TUNISNEWS
7 ème année, N° 2173 du 04.05.2006
لجنة 18 أكتوبر بألمانيا: الإفراج الفوري عن المساجيـن السياسيـيـن مطلب وطني لا يقبل التأخير مراسل العربية.نت إلى المستشفى وصحافيو تونس يشكون رقابة السلطات اف ب: وزير الخارجية التونسي يزور الجزائر وات: رئيس الدولة يؤكد على اثراء الفكر المستنير وترسيخ قيم الاسلام السمحاء الصباح : وزير البحث العلمي في مجلس النواب: «ندرس مشروع تركيز مفاعل نووي لانتاج الطاقة الكهربائية» محسن الجندوبي: معا لإنقاذ أبطال تونس و أحرارها محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي: الشيخ الحبيب اللوز من مقاول بناء الجدران إلى داعية لبناء الإنسان وليد البناني: همسة للشيخ الرباني الحبيب اللوز الهادي بريك: سجين سياسي في تونس يوشك على فقد بصره فهل من مغيث ؟ حوارمع عبد الحميد الصغير: الآتحاد العام لطلبة تونس بات معزولا عن قواعده مواطـن: عريضـة! أعمى متعثر : لا ندري أي قافلة نريد ؟؟؟وأين القافلات ؟؟؟ الشيخ راشد الغنوشي: حقوق الانسان في الاسلام – هل من حد فاصل بين خطاب الاسلاميين العرب واللإسلاميين غير العرب؟ د. رجاء بن سلامة: جريمة الدّفاع عن الإرهاب – جرائم المثقّفين العرب خميس الخياطي: الاعلام العربي: تشخيص الداء في غياب معرفة الدواء توفيق المديني: « حماس » بين الأيديولوجيا والسلطة صلاح الدين الجورشي: وقفة بين الترابي السياسي والترابي المثقف فهمي هويدي: بين القاضي والسلطان
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
قناة الحوار تستعيد البثّ ابتداء من الأحد المقبل 7 ماي 2006
كل يوم أحد من الساعة الواحدة الى الثالثة بعد الزوال كل يوم أربعاء من الساعة السابعة الى التاسعة مساء.
احداثيات القناة Hotbird 1 – 13° Est — FEC ¾ —–Fréquence : 11534 —–Polarisation : Verticale—–Symbol rate : 27.500 –Canal : ArcoirisTV
تعلن لجنة مساندة 18 أكتوبر بألمانيا انطلاق حملة التضامن مع السجيـن الحبيب اللوز
و كلّ سجناء الرأي في تونس
الإفراج الفوري عن المساجيـن السياسيـيـن مطلب وطني لا يقبل التأخير
لا تزال معاناة المساجين السياسيين في تونس تهزّ الرأي العام التونسي بصور شتى من العذابات و الآلام تعكس عمق تشفي سلطة 7 11 بصاحب كل رأي معارض.
فبعد مسيرة النضال المتواصلة التى سطرها المساجين السياسيون من خلال إضرابات الجوع الممتدة عبر السجون التونسية وبعد نضالات عائلاتهم من ورائهم تبليغا لمعاناتهم إلى الرأي العام مرورا بالوقفة الشجاعة للدكتور منصف بن سالم و عائلته و إصرار الصحفي المناضل سليم بوخذير الذي لا يزال يدافع عن حقه بما تبقى من جسمه المنهك من جراء إضراب الجوع الذي يتجاوز أيامه الخمسة و العشرون تتكشف من جديد حلقة من حلقات الموت التى تمارسها السلطة فى حق أبناء تونس.
حلقة جديدة عنوانها الشيخ الحبيب اللوز الذى يقضى ما يزيد عن 15 سنة فى زنزانة غالبا انفرادية تنعدم فيها ابسط الظروف الأساسية للحياة و بعد أن أنهكت جسمه سياط الجلادين حتى ما عادت تطمع منه في شيء ترك في زنزانته المظلمة يعانى أمراضا تتسلل إلى جسمه المتعب دون رعاية صحية حتى فى حدودها الدنيا و دون تمكينه من اجراء الضروري من الفحوصات خارج زنزانته ليجد نفسه بعد ذلك و قد بدأت علامات فقدان البصر بادية عليه.
اننا بهذه المناسبة الأليمة و حتى لا تتواصل حلقات الموت التى تنسجها السلطة حول رقاب الأحرار فى تونس نهيب بكل المنظمات الإنسانية للوقوف الى جانب السجين السياسي التونسي و عنوان معاناته الحبيب اللوز تمكينا له من حقه فى الحرية و فى العلاج.
كما ندعوها جميعا الى التحرك العاجل لإنهاء هذه المعاناة و اعتبار ذلك واجب الوقت و اولوية الأولويات.
كما نلفت نظر الأحرار فى العالم إلى الحملة الأسبوعية التى نروم القيام بها دفاعا عن السجين السياسي الحبيب اللوز ابرازا للمظلمة التي يتعرض لهاو حشدا للتعاطف العالمى الإنساني معه و تكثيفا للضعط على السلطة من اجل الإستجابة لمطلب الإفراج الفورى عن المساجيين السياسيين.
عن لجنة 18 أكتوبر بألمانيا : المنسق فتحي العيادي www.aktion18oktober.com info@aktion18oktober.com
ضرب خلال تظاهرة فى ذكرى العيد العالمي لحرية الصحافة
مراسل العربية.نت إلى المستشفى وصحافيو تونس يشكون رقابة السلطات
دبي-العربية.نت، تونس-وكالات
قالت جمعية الصحافيين التونسيين التي ينظر اليها على نطاق واسع على انها مقربة من الحكومة الخميس 4-5-2006 ان واقع الصحافة في تونس لا يزال يعاني من عدة عراقيل من بينها الرقابة المفروضة على الصحفيين واستعمال بعض الصحف في شن حملات تشويه لبعض الاشخاص.
وفي غضون ذلك نقل الزميل سمير بو خذير، مراسل « العربية.نت » في تونس، إلى مستشفى « التوفيق » في العاصمة إثر تعرضه للضرب من قبل رجال الأمن أثناء تظاهرة قام بها عدد كبير من الصحفيين في ذكرى العيد العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو/أيار من كل عام.
وكان الزميل بو خذير بدأ إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ 5-4-2006 احتجاجا على قرار بفصله نهائيا من جريدة « الشروق » التونسية، وهو ما كان الاتحاد الدولي للصحفيين قد استنكره معتبرا أن « السلطات التونسية تمارس ضغطا على بعض الصحفيين المستقلين وتشن عليهم حملة منظمة ما يهدد سلامتهم ويحول دون القيام بمهامهم ». من جهتها، نددت جمعية الصحافيين التونسيين التي تضم اكثر من 600 عضو بلجوء بعض الصحف الى « الحملات الاعلامية الموجهة والاتهامات الاخلاقية وهتك الاعراض والتخوين » واعتبرته « مخلا بشرف المهنة ». ويشير التقرير على ما يبدو الى شكوى معارضين تونسيين من حملات تشويهية شنتها صحف مقربة للحكومة بسب مواقفهم السياسية. وعبرت الجمعية عن « املها عدم حظر الدخول لبعض مواقع الانترنت منها موقع الاتحاد الدولي للصحافيين ».
وناشدت عواصم غربية تونس التي استضافت العام الماضي قمة عالمية للمعلوماتية ضرورة اتاحة الوصول للانترنت بحرية. وتعهد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أمس الاربعاء « بمزيد دعم حرية الصحافة في بلاده ». وتؤكد تونس باستمرار ان الصحافة حرة وان جميع الصحافيين يمارسون عملهم بكامل الحرية ودون قيود. وتقول ان اكثر من 240 صحيفة ومجلة تونسية تصدر بانتظام وبحرية تامة.
كما عبر تقرير جمعية الصحافيين عن « الانشغال من عدم توزيع بعض الصحف الاجنبية ». واشادت الجمعية بالدعم الذي تقدمه الدولة لصحافة الاحزاب غير انها اعتبرت ان الصحافة الحزبية في تونس لا تزال رغم ذلك في غالب الاحيان متسمة بالجمود والرتابة ولم تفرق بين العمل الصحفي والسياسي.
(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 4 ماي 2006 )
رئيس الدولة يؤكد على اثراء الفكر المستنير وترسيخ قيم الاسلام السمحاء
قرطاج 04 ماي 2006 ( وات ) – كانت أنشطة وزارة الشوءون الدينية وبرامجها في مجالات التكوين والدراسات والتوعية محل اهتمام الرئيس زين العابدين بن علي لدى اجتماعه اليوم الخميس بالسيد بوبكر الأخزوري وزير الشوءون الدينية. وتلقى رئيس الدولة تقريرا بخصوص منتدى تونس للسلام وموءتمرات الجمعيات الجهوية للمحافظة على القرآن الكريم والاستعداد لعقد موءتمر رابطة الجمعيات القرآنية. واكد سيادة الرئيس دعمه للجهود واللقاءات الرامية الى إثراء الفكر المستنير وترسيخ قيم الإسلام السمحاء وعلى إيلاء تكوين الإطارات الدينية وصيانة بيوت الله العناية اللازمة. (المصدر: موقع وكالة افريقيا تونس للأنباء بتاريخ 4 ماي 2006)
وزير الخارجية التونسي يزور الجزائر
2006/05/04 الجزائر ـ اف ب: افاد مصدر رسمي ان وزير الخارجية التونسي عبد الوهاب عبد الله وصل الثلاثاء الي العاصمة الجزائرية في زيارة عمل تستمر يومين وان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقبله امس الاربعاء.
واعلن الوزير التونسي لدي وصوله الي الجزائر ان زيارتي تندرج في اطار تقاليد التعاون والتشاور التي رسخها الرئيسان زين العابدين بن علي وعبد العزيز بوتفليقة .
ووصف مستوي التعاون بين الجزائر وتونس بانه مرض جدا مؤكدا ان ما زال هناك مجال لتحسين العلاقات الثنائية. واضافة الي المباحثات التي اجراها مع نظيره الجزائري محمد بجاوي التقي عبد الله امس الاربعاء رئيس مجلس الامة عبد القادر بن صالح. يشار الي ان تونس والجزائر تنتميان الي اتحاد المغرب العربي الذي يضم ايضا المغرب وليبيا وموريتانيا.
لكن الاتحاد مجمد منذ اكثر من عشر سنوات بسبب الخلاف القائم بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية.
ويرتقب ان يجتمع وزراء خارجية هذه الدول في ايار (مايو) في طرابلس لتحريك العمل المغاربي وفق ما اعلن وزير الدولة الجزائري والممثل الشخصي للرئيس بوتفليقية عبد العزيز بلخادم.
واكد بلخادم ان الاجتماع تقرر خلال لقاء بين مندوبي الدول الخمس علي هامش القمة العربية الاخيرة التي انعقدت في الخرطوم.
للحد من تأثير الأسعار العالمية للمحروقات وزير البحث العلمي في مجلس النواب: «ندرس مشروع تركيز مفاعل نووي لانتاج الطاقة الكهربائية»
تونس/الصباح
اعلن السيد الطيب الحذري، وزير البحث العلمي والتكنولوجيا وتنمية الكفاءات، ان الحكومة تدرس حاليا مشروع تركيز مفاعل نووي لانتاج الطاقة الكهربائية. وقال الوزير في اعقاب مناقشة مشروع قانون يتعلق بالموافقة على تعديل الفقرة (أ) من المادة 14 من النظام الاساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي صادق عليه مجلس النواب اول امس، ان دراسات عديدة تمت في وقت سابق لانشاء هذا المفاعل، ويجري حاليا تحيينها من اجل المضي في هذا المشروع، خصوصا بعد ارتفاع اسعار المحروقات.. وأوضح الحذري ان الوزارة بصدد دراسة الموقع ومسألة التمويل، لكنه لاحظ ان هذا الامر يتطلب نحو 10 سنوات لتركيز المفاعل ودخوله حيز الانتاج، مشيرا الى ان تكوين الموارد البشرية التي ستشرف على هذا المفاعل وتديره، انطلق منذ فترة. وكشف الوزير عن وجود عدة مشاريع فلاحية وصناعية تستخدم فيها الطاقة النووية، بينها عمليات تعقيم المواد الغذائية، وتحلية المياه وغيرها. ولم يخف الوزير حجم التكلفة التي يتطلبها مثل هذا المشروع، مشيرا الى مفاعل نووي بسعة 600 ميغرات يتكلف نحو 1500 مليون دينار. مضمون القانون.. وتاتي اجابة وزير البحث العلمي والتكنولوجيا وتنمية الكفاءات، في سياق الرد على تساؤلات بعض النواب الذين استفسروا عن مدى استفادة تونس من تعاونها مع الوكالة العربية للطاقة الذرية، وعما اذا كانت الوزارة تفكر في انشاء مولد نووي لمواجهة ارتفاع اسعار المحروقات. الجدير بالذكر ان مشروع القانون التعديلي الذي صادق عليه مجلس النواب بالاجماع اول امس ينص على تمكين الوكالة الدولية للطتقة الذرية من ميزانية بسنتين من جهة ومشاريع تعاون فني تنفذ على امتداد سنتين من جهة اخرى. وجاء في وثيقة شرح الاسباب المرفقة بمشروع القانون التعديلي ان الحكومة تولي التعاون الفني مع الوكالة الدولية اهمية خاصة، نظرا لمساهمته في تنمية استخدامات الطاقة والتقنيات النووية لاغراض التنمية الشاملة وتكوين الخبرات الوطنية العالية والمختصة في هذا الميدان، بالاضافة الى تمكينهم من الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة، حيث يتراوح المعدل السنوي لقيمة هذه المساعدات الفنية خلال السنوات الفارطة بين 400 الف و500 الف دولار امريكي. للاشارة فان الحكومة وافقت في وقت سابق على ذات التمشي مع الهيئة العربية للطاقة الذرية التي تعتمد حاليا على نظام ميزانية لكل سنتين. صالح عطية
(المصدر: صحيفة الصباح بتاريخ 4 ماي 2006 )
دخل البيت ليسرق.. فأنقذ اسرة كاملة من الموت
2006/05/03 تونس ـ رويترز: في لحظات تحول لص الي فاعل خير حين وجد كل افراد العائلة التي كان ينوي سرقتها في حالة اغماء بعد ان اصيبوا باختناق فأسرع باسعافهم قبل ان ينقلهم للمستشفي. وذكرت صحيفة الصريح التونسية امس الثلاثاء ان شابا من جهة قفصة في الجنوب التونسي دخل منزلا لسرقته غير انه فوجيء بوجود افراد العائلة الستة مغمي عليهم نتيجة اختناقهم بالغاز. واضافت الصحيفة ان اللص بادر بفتح جميع النوافذ للتهوية واستنجد ببعض الجيران ليخرج افراد العائلة من المنزل وينقلهم للمستشفي بسرعة. واعترف الشاب بانه قدم للسرقة لعجزه عن تسديد ديون ووقوعه في ضائقة مالية.
الله أكبر.. إنا لله وإنا إليه راجعون
الأخت ثريا بوفارس (حرم الأخ جلال المسروحي) في ذمة الله
ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .
بقلوب حزينة ولكنها راضية بقضاء الله وقدره تنعي جمعية الزيتونة في سويسرا الأخت الفاضلة ثريا بوفارس زوج الأخ المناضل جلال المسروحي التي انتقلت إلى جوار ربها يوم الأربعاء 03 ماي 2006 بمدينة بيان بسويسرا بعد معاناة شديدة مع المرض الخبيث.
لقد كانت الأخت الشهيدة – نحسبها كذلك– مثال المؤمنة الصابرة المحتسبة المتوكلة على ربها بعد أن أخبرها الأطباء بأن حالتها ميئوس منها، ورغم حالتها الصحية الحرجة جدا فقد كانت مواقفها تنم عن قوة إيمان وثبات ويقين بمعية الله وما أعدّه لعباده المؤمنين.
تركت الأخت الفقيدة وراءها في حفظ الله ابنا وحيدا (ياسين) نسأل الله أن يخلفه وأخانا المجاهد جلال فيها خيرا، وآن لا يفتنهما بعدها وأن يرزقهما جميل الصبر على مصابهم ومصابنا. كما نعزي في أختنا عائلتها الصغرى بتونس وعائلتها الكبرى أبناء الزيتونة في سويسرا.
رجاؤنا في العلي القدير أن يتقبلها في عليين مع الصديقين والشهداء وأن يشملها بوعده الحق: « ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله’.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولكن لا نقول ما يغضب ربنا، وإنّا على فراقك يا أخت ثريا لمحزونون وإنّا لله وإنّا إليه راجعون . جمعية الزيتونة العربي القاسمي 03 ماي 2006 للإتصال بالآخ جلال, رقم الهاتف: 0788865017 (0041) مسجد بيان: 0323658287 (0041)
بسم الله وحده
معا لإنقاذ أبطال تونس و أحرارها
لا يزال مسلسل التنكيل بمساجين الرأي في تونس يتواصل فكلّ يوم نصبح على أخبار إضراب عن الطعام في السجن الصغير أو الكبير ،أو نبأ إطلاق سراح سجين بعد أن شارف على إنهاء فترة حكمه أو إلتهم جسده داء السرطان .
إنّ تونس مأساة صامتة لا بواكي لها في زمن يشهد تحوّلات على أكثر من مستوى في العديد من البلدان في الجزائر في ليبيا و في المغرب .
أما نحن في تونس فلا نسمع إلا التنكيل و التعذيب و التهديد فهذه أخبار نا :
ý أحد قياداتنا الشيخ الحبيب اللوز يفقد بصر أحد عينيه و هو مهدّد بفقدان الثانية لا قدّر الله
ý مواصلة أخينا الحاج العكروت إضرابه عن الطعام
ý اضراب عدد من الوجوه الصحافيّة و الحقوقيّة عن الطعام
ý استفحال المرض بأخينا الهاشمي المكي ……
ý معاناة السيد فتحي العيساوي مع سرطان الحنجرة
إنّ قائمة المظالم تطول و لكن المهرولين و أصحاب الخلاص الفردي لا يبصرون.
اليوم نسمع أخبارا مفزعة عن حالة شيخنا الفاضل الحبيب اللوز ذلك الجبل الأشمّ الذي تقدّم لحمل الأمانة حين تراجع البعض و قاد معركة البلاغ المبين و نشر الفكر الوسطي حين امتنع البعض عن إلقاء الدروس في المساجد ، و ثبت على الحق أمام (محاكم بن على) حين ضعفت نفوس البعض .
