يتم تغييره وسيأتي صديقي الذي كان وزيراً للخارجية عبدالكريم الكباريتي رئيساً للوزراء، وكانوا يريدون اطلاق العملية من الأردن. كنت أتحدث عن حركة عسكرية شعبية ضد صدام. الملك حسين نفسه، خلال اجتماعي معه في الشهر التاسع في لندن، قال لي: الانقلاب لن يحصل، والمطلوب حركة، هناك جنود عراقيون يلجأون الينا. لو عندنا إمكانات نشكل لواء وأنتم لديكم قوات في كردستان ونتحرك ضد صدام. الملك حسين لم يكن مقتنعاً بأن الانقلاب ممكن. غادر مصطفى القيسي الى عمان وكتب تقريره الى الملك حسين وأرسله الي طالباً التعليق عليه، وكانت لدي تعليقات بسيطة أرسلتها اليه. عندما عاد الملك حسين الى لندن في الشهر الثالث من عام 1996، كان الانقلاب بدأ في بغداد ولم يكن يملك تفاصيل كثيرة عنه، علماً أنه في عمان، واجتمعنا أيضاً بسعدي ومجموعة من المعارضة العراقية في لندن في منزل المرحوم السيد مجيد الخوئي. بعد ذلك، انكشفت المؤامرة، وذهبت الى أميركا وأبلغت دويتش بالقضية التي ذكرت وانكشفت المؤامرة بعد اجتماعي معهم بثلاثة أشهر، في 17/6/1996. وعندنا تقرير المخابرات وهو تقرير موجه من رئيس المخابرات الى صدام يذكر فيه اعتقال المتآمرين. > من كان رئيس المخابرات العراقية؟ – أعتقد انه كان طاهر جليل الحبوش. أخذوه الى الأردن قبل أسبوع من الحركة وأعطوه 5 ملايين دولار على أساس أن يزودهم معلومات عن العراق، لكن هذه قصة أخرى. في العام 2003، اتصلوا به وبناجي صبري الحديثي الذي كان وزيراً للخارجية، والنتيجة أن المؤامرة كُشفت، لكن المستغرب أنه بعد أيام على انكشافها لم يكونوا في عمان يعرفون ذلك على رغم الاعتقالات. القصة غريبة، ذلك أن المخابرات العراقية أرسلت عزت محمد عبدالرازق عفيفي الى عمان للحصول على مزيد من الأموال من الشهواني فدفع له بعد الاعتقالات بثلاثة أيام. كان الشهواني في عمان وخلال وجوده ذهب ثلاثة شباب شهداء، أعدموا ومعهم كما اعتقد 39 ضابطاً بينهم 7 من عشيرة السواعد. هؤلاء قضوا شهداء في مقاومة صدام، أحدهم يدعى إياد طعمة صبري الساعدي، كان يدير الحركة في بغداد وكان نشيطاً جداً، والنتيجة اعدام 39 شخصاً في 5/9/1996، بعدما كشفت قضيتهم المكشوفة منذ زمن، وكانوا قد اعتقلوا في 17/6/1996. أخذ الأميركيون الشهواني وأرسلوه الى لندن ثم الى أميركا. الوضع كان مأسوياً. اتصلت به المخابرات وهو في لندن وجعلوا أولاده يتحدثون اليه هاتفياً وقالوا له: الأفضل أن تتعاون معنا أو نعدمهم. كانوا شباباً، وأعدموهم في بغداد. كان اثنان منهم ضابطين احدهما في القوات الخاصة أخذته المخابرات الأميركية الى أميركا وظلت تتعاون معه هناك بعد انكشاف القضية. رتبت له وضعاً خاصاً في أميركا. كانت فكرة الانقلاب لا تزال تراودهم، وفي ربيع عام 2002 نظمت المخابرات زيارة سرية للأستاذين مسعود وجلال الى واشنطن، أخذوهما بالطائرة من فرانكفورت الى مكان خاص بـ «سي آي أي» واجتمعوا معهما من دون وجود ممثلين عن الأطراف في الحكومة الأميركية، واتفقوا معهما على إرسال بعثة حكومية اميركية الى كردستان. ومضت ثلاثة اشهر، ولم يرسلوا البعثة، وفي الشهر السابع جاء فريق من «سي آي أي» الى كردستان ومعه كمية من المال، واتصلوا بجماعة صوفية، برئاسة الشيخ محمد عبدالكريم الكثنزاني، هؤلاء من الدراويش ولهم علاقة بعزت الدوري الذي كان يحب الدروشة. مريدو هذه الجماعة من الأكراد ومن مناطق مختلفة في شمال العراق ووسطه بين العرب، خصوصاً في منطقة تكريت والدور. ولمحمد عبدالكريم الكثنزاني ولدان، أحدهما اسمه غاندي والثاني نهرو، هذا الفريق الاميركي اتصل بهما وقالا له إنهما يعرفان ضباطاً في حرس صدام الخاص أحدهم اسمه روكان الرزوقي، وصارا يأتيان لهم بمعلومات فزودوهما بهاتف الثريا، وبطبيعة الحال كان صدام يخترق هذه الشبكة وعلى علم بما يجري. نحن كنا نعرف كل هذه القضايا، ونعرف أن فريق الـ «سي آي أي» على اتصال بهؤلاء لكن لا نعرف التفاصيل. كان في ذهن الاميركيين أن لديهم أشخاصاً في الداخل من ضباط صدام، هذه كانت المصيبة الكبرى، وعندما بدأت الحرب في 19 آذار 2003 ليلاً، كنا دعونا الى اجتماع مع خليل زاد في تركيا، أنا لم أكن أريد الذهاب إلا أنهم أصروا علي للذهاب فذهبت. > كان هذا ليلة الحرب؟ – وصلنا الى تركيا قبل يومين وكان يفترض أن نعود في صباح 19 آذار. كيف حصلت الحرب؟ التقى جورج تينت مع جورج بوش وقال له إن لديهم معلومات مؤكدة أن صدام موجود في مزرعة في منطقة الدورة في بغداد، لكنه أوضح أن احفاد صدام الى جانبه، فتوقف بوش عند هذه المسألة، وخاف أن يتم القصف والأحفاد هناك ويسقط ضحايا، لكنهم قرروا أن يقصفوا. من أين هذه المعلومات؟ انها من شبكة كردستان، من  أولاد الكثنزاني الذي يسمون جماعته في اميركا Rock stars، قرر بوش قصف مزرعة الدورة لقتل صدام، وأرسلوا صواريخ كروز وطائرات «ستيلث»، وكانوا يريدون شن الحرب بعد 48 ساعة، لكن اعتبروا ان هذه الفرصة لا تتكرر وأن القصف ربما ادى الى قتل صدام. كانت لديهم قناعة أن صدام قتل في الغارات لكننا نحن عرفنا أنه لم يقتل، وظهر الصحاف يهزأ بهم وكذلك أحد الوزراء الآخرين في برنامج تلفزيوني بعد ساعة من القصف، بعد أن اعلن الأميركيون أن صدام قتل أو أصيب وانه شوهد منقولاً على حمالة. نحن عرفنا بالأمر ورجعنا الى كردستان وعندما بدأت الحرب كنا هناك. في 19 آذار عدنا الى أنقرة فماردين ومن هناك بالسيارات الى منطقة سيلوب ووصلنا الى دوكان في ذلك اليوم وكان القصف بدأ. > هل كان لديك علم بموعد الحرب؟ – لا، إنما كانت القضية واضحة، لأننا أثناء وجودنا في كردستان جاء الأميركيون لإقامة قاعدة في مطار حرير في سهل حرير شمال بلدة شقلاوة وجنوب مضيق سبيلك، وأحضروا طائرات وأجهزة وأتوا الى السليمانية وعملوا إنزالاً فيها. كانت لدينا جماعة في الكويت مع جاي غارنر اول حاكم اميركي للعراق وكنا نعرف بالاستعدادات لكن ليس التوقيت. الأميركيون أنفسهم لم يكونوا يعرفون التوقيت، فقرار الهجوم اطلق عليه Decapitation واتخذه بوش فجأة ليلة 18/19 آذار في واشنطن. > هل كانت ايران على علم بالحرب قبل بدايتها؟ – نعم كان الإيرانيون على علم وكانوا يتابعون ذلك. كان أحد القادة الإيرانيين موجوداً في دوكان وكان على اتصال مستمر مع قيادات المعارضة في كردستان، يعني الأستاذ مسعود والأستاذ جلال والسيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي وأنا كنت موجوداً. > من كان ذلك الضابط الإيراني؟ – لن أقول لك. > يبدو انه كان ضابطاً كبيراً. – نعم، وكانت هناك بعثة إيرانية، والأميركيون كانوا على علم بذلك. في مؤتمر صلاح الدين كانت تحصل مشاكل، وكان خليل زاد يطلب من آخرين في المعارضة أن يتدخلوا لدى الإيرانيين لحل المشاكل. > إذاً إيران كانت تؤيد اسقاط صدام. – نعم، وأعتقد أنه لو عارضت إيران إسقاط صدام لكانت العملية أصعب بكثير. > هل ساعدت ايران على اسقاطه؟ – لم ترسل قوات، لكنها سهلت عبور المعارضة ولم تضع عراقيل أمام تعاون قادة المعارضة الإسلامية الموجودين على اراضيها. قوات فيلق بدر كانت دخلت الى كردستان في منطقة ميدان، أي الجزء الجنوبي من إقليم كردستان ما أثار توتراً بين الاميركيين فقصفوا «أنصار الإسلام» في منطقة بياره وطويلة، وبعد القصف هجم «الاتحاد الوطني الكردستاني» على «الانصار» وطردهم، وكان هناك شعور بأن الأميركيين يريدون ضرب الإسلاميين قبل الحرب، خصوصاً أن الضباط الاميركيين كانوا يملحون الى انهم سيضربون «فيلق بدر». أنا اتصلت بقيادة فيلق بدر وتكلمت مع أحد قادتها، وكان السيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي تركا، قلت له بوجوب الاجتماع مع الاميركيين ورد علي انه متردد لأنه لا يملك تفويضاً فقلت له: على مسؤوليتي يجب أن تجتمع بهم وإلا سيضربونكم. واجتمع بهم وطمأننا الى أن هؤلاء الجماعة ليسوا آتين لضربنا.   روى لـ«الحياة» قصة مطاردة طويلة غيّرت وجه العراق وهزّت توازنات المنطقة (2) … أحمد الجلبي: صدّام لم يظهر نادماً في لقائنا اليتيم معه بعد اعتقاله عثر الأميركيون مع «الرئيس» على أسماء مجموعات نظمها للمقاومة وطرق تمويلها حاوره غسان شربل     الحياة     – 21/03/09// بعد اندلاع الحرب أصرّ الدكتور أحمد الجلبي على التوجه الى مدينة الناصرية على رأس قوة تابعة لـ«المؤتمر الوطني العراقي» خلافاً لنصيحة أميركية بعدم الذهاب. وفي 15 نيسان (ابريل) 2003 عاد الجلبي الى بغداد التي غادرها قبل عقود. موضوعان قفزا الى الواجهة: البحث عن صدام حسين وأركان نظامه وهوية صاحب القرار في عراق ما بعد صدام. في هذه الحلقة يتحدث الجلبي عن القبض على صدام واللقاء اليتيم معه بعد اعتقاله وعن مقتل نجليه عدي وقصي. وهنا نص الحلقة الثانية: > دعنا ننتقل الى القبض على صدام حسين. ما هي معلوماتك عن ذلك وعن مقتل عدي وقصي؟ – أولاً، حول قضية صدام. نحن كنا نعرف ان صدام لم يقتل، كما قالوا في اليوم الأول، أي بتاريخ 19 آذار خلال  الغارة، ثم في اليوم الثاني أغاروا على مطعم «الساعة» في المنصور وقالوا انهم قتلوا صدام، لكن ذلك كان غير صحيح. نحن وصلنا الى بغداد وبدأ البعثيون والقيادات يترددون علينا للقول انهم مستعدون للتعاون و «بطلنا» و «خلص» و «أمنوا على حياتنا». كنا نستقبلهم ونكلمهم ونجعلهم يوقعون أوراقاً. وصلتنا ملفات المخابرات وهي كثيرة. كان الأميركيون يقولون ان صدام قتل انه مقتول. في الشهر الخامس من الحرب ذهبت الى نيويورك وعقدت لقاء مع مجلس العلاقات الخارجية وتم بثه حياً على التلفزيون وكان توم بروكو يجري الحوار وسألني عن صدام وقلت له انه على قيد الحياة ينتقل بين تكريت والدور ويذهب مرات في اتجاه الفرات. سمع كولن باول، الذي كان وزيراً للخارجية هذا الكلام فانزعج وأصدر تصريحاً قال فيه ان أحمد الجلبي يتكلم كل يوم شيئاً مختلفاً. إذا كان يعرف اين صدام فيتفضل ويبلغنا. قال ذلك بعصبية. أحد مصادرنا في تكريت أبلغنا ان أحد كبار جماعة صدام موجود في بيت محدد في تكريت، أبلغنا الأميركيين بذلك، وكان عندنا مكتب تنسيق مشترك مع استخبارات وزارة الدفاع، كان هناك تعاون بيننا في هذا المجال، كل طرف لديه إمكاناته وموارده. الأميركيون لم يذهبوا الى البيت المذكور إلا يوم 17 حزيران وكنا أبلغناهم بالخبر في 14 منه دخلوا البيت فوجدوا شخصاً ملتحياً. سألوه أين قصي وعدي وعبد حمود؟ وكان الشخص هو عبد حمود فاعتقلوه. وهو سكرتير صدام، ويخضع للمحاكمة الآن. وفي اليوم الثاني اتصل بنا المصدر نفسه وقال ان صدام حسين شاهد عملية اعتقال عبد حمود، لماذا غادر الأميركيون. > هل كان صدام في بيت مجاور؟ – نعم، وأنا خلال فترة وجودي في أميركا كانت لدى صدام حماية أولية من العائلات، وبقي معه ضباط حماية من عائلتي المصلب والحدوشي. حسب التقاليد تصبح مسؤولية العائلة عن توفير الحماية واجباً، ثم يتغير العناصر ويأتي آخرون، وهؤلاء بقوا حتى النهاية. أحد أفراد هاتين العائلتين من الخط الأول لحماية صدام. عندما كنت في الخارج جاء الينا وقال: أنا في الحماية الخاصة لصدام وجئت اليكم لأن ابني مصاب بداء السحايا ويحتاج الى علاج وأنا أخاف أن أكشف عن نفسي، وروى لنا أن صدام خرج من بغداد يوم 13 نيسان، بعد أربعة أيام على دخول الأميركيين، واضاف: كنا نتجول في مناطق بغداد وكان صدام يقود سيارة «بيك آب» ويرتدي «دشداشة» وعقالاً وسترة، ومرة كنا نعبر من الأعظمية الى الكاظمية فوق الجسر، فشاهدنا دبابات أميركية آتية، فعاد بنا صدام أدراجنا، وآخر مرة شاهدته عندما كان في بيت في الدورة، ودخل الى مرآب السيارات وكلم صاحب البيت ثم طلع وجمعنا نحن المجموعة التي معه وطلب منا أن نذهب ونختبئ وأعطانا كل واحد خمسة ملايين دينار. قال انه سيتصل بنا أو يرسل الينا خبراً بعد ثلاثة أشهر. هذا الكلام الذي بلغنا اياه كان في شهر حزيران، يعني أنه كان على قيد الحياة وترك بغداد بعد أربعة أيام على دخول الأميركيين اليها. عندما عدنا الى بغداد عقدنا اجتماعاً مع جماعتنا واتفقنا على أن أفضل طريقة للعثور على صدام هو أن نرسل أناساً يراقبون مجموعة خط الحماية لأنهم يكونون حيث يكون صدام، وبدأنا تنفيذ الخطة بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية الأميركية، وكان عناصرها يأتون الى قصرنا ونتبادل معهم المعلومات وكثيرة هي القضايا التي كشفناها في تلك الفترة. في هذه الأثناء، في الموصل، قتل أولاد صدام في أحد البيوت، وسأروي لك قصة عجيبة. في بداية الشهر التاسع عام 2003 دعانا الجنرال بترايوس الذي كان قائد الفرقة 101، وذهبنا بالسيارات الى الموصل حيث كان مقر الفرقة واستقبلنا مساعده الجنرال هلمك، وهو الآن مسؤول عن تدريب القوات العراقية، استقبلني وقال لي: تمكنا من القضاء على قصي وعدي بسبب مخبر لديه مبادرة، استوضحته الأمر، فقال: قصد رجل احدى الدوريات الأميركية وقال لهم ان قصي وعدي موجودان في منزلي، تعالوا وخذوهما. أرسلته الدورية الى مقر القيادة واخصعوه لجهاز كشف الكذب، ففشل، لكن هذا الشخص توجه الى عريف وأكد له ان عدي وقصي موجودان عنده، فذهب العريف معه. > كان عريفاً أميركياً؟ – طبعاً، وذهب معه، وعندما رآه قصي وعدي حصل إطلاق نار، واشتباك وقتل عدي وقصي. > يعني بالصدفة؟ – نعم. وقال لي الجنرال، لولا مبادرة هذا العريف لكان عدي وقصي هربا، وصاحب البيت الذي أبلغ عنهما حصل على مكافأة بقيمة 25 مليون دولار ونقل الى أميركا. > هل غادر قصي وعدي الى خارج العراق؟ – نعم ذهبا الى سورية، قصدا منطقة ربيعة في شمال غربي الموصل على الحدود العراقية – السورية. وكانت معهما أموال وعبرا الى سورية، الى عند عشائر عربية عراقية لها أقارب في سورية، استقلا سيارات وقصدا دمشق. إلا انهما اعيدا بعدما وصلا الى حماة. باتا ليلتين في منطقة ربيعة وعادا الى الموصل وقتلا هناك. > نعود الى صدام. – كنا نتابع الوضع وكان الأميركيون يسألوننا عما نفعله. وقلنا لهم عندما تبحثون عن صدام لا تتركوا المكان سريعاً، يعني لا تفتشوا المكان نصف ساعة وتغادرونه. نحن كان لدينا أشخاص يبحثون عن صدام، وكانت لدى الأستاذ كسرت رسول من «الاتحاد الوطني الكردستاني» مجموعة تبحث عن صدام. وهو ساهم في اعتقال بعض القادة العسكريين في الموصل. ونحن ساهمنا ربما باعتقال أكثر من 16 شخصاً. > هل كانوا من الأسماء التي نشرتها الولايات المتحدة؟ – نعم من قائمة الـ55 شخصاً. > عندما تقول «نحن» هل تقصد المعارضة؟ – لا. اقصد «المؤتمر»، حتى ان آخر رئيس لجهاز المخابرات وهو صهر صدام ويدعى جمال مصطفى، شقيق كمال مصطفى أحضرناه، ثم أطلق سراحه وأصبح خارج العراق، هو زوج حلا ابنة صدام. وكل واحد من جماعة صدام اعتقلناه لم يتعرض للأذى وانما حافظنا على حياته وسلمناه ليواجه عملية قانونية وهذه نقطة مهمة. > حدثنا عن دور كسرت رسول؟ – يوم 13 كانون الأول 2003 كنت في اجتماع في مجلس الحكم، رن الهاتف وقيل لي يريدك أراس حبيب كريم الذي كان مدير جهاز الاستخبارات في المؤتمر الوطني العراقي، وهو رجل ضليع في قضايا الاستخبارات. قال لي ان لدينا معلومات وكسرت اتصل بي، قال ان الأميركيين اعتقلوا صدام. فقلت له هل أنت متأكد؟ قال: نعم، فاتصلت على الفور بشخص اسمه سكوت كاربنتر وهو رئيس فريق الحكم لدى بول بريمر في العراق. سألته: لماذا لم تبلغونا باعتقال صدام؟ قال: هل تمزح؟ قلت لا أنتم اعتقلتم صدام البارحة في منطقة الدور فرد ان لا علم لديه بالموضوع. فقلت إن لدي موعداً مع بول بريمر في الساعة الثانية عشرة وسأعرف ما هو الوضع. وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف، ووصلت الى القصر ووجدت سكوت يبتسم وهو يرفع يده. وقال: لم يبلغنا الجيش قبل أن يتأكدوا من الحمض النووي لصدام. وكان ذلك بتاريخ 13-12-2003 فعدت وأبلغت الناطق باسم المؤتمر كي يذيع في الإعلام أنه تم اعتقال صدام وكنا أول من أعلن الخبر. > كيف اعتقل صدام وبفضل ماذا؟ – وصل خبر الى الأميركيين. > هل لعب كسرت دوراً في ذلك؟ – هو راقب الموضوع، وجماعته شهدوا على الاعتقال أيضاً. كسرت اقترب من صدام كما اقتربنا نحن، جماعته وجماعتنا شاهدوا اعتقال صدام ونقله بالمروحية. > لكن من نقل المعلومات عن وجوده في المكان الذي اعتقل فيه؟ – هذا حصل بفضل شخص من المسلط، اسمه محمد ابراهيم، أو ابراهيم محمد المسلط من مجموعة الحماية، كان اعتقله الأميركيون قبل أسبوع وأبلغهم ان صدام موجود هناك، فدخلوا البيت وفتشوه ولم يجدوا أحداً. عملوا بنصيحتنا وبقوا هناك. أحد الجنود انتبه الى سلك كهرباء داس عليه فتبع السلك ووجده يتجه الى حفرة. وهو سلك كهرباء للمروحة، نزلوا الى الحفرة، وكانت بداخلها حفرة ثانية وجدوا فيها صدام ومعه أوراق و700 ألف دولار ورشاشات ومسدس. نزلوا اليه بالأسلحة فقال لهم: أنا صدام حسين رئيس جمهورية العراق، وكان ملتحياً. > ألم يحاول المقاومة؟ – كلا. سحبوه الى خارج الحفرة، وكان الاعتقال في يوم 12 كانون الاول. وبعدما أخضع للفحص وكشفوا على أسنانه أرسلوه الى المطار بواسطة طوافة. > يعني ان رواية العثور عليه في الحفرة صحيحة؟ – هو لم يكن يسكن في الحفرة انما في المنزل لكن كانت معه مجموعة تبلغه اذا كانت هناك عملية مداهمة، فيدخل الحفرة. > ماذا حصل بعد اعتقاله؟ – بعدما ابلغنا المدنيين باعتقال صدام، اتصل بريمر بي وطلب مني الذهاب معه لرؤية صدام، أخذت مجموعة من مجلس الحكم، أنا والدكتور عدنان الباجه جي والدكتور عادل عبدالمهدي والدكتور موفق الربيعي والجنرال سانشيز قائد القوات الأميركية في العراق وسكوت كاربنتر. ذهبنا الى المنطقة الخضراء، وانتقلنا بمروحية باتجاه مطار بغداد ومن هناك نقلونا الى بناية من طابق واحد، مكتوب عليها «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة». قد يكون المكان مقراً لحزب البعث، وكان محاطاً بالأشجار وبحماية جنود أميركيين، دخلنا الى البناية، وسأل بريمر: هل تريدون رؤية صدام عن طريق الحلقة التلفزيونية المغلقة؟ قلت: لا يا جنرال، دعني أدخل. دخلت قبلهم الى رواق يؤدي الى غرفة عرضها متر بمستوى الرواق المرتفع نحو 30 سنتم وتمتد الغرفة الى مسافة 5 أمتار وعرضها 3 أمتار. عندما دخلت وجدت صدام نائماً على سرير عسكري أميركي وأحد الجنود الأميركيين يوقظه. عندما رفع رأسه وشاهدني أدخل جفل. أخذت كرسياً وأبقيته على المرتفع وجلست قبالة صدام تفصل بيننا مسافة نصف متر. ثم دخل الآخرون خلفي ووقف بريمر وسانشيز قرب جدار المدخل بين الباب والرواق يتابعان المشهد. لم أتكلم انما راقبت صدام. لاحظت عليه خاصتين، أولاً جهله بالوضع العالمي وبمعيار القوة في العالم وثانياً لم يكن لديه تصور فعلي لتوزيع القوى. > كيف استنتجت ذلك؟ – من كلامه وطريقة عرضه للأمور وتصوره لما يجري، والشيء الآخر انه نرجسي. كان يعتقد ان ما يفعله صحيح من دون أي قياس موضوعي وما لا يفعله خطأ. ما شاهدته جعلني آسف على وضع العراق، على الـ 35 سنة مضت وكان هو يحكم العراق خلالها. ودعني أقول انني عندما دخلت بغداد فوجئت بحالها، اصابتني صدمة كبيرة جداً، بدت لي مدينة من مستوى آخر كأنها عاصمة دولة فقيرة على الساحل الأفريقي. > ماذا قال موفق الربيعي لصدام عندما دخلتم؟ – (يضحك) قال لصدام: أنت ملعون في الدنيا والآخرة، فقال صدام لموفق: اسكت يا خائن يا عميل. > هل كان يعرف موفق؟ – لا. > هل عرفك؟ – نعم، منذ دخلت، قال موفق: أنا خائن وعميل؟ رد عليه: نعم ألم تأت مع هؤلاء؟ وأشار الى الأميركيين. > هل خاطب عدنان الباجه جي؟ – قال له عدنان: لماذا لم تخرج من الكويت. طبعاً كان صدام قد طلب مني أن أعرفه الى الحاضرين، فقلت: عدنان الباجه جي والدكتور عادل وموفق. ولكن عندما قلت عدنان الباجه جي، التفت اليه وقال: دكتور باجه جي ألم تكن أنت وزير خارجية العراق؟ فقال له: نعم. وتوجه الى صدام قائلاً: لماذا لم تنسحب من الكويت بعد أن خرجت من الحرب مع إيران منتصراً والعالم كان معك وعندك إمكانات، لماذا فعلت ذلك؟ فأجاب: دكتور عدنان، ألم تكن تؤيد أن الكويت جزء من العراق؟ وكان الدكتور ألف كتاباً عن مذكراته في الأمم المتحدة، ودافع فيه عن موقف عبدالكريم قاسم أي أن الكويت جزء من العراق، فارتبك عدنان ورد: سابقاً سابقاً. أما أنا فكنت أتفرج ولم أتكلم أبداً. > هل تحدث صدام مع عادل عبدالمهدي؟ – نعم، لكن موفق سأله: لماذا قتلت الصدر؟ فرد صدام: من؟ فقال له: السيد محمد باقر الصدر وشقيقته أم الهدى، فقال: الصدر والرجل، كلهم خونة ويستحقون الموت، فقال عادل عبدالمهدي: لماذا أعدمت عبدالخالق السامرائي؟ فقال: عبدالخالق، بعثي. > يعني أنت ما دخلك؟ – ثم سأله موفق: لماذا لم تقاتل الأميركيين كما قاتلهم أولادك؟ فقال له: تريدني أن أقاتل هؤلاء؟ يعني استهجن بينما يدعو الآخرين ويدفعهم الى القتال والموت، لكن هو غير مضطر للقتال، هو يعتقد أن ما فعله صحيح. > ألم يكلمه بريمر؟ – لا ولا كلمة. > هل كان صدام خائفاً؟ – عندما خرجنا خاف، وهو طلب أخيراً التحدث مع السيد الجلبي والدكتور الباجه جي. عندها وقفت وخرجت فقال: يعني خلص، هذه هي؟ > هل قيل شيء آخر خلال الحوار؟ – صار كلام منابذات. كان مطمئناً الى أن ما فعله هو الصحيح وكان يكابر ولم تكن لديه أي مراجعة لما جرى. وقال: «قلت إنني أقاتل الأميركيين وأنا أقاتلهم الآن». > بالمقاومة يعني؟ لم يتحدث عن سقوط بغداد، عن الخيانة؟ – أبداً، كل ما قاله إنه يقاتل الأميركيين. > لكن كيف قال: كيف تريدني أن أقاتل الأميركيين؟ – يعني هو شخصياً لكنه كان يريد من الآخرين أن يقاتلوا. هو يعتبر نفسه أنه رمز يجب أن يبتعد عن الخطر ويقود الأمة. وعندما تصل القضية الى نفسه لا يقاتل شخصياً. بعد الحوار وجد الأميركيون عند صدام أوراقاً عن مجموعات شكلها لمقاومة الأميركيين، كانت لديه سبع مجموعات في الكرخ وست في الروسان، ودوّن أسماءهم وتمويلهم وكما توقعنا، إذ كنا نتابع، كان قسم كبير منهم من حزب البعث لكن من درجة غير معروفة في الإعلام. > هل تم ضبط هذه الشبكة؟ – أحضروها الينا. كنا نعرفهم ونريد اعتقالهم. كان الأميركيون يسألون عنهم. هم من حزب البعث ولا فاعلية كبيرة لهم، لكنهم اعتقلوهم كلهم، كانوا رؤساء الشبكة، لكن هذه ليست المقاومة التي حصلت. ما حصل تطور بشكل آخر، كانت حصلت قضية الزرقاوي و «القاعدة» وبداية ضربوا السفارة الأردنية، ثم قتلوا سرج دي ميلو من الأمم المتحدة ثم السيد محمد باقر الحكيم، هذا كله حصل تباعاً في الشهر الثامن عام 2003 وبدأت العمليات، يعني أن الجماعة التي شكلها صدام لم تكن لها علاقة حقيقية بالمسائل الكبيرة التي كانت تحصل، وأعضاء حزب البعث الذين كانوا موجودين لم يستجيبوا له. شكلوا تنظيمات واتصلوا بـ«القاعدة» والإسلاميين ووضعوا خبراتهم في تصرف هؤلاء لفترة من الزمن. > ماذا كان شعورك كعراقي وقد أتيت مع الأميركيين وأنت ترى رئيس العراق معتقلاً؟ – شعرت بالأسف على العراق. هذا الرجل دفع العراق الى هذه الظروف والشعب العراقي وصل الى هذه الدرجة من الخراب والدمار والحرمان والفرص الضائعة، وظل يحكم العراق 35 سنة. شعرت بالأسف الشديد وأنا أرى ما حل في العراق من خراب ودمار نتيجة حكمه وأقارنه بما حصل في الدول المجاورة للعراق. > ماذا شعرت يوم إعدام صدام؟ – شخصياً أنا ضد الإعدام، لكن كثيرين من العراقيين شعروا بأنهم حصلوا على حقهم. طبعاً ليس كل العراقيين لكن الأكثرية. > ماذا عن طريقة تنفيذ الاعدام؟ – كان يجب أن تحصل بشكل أفضل، لكن ليس هذا هو الموضوع. فصدام حصل على محاكمة امام خبراء قانونيين. وأنا حضرت أول جلسة من المحاكمة. وانتبه الي مرة، وتابعت المحاكمة ووجدت أنه كان له حق الدفاع عن نفسه، لكن فريق الدفاع عنه كان سيئاً جداً من الناحية القانونية. > هل شعرت بالتشفي خلال محاكمته؟ – أبداً، أبداً، لا شعور مثل هذا عندي إطلاقاً، الموازنة بين الجريمة والعقاب منطقياً معقولة، لكن الإنسان يتأثر بالحال الموجودة أمامه، مثلما يتأثر بالجرائم التي ارتكبها صدام. > لنعد الى لقاء صدام؟ – أحد الأميركيين التقط صورة لي مع صدام هل رأيتها؟ نشرت في جريدة «المؤتمر» على الصفحة الأولى. فغضب بريمر لنشرها، أنا لم يكن لي علم، جماعتنا أخذوها ونشروها وبعد ذلك أنا لم أشأ مقابلة صدام. هو يتحمل مسؤولية تاريخية عما تركه وراءه. فقد دخلت العراق أموال خلال حكم صدام كان يمكن أن يصير معها دولة بمستوى تركيا إن لم يكن بمستوى دولة أوروبية أخرى، لكن العراق الآن مدمر. نحن مطلعون على برنامج «النفط مقابل الغذاء». خلال السنوات السبع من تطبيق البرنامج لم يكن اهتمام الحكومة العراقية بزيادة الأموال لخدمة الشعب وإنما اهتمام الأساسي كان الحصول على أكبر كمية من الأموال بشكل غير شرعي، خارج قرارات الأمم المتحدة، لتعزيز أجهزة القمع والمخابرات والأسلحة. هل يمكن أن نتصور أن العراق في سنة 2002 يستورد أدوية بـ6 ملايين دولار؟ انها إساءة لاستعمال الأموال. > يعني لا أدوية؟ – طبعاً، لا أدوية، والناس وضعهم سيئ. يعني راتب المعلم العراقي 2.5 دولار شهرياً. نسبة الأمية ارتفعت. > ماذا عن سقوط بغداد؟ – الجيش العراقي لم يقاتل بجدية عند وصول الأميركيين، حصلت عمليات غير نظامية. > هل معركة المطار مضخمة؟ – لم يحصل شيء كبير، حصلت معركة لكن لم تكن كبيرة واستطاع الأميركيون نقل الفي قطعة مدرعة من الكويت الى بغداد على مسافة 500 كلم من دون مقاومة فعلية. الجيش العراقي لم يقاتل ولو قاتل كما حصل بعد الاحتلال لكان الأميركيون تكبدوا خسائر كبيرة. أذكر عندما التقينا مع رامسفيلد كمعارضة في الشهر الثامن من سنة 2002، كان همه الكبير، هو ومايرز، معرفة اذا كانت بغداد محصنة وهل سيقاوم سكانها الأميركيين في الشوارع؟ نحن كنا دائماً محقين بأن لا الجيش العراقي ولا الشعب العراقي سيدافعون عن صدام. > هل كانت للأميركيين علاقات مع ضباط عراقيين؟ – أبداً. > ماذا عن انهيار الجيش العراقي؟ – في  يوم 9 نيسان لم تبق قاعدة واحدة  للجيش العراقي، كلهم فروا. اعتقد الأميركيون انهم انتصروا في الحرب على العراق، لكن الشعب العراقي هو الذي اعتبر نفسه منتصراً. الأميركيون دخلوا على شعب غير مهزوم وإنما منتصر، وهم لم يعرفوا كيف يستغلون هذه القضية، والفرق كبير بين نفسية الشعب العراقي عام 2003 ونفسية الشعب الألماني سنة 1945، أو الشعب الياباني سنة 1945. الياباني اعتبر نفسه مهزوماً وكان يتقبل إطاعة الأميركيين مهما كان، لكن العراقي اعتبر نفسه منتصراً بسقوط صدام وشعر انه خُدع عندما أعلنت أميركا الاحتلال. فهو كان يرى ان الاميركيين جاءوا للتحرير. هذه النقطة لم يفهمها الأميركيون الى الآن، جاءوا وأعلنوا أنفسهم محتلين. > في بداية الحرب. غادر نزار الخزرجي الدنمارك وذهب ضباط كثر الى هناك ليكتشفوا أن الأميركيين لم يتركوا لهم أي دور؟ – ليس الأميركيون، إنما هم لم يكن لهم اي دور، قاعدتهم التي كانوا يستندون اليها تفتتت مع تفكك الجيش العراقي، ذهبوا الى منازلهم. عندما صيغ قانون تحرير العراق كان هدفنا في العام 2000 تأسيس فرقة من الشرطة العراقية تساهم في تحرير العراق، وأول وظيفة هي التوجه الى القواعد العسكرية العراقية، يعني معسكرات الجيش العراقي والطلب من الجنود والضباط البقاء بعد تأمين الأموال والطعام والحماية لهم، ثم الحفاظ على هيكلية الجيش العراقي ومعسكراته، والتخلص من الجماعة التي ارتكبت أخطاء وجرائم، لكن الأميركيين رفضوا ذلك. > لماذا؟ – كانوا مغرورين. ولم يريدوا إدخال أنفسهم في متاهات مع العراقيين. اعتقدوا انهم لا يحتاجون أحداً. كانوا يجهلون نفسية العراقيين وتراثهم وتاريخهم. رامسفيلد ذهب الى سد حديثة والتقى ضابطاً أميركياً من فيلق الهندسة الأميركي قال له: نحن نفتخر يا سيدي الوزير بأن الفرصة سنحت لنا للعمل في مجال السدود منذ 150 عاماً. تطلع رامسفيلد الى المهندس العراقي وسأله رأيه؟ أجابه: يا سيادة الوزير، نحن والفيلق الأميركي سنحت لنا الفرصة للعمل في السدود من 150 عاماً. كانت تصلنا أخبار ان الاميركيين والانكليز يسعون لاستصدار قرار مجلس الأمن الذي صار لاحقاً القرار 1483 لإعلان الاحتلال. تحمسنا كقيادة معارضة للموضوع وخصوصاً جلال طالباني وأنا، وأرسل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مبعوثه الشخصي السير ديفيد مانينغ الذي اصبح في ما بعد سفيراً في واشنطن الى بغداد. دعوناه الى عشاء عمل وخلال العشاء انتقد الأستاذ جلال القرار الذي يريدون إصداره. كان باتريك تايلر من «نيويورك تايمز» موجوداً لالتقاط صورة لكن التلفزيون لم يبثها علماً أنها موجودة لديه. قلت لمانينغ: أنتم تريدون أن تعلنوا احتلال العراق. هناك 20 ألف شخص عراقي يحملون شهادة الدكتوراه وأنتم تريدون الاحتلال، ما مصلحتكم في ذلك؟ > لماذا أرادوا الاحتلال؟ – اعتقد أن الذين أرادوا الاحتلال هم جماعة الـ «سي آي أي» ووزارة الخارجية الأميركية والحكومة البريطانية. خافوا ان تحصل سيطرة من أطراف معينة على أي حكومة موقتة وكان هناك تخوف عربي من ذلك. عندما صدر القرار 1483 تم التصويت عليه بالإجماع في مجلس الأمن. حتى سورية وافقت عليه، وينص القرار على أن أميركا وبريطانيا يعلنان ممارسة حقهما حسب معاهدة جنيف باحتلال العراق ويعتبران نفسيهما قوة احتلال. وكان ذلك في الشهر الخامس من سنة 2003، أي بعد ستة أسابيع على سقوط صدام. > وأنتم ماذا كان رأيكم؟ – كنا ضد ذلك بالمطلق. كنا ضد الاحتلال، ولم أخبرك عن خليل زاد. كان الأميركيون عينوا الجنرال غارنر على رأس منظمة إعمار العراق، وذلك قبل الاحتلال، وهذا الجنرال صديق ورجل كبير ولم يكن معروفاً اذا كان دوره في الإعمار أو السياسة. دعا القادة الأكراد للمجيء الى بغداد بعد سقوط صدام، ووصلوا الى بغداد في الأسبوع الرابع من نيسان. > لم يكن بريمر قد عين بعد؟  – لم يكن أحد قد سمع به، وكان الاجتماع في مقر إقامة الأستاذ مسعود في فندق «قصر الحياة»، ونحن كنا في الفندق، وكان هو والسيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي والأستاذ جلال طالباني، ثم جاء الدكتور عدنان الباجه جي وأنا والدكتور إياد علاوي جاء أكثر من مرة، وعقدنا اجتماعات عدة وكنا حائرين فيما يريده الأميركيون. القادة الأكراد أخذوا فكرة من غارنر أن أميركا تريد حكومة موقتة، أنا قلت: هل تعرفون من لديه سلطة في العراق؟ استغربوا السؤال، قلت: أنتم تعرفون خليل زاد. هو ممثل الرئيس بوش، وتعرفون الجنرال جاي غارنر، وهناك شخص ثالث ربما لم تسمعوا باسمه الجنرال ديفيد مايكرنن وهو قائد في أفغانستان الآن. قلت لهم هذا أهم شخص في العراق الآن، ويعتبر نفسه مسؤولاً عن كل شيء. هذه هي المسائل العلنية أما السرية فتقوم بها الـ «سي آي أي» وهناك «دي أي إي» وهي وكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع، لكن لا تعرفون DF20. سألوا ما هذه؟ قلت: «دلتا». ولهم صلاحيات البحث عن صدام من دون أخذ موافقة أي قيادة. يدخلون، يضربون يقتلون ويدمرون. ولا تعرفون «الفا»، اي الفريق الأميركي المكلف البحث عن أسلحة الدمار الشامل. فقالوا: ماذا نفعل، هذا هو الوضع الذي نحن فيه. وكان هناك توجه لتشكيل حكومة موقتة لكن احداً لم يكن مستعداً لإعلان مثل هذه الحكومة. كان الناس اما خائفين من الاميركيين او يتوقعون منهم ان يشكلوها. الطرفان كانا سلبيين، وحصل انطباع ان غارنر ربما سيفرض هذا الأمر، لكن لا اعتقد ان هذا كان صحيحاً. الفرصة الحقيقية التي حصلت كانت في 2/5/2003 خلال اجتماع حصل في «قصر الحياة» وحضره قادة المعارضة والقادة العسكريون الاميركيون والجنرال غارنر وخليل زاد الذي كان يقود الطرف الأميركي. نظر الي وقال لي: يا أحمد، فكرتك عن تأسيس حكومة عراقية موقتة أصبحت طاغية وأنا سأذهب الى واشنطن وأعود بالموافقة بعد عشرة أيام. وأدلى بتصريحات بهذا المعنى للصحافيين. غادر خليل زاد وبعد عشرة أيام جاء بريمر، وفي اول اجتماع معه قلت له إن السفير زاد قال كذا فأجاب: ذهب خليل زاد وسياسته ذهبت معه وأنا المسؤول الأول والأخير في العراق الآن فتعاونوا معي. بريمر اعتبر نفسه نائب الملك، خليل زاد رجع سفيراً الى العراق في العام 2005 وكنت دعوته الى العشاء قبل مغادرته عام 2006 بعد تعيينه سفيراً في الأمم المتحدة. وكنت أعرفه منذ زمن، سألني: ماذا حصل في واشنطن في الاسبوع الثاني من الشهر الخامس عام 2003 . سألته عما يقصد؟ فقال: أنا اتفقت مع الرئيس بوش أن اعود الى بغداد بصفتي الممثل السياسي، وفي الشهر الثاني من الشهر الخامس قال الرئيس بوش ان بريمر سيذهب الى بغداد بصفته مسؤولاً عن الاعمار، وفجأة أعلنوا ان بريمر هو كل شيء. أنا لا أعرف ماذا حصل، ما هو التغيير الذي جرى في واشنطن. بريمر عينته اميركا وبريطانيا حاكماً مدنياً. اعتقد ان الذي حصل هو أن الأطراف التي كانت ضد تشكيل حكومة موقتة، مثل الـ«سي آي أي» ووزارة الخارجية، اقنعت بوش بأن هذا الأمر خطر وضد مصلحة أميركا وحلفائها في المنطقة. وعندما وصل بريمر الى بغداد كان أول قرار اتخذه إعلان حل حزب البعث وفصل جميع البعثيين من مناصبهم الحكومية.   (المصدر: جريدة الحياة (يومية – بريطانيا) بتاريخ 22 مارس 2009)

 

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

7 décembre 2011

فيكل يوم،نساهم بجهدنا في تقديمإعلام أفضل وأرقى عنبلدنا،تونس Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre

En savoir plus +

1 juin 2005

Accueil TUNISNEWS 6 ème année, N° 1838 du 01.06.2005  archives : www.tunisnews.net د. محمد صدقي العبيدي: اطلب ببساطة تمكيني من

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.