الثلاثاء، 31 يوليو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2625 du 31.07.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


المرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر بتونس:  ملاحقة مدير تحرير كلمة بتهمة القذف جمعية الزيتونة سويسرا: السجناء الذين صنعوا للحرية طريقاومنبرا..وعلمونا قيمة القول والعمل الحياة:علمانيون تونسيون يطلقون حزباً لمواجهة تنامي التيارات الأصولية الصباح: بعد مؤتمر حركة التجديد:حرمل رئيس غير تنفيذي.. وتنافس بين إبراهيم والشعبوني على الأمانة العامة مجلس مركزي جديد يضم 40 عضوا

كلمة حزب العمل الوطني الديمقراطي بمناسبة مؤتمر حركة التجديد الموقف: التجديد يعقد مؤتمره على صفيح ساخن الموقف: الموسم السياحي جيد رغم تراجع نسبة الجزائريين الموقف: قرى تعاني من العطش قرب سد كساب لموقف: الشمال الغربي : محطات تفتقر لشروط الحماية الموقف: المحامي يؤكد والسلطات تنفي تعرض سجين لسوء معاملة الخبر: صحيفة  »الخبر » تقتفي آثار الحرافة في السجون ومصالح حفظ الجثث الصباح: في زيارة بيئية إلى جزر قوريا: تنوّع نباتي وحيوانـي نــادر.. حسن بن عثمان: شواهد عطلة صيف تونسية: عرس جنائزي و »حسينية » نحاسية رويترز: ملك المغرب يدعو إلى ديمقراطية أفضل موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان :بيع أثاث منزل شاعر كبير تنفيذا لقرار محكمة في قضية أقامها أحد المتشددين ضده الحياة:القاهرة: تضامن حقوقي مع الشاعر حجازي بعد حكم ببيع أثاث منزله لتعويض داعية الحياة: عبدالله غل رئيساً للجمهورية في تركيا بواسطة البرلمان أو بالاقتراع الشعبي آخر السنة الجزيرة.نت: النتائج الرسمية تثبت فوز العدالة والتنمية:الجيش التركي يشدد على علمانية الرئيس     نصر الدّين بن حديد:المثال «الإسلامي» والتماثل «العلماني»!!!! هل أنجبت الأتاتوركيّة نقيضها؟؟؟ صلاح سالم: «العثمانية الجديدة» تُصالح الإسلام مع الحداثة محمد الحدّاد: هاري بوتر خرج أيضاً منتصراً… أحمد الخميسي: الباب المغلق صحيفة « القدس العربي »: موسم الهجرة للبحث عن السلام عبدالرحيم صابر: ساركوزي السريع في العالم العربي


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


المرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر بتونس تونس في 31 جويلية 2007

ملاحقة مدير تحرير كلمة بتهمة القذف

 
يمثل بعد غد الخميس 2 أوت 2007 مدير تحرير مجلة كلمة الالكترونية عمر المستيري أمام المحكمة الابتدائية بتونس بتهمة القذف وفق المواد 42- 50- 53 – 72- 78 من مجلة الصحافة التي تعرّض صاحبها إلى أحكام تتراوح بين سنة و3 سنوات سجنا نافذة والحرمان من الحقوق المدنيّة. وذلك بعد الشكوى التي رفعها السيد محمد بكّار ضدّه والتي تتعلق بمقال نُشر في مجلة كلمة يوم 5 سبتمبر 2006 حول ملابسات إعادة ترسيم السيد بكّار في جدول المحاماة بعد أن وقع تشطيبه نهائيّا لمرّتين من أجل أحكام نهائيّة صادرة ضدّه في التحيّل والتزوير. وقد ركّز وكيل الجمهورية في الاستنطاق الذي أجراه مع الصحفي عمر المستيري يوم 29 مارس 2007 على المصدر الصحفي دون البحث في صحّة المعلومة المتضمنة في المقال موضوع الدعوى. فقد بدا كأنّ النيابة العمومية أرادت البحث في كيفية تسرّب معلومة كانت تحرص على التستّر عليها. وقد رفض عمر المستيري كشف مصادره اعتمادا على حقه كصحفي في حماية مصادره. أمّا محاميه فقد أثاروا مسألة القاعدة القانونية للتتبع علما وأن موقع كلمة محجوب في تونس وأركان التوزيع لم تتوفّر بعد، كما أثاروا موضوع سقوط الدعوى بالتقادم. والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع إذ يعتبر أنّ حقيقة هذه التتبعات القضائية تعود إلى ما نشره لاحقا عمر المستيري من مقالات تتعلق بالفساد في الدوائر العائلية الحاكمة، فإنّه : –       يطالب بوقف التتبعات ضد عمر المستيري الذي لم يتعدّ القيام بوظيفته المهنيّة الصحفيّة. –       يطالب بإلغاء المواد التي تنصّ على عقوبة الحبس في جرائم الصحافة. –       يذكّر بأن مجلّة كلمة المستقلّة لا تزال محرومة من حقّها في التوزيع في تونس كما لا يزال موقعها الالكتروني محجوبا في تونس منذ سنة 2000. ويطالب برفع هذين الإجرائين التعسفيّين. عن المرصد نائبة الرئيس نزيهة رجيبة

 
جديد : تشكل الفضاء النقابي ضد التجريد  وصدور العدد الأول للنشرة الإلكترونية المعبرة عنه : ضد التجريد عدد 1 بتاريخ 27 جويلية 2007 جديد:  تكوين

الفضاء النقابي الديمقراطي CONTRE_TAJRID ESPACE SYNDICAL DEMOCRATIQUE AU SEIN DE L’UGTT الفضاء النقابي الديمقراطي ضد التجريد صلب الإتحاد العام التونسي للشغل

ضد التجريد فضاء نقابي ديمقراطي للتنسيق والتشاور وتبادل المقترحات من أجل تطوير النضالالنقابي وتكريس ديمقراطية العمل النقابي واستقلاليته صلب الإتحاد العام التونسيللشغل وتفعيل التصدي للخط البيروقراطي ولعملية تجريد النقابيين المنتخبين نقترح على المعنيين بذلك الإشتراك في جهود المجموعة التي بعثناها: Nom du groupe:   contre_tajrid Mail du groupe:    contre_tajrid@yahoogroupes.fr Envoyer un message : contre_tajrid@yahoogroupes.fr S’inscrire:               contre_tajrid-subscribe@yahoogroupes.fr مع الشكر.


 

السجناء الذين صنعوا للحرية طريقاومنبرا..وعلمونا قيمة القول والعمل

 

عندما كنا صغارا  كنا نلتقط من على قارعة الطريق قطعة الخبز الملقاة على الأرض، فننفض عنها التراب ونقبلها ثم نبحث لها عن مكان مرتفع، لنضعها فوقه بعيدا عن دوس الأقدام. لم نكن ندرك هذا المعنى الذي استقر في مخيال المجتمع، ولما كبرنا وكبرت عقولنا عرفنا أن هذه الحركة باتجاه رغيف الخبز ما هي إلا تعبير عن احترام للذي انطوت عليه قطعة الخبز من قيم ، هي مراحل الجهد المبذول في صناعة ذاك الرغيف من الخبز، الذي بدأ حبة تحت التراب رعاها الفلاح بماله وعرقه وسهره وتعبه إلى أن أينعت ثم حصدت ثم تحولت إلى  المطاحن لتطحن ثم إلى مرحلة الخبز بالماء والملح. فكانت مسؤولية مجتمعنا التاريخية هي الحفاظ على رمزية التعبير بالاحترام  في الحفاظ على مستقبل قوتنا الذي تصنعه قوة العمل ..

 

سجناء الحرية في تونس انتم الأمناء على مستقبل الحرية..ونحن المسؤولون تاريخيا في الحفاظ على قيمة ما بنيتموه من قول وعمل.. انتم رغيف الوطن، انتم حياة الحرية لذاك الوطن. تعالوا نقبلكم بين عيونكم كما كنا نقبل رغيف الخبز  ونرفعكم فوق رؤوسنا أعلاما خفاقة يحترمها كل الوطن. لقد آمنتم بالمعرفة الحقوقية حين بنيتموها في عقولكم  أولا ثم آمنتم بالعمل. انتم ذاك الرغيف الذي يحترمه المخلصون داخل الوطن وخارج الوطن .. لقد عشنا نتصيد أخباركم في كل تقرير وتظاهرة وتحرك ومقالة في أعمدة الصحف كنا ننتزع من كل ذلك شحنات الحركة والعمل كنا نتعلم من أقوالكم وأفعالكم الأمل والشجاعة ونؤمن بالنصر نعم كما آمنا بقيمة الرغيف الذي  ألقاه الجهلة على قارعة الطريق بلا احترام لما فيها من قيمة العمل.  

 

ونحن نحبر هذا المقال كنا نبحث عن مفهوم المسؤولية التاريخية الكبيرة التي كان يحملها السجناء المسرحون مؤخرا في تونس. وكأننا بهم قد وضعوا على عاتقهم رسالة يحتوي مضمونها مشروع استعادة  أسس الثقافة الحقوقية، التي تقوم على المفهوم الشمولي ذات الإطار الحركي النضالي، الذي لا يقتصر على توظيف الخطاب النظري في العهود والمواثيق والصكوك الدولية، التي يحلو للسلطة أن تروج لها من اجل الظهور بمظهر المواكب لاستحقاقات المجتمع المدني في الالتزام بالمصادقة على هذه القوانين والترويج الإعلامي غير المسبوق في المحافل الدولية وسرعة الاستجابة لهذه الاستحقاقات. وهي محاولة يائسة في التنصل من الالتزامات العملية بهذه الحقوق، التي كشفها الجهد النضالي للسجناء. حين دفعوا حريتهم وحـرمتهم ثمنا لذلك ليعيدوا تجديد المفهوم الأخلاقي الأساسي في الدفاع عن الحقوق والحريات. والتي تدفع إلى التعبير العملي عنها لتمنحها عنصر المصداقية مضيفة إليها المحتوى الملموس لسلاح الكلمة. 

 

لقد كانت سنوات الاعتقال والسجن هي المحتوى الملموس الذي قصدناه لسلاح الكلمة حيث علمنا سجناؤنا كيف ندافع عن أنفسنا في بلدنا وكان بإمكانهم أن يراهنوا على وضع تصور لثقافة حقوقية نظرية تدخل ضمن الترف المعرفي كما هو معمول به في بلدنا المروج في الخطاب الرسمي. حيث يقدم معزولا عن الشمولية الحركية النضالية  التي قصدناها آنفا ومتجاهلين للشروط الموضوعية المنتجة للفرد المنخرط في سياق الفعل الذي يشرح ويفسر ويبرر به وجوده ليدفع نفسه ومجتمعه إلى الفعل التاريخي كما فعل سجناؤنا وفرضوا أنفسهم على المدونة التاريخية لمسيرة النضال الحقوقي والسياسي في بلدنا.     

 

لقد قاوم هؤلاء الأبطال ما ترعرع من عادات ثقافية سيئة كعادة الخوف والحذر والاستسلام  والإحباط ، والتي تمتص نفسيا واجتماعيا غفلة أو نسيانا بقصد وبغير قصد. لقد كان هؤلاء يعيشون في سياقات أخرى هي سياقات  الشجاعة والإقدام والأمل  بعيدا عن ثقافة الإسفاف المخدرة للمقومات الموضوعية للفرد المؤمن برسالة النضال الميداني العملي. فكان التحرير الداخلي في نفوسهم قد قادهم إلى حقيقة ذواتهم  وكشف لهم صدق توجههم طريق النضال الذي عزز ثقتهم بأنفسهم كما سيعزز حتما من وجهة نظرنا ثقتنا في أنفسنا.

 

ومن هنا يأتي الجهد النضالي الذي بذلوه ليعطي المحتوى التغييري لمقولة الحقوق والحريات ويمنحنا بذلك  القيمة العملية القادرة على إقناعنا بجدوى الاتجاه إلى أن نراكم  الخبرة العملية ونكسب التجربة النضالية اللازمة للدفاع عن مشروع دولة القانون والحريات في بلدنا  وهذه مسؤولية المنبر الذي صنعوه للحرية في تونس من وجهة نظرنا..

 

 

المكتب الحقوقي والإعلامي

جمعية الزيتونة سويسرا

 


علمانيون تونسيون يطلقون حزباً لمواجهة تنامي التيارات الأصولية

 
تونس – رشيد خشانة اتفق ناشطون يساريون تونسيون وكوادر من «حركة التجديد» (الحزب الشيوعي السابق) على تشكيل حزب علماني بهدف مجابهة تنامي التيارات الإسلامية الأصولية في البلاد. ولن يواجه الحزب الجديد الذي أنهي أعمال مؤتمره التأسيسي صباح أمس (الإثنين 30 جويلية، التحرير) في العاصمة التونسية، مشاكل قانونية، إذ سيعتمد على الترخيص الذي تعمل بموجبه «حركة التجديد» منذ رفع الحظر عن نشاط الحزب الشيوعي في العام 1981. وكان الحزب الشيوعي غير اسمه في مطلع التسعينات إلى «حركة التجديد» الممثلة في البرلمان الحالي بثلاثة نواب. وشكل إعلان الزعيم التاريخي للحزب محمد حرمل الذي استمر أمينا عاماً للتنظيم منذ أكثر من 26 عاماً، مغادرة القيادة طوعا الحدث اللافت في افتتاح أعمال المؤتمر الجمعة الماضي، وصفق الحضور طويلاً لقرار حرمل الذي أسند إليه منصب الرئيس الفخري للحزب الجديد. وأفادت مصادر مطلعة أن الشيوعيين السابقين ومستقلين توصلوا إلى اتفاق يقضي بتشكيل مجلس مركزي من أربعين عضواً، نصفهم من قيادات «التجديد» والنصف الآخر من المستقلين الذين شاركوا في المؤتمر التأسيسي، إلا أنهم لم يتفقوا على إبقاء اسم الحزب الحالي أو استبداله. وأوضحت أن المجلس المركزي سيعقد اجتماعه الأول الأحد المقبل (5 أوت، التحرير) لانتخاب مكتب سياسي وأمين عام من «التجديديين». وأشارت إلى أن المرشحين البارزين للمنصب هما الأكاديمي أحمد ابراهيم والحقوقي حاتم الشعبوني بعدما امتنع المستقلون عن ترشيح أحدهم لقيادة الحزب. ولم يصدر بيان سياسي أو إعلامي بنتائج المؤتمر وبرنامج الحزب الجديد، إلا أن المداخلات شددت على ضرورة حماية «المكاسب الاجتماعية التقدمية»، وفي مقدمها قانون الأحوال الشخصية الصادر في العام 1956، من «خطر» تنامي القوى الأصولية. وانتقد مشاركون في المؤتمر تجربة التحالف بين تيارات ليبرالية ويسارية وإسلامية في إطار «هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات» التي تشكلت في أعقاب إضراب عن الطعام شاركت فيه ثماني شخصيات عامة على هامش القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي استضافتها تونس قبل عامين. لكن ثلاثة زعماء من الائتلاف أعطيت لهم الكلمة في افتتاح المؤتمر وهم الأمينة العامة لـ «الديموقراطي التقدمي» مية الجريبي والأمين العام لـ «التكتل الديموقراطي» الدكتور مصطفى بن جعفر، وهما حزبان مرخصان، وزعيم «حزب العمال الشيوعي» (غير مرخص) حمة الهمامي. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 31 جويلية 2007)

بعد مؤتمر حركة التجديد: حرمل رئيس غير تنفيذي.. وتنافس بين إبراهيم والشعبوني على الأمانة العامة مجلس مركزي جديد يضم 40 عضوا

