الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بـيـان مجموعة مراقبة تونس باللغة :دعوة لمؤتمر صحفي عن حرية التعبير في تونس: »نتائج بعثة تقصي حقائق دولية » البديـل عاجل: ربيع الإضرابات سيف بن سالم: نداء عاجل:على إثر الأحداث الأخيرة بولاية صفاقس نـواة :حوار مع الصحفي و المدوّن محمد الفوراتي البديـل عاجل: هدوء الصراع داخل الاتحاد العام التونسي للشغل: مؤشر على رغبة في التجاوز أم هدنة مؤقتة؟ عبدالباقي خليفة:من يرفض المصالحة في تونس الهادي بريك: كلمة على درب الحوار حول مستقبل الحركة الإسلامية في تونس الحلقة 2 من 3. زهير الشرفي: إلى السيد راشد الغنوشي عادل القادري: وزير العدل وحقوق الإنسان بين الأقلية والأغلبية الأستاذ الهادي المثلوثي:تحية للشهداء في ذكراهم التاسعة والستين وعذرا إن خذلناهم د. محمد الهاشمي الحامدي:رأي لعبد الرحمن بن خلدون التونسي: في السجال حول المصالحة ولم الشمل الحوار.نت ردود القراء على مقال « الربيع والسياحة وزيت الزيتون » للهاشمي الحامدي ام اسامة: هاشمي الحامدي و »المتنهوضين » مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات :زمن بورقيبة:حصة تقييمية حول الحلقة الثانية التي بثتها قناة العربية يوم الاثنين 28 مارس 2007 يو بي آي: تونسية في الثمانين.. حامل! القدس العربي: اسبانيا قلقة من تسلح الجزائر وتخشي من سباق يجعلها والمغرب قريبين من مستواها العسكري القدس العربي: إعلاميون ليبيون يدعون لإنشاء صحافة خاصة وإصلاح العامة رويترز: إسلامي جزائري يقول ان السلطة تفوت فرصة التغيير السلمي رويترز:الشرطة: مقتل اثنين من المشتبه بأنهما مفجران انتحاريان في المغرب القدس العربي: مغاربة يحتجون علي استضافة إسرائيليين في مهرجان سينمائي بمراكش صحيفة « القدس العربي » :ليبيا تعلن عن ضبط 1300 متسلل في حالة شروع بهجرة غير شرعية إلى أوروبا فتحي بن الحاج يحيى في النظرية السابعة د. حسن حنفي: هل تعود أوروبا إلى استقلالها؟ توفيق المديني:أزمة الزراعة في أفريقيا
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
قناة الحوار تعيد بث حلقات مراجعات الخاصة بـ:
راشد الغنوشي
ابنُ الفلاحِ التونسيِّ الذي غادرَ قريتَهُ الجنوبيةَ الصغيرةَ ليجوبَ الآفاقَ طلبًا للعلمِ.
++ اعتنقَ الفكرَ القوميَ الناصريَّ ليتخلِّى عنهُ بعدَ حربِ 67 التي عُرِفَتْ بالنَّكْبَة++
تحوَّلَ إلى المُعَسْكَرِ الإسلاميِّ ليؤَسِسَ مع زُمَلائِهِ الحركةَ الإسلاميةَ في تُونُسْ. ولِيُصبِحَ من مفكرِي الاسلامِ السياسيِّ البارِزين ++
حُوكِمَ بسببِ نشاطِهِ الدَّعَوِيِّ والسياسيِّ عِدَّةَ مرَّاتٍ.
له نظراتٌ تجديديةٌ في الفكرِ الاسلاميِّ ضمّنَها كتَابَهُ الحرياتُ العامةُ في الدولةِ الإسلاميةِ.
برنامج مراجعات يستضيف المفكر الاسلامي التونسي راشد الغنوشي
يأتيكم في الاوقات التالية: الثلاثاء الساعة السادسة والنصف بتوقيت غرينيتش
يعاد في الاوقات التالية:
الاربعاء الساعة 16:00 بتوقيت غرينيتش
الخميس الساعة 06:30 بتوقيت غرينيتش
الخميس الساعة 16:00 بتوقيت غرينيتش
القمر الصناعي نايل سات 11823 القمر الصناعي هوت برد 13 درجة 10949
برنامج مقابسات يتناول عرضا وتحليلا لكتاب المفكر التونسي الكبير د. هشام جعيط تاريخية الدعوة المحمدية في مكة
يأتيكم على قناة الحوار في الأوقات التالية:
الثلاثاء 10 أفريل 2007
الساعة 20:30 بتوقيت غرينيتش 21:30 بتوقيت أوروبا
الاربعاء الساعة 06:00 بتوقيت غرينيتش
الخميس الساعة 12:00 بتوقيت غرينيتش
الجمعة الساعة 16:00 بتوقيت غرينيتش
القمر الصناعي نايل سات 11823 القمر الصناعي هوت برد 13 درجة 10949
أطلقوا سراح الأستاذ محمد عبو أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف /الفاكس:71354984 Email: aispptunisie@yahoo.fr تونس في 10/04/2007 بــيـــــان
تمكنت السيدة سمية بنت بوبكر الأزغب و السيدة فطيمة بوراوي زوجة و والدة السجينين السياسيين وليد و خالد العيوني من زيارة السجينين المذكورين بعد ظهر اليوم الثلاثاء 10 أفريل 2007 بسجن المرناقية و هما ما زالتا تحت وطأة الصدمة التي أثرت عليهما و جعلتهما يعيشان بحالة حزن عندما علمتا يوم الجمعة الماضي أن وليد العيوني أصيب بفقدان مداركه العقلية و أصبح لا يعرف والدته و لا يعرف زوجته نتيجة للتعذيب الوحشي الذي تعرض له منذ اعتقاله يوم 11 ديسمبر 2006.
و قد حاولت زوجته هذا اليوم تذكيره باسمها و باسم والدته و بأسماء أبنائه لكنه اتضح أنه فقد الذاكرة تماما علما بأن إدارة سجن المرناقية لم تمكن محاميه الأستاذ عبد الرؤوف العيادي من زيارته.
و للتذكير فإن وليد العيوني مهندس ديكور و هو توأم مع شقيقه خالد و مولود بقليبية في 28 أوت 1978 اشتغل مهندسا بالامارات منذ أفريل 2003 بإحدى المؤسسات و رجع إلى تونس يوم 18 أكتوبر 2005 و فتح مكتبا خاص و أصبحت له شهرة لدى العموم.
قد كان يشكو لأفراد عائلته أثناء الزيارة الأسبوعية من تعرضه للتعذيب و يشكو من الظروف السجنية السيئة للغاية التي أدت في آخر الأمر إلى فقدانه إلى مداركه العقلية.
و قد سبق للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أن طالبت بإطلاق سراحه لتمكين عائلته من السهر على معالجته علما بأن العلاج يتطلب إرجاعه إلى وضعه العادي بالعيش وسط عائلته بجانب والدته و زوجته و أبنائه. رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري
تفاصيل الحادث تتمثل في نزول حافلة على متنها عشرات من رجال الأمن في مطعم الحاج سالم الكشطي الذي اشتهر بحسن خلقه و استثمار مركزه في الحزب الحاكم كرئيس شعبة لمساعدة أهالي المنطقة.
وبعد تلبية طلباتهم من أكل و شرب رفض المسؤول عن المجموعة دفع فاتورة الحساب فتوجه إليه الحاج سالم بكل لطف مطالبا إياه بسداد المبلغ و ملتمسا منه أن يقدر مركزه في المنطقة، غير أن المسؤول المذكور وجه له صفعة قوية ثم لطمه برأسه فطرحه أرضا مما أثار غضب أهالي المنطقة الذين هبوا، مسلحين بالعصي و الحجارة و آلات فلاحية (بالة، مسحاة…) و اشتبكوا مع الأعوان فأصابوهم إصابات بالغة نقلوا على إثرها إلى المستشفى بالإضافة إلى تهشيم الحافلة بالكامل. فما كان من السلطات إلا أن شنت، في صبيحة اليوم التالي، حملة اعتقال واسعة طالت عددا كبيرا من أبناء المنطقة. وباعتبار واقع العجز والتخبط الذي تعيشه البلاد، سلطة ومعارضة، فإنني أتوجه بندائي هذا إلى أبناء منطقتنا الشجعان الذين دافعوا عن شرفهم وكرامتهم وأثبتوا أنهم وحدهم القادرون على ذلك بعد أن انشغلت نخبتهم، إسلامية وعلمانية، بهمّ المساواة بين الجنسين في الإرث فلم تنلهم سوى المساواة في العصا. أتوجه إليهم بنداء، ملؤه الإعجاب والتقدير والمحبة، بأن يثبتوا على درب العزة والكرامة مذكرا بقول الشاعر العظيم: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.
منتدى طلابي تونسي يقف خلفه مجموعة من الطلبة والشباب التونسي من توجهات مختلفة
إسلامية شيوعية قومية http://talaba.forumactif.fr/
أخبار قصيرة من الموقف
حوار مع الصحفي و المدوّن محمد الفوراتي
طبعا هذه قضية قديمة يعرفها الرأي العام و الزملاء القافيين و المنظمات الحقوقية. كان فيه حكم قضية أولية حول جمع أموال بدون رخصة و انتماء لجمعية غير مرخص فيها. و انطلقت القضية باعتقال عدد من المواطنين بمدينة قفصة و هي مسقط رأسي. و كنت آنذاك أعمل بالعاصمة التونسية. وجدوا بعض الأعداد من المجلة الإلكترونية أقلام أون لاين التي أكتب فيها، فأضافوني للقضية بكل بساطة و ليس هناك أي دواع أخرى موجودة في الملف أو أدلة أخرى تشير إلى هذه التهم. و بسبب هذا الفراغ في الملف وقع الحكم بعدم سماع الدعوى في الإبتدائي ثم في الإستئناف ثم في التعقيب مرتين. و هذه هي المرة الثالثة التي تعاد فيها القضية إلى التعقيب. و للأسف، وهو أمر غريب، يقع فيها الحكم بهذا الشكل المستغرب و الذي يثير الكثير من الأسئلة.
طبعا سوف نعترض هلى هذا الحكم لأنه أولا ظالم و لأنه غير مقبول من قبل الجميع، سواء كانوا محامين أو قانونيين أو منظمات حقوقية أو منظمات دفاع عن الصحفيين. ولكني لم أحدد بعد موعد الإعتراض و سأتشاور في هذا الأمر مع محاميّ و زملائي الصحفيين.
