الثلاثاء، 26 سبتمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2318 du 26.09.2006

 archives : www.tunisnews.net


الرابطة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان- فرع صفاقس الشمالية: بيـــــان إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل: بلاغ إعلامي عبدالله الزواري: عصام فارس بين 26 أوت 2006 و 25 سبتمبر 2006 القدس العربي: الجزائر تعتقل 17 شخصا بتهمة دعم المسلحين وتبدأ بدفع تعويضات لآلاف المتضررين من الارهاب الشرق الأوسط : القضاء الجزائري يعتزم محاكمة متشدد سعى لنقل حرب «السلفية» إلى تونس افتتاحية « الموقف »: التعددية لم تجتز عتبة العاصمة رشيد خشانة: غلق سجن 9 أفريل هل يُـغـيّـر أسلوب التعامل مع المعارضين؟ علي شرطاني: في ثقافة الهدم والبناء (3) عبدالباقي خليفة: متى نخرج من القرون الوسطى؟ على مبروك:  برهان بسيس « الكلاملوجيا » مرسل الكسيبي: لا نُـجـامـل ولا نُـعـادي ولكن دفـاعا عن الحق والوطن ترشيشي: حقيقتنا نحن !: ردا على مقال السيدة  سلوى الشرفي: « حقيقة « البابا » أم حقيقة الإسلام »؟ طارق الكحلاوي: حقيقة الإشكال في محاضرة البابا كمال بن يونس: التونسي في رمضان.. وبابا الفاتيكان برهان بسيس: نصر اللّه مخطئا هذه المرة محمد العروسي الهاني : تهاني قلبية حارة و تمنيات بالتقدم و التطور للملكة العربية السعودية و إلى إخواننا في الإسلام الصباح: ماذا بقـي من إصلاحات المحامـاة؟ د. المتوكل طه: ألف سنة بين أوربان و بنيديكت ولم يتغير شيء! صيد الفوائد: قصة رجوع عالم تونس ( محمد المكي بن عزوز ) … من القبورية إلى السلفية سليمان بن صالح الخراشي د. علاء الأسواني: إنجازاتكم.. أكاذيب وجرائم – إلى أى مدى يستطيع الإنسان أن يكذب..؟


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 

 


الرابطــــة التونسيــــة للدفــــاع عن حقــــــوق الإنســــان   فرع صفاقس الشمالية صفاقس في 25 سبتمبر2006          بيـــــان

  حاصرت قوات غفيرة من رجال الأمن بالزي المدني صباح الأحد 24  سبتمبر   2006 مقر جامعة صفاقس للحزب الديمقراطي التقدمي ولم تسمح بدخوله إلا إلى عدد قليل جدا من مناضلي الحزب في حين منعت أنصار الحزب وأصدقائه من الحضور كما وقع منع الأستاذ أنور القوصري نائب رئيس الرابطة المسؤول على الحريات من الإقتراب من مقر الجامعة حيث كان من المبرمج أن يلقي محاضرة حول » تداعيات الحصار المفروض على الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان » بدعوة من الحزب الديمقراطي التقدمي بالجهة.   إن فرع صفاقس الشمالية يدين المنع المتكرر  لنشاط الحزب المذكور بالجهة الذي يهدف إلى ضرب حقه في اختيار محاور ومضامين أنشطته والمساهمين فيها من محاضرين ومدعوين. كما يدعو الفرع السلطات في مختلف المستويات الكف عن هذا المنحى الذي يضرب حق الأفراد والمجموعات في ممارسة حقوقهم بكل حرية ومن بينها حق الإجتماع الذي لا يمكن تقييده إلا بضرورة الحفاظ على النظام العام. في حين أن الإجتماع المذكور تتوفر فيه وله الضمانات الكاملة لعدم الإخلال بالنظام العام من حيث التوقيت والمكان و الأهداف وهوية الداعين له والإطار العام.                                                                  رئيس الفرع                                                 عبدالعزيز عبد الناظر  


إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
بلاغ إعلامي
تونس في26 سبتمبر 2006

بعد تعرض مناضلي إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل يوم الخميس 21 سبتمبر2006 الى التعنيف من قبل البوليس في شارع الحبيب بورقيبة بعد تجمعهم الإحتجاجي على الوضعية الإجتماعية التي يعانون منها نتيجة البطالة والتهميش وعلى الأسلوب الأمني المتبع ضدهم في كل تحركاتهم أمام الوزارات المعنية بالتشغيل، توجهت الزميلة فلة الرياحي، أستاذة علوم، الى مستشفى شارل نيكول للمداواة جراء الإصابة التي لحقتها أثناء التحرك، حيث اعترض طريقها نائب رئيس منطقة باب سويقة المدعو »معز » أمام قصر العدالة مستهدفا إياها بكل الألفاظ البذيئة و متوعدا إياها وكل مناضلي الإتحاد بالويل « كسر العظام »، و قد هدد صراحة بالتعرض لكل أعضاء الإتحاد إذا تواجدوا بباب سويقة حتى لو كان ذلك لمصلحة شخصية و خارج التحركات أو حتى بمقهى، هذا وقد أرسل أعوانه وراء الزميلة الى المستشفى والذين أمروا الإطار الطبي بعدم تسليمها شهادة طبية.

هذا ونعلم الرأي العام أن البوليس ما انفك يضايق الزملاء أعضاء الإتحاد في كل الأماكن والوزارات، و أن هذا المدعو معز « نائب رئيس منطقة باب سويقة « حسب ما يدعي قد جعل من تواجده على رأس قواته سببا لمحاولة فرض هيبة مزيفة على الجميع وفرض كلمة « سي معز »، وقد سبق واستهدف الزملاء شريف الخرايفي أستاذ التاريخ وماهر حمدي أستاذ عربية بالعنف الشديد أمام وزارة التربية لأنهما رفضا في تحرك سابق بوزارة التعليم العالي مناداته ب »سي معز » أما الزميلة فلة الرياحي فقد أعلمها بأن كثيرا من الرجال لم ترحمهما يداه فما بالك بإمرأة؟. اما الزميلة زكية عمروسية عضوة باللجنة الجهوية بقفصة فلم تسلم هي أيضا من التعنيف وافتكاك وثائقها الشخصية والتي رفض البوليس تسليمها إياها. كما اعتدى سيئ الذكر أمام قصر العدالة بوحشية على الزملاء الحسن رحيمي ووليد النفزي  ومسلم الفرجاني وشريف الخرايفي وقد تسبب هذا الإعتداء في أضرار للزملاء استوجبت نقلهم الى مستشفى العيون.

وإن كنا نتوقع هذا العدوان على أبناء الوطن من قبل البوليس التونسي فإننا نستغرب تصرف أناس يتبوؤون مهام أمنية مهمة مثل المدعو « معز » وهو مسؤول عن أمن منطقة تكتسي مساحة و دورا هاما من ولاية تونس وعليه فإننا مناضلو إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل:

 مواصلتنا النضال من أجل حقنا في العمل رغم الاعتداءات المتواصلة من قبل البوليس .  نحمل مسؤلية سلامة الرفاق و تبعات ما قد يلحقهم من اعتداء بأي شكل من الأشكال للمدعو معز نائب رئيس منطقة باب سويقة.  ندعو السيد وزير الداخلية إلى كف جنون و هيجان هذه العصابة و رد أذاها عن المواطنين .

إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل التنسيقية الوطنية

 

 

بسم الله الرحمان الرحيم

عصام فارس بين 26 أوت 2006 و 25 سبتمبر 2006

عصام بن بشير بن صالح فارس من مواليد 18 ماي 1983 و صاحب بطاقة تعريف وطنية رقم 08614982 يعمل بنزل بجزيرة جربة، و من متساكني بلدة المؤانسة من ضواحي جرجيس، شاب سيء الحظ و لا شك، كان مساء يوم الأحد 26 أوت الماضي يقضي بعض الوقت مع اثنين من أصدقائه أمام إحدى الإدارات فرارا من حرارة البيت، و مع الساعة التاسعة ليلا و عند تأهبهم للعودة إلى منازلهم تمر سيارة قوات الأمن الداخلي من أمامهم، و لا ندري ما دعا أعوان الأمن العام إلى طلب التعزيزات حيث لم يكد يقوم ألشبان إلا و حضرت سيارتا شرطة(بارتنر و كليو) و نزل منهما ما يقارب سبعة أعوان قبل أن تعود سيارة قوات الأمن الداخلي لينزل منها سبع آخرون… و دون مقدمات انهالوا على الشبان ضربا بالهراوات و ركلا ( انظر صور 4-5-6-7)، و قد سارع أحد الشبان إلى الفرار بمجرد قدوم أعوان الأمن، ثم وقع اقتياد عصام و صديقه إلى دائرة الأمن الوطني بجرجيس حيث تجدد تعنيفهما حسب تصريح عصام الذي تبين بعد ذلك انه أصيب بكسر برجله اليمنى…و قع إطلاق سراح صديقه و احتفظ بعصام في زنزانة يقتسمها مع موقوف من عمالنا بالخارج…. و بعد برهة أعلم العامل بالخارج بأن عصام في غيبوبة… فنال نصيبه من التعنيف… و نقل عصام إلى المستشفى الجهوي بجرجيس.. و بعد إجراء فحوص سريعة أعيد عصام إلى دائرة الأمن رغم الآلام المبرحة…و من الغد، و بعد تأكدهم من عدم قدرته على المشي، نقل من جديد على متن سيارة إسعاف، و أدخل غرفة الإنعاش كما تم  » تجبير » رجله اليمنى و جزء كبير من صدره ( صورة 1 و صورة 2) و مكث في هذه الغرفة بمفرده 8 أيام و سخرت دائرة الأمن خمسة أعوان بالزي المدني لحراسة الغرفة و منع الجميع من زيارة المريض الموقوف ( عصام) و قد منعت عائلته من زيارته حسب تصريحه.. ثم نقل بعد ذلك إلى قسم الجراحة حيث قضى 10 أيام في الغرفة 17… وفي يوم 13 سبتمبر قرر الأطباء إخراج عصام من المستشفى الجهوي… و طلبت الإدارة منه دفع 622 دينارا معلوم الإقامة، و لم تكن حال العائلة تسمح بدفع مثل هذه المقدار…..و بعد أخذ و رد دفع والده 220200 مليما و التزم والده بدفع البقية أقساطا شهرية ( 52750 مليما)…

يعود عصام للمراقبة الطبية يوم 8 أكتوبر 2006 ليرى الأطباء إمكانية نزع الجبس عن رجله من عدمها… و قد راسل والده كلا من السادة والي مدنين و وزير الداخلية و وزير العدل و رئاسة الجمهورية بحثا عمن ينصفه و ينصف ولده… و تم استدعاؤه إلى إقليم الأمن الوطني بمدنين ليقع إعلامه بأنهم تلقوا الرسالة التي بعثها إلى والي الجهة… لا يزال عصام ملازما للفراش، و يتنقل بصعوبة لقضاء الضروري من شؤونه ( صورة 2)، و مع ذلك قدم أعوان الأمن من جديد إلى منزل والده و طلبوا منه الذهاب إلى إقليم الأمن الوطني بمدنين…لكن وضعه الصحي جعل الاستجابة لمطلبهم من المستحيلات عليه… و قد تقدم محام بشكوى في الغرض فهل تراها ترى النور يوما أم تلتحق بأخواتها في الدرج المنسية في قصور العدالة؟؟؟ و لمزيد من التفصيلات أو للمواساة هذا رقم هاتف عصام:95478715 و السلام عبدالله الزواري جرجيس: 25 سبتمبر 2006  


اعتقال اسلامي يشتبه في ارتباطه بتنظيم القاعدة

الجزائر تعتقل 17 شخصا بتهمة دعم المسلحين وتبدأ بدفع تعويضات لآلاف المتضررين من الارهاب

 
الجزائر ـ اف ب ـ يو بي أي: اعتقلت أجهزة الأمن الجزائرية 16 شخصا من شبكات دعم الجماعات المسلحة في الجزائر.
 
وذكرت تقارير أمنية امس الاثنين أنه تم اعتقال 14 شخصا تتراوح أعمارهم بين 23 و70 سنة في ولاية بجاية بمنطقة القبائل شرقي البلاد، بتهمة دعم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، مشيرة الي أن العملية جاءت بعد معلومات قدمها مسلح كانت قوات الأمن اعتقلته قبل نحو ثلاثة أسابيع.
 
من ناحية أخري، أوقفت قوات الأمن الخميس الماضي شخصين كانا يشكلان شبكة لدعم المسلحين ببلدية عمر بولاية البويرة الواقعة علي بعد 120 كم شرق العاصمة الجزائرية.
 
من جهتها افادت صحيفة الخبر الجزائرية امس الاثنين عن اعتقال اسلامي جزائري يشتبه في ارتباطه بالقاعدة وقالت انه اتهم بتجنيد اشخاص للقتال في العراق وانه اودع الحبس الاحترازي في العاصمة الجزائرية.
 
واكدت الصحيفة استنادا لمصادر مطلعة ان الرجل المنخرط في الجماعة السلفية للدعوة والقتال والذي لم تكشف هويته بل قالت انه معروف حركيا باسم ابو الهمام يقود منظمة اسمها جماعة أنجاد الاسلام ببلاد الرافدين، كان مركز نشاطها في سورية، حيث درجت علي توفير الايواء للجهاديين العرب الراغبين في الالتحاق بجبهات القتال بالعراق .
 
واضافت الخبر ان ابو الهمام كان علي اتصال دائم، وهو في سورية، بشخص من الضاحية الجنوبية للعاصمة يسمي (س.م)، 29 سنة، يعد حلقة وصل بينه وبين الأشخاص الذين يرغبون في الانضمام الي المقاومة العراقية .
 
واكدت ان ابو الهمام عاد الي الجزائر في اذار/مارس 2005، وبلغ رفيقه في شبكة التجنيد بأنه مكلف من تنظيم القاعدة بالعراق بتعبيد الطريق لمجموعة من الجهاديين التونسيين للالتحاق بمعاقل الجماعة السلفية للدعوة والقتال، بغرض التمرس علي استعمال الأسلحة والمتفجرات .
 

واكدت ايضا ان الهدف يتمثل في فتح جبهة حربية ضد النظام التونسي انطلاقا من الأراضي التونسية..

 
وكان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة ايمن الظواهري اعلن في الحادي عشر من ايلول/سبتمبر رسميا مبايعة الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر لاسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.
 
في سياق قريب قال وزير التشغيل والتضامن الوطني جمال ولد عباس ان عمليات دفع تعويضات لضحايا المأساة الوطنية (الاقتتال المدني) بدأت في أول أيام شهر رمضان.
وأوضح ولد عباس في تصريح له نشر امس الاثنين أن العملية ستشمل في بداية الأمر 2640 عائلة من 22 ولاية، ستقدم لكل عائلة مليون دينار، أي ما يعادل 14 ألف دولار.

وأشار الي أن قرابة 42 ألف ملف من ضحايا الارهاب تم تسجيلها منذ البدء في تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في شباط/فبراير الماضي، مشيرا الي أنه تلقي صباح الأحد مراسلة من وزارة المالية تمنح لدائرته الوزارية الضوء الأخضر بمباشرة عملية التعويض المادي لـ2640 عائلة، بعدما وافق وزير المالية مراد مدلسي علي صرف ما يفوق 2.6 مليار دينار كدفعة أولي من الميزانية الاجمالية المخصــصة لهذه الفئة.
وقال ان عملية التعويض ستنتهي بحلول تشرين الثاني/نوفمبر المقبل .
وفي سياق متصل، كشف ولد عباس أن 1200 شخص من الذين فقدوا مناصب عملهم بسبب الاشتباه بانتمائهم الي جماعات مسلحة يجري التكفل بهم حاليا، مشيرا الي أن ميثاق السلم والمصالحة لا يشترط اعادة دمجهم في مناصبهم الأصلية بل يمكن تعويضهم أو اعادة دمجهم في مناصب شغل أخري.
وقال ان الحكومة خصصت 800 فريق من الأخصائيين النفسانيين بهدف التكفل النفسي بالعائلات التي تضررت من الارهاب.
وتشير الحكومة الي أن الارهاب تسبب، منذ اندلاعه العام 1992، بمقتل أكثر من 150 ألف شخص وخسارة 30 مليار دولار بسبب عمليات التخريب للممتلكات.
 
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 26 سبتمبر 2006)


القضاء الجزائري يعتزم محاكمة متشدد سعى لنقل حرب «السلفية» إلى تونس

 
الجزائر: بوعلام غمراسة
 
يعتزم القضاء الجزائرية قريبا محاكمة متشدد جزائري ساعد تونسيين للانضمام إلى «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية، بهدف نقل نشاطات هذا التنظيم الى تونس. وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» ان الشخص يدعى «أبو الهمام»، وكان يقود تنظيما مسلحا يدعى «جماعة أنجاد الإسلام»، وقد اعتقلته مصالح الأمن في يونيو (حزيران) الماضي بعد فترة قصيرة من عودته من سورية حيث كان يقيم منذ عام 2003. واوضح المصدر ان الشخص المعني اعتقل بناء على تحريات بشأن نشاط خلية جندت جزائريين للقتال في العراق، وتكفلت بكل ترتيبات السفر إلى سورية والإقامة بها تمهيدا لالتحاقهم بـ«قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين».
 
وذكرت المصادر نقلا عن «أبو الهمام» أنه عاد من سورية مكلفا من تنظيم «القاعدة» بالعراق، بوضع ترتيبات التحاق مجموعة من الأشخاص من تونس يحملون الجنسية التونسية، بمعاقل «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية التي انضمت الأسبوع الماضي رسميا لتنظيم «القاعدة».
 
وأوضحت المصادر أن المخطط الذي كان يعد له «أبو الهمام» بمعية التونسيين الذين يجهل عددهم، هو فتح جبهة في تونس لشن هجمات. وكان يفترض أن تلتحق دفعة أولى بـ«الجماعة السلفية»، على أن تنضم دفعة أخرى في وقت لاحق. ولم توضح المصادر ما كان التونسيون قد انضموا فعلا إلى معاقل التنظيم المسلح الجزائري. وسبق للسلطات أن أعلنت العام الماضي عن اعتقال 10 تونسيين شرق الجزائر بتهمة التحضير للالتحاق بمعاقل «الجماعة السلفية»، وتم تسليمهم إلى السلطات التونسية بعد تحريات أجريت حول الشبكة التي ينتمون إليها.
 
وأوضح المصدر القضائي أن «أبو الهمام» الذي يتحدر من الضاحية الجنوبية للعاصمة، كان على اتصال مع شاب جزائري يسمى (س. م) كلفه إرسال مبالغ مالية لتأجير بيوت في سورية لإيواء مقاتلين عرب قبل تسفيرهم إلى العراق. وكان مكلفا أيضا البحث عن شبان جزائريين «يحملون قناعات جهادية» لضمهم إلى صفوف المقاتلين. وأضاف المصدر أن (س. م) أرسل عددا من الأشخاص، بعضهم عاد إلى الجزائر لأنهم رفضوا تنفيذ عمليات انتحارية. ونقل المصدر عن «أبو الهمام» أن الجماعات المقاتلة في العراق «كثيرا ما تشترط في المتطوعين أن يبدوا استعدادا لتفجير أنفسهم قبل الموافقة على انخراطهم في العمل المسلح».
 
وقد احتج علي بن حاج، الرجل الثاني في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، الأسبوع الماضي على اعتقال (س. م)، حيث دعا المصلين بأحد مساجد العاصمة إلى «الوقوف حائلا دون اعتقال الذي يؤمنون بالجهاد الشرعي».
 
وتجري مصالح الأمن منذ مارس (آذار) الماضي سلسلة تحريات حول خلية تنشط بغرب الجزائر، تخصصت في تجنيد جزائريين للقتال بالعراق حيث تم اعتقال أربعة أشخاص، أثبتت التحريات أنهم على اتصال مباشر مع تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين». ولم يوضح المصدر الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» ما إذا كانت هناك علاقة بين خليتي «أبو الهمام» والغرب، لكنه رجح أن يكون مسؤول «جماعة أنجاد الإسلام» خلف المصري ياسر سالم المدعو «أبو جهاد» الذي اعتقلته قوات الأمن، العام الماضي، والذي كان مسؤولا عن تجنيد المقاتلين بالعاصمة.
 
(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 25 سبتمبر 2006)
 

 

الرادار… ومراقبة حركة المرور

 
تتعدد أساليب مراقبة حركة المرور، والتصدي للمخالفات التي يأتيها البعض من أصحاب السيارات… وهي في الحقيقة تبقى أساسية نظرا للتجاوزات التي تحصل على طرقاتنا وتتسبب في حوادث أليمة، لكن الذي يلفت الانتباه هو أن بعض أساليب المراقبة تحولت إلى شرك منصوب ومقصودة، وذلك عندما يقع اخفاءه على مستعملي الطريق ويفاجئون به وفي بعض البلدان التي تستعمل هذا الجهاز يكون حضوره على الطريق على مرأى ومسمع من الجميع، أما في بلادنا فإنه يقع التفنن في اخفائه.
 

تعاون فلاحي تونسي سوري

 
تم مؤخرا في سوريا توقيع اتفاقية تعاون بين الاتحاد العام للفلاحين بسوريا ونظيره التونسي وذلك على هامش الزيارة التي أداها السيد مبروك البحري رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وهذه الاتفاقية تنص على تبادل الخبرات والمعرفة  الفنية بين البلدين وتجسيم الاتفاقيات التجارية في المجال الفلاحي واعطاء أهل المنتوجات في هذا القطاع الافضلية.
 

إذاعة الجوهرة على شبكة الأنترنات

 
دخلت إذاعة الجوهرة مرحلة جديدة من مسيرتها وذلك بارتباطها بشبكة  الأنترنات على الموقع www.Jawharafm.net ، معززة بذلك الصحافة الالكترونية في تونس.
 
هذا الموقع يمكن زائريه من الاستماع  الى برامج جوهرة FM 24 ساعة / 24 ساعة ومشاهدة منتجي الاذاعة خلال تنشيطهم لبرامجهم في استوديو البث عبر الـ webcam، هذا فضلا عن الطابع التفاعلي الذي يؤمنه الموقع بين المنشطين والمستمعين من خلال الارساليات القصيرة SMS والبريد الالكتروني Studio@jawharafim.net  والدردشة (chat) وكذلك ابداء الرأي في مختلف المسائل الثقافية والاجتماعية والرياضية وغيرها التي تثيرها برامج الاذاعة.
 