 
تونس – الصباح اختتمت صباح أمس بالعاصمة أعمال المؤتمر الوطني لحركة التجديد الذي أسفر مثلما كان مقررا عن توصية في احدى اللوائح باحداث خطة رئيس غير تنفيذي للحزب تم تكليف السيد محمد حرمل الأمين العام المتخلي بها.. وكان حرمل أعلن في كلمته الافتتاحية للمؤتمر أنه لن يترشح مجددا للامانة العامة ولا الى اية مسؤولية تنفيذية في الحزب لانه « لا يريد أن يكون امينا عاما مدى الحياة في حزب يدعو الى التداول على المسؤوليات وطنيا ». كما صادق المؤتمرـ الذي تراست اشغاله الجامعية والحقوقية السيدة سناء بن عاشورـ على عدد من اللوائح والتعديلات للقانون الاساسي.. وانتخب مجلسا مركزيا جديدا من 40 عضوا (مقابل 67 في المجلس السابق) سيجتمع في موفى الاسبوع لانتخاب مكتب سياسي من 12عضوا وسيكريتيرية والامين العام (أو السكرتير الاول للحزب).. ويبدو ان التنافس سيكون اساسا بين السيدين احمد ابراهيم وحاتم الشعبوني.. وتضم الهيئة 20 شخصية من حزب التجديد القديم و20 مستقلا.. ضمن وفاق حصل بين الجانبين قبل الانتخابات.. وأسفر الاقتراع عن انتخاب الهيئة التالية: محمود بن رمضان  – احمد ابراهيم – محمد ثامر ادريس – حاتم الشعبوني – انور بن نوه – الاخضر لاله – فريد جراد – طارق الشعبوني – نورالدين الطرهوني – عبد الستار السحباني – عبد العزيز المسعودي – نايلة جراد – عادل الشاوش – خديجة بن حسين – رشيد مشارك – الهادي سنان – محمد رؤوف محجوب – مهدي بن جمعة – حسين الكريمي – سكينة عبد الصمد – نبيل الاحمدي – الاسعد الجموسي – محمد البشير البجاوي – حمادي الغيلاني – سليم بن عرفة – خالد الشاهد – محمد بن عثمان الوصيفي – عبد الحق صيود – محمد الحبيب العوني – محمد القلال – عبد الوهاب بالحاج – توفيق الحويج – رشيد الشملي – خميس صقر – الجنيدي عبد الجواد – المكي الجزيري – فتحي الهمامي – خالد حميدة – الناصر العجلي. وقد اعرب ممثلو التيارين المتنافسين عن ارتياحهم لنتائج الانتخابات واجواء المؤتمر الذي دعت لوائحه السياسية اساسا الى تكريس الصفة المعارضة للحزب.. والى تنسيق تحركاته مع القوى السياسية القريبة منه.. والتي دعيت دون غيرها الى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.. وهي اساسا الاحزاب « غير البرلمانية ».. بالرغم من أن حزب التجديد ممثل حاليا باعضاء في البرلمان الحالي فازوا بعضوية المجلس المركزي الجديد للحزب..اي ثامرادريس وعادل الشاوش ونورالدين الطرهوني.. كمال بن يونس (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 31 جويلية 2007)


حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ

كلمة حزب العمل الوطني الديمقراطي بمناسبة مؤتمر حركة التجديد

 
أيتها الصديقات أيها الأصدقاء، سيداتي سادتي  باسمي وباسم كوادر ومناضلي حزب العمل الوطني الديمقراطي، أتوجه لكم بالشكر على دعوتكم لحزبنا لحضور مؤتمركم الذي نتمنى لكم فيه ولكل المناضلات والمناضلين التقدميين والديمقراطيين في كافة أنحاء البلاد كل التوفيق والنجاح. يمثل مؤتمر حركة التجديد محطة هامة من محطات العمل السياسي وهو محل اهتمام كافة القوى السياسية وخاصة منها القوى الديمقراطية التقدمية التي تتطلع لنتائجه وقراراته بحكم انعكاساتها على المشهد السياسي والاجتماعي ودورها في الاستجابة لمتطلبات ورهانات واستحقاقات المرحلة القادمة. لأن مشروعكم هو مشروع يتمثل في تجميع قوى تقدمية وديمقراطية في صلب حزب واحد ومن مصدرين مختلفين : مناضلي التجديد والمناضلين المستقلين وهو إضافة إيجابية في معطيات الحياة السياسية التونسية قوامها انفتاح حزب عريق على العمل المشترك إلى حدّ الانصهار مع قوى أخرى من خارجه هذا من ناحية، وتحول عدد هام من المستقلين إلى الانضواء تحت راية سياسية ملزمة لحزب جديد يعلن تقدميته وهذا ليس بالأمر الهين. ونحن في حزب العمل نعتبر أنفسنا معنيين بنتائج أشغالكم بوصفنا تيارا له جذوره التاريخية والاجتماعية ضمن حركة اليسار. ومن هذا المنطلق فإننا نؤكد من هذا المنبر تشبث حزبنا بكل حقوقه التي لا يزال محروما منها وفي مقدمتها حقه في العمل القانوني حتى يتمكن من التعبير عن مواقفه والقيام بدوره في النضال ضد الإملاءات الإمبريالية في سبيل السيادة الوطنية وإقرار الحريات السياسية ونشر الفكر العقلاني النيّر والدفاع عن حقوق المرأة ومبدأ المساواة التامة بين الجنسين والدفاع عن القطاع العام والمرافق الاجتماعية والقدرة الشرائية ومكافحة الفساد وتوفير الشغل للعاطلين ودعم القطاع الثقافي بالاعتماد على الطاقات الوطنية الخلاقة والنيّرة ومساندة المقاومة الوطنية في العراق وفلسطين وفي كافة أرجاء الوطن العربي ومناصرة القضايا العادلة في العالم. وفي الوقت نفسه فإننا نعرب عن كامل استعدادنا للعمل المشترك مع حركة التجديد وكافة القوى اليسارية والتقدمية والديمقراطية سواء كان ذلك ضمن الائتلاف الديمقراطي التقدمي الذي تشكل رسميا في جانفي 2006 أو في أي منظومة جديدة من شأنها أن تنبعث لضرورة بروز قطب ديمقراطي يواجه الاستبداد والقوى الظلامية ويعيد الأمل لبنات وأبناء شعبنا ويحقق أكثر ما أمكن من الفوائد السياسية والاجتماعية لصالحهم، واعتماد آلية مهمة في مواجهة الاستحقاقات التي ستقبل عليها البلاد. فنحن وإن كنا ننكب على بناء وتطوير ذاتنا الحزبية فإننا نسعى كذلك لبلورة ذات يسارية فاعلة مع مكونات اليسار التونسي ولبناء تحالف جبهوي عريض مع كل قوى التقدم والتحرر ومع كل القوى السياسية ذات الطابع المدني ودون استثناء. إننا مدعوون جميعا للوعي بطبيعة الوضع والوعي بأهمية دور القوى الديمقراطية في مواجهته للانتقال ببلادنا إلى مرحلة جديدة من الحرية والديمقراطية يجب أن تلعب المعارضة الوطنية دورا أساسيا في صياغتها. وفي الختام نجدد لكم التحية والشكر والتمنيات بنجاح أشغالكم بما يخدم مصلحة الحركة الديمقراطية ومصلحة تونس التي نريدها بلد الحرية والتقدم والعدل والمساواة والإستنارة. تونس في 27/07/2007  

 
(المصدر:قائمة مراسلات حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ بتاريخ 31 جويلية 2007)
 

التجديد يعقد مؤتمره على صفيح ساخن

 
محمد الحمروني دخلت « حركة التجديد » أمس مؤتمرها الثاني  بدون الوصول إلى وفاق حول أهم المسائل الجوهرية خاصة منها المتعلقة بالقيادة وبالمؤسسات السيادية. مؤتمر سوف لن تكون أجواؤه اقل حرارة من أيام هذه الصائفة، وسوف يكون التنافس فيه على أشده سواء على منصب الأمانة العامة أو خطة الناطق الرسمي. فهل يضطر المؤتمر إلى البحث عن آليات أخرى لحسم الإختلاف في وجهات النظر بعد أن ظل التوافق بين التجديديين والوافدين الجدد من المستقلين الوسيلة الوحيدة لحسم الخلافات ؟ وما هي الانعكاسات الممكنة على وحدة هذا التنظيم الجديد ومستقبله في حال اللجوء إلى هكذا خيار؟  ومما رشح عن الجلسات الأخيرة للهيئة الوطنية لإعداد المؤتمر – المسار التوحيدي- أن الحركة تدخل مؤتمرها الثاني و لم تحسم بعد عدة قضايا يتعلق البعض منها بالنظام الداخلي وبما ستؤول إليه وضعية السيد محمد حرمل الأمين العام المتخلي للحركة. كما تشير بعض الاخبار الى أن الهيئة الوطنية رحلت هذه القضايا إلى المؤتمر وأن أول النقاط الموضوعة على جدول أعماله ستكون الحسم في هذه القضايا. واهم ما يلفت الانتباه في المقترحات التي تنتظر الحسم مقترح يخص تكوين مجلس مركزي يضم سبعين عضوا أو إطارا، والهيئة السياسية التي لم يحدد عدد أعضائها بعد. هذا بالإضافة إلى شكل وتركيبة الكتابة العامة (السكريتارية) ويتردد أن هناك مقترحات مفادها  تشكيل الكتابة من أكثر من عضو وان تتكون من خمسة أو سبعة أو تسعة أعضاء.  ويدعو اصحاب مقترح الخمسة قياديين إلى ان تتشكل الأمانة العامة من الأمين العام إضافة إلى أربعة مساعدين يكون من بينهم أمين المال والمسؤول عن التنظيم والناطق الرسمي. وتبرز الدعوة إلى استحداث منصب الناطق الرسمي الصعوبة التي يواجهها المؤتمر في تعويض الأمين العام المتخلي من جهة والمنزع الوفاقي من جهة ثانية. وبخصوص السيد حرمل يبدو واضحا انه لم يتم الاتفاق على أي مادة تتعلق بمستقبله ولا بالمكانة التي سيحتلها في التنظيم الجديد. ويبدو على كل حال أن هذا الأمر ما يزال موضوع مقايضة. وفيما يخص الأمانة العامة نشير إلى انه لا يوجد إلى حد الآن أي مرشح رسمي، ما عدا السيد حاتم الشعبوني الذي أعلن نيته الترشح على أعمدة الصحف. ويبدو مما توفر من معطيات أن التنافس سيكون شديدا بين هذا الأخير الذي يحظى على ما يبدو بدعم القيادة التاريخية للحركة والسيد احمد بن إبراهيم الذي عرف بأنه من الداعمين لتيار الاستقلالية داخل الحركة وبدفعها نحو تمتين روابطها بالمجتمع المدني والسياسي. ويتضح مما تقدم أن إمكانات الوفاق حول الأمين العام المقبل تبدو صعبة. ويزيد من صعوبة الأمر غياب أسماء كانت مرشحة بقوة للتنافس على منصب الأمين العام، مثل السيدة سناء بن عاشور التي لعبت دورا نشطا صلب الهيئة الوطنية للإعداد للمؤتمر، والسيد محمد علي الحلواني المرشح للرئاسة في انتخابات 2004 ورئيس المجلس التأسيسي للحركة. ويبدو أن المعركة ستكون شديدة حول منصب الأمانة العامة والناطق الرسمي والرئاسة. وسيقع الاصطفاف في هذه المعركة وراء دعاة الانفتاح والاستقلالية من أبناء الحركة مضافا إليهم ما يمكن أن نسمّيهم بالوافدين الجدد من جهة، وركائز الجهاز التقليدي للحركة. والمرجح أن أصحاب النزعة الأولى سيدفعون باتجاه دعم ترشح السيد إبراهيم لتولي منصب الأمين العام على أن تشغل السيدة سناء بن عاشور خطة الناطق الرسمي، بينما سيدفع أصحاب نزعة « التواصل داخل الحركة » إلى دعم ترشح السيد الشعبوني، ويبدو أن أصحاب هذا التوجه لا يمانعون في تولي بن عاشور منصب الناطق الرسمي وذلك في إطار احتواء الدماء الجديدة التي تدفقت داخل الحزب. على ان هذا لا يمنع من وجود حل ثالث هو اقرب إلى حالة الاحتياط التي قد تلجأ إليها جميع الأطراف إذا ما استحال التوافق على احد المرشحين. ويتمثل الحل الاحتياطي في دعم ترشح السيد رشيد مشارك. وهذا الخيار قد لا يرضي الجميع شأن كل التسويات التي تقوم على التوافق ولكنها ستمنع على الأقل استئثار أي طرف بمنصب الأمانة العامة بعد الإنسحاب المحتمل للسيد حرمل. والسؤال الذي ينتظر أن يجيب عليه المؤتمر القادم هو التالي: ما الذي يمكن للمؤتمر فعله إذا استحال التوافق بين الطرفين؟ وهل سيقع الاضطرار إلى الإخلال بالآلية التي تم اعتمادها إلى حد الآن بين المستقلين والتجديديين والقائمة على التوافق؟ أسئلة وقضايا تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن « التجديد » مقبل على مؤتمر سخن جدا لا يمكن التنبؤ الآن بنتائجه وتداعياته على حياة ومستقبل الحركة.  (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس) العدد 416 بتاريخ 27 جويلية 2007)

الموسم السياحي جيد رغم تراجع نسبة الجزائريين

 
محمد الحمروني أكدت مصادر رسمية الزيادة كبيرة في نسبة السوّاح الأجانب هذا العام مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. وشددت تلك المصادر على أن بلادنا استقبلت هذه السنة ما يزيد عن 6 ملايين سائح وهو رقم قياسي بالمقارنة مع العدد الجملي للسكان وهو 10 ملايين ساكن. وتأتي هذه التطمينات بعد الخشية التي انتابت أصحاب النزل والوحدات الفندقية من تأثير الأحداث التي عاشتها بلادنا نهاية العام الماضي وبداية هذه السنة على مردود القطاع.  وبعيدا عن التصريحات الرسمية.. كيف يبدو الموسم السياحي لهذه السنة من خلال أهمّ قطب سياحي في البلاد؟ سوسة ..ابرز المناطق السياحية، وحدات فندقية واسعة وخدمات تكاد تكون الأرقى على مستوى البلاد، تدعمها في ذلك ميزات طبيعية تتمثل في بحر جميل يرقد على ضفاف مدينة حالمة لم تغادرها بعد أشجار الزيتون. كل مساء يزدحم « الكورنيش » الطويل الممتد في محاذاة الشاطئ المليء بالمصطافين من كل لون: عرب وغربيين إضافة إلى المصطافين من أهل البلاد. غير أن أمرا ما يلوح للزائر هذه السنة، يمكن ملاحظته بسهولة تامة وهو أن المدينة اقل اكتظاظا بالمصطافين منها في السنة الماضية. الاختلاف قد لا يبدو كبيرا ولكنه ملاحظ بشكل جلي. محمد (ك) كهل في الخمسين من العمر يعمل سائقا لسيارة أجرة، أكد أن عدد السياح اقل هذه السنة من السنة الماضية. ويفسر محمد ذلك قائلا « هناك عدة عوامل: أولها أن السلطة، ولاعتبارات أمنية على ما يبدو، قامت بتشديد إجراءات دخول السياح من الجزائريين، وثانيها أن ذروة الموسح السياحي لبعض الجنسيات لم تبدأ بعد وخاصة منها الفرنسية والألمانية. عندما تستمع إلى هذا السائق وهو يشرح لك عوامل التراجع وإمكانيات تحسين مردودية القطاع، وعندما تستمع له وهو يفصل الحديث عن أنواع السياح حسب الجنسيات وأيهم الأفضل والأكثر إنفاقا، تتخيل نفسك أمام احد اكبر المتخصصين في الشؤون السياحية..خبرة عمرها أكثر من ثلاثين عاما قضاها العم محمد على مقود السيارة. ومما حدثنا به في هذا المجال أيضا أن أفضل السياح وأكثرهم إنفاقا هم الفرنسيون والألمان، فهؤلاء لهم تقاليد عريقة في الاصطياف، في مقابل السياح من بلدان أوروبا الشرقية الذين يفضلون خدمة أنفسهم على إنفاق المال. وصادف ان زرنا المغارة العامة وسط مدينة سوسة وفوجئنا بالأعداد الكبيرة من السياح يتبضعون من هناك. خبز وأطعمة ومشروبات مختلفة يقبل على شرائها السياح من ذاك الفضاء الذي تعتبر أثمانه زهيدة مقارنة بأسعار النزل. حتى المشروبات الكحولية يقوم هؤلاء بشرائها بكميات كبيرة من هناك. على الشارع المحاذي لشاطئ بوجعفر تصطف العربات المجرورة بالخيل المعروفة بـ »الكاليس » في مشهد نادر قلما ترى فيه تلك العربات عاطلة عن العمل في مثل هذه الأوقات من السنة. ويفسر احد أصحاب هذه العربات، وهو العم المصطفى، سبب تراجع الإقبال على ركوب هذه المجرورات، بتراجع عدد السياح عموما عن السنة الفارطة، والسبب هو مرة أخرى  » إقفال السلط الباب على تدفق السياح الجزائريين ». وحسب مصطفى فان السياحة في منطقة سوسة تقوم أساسا على ثلاثة فئات: الأوروبيون ويتميزون عموما بإنفاقهم الكبير، والليبيون فالجزائريون وهؤلاء اقل إنفاقا في العموم ولكن إقبالهم بكثرة ينشط الحياة السياحية عموما ويغطي على قلة إنفاقهم. والمفارقة هنا هو انك كلما اتصلت بإدارة احد النزل للحجز بها يجيئك الرد بان النزل ملآن وان الحجوزات المسبقة تمتد إلى نهاية شهر سبتمبر. مفارقة حاولت (منى) وهي عون استقبال بأحد النزل ذات الأربعة نجوم توضيحها بالقول: قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك تناقضا بين القول بانخفاض أعداد السياح من جهة وعدم وجود شغورات بالنزل إلى نهاية سبتمر من جهة أخرى غير أن الأمر ليس كذلك. فالنقص المسجل ليس في أعداد السياح عموما، بل هناك ارتفاع في اعدادهم،  إنما النقص حاصل في فئة معينة وهي تمثل شريحة هامة من الزوار لبلادنا للاصطياف. وهذه الفئة من السياح العرب وتحديدا الجزائريين لا تقيم عادة في النزل الفخمة من ذوات الخمسة والأربعة نجوم بل هي تعمد غالبا إما إلى كراء سكن جماعي من نوع الشقق المفروشة أو هي تلجأ إلى النزل غير المصنفة والزهيدة الثمن نسبيا. غير أن احد سواق (التيك تيك tuk tuk )، وهي عربات نقل سياحي ذات ثلاث عجلات، لا يوافق هذه الآراء كلها وهو يعتبر أن الموسم السياحي عادي بالنسبة لهذه الأوقات من العام وهو يؤكد أن « الحركة » ستشتد مع نهاية الشهر الحالي وبداية الشهر القادم. وشدد هذا السائق على أن الفترة التي تتزامن مع مهرجان (أوسّو) تمثل ذروة النشاط في مدينة سوسة وبالتالي فلا قلق على الموسم السياحي لهذه السنة. يذكر أن السياح العرب من الليبيين والجزائريين خاصة باتوا يشكلون نسبة كبيرة من عدد السياح الذين يزورون  بلادنا كل سنة. إذ دخلت زيارة المناطق السياحية التونسية في تقاليد الشعبين الشقيقين، وأصبحت تمضية شهر العسل في تونس جزءا من برامج الأزواج الجدد في هذين البلدين. معطيات جديدة، وحقائق لم تكن في حسابات واضعي التصورات السياحية في بلادنا التي كانت تركز بالأساس على السائح الغربي، وهو ما يدعو إلى التفكير في استثمار هذا النمط الجديد من السياحة وإعداد البنى التحتية الخاصة به. (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس) العدد 416 بتاريخ 27 جويلية 2007)


