TUNISNEWS
7 ème année, N° 2201 du 01.06.2006
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ــ فرع بنزرت: تدنيس المقدسات وتعذيب في سجن برج الرومي نداء : يا علماء الامة : أنقذوا طالبات تونس من الفتنة أو أفتوهن بالكفر بمحمد عليه السلام إسلام أون لاين: الامتحان الشفهي مواجهة جديدة لمحجبات بتونس العربية.نت:أساتذة جامعة تونسيون ينددون بـ »أفعال » اعتبروها خطيرة ضد المحجبات قدس برس: إدانة لاعتداء على طالبات محجبات في تونس ومحاولة منعهن من امتحاناتهن موقع الحزب الديمقراطي التقدمي: سوسة: اجتماع تضامني مع المجتمع المدني الصّباح:النقابة: إضـراب ناجـح بنسبــة 95% اللجنة العربية لحقوق الإنسان: دعوة إلى تجمع في ساحة الأمم أمام قصر الأمم المتحدة في جنيف د. سليم بن حميدان: الطريق نحو التغيير الديمقراطي محسن الجندوبي: لهفي على إخوة يتملّقون ظالما كاسرا لا يزيد بسماعها إلاّ إصرارا على إذلال النّاس عبد الحميد الحمدي: تألم مواطن حبيب مباركى: شهادات ميلاد الإستبداد..على يدى النظام التونسى مرسل الكسيبي: البلطجة آخـر سلاح في قافلة الإفلاس عبد الباسط السعدي: عاد و ليته ما عاد .. مجلة « حقائق »: ملف مخُصص لـ « الـحـجـاب » رضا الملولي: عن النقد والانتهـازيـيـن ومن عاضدهم!! محمد العروسي الهاني : الذاكرة الوطنية تتذكر يوم غرة جوان 1955
كمال العبيدي: اليوم الذي اغتيل فيه سمير قصير واكتشفت جثة الصحافي الليبي ضيف الغزال آمال موسى: إحالة العقول على التقاعد! د. رفيق عبد السلام: الإسلاميون في مواجهة معضلة الدولة حسن نافعة: صفقة بين إيران والولايات المتحدة … هل هي احتمال وارد؟
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ــ فرع بنزرت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنزرت في 01 جوان 2006
بيــان
تدنيس المقدسات وتعذيب في سجن برج الرومي
إن هيئة فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تعلم الرأي العام بما يلي :
تحدث الآن بسجن برج الرومي بنزرت ممارسات خطيرة جدا ضد السجناء السياسيين ومعتقداتهم بدون أن تتخذ السلطات الإجراءات اللازمة لوضع حد لها رغم علمها بالموضوع. فلقد اتصلت عائلات المساجين بالرابطة وقدمت معلومات مفادها أن السجين أيمن بن بلقاسم الدريدي المحال بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب في القضية التحقيقية عدد 1/1110، تعرض لتعذيب فضيع بالضرب بالفلقة والدهس بالأرجل والضرب على كامل أنحاء الجسم، يوم الخميس 04 ماي 2006، وذلك من طرف مجموعة من الأعوان بإذن من مدير السجن المدعو عماد العجمي لأنه اشتكى لعائلته من حبسه في عزلة في زنزانة انفرادية منذ نقلته من السجن المدني بتونس في خلاف تام لقانون السجون.
وإثر ذلك تقدم محاميه الأستاذ أنور القوصري بشكاية في حقه من أجل التعذيب وغيرها من الجرائم المصاحبة مطالبا بفتح تحقيق عاجل وعرضه على الفحص الطبي بصفة عاجلة لمعاينة الأضرار الحاصلة له وحتى لا تندثر آثارها بمرور الوقت. فسجلت الشكاية بالمحكمة الابتدائية ببنزرت بتاريخ 17 ماي 2006 تحت عدد 2006/11018 وأذنت النيابة بجلب الشاكي من السجن لسماعه وحرر عليه يوم 20 ماي 2006 من طرف السيد مساعد وكيل الجمهورية.
وبلغ لعلم الرابطة أنه كان من نتيجة ذلك تعرض السجين أيمن الدريدي لاعتداء جديد من طرف نفس المدير وأعوانه الذي زيادة على الاعتداء الجسدي قام بضربه بمصحف ثم ركل المصحف عند سقوطه أرضا. وأمام احتجاج السجين أيمن الدريدي على هذا الاعتداء الشنيع عاقبه مدير السجن بوضعة في السيلون ومنع عائلته من زيارته. وقد أعلمتنا والدته أنها تحولت إلى السجن يوم 25 ماي 2006 ويوم 01 جوان 2006 وفي كل مرة يطردها الأعوان بدعوى أن ابنها معاقب وممنوع من الزيارة. وبلغ لعلم الرابطة أن هذا السجين دخل في إضراب عن الطعام احتجاجي وهو لا يزال يواصله وقد أصبحت حالته الصحية متدهورة جدا.
كما بلغ لعلم الرابطة أن المساجين السياسيين ببرج الرومي شنوا إضرابا عن الطعام بثلاثة أيام من يوم الجمعة 26 ماي إلى يوم الأحد 29 ماي 2006 ومن بين مطالبهم اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المعتدين. ولكن الإدارة لم تحرك ساكنا فقرروا الدخول ثانية في إضراب عن الطعام بداية من يوم الاثنين 05 جوان 2006.
إن فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان:
ـ يندد تنديدا شديدا بتدنيس المصحف والاعتداء على معتقدات المساجين السياسيين،
ـ يندد بشدة بممارسة التعذيب التي تتواصل في السجون التونسية وقد طالت في الآونة الأخيرة العديد من المساجين المحالين بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب وغيرهم من المساجين. ورغم زيارتهم من طرف وفد من الصليب الأحمر الذي لاحظ للسلطات التونسية تفشي هذه الظاهرة داخل السجون، فإن هذه الأخيرة وهي على علم بذلك لم تحرك ساكنا مما يبين أنها المسؤولة بدرجة أولى لما يتمتع به أعوانها من شعور بالحصانة وإفلات من العقاب.
ـ تعبر الهيئة للرأي العام أنها ستتابع هذا الملف حتى ينال المجرمون عقابهم ولن تنفك عن التشهير بهم حتى يوضع حد لمثل هذه الممارسات الدنيئة.
عن هيئة الفرع
رئيس الفرع
علي بن سالم
يا علماء الامة : أنقذوا طالبات تونس من الفتنة أو أفتوهن بالكفر بمحمد عليه السلام
الامتحان الشفهي مواجهة جديدة لمحجبات بتونس
تونس- عقبة الحميدي- إسلام أون لاين.نت
أعلنت مجموعة من الطالبات التونسيات تمسكهن بدخول الامتحانات الجامعية الشفهية مرتديات الحجاب، رغم تيقنهن من تكرار حرس الجامعة منعهن من الدخول.
وفي تصريحات لـ »إسلام أون لاين.نت » الأربعاء 31-5-2006، قالت « آمنة »، الطالبة بكلية العلوم القانونية بجامعة أريانة شمال البلاد، والعضوة بجمعية نسائية: لن نخاف (الطالبات المحجبات) من إدارة الجامعة، وسنعيد الكرة عند إجراء الامتحانات الشفهية« .
وعن رد فعلهن إذا ما منعن من دخول الامتحانات الشفهية التي تبدأ في بعض الكليات في يونيو 2006، قالت: » سننظم اعتصامات ومسيرات احتجاجية للمطالبة بحقنا في التعلم بارتداء اللباس المناسب لنا« .
وأشارت « آمنة » إلى أن منع حرس الجامعة دخول الطالبات المحجبات يتكرر كل عام عند بداية التسجيل لدخول الكليات ومع بدء الامتحانات.
« هدم القيم«
وفي اتصال هاتفي مع « إسلام أون لاين.نت » قالت طالبة تونسية محجبة، فضلت عدم ذكر اسمها: « إننا نواجه اليوم محاولة لفتنتنا عن ديننا من خلال إجبارنا على التعري، وكشف أجزاء من جسدنا، وهو ما يمثل اعتداء صارخا على أبسط حقوقنا التي ضمنها لنا دستور البلاد« .
واعتبرت الطالبة أن « الحكومة تهدم كل القيم باعتدائها على الطالبات المحجبات، ومنعهن من دخول الامتحانات، وكذالك باعتدائها على المحامين والحقوقيين« .
وكانت طالبات محجبات نظمن -بمساندة أخريات غير محجبات- اعتصامات أمام جامعات تونسية بداية الأسبوع الجاري بعد منعهن من قبل الحرس الجامعي من دخول الامتحانات التحريرية إلا بعد نزع حجابهن، وهو ما تراجع عنه الحرس بعد تضامن أساتذة الجامعات مع الطالبات.
تضامن
أساتذة كليات العلوم والاقتصاد والعلوم السياسية والحقوق بجامعة أريانة تضامنوا مع حق الطالبات في ارتداء الحجاب ونددوا في بيان لهم بالإجراءات التي تمارس بحقهن، واعتبروا احتجازهن بأحد مكاتب إدارة الجامعة، وإغلاق الباب عليهن بالمفتاح، سابقة خطيرة لم تعهدها الجامعات التونسية.
وطالبوا أيضا النقابة العامة لأساتذة التعليم العالي في تونس بفتح تحقيق في هذه الواقعة، وباتخاذ كافة الإجراءات التأديبية والقانونية ضد المسئول عن هذا الاعتداء.
وناشد هؤلاء الأساتذة نظراءهم في كليات وجامعات البلاد عدم الانخراط في مثل هذه الممارسات، ورفض أي تدخل من أي سلطة خارج الجامعة ضد الطلبة والطالبات طبقا للإجراءات المنظمة لسير الامتحانات.
ودعوا أيضا كل القوى الحرة إلى تبني قضية الطالبات المحجبات، ودعمهن في ممارسة أبسط حقوقهن، وهو حق اختيار لباسهن.
وناشد البيان الطالبات المحجبات التمسك بحقهن في اختيار لباسهن، ودعاهن إلى مقاضاة أي جهة أو شخص يتحرش بهن أو ينزع حجابهن لدى المحاكم التونسية بالطعن في دستورية القانون الذي يحظر ارتداء الحجاب، ولدى محكمة حقوق الإنسان الأوربية، ولدى الأمم المتحدة.
ضغط نفسي
أحد الطلبة المتضامنين مع زميلاته المحجبات، وشارك في اعتصام الجمعة 26-5-2006، انتقد الضغط النفسي الذي يفرضه حرس الجامعة كل عام على الطالبات المحجبات، وانتهاك حريتهن بإجبارهن على نزع الحجاب قبل السماح لهن بدخول الامتحانات.
وقال الطالب، الذي رفض ذكر اسمه، لـ »إسلام أون لاين.نت » الأربعاء: إن « تصرفات الأمن مع الطالبات المحجبات مقصودة لإدخال الهلع في نفوسهن في أيام هُن أحوج ما يَكُنّ فيها إلى صفاء الذهن« .
ويعتبر القانون (خطأ: المرسوم، التحرير) 108 الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل « الحبيب بورقيبة » الحجاب « زيا طائفيا »، وليس فريضة دينية، ومن ثم يحظر ارتداءه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.
(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 31 ماي 2006)
الحكومة رفضت تلقي « دورس فرنسية » في حقوق الإنسان
أساتذة جامعة تونسيون ينددون بـ »أفعال » اعتبروها خطيرة ضد المحجبات
تونس- سليم بوخذير
في بيان شديد اللهجة اتّهمت النقابة العامة لأساتذة التعليم العالي بتونس إدارات بعض الكليات بالبلاد ب » ممارسة أفعال » مع الطالبات المحجّبات وصفتها بـ »السابقة الخطيرة »، مستشهدة بواقعة « احتجاز طالبات محجّبات بغرفة مكتب بعد استدراجهنّ » في إحدى الكليات الأمر الذي استنكرته بشدة.
وفيما تزداد أزمة الطالبات المحجبات اشتعالا، رفضت الحكومة التونسية تصريحات لوزارة الخارجية الفرنسية بشأن منع انعقاد مؤتمر لحقوق الإنسان، وقالت إنها لا تتلقى دروسا من أحد في هذا السياق.
وفي التفاصيل، قالت النقابة العامة لأساتذة التعليم العالي في بيان لها أمس الثلاثاء 30-5-2006 حصلت « العربية. نت » على نسخة منه ، إنّ » إداريا بكلية الحقوق و العلوم السياسية بالعاصمة قام بإحتجاز طالبات محجّبات بمكتب بالكلية بعد إستدراجهنّ و أقفل الباب عليهنّ « ، و جاءت هذه الواقعة في إطار ما يصفه مناصرو الطالبات المحجبات في تونس بحملة منعنّ من مباشرة إمتحانات آخر السنة التي تجرى هذه الأيام و « التحرّش بكلّ من ترفض منهنّ توقيع إلتزام بنزع الحجاب ».
و طالب بيان النقابة ب » تحقيق في هذا العمل الإجرامي » على حدّ وصف البيان ، متّهمة سلطة الإشراف (المقصود وزارة التعليم العالي التونسية ) بالوقوف وراء هذه الأعمال .
وهذه هي المرّة الأولى التي تُصدر فيها نقابة مدرسي التعليم العالي بيانا تندّد فيه ب »معاقبة الطالبات المحجّبات » في الجامعة التونسية .
وكانت الكليات التونسية شرعت هذه الأيام في حملة لمنع الطالبات المحجبات من إجتياز إمتحانات آخر السنة إلاّ بشرط نزع الحجاب ، مبرّرة الأمر بتنفيذ « تعليمات منشورات صادرة عن سلطة الإشراف » ، و هو ما أثار موجة من الإحتجاجات في عديد الكليات قادتها المجموعات الطلابية القريبة من التيار الإسلامي في تونس الذين وصفوا الحملة ب » الإعتداء على الحرمة الفرديّة و حرية المعتقد »، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة التونسية النساء من إرتداء الحجاب بناء على المشور رقم 108 الذي يعتبر الحجاب « لباسا طائفيا ».
وفي موضوع آخر، رفضت تونس تصريحات لوزارة الخارجية الفرنسية بشأن منع انعقاد مؤتمر لحقوق الإنسان، وقالت إنها لا تتلقى دروسا من أحد في هذا السياق.
وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية عبر الاثنين عن « أسف باريس لتعمد قوات الشرطة في تونس منع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان من عقد مؤتمرها الوطني السادس »، لكن وزارة الخارجية التونسية قالت في بيان أصدرته إنها « ترفض تلقي دروس من أي كان في هذا السياق، وإنها دولة قانون، وتتصدر حقوق الإنسان أولوياتها ».
وكانت قوات الشرطة قد حاصرت يوم السبت الماضي مقر الرابطة، ومنعت ضيوف المؤتمر، ومنهم دبلوماسيون أجانب من الوصول إلى الرابطة.
وقالت باريس إنها « تتابع بانشغال وبالتشاور مع شركاء في الاتحاد الأوروبي تطور الأوضاع، وإن للرابطة دورا مهما جدا تقوم به في مجال حقوق الإنسان في تونس »، لكن الخارجية التونسية ذكرت أن « رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان مكسب وطني، وهي تأسف لأن الهيئة التي تدير الرابطة لم تمتثل لقانون البلاد ولقرارات القضاء، متحدية بذلك القانون والقضاء ».
وكانت الرابطة قد أعلنت في وقت سابق أنها غير معنية بأي حكم قضائي مغلف سياسيا، وأنها ماضية في عقد مؤتمرها، واتهمت السلطة بمحاولة تحطيمها. وتنفي الحكومة التونسية أي دخل لها في الصراع داخل الرابطة، وتقول إنه شأن داخلي بين أعضائها.
(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 31 ماي 2006)
ناشطة تعتبر نزع الحجاب بالقوة تحرشاً جنسياً وتهدد بمقاضاة الحكومة ..
إدانة لاعتداء على طالبات محجبات في تونس ومحاولة منعهن من امتحاناتهن
تونس – خدمة قدس برس
أدانت مجموعة من المنظمات والشخصيات التونسية الاعتداء الذي استهدف مجموعة من الطالبات المحجبات في الجامعات التونسية، ومحاولة حرمانهن من المشاركة في الامتحانات النهائية، وإجبار الكثير منهن على التخلي عن غطاء الرأس قبل الالتحاق بقاعات الامتحان.
واستنكرت جمعية « نساء ضد التعذيب بتونس »، ما قالت إنها « هجمة شرسة تستهدف النساء في تونس ». وطالبت رئيسة الجمعية، منجية عبيدي، كل القوى الوطنية في البلاد، إلى « تبني قضية هؤلاء الفتيات ودعمهن في ممارسة أبسط حقوقهن حق اختيار لباسهن »، على حد تعبيرها. وعبرت الجمعية في بيان لها الأربعاء (31/05)، وتلقته وكالة « قدس برس »، عن تضامنها مع الطالبات وكل النساء اللاتي يتعرضن للمضايقة والاعتداء، والتدخل في حريتهن الشخصية.
واعتبرت العبيدي أنّ تطبيق « المنشور (القانون) 108″، وهو القانون الذي يمنع المرأة ارتداء الحجاب (غطاء الرأس)، يمثل « اعتداء جنسياً على النساء، يتم بتشجيع وإيعاز من السلطة، وتحت إشرافها »، متعهدة بمقاضاة الحكومة التونسية أمام القضاء التونسي، وفي المحاكم الأوروبية وفي الهيئات الأممية، « إن تطلّب الأمر ذلك« .
وأضافت الناشطة الحقوقية، قولها « لم تكتف السلطة التونسية بما تمارسه من هجمة شرسة على مختلف مكونات المجتمع المدني »، على حد تعبيرها.
وقالت الجمعية، إنّ السلطات التونسية « عادت إلى ممارسة مهينة، أدمنت عليها خلال السنوات الماضية، في مخالفة لأحكام الدستور والأعراف الدولية فيما يخص حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة، حيث عمد أعوانها في المؤسسات الجامعية إلى تفعيل المنشور 108 الفضيحة، الذي يقضي بتحديد نوع اللباس الذي ترتديه المرأة، ويمنع النساء من لبس الفساتين الطويلة وتغطية رؤوسهن بدعوى أن ذلك يعد لباسا طائفيا »، على حد وصفها.