صادرات الغلال إلى غاية يوم 21 سبتمبر

 
بلغت كميات الغلال المصدرة إلى غاية يوم 21 سبتمبر الحالي حوالي 14350 طنا كان النصيب الأوفر منها نحو السوق الفرنسية بـ10028 طنا تليها السوق الليبية بـ2009 طن (معظمها إجاص) فالسوق الإيطالية بـ934 طنا ثم السوق الألمانية بـ632 طنا في حين تتوزع بقية الكميات على أسواق الخليج العربي. أما الغلال المصدرة من أهمها الرمان والدلاع والبطيخ والإجاص والمشمش، والعنب والتين والهندي.
 
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 26 سبتمبر 2006)

 

افتتاحية « الموقف »

التعددية لم تجتز عتبة العاصمة

 
ما أن انتهت ندوة الولاة حتى التأمت ندوة الكتاب العامين للجان تنسيق « التجمع » وكان القاسم المشترك بينهما هو الحضور الطاغي للأمين العام للحزب الحاكم. ومن نافل القول التأكيد على حق كل حزب في عقد اجتماعات إطاراته ورسم السياسات التي يراها مناسبة لتوسيع إشعاعه، لكن الملفت للنظر هو أن يوضع المسؤولون في الدولة رهن إرادة الحزب الحاكم وأن تُسخر مؤسسات الإدارة لخدمته رغم أنه فريق من الفرقاء على الساحة السياسية لا ينبغي أن يستأثر بامتيازات خاصة تختلف عن الحقوق التي تتمتع بها الأحزاب الأخرى، وبعض منافسيه لا يتمتع حتى بالحقوق الدنيا التي يضمنها القانون مثل الحصول على القاعات العمومية لإقامة نشاطاته أو حتى كراء فضاءات خاصة.
 
وفي ندوة الولاة التي كان ينبغي أن تركز على تيسير العلاقة بين المركزي والجهوي وتطوير الجهات وخاصة المناطق المحرومة للإقتراب من التوازن الجهوي، لاحظنا دورا مركزيا للحزب الحاكم لم يتجل فقط في الكلمة التوجيهية التي ألقاها الأمين العام ل »التجمع » وخاطب فيها الولاة بصفتهم تجمعيين، وإنما في الخلفية العامة التي وجهت كلمات أغلب الوزراء إذ طغى منطق التأطير الجماهيري للمواطنين وإحكام الرقابة السياسية وتفادي القضايا السخنة التي قد تهدد الإستقرار الإجتماعي. وهذا ما جعل التناول يكتسي طابعا قريبا من التناول الأمني بينما كان ينبغي أن يسيطر التناول التنموي بأبعاده المختلفة وفي مقدمتها السياسي الذي لا يعني بالضرورة التأطير المزدوج الأمني – التجمعي.
 
لكن لم نر معالجة سياسية لهذه الملفات في ندوة الولاة ترتقي إلى مستوى المجتمع التعددي والنامي الذي يعامل جميع الفرقاء على قدم المساواة ويمنحهم نفس الحقوق والواجبات. فكلمة « التعددية » والمفاهيم المتصلة بالديمقراطية عموما كانت غائبة تماما من الندوة، وهذا يدل على أحد مصادر المناخ السائد في الولايات المتسم بالإنغلاق والوحدانية.
 
فإذا كان وجود المقرات المركزية لأحزاب المعارضة في العاصمة يشفع لها لعقد بعض الإجتماعات وتنظيم ندوات محدودة الحضور بحكم الحرمان من الفضاءات العامة، فإن الوضع أسوأ في الجهات حيث لم يختلف الجمود السياسي اليوم، أي في القرن الحادي والعشرين، عن الأوضاع التي كانت سائدة في خمسينات وستينات القرن الماضي. بل لا نجازف إن قلنا إن الوضع في مطلع الثمانينات مثلا كان أفضل مما هو عليه الآن.
 
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف »، العدد 384 بتاريخ 22 سبتمبر 2006)


غلق سجن 9 أفريل هل يُـغـيّـر أسلوب التعامل مع المعارضين؟

رشيد خشانة
 
مع نقل السجن المدني بتونس من شارع 9 أفريل إلى ضاحية المرناقية يُفترض أن يُسدل الستار على حقبة سوداء من تاريخ تونس عرفت فيها أجيال متلاحقة من الوطنيين والتقدميين، وكذلك من المواطنين الذين زلت بهم القدم، أنواعا مختلفة من العسف والظلم وامتهان الكرامة. دفعت موجات من أبناء تونس الأحرار قسما من حياتهم في ذلك السجن سيء الذكر أيام الحركة الوطنية والمعروف ب »الحبس الجديد »، وبعضهم قضى نحبه فيه إما شنقا أو إهمالا.
 
وبعد الإستقلال انتصبت المحاكم الشعبية ومحكمة أمن الدولة ومحاكم أخرى كثيرة لتسوق آلافا من الطلبة والسياسيين والنقابيين وحتى من المسؤولين السابقين إلى زنزانات 9 أفريل حيث ذاقوا ألوان العذاب وصنوف الهوان لمجرد الإختلاف في الرأي مع الحكام في غالب الأحيان. وآخر القوافل من الضحايا هم أعضاء حركة « النهضة » وعشرات من الشبان المتهمين في قضايا « الإرهاب » الأخيرة والذين مازالوا قابعين في السجون.
 
ولا ينبغي أن يكون إغلاق سجن رهيب وافتتاح آخر لمجرد « تبديل السروج » وإنما تحتاج بلادنا اليوم إلى تغيير أسلوب التعامل مع الرأي المخالف الذي لم يعد مقبولا في عالم اليوم أن يكون مكانه السجن وإنما شاشات التلفزة لمقارعة الحجة بالحجة ومواجهة الفكرة بالفكرة. وما من شك في أن الرأي العام، وبخاصة النخب التونسية، بلغ درجة من النضج وقدرة على التعايش تؤهل البلاد لخوض تجربة تعددية حقيقية تقطع مع سياسة الإضطهاد وملاحقة المعارضين، وتستغني عن اللجوء إلى المؤسسة السجنية في تصفية الحسابات مع الخصوم والمنافسين.
 
لكن مناسبة غلق سجن 9 أفريل تُحيل أيضا على دور المؤسسة السجنية بشكل عام التي تحتاج إلى مراجعة شاملة لأهدافها ووسائلها وإطارها البشري كي لاتكون أداة للعقاب والتشفي وإنما إطارا للإصلاح وتصويب الإعوجاج. فكم من صوت ارتفع وكم من تقرير صدر في الداخل والخارج للتنبيه إلى خطورة الأوضاع وضرورة إنقاذ الشبان الذين جنحوا من سجون وإصلاحيات تحولت أحيانا إلى مدرسة للإجرام، خصوصا مع تفاقم نسبة العودة. لكن لم تتخذ أي إجراءات جادة ولم توضع أي خطة لتعديل دور المؤسسة السجنية بالإستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، فمتى الإصلاح؟
 
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف »، العدد 384 بتاريخ 22 سبتمبر 2006)

 

في ثقافة الهدم والبناء (3)

علي شرطاني – قفصة – تونس
 
لقد بدأ الزيف ينكشف للبعض منذ وقت مبكر في ظل تواصل الحملة ضد الإسلاميين والأحرار بالبلاد والتي مازال نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب يقودها إلى الآن وقد كان حتى هؤلاء منقسمين بين من أصبح رافضا لهذه الحملة التي أبت أن تنتهي والتي لا يراد لها أن تنتهي ولم ير للتحالف برنامجا غيرها وغاية وهدفا غيرها وقد لحق كل البلاد وكل عائلة فيها وكل الشرائح والفئات الإجتماعية أضرارا لا تعوض وكسور لا تجبر وخسائر لا تحصى جراء ذلك. وبين من ظل على تفهمه لتواصل هذه الحملة طالما أنه مازال يرى أنها لم تحقق أهدافها ولكنه يطالب على ضوء ذلك بوضع أفضل بالبلاد يعتبر أنه من حقه أن يكون له فيه وضع أفضل وأن يكون في موقع أفضل ويمكن أن يحصل فيه على منافع ومكاسب ومصالح أكثر.
 
وقد تحول ملف الحركة الإسلامية داخل البلاد وخارجها إلى كابوس لليسار الماركسي والقومي العربي لليمين الدستوري واليسار لقومي العربي والماركسي أساسا داخل البلاد وخارجها وداخل السلطة وخارجها وهو الذي كان ذراع بن علي في مشروعه القمعي الإستبدادي الذي بدأ به معه حياته السياسية والذي أنهاها به، أدخل اضطرابا في مكوناته وعناصره واضطر بعض مكوناته وعناصره إلى مراجعة مواقفهم المختلفة من خلال مواقعهم المختلفة، مما أدخلهم في حالة إرباك كبير ضاعت فيه المواقف المبدئية، وغلبت عليه المواقف الإنتهازية وحسابات الربح والخسارة. فكانت المواقف من حقوق الإنسان ومن العفو التشريعي العام ومن المنشور رقم 108 سيء الذكر المصادر للمرأة حقها في اختيار اللباس الذي تريد شكلا ولونا ومن المنفيين بالمهجر من أجل آرائهم ومعتقداتهم متعددة بتعدد المواقع وبحسب ما عليه الطموح والطمع وبحسب الموقف من الوضع العام بالبلاد حسن كان أو رديء مقبول كان أو مرفوض متطور أو مستقر أو متراجع…
 
لقد كانت الفترة من سنة 1990 إلى سنة 2001 من تاريخ البلاد مرحلة التمكين لليسار الماركسي ومرحلة التهافت على المواقع وعلى المصالح والمنافع والأرباح ومرحلة إخضاع البلاد كلها لنفوذهم وسيطرتهم وإحكام قبضتهم على الوضع بما يجعله بعيدا كل البعد عن الخروج عن السيطرة. وتم تسخير كل إمكانيات المجموعة الوطنية لخدمتهم بعيدا عن خدمة المجتمع والبلاد والشعب استكمالا لعملية الهدم وبعيدا عن أي تصور ولا برنامج ولا رؤية للبناء والتشييد والتجديد وبناء مشروع الحداثة.وسقطت في هذه المرحلة كل شعارات ومواجهة الإمبريالية والصهيونية- بل لقد كان اليسار الماركسي عاملا قويا في تسهيل عملية الإسراع بمد الجسور نحو الكيان الصهيوني والعمل على كسر الحاجز النفسي للشعب التونسي بالإعتراف به وبالدعوة من خلال السلطة ومن خارجها بالتطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية معه خدمة الشغيلة والعدل الإجتماعي ومناصرة قضايا وحركات التحرر في العالم ومواجهة الإمبريالية والصهيونية- بل لقد كان اليسار الماركسي عاملا قويا في تسهيل عملية الإسراع بمد الجسور نحو الكيان الصهيوني والعمل على كسر الحاجز النفسي للشعب التونسي بالإعتراف به وبالدعوة من خلال السلطة ومن خارجها بالتطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية معه، وغيرها من الشعارات التي ظلت كل مكونات الطائفة الشيوعية ترفعها عقودا من الزمن لتحل محلها شعارات الوطنية والتعددية والديمقراطية المغشوشة طبعا والتضامن والتسامح والإستقرار ومواجهة التطرف والأصولية والسلفية.
 
وإذا كان هناك من تعددية صحيحة ومقبولة فهي لا تعدوا أن تكون تعددية حزبية يسارية، أي تعددية من لون واحد وفي أحسن الحالات من ألوان باهتة قريبة منه من نفس الحركة العلمانية اللائكية الهجينة الدخيلة…والحداثة والتحديث والمعاصرة والمجتمع المدني الذي أنهى اليساريون الماركسيون والقوميون العرب في شقهم البعثي خاصة وجودا كان له من خلال وجودهم في السلطة بعد أن كانوا طرفا فيه ومكونا من مكوناته، وهم في الحقيقة من لا يؤمن به، وبعد أن كان قد خطى خطوات كبيرة في التشكل حتى آخر فترة حكم بورقيبة للبلاد. وهي المرحلة التي بدأ فيها بعض الأطراف والجهات والشخصيات بين مستقيل ومقال بمغادرة بعض المواقع لتغيير المواقف لأسباب وبدوافع ولغايات وأهداف ذاتية وموضوعية داخلية وخارجية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
 
4 – مرحلة ما بعد 2001:
 
لقد بدأت الساحة السياسية والحقوقية تتعزز منذ آخر السبعينات بعناصر مختلفة وبشخصيات مستقلة ومستقيلة ومقالة لتنضاف إلى مكونات المجتمع المدني الآخذ في إعادة التشكل بعد أن بلغ في تونس حتى سنة 1987 درجة من التطور لم يبلغها حتى ذلك الوقت غيرها من البلاد العربية والإفريقية. فقد كان قد بلغ من القوة في تلك المرحلة من تاريخ البلاد درجة أصبح بها أقوى من المجتمع السياسي الذي كان تمثله سلطة الحزب الواحد والزعيم الواحد. وقد كان النظام في ذلك الوقت يعيش عزلة خانقة، وقد هجر الشباب منظماته وتنظيمه ومؤسساته وفضاءاته، وقد كانت نسبة كبيرة من النخبة مختلفة المناهل والمرجعيات والمشارب قد انتظمت في المعارضة وساندت التنظيمات وأحزاب المعارضة التي كانت مشكلة وتزاول نشاطها السياسي برغم عدم الإعتراف القانوني بها. وكانت تمثل معارضة سياسية جادة في مواجهة النظام ومتصدية له، وإن كان الكثير منها يشترك مع النظام في طبيعته ومنزعه الإقصائي والإستبدادي من منطلق المشروع الثقافي والسياسي التغريبي الواحد.
 
فقد كان المجتمع المدني مكونا في ذلك الوقت من الحركة الإسلامية الأكثر انتشارا وجدية ومن اليسار الماركسي واليسار القومي العربي المكونين من تنظيمات متعددة بتعدد ما كانا عليه من انقسامات الأكثر تجانسا بعضهما مع بعض والأقرب إلى النظام إذا ما قورنت العلاقة بينهما وبينه وبالمقاربة بينهما وبينه وبين كل هذه المكونات التي كانت كلها هزيلة وضعيفة، والحركة الإسلامية. وقد تأكد هذا واقعا في نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب بعد ذلك، شأنها في ذلك شأن كل تنظيمات وأحزاب النخبة في الوطن العربي وبعض تنظيمات اليمين المحسوبة على البورجوازية التونسية والمخترقة هي نفسها من طرف اليسار المستقل، إضافة إلى الإتحادات والنقابات والجمعيات وعلى رأسها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
 
وما إن أطيح ببورقيبة وقد كان للمجتمع المدني التونسي وقواه العاملة والجادة الدور الأكبر في الإطاحة به، حتى أطيح بكل ذلك البناء، وانقسم المجتمع المدني عن نفسه، وكانت عملية الإجهاض من الداخل، وكان اليسار الماركسي والقومي العربي هما الطرف المباشر في عملية الإجهاض ونسف كل تلك المكتسبات الوطنية وتقديمها في طبق من ذهب بكل انتهازية وبكل جشع وطمع وغباء وانحطاط أخلاقي وفكري إلى الإنقلابيين الذين سرقوا ثورة الشعب وثمار جهود المجتمع المدني.
 
وفي الوقت الذي كان فيه المجتمع المدني في موقع القوة والإنقلابيون في موقع الضعف قرر اليسار الماركسي الذي أصبح صاحب الثقل في مكونات نظام تحالف7 نوفمبر الرهيب اليوم والذي يأتي معززا باليسار القومي العربي في مرتبة  ثانية من الثقل السياسي بعد الإسلاميين في الحركة الإسلامية وحركة النهضة الإسلامية تحديدا، في المجتمع المدني أن يمنح القوة للإنقلابيين ويهضم جانب المجتمع المدني ويضعفه، بما جعل البلاد تنتقل من مجتمع مدني قوي وهو عماد النظام الديمقراطي وسلطة سياسية تلك التي كانت على الدوام تمثل رمز الإستبداد والتسلط والقهر ضعيفة، إلى مجتمع مدني ضعيف تضيع معه الديمقراطية ويستحيل معه قيام النظام الديمقراطي استنادا إلى القاعدة القائلة بأنه لا سبيل إلى ديمقراطية ولا إلى نظام ديمقراطي بدون مجتمع مدني قوي، وسلطة سياسية قوية تضيع معها كذلك الديمقراطية ويستحيل معها قيام النظام الديمقراطي استنادا إلى القاعدة القائلة بأنه لا سبيل إلى ديمقراطية ولا إلى نظام ديمقراطي في ظل وجود مجتمع مدني ضعيف وسلطة سياسية أو مجتمع سياسي قوي، وليست تلك إلا قواعد وأسس النظام الإستبدادي والحكم الفردي القهري الظالم. وبالتحاق مكونات المجتمع المدني والمعارضة العلمانية باليمين الدستوري لم يعد الكلام يدور إلا على مجتمع سياسي يزداد نفوذا وقوة لصالح الإستبداد الذي هو من طبيعة كل مكونات نظام تحالف7 نوفمبر الرهيب الذي هو نظام تجليات كل مكونات الطائفة العلمانية اللائكية الهجينة الوريث غير الشرعي للمشروع الثقافي والفكري والسياسي لحركة الإستعمار الغربية في تونس كما في غيرها من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين وسائر بلاد المستضعفين في الأرض ومجتمع مدني أصبح في حاجة إلى إعادة بناء وتكون وتشكل.
 
فهل يمكن الحديث بعد انقلاب هذه المعادلة عن نظام ديمقراطي تعددي عادل؟.
 
إن الذي لا شك فيه أن نزعة الدكتاتورية والإستبداد عند اليسار الماركسي وعدم إيمانه بالمجتمع المدني هي التي جعلته ينهيه ويقضي ويجهز عليه في أول فرصة أصبح فيها طرفا مهما في السلطة، واقتضت مصلحته بكل انتهازية الإلتحاق بها بل ليكون الطرف الأهم فيها، ويعمل على تقوية المجتمع السياسي الذي لا يمكن أن يقيم نظاما ديمقراطيا، ولا يمكن إلا أن يقيم نظاما دكتاتوريا استبداديا.
 
فإذا كان من بين شروط قيام النظام الديمقراطي وجود مجتمع مدني قوي على اعتبار وقاعدة أن المجتمع المدني هو الذي أوجد ويوجد الديمقراطية والنظام الديمقراطي أو مجتمع سياسي ديمقراطي  قوي يستمد قوته وصفة الديمقراطية فيه من قوة المجتمع المدني الذي يكون قد تمخض وجوده عنه، فإن إضعاف اليسار الماركسي والقومي العربي للمجتمع المدني الذي يستمد قوته من توازن القوى الإجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية والإعلامية والفكرية والأدبية المستقلة المختلفة المكونة له بالإنسحاب منه باتجاه السلطة لتقوية المجتمع السياسي يتناقض مع زعمه في السعي لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي.
 
– فلا حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان ومساواة بدون مجتمع ومواطنة. – ولا حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان ومساواة بدن مجتمع مدني قوي.
 
وخلاصة القول فإنه لا حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان ولا مساواة بدون مجتمع مدني قوي ومجتمع سياسي قوي أو ضعيف يستمد قوته من قوة ذلك المجتمع المدني القوي ويستند إليه. إن الذي يتحمل مسؤولية إجهاض المجتمع المدني وتقوية جانب المجتمع السياسي في تونس هو اليسار الماركسي والقومي العربي بالتحاقه، بعيدا عن الوطنية وعن المسؤولية والمبدئية، باليمين الدستوري الذي بدا مقارنة بما كانت عليه الأوضاع بالبلاد لما كان يستبد بالأمر كله بها وحده، أنه كان الأفضل لما بدت عليه الأوضاع بها بعد صفقة التحالف التي تمت بينه وبين باقي مكونات الحركة العلمانية اللائكية الهجينة لإقامة نظام تحالف7 نوفمبر الرهيب بعد إطاحة حركة الشعب التونسي ببورقيبة سنة1987 وسرقة ثورته منه.
 
إن أول ما أتت عليه معاول اليسار الماركسي والقومي العربي في عملية الهدم هو المجتمع المدني الذي تشكل في الثمانينات وإمكانية إقامة نظام ديمقراطي كانت وشيكة في تلك المرحلة سواء قبل إزاحة بورقيبة عن السلطة أو بعدها.لقد ضاعت كل تلك المجهودات وكل تلك المكاسب. وكانت العودة إلى نقطة الصفر وإلى المربع الأول، ليجد التونسيون أنفسهم وللأسف الشديد أمام الحاجة الملحة للشروع مجددا في البحث في المجتمع المدني والعمل على إعادة بنائه وتشكيله ليعيد للمواطن اعتباره وللوطن هيبته وإشعاعه في ظروف سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية أكثر تعقيدا.

 

متى نخرج من القرون الوسطى؟

 

 » قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي إلى الحق أفمن يهدي للحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن  يهدى فما لكم كيف تحكمون «  يونس الآية 35 

إن ما يجعلني أرغب في الانتماء لحركة النهضة هو مستوى القمع المسلط على مناضليها

 

عبدالباقي خليفة (*)
 
ب( الامس ) كنا نتحدث عن قرون وسطى رأس الفاتيكان ، و( اليوم ) نجد أنفسنا مضطرين للحديث عن قرون وسطى 7 نوفمبر ، وذيول الديكتاتورية في تونس الذين لا يفقهون في الدين ، ويحاولون تدميره باسم التأويل ،ولا يفهمون في السياسة ، سوى الجانب الانتهازي ، أو المساندة على طريقة « رجال اليقطة  »  .
 
هناك عدة قضايا نريد معالجتها في هذا المقال المتواضع ، وهي خسارة النظام والمعارضة من وراء محاكم التفتيش التي نصبت للاسلاميين في تونس على مدى عقدين من الزمن ، 20 سنة من القمع والجدب الثقافي و السياسي والاجمتاعي والاقتصادي . حتى أصبحت مسألة عودة الاسلاميين للحياة السياسية العلنية من وجهة نظري الشخصية حتمية بالنسبة لنظام الحكم والمعارضة وقوى المجتمع المدني على حد سواء ، فليس بإمكان أي قوة من شأنها تحسين الأوضاع على كافة المستويات غير الاسلاميين الذين أصبحوا اليوم طوق النجاة لبن علي ونظام 7 نوفمبر ، وطبعا المعارضة .
 