قرى تعاني من العطش قرب سد كساب

 
المولدي الزوابي هناك قرى في بلادنا مثل دوارالرحامنية، النوايويـة، الترايكية، السبايتية، العفايفية، ترجبة، أولاد حسن،السلايطيــة، التباينية، الشعابنية،عش العقاب، الصوابرية، ودوار بليليّة وجزء من دوار النصايرية من عمادتي كساب وعبد الجبار معتمدية بلطة بوعوان … لازالت تطرح سؤالا مهما في بداية قرن جديد هو: في أي مستوى اجتماعي يمكن أن تصنف ؟ وأي معنى للانتماء إلى هذا الوطن في ظل التفاوت الجهوي والإقليمي الحاد الذي تعاني منه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالماء الصالح للشرب ؟ وأي معنى للمواطنة في ظل توفر الماء أمام عين المواطن وبكميات ضخمة وهو عاجز عن التمتع بها ؟ وعلى بعض الأمتار يمتد سد كساب الذي يتجاوز معدل حاصله السنوي 50 مليون م3 فيما تتجاوز كمية المياه المعبأة في هذا السد 35 مليون م3 من أصل أكثر من 700 مليون م3 ، وهي كمية مياه السدود المتوفرة بإقليم الشمال الغربي الذي يعتبر أغنى أقاليم البلاد ماء، ليضخ إلى مناطق تبعد مئات الكيلومترات من البلاد ويحرم منه مجاوريه ؟ وأي معنى لحياة يومية تبدأ بالبحث عن قطرة ماء وتنتهي بحراسة ليلية لمورد رزق وحيد خوفا من لص أو حيوان مفترس يداهم منزل احدهم ليلا؟ ومتى سيتمتع ذلك الشيخ وتلك الأم اللذان تجاوز سنهما التسعين ومازالا يلهثان وراء قطرة ماء تسد رمقهما في صيف حار مثل هذا الصيف ؟ فمنذ ساعات الفجر الأولى يجبر الباحث عن الماء في بعض هذه المناطق على الالتزام لساعات طويلة بالطابور الذي سرعان ما يتحول إلى طابور ضخم أمام « عين بالشبارة  » أو « عين الشفاردية » بعد أن اصطحب كل واحد منهم حماره الأعرج من كثرة الثنايا الوعرة وحاويته البلاستيكية أو « القران  » التي يعود عمرها إلى عمر شاب قضى شبابه بين سفوح الجبال والفجاج متعثرا وبدت عليه علامات الشيخوخة قبل أن يبلغ الكهولة !! وأي معني للتنمية وبرامج العهـــدين « القديم » و »الجديد » للتنمية الريفية والمعتمديات ذات الأولوية التي طلعت بها علينا حكومتنا في السنوات الأخيرة؟ وأي دور للصندوق الوطني للتضامن 26/26 الذي يجبر أهالي هذه المنطقة وغيرهم كثر على الدفع تحت طائلة التهديد والوعيد ؟ وهل زار برنامج العائلات المعوزة والعائلات محدودة الدخل هذه المناطق ؟ وأي معنى للتنمية في غياب الطريق للجميع وانعدام النور الكهربائي للبعض منهم (دوار بليلية)؟ أم أن مسؤولينا « المعينين » كل حسب درجة ولائه هم الذين يسطرون كالعادة برامج التنمية في ظل « استشراف المستقبــل »، وهم العارفون بالمناطق التي تستحق والتي لا تستحق ، فحتى درجة الولاء لم يعد لها معنى في تلك الربوع، لأن من يظهر ولاءه سرعان ما يتحول الأمر معه إلى ابتزاز ! وهل اطلعت حكومتنا ونواب الجهة ومسؤولوها على هكذا أوضاع ؟ وهل يمكن للمسؤولين أن يبيتوا ليلة واحدة في احد هذه « الدواوير » التي انحدر بعضهم منها ومن مثيلاتها في البلاد ويتنازلوا يوما واحدا عن مكاتبهم المكيفـــة ليتلمسوا ويدركوا حقيقة معاناة هؤلاء المساكين ؟ ومتى سنعي بان الإنسان هو أداة التنمية وهدفها وغايتها؟ الحل بسيط جدا ولا اعتقد أن حكومتنا عاجزة عن إيجاده خاصة ان سكان هذه المناطق مستعدون لتقديم كل ما بوسعهم، من جهد ومال متواضع لوضع حد لهذه المعاناة : بعض العيون غزيرة من حيث كمية الماء فيكفي أن تركز بها خزانات وتمدد قنوات وهو أمر ليس بالصعب في دولة بلغ فيها معدل التزود بالماء الصالح للشرب 98 % فهل ستعجز على الـ2% الباقية؟ (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 416 بتاريخ 27 جويلية 2007)

الشمال الغربي : محطات تفتقر لشروط الحماية

 
بعد نقل محطات النقل الريفي العمومي من الشارع الرئيسي إلى الأحياء السكنية الداخلية، وقع عدد كبير من مواطني عمادة العزيمة والطراخنة والمنقوش والكدية وبوسالــم على عريضة سلموها لصحيفة « الموقف » ومكتب الحريات العامة وحقوق الإنسان بجامعة جندوبـــة للحزب الديمقراطي التقدمي، طالبوا فيها السلط المحلية والجهوية والعليا بمراعاة ظروفهم باعتبار تلك المحطات تعود إلى سنوات عديدة حسب ما جاء في العريضة. كما حثوا في العريضة التي أمضى عليها نحو148 مواطنا بالقطع مع النقل تحت طائلة التهديد بسحب الرخص والإيداع في السجن واستعمال القوة العامة. وذكروا الجهات الرسمية بضرورة تمكينهم من القرار الذي انبنى عليه نقل محطاتهم التي تفتقر لأدنى شروط المحطة من حماية وبيت راحة ومظلات تحمي من الحر بل ان المحطة مجرد قطعة ارض بيضاء بلطت ببعض حبات « الجرافيي » وتم تركيزها وسط تجمع سكني شعبي . كما ناشدوا السلط التدخل للعودة إلى المحطات الطبيعية ودعوها الى ضرورة تشريكهم في القرار وتمكينهم من الاطلاع عليه والاستئناس بآرائهم وعدم تهميشهم . (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 416 بتاريخ 27 جويلية 2007)