هذا السؤال يدفعني للحديث عن وضعية الصحفي التونسي عموما الذي يكتب بأمر من الإدارة أو بأمر من الصحيفة أو بأمر من الحكومة. فهناك مجال ضيق جدا للتعبير عن حرية الرأي و للتعبير عن مشاكل المواطن الحقيقية التي يراها الصحافي كل يوم، فالصحافي هو أقربإلى الموظّف في بعض الجرائد منه إلى الصحفي الذي يعبر عن هذه المشاغل اليومية. طبعا فالإنتقال إلى المدونات لسبب رئيسي و هو التعبير بأكثر مساحة عن ما يختلج في الذهن و ما تراه العين و ما تنقله الأقلام عن عدة مواضيع سواءا كان في الجانب الإجتماعي أو السياسي أو الإقتصادي. و الظاهرة و إن كانت في بدايتها و لكنها بدأت تلامس بعض النجاح و بعض الإهتمام من قبل الصحفيين، و حتى غير الصحفيين ، لأنها حققت، سواءا كان في تونس أو في غير تونس، بعضا من أنواع الضغط و بعضا من أنواع لفت النظر إلى بعض القضايا. و رغم ذلك فهي ما زالت محدودة لسببين، أولا لأن الظاهرة لم تنتشر بعد، و ثانيا لأن الحكومة، كل ما كان هناك مدونة جادة تقوم مباشرة بغلقها.
طبعا، فإنه من الأفضل للمدونة أن يكن صاحبها على عين المكان، أي في بلده، و لكن رغم ذلك، والحمد لله، فإن وسائل الإتصال الحديثة تسمح بتجاوز هذا الحاجز. أما في ما يخص الترحاب بهذه المدونة، و التي هي تجربة بسيطة جدا، جاء من تونس و من خارج تونس، من عدة دول عربية. والتعليقات الموجودة من عدة دول و من تونس تدل على ذلك طبعا.
هدوء الصراع داخل الاتحاد العام التونسي للشغل: مؤشر على رغبة في التجاوز أم هدنة مؤقتة؟
من يرفض المصالحة في تونس
** الجعجعة الأخيرة هدفها إحداث سكون يخدم النظام في مواجهته للخارج الذي يطالبه بشيء من التنفيس ** ربيع القلب وأفراح الروح أجمل من طبيعة خلابة تسيطر عليها الوحوش الضارية وكل ذي مخلب وناب وقلم كذاب
كلمة على درب الحوار حول مستقبل الحركة الإسلامية في تونس
الحلقة 2 من 3.
السيد راشد الغنوشي:
بقيت كل المسائل التي أثارها مقالي حبيسة الكتمان والطمس الذي نتج وينتج عن رفض الصحافة التونسية لنشره( كل من جريدة الصباح والشعب والصريح رفضت النشر) وعن عدد من المقالات العدائية التي تكتفي بالسب والشتم والتكفير. لست أنوي هنا إعادة إثارة كل هذه المسائل ولكنني أظن أنك أخطأت القول حين قلت في العدد(7-4-2007 تونس-نيوز) حول ظاهرة ارتداء الفولار في تونس: « هي ظاهرة عفوية ظاهرة شعبية، وليس وراءها حزب سياسي ».
قد لا يكون وراءها حزب سياسي واحد بل كل الأحزاب التي تخلط الدين بالسياسة والحزب الحاكم في تونس أيضا ( بما يروجه مثلا حول لباس الحشمة الإسلامي : أنظر الملف التلفزي ومقال الشيخ الزيتوني محمد بوزغيبة في جريدة الصباح)، ووراءها الخطاب الإعلامي لعدد غير قليل من القنوات الفضائية، ووراءها أيضا عدد غير قليل من المنتوج الدعائي عبر مواقع الأنترنت ومنه ما صدر في موقع « تونس نيوز » ذاته حيث تُصدر اللجنة الدولية للدفاع عن الحجاب بياناتها وتنشر بدون حرج القوائم السوداء بأسماء من يناهظون هذا اللباس…
أما عن معاني حمل الفولار فإن كلام السيد جمال البنا معبّر حقا. فقد قال في أحد كتاباته في الأنترنات أن هذا اللباس جديد حقا حيث أن حركة الإخوان المسلمين لم تنادي له في حياة زعيمها ومؤسسها حسن البنا الذي هو شقيق جمال بالتحديد، بل بنات حسن البنا بالذات لم يحملن هذا اللباس. وفي مقالي سابق الذكر بيّنت بقدر مستطاعي كيف أن النص القرآني لا يحتوي على أمر بحمل الخمار أو الجلباب وإنما هو طلب فقط إدناء ما كانت المرأة تحمله من الثياب( الخمر والجلابيب) لغايات محددة كان يتطلبها العصر أو الظرف ..
لقد فهم الفقهاء القدامى النص القرآني بالاعتماد على معطيات عصرهم فمن حق أبناء عصرنا أيضا أن يفهموا تراثهم بأدوات عصرهم. أعني بكلامي هذا أن هؤلاء الفقهاء هم بما أنتجوه يمثلون مرآة لعصرهم بالأساس ولا يجوز أن يكونوا حاجزا أو رقيبا بين أبناء القرن الواحد والعشرين وبين تراثهم. وها نحن نرى مثلا كيف يفهم أبو يعرب المرزوقي آيات القرآن حيث رأى أنها تفضّل المرأة على الرجل في المنزلة الوجودية( مقاله في تونس نيوز 5-4-2007)، فهل نكفّره أو نمنعه من التعبير أم نتحاور معه بالجد والصدق والحجة؟ هل مسألة الفولار أو الخمار هذه تستحق أن يبحث فيها أبناء عصرنا من جديد أم أن البحث انتهى والحكم صدر والطاعة وجبت؟
كنت أترقب كثيرا من الردود الجدية على مقالي سابق الذكر لكن الطمس الذي شارك فيه الجميع( أجهزة الإعلام الرسمية وغيرها) منع الإسلاميين الصادقين من الإطلاع عليه. فهم من كان سيواصل الحوار والبحث حول معنى عبارة « الزينة »، هل تعني ما تحمله المرأة من ذهب وفضة..أم تعني شعرها ورقبتها.. ؛ هم من سيواصلون البحث في عبارة » الجيوب » هل هي المنافذ للفرج أم هي فتحة القميص أم شيء آخر…؛ وهم أيضا من يعنيهم البحث من جديد في علاقة اللفظ القرآني بمقاصد الدعوة الأصلية..؛ وهم الذين بجدهم وصدقهم سيكتشفون أننا جميعا أمام الحقيقة سواسية: فهي حين تخرج من فم المسلم أو الملحد أو البوذي تقنع الجميع، وحين تخرج من أصغر نبراس مضيء تجتاز أيضا كل القلاع والأسوار الإيديولوجية والأصولية. لقد طلبت سابقا من السيد نجيب الشابي أن يوضح لي كيف يرى التناقض بين العلمانية والإسلام. ولكن بقي الأمر غامضا. وها أنا أقرأ الآن في مقالك: » لأن الحجاب يرمز وهو ليس رمزاً في الأصل بل عبادة ولكن من الناحية الثقافية، يرمز في نظر الآخرين إلى انتصار إسلامي، أو إلى هزيمة المشروع العلماني » فكأني أمام نفس اللغز يعلََن من جديد بدون ما يلزم من الحجة والبرهان.
الحجاب برأيي قد يرمز فقط إلى انتصار إسلام أصولي يقوم على التقليد على حساب كل المشروع الحضاري بما فيه من معاني العلمانية ومعاني الإيمان الحر ومعاني الإسلام العصري أو العقلاني ومعاني الحداثة والنهضة والتحرر، لأن كل هذه المعاني تشترط وجود المواطن الحر الذي لا يقلد بل يفهم ويختار، ولا يختار إلا بعد الفهم والحوار الحر والمكتمل. ليست الآية القرآنية : « إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر » هي التي ستقنع الناس بضرورة العلمانية، وإنما رغبة المواطن في الحرية وإحساسه بالحاجة لها كلما عايش القمع والمنع والتوجيه الإجباري في المدرسة والعمل وعند الهيجان السياسي والطائفي؛ هي التي ستجعله يحذو حذو شعوب الدنيا في طريق العلمانية. ولعل الشعب العراقي هو من سيكون الأول بين الشعوب العربية في الاستنجاد بقيم العلمانية والدولة العلمانية بعد ما عاشه ويعيشه من الحرب الطائفية وعبث الأصوليين من رجال الدين: زعماء الطوائف المتقاتلة.
« … أي عندما تنزع المرأة حجابها فقد تحررت، وعندما تعود للحجاب فكأنما داست بالأقدام على المقدس العلماني. » يا سيد راشد، هذا غير صحيح. فالعلمانية لا شأن لها بلباس المرأة ، إنما هي تقتضي أن تختار المرأة لباسها بحرية أي بدون أوامر الوسيط الذي يقول: يجب عليكِ أو ينبغي أن تلبسي هذا النمط من اللباس لا غيره، وهي تقتضي أن ينشر الفرد أذواقه أو آراءه في اللباس بواسطة النصيحة والحوار الحر مهما كان خلقيا أو فنيا.. العلمانية تقتضي بالتحديد أن تختار المرأة لباسها فلا يجبرها فلان على حمل الفولار ولا يجبرها علان على نزعه لا بالقانون ولا بأساليب التكفير والضغط الديني. أتمنى أن تأخذوا كلامي على أنه نصيحة وحوار بقدر الصدق والجهد لا غير.
وزير العدل وحقوق الإنسان بين الأقلية والأغلبية
جواب السيد الوزير حول هذه النقطة التي طرحها نائبان من حزب الوحدة الشعبية ومن حركة التجديد ، تضمّن ما يستوجب التوقف عنده، فقد أعلن السيد بشير التكاري أن الأغلبية في تونس مع الإبقاء على عقوبة الموت وأن أقلية فقط ( من المثقفين) هي التي تثير هذه المسألة. وهذا الجواب المسؤول يطرح أكثر من سؤال إضافي للسيد الوزير الواثق من المعطيات التي لديه :هل قامت وزارة العدل وحقوق الإنسان بدراسة إحصائية أوعملية استفتاء أو سبر لآراء التونسيين والتونسيات حول إلغاء عقوبة الإعدام ؟ وهل إن بقية القوانين التي تصدر في تونس تعتمد على مثل هذه الدراسات والاستطلاعات والمعطيات الخافية عنا وعن وسائل الإعلام ؟ وهل كانت مجلة الأحوال الشخصية سترى النور سنة 1956 لو تم توخي هذا المنطق الديمقراطي المباشر جدا إلى الدرجة السويسرية؟ وأين نحن من ذلك ؟
وللمفارقة تضمنت إجابة السيد الوزير المحترم إشارة إلى الموقف الإنساني لرئيس الجمهورية المتمثل في تعليق تنفيذ أحكام الإعدام والحرص على التخفيف منها، ولا نعلم إن كان هذا الموقف الرئاسي الشخصي المعروف منذ سنة 1989 حتى على المستوى الدولي ( انظر كتاب منظمة العفو الدولية حول إلغاء عقوبة الإعدام) قد صنفه السيد الوزير ضمن (الأقلية) أم ضمن (الأغلبية).