لقد كانت السنوات التي أعقبت 7 نوفمبر 1987 كما جاء في مقال للدكتور خالد الطروالي ، مؤخرا سنوات رخاء بحكم الدعم الدولي من كل الجهات لنظام 7 نوفمبر ومشروعه تجفيف الينابيع ، والقضاء على الحركة الاسلامية في تونس . بيد أن الدعم الدولي انخفض في السنوات الأخيرة بعد انتهاء المهمة أو الانتهاء من الجزء الأكبر منها ، فساءت الأوضاع وأصبح التونسي يعيش في ضنك من العيش ، 90 في المائة من الرواتب تذهب لشراء المواد الغذائية ، وبالتالي ليس هناك مال كاف للذهاب للمسرح والسينما حتى لجأت محاكم التفتيش إلى اجراء الاجبار على الفرجة ، سواء بدفع الطلبة في المدارس لدفع مبلغ دينار للفرد لمشاهدة أفلام ليست من اختيارهم ، أوعرض تلك الافلام في القرى والاحياء السكنية رغم أنف أهلها .
 
لقد فشلت محاولات النظام استدرار دعم الممولين الايديولوجيين بما في ذلك اللوبي الصهيوني في أوربا و الولايات المتحدة ، والذي لا يتعامل مع الانظمة الديكتاتورية سوى بمنطق المصالح الظرفية ، فإذا انتهت مهمتها تناساها وتجاهلها إلى حين حصول تطورات تقتضي الاتصال معها من جديد وعقد صفقة جديدة . وليس أمام النظام اليوم سوى اللجوء للاسلاميين للعودة للحياة السياسية واطلاق سراح المعتقلين والسماح لهم بجريدة ، إلى حين استشعار اللوبيات لخطر الاسلاميين و تكليف النظام بضربهم من جديد بمقابل مادي كبير يعود على النظام وحاشيته و « رجال اليقطة  » من طابور الكتبة ، ب »قهوة  قمقومة  » أو رشوة معلومة .
 
عودة الاسلاميين للعمل السياسي العلني في تونس سيرفع من اسهم الاحزاب الاخرى في تونس ، فلم يعد الغرب يعول كثيرا على أنظمة انتهى عمرها الافتراضي ، فنظام 7 نوفمبر ليس سوى امتداد للحزب الاشتراكي الدستوري أو جناحه الغالب على سواه من أجنحة نتف ريشها وأصبحت أثرا بعد عين . لا سيما وأن أجنحة جديدة تولدت عن جناح بن علي تنتظر فرصتها للانقضاض على بعضها البعض بعد وفاة الطاغية .
 
وفي الفترة التي ستلي رحيل بن علي ،لن تكون هناك فترة حالكة كالتي عاشتها تونس خلال العقدين الماضيين ، سيكون هناك انتعاش للحريات ، لا سيما في حال وصول الاسلاميين للسلطة ، وعندها ستصبح فرنسا ( الحماية ) من أقوى رعاة الديمقراطية وحقوق الانسان ، ولن يكون للخبز والدواء الاولوية ،كما قال شيراك سابقا ( تذكروا ذلك ) بل الحريات العامة بما في ذلك حرية اللباس ، وسيكون الوضع السياسي التونسي تحت المجهر الغربي وليس الفرنسي فحسب ، وستتلقى الاحزاب التونسية ولا سيما اللائكية منها دعما ماليا و معنويا كبيرا إلى درجة لم يسبق لها مثيل في تونس والعالم العربي . ولا شك أن وضعا كهذا سيشعر النخب التونسية بالارتياح ويدفعهم إلى التعجيل به.ولن تستطيع أي حركة اسلامية تصل إلى الحكم الاستئثار بالسلطة أو تبادل مواقع الاستبداد . وقريبا ستكتشف الاحزاب المترددة في التحالف مع الحركة الاسلامية أنها كانت مخطئة في حساباتها عندما وجدت نفسها بين نظام قمعي قروسطي توليتاري يمثل كنيسة ايديولوجية تستخدم أساليب محاكم التفتيش في القرن الواحد والعشرين ، و بين حركة اسلامية ترتاب في مقاصدها وأهدافها ، ولذلك ركنت للنظام على علاته ، فزادها رهقا . فنظام اسلامي في تونس لا يمكنه تدبير أمور البلاد والعباد بدون استيفاء شروط الحكم الديمقراطي خاصة و أن بلادنا قريبة من أوربا و لا يمكن الاستغناء عن الضفة الشمالية مهما كانت طبيعة السلطة الحاكمة ، ولا سيما إذا كانت اسلامية حيث ستكون الشروط أكبر وأكثر وضوحا .
 
لقد أصبح نظام بن علي عالة على الغرب ، فهو لا يستطيع بتركيبته القائمة إحداث أي نهضة ، كما لا يستطيع لنفس الأسباب الاستغناء عن مساعدات الغرب ، وقد رأينا كيف انهكت قواه عندما قلصت مستويات الدعم الخارجي لقمع الحركة الاسلامية . نسبة البطالة تقدر بنحو 30 في المائة والتهاب الاسعار لم يسبق له مثيل ، و رواتب الموطفين لا تكاد تفي بالحاجة . والاوضاع السياسية في حالة انسداد ، والوضع الاجتماعي مرشح للانفجار ، وبن علي في طريقه للاندثار ، أيام معدودة ولله الامر من قبل ومن بعد .
 
وكما يؤكد علماء الاجتماع السياسي فإن أنظمة القمع تصنع نهايتها بنفسها مهما بلغت من القهوة ، فلا يمكن لنظام شمولي غير ديمقراطي ، يحكم من قبل فرد تدور حوله كل دواليب الدولة ووزراءها ومؤسساتها أن يحقق النهضة العلمية والاقتصادية المرجوة ، بل عندما يستمر نظام حكم في السلطة لاكثر من 8 سنوات تبرز المحسوبية والرشوة والانتهازية والطفيليات السياسية والاعلامية والاقتصادية ، وكل هذا واقع في تونس اليوم . إننا أمام هيكل نخره السوس ، وليس في حاجة سوى لهبة ريح ليسقط على الارض هباءا منثورا غير مأسوف عليه .
 
وإذا كان الشعب لا يهمه سوى رغيف الخبز فإن أنظمة الاستبداد كالنظام التونسي ليست مؤهلة لهذه المهمة ،و معاناة أصحاب الشهادات الذين يقع قمعهم في الشوارع وأعداد العاطلين الذين يرمون بأنفسهم في البحر وانتشار البؤس والفاقة لدرجة أن بن علي أمر بتوزيع مواد غذائية على المحتاجين في رمضان كما توزع المواد على المهجرين في أثيوبيا والصومال ومواطن الكوارث ، وهذا أكبر دليل عما نقوله .
 
ومع ذلك لا يزال نظام بن علي يبحث عن دور يخدم به الخارج بدل البحث عن حلول للعاطلين عن العمل و مواطن شغل لحملة الشهادات ، وبديل للهاربين إلى الشمال في مواسم الموت التي لا تنته . ولم يجد ذلك سوى في قمع فتيات يلبسن الحجاب .
 
لقد قدم نظام بن علي نفسه كنيسة قروسطية من زمن محاكم التفتيش تفسر مقاصد القرآن الكريم ، في كل شئ حتى الحجاب ، وتفرض هذا التفسير بقوة السلطة والبوليس ، وبلادة بعض الكتبة . لم يقل أحد بأن الحجاب هو المعيار الوحيد للايمان وأن من لا تلبسه ليست مؤمنة ، وحتى وإن كان هناك من يعتقد ذلك ( جدلا ) فليس من حقه ارغام الناس على اعتقاده ، ففي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان هناك نساء غير محجبات ، وهنا الفرق بين تطرف النظام و موقف أصحاب المواقف سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم . وإذا كان بن علي و من ولاه يقومون بتأويل النصوص بدون أهلية التأويل  حيث هناك اجماع بأنه  » لا اجتهاد مع النص  » وإذا كان الاجتهاد في عرف الجهلة ممكن مع وجود النص ، فهذا باب للتبديل والتحريف باسم التأويل والاجتهاد الذي لا يبقي دينا ولا قرآنا ولا سنة . فشيخ التأويل في تونس ومؤسسه بورقيبة هو الذي ( اجتهد ) و طلب من التونسيين ترك صوم رمضان ، فربما جاء من مدرسة التأويل من يجتهد بترك الصلاة والحج و قراءة القرآن ، وجواز شرب الخمر وأكل لحكم الخنزير . وهذا ليس مجرد افتراض من خيال الكاتب فهناك مشروع يعمل على نشر مدرسة التأويل هذه ، وتشمل تحليل شرب الخمر وأكل لحكم الخنزير . وقد ذكرت صحيفة « شام برس  » مؤخرا قيام دانيال بايبيس أحد زعماء ما يعرف ب  » المحافطين الجدد  » في الولايات المتحدة الاميركية بانشاء مركز دراسات جديد ضد الاسلام يحمل اسم  » معهد مكافحة الاسلام  » يتبنى إعداد تشريعات ملفقة تتناقض مع الشريعة الاسلامية ، تحت مسمى التأويل ، وتتضمن أنشطة المعهد العمل من أجل تغيير واستبدال مبادئ العقيدة الاسلامية و التركيز على الغاء المحرمات و تقديم فتاوي تبيح وتحلل ما حرمه الله مثل لحم الخنزير وشرب الخمور . وقال موقع « مفكرة الاسلام  » إن أطرافا تتعاون مع دانيال بايبيس أبرزها  » مركز التعددية الاسلامية  » الاميركي الذي يرأسه اليهودي ستيفن سفارتز،ويعمل حاليا من أجل مناضهة الحركات الاسلامية . بل من أهداف بايبيس إصدار تشريعات تعاقب كل من يعارض اسرائيل أو يؤيد الفلسطينيين أو يتعاطف مع الاسلام باعتبار ذلك عملا ارهابيا . وأصحاب التأويل في تونس يشربون من نفس الكأس ، ويزعمون أن ذلك من بنات أفكارهم ،و هم ليسوا سوى حمالين في عالم الافكار أو بالتعبير القرآني  » كالحمار يحمل أسفارا  » ومن هنا يتبين لنا من الذي يتاجر بالدين في سوق النخاسة ، من يدافعون عنه ،ومن يبيعونه مقابل السلطة وحفنة من الدنانير أو الدولارات كما يفعل نظام 7 نوفمبر وكتبته الكذبة .
 
إنه لا يمكن للظواهر الاجتماعية فضلا عن الشعائر الدينية وبالاخص الاسلامية أن يتم قمعها بالحديد والنار و الممارسات البوليسية كما حدثت مؤخرا في المعاهد والكليات التونسية ، بل أن ذلك يأتي بنتائج عكسية ، كما يدلنا على ذلك تاريخ الاديان والدعوات والايديولوجيات  » القمع أقصر طريق للظهور و التمكين   » كل الاديان انتشرت بين السكين والتراب المضمخ بالدماء ، حتى عصر الانوار لم يسطع إلا بعد سلسلة طويلة من المشانق و السجون وحتى الحرق  .
 
هناك ضريبة يجب أن تدفع ، فالديمقراطية لم تعرف الازدهار والانتشار والاستقرار إلا بعد تضحيات جسام ، ليس بظهور ديكارت و كانت و سبينوزا وغيرهم و إنما بتضحيات الكتاب والشعب الذي أسرجت بدمائه قناديل الحرية والديمقراطية في أوربا . لقد فعلت بعض المظاهرات والثورات في أوربا ما لم تفعله كتابات نجوم عصر النهضة ، بل مهدت انتشارها أيضا .
 
إن مصادرة الدمية فلة من محلات البيع ونزع الحجاب من على رؤوس الفتيات و منعهن من مزاولة تعليمهن في المعاهد والكليات يعبر عن عجز النظام عن الاقناع ومصادرته للاراء المخالفة حول الحجاب و محاولته فرض رأي و تفسير بايبيس و تاويلاته على الشعب وسيدشن ذلك لواقع كتم الايمان ، والمزيد من الكراهية للاكليروس النوفمبري ، لا بين الاوساط الاسلامية في الداخل والخارج فقط ،بل بين أفراد الشعب والامة الاسلامية قاطبة ،وسيسجل التاريخ هذه المخازي ضد نظام بن علي ، نظام لم يحقق للشعب سوى العار التاريخي ، لأن الاحفاد سيسألون لماذا سكت الناس عن عربدة بن علي مدة 20 سنة أو تزيد .
 
في سن الصبى كنت أسأل نفسي لماذا سمح العرب والمسلمون بسقوط الاندلس ، وأتذكر أني قلت بشماتة ، هاهم قد ماتوا ، وكان ما يمنعهم من نجدة اخوانهم هو الخوف من الموت ، ولكنهم أين هم الآن ، رمادا ، وفتاتا ،و رفاتا ، وسنكون نحن كذلك بعد حين فلما الجبن . وقلت أي موتة كانوا سيختارون لو أعيد عليهم نفس السؤال الآن ، دفاعا عن الوطن أو موتة كموت البعير كما قال سيف الله المسلول خالد بن الوليد  رضي الله عنه .
 
أخيرا أجدني واضعا يدي على خدي من شدة صفاقة وانحطاط البعض ممن يُـحـمّـلُـون ( بتشديد الميم)حركة النهضة والشيخ راشد الغنوشي جرائم بن علي ، الذي جاء بانقلاب و استمر بالتزوير ومصادرة الحريات و قمع المعارضة ومنظمات المجتمع المدني . وإذا كان هناك من تورط في أعمال عنف محدودة و معزولة ، فهل يعادل ذلك المسلخة و المحرقة المستمرة منذ 20 سنة . إذا كان هناك شخص قتل في حادث عنف ارتكبه شخص واحد أو مجموعة اشخاص وهي جريمة ،هل يبرر ذلك جرائم سجن عشرات الالاف و تشريد 10 آلاف انسان خارج تونس ، هل يبررتعذيب آلاف العائلات من خلال نقل المساجين لاماكن بعيدة عن مقر سكن عائلاتهم و نقلهم من سجن إلى آخر دون علم ذويهم . هل يبرر قتل العشرات داخل السجون سواء  تحت التعذيب أو من خلال الامراض التي أصيبوا بها داخل المعتقلات الجماعية التي تذكر بالممارسات النازية و الفاشية . هل يبرر حرمان الخارجين من السجن بعد سنوات طويلة من حقهم في العمل و اجبارهم على التوقيع في مراكز البوليس 12 مرة في اليوم ، إلى درجة فضل فيها البعض العودة للسجن على ذلك الوضع المهين . أو سعي البعض لبيع أطفالهم ، لم يحدث ذلك في أي مكان من العالم  . إن وجود الشيخ راشد الغنوشي وآلاف المظهدين في الخارج عار على النظام و ليس العكس ، فلو توفرت الحدود الدنيا من الحريات لما اضطر الآلاف للعيش خارج الوطن . كما أنه من العبث تحميل الحركة ورئيسها ما يعانيه المساجين في سجون محاكم التفتيش النوفمبرية . أما اللعب على وتر المقارنة بين الاوضاع في السجون و الخارج فهي تحمل أماني فاشية ، فالنظام وأزلامه يتمنون لو كان الجميع داخل السجون ، و يغيضهم ما يقوم به الشيخ راشد في الخارج و بقية إخوانه .
 
إني لست عضوا في حركة النهضة ، ولكن يشرفني الانتماء  لهذه الحركة المباركة ومستعد لتحمل كل التبعات ، كما أتمنى على كل من زلة به قدم ، و جمد عضويته أن يراجع نفسه قال تعالى  » واصبر  نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه و كان أمره فرطا «  الاية 28 من سورة الكهف
 
إن ما يجعلني أرغب في الانتماء لحركة النهضة هو مستوى القمع المسلط على مناضليها فالنظام الحاكم في تونس يعامل معارضيه ولا سيما الاسلاميين منهم كما يعامل النظام الصهيوني أهلنا في فلسطين ، سواء بسواء بل أن الاوضاع داخل فلسطين المحتلة ولا سيما في السجون أهون من نظيرتها في تونس  » ورب تلميذ فاق استاذه  » .
 
(*) كاتب وصحافي تونسي


 

الحمد لله وحده

 برهان بسيس « الكلاملوجيا »

على مبروك

Alimabrouk05@yahoo.fr 

احيي  من جديد وباحترام كبير تونس نيوز على نضالها المستمر وعلى إصرارها على البقاء بالرغم من كيد الكارهين لها – والحمد لله أنهم قليلون- وسعيهم الدائم لقصفها وطمسها من العالم الالكتروني ولكن ليس كل ما يتمنه المتسلط يدركه تجري الأحداث بما لا تشتهي الطغم.

احيي تونس نيوز لقناعتها المبدئية و الراسخة بحرية الرأي فقد فتحت الباب أمام كل الأقلام  اليمينية واليسارية والسلطوية و التحررية الجادة منها والهزلية، ولعل الأمر يعود لبركات المهجر، ذلك أن حرية الرأي داخل البلاد تعد من اخطر الجرائم- اخطر حتى من القتل والسرقة والمخدرات- قد تؤدي بصاحبها إلى قطع سبل رزقه أو رميه في غياهب السجن و يشهد على ذلك محمد عبو ومن قبله ومعه أعضاء النهضة.

تونس نيوز فتحت أبوابها حتى لؤلئك الذين لا يؤمنون بحرية الرأي أو على الأقل لا يفهمونها كما  تفهمها كل الأمم والشعوب حرية الرأي عندهم هي تلك التي يسمح بها سادتهم فقط. من هؤلاء نجد الإعلامي البارز بسيس الذي أوتي من فن الكلاملوجيا ما لم يؤت غيره . والكلاملوجيا لا تعني ابد فن الحديث والتعبير عن حقائق الأشياء والقضايا بشكل صحيح ولكنها ضرب من ضروب السفسطة تسعى للبرهنة على ما ليس له برهان وتعبر على الأشياء بمضاداتها وتعكس الأمور وتقلب سافلها على عاليها وتلوي عنق الحقائق باستعمال أسلوب الماكياج وكل ما يناقض الصدق . ومن لم يفهم معنى الكلاملوجيا يقرا  برهان بسيس الإعلامي التونسي البارز فمعظم كتاباته وأحاديثه  تعين السامع والقارئ على فهم معنى هذا « العلم »  القديم والأصيل عند الوصوليين و الذي قطع الصحفي البارز بسيس شوطا كبيرا في إعادة تأسيسه  « من تونس ومن خلا ل صحف تونسية وتحت أنظار الدعم والتشجيع والتنويه من الرئيس بن علي شخصيا ومسؤولي الدولة « .

 السيد برهان بسيس الصحفي التونسي الفذ كتب مقالا ظهر في نشريه تونس نيوز  23/09/2006 يرد فيه على  السيد عبد الحميد العداسي  واصفا إياه بالجهل كما وجد المناسبة سانحة أيضا ليعرج على أبناء النهضة ليصفهم بالتكفيريين. على كل حال  السيد عبد الحميد العداسي ليس بجاهل  ولا متطرف ولا تكفيري كما صوره السيد بسيس بل هو مثقف ومؤدب وابن عائلة ويربى أبنائه بشكل حضاري و على الآداب الإسلامية وحب الوطن ولا أظن أن وضعه كمعارض يخول للسيد بسيس أن يلصق به من التهم ما يشاء. ومهما يكن من أمر فلا اعتقد أن السيد عبد الحميد العداسي في حاجة لمن يعرف به فيكفيه أن يكون احد أبناء تونس البررة الذي لم تثنه غربته الطويلة عن القيام بواجبه تجاه وطنه. ليس وطنيا من سكن الوطن ودمره وخربه وليس خائنا من غادر الوطن كرها وقسرا .  

السيد بسيس استهل مقاله بآيتين كريمتين من سورة القصص ربما ليدلل على جهل خصمه وضيق آفاق تفكيره مقابل سمو نفسه ورجاحة عقله بما ألهمه الله من فهم عميق للإسلام و تأويل للإحكام حتى انه لم يجد في القران ما يمكن أن يكون تنصيصا لا خلاف فيه على وجوب الحجاب بالنسبة للمرأة. عن أي تأويل يتحدث السيد بسيس ومن من أهل العلم قال بان حجاب المرأة ليسا واجبا. ومن أين لك أن تسمي هذا الحجاب الذي ترتدينه المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها بأنه زي طائفي، انظر إلى دول الجوار انظر إلى كل الدول العربية انظر إلى آسيا وإفريقيا وأوربا وأمريكا، انظر إلى كل العالم فستجد هذا الزي في كل مكان، أهو كله طائفي؟ أم هي الكلاملوجيا؟ الحجاب آية من آيات القران الكريم الذي هو كتاب مقدس، يفترض في من آمن به أن يمتثل له ولا يستعمله لمجرد التدليل على « جهل » و »حماقة » الآخرين.

السيد برهان بسيس  لم يرد المرور دون أن يتكلم عن النهضة فوصفها بأنها مدرسة تكفيرية ومتطرفة؟؟  هذه الاسطوانة باتت رتيبة ، ولم يعد يوجد من يصدق مثل هذا الهذيان. أنا لست عضوا في النهضة ولكني من المقتنعين بها وقد التقيت بالعديد من أبنائها السابقين والحاليين أي ممن استقالوا وممن لا يزالون أعضاء فيها وكلهم من أجود ما أنجبت تونس ثقافة وفهما وتربية واعتدالا. تكاد تكون النهضة هي الحركة الإسلامية الوحيدة التي لم يصنفها الغرب والشرق من ضمن قائمة الإرهاب فهي مدرسة يفتخر بها التونسيون. أما فيما يخص حادثة باب سويقة المؤلمة فإنها خطأ و حدث معزول يتكرر باستمرار في تونس وفي كل العالم ، وكل من عرفته من أبناء النهضة إلا وتأسف لوقوعها وترحم على من فقد الحياة بسببها . هذا الحادث لم يتبناه الشيخ الغنوشي ولا غيره من قيادات النهضة اللهم من اجبر على تبنيه تحت التعذيب. بالذي خلقك يا سيد برهان ألم تر في ممارسة السلطة ما هو اخطر وافضح بكثير من حادثة باب سويقة؟ الم تر إلى الذين ماتوا تحت التعذيب؟ ألم تر  إلى الذين سجنوا منذ سنة 90 لمجرد مواقفهم السياسية؟ الم تر إلى الذين نكل بعائلاتهم أكثر مما ينكل بإخوتنا في فلسطين المحتلة؟ الم ترى إلى الذين هجروا حفاة  قسرا لمطالبتهم بالحرية وحق المواطنة.؟ أم هي الكلاملوجيا؟ لماذا تصر على قلب الأمور وأنت سيد العارفين؟؟

الشيخ الغنوشي لم ينس أتباعه من المساجين ولا حتى غير أتباعه. الشيخ الغنوشي يدافع باستمرار وبروح نضالية عالية ليس فقط عن من هم في السجن الصغير بل عن السجن الكبير تونس. الشيخ راشد  الغنوشي ليس من عشاق المهجر- لا احد من التونسيين في مأمن من التهجير بما فيهم برهان بسيس، ويكفي أن يعبر المرء عن راية حتى يعرف معنى السجن و المهجر –  لكنه راض بقضاء الله  لسان حاله يقول « بلادي وان جارت عليا عزيزة وأهلي وان ظلموني كرام » . الشيخ الغنوشي له قبول عند الناس في داخل تونس وخارجها ما لا يملكه رئيس الدولة بكل تأكيد، وان شأت قم بعملية استطلاع .  قضية المساجين هي هم مشترك بين كل أبناء النهضة حتى أولائك الذين تتصور أنت أنهم  ابتعدوا عن التنظيم واخذوا مسافة، بل إنها قضية كل المعارضة التونسية  بيمينها ويسارها ومستقليها. هذه حقيقة وليس كلاملوجيا.