هذا وكان عناصر الشرطة الجامعية، وتطبيقاً للمنشور المذكور، قد حاولوا منع الطالبات اللاتي يرتدين غطاء الرأس، من دخول المعاهد والكليات، ومنعهن بالتالي من إجراء الامتحانات. وطبقاً لما ورد؛ قد بلغ الأمر يوم الجمعة 26 أيار (مايو) الجاري، في كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، حدّ قيام عون إداري احتجاز عدد من الطالبات المحجبات بأحد مكاتب الإدارة وإغلاق الباب عليهن بالمفتاح، وذلك بعد أن استدرجهنّ إلى المكتب المذكور، في محاولة لحرمانهن من إجراء امتحاناتهن.
وضمن تفاعلات تلك الحادثة؛ اعتبرت النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، أنّ ما حدث يوم الجمعة (26/05) بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، يُعدّ « واقعة على غاية من الخطورة، قام بها عون (عنصر مسؤول) إداري، وتمثّلت في احتجازه لعدد من الطالبات المحجبات بأحد مكاتب الإدارة وإغلاق الباب عليهن بالمفتاح ». وحذّر الاتحاد من أنّ تلك الواقعة تمثل « سابقة خطيرة » لم تعهدها الجامعة. وعبّرت النقابة عن استنكارها وشجبها الشديدين، مطالبة بفتح تحقيق في الواقعة، واتخاذ كل الإجراءات التأديبية والقانونية ضدّ الموظف، الذي وصفت عمله بـ « الإجرامي »، على حد تعبيرها.
يُذكر أنّ السلطات التونسية تمنع الموظفات وطالبات الثانوية والجامعات من ارتداء الحجاب، باعتبار أنّ ذلك « لباساً طائفياً دخيلاً عن التقاليد التونسية »، وفق وصفها. وتقول منظمات حقوقية وطنية ودولية إنّ آلاف النساء والفتيات يمنعن من الدراسة والعمل ما دمن يرتدين الخمار، في الوقت الذي تصرّ تلك القطاعات النسوية على أنّ ارتدائهن للحجاب هو تمسك بدينهن، وهو واجب شرعي، وحق يضمنه دستور الجمهورية التي تنص مادته الأولى على أن الإسلام هو « دين الدولة« .
(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 1 جوان 2006)
سوسة: اجتماع تضامني مع المجتمع المدني
بدعوة من جامعة سوسة للحزب الديمقراطي التقدمي انتظم اليوم الأربعاء 31 ماي 2006 على الساعة السادسة مساء بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي بسوسة اجتماع عام تضامني مع المجتمع المدني الذي تعرض إلى هجمة غير مسبوقة من طرف السلطة في الآونة الأخيرة.
و في مستهل الجلسة تحدث السيد عبد الرحمان الهذيلي عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن الظروف التي حفت بمنع مؤتمر الرابطة يوم 27 ماي و ما تخلله من منع أعضاء هيئات الفروع و أعضاء المؤتمر من الالتحاق بتونس العاصمة في ضرب صارخ لحق التنقل و منع الضيوف الأجانب و التونسيين الذي توافدوا لحضور المؤتمر إضافة إلى تعنيف بعض أعضاء الهيئة المديرة. و اعتبر الهذيلي أن ذلك لن يمنع الرابطيين من المضي قدما من أجل الدفاع عن منظمتهم العتيدة و عقد مؤتمرها في أقرب الآجال.
من جهته قدم السيد محمد الريغي المسؤول بفرع تونس لمنظمة العفو الدولية بسطة عن وقائع الجلسة العامة للفرع التي دارت يومي 20 و 21 ماي، متوقفا عند حادثة إخراج المواطن السويسري شتيرن من قاعة الجلسة من طرف عدد كبير من أعوان الأمن و ترحيله إلى باريس معتبرا أن مثل هذه الممارسات إضافة إلى تعارضها مع مبادئ حقوق الإنسان فإنها تمس من سمعة البلاد و من مكانتها. كما تعرض السيد محمد الريغي إلى اعتقال السيد هشام عصمان رئيس الفرع يوم 22 ماي و التحقيق معه على خلفية أحداث الجلسة العامة معتبرا أنها سابقة خطيرة تحدث لأول مرة في تاريخ فرع تونس لمنظمة العفو الدولية.
من جهته قدم الأستاذ يوسف الأحمر عضو فرع سوسة للهيئة الوطنية للمحامين لمحة عن نضالات المحامين من أجل مطالبهم المشروعة و المتمثلة بالخصوص ببعث معهد للمحامين و التغطية الاجتماعية معتبرا أن وزارة العدل سارعت بعرض مشروع قانون المهد الأعلى للمحامين على البرلمان و المصادقة عليه و إصداره بالرائد الرسمي دون موافقة الهيئة الوطنية للمحامين التي عارضت مشروع الوزارة و قدمت مشروعا بديلا.
و تعرض الأستاذ يوسف الأحمر إلى القمع الذي تعرض له المحامون خلال اليوم التضامني مع المحاماة كما ذكر بنجاح الاعتصام و إضراب الجوع ومختلف التحركات التي خاضها المحامون الذي التفوا حول مطالبهم المهنية المشروعة. كما ذكر الحاضرون بالإضرابات التي خاضتها نقابات التعليم في الآونة الأخيرة و إضراب أعوان الصحة الذي شهد نجاحا كبيرا اليوم. و قد أكد المتدخلون على ضرورة التصدي لهذه الهجمة على المجتمع المدني و التآزر و التضامن بين مختلف القوى والجمعيات من أجل التصدي لهذه الهجمة و مقاومتها.
و قد أصدر الحاضرون بيانا أكدوا فيه إدانتهم للهجمة التي تشنها السلطة على المجتمع المدني و ضرورة التصدي لها بتكاتف و تلاحم جميع القوى الديمقراطية و التقدمية
دقيقة صمت
وقف الحاضرون دقيقة صمت و تلوا فاتحة الكتاب ترحما على روح المناضل صالح بريك أصيل مدينة سوسة والمسؤول بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة و الذي توفي في الاعتداء الأخير للكيان الصهيوني على جنوب لبنان. و قد استرجع بعض الذين عرفوا الفقيد ذكرياتهم معه قبل أن يغادر مدينة سوسة و ينتقل إلى لبنان ليلتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية.
(المصدر: مراسلة خاصة بموقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 31 ماي 2006)
الوزارة- إضراب قطاع الصحّة: نسبة نجاح الإضراب ضعيفة
النقابة: إضــــراب ناجــــــح بنسبــــــــة 95%
تونس – الصّباح:
وصف الطرف النقابي الاضراب القطاعي الذي نفذه يوم أمس في قطاع الصحة «بالناجح»، وأكد السيد قاسم عفية الكاتب العام للجامعة العامة للصحة لـ«الصباح» أن النسبة العامة لنجاح هذا الاضراب كان «في حدود 95% وقد تجاوزت بعض المناطق هذه النسبة بكثير» وأوضح أيضا بأن «الاضراب جاء بعد تعثر المفاوضات مع سلطة الاشراف اذ لم تسجل أي تقدم خاصة في الجانب المتعلق بالمطالب المادية» محدثنا أكد أيضا أن النقابة «متمسكة بتحقيق مطالبها وفي ذات الآن مستعدة لمواصلة الحوار والتفاوض مع سلطة الاشراف».
الوزارة: نسبة الاضراب ضعيفة وجميع المؤسسات قدمت خدماتها بشكل طبيعي
أما بالنسبة لوزارة الصحة العمومية فقد أكدت مصادر مطلعة أن نسبة اضراب يوم أمس كانت ضعيفة جدا، وقد كان سير العمل بجميع أقسام المؤسسات الصحية عاديا بما في ذلك المستشفيات الكبرى والجهوية والمحلية إذ قدمت جميعا خدماتها إلى المواطنين والمرضى المقيمين بصفة عادية وكانت نسبة مشاركة الاطار الشبه الطبي في الاضراب ضئيلة جدا كما أن بعض المناطق لم تشارك اطلاقا في هذا الاضراب وعلى سبيل المثال لم تتجاوز نسبة المشاركة في الاضراب في مستشفى شارل نيكول 15%.
وفي الاطار نفسه أوضحت المصادر أن الوزارة متمسكة بمبدا الحوار والتفاوض مع الجامعة العامة للصحة وحريصة على انجاح المفاوضات التي عرفت تقدما خلال الجلسات الاخيرة.
المطالب النقابية
ويذكر ان المطالب النقابية التي ضمنتها الجامعة العامة للصحة في لائحتها المهنية تتمثل بالخصوص في سحب الفصل 2 من القانون العام للوظيفة العمومية على اعوان القطاع وادماج العملة به ومراجعة قانون المؤسسات العمومية للصحة وبقية الهياكل الصحية والاستشفائية واقرار حركة نقل دورية وطنيا وجهويا ومحليا اضافة الى مراجعة المقاييس المعتمدة في الامتحانات المهنية وذلك بالاعتماد على مقاييس السن والاقدمية مع التعجيل باصدار نتائج الامتحانات واعطاء الاولوية في الانتدابات لابناء الاعوان ومن بين المطالب ايضا تعميم منحة منطقة الظل على كل الجهات واقرار زيادة خاصة وعاجلة لكافة اعوان الصحة.
كريمة دغراش
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 1 جوان 2006)
إحصاء: تعداد ليبيا بلغ 5.3 مليون نسمة
طرابلس (رويترز) – أظهر احصاء حكومي ان تعداد السكان في ليبيا زاد بنسبة 1.8 في المئة خلال الاحد عشر عاما الماضية ليصل الى 5321320 عام 2006 .
وطبقا لتفاصيل الاحصاء الذي نشرته وكالة الجماهيرية للانباء (جانا) الليلة الماضية سيصل عدد السكان بعد اضافة المقيمين الاجانب الى 5.6 مليون.
وكشف الاحصاء ان عدد الرجال في ليبيا يزيد على عدد النساء بواقع 102.6 الى 100 .
ومن النادر ان تنشر ليبيا مثل هذه البيانات.
وقال مسؤول في الصحة طلب عدم نشر اسمه ان معدل النمو السكاني يماثل النمو في تونس والجزائر والمغرب في نفس الفترة.
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 1 جوان 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
حيّ لا يرزق
صندوق التّقاعد والحيطة الاجتماعية يطالب المتقاعدين بشهادة عدم الوفاة… يعني بلغة أوضح بوثيقة تثبت بأنّهم مازالوا على قيد الحياة… والمتقاعدون كما تعلمون لا ينتمون إلى زمرة الشباب… تصوّروا كم سيلاقون للحصول على الشهادة من مشقّة وعذاب!
فيا صندوق إن كان لا بدّ من هذا الإجراء لماذا لا تفتحوا بالمقابر مكاتب إعلام… تخبرك عن كلّ متقاعد دخلها وساقه إلى الأمام؟!
محمد قلبي
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 1 جوان 2006)
اللجنة العربية لحقوق الإنسان
01/06/2006
دعوة إلى تجمع في ساحة الأمم أمام قصر الأمم المتحدة في جنيف
بعد انكسار عقد الرقابة التقليدية مع ثورة الاتصالات والمعلومات، تركزت مناهضة السلطات التسلطية لحق التنظيم والتجمع والتعبير في الاعتداء المباشر على الحريات الشخصية وسلامة النفس والجسد والترهيب بالسجن والحرمان من السفر والعمل وتخويف المحيط المباشر للأشخاص.
لكن الخوف لم يعد يقبع في معسكر واحد، والسجن لم يعد يعني الكثير عندما تحول الوطن لسجن كبير. السجون العربية اليوم فيها أكثر من خمسين ألف معتقل نصفهم تقريبا في ظل الاحتلال في فلسطين والعراق. ونصفهم الآخر في ظل أنظمة زاوجت بجدارة بين الفساد والاستبداد محولة منطقتنا إلى بطن رخو برسم الاستعباد الخارجي المباشر أو غير المباشر.
في ليبيا وتونس، في سورية والسعودية ومصر، في فلسطين والعراق كما في باقي البلدان العربية، يشكل الاعتقال التعسفي نقطة عار لأنظمة نسيت أن الشرعية السياسية هي ابنة خيار مجتمعي لا قرار فوقي، وأن استقلال القضاء شرط واجب الوجوب لاحترام أية سلطة تنفيذية، وأن اختيار الناس لحكامهم هو أساس السيادة. لذا تتداعي تنظيمات وطنية وإقليمية ودولية للتجمع في ساحة الأمم يوم ولادة مجلس حقوق الإنسان الساعة الحادية عشرة صباحا لتذكر بقانون الإحضار وأوليات الحقوق للأفراد والشعوب.
من أجل معرفة الحقيقة في جريمة بوسليم قبل 10 أعوام في ليبيا، متى الإنصاف في مجزرة تدمر؟ ما هو العدد الحقيقي للمعتقلين في مصر؟ كيف نواجه ضرب المجتمع المدني في تونس وسورية، من أجل رصد أوضاع معتقلين بلا حدود كانوا بالعشرات فصاروا بالمئات وزادوا لآلاف، من أجل الحرية لكل من حرم منها بسبب معتقده أو رأيه أو قناعاته السياسية نناشد إلى كل الأحرار دعم هذه المبادرة إما بمشاركتنا الدعوة لها كمنظمات غير حكومية، أو بالتواجد الفعلي أو الرمزي للتعريف بأوضاع حقوق الإنسان في بلدانكم. لتكون أيضا مناسبة للتعريف بتقارير عن أوضاع السجناء في العالم العربي وتقديم عدة عرائض دولية للمطالبة بإغلاق السجون واحترام الكرامة الإنسانية.
يرجى إرسال توقيعات منظماتكم على هذا النداء إلى: achr@noos.fr
الحاج محمد المرزوقي شنيتر في ذمة الله
الحاج مصطفى القرقوري في ذمة الله
الطريق نحو التغيير الديمقراطي
لهفي على إخوة يتملّقون ظالما كاسرا لا يزيد بسماعها إلاّ إصرارا على إذلال النّاس [1] …
بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شهادات ميلاد الإستبداد..على يدى النظام التونسى مواقف من محنة الإسلاميين فى تونس
هذه شهادة أخرى من سلسلة الشهادات التى يقدمها الأخ بوكثير بن عمر حول بعض المظالم التى تعرض لها من قبل نظام الجنرال بن على …يكتب فيقول : لقد أحصيت منذ أواخر الثمانينات إلى غاية2002 أكثر من سبعين مرة بين إستدعاءات وجلب ومداهمات نهارية وليلية توزعت بين مختلف الجهات الأمنية التالية:مركز الحرس ومركز الشرطة- ب(شربان- مسقط رأسي)،منطقة الشرطة والحرس بالمهدية- منطقة الشرطة بالمنستير – منطقة الشرطة والحرس بسوسة- مركز الشرطة بحي السويس سوسة – مركز الشرطة بحي بوحسينة –سوسة – شرطة الحدود بقليبية- وأروقة أمن الدولة بالداخلية-.كل هذه الأطراف (الأمنية) سقتني الأمن والأمان حتى الثمالة فأضحى رزقي رغدا وعيشي هنيئا .
فى بداية سنة 1995 كنت أقطن بمنزل أخي الكائن بنهج بيت الحكمة بسوسة-الطقس شتاء- لم يمض على فرض الإمضاء علي في مركز الشرطة بحي السويس سوسة قرابة شهرين حتى داهمتني عصابة من أربعة أشخاص بسيارة مدنية.رن الجرس بطريقة أوحت لي أن الزائر غير عادي،حالما فتحت الباب الخارجي سألوني هل أنت بوكثير،أجبت :نعم فقفزوا إلى داخل المنزل ،فتشوه غرفة غرفة ثم أمروني على وجه السرعة بمرافقتهم وأبوا أن يمهلوني حتى أن أطفىء آلة الطبخ إذ كنت أحظر لأبنائي شيئا من الأكل وكان بينهم رضيع.لكن من فضل الله في تلك الاثناء جاءت زوجتي من عملها في روضة مجاورة.كانت تلف نفسها ب (صوف منشف)،إستهجن مظهرها أحدهم وقال لي:(هاي حتى مرتك خوانجية مغطية راسها) .قلت له ومن تجرؤ على تعرية رأسها في هذا البرد خاصة إذا كانت أما لأربعة أطفال. تبينت هويتهم بعد ذلك لما حط ركبهم بي في منطقة الحرس الوطني بسوسة
وعرفت هناك رئيس المركز- سيء الذكر- المدعو رضا بن صالح وهو أصيل معتمدية هبيرة – ولاية المهدية- تصرفوا معي وكأنهم الجهة الأمنية الوحيدة التي فازت بسبق معرفتي وبعد س و ج بطريقتهم فرضوا علي الرقابة الإدارية –الإمضاء- ونفس ما أخضعتني إليه فرقة الإرشاد في منطقة الشرطة من وجوب الإعلام عند كل وجهة أتوجهها.لقد توسعت دائرة الهاجس الأمني لدي إلى حد أنهم يحصون علي نقاط البيع والشراء التي أرتادها.ذات مرة جلبوني ليتهموني (يعتبرون ذلك تهمة)أني أشتري حاجتي من دكان في حي التعمبر بسوسة(صاحبه عبد الحميد نوير وهو من أقارب الشيخ شهيد الحصار:علي نوير رحمه الله) ولما نفيت ذلك بشدة وطالبت بالبرهان إنهال علي أحد العونين سبا وشتما وإهانة.لم أقدر على تحمل ذلك خاصة وأني لم أكن أتصور أن يهان حافظ كتاب الله بهذا الشكل المخزي(لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولائك هم المعتدون).أصابني على الفور انهيار عصبي فتعقد لساني عن الكلام وأحسست أني أبتلع لساني ولما أدرك العون الثاني وضعيتي الحرجة أسرع وسكب علي قارورة الماء التي كانت أمامه ثم أسرع إلى النافذة ففتحها ودفعني ممسكا بي لأستنشق الهواء،ثم صاح في وجه صاحبه وسب عليه الجلالة (أستغفر الله)قائلا له:تحب تباصينا تطيح علينا روح قالك ما مشاش مامشاش).خرج العون سيء الذكر من حينه وحرص الأخر على أن لا أغادر حتى تماسكت ورجعت إلى حالتي الطبيعية،ثم أذن لي بالعودة إلى المنزل.إني لأذكر تلك الوجوه جيدا رغم غياب أسمائهم أحيانا.لو أردت أن أورد قصة لكل مرة من العددالتي ذكرته من الأول لجاز لي ذلك ولكني أوردبعض الوقائع فقط وإلى لقاء اخر قريب إنشاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته حبيب مباركى : سويســرا
البلطجة آخـر سلاح في قافلة الإفلاس
مرسل الكسيبي (*)
لم تعد هناك ذرة من حياء لأنظمة الافلاس في المنطقة,حيث غدت أنظمة الكرباج السياسي والأمني تعيش حالة من التخبط غير المسبوق في التعاطي مع مطالب الاصلاحيين في أكثر من بلد عربي ,ولعل ماتعيشه مصر وتونس من حراك مدني ونخبوي غير مسبوق في تاريخ البلدين منذ مايزيد عن العشريتين, قد غدى مؤشرا على حالة التراجع التي بات يعرفها نظاما تونس ومصر.فاذا كان هذان النظامان قد تعاملا على مدار السنوات الأخيرة بعقل فيه الكثير من المحاذرة السياسية مخافة الاصطدام مع العملاق الأمريكي بعد رفع المحافظين الجدد لشعار الاصلاح السياسي والدمقرطة في البلاد العربية,فانهما اليوم قد اختارا القفز الى المجهول بعد أن غلب الطبع على التطبع.
