TUNISNEWS
6 ème année, N° 2107 du 27.02.2006
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان: بـــيـــان
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين الإفراج عن مجموعة شبان جرجيس
حركة النهضة بتونس: بيان حول الإفراج عن عدد من المساجين السياسيين
مشاهد من جنازة الشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله تعالى وعـبـرٌ لمن يريد أن يعتبر
ابن الأغلب: رحيل الشيخ عبد الرحمان خليف .. شيء من التاريخ ( 2 من 3)
نـورالدين الخميري : العفو الرئاسي المشروط !!
سليم بوخذير: إلى العزيز محمد المحرزي عبّو- رسالة لا يوصلها ساعي البريد علي بوراوي: ليت صالح الحاجة يفقه ما يقول
جمال عبد الرحمان: الأستاذ منذر ثابت معارض « كرتوني » « يسترزق » باليبرالية
حسين المحمدي: القلم سلاحنا والارهاب بضاعة الفريق الحاكم وفجر الحرية بان ولاح
الموقف: بعد غرق قارب » الوسلاتية » هل عجزت السلطات عن انتشال الجثث بعد عجزها عن إنقاذ حياة البحارة؟
الموقف: رئيس جمعية حملة الشهادات المعطلين عن العمل بالمغرب – جمعيتنا تضم 4000 معطل كلهم من خريجي الجامعات
أ.د. أحمد بوعزّي: التعليم العالي: شرطان لنجاح منظومة =إمد= عبد المجيد المسلمي: واشنطن تعزز نفوذها العسكري في شمال إفريقيا
الهادي بريك: الايمان رأسمال والتآخي أخصب حقل إستثماري
رشيد خشانة: أحداث بنغازي .. انعطاف في صراع الأجنحة؟ رضوان السيد: مسألة الدين والمجتمع والدولة في أُفقٍ جديد
الحياة: « الأمير »: قصة حب مستحيل من تونس الزمن الراهن
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
بيان حول الإفراج عن عدد من المساجين السياسيين
القائمة النهائية للمساجين المفرج عنهم (تجديد)
الشيخ راشد الغنوشي يتصل بالاخوة المسرحين
حملة الحوار نت للإتـّصال بالمساجين السّياسيين التّونسيين المسرّحين
العفو الرئاسي شمل العديد من قيادات حركة النهضة ومطلبنا أن يتعزز مسار الاصلاح بخطوات شجاعة أخرى
يهنئ الحزب الإسلامي التونسي جميع المساجين السياسيين الذين أطلق سراحهم و يهنئ عائلاتهم و يتمنى لهم عودة ميمونة لأهلهم و ذويهم.
من أبي غرائب تونس: العفو قطرة قطرة
في الثمانينات من القرن الماضي كان مزالي يطوف ولايات الجمهورية ليبشر الفلاحين بآخر صيحة في علم الزراعة، الري قطرة قطرة. و في هذا القرن الجديد جاءنا الحاج زعبع بآخر صرخة في علم السجون، العفو قطرة قطرة. يا لوعتي على شبان جرجيس و يا حسرتي على الاستاذين محمد عبو و العجمي الوريمي. هل قدر عليهم أن ينتظروا القطرة التي ستفيض الكأس؟ ع خ Omar Khayyâm
شهادة السجين سمير ديلو
في السنة 1994 كانت غرفة 4 جناح B في سجن برج الرومي تشكو من نقص فادح في الماء الذي يتقاطر من الحنفية و يستغرق ملء الإناء الواحد وقتا طويلا إضافة إلى ملء أواني الغرف الأخرى في الجناح ( و التي لا يصلها الماء بتاتا) و إن الحصول على 5 لترات من الماء مهمة شاقة تخضع أحيانا للمحاباة و حتى لدفع عمولة! بل وصل الأمر بنا في شهر جوان 1994 إلى حد عدم الحصول على ماء الشرب, و في الفترات التي يندر فيها الماء يتعين الاجتهاد في إخفائه خشية السرقة التي كانت منتشرة و تتم خاصة اثتاء خروجنا إلى الفسحة و بتحريض من الرقيب المشرف على الجناح المدعو أبو بكر الدريدي .ينص الفصل 14 من قانون السجون على أن من حق السجين (.. الخروج إلى الفسحة اليومية بما لا يقل عن ساعة) و رغم أن هذه المدة تمثل حدا أدنى فان جميع مديري السجون يعتبرونها حدا أقصى, و يعد المساجين
ببالغ الأسى والحسرة تلقينا نبأ وفاة والد أخينا منصف جمال
%20 من التونسيات يتعرضن للعنف الجسدي
تونس ـ يو بي آي
أظهرت دراسة حديثة حول ظاهرة العنف داخل الاسرة والمجتمع التونسي ان 20 بالمائة من نساء تونس يتعرضن الي العنف الجسدي و50 بالمائة منهن يتعرضن للعنف اللفظي.
ووفقا للدراسة التي أعدتها الادارة العامة لشؤون المرأة والاســــرة التابعة لوزارة المرأة والاسرة والطفولة والمسنين التونسية، فان العــــنف الموجه ضد المرأة داخــــل الاسرة تمارسه كل الفئات والشرائح الاجتماعية، وتزيده الاوضاع المادية السيئة حدة.
وبينت الدراسة التي سعت الي تشخيص هذه الظاهرة لجهة تحديد أسبابها وآثارها السلبية علي المجتمع بشكل عام وعلي المرأة والطفل بشكل خاص،أن العنف داخل الاسرة لا يستهدف المرأة فقط وإنما يستهدف الرجل ايضا.
وأوضحت أن 10 بالمائة من الرجال في تونس يتعرضون الي العنف الجسدي من قبل الزوجات،بينما يتعرض 30 بالمائة منهم الي العنف اللفظي، والاهمال والحرمان.
وأشارت الدراسة إلي ان العنف في محيط العمل يتمحور في ثلاثة مظاهر هي العنف اللفظي واستغلال الاطفال والتحرش الجنسي،حيث يتعرض 21 بالمائة من الاطفال الي العنف الجسدي ،بينما يتعرض 16 بالمائة من المراهقين الي العنف اللفظي، و28 بالمائة منهم الي الاهمال والحرمان.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 27 فيفري 2006)
مشاهد من جنازة الشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله تعالى
وعـبـرٌ لمن يريد أن يعتبر
(مراسلة خاصة)
– بعد إعلان وفاة الشيخ عبد الرحمن خليف رحمه الله بدأت المساجد تلقائيا بإذاعة القرآن من خلال مكبرات الصوت بالمنارات .
– توافد الناس على بيت الشيخ منذ علموا بالخبر و ذلك حتى ساعة متأخرة من الليل و عادوا قبل صلاة الفجر راغبين في توديع الشيخ بعد غسله .
– كان الناس يعزي بعضهم بعضا في وفاة والدهم .لقد أصبحت القيروان يتيمة و أضحى تلاميذ الشيخ كلهم يتامى .
– أقبل الناس على جامع عقبة لتلاوة القرآن قبل الصلاة على الشيخ عليه رحمة الله – و لكن كانت أعداد أخرى من تلاميذ الشيخ و أحبابه يرابطون أمام بيته عسى أن يظفروا بدخول البيت و توديع الشيخ . تمكن البعض من الولوج و تقبيله قبل دقائق من حمل جثمانه إلى الجامع.
-أمّ القوم ابنه الأكبر . وكانت أصوات البكاء والشهيق والأنين تقطع سكون الصلاة .
– كان الشباب يتهافتون و يتسابقون لحمل النعش . كلٌٌ يريد أن ينال ثواب و شرف حمل جثمان شيخه و أبيه و أستاذه إلى مثواه قبل الأخير إذ أن مثواه الأخير هو الفردوس الأعلى إن شاء الله تعالى .
– حتى النسوة خرجن ( على غير العادة ) لمشاهدة الجماهير الغفيرة التي غص بها جامع عقبة رغم اتساعه المعروف . و أجهشن بالبكاء .
– استعدت الأجهزة الأمنية لأي طارئ فأقفلت الشوارع المؤدية إلى المقبرة . و كان الحضور الأمني « المدني » واضحا .
– المشهد لا يوصف بالكلمات: جماهير حاشدة كأنها في مظاهرة شعبية كلها تنادي بصوت واحد: لا إله إلا الله محمد رسول الله – الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.
– قام بعض الشباب بتنظيم طوق حول النعش أثناء الجنازة – لحمايته من الجماهير التي تتسابق للمساهمة في حمله .
– اغتنم كثير من أصحاب الهواتف المحمولة الفرصة و خلدوا تلك المشاهد على أجهزتهم ..إذ كنت تراهم على جانبي الطريق و على طوله و هم يحملون أجهزتهم لالتقاط المشاهد .
– هجر التلاميذ و الطلبة قاعات الدراسة للمشاهدة أو المشاركة في الجنازة .
– قدرت السلطات الأمنية عدد الحضور بـ 30 إلى 35 ألف نفر.و قد ذكر أحد المتابعين أنه لو وقف كل شخص في مكانه على طول الطريق من بيت الشيخ إلى المقبرة و أنه لو تم تمرير النعش بين الأيدي من شخص إلى آخر لوصل النعش إلى القبر و ذلك لتواصل الصفوف .
– أغلب الدكاكين التي كانت على طريق الجنازة أغلقت أبوابها و صعد الكثير على أسطح المنازل لمتابعة ذلك المشهد الذي لم يُر قط مثله .
– توافد الآلاف من خارج القيروان و لم يتمكن الكثير منهم من تقديم العزاء فغادروا القيروان بعد الصلاة و رجعوا من الغد لقابلة أبناء الشيخ و تقديم العزاء لهم .
– أراد وزير الشؤون الدينية أن يقوم بتأبين الشيخ لكنه أُبلغ أن الشيخ الراحل أوصى بأن يـُمنع كل من يريد فعل ذلك. و بعد تلكؤ رضخ الوزير …
– كنت ترى أبناء الشيخ رحمه الله الثلاثة وهم يردون على المكالمات الهاتفية التي توالت من جميع أنحاء العالم لتقديم التعازي .
– قبر الشيخ الراحل لا يمكن أن تميزه عن القبور المحيطة به لبساطته . لقد أوصى بأن لا يقع تأبين و لا بناء الرخام فوق القبر ..لأن ذلك لن يفيد صاحب القبر بل عمله الصالح و الدعاء الخالص ..
– وما زال الناس يتوافدون على المقبرة لقراءة الفاتحة و الدعاء للشيخ كل يوم من الشروق إلى الغروب . بل هناك من أتى على دراجة نارية من المنستير للترحم على الشيخ . ولا تكاد تخلو لحظة دون أن تجد شخصا أو أكثر يتلو الفاتحة أو يدعو للشيخ أمام قبره .
– منذ خروج الجنازة من جامع عقبة و حتى وصولها إلى المقبرة كانت قطرات المطر تنزل بكل بطء .. لقد كانت السماء تبكي .. نعم إنها تبكي كما بكاه أهله و أحباؤه ومريدوه.
– تناول جل الأئمة بالقيروان ( و خارجها ) يوم الجمعة في خطبهم دور الشيخ خليف في الدفاع المستميت عن الدين و التصدي بكل جرأة لمحاولات إبعاد هذه الأمة عن دينها .
– من جهة أخرى قامت الكثير من المراكز الإسلامية في أوروبا و أستراليا و أمريكا إما بالصلاة على الشيخ ( صلاة الغائب) أو بالدعاء له بعد صلاة الجمعة.
– كان الراحل رحمه الله داعية للإسلام لا يسأم . بل استمرت دعوته حتى بعد الموت.. فقد استقامت كثير من النساء حينما شاهدن تلك الجنازة و منهن من لم تكن تلبس الحجاب فالتزمت به منذ ذلك الحين. بل هناك ممن يُعرفون بسيرتهم السيئة ( شرب الخمر ..) كانوا يتباكون على طريق الجنازة ومنهم من ذهب يسأل عن قبر الشيخ للترحم عليه .
فسبحان الله .
لقد أحبوه كلهم.
إنه الكرم والعطاء الإلهي.
وصدق الرسول الكريم القائل: « إذا أحب الله عبدا قال يا جبريل إني أحب فلانا فأحبوه فينادي جبريل في السماوات إن الله عز وجل يحب فلانا فأحبوه فيلقى حبه على أهل الأرض فيحب. وإذا أبغض عبدا قال يا جبريل إني أبغض فلانا فابغضوه فينادي جبريل في السماوات إن الله عز وجل يبغض فلانا فابغضوه فيوضع له البغض لأهل الأرض فيبغض ». (مسند الإمام أحمد 10623 )
اللهم اغفر لنا ولشيخنا. اللهم أكرم نزله ووسّع مُدخله.
اللهم لا تحرمنا أجـره ولا تفتنا بعده.
رحيل الشيخ عبد الرحمان خليف .. شيء من التاريخ ( 2 من 3)
بقلم: ابن الأغلب
ماذا حدث في القيروان بعد حملة القمع والاعتقالات وصدور الأحكام بالسجن على الشيخ رحمه الله وعدد كبير من المقربين إليه ومن المواظبين على حضور الإملاء القرآني والدروس في جامع عقبة بن نافع؟
تم أولا إغلاق « الجامع الكبير » مثلما يقول أهل القيروان لمدة ناهزت العشر سنين (!) بدعوى ترميمه ولم يُترك فيه سوى ركن صغير جدا لإقامة الصلاة لا يتسع إلا لبضعة أفراد وهي ضربة قاصمة (هكذا تخيل بورقيبة) لمكانة الجامع والتوعية الدينية وتحفيظ القرآن الكريم في صفوف القيروانيين.
ثانيا، تم التخطيط لنشر الفساد والتحلل والموبقات بشتى أنواعها في المدينة من خلال تكثيف العروض السينمائية والغنائية في الهواء الطلق وإقامة المهرجانات والحفلات الفنية بمختلف أنواعها وافتتاح المزيد من الخمارات في المدينة (التي لم تكن تعرف بيع الخمر قبل دخول الإستعمار إلى ربوع البلاد التونسية) وفي هذا الصدد رخصت السلطات لأحد الأشخاص بتحويل مُصلى العيد الرئيسي للمدينة (الذي أوقفه الحاج الصغير نقرة رحمه الله لفائدة المصلين في الأعياد) والقريب من مقر الولاية إلى مقهى وحانة سميت بـ « العباسية ».
المهم، كانت عشرية الستينات عشرية كئيبة أليمة عسيرة على أهل القيروان اجتمع فيها عليهم بطش السلطة وتنكيلها، وتهميش تنموي خطير استبعدها من أية مشاريع جدية مُحدثة لمواطن الشغل لشبابها العاطل عن العمل ومحاولات إفساد الشبيبة وإبعادها عن التدين عموما حتى كادت المساجد تخلو إلا من العجائز وكبار السن ومأساة التعاضد الإجباري التي ذهبت بما تبقى لديهم من أسباب العيش والكرامة (وقد كانت محدودة أصلا بحكم اعتماد اقتصاد المدينة على الفلاحة أساسا).
في الأثناء، تم الإفراج عن معتقلي جانفي 1961 على دفعات وظل الشيخ عبد الرحمان خليف رحمه الله (وعدد من إخوانه العلماء) ممنوعين منعا باتا من دخول القيروان. وفي النصف الثاني من الستينات عاد الشيخ إلى التدريس في أحد المعاهد الثانوية بمدينة سوسة (حيث تخرج على يديه خلق كثير من بينهم قيادات معروفة في التيار الإسلامي الذي سينشأ بعد ذلك) ثم انتقل لفترة إلى مدينة صفاقس (التي كان حريصا على ذكر أهلها بكل خير لما أحاطوه به من كرم الوقادة وحسن المعشر).
وفي بداية السبعينات، وبعد أن اتجهت الأوضاع إلى بعض الإنفراج في أعقاب تجربة التعاضد والتطورات السياسية التي تلتها، عاد الشيخ عبد الرحمان خليف إلى مدينة القيروان ولكن على مراحل. ففي مرحلة أولى كان يأتي فقط لصلاة الجمعة في الجامع الحنفي وسط المدينة العتيقة وكان يدخل من باب خلفي ويصلي في بيت الإمام متجنبا تجمع الناس حوله، ثم تطور الأمر في شهر رمضان حيث كان يلقي درسا (بعد صلاة العصر) في نفس الجامع الحنفي يشمل التفسير والحديث والفقه والإجابة عن أسئلة المصلين، واستمر الأمر على هذا الحال إلى عام 1972 حينما « انتهت » أشغال ترميم الجامع وأعيد افتتاحه رسميا في موكب شعبي عارم في مناسبة المولد النبوي الشريف.