السيد برهان بسيس يدعو  للسيد العداسي  بان يحميه الله من جهله ونحن بدورنا ندعو لله لبرهان بسيس بان يخلصه من مهنة السمسرة بالدين والقيم والمبادئ والوطن ولا يأكل بها الخبز فوالله تلك أمور ثمينة استشهد الرجال من اجلها. كما نرجوه ان يدع الكلاملوجيا ويتحدث عن الحقائق كما هي وان يسمي الأمور بمسمياتها. ليس أسوء من أن يستخف المرء بعقول الناس فالكل يعلم أن الحكم في تونس دكتاتوري والكل يعلم ان حرية الرأي والتعبير مفقودة   وما تبقى إلا أن يختار كل واحد صفه : النضال من اجل حرية وكرامة البلاد العباد او الدكتاتورية والكلاملوجيا وسلب العباد وتدمير البلاد.


لا نُـجـامـل ولا نُـعـادي ولكن دفـاعا عن الحق والوطن

مرسل الكسيبي (*)
 
قد يذهب بعضهم من أبناء الوطن الجريح نتيجة محنته السياسية,الى الظهور بمظهر البطولة حين يمعن في تقبيح الغير واظهاره بمظهر السواد القاتم في الليلة الشتوية,ومن ثمة الامعان في جلده وبيان قبحه وامتشاق السيف من أجل الضرب على يمينه وشماله ومن فوقه ومن خلفه توهما بمعاني القوة في مواجهة الخصم وحرصا على بيان معاني الرباطة والبأس في مواجهة من يتوهمه بالعدو اللدود في مسلسل حرب داحس والغبراء التي عفت عليها قيم الاسلام العظيم بعد كنس القيم القبيحة الموغلة في أتون الجاهلية.
 
هكذا يبدو المشهد السياسي التونسي هذه الأيام حين اتأمل في مايكتبه البعض من منطلق العدمية السياسية,وفي اطار من الخلط الرهيب بين الثابت والمتغير في عوالم المد والزجر الذي يتطلبه عالم الفضاء العام.
 
لقد كانت النقاوة والطهرية والثورية مقتلا رهيبا في بداية التسعينات التونسية لحراك الجامعة التونسية,حين تصور معاشر الطلاب في غفلة من الأمر عن كواليس العوالم السياسية أن الاضراب ومقاطعة الدروس والنزول الى الشارع ومواجهة قوى الأمن يمكن أن تبرره مجرد نقائص وجبة جامعية قيل لنا وقتها أن بعض منظمات الأمم المتحدة هي التي تتولى تسديد قيمتها أضعافا مضاعفة مع سداد منحة الطلاب !
 
ومن منطلق عدم الدراية بشروط الواقع وحيثياته ومتطلبات العملية السياسية الحكيمة والذكية وليس من منطلق جلد الذات ,دعوني أقول صراحة بلا وجل ولاخوف من أي جهة سياسية أن ماارتكبته بعض القوى السياسية المعارضة في بداية التسعينات في اطار سياسة الاستعصاء ومحاولة فرض الحريات كان كفيلا بأن ينسف جسور الثقة بين النخبة وكبرى حركات المغالبة التونسية.
 
كانت السلطة بلاشك في موضع الخطأ الفادح والرهيب حين شرعت استعمال أدوات القوة القهرية المبالغ فيها من أجل مواجهة تظاهرات الطلاب الحالمة بربيع تونس وثورتها الوردية,وكانت السلطة مخطئة ولاريب حين فتحت أبواب المحاكمات العسكرية على مصراعيها من اجل تبرير نسف الحريات في اطار مواجهتها الشهيرة مع حركة النهضة التونسية. 
 
لكن بعد مضي عقد ونصف على سنوات الجمر ,وعلى حقبة سنوات داحس والغبراء التونسية,أظن أنه على الجميع أن يمتلك الجرأة الكافية في أن يراجع نتائج هذه الحقبة الرمادية الداكنة من تاريخ تونس المعاصر,وبالتالي فان طرفي الصراع سلطة ونهضة مدعوان بلا أدنى شك أو ريب الى احداث ثورة هادئة في التفكير والممارسة بما يخرج البلد والمجتمع من مخلفات المعالجات الأمنية أو طرق التعاطي السياسي الثوري وغير المسؤول.
 
ليس دفاعا عن السلطة كتبت وليس رغبة في ادانة اخوان الأمس واليوم والغد اكتب الان,اذ أنني للتذكير أدفع ضريبة مواقفي السياسية الواضحة منذ أن عانقت المشهد السياسي التونسي مع نعومة اظافر الحركة التلمذية,ومازلت لليوم وأؤكد على أنني مصنف في خانة المعارضة ولم أنسحب منها ولن أنسحب منها بمشيئة الله ماظلت وفية لمبادئ شعبها وقيم شهداء معارك التحرير,غير أنني أرفض وبكل صدق وصراحة سياسة الاستبلاه التي يمارسها البعض على عقولنا من خلال الظهور بمظهر البطولة في مواجهة بعض من يدافع عن مواقف السلطة بأساليب التشنج والاستهانة والاستخفاف دون احترام مقدرات من يعتبره البعض خصما وأعتبره أنا صدقا شريكا في هذا الوطن حتى وان أخطأ التقدير في التعاطي مع مواطنيه  وحتى وان أصر الى حد هذا اليوم على عدم الاعتراف بوجود أزمة سياسية.
 
ان للسياسة سواء كانت متأسلمة أو متوجهة الى معاقل اليسار أو اليمين قواعد أخلاقية في ادارة الحوار,وهو مايغيب عن اذهان البعض حين يتصور نفسه محاميا بارعا عن حق المرأة المسلمة في ارتداء الزي الذي ترتضيه ويرتضيه رب العالمين,ومن ثمة يساهم من خلال منطق الاستخفاف بالاخرين وعدم احترام ذواتهم البشرية في ابعاد الشقة بين أبناء البلد الواحد والمصير المشترك,وبالتالي يساهم من حيث لايشعر في نسف محاولات جادة للاصلاح والمصالحة نبذلها مع اخوان اخرين من أجل وضع حد نهائي لحالة القطيعة والمواجهة بين السلطة الحاكمة وانصار الاعتدال الاسلامي .
 
من هذا المنطلق دافعت عن الأستاذ برهان بسيس في مواجهة أخ لنا ليس في قلبنا غل ولا حقد عليه,وانما اعتراض على طريقة حواره المستفز والمتشنج في مواجهة رؤية فكرية وسياسية اختلفنا فيها مع الأستاذ بسيس بمنتهى الشجاعة والصراحة ولكن أيضا في كنف الاحترام والحوار الهادئ والبناء.
 
لم تكن حواراتنا من قبيل العيب والحرج الذي نخفيه ولم نجد يوما حرجا في اعلان كل مانقدم عليه من خطوات جادة نعتقد انها تمهد الطريق من أجل غلق ملف الاعتقال السياسي,وأساليب المعالجة الأمنية لقضايا الاختلاف,ولذلك امتلكنا الجرأة والحمد لله في أن نصدع بافكارنا بحرية واختلفنا في ذلك مع قادة سابقين كانوا جزء من الأزمة الحاصلة في الساحة التونسية,ولم نجد أيضا ضيرا في المطالبة بتنحيهم من المسرح السياسي بعد أن فشلوا في قيادة احزابهم الى بر السلم والأمان وكانوا جزء من حالة التوتر التي أعاقت المشهد السياسي التونسي,كما وفقنا الله تعالى الى اعلان تمايزنا عن النهج الأمني الذي عالج به الرسميون في تونس قضايا الاختلاف السياسي ,ونقدناهم في صدق وشجاعة كلفتنا المنفى واعتقال البعض من الأهل وفقدان البعض الاخر…
 
ولكن يبقى أن لكل تجربة سياسية رصيد من التقويم والمراجعة,ولعل احدى محصلات هذا النهج الذي اخترناه بتوفيق من الله تعالى هي أن حالة القطيعة والخصومة المستمرة ونكران منجزات الاخرين والحرص فقط على كشف العورات سوف لن يؤدي في نهاية المطاف الا الى تأبيد حالة النفي والاذلال للفضاء العام,واستمرار حالة الركود السياسي الذي تعاني منه البلاد منذ مواجهات التسعينات الأليمة,ولذلك اقتنعنا بشكل واضح لا لبس فيه أن المعارضة البناءة تقوم على التوازن في الطرح والوسطية في النهج بعيدا عن منطق لي الذراع وكسر العظام والامعان في بيان شيطانية الاخر بعيدا عن مواطن الحق والانصاف .
 
هذا هو طريقنا اخترناه عن قناعة وعمق نظر وطول تأمل ووضعنا من أجله اليد في اليد مع كل من يريد التغيير السلمي والهادئ الذي لايتوانى في النصح والنقد وبيان اوجه الخلل والمطالبة بكل ماهو حق مشروع لن نتغاضى عنه في مقابل مصالح شخصية وهو مابلغناه في شفافية ووضوح لمن طرح علينا فرص العودة الى أرض الوطن .
 
ومن أجل هذا أذكر القائمين على الأمر في بلدي وعلى رأسهم رئيس الجمهورية السيد زين العابدين بن علي بأن طريقة تعاطيهم مع حق التونسيات في ارتداء مايرتضينه من ازياء اسلامية أوغربية طريقة خاطئة من شأنها أن تساهم في صناعة التطرف وتغذية بعض الحركات باجيال جديدة من المناضلين في مواقع غير مواقع التشييد والبناء والنهضة والاعمار.
 
ان تواصل الاعتقالات ذات المنحى السياسي والأمني سلاح قد يعود على الدولة والمجتمع بنتائج عكسية تنسف الأمن والاستقرار الذي تنعم به تونس,وان تواصل محنة المسجونين في اطار قضايا النهضة أو في اطار رأي حر كتب على أعمدة بعض النشريات الأليكترونية من شأنه أن يعطي الفرصة للبعض من أجل استثمار ذلك في زعامات وبطولات خاطئة كان من الأجدر أن تتوجه الى قضايا الخطط التنموية والاعمار ومعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد …
 
ان التردد في معالجة ملف المنفيين والمعتقلين لاعتبارات سياسية من شأنه أن يعطي الفرصة للبعض من أجل عكس صورة موغلة في الاسوداد عن الوطن الذي أحببناه تونس,وان التردد في اعلان العفو التشريعي العام من شأنه أن يضيع على التونسيين والتونسيات أوقاتا واعمارا ثمينة كان من الممكن أن تصرف باتجاه التفكير الجمعي في قضايا الاصلاح الاقتصادي أو سبل النهوض المعرفي والعلمي.
 
ان للمجتمع المدني حقوقا ومطالب لايمكن الغفلة عنها وهي موجودة في ملفات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ,والمجلس الوطني للحريات,والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل  وفي ارشيف الحزب الديمقراطي التقدمي وفي هموم التيارات السياسية التونسية غير المرخص فيها وفي نبض الشارع الذي تخفيه وسائل الاعلام التونسية بدعوى الخوف من مقص الرقيب تارة وبدعوى الهواجس الأمنية والسياسية تارة اخرى وهي أيضا متوزعة بين ملفات وزارة العدل حيث لابد أن تعالج قضايا الاصلاح السجني وظروف الاعتقال وأسباب الجريمة وقضايا حرية المرافعة وحصانة المحامين واستقلالية القضاء…
 
هذه في عجالة أهم القضايا المطروحة على التونسيين تضاف اليها هموم المعيشة اليومية والقدرة الشرائية ومعاناة شريحة واسعة من الضعفاء والبسطاء والمساكين.
 
لم أكن بالتأكيد فيما كتبت مرضيا للبعض ,فمرضاة جميع الناس غاية لاتدرك ,لكنني عبرت في صدق عن همومي وهموم البسطاء من التونسيين,بعيدا عن أساليب المجاملة العقيمة والديبلوماسية الرتيبة ,وحرصت فيما حبرت على التوازن والاعتدال في الرؤية من منطلق حضاري واسلامي ووطني وانساني وأسأل الله تعالى أن يجعل رمضان المعظم هذا فاتحة خير علينا جميعا نحن معشر التونسيين والعرب والمسلمين.
 
 (*) لمراسلة كاتب المقال يرجى اعتماد العنوان التالي: reporteur2005@yahoo.de
 
 (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الالكترونية بتاريخ 26 سبتمبر 2006)


 

حقيقتنا نحن !

ردا على مقال السيدة  سلوى الشرفي: « حقيقة « البابا » أم حقيقة الإسلام »؟

بقلم: ترشيشي 
 
أشارت السيدة  الفاضلة سلوى الشرفي إلى أن مقالي لا تختلف أدوات تحليله عن خطاب الرأي المقابل، فهو يقارب ″حدثا حصل من أسبوع، بمعلومات و أحداث و ممارسات، وإن صحت، فقد مرت عليها قرون، ويطالبان الناس بعدم الهروب من الحقيقة  »  انتهى  .
 
والحقيقة أني لم أرد ، مثلما أشرت إلى ذلك في بداية مقالي ذاك  ، إلى معالجة محاضرة البابا ولا إلى  خفايا و دلالات الشاهد الذي اعتمده البابا والذي مفاده أن الإسلام انتشر بسلطة السيف . لقد رمت ولا أزال مقاربة  الأسباب العميقة لردود الفعل التي أثارتها تلك المحاضرة ، وأكثر من ذلك أردت أن ألفت النظر إلى قضايا خطيرة ومصيرية تهمنا نحن كعرب ومسلمين ربما لخّصتها الأسئلة التي طرحتها في آخر المقال .  فلم أقصد من خلال   » لماذا نهرب من الحقيقة ؟  » التصفيق لمحاضرة البابا  أولشاهده  بقدر ما أردت أن أقول ان تاريخ  الإسلام والمسلمين  هو مثل المسيحية واليهودية لم يكن خاليا  أبدا  من الحروب والعنف مثلما تعلمنا كتب التاريخ والمصادر الإسلامية . فلماذا التكتم على ذلك واعتباره من المحرمات ؟
 
إذا  فالذي أردت طرقه هو في الواقع ، و بالتحديد ، هو إشكالية علاقة المسلمين بتاريخهم وتمثلاتهم لمفاهيمه وعناوينه الكبرى  وليس علاقة البابا بتاريخ المسلمين . فرود الفعل الهيستيرية  التي أثارتها تلك المحاضرة أو الرسوم الكاريكاتورية هي  في تقديري مسألة خطيرة تتجاوز مسألة ردود فعل مباشرة  غاضبة  على   » عنصرية ومآمرة غربية  » أو  » كره مسيحي صهيوني متأصل للإسلام  »  .
 
إنها تعكس احدى خصائص الشخصية الإسلامية المصابة بنوع من العصاب الرافض لكل نقد موجه للإسلام ولكل  قراءة جديدة مختلفة عن القراءات الأصولية لقضايا الإسلام حتى وإن كان أصحابها مسلمون يؤمنون بالله والرسول . فالبابا في هذا السياق هو ليس إلا مسألة ثانوية ، والمشكل ليس في المتلفظ  بل في الملفوظ ذاته  أصلا الذي لايقبله العقل الإنفعالي لدى المسلم المتعود على منظور أصولي  واحد  أحد في علاقته بذاته .  فنزعة التقديس والإطمئنان وثقافة النقل والاتباع  التي سادت ولاتزال قرونا طويلة لدى المسلمين شكلت ذهنية جمعية عنيدة ،  أضحت منغلقة على مفاهيمها  وتمثلاتها الخياليتين  : فمثلا ، الرسول هو آخر و أشرف وأفضل المرسلين ، ونحن أفضل أمة أخرجت للناس ، ونحن أيضا الفائزون  بالجنة في نهاية المطاف .  وهكذا ، فمن يحاول أن يناقش هذه المسائل بطريقة أخرى مغايرة للفهم  السائد   فمآله التجريم والتكفير والتأثيم ، وأحيانا القتل . فموقف عديد المسلمين من محاضرة البابا تتنزل في هذا السياق ، فالرفض إذا  هنا ، هو خصيصة هذه الذهنية الإسلامية الجمعية المنغلقة  التي تقدس عفة  كل من التاريخ والنص والقراءة  وتشيطن كل من يخرج على رؤيتها الأصولية الثابتة  ، بل انها  تحاول أحيانا ممارسة القتل المادي والمعنوي لإسكات الفكر الآخر وتصفيته  . ولنا في التاريخ القريب أمثلة حية على ردود فعل  تجاوزت الهيستيريا إلى الإرهاب ، حيث وصل الأمر إلى تدمير حياة باحثين ومفكرين وفنانيين مسلمين  فقط لأنهم قاربوا مواضيع إسلامية في سياق معرفي أكاديمي  بمناهج  علمية مختلفة وتوصلوا إلى نتائج جديدة . ( نصرحامد أبوزيد ، السيد القمني ، محمود محمد طه،  فرج فودة وغيرهم كثير )
 
حتى حركة النهضة التونسية ومن خلال تصريحات زعيمها الغنوشي تعتبر أن التعليم التونسي وخاصة المناهج المعتمدة في جامعة الزيتونة هي تحريفية  وموجهة  ضد الإسلام والمسلمين  ، لأن تلك المناهج  تشكك وتحاور وتفكك وتثوّر ، والمطلوب حسب هؤلاء ، هو تثبيت  طاعة التلقي العمياء للأصوليين وتأبيدها ، وقبول التراث مثلما فسره الماوردي وابن قيم الجوزية ، وابن تيمية وصولا إلى سيد قطب والبنا وابن باز وأحفادهم المنتشرين في أصقاع الأرض .
 
فردود الفعل الهيستيرية على كل من يتناول الإسلام بالنقد والدراسة  هي  في الحقيقة نفسها  سواء كان هذا المتناول  آخرا أو من النحن  .  فالشخصية الإسلامية تقر بصراحة أن مسألة النقد الذاتي  على الصعيد الديني هي تابو محرم وجب رجم  من يقترب منه ،  وأن الحديث عن الإسلام يكون مقبولا فقط حين يتفق أولا وأخيرا  مع ماهو سائد ومعلوم وثابت أزلي حسب الأصوليين .  ولا أبالغ هنا حين أقول ، ان  أهم  أسباب المأزق الحضاري والتخلف الشامل  الذي تعيشه أغلبية المسلمين هو بلاشك  بسبب هروبهم العصابي  من مواجهة تاريخهم وتراثهم و ورفضهم الكلي للنقد الذاتي وعقلنة ثقافتهم ، بل ان الأخطر في ذلك هو أن التصدي للعقلنة والإصلاح  والتحديث أصبح استراتيجية كبرى وأولية قصوى لدى هذه الأصولية المتحكمة في الناس ،  لمحاربة ما يسمونه بالتغريب والإنبتات عن الدين  والخروج عن  الهوية وقيم الإسلام .
 
لقد تم في الغرب الكشف عن الجانب الدموي والمظلم  من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية ، حيث أشبعت الحروب الصليبة وتاريخ جرائم محاكم التفتيش بحثا وتحليلا ، ويمكن العثور بيسر في المكتبات الأوروبية  على العديد من الكتب والدراسات التي دانت إرهاب الكنيسة الكاثولية وقد تم ذلك في أسيقة علمية وثقافية آمنت بالحرية والنقد الذاتي وبناء معرفة إنسانية وعقلية مستقلة عن مؤسسة الإكليروس ، حتى في إسرائيل نفسها  يسمح إلى حد بنقد الأصولية اليهودية وتاريخها ، أما عندها فإن ذلك  من المحرمات والويل كل الويل  لمن تسول له نفسه الإقتراب من تلك الجدران العالية والأسيجة السميكة  التي أصابها بسبب التقادم البهق والصديد ، حتى تعفنا داخلها وتعالت صيحات بعضنا لطلب النجدة من الآخرين .
 
باختصار ان ردود فعل غالبية المسلمين العنيفة على أقوال البابا حول الإسلام لها علاقة وثيقة   بتلك الذهنية الإسلامية  التي  ترفض رفضا مطلقا النقد الحر للمقدس والحرية في إبداء الرأي في مواضيع الدين ، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الأقليات وحرية المعتقد وحرية الفرد وقضيا مثل تأويلات  مفاهيم  الحجاب والهوية والمساواة بين الجنسين . والنتيجة هو أن غالبية المسلمين من خلال ردود أفعالهم  تلك تثبت ان ثقافتهم الإسلامية لم تعرف التطور منذ قرون  ولاتريد أن تتجدد لتواكب العصر وهي مكتفية بتاريخها وأحلامها وخيالاتها العتيدة ، و انها منقطعة عن العالم الحديث وقيمه الجديدة . بل ان الفزع الذي أبداه  الكثير من المسلمين كرد على الرسوم الكاريكاتورية ومحاضرة البابا هو إشارة واضحة إلى أن الدين لدى هؤلاء هو الشيء الوحيد الذي يبجل ويقدس ويهتم به وماعدا ذلك فهو ضلال ! .
 
وأتصور ، أن النظرة الدونية لبعض الغربيين لنا وعنصريتهم  أحيانا ، هي ليست فقط  بسبب  لأننا مسلمون أو لأن تاريخنا عرف العنف والسيف ، بل لأن حاضرنا مترد ورهيب  ومفزع حد الإرهاب ، وأصبح يهددهم هم أيضا ،  وخاصة على مستوى  قيم ومثل  حقوقية وإنسانية أجمعت عليها كل الأمم ماعدا أمة المسلمين ، والعارف بظروف المرأة والإنسان بشكل عام في دول مثل السعودية و السودان و أفغانستان أو في تلك الدول التي تقترب تطبيقات  نظامها السياسي من  قراءات الأصوليين الإسلامويين  يدرك أن الشخصية الإسلامية في تلك الدول وفي أخرى مشابهة  هي  بالفعل شخصية  عنيدة ، متكلسة  ورافضة  للحرية وللعقل ولكثير من حقوق الإنسان ، وهي بذلك غير قادرة  بنيويا على اجتراح الديمقراطية والتقدم والتحضر الإنسانيين .