المحامي يؤكد والسلطات تنفي تعرض سجين لسوء معاملة

 
تعقيبا على ما أكده الأستاذ سمير بن عمر بعد زيارته لمنوبه السيد عبد الله بن عمر الحاجي المسجون في السجن المدني بالمرناقية من تعرض هذا الأخير لسوء المعاملة والتهديد نفت السلطات هذا الأمر في بيان رسمي لوزارة العدل تم حجبه عن الصحافة الوطنية وأعطي لبعض وكالات الأجنبية فقط. والسيد الحاجي كان سجينا في معتقل غوانتانامو وتم تسليمه للسلط التونسية في 18 جوان الماضي وزاره محاميه مرتين وقال إنه لاحظ أنه يعاني من ظروف قاسية وخاصة السجن الإنفرادي. وكانت المحكمة العسكرية أصدرت حكما غيابيا بعشر سنوات سجنا في التسعينات على السيد الحاجي بتهمة « الإنتماء لمنظمة إرهابية ». والجدير بالذكر أن ممثلي « الهيئة الدولية للصليب الأحمر » زاروا الحاجي في سجنه مؤخرا، وسيمثل أمام القضاء في 26 سبتمبر المقبل. وأخيرا محمد عبو … طليقا أطلق يوم الإثنين الماضي سبيل المحامي محمد عبو بعد قضاء 800 ؟؟؟؟ يوما في السجن، منذ اعتقاله في 2 مارس 2005 بسبب مقال نشره على شبكة الإنترنت قارن فيه بين السجون التونسية وسجن أبو غريب وانتقد دعوة شارون لحضور قمة المعلومات. وكانت المحكمة التي أحيل عليها في ظروف شديدة القسوة قضت بسجنه ثلاث سنوات قبيل قمة المعلومات التي استضافتها تونس في خريف السنة نفسها. وأتى إطلاق عبو الذي غدا أشهر سجين أنترنت في البلاد في إطار عفو عن سجناء آخرين بمناسبة خمسينية الجمهورية. وكان اعتقاله أثار صراعا قويا بين السلطة وزملائه المحامين الذين نظموا اعتصامات واحتجاجات في قصر العدالة تحت إشراف العمادة والهيئة الوطنية للمحامين، أدت في كثير من الأحيان إلى احتكاكات مع الشرطة وتعرض المحامون خلالها لاعتداءات. كما طالبت منظمات دولية عديدة بالإفراج عنه وأثير موضوعه في لقاءات رسمية بين مسؤولين تونسيين ونظرائهم الأمريكيين والأوروبيين وآخرهم الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي صرح خلال زيارته لتونس أنه تطرق إلى هذا الموضوع . وترى الأوساط الحقوقية أن هذه الخطوة الإيجابية لا تُغني عن الإستجابة لمطلب العفو العام الذي يتيح إخلاء المعتقلات من السجناء السياسيين وعودة المنفيين. وفي هذا الإطار قال رئيس رابطة حقوق الإنسان الأستاذ مختار الطريفي لـ »الموقف » إن معاناة الأستاذ عبو وزوجته واسرته طالت كثيرا وعبر عن الأمل بأن يكون الإفراج عنه خطوة نحو انهاء الإحتقان بإعلان العفو التشريعي العام وإطلاق الحريات وهنأ بالمناسبة السيدة سامية عبو مرتين واحدة بمناسبة إطلاق زوجها والثانية بعد حصولها على الأستاذية في الحقوق رغم ظروفها الصعبة. فاروق النجار الديمقراطي التقدمي : خطوة منقوصة قال الحزب الديمقراطي التقدمي إنه تلقى بارتياح كبير نبأ الإفراج عن الأستاذ محمد عبو يوم 24 جويلية الجاري. وهنأ الحزب في بيان وقعته أمينته العامة السيدة مية الجريبي الأستاذ عبو وكافة عائلته وكل الديمقراطيين واعتبر أن « هذا الإجراء على أهميته يبقى منقوصا ما لم يشمل كافة سجناء الرأي و ما لم يمكن المغتربين من العودة لوطنهم وما لم يسترد كل من طاله تتبع من أجل أفكاره أو نشاطه السياسي حقوقه السياسية و المدنية كافة ». وأكد الحزب من جديد « عزمه على تكثيف النضال مع مختلف مكوّنات المجتمع المدني من أجل سنّ قانون العفو العام وتحرير الحياة السياسية ووضع البلاد على طريق الحرية والديمقراطية ». وفي سياق متصل عبر حزب العمال الشيوعي عن تهانيه للأستاذ عبو بمناسبة الإفراج عنه وكذلك لأبنائه وزوجته، بعد معاناة استمرت سنتين وخمسة أشهر. حكومة المالكي تسعى لاسترداد طائرة صدام من تونس أعلن وكيل وزير الخارجية العراقية محمد الحاج أن حكومة المالكي تجري مفاوضات مع تونس لإعادة طائرة البوينغ 747 جامبو، وهي الطائرة الرئاسية العراقية التي نقلت الى تونس قبيل حرب الخليج الثانية وبقيت في أحد المطارات الجنوبية منذ عام 1990. وقال الحاج إن مفاوضات مماثلة تجري مع الأردن وإيران وسويسرا في نفس المعنى وأكد أن هذه الدول «أبدت مرونة كبيرة في التفاوض، فقد تنازلت الحكومة التونسية عن أجور الارضية للطائرة الرئاسية المؤمنة لديها فيما وافقت سويسرا على إعادة طائرة أخرى، وما زالت المفاوضات جارية مع الجانب الاردني لإعادة 9 طائرات». نقابات الثانوي تنتقد « النهج التصعيدي » لوزارة الإشراف انتقد ممثلو النقابات الجهوية للتعليم الثانوي المجتمعون يومي 21 و22 جويلية الجاري بإشراف النقابة العامة للتعليم الثانوي « النهج التصعيدي الذي تسلكه وزارة الإشراف إزاء قضايا مدرّسي التعليم الأساسي والمتمثل في غلق باب الحوار مع الطرف النقابي وفي الإسراع بنشر الشغورات وإنجاز « حركة النقل » من جانب واحد ». وعبروا عن وقوفهم المبدئي وغير المشروط إلى جانب مدرّسي التعليم الأساسي وهياكلهم النقابية في نضالهم المشروع من أجل الدفاع عن مكتسبات القطاع وخصوا بالذكر منها حركة النقل النظامية ومن أجل تحقيق مطالبهم. وشجبوا إقدام وزارة التربية والتكوين على سحب خطة الإرشاد البيداغوجي لعديد من مدرّسي التعليم الأساسي بسبب مشاركتهم في الإضربات التي دعت إليها سلطات قرار القطاع . كما أدانوا بشدة « العنف الذي مارسته قوات الأمن على رجال التعليم وعلى عديد النقابيين بجهة القصرين يومي 13 و14 جوان 2007 داخل الاتحاد الجهوي للشغل » كما جاء في البيان. وأكدوا بالمناسبة « تلازم مصالح عموم المدرّسين ووحدة المسار النضالي من أجل الدفاع عن عمومية التعليم وديمقراطيته ومجانيته ومضامينه الوطنية ». مخاوف لدى الأساتذة من التخلي عن التعليم العمومي حذر ممثلو النقابات الجهوية للتعليم الثانوي المجتمعون يومي 21 و22 جويلية الجاري بإشراف النقابة العامة للتعليم الثانوي من إجراءات وزارة التربية والتكوين التي قالوا إنها ترمي إلى « التنصل من التعليم العمومي والهادفة إلى خلق جيل غير واع بقضايا أمته ». وتجلى هذا التوجه حسب بيان أرسل لـ »الموقف » في ما أقدمت عليه الوزارة خلال السنة الدراسية الفارطة من إجراءات وُصفت بـ »الخطرة » أهمها التخفيض من التوقيت الأسبوعي المخصص لتدريس اللغة العربية والفلسفة وحذف التاريخ والجغرافيا من برامج السنوات الرابعة لبعض الشعب وكذلك الحط من ضواربها في الأقسام النهائية بما يعني تهميش لغتنا القومية وضرب ملكة التفكير النقدي لدى الناشئة. ومن الإجراءات « الارتجالية وأحادية الجانب » أيضا حسب النقابات إحداث مدارس إعدادية نموذجية تعمّق التفاوت الطبقي والجهوي بين المتعلّمين وتؤسس لضرب وحدة المنظومة التعليمية العمومية وتشجيع خصخصة قطاع التربية والتعليم، وكذلك إحداث مدارس إعدادية تقنية لم تتوضح بعد مناهجها وبرامجها ووظائفها. كما أشاروا إلى استحداث امتحانات جديدة بالمرحلة الأولى من التعليم الأساسي (الرابعة) ثم إسقاطها بشكل متسرّع وارتجالي أدى إلى إثارة حفيظة المواطنين والمدرّسين، وقد أثبتت السنة الأولى لهذه الامتحانات عدم نجاعتها في التقويم. وانتقدوا مواصلة الوزارة « العمل ببرامج ومناهج لم يستشر واضعوها المدرّسين في شأنها مما أثر سلبا على مردود العملية التربوية كما ونوعا ». ونبهوا إلى « عدم الدقة العلمية في اختيار مواضيع الامتحانات الوطنية بما أثر سلبا على نتائج المتعلّمين وغذى نزعة تحميل المدرّسين فشل السياسة التعليمية ». أساتذة الفلسفة يقاطعون القرية الفلسفية التزاما بقرار اجتماع الكتاب العامين للنقابات الجهوية تحت إشراف النقابة العامة للتعليم الثانوي قاطع أساتذة الفلسفة القرية الفلسفية التي دعت إليها وزارة التربية والتكوين ابتداء من 23 جويلية 2007، وذلك احتجاجا على الإجراءات أحادية الجانب التي أقدمت عليها وزارة التربية والتكوين في التخفيض من ساعات تدريس الفلسفة وضواربها في السنوات الرابعة. وأصدر الأساتذة الذين توافدوا من جل الجهات عريضة في الغرض (110 إمضاء من 130 مشاركا تقريبا) عبّروا فيها عن رفضهم لسياسة الأمر الواقع المنتهجة من وزارة التربية وعن استعدادهم للدفاع عن الفلسفة من حيث برامجها وتوقيت تدريسها وضواربها رافضين تهميش المدرّسين وداعين الوزارة إلى فتح تفاوض جدي ومسؤول مع النقابة العامة للتعليم الثانوي في هذا الشأن. وتعتبر هذه الحركة الاحتجاجية منطلقا لحركات احتجاجية أخرى تمس بعض المواد ومنها مادتي العربية والتاريخ والجغرافيا وقد دعا الاجتماع المذكور أعلاه أساتذة التاريخ والجغرافيا والعربية إلى مقاطعة المدرسة الصيفية الوطنية ليوم 26 جويلية 2007 احتجاجا على حذف التاريخ والجغرافيا من بعض الشعب والحدّ من الساعات المحدثة لتدريس العربية في بعض الشعب والتخفيض من ضواربها. استقالة أم إقالة؟ أفيد أن رئيس بلدية بوسالم (ولاية جندوبة) قدم استقالته ، وقد أتت هذه الخطوة كرد على الفوضى الإدارية التي اكتشفها ووجد نفسه ملزما بإدارتها وكذلك بسبب عدم ارتقاء العمل الإداري إلى مستوى المسؤولية. ولعل مسالة قرار إزالة لوحة جامعة الحزب الديمقراطي التقدمي الذي ألزم باتخاذه كان في طليعة الأسباب التي دفعت الرئيس إلى ما أقدم عليه، غير انه لم يتلق أي جواب على الإستقالة على ما يبدو. كراسي « التجمع » في مقر السيادة تفتقر كل من بلدية بوسالم ومعتمديتها إلى عدد من الكراسي التي يحتاجها العمل الوطني بشكل عام لجلوس المواطنين وبعض المسؤولين. ولسد الحاجة تضطر مقرات السيادة لـ »استئجار » او « استعارة » كراسي جامعات الحزب الحاكم ؟ فالكراسي المخصصة للجلوس كتب عليها باللون الأحمر RCD فهل من تدخل لدعم مقرات السيادة حتى تعتمد على تجهيزاتها الخاصة وتقطع مع كل أشكال الاستغلال المشبوه أم أن « التجمع » هو صاحب السلطة داخل مقرات السيادة في جمهورية اليوم و… الغد؟ تململ واستياء لدى المزارعين حدثت حركة تململ واسعة في صفوف الفلاحين وصلت إلى درجة الاعتصام لساعات طويلة أمام مقرات البنوك ومراكز بيع الحبوب في باجـــة وماطر وجندوبة والتلويح بمسيرة جماعية في سابقة غير عادية عبرت عن الاستياء والغضب الشديدين بسبب تخفيض اسعر الشراء من الفلاحين إلى 22 / 24 د للقنطار. كما طالب العديد منهم باسترجاع كميات الحبوب المباعة، فيما فضل الباقي الإمتناع عن البيع لديوان الحبوب ولم يحل المشكل إلا بعد مناشدة رئيس الدولة التدخل العاجل ليرتفع سعر القنطار إلى أكثر من 32 د . ومعلوم أن أكثر من 54 بالمائة من المساحة المزروعة في الإقليم هي حبوب، مما يجعل هذا الإقليم في صدارة أقاليم البلاد مساحة وإنتاجا لهذه المادة. مرحبا بالفارح وشكرا للقوماني في إطار سُنة التداول على المسؤوليات تسلم الأخ الشاذلي الفارح المسؤولية الإدارية والمالية في « الموقف » خلفا للأخ محمد القوماني. وأسرة التحرير إذ ترحب بالأخ الفارح الوجه النقابي والسياسي المعروف وتتمنى له التوفيق في مهمته، تتوجه بالشكر الخالص للأخ محمد القوماني على صبره ومثابرته على مسؤولية إدارية كهذه في ظروف صعبة، وتحيي ما اتصف به من دقة وصرامة في التسيير المالي ساهمتا في ضمان التوازن للصحيفة. (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 416 بتاريخ 27 جويلية 2007)

صحيفة  »الخبر » تقتفي آثار الحرافة في السجون ومصالح حفظ الجثث

عائلات جزائرية تطالب السلطات بالتحقيق في وفاة أبنائها بتونس ** مساع لإنشاء جمعية لـ »الحراقة »

 
طالبت عائلات الحراقة بعنابة السلطات العمومية بتجاوز الحديث عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الشباب يركبون قوارب الموت بعدما استفحلت هذه الظاهرة بشكل كبير في عمق الأحياء الشعبية، ومنحها فرصة الاطلاع على جثث أبنائها، خاصة تلك الموجودة، حسبهم، على مستوى مصالح حفظ الجثث بالمستشفيات التونسية، مع العلم أن رحلة البحث عن أبنائها تزامنت مع تمكن دورية تابعة لمركز الحرس البحري بطبرقة، نهاية الأسبوع، من إنقاذ ثمانية جزائريين اختفوا في عرض البحر مدة عشرة أيام كاملة، حيث هلك أحدهم واحتفظوا بجثته داخل القارب إلى أن تم إنقاذهم· ذكر السيد كمال بلعابد أب أحد الحرافة، الذي يسعى حاليا لإنشاء جمعية تعنى بهذه الفئة  »أن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح بخصوص الصمت الممارس من قبل السلطات تجاه مصير آلاف الحرافة الذين غادروا السواحل الجزائرية، في ظل تضارب التصريحات حول مصير أعداد كبيرة منهم »· وأضاف  »أن عشرات العائلات ذهبت إلى تونس لاقتفاء أثار أبنائها بعد ورود معلومات عن انتشالهم من قبل قوات حرس السواحل التونسية »، متسائلا  »عن السبب الذي يمنع السلطات الجزائرية من أن تتكفل بالبحث عن المفقودين ومعرفة هويتهم لدى السلطات التونسية »· وأضاف المتحدث ذاته أن المسألة تتعلق بأمرين هامين، الأول بصعوبة مهام حراس الشواطئ لعدم توفر هذا الجهاز على التقنيات التي تحد من الظاهرة، خاصة أن مغادرة هؤلاء الشباب للشريط الساحلي عادة ما تكون بين منتصف الليل والثالثة صباحا، أما الأمر الثاني فيخص ضلوع أولياء هؤلاء الشباب في عملية الهجرة غير الشرعية من خلال مساعدتهم على توفير الأموال التي تجعلهم في خدمة شبكات الهجرة السرية، على اعتبار أن هناك أمهات بعن مجوهراتهن لأجل تحقيق حلم أبنائهن· وقال محدثنا  »لا أحد من السلطات بادر إلى الاتصال بعائلات المهاجرين غير الشرعيين لمعرفة العدد الفعلي للحرافة المفقودين عدا المراسلة التي وجهتها إلى السيد وزير العدل حافظ الأختام، حيث تم سماعي، الأسبوع الماضي من طرف النائب العام لدى مجلس قضاء عنابة، بالإضافة إلى ذلك أبدى السفير الإيطالي بالجزائر كتابيا استعداده للاستعلام عن هؤلاء الحرافة في كل من إيطاليا ومالطا وتقديم المساعدات اللازمة » · كما طالب السيد بلعابد كمال في اتصال هاتفي بمسؤولي الجيش الوطني والقوات البحرية لضبط موعد لمقابلة قائد الأركان وكذا قائد القوات البحرية لمدهما بالمعلومات عن الحرافة وشبكات الحرفة بالساحل العنابي· شبهة الانتماء إلى الجماعات الإرهابية تشير المعلومات التي استقتها العائلات من بعض الحرافة الذين عاودوا الدخول إلى أرض الوطن، بأن هناك من الحرافة من أخطأ مساره ودخلوا المياه الإقليمية التونسية مما عرضهم للتوقيف من طرف القوات الأمنية التونسية· وفي هذا الصدد تقول عائلات الحرافة إن المعلومات التي تحصلت عليها عند تنقلها إلى السفارة الجزائرية بتونس تفيد بوجود حوالي عشرين جزائريا ممن شوهدت صورهم لدى مصالح السفارة الجزائرية قد تقدمت عائلاتهم ببلاغات إلى السفارة وقوات الأمن التونسية للتحقيق والبحث عن أبنائهم الذين يقولون بأنهم تم توقيفهم من طرف الأمن التونسي عندما اخترقوا بالخطأ الحدود البحرية والبرية التونسية بشبهة الانتماء إلى الجماعات الإرهابية، خاصة وأن معظمهم أوقف بعد يومين فقط من تاريخ 11 أفريل الذي تزامن مع التفجيرات في كل من العاصمة الجزائرية والدار البيضاء المغربية· وذكر والد صابوني فيصل الذي غادر شواطئ عنابة رفقة ستة من رفاقه في 24 ماي الماضي، في حدود الساعة الحادي عشرة ليلا،   »تلقيت مكالمة هاتفية من المسمى بن سطوح منير الذي أعلمني بقيامه بطلب النجدة عندما تعرض القارب إلى عطل في عرض البحر، وفي اليوم الموالي على الساعة الواحدة والربع زوالا وجد القارب الذي كان على متنه المسمى هادف رياض من بلدية التريعات في عرض المياه الإقليمية التونسية بالقرب من الهوارية من طرف أحد الصيادين، حيث تم نقله إلى المستشفى، في حالة خطيرة، حيث توفي هناك، وتم نقله بعد ذلك إلى مسقط رأسه »·   (المصدر : صحيفة « الخبر » (يومية – الجزائر) الصادرة يوم 30 جويلية 2007) الرابط: http://elkhabar.com/quotidien/lire.php?idc=34&ida=76509

في زيارة بيئية إلى جزر قوريا:

** تنوّع نباتي وحيوانـي نــادر.. ** دعوة للاستثمار السياحي البيئي

 
جزر قوريا التي تمت زيارتها في اطار الملتقى الاعلامي حول الاجندا 21 بطبلبة يومي 28 و29 جويلية لا يمكن وضعها الا ضمن المناطق الجميلة جدا والتي تستحق توظيفها واستغلالها في المجال السياحي الذي يراعي حمايتها وديمومة جمالها الطبيعي. انتهاء مرحلة تشخيص الوضع الحالي على الرغم من حداثة تركيز لجنة الاجندا 21 المحلية بطبلبة ـ مارس ـ 2007 فقد تم تشخيص الوضع الحالي في كل المجالات المتعلقة بالتهيئة العمرانية والتربية والثقافة والعمل الجمعياتي وفي الصحة والشؤون الاجتماعية وكذلك البيئة والفلاحة والصيد البحري وايضا في مجال الصناعة والخدمات وذلك ضمن لجان تضم كل واحدة حوالي 25 عضوا وفي حديث خاص جمعنا برئيس لجنة الاجندا 21 المحلية الدكتور مختار بوشهدة افادنا انه تم تشريك كل الكفاءات ووممثلي المجتمع المدني وممثلي المؤسسات الوطنية والخاصة في المرحلة الاولى من الاجندا وابرز ما تم رصده من خلال الاستمارات التي تم توزيعها بشكل مكثف بلغ 1500 استمارة ومن خلال عمل اللجان واللقاءات ان مدينة طبلبة في حاجة الى مركب رياضي متكامل ومتحف بحري ومعهد للبحوث والدراسات الفلاحية وعلوم البحار واحداث ملكية عمومية ومتحف للعادات والتقاليد والتراث اضافة الى احداث منطقة صناعية ومنطقة للحرفيين مع احداث مركب ترفيهي بمنتزه 11 جوان وفيما يخص الانجازات اشار الى انتهاء مرحلة اعداد الدراسات لتأهيل حديقة في مدخل المدينة في اطار برنامج الاجندا 21 بدعم من وزارة البيئة وقدره 8 الاف دينار وتبلغ مساحة الحديقة 500 متر مربع. من اجل قطب سياحي هام مدينة طبلبة ساحلية في ولاية المنستير، تمسح 560،21 كم2 ويبلغ عدد سكانها 7498 ساكنا وتحدها كل من البقالطة وصيادة والمكنين. تتنع مدينة طبلبة بميزات خاصة ابرزها وجود مواسم جني الغلال والثمار يمكن توظيفها واستغلالها سياحيا. اما جزيرتا قوريا الكبرى والصغرى فتفصلهما عن مدينة خنيس حوالي 20 كلم في شمال شرق مدينة المنستير وهما مصنفتين ضمن الملك العمومي البحري، وتتمتع بمناخ معتدل ومعدل امطار 450ملم/السنة وتتمتع بتنوع نباتي وحيواني بري وبحري. وابرز ما يميز حزيرة قوريا الكبرى تعشيش السلاحف البحرية في سواحلها وتعد هذه السلاحف من الحيوانات  المصنفة ضمن الحيوانات التي هي في طور الانقراض وتحرص بلادنا من خلال المؤسسات التابعة لوزارة البيئة والتهيئة الترابية وكذلك التابعة منها لوزارة الفلاحة والموارد المائية للعناية بهذه الحيوانات وتعهد اماكن تعشيشها وقد اكد السيد علي الواعر رئيس فرع المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار الذي انتقل معنا الى جزيرة قوريا انه هناك ثلاثة انواع من السلاحف البحرية في حين نوع واحد يقوم بالتعشيش في سواحل قوريا وخلال هذه الفترة يتم تكليف فريق من ثلاث افراد لحراسة الشريط الساحلي للجزيرة ومتابعة ورصد السلاحف القادمة للتعشيش ولحماية البيض. وعن المخاطر التي تتعرض لها اشار الى التلوث الناجم عن وجود الحاويات البلاستيكية التي تأكلها السلاحف على سبيل الخطأ ظانة انها كائنات بحرية كما اشار الى وسائل الصيد التي تقضي على عدد منها كما اشار الى تأثير الاضاءة السلبي على السواحل التي يمكن ان تعشش فيها وفي حديث خاص افادنا ان عدد السلاحف الذي يتم الاعلان عنه ميتا في السواحل التونسية حوالي 100 سنويا كما ان عدد التي تعشش في جزيرة قوريا هو حوالي 25 سنويا وبامكان السلحفاة ان تبيض مرتين في السنة خلال فترة لا تتجاوز خمس عشر يوم وتضع في كل مرة حوالي 100 بيضة كما اشار الى مركز الرعاية والدراسات للسلاحف البحرية المحدث سنة 2003 بالمنستير يتدخل لانقاذ ومداواة السلاحف المصابة والمريضة. كمال الامين (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 31 جويلية 2007)