وعلى الفور، عاد الشيخ إلى استئناف الإملاء لتحفيظ القرآن الكريم يوميا في جامع عقبة بن نافع منطلقا على بركة الله من سورة ياسين وقد أمد الله في أنفاسه 34 عاما أخرى منذ ذلك التاريخ فيسر لألوف مؤلفة من الخلق حفظ كتاب الله العزيز على يديه.
وقد تميزت السنوات الموالية من فترة السبعينات بإقدام الشيخ عبد الرحمان خليف على إطلاق جملة من المشاريع (أو الورش مثلما يقول إخواننا المغاربة) المبتكرة والرائدة التي تمحورت حول القرآن الكريم، الكتاب العزيز الذي سخر له كل فكره وطاقته وجهده ووقته. رحمه الله وطيب ثراه وجازاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
(يتبع)
العفو الرئاسي المشروط !!
نــورالدين الخميري ـ بـون ـ ألمـانيا
لقد فاجأت السّلطة هذه المرّة كلّ الأطراف السّياسيّة بالبلاد والمتابعين للشّأن التّونسي بإقدامها على عفو رئاسي مشروط شمل العشرات من المساجين الإسلاميّين المنتمين لحركة النّهضة .
ولئن فسّره البعض بزيارة وزير الدّفاع الأمريكي لتونس وما تمّ تناوله من محادثات مع المسؤولين التونسيّين قد يكون ملف حقوق الإنسان أحد المواضيع الهامّة التي تمّت مناقشتها ، ذهب البعض الآخر إلى تفسير هذا الإجراء بالتحوّلات التي تشهدها المنطقة وتطوّرات الوضع الإقليمي والدّولي إضافة لحالة الغليان الشّعبي وما تقوم به المعارضة الوطنيّة المستقلّة لكسر حاجز الصّمت في حين ذهب طرف ثالث إلى اعتبار أنّ برنامج ما وراء الخبر الذي بثّته قناة الجزيرة والذي تناول دعوة المعارضة المنضويّة تحت هيئة 18 أكتوبر للتظاهر وسط العاصمة تونس للمطالبة بإطلاق سراح المساجين السيّاسييّن ورفع القيود عن الصّحافة والجمعيّات دفع السّلطة للإفراج عن أكثر من 1600 سجين تونسي ـ منهم حوالي 76 سجين إسلامي أغلبهم قد أوشك على نهاية المدّة المحكوم بها عليه ـ بموجب قرار من الرّئيس بن علي بعد لقاء تمّ بينه وبين وزير الدّاخليّة رفيق بلحاج قاسم ووزير العدل بشير تكاري .
والذي يهمّنا في هذا كلّه بقطع النّظر عن الخلفيّة السيّاسيّة لهذا الإجراء وتوقيته رغم أنّ كلّ الدّلائل والوقائع تشير إلى أنّ محاولات السّلطة تأتي ضمن التّخفيف من عمليّة الإحتقان السيّاسي وحركة الإحتجاج ولئن كان غير ذلك فما الذي يمنع السّلطة من الإقدام على تسويّة الملف بكامله وإطلاق سراح كافة المساجين السّياسيّين ؟ وما الذي يمنعها من سنّ عفو تشريعي عام دون اللّجوء إلى العفوالرّئاسي المشروط ؟؟ ولماذا ارتبطت عمليّة الإفراج عن الإسلاميّين ضمن سجناء الحقّ العام ؟؟
مهما تكن النوايا والحسابات السيّاسيّة للسّلطة، فإنّنا نعتبر أنّ هذا الإجراء رغم أهمّيته يبقى منقوصا ما لم تستجب السّلطة لتطلّعات الجماهير ومطالب المجتمع المدني.
أخي العزيز محمد
مرّ منذ أيام قليلة عام كامل على إقدام يد جائرة ماكرة على أخذك منّا نحن أحبتك الذين تقدّر كم نحبك حقا وكم نعرف أّنك تستحق حب جميع التونسيين و جميع الشرفاء على وجه هذه الأرض .
ومرّت ساعات قليلة على تأكدنا من خبر أنك لم تكن للأسف من بين الذين قرّر دكتاتور هذا البلد فكّ أغلال سجونه و معتقلاته المظلمة عنهم ، ظانّا أنه بسجنه لك سيستطيع أن يحبس كلمات حق ّ منيرة من قلمك الشجاع المسافر في كلّ الدنيا و الذي قهره و قهر زبانية الظلام سالكي دروب الطغبيان معه . ولكنّه عبثا يحاول .
ولذلك لم أجد يا عزيزي محمد ، أصدق من إعادة نشر رسالة كنت كتبتها لك على أعمدة » تونيس نيوز » منذ الربيع الماضي و ملأتها صدقا وعمقا من نفس منبع الصدق و العمق ذلك الذي كنت و مازالت يا محمد تأتي لنا منه بكلّ هذه المحبة المترامية الأطراف لك ، للغالية تونس .
ها أنني أعيد نشرها لك مرّة أخرى يا » حمّة » يا غالي ، يا أخي الذي لم تلده أمّي فعلا .
التوقيع
أخوك الذي أهديته طوال أزماته جبالا من المساندة و أنهارا من العطاء النبيل الصادق
سليم بوخذير
ليت صالح الحاجة يفقه ما يقول
علي بوراوي (*)
ما كتبه صالح الحاجة في صحيفة « الصريح » حول زيارة رامسفيلد إلى تونس، وقال إنّه رآه « يتجول وليست معه إلا حراسة عادية »، ليس تغزّلا برجل البنتاغون الأول، ولكنه دفاع عن أجهزة الأمن التونسية، وعن سمعتها. فقد كتبت صحيفة « الخبر » الجزائرية، في عددها الصادر يوم 13 فيفري الجاري، أنّ وزير الدفاع الأمريكي، وإثر زيارته إلى تونس يوم 11 فيفري، قد غادر البلاد مساء نفس اليوم، مفضّلا أن يقضي ليلته في جزيرة صقلية الإيطالية وليس في تونس، لأسباب أمنية، ثم واصل في صباح اليوم الموالي جولته المغاربية متّجها إلى الجزائر، ثم إلى المغرب.
مغادرة المسؤول الأمريكي تونس مساء، ليقضي ليلته في جزيرة صقلية المجاورة، لدواع أمنية بحتة، ثم يستأنف في صباح اليوم الموالي زيارته إلى المنطقة، يطعن بقوّة في الحالة الأمنية التونسية. فهذه الأجهزة التي حظيت بميزانيات سخية، وتجهيزات متطوّرة، وأعداد بشرية هائلة، يعتبرها رامسفيلد عاجزة عن حمايته ليلة واحدة، في الوقت الذي لا تغيب فيه أجهزة أمن بلادنا ورجالها يوما عن قصاصات وكالات الأنباء، التي تتحدّث عن تنكيلها بالصحافيين، وبطشها بالمعارضين، وتضييقاتها التي لا تعرف حدّا، على المواطنين.
وكان لا بدّ من ردّ يرضي مسؤولي هذه الأجهزة ويبعد عنهم التهمة. ردّ يتحدّث عن استتباب الأمن وتوفّر جميع ظروف الراحة لمن يزور تونس. ردّ يقول إنّ رامسفيلد هذا قد « عاد (إلى بلده) وقد أذهلته التجربة … عاد وهو في حالة دهشة شديدة » …. عاد وكلّ الذين صحبوه في هذه الزيارة « يتساءلون: كيف حققتم هذا الأمن والأمان في بلادكم؟ وما هي الوصفة التي تتبعونها لكي تنعم بلادكم بكل هذا الهدوء… وهذا الاستقرار… وهذا الاعتدال؟ » هكذا كتب الحاج في مقاله.
وكان لا بدّ من ردّ على هذا الصحفي الجزائري الذي نقل خبرا يقدح في كفاءة أجهزة الأمن التونسية. ردّ يتحدّث عن صحافيين جزائريين « دمعت أعينهم » إعجابا بالأمن الذي تنعم به تونس، وأنّهم « كانوا في حالة سعادة، ولكن في حالة ذهول كذلك… ولم يصدقوا أنهم سهروا إلى الفجر ولم يصابوا بسوء… ولم يزعجهم أحد … ولم يوقفهم أحد… ولم يسألهم أحد…ثم انحنوا بأدب وهم يقولون: لا نملك إلا أن نرفع قبعاتنا لتونس » والكلام للحاجة أيضا.
ها هو صالح الحاجة ينقل للتونسيين، وبكل أمانة وصدق لا مكان للخيال فيه! ما رآه من رامسفيلد، وما سمعه من الصحافيين الجزائريين، لعلّ أهل بلاده يثوبون إلى رشدهم، ويشكرون أهل النعمة على نعمتهم!
هذا ما جاء في مقال يحمل توقيع هذا الصحفي، نشرته صحيفة « الصريح » بعد ثلاثة أيّام من نشر الخبر في الصحيفة الجزائرية.
لقد ظهر صالح الحاجة قبل نحو عامين على شاشة التلفزيون التونسي، في لقاء جمع الرئيس بن علي مع عدد من الصحفيين التونسيين، عندما أرادت السلطة امتصاص غضب الشارع، والإعتراف بتردّي وضع الصحافة في البلاد. قال وقتها، أو طلب منه أن يقول « سيدي الرئيس، الشعب يحبّك، ولكنه يكره صحافتك ». وكم كان صادقا في جملته الثانية، رغم أنّه واحد ممن ارتدّ بالصحافة التونسية إلى الحضيض. وليته وعى ما قال، وأدرك أنّ قلم الصحفي الحرّ والنزيه، الذي يحبّه الناس، هو الذي يرفض الكتابة والتعليق واختلاق الأحداث، بناء على التعليمات والأوامر.
لا نطلب منك يا صالح الحاجة أن تكشف عورات أجهزة الأمن وتتّبع سوءات رجالها، فتلك مهمة صعبة عليك، ولكن أضعف الإيمان في مهنة المتاعب، ألاّ تقدّم أفظع البشاعات في طبق ورد، ولا تصف مآسينا بالمعجزات التي تطأطئ لها رؤوس الملوك، وتطلب من التونسيين بعد ذلك أن يصدّقوك. فالصحافة التي قلت بلسانك إنّهم يكرهونها، هي ما أنت تصنع.
(*) صحفي تونسي
الأستاذ منذر ثابت معارض « كرتوني » « يسترزق » باليبرالية
القلم سلاحنا والارهاب بضاعة الفريق الحاكم وفجر الحرية بان ولاح
حسين المحمدي تونس
.تنويه إلى التونسيين والتونسيات وكل من فيه ذرة الحرية عبرالجغرافيا
مع كل مقال نقدم فكرة ملية يكون من خلالها التحرك الفعلي تحقيقا للحريةوالتداول السلمي المدني على السلطة في تونس من جهة وحدا فاصلا بين عناصر منتشرة تحديدا في فرنسا منذ عهود تعمل بأجندة جهوية مفلسة ولصالح سيطرة الفكر الجهوي والتعاسة والفساد على تونس لعقود جديدة..
الفكرة 2
…رسالةقصيرةالى كل سجين حوكم وفق قانون الإرهاب وجاءه عفوارئاسيا تقول له..حمدا لله على عودتك للعائلة.ونلتمس منك الكتابةعبر تونس نيوزحول السجن والسجان والمراكنات.. والتذكيربتاريخ صدورالقانون ذاته ومتى جرى تطبيقه؟ومتى نفذ العقاب؟وكيف تم قضاء ثلثي العقوبة؟.وتوجيه عبرالعالم رسائل قصيرة الى كل الجاليات وتضمين عبرهانص قانون الإرهاب ومضامين برامجناالتربوية..عفواهوعفواخاصافارغا من المحتوى كما صدرت العشرات..اليد اليمنى تأخذ من اليسرى والعكس صحيح..غفواربما بعدما نفضنا الأيدي من الغرب واليهود؟سنلعب بورقة الإسلام بعد أن علّقنا رجاله؟ليفهم بنعلي وغيره ما يدور في العالم عليه وعليهم إدراك ما يجري في فلسطين….كل المحرّمات زالت..
أوّلا
ذهنية الإرهاب والترهيب من فريق عاجزفي 2006.
.1-منذ أيام كتبت عبر تونس نيوز على سبيل الحماية لشخصي ولعائلتي من جهة وتعريفا لرجال الحرية من التونسيين والتونسيات بحجم ونوعية الحيل والختل والمراكنات ومحاولات
حصرنضالي والذي هوعلى غرارالآلاف من النضالات في أموراجتماعيةمهنيةأوحقوقية لا غير.وان تسويتهاممكنة مع تحريررسالةمفتوحةعبرتونس نيوزأقول فيها…إنني اليوم مع والى جانب الرئيس بنعلي من جهة أخرى.وهذاالأسلوب طالمااستعمل.ويهدف هذه الأيام تحديدا
إلى القول للجهات الدوليةالخارجية…انظرواالتونسيين…انظرواالمعارضين…تجارة رخيصة بنا في كل مكان…إخراج سجناء ومطلوب منامباركة ذلك؟و…هذاالذهن والعقل إن وجد رجالا لا يبايعون ولا يشترون فانه سيهرب من تونس لأنه لم يعد لديه ورقات الخارج بعد حصارنا
لكل الشهادات الكاذبة وتعريتنا لمن يداري عن الفريق الحاكم..وهي في تقديري الخاص أهم خطوة تحققت على نهج التداول في تونس..
2-يوم 24فيفري كتبت عبرنفس الفضاء لأقول سيكون مقالي ليوم الأحدمخصصالحركة النهضةوالمقارنة بينهاوبين الحزب الحاكم من حيث مصادرالاستنجاب والتركيز والتحركات.
ومالذي تغيرمن 1984ولغاية1991اولا ثم من تلك السنة ولغاية اليوم.وهل إمساك النظام بمناضلين كرهائن لاعتبارات سياساويةلا يزال مقبولا دوليا؟والمقال كان يوم السبت.واحد الإخوة كتب عبررسالةمفتوحةقصيرةإلى السيدراشدالغنوشي رئيس حركةالنهضةعبر موقع أفريكا تايم(في الصباح الباكر)وجاء بعد ذلك أن بنعلي قرّرعفواخاصا.لقد ربح تونسيون…
3-على فكرة عندما نشرت تونس نيوز كتابي في نسخته الأولية أطلق سراح عددا في ديسمبر الماضي.واليوم الكتاب في نسخته النهائيةخرج يوم21فيفري والعفوجاء يوم 25فيفري.ربح تونسيون.والكتاب القادم معه بحول الله سيطلق سراح البقية.وهكذانرتاح من القطرة قطرة. ومن اعتمادالمناضلين كرهائن إلى غايةتمرير2009اوماقديسبقه في حالات قوةقاهرةأوحدث طارئ.
4-هنايمكن الذهاب إلى كتابي ليجد كل قارئ بالتفاصيل وخاصةمن الإسلاميين(حتى لا يكرروا ذات الخطأ)نوعيةالإطارات التي عادت إلى صفوف جامعات وشعب الحزب الحاكم.الكثير منها كان تدرب على الحرب.إلى جانب استعدادعناصريساريةللنهش.ولكن عرضي خلال الحلقات
الثلاث الأخيرة للأحزاب ونوعيتها وطبيعتها وأدوارها والمطلوب منها فضح البئر بما فيه.
5-كتابتنا وكتابات غيرناونضالات الرجال وفي المقدمةمن تشبث بموقفه وضحى بعزالسنوات من العمر ورفض الإمضاء على هزيمته والبيع والشراء.سينقل نضالناإلى الكتابة بشكل جديد
تعجيلا بإطلاق سراح البقية من جهة وأخذا للمواطن إلى حيث ممارسته مواطنته الكاملة خاصة
وان رجال الحزب الحاكم وأحزابه الوديعةلم تتآلف مرة في حياتهاعلى الانتخابات الجدية والتحرك النضالي والاتصال بالمواطن وهو ما سيجعلها تفتعل مشاكل جديدة في محاولة لرفع العصا من جديد مع اواخر2006 أو بداية 2007من جهة أخرى.وهنا كان وسيكون عملنا.
6-نية الفريق الحاكم واضحة جدا.ربح الوقت وإدارة رجال العجز أمورهم مرة بضربة على اليمين وأخرى على اليسار…حزب حاكم هش وأحزاب لقيطة وإطلاق سراح لمناضلين نالوا
كل أنواع العذاب والتعذيب(وهناجرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم ولا بالسكوت عنها….)لا يدلّ
على وجوداستراتيجيةسياسيةجديدةوتغييرفي التعامل مع المواطن والسياسات والنضالات.