حقيقة الإشكال في محاضرة البابا

  

 
طارق الكحلاوي (*)
 
بالرغم من الكثير من الأحاديث والمقالات يبدو أن الإشكال فيما قاله البابا يفتقد الدقة لدى الكثيرين. وبالرغم من أن الكثير من المسلمين يشيرون إلى الفقرة المأخوذة عن الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1391-1423) على مشارف أنقرة وهو يستعد لمواجهة الجيش العثماني فإن الاقتباس أو الاستشهاد بفقرة لشخص آخر لا تعني في ذاتها تجنيا ما، وهي الحجة المناسبة التي اعتمدها البابا باعتبار أن ما قاله مانويل الثاني لا يمثل حسب زعمه موقفه الشخصي.
 
الإشكال في الحقيقة يكمن في موضع آخر وهو ما لا يمكن التوصل إليه في حالة التوقف عند قراءة الفقرة المأخوذة عن مانويل الثاني، إذ لا ينبغي الاعتقاد كما يعتقد الكثيرون أن ما قاله البابا استنساخ دقيق لأجواء قروسطية مسيحية (إمبراطورية-بابوية) تجهر بالعداء الديني ولا تقبل الاختلاف.
 
إنما كلام البابا يأتي في إطار فكر أكثر ليونة يستفيد من بحوث حديثة استشراقية ولكن، بالرغم من كل ذلك، يظهر الحدود الراسخة للحوار المنشود، لأنه يبين أن الدعاة من أجل هذه الجزرة هم بالذات من يمكن أن يوفر أرضية للاختلاف، بل وحتى للتلويح بعصا تتشبه بعصا الصراع الديني القروسطية.
 
إن ما قاله البابا لم يكن استنساخا للروح الصليبية كما يبالغ البعض في تحليلاتهم، ولكنه أيضا لا يؤسس لحوار بين الجانبين لأنه يتعمد الخلط بين التعبير عن الاختلاف والتجني.
 
وفي الواقع لا يعبر ذلك عن إرادة ذاتية مجردة عن الظرفية التاريخية الراهنة التي حدد أهم ميزاتها ولو لأسباب ليست موضوعية دائما، صموئيل هنتينغتون.
 
استشراق بابوي
 
الإشكال الأساسي في محاضرة البابا يبدأ عندما ينتهي من نقل مقولات مانويل الثاني وتقديم تفسير عمومي لا يمس ضرورة الإسلام إن أردنا حسن الظن بالمتكلم.
 
فبعد تعليق عام على كلام الأخير يؤكد الدرس المستخلص ضد « الإكراه في الدين » والقاضي بأن « عدم العمل وفقا للعقل (أي من خلال استعمال العنف) هو ضد الطبيعة الإلهية »، يقول البابا ما يلي:
 
« المحقق، ثيودور الخوري، يلاحظ أن فكر الإمبراطور البيزنطي تشكل على أساس الفلسفة الإغريقية، لكن الله بالنسبة للتعاليم الإسلامية متعال بشكل مطلق، إرادته لا تتحدد بأي ترتيب من ترتيباتنا، حتى تلك المتعلقة بالعقلانية.
 
هنا يذكر الخوري عملا لعالم الإسلاميات المعروف الفرنسي ر. أرلانديز الذي يشير إلى أن ابن حزن (كذا في أصل محاضرة البابا) ذهب إلى حد أن الله لا يتقيد حتى بكلامه، وأن لا شيء يجبره على الإفصاح عن الحقيقة، وهكذا إذا أراد الله فإننا يمكن أن نكون وثنيين حتى » (انتهي كلام البابا).
 
هذه هي الفقرة الإشكالية الأساسية في المحاضرة، إذ يذكر البابا بروفيسور الثيولوجيا والمستشرق في الفقه والقرآن، الأب عادل ثيودور الخوري، اللبناني الأصل والعميد السابق لكلية مونستر، ليس بوصفه محققا للمصدر الذي نقل عنه مقولات مانويل الثاني (والذي نشره سنة 1966) بل بوصفه معلقا على كلام الإمبراطور البيزنطي.
 
ويمضي أيضا للاستشهاد بإحدى دراسات المستشرق الفرنسي الراحل روجي أرلانديز حول فقيه المدرسة الظاهرية ابن حزم الأندلسي.
 
وأرلانديز من المستشرقين المحنكين الذين يتفادون على الأقل في ظاهر النص أي تصرف تمييزي وغير موضوعي تجاه الإسلام.
 
ولكن من غير الصدفة أن يشير إليه الأب عادل الخوري بأنه تعرض بشكل خاص لموضوع « الجهاد » وساهم في صياغة أفكار الرأي العام الغربي، لا الأوساط الأكاديمية فقط حوله بفعل ما يمنحه موقعه الأكاديمي المميز (عضو الأكاديمية الفرنسية) من تأثير اجتماعي يبوئه مكانة القول الفاصل في مواضيع الإسلام.
 
وهكذا مثلا في حصة إذاعية مشهورة بتاريخ 31 يناير/كانون الثاني 1994 يطرح بالتحديد السؤال الذي يعلم جيدا كما أشار هو بنفسه أنه سيثير « ردود فعل » من قبل الكثيرين: « هل الإسلام دين إرضاخ؟ » بمعنى هل الإسلام دين عنف في جوهره وليس في أفعال بعض الفاعلين التاريخيين المنتسبين إليه.
 
والمشكل هنا ليس في مجرد التركيز على هذه النقطة بقدر ما هو في الملاحظات التي يسوقها والتي تجعل الإسلام ظاهرة مميزة بين الديانات الكبرى، وخاصة مقارنة مع المسيحية، في إخضاع الآخرين واستخدام العنف للهيمنة الأرضية.
 
وعلى سبيل المثال يشير إلى نقطة مماثلة جدا لأطروحة بنديكت حول أن القرآن بوصفه قادم من الله يعطي للحرب معنى إطلاقيا خاصا بمنطق إلهي بحت وهي وضعية مختلفة، حسب أرلانديز، عن الإنجيل حيث لا ينزل الكتاب من اللسان الإلهي.
 
وعلى الرغم من تجنبه الحسم في السؤال الذي يطرحه معتبرا أن هناك براهين على الحسم بالإيجاب أو بالسلب فإنه يحرص على التأكيد على أن الإسلام « وحده من بين الديانات الكبرى هو الذي يتم اتهامه بتهم كهذه »، مما يدفع إلى القول بأن ذلك لا يمكن أن يكون مجرد صدفة.
 
إن تركيز أرلانديز الخاص على هذا الموضوع يجعلنا نفهم استعمال كتاباته، ولو بشكل تعسفي، من قبل متطرفين يمينيين في الغرب ومعادين صريحين وفي الجوهر للإسلام بوصفه « سبب البلاء » الراهن في العالم.
 
ويتم الاستشهاد بكثرة إما بالحصة الإذاعية أعلاه أو بمقال كتبه حول رؤية ابن حزم لمسألة « الجهاد »، والمقال الأخير بالتحديد يحيل عليه أندرو بوسطوم (طبيب ومستشرق قليل الموضوعية وهاو ولكنه شهير بفضل علاقاته) المساهم في الموقع الأميركي اليميني-المتطرف « فرونتبيج ماغازين » في أحد مقالاته حول « إخضاع » الإسلام لأوروبا.
 
اختيار البابا للمستشرقين المذكورين ليس اعتباطيا إذ يوجد تناسق بين أفكارهما حول النقطة المحددة التي انتهى إليها والتي تمثل خلاصته الشخصية، لا مجرد اقتباس لمقولة الإمبراطور البيزنطي.
 
وهذه الفكرة متمثلة في أن الإسلام ليس مجرد دين هلامي غير معروف، بل هو مجرد أوامر منزلة ولا يخضع إلى أي نسق عقلاني داخلي مثل المسيحية لأنه بالنسبة لنا كمسلمين « إذا أراد الله فإننا يمكن لنا أن نكون وثنيين حتى ».
 
لم يستشهد البابا بمقولة الإمبراطور البيزنطي لدحضها، كما أنه لم يستشهد بها لمجرد عرض فكرة قروسطية يحرص على إقامة بعض المسافة منها، بل إنه يجد فيها صدى قديما لفكرة تحتاج التذكير فحسب وليس التأكيد.
 
وهنا لعب الخوري وأرلانديز دور المستشرق المعاصر الذي يعقلن ويوضح انطباعات إمبراطور قروسطي.
 
الغرب والإسلام
 
ذهبت بعض التقارير الصحفية الغربية وحتى العربية إلى أن من كتب محاضرة البابا كان يرغب في التأكيد على مرحلة جديدة في الكنيسة الكاثوليكية قد بدأت تتميز بغلبة خط محافظ، أطلق عليه البعض « صقور الفاتيكان »، يتزعمه منذ مدة طويلة البابا بنديكت السادس عشر في مقابل خط أكثر اعتدالا « الحمائم »، كان يتزعمه البابا يوحنا بولس الثاني.
 
وحسب نفس التقارير يشق الصراع بين هذين الخطين محاور عديدة من بينها كيفية « تعزيز ونشر الهوية المسيحية » حيث يدافع « الصقور » عن رؤية ترى في ترسيخ الفروق بين المسيحية وبقية الديانات وسيلة مناسبة لتقوية المسيحية، في حين يرى « الحمائم » أنه يجب الاكتفاء بالتركيز على أهمية المسيحية من دون التعرض لبقية الأديان.
 
وفي حالة ما إذا كان ذلك الصراع حقيقيا فإنه طبعا سيكون وثيق الصلة بطبيعة « الحوار » الذي تعتزم الكنيسة الكاثوليكية بخطها السائد حاليا القيام به مع الإسلام.
 
غير أن هذا التحليل لا يعكس بالدقة الكافية الصورة بالغة التعقيد التي أمامنا، والدليل على ذلك أن يوحنا بولس الثاني قبل نسخة من القرآن في مناسبة التقائه بمسيحيين ومسلمين عراقيين في شهر يونيو/حزيران 1999.
 
وتلك الخطوة أطلقت عددا من الانتقادات حتى من داخل الفاتيكان قيل فيها إنها حركة غير مناسبة بالنسبة لصورة المسيحية.
 
واللافت آنذاك أن وكالة أنباء الفاتيكان أوردت ذلك الخبر مبررة خطوة البابا بكتاب حول القرآن للأب عادل ثيودور الخوري صدر سنة 1996، مشيرة إلى أن قراءته مفيدة « للرقي بالعلاقات المسيحية الإسلامية ».
 
وفي الواقع كتب الأب الخوري الكثير من الكتابات التي تشدد على أهمية الحوار بين المسيحيين والمسلمين، غير أن الملاحظة المنقولة عنه أعلاه من قبل البابا تبين كيف أنه يريد الحوار مع دين لا يعتقد أنه يتحمل في ذاته حدا أدنى من العقلانية.
 
يتماثل ذلك إلى حد ما مع رؤية أرلانديز لكيفية إجراء الحوار بين الديانات الكبرى إذ أوضح في إحدى المرات أنه يسعى « للتمييز لتحقيق الوحدة ».
 
و »التمييز » هنا وكما رأينا أعلاه يتم بين « إطلاقية » الإسلام غير المضبوطة بشريا، وإنجيل متواضع أكثر مع الحدود البشرية.
 
وهكذا في الجوهر حتى دعاة الحوار، ومن ثمة من يوفرون الحد الأدنى من التوافق، يملكون رؤية للإسلام لم تحقق قطيعة كاملة مع الرؤى القروسطية، وذلك مؤشر على مسألة في غاية الأهمية تحمل على التفكير بجدية أكثر في أطروحة صموئيل هنتنغتون عن « صراع الحضارات ».
 
إن المأزق الذي تعيشه الرهانات الكونية للحداثة والانكماش الثقافي الناتج عن ذلك، وما يتأسس عليه من مرجعية ثقافية غالبة في الصراعات الدولية هو السمة الأساسية لهذه الظرفية.
 
وبمعنى آخر فإن الصراع السياسي القائم حاليا والذي يشمل بالضرورة أطرافا على علاقة بالبابا، والذي يجب أن نتذكر أنه رئيس دولة غربية هي الفاتيكان، يأخذ بالضرورة تمظهرا ثقافيا ساطعا ذا بعد ديني بفعل الظرفية التاريخية الراهنة.
 
وهكذا مثلا لا ينبغي أن نتصور أنه سيكون هناك أي أثر مماثل لما قاله البابا أو رئيس دولة الفاتيكان في ظرفية مغايرة مثل الحرب الباردة.
 
في معادلات هنتنغتون هناك فشل غربي في تمثل الذات الغربية كذات غير حداثية أو كونية تماما، وهناك طبعا في المقابل ما يكفي من الأدلة على اقتران الحضارات، إذ كان جزء هام من الإسلام دعامة أساسية لجزء كبير مما نعنيه اليوم بالغرب، أو مثلما يحاج بكثير من النجاح مستشرق من مدرسة أخرى، ريتشارد بوليات، حول وجود « حضارة مسيحية-إسلامية » في الفترة الوسيطة.
 
ولكن ما يعنيه هنتنغتون هو أنه لا يمكن تمثل هذا الاقتران بالقدر الذي يتم فيه تمثل الحدود في الظرفية التاريخية الراهنة، وبمعنى آخر فإن الحوار الوحيد الممكن في المستقبل المنظور سيكون حول حدوده وليس آفاقه.
 
لكن رغم ذلك لا يوجد ما يكفي من المعطيات للإشارة إلى تكرار الصراع القروسطي الأعمى.
 
(*) كاتب تونسي
 
(المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 26 سبتمبر 2006)

نصر اللّه مخطئا هذه المرة

بقلم برهان بسيس
 
احتفالية النصر الأخيرة التي اقامها حزب الله في الضاحية الجنوبية شكلت محطة جديدة ضمن حرب الحشود التي دخلها لبنان منذ مقتل الرئيس الحريري ولكنها هذه المرة كانت مزدوجة الرسائل الواضحة تجاه اسرائيل من جهة وفرقاء الداخل من جهة أخرى.
 
في ما وراء الاستعراض ولهجة التحدي التي لخصها الأمين العام لحزب الله في مجرد ظهوره العلني رغم تهديدات اولمرت واركان جيشه فان لغة خطاب حسن نصر الله تجاوزت هذه المرة طابعها الهادئ الحكيم الذي طالما احرج الخصوم ومثّل مفصلا من مفاصل التميز في حضور حزب الله ومكانته سواء في الداخل اللبناني او في أوساط النخب العربية.
 
حماس النصر واجواء الحشود الهادرة والاعتزاز بصمود نال الاعجاب والتعاطف الكاسحين افقد السيد حسن نصر الله شيئا من هدوئه وتوازنه المعتاد وكأنه كان ينتظر مثل هذه اللحظة ليخرج للعلن ما اجتهد على اخفائه ايام المواجهة خدمة لوحدة الداخل اللبناني ومستقبل الوحدة الوطنية والحوار مع فرقاء السياسة وشركاء الوطن.
 
كم كان الأمر سيبدو مفحما، ذكيا ومقنعا لو حافظ نصر الله على نفس منطق الهدوء والتجميع والسمو فوق الخلاف في تفاصيله حتى اكثرها سطحية وسذاجة (مثل التراشق بتلميحات النسب العائلي حول الوجاهة والباكوية في تلميح واضح لوليد جنبلاط)، خاصة وان حزب الله يخرج اليوم اكثر من اي وقت مضى قويا، منتصرا، مثبتا للداخل اللبناني قبل الخارج انه الورقة الأقوى والرقم الذي لا غنى عنه في معادلة البناء الداخلي للدولة والمجتمع.
 
هذه العناصر كان من المفترض ان تمنح الحزب وامينه العام ثقة اكبر في خطاب الهدوء والتوازن والتعالي عن الانخراط في التراشق السياسي مع فرقاء الداخل مهما كانت الاساءات فجة ومغرضة في حق الحزب وخياراته من طرف معارضيه اللبنانيين لان المنتصر القوي يملك من رصيد النصر الحافز الذي يشتق منه الحكمة والتوازن اكثر من القوى السياسية التي تكتفي بدور المشاهدة والتعليق، ولعل ما شكل في تقديري ذروة الاندفاع الغير محسوب في خطاب نصر الله هو تلميحه الغير ايجابي لبكاء رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي تناقلته كاميراهات العالم ابان الحرب الأخيرة واصفا اياه بانه بكاء عاجز لا يستطيع حماية الدولة، هنا بالذات اعتقد ان الامين العام قد اخطا حساباته واخذته العزة بالنصر بان جعلته ينسى ان موقفا مشرفا قد اتخذته حكومة السنيورة رغم خلافها المعلن مع تقديرات حزب الله في عملية خطف الجنود هو ما شكل حجر الاساس لصمود لبنان شعبيا وسياسيا في وجه العدوان وما اعطى لقضية الشعب اللبناني حينها دعما سياسيا في اروقة التفاوض الديبلوماسي الذي انتهى بقرار وقف اطلاق النار..
 
نصر الله كان ذكيا الى حدود تلقائيته السياسية النادرة في اعترافه انه اخطا في تقدير رد الفعل الاسرائيلي لكنه في خطاب النصر الالاهي الاخير لم يتماسك نفسه امام اللعبة التقليدية للخطاب السياسي العربي حين يفقد توازنه تحت وطأة غواية الحشود ومشهدها الهادر.
 
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 26 سبتمبر 2006)


التونسي في رمضان.. وبابا الفاتيكان

كمال بن يونس
 
استقبل التونسيون مع مئات ملايين المسلمين في العالم أجمع شهر رمضان المعظم ..كل على طريقته..مع كثير من التفاؤل ..جعله الله مباركا على الجميع ..ويقترن شهر الصيام هذا العام بالمذابح اليومية التي تستهدف مئات الأشقاء العراقيين والفلسطينيين والأفغان والسودانيين والصوماليين.. (والقائمة طويلة ..والأسباب متعددة من أهمها الاستعمار وعوامل داخلية ..منها انتشار ثقافة العنف)..
 
كما حل شهر الصيام بعد الضجة التي أثارها بابا الفاتيكان الجديد.. بسبب تصريحات استفزت مشاعر مئات الملايين من المسلمين …وذكرتهم بزلات لسان السيد بوش الابن وأمثاله من الساسة «الأبرياء» .. وسواء أقنعت الكلمة التي توجه بها البابا امس الى سفراء الدول الاسلامية بمناسبة شهر رمضان أم لا ..لانها لم تتضمن اعتذارا مباشرا ..فانها تفتح الباب لصفحة جديدة من الحوار ..
 
لكن إذا كان من حق الجمهور العربي – بما في ذلك في تونس – أن يستاء من استفزازات البابا وبوش الابن وغيرهما لمقدساته  الدينية فكيف نفسر ما نسمعه ببلادنا في بعض الشوارع والمقاهي والمدارس والملاعب الرياضية والساحات العامة والشواطئ والحمامات ..من سب للجلالة وللدين واستعمال للكلمات البذيئة جدا من قبل شباب وكهول من الجنسين؟؟.. دون مراعاة  تواجد الطفل مع أمه..والبنت مع والدها ..و الأخ مع أخته؟؟
 
أليس في ذلك نيلا من المقدسات واستفزازا يوميا للسلوكيات المتحضرة؟
 
لماذا يلام البابا وبوش وشارون والمعمر («بوبرطله») ولا نحاسب أنفسنا ..عن انتشار ظواهر غريبة جدا من العبارات الإستفزازية لكل الأديان والمقدسات والآلهة  والكلمات «السوقية»؟؟
 
هل ينبغي الاحتفال بشهر رمضان فقط عبر مزيد من المقروض والبقلاوة والبريك والغريبة أم بتحسن سلوكيات التونسي والتونسية اليومية ..عبر وقف كل مظاهر العنف اللفظي والمادي ..لأن شهر رمضان ينبغي أن يكو ن أولا شهر المودة والتحابب والتراحم وليس موعدا متجددا مع «المحششين».
 
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 26 سبتمبر 2006)

 


ألف سنة بين أوربان و بنيديكت ولم يتغير شيء!

د. المتوكل طه (*)
 
ما كدنا ننتهي من الرسومات المسيئة للرسول الأعظم، والتي ذكرتنا بالناسك بطرس الذي حمل رسما يظهر فيه التركي الفظ وهو يضرب المسيح، وراح يلوب في المدن والقري يثير الناس ويحرضهم لتخليص قبر المسيح من الأتراك الملاحدة أو من المحمديين الوثنيين … حتي طالعنا بنيديكت XVI بتصريحاته الممضة، ولتخرج علينا صحيفة لو فيغارو الفرنسية وهي تصب علي النار زيتا.
 
وها نحن نري سباق المثقفين الغربيين من كتاب ومخرجين وسياسيين ومفكرين وفنانين في توجيه الاهانات العميقة للاسلام، وسبق ذلك في بداية القرن العشرين بحثٌ محموم لتقديم الاسلام بطريقة مشوهة تدعو الي الرثاء، وجرت قراءة الاسلام وتفسيره بمناهج البحث الغربية وبالمنطلقات القيمية والمعرفية الغربية، فأصبح الاسلام ظاهرة ضد المدنية والتقدم باعتباره دينا مسلحا يخلو من الطرب والخمر وحرية النساء وحرية الغلمان، وليس من الغرابه ان دعت العلمانية الي مذهب الغلمانية وسنت القوانين وسيرت المظاهرات تاييدا لهذا المذهب الذي اصاب قوم لوط فخسفهم ربهم اعمدة من الملح المر.
 
والمشكلة هنا انهم يهاجمون اسلامنا وينهبون ثرواتنا ويحتلون أرضنا ويغيرون مناهجنا ويعلموننا الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية المرأة وحرية اللواط ايضا.
 
ومنذ العام 1830 وحتي هذه اللحظة ونحن لم نتعلم شيئاً سوي الفوضي والتفكك ومزيد من التشظي والتخلف دون ان نتخلي عن الاسلام، اذن، هناك مشكلة حقيقية، وبدلا من ميلاد انظمة ومجتمعات تتعلم من الغرب وتسير علي هديه ومنهجه، فقد زرع الغرب في بلادنا اسرائيل لتكون لنا نموذجا يحتذي في احترام حقوق الانسان وحقوق الغلمان ايضا، وبدلا من ان تسير خطط التنميه والتقدم والتحرر في بلادنا، فقد ضرب الغرب بيديه او باياد اسرائيلية كل علامات التقدم والتنمية، وهكذا فان بلادنا التي تسبح علي بحار النفط والذهب والفوسفات تحولت – بقدرة قادر – الي أفقر بقاع الأرض وتحولت مجتمعاتها التي تربط بينها روابط اللغة والتاريخ والهدف الي اكثر المجتمعات فرقة واختلافا.
 