اخبار الصباح   
 
** المعوق ومعضلة النقل رغم التشريعات الهامة الموضوعة لفائدة المعاقين.. فإن ما نشاهده على أرض الواقع يبعث على التساؤل: متى سيتمتع المعوق بحقه في العيش دون التعويل على أحد ودون طلب معونة أحد.. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة خاصة إلى أن المعوق يعاني كثيرا من معضلة التنقل عبر وسائل النقل العمومي نظرا لأن المحطات غير مهيأة بكيفية تسمح للمعوق باستخدام وسيلة النقل بسهولة ودون تعويل على الغير. ** تعيينات في وزارة تكنولوجيات الاتصال  تعلم وزارة تكنولوجيات الاتصال انه تقرر تعيين السادة: ـ الناصر عمار مدير المدرسة العليا للمواصلات ـ بلحسن الزواري مدير عام الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية ـ رضا قلوز مدير عام مركز الاعلام والتكوين والتوثيق والدراسات في تكنولوجيا المواصلات. ** تعيينات بوزارة الفلاحة تعلم وزارة الفلاحة والموارد المائية انه تم تعيين السادة الاتي ذكرهم بالادارات العامة والمؤسسات العمومية الراجعة لها بالنظر وذلك على النحو التالي: ـ المركز الوطني لليقظة الصحية والحيوانية: حبيبة الغول ـ وكالة المواني وتجهيزات الصيد البحري: محمد نظيف ـ شركة استغلال قنال وانابيب مياه الشمال: الحبيب عزيز ـ ديوان الحبوب: محمد فاضل الزرلي ـ الوكالة العقارية الفلاحية: لطفي بالحاج ـ وكالة الاستثمارات الفلاحية: شكري العياشي ـ المجمع المهني المشترك لمنتوجات الدواجن والارانب: رياض كرمة ـ معهد الزيتونة: بوبكر الكراي ـ المعهد العالي للدراسات التحضيرية في البيولوجيا والجيولوجيا بسكرة: محمود الياس حمزة ـ الادارة العامة للصيد البحري وتربية الاسماك: الهاشمي الميساوي ـ الادارة العامة  للتمويل والاستثمارات والهياكل المهنية: علي العايدي ـ المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية ببنزرت: محمد الرحماني ـ المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بمدنين: مسعود بقي ** مخيم صيفي مشترك لكبيرات السن من تونس والجزائر حرصا على مزيد تعزيز علاقات الاخوة والتعاون بين تونس والجزائر في مختلف المجالات وخاصة في مجال رعاية المسنين، تستضيف بلادنا من 29 جويلية الى 08 أوت بمنطقة شط مريم بولاية سوسة، المخيم الصيفي المشترك لفائدة كبيرات السن من تونس ومن الجزائر. ويتنزل تنظيم هذا المخيم الذي يضم 15 مسنة جزائرية و15 مسنة تونسية في اطار تبادل الزيارات ويتضمن برنامج هذا المخيم الصيفي سلسلة من الفقرات الترفيهية والتنشيطية والتثقيفية الموجهة للمسنين بادارة مرافقين مختصين من البلدين الشقيقين. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 31 جويلية 2007)

 


شواهد عطلة صيف تونسية: عرس جنائزي و »حسينية » نحاسية

 
حسن بن عثمان (*)  هل ثمة علاقة أو تشابه ما بين الزواج والموت، بالأحرى الدفن؟ ليس هذا بسؤال نافل ومثقفاتي، ولكنه مشتق من صميم الواقع. عرس باذخ بجوار مقبرة، وطقوس احتفالية فيها الموسيقى النحاسية وفيها قراءة الفاتحة والدعوات والابتهالات، وأكاد أقول الترحمات والصلوات، يُزفُّ على إثرها عريس لعروس. يدلفُ حينها العريس للخلوة بعروسه في غرفة نوم تُشرف نافذتها، بل تُفتح، على مقبرة القرية… كأنه عرس، كأنها جنازة. عرس جنائزي، أو جنازة عرسية. كأنه دفن لحياة معروفة في انتظار ما يمكن من حياة غير معروفة. شخص ما عوض أن يدفن في التراب يدفن في مشقوق عروسه، قبر أنثوي من لحم ودم، وحين يسيل الدم، تقليديا أو تقليدا للتقاليد، تُشعل الشموع وتُضاء الوجوه وتتصاعد الموسيقى وتنتاب الراقصين الشاطحين والراقصات، والنائحين المولولين والنائحات المولولات، هستيريا الجسد المتلوي، الضاج بالحركات وبالعذابات وبالأصوات… حين تستولي الرغبة بالذوات، رغبة في التنكيل بالنفس وبالنفيس والاحتفاء بهما في آن واحد. *** كثيرا ما تشبه طقوس الأعراس طقوس الجنازات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. الذبائح نفسها والمهنئون أو المعزون يتقاطرون في حللهم الطقوسية، يأكلون ويشربون بالشراهة ذاتها، ويلوكون تعابير الفرح والحزن ويتبادلون النميمة والشماتة والبغضاء، ولا حرمة لأعراسهم ولا لجنازاتهم، لا لأفراحهم ولا لأتراحهم، وقلّما تكون لغتهم صادقة ومشاعرهم شاعرة، كلّما طُرح على اللغة أن تكون لغة وللمشاعر أن تكون مشاعر. نحن بصدد قوم لن تقوم لهم قائمة، مادامت حياتهم مرآة لموتهم بلا تمييز، والعكس صحيح بلا تمييز. سواء بسواء، فوق الأرض أو تحتها. لا رغبة لي في الوصف وفي التوصيف، ولا في أن أنقل وقائع الواقع، ولا في تشخيص الأحداث والأشخاص. حقا، كان عرسا ليس مأتميا ولا جنائزيا، تقريبا، وجرت وقائعه الاحتفالية قرب جبّانة مليئة بالقبور وشواهد القبور، ولن أخيّب ظن أي شاهدة من شواهد القبور في شهادتي التي أباشرها طوع رغبتي وإرادتي. المسألة أن الأعراس في تونس، وفي غير تونس من البلدان الشبيهة، مدوّْخة من فرط ما تهيّج العقول والمشاعر والغرائز، إلى درجة أنها تشيع في النفس التفكير في الدم والموت، بما يعني التفكير فيما وصلنا، أو ما توصلنا إليه، من جموح حياة عنيفة عفنة لم نعد قادرين على التحكّم فيها. صارت الأعراس عندنا غزوة أو إغارة أو مشروع عمارة بطوابق شاهقة تتفوق على ناطحات السحاب، بلا نطح معرفي ولا طعن وجودي ولا شوق عاطفي. وعمرها لم تفكر في السَّكن والسكينة. هي بالضبط مثل جنائزنا وموتنا المشغول بحساب القبر والعذاب، ولا تفكير له في النفس الراضية المطمئنة التي ترجع إلى ربّها الرحمان الرحيم، ذالك الذي اختصّ بالرحمة والرأفة والمغفرة وحسن العقاب وروعة الثواب. الذي خلق النفس الإنسانية فأحسن خلقها، مهما كان قبحها أو اعوجاجها. حينها، قياسا على ذلك، ستحاسب النفس ربّها، إذا عكسها ربّها، قبل أن يتجرأ ربّها على حسابها. ما ذنب الموؤودة ؟ ما ذنب بلدان وأمم وشعوب توأد؟ يئدها ربّ سابق أو ربّ راهن من شريعته الرهن ورهينته أفراد وشعوب وأمم. *** ما هذه الأديان حين تصبح ديونا في عنق الإنسان؟ خصوصا لإنسان لا رصيد له في أي بنك من بنوك الإيمان والكفران؟ *** في عرسنا الذي انطلقنا منه كانت العروس محجبة وكان العريس سافرا. كانت العروس محجبة حديثا وجميلة دائما، في غاية الجمال، تقريبا، وكان العروس شابا وسيما مكتمل الهيئة مكتمل العقل، تقريبا، وله ذهن وقاد، تقريبا، وله تفكير صائب، تقريبا، وأرجو أن يكون له حظ طيب مع عروسه ومع الدنيا. أرجو ذلك مطلقا. كان العريس شخصا رائعا متفقها في القانون، وله فيه إجازة جامعية وتجارب، ولا يرغب في تهمة الحجاب بمدلولاتها الاجتماعية والدينية والسياسية، وكان سافرا سفور الطوارق الزرق، ولا يرغب في زوجة متحجبة. شاء الوقت، وشاءت العلاقات الأهلية القروية، أن يكون هو لها وهي له. بارك الله لهما في زواجهما الذي عزفت فيه، من العزف وليس من العزوف، فرقة موسيقية حسينية نحاسية محلية. اختار العريس أن تكون الفرقة نحاسية حسينية، لا فرقة إنشادية سُلامية، أو إسلامية، لمزيد التفصيح. أن يدخل على عروسه إيقاعات ذلك النوع من الموسيقى ذات الرنين العسكري. *** الحسينية فرقة موسيقية اشتق اسمها من اسم أول بايات تونس الأتراك، حسين بن علي، وكل سلالة عائلة الحسينيين البايات السنّيين، مسألة لا علاقة لها بالشيعة ولا بالتشيّع، رغم يقيننا أن كل المسلمين شيعة لآل البيت، ليس ذلك على الطريقة المذهبية ولا الإيرانية… بالمعنى المذهبي الإيديولوجي المقيت. حسينية تونس الراهنة هي حسينية موسيقية، وليست حسينية تعبدية، ولا حوزة علمية فقهية مذهبية، على أي مذهب من المذاهب المعروفة، المغرمة بالذهب، ولا ذهب لها من أرصدة الذهب، رغم أن حسينية أعراسنا تتذكر في إيقاعاتها عسكرا تركيّا انكشاريا لا يرحم، وحين يصطخب نحاسها بالتهليل والتبريكات والصلوات، نسمع من بعيد نشيد جيوش الفاتحين لآخر عصر إسلامي، بما يجعل العريس جنديا فدائيا مقبلا على معركة حياته أو موته، وعليه أن يفتح ما بين فخذي عروسه فتحا بطوليا مبينا، بما يسيل الدم، دم البكارة تحديدا، تشجعه الموسيقى العسكرية وترفع من معنوياته وعزيمته. والويل كل الويل للجندي المسلم الأخير من الهزيمة في ساحة الوغى. عليه أن يستبسل، إلى آخر رمق في حياته، من أجل فتح ثغر من الثغور. ثغر زوجته الأفقي أو الآخر العمودي السفلي. حتّى وإن كان في النفس شيء من حتّى، في غياب المعارك والحروب تلك التي عدّتها وعتادها خيول وسيوف ورماح ودروع. ماذا يفعل المسلم في حروب جديدة لم تعد ساحتها الأرض ولكن هي السماء، يا للمفارقة، والسماء التي يسكنها الله صارت حليفة للأعداء. كيف نستعيد الماضي ونعدم به هذا الحاضر العدوّ الذي يخوض حروبه بالذكاء والدهاء والعلم والتكنولوجيا، وليس من مهامه الفتح. تنازل عن البكارة ومفاهيم الشرف البالية وأبدع لنفسه منظومة أخلاقية تناسبه وأنساق من الكرامة والشرف سليلة تاريخه. *** فرقة موسيقية حسينية ليست مختصّة في الإنشاد الديني مثل السلامية التي يكمن اختصاصها الدفوفي في التسليم على الرسول محمد بصفته سيد الخلق حسب أنغامها المتصاعدة. *** حسينية الأعراس. تلك أمور حربية تتقنّع بموسيقى صارت سلمية مدنية. متى كانت الموسيقى بريئة حتى وهي تهلل بالدفوف « طلع البدر علينا »؟ وهل في قرع النحاس من سلم وسلام، كلما خاطب في أغوار النفس الإنسانية أشواقها الخالدة وقناعاتها المطلقة وغرائزها الصميمة. كم في سلمنا من عدم سلام، وكم في مدنيتنا وتمدننا مِن لا معنى المدينة واكتساح للبدن المثقل بغرائزه، ولا عقل فيه يتحكم في الغرائز؟ كلنا شيعة في السواد البهيج وفي جَلد الأجساد وإدمائها وإسالة دمها الأحمر القاني. تذكروا، تذكروا جيّدا، أن أول الصور التي شاهدها العالم للعراق إثر احتلال العراق هي لحجاج الشيعة (انسوا الحجاج ابن يوسف الثقفي أيها المثقفون!)…. حجاج الشيعة الذين كانوا يمشون المسافات الطويلة للوصول إلى مراقدهم المقدسة ولروضاتهم الطاهرة كأطفال وقع التغرير بهم، وهم يسومون أجسادهم سوء العذاب بسلاسل ونوابيت وكرات من حديد يطرقون بها أبدانهم ويخربونها، ويجعلونها تنزف. ما أذكى صورة الاستعمار العالمي، وما أغبى وأقبح صورة معتقداتنا المنحرفة! يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدوّ بعدوّه! *** لكي نكون منصفين لا بد من قراءة الحسينية بكسر الحاء والسين لا برفعهما، حسب نطق أهل تونس. وتثنية على ذلك نبدي ملاحظة مفادها أن كل ما توصلنا إليه من تخريجات في هذا الصدد هي من المتاح اللغوي الذي يستدعي التفكير، وليست من مصادر أو مصادرات مرجعية، ولنا قابلية لتعديل ما ذهبنا إليه فيما لو وقع تقديم ما يصحح القول، فنحن مع الصحة والأصحاء، لا مع العلّة وبنت العلّة والمعلولين وأبناء المعلولين، فمرحبا بكل تصحيح، حتى في شكل تكذيب وتسفيه. أما في خصوص العلّة وبنتها، والمعلولين وأبنائهم، سيجمعنا بهم مقام آخر، ليس في الحسينية ولا في السلامية، على كل حال من الأحوال. حينئذ سنعرف كيف نوفيهم قدرهم ومقامهم، لهم أيضا في الحسبان قدر ومقام، في شاهدة أخرى من شواهد عطلة صيف. (*) كاتب وروائي من تونس (المصدر: موقع « الأوان » بتاريخ 30 جويلية 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1248&Itemid=7

 