بل حسابات لئيمة.من سجن وعذّب وكان يقول بعدم وجود سجين سياسي واحد؟هو نفسه من يسوّق للأمر بطريقة مناقضة تماما.كيف يستطيع رجال الحكم اليوم النظر في الوجوه والحديث عن الأخلاق والأمل والمستقبل؟
7-لا أتمنى أن أكون من ألقى القبض وقام بكل أنواع الأبحاث والاستنطاقات البدائية ومن أصدر الحكم بمختلف درجاته ومن سجن وتفنن في التعذيب على أمل الحصول على الرضا والترقية و…كيف حالهم اليوم؟هل ينامون النّوم؟وغيرهم هل يتّعض؟وهنا ألا يعني أنهم وحدهم غدا من سيتحمّل المسئولية؟ودليل عالمي أمامنا اليوم.
8-أقول لمن عذّب وزوروقتل وفسد وافسد هل شاهدت مرة واحدة محاكمة صدام؟هل وقفت عند دفوعات صدّام شخصيا؟وهل لاحظت كيف يسعى الجميع للتفصّي من المسئولية؟كلهم لم يصدروا تعليمات؟وهات الدليل؟
9-المحاكمة تقول من جديد بنوعية الدكتاتور العربي وجبنه وكذبه هو في الحكم وهو خارجه
إذا أردنا التلخيص نقف أمام محاولة جر المحكمة لان تحصر التعذيب والقتل وغيره في من نفذ واشرف وامسك ومسك.هناأقول للذين قامواويقومون بالتعذيب ومنع الرزق مهما كان
المكان وليس ضرورة في الداخليةهاهومصيرك غدا.فز بنفسك من اليوم.
10-محاكمة صدام دولياونقلهامباشرةإلى العالم فيهاحكمةكبيرة جدا.وهي سبق عربي لن يكون
معه دكتاتورافي الغدأوأي معذب بمنأى عن المحاسبة.المحاكمة هي قول له هذا مصيرك ويا معذّب وين تروح الحرية ورآك…؟
11المحاكمة أظهرت جبن الحاكم العربي.وقالت انظروا له دون حرس وعسكر وبوليس كيف يتذلّل ويحاول تبرئة ساحته وحشرها عند من أمرهم وخدموه.نفس الشيء غدا سيقول الفريق
الحاكم ..خاطيني..هات ما يثبت..إذاكانوا في الحكم ويكذبون بعيون مفتوحة؟ما هو المخبئ غدا؟
12-انصح بنعلي من جديد باستحضار هذه المحاكمة.وان التونسيين من أذكى ما يكون وعلى
عكس ما يتصوّر هو وغيره.وان من حوله ارتكب أخطاء فادحة وهي مجمّعة لهم ولن يسلموا
من العقاب.أطلق سراح من بقي من مساجين.واكنس كما طلبت منك سابقا.لن نترك الجماعة
تبقى لسنوات قادمة.ولا نريك أن تتحمّل أكثر مما تحتمل.قلت لك في السابق يوم 17 نوفمبر2005 عبر مقالي محمدا وعليا انك من ضحوا وسيضحون به.وأمسكت أكثر بفريق العجز.وانظر منذ ذلك التاريخ فقط ما وقع لك داخليا وخارجيا.أنت تعرف وأنا اعرف بالتفصيل
ولا داعي من دك الرأس في الرمال.أي خدمة قدمت منهم كانت باسمك وهي موثقة.
13-الإنسان الضعيف عندمايتواجدأمام دكتاتوريات ومال رهيب لديها وخضوع هذا وذاك لها
أول مايجب القيام به من الأعزل جرّهاإلى تطبيق ما تقول حول الحرية والديمقراطية.زمنها
تتعرى وتتعرّى ومع كل خطوة يدفع بهاعبرمتاعهانحوهدف جديد.وهوما فعلناه في ظرف وجيز وقلب المعادلات وزاد في لؤم الأحزاب.قوانين الإرهاب سينقلب تطبيقها.
14-الدكتاتورية تعرت داخلا وخارجا.ويوم ترفع من جديد العصا ستكون نهايتها الشنيعة.
القصر مكمن الداء والعلة.هومن شلّ العمل في تونس.فاقد الشيء لا يعطيه.ولا يكلّف اللّه نفسا إلاوسعها.الفارق بينناوبيننارجال العجزكبيرجداوغيرهم …
كتابتناللعالم والحرية.وهناك من صادق ليستغل الصديق والحليف للإرهاب والترهيب.وهناك من صادق طمعا في الحكم.التاريخ يكشف قريباجدا.مافعل كل واحدللحريةعبرالجغرافيا.ولهذا
لا نخاف.وقدّمنا اجل الخدمات لتونس الجدية ونقدّم إلى غاية إحلال التداول السلمي المدني على الحكم.وأعيدهاحلمنااكبرمن رئاسة تونس.حلمناالحريةوالدفاع عنهاوالتنظيرلهاحيثمايجب عبر
الجغرافيا.ولهذالا نخاف.
ثانيا
كتابا وثلاثةاشهرمن الكتابةقلبت المعادلات والحسابات.جعلت الفريق الحاكم يسامح إرهابيين؟
1-الإرهاب والترهيب خبزنااليومي وليس بالمناسبة.قبل شهرين كانت التهديدات منصبّة على شخصي وعلى كيفيةالتخلّص مني.بعد أن تمّت محاصرتي في الخارج أساسا.اليوم صارت منحصرة في زوجتي وأولادي(12و14سنة؟).اكبر إرهابي في العالم هو من يسرق مالنا وقوتنا ويقدم الأرقام الكاذبة عبر كل السياسات ومن ينشر الفكر الجهوي اللّعين ومن يصدر تعليمات في الداخل وفي الخارج لمنعي من المال مثلما هو حال الملايين.وهنا هنا من يتحدث عن النضال.وهو ينفذ تعليمات مخابراتية في باريس تحديدا ومن رجال العجز في تونس..
وبماأن أرقام هاتفي(يجيبون غالبامكاني)معلومةدوليا….صاروايتحاشون المكالمات الهاتفية باستثناء القليل منها جاءت من سوسة؟وكان أصحابهامذعورين مرتكبين على الرغم من بعد المسافة؟وهو ما يعني أنها لم تصدر من مواطنين عاديين.بل من مكلفين بمهام حذرين..
2-عندماانزل الىالعاصمة في مرات قليلةلقضاء بعض الأمور..وعلى سبيل المثال ينقضّ
على حنابي متقاعدا من وزارة الداخلية لم أره منذ5سنوات أي قبل مغادرتي الوزارة بسنتين؟
وليتصرّف على إنهاالصدفة؟خلاصة حديثهم…رد بالك على روحك وعلى عائلتك..وكان هذا يوم السبت وبعد العفوالرئاسي؟…طاحونة لها كل حين ما تلتهم..نفس الأمر يجري أوروبيا اليوم؟لماذا؟
3-مات عهدالخوف وولّى ذهن الإرهاب.وبينوشي سنة1988قام باستفتاء ورضخ لحكم الشعب. ومع ذلك حوكم الرجل وأهين وهوفي أرذل العمر.فلماذاالسكوت عن مبارك سنة2006وهو يزورويبطش وتخرج السكاكين؟ ولماذاتبييض وجه الفريق الحاكم في تونس؟بل دارفورمعرّة؟
4-الكتابات جميعهاوالأحاديث ومنذسنوات منصبةحول بنعلي وزوجته وإخوتها.ورجال الفريق
من حول بنعلي منتشين ويصرّفون ذلك على انّه حماية لرئيسهم.لولا هم لانهار؟وهناانصحه من وزوجته من جديدبتشكيل لجنة من خبراء محايدين تطّلع على كل الكتابات ومصادرها ورجالها ولماذامنحصرة فيهم لاغير؟نحن نكتب للتغيير وليس لتهرئة فلانااوتهيئة منصب الرئاسة لزيد على حساب عمر.نكتب للحرية.والكتابة لدينا التزاما وحماسا وأخلاقا.
.وتركيزي على هذا يدخل في اطارانتظام فضح المراكنات والتحالفات البالية بين ما يقال عنها معارضة وعناصر من فريق العجز.
.هناك من يعمل بمقولة(وهو صغير جدا على السياسة.)إذا كنت ضعيفا.انحزإلى ماهواضعف منك واصنع فركيشة جديدة.هذا كان ممكنا لو لم نعد على قيد الحياة.الجميع عاريا اليوم دوليا.
5-اللجنةتكشف وزارةالداخليةووزارةالعدل والحزب الحاكم ونوعية وطبيعة المتواجدين في القصروحكاية7نوفمبرجديدمن عدمهاومن هم رجاله؟أومثلما قال لي احدهم..منذ خروجك تغيّرت أمورا كثيرة والرئيس لم يعدقادراعليهم؟هذه كذبة.نحن عريناالجماعةوالقادم أهم.
.وفرنسا تعرت وستتعرى والأيام بيننا.وما حاجة بنعلي لشيراك إذا كانت المعارضة ترى في
فرنساسنداوهي غيرذلك؟نحن وضعنا الجميع على الطاولة هات آش عندك ورّيني آش تنجّم تعمل؟وأحسن مثال تواضع الجميع اليوم بعدماأن كانوا يتصرفون كالديك؟لهذا ليست الأحزاب من يصنع الرجال ولا المال.واليوم المستقلون هم تونس.وما تحدثت عنهم لا يلعبون هناك..
الحرية يصنعهاالتونسي من الداخل.هذاعملا وطنياكبيرايخرج معه كل صاحب رأي من السجن من جهة.ويجعل رجال العجز يفرون من تونس الى فرنساحماية لهم من التونسيين
ورجال الأحزاب المتواطئين معهم إن استطاعواذلك من جهةأخرى.
6-الإرهاب في تونس صارمدعاة للضحك.القانون نفسه …بحسب الفصل52 مكرر من المجلة الجنائية تعدجريمةإرهابيةكل جريمةلهاعلاقةبمشروع فردي اوجماعي يستهدف النّيل من الأشخاص اوالممتلكات لغرض التخويف والترويع.(قطع الأرزاق.المنع من العمل والملاحقات
والملاصقة و…بهدف منع الشخص من الحصول على المال والاستقلال في تفكيره وتزوير
إرادته بهدف دفعه لردود أفعال ثم ملاحقته كإرهابي؟…وتهديده بالاضرار بعائلته…)
وتعامل معاملة الجرائم المتصفة بإرهابية أعمال التحريض على الكراهية والتعصّب العنصري اوالديني مهما كانت الوسائل المستعملة….
7-وهنا رجال الإعلام في تونس بدون استثناء تقريبا ينطبق عليهم الوصف التجريمي.واذكر
هناعيّنة صغيرة من عشرات المئات…ما جاء في الصريح ليوم 4جوان2004…وذكرتها عبر تونس نيوز في مقال لي..وهي مضمّنة في كتابي…العطش العربي الأخلاقي والمالي لفريق حاكم..أنموذج تونس….كماهي مضمنةأيضافي مناهجناالتربويةالرسمية وبالتالي أول من
يحاكم بقانون الارهاب من وضع مناهجناالتربوية.ومن يشرف على إعلامنا.ومن يسيرالسجون ووزارات الداخلية والعدل والقصروالأحزاب السياسية.وليس من يرى التعبير عن أفكاره عبر الإسلام اوالليبراليةاوغيرها…أومن الشباب من يتم شحنهم عبر رجال الإعلام والمجلات ومن أصدقاء اليهود؟الى حدأن ذهبواالى العراق ثم بعودتهم محاكمتهم و..؟وانتزاع منهم القول أنّهم عادوالتونس بهدف التفجير…يرجى الاتصال بمن دافع من المحامين عن هؤلاء.
8-وزيرالتربيةهذه الأيام وبالمثل العدل والتجهيزوحاميهم داخل القصريركضون حتى يشعر
رئيسهم بخدماتهم.والحال أن وزيرالتربيةكان محمولاهوومن سبقه على الخضوع إلى مساءلات قانونية حول ما ينطبق عليه الفصل 52 المتعلق بالجريمةالإرهابية.انظر كتابي.
ألا يعدشحن الملايين من أولادنا على الأمريكي والأمريكية والدين المسيحي تحريضا وعملا إرهابيا؟وجاء اختيارالشحن زمن الحرب.وكلنا يعلم أن الحرب لا أخلاق فيها.يعني نية إجرامية مبيتةلان يكون عقل وذهن التلميذ.بل كل قطعة في جسمه مهيأة لان تتلقى وتستبطن ما سيقال
عن الأمريكي.صحيحا وخطا.التلميذيعيش في بيئةعربيةوإسلامية ويرى ما يجري في العراق وفلسطين ماذاسيقول مع درس تربوي من نظام حليف لأمريكا؟اكتب ليس دفاعاعن أمريكا.بل لتبيان حقيقة القوانين والذهنية التي تصنع وتطبق..الموضوع ذكرته سابقا والحدث فرضه.
حدث إطلاق سراح 1600سجينا؟وربطهم بالإرهاب؟
9الجديد مع خروج تونسيين إلى السجن الكبير
.أن تبدأ عائلات من أطلق سراحهم بالتوجه إلى حيث يسكنون للقيام بتسجيل أفراد العائلة الذين يحق لهم الترسيم.وهي إشارة على الوجود والرغبة في التغيير الذي قضّى من اجله هذا وذاك حولي عقدين من العمر تحت عين وقسوة سجان.والقول مع الحركة والتحرك..تونس الجديدة
تبنى بكافة أولادها.وهو اختبار ميداني لخطاب حياد الإدارة والاستعداد لصفحة جديدة و….
.جمعية راضية النصراوي والنوري والرابطة و…وجب أن يتوجّهوا إلى عمل جديد لا يعتمد
الرّصد والتبليغ وإرسال التقارير…إلى عمل وطني يتوجه إلى كل التونسيين والتونسيات…
وهنا الكلام كبيروكثير.مثلما قلت سابقا هناك من يرى هذه الهيئات خبزة وحكرا عليه.وهناك
من جلب جمعية ليتاجر بها على محتلف المستويات…القول بمظاهرة للمطالبة بالحرية في تونس….من هو غير تونسي يمكن أن تنطلي عليه.مظاهرة لماذا؟أحزاب معترف بها ولها المال.نعم.ورابطة منتشرة في ربوع تونس.و….وبعد 18سنة اضربوا ويتحدثون عن الحرية؟
الأحزاب كم هو عدد منخرطيها؟وماذا يكتبون؟وكيف يتصرفون؟الأحزاب لا تتحرّك إلا بعد كتابات تقول بأنها غير موجودة.منذ ما يزيد عن 40سنة وانتم هناك ماذا فعلتم؟قلتها يوما قبل
إطلاق بنعلي عفوه الخاص أن النظام لا يرضخ الا لطلبات وقوية من واشنطن والتاريخ كشّاف؟وأعيد النظام والأيام بيننا…النظام يخاف شرطيا واحدا…ولا يكترث بما يقال عنها معارضة باستثناء حركة النهضة ومنذ سنوات إلى حد ما.
حسين المحمدي تونس 26فيفري2006
تونسي ليبرالي ممنوع من العمل.يمارس عليه الإرهاب والترهيب في كل مظاهره الى أن
يمتنع عن الكتابةعبرتونس نيوزتحديدا.ويوجه رسالةاعتذاروإكبار.أقول لكل تونسي وتونسية خذ كتابي ولنا خلال مدة قليلة جدا عملا من خلاله ضروري للحرية الى ابعد الحدود.
بعد غرق قارب » الوسلاتية »
العائلات المتضررة تتساءل
هل عجزت السلطات عن انتشال الجثث بعد عجزها عن إنقاذ حياة البحارة؟
محمد الصالح فليس
عاشت بلادنا منذ أكثر من عشرة أيام وبالتحديد يوم الثلاثاء 7 فيفري الماضي مأساة جماعية جديدة تضاف إلى عشرات المآسي التي ذهبت بالعائل والأخ والابن في إحدى غضبات البحر الكثيرة.
والغريب فيما حدث أن المأساة تكررت بنفس النحو وعلى نفس الصيغة. فهؤلاء عشرة رجال جاؤوا من جرجيس وبنزرت ومنزل عبد الرحمان وجرزونة جمعتهم إرادة ملاحقة مورد الرزق والجري وراء لقمة الخبز للعيال، فاستقلوا باخرة إسمها « الوسلاتية » وطولها 27 مترا. خرجوا من ميناء حلق الوادي قاصدين أبواب الكسب.
وبينما هم في بداية الرحلة نيام وقد أدركهم الليل حدث المكروه…فجرا في حدود الساعة الثالثة صباحا في أحواز قرية غار الملح. ولم يُعرف في أوساط العائلات عن ظروف الحادثة إلا مارواه بحارة الباخرة » اسكندر » التي كان بحارتها آخر من تلقى مكالمة ربان الباخرة » الوسلاتية » يقول فيها » البحر بدا يخدم والبحر قوى عليّ « . وانقطعت المكالمة وانقطعت معها كل خيوط الأمل. وسرى الخبر بين هذه العائلات المكلومة المتفرقة بين مينائي بنزرت وحلق الوادي. و بقيت الجثث بعد كل هذه المدة طي المجهول. وحاول أهالي الضحايا التشبث بكل خيوط الأمل بالسعي لانقاذ دويهم من الموت المحقق.