وبعد كل هذا الظلم والاحتلال والاستغلال والاهمال والقتل والهدم والتفكيك والتهميش والتحقير، يأتي مثقف ما او مفكر ما او سياسي ما ليعلمنا الاسلام الصحيح واللغة الصحيحة والديمقراطية التي لا مثيل لها! فنغمة المستشرقين الأوائل الذين كتبوا تقاريرهم للمخابرات ومن ثم حولوها الي كتب علمية تناقلها مثقفنا العربي وجعل منها هاديه ونبراسه، تتكرر اليوم بالطريقة ذاتها، ولكن باختلاف ان من يُصدر النغمة هم السياسيون والقادة الاقل ثقافة او قُل الأكثر غباءً في العالم.
 
وحتي نضع الامور في نصابها الصحيح، وحتي لا نضيع في متاهات وردود أفعال انفعالية ونتحول الي مدافعين عما الصق بنا وبديننا من اتهامات، فان من دواعي الحق والحقيقة القول ان كل هذا يَصُب في خانة واحدة، عنوانها الكبير والصغير، السيطرة علي منطقتنا العربية والاسلامية خدمةً لهدفين اثنين لا ثالث لهما:  نهب ثرواتنا من جهة وحماية اسرائيل من جهة أخري ولا شيء آخر.
 
ونذهب الي التاريخ قليلا ففي يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1095 ـ أي قبل ألف سنة تقريبا ـ وقف البابا اوربان في مدينة كليرمونت بفرنسا وقال امام ثلاثمائة وعشرة من الأساقفة والقساوسة ما ننقله بالنص هنا يا خزينا، يا عارنا، اذا ما انتصر جنس يتسم بهذه الحقارة والانحطاط وتستعبده الشياطين والعفاريت، علي شعب انعم الله القدير عليه بالايمان وتباهي باسم المسيح . في هذا الخطاب الذي شكل الأساس لما عرف في حينه بالحروب الصليبية، وصف البابا المذكور المسلمين بهذه الأوصاف الجنس الخسيس، الكفار، البرابرة، الأتراك وهذا الكلام لا نتقوّل به علي احد، بل هو وارد في كتاب لقسيس يدعي فوشية الشارتري بعنوان تاريخ الحملة الي القدس ، وكان هذا المؤلف القسيس اول قسيس صليبي في اول امارة صليبية اقيمت في بلادنا.
 
وبعد ألف سنة نسمع من جديد ان الاسلام فاشي، وان الحضارة الغربية افضل من الحضارات الاسلامية وان الاسلام متوحش وان هناك اسلامين: واحد ليبرالي مسالم وطيّع وناعم ومقبول، وآخر ارهابي ومتعصب ومتزمت، وان المسلمين نوعان: معتدل ومتشدد، وان الأنظمة والشعوب العربية والاسلامية مختلفة ومتنوعة باختلاف قربها وبعدها عن مكدونالد وكوكاكولا وبريتني سبيرز، ولا احد يتحدث عن النفط او عن اسرائيل.
 
الغرب استعلائي واقصائي تماما، اوربان هذا الذي شتم الاتراك الذين هم شعب فارسي ، كما قال، لم يكن يعرف شيئا عن العلماء والفلاسفة والشعراء والكتّاب العرب والمسلمين، ولم يكن يعرف شيئا عن عظمة القاهرة وبغداد وحلب والقدس، حتي معلومات الغرب عن الطب لم تكن تزيد عن معرفة حلاّق في بلدة ريفية نائية، ومن يقرأ ما كتبه اسامة بن منقذ عن علوم الفرنجة الطبية سيضحك طويلا، ورغم ذلك يقف اوربان بكل ثقة ليقول ان المسلمين هم جنس يتسم بالحقارة والانحطاط، هل لهذا علاقة بما صرح به جون بولتون قبل شهر تقريبا ان هناك فرقا بين دم ودم وقيمٍ وقيم… خلال تبريره للعدوان الاسرائيلي علي لبنان.
 
تقوم حكاية الغرب علي انهم جنس ارفع، بالعرق والدين والمعرفة، وتقوم حكايتهم علي ان التاريخ هو تاريخهم وان الكون يدور حولهم، وانهم صانعو الاتجاهات والمعايير والمصطلحات وانهم الاقدر علي بناء افضل السياقات الروحية والارضية معا.
 
الحضارة التي اقاموها اعتبروها نهاية ما يمكن الوصول اليه بشريا، وهم ينكرون علي الآخرين مساهمتهم في صياغة او بناء هذه الحضارة، وهم ـ لجهلهم أو غرورهم أو وهمهم ـ ويعتقدون أن هذه الحضارة وصلت الي غايتها المجتمعية ـ بالحرية الفردية ـ وغايتها السياسية ـ بالديمقراطية السياسية ـ وبهذا لم يبقَ سوي تحقيق النبوءات الكبري، وهكذا تصاب هذه الحضارة بكل ما تصاب به الحضارات القوية، البحث عن الاوهام من اجل تطبيقها او الانفجار من داخلها بحثا عن اوهامها. وفي خضم هذا كله يخرج علينا البابا الالماني الجديد باسمه البروتوكولي بنيديكت او بنيديكتوس او كلاهما، ويفاجئنا الرجل بأنه فَكِه وطروب وصاحب ابتسامة تقطر ايماناً وتفهّما وتقوي وقداسة، ويفاجئنا ايضا انه لم يتقدم قيد أنملة عما قاله اوربان قبل الف عام، رغم الانفجار المعرفي وتوالد محطات التلفزة الفضائية وانتقال العالم من غابة الي مجرد قرية صغيرة تشرب الكوكا كولا وترقص علي انغام الروك والبلوز والفانك … يخرج علينا هذا الرجل في الوقت الذي لم يعد في الغرب ما يبهر سوي قوته، ليس الاّ، فحكايته حول تعريف العالم وتفسيره لم تعد مقنعة، حتي هو لم يعد يُصدقها.
 
بابا روما الجديد اذن، لم ينتبه ولم يتعلم ولم يقرأ ما حدث طيلة الف سنة وأعاد القصة الي أولها، أي ان البابا الجديد يقدم الغطاء الديني اللازم من أجل السيطرة علي منطقتنا بالحديد والنار، فما دُمنا نتبع نبياً لم يأت الاّ بالسيئ والشرير، فلماذا لا نُصفي ونذبح وتؤخذ منا أراضينا وثرواتنا، ولماذا لا تتمتع اسرائيل بخيرات هذه المنطقة، ولماذا لا نُغزي في عقر ديارنا، ونُحرم حتي من شم الأزهار، ومن يقطع احد الحواجز العسكرية الاحتلالية في الاراضي الفلسطينية سيعرِف وسيلمس معني تصريح بابا روما هذا؟! اذ لأنك عربي ولأنك مسلم تموت زوجتك علي حاجز زعترة ، ان موت هذه الحامل علي ذلك الحاجز وتحت عدسات الكاميرا لتشكل فضيحة أخلاقية لكل الحضارة التي ينتمي اليها البابا. يجب عليّ ـ علي الاقل ـ ان اعتبر ان تصريحات البابا ـ التي يدّعي أن المسلمين أساءوا فهمها وأخرجوها من سياقها ـ لا تخدم الحوار ولا التفاهم ولا أي أمر انساني ـ بقدر خدمتها الاستعمارية والتوسعية واستعمال القوة بأقصي حالتها وتوحشها بحق المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان والفلبين وسريلانكا والبوسنة.
 
لقد صور البابا الجديد المسلمين ودينهم علي انهم غير عقلانيين يتبعون دينا يستعبدهم فيه الشياطين والعفاريت كما قال اوربان قبل الف سنة تقريباً، كما انهم يدينون لنبي لم يأتِ سوي بالسيئ والشرير، وان المسلمين لا يستطيعون نقاش ربهم باعتبار ان ارادة الله فوق عقلهم لأنهم يمتنعون عن نقاشها او رفضها. ولم نقع هنا في ردة الفعل بحيث نشرح للسيد المبجل والمقدس ديننا، او موقع العقل في هذا الدين وما هو دور سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في تقدم الكون كله، ولا عن معني الاسلام وعلاقته بالآخرين، يكفي هنا ان نقول ان ايماننا لا يكتمل الاّ بالايمان بسيدنا المسيح وبقداسة أمه مريم عليهما السلام.
 
ما أريد أن أقوله هنا هو تذكير البابا الجديد بما تمت خيانته من المسيحية الحقيقية، وما تم من عمليات انسانية في تفسير ارادة الله وعقلنتها الي درجة أخرجت الأمر كله الي ساحة السخرية والعبث، وما تم من تجسير المسافة بين الله والانسان الي درجة أن تحول بعض الأشخاص ومنهم البابوات الي تنازع السلطة مع الله والمسيح نفسه.
 
ان نقاش ارادة الله بدعوي حرية العقل البشري أدي فيما أدي اليه الي التباس شديد ومربك ومحرج في طبيعة السيد المسيح ودوره ورسالته، ولان من المستحيل عقلنة أي دين ذلك ان في كل دين ـ مهما قل عدد أتباعه ـ مناطق لا يمكن للعقل ان يسأل او ان يتلقي اجابات، لهذا فان المسيحية الغربية بالذات قدمت اجابات علي كل شيء ـ بدعوي العقل جعلت من كثير من مثقفيهم وفلاسفتهم وشعرائهم وكتابهم يقولون عن ذلك ما لا يمكنني نقله احتراما لمشاعر من نعيش معهم من أخوة لنا نحترمهم ونقدرهم ولا نفكر مطلقا بالاساءة اليهم.
 
ان كلام البابا الجديد عن ارادة الله وعقلنتها مضحك تماما، فهو يعرف ان الأديان لا تناقش، ولو قرأ شيئا عن الهندوسية او المهاريشية أو المورمونية او حتي اليهودية التي يفخر بالقاسم المشترك معها لأدرك ان العقل يقف حائرا من ارادة الله، ولكنه لم يلاحظ ذلك سوي في الاسلام، لأن أهله هم الذين يملكون النفط ويهددون اسرائيل.
 
البابا الجديد الذي درس اللاهوت في جامعات المانيا لمدة طويلة أثبت انه لا يقرأ التاريخ اطلاقا، فضلا عن جهله بالاسلام أصلا، فلو قرأ التاريخ لعرف ما معني السيئ والشرير، فاذا قسنا السوء والشر بمعني الاعتداء علي البشرية وذبحها وسرقة ثرواتها وأراضيها وانتهاك العالم وتخريبه وتلويثه، فمن الأجدر هنا الاشارة الي حروب الأمم المسيحية في ما بينها ومن ثم حروب هذه الأمم ضد غيرها من أمم افريقيا واسيا وأمريكيا الشمالية والجنوبية لنعرف فظائع ما ارتكب بحق تلك الشعوب ـ النكته الحقيقية هنا ان قتل الناس وسرقتهم وتحويلهم الي بهائم او جثث تم باسم الدين المسيحي، والدين فقط. ان البشرية جمعاء، ومنذ اول حرب وقعت بالتاريخ وحتي سنة 1914 لم يقتل من الناس بقدر القتلي الذين راحوا ضحية الحربين الأولي والثانية، وهي حروب بين أمم مسيحية تسابقت علي النفوذ والتسلح والتميز والأوهام.
 
ان المسيحية الغربية هي التي أنتجت أفكار التميز والوهم مثل الفاشية والنازية واللاسامية، وهي التي اخترعت حروب الاستباق والوقاية وهي التي خلقت الاستعمار القديم والجديد وهي التي احتقرت البشر وهي التي احتقرت البيئة واستغلت العالم حتي آخر قطرة فيه. لا يمكنني فهم تصريحات البابا بعيداً عن الجو العدائي والاستعلائي والاستعماري، لأنه في الوقت الذي أقدس فيه السيد المسيح ولا اذكره الا بالصلاة والسلام عليه، وفي الوقت الذي لا استطيع فيه الحركة بين مدينتين في فلسطين، وفي الوقت الذي يقتل فيه من أمتي يوميا العشرات او المئات، اسمع شخصا يمثل ارفع منصب ديني في العالم المسيحي يتهم نبي الرحمة، الذي علّم الناس حُب الناس وحب العالم وحب الله، انه لم يأت الا بالسيئ والشرير!
 
واضح ان هناك خللاً ما، خلل كبير يجب اصلاحه. واذا كان اوربان ـ قبل الف سنة ـ أشعل حربا بحجة أنها ارادة الله لمدة ثلاثمئة سنة، فان البابا الجديد لم يشعل الحرب ولكنه يزيد أوارها المستعر، ليسرّع النهاية بالتأكيد.
 
(*) شاعر وكاتب من فلسطين
 
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 26 سبتمبر 2006)


بسم الله الرحمان الرحيم

و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين

 

 تونس في 23 سبتمبر 2006

بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري كاتب عام جمعية الوفاء

الرسالة رقم 131 على موقع تونس نيوز

 

 

تهاني قلبية حارة و تمنيات بالتقدم و التطور للملكة العربية السعودية و إلى إخواننا في الإسلام

 

بمناسبة الذكرى 74 لتأسيس المملكة العربية السعودية في مثل هذا اليوم 23/09/1932 أتقدم باسمى آيات التهاني القلبية و أطيب الأماني لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد سلطان آل سعود وإلي الامراء و اعضاء الحكومة و المسؤولين و رجال الدين و إلى أعضاء السفارة العربية السعودية بتونس و في طليعتهم سعادة السفير إبراهيم الإبراهيم رجل الوفاء و الديبلوماسية المحنك وإلى السيد القنصل العام الاستاذ حسن الأنصاري و اعضاء السفارة و من واجبنا تقديم التهاني لإخواننا في المملكة العربية السعودية و هم بحق من أهل اليقين و الملك حامي حمى الدين و خادم الحرمين الشريفين و كل عام و أخواننا بخير و في تألق لخدمة الإسلام و المسلمين و من حسن الطالع أن تقترن الذكرى المجيدة بحلول شهر رمضان المعظم شهر الرحمة و المغفرة و العتق من النيران و ختاما شكرا لعنايتكم بالدين الإسلامي و رعاية الحجاج و المعتمرين.

و الله و لي التوفيق

رحم الله مؤسس المملكة الشيخ الكبير عبد العزيز آل سعود و ابنائه الميامين

قال الله تعالى : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا صدق الله العظيم

كلمة إلى أخونا حسن نصر الله قائد حزب الله و حامي الدين

أشكركم على صمودكم و ثباتكم و جهادكم المضني مع المقاومين و المجاهدين و الصامدين من الإخوان اللبنانيين و قد تابعنا خطابكم في مهرجان النصر المبين.

و أعجبنا بصراحتكم ووضوحكم لإخوانكم المسلمين المؤمنين و نحن معكم في السراء و الضراء ضد أعداء الإسلام و أعداء الدين و لكن ننصحكم فقط بعدم التسرع و الحكم على الآخرين و نعتهم بالإذلال أجمعين نرجوكم أخينا في الدين مزيد مسك الأعصاب و توسم الخير و خاطب الناس باللين فعسى أن يفتح الله قلوب المؤمنين .

و يسعون معكم لرفع المظالم على اللبنانيين و تقبلوا نصيحتي و هي نصيحة من الدين و قال سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين في رسالة لوالي مصر عمر بن العاص يا عمر كم عندك من خصوم قال له ثلاثة قال له في الرد هذا الشىء كثير في ارض المسلمين شيخنا نعرف و نقدر أنكم تعيشون على أعصابكم و لكن صبرا جميلا و ذكاءا و عبقرية لرجال السياسة و رجال الدين و ارجوكم مراجعة خطب زعيم الامة العربي الحبيب بورقيبة أجمعين منذ سنة أربع و ثلاثين  تجد فيها الحكمة و الذكاء و لغة اللين لمخاطبة الخصم من الفرنسيين و بذلك نجح و كسب الجولات بالتقدير و الإكبار و الاحترام من طرف الفرنسيين.

المعذرة أخونا العزيز على هذه النصيحة في الحين لأننا نقدّرك أحسن تقدير

قال الله تعالى و جادلهم بالتي هي أحسن صدق الله العظيم . ومن أجل جهاد رجال المقاومة كتبت في ظرف شهرين 8 مقلات كلها تنويه بجهاد المقاومة وتضرعنا لرب العالمين في كل ختمة من كتابه الكريم بالنصر المبين لإخواننا في حزب الله الصادقين . وموقع تونس نيوز من الشاهدين , ولكن نرجو منكم المبادرة بالمصالخة مع إخوانكم السعوديين والمثل يقول  » وإن في أبناء عمك لرماح  » ودوما المملكة قبلة العالمين وأميرها الأب الروحي للمسلمين , يا فارس لبنان بإجماع كل المسلمين نرجوك القيام بعمرة في نصف رمضان لإذابة الجليد وإعادة الثقة على الدوام وعهد الله مع الأمير يكون في صالح المسلمين قال الله تعالى : إنما المؤمنون إخوة فأصلحو بين أخويكم . صدق الله العظيم .

 

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري

كاتب عام جمعية الوفاء


 

مــاذا بقـــي مــن إصلاحـات المحامــاة؟

انجـاز جميـع ما أعلن عنه فـي انتظـار التغطية الاجتماعيـة

 

تونس – الصباح : عقد مجلس الهيئة الوطنية للمحامين يوم الجمعة الماضي اجتماعا إجرائيا صرفا قرّر فيه عقد جلسة عامة استثنائية يوم 20 ديسمبر المقبل لعرض مشروع النظام الداخلي للهيئة على النقاش والتصويت.
 
وقد أصاب القرار أغلب المحامين بخيبة أمل، إذ أنّهم كانوا ينتظرون أن تخصّص هذه الجلسة لعرض مشروع نظام التغطية الاجتماعية للمحامين على النقاش والتعجيل بالتصويت عليه انطلاقا من الحاجة الأكيدة إليه وصبغته المصيرية رغم أن البعض يذهب إلى أنّ الهيئة الوطنية للمحامين قد تلجأ إلى إعادة ترتيب أولويّاتها و عرض مشروع نظام التغطية الاجتماعية على التصويت وإبداء الرأي النهائي فيه خاصة أنّ وزارة العدل تنتظر رأي الهيئة النهائي لحسم الأمر نهائيّا في نظام التغطية المناسب وأكّدت في مناسبات عديدة أنه لا يوجد مشروع مسبق للتغطية الاجتماعية.
 
نيابة المحامي لدى باحث البداية
 
وعلمنا أنه من المنتظر أن تضاف إلى الإصلاحات التي انتفع بها قطاع المحاماة التونسية في السنوات الأخيرة مكاسب جديدة من خلال ما ستأتي به مشاريع القوانين المعروضة حاليا على السلطة التشريعية حيث سيكون بإمكان المحامين ممارسة عملهم في مجالات جديدة تفتح أمامهم فرصا أكثر للعمل.
وستفسح هذه المشاريع، التي ستعرض للنقاش والمصادقة مع مفتتح السنة البرلمانية الجديدة، المجال أمام المحامي لممارسة النيابة الاختيارية لدى باحث البداية (الشرطة والحرس الوطني) ، وقد تضمّن المشروع، الذي كان محلّ نظر مجلس الوزراء في 14 فيفري 2006، تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية وذلك بتكريس حقّ المشتبه فيه في اختيار محام للحضور معه لدى الباحث المُناب، ويعني ذلك تمكين المحامي من الحضور إلى جانب موكّله بمناسبة استنطاقه في إطار التحقيق بمقتضى إنابة عدلية صادرة عن قاضي التحقيق.
 
وفي تعقيب الأحكام الجنائية
 
كما سيسمح مشروع قانون آخر تمّ عرضه على مجلس الوزراء في 11 جويلية 2006  بجعل نيابة المحامي وجوبية في تعقيب الأحكام الجنائية لما في ذلك من تدعيم للضمانات القانونية الممنوحة للمتقاضين واعتبارا لما تتّسم به إجراءات الطّعن بالتعقيب من صبغة فنية دقيقة وما تستوجبه من إلمام قد لا يقدر عليه المتقاضي.
 
وسيتمّ تمكين المحامي، بمقتضى مشروع قانون كان محلّ نظر مجلس الوزراء في جويلية 2006، من تقديم مطالب التعقيب لدى المحاكم التي أصدرت الأحكام قصد وضع حدّ لأتعاب التنقّل من المدن الداخلية إلى مقرّ محكمة التعقيب بالعاصمة، وذلك وإبرام عقود الأصل التجاري
 
ومع تزايد أعداد المحامين بشكل مطّرد وغير منتظم حيث بلغ العدد الجملي الحالي للمحامين أكثر من 5000 محام وبالنتيجة فإن كثرة عدد الوافدين على المهنة قد تجعل من فرص العمل غير كافية شأنها في ذلك شأن القطاعات الأخرى كقطاع الأطباء وقطاع المهندسين والصيادلة.
 
ولذلك تتالت المبادرات الهادفة إلى مزيد التوسيع في مجال تدخّل المحامي فصدر خلال شهر  أفريل 2003 قانون يخصّ المحامي بإبرام العقود المتعلقة بالأصل التجاري تلاه صدور قانون في 3 جوان 2003 أقرّ نيابة المحامي في النزاعات المتعلقة بشركات استخلاص الديون.
 
وأيضا في النزاعات الجبائية
 
ولتمكين المحامين من فرص عمل أكثر تفتح أمامهم أبوابا جديدة للكسب، صدر في مارس 2006 قانون يجعل نيابة المحامي وجوبية في النزاعات الجبائية التي يتجاوز مقدارها مبلغا يحددّه القانون بهدف توفير المزيد من الضمانات للمتقاضي من خلال تكريس وجوبية اللجوء إلى إنابة المحامي في القضايا الجبائية اعتبارا إلى تشعّب مثل هذه القضايا التي تفرض الاستعانة بمحام وما في ذلك من ضمان لحسن إرشاد المتقاضي وتيسير لعمل المحاكم خاصة بعد أن أصبحت القضايا الجبائية من أنظار المحاكم الابتدائية إثر دخول مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية حيز التنفيذ.
 