وبقطع النظر عن النبرة الخاصة بالردود على أسئلة نواب المعارضة، أو بعض الإجابات المبهمة مثل تلك المتعلقة بتركيبة المجلس الأعلى للقضاء ، نرجو في المستقبل أن تكون أجوبة السادة الوزراء تحت قبة البرلمان وغيرها من المنابر الرسمية العلنية المفتوحة في حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم فلا يصرّحون بما لا تؤيده معطيات دقيقة ومستندات موثقة… عادل القادري (جريدة الوحدة) http://adelkadri.maktoobblog.com/
تحية للشهداء في ذكراهم التاسعة والستين وعذرا إن خذلناهم
رأي لعبد الرحمن بن خلدون التونسي
في السجال حول المصالحة ولم الشمل
أريد من كل الإخوة المهتمين بهذا الملف أن يركزوا للنقاش حول جوهر الموضوع الذي يدور بشأنه الخلاف. فالربيع والسياحة العربية والإسم التجاري الذي نسوق به زيت الزيتون أمور ثانوية بالقياس إلى الهدف الذي أوضحته وشرحته ودعوت له في مقالة « تونس الجميلة »: هدف المصالحة بين السلطة والإسلاميين.
من كان معارضا لهذه الدعوة فليقدم لمعارضته سببا. ومن كان مترددا، أو متأثرا ببعض الحوادث المؤلمة التي تعرض وتنشر هنا وهناك، فإنني أدعوه لتحكيم العقل وإعمال البصيرة. ذلك أنه حتى وإن رفض الصلح وشنع على دعاته فليس له من بديل في الواقع إلا المزيد من العنت والألم والضرر البالغ بألوف المواطنين وعائلاتهم، وبالإسلام والثقافة العربية. وقبل التوسع في شرح الخلل الكبير في البدائل الأخرى، أدعو المخالفين في الرأي للتعلم من تجارب الشعوب في شأن الصلح بعد الخصومة، القديمة والحديثة، للإستفادة منها لأن العبر منها كثيرة وجليلة.
وأدعو أهل التدين منهم للتأمل في هذا النص المهم لابن خلدون، فإنه موجه لهم إن كانت دوافعهم دينية محضة، وموجه لهم أيضا إن كانت الدوافع سياسية. أعرض النص، وألفت النظر قبل عرضه أن أهل التجمع الدستوري الديمقراطي لا يرون حكمهم حكم جور، ويفتخرون بأن حزبهم حرر البلاد ودافع عن هويتها العربية الإسلامية. فإن أصر أحد على مخالفة هذا الرأي واتهام السلطة بأنها عدوه الأول، فإن النص يعنيه بوجه أو بوجوه أخرى. وأواصل مناقشة المخالفين لما طرحته في مقالات أخرى قادمة إن شاء الله تعالى.
قال عبد الرحمن بن محمد بن خلدون التونسي رحمه الله:
« إن كثيرا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه والأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله، فيكثر أتباعهم والمتلثلثون بهم من الغوغاء والدهماء ويعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك. وأكثرهم يهلكون في هذا السبيل مأزورين غير مأجورين، لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم، وإنما أمر به حيث تكون القدرة عليه. قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه. وأحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر كما قدمناه. وهكذا كان حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء. لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة والله حكيم عليم. فإذا ذهب أحد من الناس هذا المذهب، وكان فيه محقا، قصر به الإنفراد عن العصبية فطاح في هوة الهلاك. وأما إن كان من المتلبسين بذلك في طلب الرئاسة فأجدر أن تعوقه العوائق وتنقطع به المهالك، لأنه أمر الله لا يتم إلا برضاه وإعانته والإخلاص له والنصيحة للمسلمين. ولا يشك في ذلك مسلم ولا يرتاب فيه ذو بصيرة ».(1)
ــــــــــــــ (1) ابن خلدون، المقدمة، الفصل السادس في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم. بيروت: دار القلم، الطبعة الخامسة، 1984. ص 159-160
جميع ردود القراء في موقع الحوار.نت على مقال
« الربيع والسياحة وزيت الزيتون » للهاشمي الحامدي
الربيع والسياحة وزيت الزيتون
محمد الهاشمي الحامدي قيل لي اليوم إن الطقس في تونس ربيعي وفاتن، كأنه طقس أهل الجنة، فهاجت أشواقي إلى الوطن. قد برّح بي الشوق إلى تونس، وأهلها، وربوعها، ومروجها، وورودها، وربيعها الذي ما أزال أحلم به منذ غادرت وطني قبل اثنين وعشرين عاما. بي شوق عارم وظمأ كبير وأسئلة أقتبس للتعبير عنها أبيات شاعرنا الفذ أبي القاسم الشابي: تسائل: اين ضباب الصباح وسحر المساء، وضوء القمر وأسراب ذاك الفراش الجميل ونحل يغني، وغيم يمر ظمئت إلى النور فوق الغصون ظمئت إلى الظل تحت الشجر ظمئت إلى النبع بين المروج يغني ويرقص فوق الزهر ظمئت إلى الكون.. أين الوجود وأين أرى العالم المنتظر؟ وقد خطر لي أن أعود إلى ربيع تونس ولو بمقالة. قيل لي أن البلاد كلها خضراء تقريبا بفعل موسم أمطار جيد وغيث نافع هطل في الأسابيع الماضية على شمال الخضراء وجنوبها. وتذكرت هنا مديح كثير من العرب لبلادنا، وتساءلت: هل بالإمكان بذل المزيد من الجهد لتسويق تونس كوجهة أساسية للسائح العربي؟ ملايين العرب، وخاصة في الخليج، يغادرون بلدانهم في الصيف للسياحة والتسوق، ويقصدون أوروبا وماليزيا، بالإضافة إلى لبنان وسوريا ومصر. وعندما يقدم هؤلاء إلى تونس فإنهم يجدون بلدا عربيا أصيلا، وشعبا كريما مضيافا، ومعارف وتجارب توسع آفاق الإنسان ومعرفته بالحياة وبالتاريخ. لا أعرف الكثير عن خطط الجهات المختصة بالترويج السياحي في العالم العربي. لكنني أسمع من إخوتي العرب وأعرف أن الأمر يحتاج إلى المزيد من الجهد من أجل تعريف أكبر عدد منهم بحقيقة بلادنا الجميلة التي ما غيرت يوما هواها العربي الإسلامي منذ تلاقت إرادة الخير والحب والسلام الراسخة في نفوس أهلها مع تعاليم الخير والحب والسلام التي جاء بها أصحاب نبي التوحيد والعدالة الحرية محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه الكرام وأرضاهم. وأظن أن من واجب المواطنين التونسيين في الخارج المساهمة الطوعية في هذا الحملة بحماس، لأن إقبال السواح العرب على بلادنا فيه منفعة أكيدة لهم ومصلحة لاقتصادنا الوطني.
علامة تجارية لزيت الزيتون أحب زيت الزيتون ولا أرضى عنه بديلا في المنزل، وأحتفظ بقارورة منه في مكتبي دائما. وقد قرأت في موقع « أخبار تونس » اليوم أن بلادنا رابع مصدر عالمي لزيت الزيتون، لكن بالرغم من ذلك، يتم تسويقه في الخارج سائبا دون هوية ويعاني نقصا في علامة تميزه في الأسواق الخارجية ذلك أن 1 بالمائة فقط من زيت الزيتون التونسي يروج معبئا فيما تروج البقية سائبة وتسوق تحت علامات أجنبية . نوقشت هذه المشكلة في يوم إعلامي نظمه المركز الفني للتعبئة والتغليف ووزارة الصناعة والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة يوم الخميس بتونس لفائدة منتجي ومصدري هذا المنتوج . ومن بين التوصيات المنبثقة عن هذا اليوم الدعوة إلى بعث نماذج وتسميات تونسية وتشريك القطاع السياحي في النهوض بهذا المنتوج داخل الوحدات الفندقية وفي الفضاءات السياحية . تجاوبا مع هذه التوصيات أقترح على أهل القطاع اعتماد علامات تجارية تونسية فيها أصالة تونس وخصوصياتها. من ذلك مثلا اسم « زيتونة »، واعتماده بالعربية والفرنسية والانجليزية ليدخل قاموس كل محبي زيت الزيتون في العالم. « زيتونة » اسم مبارك، ذكر في القرآن الكريم، وهو اسم ارتبطت به بلادنا من جهة إطلاقة على أول جامعة علمية بنيت في التاريخ الإسلامي، جامعة الزيتونية. كما أن نطقه بالفرنسية أو الانجليزية سهل. ويمكن الدعاية له بالقول: إذا كنت تبحث عن زيت الزيتون الحقيقي، الصافي، والنقي، فعد إلى مصدره الأصلي، إلى شجرته: زيتونة. ويضاف: مستخلص من شجر الزيتون في بلاد الزيتون: تونس. ليس من الضروري أن نعتمد تسميات لاتينية أو فينيقية لترويج منتجاتنا. دقلة « نور » مثلا أصبحت إسما تجاريا مشهورا للتمر التونسي عالي الجودة. ومن الممكن استحدام هذه العلامة التونسية الأصيلة لتسويق زيت الزيتون عالي الجودة في بلادنا. يقال مثلا: زيت « نور ». زيت الزيتون الصافي النقي من حقول الزيتون التونسية. هذان اسمان على الحساب، وأدعو محبي زيت الزيتون للتفكير في أسماء أخرى، والمشاركة كل حسب إمكانياته في الترويج لزيتنا التونسي ولاقتصادنا الوطنيالرد على الاخ الهاشمي الحامدي و على ربيعه و زيتونه
دعاية مجانية لنظام جائر
عندما يكون زيت الزيتون في فصل الرّبيع
قاسم لن يصالح …..و زينب لن تصالح
باسم من تتحدث يا قاسم؟
ردا على الاخ الهاشمي الحامدي
حول موضوع الاخ د.الهاشمي
هاشمي الحامدي و »المتنهوضين »
د. عبد الجليل التميمي: بعثت فكرة هذه اللقاءات التقويمية، انطلاقا من رغبة قناة العربية استشراف آراء التونسيين حول برنامج « زمن بورقيبة » بوصفه إنجازا توثيقيا لتحديد ومعرفة الأخطاء والنواقص بغاية التنبيه لتجاوزها ثم ابراز الجوانب الإيجابية. وقد أثارت الحلقة الأولى جدالا واهتماما واسعا حول الإيجابي والسلبي فيها وهناك من مدحها وهناك من لم يمدحها. وفي رأيي فإن الحلقات الست متكاملة وليس من الصائب الحكم على الحلقة الأولى، بل يجب مشاهدة بقية الحلقات لإبداء حكم عام عليها. لكن ومع هذه الاعتبارات فإن قناة العربية، ترغب في « قتل » الصمت حول هذا الفيلم عن شخصية بورقيبة، من خلال هذا الحوار الذي نقيمه في مؤسستنا. وهذا أمر طبيعي لأن البرنامج تطلب أموالا لانجازه ومن هنا فإن استشراف رأي التونسي حوله، أمر هام للقناة التلفزية المنتجة. والحلقة الثانية، التي تم بثها مساء الاثنين 26 مارس، كانت في رأيي حلقة متوازنة، هي في تقديري حلقة احتوت جوانب توثيقية هامة من حياة بورقيبة. والغاية التي نرمي لها هو لفت انتباه الدولة والحكومة التونسية إلى أهمية شخص بورقيبة، بل أننا ننادي خاصة إلى حتمية الرجوع إلى الأرشيف السمعي البصري التونسي وتوظيفه لأفلام من نوع فيلم « زمن بورقيبة ». وهنا أذكر بما قلته سابقا عما أنجز بشأن شخص كمال أتاتورك وهو الأمر الذي نفتقده ببلادنا عن بورقيبة. وأتساءل في المقابل لماذا الالتجاء إلى قناة العربية لتنجز هذا الفيلم؟ لماذا لا يتم ذلك محليا؟ ومع ذلك يبقى الإنجاز في حد ذاته إيجابيا. أفتح المجال لمن يريد إبداء رأيه في الحلقة الثانية من مسلسل « زمن بورقيبة ».