سيكتب التاريخ و قبل ذلك و بعده ملائكة الرحمن أنّ أبناء هذه الحركة المباركة ضحّوا بالكثير من أجل بلادهم و شعبهم فما وهنوا لما أصابهم و ما استكانوا و ما بدّلوا و كان يسعهم الترخّص و لكنّهم أبوا ذلك على أنفسهم.
إنّ الظلم في تونس استفحل و لا تلوح أيّة بوادر تغيّر في الأفق فنظام بن علي يزداد تكلّسا يوما بعد يوم و أحرار تونس يموتون مرضا أو كمدا بينما يجتهد أعوانه في تفريق صفّ المعارضة و ذلك بتقديم ترضيات لضعاف النفوس بتمكينهم من جواز سفر أو تسهيلات الدخول لتونس إذا كانوا محمّلين بالهدايا .
إنّ مسؤوليّتنا في الغرب كبيرة تجاه بلدنا و إخواننا و كلّ أحرار تونس في الدفاع عن حقّ كلّ تونسي في الحياة:
1. حريّة التعبير
2. حريّة التجمّع
3. إطلاق سراح المساجين
ý لا تلتفتوا إلى المخذّلين من دعاة الخلاص الفردي أو المتساقطين على طريق الحريّة الذين لا نسمع لهم صوتا حين يموت أبناء تونس بينما ينتعشون عند كلّ ناعق يدعو (لمبادرة وهميّة…) .
ý لا تسمعوا لمن يحرص على مشاعر الظلمة فيترقّق في وصفهم .
ý لا تسمعوا لمن ضعفت نفسه فتنكّب الصراط و قال إنّ حصولي على جواز و دخول تونس يخدم الدعوة!!!!!!!!
ý بادروا لإقامة معارض تبرز الوجه الحقيقي لهذه النظام ،عرّفوا الناس في الغرب : منظّمات و شخصيّات بالإستبداد في تونس
ý أدعوا كلّ من تعرّض للتعذيب أن يسارع برفع قضيّة دوليّة لمحاكمة نظام بن على .
يا أبناء تونس في المهجر إخوانكم يموتون و يحاصرون و يجوّعون فبادروا إلى ساحات الفعل و النضال و لا تلتفتوا لناعق في الطريق فلا نامت أعين الجبناء
محسن الجندوبي
ألمانيا
www.aktion18oktober.com
info@aktion18oktober.com
الشيخ الحبيب اللوز من مقاول بناء الجدران إلى داعية لبناء الإنسان
تناهى إلى مسمعي في هذه الآونة خبر ينبيء عن تدهور صحّي خطير أصاب رفيقي وأخي وصديقي الشيخ الحبيب اللوز حيث بات مهدّدا بفقد البصر! فأثار هذا الخبر أحزاني وحرّك أشجاني، وأعاد لذاكرتي ما كانت اختزنته من ذكريات مع الشيخ الحبيب اللوز منذ أوائل سني السبعينات إلى أوائل التسعينات، رأيت من المناسب عرضها للسادة القراء الكرام – على وجازتها وقلتها – بوصفها نبذة يسيرة من سيرة داعية من دعاة تونس الأبرار، وقف عمره وحياته على الدعوة إلى الله وسخّر طاقته وجهده لإقامة دين الله وإحياء شعائره وشريعته كلّفه ذلك ما كلفه. وها هو اليوم يدفع من حريته وصحّته ضريبة الدعوة إلى الله ونصرة دينه سجنا مؤبّدا قضت به عليه محكمة جائرة، وعذابا وهوانا وتشفيا وإهمالا وضيما يعامله به زبانية الطغمة المتحكمة اليوم في بلادنا بسبيل تحطيم إرادته وتوهين عزيمته والتسبّب – لا قدّر الله – في عمى بصره! أعمى الله أبصارهم! يرجع بدء معرفتي بالشيخ الحبيب اللوز إلى عام 1972 في مستهلّ دراستنا الجامعية؛ حيث التحقت أنا بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بتونس لدراسة القانون، والتحق الشيخ اللوز بكلية العلوم بالمركب الجامعي بتونس. كان اللقاء الأول بيننا ذات ليلة بالمبيت الجامعي بباردو 2 عرضيا حيث تعارفنا، وتكرّرت بعد ذلك اللقاءات وتوطّدت بيننا العلاقات. كان الحبيب حسن الهيئة أنيق المظهر والملبس، عرفته بعد طول معاشرة دمث الأخلاق متواضعا ذا ثقافة واسعة وذكاء ولسان فصيح طليق، كان يحبّ الحوارات والمناقشات صبورا على طول النقاش والمجادلة. وبعد عامين من دراسة العلوم بدا للأخ اللوز أن يدرس الاقتصاد فالتحق بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية؛ وهكذا جمعت بيننا رحاب هذه الكلية فترة من الزمن. وفي الأثناء عرض عليه والده بعث مشروع للمقاولات بمدينة صفاقس – كما هو العهد بخبرة أهل صفاقس في شئون التجارة والتصنيع وبعث المشاريع – فغادر الحبيب اللوز الجامعة وعاد إلى صفاقس لينخرط في مجال مقاولات البناء. عاد الشابّ الحبيب اللوز إلى صفاقس نزولا عند رغبة والده في تولي المسئولية عن مشروع مقاولات البناء. ولعلّ والده كان يطمح أن يرى ولده متبوئا من بين كبار المقاولين المشهورين في المدينة مكانة عالية ليس بوسعه أن يتبوأها من خلال سنوات الدراسة الجامعية الطويلة. عاد حبيب اللوز إذن ليتحمل بمسئولية التسيير لمشروع مقاولات البناء! ولكن القدر الحكيم كان قد رصده لتسيير مشروع بناء من نوع آخر! كانت عودة الحبيب اللوز تلك إلى صفاقس فاتحة عهد جديد للدعوة الإسلامية في ربوع صفاقس حيث تعلقت همته بنشر الدعوة إلى الله في صفوف الشباب، مستشعرا المسئولية لإحياء موات الدّين في قلوب الناس؛ فضمّ جهده إلى جهود إخوان آخرين نذكر منهم الشيخ عبد العزيز الوكيل وعادل الحديجي ومحيي الدين…فأخذوا يتردّدون على مختلف الجوامع والمساجد والمجامع بالجهة يلقون الدروس الدينية وينشرون المواعظ ويبثون النصائح ويقاومون البدع ويحيون السنن. انتظمت ببركة جهودهم الأمالي القرآنية والدروس الدينية في مختلف المساجد والجوامع التي عجّت بالشباب التائبين من الجنسين، وانتشر اللباس الإسلامي في صفوف النساء والبنات، وأصبحت عبارة (إسلامي) تجري على كلّ لسان؛ فالعرس إسلامي والإملاك إسلامي، والإحتفال إسلامي والختان إسلامي، وحتى العزاء إسلامي! وقف مقاول الأمس نفسه – وبمعية إخوانه – على إقامة أعلام الدين وإحياء ما اندرس من معالم الشرع العظيم؛ فطفقوا يوقظون النفوس الغافية ويستنهضون القلوب الغافلة كي تثوب إلى رشدها وتئوب إلى ربّها. فلم تمض إلا سنون قليلة حتى تحوّلت صفاقس – أواخر سني السبعينات – معقلا من أكبر معاقل الصّحوة والحركة الإسلامية في البلاد التونسية. هكذا تحوّل الحبيب اللوز من مقاول يتعامل مع الجمادات من الآجرّ والترابة (أي الإسمنت) والقرميد والأحجار والحديد لبناء الحيطان وإقامة الدور والبيوتات وتسوير الأسوار، تحوّل من كل ذلك إلى مقاول من نوع آخر يتعامل مع النفوس والأرواح والقلوب لبناء أجيال الإسلام. ظلّ الشيخ الداعية الحبيب اللوز واقفا على ثغر صفاقس يدعو إلى الله دون ما كلل ولا ملل. حتى كانت المحنة الأولى الواقعة على الحركة الإسلامية في صيف عام 1981 حيث شنّت حكومة محمد مزالي حملة اعتقال واسعة شملت معظم قادة الاتجاه الإسلامي
ودعاته! وحكم عليهم بالسّجن لآماد متفاوته. كان الشيخ الحبيب اللوز من بين المحكوم عليهم غيابيا حيث تمكّن من الفرار واللجوء إلى القطر الجزائري الشقيق. لبث بالجزائر حوالى سنتين ثم ارتحل إلى فرنسا ليستقرّ في باريس. هناك بأحد المساكن المتداعية للسقوط في حيّ (التيجان:couronnes) الكائن بباريس ألقى الشيخ الحبيب اللوز عصا الترحال صحبة العيال ليواصل مهمته وينشر في صفوف الجالية دعوته… (يتبع إن شاء الله) محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي
(المصدر: موقع الحوارنت بتاريخ 4 ماي 2006)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
همسة للشيخ الرباني الحبيب اللوز
السلام عليك وعلى إخوانك ورحمة الله وبركاته أيها الشيخ الأبي الرباني اسمح لي أن أتكلم عنك قليلا حتى وإن خانتني الكلمات والمعاني وأنت حيث أنت تصارع المرض في إيباء وشموخ كما عودتنا دائما مثلك مثل العشرات من إخوانك تسطر معهم ملحمة صامتة غيبتها أقبية الزنزانات المظلمة لهذا النظام الظالم عن أعين العالم . لا ذنب لكم سوى أنكم وهبتم أجسادكم الزكيّة و أرواحكم الطاهرة لخدمة دينكم ولنصرة قضايا شعبكم العادلة في زمن الخسة والنذالة والدناءة لأدعياء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لمن باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان لأسيادهم أعوان الشيطان. شتان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.اطمئن شيخي فالفريقان لا يستويان. فريق ينعم في الجنان وفريق مخلّد في النيران هكذا وضع الله الميزان وهكذا يحكم بيننا الرحمن. فابشر فإنك بأعين من أنزل القرآن ولا تحزن على ذانك السّجان فإن مصيره إلى النسيان ويبقى ذكرك أنت وإخوانك على مر الأزمان.
ستذكرك الجوامع والمساجد وساحات الجامعات والمعاهد وسيرمى في سلّة التاريخ هذا العهد البائد وسيغلب كل مفسد فاسد تلك سنّة الله الأحد الواحد فصبرا أيها الشيخ المجاهد. إن حرموك بالإهمال نعمة البصر فقل كما قال نوح » رب إني مغلوب فانتصر » فإنك تدعو القادر المقتدر فأنك أنت في الأخير المنتصر. . أيها الشيخ الكريم أقول لمن لا يعرفك أنت جّم الأخلاق والأدب بعيد عن الفحش وسرعة الغضب تحب في كل القضايا المشورة وتدافع عن الحق كأنك قسورة هل تذكر شيخي أيام الاختفاء أيام العهد والوفاء وكيف كنا دائما نذكر من سبقنا من إخواننا الشهداء فتقول هنيئا لهم هم السعداء أتذكر شيخي يوم سفري إلى الجزائر حينما ودعتني وبتقوى الله أوصيتني وحينما إلى صدرك ضممتني أتذكر ماذا همست في إذني : الحركة أمانة في عنقي فلا تتركوني وحدي وشدوا من منفاكم عضدي وخاصة أنت أخي عد إلي أشدد بك أزري . حال بيننا إيقافك فلم أحقق الوصية غير أنني بقيت أحمل كما تحمل أنت القضية حتى ننتصر سوية فتنعم تونس بالحرية أو نلقى الله على السمحة البيضاء النقية عقيدتنا الإسلامية.
عجل الله فرجك أنت وإخوانك البقية يا أنبل فرسان الحرية أخوك وليد البناني
سجين سياسي في تونس يوشك على فقد بصره فهل من مغيث ؟
بسبب إتساع دائرة التنكيل بالسجناء السياسيين في تونس فقد الشيخ الحبيب اللوز ـ 51 عاما ـ
نور عينه اليمنى وتوشك اليسرى على ذلك . يقضي الشيخ الحبيب اللوز حكما بالسجن المؤبد منذ عام 1991 بسبب قيادته لحزب غير مرخص فيه أي حركة النهضة الاسلامية التونسية في ظروف عصيبة جدا أفضت إلى موت مالا يقل عن خمسين شهيدا أسماؤهم مثبتة موثقة في سجلات المنظمات الحقوقية الدولية من مثل العفو الدولية والمنظمات المحلية التونسية من مثل رابطة حقوق الانسان والمنظمة الدولية للمساجين السياسيين ومجلس الحريات .
لم يخرج سجين واحد من بين آلاف السجناء السياسيين الذين تغلي به مراجل العذاب في تونس إلا وهو يحمل عاهة بدنية أو إعاقة عضوية بل منهم من دخل السجن وهو في أتم مداركه العقلية ينافح عن الحريات بلسان صارم بتار وقلم غارم كرار فلم يبرحه إلا مخبولا لفرط ما تعرض له من تنكيل وتشف لو شهده الحجاج لخر ساجدا يبرأ إلى الله من ظلم العباد للعباد .
لجنة أكتوبر للحريات في تونس : صخرة عاتية تحطمت عليها قرون ثيران عصابة الفساد :
جرت الرياح الدولية في إتجاه قارب عصابة الفساد والنهب والسلب في تونس على مدى عقد كامل تقريبا في إثر إنقلابها العسكري الذي تزامن في نهاية عقد الثمانينات مع سقوط المعسكر الاشتراكي وتربع الصليبية الامريكية المتصهينة على العالم فجرت مقايضة شنيعة تم بموجبها صم الاذان عما يجري في تونس من مأساة صامتة تدور رحاها ضد الحريات الخاصة والعامة في مقابل تحويل تونس إلى مخفر لصنع علاقات التطبيع الاثم في المنطقة .
غير أن حركة التاريخ التي لا تتوقف عن التمكين للمستضعفين في الارض شبرا بشبر ويوما بعد يوم حملت إلى الشعب التونسي ميلاد حركة 18 أكتوبر بتحالف بين مختلف المشارب الفكرية والتيارات السياسية وهو الامر المطلوب والمشروط لتقدم معركة الحريات في نهجها الصحيح فثارت ثائرة عصابة الفساد في تونس وجن جنونها وراحت تصنع الاشرطة الملفقة ضد رموز تلك الحركة من مثل الاستاذ الشابي حينا ومضايقة الاستاذ ديلو حينا آخر .
أدركت تلك العصابة المتصهينة بأن أخطر ما يواجهها في معركة الحريات أمران لم تبخل بهما تلك الحركة : إنفتاحها على كل الالوان وتمحضها لقضية المساجين وحرية الاعلام . ولكن لات حين مناص .
أي مستقبل لعصابة فساد تحكم على نفسها بالعزلة في عالم يتحرر يوما بعد يوم ؟
من كان يصدق يوما بأن حاكم الجماهيرية يمكن أن يري معتقلا واحدا من معتقليه نور الشمس سيما إذا كان من الاسلاميين الذين لم يبخل عنهم في الثمانينات بالشنق الحي المباشر في ظهيرة أيام قائظة من رمضان المعظم وعدسات الدنيا تنقل المشهد المسلي على الهواء ؟
من كان يصدق أن يخوض حاكم الجزائر ملحمة وئام وطني واسعة جدا تحط الاثقال عمن تمترس بالجبال الوعرة يحمل السلاح ويشن الغارات فيما يذكر بالقرون الوسطى ؟ الاسلاميون يصلون إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في فلسطين وتركيا ويشاركون فيها برلمانيا وحكوميا في المغرب ومصر والكويت ولبنان والاردن وفي بلدان عربية وإسلامية أخرى كثيرة . وفي ما بقي من عالم العروبة والاسلام يملؤون المؤسسات المدنية الاهلية بحركة الفكر والتنمية ومواجهة التطبيع وإحداث التوازن المطلوب بين الدولة والمجتمع .
ولى عهد السجون وبخاصة المقرفة المغلظة الممتلئة حقدا وتنكيلا وتشفيا إلا في تونس .
هل يذكر الناس أن حركة النهضة الاسلامية التونسية كانت محل سخرية بل تكفير أحيانا من لدن كثير من الاسلاميين في السبعينات وهي تنادي بالديمقراطية وحقوق الانسان والتعددية وحقوق المرأة والعمل النقابي والمجتمع المدني الاهلي في تجربة إسلامية تجديدية معاصرة تقوم على النقد والبناء والاقتباس والحركة ؟
أليس من المضحكات المبكيات أن يلبث المساجين في تونس ستة عشر عاما كاملة بتهمة الانتماء لجمعية غير مرخص فيها في زمن الثورات الاعلامية الهادرة الساخرة من تأشيرة الترخيص لقول كلمة أو إبداء رأي ؟
هل يجوز في حكم السنن والاسباب لعصابة النهب والسلب في تونس أن تواصل تحجرها بعد اليوم يوما واحدا ؟
الدنيا من حولنا بأسرها تتجه نحو الانفتاح والعولمة بعجرها وبجرها والانظمة شعبية أو رسمية لا مناص لها من التأقلم طوعا أو كرها مع تلك التحولات العابرة للحدود بل لاسوار البيوت .
صرخة إستغاثة لحفظ النور في بصر الشيخ اللوز وإخراج المقبورين من قبورهم في تونس :
هل ترضى لنفسك أن تفقد بصرك ؟ ألا يضيرك أن يفقد مجاهد على درب الحرية في تونس بصره صابرا محتسبا يقول بملء فيه وفؤاده للطغيان والجور : لا ؟ أبمثل هذا يجازى رجال الاصلاح وفرسان التغيير النحارير فينا ؟ هل ضاع الوفاء وهانت الامانة فينا ؟
إفعل شيئا مهما كان موقعك ولا تعجز أبدا . أنت مستأمن على قيم الحق والعدل والحرية من لدن من صنعك وخلقك وكرمك بالعقل وأقرأك وعلمك .
لا تصدق نفسك إذا قالت لك : أنت لا تقدر على شئ . ذلك الشيطان يخوف أولياءه .
أكتب وراسل ونظم التحركات وتعاون مع الناس وكن الراحلة التي تقود الناس إلى الخير فأنت للناس إمام ولست إمعة طائعة . أنت سنة ماضية وسبب وقاد وقدر يهدي بك الله هذا إلى رفعة التحرر ويخفض بك ذاك إلى قعر جهنم . فكن حيث أرادك المالك وسبح بحمده بكرة وعشيا . الهادي بريك ـ ألمانيا
حوارمع الناشط الطلابي عبد الحميد الصغير
الآتحاد العام لطلبة تونس بات معزولا عن قواعده
الأيام وحدها سوف تبيّن محدوديّة قراءة حركة النهضة للواقع الشبابي
هناك فرق بين مقابلة البوليس و القبول بمطالبه ذ
أجرى الحوار: فوزي بالحاج صالح
عبد الحميد الصغير أو الخطاف في غير سربه، كما بات موصوفا في أوساط الحرم الجامعي، من بنزرت حيث قضى مجلس تأديب كليتها بطرده نهائيّا صائفة 2004 إلى كليّة العلوم بتونس أين هو بصدد ختم أستاذيّة الرياضيات، ظلّ إسمه مرتبطا بطرق » المحرمات » داخل الأجندة الطلابيّة.