وليس مفهوما اليوم اذا كان الطريق الذي سلكه نظام حسني مبارك وحكومة نظيف منضافا اليهما نظام الرئيس بن علي وجوقة الجهاز الأمني المتحكمة في رقاب الناس عبر الاصطدام المفتوح مع الجميع نخبا وجمعيات ونقابات وطلابا وجماهير,ليس مفهوما اذا كان الطريق الذي سلكه هؤلاء جاء على اثر ضوء أخضر من قوى أجنبية في مقابل تنازلات سرية ضخمة,أم أنها على حد تعبير المثل العربي « رقصة الديك المذبوح » بعد أن فشل في مقاومة قدره المحتوم؟
لن أقدم اجابة على الاحتمال الأول من السؤال وانما أكتفي بالاشارة الى أن مصير ولد الطايع الموريتاني كان خارج سدة الحكم بل المنفى والبحث عن الأمن بعد أن عز طلبه, برغم ماقدمه من تنازلات عظام في ملف التطبيع والتعاون المشترك مع الدولة العبرية,وهو مايعني أن غياب الاستقرار في بلد ما بالشكل الذي يهدد مصالح الخارج من شأنه أن يرمي بالحاكم في مزبلة التاريخ حتى وان اعتقد بأن تنازله للقوى الخارجية من شأنه أن يطيل عمره في سدة الحكم.
وعودا الى ملفي تونس ومصر فانه لايمضي اليوم أو اليومين حتي تطالعنا وكالات الأنباء العالمية بأخبار اعتصامات القضاة في مصر والمحامين في تونس,وتجمعات نادي القضاء الأعلى في القاهرة وتجمهرات المحامين أمام وداخل قصر العدالة أو دار المحاماة بالعاصمة تونس,ثم لاتمضي أيام اخر حتى تزف لنا الصور الثابتة والحية أخبار مظاهرات حركة كفاية البطلة أو تجمعات أصحاب المدونات السياسية بالعاصمة المصرية,وبين اليوم وماوالاه نسمع عن تحركات اخوانية في صفوف أعضاء الغرف التجارية وأحيانا أخرى داخل الجامعات المصرية,أما في تونس فالمشهد واحد والأسباب عدة ,حيث تجمعات الطلاب وتظاهراتهم احتجاجا على منع المحجبات من دخول الجامعة,واضرابات الأطباء والممرضين في قطاع الصحة احتجاجا على ضرب مجانية العلاج وتدهور ظروف عمل الطواقم الصحية ,وهناك ليس بعيدا عن نخبة الأطباء اضرابات أخرى ينظمها أساتذة التعليم الثانوي والتعليم العالي و.. ,أما عن اضرابات الجوع فحدث ولاحرج حيث تكاد تونس تحطيم الرقم القياسي العالمي في عدد المضربين عن الطعام, لتدخل بذلك موسوعة « قينيس » ليس من باب السبق العلمي أو الاختراعي وانما من باب الاحتجاج السياسي والحقوقي.
تطورات عظيمة واستفاقة غير مسبوقة تشهد بها أيضا تحركات مناضلي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان,وكذلك أيضا تحركات القطاعات النقابية وهو مايعني أن نخبة تونس باتت في تسابق ومنافسة مع نظيرتها المصرية من أجل تحريك الجماهير وتحفيز الرأي العام الوطني والعالمي ضد سياسات الأبرتايد السياسي في حق المعارضين والشرفاء والمهمشين …
ولعل حالة الاستنهاض العام التي يعرفها البلدان تنبئ بأن القادم من الأيام يحمل معه الكثير من المفاجآت في جزء هام من ساحاتنا العربية.
أما عن طريقة تعاطي نظامي البلدين مع حراك النخب وممثلي الجماهير ,فهي بلا شك بلطجة المفلسين!,اذ أن استعمال القوة العامة والمجردة من العقل السياسي مع أفضل النخب التي هي ضمانة حسن سير السلطة القضائية ألا وهم المحامون والقضاة ,من شأنه أن يعري اخر ورقات التوت عن أنظمة العورة الأمنية والافلاس السياسي…
ليس هناك حماقة أكبر من ضرب المتضامنين مع القضاة وأنصار حركة كفاية أمام عدسات الكاميرا العالمية,وليس هناك شؤما وتخلفا سياسيا أحد من افلاس السلطة في تونس بعد اقتحامها لدار المحامي ومكتب العميد عبد الستار بن موسى وتعنيف المحامين حوالي قصر العدالة تحت مراقبة عدسة قناة الجزيرة!
اذا كان هذا يسمى انتصارا على حد فهم أنظمة الحكم الشمولي في كلا البلدين فان عين الحكمة والمنطق تقول ان ساعة من يقود الدفة في مصر قد أزفت وان ساعة جوقة الحل الأمني في تونس قد قربت وأن مصير البلدين الى الاصلاح والتغيير الحقيقي محتوم.
(*) كاتب وإعلامي تونسي
(المصدر: مجلة « الوسط التونسية » الألكترونية بتاريخ 31 ماي 2006)
عاد و ليته ما عاد .. كتاب لشاعر النضال بالأمس يمجّد اليوم حاكم دبي…
بقلم : عبد الباسط السعدي عاد هذا الأسبوع الصحفي و الشاعر و التونسي الحبيب الأسود إلى أرض الوطن قادما من الإمارات العربية المتحدة التي قضى بها 4 سنوات حيث إشتغل في عدد من الصحف و المجلات الصادرة من هناك .
و قد أتمّّ هذا الشاعر التونسي مؤخرا كتابة ديوانه الشعري الجديد الذي خصّصه ل « مدح سجايا و مزايا » حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم . و قد طبع هذا الديوان قيل عودته إلى تونس .
و يقع هذا الديوان المدحيّ الذي يحمل عنوان « العقد التونسي المنظوم في مدح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم » ( على حدّ تعبير صاحب الكتاب) ، في 300صفحة و يحتوي على أكثر من 5 آلاف بيت شعري و مائة قصيدة ( تصوّروا..) كلّها في « مدح » حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يصفه صاحب الكتاب ب » فارس العرب و شاعر العصر و الأوان و صقر الخليج » و غيرها من الصفات التي يلقيها هذا الشاعر في هذا الحاكم الخليجي الذي نال الحكم بالتوريث .
و إنّه لمن المؤسف و من المؤلم جدّا ، أن ينتهي الأمر بشاعر تونسي عُرف بنضالاته القوميّة و إلتزامه الشعري الشهير بقضايا الديمقراطية و الحرية في سنوات الثمانينات و التسعينات ، إلى أن يرمي نفسه في أحضان البلاطات و يتحوّل إلى شاعر يمجّد مناقب حاكم خليجيّ ، بدل أن يكتب كاشفا مندّدا بعهد الظلم و الظلام الذي كرّسه حاكم بلده تونس زين العابدين بن علي بسلاح الحديد و النار …
بعد ملف خُصص لـ « تدين الشباب التونسي » في العدد الأول، « الـحـجـاب » كان محور
ملف العدد الثاني من مجلة « حقائق » الصادر يوم 29 ماي 2006
في الحجاب
زياد كريشان
لا نعتقد ان احدا يملك إحصائيات دقيقة حول ارتداء النساء والفتيات، في تونس والعالم العربي، لما يسمى بـ«الحجاب» لكن الملاحظة العينية تفيد ان هذه الظاهرة قد تفاقمت بصفة ملحوظة في كل المدن والاوساط الاجتماعية، ولا سيما المتواضعة منها.. فبعض المدن والاحياء قد تغيرّ مشهدها البشري خلال هذه السنوات القليلة الماضية.. ولا نعتقد ان التقليل من انتشار هذه الظاهرة كاف لوحده لتلافي ما يمكن ان يكون من آثارها السلبية.
بداية نريد التنويه بانّه ليس من المعقول ولا المقبول أن يدّعي أحدهم التدخل في القناعات الذاتية للاشخاص وتقنينها فتلك حريّة أصلية لا يمكن مطلقا المساس بها. ما يعنينا هنا هو ظاهرة ما يسمّى بـ«الحجاب» ودوافعها الدينية والاجتماعية. مما لا جدال فيه هو تعدد وتنوّع أشكال العود الى التديّن (انظر تحقيق «حقائق» في العدد الماضي) لكن مسألة «الحجاب» تكتسي بعدا اضافيا لابدّ من الوقوف عنده. المسألة الجوهرية هي: هل تغطية كامل جسد المرأة، ما عدا الوجه والكفين، فرض ديني أم لا؟ قد يخيّل لبعضهم أننا ازاء قضية شكلية لا تستحق كل هذا التأكيد والالحاح… وأنه لا يوجد فرق كبير، في الواقع، بين اعتبار الحجاب فرضا دينيا او عادة محمودة أو حتّى تقليعة سيارة.
لو كان الأمر كذلك، كيف نفسّر إذن الإصرار الكبير لجهات عدة دينية وسياسية على اعتبار وجوب ارتداء الحجاب وأنه لا يكمل اسلام المرأة ولا يخلص إيمانها بغيره؟ اذا كان «الحجاب» عند دعاته ليس مسألة شكلية بل هو تعبيرة عينية على ما يجوز وما لا يجوز في الحياة اليومية والعلاقات بين البشر، كان لزاما على من يرى عكس هذا أن يولي المسألة ما تستحق. تطالعون في الدراسة الممتّازة لأستاذ كلية الشريعة التونسية الدكتور توفيق بن عامر تمحيصا شرعيا دقيقا لدعوى وجوب ارتداء «الحجاب» للمرأة المسلمة.. فلنترك هذه المسألة جانبا، اذ وفاها الأستاذ حقّها وحظّها، ولنقف فقط على تمسك جلّ المؤسسات الدينية الرسمية في العالم العربي والحركات الأصولية كذلك على حدّ سواء بأنّ شعار التمسك بالاسلام وقيمه أصبح «الحجاب» مظهره الخارجي الابرز عند النساء. هنالك نصوص عديدة في القرآن الكريم، فيما يعرف بالتشريعات والحدود، أكثر وضوحا من آية الخمار (وهو التسمية القرآنية الصحيحة، لأن الحجاب انّما هو ستار عازل شُرّعَ فقط لنساء النبي) ورغم ذلك نجد في هذه الأوساط نوعا من التساهل في عدم اعتبارها شرطا من شروط الاسلام؟
الحقيقة هي أهم بكثير من تأويل شرعي لنص قرآني. إن اللامساواة بين المواطنين هي جوهر المجتمعات التقليدية بما في ذلك الإسلامية منها. وتبرز هذه اللامساواة ـ أو التمييز ـ في ثلاثة مجالات أساسية: بين الحرّ والعبد، المرأة والرجل، المسلم وغير المسلم.. المجال الأوّل قد اندثر قانونا منذ ما يزيد عن القرن وإن بقيت مخلفاته الثقافية في بعض المجتمعات، والمجال الثالث كذلك تغير كثيرا، اذ عديدة هي المجتمعات العربية التي يمثل فيها المسلمون أغلبية ساحقة وبالتالي لا وجود فيها لمشاكل تذكر للأقليات ، أما بعض المجتمعات المشرقية التي تتعدد فيها الطوائف، كلبنان مثلا، فتحكمها توازنات سياسية جديدة ويمكن القول أنّ التمييز الفعلي بين المسلم وغيره لم يعد يهمّ سوى مجتمعات قليلة في العالم العربي كمصر على سبيل المثال..
ماذا بقي إذن من النّظام الإجتماعي القديم؟ التمييز بين المرأة والرّجل، والحجاب، في منظور دعاته لا مرتدياته بالضرورة، يمثل حجر الزاوية في هذا التمييز لأنّ من مستلزمات هذا اللباس احلال تمايز كامل بين الجنسين في المجتمع. فجسد المرأة هو الرهان الأساسي، اجتماعيا، للأصولية الدينية وللمؤسسة الدينية الرسمية والتي غالبا ما تصطف في هذه المسائل وراء الحركات السلفية فجسد المرأة هو الفتنة والميوعة وضياع الهوية وقيم الشرف والرجولة. فدون »حجاب » يصبح الجسد السافر للمرأة معول هدم لهويتنا الدينية وأصالتنا القيمية.. فالرهان، كما ترون، جوهري وليس شكليا وإن كانت الأغلبية الساحقة لمرتديات الحجاب غير واعيات به وربّما تكون بعضهن ضدّه تماما إلاّ أنّ الحجاب، منذ ظهور الأصولية الدينية السياسية في أواخر النصف الأوّل من القرن العشرين، يعتبر الرمز الاجتماعي الأكبر لهذه القوى الارتداديّة…
وما ييسّر النجاح النسبي لهذه الدعوة في هذا المجال بالذات هو انقطاع المؤسسة الدينيّة الرسميّة في العالم العربي عن كلّ نفس اصلاحي تجديدي منذ ما يزيد عن نصف القرن فأصبحت سندا للمتشددين من حيث لا تدري. إنّ تبيان خطإ -أو على الأقلّ نسبيّة- القراءة الأصوليّة في مسألة »الحجاب » ليس أمرا فقهيّا شكليّا بل لبنة أساسيّة لا لمحاربة الأصوليين -فليس هذا هو المقصود- بل لتمكين ملايين النساء العربيّات المسلمات من عيش تجربتهم الدينيّة دون الوقوع في فخّ الاستدراج السلفي… إنّ كلّ صوت يرتفع في هذا الاتّجاه إنّما هو لبنة خير تحمي عامّة المسلمين من غلاتهم المتزمّتين.. ولاشكّ أنّ هذه الأصوات هي الآن فرديّة ومعزولة في عالمنا العربي الكبير لكنّ ذلك هو قدر كلّ فكر تنويري في البداية.
(المصدر: العدد الثاني من مجلة « حقائق » بتاريخ 29 ماي 2006)
——————————–
الحجاب والآراء المتهافتة
حسن الممي، قاضي متقاعد
الفتاوى المتعلقة بحقوق المرأة وتحريرها ومركزها الاجتماعي في المجتمع الاسلامي كانت ولا تزال منذ القرن الماضي تتوالى حتى اصبح عددها يفوق الحصر كأنه ليس للمسلم في خضم هذا العصر التعيس من مشاكل وتحديات إلا حجاب المرأة وزيها وخمارها وزينتها وهل أن عملها بالادارة او سياقتها للسيارة حلال ام حرام؟! الى غير ذلك من الاراء المتهافتة السخيفة التي عافتها نفوسنا ومجّتها اسماعنا مما عطل نصف المجتمع الاسلامي عن الاسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وهكذا اصبحت قضية الحجاب، حجاب المرأة، على أيدي العديد من الفقهاء المتزمتين ورجال الدين المتحجرين قضية مركزية في مناطها الفصل بين الكفر والاسلام وعلى ذلك يذهب بعضهم الى ان المرأة المسلمة يجب الاّ تخرج من منزلها باعتبار ذلك فرضا من الفروض التي فرض الله على المرأة المسلمة القيام بها وجوبا وليس لها مخالفتها بحال وليس لها ان تخرج من منزلها او أن تعمل أي عمل استنادا الى قوله تعالى «وقرن في بيوتكن» (1) على اعتبار ان هذا الامر خطاب لجميع النساء المسلمات.
والصحيح انه خطاب لنساء النبي امهات المؤمنين دون غيرهن اي خاصة لهن وهذا واضح من سياق الآيات32 – 34 من سورة الاحزاب وعباراتها «يا نساء النبي لستن كاحد من النساء إن اتقين فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الاولى واقمن الصلاة واتين الزكاة واطعن الله ورسوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ان الله كان لطيفا خبيرا». وقد يقال ان ما خوطب به النبي وزوجاته خطاب لجميع المؤمنين ولكن في السياق ما ينفي ذلك فهو يقول: «يا نساء النبي» ويقول: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت». واهل البيت محمد صلى الله عليه وسلم وازواجه ويقول «واذكرن ما يتلى في بيتوتكن من آيات الله والحكمة».
وبدلالة انه عندما قصد سبحانه مخاطبة جميع النساء افصح عن ذلك مثال قوله تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهنّ ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما» وهكذا يتضح من الآيات. السابقة ان الله لم يفرض على المرأة المسلمة الحجاب فالمرأة المسلمة في نطاق سلوكها الاخلاقي والتزامها بالمبادئ المثلى في التعامل الاجتماعي مع الرجال والنساء حرة في زيّها وزينتها ومن ثمة فالحجاب ليس شعارا دينيا بل اصبح عند بعض النساء من المسلمات وغير المسلمات (موضة) يرتدينه لابراز ما يشيء بمفاتنهنّ في اغراء صارخ مغلف بشيء من الاحتشام الكاذب على معنى قول الشاعر العربي: اذا ما الغانيات«المحجبات» برزن يوما وزججن الحواجب والعيون أي وكحلن العيون انما العيون تكحل ولا تزجج ولكن حذف ما هو معلوم جائز على رأي علماء البلاغة. فالدين والايمان مكانهما القلب ومظهرهما الالتزام بالمبادئ الاخلاقية للاسلام.