السيد مصطفى الزعنوني (وزير بورقيبة السابق): أود التأكيد على أن ما بث في مسلسل « زمن بورقيبة » اطلعت عليه لأول مرة، فما بالك ببقية المواطنين، فحتى الصحفيون يجهلون هذه الحقائق، فقد سألت الصحفي الذي حضر معنا تسجيل الحلقة وأكد لي أنه كان يجهل هذه المعطيات المذكورة بشأن التعاضد وغيرها من الحقائق المسكوت عنها من قبل. وهذا في حد ذاته يؤكد أهمية هذه الحلقات، خاصة بالنسبة للمؤرخين اللذين سيتمكنون عبر هذا الفيلم، من إعادة كتابة تاريخ تونس المعاصر والممتد من 1956 حتى 2006، خاصة وأنها فترة غير معروفة تاريخيا ومجهولة تماما حتى من طرف الصحفيين.
د. عميرة علية الصغير (مؤرخ): تعقيبا عما قاله السيد الزعنوني، بشأن إعادة كتابة تاريخ تونس، هو أمر هام، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالفترة التي عقبت الاستقلال حتى اليوم. مع العلم أن المؤرخين التونسيين يعتبرون نشازا، مقارنة بالمؤرخين العرب وليس إلا حديثا حيث وقع الاهتمام بكتابة تاريخ هذه الفترة، فقد شرع مؤخرا بعض الجامعيين في تدريس فترة بورقيبة بالجامعة التونسية. لكن القضية المطروحة، هي مسألة شروط كتابة التاريخ المعاصر أو التاريخ الآني. وأهم هذه الشروط توفر المادة اللازمة لكتابة هذا التاريخ، وهي خاصة المادة الأرشيفية والوثائق اللازمة. لكن نحن بتونس وللأسف، نفتقر لهذا الأرشيف حيث يخلو الأرشيف الوطني التونسي من وثائق الوزارات التونسية. وفي المقابل تركت هذه الوثائق في أرشيفات وزارة الداخلية دون التمكن من الاطلاع عليها من طرف المؤرخين. النقطة الثانية، أو الشرط الثاني، الذي يجب أن نعي به هو أن التاريخ لا يكتب بصفة علمية، عندما تنتفي الحرية وعندما يسلط سيف المراقبة والمعاقبة على المؤرخ، وتصبح كتاباته إيديولوجية بحتة ولا علاقة لها بالكتابة العلمية، بل مقتصرة على منحى تبريري وتمجيدي، في حين أن المجتمع التونسي بلغ اليوم، درجة من النضج والوعي أصبح معها يطالب بإلحاح بمعرفة تاريخه وتاريخ الأشخاص الفاعلين فيها وهذا حق من حقوقه. ويبقى شرط تمكين المؤرخ من الوثائق اللازمة، شرطا أساسا لانجاح هذه العملية، وخاصة ضرورة أن يحترم هذا السياسي مهنة المؤرخ ويتركه يقوم بمهمته على أحسن وجه، خاصة وقد سبقه في القيام بدوره الذي يشكر عليه.
د. عبد الجليل التميمي: مسألة الأرشيف والوثائق هي مسألة هامة ومحددة. وأنا شخصيا، لطالما ناديت بها وطالبت بتوفير هذه الارشيفات المهمة، وهي: أرشيفات وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ووزارة العدل وهذه المسائل أصبحت بديهية بالدول الغربية وأصبحت المدة الفاصلة للاطلاع على هاته الوثائق لا تتجاوز الـ25 سنة. ففي بريطانيا يمكن للمؤرخ الاطلاع على كل أرشيفات الدولة لسنة 1980، في حين أن إخفاء الوثائق وعدم السماح بالاطلاع عليها، بلغت درجة متطورة جدا في بلداننا ! وهنا أود استحضار مثال عشته شخصيا، حيث أنني عندما كنت بصدد دراسة موقف بورقيبة من استقلال موريطانيا، مكنني السيد الحبيب بن يحيى الذي كان يومئذ وزيرا للشؤون الخارجية من الاطلاع على مراسلات السفراء التونسيين بالرباط ونيويورك وتأكد لدي أهمية المادة الأرشيفية المودعة بأرشيف وزارة الخارجية التونسية. وهنا أعيد النداء لتمكين المؤرخين من هذه الارشيفات أو على الأقل تخصص جزء منها، إذا ما سلمنا بأن هناك أرشيفات يعسر اليوم الاطلاع عليها وأذهب إلى الاعتقاد أن أرشيفات الولايات هي الأخرى مهمة جدا… واليوم نستغل هذه الفرصة الجديدة للمطالبة بفتح هاته الارشيفات لأن أرشيف الدولة التونسية ملك للشعب التونسي ويجب أن يفتح وندائي هذا موجه لذوي الشأن في الدولة التونسية.
أ. د. عمر الشاذلي (وزير بورقيبة السابق): إحقاقا للواقع، فانا لم أشاهد الحلقة الأولى من السلسلة وأما الحلقة الثانية فد تمكنت فقط من مشاهدة الجزء الأخير منها واستمعت من خلالها إلى تأكيد خاطئ، مفاده أن تونس لم تستدعى لحضور مؤتمر باندونغ سنة 1955. لكن ماذا نعني بتونس، هل نعني بها الحزب ام الدولة؟ خاصة وأن صالح بن يوسف حضر المؤتمر بوصفه يمثل الحزب، وانظم مع بقية ممثلي الجزائر والمغرب ضمن الوفد العراقي الذي كان برئاسة الفاضل الجمالي. وقد أكد لي هذا الأخير شخصيا، على أن فرنسا بوصفها ملاحظا بالمؤتمر، احتجت لدى الوزير الأول العراقي نوري السعيد على إدخال الشخصيات المغاربية بالوفد العراقي. ولما أوصل نوري سعيد هذا الاحتجاج للفاضل الجمالي أجابه هذا الأخير: « أنه لن يرضخ لضغوطات دولة أجنبية ويقبل شروطها، وإذا ما تواصل هذا الضغط سينسحب من الحكومة ! وبالفعل واصل ممثلو تونس والجزائر والمغرب المشاركة في المؤتمر. أما فيما يتعلق بعدم حضور بورقيبة، فهذا يعود إلى أنه كان ممنوعا من التنقل، نظرا لخضوعه لحكم الإقامة الجبرية بأميلي (ضواحي باريس). وبالتالي كان الكاتب العام للحزب، صالح بن يوسف هو الممثل عن الحزب والذي تمكن من حضور المؤتمر، وبذلك فيمكن اعتبار أن الحزب الدستوري حضر مؤتمر باندونغ. ملاحظتي الثانية، تتعلق بهذه الحصص التقييمية وأقترح أن نتمكن من إعادة مشاهدة الحلقة قبل النقاش أو انتظار انتهاء بث الحلقات، لنقوم بنقاش نهائي عن كامل السلسلة.
د. عبد الجليل التميمي: أود أن أوضح نقطة تتعلق بشخص فاضل الجمالي، فقد نشرنا بالمجلة التاريخية المغاربية، مقالا لفاضل الجمالي وموضوعه: « مشاركة تونس في مؤتمر باندونغ » وهو مقال أساسي وهام. أما فيما يتعلق بنظام هذه الحلقات، فقد اقترحت بدوري انتظار الانتهاء من بث جميع الحلقات ثم نقيم هذا النقاش. لكن وقع تبني اقتراح مناقشة كل حلقة على حدة، وقد تم التمسك بهذه الطريقة أي التوقف عند كل حلقة لتحديد إيجابياتها وسلبياتها. ونعد بأنه بعد الانتهاء من بث جميع الحلقات سننظم حوارا مفتوحا وشاملا يجمع مختلف الأطراف المشاركة في انجازه.
د. رشيد التراس (رئيس بلدية بنزرت سابقا): أنا شخصيا أعتبر حلقة البارحة هامة ولدي تعقيب عما قيل بشأن « حرب بنزرت ». ففي نظري لا يستقيم لفظ « حرب » لأن تونس لم تخض حربا وأتمنى أن لا تخوض حربا في المستقبل. والحلقة لم تتعرض إلى الأسباب الحقيقية للحرب، ولم تحدد بالضبط نتائجها. فالمعلوم أنها أدت إلى وفاة الآلاف من أهالي مدينة بنزرت، فهل كان بالإمكان تجنب آلاف القتلى وتجنب الخسائر المعنوية والمادية، بلا شك كان ذلك ممكنا وكنا نستطيع تجنب وقوع هذه الحرب. ان هدف شارل ديغول ، هو أن يجعل من تونس بلدا مثاليا على غرار البلدان التي نالت استقلالها بطريقة سلمية. وبلا شك فديغول هو الذي طلب مقابلة بورقيبة وليس العكس، وأنه طرح مسائل التعاون الثنائي وعن مستقبل العلاقات الثنائية. لكن المدهش هو حصول الحرب مباشرة. ولا بد ان ذلك كان نتيجة أخطاء كانت قد حصلت. ففي حلقة البارحة، ذكر جون لاكوتير( Jean Lacouture)، أن المسؤول عن اندلاع الحرب هو شارل ديغول، بسبب تعنته وهذا في رأيي ليس مقنعا، ولا بد من إعادة النظر في هذه التفاسير، لأن الوضع الذي آلت إليه بنزرت كان وضعا متدهورا. فبنزرت ومنذ تلك المعركة، لم تستعد قوتها التي كانت عليها قبل الحرب. فقد كانت مدينة مزدهرة ومتطورة، لكن للأسف ومنذ الحرب، لم يقع بها أي إنجاز سوى معمل تكرير النفط الذي أقيم وسط المدينة. وهذا لا يعني أني أساند بقاء الاستعمار بها، وإنما ألفت النظر إلى شدة الصدمة التي عرفتها المدينة بعد الحرب، وهي صدمة عرفها النظام والبلاد ككل. فقد قطعت العلاقات مع فرنسا، وأوقفت المساعدات وجميع مظاهر التعاون الثنائي في المجالات التجارية والثقافية والتعليمية، ولم يكن ضروريا قطع كل هذه العلاقات، خاصة وأن الجلاء العسكري لم يتم إلا وفق التاريخ الذي حدده شارل ديغول، فقد قال أنه سيسلم القاعدة بعد سنة ونصف، وبالفعل كان ذلك بعد سنة ونصف. وبالتالي فإن الخسائر البشرية والاقتصادية والثقافية… هي خسائر لم تكن لتحصل لولا استعمال الجلاء عبر إعلان الحرب.