فمن نبش ملف المساجين السياسيين من الحركة الطلابيّة إلى المطالبة بفتح مسجد المركب الجامعي إلى حلقة 18 أكتوبر السياسيّة و تفعيل ذراعها الطلابي، ظلت الإقافات البوليسيّة خبزه اليومي. و بين هذا و ذاك نأى جانبا عن الصراعات السياسويّة التي تنخر جسد المنظمة النقابيّة المترهلة: الإتحاد العام لطلبة تونس، سالكا طريق الإستقلاليّة التنظيميّة في مواجهة تحديّات الواقع الطلابي.
و سعيّا منّا لقراءة الواقع الحالي المشحون داخل الجامعة، قمنا بإستدراجه و إحراجه في ما يخصّ تعقيدات الساحتين النقابيّة و السياسيّة فكان لنا معه الحوار التالي:
السيّد عبد الحميد، لو إنطلقنا من الأحداث الداميّة التي جدت مؤخرا بكليّة 09 أفريل و ما أعقبه من تسجيل قضايا مدنيّة في حقّ بعض الناشطين الطلبة فماذا تعلقون؟
بقدر ما نأسف لوقوع هذه الأحداث المشينة داخل النخبة الطالبيّة فإننا لا نرى فيها جديدا. إذ تعكس هذه الأحداث الوضع العام التي تمرّ به الحركة الطلابيّة و خصوصا الإتحاد العام لطلبة تونس التي أصبحت الإنقسامات « البكتيريّة » و التناحر السياسوي الضيّق سمتها الرئيسيّة منذ المؤتمر 19 و إلى اليوم.
فهذا التناحر بات يعيق السير الطبيعي للمنظمة النقابيّة، التي كان الأولى بالأطراف السياسيّة المكونة لها أن تنأى عن المشاحنات الضيقة المهمشة لقضايا الطلبة الرئيسّة. هناك هوّة عميقة باتت تفصل قيادات المنظمة عن قواعدها، و التي أصبحت منحصرة في بعض المئات من بين أكثر من 360 ألف طالب هم جملة آمّي الحرم الجامعي.
هذا كسب ذاتي دون نسيان ما هو موضوعي و المتمثل في السلطة التي بقيت منحازة لطرف معيّن في إطار سياسة تدجين و إحتواء هذه المنظمة.
لكن أمازلتم تعتقدون بأنّ الجامعة بخارطتها الحاليّة و الظرف الموضوعي الذي وصفتموه ما زال بمقدورها لعب ما كان مناطا بعهدتها عقدي الثمانينات و التسعينات؟
على الرغم من كلّ المضايقات اليومية لناشطي الحركة الطلابية والظرف الموضوعي الذي أتينا عليه والذي بدأ بحملة التطهير الممنهجة التي قسمت ظهر الإتجاه الإسلامي الذي كان يمثل العمود الفقري للنشاط الطالبي و من ورائه الإتحاد العام التونسي للطلبة نعتقد بأن الجامعة ومتى رفعت السلطة عن منظماتها النقابية ومتى تحملت الأطراف السياسية المكونة للجامعة مسؤولياتها التاريخية بإستطاعتها إستعادة مكانها الطبيعي. فإرتفاع عدد الطلبة الذي يتوقع بلوغه مستوى 500ألف طالب بحلول 2010 يمكن أن يمثل عاملا مساعدا على استعادة الدور الطلابي المغيب.
لقد آرتبط إسمكم بنبش الملفات « المحرمة » كما تقولون. فأين وصلتم في مطالبتكم بفتح مسجد المركب الجامعي خصوصا بعد مناشدتكم رئيس الدولة التدخل في الغرض و ما جديد ملفاتكم النقابيّة؟
أظن ّ أنّ ملف المسجد أخذ صيته الإعلامي و الحمد لله. و آخرها تغطيّة موقع « إسلام أون لاين » و لازلنا نعتبر بأن هذا المطلب هو جزء لا يتجزأ من الحريّة. فالطالب الذي يضطرّ إلى قطع بعض الكيلومترات لتأديّة صلواته المفروضة، في الوقت الذي بقى فيه هذا المعلم مغلقا دون مبرر واضح، هو حيف كبير.
و فيما يخصّ ملفّ الطلبة المساجين و على رأسهم الأمين العام السابق للإتحاد العام التونسي للطلبة السيّد عبد الكريم الهاروني و الزعيم الطلابي السيّد العجمي الوريمي نرى أنّه جرم فادح إبقائهم رهن القيود لأسباب نراها نقابيّة. و نحن في شهر أفريل لا يفوتنا أن نذكّر بشهيد الحركة الطلابيّة عثمان بن محمود الذي تلطخت يد السلطة بدمه في أفريل 1986 و نحن بصدد البحث في بعث لجنة تقصّي حقائق في وفاته و كلّ الأطراف المسئولة عن تلك الجريمة النكراء.
كلّ هذه القضايا الحساسة تمّ تهميشها من طرف الإتحاد العام لطلبة تونس طيلة عقد و نيف و هي تظلّ المطالب الدنيا التي تسمح بعودة الروح الفعليّة للجسم الطالبي.
السيّد عبدالحميد, ألا ترون بأنّ المرحلة تقتضي الاعتراف المتبادل من كامل أطياف المشهد السياسي الطالبي، سلطة كانت أو معارضة دون إقصاء و لما لا البحث عن صيغ لتقنين الوجود الأمني داخل الجامعة بإعتباره واقعا قائما؟
نحن لسنا ضدّ تواجد كلّ الأطراف الناشطة بغضّ النظر عن مشاربه الفكريّة و السياسيّة و مهما كان موقعها من السلطة. وهو ما سيثري النسيج السياسي داخل الجامعة و تبقى الساحة هي الفيصل. و فيما يخصّ الأمن الجامعي، نحن ضدّ تواجده بالمرّة.
لقد طرح نشاطكم المنتظم داخل الجامعة كأحد أبرز القيادات التي تجرأت على طرق مواضيع ذات حساسيّة أمنيّة بالغة إضافة إلى متانة علاقاتكم بالأطراف السياسيّة الناشطة داخل الساحة السياسيّة و التي تجلت في مؤازرتكم لتحركات هيئة 18 أكتوبر. لقد طرح السؤال حول مدى علاقاتكم بأطراف ثلاث ألا وهي النهضة، الفرنكفونيين و السلطة فماذا تردون؟
فيما يخصّ حركة النهضة، و مع إحترامي الكبير لرؤاها الفكريّة، فإنّي أذهب للقول بمحدوديّة قراءتاها السياسيّة للواقع. و من ذلك تغييبها لمسائل باتت من صميم الشواغل اليوميّة للصحوة الدينيّة و تنصلها اللامبرر من دورها التاريخي داخل مملكة الطلبة. و شخصيّا لا أخفي سرّا حين أقول بأنّي حاولت أكثر من مرّة إقناع بعض الوجوه السياسيّة المحسوبة على هذه الحركة، لضرورة تفعيل الملف الطلابي إلاّ أنّي لمست تهميشها لهذا الموضوع بالذات. و ربما يعزى ذلك إلى ثقل ملف المساجين السياسيين الذي لا يزال شغلهم الشاغل في هذه الفترة بالذات. و تبقى الأياّم وحدها كفيلة بتبيان مدى محدوديّة القراءة السياسيّة للوضع الشبابي من طرف حركة النهضة.
فيما يخصّ علاقتي بالسيّد الطاهر بن حسن فإنّي أستغرب هذا التهويل لمجرّد استضافتي من طرفه لإجراء حوار تلفزي بقناة » الحوار التونسي » والتي أتمنى لها التوفيق مسبقا حتى تثري المشهد الإعلامي المتصحر ذي اللون الواحد.
أما ما بات ينسجه البعض من خيال حول علاقة مزعومة لي بالإرشاد السياسي فإنّي أشكركم على صراحتكم و إتاحتكم الفرصة لي كي أردّ على الذين لا همّ لهم إلاّ التفتيش في نوايا الناس وهم بذلك يساهمون في اهتزاز صورة النشطين النقابيين و السياسيين داخل الطلبة في الوقت الذي يناشدونهم فيه المآزرة. فعن أيّة علاقة يتحدثون لمجرّد أنّي جالست بعض الأعوان من الإرشاد السياسي داخل مقهى إحدى النزل أو مقاهي العاصمة لمرات لا تتجاوز أصابع اليد، في محاولة منهم لاحتوائي و التأثير على نشاطي النقابي و كذلك دسّي كمخبر داخل هيئة 18 أكتوبر؟
و هنا أؤكدّ مرّة أخرى لكلّ الناعقين بأنّه هناك مسافة كبيرة بين المقابلة و القبول. فمجالستي لأعوان الإرشاد السياسي لا يعني البتّة المسّ من مصداقيّتي النضاليّة. فما أفعله جهرا، يفعله بعض الناشطين داخل الساحة السياسيّة سرّا. يمكن في مجالستنا للبوليس أن نستفيد في قراءتنا للوضع السياسي!
عريضـــة!
جاءني يهرول يتصبب عرقا، ألقى عليّ سلاما مقتضبا وسألني بنبرة يغلب عليها التأنيب والاستفهام المبهم : هل أمضيتَ على العريضة؟ قلت : هوّن عليك قد عرض لي طارئ فنسيت العريضة قال : يجب أن تسرع، فقد سبقك الكثير، ويجب الآن حجز مكانك، فقد أصبحت الطوابير طويلة! قلت : لا عليك، إني أريد أن أنبأك بسرّ أرجو أن يظل جاثما على صدرك، وأن لا تبوح به لأحد، حتى وإن خيروك بين الكفر والإيمان… استوقفني واصفر وجهه وغاب نطقه لحظة ثم أراد الكلام فتلعثم وسكت… قلت مطمئنا إياه ورافعا الغشاوة عن ظنونه وحازما في موقفي : لم أعد أطيق العرائض!!! نظر إليّ باشمئزاز وبعض القرف يشوبه بعض الحنان وقال :… اخفظ صوتك فقد بدأت تطرق أبواب الخيانة ونكران الجميل والإحسان للأهل ونسيان الوطن، فحذار من السقوط! حذار من مغادرة السفينة والبحر عميق! قلت مستغربا : وهل الإمضاء على العريضة عقيدة، من تخلى عنها فسد دينه ومرق منه كما يمرق السهم؟ أم هي طريقة، من نبذها فقد نبذ الشيخ والمريدين وطلق حلق الذكر والمجذوبين، فاستُحِلَّ دمُه، وصودر تاريخه ومتاعه، و رُميَ بحاضره في سلة المنسيات فلا هو كان ولا سوف يكون؟ قال غاضبا : يكفي تهكما فالعريضة هي ما بقي من ماء الوجه، هي القليل المستطاع، هي آخر جعابنا، هي رغيف الفقير وكوخ المسكين وأمل الحيارى والمستضعفين، ليس وراءها إلا الجدار والصمت الرهيب والصحراء القاحلة.. هي أداة الغريق والضال واليتيم بدون وطن.. العريضة يا سيدي عليها نحيا ولولاها نموت… قلت : هل العريضة بدل الموت أم الموت مع العريضة؟ ألا ترى يا صاحبي أن العريضة أصبحت مسكّنا لآلامنا وإرضاء لحالنا وإراحة لضمائرنا واعتقادا كاذبا بأننا مازلنا نناضل ولم نمت! إن اسمي أصبح يتجول بين القوائم كالمرأة العانس تبحث عن رب بيت يحميها في وحدتها ويخفف عليها وحشتها، فأصبحت العريضة تحمينا بدل أن نحميها، تدافع عن وجودنا بدل أن ندافع عن وجودها…حتى أني لم أعد أعرف من ساندت ومن لم أساند، ولماذا ساندت ولماذا لم أساند… إن العريضة كما أراها محطة في مسار وليست نهاية مسار… إني قررت اليوم وبعد تفكير مرير الثورة على العرائض فلن أساند عريضة بعد اليوم وسأدعو الناس إلى التجاوب مع قراري ومساندتي في محنتي أن أعيش بلا عرائض… وسأكتب في ذلك عريضة! بقلم : مواطــن المصدر: ركن خواطــر موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net
لا ندري أي قافلة نريد ؟؟؟وأين القافلات ؟؟؟
بإمضاء أعمى متعثر في مسير القافلات
مرت أيام وليال عصيبات زلزلت قناعات وغيرت سلوكات وبخست دنيات وحطمت قويفلات ظن أصحابها أنها قامت على سويقات … تعس يوم القيامة من اغتر بعقله على حساب إخوان القيم وأصحاب الركيعات …تعس من ظن أنه ناج منج لإخوانه والأخوات حين يتصل بأنذال السفارات ويدغدغ بمعسوله الرغبات و كأن أمهاتنا في البلاد عاقرات …تعس من كذب بالمبادئ وصدق أصحاب الرذيلات …تعس من لم يكن يوما في عزمه لوزا أو سميرا أو بوخذير أهل البصيرات …تعس من لم يلزم غرزه ويعرف قدره وأسند الأمر للقدوات…قافلات وقافلات الساقط فيها أكثر من الراكب والراكب فيها نازل بعد سويعات وقبل المسير بشهور وسنوات…لبعض المغترين قافلات وللنظام ضحكات وضحكات… استفادوا من تشرذمنا ببيانات وأسند لأصحابها المليونات والدينارات وأمسك عن بعضها أهل التقلبات …تونس بلد العاقرات والمهجر أنجب العباقرة الذين أرادوا تغيير المطبات إلى كوارث في المعارضات …قافلات وقافلات تنام حينا ويغشاها النعاس سنوات…ينبري لها واحد له نصف قرن من السجن بمدح فات كل الشجاعات …ثم قال أنا أول أهل القافلة رجوعا وتضحيات…ثم أمسك عن التشجيع والتصفيقات لأنه أدرك أن للمعارضة رجالا وبوابات …قافلات وقافلات تجعل الحليم حيران وتجعل أمهات الوطن عاقرات يا لها من قافلات …يالها من قافلات …أخوات رفضن القافلات إلا مع إخوانهن أو في نعوش ميتات …قافلات وقافلات وللنظام غمزات …ولأهل الإعلام سقطات وبيانات… قافلات وقافلات والذاكرات ميتات …افعلوا ما شئتم أيها الأزلام في الرجال والأسود الرابضين في الظلمات …افقؤوا أعينهم فما لها حق البصر والنور نوركم كذا الظلمات… فاجعلوا ما شئتم لها و اجعلوا الثروة كلها للظالمات ولليلات …فما يستحق شعبكم إلا الظلمات ….وتمعشوا من تشرذمنا وابعثوا بدل الذكور السيدات…فهن أقوى على سلب القيم من القافلات…قافلات وقافلات وللنظام ضحكات…تونس الخضراء لا يصلح لك غيرالعقم في الأمهات …فلم تنجبينا الذكور ليصبحوا عبيدا تحت السيدات والليلات؟ …فلم تنجبين الذكور لا يقرؤون ولا يقرئون كمثل السيدات؟…قافلات وقافلات ولنظامنا الحرص على أبصارنا بعد أن وصلت أبصاره كل الفضائيات…فلم القافلات؟فلم القافلات؟…قافلات يالها من قافلات…دعينا أيتها القافلة حيث نحن فمالنا حظ في السيرلا في السهل ولا في المرتفعات…نحن عميان لا نرى اتركينا حيث نحن في السجن في المهجر في الظلمات …تعودت أيتها القافلة على خوض الصعاب لوحدك وعلى المناورات لوحدك ولو بالنطيحات…فلا انتظار لمثلنا فالأسود الشم تختار الفريسات…قافلات وقافلات وللنظام ضحكات والأمهات في أوطاننا عاقرات…آه من قافلات لا ترى الأبواب ولا النوافذ ولا الأسوار ولا حتى البوابات…يالوز لست محتاجا لعينك فالعيون كثيرة وكذا القافلات…بوخذير لا تمت لأنك لا تعرف مصلحة الأوطان في أعمارنا ولا في الأمهات العاقرات… يا شورو لا تسخر من سجانك فكله نور ولك ولإخوانك الظلمات…يا راشد لا تصعد لألا يقطع الطريق على القافلات…يا نوري غير اسمك فلاسمك اشتراك مع الإرهاب والإرهاب عدو الحكومات…ولا تدافع عن أمثالك واجعل دفاعك عن القافلات…قافلات وقافلات وللنظام النور والضحكات…هذي بعض خيرات حسان لأهل القافلات…نحتت في أيام نودع الأبصار والشهيدات…رحم الله من رجع في صندوق لم تعبث به أيدي القافلات.