فالمرأة المسلمة في ظل نصوص الآيات السابقة كانت بما تقرر لها في الدين من الحرمة ورعاية الحقوق تنعم في القرون الاولى للاسلام بمركزها الاجتماعي وشخصيتها القانونية حرة في تصرفاتها وزينتها ولباسها في حدود المساحات الشاسعة التي سمحت لها بها الآيات الكريمة السابقة. لكن مع تراجع الحضارة الاسلامية خيم على المجتمعات الاسلامية التخلف والانحطاط بسبب ثقافة سطحية نشرها العديد من الفقهاء المتزمتين ورجال الدين المحافظين الذين نصّبوا انفسهم بانفسهم متكلمين باسم الدين وأدى ذلك الى شل نصف المجتمع الاسلامي نتيجة لهذه الثقافة التي مازلنا نئن تحت وطأتها ونتخبط في مشاكلها الى الان. يبقى صحيحا انه في ظل الحماية الفرنسية قاوم التونسيون سفور المرأة التونسية الذي كانت تشجع عليه سلطات الحماية للقضاء على الهوية التونسية وقاد قادة الحركة الوطنية هذه الحملة الهادفة الى تمسك المرأة التونسية «بالسفساري» اي الحجاب الذي يغطي كامل جسدها مع علمهم ووعيهم بمخالفتها للقواعد الاساسية للاسلام التي تنادي وتدعو الى حرية المرأة. وقد اضفى على هذه الحملة اقتضاء لظروف وملابسات ذلك الزمان الشاعر المرموق عبد الرزاق كرباكة المعروف بتهتكه ومجونه صبغة دينية في قصيده الذي جاء في مطلعه البيت المشهور: أعقيدة الاسلام أيرضيك.
هتك الحجاب ومس شرع نبيّك؟
وكان شيخنا العلامة عبد الرحمان بن يوسف على تفتحه وبعد نظره يعلّق على هذا البيت بقوله: يرجى بهذا القصيد لصاحبه الدخول الى الجنة. كما تسببت في تقديم الاسلام لغير المسلمين اسلاما مشوها رسخ في اذهانهم انطباعات مخالفة للقواعد الاصولية والمبادئ الاساسية التي نادى بها الاسلام في نشر الايمان بالحق والخير في نفوس الناس. فكانت نتيجة هذه الثقافة ما نشاهده اليوم من قوانين تقاوم الاسلام وتشوّه مبادئه.
(المصدر: العدد الثاني من مجلة « حقائق » بتاريخ 29 ماي 2006)
——————————————
جدل حول ما سمّي خطأ بالحجاب
أ.د. توفيق بن عامر-جامعة تونس
ما انفك الجدل حول ما يسمى اليوم خطأ بالحجاب يثور من حين لاخر في مشرق العالم الاسلامي ومغربه وبينه وبين بعض الدوائر والاوساط في العالم الغربي ايضا ولا سيما منذ اواخر القرن الماضي وصولا الى المرحلة الراهنة من بداية هذا القرن (1). وليس غرضنا من هذا التّدخّل ان ننخرط في ذلك الجدل او ان نساهم فيه بمناصرة او مقارعة اصحاب هذا الموقف اوذلك او ان نتبنى الدفاع عن خيار مذهبي او ايديولوجي بعينه. فليس ذلك مما نهدف اليه انما هدفنا محاولة تصحيح بعض المفاهيم والتذكير ببعض الاضواء على جوانب من هذه المسألة ويعين على تجاوز اسلوب الجدل العقيم ومنهج حوار الصم الى فتح الآفاق امام الحوار المثمر. لعل اول ما يتعين تصحيحه في هذا المجال ان مصطلح «الحجاب» قد وقع تداوله في ذلك الجدل بشكل خاطئ يحرّف معناه الاصلي كما عرّفه اللغويون وكما ورد في النصوص الدينية وفي مقدمتها النص القراني. فالحجاب في اللغة هو الساتر الذي يحجب كأن يكون ستارا او جدارا او اي حاجز يخفي ما وراءه (2) وقد ورد في النص القرآني بهذا المعنى في ثماني سور (3) ولم يرد في الآية المشهورة بآية الحجاب وهي الاية 53 من سورة الاحزاب للدلالة على نوع خاص من اللباس يوضع على الرأس سواء اكان خمارا او غيره. وهذا نص الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ان ذلك كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك اطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا أزواجه من بعده ابدا ان ذلكم كان عند الله عظيما).
الستار الفاصل
لالحجاب كما هو واضح في هذه الآية قدورد بمعنى الستار الفاصل بين نساء الرسول عليه السلام والزائرين من المسلمين الذين كانوا يترددون على بيته. وقد تولى عليه السلام كما تواترت بذلك الأخبار اسدال ذلك الستار بنفسه امام مدخل البيت حتى اذا جاء المؤمنون لطلب حاجة من نسائه سألوهن من وراء حجاب اي من وراء ذلك الستار. يقول الطبري وهو الجامع لأقدم التفاسير واقربها الى عصر التنزيل في تفسيره لقوله تعالى : «فأسألوهنّ من وراء حجاب»: «يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن» (4) ويقول في عرضه لأسباب نزول الآية : «رواية عن انس بن مالك واصفا تصرف الرسول: «وضع رجله في اسكفة داخل البيت والاخرى خارجه اذ ارخى الستر بيني وبينه» (5) فالمستفاد من آلاية اذن امران اولهما ان المقصود بالحجاب هو وضع فاصل وحاجز يحجب عن العالم الخارجي وليس المقصود ارتداء لباس معين وثانيهما ان مسألة الحجاب هي مسألة خاصة بنساء الرسول ولا تشمل سائر النساء المسلمات وذلك مراعاة لمقامهن وتمييزا لهن عن عموم الناس وصونا لبيت النبوة فالخطاب في الاية يعنيهن دون غيرهن والمراد منه احتجابهن في بيوتهن ولزومهن لها وليس المراد الالتزام بزي خاص. حتى ان عمر بن الخطاب انتقد بعضهن عند خروجهن لقضاء حاجتهن بعد ضرب الحجاب عليهن وقال لسودة زوج النبي عندما مرت به: «قد عرفناك يا سودة» بالرغم من انها قد خرجت ليلا مجتهدة في الاختفاء عن الانظار لكنه تمكن من التعرف عليها من طول قامتها. لقد كان المراد اذن حجبهن عن الانظار ولزومهن بيوتهن لكن الاوضاع العمرانية ومرافق العيش كانت تضطرهن الى مغادرة البيت الى الخلاء لقضاء حاجتهن فاضطررن الى الاسترخاص من الرسول للقيام بذلك. يقول الطبري في روايتين عن عائشة قبل نزول الحجاب وبعده: الرواية الأولى: «ان ازواج النبي كن يخرجن بالليل اذا تبرزن الى المناصع وهو صعيد افيح وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر بأعلى صوته، قد عرفناك يا سودة، حرصا على ان ينزل الحجاب. قالت عائشة: فأنزل الله الحجاب»(6). الرواية الثانية: «خرجت سودة لحاجتها بعدما ضرب علينا الحجاب وكانت امرأة تفرع النساء طولا فأبصرها عمر فناداها يا سودة انك والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين او كيف تصنعين فانكفأت فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه ليتعشى فأخبرته بما كان وما قال لها وان في يده لعرقا فاوحي إليه ثم رفع عنه وان العرق لفي يده فقال: لقد اذن لكن ان تخرجن لحاجتكن» (7).
أحكام خاصة
ان الحكم الذي تضمنته الآية اذن هو حكم خاص بنساء الرسول والدليل القاطع على ذلك انه ورد في سياق احكام اخرى خاصة بهن تضمنتها الآية نفسها ولا يمكن بحال من الاحوال تعميمها على سائر المسلمات. فكما انه ليس لنساء الرسول ان يتزوجن من بعده فانهن لا يخاطبن الا من وراء حجاب مما يدل على خصوصية واضحة في هذه الاحكام تجعلها مقصورة على نساء الرسول دون بناته وامائه ومن باب أولى وأحرى دون سائر المؤمنات (8) وقد ادرك الصحابة هذه الخصوصية وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب نفسه الذي بينا دوره الفعال في مسألة الحجاب اذ روي ان احدى اماء الرسول وهي قيلة بنت الاشعث قد تزوجت بعد موته عكرمة بن ابي جهل ولما استاء ابو بكر الصديق من ذلك ذكّره عمر بانها ليست من نسائه وبأنه عليه السلام لم يحجبها وبذلك يتضح ان كلا من الحجاب ومن عدم الزواج هو امر خاص بزوجات النبي.(9) لكن بعض المفسرين والفقهاء من القدامى والمحدثين قد غضوا النظر عن تلك الخصوصية وتجاوزوها عن حسن نية وبدافع التقوى والحرص على ما نصت عليه الاية من «طهارة القلوب» المطلوبة من الجميع اقتداء بالرسول الكريم وبأمهات المسلمين (10) وانطلاقا من التمسك بذلك المبدإ مبدأ القدوة رأوا سحب ذلك الاجراء على سائر المؤمنات وتعميمه عليهن فما امر به الرسول واستجاب له من باب اولى وأحرى ان يستجيب له أتباعه وان يعملوا به وذلك قياسا على واجب الاتباع والطاعة لله ورسوله (11) بالرغم من انه عليه السلام قد نهى في بعض المناسبات عن ان يكلف المسلمون انفسهم ما يتكلفه لانه يتحمل من الامر ما لا يحتملونه ولكن دون جدوى (12) انه التوق الى المثل الأعلى وربما الافراط في في ذلك التوق والانجرار دون وعي الى ضرب من الغلو في الدين دين اليسر ودفع الحرج وعدم التكليف بما لا يطاق.
انزياح تاريخي
ولدينا انموذج من ذلك الانزياح نحو التعميم لعله من اقدم النماذج وهو ما جاء في تفسير الطبري لهذه الاية فهو رغم ادراكه لخصوصية الحكم المتعلق بمنع الزواج من نساء الرسول بعد موته معبرا عن ذلك بأسلوب الفقيه قائلا: «وما ينبغي لكم ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا لانهن امهاتكم ولا يحل للرجل ان يتزوج امه». (13) نراه ينزاح في تفسيره لقوله تعالى «فاسألوهن من وراء حجاب» عن المعنى الاصلي للخطاب الموجه صراحة الي ازواج الرسول فيقول «واذا سألتم ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي ليس لكم بازواج متاعا فاسألوهن من وراء حجاب» (14) ثم يمضي في هذا الانزياح الواضح الى التعميم المطلق على جميع النساء قائلا: «وقد قيل: ان سبب امر الله النساء بالحجاب………»(15) وهكذا نكتشف ان تعميم الخاص في هذه المسألة هو من اجراء المفسرين والفقهاء منذ عصور قديمة تحدد على الاقل بفترة ظهور المدونة التفسيرية والفقهية. وقد كان ذلك الاجراء التعميمي القائم على عملية الانزياح عن الحقل الدلالي للآية سببا من الاسباب التي افضت بالمرأة المسلمة عبر التاريخ الى الانقطاع التدريجي عن الحياة العامة ولم يكن بدون شك السبب الوحيد فهنالك عدة عوامل تاريخية واجتماعية ونفسية قد تظافرت مع ذلك السبب وتقاطعت معه ليكون لها اثرها في تبني ذلك الخيار وفي املاء نوع من القراءة للنص الديني يستجيب لمقتضياتها ويقصي امكانات قرائية اخرى ولعل من ابرز تلك العوامل الدور الذي كان يضطلع به الرقيق في ذلك المجتمع باعتباره مجسما للقوى العاملة وقائما بشؤون الاسرة مما من شأنه ان يعفي المرأة الحرة من المشاركة في الحياة العامة ويحملها على نوع من التميز بلزوم بيتها. (16) وليست غايتنا في هذا السياق تفصيل القول في تلك الاسباب والعوامل بقدر ما تتمثل في التأكيد على ان الفكر الاسلامي قد امكنه ان يتجاوز منذ عصر النهضة وظهور الحركات الاصلاحية ماشكلته تلك النظرة من عقبات في سبيل نمو المجتمعات الاسلامية وتقدمها فخاض ذلك الفكر مع ابرز رموزه كقاسم امين (17) والطاهر الحداد0 18) معركة تحرير المرأة واندماجها في الحياة العامة اي معركة الحجاب لقد كان هم اولئك المصلحين مشاركة المرأة في شؤون المجتمع بقطع النظر عن نوع اللباس الذي ترتديه اذ لم يكن الجدل قد دار حوله اذاك. لقد انتهت اذن معركة الحجاب وخرجت المرأة من الحصار الذي ضرب عليها وارتادت مقاعد الدرس وورشات العمل واضحت عنصرا نشيطا ومساهما فاعلا في بناء المجتمعات الاسلامية الحديثة ليس لنا اذن ان نعود القهقرى لان تلك المعركة قد انتهت وخرجت منها المرأة المسلمة منتصرة. رغم ما في ذلك الانتصار من تفاوت في تحقيق الاندماج الكامل من مجتمع اسلامي الى اخر نظرا التفاوت تلك المجتمعات في مجال التنمية العامة وتطور انماط الانتاج وفي الاستجابة للدعوات الاصلاحية التي نشأت في أوساط النخبة لم يتح لها الانتشار والتغلغل في الاوساط الشعبية الا بعد ظهورها بعقود من الزمن. في معنى الخمار
فلنتخلّ اذن عن مصطلح الحجاب حتى لا نقع في خطإ مفهومي وتاريخي وديني ولنتبن مصطلحا آخر لان موضوع الجدل الراهن ومجال المعركة المعاصرة هو موضوع اخر ومجال اخر. انه يتصل رأسا بنوع خاص من اللباس يصطلح عليه بالخمار. وهو كما فسره اللغويون قناع تضعه المرأة على راسها (19) فنحن اذن ازاء معركة الخمار لا معركة الحجاب. وهذه المعركة الثانية تضاربت فيها وجهات النظر بين فريقين يرى احدهما ان الخمار لباس اسلامي وفريضة اسلامية ويرى الفريق الثاني أنه زي طائفي ابتدعته فئة من المسلمين في العقود الاخيرة وشذّت به عن مجموع الامة والاسلام براء منه (20) لنبدأ مع هذا الاختلاف وهذه المعركة من حيث بدأنا مع الخلاف السابق والمعركة الأولى وخير البدايات ان نعود الى التراث لنستنطقه فأين اخلمار من الاسلام وما هي منزلته الشرعية؟ ان ظاهرة الخمار هي من الظواهر التي نجدها في التراث الاسلامي بنوعيه الديني والتاريخي لكنها دينيا من اجتهاد الفقهاء في الفروع وليس فيها من النصوص ما هو قطعي الدلالة .(21) وما دامت كذلك فهي لا تعتبر من الاصول الملزمة التي يعتبر التخلي عنها معصية من المعاصي اما تاريخيا فقد وجدت هذه الظاهرة ولكنها لم تكن عامة او قارة او منتظمة في كل العصور اذ نجد المرأة المسلمة عبر التاريخ تلبس الخمار وقد تستعيض عنه بالقناع وقد تلبس نوعا اخر هو النقاب وقد تستغني عن كل ذلك وتكون سافرة وذلك حسب سنها ووضعها الاجتماعي (22). فلنتأمّلْ قبل النظر في اجتهاد الفقهاء في النصوص الدينية الاصلية وليس في النصوص الثواني ونعني النصوص الاصلية الكتاب والسنة وبالنصوص الثواني التفاسير والمدونات الفقهية. اجل لقد ورد مصطلح الخمار في النص القراني في صيغة الجمع «خُمُرٌ» وذلك في الاية 31 من سورة النور وهي الاية المشهورة عند المفسرين والفقهاء باية الخمار وهذا نصها: « وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمورهّن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهنّ او آبائهن أوآباء بعولتهن او ابنائهن او ابناء بعولتهن او إخوانهن أو بني إخوانهن او بني اخواتهن او نسائهن او ما ملكت أيمانهن او التابعين غير اولى الاربة من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عوارات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون». ان الخطاب كما هو واضح في هذه الاية موجه الى عموم المسلمات لا كما كان الشأن بالنسبة الى اية الحجاب الخاصة بنساء الرسول عليه السلام فلنتأمل إذن في هذا الخطاب لنحاول ضبط دلالته والوقوف على المراد منه مستعينين في ذلك بالظروف والملابسات الخاصة بنزول الاية اي بما سماه العلماء «اسباب النزول». ان المطلوب من المسلمات في هذا الخطاب امران اولهما: ان يضربن بخمرهن على جيوبهن وعلّة هذا الامر فيما رواه المفسرون ان النساء في عصر الرسول كن يلبسن غطاء على رؤوسهن ولكنهن كن يسدلنه وراء ظهورهن فتنكشف بذلك صدورهن فجاءت الاية تأمرهن بجعل ما يتدلى من ذلك الغطاء على الصدر لاخفائه لانه موضع فتنة لا على الظهر كما كن يفعلن (23) والجيب هو اعلى الجلباب الذي كانت المرأة ترتديه اذاك (24). فالغاية من الامر اذن هي اخفاء الصّدر وستره عن الناظرين اما نوع اللباس سواء اكان خمارا او جيبا وجلبابا فقد كانت المرأة العربية ترتديه حسب التقاليد الاجتماعية قبل نزول الآية بهذا الامر فالنص اذن لم يأت بفرض نوع من اللباس خمارا كان او جلبابا (25) وانما اتى بالنهي عن كشف مواضع الفتنة والاغراء من جسد المرأة وهي المعبر عنها بالزينة التي لا ينبغي للمرأة ابداؤها الا لزوجها. وبناء على ذلك لا تعتبر الاية قطعية الدلالة في الامر بنوع خاص من اللباس هو الخمار وليس غيره ولا بضرورة تغطية الرأس وقد يعترض على ذلك بان الخمار مذكور في هذه الاية وبان مجرد ذكره يعني ان الاسلام قد تبناه وهو اعتراض مردود اذ كثيرة هي الاشياء التي ورد ذكرها في النص على سبيل وصف الموجود زمن التنزيل لا على وجه التّبنّي لها بالضرورة. وهي اشياء افرزها الواقع الاجتماعي. ولنا عبرة في ذلك بظاهرة الرق المذكورة في القرآن وهي سابقة لنزوله ولا يمكن ان نعتبر ذكره لها وتعامله معها تبنيا لها واقرارا وتزكية لاننا ندرك ان روح الرسالة يهدف الى المساواة وتحرير الانسان من العبودية. فليست العبرة اذن بحرفية النص وانما بالمبادئ والاهداف والمقاصد التي يرمي إليها. والاسلام في قضية الحال قد اتى بقيم ومقاصد ايضا ولم يأت بانواع من الفصالة للالبسة وتتمثل تلك القيم فيما نحن بصدد الخوض فيه في ضرورة التزام المسلمة بالمظهر المحتشم مراعاة للاخلاق الحميمة والسلوك المستقيم. تلك هي الدلالة القطعية لهذه الاية ويؤكدها ما تعرضت له من ضرورة ستر المؤمنات لزينتهن الا ما ظهر منها. قضية الزينة