عن الذات والغيرية: الآخر مؤسِّسا…

 
صالح بشير (*)   ليس ما يهدد الذات والكيان والهوية كالآخر المثيل، كالآخر غير الناجز الغيْرّية، أو الملتبس الغيرية، أو ذلك الذي لا تكون غيريته تحصيل حاصل، بديهية من تلقائها، بل يجب ابتعاثها وبناؤها، لبنةً أولى في بناء الذات أصلا، إذ أنها أساس وجود هذه الأخيرة أو شرطه الشارط. كل خلق إنما هو فعل تمييز أو تمايز، يصح ذلك على كل شيء، وعلى إيجاد الذات واجتراحها في المقام الأول. فالتماثل، إذ يطمس الحدود، أيا كانت طبيعتها، ويفسّخها، إنما يجعل خطر الاندثار والفناء محدقا وشيكا. التماثل سديم، والمغايرة كون (كوسموس): ذاك اختلاط فَتَلاشٍ وتحلّلٌ، وهذا تمييز، فتحديدٌ للأشياء وتكوين لها. الآخر إذن هاجس مقيم، أصلي، لدى كل كائن إنساني، يلابس مختلف أوجه كينونته تلك، في أبعادها النفسية والاجتماعية والحضارية ونحوها. مشكلة كل « أنا » هو الآخر، ولكن ليس الآخر بإطلاق، ليس الآخر المطلق، بل ذلك الذي يشاطرها جوهرا ما، أي ينازعها جوهرا ما، لا بعض سمات خارجية أو نافلة. الآخر الناجز الغيرية، محسوم أمره، فهو إلى الحياد أو إلى اللامبالاة أدعى، أو أن العداء حياله، في حال نشوبه، قابل للعقلنة، محدودة ومعيّنة مجالاته، أما الآخر النسبي، ذلك الملتبس في اختلافه والمُلابس في تماثله، فهو التحدي والإشكال، وهو التهديد، الماثل دوما، بفقدان الذات وفنائها في المثيل وفي الشبيه، لذلك يكون التمايز عنه جهدا دؤوبا وفعلا دراماتيكيا، أي فعلَ تأسيس وفعل وجود. قد يتعين إذن صرف النظر، أو على الأقل الاعتصام بقدر من النسبية المتشككة والمرتابة، حيال أفكار كثيرة ترسخت وشاعت، في صدد الأنا والآخر، حتى احتلّت مصاف البديهيات الكبرى وقامت مقامها، يرددها كلام « إنسانوي » قد يكون سخيّا من حيث السجيّة والسريرة ولكنه ساذج من حيث استقرائه للأمور، يذهب إلى أن الآخر إنما يُصَدُّ وإنما يُخيف لفرط غيريته ولإمعانه فيها بعيدا، أي لأنه الآخر المجهول، وأن إرساء التسامح هو الإكسير لرأب كل صدع ولإحلال طوبى الأخوّة الإنسانية الشاملة، فإذا الكلام ذاك يسوّغ، كما سنرى، من حيث يدري أو لا يدري، ما يسعى إلى تفنيده. والحال أن التمعن في الظاهرة تلك يفيد بغير ذلك وبعكسه، بأن الآخر المُشكِل، إنما هو الآخر القريب الداني، إنما هو الآخر « الشريك » لا المنقطع وذلك المعلوم لا المجهول. فالآخر المُعطى، البيّن الغيرية، لا يكاد يستثير (إلا الفضول!)، لأن الذات منه في مأمن، بمعنى أنه يحمل برهان اختلافه عنها في يده، وبمعنى أن تمايزه عنها جليّ، ساطع، مفروغ منه، في حين أن الآخر الداني أو الملابس، يسائل الذات في صميمها، ويواجهها بتحدي الهوية على أبلغ نحو وأخطره. فكلنا، وإن بدرجات شتى، نرسيس الأسطورة الإغريقية، ذلك الذي تهدده صورته المطابِقة بالفناء، وكلنا هارب من صورته المطابقة تلك، جاهد في نكرانها. يجب أن يؤخذ كلام العنصريين وكارهي الأغراب بأنواعهم، في كل الأزمنة والأمصار، على محمل الجدّ، فهو بذيء وضيع أخلاقيا، لا جدال في ذلك (أقله في نظرنا وفي نظر من يرون رأينا)، ولكنه بليغ الدلالة كدلالة الأعراض على الأمراض، وذلك في أمر أساسي: أن العنصريين أولئك، إذ ينطقون باسم ذات تستشعر تهديدا، حقيقة أم هلوسةً، لا يصبّون جام حقدهم إلا على الآخر القريب، ذلك الشريك في ما هو جوهري وأساسي، أي ذلك الذي لا يمكنه أن يكون آخر، وأن يكتسب صفة الغيرية، إلا بفعل إرادي، وإلا إن اصطُنع اصطناعا. فالآخر ليس آخر إلا بوصفه بعض ذات ولأنه « ناطق » بتشابه مبهم أو معلوم. وإذا كانت الهوية لا تستقيم إلا ضد الآخر، فهي لا تقوم إلا به أيضا. شرطان ضروريان بالتساوي، لا ينفي أحدهما الثاني بل يتطلّبه. معاداة السامية، كما عهدناها في صيغتها الكلاسيكية الغربية، إن تلك الدينية كما سطرها « لاهوت » الكنيسة الكاثوليكية ودان بها طيلة قرون، وإن تلك « العرقية » كما تجلت، على أفظع نحو، في النازية، تمثل في هذا الصدد مثالا نموذجيا. ففي الحالتين، كان اليهود (ولا يزالون؟) الآخر الحميم بامتياز، التباسا وملابسة، في ثقافة تصف نفسها بأنها « يهودية-مسيحية »، أقله في وجهها الروحي وفي القيم التي تحسبها آية فرادتها بين الثقافات، ولكنها انفقت كامل تاريخها المديد، إلا خمسين سنة أو ما يزيد على ذلك بقليل، تضطهد اليهود… وبديهي أن « لكن » الاستدراكية هذه قد لا تكون في موضعها، فبين تلك الحميمية وذلك الاضطهاد وشيجة تلازم لا تنافر. إذ لم يقيّض ربما لديانة أن اصطفَت من يمثل آخر »ها » بامتياز كما فعلت المسيحية حيال اليهودية، إذ منحت غيرية هذه الأخيرة، بذلك المعنى الذي سبقت الإشارة إليه أي الذي لا يكتسب دراميّته إلا من نسبيّته، صفةَ التأسيس. قد لا توجد ديانة بلغت في دحض ديانة أخرى كما في تبنّيها وفي تضمّنها في الآن نفسه، فاشتُقّت منها وضدها، شأوا كذلك الذي بلغته المسيحية في علاقتها باليهودية (والمسيحيون في علاقتهم باليهود، فعلا تاريخيا مسترسلا). فأخذت الأولى من الثانية تاريخها، تعاليمها، وكتابها المقدّس الذي أضحى لديها « العهد القديم »، تستكلمه الأناجيل ولا تُلغيه، ونبذتْها. ولكن النبذ ذاك لم يكن فعل انصرام وانقطاع استوفته لحظة تاريخية معيّنة وعُدّ من منجزاتها، بل أنه اضطرد عبر التاريخ معاصِرا أبداً. الإسلام جبّ ما قبله من أديان (وإن لم يُقلع عن مساجلتها) وجعل الأمر ذاك فعلا منصرما منقضيا، أما المسيحية فهي ما انفكت، طوال تاريخها، عن إجراء عملية الجبّ تلك، تستحضرها، أي تدرجها في حاضر لا يزول، وتعيشها سرمداً، في علاقتها باليهودية. المسيحية ما انكفت، في كل لحظة من تاريخها، تجبّ اليهودية. مهمّة لا يستنفدُها زمنٌ، أقله ما لم تستتب العلمانية التنويرية (استتبابا كان موقتا على ما يرى البعض، وربما ولجْنا طور أفوله). فجريمة قتل السيد المسيح، إذ استهدفت الله في شخص ابنه، ليست فقط جريمة لا ينالها الغفران، بل هي كذلك مطلقة مسترسلة في كل آن، وكذلك ما تستوجبه من قصاص، وذلك ما يفسر بطبيعة الحال استثنائية الاضطهاد الذي لحق باليهود في العالم الغربي، الكاثوليكي منه على نحو خاص. إذ تتأسس المسيحية، أو لبها الإيماني ممثلا في فكرة الفداء، على تلك الجريمة. واليهود كانوا أداة ذلك الفداء ومقترفيه. وهم بذلك ضرورة بالنسبة إلى المسيحية، لا تقوم إلا بهم كما لا تقوم إلا ضدهم، على ما هي الوظيفة الباراديغمية للآخر، ذلك الحميم الذي يكاد يكون مثيلا، في تأسيس الذات. وبهذا المعنى، ربما أمكننا المجازفة بالقول أن « المحرقة » إنما كانت وجها من أوجه إلحاد النازية، أو أحد أكثر تلك الأوجه جذرية، لأن النازيين، إذ سعوا إلى إبادة اليهود والقضاء عليهم قضاء مبرما، ربما هددوا بنسف المسيحية ذاتها، أو على الأقل بمواجهتها بتحدٍّ من قبيل وجودي، من خلال حرمانها من « آخرها » الذي به تتميز والذي يمثل حضوره هدفا مقيما للتأثيم وللقصاص، شريكا-مضادا في الوجود. فعيسى ابن مريم، في نظر المسيحيين، هو كلمة الله وقد تفعّلت في التاريخ البشري، أي في استمراريته، في لحظة يجب أن تبقى راهنة دوما، بكل حيثياتها. هذا فضلا عن كون الذات أو الهوية، وإن تأسست على ماض، فإن من شروط هذا الأخير في مثل هذه الحالة، على ما سنحاول تبيانه لاحقا، أن يكون ماضيا لا يمضي. بطبيعة الحال، لم تكن اليهودية « الآخر » الوحيد الذي كان على المسيحية أن تكابده « شريكا-ضدا »، أي آخر يتوقف على وجودهاشتقاق الذات، قبولا انتقائيا وتبرؤا انتقائيا، في مسار واحد وحيد، بالغ الحدّة في وجهيه ذينك، بل كان لها، طوال تاريخها المديد أغيار آخرون، اضطلعوا بتلك الوظيفة، وفق الجدلية إياها، وكان لهم دورهم في بلورة أصعدة مختلفة من هوية الغرب ومما يعتبره سماته الفارقة والملازمة. الإسلام كان، ولا يزال، بلا منازع أحد أولئك الأغيار، ولكن غيريته، وهي أساسية، حضارية في المقام الأول، وهو ما سنعود إلى الخوض فيه، على خلاف اليهودية التي لم تُقم يوما حضارةً، بل تأسست حصرا كعقيدة، وكانت غيريتها العقيدية تلك، المستندة أيضا إلى أسبقيتها التاريخية، هي العنصر الحاسم في علاقتها بالمسيحية. ذلك أن الذات (الثقافية والحضارية)، وهي بطبيعة الحال غير وحيدة البعد، لا تساوي بين أغيارها الكثر، تزامنا أم تعاقبا تاريخيا، بل ترتّبهم أصنافا وتسند إلى كل منهم وظيفة، في عملية بالغة التعقيد والتشعب وغير منتهية. إذ ليس الآخر هو من يرشح نفسه، بالضرورة، لمنزلة « الغيرية » تلك، بل أن الذات المُقابلة هي التي تصطفيه غالبا، لحاجة فيها أو لهشاشة تستشعرها وتروم تلافيها وردمها. وفي هذا الصدد أيضا، تمثل علاقة المسيحية باليهودية حالة « مدرسية »، إذ يقدم تاريخ نشوء المسيحية، أو صيغته المؤسطرة (وهي الوحيدة المتداولة على أية حال)، لحظة فارقة في كيفية تعيين الآخر و »اصطفائه » وفي التمييز بين الأغيار وفق الجدوى المنشودة منهم في عملية بناء الذات. هنالك واقعة « أساسية »، أي ذات صبغة تأسيسية، في الشأن الذي يعنينا هنا من ذلك « التاريخ »، هي المتمثلة في إقدام المسيحية على التمييز بين مسؤولية معنوية في قتل السيد المسيح، نسبتْها إلى اليهود، وأخرى مادية، نسبتها إلى المحتل الروماني، مع ترجيح الأولى ترجيحا يكاد يبلغ مبلغ الاقتصار عليها. هذ التمييز تكثفه « صورة » بالغة الدرامية (والمسيحية أكفأ الديانات السماوية في استخدام الصّور، الذهنية والمادية وربما كان ذلك بعض أفضل ما ورثته عن العالم الوثني القديم وثقافته)، هي صورة الوالي الروماني بيلاطس البونطي، وهو يغسل يديه، على رؤوس الملأ، من دم السيد المسيح. والفعل ذاك « برّأ » الوالي من قتل السيد المسيح، فجُرِّم الحاضّ على تلك الجريمة (المؤسسة اليهودية) لا مرتبكها التنفيذي (السلطة الرومانية)، أقله وفق منطق تلك « المحكمة » البالغة الخصوصية، محكمة اصطفاء الآخر الذي تُجترح الهوية منه وبالضدّ منه. وكان ثمن ذلك التحايل على ما قد يكون مجريات التاريخ وعلى ما قد يكون منطق ميزان القوة ووقائعه، فإذا ممثل الإمبراطورية، المخوّل إصدار حكم الإعدام (على الطريقة الرومانية، أي صلبا) وإنفاذه بواسطة رجاله، مجرد أداة يتوسلها قادة طائفة صغيرة وهامشية، في إقليم من أقاليم الإمبراطورية ناءٍ قصيّ! ونحن لسنا هنا، بطبيعة الحال، بصدد « تبرئة » اليهود من قتل يسوع، فذلك أمر لا يعنينا البتّة وهو ليس من مشاغلنا، بل أن كل ما يهمنا هو محاولة النفاذ، من خلال هذا المثال، إلى كيفية اشتغال آلية إنتاج « الآخر ». ذلك أن « تبرئة » السلطة الرومانية تكتسب في هذا المجال أهمية بالغة الدلالة، إذ هي رديف « تبرئتها » من صفة « الغيرية »: فهي، أي تلك السلطة، ليست هي « الآخر » الذي يعني المسيحية في ابتناء هويتها كعقيدة. لو تعلق الأمر باجتراح هوية سياسية مثلا، لاضطلعت تلك السلطة بوظيفة « الآخر » عن جدارة، لأن الذات « الوطنية » كانت ستُستخلص منها، وإن جزئيا، في هذه الحالة. ذلك أن المسيحية، حسب الأولوية التي أناطتها بنفسها، أي طلب الوجود كعقيدة قائمة الذات، تخرج من رحم اليهودية وترتد عليها دحضا، ترثها وتُنكرها، تستقي شرعيتها، التي لا يمكنها والحال هذه إلا أن تكون ملتبسة، من ذلك الإزدواج، ومن وجههيه على تناقضهما الظاهري… من انتسابٍ ومن تنصلٍ، ضروري كل منهما، يؤسسانها. فالذات تنبني، كما سبقت الإشارة، قياسا إلى آخر مشكِلٍ، تشاطره جوهرا ما وتنازعه فيه في الآن نفسه. قد يعترض مُجادلٌ أن علاقةَ غيريةٍ كتلك الآنفة الذكر قد تكون من قبيلٍ أقصى، ما قد يجعلها ضالعة في الاستثناء وفي الفرادة، لا مثالا يُعتمد ويُتوخى، يتجلى فيه ما يمثل خصوصية ذلك الضرب من العلاقة. وقد يستطرد ذلك المعترض أنْ ليس شرطا أن يكون الآخر نسبيّ الغيرية، حميما ملابسا للذات، له ضلع في تأسيسها بمقدار من المقادير وبمعنى من المعاني ، حتى تكون العلاقة به درامية متوترة وحتى تكون جوهرية ووجودية في دراميتها وفي توترها. قد يكون. ولكن أمرا كذاك لا يصح الجزم فيه إلا بعد تجاوز انطباع الوهلة الأولى وإلا بعد استنفاد النظر فيه من وجهين: أولهما التأكد من عدم وجود بُعد نسبي في علاقة كتلك (تظهر بمظهر التباين المطلق) لم يجر التنبه له واستجلاؤه واستبطانه، وثانيهما، استتباعا، التحوّط من الوقوع في شرَك خطاب الذات حول تمايزها وما تدّعيه له من اكتمال، علما أن الخطاب ذاك إيديولوجي طبيعةً، أي يهدف إلى طمس عناصر التماثل وإلى تمويهها بانتحالها آياتِِ اختلاف مبرم، وينشد الاقتناع بذلك والإقناع به. لنأخذ مثلا نصابا عنصريا « كلاسيكيا » كذلك الذي ميّز تاريخ الولايات المتحدة واحتل فيه مكانته المعلومة، حتى كان ذريعة حربها الأهلية ومرتكزا من مرتكزات بنائها الاجتماعي، بما في ذلك على الصعيد التشريعي (حيث كانت التفرقة العنصرية مكرَّسة قانوناً في عدد من الولايات حتى عقود قليلة خلت، أي حتى ستينات القرن الماضي)، كما لا يزال حتى اللحظة من السمات الفارقة لذلك البناء أو من عاهاته الصارخة (يتوقف الأمر على زاوية النظر، توصيفا باردا أم حكما معياريّا). وقد قام ذلك النصاب على التمييز الأصلي بين أقصييْن متلازمين: البيض، والواسبيون منهم في المقام الأول من طرف، والسود الأفارقة من طرف آخر، فزج بهؤلاء في مفارقة مأساوية مدى وأبعادا، إذ منحهم موقعا تأسيسيا في بناءٍ قوامه التعدد العرقي، في ما جعلهم أكثر من يرزح تحت وزره ووطأته. فالتفرقة بين البيض الواسبيين والسود، وهي بداهة الأكثر حدة، تبدو بمظهر خط الانقسام الأساسي أو الأصلي الذي تتفرع عنه بقية مظاهر التمايز العرقي الأخرى، بصيغ متفاوتة، في مجتمع يقوم على التعدد، وهي من وجه آخر، ومن جراء منطقها ذاك ذاته، تجعل السود الأكثر تضررا والضحية « الأبدية ». لذلك، قد لا تصح صفة « الهامشية » على الأفارقة الأميركيين، بهذا المعنى البنيوي، وإن انطبقت تمام الانطباق على مرتبتهم الاجتماعية-الاقتصادية، بل يمكن القول أن هذه الهامشية الاجتماعية من تلك المركزية البنيوية ووجه من وجوهها. وفي هذا ما قد يدل على فرادة وضعهم (كآخر بامتياز قياسا إلى النخبة البيضاء) وبلوغه مبلغ الإعضال الذي قد يستعصي عن كل إصلاح، إن اقتصر الاصلاح ذاك على معالجة « طبقية » أو « حقوقية » تبقى دون النفاذ إلى البنية العرقية المُفترضة للمجتمع. والحال أن علاقة البيض بالسود تبدو كالناقضة لما ذهبنا إليه: إذ ما الجوهر الذي تشترك فيه الفئتان؟ لوهلةٍ أولى لا شيء. إن هي إلاّ علاقةُ غيريةٍ مطلقة على كل الأصعدة، من لون البشرة إلى الأصل والمأتى إلى الموقع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. لا شيء جوهريا تشترك فيه الفئتان وتتنازعان فيه وحوله، أو هكذا يلوح، أقله كانطباع أولي، وما كان للعلاقة بينهما، استطرادا ووفق الفرضية التي اعتمدناها في السطور السابقة، أن تكون على ذلك القدر من الدراميّة. لكن دعنا نتساءل، مع ذلك، حول ما إذا كان الانطباع ذاك ناجما، تحديدا، عن نجاح إيديولوجيا التفرقة في تمويه منطلقاتها وفي طمس أسسها الموضوعية؟ أول ما يلفت في تلك العلاقة بين البيض والسود أنها لا « تُنجب » خلاسيين. لا يعود ذلك، بطبيعة الحال، إلى استحالة بيولوجيّة، بل إلى « تعذّر » مكين من قبيل ثقافي، إيديولوجي، سياسي بل وقانوني في بعض الأطوار أو الأوجه… يعود إلى استنكارٍ وإلى إنكار من السطوة بحيث أنهما يزعمان إبطال ما تتيحه الطبيعة ولا تنفك تتيحه… والأنكى أنهما يفلحان في ذلك. الخلاسي، نتاج المعاشرة بين البيض والسود، « لا وجود له » في المجتمع الأميركي، لا مكان له على الخارطة العرقية للبلاد، وهو، متى ما اقترفته البيولوجيا (كيمياء آبقة لا تعبأ بالأعراف) يُصار إلى إبطاله بنسبته قسرا إلى إحدى الفئتين، تلك الأضعف طبعا، ما دام العرق الغالب، الأبيض بداهةً، هو الذي يعيّن ويحدد معايير النقاء، ويعرّف الإثنيات كما يعنّ له، مشيئةً « سيادية » ينفرد بها، لا مرجعية لها ولا مسوغ غير ذاته وذاتها، ضمن بنية هيمنة تستوجب بالتأكيد سبرا، ليس هنا مجاله. فعل الإنكار هذا، وفاعليتُه ومضاؤه على وجه التخصيص، تستوي مجتمعة أمارة بالغة الدلالة، إذ تفضح ما تزعم إخفاءه –وتنجح في ذلك أيما نجاح، إيديولوجيّاً وإجرائيا- وتفصح عنه. ذلك أن نفي كل تناسل عابر للأعراق، وعابر للعرقين « الأقصييْن » لا سيما، وتحويل أحد العرقين، ذلك الأسود، حاضنا حصريّاً لـ »الهجنة »، في معرض دحضها وادعاء نقاء الدم، إنما يمثلان (النفي والتحويل ذانك) إقرارا قويا، وإن عاند الصراحةَ عنادا قاطعا، بأن « الهجنة » تلك ماثلة ومركزية، فعلا أو احتمالا وترجيحا… فعلا لأن تاريخ الرق كان، في وجه من وجوهه، تاريخ استباحة جنسية قصوى، يقدم عليها المالك الأبيض وأفراد أسرته من الذكور دون رادع ودون تحمل تبعاتها « السلالية »، إذ يبقى من تثمرهم الأحشاء جراء ذلك الضرب من السخرة الجنسية، أبناء أو إخوة بيولوجيين، في عداد العبيد وفي مصاف الرقيق، تُُجحد علاقة القرابة بهم، بأن يتم إبطالها ثقافيا وإيديولوجيا، من خلال نسبتهم حصرا إلى العرق الآخر، الدوني، وقد يباعون متاعاً… واحتمالا، لأن النوازع البشرية لا تؤتمن، « أمّارة بالسوء »، يمكنها، إن أُرخي لها العنان، أن تفضي إلى اختلاط الدماء وامتزاجها. وهكذا، يبدو أن حتى تلك العلاقة بين واسبيّي أميركا وسودها والتي تلوح لوهلة أولى ناجزة الغيرية، طاعنة بصفتها تلك في الفرضية التي انطلقنا منها، إنما تؤكدها، على العكس من ذلك، وتبرهن عليها، أقله في هذه الحالة. فالفئتان تتقاسمان في حقيقة الأمر جوهرا، هو الذي يباعد بينهما لفرط ما يقرب بينهما، وهو الذي يسم العلاقة بينهما بميسم التوتر الأصلي الذي يكاد يكون تأسيسيا، والجوهر ذاك لا ينحصر في الاسم العَلَم، على خطورة هذا الأخير (إذ من المعلوم أن العبيد، بعد تحريرهم، اتخذوا ألقاب سادتهم السابقين ألقابا لهم، حتى أن المناضل الإفريقي-الأميركي مالكولم إكس، أعلن وضعيته كغُفل النسب واعتمدها لقبا، وسيلة لنقض العلاقات العنصرية وصرمها من الأساس)، بل إن الجوهر ذاك يتمثل في علاقة الدم، وهي ما هي في نصاب كذلك الأميركي، يقوم على التعدد الإثني وتمييز الأعراق، وينيط بالدم وظيفة المعيار الفصل في ذلك. ما من علاقة مشكلة، متوترة، وجودية إذن، إلا مع الآخر الحميم، إلا مع الآخر غير الناجز الغيرية… ذلك ما يفيد به المثالان الآنفان، وما قد يفيد به كل مثال آخر من قبيلهما لو كلفنا النفس عناء تحليله من زاوية استجلاء « قاسمه المشترك »، بالمعنى الحرفي، أي استخلاص ما « يقسم » لأنه، تحديدا، « مشترك ». ذلك أمر، إن سلمنا به، يفضي بنا إلى مواجهة سؤالين بالغي الحدة والإلحاح. أولهما عام، ذو بعد شامل، هو الذي مفاده: لماذا، أضحت مسألة الهوية، وهي طبعا مسألة الآخر، علامة هذا الزمن المعولم وسمته الفارقة؟ أما الثاني، وهو أكثر تخصيصا، فمجاله العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، تلك التي تعنينا على نحو مباشر وحيوي والتي أضحت المعبّر الرئيسي عن كل توترات الهوية واستعصاءاتها، تأزما نموذجيا، إن جازت العبارة، تضع، من الجانبين، « ذاتا » مطلقة التمايز (في حسبانها) في مواجهة « آخر » تعتبره النقيض الأقصى والمبرم. أما السؤال الأول، فهيّن نسبيا، يتوافق مع فرضيتنا، بل يسوغها وقد تكون له مبدأ ذا طاقة وفاعلية تفسيريتين لا يُستهان بهما. إذ أن ما دأب الكثيرون، حتى أضحى من مبتذلات القول لدى كل خائض في هذا الشأن، على حسبانه تناقضا صارخا ملغزا في مواصفات العولمة، أعني فتحها قارات العالم وأصقاعه حيزا واحدا موحدا لتبادلات كثيفة متعددة الأوجه وآنية في أحيان كثيرة، مع تأجيج الهويات في الآن نفسه واستِعارها، « حدودا » كأداء صلدة… ليس له من التناقض غير ظاهره الخادع. ذلك أن تأجيج الهويات من تبعات العولمة ومن مضاعفاتها الأكيدة والملازمة، بل قد يكون البراديغم الناظم والباعث لصراعاتها، على نحو ما كان الصراع الطبقي بالنسبة إلى الرأسمالية في طورها الكلاسيكي، أو النزاعات القومية في حقبة نشوء الدول-الأمم واستتبابها. وبهذا المعنى، ربما كان لحركات الهوية، على اختلاف مشاربها، « وظيفة » كتلك التي كانت للشيوعية أو للفاشية في المثالين (الرأسمالي والقومي) المذكورين. صحيح أن العولمة لم تجترح الهويات من عدم، ولكنها إذ وحدت العالم، أو وهي تسعى إلى ذلك حثيثا مسارا لا رادّ له، إنما هي بصدد الإجهاز، لأول مرة في التاريخ البشري، على كل آخر مطلق الغيرية، وجعل كل سكان المعمورة ضالعين، في ما بينهم وبدرجات متفاوتة ومتحوّلة دوما، في علاقاتِ غيرية نسبيةٍ، أي لا تخلو من حميمية ومن مشاطرة جوهر ما على ما سبق التنويه، ومتأزمة تاليا، لأنها تهجس بتأكيد الذات وتمييزها عن سديم التشابه، وقد أضحى كونيا أو أن ذلك ما تتوجسه. لذلك، وعلى أهمية الخطاب الإنسانوي القائم على التذكير بالقيم الكونية والتبشير بها، واستنكار التعصب والاشمئزاز منه، فإنه يبقى قاصرا عن التعاطي مع هذا المستجد الهويتي، تماما كما لم تف الدعوة إلى العدالة الاجتماعية أو إلى الأخوّة بين الشعوب في تجنب مآسي الثورات الاجتماعية أو الحروب القومية… أي أنه لا مناص من الإقرار بمسألة الهوية، وبطاقتها التوتيرية الهائلة، معطى أساسيا من معطيات العولمة، سبيلا إلى البحث عن أسباب ترشيدها واحتوائها وابتداع سياساتها. أما عن السؤال المتعلق بالعلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، فهو بيت القصيد من كلامنا السابق الذي يعدّ مقدمة للخوض فيه. ما لا شك فيه، أن العلاقة تلك تنخرط تماما في « الفرضية النظرية » التي اعتمدناها منطلقا مبدئيا في تفسير استعار الهويات، إذ أن العلاقة تلك تستند، بدورها، إلى مشاطرة جوهر ما، هو الداعي إلى ذلك التوتر الذي يسمها وإلى ذلك الإصرار الدؤوب والعنيف على التمايز وعلى تأكيده. فبين العالمين والحضارتين وشيجتا انتماء جوهريتان تأسيسيتان، هما المتمثلتان في صدورهما، حضاريا وثفافيا وقيميا، عن ديانة الوحي وعن فكر الإغريق، تمازجاً تركيبيا مبتكرا كان الأفعل في صياغة وجودهما التاريخي، جذعا مشتركا. آية افتراقهما لأنه آية التقائهما. لكن القول بذلك لا يفي، إلا على نحو توصيفي عام على الأكثر. إذ يتعين سبر تلك العلاقة عميقا، وتبيان مشتركاتها التي نجح خطاب الهوية والتمايز في طمسها، حتى جعل افتراضها من قبيل الهرطقة، وكذلك تفكيك آلية إنتاج الآخر والعمل على غيرنته في هذه الحالة العينية، من الطرفين، بأكبر قدر ممكن من الإحاطة… وتلك مهام ستسعى إلى التصدي لها محاولات مقبلة… (*) كاتب تونسي (المصدر: موقع « الأوان » بتاريخ 29 جويلية 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1247&Itemid=18