حقوق الانسان في الاسلام:
هل من حد فاصل بين خطاب الاسلاميين العرب واللإسلاميين غير العرب؟ (*)
بقلم: الشيخ راشد الغنوشي 1- إذا كانت كل الديانات إنما جاءت حسب التصور الاسلامي لمصلحة الناس إقامة للعدل ودفعا للتظالم وبسطا للتراحم بينهم باعتبارهم جميعا عائلة واحدة متساوين، لا يتمايزون إلا بأعمالهم وخلقهم فإن شرائع حقوق الانسان مهما اختلفت مرجعياتها لا يمكن إلا أن تكون في لقاء حميم مع الديانات وبالخصوص مع الدين الذي يقدم نفسه خلاصتها وختامها: دين الاسلام، فقد أجمع علماؤه أن إقامة العدل المقصد الاسنى لبعثة الرسل. قال تعالى: « لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط » سورة الحديد.، وذلك عبر تحقيق مصلحة العباد وإسعادهم في العاجل والآجل (1) فحيث توجد المصلحة فثم شرع الله (2)، وكل ما خرج من العدل الى الظلم ومن المصلحة الى المفسدة ومن الرحمة الى ضدها فليس من الاسلام في شيء، إذ الاسلام عدل كله ورحمة كله. فكل ما ثبت أنه عدل ورحمة فهو من الاسلام وإن لم يرد في نص مخصوص إذ المدار على عدم المخالفة(3)، إذ السياسة كما عرفها ابن الصلاح فعل يكون معه الناس أقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي »(4)، وكل ما يخالف هذا الاصل حتى وإن ظهر أنه من الاسلام فهو عند التحقيق ليس كذلك. إذ اتفق علماء الاسلام كذلك أن كل ما هو معقول هو مشروع وكل مشروع هو معقول حتى وإن ظهر الامر على خلاف ذلك. إن « صحيح المنقول لا يمكن أن يخالف صريح المعقول » وكل ما جاء خلافا لذلك فان كان من الشرع فهو شرع ظني مؤول وليس شرعا قطعيا، وإن كان من المعقول فهو ظني وليس قطعيا(5). ومعنى ذلك أن كل ما هو مصلحة للعباد وخير وعدل ومعقول لا يمكن إلا أن يجد له مكانا مريحا في الاسلام، مثل مبادئ الحكم الديمقراطي وحقوق الانسان، الى سائر النظم والترتيبات الادارية والانتاجية التي ثبت نفعها للناس، وذلك إما في نصوصه الصريحة أو في مقاصده الثابتة. وبصرف النظر عن بعض الجزئيات القليلة المختلفة مع ما ورد في الاعلانات والعهود الدولية لحقوق الانسان والتي يحدث حول بعضها الاختلاف داخل الديمقراطيات الغربية ذاتها، مثل العقوبات على بعض الجنايات كجناية القتل العمد، هل يعاقب عليه بالقصاص أم بالسجن أم بالدية أم بعفو ولي الدم.؟ ومن مثل الضوابط على العلاقات الجنسية ومنها العلاقات الزوجية، عدا جزئيات محدودة فإن الاتجاه العام هو التوافق والانسجام.(6) ونحن نؤكد أن أن هذا هو الاتجاه العام للحركة الاسلامية في العالم، الاتجاه صوب التوافق مع الارث الانساني لا التصادم، الاتجاه صوب الاعتدال ورفض العنف سبيلا للمعارضة أو نهجا في الحكم، إلا أن يكون دفعا للاحتلال والعدوان، والقبول بالتعددية السياسية وسائر مقومات النظام الديمقراطي، بما في ذلك التداول السلمي على السلطة. 2- ولأن الانسان ناقص بالطبع يحتدم في نفسه وفي محيطه صراع أبدي بين الخير والشر والحق والباطل والأثرة والايثار والعدل والظلم والتواضع والغطرسة فهو في كبد » لقد خلقنا الانسان في كبد » سورة البلد. وإنما جاءت الديانات لتعزيز قوى الخير والحق في الانسان والمجتمع وترجيح مسالك العدل وبيانها، فلا جرم أن تتغلب بواعث الهبوط والشر إما بسبب الجهل أو بسبب غلبة الرغبة الجامحة في الاشباع واللذة أو الرغبة في التسلط على الغير، فيركب عندها الى غايته كل مركب: مركب التضليل وقلب الحقائق وتزييف المفاهيم حتى ينقلب سلم القيم راسا على عقب، ولذلك كان لكل فرعون سحرة ينهضون بهذه المهمة « فخيل اليهم من سحرهم أنها تسعى » سورة طه. وهي المهمة التي ينهض بها اليوم الجهاز الاعلامي والايدولوجي الذي يحيط بالطغاة فيعمدون الى تطويع كل المبادئ والقيم النبيلة لإضفاء الشرعية على أوضاع الظلم والفساد، يستوي في ذلك سلّم القيم السائد أكان ذا مرجعية دينية أم كان ذا مرجعية انسانية عقلانية هذه تفاصيل لا تهم مؤسسة الطغيان إذ الطغيان بذاته شريعة عليا لا تتردد في توظيف كل شيء تراه صالحا لاستمرار طغيانها وتابيده تؤثر الوسائل الناعمة حتى لا تضطر للطرائق الخشنة، فليس الاسلام محصنا من سعي الطغاة لتوظيفه وتطويعه. 3-لقد تعرض الاسلام ولا يزال مثل غيره من الايديولوجيات بما في ذلك مبادئ حقوق الانسان والديمقراطية والمجتمع المدني، لتأثيرات الجهل أو التحامل أو الرغبة المصممة في التطويع والتوظيف من قبل حكومات طاغية وجهات مغرضة ليتحول مجرد أداة بل ربما « أبرز المعوقات الثقافية لنشر واحترام الثقافة والشرعية الحقوقية في العالم العربي والغطاء الديني الذي تضفيه بعض الحكومات والجماعات الدينية وبعض المؤسسات الدينية الرسمية وقياداتها على الانتهاكات المستمرة للحريات الاساسية في العالم العربي أو على تحفظات الحكومات على الاتفاقيات والاعلانات الدولية لحقوق الانسان « كما ورد في الورقة التأطيرية لهذه الندوة. 4- إنه بالرغم من حالة التجزئة السياسية التي فرضها ميزان القوة الدولي على الامة الاسلامية فلا هي توحدت على العقيدة كما كانت لأطول فترات تاريخها ولا توحدت حتى شعوبا على اساس المصالح، وبالخصوص العرب الذين فرض عليهم مستوى أشد من التجزئة، وبالرغم أنه قد بذلت جهود جبارة لاصطناع أسس ثقافية تعطي مشروعية لهذه التجزئة إلا أن مشاعر الوحدة الاسلامية لا تزال قوية بين المسلمين تبدو بالخصوص عند الكوارث فيتحول المسلمون قلبا واحدا يبكي المنكوب، وما ذلك إلا بسبب ما ظل الاسلام ينهض به من توحيد يتجاوزالعقيدة الى الشعور بالهوية الواحدة الجامعة لكل معتنقيه والى الثقافة والفكر ورؤية الذات ماضيا ومستقبلا في إطار تلك الهوية الموحدة، على نحو لا يبدو معه يسيرا إقامة معالم واضحة لفكر اسلامي قومي يناظر الدول القومية القائمة أو حتى اللغات الناطقة، بله إقامة فواصل واضحة بين فكر اسلامي عربي وآخر اسلامي غير عربي، وهي المسلّمة الأساسية التي قامت عليها هذه الندوة، إذ افترضت دون برهان « أن المفكرين المجددين في العالم العربي يعانون من محدودية التأثير وربما الانعزالية » وذلك مقابل « ما حققه المسلمون في آسيا وإفريقيا واوروبا من تجديد نسبي لخطاباتهم الدينية انعكس بدرجات متفاوتة على نشر واحترام ثقافة حقوق الانسان بين مسلمي العالم غير العربي .. وأيا كان التقدير لتجديد الخطابات الدينية في العالم الاسلامي العربي فان المقارنة بالعالم غير العربي لن تكون لصالح هذا الاخير، حتى لو سلما بصحة الفرضية، والمشكل حسب الورقة « أن العالم العربي يعاني من نقص كبير في مدى معرفته بما حققه المسلمون في آسيا وافريقيا واوروبا من تجديد نسبي لخطاباتهم الدينية » وأعجب ما في الامر حسب الورقة التأطيرية ان العالم العربي لا يزال « يتعامل مع خطاباته الاسلامية بوصفها مركزا للفكر الاسلامي »فما مصداقية هذه الفرضيات التي قدمتها الورقة وكأنها مسلمات رغم ما تحمله من تناقضات مع الواقع وتناقضات داخلها؟ 5-1- تناقضها مع الواقع أ- ليس من اليسير أن نظفر عند مسح منتوج الفكر الاسلامي على امتداد عالم الاسلام، بفواصل قومية تميز شعبا من شعوب المسلمين بله دولة من دولهم، بمذهب اسلامي يتماهى مع ذلك الشعب أو تلك الدولة بقدر ما نجد أنفسنا ازاء مدارس فقهية وعقدية وحركات اسلامية هي امتداد للماضي أو مستحدثة، ليس منها مدرسة تتماهى مع دولة حتى أصغرها مثل المذهب الاباضي، فرغم أنه المذهب الرسمي لدولة عمان إلا أن أكثر من ثلث السكان على مذاهب سنية ولربما كان عدد إباضيي الجزائر أكبر من مثلهم في عمان مع وجود أتباع المذهب في بلاد كثيرة. والامر ذاته يصدق على بقية المذاهب الاسلامية السنية والشيعية موزعة في الامة على امتداد القارات الخمس اليوم. ومعظم مسلمي اروبا هم امتداد لأصولهم العرقية والمذهبية في البلاد الاسلامية لا يتمايزون عنها حتى الآن بشيء يذكر. ب- ولا يختلف أمر المذاهب الموروثة عن حال مدارس التجديد الحديثة. في عالم الاسلام ليس هناك مركز وأطراف وإنما هناك فضاء ثقافي عقدي لا يكاد يعترف بما فرض من حواجز سياسية إذ يتعلق الامر بالتعامل مع الاسلام شأن المسلمين عندما يطوفون حول البيت الحرام تختفي أو تكاد الحواجز بينهم فلا يبقى من نداء غير نداء التوحيد لبيك اللّهم لبيك.. وتتشابه المظاهر الى أبعد الحدود حتى لكأنهم كيان واحد. بشيء من التجوز نستطيع أن ندعي أن الفكر الاسلامي معولم الى حد كبير. إنه سوق حرة لا تتوسطها كنيسة تفرض على المسلم وساطة محددة في التوجه الى ربه فكل مسؤول عن خياره. هم يعلمون أن ختم النبوة أنهى كل وصاية على البشر وجعل من كل مسلم خليفة لله ورسوله مسؤولا عن دينه أمام الله عز وجل، فعليه أن « يجتهد » وسعه في معرفة الطريق الى ربه، سيجد نفسه وسط مذاهب كثيرة وسيستمع الى أصوات كثيرة تجتذبه اليها، وعليه وحده تقع مسؤولية الاختيار »الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه » سورة الزمر. يستمع لكل قول ويستفتي قلبه ليتبع ما يهديه اليه اجتهاده، تلك مسؤوليته. المكتبة الاسلامية لا تعرض الاسلام دولا وشعوبا وإنما مدارس. ولذلك قد تجد مفكرا اسلاميا مقروء خارج الدولة التي نشأ فيها أكثر مما هو مقروء في دولته. الامام مالك بلغة اليوم سعودي ولكنه متبوع في افريقيا. ومالك ابن نبي الجزائري أحسب أنه قرئ في تونس وتأثرنا بتراثه أكثر مما تأثر به الجزائريون وربما ترك المفكر الايراني علي شريعتي لأثرا في منطقتنا أعمق مما تركه في إيران بالخصوص بعد الثورة التي همشته لصالح فكر المراجع الرسمية. كما أن كتب المفكر السوداني حسن الترابي وراشد الغنوشي التي ترجمت الى التركية أثرت في الحركة الاسلامية التركية أكثر مما أثرت في بلاد عربية. ج- للوقوف على سر انتشار هذا الفكر هنا وضموره هناك لا مناص من الوقوف على حاجات واقع محدد ومطالبه والتحديات التي يطرحها على الاسلاميين في تلك البيئة. فالاسلاميون الذين نشأوا في وسط تسود فيه تحديات من نوع فكري علماني اجتماعي سيبحثون عن بضاعة فكرية اسلامية عقلانية تستجيب لذلك التحدي بينما مسلمون آخرون في قلب جزيرة العرب في نجد مثلا ليس مطروحا عليهم مثل ذلك التحدي ستكون قضاياهم من نوع آخر، مثل التدقيق والتنخيل في جزئيات العقائد وقضايا البدع. الحركة الاسلامية في تونس مثلا منذ ولادتها في بداية السبعينات محاطة ببيئة فكرية معلمنة لم تطرح على نفسها قضايا الشريعة لأن الاسلام ذاته من حيث كونه عقيدة وشعائر وهوية كان في الميزان والشك في إطار دولة معادية للدين وشديدة التسلط، فلم يكن عجبا أن يجيء طرح مثل هذه الحركة للاسلام فكريا ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، إثباتا لجدارته في ساحة الجدل مع المذاهب المادية المطروحة واستيعابا للمطالب المطروحة في الساحة السياسية نضالا ضد الاستبداد لصالح بديل ديمقراطي ودعما للحركة النقابية العمالية ضد الجشع الراسمالي وتأصيلا لدور المراة في معركة النهوض الشاملة. وكلها تحديات مطروحة في السوق التونسية لم يكن بد للحركة الاسلامية من أجل دخول السوق وإثبات جدارتها فيها دون تقديم رؤاها وبدائلها منطلقة من الاسلام مستجيبة للتحديات وإلا نبذها السوق، فكان عليها أن تطور فكرها الذي ورثت جوانب منه عن فكر مشرقي ليست مطروحة عليه نفس تلك التحديات فدلفت الى السوق الاسلامي تبحث فيه عن مواد مخصوصة تستجيب للتحدياتها المطروحة عليها، وانصرفت عن مواد أخرى لا تتصل باهتماماتها. وجدت مثلا في فكر الترابي عن دور المرأة وتاصيل الديمقراطية وفي فكر شريعتي الايدولوجي وفي طرح الخميني للاسلام أنه ثورة المستضعفين وفي فكر ابن نبي الاجتماعي في تحليل ظاهرة الحضارة وفي فكر باقر الصدر الاقتصادي وجدت في كل ذلك مواد صالحة وأسلحة مجدية لخوض هذه المعارك الدائرة في بئتها. وفي ضوئها أقبلت على مراجعة فكرها وتطويره للاقتدار على استيعاب تحديات الواقع في منظورات وقوالب اسلامية، مثّلت تجربة مبكرة في تبني القضايا الاساسية في الفكر الانساني مثل الديمقراطية نظاما للحكم ونهجا في التغيير، وكذا حقوق الانسان ومنها حقوق النساء وحقوق الاقليات والنضال العالمي ضد قوى الهيمنة، وهو ما أهّلنا للقاء مع مطالب العمال ومطالب الحركة الديمقراطية وقضايا تحرر المراة والتحمس من وقت مبكر لحركة النضال ضد التمييز العنصري . هذا المنتوج الفكري جاء ثمرة لتفاعل مع واقع معين يطرح تحديات معينة. بينما الذين لم يكونوا يعيشون ذلك الواقع عندما فاجأتهم هذه الاطروحات في بداية الثمانينيات تجهموا في وجهها واستوحشوها بل بعضهم ولئن تناقصوا بمرور الزمن فلم تعدم الساحة بقاياهم (7) في حين تفاعل معها أقوام آخرون يجابهون تحديات مماثلة في المغرب الاقصى مثلا وفي تركيا وفي أندونسيا فاقبلوا على ترجمتها، بينما الذين كتبت بلغتهم استوحشوها ولم يأخذوا في الاقبال عليها إلا في فترات لاحقة بعد سلسلة من المحن فرضت عليهم أن يقبلوا التفاعل والعيش في واقع تعددي لا يستمد شرعيته من الاسلام: شرعية الفتح بل من شرعية التحرير من الاستعمار وهذا قد شارك فيه مسلمون وغير مسلمين بما يؤهلها للتطور إلى دولة تقوم على المواطنة أي امتلاك الوطن بالتساوي أي الشرعية الديمقراطية (8) التي تجد لها سندا قويا في أول وثيقة دستورية أسست لدولة المدينة هي الصحيفة. (9) د- قد يغري بالتمييز بين عالم اسلامي عربي وآخر غير عربي كما ذهب الى ذلك مفكر ومؤرخ فرنسي حديث في كتابه « موعد مع الاسلام » اعتبر فيه أن « اصلاح الاسلام » حتى يستوعب قيم الحداثة ويتصالح مع الديمقراطية سيبدأ من خارج العالم العربي الذي هو ميؤوس منه بسبب هيمنة الاصولية السنية عليه وليدة فشل القومية في توحيد العرب ما أدى الى نزعة فاشية عدوانية أفرزت ابن لادن. وأن العلاج سيأتي من خارج العالم العربي من تركيا وإيران »(10) قد يغري بهذا التمييز ما يلاحظ من نجاح ديمقراطي نسبي في العالم الاسلامي غير العربي مقابل فشل ديمقراطي عربي واضح. وهذه حقيقة كشفتها دراسة مؤشرات تنموية كثيرة أحلت العالم العربي في مؤخرة ركب الامم (11)، حتى ليصح القول بأن معظم المسلمين وهم غير عرب يتمتعون بمستوى من مستويات الحياة الديمقراطية خلافا لمعظم العرب الذين يرزحون تحت حكم أنظمة أقرب الى الفاشية. هل الامر عائد الى بنية مخصوصة في العقل العربي كما يزعم البعض أم هو ثمرة لفشل المشروع القومي ما اورث العرب أزمة وظهور نزعات فاشية؟ ذ- تفسير الفشل القائم بالاعاقة الذاتية الانطولوجية التكوينية، هو تفسير عنصري دحضته العلوم دحضا فالبشر كلهم يتوفرون على قابليات للتحضر إذا توفرت لهم الظروف المناسبة، فعلينا البحث في ظروفهم الموضوعية لتفسير ما يصيبون من نجاح أو فشل وليس عن جيناتهم البيولوجية أو الثقافية. وانطلاقة العرب الاولى يوم استنارت قلوبهم برسالة الاسلام وكانوا أبعد الناس عن التحضر شاهدة على ذلك وكذا شعوب كثيرة قديمة وحديثة. وكذا الانطلاقة المعاصرة لشعوب آسياوية تعبد الابقار أو الاحجار. والورقة التأطيرية ذاتها لم تقدم تفسيرا لهذا العجز العربي الديمقراطي إلا بكونهم رافضين لفكر » المجددين » دون أن تحدد مفهومها للتجديد المرفوض ولا ذكرا لرموزه ولا سببا للرفض. أما تفسير الفشل التحديثي أو الديمقراطي بفشل المشروع القومي في توحيد أمة العرب وفي ارساء نظام ديمقراطي حديث ما أورثها نزوعات فاشية عدوانية جعلها ميؤوسا منها فهو من باب تفسبر الشيئ بذاته هم فاشلون في التحديث والديمقراطية لأنهم فاشلون فيهما. أما التفسير الاقرب الى العلمية فهو الذي يلقي الضوء على موقع العرب في الاستراتيجية الدولية الامبريالية من حيث منزلتهم في الاسلام القيادية، ومن حيث وقوعهم في عقدة التواصل بين القارات ومن حيث توفّر أرضهم على الطاقة التي تحرك العالم ما اقتضى تصميما دوليا على إعاقة كل محاولة لوحدتهم القومية أو لنهوضهم الاقليمي والحضاري، وما اقتضته من غرز الكيان الصهيوني في القلب منهم عاملا آخر لضمان التعويق. ونظرة واحدة لمحاولات نهوضهم منذ تجربة محمد علي في النصف الاول من القرن التاسع عشر حتى أيامنا هذه تكشف بوضوح عن قرار دولي بإعاقة كل مشروع نهضوي أيا كان الفريق الذي يقودهم علمانيا أو اسلاميا أو اشتراكيا. هذه تفاصيل لا تهم الاستراتيجي الغربي، فضلا عما يجده الكيان الصهيوني من دعم ثابت وما تجده الانظمة الدكتاتورية الفاسدة من دعم لاستمرار تسلطها على شعوبها مقابل ما وجدته مشاريع التحول الديمقراطي في العالم من دعم غربي. والموقف الرافض لأنظف عملية ديمقراطية جرت في المنطقة أعني الانتخابات الفلسطينية الاخيرة، شاهد حديث. لا يعني ذلك أن المنطقة ميؤوس منها. ولو كانت المنطقة ميؤوسا منها لتركوها وشانها. لا تزال المنطقة مفعمة بتطلعات النهوض ومتوفرة على طاقات للمقاومة لتغيير موازين القوى لا تضاهى بدل الخضوع لتلك الموازين كما حصل مع أمم أخرى انكسرت في حرب فاستسلمت لمبضع الجرّاح الغربي، كما فعل الالمان واليابانيون بينما هذه الامة طحنتها هزائم عديدة ولكنها لم تستسلم قط وشرفها أنها تقاوم ومن سار على الدرب وصل. وموازين القوة متحولة والايام دول « وتلك الايام نداولها بين الناس » آل عمران. واضح أن الوطأة الدولية على عالم الاسلام غير العربي في عمومه هي أقل نسبيا، رغم أن الجميع يجدون من التعويق الدولي أكثر مما يجدون من المعاملة المعقولة فضلا عن المشجعة بل هم معرضون للاستهداف كلما حاولوا تجاوز الخطوط الحمراء في الاستراتيجيا الغربية، كما حصل مع ايران زمن مصدق عندما تعرضت امدات الطاقة بالاسعار المطلوبة للخطر أو زمن الثورة وبالخصوص هذه الايام، وايران تحاول تجاوز الخطوط الحمراء في اكتساب التقنية ومقومات القوة. ر- أما النجاح الديمقراطي النسبي في عالم الاسلام غير العربي فتفسيره ليس عائدا الى توفر قدر من فكر التجديد هناك لم يستوعبه العرب جهلا أو استعلاء منبعثا من نوع مركزية عربية سائدة، فذلك تفسير عجول وفطير، لم تدلل الورقة التأطيرية على صحته بشيء . فقد سبق منا القول إن الاسلام سوق دولية لا تعرف فيها البضائع بالمنشأ وإنما بالجدارة والنفع وقد يحسب للاتراك أنهم من أنشط شعوب المسلمين في مجال الترجمة ولذلك تنتشر بينهم كتابات المكتبة الاسلامية المعروفة بمختلف مدارسها سواء التراثية أو الحديثة: البنا، المودودي، قطب، سعيد حوّى، مالك ابن نبي، الترابي، الغزالي، القرضاوي، الغنوشي، كما ترجموا كثيرا من الكتابات الايرانية. والملاحط هنا أن المدرسة التركية لم تتميز بانتاج فكري محدد بقدر ما هي تميزت بالنزعة البرغماتية العملية فهي تأخذ من الافكار ما يناسب أوضاعها، وهي على علم دقيق بالسقف الذي تتحرك تحته، وقد تدرك في ظروف محددة كالتي قادت الى تدخل الجيش وعزل البرفسور اربكان من السلطة وحل حزبه قد تدرك أن السقف الذي وضعته أعلى مما يطيق الواقع فتنزل به درجة أو درجات وتعيد صياغتها التنظيمية، ولكن أعجب ما في الامر أنها لا تنشغل مثل العرب بالجدل النظري، حول الشريعة وما هو ملزم وما هو غير ملزم. إنها عندما تنزل بسقف مطالبها لا تنزل بسقف الاسلام حتى يتواءم مع ما يطيق الواقع وإنما فقط تنزل درجة أو أكثر بمستوى مطالبها العملية أي ما هو مقدور على تطبيقه من الاسلام، أي أنها لا تقدم تنازلات نظرية كما فعلت العلمانيات الغربية وكما يتوهم بعض العلمانيين العرب فيتصورون أن للاسلاميين الاتراك اسلاما خاصا علمانيا يختلف عن اسلام العرب الأصولي وهو محض توهم فلم يسجل على الاتراك أنهم أسسوا نظريا لاسلام علماني أسقطوا منه الشريعة كلا أو جزء وإنما هم يعملون في ظل توجيهات الاسلام الواقعية: أن المسلم مكلف أن يطبق من الاسلام ما يستطيع. وفقا للتوجيه الإلاهي « فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون » سورة التغابن وكذلك التوجيه النبوي » ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم »(رواه مسلم) فهم متفاعلون ببيئتهم مدركون سقوفها ويتحركون وفقها. وذلك ما يفسر اقتصادهم في التنظير، فكان تجديدهم في الحقيقة تجديدا عمليا. المدرسة التركية مدرسة عملية لم تطرح على نفسها المهمة التي نسبها لهم الفرنسي آدلير: « اصلاح الاسلام » تركوا تلك المهمة لمثله ولتلاميذه العرب. أما هم فقد شغلوا أنفسهم باصلاح واقعهم في ضوء ما يطيق من التطبيق الاسلامي. لأنهم مع كل المسلمين يومنون بحقيقة أن الاسلام صالح لكل زمان ومكان وما هو بحاجة لاصلاح. والايرانيون أنفسهم لم يمنعهم تشيعهم من الافادة من فكر الاصلاح السني فأهم الكتابات الاسلامية العربية مترجمة الى الفارسية كما أن كتابات أساسية إسلامية فارسية ترجمت الى العربية مثل كتابات علي شريعتي والخميني ومطهري وغيرها. وكذا كتابات الندوي من الهند والمودودي واقبال من الباكستان . 5-2-ونصل هنا الى ملاحظة التناقض الداخلي في الورقة التأطيرية وهي بذاتها أثارته دون أن تترجمه بما يؤثر على المسلّمة الاساسية التي انبنت عليها ألا وهي تقدّم الفكر الاسلامي غير العربي على مثيله العربي وزهد الاسلاميين العرب في الترجمة لفكر اخوانهم اعتدادا واستعلاء بمركزيتهم . يبدو التناقض واضحا فيما اورده من تاثر واحد على الاقل، من أشهر، ان لم يكن الاشهر على الاطلاق من بين المفكرين الاسلاميين العرب سيد قطب، تأثره بفكر ابي الاعلى المودودي أشهر مفكري الاسلام في شبه القارة الهندية والذي اعتبره ماكسيم رودنسون منظّم الاسلام أي الذي صاغ الاسلام نظما. الملاحظ هنا أن معظم كتابات المودودي ترجمت وطبعت مرات في العالم العربي . ولم تمنع مركزية العرب – حسب دعوى الورقة التاطيرية- أن يتأثروا بالمودودي لدرجة التبعية « ليجني العالم العربي نتيجة ذلك أفكارا تكفيرية للانظمة والمجتمعات ودوامات متتالية من العنف حتى أصبحت غطاء لعنف الكثير من الجماعات الاسلامية في سبيل استعادة الدولة الاسلامية. « ذلك »أن افكار المودودي على طرفي نقيض مع المنظومة الحقوقية ووجدت في العالم العربي تربة خصبة .. وتخطت آثارها الدموية الى الآخر الحضاري.. » ولأن الوقت هنا لا يتسع لمناقشة هذه الاحكام العجلى بل والظالمة للمودودي وتحويله الى فرانكشتاين أو دراغولا. تكفي شهادة على خطل هذا التأويل للمودودي وتحويله كبش فداء أن الرجل لا يزال الموجه الرئيسي إن لم يكن الوحيد للحركة الاسلامية في شبه القارة الهندية: الهند والباكستان وبنغلاداش وسيرالانكا والنيبال حيث توجد فروع للجماعة الاسلامية مع امتداداتها في المهاجر الغربية. وتعتبر كتابات المودودي المادة التربوية الاساسية إن لم تكن الوحيدة لكل هذا الامتداد الحركي الذي لم يعرف عنه قط لجوء الى طرائق العنف رغم الاضطهاد النسبي الذي تعرضوا له على امتداد خمس وستين سنة من عمر الجماعة الاسلامية، وليس ذلك مجرد سلوك عملي بل كتابات الرجل واضحة بلا غبش في رفض العنف سبيلا للتغيير(12) . كما دافع في « الدستور الاسلامي » عن مجتمع ديمقراطي تعددي يتمتع فيه حتى غير المسلم بحق الاعتقاد والدعوة اليه حتى وإن أفضى ذلك الى كفر بعض المسلمين فتبعة ذلك لا تعود اليه وإنما عليهم.(13) أما فكرة الجاهلية والقومية فقد ترجمت في العالم العربي في سياق آخر غير السياق الذي طرحت فيه في الهند طرحت هناك لخدمة أقلية مسلمة تشعر بخطر على هويتها وسط أكثرية غير مسلمة بما يجعلها حريصة على التميز رغم أن المودودي كان ضد انفصال باكستان عن الهند، إذ كانت فكرة الانفصال فكرة الرابطة الاسلامية وهي منظمة علمانية. فلما نقلت هذه الفكرة الى العالم العربي لاقت سياقا آخر سياق الصراع المحموم الذي اندلع في مصر في بداية الخمسينات وكان في جوهره صراعا على السلطة استخدمت فيه كل الاسلحة التي كانت في يد الطرفين أحدها استخدم قوة الدولة لاستئصال خصمه والآخر استخدم قوة العقيدة والفكرة للدفاع عن وجوده المهدد. رغم أن مؤسسة الاخوان الرسمية تصدت في غياهب السجون وفي أحلك ليالي المحنة لفتنة تكفير السلطة وهي العمود الفقري لتسويغ الخروج المسلح.(14) إن ما حصل ويحصل من تطرف وعنف وترهيب – مما لا يستحق أقل من الادانة بصرف النظر عن نوع معتقد الفاعل واتجاهه دينيا كان أم علمانيا، لا يمكن أن يفهم ولا ما تأسس عليه من أفكار ومذاهب خارج الظروف الموضوعية التي حصل فيها. وإلا فلماذا انتجت أفكار المودودي كل هذه الشرور المنسوبة اليها – لو صحت – ولم تنتج شيئا من ذلك في منبتها الأصلي؟. إن رسائل المودودي ما فتئت تبدئ وتعيد تأكيدا على « أن النظرية التي ينهض عليها نظام الاسلام الاجتماعي إنما هي أن افراد البشر كافة على ظهر الارض كلهم سلالة واحدة بعينها.. وأن حقوق غير المسلمين جزء لازم من الدستور الاسلامي ولا تنفك عنه أبدا.. إن الدولة الاسلامية وإن قامت في ناحية من النواحي لا تحدد الحقوق الانسانية بالحدود الجغرافية. بل يضع الاسلام حقوقا سياسية عدة يامر بمراعاتها والمحافظة عليها ويوجبها لكل انسان على وجه الارض سواء أكان هذا الانسان ممن يسكن داخل الدولة الاسلامية أم خارجها عدوا كان ام صديقا والذي يهم هو حرمة الدم البشري فمن الحق أن الجائع يطعم ومن حق العاري أن يكسى ومن حق الجريح أن يداوى حتى وإن كان من عدو للدولة متربصا .. فهذه الحقوق والحقوق الاخرى إنما قد أنعم الله بها على الانسان من حيث هو انسان ولها منزلة الحقوق الاساسية في الدولة الاسلامية(15.) ليس السيد المودودي مبرئا فكره من الخطأ ولقد ناقشنا في كتبنا(16) عددا من آرائه في بنية الدولة الاسلامية تتعلق بانتقاص حقوق النساء وحقوق غير المسلمين ولكن ليس بحال موضع المؤاخذة في فكره السياسي ما يتصل بموقفه من العنف فهو أوضح مفكري الاسلام المعاصرين في حسمه القاطع الجازم في رفض طرائق العنف سبيلا للتغيير، وليت الحركة الاسلامية العربية قد تأثرت بفكر المودودي في هذا الجانب فتوفرت على نفس القدر من الوضوح والحسم في رفض هذا السبيل المهلك إذن لصانت شبابها ومجتمعاتها من شر مستطير لا يزال يفتك بمجتمعاتنا ويقدم كما ذكرت الورقة التأطيرية بحق مبررا لمزيد من كبت الحريات وانتهاك أبسط حقوق الانسان »، وهو ما ترك ثغرة خطيرة طالما دخل منها على مجتمعاتنا شر كبير بينما ظلت الحركة الاسلامية في شبه القارة الهندية بكل أجزائها معافاة من هذا البلاء على وجه التحديد ولكن ما ينبغي أن نجرد اختلاف الموقفين العربي والأعجمي في مسالة العنف عن الظروف الموضوعية التي تبلور فيها الموقفان. فهل عرفت شبه القارة الهندية ما عرفته البلاد العربية من قمع وحشي دفع بعض المعارضات-مخطئة- في فورة الياس والغضب- حتى الى استدعاء الاحتلال الخارجي للتخلص من احتلال داخلي؟ كلا لم يتجاوز العنف هناك حتى في ظل الانظمة العسكرية حدود الاحتمال البشري. 6- تبقى كلمة لا مناص من ذكرها حول موضوعة التجديد التي لا حظت الورقة أن أهلها في العالم العربي « يعانون من محدودية التاثير وربما الانعزالية أو الاقصاء رغم جهودهم الهائلة بسبب نجاح من يعادون التجديد في تشويه الدعوة الى التجديد » وأهلها كما تنعى الورقة على العرب أنهم ينقصهم الاطلاع على التجديد الحاصل في العالم الاسلامي غير العربي. يبدو أن التجديد المقصود هنا ليس هو التجديد في اصطلاح علماء الاسلام والذي محصوه تمحيصا بسبب وروده في حديث شهير بشر الامة بأن الله تعهد أن لا يصيبها القدم والهرم بل تظل تتجدد وتشبّب فكلما اعترتها الشيخوخة وتباطأت حركتها ودب فيها الفساد أرسل الله من يتولى تجديدها وضخّ دماء جديدة في شرايينها. علماء الاسلام مجمعون على أن التجديد المقصود ليس بحال تغييرا للدين بالحذف أو الاضافة أو التأويل السائق له الى السير مع كل فكرة أو ممارسة تفشوان في حياة الناس مهما كان تصادمها مع أصول الاسلام وثوابته بما يجعله تابعا لا متبوعا، محكوما لا حاكما، كلا فهذا الدين كلمة الله الاخيرة فما يرضى إلا موقع السيادة والقيومية على الحياة. التجديد المطلوب اسلاميا هو نفض غبار التاريخ ونفايات الواقع عن حقائق الاسلام وإماطة ضروب الغلو والتشويه التي تكون قد ألصقت به. « تجديد الدين: أن نحافظ على جوهره ومعالمه وخصائصه ومقوماته ونعود به الى ما كان عليه يوم ظهوره وبزوغ فجره على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين »(17)، ثم تفعيل الوسائل المناسبة لاستعادة التفاعل بينه وبين ما استجد في حياة الناس من معارف وتجارب وتحديات حتى يظل أبدا المحرك الاساسي للتاريخ والموجه لكل نشاط فردي وجماعي للمؤمنين به والسلطة العليا والميزان الأعلى لما هو خير وشر وحق وباطل . والمجددون المسلمون في عصرنا ليسوا بحال معزولين بل هم أبرز قوى التأثير في الساحة على كل الصعد الفكرية والسياسية والمجتمعية. كتبهم أكثر الكتب قراءة وبرامجهم في التلفاز أشهر البرامج وجماعاتهم السياسية يلتف حولها السواد الاعظم من الجماهير، ونفوذهم المجتمعي في النقابات وكل حقوق النفع العام لا يضاهيه حتى نفوذ الماسكين بكل وسائل الترغيب والترهيب والتاثير. فهل من شخصيات اليوم أكثر تاثيرا في الساحة من الشيخ حسن البنا ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي وسيد قطب وحسن الترابي وأحمد ياسين وعبدالسلام ياسين وسلمان العودة وعائض القرني وحسين فضل الله ونصر الله والخليلي .. وأمثالهم، هؤلاء هم إذا دعوا الامة لبت وإذا استنفروها نفرت فهم بحق القادة، فبأي معنى يمكن وصفهم بالعزلة وقلة التأثير اللّهم إلا أن يكون غيرهم هو المقصود بالتجديد ممن استهدفوا ليس تجديد الاسلام وإنما تغييره أو كما صرح الفرنسي آنف الذكر « اصلاح الاسلام » بافتراض علة الفساد كامنة فيه، كما يدعي غلاة المحافظين الجدد وعتاة الاستشراق الصهيوني مثل برنارد لويس ودعاة الحرب الحضارية، فما يبقى أزاء ما يصفونه بالممانعة الاسلامية أو الاستثناء العربي من الخضوع لمبضع الجراح الحداثي الذي زعموا خضوع كل الامم والديانات له إلا الاسلام، ما يبقى من سبيل غير اصلاح الاسلام ذاته باخضاعه للجراحات الضرورية على غرار ما فعل بنظرائه من الديانات الاخرى حتى انتهى أمر مجتمعاتها الى الغرق في لجج من النسبية الاخلاقية والقيمية لا ساحل لها وفوضى مجتمعية وخلقية أطلقت يد السياسيين في الكذب على الشعوب واطلقت العنان لمنطق القوة أن يصول ويجول في خدمة السماسرة الدوليين المتوحشين يمتصون دماء الشعوب ويدمرون الطبيعة، كما أطلقت العنان لعرام الشهوات تمزق أنسجة المجتمع تمزيقا بلا ضابط ولا قيد حتى كادت الاسرة نواة المجتمع أن تصبح أثرا من الماضي وانتهى الامر الى أن كل ما ترغب فيه وتقدر عليه مباح لك بما في ذلك الزواج المثلي حتى بين قسيس وزميله، والى هذا تتجه أعرق الديمقراطيات، وما المانع ضمن متاهة النسبية الاخلاقية؟ ولم لا وقد أخضعت نصوص الدين للمناهج التاويلية المتحرفة فارتفعت الحدود بين الحلال والحرام والحق والباطل على مذهب ابن عربي « أصبح قلبي قابلا كل صورة »؟ فإذا كان التجديد المطلوب للاسلام هو إصلاحه بهذا المعنى وكان من رموزه السياسية آتاتورك وبورقيبة وشاه ايران ومن رموز تفسيره أركون ونصر ابو زيد وعبد المجيد الشرفي وسلمان رشدي، فهؤلاء هم فعلا معزولون عن الجماهير تلاحقهم الشبهات بعد أن ألجأهم المجددون الحقيقيون ممن ذكرنا الى جحر الضب، إذا كان التجديد كذلك فهو الى خيبة محققة وفشل مضمون بشهادة الواقع وأبلغ من ذلك شهادة رب العزة الذي تعهد بحفظ دينه « إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون » سورة الحجر. وهذا من قبيل دفع الامور الى نهاياتها وإلا فإن التجديد المطلوب ما يمكن لعاقل أن يسحبه الى مثل هذه المتاهة. ويبقى للورقة التأطيرية بعد كل ذلك فضل الدفع لارتياد كل هذه المسائل المشكلة وتجلية كثير من المفاهيم الملتبسة بما ييسر لهذا الجيل من أمتنا الذي توزعته السبل أن يتجشم عناء تنقيط الحروف والتحدث بلغة واحدة مفهومة. وفي ما عدا الفائدة الحوارية المحققة تظل الاطروحة الاساسية لا سند لها من الفكر ولا من الواقع فأمة الاسلام لا يزال يشدها اسلام واحد بمدارسه المختلفة العقدية والفقهية والتربوية والسياسية المعاصرة، تشكل مجتمعة هويته الواحدة التي تنداح داخلها الافكار التجديدية والتقليدية دون اعتبار للجغرافيا يذكر. وللحقيقة فإن العرب وهم في المسلمين قلة ورغم شدة وطأة الاستراتيجية الدولية عليهم لا يزالون في نظر عموم شعوب الامة وبمقياس موضوعي يمثلون البوتقة الأساسية للتجديد واستيعاب قيم الحداثة مثل الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق النساء والاقليات، كما مركز التاثيرات الكبرى الايجابية وحتى السلبية للاسف، وذلك لأسباب تاريخية وبنيوية في الاسلام وفي تاريخه وحضارته وهو ما ربط بينهم وبين دعوته ربطا مصيريا. ولكن عرب اليوم كما تسلب منهم ثرواتهم المادية يراد لهم أن يجردوا من قوتهم المعنوية وفي طليعتها الدور القيادي في أمة الاسلام، لقد تكاثرت السهام على العرب وأشدها إيلاما اهتزاز ثقتهم في أنفسهم ودورهم الرسالي والقيادي في الامة والعالم. قال تعالى » قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » يوسف. …………………………………………………………………. (*) ورقة قدمت في ندوة الاسكندرية لحقوق الانسان بتاريخ 26-4-2006 (1) يقول الامام الشاطبي: « أنّا إذا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد »، كتاب الموافقات ج2، ص6، دار المعرفة، بيروت (2) الشيخ مصطفى شلبي، الفقه الاسلامي بين المثالية والواقعية، (3) ابن القيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص4 (4) نفس المصدر. (5) ابن تيمية، توافق صحيح المنقول مع صريح المعقول، الشبكة الاسلامية. (6) راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الاسلامية، مركز دراسات الوحدة العربية. (7) اعتبر صلاح الصاوي (مفكر اسلامي مصري قريب من التيار السلفي) في كتابه: التعددية في الاسلام حركة الاتجاه الاسلامي، النهضة حاليا حركة علمانية لأنها طالبت بالاعتراف بتعددية لا تستثني الاحزاب العلمانية. (8) د- محمد سليم العوا، في الدولة الاسلامية. (9) انظر مجموعة الوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله، ص39 (10) انظر عرضا الاستاذ سيد ولد أباه للكتاب المذكور لألكسندرآدلر في جريدة الشرق الاوسط 30-03-2006 (11) التقرير الثاني للتنمية العربية الصادر عن الامم المتحدة (12) المودودي، نصيحة الى الشباب المسلم (13) المودودي، الدستور الاسلامي (14) انظر دعاة لا قضاة للشيخ حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين (15) المودودي، نظام الحياة في الاسلام، ص42 و43 و47 (15) منها الحريات العامة في الدولة الاسلاميية وحقوق غير المسلم في الدولة الاسلامية (16) حديث أبي داود « يبعث الله لهده الامة على راس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) (17) يوسف القرضاوي، الصحوة الاسلامية وهموم الوطن العربي والاسلامي، ص48
(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 4 ماي 2006 )
جريمة الدّفاع عن الإرهاب جرائم المثقّفين العرب
د. رجاء بن سلامة* في صائفة سنة 2004، رأيت مثقّفين يتبادلون أشرطة أقراص مدمجة تصوّر عمليّات ذبح رهائن من الغربيّين قام بها في العراق من أطلق عليهم لقب « المقاومين ». والعجيب أنّ المتفرّجين على هذه الأقراص لم يستفظعوا مشهد السّكّين وهو يحزّ في الرّقاب البشريّة ومشهد الدّماء النّازفة والوجوه الفاغرة فاها ألما وذعرا ودهشة، بل كانوا يهلّلون ويكبّرون لما فعله الملثّمون الأبطال بالقوى الغربيّة المتسلّطة المحتلّة. والمهمّ هو أنّ هؤلاء المتفرّجين لم يكونوا من الإسلاميّين المتطرّفين، بل إنّ منهم من هو حاصل على شهائد عليا من جامعات غربيّة راقية. هل يمكن أن يبلغ كره الغرب واعتباره كتلة واحدة معادية إلى هذا الحدّ؟ بل هل يمكن أن يتحوّل الكره إلى حبّ للكره، يعمي ويصمّ ويحوّل النّاس إلى شبه أكلة للحوم البشر؟ لنسلّم بأنّ الذّابحين والمسجّلين للشّريط قبضة من المرضى النفسانيّين الذين انفصلت لديهم دوافع الموت عن دوافع الحياة، فما قولنا في المتفرّجين المستمتعين الشّامتين، وهم أناس أسوياء لم يستبدلوا الواقع المعيش بمملكة هذيانيّة؟ ومؤخّرا ساقني الإبحار في شبكة العنكبوت إلى مقال يعتبر فيه صاحبه الإسلام مرادفا للإرهاب، ويسوق للاستدلال على رأيه الآية القرآنيّة تلو الآية إلى أن يقول : « فكلّ مسلم مرعب وإرهابيّ لكن بالمفهوم الشّرعيّ وليس بالمفهوم الإعلاميّ الدّنيء، فنحن نرعب أعداء اللّه ونرهب أعداء الدّين. » كاتب هذا الكلام ليس من « النّاشطين » في الحركات الإرهابيّة، بل هو إمام وخطيب في إحدى المدن العربيّة، ولم ينشر مقاله في موقع غير مناهض للإرهاب فحسب، بل نشره في صحيفة عربيّة معروفة ومرموقة.[*] وفي مقال سابق عن الإرهاب، ذكرت أمثلة عن مثقّفين عرب بارزين اعتبرتهم مورّطين في التّشجيع على الإرهاب وفي الإشادة برموزه. ذكرت منهم رئيس تحرير لصحيفة يوميّة معروفة يطلق على ابن لادن لقب الشّيخ ويبرّر تفجيرات تنظيم القاعدة[†]، ومديرا لمركز أبحاث بلندن يعلّق على تفجيرات قطارات الأنفاق بلندن قائلا إنّه لو ثبت أن تنظيم القاعدة قد دبر هذه التفجيرات فعليه أن يفخر لأنه مرغ أنوف كبار الدول! [‡]، ووزيرا عربيّا سابقا ومستشارا للّجنة العربيّة للدّفاع عن الصّحفيّين صرّح بأنّه يمثّل الوجه السّياسيّ لتنظيم القاعدة، وأنّ ابن لادن « مخلّص » للأمّة، وأنّ هذا الشّخص « باع حلاله وجلس على رؤوس الجبال… »وأنّه يؤيّد ما يسعى إليه من أهداف لخدمة الأمّة الإسلاميّة »[§]. توهّمت أنّ حرص هؤلاء المثقّفين على سمعتهم الأخلاقيّة الفكريّة سيجعلهم يردّون التّهمة عن أنفسهم أو يدقّقون، أو يصحّحون حتّى لا تدينهم الأجيال القادمة، كما أدين المثقّفون المتورّطون في دعم النّازيّة والفاشيّة مثلا، وكما سيدان هؤلاء المثقّفين والمحامين العرب الذين يلهجون بذكر صدّام حسين ويحلمون بعودة مملكته. ولكن كان هذا محض وهم، لأنّ المثقّفين الذين ذكرتهم يدافعون عن الإرهاب بتصميم وعقيدة راسخة. وأنا من الذين يتساءلون منذ سنوات، ولا من مجيب: أيّ انقلاب للمعايير أو أيّ ضمور للحسّ الأخلاقيّ، أو أيّ تفكير سياسيّ يمكن أن يجعل مثقّفين، لا أناسا بسطاء غير متعلّمين، يمجّدون أعمال المجرمين المستهينين بالأرواح وبالحرمات الجسديّة؟ إدانة الإرهاب أمر مفروغ منه لدى النّخب المثقّفة في العالم أجمع، وانطلاقا من هذه الإدانة الأخلاقيّة يشرع المفكّرون في طرح الأسئلة على أنفسهم وفي محاولة فهم أسباب الإرهاب، وفي تحميل الدّول الغربيّة جزءا من مسؤوليّة ظهور الإرهاب الانتحاريّ المعولم واحتدامه. إنّهم يطرحون القضايا الإيطيقيّة بعد أن يكون أمر القضيّة الأخلاقيّة محسوما. أمّا في العالم العربيّ، فإنّنا نخبنا ما زالت بصفة عامّة تتخبّط في القضيّة ما قبل الإيطيقيّة، أي ما زلنا نتخبّط في إدانة الإرهاب أو عدم إدانته من النّاحية الأخلاقيّة. والشّكل المتعالم والمقنّع للدّفاع عن الإرهاب هو ترديد أنشودة الحقّ في المقاومة المشروعة. وينسى المطالبون بهذا الحقّ أنّ المقاومة المشروعة لا تستهدف المدنيّين وغير المحاربين، فهم يقفون عند « ويل للمصلّين » في قراءة المواثيق الدّوليّة. وبقطع النّظر عن المواثيق والقوانين، هل توجد قضيّة في العالم يمكن أن تبرّر قتل النّاس الآمنين في مطعم أو مرقص أو سوق أو محطّة قطار؟ هل توجد قضيّة في العالم يمكن أن تبرّر تحويل البشر الأبرياء إلى أكداس من اللّحم المتناثر؟ أمام ضحيّة الظّلم طريقان: إمّا أن ترفض منطق الضّحيّة والجلاّد ومنطق الانتقام وأن تنتقل إلى الفعل الإيجابيّ البّنّاء خارج هذين المنطقين، وإمّا أن تتحوّل بدورها إلى جلاّد ينشر الظّلم الأعمى من حوله، ويحوّل من حوله إلى ضحايا. وهذا هو الطّريق الثّأريّ البدائيّ الذي اختاره الإرهابيّون، واختاره إيديولوجيّو الإرهاب والعنف القوميّ. هذه هي الحكمة المشبوهة التي يروّجها نجوم ثقافة المشهد عندنا. إنّ التّماهي ليس دائما عمليّة نفسيّة محبّذة، ولكنّه حدّ أدنى مطلوب في الشّعور الأخلاقيّ. فهؤلاء المتعالمون المبرّرون للإرهاب، ليتخيّلوا أبناءهم، أو ليتخيّلوا أنفسهم ضحايا تفجيرات غير متوقّعة تطولهم في بيوتهم أو في أماكن عملهم أو في أماكن التّرفيه التي يرتادونها. قساة القلوب المشيدون بالإرهاب باسم المقاومة، علّهم يشعرون بالقسوة ولو خياليّا عندما تطول أجسادهم وأجساد فلذات أكبادهم، لكي يخرجوا من الصّروح النّرجسيّة التي يشعرون فيها بالسّلامة والأمن، ويطلقون منها فلسفاتهم الإضحويّة المريضة. أرجو أن لا يعجّلني الموت قبل أن أرى جيلا جديدا من الشّباب، له الحدّ الأدنى من الحسّ الأخلاقيّ والمدنيّ، يأتي ليحاكم أمام التّاريخ هؤلاء المثقّفين المتورّطين في جريمة الدّفاع عن الإرهاب والإرهابيّين. ليس لمن لا حول له ولا قوّة إلاّ إطلاق الأمنيات، والتّمسّك بخيط من الأمل. للتعليق على هذا الموضوع * باحثة وكاتبة تونسيّة [*] – صاحب المقال هو الشّيخ ناصر الأحمد، إمام وخطيب جامع النّور بالخبر، والصّحيفة التي نشرته هي « الوطن العربيّ »، وقد نشر على الموقع المذكور بتاريخ 28/ 7/ 1422. [†] -هو السّيد عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس اللّندنيّة، وتصريحاته بفضائيّة الجزيرة في هذا الاتّجاه لا تعدّ ولا تحصى. [‡] -هو الشيخ هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية، وهذا التّصريح أدلى به على شاشة قناة الجزيرة الفضائية. [§] -هو الدكتور نجيب النعيمي، وزير العدل القطريّ السّابق، وهذا التّصريح أدلى به لبرنامج « إضاءات »، الذي تبثه قناة « العربية ».
(المصدر: موقع شفاف الشرق الأوسط بتاريخ 25 أفريل 2006 )
« حماس » بين الأيديولوجيا والسلطة
توفيق المديني
منذ أن فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية ، و شكلت الحكومة الفلسطينية ، باتت العلاقة بين السلطة الفلسطينية و العالم ،لا سيما الغربي منه ، محكومة بعملية المواجهة و الصدام.و من الواضح أن « إسرائيل » و الدول المؤثرة و الفاعلة في الاتحاد الأوروبي ، و الولايات المتحدة الأمريكية قد حسمت موقفها نهائيا بضرورة تحطيم حكومة حماس من خلال الحصار الاقتصادي و سياسة التجويع المفروضين على الشعب الفلسطيني ، مادامت حركة حماس تصر على رفضها الاعتراف ب »بإسرائيل » والتفاوض معها.
و إذا كانت الإدارة و الكونغرس الأمريكيين قد قطعا جميع العلاقات التجارية والاقتصادية و المساعدات الأمريكية لفلسطين ، فإن الإتحاد الأوروبي لم يعلن مثل هذه المقاطعة تجاه السلطة، لكن زعمائه اتخذوا قرارا يقضي بفرض مقاطعة مالية و اقتصادية و دبلوماسية تجاه جميع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، و حتى نصف الرسمية.كما أن مؤسسات الدعم والمساعدة الدولية تقوم بإخراج موظفيها بهدوء و تتراجع تدريجيا عن النشاطات و البرامج المشتركة التي كانت موجودة.
و في سياق استمرار ممارسة الضغوطات على حكومة حماس ، صعدت « إسرائيل » من عدوانها و غاراتها الجوية و عمليات التصفية ضد القيادات و الكوادر المجاهدة و المؤمنة بخيار المقاومة في فلسطين. إن « إسرائيل » بإبرازها الخيار العسكري، و شن حملة عسكرية في الأراضي الفلسطينية لتدمير بنية المقاومة الفلسطينية ، و إغراقها في الفوضى، تريد أيضا أن تفهم زعماء الحكومة الفلسطينية الجديدة أنهم مازالوا على قائمة الإرهاب حسب وجهة النظر الصهيونية ، و أنهم لايزالون من المطلوبين.
ويواجه قادة حماس اليوم مهمة غاية في الصعوبة و التعقيد ، إذ يتعين عليهم التوفيق بين الإيديولوجيا المعلنة التي يتبعونها ، و التي تنص على النضال من أجل تحرير فلسطين، والتمسك بثقافة المقاومة التي تعتنقها حماس ، على الرغم من تسلّمها زمام السلطة ، و رفض حماس إدانة العمليات الاستشهادية ضد العدو الصهيوني ، و بالتالي رفض الانقلاب ضدّ هؤلاء الناشطين الراديكاليين حتى لو تصرّفوا بدون موافقتها،و بين ضرورة التفاهم مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المتمسك بحقوقه و صلاحياته و امتيازاته ، و تقديم ضمانات إلى المجتمع الدولي ، الذي يحرمهم من المساعدات المالية و يضغط عليهم للإعتراف بدولة « إسرائيل « .
ولا تستطيع حماس الاعتراف ب »:إسرائيل »، لأسباب سياسية و إيديولوجية و قانونية ، لأن « إسرائيل » التي يريدالمجتمع الدولي أن تعترف بها غير واضحة المعالم. و فضلا عن ذلك فإن تجربة منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت من قبل ب »إسرائيل »، ووقعت اتفاق أوسلو، الذي أفضى إلى قيام الحكم الذاتي الفلسطيني، بعد أن انتقلت الحركة الوطنية الفلسطينية من آلية العمل المسلح إلى آلية التفاوض و التسوية السلمية لحل الصراع مع الكيان الصهيوني ، قد قادت إلى إخفاق كامل لعملية التسوية و ما نجم عنها من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ، وموت اتفاق أوسلو، و التنكر الأمريكي و من ورائه اللجنة الرباعية لخريطة الطريق، وبالتالي لقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف. يقينا ، أنه في العصر الشاروني ابتلع الجدار العنصري ، ما تبقى من أراضي الضفة الغربية، وقطع أوصال الدولة الفلسطينية الموعودة إلى كانتونات ، بدلاً من أسوار القدس . ولا تريد حركة حماس أن يكون مصيرقيادتها كمصير ياسر عرفات الذي عاش آخر سنوات عمره محاصراً في مقر إقامته.
ولهذا لا يبدو أن زعماء حماس على استعداد للحد من أهدافهم و مشاريعهم بشان الجهاد في سبيل تحرير فلسطين ، و لكنهم مجبرون على إيجاد وسائل تكتيكية تسمح لهم أولابالتحمل والصمود. أما الأمر الأكثر إلحاحا اليوم فيتمثل في كسب الوقت وتفادي مضاعفة العمليات الاستشهادية الضخمة ، التي تقود إلى عمليات انتقامية شرسة من جانب الكيان الصهيوني .
وتحتاج حركة حماس إلى فترة هدنة طويلة من أجل إرساء سلطتها، و فرض احتكار الأسلحة على مليشيات فتح التي لا تزال تتمتع بقدرة كبيرة على إحداث ضرر كبير في حال اندلاع اقتتال فلسطيني – فلسطيني . و قد توافق حركة حماس على نوع من التعاون مع « إسرائيل » ولو بطريقة غير مباشرة في عدد من المسائل العملية التي تتطلب توافق الطرفين.
ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة ما فتئت حركة حماس تخفف من حدة خطابها السياسي من دون أن تتخلى عن مبادئها الإيديولوجية ، و تتصرف بحكمة و تعقل في خدمة استراتيجيتها السياسية .و ليس أمامها سوى هذا الحل . بيد أن الكيان الصهيوني يعتبر أن هذه الاستراتيجية تشمل على المدى البعيد عددًا من المخاطر.ومن وجهة نظره، الخطر الأول يتمثل في منح الحركة الوقت الكافي لإعادة تنظيم نفسها و تعزيز قوتها العسكرية قبل اختيار اللحظة المناسبة لخرق الهدنة و الانطلاق في دورة مقاومة جديدة.أما الخطر الثاني ،فيتمثل في تحالف حركة حماس مع إيران ، التي تعمل على تعزيز وجودها في الأراضي الفلسطينية و ذلك من خلال مد حماس و مساعدتها على الصعيدين المالي و الاستراتيجي. و هناك من يراهن في الغرب على أن حركة حماس بفضل الضغوطات الدولية قد تتخلى عن ميثاقها و تسير على طرق المفاوضات فلا تعود الحركة هي نفسها .
بيد أن حماس تظل أسيرة إيديولوجيا لا يمكن أن تتخلى عنها من دون التأكد من زوال الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس، ووقف الاعتداءات التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضدالشعب الفلسطيني ، وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، وعندها يصبح الحديث عن الاعتراف أمراً ممكناً. (المصدر: صحيفة الخليج بتاريخ4 ماي 2006 )
الاعلام العربي: تشخيص الداء في غياب معرفة الدواء
2006/05/04 خميس الخياطي أمس الاربعاء 3 أيار (مايو)، احتفل العالم ـ ونحن العرب معه كوننا نؤمن أننا جزء منه ـ بالعيد العالمي لحرية الصحافة. وليس بغريب عنا أن نساهم في هذا الاحتفال بما أوتينا من مظاهر صحافية علي حد القول الشعبي المأثور اني معاكم لا تنسوني العرب وحرية الصحافة، عنوانان لا يلتقيان اجماليا وأن وجدت هنا أو هناك بعض الواحات التي تناضل ضد التصحر الذي لا تفرضه العولمة والأمبريالية والغرب فقط بل كذلك وخاصة أنظمة تخاف من نسمة قد تأتيها من حيث لا تدري. فتحكم الحصار خوفا علي المواطن من أن يصيبه داء خيانة الوطن وفيروس الاستقواء بالأجنبي وجرثومة التطاول علي رمز البلاد .
أتذكر وفي بعض الأحيان قد لا تنفع الذكري الصحافيين مثلنا نحن، بعض الطلبة العرب، وقد وطأت أقدامنا في نهاية الستينات الأرض الباريسية أننا تعجبنا من وجود لوحات مرورية تشير الي أن قصر الاليزيه حيث يسكن رئيس الجمهورية موجود في هذا الاتجاه ووزارة الداخلية في الاتجاه الآخر وما الي ذلك من انارة المواطن حول الهيئات المكلفة بادارة شؤونه. ما تعجبنا منه أكثر هو تلك اللوحة التي لو تتبعناها لقادتنا الي الاذاعة والتلفزة الفرنسية… كنا نقول لبعضنا جهرا، وقد ابتعدنا عن دائرة أسكت ، سكر ، ضم ، حاسب وغيرها مما تفننت الشعوب العربية في نسيجه لمجابهة الحزب الوحيد الحاكم في أمر الناس، كنا نقول أنه من اليسر القيام بانقلاب في هذا البلد بمساعدة اللوحات المرورية… ولم تسقط الجمهورية الخامسة ولا أحد قام بانقلاب حتي في قلب أحداث ثورة 68 الطلابية التي ذهبت بالجنرال ديغول فبقيت الجمهورية ومعها التلفزيون…
سنين بعد ذلك بكثير وأنا في احدي البلدان العربية وقد تطورت شبكة الانترنيت والهاتف الخلوي، علمت أن بعض أحزاب المعارضة طلبت من مريديها الالتقاء أمام مقر التلفزيون للتظاهر سلميا والمطالبة بحرية الصحافة والتعبير… لم تكن هناك لوحات مرورية تدل علي موقع التلفزة ولم يصل اليها من لهم نية التظاهر لا لسبب الا لأن كل الحي وما قرب من الحي وما قرب مما قرب من الحي الذي يوجد به التلفزيون قد حوصروا كما في يوم حشر من طرف أناس معروفين بخوذاتهم وهراواتهم وبآخرين قد تخالهم من أبناء أعمام من تحدثت اليهم منذ حين في فندق أنت تقيم به… الله مبدل الأحوال… الاعلام عندنا له من الأهمية بمكان حتي أن نية التظاهر أمامه ممنوعة منعا لا يقدر علي وصفه الا المحروم. ما بالك بالصحافيين الذين تطاولوا علي السلطة ؟
بلد عربي شهد هذه السنة 120 قضية قدمت ضد صحافيين ومدراء منابر اعلامية. وان لم يذهب الأمر حد الموت، فالسجن هو أضعف الأحكام… صورة كاريكاتورية للفنان الجزائري ديلام علي أولي صفحات صحيفة ليبرتي تقول بمناسبة اطلاق سراح العديد من المساجين السياسيين المتهمين في عمليات ارهابية تبين موقع الصحافة لدي ساستنا. يقول الرسم علي لسان اثنين من الحراس: حاسب ألا يندس معهم صحافيون وفي خلف الصورة رسم لسجن سركاجي وتتدفق من بابه الضيق مئات اللحي… هل نسي القارئ العربي ما حدث لقصير وتويني وشدياق، صحافيون لا خطيئة لهم الا أنهم صحافيون… صورة الرئيس وخبر الحاكم عنت في خاطري هذه الذكري أمام جهاز التلفزة وهو يبث محاضرة لوزير الاعلام اللبناني غازي العريضي علي قناة الجزيرة مباشر (نايل سات) التي تعرف نفسها بأنها خدمة اخبارية تنقل الأحداث لحظة وقوعها وذلك بمناسبة انعقاد الملتقي الاعلامي الثالث بالقاهرة وفي جلسة عن مقومات الخطاب الاعلامي العربي تحت شعار رؤية متطورة . الوزير اللبناني المشهود له بلباقة لسانه وبلاغة خطابه وخروجه في عديد المرات عن النسق الوزاري العربي العام، يجلس بجانبه يوسف الجاسم الذي عرف كيف يطور النقاش الذي تلي المحاضرة.
بعجالة ودون الدخول في التفاصيل لأن الموضوع طال طحنه والنقاش الذي تلي المحاضرة أثراه، قال الوزير أن الاعلام العربي في مجمله هو صورة الرئيس/صورة الحاكم والخبر هو خبر الرئيس/خبر الحاكم وبالتالي، فالمواطن يكتشف كما المسؤول الحقائق الذي تخص الوطن في الوسائل الخارجية وأن اعلام الدول لا ولن يستطيع منافسة الاعلام الخاص… قال الوزير مما قاله أننا في اجتماعات وزراء الاعلام العرب توصلنا الي تشخيص الداء ولم نتمكن من تشخيص الحل من ذلك طالب بالغاء وزارات الاعلام العرب ـ هناك من لف علي التسمية بتسمية تقدمها تفاعلية ديمقراطية هي وزارة الاتصال ـ وفتح الباب بأكمله أمام المبادرات الخاصة التي، بحسب الوزير، هي الوحيدة الكفيلة ببلورة صورة صادقة عن حاجيات المواطن في هذا الباب، باب الاعلام. نحن نجيد الكذب سأل الصحافي النجم جورج قرداحي عمن هو المسؤول؟ أجاب الوزير بدون لف أو دوران: الأنظمة السياسية وحساسية الدول وحسابات الرؤساء مضيفا وهو أكثر من محق في هذا اذا كان الحاكم العربي خائفا، فلا يمكن له أن يقوم بشيء . سأله آخر عن امكانية الاستعانة بالآخر الأجنبي (ليس الاستقواء) في البحث عن الحل أجاب بأن جامعة الدول العربية وضعت خطة بمساعدة مؤسسات وشركات مختصة عربية وأجنبية، خطة لنشر صورة عن العرب لدي الآخر، صورة مغايرة عما هو موجود (والقارئ يعرف جيدا ما ينشر عن العرب في غالبية الصحف الأجنبية السيارة وما يبث عنهم في القنوات التجارية الأجنبية وغير ذلك حتي في مجلات الـ كوميكس أو الـ كارتون ). قال أن الحملة تطلبت 20 مليونا من الدولارات ووافقت عليها كل الدول الأعضاء في الجامعة ولم نوفر الحد الأدني لمباشرتها… (تذكرت رسما كاريكاتوريا في السبعينيات للراحل صلاح جاهين بالأهرام في موضوع الحملات التحسيسية الأجنبية عن عالمنا العربي وبه امرأة غربية لابسة ميني جيب وتشير باصبعها الي خارطة العالم العربي مقلوبة وهي تقول: ها هو العالم العربي ). ما فشلنا فيه بالأمس، هل سنحققه اليوم بنفس الاسلوب وبذات السياسة؟
وفي موضوع العام والخاص وأن هذا الأخير غايته تجارية صرفة يروج للفكر الخرافي والعرافين والأرواح ويدغدغ مشاعر القارئ السفلية، قال أن الاعلام العربي بحاجة الي ميثاق شرف عربي حقيقي يحدد الثوابت في فلسطين والعراق والاقتصاد… يجب أن يتحرك المجتمع المدني والجمعيات المهنية و اتحاد الصحافيين العرب أما مسألة الثوابت العربية التي غنجتنا لسنين طويلة، يقول عنها وزير الاعلام اللبناني: ان حددناها فلا نضع لها هيكلا أو اطارا تتحرك ضمنه جميع الدول العربية. بكل صراحة لا ثوابت عربية جامعة ولا أتحدث عن التاريخ والجغرافيا ولكن السياسة. مثال: هل هناك موقف عربي ثابت من الصراع الفلسطيني/الاسرائيلي؟ هل ثمة ثوابت سياسية تجمع الرؤساء العرب في هذا الموضوع؟ نأتي ونجتمع ونخرج بعناوين عامة. وحتي ما نتفق عليه، نخرج عنه وحتي في الأوقات العسيرة حيث الاجماع العربي، نتجاوز سياسة المواساة، ساعات نندد فيها بما يحدث وينتهي كل شيء…
ويأتي صوت من خارج دائرة الاعلام، صوت المسرحي علي سالم (بغض النظر عما قاله في أحداث أخري) ليقول بلهجة صادقة تراءت لي بالأمس مع الاحتفال العربي بحرية الصحافة في اليوم العالمي للصحافة يقول: لما وزراء الاعلام العرب يجتمعوا ولم يفعلوا شيئا فيما اتفقوا، ذلك أنهم لم يتفقوا الا علينا… نحن نجيد الكذب علي أنفسنا ونعمل جهدنا لاقناع الآخر بأن كذبنا هو جاد… القارئ العربي لا يخاف الفوضي الاعلامية وليس للسلطات العربية الا حل واحد: اطلاق سراح الاعلام وغير الاعلام (من بقك لباب الحاكم).
الامس كان العيد العالمي لحرية الاعلام واشتركت فيه كل الدول العربية معددة الانجازات والقرارات مسبحة باسم الحاكم بأمره ليس في الاعلام فحسب، بل حتي في نسمة الهواء التي تأتينا من الـ ريموت كونترول . الدواء الوحيد ولا يوجد غيره والذي به يمكن الاتيان علي تخلف الاعلام العربي وجراثيم المقالات غير الممضاة المشهرة بأعراض الناس، وفيروس قداسة الحاكم بأمر صناديق الانتخابات المزورة ومرض أشباه الصحافيين المتفشي بين أعمدة صحفنا دواء واحد: الحرية وأخلاقيات المهنة. جملة مفيدة: هذه الهبة السماوية البترولية ستغني أكثر الأنظمة المعروفة بعدم احترامها لحقوق الانسان ، الصحافي الكندي كريستيان ريو في برنامج علي الأولي بقناة تي في خمسة الفرنسية.
(المصدر: صحيفة القدس العربي بتاريخ 4 ماي 2006 )
وقفة بين الترابي السياسي والترابي المثقف
صلاح الدين الجورشي (*)
من المؤكد أن كثيرين مثلي سعدوا بعودة الشيخ حسن الترابي إلى عالم الفكر والاجتهاد المفتوح على الواقع والمستقبل، بعد أن أخذه عالم السياسة في رحلة مزعجة، تميزت بكثير من المطبات والتقلبات، وجعلته لفترة طويلة أسير الحسابات الحزبية الضيقة، ورهن مناورات السلطة ومنطقها المخادع الذي لا يبالي بالحق والعدل والحرية، ولا يعرف سوى القوة واحتكار النفوذ وإقصاء الآخرين.
لقد عاد الترابي ليثير من جديد الجدل حول آرائه الجريئة، ويدفع بخصومه وأصدقائه إلى الفعل ورد الفعل، ولا يعطيهم الفرصة لاختيار موقع الحياد. فالرجل لا يقدم مجرد آراء حركية تتعلق بالتكتيك السياسي وأساليب الدعوة، وإنما اختار أن يهز الفكر الديني السائد، الذي يمر منذ سنوات طويلة بمنطقة زوابع لم ولن تهدأ. فالآراء التي عبر عنها مؤخراً، رغم أنها ليست جديدة حيث سبق أن دافع عنها قبل ثلاثين عاماً، إلا أن موضوعاتها لا تزال تكتسب أهمية قصوى في هذه المرحلة التي تشهد عودة واسعة للتدين، وصعوداً سياسياً لافتاً للحركات الإسلامية في الكثير من دول المنطقة.
الترابي هو أحد قادة هذه الحركات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وقسمتهم بين مؤيد ومتحفظ وخصم عنيد، لكنه يختلف عن الكثير منهم في جوانب عديدة. أهمها أنه مثقف واسع الاطلاع، جمع بين فكر حديث وإلمام جيد بما يعرف بـ «العلوم الشرعية» من تفسير وحديث وفقه وعلم كلام. وهو إذ اختار السياسة كملعب رئيسي، إلا أن طموحه والبراغماتية التي طبعت مساره كزعيم حركة قوية ونشيطة، لم يكبحا نزعته نحو التحرر من التقليد واستعمال عقله في ما يعتبره الكثيرون من «الثوابت» في الدين والعقيدة. وعلى رغم أن السياسي عادة، بمن في ذلك السياسي الإسلامي، يكون حريصاً على عدم استفزاز الأوساط المحافظة وإثارة عامة الناس ضده، حتى يجعل منهم قوة احتياطية يستثمرها عند الحاجة، فإن الترابي يضيق صدره أحياناً – خصوصاً في الأوقات التي يكون فيها متحررا من إغراءات الحكم وضغوطه – ويستفزه ارتفاع أصوات المحافظين، فيتصدى للفتوى وينحاز للتجديد حتى لو أثار ذلك غباراً كثيفاً حول زعامته السياسية ومصداقيته الدينية. ومن هذه الزاوية كان الترابي ولا يزال شخصية محيرة ومثيرة للجدل، مثله مثل عديد المثقفين من مختلف الاتجاهات الذين حاولوا الجمع بين السياسة والفكر، فأدت بهم الممارسة إلى نتائج مناقضة أو مخالفة لما بشروا به.
شخصية الترابي مركبة من شخصيتين مختلفتين تحاول كل واحدة منهما أن تحتوي الاخرى. فمن جهة تقف شخصية الترابي السياسي، الذي يتقد ذكاء ويتميز بقدرة عجيبة على التنظيم وإقامة التحالفات مع الجميع، حتى تلك التي تبدو غير منطقية ومضادة لقناعاته المعلنة. إنه دائم الاستعداد للانتقال من المعارضة إلى التحالف مع السلطة، أو من المناهضة السلمية إلى الكفاح المسلح، ومن معاداة العسكر إلى الاستنجاد بهم من أجل تغيير موازين القوى و «أسلمة « الدولة والمجتمع. وعندما تطغى شخصية السياسي، يتقلص حجم شخصية الترابي المفكر إلى درجة كبيرة، وتبرز قدرات الرجل على تبرير المنعرجات، وتسويغ الاختيارات السياسية التي كانت في الكثير من الأحيان معاكسة للأفكار التي بشر بها في كتبه وفتاواه.
أما الشخصية الثانية، التي تطفو أحياناً على السطح أو تتراجع حسب الحالة التي يكون عليها الترابي السياسي، فهي شخصية الترابي المثقف، الذي عندما يقرر الإبحار في عالم الفكر فإنه – خلافاً لغيره – لا يتردد في تجاوز ما يعتبره الكثيرون «خطوطاً حمراء». لهذا كان من الطبيعي أن يصطدم الرجل مع حركة «الإخوان المسلمين» فكراً وتنظيماً منذ فترة مبكرة، وأن تضيق بوجوده اجتماعات التنظيم الدولي، ففضل الاستقلال بحركته رغم استمرار وفائه لفكرة الوحدة الرمزية للإسلاميين. ولم يستقل بذاته فقط، بل أثر فكرياً وحركياً وحتى سياسياً في مسار قياديين إسلاميين آخرين، مثال ذلك ما حصل للحركة الإسلامية التونسية، التي لم يقتنع مؤسسوها بضرورة تجاوز النموذج الإخواني إلا بعد اطلاعهم على «النموذج السوداني».
وتلفت الانتباه ثلاثة جوانب في شخصية الترابي المثقف:
– إيمانه الواضح بضرورة تجديد الفكر الديني. هذه المهمة التي لا تشكل عادة هاجسا رئيسيا لدى الكثير من الإسلاميين، الذين يعطون الأولوية لفقه الحركة على إعادة تأسيس علوم الدين. وهو ما جعل التيارات الإسلامية أقرب إلى الحركات السياسية منها إلى مدارس جديدة في الفكر والثقافة. فهذه الحركات وإن أخرجت الدين من قمقم عصر الانحطاط، وربطته من جديد بمسارات التغيير الاجتماعي، إلا أنها بقيت في الغالب حريصة على إرساء نوع من الفصل بين تحديث وسائل عملها وتطوير أشكالها التنظيمية وبرامجها السياسية، وبين الخلفية الدينية والعقائدية التي تستند اليها عقيدة أعضائها. لهذا عمل الكثير منها ولا يزال على الجمع بين خطاب سياسي أصبح يحمل مسحة ليبرالية خفيفة من جهة، وبين العقيدة الأشعرية وتربية صوفية مهذبة من جهة أخرى.