ولمّا لم يتسنّ ذلك لأسباب أقلّ ما يقال فيها أنّها مجهولة لأنّ الإعلام الرسمي في بلادنا مازال يدير الظهر للحياة.. وللكوارث أيضا.
ولم تنقل أي جهة كانت للعائلات المفجوعة أي خبر عن الحادثة ومتى انطلقت عمليات » النجدة » ولماذا توقفت ؟ لا سيما أن من بين العائلات من يرجّح أن الضحايا قد يكونوا ظلوا لمدة داخل القارب المتضرر.
ولم ينقل عن الجهات الرسمية لماذا رفضت إجراء التأمين لمجموعة تونسية من الغطاسين الذين كانوا يرابطون في ميناء الصيد البحري تأهبّا للغوص بحثا عن الجثث وانتشال ما يمكن انتشاله.
واليوم وبعد مرور أكثر من عشرة أيام على حدوث الكارثة لم يعدد للعائلات المفجوعة سوى مطلب واحد. أن تتأثث ديار العزاء المفتوحة منذ حدوث الكارثة في مدن عديدة من البلاد… بجثث الهالكين. فهل هذا كثير؟
ومن أجل تحقيق ذلك لم تترك وفود عائلات الضحايا بابا إلا وطرقته. فقد تجددت محاولات مقابلة والي بنزرت بعد أن رابطت العائلات أمام مبنى الولاية. ثم تسنت مقابلته مرة واحدة دون وجود أي نتيجة. وتكررت محاولات الاتصال بممثلين عن وزارة الدفاع الوطني والحرس البحري الوطني. وبعض العائلات حاولت الاتصال برئاسة الجمهورية.
أسئلة كثيرة أثارتها هذه الحادثة الجديدة في أذهان المواطنين وفي أذهان الملاحظين. أولا ألا تستحق هذه الحادثة و مأساة هذه العائلات التونسية من التلفزة » الوطنية » تحقيقا، بل تحقيقات لسماع أفراد عوائل المتضررين والتعرف على معاناتهم ؟
أم أن هذا أيضا يدخل تحت طائلة الخطوط الحمر والمحرّمات والممنوعات ؟ وثانيا ألم يكن الأجدر تركيز خلايا إعلام ومساندة تقوم على تسهيل مهمات العائلات المعنيّة في الوصول للمعلومة والأخذ بيدها لتحمّل مصابها والتخفيف من آلامها ؟
ثالثا ألا يستحق ما حدث لأكثر من عشر عائلات وهي جزء من شعب كامل إصدار بيانات من الوزارات المعنية بعيدا عن كلّ توظيف سياسي يصف ما حدث ؟ أم أن الصمت يكفي لمعالجة الآلام والتعتيم على المأساة ؟
رابعا احتراما لمشاعر عائلات المفقودين ألم يكن شرعيا ووجيها التخويل لمجموعة الغطس التونسية باجراء محاولة انتشال الجثث أو بعض منها للتخفيف من روع العائلات وتثبيت معاني التضامن معها ؟
خامسا هل مازال خافيا أن حدّة الألم ومرارة الاحباط لدى عائلات الضحايا دفعت بهم إلى الاستنجاد بجماعات غطس من بلدان مجاورة أعربت عن استعدادها للقيام بالبحث عن الجثث ؟
وأخيرا فعلى قدر تساؤلات العائلات إزاء التمشي الرسمي فقد أثنت بكلّ ارتياح على تضامن البحّارة ومؤازرتهم لا سيما بحارة قارب صيد مجاور تمكنوا من التعرّف على مكان غرق القارب المفقود؟
إن في هذا رسالة مفادها أن حياة المواطن لا ثمن لها وأن المواطن هو الثروة الحقيقيّة والأغلى لهذا الوطن.
لذلك فإنه من المؤكد لكي لا يأكل البحر كلّ سنة مجموعات من أبنائنا أن يفتح بكلّ جديّة وعمق ملفّ الصيد والصيّادين وضمان حياتهم وان تتخذ الاجراءات وتتحدد المسؤوليات فيما حدث من تقصير.
(المصدر: صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 347 2006 )
التعليم العالي: شرطان لنجاح منظومة =إمد=
في نطاق الدعاية للإصلاح الجديد وضعت وزارة التعليم العالي على ذمة متصفحي الانترنت من أساتذة وطلبة وأولياء وغيرهم وثيقة تفسيرية للمنظومة الجديدة لشهادات التعليم العالي (إجازة، ماجستير، دكتوراه) اختصاره إمد، وهي مشكورة على ذلك.
وهذه الوثيقة أغلب محتواها مترجم من نصوص فرنسية، وهذا إيجابي من حيث الاستفادة من تجارب غيرنا، ولو أن التجربة الفرنسية لا تتعدى 3 سنوات، وكان من الأجدى أن ندرس تجارب من سبقوهم في ذلك منذ أكثر من قرن وندرس خاصة كيف وصلوا إلى تنظيم الدراسات الجامعية المتبع لديهم حاليا.
والمرور من المنظومة الحالية إلى منظومة إمد إيجابي من حيث المبدأ، فقد نادى بهذا الإصلاح عديد المهتمين بالتعليم العالي في تونس وذوي النوايا الصادقة، وكنت شخصيا كتبت مقالا مطولا في إحدى الجرائد اليومية نشرته في 13 افريل 2000 أدافع فيه عن منظومة إمد.
وينتظر من هذه المنظومة إن طـُبّقت بصورة ذكية وبدون مركبات أن توحـّد الشهادات وتخرجنا من الحالة التي نحن فيها اليوم، حيث أن ما يعادل الإجازة له عديد الأسماء حسب المؤسسات الجامعية (الشهادة الوطنية في الفنون والحرف، الشهادة الجامعية للتكنولوجيا، الشهادة الوطنية في تكنولوجيا الفنون والتصميم، إجازة تطبيقية، تقني سامي، شهادة الدراسات الجامعية) الشيء الذي يجعل الطلبة والأولياء وحتى الأساتذة يتيهون ولا يفهمون قيمتها أو المعادلة بينها.
والعارفون بالمنظومات الأنكلوسكسونية التي أصبحت المعيار العالمي اليوم يعرفون مزايا هذه المنظومة الجديدة (إمد). فهي منظومة عقلانية تضبط الدراسة بطريقة ديكارتية (أو كرتزيانية إن شئتم) إذ أن الحصول على إجازة يتطلب 180 رصيدا يتحصل عليها الطالب العادي في 6 سداسيات ويتطلب كل رصيد 10 ساعات عمل حضوري في القسم و10 ساعات عمل في المكتبة أو في البيت، وينتج عن هذا التنظيم للدراسات أن المكتبات تكتسي أهمية كبيرة في هذه المنظومة، ولا أقصد هنا مخازن إعارة الكتب المتواجدة حاليا في مؤسساتنا الجامعية، وإنما أقصد بالمكتبات تلك الأماكن التي يمكن للطالب أن يدخلها ويتجول أمام رفوفها ويختار الكتب التي تهمه ويتصفحها ويقرأ فهارسها ويجلس في قاعة المطالعة لمطالعتها ويستعيرها إن أمكن وإن كانت ممنوعة من الإعارة ينسخ الصفحات التي يحتاجها على ناسخة موجودة داخل المكتبة مقابل مبلغ زهيد، هذه هي المكتبات التي لا بد من توفيرها لإنجاح الإصلاح، وقد حصلت تونس على عدة قروض من البنك العالمي لتوفير مثل هذه المكتبات ولكن أغلبها رجع إلى واشنطن لأن تونس لم تصرف الأموال كما اتفقت مع البنك على ذلك.
إن ما يستدعي العجب في وثيقة الوزارة المعروضة علينا هي الخطأ في الترجمة الذي قد تنتج عنه مضرّة كبيرة بمستوى التعليم، الوثائق الفرنسية الأصلية تقول بأن السداسية تدوم بين 12 و14 أسبوعا، ترجمتها في موقع الواب للوزارة تقول: تدوم السداسية 14 أسبوعا، الوثيقة الفرنسية تقول: يبلغ عدد ساعات التدريس في السداسية 300 ساعة، الوزارة تقول: يبلغ عدد ساعات التدريس في السداسية 360 ساعة على الأقل، الوثيقة الفرنسية تقول: الرصيد يتطلب 10 ساعات دراسة حضورية، الوزارة تقول: الرصيد يتطلب 12 ساعة دراسة حضورية على الأقل، الوثيقة الفرنسية تقول يبلغ عدد ساعات الدراسة 21 ساعة ونصف في الأسبوع على الأكثر، الوزارة تقول: يبلغ عدد ساعات الدراسة 26 ساعة ونصف في الأسبوع على الأقل … لست أدري ما الداعي إلى هذا النفخ الذي يتكلف غاليا من ناحية تمويله ويرهق الطلبة ويضر بمستوى التعليم من الناحية البيداغوجية ويخفـّض من مستوى شهاداتنا لأن الطالب لا يجد الوقت الكافي لاستعمال المكتبة ولا يتثقف ولا يتعلم حتى كيف يفكـّر.
سر هذا التضخيم موجود طبعا لدى وزارة الداخلية، والنبيه يفهم دون توضيح.
من بين أهداف الإصلاح هو تمكين الطالب من التنقل بين الجامعات مع الاحتفاظ بالأرصدة التي حصل عليها، فالمنطق يقول في هذه الحالة أنه علينا ضبط ساعات الدراسة الحضورية بحيث تكون مساوية بالضبط لما هو موجود في أوروبا وفي المغرب وفي الكامرون، ولا أعتقد بأن هناك فائدة في زيادة ساعات الدراسة بل العكس سيحصل لأن الطالب لن يجد الوقت الكافي لاستيعاب المعلومات مثل زميله الأوروبي وبالتالي فزيادة الساعات هي تخفيض لقيمة الإجازة لدينا، لأن عدد ساعات الدراسة ضُبط بأوروبا بعد دراسة سيكولوجية وبيداغوجية، وتأكدوا بأن زيادة الساعات أكثر من هذه النسبة يضر بقيمة التعليم.
إن ملء الأسبوع بساعات التدريس سوف يجعل متابعة دروس المواد الاختيارية مستحيلة ماديا ويجعل مشروع الوزارة غير قابل للتطبيق من الناحية العملية، وذلك لأن اختيار مواد مختلفة خارجة عن نطاق القسم في الكلية يتطلب جدول أوقات مرن يمكـّن الطالب من إيجاد ساعة ونصف لكل مادة اختيارية لحضور الدرس ونصف ساعة قبلها أو بعدها للتنقل من كليته إلى الكلية التي فيها الدرس الاختياري. وأعطي مثالا لذلك، تصوروا طالبا في الرياضيات بجامعة المنار اختار لإنجاز أجازته مادة في الحقوق ومادة في اللغة الصينية، مع العلم أن إصلاح إمد يمكـّنه من ذلك، يجب على هذا الطالب أن يجد ثقبا في جدول أوقات الطلبة الذين يتابعون إجازة الرياضيات يتوافق مع مادة الحقوق وثقبا آخر يتوافق مع مادة اللغة الصينية للمبتدئين، وإذا علمنا أن التنقل من كلية العلوم إلى كلية الحقوق والعكس يتطلب 20 دقيقة على أقل تقدير والتنقل من بورقيبة سكول إلى المركب الجامعي والعكس يتطلب ساعة كاملة فإن جدولا بـ 26 ساعة في الأسبوع كما ترجمته الوزارة لن يمكـّن من اختيار أي مادة خارج الكلية بل إني متأكد من أن الاختيار سوف ينحصر في هذه الحالة في الخيار بين مادتين في الرياضيات إحداهما إجبارية، ويغيب إثر ذلك مبدأ اختيار الدروس الأفقية المضمون في مشروع الإصلاح.
إن احترام التوقيت الأوروبي (10 ساعات حضورية للحصول على رصيد) وتوفير مكتبات جامعية حقيقية في مؤسساتنا الجامعية هما شرطان أساسيان بدونهما سوف يكون الإصلاح كارثة على ما هو موجود عوض أن يكون تطوّر وتحسين لما هو موجود.
نقطة أخيرة، إن عدم تعميم نظام إمد على كل اختصاصات التعليم العالي كما هو الحال في الولايات المتحدة مثلا سوف يجعل هذا الإصلاح خاص بالفقراء والمتوسطين أما الأثرياء والنجباء فنظام دراستهم سيبقى مختلفا وخارجا عن المنظومة وهذه العقلية سوف تجعل نظام إمد لا يرتقي بالتعليم العالي إلى مستوى رفيع.
أ.د. أحمد بوعزّي
جامعة تونس المنار
(المصدر: صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 347 2006 )
رئيس جمعية حملة الشهادات المعطلين عن العمل بالمغرب
جمعيتنا تضم 4000 معطل كلهم من خريجي الجامعات
تعتبر البطالة من أكثر التحديات المعقدة في المملكة المغربية وتصل نسبة العاطلين عن العمل إلى حوالي 30 %. وقد توفقت جموع العاطلين خاصة من خريجي الجامعات المغربية إلى تجربة فريدة وغنية مكنت من تأسيس عدة جمعيات تناضل من اجل الحق في الشغل ومن أنشطها الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين عن العمل. وفي هذا الحوار مع رئيس هذه الجمعية السيد التهامي الخياط نسلط الضوء على التجربة.
ما هي ظروف تأسيس جمعيتكم ؟
تأسست جمعيتنا في 26 أكتوبر 1991 بعد مجموعة من النقاشات التي خاضها خريجو الجامعات وخاصة الحاصلين على الإجازة في الفلسفة. وكان المؤسسون مناضلون في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
كانت الدوافع لتأسيس هذه الجمعية أساسا هي تنظيم النضال من أجل الحق في الشغل حيث كانت أعداد العاطلين تتضخّم. وبعد نقاشات دامت خمسة أشهر أعلنا تأسيس الجمعية تحت اسم » الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين عن العمل » وتم إعداد قانون أساسي وداخلي للجمعية، وكان المؤتمر الأول بمقرّ الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء تحت شعار » الشغل حقّ وليس امتياز » ومنذ ذلك التاريخ والجمعية تقوم بواجبها في التعريف بقضية العاطلين وتحاول إبلاغ صوتهم وحل معظلتهم التي لها انعكاسات خطيرة على الوطن.
في الساحة المغربية هناك عدد من الجمعيات التي تتحدث بإسم العاطلين عن العمل هل هناك تنسيق بينها ؟
بسبب الانسداد في آفاق التشغيل و بحكم السياسة اللاوطنية واللاشعبية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي ونظرا لأن هذه السياسة خلفت آلاف الضحايا فقد تكونت عدة مجموعات للدفاع عن حق الشغل ومنهم اتحاد الأطر العليا العاطلين عن العمل وضحايا شركة النجاة وهم 80 ألف شاب مغربي تعرضوا لعملية نصب من قبل شركة وهمية وجمعية ضحايا برنامج التكوين التأهيلي وجمعية حاملي الرسائل الملكية وجمعية مقاولي الشباب وهم مئات الشبان الذين تلقوا قروضا من الدولة لبعث مشاريع أدّت بهم إلى السجن و الإفلاس.
وباعتبارنا لا نقف ضدّ حرية التنظم فنحن لنا استعداد كامل للتنسيق مع مختلف الجمعيات التي تنشط في هذا الميدان.
وقد خرجت جمعيتنا في المؤتمر الخامس فعلا بورقة في هذا الإطار حول النضال المشترك زكاها المؤتمر الوطني السادس ثم السابع. وقمنا كجمعيات تناضل من أجل الحقّ في الشغل بتنظيم مهرجانات خطابية مشتركة ووقفات احتجاجية أمام البرلمان المغربي.
وهناك نقاشات الهدف منها إنشاء كونفدرالية لجميع المنظمات مع احتفاظ كلّ واحدة بخصوصياتها.
ما هو تصوركم لحلّ معضلة بطالة أصحاب الشهادات ؟
تصورنا لإنهاء أو تقليص البطالة يقوم على القضاء على الجذر المادي للاستغلال ألا وهو النظام الرأسمالي وإعادة تقسيم الثروة بشكل عادل وإتباع سياسة اجتماعية متوازنة تراعي مصالح الشعب وجميع فئاته.
ما هي طريقتكم في العمل ؟
بالإضافة إلى الطرق الاحتجاجية المعروفة كالتجمعات والمسيرات نحاور الحكومة ونحاول أن نقنعها بتحقيق مكاسب للعاطلين وفي هذا الإطار نطالب بصندوق تعويض عن البطالة.