المولدي القيسومي(جامعي): من خلال الشهادات المقدمة خلال الحلقة الثانية، كان أمامنا نمطين من الشهادات، النمط الأول هي شهادات الوزراء ممن عاد بهم الظرف إلى استحضار فترة الوزارة، وكأنهم لا يزالون يباشرون مهامهم الوزارية، باعتبار أن شهاداتهم لم تكن شهادات مسافية في علاقتها بالحدث. والنوع الثاني كانت شهادات تاريخية وهي خاصة مثل شهادة كل من الدكتور عبد الجليل التميمي والدكتور علي المحجوبي. ومن خلال النوعين لامسنا نقيصة تمثلت في عدم الخوض في الأسباب العميقة للظواهر والمعطيات التاريخية. فمن خلال قضيتي الخط 233 وقضية بنزرت، ومن وجهة نظري الشخصية، حاول بورقيبة استكمال رسم صورة زعامته، وحتى لا يقال أن تونس تحصلت على استقلالها، دون دم ودون سقوط ضحايا، وهذا من باب قراءتي الشخصية. أما فيما يخص العلاقات الخارجية لتونس المستقلة، فقد أصبحت ومنذ انخراط تونس بالبنك العالمي، خاضعة لوصاية أمريكية واضحة.
د. محمد ضيف الله (مؤرخ): الجديد في الحلقة الثانية، أنها قدمت رقما جديدا لضحايا حرب بنزرت، فقد قدمته بالآلاف في حين أن الأرقام القديمة، اقتصرت على حوالي 660 قتيل والأرقام القديمة لعبت دورها التاريخي والأرقام الجديدة ستفتح الباب لقراءة جديدة أشمل. ومن هذا الجانب أوفت الحلقة بجوانبها. واحتوت الحلقة الثانية جانبين: الأول توثيقي والثاني هو جانب الشهادات. وتمثل الجانب التوثيقي في الأفلام التي تعود إلى الفترة المعنية، لكن فنيا طغت الشهادات على الجانب التوثيقي، وهذا يعود إلى تعدد الشخصيات المتدخلة وتواتر تدخلاتها. وبالجانب التوثيقي نفسه لامسنا وجود طغيان التوثيق بالنسبة لبعض الشخصيات على حساب شخصيات أخرى، فمثلا الأفلام التي تعلقت بشارل ديغول كانت أكثر من التي عرضت عن بورقيبة، وكذلك ما بث عن موقف ديغول من الجزائر، يعتبر لا علاقة له بموضوع « زمن بورقيبة ». ومن هذا المنطلق، فإن مصادر المؤرخ إذا ما سلمنا أنها ترتكز على عدة مصادر، فإن المصدر السمعي-البصري يعتبر ضعيفا حتى في هذه الحلقة. فيما يتعلق بمسألة اغتيال صالح بن يوسف، فقد قدم محمد الصياح وثيقة هامة وجديدة في المسألة، وأغتنم الفرصة لأسأل السيد محمد الصياح خاصة وانه بلا شك حضر فتح خزانة التي كانت بمكتب الطيب المهيري والتي احتوت على ملف صالح بن يوسف، فهل وجدت وثائق أخرى بهذا الملف؟ أم أنه احتوى فقط على وثيقة وحيدة، وهي التي قدمت في الحلقة. وإذا كان من الممكن إجابتي عن هذه المسألة، فيا حبذا.
السيد محمد الصياح( وزير بورقيبة السابق): أعيد التأكيد على ضرورة اعتماد طرق حوار أقل تشنجا وتبادلا للتهم مع ضرورة أن يتوخى المؤرخ المزيد من الأريحية والتسامح. فلا شك أن للجميع الحق في التعبير ولكن يجب أن يكون التعبير بحرية لا يحمل أي خدش. وهذا ليس من باب الدفاع عن شخصي او على شخص الزملاء، وإنما فقط من باب الدفاع على الأخلاقيات وعلى روح التسامح بين التونسيين، وحتى نتمكن من بناء الذاكرة التاريخية الجماعية. وإذا اتفقنا في هذه النقاط المبدئية، سنتمكن من تيسير المهمة المناطة بعهدتنا. ما تم عرضه كان ضروريا، إذ لا بد أن يقال ما قيل الآن أو لاحقا، ولكن كما قيل، فإنه لا نستطيع تلخيص تاريخ تونس في فترة زمنية قصيرة. فقضية مثل قضية حرب بنزرت تستحق عدة أفلام على حدة، وما تقدم به د. رشيد التراس ليس قولا نهائيا، وإنما هي مواقف تستحق كلها إعادة الدرس والنقاش. فلا نستطيع الجزم أننا كلنا متفقين على رأي موحد بشأن المواضيع المطروحة، فلا بد من الحرص على تنويع الآراء، خاصة وأنها آراء قابلة للتغير عبر الزمن. وأود استغلال الفرصة لإعادة التأكيد أننا لم نكن ندعي أننا نمتلك الرأي الفصل، وأننا نمتلك القول الرسمي والوحيد، أو كنا نعمل على كبت بقية المواقف، بل اقتصر دورنا على جمع الوثائق للمؤرخين والحفاظ عليها من الضياع، وكان ذلك بإرادة وحرص شخصي من بورقيبة نفسه. وفيما يتعلق بالسؤال المطروح بشأن وثائق ملف صالح بن يوسف الذي وجد بخزينة مكتب الطيب المهيري، فهي وثيقة أدرجتها بأحد كتاباتي ونشرتها في كتاب Le Nouvel Etat. ولا أعتقد أنني تهاونت بشأن نشر كافة الوثائق التي عثرت عليها وتخص المحنة اليوسفية، فقد نشرتها كلها سواء كانت تدينه أو لفائدته. وما قمت به لا يمكن اليوم تغييره حتى وإن كان الحكم الذي تسلطوه علي قاسيا. فقط أود أن لا يقال أني قمت بذلك لأني كنت وزيرا أو لأني كنت بصدد القيام بالدعاية. وفيما يخص مسألة حضوري ومشاركتي في عملية فتح ملف صالح بن يوسف، فقد كان من باب الاجراءات الادارية المعهودة La passation du pouvoir، وكنت صحبة عدد من الوزراء. وكان حضوري لمجرد الحضور لا غير، فلم أطلع على ما وجد بالملف من وثائق، ولم أتمكن من ذلك إلا بعد سنوات وتحديدا سنة 1972. وفي فترة وزارة الهادي خفشة للداخلية، فقد استدعاني بعد أن كان اطلع عليه بورقيبة وحيث قال له: « سلمه لمحمد الصياح، فهو ملف يهم التاريخ » والرسالة المعروضة في حلقة البارحة من المسلسل، هي أحد وثائق الملف، وهي رسالة محمد الرزقي. ولدي شهادة محمد الرزقي مسجلة لدي، وقد أمدني بها لما كان مريضا، واستدعاني ليدلي بشهادته للتاريخ. وقد أشرت لهذه الشهادة في هوامش كتاب Le Nouvel Etat، وهي شهادة لم تنشر، وفي انتظار المؤرخين المهتمين بالمسألة مستقبلا.
د. عميرة علية الصغير(مؤرخ): بلا شك وكما لاحظ العديد، كانت الحلقة الثانية في سلسلة « زمن بورقيبة » حلقة هامة وعرضت حقائق جديدة عن تاريخ تونس، وتحديدا عن نظام بورقيبة، وتمثلت في مسألة المحاكمات السياسية المتكررة والتي امتدت سنوات 1956-1957-1958 و1959، وصدرت على إثرها مئات الأحكام بالإعدام، وعبرت عن مقولة « ويل للمهزوم » والمهزومون في تلك الفترة، كانوا اليوسفيين. والاهم في ذلك أن تلك الفترة كانت فترة بناء للدولة وبناء لمنطلق سياسي قائم على الاستبداد، وبناء الاستبداد بدأ في تلك الفترة. وكان من المفروض أن يذكر الشريط هذه المحاكمات وان يتعرض إلى سيئات حكم بورقيبة، إذا ما اعتبرنا أن الشريط لا يندرج في إطار إعادة بناء « أسطورة بورقيبة »، وهنا أستحضر محاكمة وحيدة، وهي محاكمة الطيب الزلاق، وهو أحد الفلاقة وأصيل منطقة الشمال الغربي، وقد أعدم الطيب الزلاق، رغم أنه كان بريئا من تهمة القتل التي ألصقت به، وبورقيبة نفسه تراجع في البداية عن عقوبته بعد أن أقنعه بلحسن جراد ببطلان التهمة. وإذ ذاك أحال المسألة لنظر الباهي الأدغم، وهذا الأخير كما نعلم كان يوسفيا ثم انقلب، ومن هنا جاء إعدام الطيب الزلاق ظلما. وهذا مثال من أمثلة عديدة عن مظالم الفترة الأولى من تاريخ إرساء الحكم البورقيبي وإرساء الاستبداد.
د. عبد الجليل التميمي: أود التوجه بسؤالي إلى السادة الوزراء السابقين الحاضرين معنا اليوم، وأستشرف رأيهم حول مضمون شهادة السيد أحمد بن صالح في حلقة البارحة حيث قد أكد فيها أن الرعب تمكن من التونسيين المسؤولين أثناء أحداث بنزرت، ذاكرا أن الهادي نويرة كان يطالب بنقل الحكومة إلى طرابلس، هذا حسب شهادته الشخصية. والآن نود أن نعرف الحقيقة باعتباركم أعضاء في الحكومة، هل لديكم معلومات بشأن هذه الأحداث وعن درجة حالة الرعب والخوف التي تمكنت من الحكومة التونسية قبيل وأثناء حرب بنزرت؟
السيد محمد الصياح: كان الحبيب بورقيبة في فترة حرب بنزرت يجتمع يوميا بالديوان السياسي وينظم ندوة صحفية، وكنا نجتمع كلنا مع بورقيبة، ولم أعاين أي مظهر من مظاهر الانحلال أو الخوف، بل بالعكس كنا كلنا حماس على غرار ما عايشناه أثناء فترة الكفاح التحريري، وهذا أقل ما كنا نستطيع فعله في تلك الفترة. السيد أحمد العجيمي (عضو مجلس النواب سابقا): أود أن أفيد ببعض المعلومات بشأن قضية بنزرت بوصفي مصدرا ولست مرجعا للأحداث. فقد كان والدي القايد العجيمي، هو أحد الثلاثة اللذين استدعاهم بورقيبة ليتشاور معهم في قضية بنزرت وهؤلاء هم: حسن بن عبد العزيز والقايد العجيمي والبشير زرق العيون، وكلفهم بتمويل جيش بنزرت وبجمع المتطوعين ومتابعة الأحداث. وحدث إذاك أن غادر والي بنزرت محمد بن الامين، مقر الولاية دون سابق علم، فسارع الطيب المهيري بإيقافه، بسبب مغادرته مركز الولاية بوصفه واليا. وانتقل الرئيس بورقيبة أثناء تلك الأحداث ومن باب الاحتياط إلى الإقامة بالمرسى وغادر قرطاج. أما ما قيل بشأن الرعب والخوف فهذا غير صحيح، واقتصر الأمر على حادث مغادرة الوالي لمقر الولاية.