وهنا نأتي الى ا لامر الثاني المطلوب من المرأة المسلمة والى القضية الثانية التي تثيرها هذه الآية: انها قضية الزينة التي تصنف فيها الى نوعين: زينة ظاهرة يمكن للمرأة إبداؤها للعموم وزينة خفية ليس لها ان تبديها الا لزوجها ومحارمها لكن الاية ليس فيها تفصيل لهذين النوعين ولاضبط للحدود الفاصلة بينهما. مما يفتح الباب للاجتهاد على مصراعيه لأن الدلالة هنا غير قطعية ايضا. وهو ما دفع بالعلماء الى الاستناد الى نصوص اخرى لتجاوز ظنية تلك الدلالة . فاعتمدوا الحديث النبوي المروي عن عائشة عن النبيّ انه قال: «لا يحلّ لآمرأة تؤمن بالله واليوم الاخر اذا عركت ان تظهر الا وجهها ويديها الى هاهنا» في اشارة الى نصف الذراع وكذلك الخبر الذي رواه ابوداود عن عائشة من ان اسماء بنت ابي بكر دخلت على رسول الله عليه السلام فقال لها: «يا اسماء ان المرأة اذا بلغت المحيض لم يصلح ان يرى فيها الا هذا» مشيرا الى وجهه وكفّيه لكن هذين الحديثين ليسا من الاحاديث الموثوق بها اذ لا تجدهما في الصحاح وقد انفرد بروايتهما ابوداود في سننه ولم يكن ابو داود من المتشددين في قبول الاحاديث. بالاضافة الى كونهما من آحاديث الاحاد أي ليسا من المتواتر ولا المشهور. ومن المتفق عليه بين العلماء ان احاديث الآحاد لا تعتبر اصولا في سن الاحكام. (26) وهكذا نجد انفسنا مع الحديث ايضا إزاء نصوص غير قطعية فلا مستندَ قطعيا اذن في الكتاب والسنة لوجوب التزام المرأة بنوع خاص من اللباس او بوضع غطاء على الرأس يعرف بالخمار. وما دامت تلك النصوص غير قطعية الدلالة فيما يتعلق بالكتاب وظنية الثبوت فيما يتصل بالحديث فقد اضحت المسألة مجالا مفتوحا لاجتهادات المفسرين والفقهاء فكيف كانت تلك الاجتهادات؟ لقد سبق ان قلنا ان من بين ماورد ظني الدلالة في النص القراني هو مسألة الزينة الظّاهرة اذ لم يقع تحديدها وتفصيل القول فيها فانبرى هؤلاء يحددونها ويفصلون القول فيها مستندين في ذلك الى اقوال السابقين والصحابة والتابعين كابن مسعود وابن عباس وقتادة وعطاء وسفيان الثوري وغيرهم. وقد اختلف العلماء في تحديد المقصود بالزينة الظاهرة فرأى بعضهم انه الحلي والكحل ورأى غيرهم ان المراد بالزينة التي يجوز للمرأة اظهارها لغير زوجها ومحارمها هو الثوب الذي ترتديه مستدلين على ذلك بقوله تعالى: «خذوا زينتكم عند كل مسجد» (27) في حين يرى فريق ثالث ان المراد بها الوجه والكفان (28) وطبيعي ان يقع الاختلاف في امر هو محل اجتهاد وليس محددا بالنص. ومع ذلك سعى بعض المفسرين والفقهاء الى تقنينه وتحديده بترجيح احد هذه الاقوال على سائرها. ومن اوائل الذين قاموا بعملية الترجيح هذه ابن جرير الطبري في تفسيره فرغم اقراره بأن «ذلك مختلف في المعني منه بهذه الاية» رأى ان اولى تلك الاقوال بالصواب هو الرأي الثالث الذي رواه عن سفيان الثوري وعن الضحاك واعتمد في تغليب ذلك الرأي وترجيحه على عملية قياسية ايضا فقام بقياس ما اختلف فيه العلماء على ما اجمعوا عليه ليصل بذلك الى موقف موحد. وفحوى ذلك القياس هو المطابقة بين هيأة المرأة في الحياة العامة وهيأتها عند اقامتها للصلاة فقال ما نصه: «وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُني بذلك الوجه والكفان يدخل في ذلك اذا كان كذلك: الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وانما قلنا ذلك اولى الاقوال في ذلك بالتأويل لاجماع الجميع على أنّ على كل مصلّ ان يستر عورته في صلاته وان للمرأة ان تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وان عليها ان تستر ما عدا ذلك من بدنها الا ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اباح لها ان تبديه من ذراعها الى قدر النصف. فاذا كان ذلك من جميعهم اجماعا كان معلوما بذلك ان لها ان تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لان ما لم يكن عورة فغير حرام اظهاره. واذا كان لها اظهار ذلك كان معلوما انه مما استثناه الله تعالى ذكره بقوله «الا ما ظهر منها» لان كل ذلك ظاهر منها» (29). قياس عجيب
انه فعلا قياس عجيب! كما لو كان القصد منه جعل المرأة في حالة صلاة دائمة وعبادة مستمرة وكأنما ليس من حقها بعد أداء واجبها نحو خالقها ان تنتشر في الارض وان تبتغي من الرزق كغيرها من المخلوقات. كيف تجوز المماثلة والمقايسة بين الاوضاع المختلفة والهيئات المتباينة؟ وكيف تسوغ المطابقة بين مقام الصلاة وما يستوجبه من خشوع عند الوقوف بين يدي الله عز وجل ومن تجرّد من مشاغل الدنيا وسائر المقامات التي يحق للمرء فيها ان يخوض غمار الحياة؟ اليس في جعل المرأة في خشوع دائم حمل لها على نوع من الرهبانية حيث لارهبانية في الاسلام؟ ثم اليس في قوله عليه السلام «لا تقبل صلاة الحائض الا بخمار» دليل على انها في غير ذلك الموقف معفاة منه؟ لقد كان من نتائج ذلك القياس ان اعتبر الفقهاء جسد المرأة كله عورة ما عدا الوجه والكفّين وان قرئت النصوص ورشحت للدلالة على هذا الضرب من التأويل الرجولي لاهداف الرسالة ومقاصد الوحي. انها قراءة قد امتزج فيها الديني بالاجتماعي ووظّفت فيها النصوص لمقتضيات اعراف واوضاع اجتماعية كنا المحنا الى بعضها عندحديثنا عن مسألة الحجاب. وذلك هو دَيْدَنُ الفقهاء انهم يجتهدون في سنّ الاحكام على ضوء ملابسات واقعهم التاريخي وكما يعملون على تكييف الواقع لمقتضى النص يحاولون ايجاد الصيغ الدينية الكفيلة بملاءمة ذلك الواقع والمناسبة لما يمتزج به من مصالح واعراف. ولكن ما العمل والفقه جزء من الشريعة ان لم يكن الشريعة كلها؟ ذلك ما كنا نعنيه عندما قلنا ان ما يسمى بالخمار هو جزء من تراثنا الاسلامي والتاريخي صاغته الرؤى الفقهية على ضوء واقعها الاجتماعي. الا ان التراث الاسلامي قد تضمن الى جانب هذه الرؤية القائمة على القياس والتي كانت لها السيادة عبر مختلف العصور الاسلامية لاسباب ثقافية واجتماعية رؤية اخرى تبناها بعض المفسرين والفقهاء واعتمدوا فيها على العرف باعتباره عندهم اصلا من اصول التشريع فرأوا ان ضبط الجائز اظهاره من الزينة او تحديد المقصود بالظاهر منها موكول الى الاعراف والتقاليد التي تختلف باختلاف البيئات والعصور وجوّزوا كشف ما تدعو الضرورة او العادة الى كشفه وما الاصل فيه الظهور دون تعمّد الاظهار وذلك تجنبا للمشقة في عملية السّتر ورفعا للحرج (30). فقد تعددت الرؤى اذن حول هذه المسألة لصيغتها الاجتهادية ومن الواضح ايضا ان هذه الرؤية الثانية هي اكثر مراعاة للتطور وتبدل الاوضاع والعادات ولكنها قد همشت لصالح الرؤية الاولى. سبيل الاجتهاد
وهكذا نجد انفسنا اليوم امام خيارين لا ثالث لهما: اما ان نختار سبيل الاجتهاد في تلكم الرؤى على ضوء مقتضيات عصرنا وواقع مجتمعاتنا الراهن باعتماد قراءة واعية للنصوص التأسيسية تميز بين القيم الجوهرية والثابتة التي تشكل مقاصد الرسالة والتي منها نستمد عقيدتنا في خلودها واجتهادات السابقين في الصيغ التي تبنوها لتطبيق تلك القيم فتكون لنا بذلك رؤانا واجتهاداتنا ايضا في التعامل مع تلك القيم وفي تجسيمها على ارض الواقع…. او ان نختار سبيل التقليد لرؤى الماضين على انها هي المراد قطعا ونهائيا من رسالة الاسلام دونما تمييز بين ارادة السماء وتمثلات البشر وتصوراتهم واعتبار الخلود في تلك الرسالة مرادفا للجمود.واذا ادرك المسلم المعاصر ان الاجتهاد هو من واجباته الدينية المؤكدة وان لااجتهاد الا على ضوء اوضاع العصر وعلومه ومعارفه كان عليه ان يدرك ايضا ان نقطة الانطلاق في العملية الاجتهادية هي مراجعة التراث وان تلك المراجعة تقتضي التمييز فيه بين الابعاد الدينية والمكونات الاجتماعية.
الهوامش
1) انظر على سبيل المثال مجلة الملاحظ التونسية الصارة في 18 جانفي 2006 وبعض التصريحات الرسمية على الصحف اليومية والردود عليها على صفحات الانترنات. ويراجع ايضا الجدل الدائر بين مفتي الجمهورية المصرية والمستشار محمد سعيد العشماوي على صفحات مجلة «روز اليوسف» بتاريخ 12 و27 جوان .1994
2) مادة: حجب في لسان العرب والمعجم الوسيط.
3) سورة المطففين (15) والشورى وفصلت وص (32) والاحزاب (53) ومريم (17) والاسراء (45) والأعراف (46).
4) الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن ـ ط . بيروت 1405 هـ ج 18 ص 325
5) المصدر نفسه ص 323
6) المصدر نفسه ص 326
7) المصدر نفسه
8) مما يؤكد هذه الخصوصية ما جاء في سورة الاحزاب نفسها الاية 32 وهي قوله تعالى «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء» وكذلك ما جاء في هذه السورة من مضاعفة العذاب لهن اذا أتين بفاحشة: «يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين» الاية .30 هذا فضلا عن نهي الرسول عن طلاقهن او استبدالهن بزوجات أخريات بعد نزول الاية 52 من سورة الاحزاب: «لا يحل لك النساء من بعد ولا ان تبدّل بهن من ازواج» 9) »مما يثبت تلك الخصوصيّة أيضا أنّ الحجاب أضحى الرمز المميّز بين زوجات الرسول وإمائه وقد أدرك الصحابة أن صفيّة بنت حيي قد أضحت زوجة له عندما حجبها (أخرجه البخاري ومسلم)
10) ان الرسول هو القدوة وهو الذي ورد الامر بطاعته واتباعه ولم يرد مثل ذلك بالنسبة الى ازواجه.
11) سورة الاحزاب الآية 21 «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة».
12) من أمثلة ذلك النهي ما ورد فيما يتعلق بالاعتكاف وذلك عندما هم بعض الصحابة بتقليد الرسول .
13) الطبري جامع البيان ص .326
14 المصدر نفسه ص .325
15) المصدر نفسه.
16) راجع اطروحتنا حول «الحضارة الاسلامية وتجارة الرقيق» منشورات الجامعة التونسية مطبعة صوجيم تونس 1996 ـ 1998
17) ألّف قاسم أمين كتاب «تحرير المرأة» وكتاب «المرأة الجديدة».
18) الف الحداد كتابه المشهور: «امرأتنا في الشريعة والمجتمع».
19) راجع مادة: خمر في لسان العرب لابن منظور وفي القاموس المحيط لِلْفيروزابادي .
20) راجع تصريحات وزير الشؤون الدينية التونسي لبعض الصحف اليومية (الصباح والشروق).
21) المستشار محمد سعيد العشماوي: حقيقة الحجاب وحجية الحديث ـ الكتاب الذهبي مؤسسة روز اليوسف القاهرة 2002 ص 65 .
22) المرأة في البادية كانت سافرة وهي في ذلك تختلف عن نساء الحضر.
23) القرطبي ـ التفسيرـ طبعة دار الشعب ص 4622
24) جيب القميص هو ما ينفتح على الصدر انظر لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للْفيروز بادي)
25) الجلباب ثياب شامل لجسد المرأة وهو بمثابة الإزار وتعتبر آية الجلابيب وهي الاية 59 من سورة الاحزاب من المستندات المعتمدة في بيان ما امر به الشارع من ضرورة ستر المرأة والتزامها الحشمة في المظهر والسلوك وهي قوله تعالى: «يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما». وبذلك يتضح ان التزام الحشمة يمكن تحقيقه بالبسة وهيئات مختلفة وليس بالتزام لباس محدد ضرورة قال تعالى: ولباس التقوى ذلك خير» الاعراف .26
26) انظر حول حجيّة حديث الآحاد: احمد محمد شاكر الباعث الحثيث في شرح اختمار علوم الحديث للحافظ ابن كثير ط .3 ص 20 وما بعدها.
27) سورة الاعراف ـ الاية 31
28) الطبري ـ جامع البيان ـ ص 304 ـ 305
29) المصدر نفسه ـ ص 306 ـ الملاحظ في هذا الشأن أن المفسر التونسي محمد الطاهر بن عاشور يرى ان الشعر هو من الزينة الظاهرة .
30) راجع ـ الكشاف ـ للزمخشري ـ ط . طهران والقدير للشوكاني ـ ط بيروت ـ ج 4 ص 24
(المصدر: العدد الثاني من مجلة « حقائق » بتاريخ 29 ماي 2006)
عن النقد والانتهـازيـيـن ومن عاضدهم!!
رضا الملولي (*)
(1)
النقد في عمقه، محاولة بسيطة لرصد الظواهر غير السليمة وسعي صادق لتقويم ما نراه مجانبا للواقعي والطبيعي. وعادة ما يكون الناقد والمنقود على طرفي نقيض، كما يمكن ان يكونا منتميين الى نفس القطاع او المجال المعرفي، الاجتماعي. لكن هل يقبل كل منهما الاخر؟ وما هي حدود تقبل الآراء الناقدة لدى من يتعرّضون للنقد؟! وهل يكفي النقد لتقويم ما نراه معوجّا؟!
(2)
النقد يتطلب تربية على تقبله وقدرة على التحمل قد لا تعادلها أحيانا أيّ قدرة أخرى. وقد يتمّ تصنيف النقد الى عادي وجارح، وهذه التصنيفات يقوم بها عادة المعنيون بالنقد أو المنتصرون لهم أو الدائرون في فلكهم. فما الضيّر ان كان النقد عنيفا والغاية منه ردمُ هوّة قائمة أو النهوض بقطاع من القطاعات أو تقويم أداء غير سليم، يشكل استفحاله خطرا على المجتمع برمّته.
(3)
النقد يتطلب ملكة ووعيا حادين، بدون هذه الملكة النقدية نقع في التبسيط المخلّ أو التهويل غير المجْدي الذي لا يفيد الجميع. وفي غياب هذه الملكة، لا يجوز الحديث عن ناقد، فهي ملكة تقويض وبناء في نفس الوقت، في حدّها الحدّ بين الجدّ واللّعب… هي ملكة فاحصة، لا تلوي على شيء عندما يتّصل الأمر بشؤون الناس والدّنيا، وهدف الناقد باستمرار رصد الظواهر المنقودة بغية اصلاحها ولن يكون هدفه ـ كما يدّعِي من يترصّدونه – تثبيط العزائم أو تقويض البناء. وهذا ما يجرّنا الى التّساؤل: هل نحن مؤهلون لتقبل الآراء المخالفة؟ وما هي حدود هذا التقبّل؟ وهل يتم السعي ـ في حال تقبل رأي يخالفنا ـ الى اصلاح ما وقعنا فيه من أخطاء؟ كلها أسئلة متصلة بالثقافة السائدة ومدى قدرتها على اشاعة روح الاختلاف والتعددية بدل التلويح بالرأي الواحد وثقافة التّماثل!
(4)
وعن مكانة الناقد ومدى استعداد الجميع لتقبل آرائه، لست متشائما في هذا الصدد، حتى لو اجتمع الانس والجان على تدمير الناقد وشل حركته الهادفة. ان الحياة اختيار، دروبها موزّعة بين المخبرين والوشاة والسعاة والصادقين والملتزمين والمناضلين والسّفهاء والبؤساء والطامعين والمهرولين والمسؤولين.. فأمام هذا الكم الهائل من الاصناف البشرية على الانسان ان يختار دربه وقدره هو التمسك بحقه في الاعتراض ورفض مصادرة رأيه، وان سعى الى عكس ذلك وتوخّى النفاق والتقية سبيلا لحياته، تحول إلى كائن ضئيل فاقد لأبسط مكونات وجوده .
(5)
هناك فئة بشرية، تعيش بيننا، همّها الوحيد الحفاظ على مصالحها وحيثما ولت وجهها تجد المصلحة قائمة. المصيبة عندما تفقد هذه الفئة البعض من امتيازاتها، في تلك اللحظة تأمّل المفردات المستعملة من قبل عناصر هذه الفئة والتقييمات التي يروجونها وكيف تتحول البلاد برمتها في نظرهم الى جحيم لا يطاق. السبب: زوال الامتيازات والمصالح. والأمثلة على ما نذكر عديدة، والامثلة اسمية عينيّة فهم يعيشون معنا ويسممون الهواء النقي تماما كتسميم نماذج بشرية اخرى له وهذه النماذج اخطر من الأولى، اذ قد تجدها في مواقع محددة من المسؤولية. وسئل مرة أحدهم عن سبل مواجهة التطرف الديني فأجاب قائلا: «اخرتها آش نيّة، ماي سبحة ولحية»!! هؤلاء من اخطر ما يوجد ولا تعرف لهم عادة موقفا مما يحدث ومع ذلك يدافعون بضراوة وشراسة عن امتيازاتهم التي لا يستحقونها..
وفي السياق نفسه، هل يعقل ان ترفض الدولة والمجتمع الزي الطائفي وتتم الدعوة الى تطبيق سياسة دينية واضحة المعالم، وفي المقابل ـ وهنا وجه المفارقة ـ تجد صلب الحزب الحاكم وفي مواقع محددة من المسؤولية من تتباهى بحمل الزي الطائفي وربما قدمت تعليلا سخيفا لذلك، يعتبر آية من آيات الانتهازية!!