أما نشاطنا العادي و لأننا جمعية غير معترف بها فنقوم به في مقرات الأحزاب والنقابات. أما فروعنا فهي تقوم بنشاطها في اغلب الأحيان في الفضاء العام والشارع ونمنع من القاعات العمومية.
والجمعية تواجه ظروفا صعبة لكنها لم تمنعنا من مواصلة النضال. فلنا سجناء رأي حوكموا ومازالوا بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها والتحريض على العصيان ومنهم رئيس الجمعية. سقط من مناضلي الجمعية عدد من الشهداء منهم ناجية آدية التي استشهدت في 11 ديسمبر 2002 خلال مسيرة وكذلك الشهيد مصطفى الحمزاوي الذي توفي تحت التعذيب في 16 ماي 1993 وقبره إلى حدّ الآن مجهول.
كم يبلغ عدد العاطلين عن العمل في المغرب؟
الإحصائيات غير دقيقة ولكن النسبة العامة تفوق 30% وهناك بعض التقديرات المستقلة التي تتحدث عن مليون عاطل عن العمل من الحاصلين على شهادات عليا. وتضم جمعيتنا حوالي 4000 معطل كلهم من خريجي الجامعات.
ماهي مشاريعكم القادمة ؟
نعد لتنظيم ملتقى دولي حول البطالة في مدينة الرباط في 13 و 14 ماي القادم سيتناول بالبحث النضال ضدّ الإقصاء الاجتماعي والتهميش والبطالة والهجرة السريّة.
حاوره في الرباط محمد فوراتي
(المصدر: صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 347 2006 )
واشنطن تعزز نفوذها العسكري في شمال إفريقيا
عبد المجيد المسلمي
أدى دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي لأول مرة منذ توليه هذا المنصب زيارة إلى تونس و المغرب و الجزائر أيام 11 و 12 و 13 فيفري الجاري حيث أجرى محادثات مع قادة تلك البلدان و وزراء الخارجية و الدفاع فيها. وتناولت المحادثات تعزيز التعاون العسكري بين تلك البلدان و الولايات المتحدة ومكافحة الإرهاب وقضايا إقليمية أخرى. وعلى عكس ما قد يظنه البعض فهذه الزيارة ليست مرتبطة بخطة مقاومة الإرهاب أو بالوضع في العراق وأفغانستان وإنما هي على الأرجح حلقة جديدة في إطار سعي الولايات المتحدة منذ فترة غير بعيدة على تعزيز نفوذها العسكري في البحر المتوسط و إفريقيا التي تمثل مناطق ذات أهمية استراتيجية لواشنطن من أجل بسط نفوذها على العالم.
و يعتمد الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة على الأسطول السادس الذي يجوب البحر المتوسط و على فرقة من المارينز متمركزة فيه علاوة على تعدد المناورات المشتركة مع بلدان الحوض و المساعدات التي قدمتها واشنطن إلى بلدان شمال إفريقيا من أجل تهيئة و تجديد العديد من القواعد العسكرية و الموانئ و المطارات التي قد تلتجئ واشنطن لاستعمالها في حال نشوب نزاعات مسلحة، بالإضافة إلى المساعدة على تكوين الإطارات العسكرية لتلك البلدان في نطاق البرنامج الدولي للتكوين و التدريب العسكريInternational Military Education and Training Program
و إضافة إلى تمتعها بتسهيلات عسكرية في المغرب و تونس و موريتانيا تسعى واشنطن إلى إحداث قاعدة عسكرية في جنوب الجزائر تكون تحت المسؤولية المباشرة و الحصرية للسلطات الجزائرية. و تهدف واشنطن من وراء ذلك إلى مقاومة تنظيم « القاعدة » و الجماعات الإرهابية التي قد تتمركز على الطريق القديم للقوافل الصحراوية الممتدة من ليبيا إلى موريتانيا خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها في المدة الأخيرة موريتانيا و مالي و جنوب الجزائر.
و كانت الولايات المتحدة رصدت ما يقارب 8 ملايين من الدولارات لدعم التكوين و التعاون العسكري مع بلدان الساحل الإفريقي، أي مالي والنيجر والتشاد وموريتانيا و بين تلك البلدان وبلدان المغرب العربي في إطار برنامج Pan Sahel لمقاومة الإرهاب كما ركزت برامج مماثلة في الغابون و نيجيريا ورواندا.
و لمزيد بسط هيمنتها على منطقة القرن الإفريقي أصبحت الولايات المتحدة متواجدة عسكريا في جيبوتي التي كانت تقليديا تحت السيطرة الفرنسية. و في أكتوبر 2002 شكلت واشنطن في جيبوتي القوة العسكرية المشتركة لمنطقة القرن الإفريقي combined joint task force corn Africa حتى تراقب أثيوبيا وإرتيريا والسودان وكينيا والصومال واليمن والبحر الأحمر وخليج عدن. علاوة على ذلك مكنت أرتيريا القوات الأمريكية من استعمال شواطئها التي تبلغ 1200 كلم على البحر الأحمر وكذلك الموانئ و المطارات.
و حسب بعض الخبراء ) (1فإن واشنطن تسعى إلى بسط نفوذها على جزيرة سوقطرى التي تملكها اليمن و المهجورة من السكان والتي قد تشكل لها بديلا عن وجودها العسكري في الخليج العربي الذي يثير الاحتجاج و السخط لدى الشعوب العربية. و منذ فشلها الذريع في الصومال وخسائرها البشرية هناك في إطار العملية العسكرية « إعادة الأمل » أصبحت واشنطن لا تخير التدخل المباشر عن طريق قواتها الخاصة في الحروب الأهلية والعرقية وتسعى إلى التعويل على المبادرات الإقليمية. لذلك شجعت على تشكيل قوة إفريقية للتدخل أثناء الأزمات African crisis response initiative و على تكوين المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية وهي أجهزة من شأنها التدخل المباشر خلال النزاعات بدعم من الولايات المتحدة. كما سعت هذه الأخيرة إلى تقديم الدعم اللوجستيكي و الموارد الضرورية لقوة حفظ السلام التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية و للمجموعة الاقتصادية لبلدان إفريقيا الغربية.
و أخيرا تمكنت واشنطن من إقناع البلدان الثمانية الأكثر تصنيعا في العالم بضرورة تمويل تشكيل القوة العالمية لحفظ السلام التي ستتكون مما يقارب 75 ألف جندي منحدرين من جميع أنحاء العالم و خاصة من إفريقيا في غضون سنة 2010 و يكون دورها متمثلا بحفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة.
و تسعى واشنطن من وراء بسط نفوذها العسكري في إفريقيا إلى أن تصبح أقوى دولة في العالم أو الإمبراطورية الرومانية في العصر الحديث على حد تعبير المحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش. و لكنها تهدف أيضا إلى تحقيق أهداف اقتصادية. فبالرغم من أنها لم تكن طرفا في مسار برشلونة فإن الولايات المتحدة سعت منذ أواخر التسعينات إلى دخول منطقة اقتصادية كانت إلى ذلك الحين حكرا على الاتحاد الأوروبي و على فرنسا بالخصوص. و تسعى الولايات المتحدة إلى تطوير الشراكة الاقتصادية و السياسية مع بلدان المغرب العربي الخمسة التي تمثل سوقا قوامها 80 مليون نسمة.
و تأتي جولة رامسفيلد المغاربية في إطار تعدد الزيارات بين مسؤولين من الولايات المتحدة وبلدان المغرب وخاصة منذ سنة 2003 وإمضاء اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والمغرب في جانفي 2004 وفي إطار خطة جورج بوش لتكوين منطقة تبادل حر بين المغرب العربي والشرق الأوسط من جهة والولايات المتحدة في غضون سنة 1013 وهو ما يعني أن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين ستنمو بصورة متصاعدة خلال المرحلة القادمة.
من جهة أخرى فإن الولايات المتحدة ما فتئت تنمي نفوذها الاقتصادي ومبادلاتها التجارية مع إفريقيا التي توفر حاليا ما يقارب 15 بالمائة من استهلاك الولايات المتحدة من النفط والذي قد يصل إلى 25 بالمائة خلال العشر سنوات القادمة بما يمكنها من التعويض عن نضوب منابعها النفطية وتنويع مصادر الطاقة وعدم الإقتصار على بلدان الخليج. كما أن واشنطن تضع نصب أعينها مخزونات الغاز الطبيعي في إفريقيا و عديد المواد الأولية الأخرى مثل الكروم والبلاتين والذهب….
ومن هنا فإن استغلال الثروات الطبيعية وبصورة خاصة النفط والغاز، وما يحتاج إليه من تأمين سلامة الطرق البحرية وخاصة خليج عدن والبحر الأحمر ومزيد تثبيت النفوذ العسكري الأمريكي انطلاقا من جزيرة سوقطرى وجيبوتي ومقاومة الخلايا الإرهابية و تشجيع التبادل الحر، هي الأهداف الرئيسية لمحاولات واشنطن تعزيز نفوذها العسكري في البحر المتوسط و إفريقيا.
)1( Tangy Struye de Swielande www.diploweb.com
(المصدر: صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 347 2006 )
الايمان رأسمال والتآخي أخصب حقل إستثماري
الهادي بريك / ألمانيا
ما إن فرغ عليه السلام من بناء وتشييد مسجد قباء بما تيسر له ولاصحابه من الجريد والطوب حتى أقدم على تطبيق برنامج المؤاخاة بين المهاجرين والانصار وهو ثاني عمل من الاعمال الثلاثة الكبرى ـ بعد المسجد وقبل الدستور ـ التي أسس عليها دولة المدينة .
سؤالان إثنان لامناص لنا منهما :
1 ــ ماهي الحاجة إلى المؤاخاة أو ماهو دورها في الحياة الجديدة ؟
2 ــ كيف نفعل سلاح التآخي في حياتنا المعاصرة ولم ؟
1 ــ المؤاخاة حاجة نفسية ومالية وإجتماعية وسياسية وثقافية :
المؤاخاة حاجة نفسية :
لم يكن له من بد عليه السلام حيال المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم سوى أن يوفر لهم مناخا جديدا يحتضن أفئدتهم الكسيرة لفقد الموطن الام ولا يكفي الايمان وحده لذلك ولكن لم؟
أولا لان الايمان في الاسلام ليس دعوة مثالية عابرة للزمان والمكان والحال في نفس المؤمن والدليل أن إبراهيم عليه السلام جد الانبياء وشيخهم إحتاج لسلوان في هذه الدنيا يثبت إيمانه » وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الاخرة لمن الصالحين » وقال موسى عليه السلام بعد رحلة شاقة طويلة إلى مدين طريدا وحيدا فريدا شريدا » رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير » فإستجاب له سبحانه للتو » فجاءته إحداهما تمشي على إستحياء … » وكان أجره أمنا أولا ثم زرقا ثانيا ثم نكاحا ثالثا فهل تراه فقد شيئا من إيمانه وربه يغدق عليه سبحانه بكل ذلك أو تراه أذهب طيباته في حياته الدنيا فلا يقال له يوم القيامة » خالصة لكم يوم القيامة » ؟ لا بل حتى إمامهم جميعا محمد عليه السلام وهو في يم المحنة في الطائف والدماء تغسل قدميه الشريفتين يرد عليه السلوان الرحماني عنبا طريا ناضجا حلوا يسكن به ظمأه وسليلا من أرض نبوة ذي النون يحمل له به عداس قبسا من بعض إخوانه عليهم السلام جميعا . تلك هي رحلة الايمان مع الانسان أما مع الملك فأمر يختلف .
ثانيا لان للايمان حقول إستثمار معروفة معلومة لو لم يقتحمها برساميله ومشاريعه ومضارباته لبقي إما دجلا مدجولا بمثل ما هو عند المنافق ـ إعتقادا لا سلوكا ـ أو رساميل مدفونة تفقد مع مطلع كل شمس ومغربها شيئا من رصيدها حتى يتجاوزها الزمن ولا يكسب صاحبها منها خيرا.
لو كان يكفيهم الايمان لما آخى بينهم عليه السلام ولوكل كل واحد منهم لايمانه ولرد كل من جاءه يشكو حظه إلى إيمانه كما نفعل نحن اليوم حينما نكذب على القضاء والقدر . لو كان الايمان ليكفي لما كانت رسالته عامة شاملة كاملة متكاملة تامة نعمتها ولما إختلفت عن الرسالات السابقة ولما إحتاجت إلى هيمنة عليها ولا نسخ لها . لو كان الايمان ليكفي لما عد كل عمل حتى إماطة أذى صغير عن طريق مهجور عملا كبيرا .
كانت المؤاخاة إذن حاجة نفسية للفريقين من مهاجرة وأنصار . كان لا بد للفريق الاول من أيدي حانية رقيقة رفيقة حبيبة تربت عليه بلطف تسلية وإغناء . رب محتاج لا يحتاج منك سوى لكلمة حانية تزيل بها عن قلبه المكدود كبد أحقاب غائرة من العذابات . كانت الانصار تسدي هذا بسخاء وكرم وفوقه عطاء الدنيا الذي وصل إلى حد إقتسام الزوجات ولذلك وكلهم عليه السلام في غزوة كثر غنمها لايمانهم ليؤلف قلوب قريش . إن الذي جعلهم في ذات الغزوة يرجعون إلى رحالهم ودموعهم تغسل لحاهم المخضلة برغم من أنهم لم ينالوا من الغزوة سوى القتل والتعذيب هو حملهم لرايات الايثار . تلك هي حال الانسان مع الايمان حين يهديه إلى هذا الدعاء » ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار » . ما ذا تفعل بحسنة الدنيا لو وكلت لايمانك ؟
تلك هي معجزة الايمان الاسلامي الذي يعمر الدنيا بكل مظاهر الزينة والجمال بدون حدود ولا حساب وذلك هو ما يميزه عن الايمان المسيحي .
كان لابد للانصار من أن يمتحن إيمانهم كما يمتحن وفاؤهم الذي بايعوا عليه محمدا نفسه قبل شهور يسيرة في العقبة » أن تمنعونني مما تمنعون منه الاهل والولد » أي منع الخوف بالامن والجوع بالغذاء ولو إيثارا .
كان لا بد لهم من تلبية حاجة نفسية في صدورهم يستثمرون في حقلها رساميل إيمانهم فكانت عطية المؤاخاة » يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة « .
المؤاخاة حاجة مالية :
كثيرا ما يصف القرآن الكريم المهاجرين بالفقر . وفي موضع آخر ساوى بين القتل وبين الاخراج القسري من الديار . ذلك ليلفت إنتباه الانصار إلى أن هؤلاء الذين يساكنونكم مدينتكم لئن حملهم الايمان على الهجرة في سبيل الله إليكم فإنهم فقراء يحتاجون إلى المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمنكح . ذلك ليثبت ثقافة مؤداها أن الفقر الذي يستبد بالانسان بسبب إيمانه وهجرته وجهاده ليس عيبا لا بل هو شامة عالية يضوع شذاها فوق هامة صاحبها ولذلك ظل المهاجرون دوما أولى منزلة من الانصار رغم أن يد هؤلاء كانت هي العليا وهو ما جعل عطايا بيت المال في العهود الاولى من الخلافة الراشدة تصرف للسابقين من مهاجرين وبدريين بأكثر ما تصرف لغيرهم . لم يكن فقر المهاجرين لعطالة وكسالة وبطالة وتواكل لا بل كانوا من أغنياء أهل مكة من مثل أبي بكر وعثمان وإبن عوف وغيرهم كثير ولكن أفقرهم الاسلام إيمانا وإنفاقا وجهادا وهجرة . مثل أولئك ينطبق عليهم قوله عليه السلام « إرحموا عزيز قوم ذل « . وهل أذل للانسان من الفقر سيما بعد يد عليا تسخو سخاء من لا يخشى الفقر وتغضي حياء .
ذلك من جانب . أما من جانب آخر فإن الاخاء حاجة إقتصادية لما يمثله رصيد المهاجرين عددا وعدة وخبرات ومهارات في شتى الفنون التجارية خاصة ـ بحكم الوضع المكي ـ وفعلا جاء رجال من مثل التاجر الصدوق الماهر الشاطر الباهر عبدالرحمان إبن عوف عليه الرضوان رافعا شعار » دلوني على السوق » فلم تمض مدة قصيرة حتى كانت المدينة تتزلزل تحت أقدام قافلته محملة بالغذاء مما جعل القائلين يهبون مذعورين لفرط دمدمة جيش لجب يحمل للمدينة حصانا غذائيا لم تكن تحلم به ذات يوم . حين تواصل القصة تدرك أن الاضافة الاقتصادية التي من بها سبحانه على يد رجل من المهاجرين أفقره الاسلام كانت كبيرة بلغة الاقتصاديين لان الرجل تصدق بحمولة تلك القافلة بأسرها لوجه الله سبحانه فوزعت على الفقراء والمساكين ولا شك أن كثيرا منهم من الانصار .