د. رشيد ادريس: أثناء اندلاع أحداث بنزرت في تونس، تلقت السلط الاستعمارية بالجزائر الأحداث بغبطة وسرور، وخاصة العسكريين منهم وذلك في إطار سعيهم لانجاح مشروعين:La petite charrue et la grande charrue ونص المشروع الأول على الإبقاء على احتلال تونس والمشروع الثاني كان ينص على العودة لاحتلال كامل منطقة شمال إفريقيا. وعند دخول الفرنسيين إلى بنزرت، تسببت عودتهم فعلا في خوف التونسيين وهلعهم وبالتالي ،فأنا لا أستبعد ما قاله أحمد بن صالح بشأن خوف السكان من عودة فرنسا إلى بنزرت.
د. علي المحجوبي (مؤرخ): ما أود التأكيد عليه هو أنه لا يمكننا تحميل الحلقتين الأولتين هذا الكم من الانتقادات وبالتالي نحملهما مسؤولية تطور تاريخ تونس ككل. فالصحفي الذي قام بالبرنامج حدد مسبقا المواضيع ثم سألنا نحن المتدخلون عنها فيما بعد، ليتيح لنا وقتا ضيقا للإجابة عنها لا يتجاوز بعض الدقائق. ومن هنا حاولنا أن نوضح أهم النقاط من وجهة نظرنا كمؤرخين وكمشاركين في البرنامج، وذلك في محاولة إلى أن تكون على درجة من الموضوعية رغم استحالة تحقق هذه الموضوعية في كتابة علم التاريخ الذي أعتبره بناء يكتمل من خلال مشاركة الأجيال في كتابته. ومن خلال مثال تاريخ الثورة الفرنسية، فقد كتب بطرق مختلفة حسب اختلاف أجيال المؤرخين. ومن وجهة نظري كمؤرخ تونسي وبعد مضي 50 سنة عن الاستقلال و20 سنة عن انتهاء حكم بورقيبة، لا بد أن نكون أكثر تسامحا خاصة وأن التسامح يعد أفضل الصفات الأخلاقية La tolérance et la plus grande vertu intellectuelle والتسامح يقوم أساسا على احترام الحدث واحترام الآخر وبذلك نتمكن من التقدم في مجال كتابة التاريخ.
د. عمر الشاذلي: سأحاول أن أوضح موقفي مما قيل بشأن « سباط الظلام » وقد تأثرت حقيقة بشأن ما قيل، وبالتوازي فأنا أعتبر ما حصل أحسن حل وأهون من حدوث الفتنة، رغم أني كنت أتمنى لو وقع تجنب القتل والاغتيال. ومع ذلك فإن ما حصل أمر أقل خطورة، مما حدث خلال الثورات التي قامت ببقية دول العالم. أما مسألة رعب الحكومة التونسية أثناء حرب بنزرت، فقد كنت أثناء أحداث بنزرت أتوجه يوميا إلى زيارة الرئيس بورقيبة بإقامته بالمرسى وكنت أجده هادئا على عادته و »مرتاح ومتهني »، وكنت أصاب بالخوف والقلق في مكانه. فقد كنت كاهية مدير معهد باستور، وكان مدير المعهد الفرنسي ومساعدوه فرنسيون، وكانوا يجتمعون يوميا للتحدث والاستبشار بقرب عودة فرنسا لتونس. وكان ذلك يرعبني شخصيا، ولكن موقف بورقيبة الهادئ كان يطمئنني. وفي نهاية تلك الفترة، زرت بورقيبة، فأعلمني أن ديغول سيأمر قريبا بوقف الحرب والانسحاب، وفسر ذلك بعملية السماح للصحفيين بمواكبة أحداث حرب بنزرت. وبالفعل حصل ما توقعه بورقيبة وتوقفت العمليات. كنا بالفعل نحن كتونسيين متخوفين ويملأنا الرعب من عودة فرنسا، لكن بورقيبة كان هادئا ومطمئنا وكان يمرر هذا الهدوء إلى جميع وزراءه. وفيما يتعلق بتحديد ديغول لتاريخ الخروج من بنزرت، لم أطلع شخصيا على ذلك في أي كتابة تاريخية أو صحفية. فحتى بورقيبة الابن عندما زار دي غول وطلب منه تحديد المهلة التي ستخرج بعدها فرنسا من تونس، رفض ديغول أن يحدد له ذلك زمنيا، وعندما اجتمع بالحبيب بورقيبة رفض أن يصرح بتاريخ الانسحاب من بنزرت وفقط قال له أن فرنسا لا تستطيع الانسحاب الفوري من بنزرت. وهنا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الوضع الداخلي والخارجي لفرنسا وخاصة بسبب الثورة التي عمت الأوراس ومعارضة قادة الجيش لديغول، كل ذلك جعل فرنسا تبحث عما تهدأ به الجيش الفرنسي بعد هزيمته في الهند الصينية وتراجعه في الجزائر، فكان لا بد من الانتقام وكانت الفرصة حرب بنزرت، وحرب بنزرت أعتبرها مجرد انتقام فرنسي.
د. عبد الجليل التميمي: أشرت خلال الحلقة مسألة موقف أحمد سعيد والدعاية التي قامت بها الصحافة المصرية بشأن بورقيبة وتونس، وكان موقفا تعمد فيه صاحبه التعتيم على تونس وعلى الحقيقة إجمالا. ولا بد من الوقوف عند مغزى الدعاية التي كانت تبث من إذاعة صوت العرب ومن عبد الناصر وأحمد سعيد الذي يتهم تونس بأنها أوقفت تمرير السلاح إلى الجزائر وبالتالي كان ذلك تبريرا لتأييد صالح بن يوسف. د. عميرة علية الصغير: بشأن ما قيل عن الدعاية المصرية التي قام بها أحمد سعيد من خلال إذاعة « صوت العرب »، فقد كنت أنجزت بحثا بشأن علاقة نظام بورقيبة بالثورة الجزائرية. وقد بينت على غرار بقية الدراسات العسكرية أن 80% من الأسلحة التي وصلت لجيش التحرير الجزائري، تمت عبر التراب التونسي. وكان الجيش التونسي والحرس الوطني التونسي، هو الذي يقوم بإيصال هذه الأسلحة عبر الحدود إلى الجزائر، والى مراكز تواجد الجيش الجزائري بتونس (تلابت، غار الدماء…) وتبقى الدعاية المصرية مجرد دعاية لها منطقها ولها مصالحها.
د. محمد ضيف الله (مؤرخ): دون خروج عن نطاق الدعاية، أود التأكيد على أن الدعاية موجودة ولا شك في ذلك، ويمكن أن يمارسها أحمد سعيد كما يمكن ان يمارسها التونسيون أنفسهم. وفيما يتعلق بما نشرته بالمقال الصحفي والذي حددت فيه بعض الأخطاء المرتكبة بالحلقة الأولى، فقد ذكر حرفيا: « ان مؤتمر صفاقس المنعقد في 15 نوفمبر 1955، أطرد صالح بن يوسف من صفوف الحزب » وعلقت على ذلك بقولي: « الحقيقة أن أيا من مقررات هذا المؤتمر لم تتضمن مثل ذلك الطرد.. وإنما وقع فصل صالح بن يوسف يوم 8 أكتوبر، كرد فعل على خطابه بجامع الزيتونة وصدر ذلك القرار بعد 4 أيام أي يوم 12 أكتوبر.. وبالتالي فلا معنى لما قاله مصطفى الفيلالي بأن صالح بن يوسف دعي لحضور المؤتمر فرفض الحضور وإنما مجرد دعاية كان يستعملها الموالون لبورقيبة، لتفنيد موقف صالح بن يوسف وإقامة الحجة عليه ». وأعتقد أن تحليلي منطقي ولم يكن لمجرد معارضة أو عداء لمصطفى الفيلالي. وهنا أضيف أن الشهود لهم دور أساسي في كتابة التاريخ المعاصر، ولكن لا يجب أن يقع المؤرخ أسيرا للشاهد، فإذا كان للشاهد مصالحه، فللمؤرخ كذلك مصالحه ومواقفه وإيديولوجيته…
ممثل جريدة الصباح…: بعد أن استمعت إلى تدخلاتكم بوصفها تدخلات جاءت من مؤرخين وسياسيين، سأتدخل بوصفي صحفيا وأود أن أؤكد على ميزة أساسية ميزت الحلقة الثانية في المسلسل، وهي أني شاهدت بورقيبة في صورة مخالفة للصورة التي قرأتها عنه، فقد شاهدت بورقيبة آخر وهو بورقيبة المتآمر على قتل الأشخاص وبورقيبة الذي يستطيع أن يحكم بالاغتيال ويبرر ذلك بكل تلقائية.. وهذا بلا شك يمكن التونسي أن يطرح مجموعة جديدة من التساؤلات. وأعتبر ذلك أفضل ما قدمه برنامج « زمن بورقيبة » عندما دعا التونسيين إلى استبدال طريقة نظرهم ونوعية مواقفهم من بورقيبة. د. عمر الشاذلي: أود الإشارة إلى الدعاية الخاطئة التي تقام ضد بورقيبة بالأنترنات. فمن خلال ما قام به أحد أحفادي في إطار موضوع على بورقيبة وكمثال على ذلك كتب عنه أنه تزوج ثلاث مرات »؟ ! وفيما يخص مؤتمر صفاقس، وبشأن ما قاله د. محمد ضيف الله عن طرد صالح بن يوسف، أود التأكيد أنه لا وجود لقرار الطرد. وأما توجيه الدعوة، فهذا أمر ثابت وكثيرا ما كان بورقيبة يورد مسألة هذه الدعوة. في المقابل اقترح صالح بن يوسف تأخير تاريخ المؤتمر الذي حدده بورقيبة، فرفض بورقيبة تغيير التاريخ ومن هنا لم يحضر بن يوسف المؤتمر.
د. عبد الجليل التميمي: إن التساؤل المطروح هو ما جدوى دعوة صالح بن يوسف للمؤتمر وهو المفصول من الحزب، فما هي مصداقية هذه السياسة؟ والمشكلة الأساسية: هل يمكن دعوة شخص أقصي من الحزب، لحضور مؤتمر خطير ودقيق ومصيري؟؟ فهذا غير معقول تماما. د. رشيد التراس: أود التأكيد على مسألة أساسية عن مؤتمر صفاقس، فهو مؤتمر أقامه بورقيبة أساسا لإقصاء صالح بن يوسف. فبورقيبة آنذاك لم يكن قادرا على تنظيم المؤتمر لا في مدينة تونس ولا في بقية المدن. فذهب لمقابلة الحبيب عاشوروأخبره برغبته في تنظيم المؤتمر وخوفه من فشله في ذلك بسبب هيمنة اليوسفيين على الساحة السياسية. وإذ ذاك تطوع الحبيب عاشور لييسر عليه مسألة تنظيم المؤتمر بصفاقس وبالفعل تم تنظيم هذا المؤتمر على هذه الكيفية.