(6)
وهناك نماذج بشرية اخرى، وفي سياق تبريرها لرفض النقد والنقاد، تسعى إلى الهيمنة على كلّ شيء وتحول المواطنين الى كائنات ضئيلة. مفهوم المواطنة ومشاركة الجميع فيها لا وجود له في قاموس هذه النماذج، تريد الاستحواذ على المعاني والأموال والمنافع والمقابر ولم لا ديدان القبور.. النتيجة: مضارّ بالجملة للبلاد والعباد وقد يتطلب جبر هذه الاضرار التي مسّت الافئدة والعقول سنين طويلة.
(7)
قد يتعامى الانتهازيون عن الحقيقة التالية: المشروع الحضاري للسيد الرئيس أتى لمواجهة الانحرافات التي سادت في النصف الاول من الثمانينات، ومن ابرز هذه الانحرافات التكالب على النفوذ وتزييف الحقائق وكلها تنتمي الى قطاع الهرولة السياسية!!
(*) عضو بمجلس المستشارين
(المصدر: العدد الثاني من مجلة « حقائق » بتاريخ 29 ماي 2006)
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل المرسلين
تونس في 29/05/2006
بقلم محمد العروسي الهاني
مناضل دستوري تونس
الذاكرة الوطنية تتذكر يوم غرة جوان 1955
عيد النصر المجيد وعودة القائد الزعيم المجاهد الاكبر الى أرض الوطن بعد غربة ومنفى في فرنسا دامت 3 أعوام و5 أشهر من 18 جانفي 1952 الى 31 ماي 1955
في مثل هذا اليوم الأغر التاريخي عاد المجاهد الاكبر الزعيم الحبيب بورقيبة الى أرض الوطن حاملا لواء النصر وبشائر الاستقلال الداخلي. . عاد بعد غيبة طويلة وبعد أن اطمأن على انتهاء المفاوضات التونسية الفرنسية بصفة رسمية.. وكانت بصمات الزعيم طبعت كل المفاوضات الخاصة في أهم مراحلها وأدقها.. عاد الزعيم الاوحد الى أرض الوطن حاملا لواء النصر وخرج الشعب بأكمله لاستقبال القائد المظفر..
يوم تاريخي خالد
يوم غرة جوان 1955 لن يمحى من الذاكرة الوطنية.. وهو يوم مشهود خرج فيه الشعب التونسي بكل شرائحه وفآته لاستقبال القائد المجاهد الاكبر.. حبيب الشعب.. في أعظم مهرجان شعبي لم تعرفه تونس في تاريخها المعاصر، خرج الشعب بكل أصنافه ومن كل جهة ومدينة وقرية وريف والصحراء.. جاؤوا من كل فج عميق لاستقبال قائدهم وزعيمهم المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة في أورع استقبال وأصدق بهجة وأعمق وفاء وأنبل حب.. في يوم خالد مشهود سجله التاريخ بأحرف ذهبية.
استقبال رائع وتنظيم محكم بدون أمن وبوليس
لا يخفى في تلك الفترة الامن بيد الفرنسيين.. والحكم مازال عند السلطات الاستعمارية.. ومقاليد الحكم عند فرنسا.. ورغم ذلك كان التنظيم رائعا ومحكما ودقيقا وشعبيا..
من قام بذلك يا ترى بخطة محكمة من مدينة حلق الوادي الى معقل الزعيم بباب الجديد بتونس..
قام بذلك الدستوريون الغيورون على الوطن.. والاوفياء للثوابت والقيم.. والمخلصين لقائدهم.. والمكبرين لزعيمهم.. والمعترفين بالجميل لرمز وطنهم وحبيبهم بدون منازع.. وكانوا يلقبونه بالمجاهد الاكبر وبعضهم يطلق عليه اسم « سي الحبيب »..
قلت استقبله الشعب في أروع استقبال لم تعرفه تونس من قبل.. وأكبر تحدي للاستعمار الفرنسي آنذاك.. ويبرهن و يؤكد على ان الشعب التونسي قادر على تسيير دواليب الحكم باقتدار وكفاءة وحماس..
وما التنظيم الرائع دون تدخل الامن الفرنسي إلا تأكيد على قدرة رجال الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد -الذي أرساه المجاهد الأكبر ورفاقه في المؤتمر التاريخي الخارق للعادة عام 1934 بمدينة قصر هلال يوم 02 مارس 1934 -الذي استطاع في زمن قصير تأطير الشعب التونسي وتعبئة الأمة وتوعية الجماهير الشعبية.. التي كان الفضل في صقل مواهبها وإذكاء الروح النضالية وتغذيتها ونشر الوعي الوطني الشامل إلى مدرسة الحزب.. مدرسة النضال والتضحية والوفاء.. وإلى ما غرسه الزعيم الحبيب بورقيبة من قيم ومبادئ وثوابت في نفوس الشعب التونسي.. وما حققه من تأثير في القلوب بخطبه الملهمة الحماسية التي فعلت فعلها الشديد في النفوس الطيبة.. هذا التأثير الايجابي الفاعل جعل استقبال يوم غرة جوان 1955 يتم على أحسن صورة وأقوى تنظيم.. وما أحوجنا اليوم الى هذه الروح والى هؤولاء الرجال والى مثل هذه المواقف..
غرة جوان 1955 يبقى راسخا في القلوب
مهما كانت المحاولات ومهما كانت الغايات للتقليل من شأن يوم غرة جوان 1955 عيد النصر فإن الاحرار الوطنيين والدستوريين الاوفياء لم ولن ينسوا يوم غرة جوان 1955 وأبعاده ونتائجه وايجابياته..
فهو المنعرج الحاسم واليوم الاغر في جبين هذه الامة.. وطالع الخير والمؤسس لانطلاق البناء حجرة بحجرة ولبنة بلبنة ومرحلة بمرحلة بنفس المهندس والمصمم والمخطط والشاطر والذكي الذي عرف كيف يسلك الطريق والمسالك رغم صعوبتها والمسالك ووعرتها.. وأهل مكة أدرى بشعابها..
ومن الواجب الوطني احياء هذه الذاكرة العزيزة التي هي السبب الاصلي في كل ما تحقق وانجز من بناء شامخ يعود الفضل فيه الى غرة جوان 1955 ..
كيف ننسى هذا اليوم ، كيف نتجاهل هذا اليوم ، كيف نتنكر لهذا التاريخ ، كيف يتجرئ أحدهم ليقترح حذف هذا اليوم الخالد الاغر بدعوى أنه يمثل حدثا شخصيا كلا وألف كلا وألف كلا..
يوم غرة جوان 1955
لم يكن حدثا خاصا أو قضاء مصالح
غرة جوان 1955 هو نقطة الانطلاق لاستقلال تونس وسيادتها.. ونقطة انطلاق للاستقلال التام.. ونقطة انطلاق لبناء الدولة العصرية والجمهورية.. والتشريعات الرائدة في تونس كلها منبعها وأصلها وهدفها غرة جوان 1955 ..
فالزعيم بورقيبة لم يعد بعد غيبة من أجل تجارة أو حدث شخصي.. ولم يذهب الى فرنسا من أجل السياحة والترفيه والنزهة وفي طائرة خاصة … ولم يذهب ويعود من أجل ربح شخصي..
كلا وألف كلا..
الزعيم بورقيبة اعتقلته فرنسا في آخر مرحلة ،المحنة الثالثة بعد المحنة الاولى 1934 – 1936 والمحنة الثانية 1938الى 1943 والمحنة الثالثة 1952 الى 1955.. من أجل تونس.. 3 محن متوالية.. سجون ومنافي وأبعاد.. ومحنته اختيار له من 1945 الى 1949 في المشرق -مصر- في الغربة من أجل تونس.. سبعة عشر سنة ونصف ثمن العودة..
يوم غرة جوان 1955 من أجل تونس وشعبها
كيف يسمح كاتب في صحيفته أو شخص يقترح حذفها
هذا العيد وبعضهم ينعته بأنه حدث شخصي لا حول ولا قوة إلا بالله… وبعد أن نجح بعضهم في حذف عيد النصر المجيد 55 تمادى في حذف يوم آخر هو عيد الثورة المباركة 18 جانفي 1952 ..عيد الثورة الوطنية الشجاعة وصعود الجبال من طرف خيرة المناضلين والمقاومين..
هذا اليوم هو الآخر وقع حذفه لأنه كما يتصورن ويوهمون ويتقلبون بأنه يوم يقترن باعتقال الزعيم المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة يوم 18 جانفي 1952 من فراشه بمعقل الزعيم بالعاصمة وهو مريض.. وكان الاعتقال الاخير في الربع الساعة الاخيرة كما سماه الزعيم.. هذا اليوم هو الاخير وقع حذفه وعدم الاعتراف به كعيد وطني للثورة …
ونعرف أن في كل العالم شرقه وغربه الشعوب والامم تحتفل بأعيادها الوطنية وبعيد ثورتها.. وكل شعب يعتز بتاريخ ومجد ثورته التي هي الشرارة الاولى والانطلاقة لمرحلة الاستقلال والتحرر والسيادة..
الجزائر الشقيقة مثلا حيا للشعوب العربية يجب الاقتداء بها
ولنا في الشقيقة الجزائر القدوة الحسنة في دولنا العربية التي بقت والحمد الله وفية لعهودها وثورتها المباركة العظيمة.. وكل عام تحتفل الجزائر بعيد الثورة الوطنية غرة نوفمبر 1954 .. وأكثر من ذلك هناك شرط وطني أخلاقي ونضالي هام يقتضي أن يكون المترشح لرئاسة الدولة الجزائرية شارك في الثورة الجزائرية لمن كان عمره يسمح له بالمشاركة..
تلك قيم وثوابت النضال ومبادئ الشعوب والامم المتحضرة التي تنطلق من تاريخ الثورة..
فرنسا لن تنسى ذاكرتها
وعيد الثورة 14 جويلية 1789 دوما في الذاكرة.. والاحتفال بعيد فرنسا 14 جويلية لن تتخلى عليه الجمهورية الخامسة أو حتى السادسة …
لماذا نحن في تونس -بعد أن هبّ الشعب على بكرة أبيه يوم غرة جوان 1955 لاستقبال قائده في يوم مشهود- نتخلى على هذا اليوم.. وكيف نتخلى على يوم 18 جانفي 1952 عيد الثورة.. ولماذا لم يصدع مناضل أو مقاوم من المجلس الاعلى للمناضلين ويدلي برأيه حول إعادة الاحتفال بهذا العيد المجيد.. ولماذا لم يتكلم مسؤول من التجمع اليوم ويقول..
« والله حرام عليكم حذف أعيادنا الوطنية »
وطمسها وتجاهلها وأصبحنا نحتفل مرة واحدة بمرور نصف قرن على عيد الثورة في 18 جانفي 2002 وبعدها الصمت الرهيب سياسيا ووطنيا وإعلاميا.. وحتى المناضل الذي يريد أن يكتب ليحي الذاكرة لم ينشر له مقال إلا بمواقع الانترنات..
موقع هام جعلنا نطلع على كل ما يجري من حولنا وفي دولنا العربية
بفضل مواقع الانترنات أصبحنا نقرأ كل المعطيات والمعلومات والرأي والرأي الآخر وليس هناك انحياز واضح لموقف معين.. وتلك رسالة الصحافة السامية.. والحمد لله بفضل هذه المواقع أصبحنا نكتب على عيد النصر المجيد غرة جوان 1955 –
هذا العيد الذي حذف في بلادنا ولا يسمح بالكتابة عنه ولو أسطر لأن التعليمات واضحة مثل كل الخطوط الحمراء …. الأخرى….
والصحافة أصبحت معروفة والاتجاه واضح…. المدح التنويه…. الحاضر فقط أما التاريخ فحدث ولا حرج…. الا إذا كان فيه تشويه وإساءة….
الاساءة والتحامل هي الوحيدة المسموح بها
إذا أردت أن تهاجم بورقيبة وتتحدث على الخلاف والفتنة وتكون مع الجانب الثاني مرحبا بك بقلمك « الشجاع » السيال الهام وأنت من « الفرسان الشجعان ».. أما أنك ترد وتصحح وتوضح فالصحافة مغلقة وصامتة ولا تسمح لك بذلك..
تلك هي صحافتنا.. ونقول في المناسبات التواصل موجود وأحيائنا لذكريات وطنية متواصل.. لكن في الحقيقة كلام غير مطبق في الواقع.. ومناسبة عيد النصر المجيد غرة جوان 1955 أكبر دليل على التعتيم الاعلامي..
لماذا ا هذا الصمت لماذا هذا الخوف لماذا هذا التنكر الملحوظ.. لماذا هذا التجاهل للتاريخ..
بذرة الخير مازالت موجودة والخير في الدنيا
في عام 1979 عندما أصدرنا في شعبة الصحافة الحزبية مجلة الوفاء في جوان 1979 وأطلقنا عليها اسم مجلة الوفاء.. كان البعض القليل يقول لنا إن شاء الله يتواصل الوفاء.. ولم نعرف ما يقصد وقتها هؤلاء.. واليوم فهمنا المقصود.. والحمد الله بعد 27 سنة مضت على إصدار الوفاء ..
أول عدد من المجلة الوفاء
بقى الوفاء راسخا في أذهاننا وفي وجداننا وفي قلوبنا وعقولنا ولم ولن نتغير أو نتنكر للثوابت.. وكما قال المناضل الحسين المغربي مدير جريدة بلادي في حفل تكريمه في إطار شعبه الصحافة الحزبية عام 1981 بعد التحويرات التي أدخلها الحزب على صحفه.. بعد تعيين مدير الحزب الجديد المنجي الكعلي آنذاك.. قال أخونا الحسين المغربي كلمة خالدة مؤثرة جاء فيها: « أن المناضل يتحمل مسؤولية ظرفية تسند إليه وتنتهي وتلك سنة الله في خلقه »..
وهناك صفة أبدية في المناضل موهوبة يمنحها الله تعالى ويصقلها الانسان.. هي المسؤولية الذاتية النضالية الوطنية التي لا ينزعها منك أي انسان ولا يفتكها أي نظام سياسي.. لانها مسؤولية شخصية مبنية على قناعة وإيمان ولا تسند ولا تهدى من طرف أي أحد وليس لاي أحد فضل في إسنادها.. فهي موهوبة من الله وباطنية وأخلاقية..
هذه الصفة النضالية لا تنزع لمجرد قرار إداري أو عزل أو بمجرد وشاية أو « هذا متعنا والاخر ضدنا » كما قال أحدهم مؤخرا.. « هذا ضدنا لانه يقول الحقيقة « ..
والحمد الله هذه الصفة التي أشار إليها أخونا الاكبر الحسين المغربي هي التي فعلت فعلتها لتجعلنا من صف الاوفياء لهذه القيم والثوابت والمبادئ..
جمعية الوفاء للمحافظة على تراث زعيمنا
هي مدرسة أخلاقية مستمدة من مدرسة حزب التحرير.. لن ولم نتخلى عنها.. وإحيائنا لذكرى عيد النصر المجيد غرة جوان 1955 يندرج ضمن هذا المفهوم.. ولن نتجاهل ذكرى عيد الثورة المباركة 18 جانفي 1952 .. وستبقى هذه الذكرى النبراس والضمير الحي دوما لايقاد هذه الشعلة النضالية..
وإن الجمعية الفتية التي تأسست في غضون العام المنصرم وعلى وجه التحديد يوم 29 ماي 2005 تقدمت يوم غرة جوان 2005 الذي يصادف الذكرى الخمسين لعيد النصر.. وأحيت الجمعية هذه الذكرى الخالدة بالتوجه إلى المنستير وتلاوة فاتحة الكتاب على روح الزعيم رحمه الله..
ثم أرادت الجمعية أن تقدم الملف القانوني للحصول على التأشيرة في غرة جوان 2005 الى مقر ولاية تونس دائرة (الشؤون السياسية).. وحسب قرار الهيئة التأسيسية التي كلفت السيدان محمد الصغير داود رئيس الجمعية والحاج محمد العروسي الهاني الكاتب العام للجمعية لتقديم الملف الى الولاية في يوم عيد النصر..
ولكن مع الاسف حصل ما لم يكن في الحسبان في دائرة الشؤون السياسية ولمسنا عدم الجدية ونوع من المماطلة.. واستغربنا من هذا التصرف الذي لا يليق خاصة في حق جمعية تحمل اسم رمز الوطن وباني الدولة.. وتذكرنا أن سلك الولاة الذي تأسس يوم 23 جوان 1956 كان بدعم وحس من الزعيم بورقيبة.. كيف اليوم هذا الجهاز الاداري الهام لم يتحمس لبعث جمعية تنفع ولا تضر..
وقد أشرت في المقال الصادر يوم 24-05-2006 بمواقع الانترنات كل التفاصيل بأمانة حول ما جرى يوم غرة جوان 2005 .. وأفراد الجمعية ومكتب المتابعة المتركب من السادة محمد الصغير داود ومحمد العروسي الهاني وعمر بن حامد وجعفر الاكحل والدكتور المختار الرابحي وعبد الحميد العلاني مازال هذا المكتب يأمل في الاستجابة لطلب التأشيرة..
خاصة وكما أسلفت الملف الآن برئاسة الجمهورية منذ يوم 13 جوان 2005 على إثر إعادته من الولاية.. قرابة العام ونحن في حالة انتظار والامل في شخص رئيس الجمهورية وكريم عنايته ودعمه لبعث الجمعيات.. وخطابه الاخير في يوم الجمعيات يؤكد هذا الحرص الرئاسي.
والله ولي التوفيق
قال الله تعالى : » من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا » صدق الله العظيم
محمد العروسي الهاني
كاتب عام جمعية المحافظة على تراث
الزعيم الحبيب بورقيبة
اليوم الذي اغتيل فيه سمير قصير واكتشفت جثة الصحافي الليبي ضيف الغزال
كمال العبيدي (*)
لا شكّ في أنّ من بين علامات « الشقاء العربي »، التي حضّ سمير قصير على تأمّلها، مرور عام كامل اليوم على اغتياله دون كشف النقاب عن مخطّطي ومنفّذي العملية الارهابية التي أودت بحياته وهو في ربيع العمر والعطاء للصحافة والبحث العلمي والتحوّل الديموقراطي العربي المحتجز.