المؤاخاة إذن حاجة مالية من وجهين : وجه عاجل يسكن جوعة المهاجرين الفقراء ولولا الجوع اليوم لعبد الله في الارض بأكثر وأحسن مما هو معبود سبحانه لا بل لولا الجوع اليوم لكانت تسعة أعشار إفريقيا السوداء إسلاما لا تجد فيه الحركات التنصيرية الخبيثة موطئ حبة خردل .
ووجه آجل مكن المهاجرين من الانخراط في العملية الاقتصادية سيما من البوابة التجارية التي يجيدونها بحكم التجربة فغنوا أنفسهم وأغنوا إخوانهم الانصار وشكلوا قوة إقتصادية مكنته عليه السلام في سنوات قليلة جدا في الخندق من عرض ثلث ثمر المدينة لغطفان حليفة قريش مقابل ثلم الحلف العسكري العربي .
المؤاخاة حاجة إجتماعية :
معلوم أن طائفتي الانصار من أوس وخزرج ظلتا على حرب لاظية مستعرة سنوات طويلة يهتبلها يهود المدينة وفق سياسة » فرق تسد » حتى أنهم كانوا يعدون لتتويج أحد زعمائهم ملكا على المدينة قبيل مقدمه عليه السلام بقليل . وهي حروب متواصلة أنهكت الطائفتين ومزقت عرى الاجتماع البشري بينهم ولم يكن المستفيد الوحيد من ذلك سوى يهود . وكان لقدوم عشرات من المهاجرين مسلكين لا ثالث لهما فإما أن يندمجوا إجتماعيا مع الانصار أوسا وخزرجا والجراحات لما تندمل بالكلية بل ستثور حتى مع الاسلام في مناسبات قادمة شأن كل إنسان غير معصوم عندما يعتريه الضعف ويستبد به الشيطان وتوارى من حوله نيران الضحك على الذقون.
وإما أن يتخذ المهاجرون لهم في المدينة أحياء قصديرية منعزلة على تخوم مساكن الانصار فينشأ مجتمعان لا أحد يضمن حتى مع الاسلام عدم نشوب حرب بينهما أو عدم وجود صلات جوار حسنة فيها الود والقربى على الاقل .
فكان مشروع التآخي بين المهاجرين وبين الانصار ـ لحمة واحدة وليس بين المهاجرين وبين الاوس أو بينهم وبين الخزرج ـ خير ضمانة لاندماج إجتماعي لا تذوب فيه الولاءات القبلية و لاتندثر المعطيات الدموية ولا تنمحي بالاسلام ـ وما ينبغي لها ولا له ـ الوشائج العشائرية ولكن تظل خير رافد للحمة الولاء الاعظم والاكبر أي الولاء للاسلام أو لله ولرسوله عليه السلام .
لو جلت ببصرك اليوم في واقعنا العربي والاسلامي بل حتى لو طوحت ببصرك بأبعد من ذلك على وجه البسيطة لالفيت أن خير ثغرة يستخدمها المستكبرون منذ قرون وعقود يتسللون منها لواذا لتمزيق الوحدات العرقية والدينية واللغوية والوطنية هي ثغرة الاقليات .
كان مشروع المؤاخاة خير بلسم لداء الاقليات التي تسعى بواعز الفطرة حتى لو ذهب داعي المصلحة إلى حفظ مصالحها الخاصة ولو على حساب قيمها أو سرقة ثروة الاغلبية وبالنتيجة فإن كل رقعة من الارض لا تنبسط فيها الاقليات وفق قاعدة المؤاخاة الاسلامية أو الانسانية العامة ستظل دوما بؤرة نزاع وثغرة دون حارس للانقسامات المدمرة .
والمهاجرون حتى مع إشتراكهم مع الانصار في الاسلام فإنهم يحنون دوما إلى روابطهم العشائرية القديمة وحق لهم ذلك لان الاسلام لم يأت حركة تدميرية لماضي الانسان ـ الماضي الذي لم يختره الانسان ـ من مثل اللون والعشيرة والنسب والحسب والانتماء القبلي . ولذلك ظل عليه السلام ينادي الناس بقبائلهم حتىبعد إسلامهم وحين يريد تشجيع قوم على الرمي مثلا يذكرهم بأن أباهم كان راميا ولم يكن أباهم مسلما ولا عاش في الاسلام أصلا . وظل يحن إلى مكة ويبكي و لاينهى الشعراء عن إثارة الحنين بشعرهم إلى مكة بعد أن تتخضل اللحى بدموع حب الوطن الهطالة كمطر سحاء سوى خوفا عليهم أن يقتلهم الحنين تماما كما خاف يوما على القوارير من طرب الحادي يغذ السير بالرواحل أن تدركها هواجر القواليل أو تؤخرها عن غدوة سحر .
المؤاخاة حاجة سياسية :
هي حاجة سياسية في إتجاهين داخلي وخارجي .
أما داخليا فلتوطيد عرى الولاء السياسي الاسلامي بين قبائل من الانصار كانت متحاربة من جهة وبينها وبين المهاجرين الذين لا يشتركون معهم سوى في الولاء الاسلامي وذلك على نحو يجعل من المسلمين بأسرهم في المدينة كيانا سياسيا إسلاميا له قائده وثقافته وماله ومصالحه ولتوضيح ذلك أذكرك ـ إن كنت توافقني ـ بأن الخلافة العثمانية رغم كل الاسقام التي أصابتها في آخر أيامها والادواء التي إخترمتها كانت تلبي حاجة سياسية في الامة بأسرها وهي حاجة الوحدة أو التوحد أي الشعور ـ ولو شعورا ـ من كل مسلم بأنه يرتبط بكيان إسلامي سياسي يضمن له وحدته الرمزية مع باقي إخوانه المسلمين . وحتى تدرك ذلك بمنهج المقابلة كما يقال أو منهج المقارنة فما عليك سوى رصد حالة التشرذم الاسلامي إلى شظايا لايكاد يربط بينها شئ سيما بعد دخول عوامل خارجية عديدة ليس هنا محل بسطها فحالة التشظي من لدن المسلمين اليوم ضمن دويلات عربية أو غير عربية إربتطت في السابق كل واحدة منها بالدب الروسي أو الاخطبوط الرأسمالي ثم إلى نار العولمة والصهيونية حديثا هي حالة تفكك لم يتعرض لها الاسلام في تاريخه الطويل أبدا . والتوحد في الاسلام مقدم دوما على التفرق حتى في أشد حالات الضعف والهزال . فمن قدم التفرق ولو بإسم الاعتصام بالحق على خلفية كون أخيه على عشر حق أو على باطل تماما فقد قدم لنفسه ثم لاخيه الانتحار على نار هادئة .
كان لابد إذن للمسلمين في المدينة بأسرهم من رمزية وحدوية إسلامية سياسية تشعر كل واحد منهم بأنه جزء لا يتجزأ أو عضو في جسم إسمه الاسلام وأيسر سبيل لذلك وأقربه هو إعلان حركة المؤاخاة بينهم .
أما في إتجاه الخارج فلانه عليه السلام يخطط لجعل رسالته عالمية كما أمر بذلك » وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » » الحمد لله رب العالمين » قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس « ….
كان يعلم أن أمامه عقبات كبيرة جمة ومنها عقبة يهود التي تساكنه وتؤاكله وتشاربه وتنادمه وتجالسه لا بل حل عليها ضيفا ثقيلا بكل المقاييس والموازين في حساب تلك الطائفة التي يعلم هو عنها عليه السلام بأنها طائفة عنيدة تتمترس وراء وحدتها وقوتها المالية وتدس المؤامرات دون حساب في دسم الجسم الذي تعيش فيه ويعيش فيها .
كما كان يخطط عليه السلام لهداية مكة وضمان عودة آمنة لهؤلاء المهاجرين ولو بعد عقود طويلة وهو في كل ذلك يرقب قبائل عربية أخرى وروما وفرسا تطبقان على الجزيرة العربية وبالخلاصة واقعا معقدا مركبا عليه حسن فهمه وإستيعابه ثم حسن إسداء الدعوة إليه ثم حسن تحييده لمن رفض الاسلام ومحاربة من يصد حركة الدعوة .
كان يفكر في كل ذلك وهو يعلن مشروع المؤاخاة بين المهاجرين والانصار ليبدأ في ذلك المشروع العالمي الدولي الكبير منذ تلك اللحظة وليس يجب أن يكون ذلك في عرف فقهاء التغيير والاصلاح وهو عليه السلام إمامهم طرا معلنا بين الناس بل هو من المسكوت عنه في السياسة والسياسة الشرعية ولكن تفصح عنه الخطوة المناسبة له في حينها وإبانها .
حركة المؤاخاة الداخلية إذن إلى جانب رسائلها الماضية تبعث برسالة أخرى إلى قريش المتربصة أساسا وفي الان ذاته إلى يهود المدينة : أربع قبائل كبرى تقتسم مال المدينة وحسبها ونسبها وتستأثر بالمشروعية فيها … رسالة إلى أولئك جميعا في خطوة أولى قبل الروم مفادها أن الدين الجديد ينوي إقامة دولة وحضارة لحمتها ما تعرفون من توحيد ونبذ شرك وسداها حركة المؤاخاة التي ترونها ماثلة بين أعينكم . الرسالة إلى قريش تضيف إلى ذلك بأن أولئك المحرومين المطرودين لئن إستوليتم على دورهم وأموالهم فإن الله عوضهم خيرا من ذلك وذلك يطامن من غلواء يهود وقريش في الان ذاته لمن كان منهم له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أما الاحمق الطائش فتأكله نيران الحرب وتلقي به بعيدا .
لا شك أن اليهود وقريشا وغيرهم كثير تلقوا الرسالة بأقصى حدود الاستيعاب ولو كانوا يعتقدون للحظة واحدة بأن محمدا عليه السلام إنما جاء فارا بدينه هاربا بجماعته الصغيرة لا يريد إعلان دولة ولا إنشاء حضارة ولا تشييد عالمية إسلامية جديدة بعد رسالة عيسى عليه السلام … لو كانوا يعتقدون بأنه عليه السلام يكتفي بتمر المدينة وبأموال التاجر الشاطر إبن عوف ويرضى برقعة أرض صغيرة في المدينة لا شأن له بقريش ولا بيهود ولا بأي إنسان فوق البسيطة فيما وراء البحر وبعد المحيط الهادر … لوكانوا يعتقدون ذلك لما أزعجتهم حركة مؤاخاة داخلية بين أصحابه ولما أزعجهم وجوده أصلا .
المؤاخاة حاجة ثقافية :
حاجة ثقافية فكرية موجهة لهم يومها أي للمسلمين وغيرهم ولكنها موجهة إلينا نحن اليوم لحما ودما مؤداها أن الايمان رساميل لا تصلح للتجميد الذي يفسدها ولو بعد حين ولكن تصلح للاستثمار وأن أخصب حقل إستثماري لتلك الرساميل هو حقل المؤاخاة . مؤاخاة بين الناس جميعا على أساس وحدة المصدرية الالهية » الذي خلقكم من نفس واحدة » وكذلك وحدة
الرسالة » وما خلقت الانس والجن إلا ليعبدون » ووحدة المصير » كل من عليها فان » . مؤاخاة بين الناس جميعا فيما لم يختاروا من معطيات » الناس سواسية كأسنان المشط » . ولذلك نسب سبحانه أخوة كثير من الانبياء المرسلين إلى أقوامهم في أثناء بعثتهم والاقوام مازالت على شركها في مثل حالة » وإلى عاد أخاهم هودا » وكذا صالح لثمود عليهم السلام جميعا . كيف يمكن أن تلفت على كلمة الاخوة هنا لتصرفها حيث يرضى هواك متجاوزا حقول التأويل الثلاث : اللغة والدين والعرف ؟
مؤاخاة بين أهل الكتب السماوية وهي مؤاخاة وصلت حد الود للمسالمين منهم سواء عبر إتاحة النكاح منهم أو عبر قوله » لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين « .
مؤاخاة بين المؤمنين برسالة الاسلام » إنما المؤمنون إخوة « .
أجل لك مطلق الحق أن تقول بملء فيك بأن أغلظ عرى الاخوة طرا مطلقا بين الناس هي أخوة الايمان على أساس الاسلام ولكن ذلك مشروط بأمرين أولهما عدم إعلان العدوان على المسالمين من بقية الاديان والناس عامة حتى غير المنتسبين منهم لاي دين إلا ظالما لك أو لغيرك وثانيهما عدم إلغاء دوائر المؤاخاة الاخرى ويكفي دائرة أخوة الايمان الاسلامي حاكمة على كل تلك الدوائر دون عدوان .
المهم في ذلك كله هو أن المؤاخاة ثقافة يريد عليه السلام زرعها بين المسلمين يومها وبيننا نحن اليوم لحما ودما إذ هم ليسوا بأولى منا بذلك وهي ذات الثقافة الفكرية التي يريد تعليمها للناس كافة في صورة مرغبة لهم في الاسلام الذي يجب كل الروابط القديمة والحديثة كلما وجد في المجتمع فقير أو مسكين أو محتاج حتى وصل الامر إلى إستئثار الوحي ـ قرآنا وليس حتى سنة ـ بقسمة المال بين الناس في أنصبة الصدقات الثمانية في سورة التوبة فضلا عن أصحاب الحقوق الثمانية في القرآن الكريم .
المؤاخاة إذن حاجة ثقافية فكرية تعلم الناس أجمعين مسلمين وغيرمسلمين بأن الايمان فقير أشد الفقر إلى المؤاخاة بين الناس أجمعين سيما بين أهله المنتسبين إليه وأن المؤاخاة بما هي عمل صالح كبير عظيم يشد إزر الايمان ويجعل ثمرته يانعة ناضجة ودون ذلك نباح كلاب ونقيق ضفادع .
المؤاخاة حاجة ثقافية فكرية تعطي للايمان معناه وصورته وحجته وطعمه ولونه الذي جاء ليصبغ به الدنيا . المؤاخاة لغة التخاطب الاجتماعي بين الناس .
2 ــ كيف السبيل اليوم إلى عقد مؤاخاة جديد يقوم عليه إيماننا وينصلح به عملنا ؟
ذلك هو أكبر سؤال مطروح على كل مسلم ومسلمة اليوم سيما على من سماهم عليه السلام الرواحل التي أفاد حديثه بندرتها في كل زمان » الناس كإبل مأئة لا تكاد تجد فيها راحلة « .
لا يزعم الانسان الظفر بجواب صحيح صريح سريع لوحده على سؤال كبير مثل هذا .
ولكن حسبي أن أشير هنا إلى أنه » لا يصلح آخر هذه الامة إلا بما صلح به أولها » كما قال أحد العظماء وإن إختلف الناس في إسمه من مالك إلى غيره عليهم الرضوان والرحمة أجمعين ولا يجدينا وقت نضيعه بحثا عن القائل كلما كان المقول محكما وهو كذلك .
صلح أول هذه الامة بثلاثة أعمال كبرى هي : المسجد والمؤاخاة والدستور .
ولامناص لنا اليوم سواء كنا مهاجرين ظاعنين أو مقيمين من ذلك .
حركة المؤاخاة التي نحتاجها اليوم تقوم على الاسس التالية :
1 ــ مصالحة بين كل فصائل الامة وخاصة العرب وغير العرب والسنة والشيعة والصوفية والسلفية .
2 ــ مصالحة بين الاديان في الامة وخاصة بين المسيحيين والمسلمين ليس على أساس إلغاء الفروق بينها فضلا عن حركة دمج مشوهة ولكن على أساس الاعتراف المتبادل والحوار . 3 ــ مصالحة بين الاتجاهات الكبرى في الامة وخاصة الاسلاميين والعلمانيين
4 ــ مصالحة بين الحكام والشعوب
كما تقوم حركة المؤاخاة تلك على المعاني التالية :
1 ــ تجفيف منابع الاختلاف حين يؤدي إلى الاحتراب المادي أمنيا أو عسكريا أو تخطيطا
2 ــ تأطير الخلاف الثقافي والفكري والسياسي ضمن دواليب الحوار العلمي الهادئ
3 ــ التفرغ لخدمة القضايا محل الاتفاق أو شبه الاتفاق
4 ــ التفرغ لصد العدوان الخارجي كل مما يليه مقاومة مسلحة أو فكرية أو سياسية أو إقتصادية
5 ــ إتاحة حرية التفكير والاجتهاد دون مس بالمقدسات العقدية والدينية ولا بالاشخاص والهيئات
مؤاخاة يغذيها قوله » والصلح خير » من جهة وقوله » وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين » من جهة أخرى .