 

ملك المغرب يدعو إلى ديمقراطية أفضل

 
الرباط (رويترز) – قال الملك محمد السادس عاهل المغرب في خطابه السنوي للبلاد يوم الاثنين ان المغرب يمكن أن يتمتع بديمقراطية أفضل اذا ساعدت الانتخابات التي ستجرى في سبتمبر أيلول على إفراز نخبة كفؤة ومسؤولة. وقال الملك محمد في الكلمة التي ألقاها بمدينة طنجة الشمالية وأذاعها التلفزيون « على الجميع أن يجعل من انتخاب مجلس النواب المقبل موعدا جديدا لترسيخ الممارسة الديمقراطية المألوفة وتجسيد ارادتك الحقيقية وافراز أغلبية حكومية ذات مصداقية ومعارضة فاعلة وبناءة. » وفي الانتخابات المقررة في السابع من سبتمبر أيلول سيواجه الكيان العلماني الذي حكم المغرب لاكثر من 50 عاما الاسلاميين الذين استفادوا من خيبة الامل المتزايدة تجاه السياسيين الذين يرى كثيرون انهم فاسدون أو غير فعالين. وفي الوقت الذي تجرى فيه الاشادة بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان منذ حكم الملك الحسن والد الملك محمد السادس الا أن منتقدي الحكومة يقولون ان المسؤولين المنتخبين ما زالوا يقومون بدور ثانوي وراء المعينين من الملك وان السلطة القضائية ليست مستقلة. والملك محمد شخصية محبوبة ولكن الكثير من الناس في البلاد التي يقطنها 30 مليون نسمة يقولون انهم ملوا من السياسيين الذين يظهرون لفترة قصيرة أثناء الانتخابات ثم يختفون لخمس سنوات. وفي انتقاد غير مباشر للمسؤولين الفاسدين قال الملك محمد ان الناخبين عليهم اختيار الممثل المناسب عبر انتخابات نزيهة في سبتمبر في حين يتحتم على الاحزاب السياسية المساعدة في ظهور نخبة كفؤة ومسؤولة. وقاد الملك محمد اصلاحات لتشجيع المواطنة وتعزيز الاقتصاد والمساعدة في القضاء على الفقر الذي يعاني منه خمسة ملايين نسمة والذي ينظر اليه على أنه عنصر محفز للتوتر الاجتماعي والتطرف. وأشرفت حكومته على تعزيز أعمال البناء والسياحة واصلاح البنية الاساسية مما ساعد على استيعاب المهاجرين من الريف الفقير الى الحضر حيث سوق العمل. وقال الملك محمد يوم الإثنين ان الدراسات اللازمة أجريت لتحليل مشاكل البلاد وأن الوقت حان للعمل. واستطرد « غايتنا المثلى توفير فرص الشغل المنتج للشباب وذلك هو المحك الحقيقي لمصداقية أي برنامج سياسي. » (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 30 جويلية 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