– إدراك حسن الترابي بأن الواقع يجب أن يوجه الفكر ويحدد أولوياته، وأن المرحلة التاريخية الراهنة مختلفة جوهريا عما سبقها من مراحل زمنية وثقافية. لهذا تجد الثقافة الإسلامية نفسها أمام تحديات مغايرة لما عرفته في السابق، ولا يمكنها أن تستعيد دورها القيادي إلا إذا خضعت لمراجعات عميقة، وبلورت مفاهيم ومصطلحات جديدة مستوعبة أسئلة الحاضر الإسلامي والعالمي. فكونية الإسلام لا تستأنف إلا إذا تم تحريرها من إشكاليات ومرجعيات الحقبة الماضية التي لا تزال تصوغ نظرة المسلمين للعالم والوجود. ولا يتحقق ذلك إلا بتأسيس التدين على فهم جديد للدين. وما دعوة الترابي إلى تجاوز علم أصول الفقه سوى مدخل لتغيير منهج فهم الدين، ووضع أهداف وأولويات جديدة حتى يبقى المؤمن مشدوداً إلى الأمام في سعيه نحو نموذج في حالة تجدد مستمر، بدل أن يكون عنقه ملتويا إلى الخلف باحثا عن إسلام مغروس في الماضي بقضاياه وملابساته وهمومه. لهذا كان منطقيا ألا تعالج قضايا النساء في قرن التأنيث بذات المنظور الفكري والفقهي الذي عزل المرأة وشل عقلها وطمس دورها الاجتماعي والسياسي والثقافي.
– لا يفصل الترابي المثقف بين ضرورات تطوير التشريع الإسلامي وتصحيح المفاهيم العقائدية. وهذه مسألة أساسية ومفصلية في كل مغامرة تجديدية جدية. وطبعا تعتبر هذه المنطقة من الثقافة الدينية منطقة خطرة، نظراً لما يمكن أن يترتب عنها من انزلاقات حادة، غير أن منع الخوض فيها والحكم عليها بكونها «دائرة محظورة» كما يذهب إلى ذلك رموز الفكر السائد، من شأنه أن يضع المسلم في أزمة معرفية وإيمانية تذكر بما عاشه المسيحيون في مرحلة تاريخية سابقة.
بناء على ما تقدم، فإن تجديد الفكر الديني مهمة لا تزال تنتظر من ينجزها. وينسى كثيرون في غمرة ردودهم العاطفية على السياسات الدولية الراهنة الخاصة بالعالم العربي والإسلامي، أو يتناسوا أن الدعوة إلى تجديد الفكر الديني ليست وصفة مستوردة أو بدعة أحدثتها الظروف والمستجدات التي حصلت منذ الثلث الأخير من القرن العشرين، وتلاحقت وتيرتها بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. وهي أحداث زادت من تأكيد الطابع العاجل لهذه المهمة.
فالاستبداد المتواصل في كثير من الدول لا يقع التخلص منه نهائيا إلا مع انتشار ثقافة دينية تجعل من الحرية أصلا ثابتا من أصول الدين. والعنف الأهوج الذي يمارسه البعض لا ينزوي إلا إذا وضع الحد الفاصل بين الجهاد لتحرير الأوطان وبين الإرهاب الذي يستهدف المدنيين استناداً إلى تبريرات دينية باطلة. ولا تتحقق المساواة بين الجنسين إلا إذا ارتفعت أصوات جريئة من داخل المنظومة الإسلامية تضع النقاط على الحروف، وتنهي حالة التمييز باسم الإسلام. ولأن معركة الإصلاح الديني تعتبر مع الإصلاح السياسي بمثابة «أم المعارك»، فإن انخراط شخصيات من داخل الوسط الحركي الإسلامي مثل حسن الترابي تعتبر عاملاً مهماً لتحقيق إنجازات فعلية على الأرض. قد لا يستجيب الترابي لمن يدعوه إلى التخلي عن السياسة والتفرغ للفكر بعد أن قضى معظم حياته في العمل السياسي، ولكن على الأقل عليه أن يحرص أن تكون الممارسة داعمة للخطاب وليست ناقضة له أو مشككة في مصداقيته.
(*) كاتب وصحافي من تونس
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 2 ماي 2006)
بين القاضي والسلطان
فهمي هويدي
رغم أن القضاة هم الذين يتصدرون الواجهة في مصر الآن، إلا أنني أزعم أن القضية أكبر منهم. ولئن بدا في ظاهر الأمر أن المشكلة بين نادي القضاة ووزارة العدل، إلا أننا إذا ألقينا نظرة على الشق الغاطس منها، فسوف نكتشف أن لها جذوراً موصولة بنمط العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبالمواجهات التقليدية بين القاضي والسلطان.
(1)
لأن الأمر أصبح محل لغط وصخب أثارا دخاناً كثيفاً حول وقائع المشهد الراهن، فقد غدا تحرير تلك الوقائع مهماً، خصوصاً أنها حافلة بالمفارقات والمدهشات. آية ذلك أن المشكلة بدأت بمطلبين لنادي القضاة هما: إصدار قانون استقلال السلطة القضائية، والتحقيق فيما نشر عن تزوير في الانتخابات التشريعية الأخيرة. ولكن القضيتين تراجعتا بصورة نسبية، بعدما شغلت وسائل الإعلام وشغلت معها الرأي العام بحكاية تقديم اثنين من شيوخ القانون ومن نواب رئيس محكمة النقض إلى المحاكمة التأديبية يوم الخميس الماضي (27/4)، بعدما وجهت إليهما تهمة القذف في حق أحد القضاة. ومن غرائب الأمور أن جلسة المحاكمة عقدت رغم أن القاضي الشاكي والمدعي كان قد تنازل عن بلاغه ضد القاضيين الكبيرين، فضلاً عن أن واقعة القذف ذاتها ليست ثابتة بل ليست صحيحة. وحقيقة الأمر أن إحدى الصحف المستقلة (صوت الأمة) نشرت في 12/12/2005 ما اسمته “القائمة السوداء” للقضاة المتهمين بتزوير الانتخابات. وفي العدد ذاته نشرت تعليقا حول الموضوع للمستشار محمود مكي أحد نواب رئيس النقض المتهمين استنكر فيه إيراد أسماء للقضاة قبل التحقق من صحة الوقائع. كما نشرت تصريحاً آخر للمستشار الثاني هشام البسطويسي ذكر فيه أنه لو صحت وقائع التزوير بحق أي قاض لوجب عقابه.
هذا الكلام الحذر والمتحفظ الذي صدر عن المستشارين، والذي أكدت نصه في التحقيق المحررة التي أجرت الحوار معهما، اعتبر قذفا في حق أحد القضاة. والقذف تحول إلى بلاغ، والتهمة ساقت المستشارين الكبيرين إلى مجلس التأديب، مع ما قد يستصحبه ذلك من تعريضهما لاحتمال الشطب من سجل القضاة!
ولأن هذه هي الحقيقة فقد لوحظ أن النائب العام وهو يعد عريضة الدعوى التأديبية ضد المستشارين مكي والبسطويسي، ذكر انهما أدليا بتصريحات صحفية، دون أن يورد نصها أو حتى مضمونها. وهذا الإسقاط ليس سهوا بطبيعة الحال، ولكنه كان ضروريا لاستمرار توجيه الاتهام لهما، لأن إيراد التصريحين يسقط التهمة تلقائيا، ويعتبر القضية منعدمة منذ اللحظة الأولى.
لا تقف غرائب القضية عند هذا الحد، لأنه من المدهش أيضا، ومما يوحي بأن ثمة تعسفا في الأمر، أنه خلال يوم واحد هو الأول من شهر أبريل/ نيسان الماضي، حررت نيابة أمن الدولة العليا مذكرة للنائب العام بطلب تحريك الدعوى التأديبية ضد المستشارين الكبيرين. وبسرعة البرق أشر عليها النائب العام بالموافقة. وخلال ساعات قليلة “طارت” المذكرة إلى مكتب وزير العدل الذي أشر عليها بالعرض على مستشار الوزير، ثم في 11/4 أرسل وزير العدل مذكرة إلى النائب العام يطلب تحريك الدعوى. وخلال 24 ساعة حررت صحيفة الدعوى. وأرسلت في 12/4 إلى رئيس محكمة النقض، بصفته رئيس مجلس التأديب. ووردت إلى مكتبه بتاريخ 15/4 (السبت الذي سبقه يوما الخميس والجمعة). وعقد مجلس التأديب في 18/4 ليقرر السير في الإجراءات وتحديد جلسة 27/4 لنظر الدعوى. وهذه التواريخ المتسارعة، غير المألوفة في العمل القضائي، تثير العديد من علامات الاستفهام حول مبررات الاستعجال، والمقاصد المرجوة من ورائه.
(2)
ما يثير القلق أيضا أن عملية إحالة المستشارين الكبيرين إلى المحاكمة التأديبية شابتها أخطاء قانونية جسيمة، لا يكاد المرء يصدق أنها يمكن أن تمر على أي دارس للقانون، فما بالك بكبار القضاة والمستشارين. من تلك الأخطاء على سبيل المثال:
* أن الوقائع المنسوبة إلى المستشارين مكي والبسطويسي لم تكن محل تحقيق، وبالتالي لم يتمكنا من الدفاع عما اتهما به، لأنهما تمسكا بحقهما في أخذ صورة من أوراق القضية، عملا بنص قانون الإجراءات الجنائية. وإزاء رفض تسليمهما تلك الأوراق بالمخالفة للقانون، فإن التحقيق معهما لم يتم. وفوجئنا بتحديد جلسة المحاكمة يوم 27/4 دون سؤالهما.
* أن مجلس القضاء الأعلى “أذن بسؤال” المستشارين في وقائع ليست ثابتة. في حين لا يوجد في قانون السلطة القضائية شيء اسمه “الأذن بالسؤال”. ونصوصه لا تعرف إلا رفع الحصانة عن القاضي عند توافر موجباته، الأمر الذي تغدو في ظله مسألة “الأذن بالسؤال” بدعة جديدة وخطأ مهنيا جسيما.
* أن المحكمة التأديبية مضت في نظر القضية قبل البت في طلب رد أربعة من أعضائها، وتلك مخالفة صريحة للقانون. ذلك ان المستشارين الأربعة أعضاء مجلس القضاء الأعلى وما سمي بمجلس رؤساء الاستئناف، الذي أصدر بيانات هاجمت نادي القضاة ونددت بمواقفه، بكلام خشن وعبارات جارحة. ولما كان المستشاران المتهمان ممن شملتهم تلك البيانات، فذلك معناه أن أعضاء المحكمة الذين ينظرون قضيتهم فقدوا شرط الحياد، حيث لا يجوز لهم أن يكونوا خصما وحكما في نفس الوقت.
* أن النائب العام بعدما استصدر إذنا من مجلس القضاء الأعلى بسؤال المستشارين، استشعر حرجاً من مباشرة إجراءات الدعوى، بسبب عضويته للمجلس (المشتبك مع نادي القضاه)، إلا أنه عاد وتصدى للإجراءات دون أن يزول المانع، وتم ذلك بإجراءات لا أساس لها في القانون. ذلك أن الذى ندب المحقق هو رئيس استئناف القاهرة، الذي يتوفر له نفس المانع. وتلك مخالفة أخرى لأن قانون الإجراءات الجنائية ينص على أن يتم الندب من قبل الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف (مجمع المستشارين) وليس بقرار من رئيس الاستئناف.
* أن المستشار الذي انتدب للتحقيق ارتكب خطأ قانونيا ومهنيا جسيما حين تخلى عن واجبه في تقرير مصير الدعوى. ذلك أن قانون الإجراءات الجنائية ينص على أن له وحده، ودون غيره، أن يقرر ما إذا كان يتعين تقديم المتهمين إلى المحاكمة الجنائية، أو أنه لا وجه لإقامة الدعوى. وبدلا من أن يصدر قراره في هذا الشأن، فإنه أحال الأمر إلى وزير العدل ليتولى من جانبه التصرف في الدعوى، في مخالفة صريحة للقانون، حيث لا اختصاص للوزير بهذا الأمر، باعتباره من أركان السلطة التنفيذية، وليس له أن يتخذ قراراً نيابة عن السلطة القضائية.
(3)
نلمح في المشهد تعددا لوسائل الضغط على القضاة وتوسيعا لدائرة المهددين بالمحاكمة. فمجلس القضاء الأعلى الذي يضم نخبة من أبرز رموز السلطة القضائية، ويفترض أن يقوم بدور الحارس لمصالح القضاة وشؤونهم الإدارية والوظيفية، والمراقب لما تقوم به السلطة التنفيذية متعلقا بهذه الشؤون. هذا المجلس دخل إلى الساحة مشتبكا مع نادي القضاة على نحو بدا فيه أقرب إلى موقف السلطة التنفيذية. كما جرى افتعال كيان لا شرعية له باسم مجلس رؤساء الاستئناف (يضم ثمانية أعضاء)، بدا أكثر تطرفاً في التنديد بنادي القضاة وتجريح مواقفه.
في الوقت ذاته، تلقى عدد من نواب رئيس محكمة النقض مذكرات من رئيس النقض نسبت إليهم اتهامات غريبة تم التحقيق معهم بشأنها. وترشحهم للمحاكمة أمام مجلس التأديب. فالمستشار ناجي دربالة (وكيل نادي القضاة) اتهم مثلا بالاشتراك في لجنة نادي القضاة لتقييم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة ،2005 وهو ما اعتبر فى الادعاء عليه تدخلا في الأمور السياسية “مما فتح مجالا لمباركة أحزاب المعارضة، واستغلال اسم القضاة في مهاجمة المسؤولين، والتطاول على بعض القضاة واتهامهم بالتزوير”. “التهمة” الثانية أنه قال ان مجلس القضاء الأعلى ليس له سلطة على القضاة، وإنما هو هيئة تنظيمية لشؤونهم، ولا يستطيع أن يفرض عليهم شيئاً.
المستشار عاصم عبدالجبار وجهت له تهمتان: الأولى قوله انه يجب تقديم التحية للمستشارة نهى الزيني لأن شهادتها قاطعة على تزوير الانتخابات، أما الثانية، فهى قوله ان الذين استدعوه للتحقيق لم يراعوا الإجراءات القانونية، وهو ما يعتبر تعريضا بقرار سؤاله.
نائب رئيس النقض الثالث المستشار يحيى جلال وجهت إليه ثلاث تهم هي: قوله انه منذ خمسين عاما في مصر تنسب إلينا انتخابات مزورة لم نشارك فيها وأنه لا توجد قواعد للندب والإعارات وأنه طالب بأن تكون عضوية مجلس القضاء الأعلى بالانتخابات!
(4)
رغم أن هذا كله بما فيه التهم الموجهة إلى المستشارين مكي والبسطويسي يتعذر أن يؤخذ على محمل الجد، إلا أنه يخفي بين ثناياه معالم مشكلة حقيقية طرفاها الظاهران هما وزارة العدل التي تمثل السلطة التنفيذية ومجلس إدارة نادي القضاة الذي انتخبه قضاة مصر، ويعد الممثل الشرعي الوحيد لهم. وهذه المشكلة ليست جديدة، فقد تحدث عنها شيخ القضاة المستشار يحيى الرفاعي في بيانه الشهير الذي أصدره منذ ثلاث سنوات (في شهر يناير/ كانون الثاني 2003)، وأعلن فيه اعتزاله للمحاماة احتجاجاً على تدخل السلطة التنفيذية في استقلال القضاء. وأورد في البيان حشداً كبيراً من الأدلة والبراهين التي تسوغ ذلك التدخل.
وفي حقيقة الأمر فإن ما قاله المستشار الرفاعي كان كاشفاً عن وضع تشكل في مصر بعد قيام ثورة يوليو ،52 الأمر الذي استصحب تراجعاً كبيراً في هامش الحريات العامة، كان من نتائجه تعاظم دور السلطة وانحسار دور مؤسسات المجتمع جزئياً أو كلياً. إذ بعد إلغاء الأحزاب والأوقاف الأهلية وتأميم الصحافة والأزهر، فضلاً عن المشروعات الاقتصادية، فإن المجتمع خضع عمليا للوصاية التي استمرأتها السلطة، وظلت تباشرها طيلة نصف القرن المنصرم، بصورة أو أخرى. وخلال تلك الفترة ظل القضاء هو المرفق الوحيد تقريبا الذي استعصى على الاحتواء والتأميم، بسبب رسوخ حضوره في المجتمع واستقرار مرجعيته وأعرافه. صحيح أن السلطة نجحت في إحداث بعض الاختراقات في حصنه، إلا أنه ظل محتفظا طول الوقت بقدر جيد من الممانعة والاستعصاء. وهو ما ظل يضيق به صدر السلطة، التي استخدمت العنف في بعض الحالات لكسر إرادة القضاة وتطويعهم. وهو ما تمثل في الاعتداء بالضرب على رئيس مجلس الدولة عبدالرزاق السنهوري باشا سنة ،54 وفي طرد 18 من أعظم قضاة مجلس الدولة في عام ،55 ثم في مذبحة القضاة سنة ،1969 التي فصل بمقتضاها 189 من خيرة رجال القضاء، ومنعوا من القيد في نقابة المحامين، كما تم حل نادي القضاة. وأرجو ألا يكون الحاصل الآن بمثابة حلقة جديدة في ذلك المسلسل المحزن.
تاريخياً، في التجربة الاسلامية، كانت هناك مشكلة تظهر بين الحين والآخر بين القاضي والسلطان، لسبب جوهري هو أن القاضي كان يحكم بالشريعة التي هى فوق السلطان، في حين ان الأخير كان يميل في أحيان كثيرة إلى تحكيم هواه وحساباته الخاصة. وتكرر المشهد لاحقاً في مختلف دول العالم الثالث بصيغة أخرى، متأثراً بطبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع. فحيثما تغولت السلطة وتراجع هامش الحريات قمعت مؤسسات المجتمع، ومن ثم ضيق الخناق على القضاء، وبات مخيراً بين الانكسار أمام السلطة أو الانتصار للقانون. وكلما اتسع هامش الحريات حافظ القضاء على استقلاله وسرت الحيوية في أوصال المجتمع.
هذا التحليل إذا صح فإنه يضاعف من اهتمامنا بقضية القضاة التي يشتد من حولها السجال الآن، ليس فقط لكي نطمئن على استقلال واستقرار مرفق العدالة في مصر، ولكن أيضا لكي نطمئن إلى مستقبل الحريات في البلد.
(*) كاتب ومفكر من مصر
(المصدر: صحيفة الخليج ألإماراتية الصادرة يوم 2 ماي 2006)