مصالحة لا تلغي الاختلاف من جانب ولا تزهد في نسج كل عروة توحد حول المتفق عليه مهما كانت هزيلة وبأقصى ما يمكن من عض النواجذ من جانب آخر.
مؤاخاة ومصالحة مؤطرتان بقوله علي كرم الله وجهه لعامله إبن الاشتر » إعلم أن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق « .
والله تعالى أعلم
والسلام
الهادي بريك / ألمانيا
أحداث بنغازي .. انعطاف في صراع الأجنحة؟
رشيد خشانة – تونس
« لو جرت أحداث بنغازي في طرابلس (العاصمة الليبية) لما اختلفت نتائجها وتداعياتها عن أحداث أكتوبر 1988 في الجزائر ».. هكذا وصف خبير في الشؤون الليبية أكبر هزة عرفتها البلاد منذ سنوات وكان منطلقها الإحتجاج على الرسوم المسيئة للرسول محمد.
لكن المظاهرات التي اندلعت شرارتها يوم 17 فبراير الجاري واشتد عنفوانها في الأيام الموالية ليلتهم لهيبها ثلاثين مبنى أغلبها في وسط المدينة، اعتُبرت الجبل العائم من الصراع بين جناحين في الحكم على نحو نقل المناكفة القديمة من تحت خيمة العقيد القذافي إلى الشارع.
وكان لافتا أن الإيطاليين، وهم أعرف الأوروبيين بالشأن الليبي، بادروا إلى إعطاء هذا التفسير للأحداث ليس على لسان إعلامي أو باحث أكاديمي وإنما بصوت رئيس مجلس الشيوخ مارتشيلو بيرا الذي أطلق جملة لا تخلو من المنطق عندما صرح لصحيفة « كورييري ديلا سيرا » بأنه لا يعتقد أنه « من الممكن في ليبيا كما في سوريا أو إيران أن تُنظم مظاهرة حاشدة من دون أن يكون مسؤول كبير في النظام على علم بذلك ».
أكثر من ذلك اعترف بيرا للصحيفة أن توجهاته « تُعاكس الجهود الديبلوماسية الحكومية »، مما يعني أن الحكومة قد تشاطر تحليله للوضع لكنها محمولة على التعاطي معه بلغة ديبلوماسية لأن ثلاثين في المائة من حاجات إيطاليا إلى المحروقات مرتبطة بليبيا.
غير أن تفكيك المشهد الليبي بعد الأسبوع الدامي يومئ إلى وجود مسارين متوازيين التقيا في لحظة الهجوم على القنصلية الإيطالية في بنغازي، ويمكن أن يفترقا لاحقا.
فما من شك بأن استفزازات وزير الإصلاحات الإيطالي المستقيل روبرتو كالديروني، الذي وعد بتوزيع قمصان عليها رسوم الكاريكاتير الفضائحية، هي التي ألهبت مشاعر الليبيين فلم يرتضوا السكوت عليها وهبوا إلى القنصلية الإيطالية. لكن ما كان للتيارين المتصارعين في هرم السلطة أي الداعين لليبرالية اقتصادية وانفتاح سياسي من جهة والمتشبثين بإحكام قبضة « اللجان الثورية » على النظام من جهة ثانية، أن يتفرجا على حركة شعبية بهذا الحجم. ومع افتراض أنهما فعلا كذلك فإن حجم التحرك كان يقتضي سرعة التعاطي معه من زاوية استثماره لقلب الوضع على الطرف المقابل.
سير الأحداث
في البدء انطلقت جماهير حاشدة في بنغازي بعد صلاة الجمعة في مسيرة لم تختلف عن المسيرات التي نُظمت في سائر العالم الإسلامي احتجاجا على الإساءة للرسول الأكرم. وكان واضحا أن اللجان الثورية في المدينة هي التي نظمت المظاهرة احتجاجا على تصريحات الوزير الإيطالي إلا أن الوضع خرج عن السيطرة بمجرد أن بدأ عناصر من « رجال الدعم المركزي » في استفزاز المتظاهرين مما حملهم على الرد فتصاعدت الملاسنات وتحولت إلى اشتباكات، خاصة مع المحاولات المستميتة لاقتحام القنصلية الإيطالية في وسط المدينة، وفعلا تمكن شاب في الخامسة عشر من عمره من الصعود إلى سطح المبنى وانتزاع العلم الإيطالي، فما كان من الشرطة إلا أن أطلقت عليه النار وعندها التهب الموقف وخرج عن السيطرة. وسرعان ما استخدمت قوات الدعم المركزي القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، وأسفر إطلاق النار على الصدور إلى سقوط أحد عشر قتيلا ومئات الجرحى.
وأفاد تقرير خاص نشرته صحيفة « القدس العربي » اللندنية أن رجالا يرتدون ملابس مدنية بعضهم مقنَع يُـعتقد أنهم أعضاء في « اللجان الثورية » وأجهزة الإستخبارات شاركوا في إطلاق الرصاص، إلا أنهم لم يتمكنوا من تفريق المتظاهرين الذين أضرموا النار في الطابق الأول من القنصلية.
واستمر الوضع خارجا عن السيطرة في الأيام الثلاثة الموالية إذ عاد المتظاهرون يوم السبت لإضرام النار في الطابق الثاني من القنصلية ومقر الإتحاد الأوروبي، لكن الأحداث اتخذت وجهة أخرى باستهداف مباني رسمية وخاصة تلك التي ترمز للقمع والمعاناة الطويلة من قبضة رجال الحكم.
وبين السبت (18 فبراير) والإثنين (20 فبراير) أحرق المتظاهرون أربعة مراكز للشرطة ومبنى المباحث الجنائية واقتحموا مديرية أمن بنغازي وحرقوا مبنى الضرائب وبنك الوحدة ومبنى صندوق الضمان الإجتماعي. وقُدَر عدد المباني الحكومية التي أُضرمت فيها النيران بنحو ثلاثين مبنى، مما يدل على حجم الأحداث التي شابهت ما عرفته بلدان المنطقة خلال انتفاضات سابقة وبخاصة مدينة الجزائر العاصمة في أكثوبر من عام 1988.
تطويق الحريق
عند هذا الحد باشرت دوائر الحكم ضبط الوضع ومنع مزيد إفلاته من السيطرة باتخاذ إجراءات سياسية للتهدئة وأخرى أمنية لتطويق الحالة في بنغازي، فاعتبرت ضحايا المظاهرات « شهداء من أجل نصرة الله ورسوله » وعزلت وزير الأمن العام نصرالمبروك وأحالته إلى التحقيق وفصلت المسؤولين الأمنيين في بنغازي وأرسلت سبعة من الجرحى في المصادمات على متن طائرتين خاصتين إلى الخارج للعلاج.
وفي الشق الأمني، حالت دون تنظيم جنازة مهيبة للضحايا خشية تنظيم مظاهرات جديدة واستقدمت الكتائب التي كانت متمركزة في الجبل الأخضر ومن بينها كتيبة يقودها العقيد الساعدي معمر القذافي، لحماية المواقع الإستراتيجية في المدينة، وأعلنت الإذاعة عن تطبيق قانون الطوارئ وفرض حظر التجوال على السكان.
وتشابكت على خلفية تلك الأحداث مسارات واستراتيجيات، متقاطعة حينا ومتباعدة أحيانا أخرى. فإذا كانت إيطاليا غاضبة مما تعرضت له قنصليتها إلا أنها تدرك أن عليها أن تسيطر على ردود فعلها كي لا تتأثر المصالح الواسعة لمجموعاتها العاملة في ليبيا وفي مقدمتها مجموعة « إيني » النفطية العملاقة.
والجناحان المتنافسان داخل الحكم ماضيان في المناكفة لكن إلى حد، والخط الأحمر هو زعزعة المصالح الكلية للحكم. ولذلك جاء فرض حالة الطوارئ لمنع وضع مصير النظام برمته في الكفة. وبرز هنا موقف جناح سيف الإسلام النجل الأكبر للعقيد القذافي الذي حرص على استثمار الأحداث لتعزيز مواقعه والتخلص من رؤوس الجناح المقابل، وهي العملية التي بدأت بعزل نصر المبروك وربما تُستكمل بتدابير أخرى.
وكانت تصريحات سيف الإسلام الإيجابية تجاه المتظاهرين والتي نقلتها صحيفة « العرب » الصادرة بلندن والقريبة من والده، مؤشرا قويا على السعي لامتصاص الغضب العارم على النظام وتجييره لصالح التيار الذي يُنعت بالإصلاحي.
التقاء المصالح .. وافتراقها
من هنا يبدو خط الفصل في تداعيات الأحداث الأخيرة مُتطابقا مع السهم الفاصل بين أنصار النظام وخصومه، إذ تلتقي مصالح الجناحين المتصارعين داخل خيمة الحكم في مواجهة حركات المعارضة التي ترمي لتقويض النظام، إلا أن لقاءها لا يمحو آثار الصراع على المواقع الذي جسدته سرعة تنحية نصر المبروك من وزارة محورية، فيما رئيس الوزراء شكري غانم المقرب من سيف الإسلام ماض في تنفيذ خطة الإصلاحات الإقتصادية، والتي اتخذت وجهة سياسية في الفترة الأخيرة بتواتر الحديث عن مكافحة الفساد، وبخاصة بعد الإعلان عن تشكيل لجنة متخصصة في هذا الأمر وإن لم ترشح عنها معلومات كثيرة.
ومن غير المستبعد أن يستثمر أحد الجناحين نتائج التحقيق الذي يباشره النائب العام محمد المصراتي، الذي انتقل إلى بنغازي غداة المظاهرات لإجراء تحقيقات ترمي لتحديد المسؤوليات عما جرى.
ومن المتوقع أن تكون الإستخلاصات وقودا لتأجيج الصراع بين أركان الحكم على خلفية التجاذب الشديد الحالي، خصوصا أن مهمة المصراتي واضحة وتتلخص بمعرفة ظروف استخدام قوات الأمن الرصاص الحي ضد المتظاهرين. ويمكن التكهن منذ الآن بمن سيدفع الضريبة السياسية لذلك العمل، الذي يوصف في العالم العربي عادة بكونه « تجاوزات »، من أجل امتصاص النقمة وحالة الذهول الشعبية من عنف الرد الأمني على المظاهرة التي بدأت سلمية.
وعادة ما تشكل أحداث بهذا الحجم ضربة لقوى التشدد، إلا إذا كان العقيد القذافي سيكتفي بعزل المبروك ويفرمل أي إجراءات عقابية أخرى اعتقادا منه أنها ستُخلخل توازنات حكمه مستفيدا من ميوعة الموقف الغربي من مسألة الإصلاحات في ليبيا، وخاصة في ظل تداعيات فوز « حماس » بالإنتخابات الفلسطينية.
توجس من بنغازي
غير أن التيار المتشدد استفاد من الأحداث الدامية ليبرهن على صحة تحذيره القائل بأن أي نسمة انفتاح ستثير عاصفة من الأمواج الخارجة عن السيطرة وتقود إلى انقلاب سفينة الحكم بمن فيها.
ولم يكن من باب الصدفة إطلاق شائعات في هذه الفترة مفادها أن الساعدي (32 عاما) النجل الأوسط للعقيد القذافي مؤهل أكثر من سواه لتولي مقاليد الحكم، بعدما تراجع ولعه بكرة القدم، إذا ما حصل فراغ على رأس الدولة. وأشار المروجون لهذا السيناريو إلى أن الساعدي يحمل رتبة والده العسكرية (عقيد) وكان تخرج في كلية الهندسة العسكرية نقيبا في أواخر التسعينات ثم منحه صديقه الملك عبد الله الثاني رتبة عقيد مهندس في عمان في صيف 1999.
ويحتفظ « المهندس » كما يحب أن يسميه الليبيون بعلاقات متينة مع الملك محمد السادس وولي عهد الأردن الأمير حمزة بن الحسين وأمراء آخرين في السعودية والخليج وأوروبا، ولديه مصالح واسعة في إيطاليا بوصفه المشرف على مؤسسة الإستثمار الليبية في الخارج، مما يبوئه موقع المنافس لشقيقه سيف الإسلام.
مع ذلك يبدو أن جميع المرشحين لخلافة القذافي ومراكز القوى في الحكم عموما، تتوجس من تداعيات أحداث بنغازي لاعتبارات مناطقية واضحة، فبنغازي هي بؤرة الحركات الإسلامية التي حملت السلاح ضد النظام والتي لاقت القوات النظامية صعوبات جمة في السيطرة عليها.
وهي كانت قبل ذلك موطن الإنتفاضات الطلابية التي استهدفت نظام العقيد القذافي في السبعينات والتي بلغت ذروتها سنة 1976 عندما نُصبت المشانق للطلاب وتُركت جثثهم تتدلى من الأعواد ردا على المظاهرات التي أُضرمت خلالها النيران في مبنى « الإتحاد الإشتراكي » (التسمية التي كانت تُطلق آنذاك على الحزب الحاكم).
وتتسم المنطقة بحجم الغضب المنتشر بين أهلها بسبب الشعور بالإهمال الذي طفا على سطح الإعلام الدولي بمناسبة قضية الأطفال الذين قضوا في مستشفى المدينة بسبب استخدام حقن ملوثة بالإيدز، وهي القضية التي مازالت تداعياتها تُسمَم العلاقات الليبية مع بلغاريا واستطرادا أعضاء الإتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة.
وهي أيضا المدينة التي لا تنفك نخبتها الإعلامية والثقافية تُظهر العداء للحكم أسوة بالمقالات التي كان الصحافي الراحل ضيف الغزال يبثها على شبكة الإنترنت ضد الفساد، قبل أن تعتقله ميليشيات « اللجان الثورية » في السنة الماضية وتُصفَيه مُمثلة بجثته كأبشع ما يكون التمثيل.
(المصدر :موقع سويس إنفو بتاريخ 27 فيفري 2006)
مسألة الدين والمجتمع والدولة في أُفقٍ جديد
رضوان السيد (*)
يثير صعود حركات الإسلام السياسي مشكلات كبرى في مسألة أساسية هي المتعلقة بعلائق الدين بالدولة، وقبل ذلك الدين بالمجتمع. فهناك ميولٌ جارفة لدى الجمهور المسلم لاستدخال القيم والمبادئ والأحكام والممارسات التي يعتبرها من مقتضيات الإسلام في قوانين الدولة وممارساتها. وقد تبلورت لهذا الاستدخال صيغتان حتى الآن، إحداهما في الاسلام السني والأخرى في الإسلام الشيعي. في الإسلام السنّي المعاصر هناك حديثٌ كثير عن نظرية الحاكمية (المودوي + سيد قطب)، وفي الإسلام الشيعي هناك تطبيق دستوري وفعلي لرؤية ولاية الفقيه. وقد حاول فريقا «الإحياء الإسلامي» السنّي والشيعي تأصيل الرؤيتين إذا صح التعبير بإعادتهما الى القرآن والسنة ونظرية الإمامة ووظائف الفقيه في غيبة الإمام. أما الواقع فهو أن الرؤيتين أنتجهما الإحياء الإسلامي في الظروف والسياقات التي ظهر فيها وتطور.
فالفقهاء الشيعة (الإمامية على الخصوص) في ما بعد القرن الرابع الهجري كان همهم الرئيس ايجاد مجال مستقل عن السلطة السياسية أياً كان انتماؤها الاسمي أو الرمزي (سنية أو شيعية)، ولذلك لم يروا حاجة للبحث في «الولاية العامة» للفقيه أو وكيل الإمام – إذ المقصود كان التمكّن من الاستقلال بإدارة «الشؤون الخاصة» للجماعة الشيعية من دون ازعاج من الدولة، لأنهم من طريق «التقية» لا يدخلون في صراع معها من جهة، وتأمنُهم هي من جهة أُخرى.
والفقهاء السنة الذين لم يستتب لهم تنفُّذ إلا بعد القرن الخامس الهجري كانت عندهم ثلاثة هموم: اعتبار الأمة (وسلطتها السياسية) في حالة شرعية كاملة لكي تستقيم حياة الناس وعقودهم ومعاملاتهم، ولذا كان لا بد من الضغط على الدولة للالتزام العام بالاسلام. والأمر الثاني: الاستئثار أو الاستقلال بالسلطة التشريعية باعتبارهم الممثلين «الوحيدين» للشريعة، وإن ظلوا موضع خصومة من أجل ذلك. والأمر الثالث: القول بفصل (أو لنقل: تمايز) بين الفقه والسياسة أو الأدق بين السلطة الدينية والسلطة السياسية. وفي ما عدا الأمر الأول (حالة الشرعية) ظلت هناك مسائل مشكلة في الأمرين الآخرين. لكن كما هو واضح ما كانت لدى الفقهاء أو أهل الشريعة دعوى بضرورة الاستيلاء على الشأن السياسي، لكي تكون الدولة إسلامية.