كما أن من علامات « الشقاء العربي » أن يظلّ حتى اليوم قتلته وأسيادهم ينعمون بالحرّية ولا تطاولهم أيادي المحقّقين في جريمتهم النكراء. علما أنّه لم يكن خافيا على أقرباء سمير قصير وأصدقائه وطلاّبه وقرّائه في لبنان ودول أخرى من هي الجهات التي ظلّت على مرّ السنين تناصبه العداء وتتوعّد بكسر قلمه واسكات صوته الذي كان يحسن التّعبير عن أجمل ما ينبض به القلب والعقل العربيين الشغوفين بالحرية…
هل ينفع التذكير اليوم بأنّ نبأ اغتيال من أصبح يعرف بشهيد « الحرّية والديموقراطية » و »بيروت ربيع العرب » نزل نزول الصاعقة حتّى على الذين لم يكونوا في يوم من الأيام من أصدقائه أو طلاّبه أو قرائه الأوفياء؟
شاءت الصدف أن التقيت عددا كبيرا من هؤلاء – وجلّهم من الكتّاب والصحافيين العرب المتعطشين للحرية – وأدركت مدى حزنهم وحسرتهم على رجل شاهده بعضهم مرّة واحدة على شاشة التلفزيون يتحدّث عن الديموقراطية كوصفة دواء شاف من استبداد الحكّام العرب وعن ضرورة تحرير العقل العربي من خرافة « الماضي الذي لا يضاهى » وتعويد الانسان العربي على النظر الى الواقع والمستقبل بثقة وعقلانية…
حصل جلّ تلك اللقاءات في الصيف الماضي أي قبل العملية الارهابية التي نجت منها بأعجوبة مي شدياق – عجّل الله بشفائها وعودتها الى سالف تألّقها المهني- والتي تلتها بعد أسابيع عدة عملية ارهابية أخرى ذهب ضحيتها جبران تويني محرّر واحدة من أعرق الصحف العربية وأكثرها وفاء لأخلاقيات العمل الصحافي وتجاوبا مع دعاة الحرّية والديموقراطية في الدول البوليسية العربية.
شدّد الكتّاب والصحافيون في تلك اللقاءات على ضرورة تنظيم حملة عالمية لحضّ الحكومة اللبنانية على التعاون مع الأمم المتحدة من أجل البحث عن مدبري عملية اغتيال سمير قصير ومنفذّيها ووتقديمهم للمحاكمة. وشرحوا أنّ افلاتهم من قبضة العدالة والعقاب الذي يستحقونه سيشجّع بدون شكّ أعداء الحرية والديموقراطية على اقتراف جرائم أخرى لاسكات المزيد من الكتّاب والصحافيين العرب.
وصلت أصداء هذه اللقاءات والتحذير من خطر اغتيال صحافيين آخرين في لبنان وغيره من الدول العربية اذا ما أفلت قتلة سمير قصير ومن يقف وراءهم من قبضة العدالة الى أصحاب القرار في الأمم المتّحدة والاتّحاد الاوروبي والحكومة اللبنانية قبل المحاولة الفاشلة لاغتيال مي شدياق والتحاق جبران تويني بقافلة شهداء الحرية والديموقراطية.
انّ ما ينفع حقّا اليوم أكثر من الحسرة و التذكير بالجرح العميق الذي حفره نبأ اغتيال سمير قصير في نفوس عشّاق الحرية والديموقراطية العرب وازداد عمقا باغتيال جبران تويني، وكذلك باكتشاف جثّة الصحافي الليبي ضيف الغزال (صحافي ليبي عُثر على جثته مشوهة يوم 2 حزيران 2005 في احدى ضواحي بنغازي. وكان قد اختطف قبل حوالى اسبوع من ذلك) مشوّهة في اليوم نفسه الذي اغتيل فيه قصير، هو تنظيم حملة دولية عاجلة من أجل القاء القبض على مدبري عمليات اغتيال هؤلاء الصحافيين ومنفذيها ومحاكمتهم بصورة عادلة.
انّ الامساك عن القيام بمثل هذه الحملة لن يزيد أعداء الحرّية والديموقرطية الاّ اصرارا على مواصلة التخطيط لاسكات كل المدافعين عن الحرّية والمناهضين للاستبداد والفساد، سواء كانوا صحافيين أو محامين أو قضاة أو أكاديميين. وذلك بشتى الوسائل بما فيها الاغتيال السياسي.
وما يجري اليوم من قمع للصحافيين والقضاة والمحامين والآلاف من دعاة الديموقراطية في دول مثل مصر وتونس لم يحدث حتّى أيام الاستعمار ويدل على أنّ أجهزة الأمن في هذه الدول قد لا تتردد لحظة واحدة في ارتكاب أبشع الجرائم من أجل حماية الجالسين عل كراسي السلطة رغم أنف شعوبهم.
(*) صحافي تونسي – مستشار « لجنة حماية الصحافيين » و »الشبكة الدولية لحرية التعبير »
(المصدر: صحيفة « النهار » البيروتية الصادرة يوم 1 جوان 2006)
إحالة العقول على التقاعد!
بقلم: آمال موسى
بقدر ما تبدو مسألة الإحالة على التقاعد صادمة للطبيعة البشرية المتعلقة بالحياة وبحب العمل وإثبات الذات في الوجود، إلا أنها تعتبر عند الكثيرين فرحة وإعلانا عن طور آخر من العمر، يكون فيه الفرد في حل من كل ارتباط وظيفي.
هكذا هو شأن الأشخاص العاديين الذين أتعبتهم الإدارة وثقلها واستحواذها على أغلب ساعات سنوات شبابهم وكهولتهم. بل أنه عندما ندقق في الأمر نجده ايجابيا وضروريا، لأن الاحالة على التقاعد، تعني في المقابل توفير المكان الشاغر للجيل الجديد الذي سيحمل مشعل الوظيفة.
ولكن ماهو مقبول يُصبح في وضعيات أخرى غير منطقي بالمرة، خصوصا عندما يفرز مفعولا عكسيا ويكون ضد الخطوط العامة المرسومة.
ويأتي مجال التعليم العالي على رأس القائمة، حيث أنه من حق وزارة التعليم العالي أن تحيل كل أستاذ بلغ العقد السادس من عمره على التقاعد ولكن هل من المعقول أن لا تسمح للأساتذة الباحثين المحالين على التقاعد بمواصلة الاشراف على البحوث وتأطير الباحثين اعتبارا من تاريخ إحالتهم على التقاعد؟!
إن هذه التراتيب التي تمنع الأساتذة الجامعيين تكليفهم بمهام التأطير والإشراف على البحوث، نعتقد أنها في تناقض مع طبيعة الخطاب التربوي المكرس في بلادنا وذلك للأسباب التالية:
1- إن الاكاديمي ينضج بتقدم التجربة والخبرة، والعمل المعرفي يخضع إلى خصائص تختلف عن طبيعة مجالات العمل الأخرى. لذلك فإن الأستاذ الجامعي بوصوله إلى الستين سنة، يكون قد وصل إلى مرحلة النضج العلمي الحقيقي بعد سنوات طويلة من التدريس ومن المتابعة العلمية، فكيف يتم الاستغناء عن إسهامه الحيوي في التأطير والاشراف على البحوث عندما يصبح يانعًا وكبيرا في العلم وأكثر قدرة على العطاء والإضافة والتأطير.
2- نعتقد أنه من باب مصارحة الذات، من المهم الاعتراف بالمستوى العلمي المتواضع للجيل الجديد من الأساتذة الجامعيين والذين يحتاجون إلى الاستفادة المباشرة من الجيل السابق وذلك بالتعرف إلى طريقة تأطيرهم والاستفادة من تجربتهم وتوجيهاتهم في حين أن ترك المجال للمتخرجين والشباب في المؤسسات الجامعية وإحالة أصحاب التجربة الجامعية والتأطيرية المعرفية المعتقة، سيزيد في تواضع المردود العلمي للجامعة التونسية.
3- إن من يتأمل الخطاب التربوي المعلن في بلادنا، يجد أنه يدعو إلى تعزيز قيم المعرفة والحاجة إلى الكفاءات ويربط هذه الحاجيات بالتحديات الاستراتيجية التي نعيشها.
كما أنه في الوقت الذي تشتد فيه الدعوة إلى خوض معركة التقدم بأكثر قوة وأنه يجب أن نكون غير غائبين في مرحلة عصر المعلومات، نُفاجىء بمسألة عدم السماح للأساتذة الباحثين المحالين على التقاعد بمواصلة الإشراف على البحوث والتأطير!
إن الرهان على البحث العلمي وعلى العلماء يعني أن نستفيد منهم أقصى ما يمكن وأن نبتكر أشكالا لاستفادة ذكية وذات جدوى وتلبي أهداف بلاد تسعى إلى التقدم وإلى التنمية الشاملة التي تستند أولا إلى المعرفة ورجالها، خصوصا أن عدد الطلبة في ارتفاع.
فلماذا تحال العقول على التقاعد المزدوج: من التدريس ومن التأطير ولصالح مَنْ!؟
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 1 جوان 2006)
الإسلاميون في مواجهة معضلة الدولة
د. رفيق عبد السلام*
ولد الخطاب الإسلامي الحديث مسكونا بهاجس إعادة بناء الدولة الإسلامية منذ بواكيره وذلك بسبب الصدمة العنيفة التي ولدها الاجتياح الاستعماري الغربي، وما تبع ذلك من تفكيك متتال لأسس الاجماع الأهلي ومباني الشرعية التقليدية. وقد جاءت صدمة إلغاء الخلافة العثمانية في تركيا سنة 1925 مشفوعة بإعلان علمانية الدولة ليدفع بالمشغل السياسي، وعلى رأس ذلك مطلب الدولة الإسلامية إلى صدارة أجندة تيار الإسلام المعاصر. وذلك خلافا لحركة الإحيائية الإسلامية للقرن التاسع عشر التي تركز مجهودها الأعظم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عرى الشرعية السياسية الإسلامية ممثلة في الكيان العثماني المنهك وقتها ومواجهة التهديد الغربي المتفاقم، كما هو شأن السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبدة وبقية تلاميذهما في الشرق والغرب الإسلاميين.
لم يكن غريبا أن تكون نشأة الحركة الإسلامية الحديثة في العالم العربي ممثلة في الإخوان المسلمين في مصر بقيادة الشهيد حسن البنا سنة 1928 متزامنة مع إلغاء الكيان السياسي العثماني بعد تسلم كمال أتاتورك شؤون الحكم في العاصمة العثمانية. مضافا إلى ذلك تبلور رؤية نافية لصلة الدين بالسياسة ولوجود دولة في الإسلام أصلا كان قد انبعث بعضها من داخل المؤسسة التعليمية التقليدية. فالكل يذكر الزوبعة الصاخبة التي أثارها كتاب علي عبد الرازق المعنون « الإسلام وأصول الحكم » سواء أكان داخل الأزهر الشريف أم في الأوساط الفكرية الإسلامية الواسعة، وما لحق ذلك من ردود واسعة هدف أغلبها إلى نقض قراءة علي عبد الرازق وتأكيد صلة الإسلام بالسياسة وشؤون الحكم.
ففي مواجهة هذه الموجة المتجهة إلى عزل الإسلام عن الشأن السياسي ومشاغل العصر نزع الخطاب الإسلامي الحديث إلى رفع شعار الدولة الإسلامية وإكسائها بالفضائل الأخلاقية والسياسية بصورة غير مسبوقة. ولا ننسى هنا أن التيار السياسي الإسلامي الحديث ولد متأثرا بالثقافة السياسية السائدة في المنطقة، وفي الساحة العالمية عامة، وهي ثقافة كانت في مجملها تتمركز حول التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي عبر أدوات الدولة. ولذلك لم يكن غريباً أن يتمركز خطاب النخبة الاستقلالية في العالم العربي بعد رحيل الجيوش الاستعمارية الغربية وقيام « الكيانات الوطنية » حول الدولة باعتبارها ضامنة التقدم الاقتصادي والتحرر السياسي وقاطرة الالتحاق بركب « التمدن » الذي عدّ الغرب الحديث نموذجه الأكمل، وقد مثل النموذج الشيوعي في روسيا، والفاشي في إيطاليا، وقبل ذلك نموذج يعاقبة الثورة الفرنسية نوعا من الإغراء والجاذبية الخاصة للنخب الاستقلالية التحديثية في العالم العربي، بل لنخب العالم الثالث عامة. وتُقدّم التجربة الناصرية في مصر، والبومدينية في الجزائر، والبعثية في العراق وسورية والبورقيبية في تونس مثالا بارزاً على هذا التوجه. فعلى الرغم من أن علاقة التيار الإسلامي لم تكن ودية في الغالب مع تيارات العلمنة السياسية والحركة الاستقلالية (مع تفاوت في نوعية هذه العلاقة من قطر عربي إلى آخر طبعا) إلا أنه مع ذلك لم يكن بمنأى عن الأجواء السياسية والثقافية التي نشأ ضمنها واشتغل ضمن مناخاتها، بما في ذلك الثقافة السياسية للنخب العربية بجناحيها الليبرالي و العروبي اليساري المتماهية في مقولة الدولة الحديثة.
وما يزيد في تعميق المشكل أن الخطاب الإسلامي الحديث يميل في صورته الغالبة إلى أسلمة دولة الانقسام والتجزئة التي ورثت الكثير من الأزمات والأعطاب الهائلة منذ الحقبة الاستعمارية الثقيلة، وذلك عبر أسلمة التشريعات القانونية والمظاهر العامة لهذه الدولة ثم نعتها بالدولة الإسلامية. فحينما يتحدث الإسلاميون عن الدولة الأسلامية فهم يقصدون غالبا أسلمة الأوعية السياسية القطرية التي يتحركون داخلها مكتفين بإسقاط مقولات السياسة الشرعية، ونموذج الخلافة على نحو ما تحدّث عنهما الفقهاء والأصوليون القدامى على دولة التجزئة الحديثة.
أما أولئك الذين يطالبون بدولة الخلافة الجامعة كما هو حال حزب التحرير فهم في الغالب يتعلقون بصفاء المثال والنموذج بمنأى عن الواقع السياسي العيني ومشكلاته الراهنة. لا ننسى هنا أن أهم الشعارات التي حركت شباب الجبهة الإسلامية في الجزائر مثلا، وألهبت حماستهم الجياشة هو شعار الدولة الإسلامية، مراهنين في ذلك على « أسلمة » دولة الاستقلال التي ورثتها جبهة التحرير الوطني عن الاستعمار الفرنسي، بعد أن رأوا فيها خروجا على أسس الثورة و »خيانة » لتضحيات مجاهديها، وحينما يتحدث الإسلاميون السودانيون عن دولة الإسلام فهم لا يقصدون بذلك شيئاً سوى حدود الدولة المهدية على نحو ما ورثتها عن نظام الانتداب البريطاني. ولا نتحدث هنا عن الإسلاميين الإيرانيين الذين ورثوا دولة ذات تقاليد قومية ثقيلة الوطأة عملوا على صبها في قالب من الأممية الشيعية، وفعلا لو قدر لإسلاميي الجزائر والمغرب مثلا أن يتسلموا مقاليد الحكم في بلديهما ليس ثمة ما يضمن غياب الاحتكاك والمنازعات حول مسألة السيادة على الصحراء الغربية وقس على ذلك في أقطار عربية كثيرة. إنّه ميراث الدولة الحديثة.
لم يكن الخطاب الإسلامي واعيا بما فيه الكفاية للخطورة الهائلة التي تختزنها الدولة الحديثة بأجهزتها الأمنية والعسكرية الضاربة جذورها، وتنظيمها الإداري الضخم، وما تتمتع به اليوم من قدرة هائلة على الرقابة والضبط، كما أن هذا الخطاب لا يمتلك الوعي الكافي بحجم القطيعة التاريخية الحاصلة بين النموذج التاريخي للدولة السلطانية القديمة ونظام الدولة القطرية الناشئ بعد تجربة الاجتياح الاستعماري الغربي، أو بين مقولة الإمامة أو السلطنة التي تحدثت عنها أدبيات السياسة الشرعية ومزايا المُلك وبين دولة التجزئة المستحدثة في العالم الأسلامي الفسيح، ولعل هذا ما يجعل من الخطاب الإسلامي يبدو خليطا غير منسجم من ترسبات « الآداب السلطانية » القديمة ومن تكييفات حداثية سياسية في قالب « الدولة الإسلامية« .
تأسست الدولة الحديثة على ادعاءات شمولية واسعة النطاق، من ذلك مقولات السيادة العليا والمطلقة لهذه الدولة، ومبدأ الطاعة والخضوع الكاملين، إلى جانب احتكار ومركزة أدوات العنف بيدها، والانفراد بمشروعية استخدام هذا العنف ضمن ما أسماه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر بالاستخدام المشروع للعنف. لا يجب النظر هنا إلى الدولة الحديثة في نسختها الغربية الديمقراطية، أو من زاوية وجهها الليبرالي والرفاهي، فهذه مظاهر مستجدة بعد الحرب العالمية الثانية، وليست بالصورة الكاشفة عن المسار التاريخي المركب، وحتى الدموي المخيف، الذي لازم نشأة الدولة القومية الحديثة.
الدولة الحديثة هي أشبه ما يكون بالآلة الصماء التي لها معقوليتها الإكراهية الخاصة التي لا تعبأ كثيرا بنوعية الايديولوجيا أو المطالب الأخلاقية والدينية، أو نوعية الأشخاص القائمين عليها. ما يهم هذه الدولة بدرجة أولى هو تحقيق مبدأ النجاعة العملية وضمان الانضباط والسيطرة على أجساد وأرواح رعاياها بالاكراه الخفي والمعلن إن لزم الأمر، ولذلك تعمل هذه الدولة على تجيير الدين واستخدام ما هو « مقدس » و »مدنس »، وتوظيف كل شيء لصالح الانفراد بالسيطرة والخضوع، ودع عنك هنا التصورات المثالية التي تصور الدولة الإسلامية وكأنها الفردوس المخلص من شرور العالم وخطاياه وطريقا إلى جنة الله الموعودة في هذا العالم.