د. عميرة علية الصغير: لي توضيح فيما يخص مسألة طرد صالح بن يوسف من الحزب، فكما هو معروف صالح بن يوسف طرد من الحزب يوم 8 أكتوبر 1955، وذلك قبل المؤتمر الذي انعقد يوم 15 نوفمبر 1955. وكان الطرد من الحزب وليس من الديوان السياسي وقرار الفصل صدر بجريدة العمل بتاريخ 12 أكتوبر 1955. وعند انعقاد المؤتمر وتحديدا خلال اليوم الثاني من المؤتمر، بعث المؤتمرون برقية لاستدعاء صالح بن يوسف وعنوانها: » إلى الأستاذ صالح بن يوسف » وليس للأمين العام للحزب صالح يوسف. فبادر صالح بن يوسف بالرد ببرقية أخرى قال لهم فيها: » أشكركم على الاستدعاء وأقترح أن يقع تأجيل تاريخ اجتماع الحزب، لأتمكن من تحضير الشعب التابعة لليوسفية » وهذا طلب منطقي ومعقول خاصة وأن السلط الاستعمارية قدرت اليوسفيين ب40 % من الدساترة وال40 % هي في حد ذاتها نسبة هامة من الحزب. لكن المؤتمرين تجاهلوا مطلبه، لأن المسألة في أساسها مجرد « طرد ملام » وتمويه لاقامة الحجة على صالح بن يوسف !
السيد الحبيب نويرة (سفير سابق): على حد علمي أن رفت صالح بن يوسف لم يكن من الحزب، وإنما فقط من الديوان السياسي، لأنه قانونيا لا يمكن رفت دستوري من الحزب إلا من خلال انعقاد مؤتمر. وسنة 1955، كنت قد عدت حديثا من مصر وكان الجو مكهربا بين اليوسفيين والبورقيبين وصالح بن يوسف كان مصحوبا بوفد مصري يقوده الباقوري، وخلال عقد مؤتمر بنزرت، خطب الصحافي المصري الحبيب جماتي قائلا: »أيها الشعب التونسي ليست الكلمة لجلالة الباي ولا لبورقيبة ولا لصالح بن يوسف وإنما لك أنت، فقلها! » فأجاب الحاضرون بالصراخ: « بورقيبة، بورقيبة » وكان هذا الرد رفض صريح لصالح بن يوسف، وكان ذلك هو الرفض الحقيقي، وبالتالي فإن الوفد المصري المصاحب لصالح بن يوسف، وضع صالح بن يوسف في الميزان، ومن هنا تأكدت غلبة بورقيبة على صالح بن يوسف.
د. عبد الجليل التميمي على أية حال، انتهز هذه الفرصة لأؤكد أن فترة بورقيبة لازالت تحتاج إلى كم كبير من الدراسات والحوارات الهادئة والفاعلة. وأعتقد أننا لازلنا في بداية طريق كتابة تاريخ بورقيبة لأن الصفحات والقضايا الغامضة لازالت كثيرة. لكن الواجب هو إعمال العقل والروية في هذه القضايا. وأود حقيقة أن تتلو هذه المبادرة مبادرات أخرى لكتابة علمية لتاريخ تونس عن الحقبة البورقيبية. ولنا موعد الأسبوع القادم لمناقشة حلقة: « بورقيبة وقضية فلسطين »، وهي حلقة في منتهى الأهمية لتناولها ملفا دقيقا، منح لبورقيبة بالأمس واليوم من طرف الاستشرافيين في الوطن العربي موقفا استثنائيا لقوة استشرافه الصحيح لهذا الملف الجيوسياسي العربي.
(المصدر: مراسلة اليكترونية وزعتها مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتاريخ 10 أفريل 2007)
اسبانيا قلقة من تسلح الجزائر وتخشي من سباق يجعلها والمغرب قريبين من مستواها العسكري
تونسية في الثمانين.. حامل!
إعلاميون ليبيون يدعون لإنشاء صحافة خاصة وإصلاح العامة
إسلامي جزائري يقول ان السلطة تفوت فرصة التغيير السلمي
الشرطة: مقتل اثنين من المشتبه بأنهما مفجران انتحاريان في المغرب
مغاربة يحتجون علي استضافة إسرائيليين في مهرجان سينمائي بمراكش
ليبيا تعلن عن ضبط 1300 متسلل في حالة شروع بهجرة غير شرعية إلى أوروبا
في النظرية السابعة
هل تعود أوروبا إلى استقلالها؟
فكيف تسترد أوروبا استقلالها عن الولايات المتحدة الأميركية، وتستعيد ثقتها بنفسها، وتسترد قيادتها التقليدية للعالم قبل بزوغ نجم الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ووراثة أوروبا في السيطرة على مستعمراتها بل واحتلال أوروبا نفسها بزرع القواعد العسكرية في ربوعها خاصة في ألمانيا؟ كيف يعود إلى أوروبا وعيها المفقود باستقلالها الذي طالما دافعت عنه في فلسفاتها منذ ديكارت وكانط وفشته وباور وهوسرل وبرجسون خاصة في ألمانيا، وهي التي تتبع في سياستها الخارجية الانحياز إلى الولايات المتحدة؟
لقد سببت سياسة انحياز أوروبا إلى الولايات المتحدة خسارة كبيرة لأوروبا وأميركا ولباقي شعوب العالم. فقد زادت كراهية العالم الثالث لأوروبا بعد انضمام بعض دولها خاصة بريطانيا إلى قوات الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، وبعد أن ظنت أن حركات التحرر الوطني قد نجحت في الحصول على الاستقلال، وتأسيس الدول الوطنية المستقلة. عادت أوروبا إلى إرثها الاستعماري بتحالفها مع الولايات المتحدة بعد أن ظنت الشعوب المستعمرة أنها تخلت عنه بعد هزيمة فرنسا في فيتنام والجزائر وانسحاب باقي القوات البريطانية والبرتغالية والأسبانية والهولندية والإيطالية من المستعمرات خارج حدودها. كما جعلت شعوب العالم الثالث تكره الغرب، ثقافة وحضارة ومدنية ومُثـُلاً وقيماً وتراثاً. ووحدت بين أوروبا الحضارية وأوروبا الاستعمارية الجديدة. وعادت التنوير الأوروبي، ومبادئ الثورة الفرنسية، الحرية والإخاء والمساواة، والذي طالما كان نموذجاً لفجر النهضة العربية في القرن التاسع عشر سواء في الإصلاح الديني عند الأفغاني أو في الفكر الليبرالي عند الطهطاوي أو في التيار العلمي العلماني عند شبلي شميل. ووقفت أوروبا عاجزة عن الدفاع عن إرثها التقليدي ومناطق نفوذها في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وتنازلت عنه طواعية للقوة الأميركية الجديدة الصاعدة. وهي بتحالفها معها الآن تريد أن تسترد بعضاً من عنفوانها الإمبراطوري التقليدي منذ غزوها للهند والقضاء على إمبراطورية المغول. تلحق بذيل الولايات المتحدة بعد أن كانت في مقدمتها. لم تستطع أوروبا كبح جماح « المحافظين الجدد » الطامحين لإنشاء الإمبراطورية الأميركية الجديدة كـ »وعد إلهي » بإعطائها العالم كله تجاوزاً لـ »الوعد الإلهي » المزعوم الذي يعطي إسرائيل ليس فقط فلسطين بل أيضاً « إسرائيل الكبرى »، أي من النيل إلى الفرات. لم تستطع أوروبا ممثلة في أنظمتها السياسية وليس في شعوبها، تحسين صورة الغرب الأميركي، وهي تشارك معه جغرافياً في اسم الغرب، وأميركا تحارب الحركات الدينية في كل مكان بدعوى الإرهاب والعنف وكراهية الولايات المتحدة.
متى تسترد أوروبا استقلالها الدفاعي، وتطالب بتفكيك القواعد العسكرية الأميركية من على أراضيها وسجونها السرية للمخطوفين السياسيين بدعوى القضاء على الإرهاب ومحاكمة الإرهابيين كما هو الحال في سجون جوانتانامو و »أبو غريب »؟ لقد انتهى الخطر الأحمر وراء الستار الحديدي الذي من أجله أقيمت هذه القواعد وحلف شمال الأطلسي بانتهاء الحرب الباردة، وسقوط الأنظمة الاشتراكية، واستتباب الأمر لعالم ذي قطب واحد، وعولمة جعلت العالم كله سوقاً لمجموعة الدول الثماني التي لا يستطيع أن ينافسها أحد مما أدى إلى احتكار معظم الإنتاج الصناعي الثقيل في العالم.
إن أوروبا جغرافياً وسط العالم القديم. تقع في منطقة متوسطة بين أفريقيا جنوباً والبلاد الإسكندنافية شمالاً وروسيا شرقاً. وبين هذه الجهات الثلاث هناك اتصال أرضي بين أوروبا والشمال، وبين أوروبا والشرق، واتصال بحري عبر البحر الأبيض المتوسط جنوباً والذي لا يبعد شاطئه الشمالي في أسبانيا مثلاً عن شاطئه الجنوبي في المغرب أكثر من عشرين كيلومتراً في مضيق جبل طارق أو مائتي كيلومتر بين جزيرة جربة في تونس وجزيرة صقلية في جنوب إيطاليا. أما في الغرب فيفصل أوروبا عن الولايات المتحدة الأميركية أكثر من خمسة آلاف كيلومتر. يفصلها المحيط الأطلسي بأكمله. أوروبا وآسيا وأفريقيا في نصف الكرة الشرقي، وأميركا في نصف الكرة الغربي. فالأقرب إلى أوروبا جغرافياً الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط وشرق الأورال في آسيا ابتداء من أوروبا الشرقية. أفريقيا وآسيا خاصرتان لأوروبا في الجنوب والشرق. ربط أوروبا بآسيا طريق الحرير، من الصين حتى البندقية. وربطت أوروبا بشمال أفريقيا فرنسا فيما وراء البحار، وبأفريقيا تجارة العبيد.
وأوروبا تاريخياً وحضارياً على علاقة بمحيطها الإقليمي منذ آلاف السنين قبل الهجرات الأوروبية إلى العالم الجديد بعد كولومبوس منذ ما يزيد قليلاً على خمسة قرون. كانت اليونان القديمة على صلة دائمة بمصر كعبة العلم، وبالشام، أرض كنعان، وببابل وآشور وحضارات ما بين النهرين كما عرض مارتن رينال أخيراً في ما سماه « أثينا السوداء ». والعلاقات بين فارس والهند وأوروبا منذ قديم الزمان حتى أن اللغات الأوروبية تسمى اللغات الهندية الأوروبية في مقابل اللغات السامية. كانت أوروبا في النهضة الحديثة في أفريقيا وآسيا نموذجاً للتحديث، في تركيا ألمانيا، وفي الهند وفي السودان واليمن والخليج بريطانيا. وفي المغرب العربي وسوريا ولبنان فرنسا. ولم تظهر أميركا في المنطقة العربية إلا بعد الثورات العربية الأخيرة في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وفرض سياسة الأحلاف على القوى السياسية الجديدة التي مثلها الضباط الأحرار، « حلف بغداد »، « الحلف الإسلامي »، وسياسة المحاور. بدأت أميركا بإدانة العدوان الثلاثي على مصر، وإنذار إيزنهاور الشهير المتزامن مع الإنذار الروسي. ثم عادت الولايات المتحدة حركة التحرر العربي الممثلة في القومية العربية، وأيدت تأييداً مطلقاً إسرائيل وحروبها التوسعية حتى الآن.