وهكذا ليس في التجربة التاريخية للسنّة أو الشيعة ما يشير الى إمكان تأصيل رؤيتي الحاكمية وولاية الفقيه، على رغم المحاولات المستميتة من الاحيائيين لإثبات ذلك في العقود الأخيرة. على أن القول بسواد الرؤيتين لا يعني أنه ليست هناك رؤى أو اجتهادات أخرى لإعادة تنظيم العلاقة بين الدين والدولة في الحاضر والمستقبل. هناك لدى تقليديي أهل السنة الجدد الرؤية القائلة عملياً باستمرار الفصل أو التمايُز بين الشأنين الديني والسياسي، بحيث يُفهم الأمر بطريقة وظيفية: يعمل الفقهاء ورجال الدين (العلماء) في المجالين الشعائري والأخلاقي، وتُمارس الدولة الوطنية سلطاتها في سائر المجالات الأخرى. لكن حتى هذا الأمر ما عادت الدولة مسلِّمة به. فقد انتزعت من الفقيه صلاحياته التشريعية بالقوانين الحديثة التي تشترعها مجالس النواب، وانتزعت منه من قبل استقلاليته المادية بالاستيلاء على الأوقاف والمدارس والمرافق الأخرى. وحتى التعليم الديني ما عاد رجل الدين ينفرد (بل وأحياناً لا يشارك) بالتخطيط له، وإنفاذه. والمسائل الأخلاقية شديدة التعقيد، وبسبب استتباع المؤسسة الدينية من جانب المؤسسة السياسية لدى أهل السنّة المحدَثين والمعاصرين، تقوَّت مرجعية الإحيائيين في الملف الأخلاقي أيضاً. وهكذا فمطامح التقليديين القدامى والجدد متواضعة، وهي مريحة للسلطات السياسية، لكنها حتى في تواضعها ما عادت مسلَّمة لهم، ولا تحل الاشكالات الراهنة والمتراكمة.
ولدى السنّة كما لدى الشيعة فئات مدنية وعلمانية لا تزال تقول منذ عقود بالفصل القاطع بين الدين والدولة، وترى ان سياسات السلطات المراوغة هي التي قوّت الأصوليين. والواضح ان هذا «الاجتهاد» إذا صح التعبير، يتجاهل الواقع الهائل للصحوة الدينية المتصاعدة. لكن لدى الشيعة تقليديوهم أيضاً. وهؤلاء يرون ان الوضع السابق عند الشيعة والقائم على استقلال المؤسسة الدينية (المتشكلة من مراجع تقليد عدة) عن المؤسسة السياسية هو الوضع المثالي، والذي ينبغي التمسك به في وجه الولاية الشاملة للفقيه الأوحد (مثل وحدانية الإمام). وقد يكون لهذا التصور مستقبل في الأوساط الإصلاحية والمتنورة. فهو يُطلُ على التصورات المعاصرة للمجتمع المدني المتعدد القوى، والذي لا ينحصر أو يتحدد بالسلطة السياسية. أما الواقع الآن فهو ان الوليّ الفقيه (الذي يستأثر بالسلطة في إيران وهي الدولة الشيعية الوحيدة في العالم) يحظى بشعبية كبرى. ثم ان التصور التقليدي يعتمد على إلزامية تقليد واحد من أربعة أو خمسة في سائر العالم الشيعي، والأمور الآن جارية على غير هذا النحو، إذ لا يبدو أن لفقه التقليد مستقبلاً كبيراً لدى الشيعة أيضاً.
لنعد إذاً الى التصورين السائدين لدى الإحيائيين المتكاثرين: تصور الحاكمية التي لم تتحول بعد الى «صيغة» أو «أسلوب» حُكم بعد. وتصور أو صيغة ولاية الفقيه لدى إحيائيي الشيعة. يقوم هذان التصوران على طابع ديني غلاّب على الدولة في المسائل الرمزية والشعائرية. أما المسائل الأخرى ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فقد صدرت فيها من جانب الإحيائيين عبر العقود الماضية كتابات كثيرة جداً توضِّح أو تُميز ذاك «الطريق الثالث». لكن باستثناء ما يُعرف بالبنوك اللاربوية أو الإسلامية، ظلت الرؤى خليطاً من الأدبيات الرأسمالية والاشتراكية التي تستميت في البحث عن مميزات وتأصيلات. ولست أقصد هنا الى نقد ذلك أو إدانته، فقد يكون أمراً جيداً استمرار الإصغاء الى الأخلاقيات الإسلامية المناهضة للربويات والاحتكارات والاستغلال. لكن الفكر الاقتصادي الإحيائي ليس فكراً تنموياً. واعتبار الأسهم تجارة مشروعة، لا يشكل برنامجاً تنموياً.
بيد ان الخلل الرئيس في الفكر الإحيائي الإسلامي الغياب الواضح لمفهوم المواطنة فيه، أو ضعفه، بما يعنيه من تمييز بين الناس على أساس الدين. ثم هناك مسألة الفصل بين السلطات، وضعف وظائف الانتخابات والاقتراع، وسط اعتبار تأييد السلطة الإسلامية أو الولاء لها «تكليفاً شرعياً»!
وقد يكون صحيحاً ما يذكره مراقبون كثيرون من أن تجربة الحكم أو المشاركة في السلطة ستعدل من رؤى الاسلاميين وبرامجهم. لكننا على مشارف نهاية حقبة طويلة ومؤْسية استمرت لعقود عدة. افيكون علينا أن ننتظر نهايات مخاض آخر لعقد أو عقدين بانتظار نضج التجربة الجديدة؟!
وعلى أي حال فإن الحقبة السابقة لم تفلح في حل المشكلات الكبرى أو المتوسطة الحجم، وهذه أعباء تُضاف على عاتق المرحلة الجديدة ورجالاتها. والأمر الآخر والأخير ان الجمهور مع الاسلاميين وتوقعاته كبيرة. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(*) كاتب وأكاديمي لبناني
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 فيفري 2006)
« الأمير »: قصة حب مستحيل من تونس الزمن الراهن
المغرب – طارق اوشن
ثلاث شخصيات وثلاث قصص متشابكة يجمعها الحلم بغد أفضل والرغبة الدفينة في التحرر من قيود المجتمع التونسي الصارمة في العلاقة بين الأفراد من جهة، وبين الأفراد والوطن من جهة أخرى. عادل ودنيا ورؤوف يشكلون أساس البناء الدرامي لشريط «الأمير» في علاقاتهم البينية وعلاقاتهم مع نماذج أخرى من صميم مجتمع تونس المعاصر. و»الأمير» شريط من إنتاج فرنسي تونسي مغربي مشترك ساهمت القناة الثانية المغربية في تمويله، وهو من إخراج محمد زرن. لنستعرض القصص الثلاث بداية قبل البدء في تحليل الخطاب الفيلمي الذي سعى المخرج إلى تمريره.
عادل شاب تونسي يشارف الثلاثينات من عمره، يشتغل في إحدى محلات بيع الورد في شارع بورقيبة،القلب النابض للعاصمة تونس وملتقى كل النماذج البشرية المكونة لنواة مجتمع تونسي هجين. كانت حياة عادل سائرة برتابتها المعهودة حتى لقائه بدنيا، المرأة التي سحرته من أول نظرة وتحولت إلى هاجس حقيقي يقض مضجعه بل إلى نوع من الهوس الحاد الذي غير كثيراً من طبائع يومياته وعلاقاته مع مشغله وأصدقائه وأهله. ولأن الحب أعمى، كما يقال، انغمس عادل في دوامة لعبة تمكنه من لقاء «حبيبته» من دون علم منها بحقيقة مشاعره، حيث اختار التفنن في تركيب باقات الورد وحملها إلى مكتبها في المؤسسة البنكية حيث تشتغل بداعي كونه مرسلاً من شخص لا يود الإفصاح عن نفسه. اللعبة امتدت لأيام وأيام قبل أن تؤثر فعلياً في علاقة بطلنا بمشغله ما حذا بالأخير إلى طرده من العمل. عندها عاد عادل إلى رتابة حياتية أقسى، اكتشفنا خلالها توتر علاقته بأخته الطامحة للتحرر، وجفاء علاقته بالأم والوالد رغم الحب الذي يكنانه له ككل الآباء والأمهات. لكن الاكتشاف الأكبر يتجلى في وضعية الشباب التونسي ومعاناته الكبيرة مع البطالة والأزمات الاقتصادية التي طبعت الاقتصاد التونسي وجعلت أبناءه يفكرون في الهجرة إلى الخارج أملاً في غد أفضل. والهجرة تهم الكبار والصغار وأيضاً الذكور والإناث اللائي ألفن بيع أجسادهن في إيطاليا بعد لفظ المجتمع المحلي لهن.
بارقة أمل
لكن الشباب التونسي الموزع، حسب الشريط، بين الحانات واستراق لحظات المتعة الجنسية مع العاهرات بين حين وآخر لا يزال في دواخله متشبثاً ببارقة أمل في تحسين أوضاعه ولو على مستويات بسيطة كحلم عادل بلقاء حبيبته والتواصل معها بلا مركبات نقص أو أحكام قيمة جاهزة تتخذ من الفوارق الطبقية حيثيات للإصدار. وكم كانت مشاهد الحانات التي تضج بالزبائن ومحال بيع الخمور حيث يتصارع الجميع للظفر بأكبر عدد من القنينات، معبرة عن الشرخ الكبير الذي يعيشه مجتمع تونس مع ثوابته الدينية المتأصلة في الزمان والمكان بشهادة جوامع القيروان وعلمائها الذين أثروا باجتهاداتهم التراث الفقهي الإسلامي منذ عقود. لكن الفقر الذي كاد أن يكون كفرا، أصبح كفراً فعلياً في الزمن المعاصر بما حمله من تغيرات كبرى في البنية الأسرية والمفاهيم المجتمعية المتوارثة.
الشباب التونسي، كما عادل، مهووس بتحقيق الذات وراغب في تكوين شخصيته المستقلة، لكنه في المقابل مبهور بالمظاهر الاستهلاكية الغربية الزاحفة على البلدان المتخلفة في ظل عولمة مفاهيمية وقيمية لا تعترف بالخصوصيات المحلية المكونة للذات والشخصية التونسية. وهو بذلك يجد نفسه في دوامة صراع داخلي وخارجي ليس، في الغالب، مؤهلاً لمواجهته أو التأثير فيه إيجاباً إلا في حالات نادرة لم يقدم الشريط ولو نموذجاً معبراً عنها. فكل شخصيات الشريط ضائعة غير قادرة على التأثير في مجرى الأمور. لأجل ذلك تحول نجاح عادل في تحقيق حلمه بلقاء دنيا والنجاح في إقناعها بحقيقة وصدقية مشاعره نحوها، أملاً لكل أصدقائه في النجاح والتوفيق في حيواتهم الملتبسة. وأي مجتمع هذا الذي يصبح فيه مثل حلم عادل رمزاً للنجاح ومحفزاً على التشبث بالحياة والغد الأفضل؟
دنيا، مطلقة تونسية شابة نجحت في تحقيق مكانة هامة لها في الميدان العملي حيث أصبحت مديرة فرع بنكي، مقابل «فشلها»على المستوى الأسري في إنجاح حياتها الزوجية وتجنيبها عاصفة الطلاق. والإنسانة الناجحة تكون، دوماً، محط أنظار الرجال الطامعين في الفوز بها. والطامع في قصة الشريط هو عادل، الشاب البسيط الذي لا يملك أكثر من ورد المحل حيث يشتغل، عربوناً لحبه ولوعته. إنه الحب المستحيل إذن بين إطار بنكي ناجح ومرتاح مادياً وبين عاطل مقنع لا يجد ما يسد به الرمق، فكيف له التكفل بعائلة من أم وابن من زواج سابق؟
مغامرة
على تيمة الحب المستحيل بنى محمد زرن الخلفية العاطفية للشريط، وحاول من خلالها النبش في وضعية المرأة التونسية المعروفة بتحررها من قيود كبلت ولا تزال تكبل نظيراتها في البلدان العربية الأخرى. فدنيا المستقلة مادياً قادرة على مجابهة المجتمع وتأكيد ذاتها في ظل مجتمع يسعى للإبقاء على طابعه الذكوري، دون الانسلاخ عن الثوابت وبعض من التقاليد الراسخة. وفي المقابل حاول الشريط إبراز الانحلال الأخلاقي المسيطر على المجتمع من خلال بائعات الهوى. وبين النموذجين تبرز حالة صديقة دنيا وزميلتها في العمل، المقبلة على الزواج إرضاء لنفاق اجتماعي توارثته الأجيال من وجهة نظرها، فالزواج عندها مجرد واجهة اجتماعية للتلاؤم مع القوالب المجتمعية القائمة. وغير ذلك فلا تجد حرجاً في الحديث عن حبيب منتظر، يوماً قبل حفل زفافها، مؤكدة بإحساسها بمعيته بكمال أنوثتها، وهو ما يفتح الباب مشرعاً أمام كل الاحتمالات خصوصاً وأنها تعتبر جسد المرأة ملكاً لها دون غيرها تتصرف فيه بحرية مطلقة لا محددات لها!
دنيا خائفة من الإقبال على تجديد جذوة الحب في نفسها والحصول على الطراوة والدفء المطلوبين، خصوصاً بعد فشل تجربتها الأولى. لكن رغبتها في المغامرة وتشجيعات صديقتها دفعتها لمقابلة العشيق المجهول الذي لم يكن أحداً غير مستخدم محل الورود.
والمجهول في شريط «الأمير» عنوان مجلة ثقافية أعلنت إفلاسها ومعها إفلاس الوضع الثقافي العربي في الالتصاق بهموم المجتمع وإثارة فضول القراء. فرؤوف المثقف يفشل في إقناع دنيا بتمويل المؤسسة البنكية التي تمثلها لمشروعه الثقافي وهو لا يجد حرجاً في محاولة عرض بضاعته «الثقافية» وفق مفردات سوق المال بدل التأكيد على تميزها الإبداعي. فالثقافة في نظره بنك ككل البنوك قبل أن يستدرك قائلاً أنها «بنك للقيم الثابتة»، «ونحن جميعاً مشتغلون بها»، في استجداء، مثير للشفقة، لعطف دنيا دون فائدة. هذا الفشل دفعه للتفكير في الهجرة إلى كندا حيث الجنة الموعودة في انفصام واضح عن الاهتمام بقضايا الشعب والالتصاق بالوطن. رؤوف هذا لا يتورع أيضاً عن منح منزله لعادل وأحد أصدقائه لاستعماله محلاً لممارسة الدعارة وقضاء الليالي الملاح على رغم ارتباطه بكتابة مقالة مستعجلة للنشر في جريدة «لوموند ديبلوماتيك» وما تمثله الأخيرة من فضاء «ملتزم» للدرس والتحليل. وهو المقيم، أيضاً، لعلاقة غير شرعية مع طالبة في مقتبل العمر في تناقض صريح مع مهمته في تربية الأجيال وتوجيههم.
الإفلاس في حال رؤوف إفلاس للقيم وتكريس لقالب المثقف العربي الذي ألفناه في الساحة الثقافية العربية العاجزة عن تكريس مشروع ثقافي أصيل يمكن من مواجهة الزحف العولمي القادم من الغرب.
في «الأمير» استغلال ذكي لموسيقى الراب المعروفة بثوريتها وبتعريتها للواقع كما هو. هذا التوظيف الموسيقي منح الشريط مسحة شبابية متفردة لا تخطئها الأذن قبل العين. وأداء الممثلين كان مقنعاً في الغالب مع تميز واضح لأحمد سنوسي في دور رؤوف وصونيا منكاي في دور دنيا. أما المخرج محمد زرن فقد أظهر مرة أخرى تمكنه من أدواته السينمائية بعد أفلامه السابقة «السيدة» 1996 الفائز بأكثر من 15 جائزة دولية، وشريطه الوثائقي»غناء الألفية» وقبلهما شريطه القصير «كسار الحصى» الذي شارك به في فقرة «نظرة ما» في مهرجان كان الدولي في دورة 1990.
ولعل أهم ما ميز الشريط الجديد هو شخصية البائع الضرير المتخصص في بيع المرايا للمواطنين للتمتع بالنظر الى أنفسهم، وهو المحروم من نعمة النظر والإبصار. والمثل يقول أن فاقد الشيء لا يعطيه. وتلك نهاية مفتوحة على كل التأويلات…
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 17 فيفري 2006)