اقترن الخطاب الإسلامي الحديث بقدر غير قليل من المثالية في تصور السياسي عامة وموضوعة الدولة خاصة، إذ يخيل للكثير من النشطاء الإسلاميين أن الدولة الإسلامية كفيلة بالسيطرة على مجمل الصعوبات التي يعانيها الجسم الإسلامي العليل وتجسيد التطلعات والأحلام الكبرى، ويزداد الأمر خطورة حين يتم اعتبار هذه الدولة المؤتمن على الدين والصوت العميق « للأمة ». فيتم تبعا لذلك مطابقة الدين في الدولة ومصالح المجتمع في مصالح الدولة. ولا ننسى هنا أن هذا الاهتمام المركزي يالسياسي عامة وبالدولة خاصة يعد من ملازمات العلمنة السياسية الحداثية، التي قامت على إعلاء دور السياسي في إعادة تشكيل شروط الوجود الانساني وإعادة هندسة البنية الاجتماعية عن طريق الفعل السياسي المبرمج، هذا الاهتمام الذي عملت الاتجاهات الشمولية على دفعه إلى حدوده القصوى.
ولكن المشكلة ما أن يتحرك الإسلاميون باتجاه هذه الدولة حتى يكتشفون اتساع الهوة التي تفصل بين المثال والواقع، أو بين فكرة الدولة الإسلامية المخلِّصة التي يحلمون بها، وبين واقع الأزمات والحصار الذي يطبقه عليهم نظام دولي ثقيل الوطأة يمسك بنسيج الاقتصاد، والسياسة، ويتحكم في حركة الأساطيل والجيوش، فتتحول أحلامهم الوردية إلى كوابيس مخيفة. فالدولة الإسلامية التي أريد لها أن تكون الأداة السحرية لأسلمة المجتمع وتجاوز حالة العطالة التاريخية التي ألمت بالوجود الإسلامي على امتداد القرون الثلاث الأخيرة إذا بها تتحول إلى عبء ثقيل على المشروع الإسلامي نفسه.. وهكذا تغدو الهدف الأسمى والأعظم الذي يهون دونه كل شيء. أما الطليعة الإسلامية التي دخلت عالم السياسة مفعمة بطهورية روحية وأخلاقية نبيلة فإذا بعناصرها يتحولون إلى ممتهنين سياسيين يفوقون في ذرائعيتهم السياسية ذرائعية مكيافيلي، وتجربة الإسلاميين السودانيين ونزاعاتهم الساخنة والباردة تغني عن مزيد في التفصيل.
إن الدولة القومية الحديثة ومهما تكن هويتها الفكرية والعقائدية ليست مجالاً لتجسيد الفضائل الأخلاقية والسياسية بقدر ما هي موضع المصالح والقوة. علماً وأن كل دولة لها ميولات طبيعية نحو التمدد والسيطرة بغض النظر عن نوعية القائمين عليها ومدى التزامهم الأخلاقي والديني. ولعله لهذا السبب بالذات وجب النظر إلى الدولة الحديثة بأنها الشر الأعظم، وإن كان شراً لا بد منه، ومن ثم العمل على الحد من غلوائها وكف يدها عن التمدد والسيطرة على المجتمع والاستيلاء على الدين، أي العمل على التخفيف من وطأة الدولة وتجريدها من ادعاءاتها الشمولية في تمثيل الدين والجماعة السياسية بدل إكسائها بهالة قدسية، مع العمل علىتحويل ما أمكن من صلاحياتها إلى الجماعات الأهلية المستقلة، بحيث لا يبقى منها إلا ما كان ضروريا لإدارة الاجتماع السياسي وليس أكثر.
وتبقى جملة من الأسئلة الكبرى مطروحة بقوة على هذا الجيل، وربما الأجيال القادمة من المفكرين والقادة الإسلاميين وعلى رأسها: إلى أي مدى يمكن « أسلمة » وتطويع هذه الآلة الضخمة والعمياء المسماة بالدولة القومية الحديثة؟ إلى أي حد يمكن التعايش بين هذا النمط من الدولة الهائلة التي فرضت نفسها خلال القرون الخمس الاخيرة بحروبها وحدودها الدموية وبين المطالب الأخلاقية والدينية التي ينادي بها الإسلاميون؟
ومن هنا فإن كل من يتناول موضوع الدولة الحديثة عليه أن يدرسها كما هي ويتعمّق في فهم نشأتها ومساراتها وسماتها الداخلية (آليّات عملها وأجهزتها وأنظمتها وسلطتها) وعلاقاتها بالمجتمع وبالنّظام العالمي السائد وإلاّ وجد نفسه، إذا ما وصلها، فرداً أو جماعة، منساقاً وراءها محكوماً بها من حيث ظنّ أنّ بمقدوره أن يحكمها أو يتحكّم فيها
(*) من تونس : كاتب وأستاذ جامعي ـ لندن
(المصدر: مجلة « موازين »، الكتاب الخامس أيار/مايو 2006)
وصلة الموضوع: http://www.mawazeen.com/index.php?art/id:90
صفقة بين إيران والولايات المتحدة … هل هي احتمال وارد؟
حسن نافعة (*)
هل الحوار المباشر بين الولايات المتحدة وإيران أمر وارد؟ وإذا جرى مثل هذا الحوار، فهل يمكن أن يسفر عن صفقة ترضي إيران والولايات المتحدة وتتوصل إلى حلول وسط في مختلف القضايا والملفات العالقة بينهما، بما قد يسمح، على الأقل، بنزع فتيل الأزمة الحالية القابلة لإشعال حرب إقليمية واسعة النطاق؟ وما هي الشروط المقبولة لصفقة متكافئة بين البلدين؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت مثار أخبار ومعلومات وتعليقات وتحليلات شتى، رغم تناقضها، حفلت بها الصحافة العالمية والإقليمية هذا الأسبوع.
فبينما كانت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية تطالعنا بخبر مفاده أن إيران طلبت من اليونان التوسط بين البلدين للتخفيف من حدة الأزمة القائمة بينهما، في محاولة واضحة من جانب الصحيفة للإيحاء بأن إيران هي الأكثر احتياجاً وحرصاً على الحوار، وبالتالي سعياً اليه، كان وزير الخارجية الإيراني يعلن من العراق عدول إيران عن فكرة الحوار المباشر مع الولايات المتحدة حول الوضع في العراق، معللاً هذا القرار المفاجئ بعدم جدية الولايات المتحدة التي تحاول إقحام قضايا معينة على الحوار وترفض في الوقت نفسه توسيع نطاقه ليشمل كل الملفات العالقة. على صعيد آخر، غصت الصحف الأميركية أخيراً، خصوصاً «واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز»، بتعليقات وتحليلات يصب معظمها في اتجاه تحبيذ فتح باب الحوار بين البلدين وتشجيعه. لكن أهم ما لفت نظري في هذا السيل الإعلامي المتدفق تقرير كتبه غاريث بورتر، وهو مؤرخ معروف ومحلل متخصص في شؤون الأمن القومي الأميركي، نشرته وكالة «انتربرس» للخدمات الصحافية يوم 24 من الشهر الجاري.
كشف بورتر في هذا التقرير عن مذكرة (وثيقة) من صفحتين كانت إيران أرسلتها للولايات المتحدة في نهاية نيسان (ابريل) وأوائل ايار (مايو) 2003، عبر سفارة سويسرا لدى الولايات المتحدة، وضمنتها رؤيتها أو تصوراتها لما يمكن أن تكون عليه هذه العلاقة ولما هي على استعداد للقيام به من أجل تحسينها. ويحتوي التقرير على معلومات أولية مهمة قصد بها الإيحاء بتمتعه بدرجة عالية من المصداقية. إذ يشير ليس إلى أن لدى الوكالة نسخة من المذكرة (الوثيقة) المشار إليها، بل يكشف أيضاً عن المصدر الذي سلمها الى الوكالة وهو السيد تينا بارسي الباحث المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية في جامعة جونز هوبكنز (وهي من الجامعات الأميركية المرموقة الوثيقة الصلة بالإدارة الأميركية)، ويحدد كيف حصل بارسي عليها وطريقة وصولها إلى الإدارة الأميركية رغم انقطاع العلاقات الديبلوماسية وغياب قنوات الاتصال السرية المباشرة، مؤكداً أن بارسي هو الذي حصل عليها بنفسه من مصدر رسمي إيراني رفض الكشف عن اسمه، وأن وسيطاً أميركياً هو الذي تسلمها من سفير سويسرا لدى الولايات المتحدة ونقلها إلى الإدارة الأميركية.
غير أن السؤال الأهم الآن: ما الذي تريده إيران من الولايات المتحدة وما الثمن الذي تبدو مستعدة لدفعه في مقابل إبرام الصفقة التي تبحث عنها؟. وكالة «انتربرس» لم تنشر المذكرة (الوثيقة) نفسها، لكن يفهم من تقرير بورتر أن أهم ما تبحث عنه إيران هو اعتراف الولايات المتحدة بها كقوة إقليمية وبشرعية نظامها القائم والكف عن التدخل في شؤونها الداخلية وتمكينها من الوصول إلى اسرار التكنولوجيا النووية السلمية كلياً أمامها. وفي مقابل ذلك فهي على استعداد، كما أوضحت في الوثيقة، للقيام بما يأتي:
1- القبول برقابة كاملة على برنامجها النووي السلمي من جانب الوكالة الدولية للطاقة النووية والتوقيع على كافة البروتوكولات والضمانات التي تكفل فعالية هذه الرقابة، بما في ذلك التفتيش المفاجئ على المفاعلات وعلى المواد النووية، سواء تلك المعلنة من جانبها أو التي يرد للوكالة معلومات بشأنها من طرف ثالث.
2- الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، والوقوف في نفس الخندق التي تقف فيه الدول العربية الراغبة في السلام مع إسرائيل بذات الشروط الواردة في المبادرة التي أقرتها قمة بيروت عام 2002.
3- قطع كل المساعدات المادية والسياسية المقدمة لحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين، وعلى رأسها حماس والجهاد، والضغط عليها بكل ما تملكه من وسائل لوقف عملياتها المسلحة داخل الخط الأخضر.
4- الضغط على حزب الله للتحول إلى حزب سياسي ورفض استمراره كحركة مقاومة، وبالتالي للتخلي عن سلاحه، وتذليل العقبات التي تحول دون سيطرة الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل.
وتثير هذه الوثيقة، في حال ثبوت صحتها، عدداً من الملاحظات نوردها على النحو الآتي:
الملاحظة الأولى: تتعلق بتوقيتها، اذ أرسلت هذه المذكرة بعد أيام قليلة من سقوط نظام صدام حسين في بغداد، وفي مناخ سيطر الخوف على النظام الإيراني من أن يكون هو الهدف التالي، وربما يكون هو المستهدف الحقيقي من الغزو الأميركي للعراق. في ذلك الوقت لم تكن المقاومة العراقية نشطت بعد، ولم يكن النظام الإيراني تحول بعد إلى أهم فاعل إقليمي على الساحة العراقية.
الملاحظة الثانية: تتعلق بموازين القوة السائدة القائمة في ذلك الوقت بين أركان النظام السياسي الإيراني. فمن الواضح أن ما جاء في المذكرة عكس وجهة نظر الإصلاحيين الذين كانوا لا يزالون يشكلون قوة يعتد بها. وعلى رغم تأكيد بورتر في تقريره أن الإمام علي خامنئي، باعتباره المهيمن الفعلي على سياسة إيران الخارجية، كان على علم تام بما جاء في المذكرة وباركها، إلا أن هذه المباركة يجب أن تفهم في سياق المخاوف السائدة حينئذ لدى الجناح المحافظ من تأثيرات الغزو الأميركي للعراق على الوضع الداخلي في إيران واحتمالات استغلاله من جانب الإصلاحيين. ولا شك أن هذا الغزو منح الإصلاحيين حججاً إضافية لتبرير محاولاتهم للتقارب مع الولايات المتحدة، في مواجهة خصومهم من الجناح المحافظ، على نحو فرض الإمام خامنئي أخذه في الاعتبار. أما الآن فتغير الوضع السياسي الداخلي كثيراً في إيران، خصوصا بعد نجاح أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الأخيرة والذي أدى إلى ترجيح كفة المحافظين الذين أصبحوا يسيطرون بالكامل تقريباً على كل مفاتيح السلطة هناك.
وأياً كانت الاعتبارات التي حدت بالحكومة الإيرانية إلى إرسال هذه المذكرة في ذلك الوقت، إلا أنه من المفيد جداً في هذا السياق التعرف الى رد الفعل الأميركي على المذكرة المشار إليها. فالواقع أن الإدارة الأميركية، التي بدت حينئذ في قمة الانتشاء والغرور نتيجة للسهولة الشديدة التي تمكنت بها من إسقاط نظام صدام، تعاملت مع المبادرة الإيرانية بصلف شديد. فهي لم تكتف فقط بتجاهلها، لكنها ذهبت إلى حد التعبير عن استيائها من السفير السويسري لمجرد أنه تجرأ فنقل المذكرة، وهو ما صرح به فلينت ليفرت المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. ولا جدال في أن هذا الصلف ساعد في إضعاف التيار الإصلاحي وبالتالي ساهم، بطريقة غير مباشرة على الأقل، في وصول أحمدي نجاد إلى موقع رئاسة الجمهورية الإيرانية.
وعلى رغم تأكيد التقرير أن إيران لا تزال حتى الآن راغبة في عقد مثل هذه الصفقة، إلا أنني أعتقد أن وضع إيران الاستراتيجي تغير كثيراً منذ العام 2003، وأن ما كان واردا في إبريل ومايو 2003 قد لا يكون وارداً الآن. ليس معنى ذلك أن إيران لم تعد تسعى إلى صفقة من هذا النوع مع الولايات المتحدة، لكن الأمر المؤكد أن موقفها التفاوضي في أي محادثات تستهدف التوصل إلى صفقة كهذه في المستقبل تحسن كثيراً. اذ باتت إيران تملك أوراقاً تفاوضية حقيقية: نظام سياسي أقوى وأكثر تشدداً عما كان عليه وأقل استعجالاً للتوصل إلى تفاهم مع الإدارة الأميركية الحالية، وحلفاء عالميين في روسيا والصين، وحلفاء أقليميين في سورية ولبنان وفلسطين. صحيح أن هؤلاء الحلفاء قد لا يكونون القوة القادرة على موازنة القوة الأميركية، لكنهم لاعبون لا يستهان بهم وتتطابق مصالحهم الاستراتيجية مع مصالحها إلى حد كبير، على الأقل في تلك المرحلة. في المقابل تبدو الإدارة الأميركية الحالية في موقف تفاوضي أسوأ كثيراً مما كان عليه عام 2003. فهي في ورطة عسكرية حقيقية ليس في إيران فقط ولكن في أفغانستان أيضاً، وسمعتها الأخلاقية في العالم كله في الحضيض، ووضعها الداخلي يزداد ضعفاً وتآكلاً.
ومع ذلك، يتعين ألا نعتبر ما سبق بأنه يعني أن الإدارة الأميركية لم يعد أمامها من خيار سوى التفاهم مع إيران وإبرام صفقة معها بأي شروط. فهذه الإدارة لا تزال تملك إمكانات شاملة هائلة وتعتقد، رغم النكسات، أن القوة العسكرية قابلة للاستخدام بنجاح وربما تكون الخيار الوحيد في معالجة بعض الأزمات الدولية، ومن بينها الأزمة مع إيران. والفجوة الأيديولوجية بين الإدارتين الأميركية والإيرانية هي من الضخامة بحيث يصعب تصور إمكانية إبرام صفقة شاملة بينهما. وهنا يثور سؤال مهم: لماذا كشف النقاب عن هذه الوثيقة الآن، ولماذا تبدو الصحف الأميركية المؤثرة أكثر ميلاً لفتح باب الحوار مع إيران؟.
الأرجح، في تقديري، أن السبب في ذلك يعود إلى عدم ثقة الرأي العام الأميركي المتزايدة في بوش، بسبب حماقته وميله للاندفاع المبني على تقديرات أيديولوجية. ولأن قطاعا لا يستهان به من الأميركيين بات يدرك أن توجيه ضربة عسكرية لإيران ستكون له عواقب وخيمة ليس فقط على المنطقة وإنما على الولايات المتحدة أيضاً، فهو يرى أنه قد يكون من واجبه العمل على ردع بوش، بإظهاره بمظهر المخادع الذي لا يكف عن الكذب على الشعب الأميركي. وإذا صح هذا الاستنتاج يمكن القول إن أحد أهداف كشف الوثيقة هو إظهار خداع الصورة التي يرسمها بوش لإيران على نحو متعمد لا يخدم سوى الأهداف الإيديولوجية لجماعة المحافظين الجديد، والتي تظهرها على أنه لا هم لها سوى تدمير إسرائيل. فالوثيقة تؤكد أن إيران تقبل التعايش مع إسرائيل، شأنها في ذلك شأن الدول العربية المعتدلة، إذا أمكن التوصل إلى صيغة معقولة للتسوية. أما إذا نظرنا للأمر من منظور تآمري فربما يكون الهدف من نشر الوثيقة دق إسفين بين إيران والدول والجماعات الحليفة لها في المنطقة في سياق مخطط لإدارة الأزمة يستهدف إضعاف إيران وتجريدها من أوراقها قبل توجيه الضربة الحاسمة لها.
ورغم قناعتي الشخصية بأن الشروط اللازمة لإبرام صفقة شاملة ومقبولة من الطرفين لم تكتمل بعد، إلا أن اكتمال هذه الشروط في المدى المنظور ليس بالأمر المستبعد. ويجب أن ندرك أن هذه الشروط لن تكتمل إلا حين تقتنع الولايات المتحدة أن القوة العسكرية لن تحل الأزمة مع إيران. عندئذ سيتعين على الولايات المتحدة أن تكون على استعداد لقبول إيران كقوة إقليمية، وهو ما تعتقد إيران أنه لن يتحقق إلا إذا تحولت إلى قوة نووية. وهنا يثور السؤال الأهم: أين العرب من كل ذلك الذي يجري؟
المشكلة أنه لا يوجد نظام عربي واحد قادر على التفكير الاستراتيجي في ما يدور حوله وفي مستقبل المنطقة والأمة. وحتى إذا امتلكت بعض النظم العربية قدرة ذهنية تمكنها من إدراك حقيقة الأوضاع التي تمر بها المنطقة فهي لا تملك مقومات التعامل مع هذه الأوضاع بما يجب أن يكون. كيف وهي ليست منشغلة إلا بما يحفظ بقاءها وتعتقد ان الولايات المتحدة الأميركية، من دون العالمين جميعا، هي التي تملك مقومات هذا البقاء؟
ربما يكون في الأفق الاستراتيجي فرصة لتعاون عربي – إيراني يحقق مصالح الطرفين، وقابل للتوظيف لصالح حل عادل للقضية الفلسطينية. لكن ما العمل حين تكون العين بصيرة، ويد النظم العربية قصيرة؟!
(*) كاتب مصري.
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 31 ماي 2006)