كانت لأوروبا رسالة حضارية في عصورها الحديثة، القضاء على الإقطاع والملكية والكنيسة ومحاكم التفتيش وكل رموز القهر والتسلط. واعتمدت على العقل لفهم قوانين الطبيعة التي يمثلها نيوتن، وفي قوانين المجتمع ونظرية العقد الاجتماعي التي يمثلها روسو. ودافعت عن قيم الحرية والديمقراطية. وفيها تم الإعلان الأول والثاني لحقوق الإنسان والمواطن. وقد جسدتها أيضاً مُثـُل التنوير: العقل والحرية والطبيعة والمساواة والتقدم والتحديث. وقد قامت الثورة الأميركية على هذه المثل كما عبر عنها الدستور الأميركي ووثيقة الاستقلال. أما أميركا فلم تكن لها منذ نشأتها رسالة. إنما قامت منذ البداية على الغزو والنهب والسلب واستئصال الشعوب الأصلية والعبودية والبحث عن الذهب. ومازالت صورة الأميركي في أذهان الناس، صورة « راعي البقر » والمسدسات وسرقة الأبقار واغتيال أصحابها. قارة زرع فيها الرجل الأبيض حضارته، وشعب بلا وعي تاريخي. لا يدرك إلا الآني. عقدته الشعوب ذات الحضارات العريقة مثل مصر والعراق والصين.
أوروبا هي التي اكتشفت أميركا بداية من أسبانيا بعد أن غادرها المسلمون وسقطت غرناطة، بفضل خرائط العرب ونظرياتهم في كروية الأرض. والأوروبيون هم الذين عمروها وصنعوها وجعلوا منها القوة الأولى في العالم. فكيف يكون الأصل تابعاً للفرع، والأب تابعاً للابن؟ أميركا من صنع المهاجرين والمغامرين الأوروبيين، فكيف يكون الأوروبيون تابعين لما صنعوه بأيديهم؟ إن أميركا الأسطورة التي بنتها نفسها كما فعلت إسرائيل غير أميركا الواقع والحقيقة. أميركا القوية ينخر فيها الضعف، ضعف المبادئ والسياق اللاأخلاقي الذي يتم فيه استعمال القوة. أميركا بوتقة الانصهار تمارس أبشع أنواع التمييز العنصري طبقاً للون بين السود والملونين والبيض، وتقتل أنصار الحقوق المدنية والمساواة بين الأعراق مثل مارتن لوثر كينج. ويمارس أنصار « كلوكلس كلان » أبشع أنواع الاضطهاد العنصري باسم الدين وحماية له. تدافع عن الحرية وتقضي على الحريات العامة كما حدث في عصر مكارثي. تؤسس الديمقراطية وتتجسس على أحزاب المعارضة كما هو الحال في حادثة « ووترجيت » الشهيرة. تدافع عن قيم العالم الحر وتغزو أفغانستان والعراق. تهدد إيران وسوريا، وتعبث بمصالح لبنان والسودان. تحكمها المصالح ورجال الأعمال والشركات الكبرى، والمجمع الصناعي العسكري والهوس الإمبراطوري وجماعات الضغط والمنظمات الصهيونية.
فما لأوروبا وهذا كله؟ ألا تستطيع أوروبا أن تفك الارتباط مع هذه القوة الغاشمة الجديدة وتعود إلى أصولها التاريخية والثقافية، وتسترد موقفها السياسي باعتبارها ميزان الثقل في العالم، وسطاً بين الشرق والغرب مثل الوطن العربي، لا يميل شرقاً أو غرباً؟ عندئذ يعود للعالم اتزانه، وللعقل حركته، وللحقيقة نبضها. التجديد العربي السبت 7نيسان , 2007
أزمة الزراعة في أفريقيا
وسمحت هذه الزراعة الكثيفة في تغذية نمو المدن، كما وفرت الهجرة من الريف اليد العاملة الرخيصة للصناعة. وكانت المكننة على الأقل، إضافة إلى التحسن الوراثي للبذار، شكلتا هذه المقاربة “للثورة الخضراء” التي انطلقت في الستينات من القرن الماضي، تحت إشراف البنك الدولي (الذي زاد بنحو %80 من الأموال المخصصة للزراعة خلال سنتين) في الهند أولا، ثم في كل القارات، وكان الأمر يتعلق بتجنب المجاعات المهددة كيلا يرتمي عالم الجنوب في أحضان الاتحاد السوفييتي.
وفيما نجحت “الثورة الخضراء” في آسيا وأمريكا اللاتينية، أخفقت في إفريقيا. فالأزمات المناخية رفعت أسعار كلفة القرض، وطبيعة الأرض جعلت استخدام الأسمدة قليلة المردودية، وحوّل ضعف الدول بوجه خاص الأدوات السياسية العمومية – صناديق الاستقرار، ومكاتب الشراء، ومؤسسات التسليف، والتكوين المهني، ونشر التكنولوجيا – إلى إدارات شرهة وفاسدة في أغلب الأحيان. وكانت هذه المؤسسات من بين الضحايا الأوائل لسياسة الإصلاح الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي في بداية الثمانينات لإنقاذ الدول الإفريقية من الإفلاس.
ونتيجة لهذا الوضع مع بداية عقد التسعينات، كانت زيادة إنتاج المواد الغذائية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بطيئة بالمقارنة مع مناطق أخرى في طور النمو. ولا سيما أن نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية، كانت هي الأكثر ارتفاعا على المستوى العالمي، بسبب الحروب والنزاعات التي تمزق بلداناً إفريقية عدة. وما بين عامي 1996 و2005، ارتفع الإنتاج الغذائي في منطقة جنوب الصحراء بنحو%6,2 (مقابل %8,3 في مجموع البلدان النامية). ومن أصل مجموع الأراضي المستصلحة للزراعة %5,3 كانت مروية (مقابل %4,22)، واستهلاك الأسمدة كان بمعد4,13 : كيلوغرام للهكتار الواحد(مقابل (2,115. وبلغ عجز ميزان المواد الغذائية للبلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، أكثر من 900 مليون دولار في عام 2004، بينما حقق ميزان المواد الغذائية فائضا بنحو 55,1 مليار دولار في البرازيل، وما يقارب 10 مليارات دولار للأرجنتين، و7,5 مليار دولار لفرنسا، وحوالي 4 مليارات دولار للهند.
الدول الإفريقية التي تواجه رفض البلدان الغربية تفكيك الحواجز التجارية التي تحمي مزارعيها من المنافسة العالمية – والتي قادت إلى إلغاء دورة مفاوضات منظمة التجارة العالمية في الدوحة حول تحرير المبادلات التجارية في يوليو/تموز العام 0620 – تحاول إقامة أو تعزيز الحواجز في مداخل أسواقها الزراعية الخاصة بها. واجتمع خمسة عشر بلدا من “الرابطة الاقتصادية لدول افريقيا الغربية” وفرضت منذ بداية يناير/كانون الثاني 2006 تعريفة خارجية مشتركة تتراوح من %5 إلى %20 على الواردات – المعدلات الأكثر ارتفاعا المتعلقة بالمواد الغذائية – مستعيدة آلية مدشنة من قبل البلدان الفرنكوفونية في العام 2000. بيد أن هذه التعريفة تظل ضعيفة جدا، لأن أعضاء “الرابطة الاقتصادية لدول افريقيا الغربية” ملتزمون بإطار المفاوضات مع دائنيهم، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول تخفيف ديونهم، وفتح أسواقهم. ويرى رئيس شبكة المنظمات غير الحكومية تنسيق الجنوب هنري روييه دورفي بكل أسف “أن هذه البلدان الضعيفة جدا في العالم، هي الأكثر انفتاحا أيضا”: زد على ذلك نحن نلاحظ أن حقوق الجمارك تتراوح من %50 إلى %80”.
لا شك أن هذه المبادرات هي متعاكسة مع حرية التبادل المعظمة من قبل منظمة التجارة العالمية، التي تستهدف مساعدة البلدان الإفريقية على تصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية. وكان نديوغو فول رئيس شبكة المنظمات الفلاحية والمنتجين لغرب إفريقيا، لاحظ في ديسمبر/كانون الأول 2006، “أن الدخول الحقيقي إلى الأسواق التي نبحث عنها، هي أسواقنا الوطنية والإقليمية”، التي تجتاحها منافسة المواد المستوردة بأسعار رخيصة. والحال هذه تعاني الزراعة الإفريقية من معوقات مناخية عدة، وتدهور خصوبة التربة، وقلة شبكات الطرقات، وغياب سلسلة البرادات، ونقص في المعلومات حول الأسواق – وهي لا تستطيع أن تكون تنافسية ومتطورة، حسب الخبراء الاقتصاديين، إلا في ظل مظلة الحماية الجمركية. كما أن تطبيق سياسات زراعية وطنية أو إقليمية يسمح بتحقيق الاستثمارات الضرورية، على غرار ما قام به الاتحاد الأوروبي. إن واقع الإخفاق هذا الواضح بصورة جلية، هو ما دفع إسماعيل سيراجيلدين، نائب رئيس البنك الدولي، منذ العام 1994، إلى تشكيل فريق عمل لدراسة المستقبل الزراعي، الذي تحت إشراف البيئي غوردون كونواي، اقترح بلورة رؤية زراعة محترمة جدا للبيئة. وأخذ برنامج الأمم المتحدة للقضاء على الفقر مع بداية الألفية الثالثة، بهذا المشروع لتطويره.
وتتوافق هذه الأعمال تقريبا اليوم مع الاقتراح الذي قدمه الباحث في مركز التعاون الدولي في الأبحاث الخاصة بعلم الزراعة، والمتعلق ب”الثورة الخضراء”. ذلك أن الأمر يتعلق باستخدام بصورة مكثفة امكانيات زيادة الانتاج المقدم من قبل التقديرات الدولية للعلوم الزراعية والتكنولوجية لمصلحة التنمية الزراعية.
بيد أن هذا التحول الراديكالي لن يتحقق إلا إذا أسهمت المساعدات الدولية في تمويل برامج الري، ومكافحة التصحر، والمنظمات التعاقبية، إضافة إلى حد أدنى من الحماية الجمركية، المسموحة من قبل التعريفات المثبتة والمنصوص عليها من جانب منظمة التجارة العالمية، تسمح للمزارعين الأفارقة بتلبية حاجيات الأسواق الوطنية والإقليمية. وتعتبر هذه المقاربة إحدى الاستراتيجيات المقترحة من قبل البنك الدولي، في إطار الترجمة الأولى للقرار المقبل للعام 2008، حول التنمية، والذي سيصدر في سبتمبر/ايلول المقبل. إذ إنه سيكون مخصصا كليا للزراعة، للمرة الأولى منذ العام 1982. ويشكل هذا الإنجاز بحد ذاته إشارة واضحة على تطور هذه المؤسسة، الراغبة في إعادة وضع هذا القطاع المهمش والمهمل في قلب التنمية.
* كاتب اقتصادي