تيسير ظروف العمل
 
ولتيسير ظروف عمل المحامين أثناء أداء عملهم اليومي في المحاكم والإحاطة بالوافدين حديثا  على المحاماة وتبسيط المسالك أمامهم، وجّه وزير العدل وحقوق الإنسان بتاريخ 17 ديسمبر 2002 منشورا إلى مختلف المحاكم لتوفير الحماية اللازمة للمهنة من الممارسات غير المشروعة، انطلاقا من الحاجة الأكيدة لأن يكون سير المؤسّسة القضائية عاديّا ودون أيّ شوائب يمكن أن تعطّلها والمحاماة أحد المكوّنات الهامة لهذه المؤسّسة، رغم أنّ بعض الظواهر كالسّمسرة تحتاج إلى جهود إضافية للقضاء على جذورها بشكل نهائي، ولذلك تمّت دعوة كتبة المحاكم للإسراع بإسداء الخدمات لفائدة المحامين والاقتصار في التعامل على من يحمل من كتبة المحامين بطاقة مهنيّة أو شارة   ومطالبتهم عند الاقتضاء بالاستظهار بها  قبل إسداء أي خدمة حماية لمصالح وحقوق المتقاضين والمحامين أيضا.
وكان وزير العدل وحقوق الإنسان وجّه منشورا في 31 ديسمبر 2004 لمزيد تنظيم سير العمل بالمحاكم تضمّن جملة من الإجراءات لتيسير عمل المحامي بالمحاكم كتعميم المناداة الثانية على القضايا وتخصيص المقاعد الأمامية بقاعات الجلسة للمحامين ووضع لوحات إشارة إلى تلك المقاعد في كافّة المحاكم.
 
وقد حظي قطاع المحاماة بإصلاحات هامة خلال السنوات القليلة الماضية كان بعضها استجابة لمطالب المحامين التي طُرحت خلال سنوات التسعين وبعضها الآخر بمبادرة من السلطة، انطلاقا من رؤية موضوعية للمحاماة وإرادة للارتقاء بها إلى مكانة أفضل ممّا هي عليه الآن اعتبارا إلى الدور الهام الذي تلعبه المحاماة في المنظومة القضائية وفي الدّورة الاقتصادية للبلاد.
 
إحداث المعهد الأعلى للمحاماة
 
وعاشت المحاماة خلال السنة القضائية الماضية على وقع ميلاد المعهد الأعلى للمحاماة الذي كان مطلبا ملحّا طالما طرحه المحامون في جلساتهم العامة وتفاوضت بشأنه الهيئات الوطنية السابقة وذلك بصدور قانون في مارس 2006 أقرّ إحداث المعهد وجعل منه المرجعيّة الوحيدة للالتحاق بمهنة المحاماة.
 
وجاء ميلاد هذا الإنجاز بعد مخاض طويل حيث شاركت الأطراف الثلاثة المعنية به وهي وزارة العدل وحقوق الإنسان ووزارة التعليم العالي والهيئة الوطنية للمحامين في صناعة الأفكار والتصوّرات الأولى التي سبقت صياغة القانون في إطار لجنة فنيّة مشتركة امتدّت أشغالها على مدار السنة تقريبا ولم تترك شاردة ولا واردة في القوانين المقارنة إلاّ وضعتها على محكّ الدرس والتفاوض والنقاش رغبة من الأطراف في تجاوز سلبيات المناظرة الحالية لنيل شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة والنهوض بالمستوى الحرفي والمعرفي للمحامي التونسي وإنقاذ المهنة من الإغراق نتيجة الدخول العشوائي إلى المهنة وإتقان فنّ  ممارسة المحاماة (إن صحّ التعبير) والتحلّي بأخلاقياتها إذ من الطبيعي أن يرث اللاحقون ما يتركه السابقون من مبادئ وقيم نبيلة.
 
ومعلوم أنّ المعهد الأعلى للمحاماة سيتكفّل بالتكوين ومنح شهادات الكفاءة للمحاماة فيما سيبقى للهيئة الوطنية للمحامين مشمولات التمرين والترسيم بجدول المحاماة.
 
ومن المنتظر أن تكون مناظرة الحصول على شهادة الكفاءة للمحاماة التي سيتمّ إجراؤها في شهر ديسمبر المقبل آخر مناظرة ليتمّ بعد ذلك فسح المجال لتنظيم مناظرة الدخول إلى المعهد الأعلى للمحاماة وسيكون العدد المطلوب هو معدّل عدد الناجحين في مناظرة الكفاءة خلال الخمس سنوات الأخيرة.
 
نصوص تطبيقية
 
وينتظر أن تشهد الأسابيع القليلة المقبلة صدور النصوص الترتيبية المنظمة لجوانب كثيرة في تسيير المعهد وإدارته وكيفية الدخول إليه، وقد تمخّضت هذه النصوص عن اجتماعات عقدتها اللجنة الفنية المشتركة خلال الصائفة الماضية رغم أن الهيئة الوطنية للمحامين تغيّبت عن أشغالها لأسباب ظلّت مجهولة إلى الآن وهو ما أثار الاستغراب والدهشة من توخّي سياسة «المقاعد الفارغة» التي لم تثبت جدواها وكان الأحرى حسب الكثيرين أن تواكب هياكل المهنة ميلاد هذا الإنجاز الذي لم يخلُ بيان أو مذكّرة صادرة عن الهيئة من المطالبة به بإلحاح
 
منح وقروض للمحامين الشبان
 
وقد حظي المحامون المتمرّنون والشبّان هم أيضا برعاية وإحاطة لحداثة عهدهم بالمهنة وتعرّضهم لصعوبات مهنية ومادية قد تعرقل مسيرتهم المهنية، وسعيا لتذليل هذه الصعوبات انتفع المحامون المتمرّنون والشبّان بمقتضى قرارات رئاسية بتشجيعات وامتيازات مادية تمثّلت في  الترفيع في منحة التسخير المخوّلة للمحامي المتمرّن إلى 100 دينار وصدر منشور عن وزير العدل في 26 مارس 2003  يتعلّق بتوفير فرص متكافئة بين المحامين المتمرّنين في ما يتعلّق بإسناد التّساخير على أساس مبدأي التداول والمساواة  لا مبدأ المحاباة وجلب الأصوات. كما صدر منشور آخر في 19 أفريل 2004  لمزيد الإحاطة بالمحامين المتمرّنين وذلك بتذليل الصعوبات التي يواجهها المحامون المتمرّنون أثناء ممارسة المهنة.
 
منحة تربّص للمتمرّنين
 
ولمساعدة المحامين الجدد على الانتصاب لحسابهم الخاص، تمّ التّرفيع في مبلغ القرض المُخوّل للمحامين الجدد لفتح مكاتب محاماة بعد إنهاء فترة التّمرين إلى 50 ألف دينارا وذلك في شكل قرض يُسنده البنك التونسي للتضامن بشروط مُيسّرة، وقد بلغ عدد المنتفعين بهذا الصنف من القروض إلى حدّ الآن حوالي 220 محاميا متمرّنا تمكّنوا من فتح مكاتب محاماة خاصة بهم، وأصبح بإمكان المحامين الشبّان التمتّع بالأولوية في اقتناء سيارات الأربعة خيول. وعلمنا أن وزارة العدل وحقوق الإنسان شرعت مؤخّرا في القيام بإجراءات صرف الدفعة الثانية من منحة التربّص للإعداد للحياة المهنية (S.I.V.P) لفائدة المحامين المتمرّنين لأشهر الثلاثية الثانية لهذه السنة.
 
وكانت الدفعة الأولى لأشهر الثلاثية الأولى من هذه المنحة قد شملت حوالي 130 محاميا متمرّنا تقدّموا  بمطالب في الغرض وتوفّرت فيهم الشروط القانونية.
 
ملف التغطية الاجتماعية
 
ولم يبق من حصيلة الإصلاحات إلاّ إرساء نظام تغطية اجتماعية للمحامين حتّى تتوفر للمحامي جراية محترمة بعد تقاعده عن العمل وتغطية صحية لمصاريف علاجه وعلاج أفراد عائلته إلى جانب تأمين منح في حالات العجز والوفاة للأرامل وأبنائهم القصّر وكذلك حالات الوضع.
غير أن المرحلة الحاسمة التي عرفها هذا الملف ابتدأت حين أذن رئيس الدولة في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة للتحوّل بضرورة وضع نظام للتغطية الاجتماعية على غرار ما تتمتّع به بقية الفئات الاجتماعية، وشرعت مصالح وزارة العدل وحقوق الإنسان إثر ذلك في التشاور مع الهيئة الوطنية للمحامين قصد الإعداد لقاعدة معطيات ديموغرافية واجتماعية لقطاع المحاماة وبلورة التصوّرات الممكنة لنظام تغطية اجتماعية ينبني على أسس الشمولية والجدوى ولا يقتصر فقط على جراية التقاعد والتكفل ببعض مصاريف العلاج كما هو الحال الآن.
 ووجّهت وزارة العدل إثر ذلك إلى الهيئة الوطنية للمحامين استمارة لتوزيعها على المحامين قصد الوقوف بشكل علمي دقيق على الوضعيّات الاجتماعية للمحامين وتشكّلت في بداية سنة 2005 لجنة فنية مشتركة تضمّ ممثلين عن وزارة العدل وحقوق الإنسان ووزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والهيئة الوطنية للمحامين انحصرت مهمتها بالأساس في الإعداد للتصوّرات الخاصة بنظامي التقاعد والحيطة الاجتماعية لفائدة المحامين.
 
خيارات التغطية
 
ووقف أعضاء اللجنة على فشل تجارب كثيرة استنزفت تمويلات ضخمة من صندوق الهيئة الوطنية للمحامين مثل التأمين الجماعي الذي لم يتجاوز عدد المحامين المنخرطين فيه حوالي 800 محام وتراجع العدد إلى أقلّ من 200 محام بسبب تواضع نسب استرجاع مصاريف التداوي المنصوص عليها بهذه العقود ونظام التعاونية الذي أثبت قصورا في توفير كافة خدمات التغطية الصحّية خاصة المُكلفة منها علاوة على ما يطرحه من إشكاليات تطبيقية ومالية وفنية تتجاوز إمكانات وقدرات واختصاصات هياكل المحاماة.
 
كما طرحت اللجنة خلال اجتماعاتها إمكانية اعتماد نظام ناجع وشامل للتغطية الاجتماعية يأخذ بعين الاعتبار النظام الحالي المتمثّل في صندوق تقاعد المحامين الذي تديره الهيئة الوطنية للمحامين وتتصرّف في موارده المالية وميزانيته بمقتضى ما نصّ عليه قانون 1989 المتعلّق بتنظيم مهنة المحاماة ليكون نظاما تكميليّا مع إمكانية الترفيع في الطابع الجبائي أو ما يسمّيه المحامون » طابع المحاماة » .
 
وناقشت كذلك فرضية اعتماد نظام الضمان الاجتماعي للمستقلين الذي يوفّر إمكانية الاختيار من بين  عشر شرائح دخل والجمع بين جراية التقاعد ومواصلة النشاط المهني باعتبار أن المحامين من أصحاب المهن الحرّة مع تحديد شريحة دخل دنيا وترك حرية الاختيار لشرائح دخل أرفع لمن أراد ذلك.
 
ويوفر هذا النظام منافع صحية كثيرة وجراية تقاعد محترمة حسب شريحة الدخل التي يختارها المحامي إلى جانب توفير جراية عجز في صورة إصابة المحامي بعجز بدني مع انتفاع أولي الحق في صورة وفاة المضمون الاجتماعي بجراية الباقين على قيد الحياة واعتماد أحكام انتقالية لمن تجاوزوا سنّ الستّين ولا يحول التمتّع بجراية التقاعد دون تواصل النشاط.
 
الحسم في ملفّ التغطية الاجتماعية
 
وتداول أعضاء اللجنة مختلف التصوّرات التي تمكّن النظام الحالي المتمثّل في صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية للمحامين من تطوير خدماته حتى ينتفع بها كل المحامين على قدم المساواة والنهوض بوضعه المالي وذلك بالخروج به من مأزق العجز المالي الذي يتخبّط فيه منذ سنوات ولم تتوصّل الهيئة الوطنية للمحامين إلى إيجاد الحلول الكفيلة لإنقاذه من هذا المأزق المالي الذي يتخبّط فيه إلى اليوم. وكان وزير العدل وحقوق الإنسان أكّد في عدّة مناسبات أنّه ليس هناك اختيار مسبق لنظام دون آخر وليس هناك ما يحول دون التّرفيع في طابع المحاماة لكن شريطة أن تتوفّر في أيّ نظام للتغطية الاجتماعية الديمومة والشمولية والتوازن المالي حتّى لا يصاب بعجز مالي و لا يقتصر على التقاعد فقط  وتكون موارده متاحة لعموم المحامين ولا تُصرف لغير هذه الأهداف.
 
واتّجهت الآراء نحو ضرورة اتخاذ كل التدابير- مهما كانت طبيعة التصور الذي سيستقرّ عنده الرأي- حتى يتمتّع المحامي المنخرط وعائلته بالتغطية الصحية الشاملة منذ اليوم الأول للانخراط، ولن يتسنّى تحقيق ذلك إلاّ بعد تقديم الموقف النهائي لهيئة المحامين والحسم نهائيا من قبل وزارة العدل وحقوق الإنسان التي تنظر ردود الهيئة إلى الآن  وفي هذا الشأن علّق مصدر مأذون بالوزارة مؤكّدا أنّ انتظار الحسم في هذا الملفّ لن يطول كثيرا نظرا لما تقتضيه مصلحة المحامين.
 
أيّ ملامح للمرحلة المقبلة ؟
 
يلاحظ الكثير من المتابعين لشؤون المحاماة أنّ هياكل المحاماة لم تخرج منذ سنوات من دائرة الفراغ التي حبست نفسها فيها، فالجلسات التي كان يفترض أن تفضي إلى قرارات حقيقية تنقل المحاماة التونسية من حال إلى حال سادتها مظاهر الفوضى وتصفية الحسابات القديمة وقيادة حملات انتخابية مبكّرة عادت بالمحاماة إلى حيث النقطة الصفر وزادت وضعها تعقيدا وتأزّما، ولم يعد من ملاذ للمحاماة إلا بعودة صوت العقل والخطاب المهني الصّرف الذي يصل بها إلى شاطئ الأمان والنجاة ويميّز بين ما ينفع المحاماة وما يؤدي بها إلى متاهات  تحدّها الممرّات المسدودة. 
 
ويرى آخرون أنّ محاولات تسويق الصورة المتأزّمة للمحاماة التونسية ومشاكلها إلى خارج أروقة المحاكم، سمحت بالوقوف على حالة من الضّجر لدى أغلب المحامين جرّاء التوظيف المتواصل لهياكل المهنة في معارك لا تعنيهم في الوقت الذي يتطلّعون فيه إلى خطوات جديدة لمزيد توسيع مجال تدخّلهم وتيسير ظروف عملهم اليومي والتفكير في الارتقاء بأداء المحامي التونسي وتطوير آليات عمله ويواكب التطوّرات المتسارعة في الساحتين الوطنية والدولية. 
 
ومع اقتراب المواعيد الانتخابية التي سيخوضها المحامون لانتخاب عميد لهم وأعضاء بمجلس الهيئة وبالفروع الجهوية  تطفو الأسئلة متدفّقة حول ملامح المرحلة القادمة التي قد تحدّدها – حسب بعض العارفين بشؤون المحاماة – الرغبة الجادّة للأغلبية المهنية الصامتة من المحامين لتغيير مشهد المحاماة والخروج به من وضعية » الحملات الانتخابية المتواصلة بلا توقّف » والانغماس المفرط في توظيف هموم المحامين ومتاعبهم؟
 
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 26 سبتمبر 2006)

 

وثيقة

قصة رجوع عالم تونس ( محمد المكي بن عزوز ) … من القبورية إلى السلفية سليمان بن صالح الخراشي

كان الشيخ التونسي ( محمد المكي بن عزوز ) في بداية شبابه – أيام عيشه بتونس زمن الدولة العثمانية ، من دعاة القبورية المناوئين لدعوة الكتاب والسنة , وقد ألف – حينها – عدة كتب ، منها كتابه  » السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني  » يرد فيه على من أنكر كرامات الشيخ الشهير عبدالقادر الجيلاني وما نُسب إليه من خرافات . وقد تهجم فيه على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – لجهله بها – ، وجوّز الاستغاثة بالأموات . ( ص 35 ) . ثم حرص على توزيع كتابه هذا في أنحاء بلاد المسلمين  ، فوقعت نسخة منه بيد علامة العراق الشيخ السلفي محمود شكري الألوسي – رحمه الله – ، الذي بادر بعد قراءته للكتاب إلى مناصحة صاحبه بإرسال خطاب وعظي رفيق ، دون أن يكتب اسمه  عليه ، مرفقٌ به أحد كتب علماء الدعوة السلفية . ولعل هذه الهدية قد صادفت قلبًا متجردًا من ابن عزوز قادته – بإذن الله – إلى الحق ، حيث تغيرت أحواله بعد انتقاله من تونس إلى الأستانة بتركيا .

يقول علامة الشام جمال القاسمي في رسالته إلى الألوسي – ولم يدرِ برسالة الألوسي السابقة لابن عزوز – :  » إن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه. وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي في تأليف سماه: « السيف الرباني في الرد على القرماني » .. ثم إن الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب. وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الأستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له  » . وقد أورد القاسمي نص رسالة ابن عزوز للبيطار ، وهي :  » كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير: بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه. وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين ؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.

فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم. وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد. وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في « تاريخه » من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر. ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح. تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به. والثاني معترف باتصافه. تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون ) . فأنا أسألك عن الوهابية الحاضرين في عصرنا، فإن رجلاً أخبرني أنهم يكونون مقيمين في المدينة، ويأتون إلى المسجد ولا يقفون على القبر الشريف يسلمون عليه وعلى الصاحبين ونحو ذلك، فإن صح هذا فما أشبه هذا الجفاء بالعداوة لصاحب القبر الشريف. فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، فإن زدتم آخر تعرفونه مثلكم فيما ألاحظه منكم، فذلك عُهدته عليكم، وتقرأون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصَّل لكم، ذاكرين قوله تعالى: ( وإذا قلتم فاعدوا (  . واعملوا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدماً له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي. وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ قال: يتبع البخاري !! فلما حكيتها للسيد عبدالرحمن الجزولي عليه الرحمة والرضوان –وأنا نزيل عنده إذ ذاك- ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟ وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي، فقلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفاً؛ فقد مدحتموهم مدحاً كبيراً من حيث قدحتم فيهم، نتمنى أن يكون مقلدة المذاهب كلهم هكذا إن كنتم صادقين فيما تقولون، لكن الجاهل يهرف بما لا يعرف، ولذلك يقال له ( سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) ، وقال تعالى: ( وأعرض عن الجاهلين ( . وليكن جوابكم بما شاهدتموه لا بما ينقله المغفلون والأعداء المتعصبون، هدانا الله وإياكم للقول السديد .. وما أشرتم إليه في مكتوبكم من السير على منهاج الكتاب والسنة وعقيدة السلف، فأنفث نفثة مصدور مغتم القلب بما يرى ويسمع من قلب حقائق الأمور. أنتم منَّ الله عليكم بجلساء موافقين لمشربكم في التماس الحقائق، والتزام أقوم الطرائق، ذوق وإنصاف، واتصاف بأجمل الأوصاف، كرفقائكم الذين شرَّفوا منـزلنا وأكرمونا بتلك الأخلاق الكريمة، وكالأستاذ الجمال القاسمي وغيرهم ممن لم نحظ برؤيتهم فبلِّغوهم سلامي، وخلوص غرامي، وأما الحقير هنا -أي في الأستانة- فكما قال القائل:

ما أكثر الناس لا بل ما أقلَّهم      *** اللـه يعـلم أني لم أقل فندا إني لأفتـح عيني حين أفتحها     *** على كثير ولكن لا أرى أحداً

فلا أجد من أطارحه مسائل العلم الصحيح؛ لأن الناس بالنظر إلى هذا المقام على قسمين: جاهل لم يزاول العلم أصلاً، فهو لا يفقه ما نقول، وحسبه إن سأل أن أجيبه بزبدة الحكم، وهو أحب إليَّ ممن عرف بعض العلم إن لم يفتنه فاتن؛ لأنه وإن لم أستفد منه مذاكرة تُفكِّه عقلي، وتنقح نقلي، فقد أفادني من الله أجراً، وقد يكون لغيره سلسبيل تلك الإفادة أجرى. والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه. سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني:

وأثبتن للأوليا الكرامه   *** ومن نفاها فانبذن كــلامه

فانظروا الدليل وتنـزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة ، وهو من الضروريات. ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي: أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولاً للحق، وذوقاً للصواب، وسروراً بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري: هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دُقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سناً؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال؟

وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:

إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت   *   ولن تلين إذا كانت من الخشب

وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ) ، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد « أستغفر الله »؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي…إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.

والحمدلله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا. وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع…إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في ذي الحجة سنة 1327 حافظ ودكم . محمد المكي بن عزوز التونسي  » . انتهت رسالة ابن عزوز للبيطار . ( نقلتها من كتاب : الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ، للأستاذ محمد العجمي ، ص 101-110 ) .  فأجاب الألوسي على رسالة القاسمي السابقة بقوله :  » سرّني ما كان من المراسلة بين السيد محمد المكي وبين السلفيين في دمشق. وهذا الرجل أعرفه منذ عدة سنين ؛ فإن كتابه « السيف الرباني » لما طُبع في حضرة تونس أرسل منه لنقيب بغداد عدداً كثيراً من نسخه، فأعطاني النقيب يومئذ نسخة منه، فطالعتها فرأيت الرجل من الأفاضل، غير أنه لم يقف على الحقائق، فلذلك استحكمت الخرافات في ذهنه فتكلم على السلفيين، وصحح بعض الأكاذيب التي يتعلق بها مبتدعة الصوفية ، وغير ذلك من تجويز الاستغاثة، والتوسل بغير الله، وإثبات التصرف لمن يعتقد فيهم الولاية، والاستدلال بهذيان ابن دحلان ونحوه… كما ترى بعضاً من ذلك في الورقة المنقولة عن كتابه. فأرسلت له كتاب « منهاج التأسيس » مع التتمة المسماة « بفتح الرحمن »، وذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، وكان إذ ذاك في تونس لم يهاجر بعد، ولم أعلمه بالمرسل، ويخطر لي أني كتبت له كتاباً أيضاً التمست منه أن يطالع الكتاب كله مع التمسك بالإنصاف، ولم أذكر أسمي ولا ختمته بختمي، وأرسلت كل ذلك إليه مع البريد الإنكليزي. وبعد ذلك بمدة هاجر إلى القسطنطينية، وكان يجتمع كثيراً مع ابن العم علي أفندي ويسأله عن كتب الشيخين ويتشوق إليها. وقد اجتمع به ابن العم في هذا السفر الأخير وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولاً وفعلاً وأصبح يجادل أعداءه، ويخاصم عنه . ولم يزل يتحفني بسلامه، ويتفضل علي بالتفاته « . ( المرجع السابق ، ص 113-115 ) . قلت : وقد أرسل ابن عزوز بعد هدايته للسلفية رسالة إلى الشيخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد صاحب مجلة « الكويت » قال فيها :  » دخل علي السرور ما الله به عليم في التعرف بكم وظفري بصاحب مثلكم، وذلك أن قلبي موجع من غربة العلم والدين وأهله وقلة أنصاره. وإيضاح هذا: أني لست أعني بالدين الدين الذي قنع به أكثر طلبة العصر والمنتسبين إلى العلم في الشرق والغرب من كل مذهب من مذاهب أهل السنة.

سارت مشرِّقة وسرت مغرباً  * شتان بين مُشــرِّق ومغرِّب

ولكني أعني بالعلم والدين علم السنة، وما الدين إلا اتباعها وإيثارها على عصارات الآراء وهجومة المتفقهة، وما التوحيد إلا توحيد السلف الصالح، وأما غيره فأشبه بالضلالات وزلقات الهفوات… إننا نجد فقيهاً تقياً محباً للسنة ومبغضاً للبدعة، متعففاً من تناول الحرام، واقفاً موقف النصح والإرشاد للخلق، حسن النية، لكنه جاهل بعبادات النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه في شؤونه كلها. وقد يكون عارفاً بها أو ببعضها، ويترك المتابعة النبوية عمداً، لأنها خالفت قول فقهائه، ولو تخبره بإصلاح عبادة أو تحرير حكم شرعي بنص نبوي ينفر منك نفرته من العدو، ورآك مخادعاً ، ولربما اتخذك عدواً مبيناً بعد المحبة والصحبة ويحكم بضلالك ،  كل ذلك لغلوه في التقليد، ولا يخفى أن أولئك لا يقال لهم علماء إلا مجازاً خلاف في ذلك كما قاله ابن عبدالبر وغيره، وتجد آخر متفنناً بعدة علوم، وربما يكون مطلعاً على دواوين الحديث نبيهاً، له همة تنبو به عن التقليد، يبالغ في تتبع الأدلة، فينقلب عن الدين وغيرته في اعتقاد تأثير الطبيعة، حتى ينكر معجزات الأنبياء، وينكر كونها خارقة للعادة ونحو ذلك من القول بنفي حشر الأجساد في الآخرة ونفي تناسل البشر من آدم وحواء. الخ. وإياها أعني في عدة مباحث من (العقيدة الإسلامية) التي رأيتموها بجدة، وبعض هؤلاء أيضاً لهم حسن نية في تعديهم الحدود، فهذان الفريقان اللذان هما على طرفي نقيض، أحدهما مُفرط، والآخر مُفَرط، كلاهما يعدهما المغفلون من علماء الدين، ولكل منهما أتباع وأنصار. (انعق بما شئت تجد اتباعاً) .. والقسم الثالث: وهم الأوسطون الذين تفقهوا بفقه الأئمة رضوان الله عليهم، واعتنوا بالحديث الشريف مع تفنن في الأصول والعلوم العربية، ودققوا مسائلهم الدينية، فما كان من الفقه سالماً من مصادمة سنة بقوا عليه، وما صادمها نبذوه وعذروا قائله بعدم بلوغ الخبر له، هذا فيما يتعلق بالعلم العملي، وأما الاعتقادي فهو معذور في الابتداء في كتب المتكلمين، ثم يترقى بطريقة السلف ، ولا تؤخذ حقيقتهما إلا من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحبه الذي هو نسخة صحيحة لا تحريف فيها الشمس ابن القيم، فيعتقد ما هناك بأدلة متينة وإيمان راسخ، فيصبح من الفرقة الناجية التي عرّفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا القسم الثالث الذي هو على الصراط المستقيم، المدعو بالهداية إليه في الفاتحة بكل ركعة، قليل في الوجود مع الأسف، قال الله تعالى: ( وقليل من عبادي الشكور)  فأنا أنظر شرقاً وغرباً فأرى كما قيل:

ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم  *  الله يعلـم أني لـم أقل فندا إني لأفتح عيني حين أفتحها    *  على كثير ولكن لا أرى أحداً

وربما أجد في مليون من الخلق واحداً، فأنا أشد فرحاً من ولادة ولد ذكر لابن الستين الفاقد البنين، ولهذا سررت بكم بعدما تتبعت كتابكم الذي أهديتموه لي، لأني طالما انخدعت للمدعين بطريقة السلف اعتقاداً وتحري السنة تفقهاً، فأجد من آثارهم عند إمعان النظر، أنهم ليسوا الذين أريد، ولذلك وقفت النظر في كتابكم، وأنا معذور، إذ لم يسبق بيننا تعارف ولا مذاكرة، فوجدتكم والحمدلله من الضالة التي أنشدها، وأيده كتابكم الخصوصي الذي أرسلتموه لي، فجزى الله علامة العراق خيراً السيد شكري، حيث دلكم على إجراء وسيلة التعارف بيننا، وكذلك صديقنا الكامل السني السيد محمد نصيف في اطلاعكم على رسالتنا التوحيدية، وهذا كله يظهر مصداق الحديث الشريف (الأرواح جنود مجندة) الخ..

 (ومنها بعد كلام طويل وسطور كثيرة) .. أحبابنا غرّوكم بالعاجز، فكما أنه لا يقبل قدح العدو في عدوه، فكذلك لا يقبل إطراء الحب لحبيبه، والذي نفسي بيده إني لخال مما تظن ويظنون فلا علم ولا عمل ولا صلاح ولا إخلاص، ووالله ما هو من هضم الأفاضل أنفسهم تواضعاً بل الإنسان على نفسه بصيرة، وأحمق الناس من ترك يقين نفسه لظن الناس، وأنا أحكي لكم مقدار بضاعتي تحقيقاً كأنكم ترونني رأي العين، والله على ما نقول وكيل. أما الأصل والنسب فلا نتعرض له كما قيل:

إن الفتى من يقول ها أنا ذا  * ليس الفتى من يقول كان أبي

فأنا قد ربيتُ في معهد العلم من صغري، وقد وسّع الله علينا من رزقه، ما سهل به القراءة زمان التعلم والإقراء على شيوخ عديدة على اختلاف مشاربهم وتفاوت درجاتهم تفنناً وأخلاقاً، وارتحلت إلى بلدان عديدة، فجمعت بعض ما كان متفرقاً من العلوم والحمد لله، ولكن لهو الشباب حال بيني وبين الاستكمال في العلم والتهذيب، وأيضاً لا نعرف في بلادنا المغربية إلا التقليد الأعمى، فقد كنا نعد الفتوى بحديث البخاري ومسلم ضلالاً، وكما شدد علينا شيوخنا في ذلك، شددنا على تلاميذنا هناك، فالتاجر كما اشترى يبيع ويزيد المكسب، فمن ذلك أني عند سفري إلى المشرق استعار مني ابن أختي الخضر ابن الحسين الذي لقيتموه في المدينة (نيل الأوطار) للشوكاني، فما تركته حتى أقسم لي بالله أنه لا يتبعه فيما يقول، ومن ذلك أني وجدت في عام 1300 كتاب (الروضة الندية) للسيد صديق حسن خان يباع عند كتبي في مكسرة ، اسمه الشيخ الأخضر السنوسي العقبي، فنهرته وزجرته، وقلت له: حرام عليك تبيع الروضة الندية، فصار يعتذر بمسكنة كأنه فعل خيانة، أما تصانيف ابن تيمية وابن القيم فو الله ما نظرت فيها سطراً لنفرة قلوبنا منها، ومن جهل شيئاً عاداه. لكن في العاجز رائحة استعداد وشوق للدليل، فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع ، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم. ويلحق بها كتب السفاريني، وجلاء العينين للسيد نعمان، وآثار إبراهيم الوزير ونحوهم، ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل والحمد لله (وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً) .

ومن اللطائف أن في الشهر الأول والثاني من انفتاح البصيرة، ألقي إلي في مبشرة منامية قوله تعالى : ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). والحاصل فما ذكر لكم من تلك المناقب لم ألبس منها ثوباً قط، وإنما أنا محب لأهلها، وذاب عنهم، وناصر لهم، ولعله يشملني حديث (المرء مع من أحب) فمن وصفني بما زاد على ذلك، فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم  «  ( المرجع : مجلة الكويت ، الجزء 10 العدد الأول ، ورسالة : المكي بن عزوز – حياته وآثاره ، للأستاذ على الرضا الحسيني ) .

تــعـليــق

1-   رحم الله الشيخ ابن عزوز الذي حرص على معرفة الحق ، وبذل السبب في السؤال عنه ، ولم يركن إلى تقليد المغرضين ؛ حتى شرح الله صدره له ، وهكذا الموفق إذا ما تشوف قلبه للحق أدركه بحول الله . 2- ورحم الله العلماء ( البيطار والألوسي والقاسمي والرشيد ) الذين بذلوا النصح له ، وراسلوه بالأسلوب الحسن ، وأخذوه بالرفق ؛ حتى يسر الله رجوعه . 3- في مراسلة الألوسي له فائدة ؛ وهي أن يجتهد العلماء وطلبة العلم في مراسلة المعرضين والجاهلين ؛ خاصة من الرؤوس والمشاهير ، مع إتحافهم بالهدايا من الكتب والأشرطة النافعة التي ترشدهم ، وتبين لهم الحق ، ولايزهدوا في هذا الأمر ، فربّ رسالة أو كتاب أو شريط قادت إلى نفع عظيم للإسلام والمسلمين . والله الهادي ..

(المصدر: موقع « صيد الفوائد » بتاريخ 26 سبتمبر 2006)

الرابط: http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/117.htm

 

إنجازاتكم.. أكاذيب وجرائم

إلى أى مدى يستطيع الإنسان أن يكذب..؟

 

 

 بقلم: د. علاء الأسواني (*)

 

يلجأ الناس أحيانا للكذب من أجل تحقيق مصلحة أو تفاديا لمشكلة…. أما أن يظل الانسان يكذب دائما بل وينحصر عمله فى ترديد الأكاذيب. فهذه حقا ظاهرة شاذة.. فكرت فى ذلك وأنا أتابع، أثناء مهزلة مؤتمر الحزب الوطنى، ما قاله حسام بدراوى ومحمد كمال وعلى الدين هلال وأمثالهم..وجدتنى أتساءل.. ألا يشعر هؤلاء بخجل من الأكاذيب التى يرددونها؟!.. ألا يفكرون فى رأى أولادهم وأقاربهم.. فى أكاذيبهم؟!.. ألا يداخلهم أقل احساس بالعار من مديحهم المستمر للرئيس مبارك وكأنه نبى مرسل وليس بشرا يخطئ ويصيب..؟..ألا يعرفون أنهم قد يموتون فى أية لحظة فيحاسبهم ربنا سبحانه وتعالى على كل هذه الأكاذيب..؟ هل يساوى منصب الوزير والثروة الطائلة والحياة الرغدة أن يفقد الانسان مصداقيته واحترامه..؟

إن هؤلاء المداحين يرددون أكاذيب عن إنجازات حققها حكم مبارك للمصريين..أين هذه الإنجازات..؟ هل تتحدثون عن مصر التى نعيش فيها..؟ ما رأيكم فى الفقر والبطالة والديون والفساد والقمع والتبعية المهينة لاسرائيل وأمريكا.. هل تعتبرونها إنجازات..؟ ما رأيكم فى اعتقال الأبرياء وتعذيبهم وهتك أعراض زوجاتهم أمام أعينهم.؟ هل هذه هى الحياة الكريمة التى حققها زعيمكم للمصريين..؟ إنهم عادة يكذبون لكن أكاذيبهم هذه المرة وصلت الى حد غير مسبوق من التبجح والاستهتار بالعقول…. شهداء القطارات والعبارات وضحايا سرطان يوسف والى والمنتحرون من شدة الفقر وقتلى الإهمال فى مستشفيات الحكومة، كل هؤلاء لم تجف دماؤهم بعد، بينما يقف أحمد نظيف، ببشرته التى اسمرت من أثر الاستجمام فى مارينا.. ليؤكد بلا خجل أن انطلاقة الحزب الوطنى الأولى نجحت وانهم بدأوا الانطلاقة الثانية..

ان ما حدث فى هذا المؤتمر من مهازل، يدل بوضوح على فقدان النظام المصرى أدنى إحساس بالمسئولية واستهتاره التام بمشاعر الناس..لم نعد نحن المصريين نهمهم فى شيء، كل ما يهمهم الآن أن يدفعوا بالأخ جمال مبارك الى السلطة بأى ثمن وأية طريقة.. ليس حبا فى جمال مبارك ولكن تمسكا بمصالحهم وثرواتهم وقصورهم ومشروعاتهم التجارية الكبرى..إنهم يعلمون أن أى نظام منتخب فى مصر لن يتركهم قبل أن يحاكمهم على نهب الشعب المصرى وإفقاره وقمعه.. على أن مخطط التوريث فشل قبل أن يبدأ، لأن الرفض الشعبى له يتسع يوما بعد يوم، القضاة والصحفيون وأساتذة الجامعة والمحامون والأطباء وغيرهم.. ولعل ذلك ما يجعل النظام يبدو مترددا فى إعطاء الدفعة الأخيرة لمبارك الابن خوفا من أن تكون هذه لعبة النهاية..سبب آخر مهم فى فشل التوريث: أن السيد جمال مبارك ببساطة لا يصلح، ليس فقط لمنصب الرئيس بل لأى منصب سياسى ولقد شاهدته يتحدث فى التليفزيون فأحسست فعلا بالعطف عليه، إنه يبدو منصرف الذهن ويستجمع ما يريد أن يقوله بصعوبة ويتحدث بعربية ركيكة كأنه يترجم عن الانجليزية..إن من أقنع السيد جمال بممارسة العمل العام قد ظلمه.وأنا أتساءل مثل كثيرين: لماذا لا يتفرغ جمال مبارك لإدارة شركاته العملاقة واستثمار الملايين التى يملكها، اذا كان لديه وقت فراغ فلماذا؟ لا يقضيه مع أسرته أو حتى فى ممارسة هواية مفيدة مثل جمع الطوابع أو العملات التذكارية؟ إن التهريج السخيف الذى شاهده المصريون فى هذا المؤتمر، إشارة واضحة على تخبط النظام وعجزه عن الاستمرار.. وان غدا لناظره قريب.

كشف الأستاذ عادل حموده فى جريدة -الفجر- عن جريمة مروعة اقترفها ضابط شرطة اسمه النقيب سيد المرزيقى، فقد اعتدى مع جنوده على شاب بريء اسمه أمجد حسين، خلعوا ثيابه وهتكوا عرضه ونزعوا شعر عانته وأجبروه على تقبيل أحذية الجنود.. وقد قررت وزارة الداخلية احالة الضابط وجنوده إلى التحقيق.. والحق أن ما دفع الداخلية لاتخاذ هذا القرار ليس بشاعة الجريمة ولا نشرها فى الصحف، وانما لأن الشاب ضحية التعذيب ينتمى الى النخبة المصرية فهو خريج الجامعة الأمريكية ووالده رجل أعمال معروف..أنا لا أقلل من بشاعة هذه الجريمة التى لو كنا فى بلد ديمقراطى لدفع الضابط ثمنها سنوات طويلة خلف القضبان.. وانما يقتضينا الإنصاف أن نؤكد أن ما حدث لأمجد حسين يحدث يوميا لعشرات الفقراء فى مصر.. لقد نشرت الصحف المصرية مئات وقائع التعذيب الموثقة، وأعلنت عن أسماء الضباط الجلادين ومع ذلك فان الداخلية لم تحرك ساكنا لمنع التعذيب أو معاقبة مقترفيه أو حتى التحقيق معهم.والحق إن وزير الداخلية، ليس بمقدوره أن يحاسب الضباط الذين يعذبون المواطنين لأنه ببساطة هو الذى أعطاهم تعليمات بذلك..ولا يمكن أن نتصور أن ضابطا يغامر بمستقبله الشخصى والمهنى فيقدم على تعذيب مواطن، اذا كان يعرف أن الوزارة ستحاسبه بجدية على جريمته..إن إحالة الضابط سيد المرزيقى للمحاكمة ليس إلا محاولة للتغطية وذر الرماد فى العيون لأن الضحية هذه المرة ينتمى الى طبقة أولاد الناس…أما أولاد الفقراء الذين تنتهك آدميتهم يوميا فليس لهم حساب عند وزارة الداخلية.. إن القمع الوحشى الذى تمارسه الشرطة على المصريين ليس مجرد حوادث منفردة ولا يرجع الى انحراف بعض الضباط وانما هى سياسة النظام كله.. المسئول عن جرائم التعذيب ليس فقط الضابط الذى يرتكبها وليس فقط وزير الداخلية لكن المسئول الأول الرئيس حسنى مبارك نفسه..لا يمكن أن أصدق أن السلخانات البشرية المقامة للمصريين منذ سنوات فى مقار أمن الدولة وأقسام الشرطة، بعيدة عن علم الرئيس ورضاه.. لو أراد الرئيس مبارك أن يمنع هذه الجرائم لفعل لكنه لن يمنعها أبدا لأنه لولا التعذيب والقمع وقانون الطوارئ لما استطاع النظام أن يجثم على أنفاس المصريين على مدى ربع قرن.

أجرت معى جريدة لاكورييرا دى لاسيرا الإيطالية حديثا تليفونيا نشرته السبت الماضى عن محاضرة بابا الفاتيكان، وقد أكدت فى الحديث استيائى من تجنى البابا على الإسلام بهذه الطريقة التى لا تليق بقيادة دينية كبيرة، وأكدت أيضا أن البابا مسئول عن الفقرة التى اقتبسها من كتاب الامبراطور البيزنطى التى تحمل إساءة للإسلام ورسوله الكريم.. فالإنسان عندما يقتبس فقرة ما يعتبر موافقا على مضمونها ما لم يقل عكس ذلك. والبابا قد أورد الفقرة المسيئة بدون تعليق مما يجعله مسئولا عنها.وقد كان من الطبيعى أن تندلع المظاهرات العنيفة فى مصر والعالم الإسلامى احتجاجا على إهانات البابا للاسلام..؟.. تماما كما كان من الطبيعى أن تندلع المظاهرات احتجاجا على الرسوم الدانماركية المسيئة للإسلام..؟ لكننى كل مرة أجد نفسى أمام نفس السؤال: لماذا ينتفض المسلمون غضبا إذا حاول أحد أن يلحق الاهانة بالاسلام ولا يتحركون عندما يهان المسلمون أنفسهم..؟ إن الإسلام قد جعل كرامة الإنسان وحقوقه فى أعلى مرتبة بل لقد قال الله تعالى من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا..

فلماذا نغضب فقط لكرامة الإسلام ونتهاون فى حقوق المسلمين..؟.. أليست كرامة المسلمين من كرامة الدين؟!..لماذا تندلع المظاهرات ضد البابا والرسوم المسيئة ولا تندلع بنفس القوة ضد الاعتقال والتعذيب وتزوير الانتخابات..؟.. سبب ذلك فى رأيى أن فهمنا للدين كثيرا ما يكون قاصرا وشكليا..

لقد جاء الإسلام العظيم بثورة اجتماعية وإنسانية، كانت قضية الإسلام الأولى الحرية والعدل والمساواة لكن فقهاء السلاطين، على مدى تاريخنا، تولوا تفسير الدين بما يخدم الحكام، وتجاهلوا مفهومه الثورى تماما، حتى ذهب بعضهم إلى تحريم الثورة على الحاكم المسلم حتى لو ظلم المسلمين، وحجتهم فى ذلك أن الفتنة المترتبة على الخروج على الحاكم ستكون أسوأ من ظلمه.. وهذا الكلام غريب جدا فمن أدرانا أن ظلم الحاكم أهون من الثورة عليه..؟ وكيف تستقيم هذه الدعوة للاذعان للاستبداد مع دعوة الاسلام لمحاربة المنكر وتغييره..؟.. هذا التفسير غير البريء الذى انتشر بكل أسف فى العالم الاسلامى هو المسئول عن ازدواجية التفكير لدى كثير من المسلمين….فالذين انتفضوا ضد الرسوم المسيئة لم يحركوا ساكنا أمام تزوير الانتخابات.. والذين يخطبون ويصدرون البيانات ويجمعون التوقيعات من أجل منع الراقصات العاريات واستبعاد هالة سرحان من الفضائيات… يعتقدون أنهم بذلك يحمون الدين والأخلاق لكنهم، هم أنفسهم، يعيشون فى بلد يتم فيه اعتقال الناس وتعذيبهم ببشاعة وهتك أعراضهم وزوجاتهم، بل ان بلدهم العظيم هذا بسبعين مليون إنسان، يتم الآن توريثه من الأب للابن وكأنه مزرعة لتربية الأغنام.. وهم لا يحتجون على ذلك ربع احتجاجهم على الرقص العارى… إن أمثال هؤلاء، رغم إخلاصهم وسلامة نيتهم، قد حصروا الاسلام فى الصلاة والصوم والحجاب.. أما حقوق الانسان والديمقراطية وحق المسلمين فى انتخاب من يحكمهم ومحاسبته وعزله.. فهم بكل أسف لا يعتبرونها من صميم الدين…. هذا الفهم الرجعى وغير الصحيح للاسلام مسئول إلى حد كبير عن إذعان المصريين للاستبداد.

من هنا نفهم لماذا يستعمل النظام دائما مشايخ يفسرون الدين بهذه الطريقة فيقصرونه على العبادات والمظاهر.. ولعلنا نتذكر كيف تسامحت الشرطة مع المظاهرات ضد الرسوم المسيئة بينما تقمع دائما بمنتهى الوحشية أية مظاهرة ضد التوريث قبل أن تبدأ…. إننا نظلم الاسلام العظيم عندما نقصره على الشكل دون المضمون ولو أننا فهمناه بالطريقة الصحيحة لكانت دولة الاستبداد قد زالت منذ زمن طويل..

(*) كاتب وروائي مصري (صاحب رواية عمارة يعقوبيان)

 
(المصدر: صحيفة « العربي » المصرية بتاريخ 24 سبتمبر 2006)
 


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.