بيع أثاث منزل شاعر كبير تنفيذا لقرار محكمة في قضية أقامها أحد المتشددين ضده

الشبكة العربية تتضامن مع الشاعر عبد المعطي حجازي

 
القاهرة في 29 يوليو 2007م في الوقت الذي تشيد فيه الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بموقف الشاعر المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي حينما رفض سداد ما قررته محكمة استئناف بالقاهرة بتغريمه مبلغ 20 ألف جنيه عقب اتهامه بسب وقذف احد المتشددين المعروفين بعدائهم لحرية الفكر والتعبير وهو المدعو يوسف البدري ، فإن الشبكة العربية تهيب بكل دعاة حرية الرأي والتعبير والتنوير في مصر التضامن مع الشاعر عبدالمعطي حجازي و التكاتف ضد دعاوي التشدد والتطرف التي يمارسها هذا الشيخ وأمثاله. ويعد الحكم النهائي الصادر والصادر منذ أيام لصالح المدعو يوسف البدري بتغريم الشاعر عبدا لمعطي حجازي في قضية سب وقذف أقامها البدري ضده في عام 2003م ، هو الحكم الأخير ضمن سلسلة من القضايا دأب يوسف البدري على رفعها ضد كتاب وشعراء ومفكرين استنادا على دعاوي الحسبة حينا ، واعتبار بعضها سب وقذف حينا أخر. وقد حددت محكمة جنوب القاهرة تاريخ 8أغسطس القادم لبيع أثاث شقة الشاعر الكبير وفاءا لهذا الحكم ، بعد أن رفض الشاعر سداد المبلغ ، تأكيد لموقفه ومفضلا أن يباع أثاث منزله عن أن يدفع أي جنيه لهذا الشيخ المعادي لحرية الفكر والتعبير. يذكر أن الدكتور نصر حامد أبو زيد كان ضمن ضحايا الشيخ يوسف البدري وآخرين في القضية الشهيرة التي شهدتها مصر في عام 1993 -1994 وأسفرت عن حكم بالتفريق بين الدكتور نصر أبو زيد وبين زوجته ، وفي حين هاجر الدكتور ابو زيد إلى هولندا بعد الحكم ، فقد توالي تحول العديد من الكتاب والمفكرين إلى ضحايا لهذا الشيخ المتربص بهم وبالفكر المستنير في مصر ، ليصبح عبدا لمعطي حجازي أخر ضحاياه ، في حين ما تزال العديد من القضايا التي رفعها هذا الشيخ ضد كتاب وشعراء ومفكرين آخرين متداولة في المحاكم حتى الآن. وهو ما يضع الكثير من الكتب والمطبوعات والكتاب في مصر بين سندان مجمع بحوث الأزهر الذي دأب على مصادرة الكتب والمطبوعات دون وجه حق ، ومطرقة بعض المشايخ والمحامين المتشددين الساعين للشهرة عبر رفع قضايا ضد الكتاب والمبدعين في مصر كمشهد واضح لسوء استخدام القانون. والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وهي تدعم الشاعر الكبير عبدالمعطي حجازي وغيره من الكتاب والمبدعين الذين يرفضون الرضوخ لدعاة التعصب والتشدد في مصر ، فهي تدين استمرار نهج محاربة الكلمة والفكرة بالسجون والمحاكم بدلا من قاعدة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة. (المصدر: موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (القاهرة) بتاريخ 29 جويلية 2007) الرابط: http://www.hrinfo.net/press/2007/pr0729.shtml

القاهرة: تضامن حقوقي مع الشاعر حجازي بعد حكم ببيع أثاث منزله لتعويض داعية

 
القاهرة – الحياة     أثار حكم ببيع أثاث منزل الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي لرفضه دفع غرامة في قضية سب وقذف رفعها ضده الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري، استياء واسعاً في أوساط المثقفين والحقوقيين. ودعت منظمات حقوقية أمس إلى «التضامن مع حجازي والتكاتف ضد دعاوى التشدد والتطرف». واشتهر البدري برفع دعاوى الحسبة ضد مثقفين ومفكرين، أبرزهم الأستاذ في جامعة القاهرة الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي نجح الداعية في الحصول على حكم قضائي بتفريقه عن زوجته واضطره للجوء إلى هولندا. وهو قاضى حجازي بتهمتي السب والقذف بعد نشر الأخير مقالاً في العام 2003 اتهمه فيه بـ «التطرف ومعاداة الفكر والثقافة والإبداع»، لملاحقته عدداً من الكتاب قضائياً. ودانت محكمة جنوب القاهرة حجازي بتهمتي السب والقذف، وغرمته 20 ألف جنيه، لكنه رفض دفع الغرامة تأكيداً لموقفه مفضلاً أن يباع أثاث منزله. فحددت المحكمة 8 آب (أغسطس) المقبل موعداً لبيعه. ويعد الحكم الصادر لمصلحة البدري نهائياً. وقال حجازي لـ «الحياة» إن «هناك حرباً ضد المثقفين المصريين». وتساءل: «هل هذا هو الرد على الاختلاف في الرأي… هذه محاولة لقمع الآراء». وتساءل مشيراً إلى قضية الدكتور نصر أبو زيد: «ماذا نسمي الأمر بعد ذلك؟. إنها حرب بلا شك بدأت قبل 20 عاماً». واستغربت زوجة حجازي الدكتورة سهير عبدالفتاح «تعامل الدولة معه بهذه الطريقة». واعتبرت أن «ما يحدث هو سبة في جبين الوطن». وأضافت لـ «الحياة»: «لن ندفع التعويض، ولن نتراجع عن موقفنا… إضافة إلى أننا لا نملك هذا المبلغ، فلم ندخر شيئا ولا نستطيع أن ندفعه». وأعربت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» أمس عن تضامنها مع حجازي. وحذرت في بيان من «وضع كثير من الكتب والمطبوعات والكتاب في مصر بين سندان مجمع بحوث الأزهر، ومطرقة بعض المشايخ والمحامين المتشددين الساعين إلى الشهرة عبر رفع قضايا ضد الكتاب والمبدعين، في مشهد واضح لسوء استخدام القانون». وأهابت «بكل دعاة حرية الرأي والتعبير والتنوير في مصر التضامن مع حجازي والتكاتف ضد دعاوى التشدد والتطرف التي يمارسها هذا الشيخ وأمثاله». وأشارت إلى أنها «إذ تدعم الشاعر الكبير عبد المعطي حجازي وغيره من الكتاب والمبدعين الذين يرفضون الرضوخ لدعاة التعصب والتشدد في مصر، تدين استمرار نهج محاربة الكلمة والفكرة بالسجون والمحاكم بدل قاعدة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة». من جهة أخرى، منعت السلطات المصرية وقفة احتجاجية دعا إليها حزب «التجمع» اليساري ضد بيع «بنك القاهرة» الحكومي الذي أثار إعلان تخصيصه موجة من الاعتراضات في صفوف المعارضة. وفوجئ المحتجون بقوات الأمن المركزي تطوقهم وتمنع خروجهم من شارع كريم الدولة في وسط القاهرة، حيث مقر الحزب، كما انتشرت في مكان الوقفة عناصر من قوات مكافحة الشغب. ووزع «التجمع» بياناً دعا فيه إلى «اكتتاب شعبي لمنع بيع البنوك للأجانب»، وجمع 15 بليون جنيه لشراء «بنك القاهرة». واعتبر أن «بيع البنوك قرار المؤسسات الخارجية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة». وحذر من «عودة الهيمنة الأجنبية على الاقتصاد المصري وتحويل أرباح البنوك إلى الخارج وسحب الودائع من البنوك المصرية التي ستدخل في منافسة شرسة ليست في مصلحتها وتأثير ذلك على زيادة الديون وشيوع البطالة». (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 30 جويلية 2007)

 

عبدالله غل رئيساً للجمهورية في تركيا بواسطة البرلمان أو بالاقتراع الشعبي آخر السنة

 
اسطنبول – الحياة الثقة بالنفس والتحدي وراء اصرار وزير الخارجية التركي عبدالله غل على تجديد ترشحه لمنصب الرئاسة الذي لم يفكر فيه سابقاً انما قذفت به الظروف السياسية امام قدميه مغلفاً بغطاء من شوك. اليوم تبدو الرئاسة على بعد ايام او امتار فقط من غل الذي خرج مجدداً ليطلب من المعارضة البرلمانية انصافه بعدما انصفه الناخبون الاتراك، من دون ان يعلن صراحة تجديد ترشحه لذلك المنصب. المعارضة الاتاتوركية ممثلة في حزب الشعب الجمهوري الحاصل على 111 مقعداً في البرلمان اعلنت رفضها مجدداً ترشح غل، لكن المعارضة القومية التي تحظى بسبعين مقعداً اكدت انها لن تقاطع الانتخابات، لكن زعيم الحزب دولت بهشلي ترك الباب مفتوحاً امام مساومات مع حزب «العدالة والتنمية» منتظراً مكافأة سياسية. اردوغان وغل في حاجة ماسة إلى حضور القوميين جلسة الانتخابات الرئاسية في البرلمان لتحقيق شرط حضور ثلثي النواب، وهو الشرط الذي لا تبدأ الجلسة الانتخابية من دونه، فحزب «العدالة والتنمية» حصل على 341 مقعداً في البرلمان، قد يفقد واحداً منها في حال انتخاب رئيس البرلمان من حزبه، وهو يحتاج على الاقل الى 28 نائباً حتى لا يتكرر سيناريو أيار الماضي عندما فشل في جمع ثلثي نواب البرلمان مما ادى الى الغاء الجلسة قبل بدئها. ولا يريد اردوغان هنا الاعتماد على اصوات النواب الاكراد الـ26 الذين ابدوا دعمهم لترشيح غل، لحساسية الموقف. كما ان وصول غل إلى الرئاسة بأصوات او على الاقل بحضور ومباركة القوميين، سيوزع دم هذه «الجريمة» – في رأي العسكر – على حزبين اثنين بدل ان يكون حزب «العدالة والتنمية» وحده وجهاً لوجه مع الجيش الذي تدخل سابقاً ومنع وصول غل للرئاسة. القاعدة الشعبية للقوميين ليس لديها اعتراض على غل كشخص او كسياسي، ولا على حجاب زوجته، فحزب الحركة القومية كان وعد في انتخابات 1999 بحل مسألة الحجاب لكنه لم يفعل، ويكفيه اليوم امام ناخبيه ان يكون شارك في وصول سيدة محجبة الى قمة الهرم السياسي في تركيا. وعلى الغالب فإن موقف القوميين الايجابي من غل، سيفتح امامه باب الترشح من جديد المقبل فوراً عقب أداء النواب الجدد اليمين الدستورية وانتخاب رئيس البرلمان، وقد لا يفوز غل في الجولة الاولى في حال رفض القوميون التصويت له على رغم حضورهم لكن فوزه سيكون مضموناً في الدورة الثالثة التي يشترط فيها حصول المرشح على نصف الاصوات زائد واحد للفوز، بينما يرتفع هذا السقف في الجولتين الاولى والثانية الى ثلثي اصوات النواب. وفي اسوأ الاحوال، فإن الاستفتاء الشعبي على تغيير طريقة انتخاب الرئيس سيتم في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، واستطلاعات الرأي تؤكد حسم الامر لمصلحة انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، وفي تلك الحال سيضمن غل الفوز في تلك الانتخابات التي قد تلجأ اليها تركيا في كانون الأول (ديسمبر) المقبل ان تعذر انتخاب رئيس بواسطة البرلمان الجديد، اما اذا حلت مسألة الرئاسة داخل البرلمان، فإن تطبيق القانون الجديد لانتخاب رئيس بالاقتراع المباشر سينتظر لسبع سنين هي فترة الرئيس الجديد. ومن المفارقة ان طرح اسم عبدالله غل للرئاسة قد جاء كحل وسط لم يتم التخطيط له، فاردوغان الذي اقتنع بأن التظاهرات العلمانية والجيش لن يسمحا له بالوصول الى ذلك المنصب، كان يفكر في ترشيح وزيرة شؤون الاسرة نعمت شوبوكشو غير المحجبة والصديقة المقربة من زوجته امينة اردوغان لذلك المنصب، من اجل ضرب المعارضة في مقتل وتسجيل سابقة يكون فيها حزب ذو جذور اسلامية ومتهم بتسييس الدين، اول من يرشح امرأة لمنصب رئاسة الجمهورية في تركيا. فكر اردوغان انه سيضرب اكثر من عصفور بحجر واحد حينها، لكن رئيس البرلمان والشخص الثالث في الحزب بولنت ارينش اعترض على هذا المخرج، واصر على ترشيح نفسه ان تنحى اردوغان وغل عن المنصب، وابدى اصراراً على ان تصل محجبة الى القصر الرئاسي لكسب جولة ضد قوى العلمانية، مما جعل اردوغان في موقف حرج واضطره الى اخفاء اسم مرشحه الى آخر لحظة، واعتبر أن غل سيكون اكثر قبولاً من ارينش المتشدد في عيون العلمانيين والمعارضة، لما هو معروف عن غل من براغماتية وتواضع وانفتاح على الغرب. لم يحسب اردوغان حينها حساب الغليان الذي يمكن ان يسببه سؤال صحافي لجنرال عما سيكون موقفه لو ان ضابطاً طلب ان ترتدي زوجته الحجاب تيمناً بزوجة رئيس الجمهورية المقبل!! لم تكن المسألة مسألة حجاب بقدر ما كانت رفضاً من الجيش لإصرار بولنت ارينش على اعتبار وصول الحجاب الى القصر الجمهوي انتصاراً في معركة طويلة بين الطرفين منذ عهد الاسلامي نجم الدين اربكان الذي ارسل محجبة الى البرلمان في الاطار نفسه. حتى تلك اللحظة كانت المسألة متعلقة بالحجاب والصراع القديم على السلطة بين الاتاتوركيين والمتدينين، وكان يمكن حينها لغل ان يتخلى عن فكرة الرئاسة تجنباً لسجالات جديدة. لكن عاملين اثنين ظهراً بعد ذلك وجعلاه يتمسك بالامر ويعتبره قضية شخصية دونها نهاية حياته السياسية. الاول كان انتشار اخبار عن اتفاق سري بين رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وقائد الاركان يشار بيوك انيط بعد اسبوع من الازمة الرئاسية على مرشح آخر غير عبدالله غل كحل وسط، نفى اردوغان ذلك مراراً، الا ان الحادثة لقيت صدى في بطانة الطرفين غل واردوغان، و زرعت بذور الشك لاول مرة بين الرجلين. والعامل الثاني، كان حصول غل على معلومات تفيد بأن الازمة الرئاسية تم اختلاقها من الجيش، وان الهدف الحقيقي كان إطاحة الحكومة ووصول المعارضة الاتاتوركية والقومية الى السلطة من اجل تنفيذ مخططات اتفقت عليها اوساط في الجيش وزمرة من المحافظين الجدد في واشنطن، تقضي بدخول شمال العراق والاحتكاك بإيران. وتأكد غل من هذه المعلومات بعد كشف فضيحة اجتماع معهد هودسون الأميركي في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، والذي دعا قيادات عسكرية تركية لبحث خطة افتراضية وضعها المحافظون الجدد، تفترض قيام حزب العمال الكردستاني بتفجيرات انتحارية يستفيد منها الجيش للانقلاب على الحكومة والاخذ بزمام الامور ودفع قوته الى شمال العراق حتى الحدود مع ايران بحجة القضاء على معسكرات حزب العمال الكردستاني، وهو المخطط الذي ينتهي باحتكاك غير مباشر بين تركيا وايران على مصالحهما في شمال العراق وحرب اهلية كردية – تركية. هذان العاملان جعلا غل يتمسك بما اعتبره حقه الذي غصب منه في الوصول الى القصر الجمهوري، وبدت المسألة بالنسبة إليه لبعض الوقت مسألة شخصية، وهذا ما يفسر ظهور غل متمسكاً بترشحه، بينما يظهر اردوغان وقد ترك الامر لرفيق دربه من دون تعليق. كما ان غل مؤمن بأن اقصاءه عن الرئاسة من خلال تدخل الجيش، هو ما رفع شعبية حزبه وحقق له تلك النتيجة التي فاقت التوقعات في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي فإن الرئاسة من حقه وتخليه عنها خذلان لمن انتصروا له وصوتوا له في الانتخابات. وصول غل الى القصر الرئاسي قد يقطع الطريق على نمو بذور فرقة بين رفيقي درب وكفاح، لان بقاء غل في الحزب والحكومة مع احساسه بالظلم والتضحية به قد يؤثر سلباً على آلية التفاهم والانسجام بينه وبين اردوغان. كما ان تركيا ستستفيد كثيراً من خبرة غل حين يتولى الرئاسة. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)

النتائج الرسمية تثبت فوز العدالة والتنمية

الجيش التركي يشدد على علمانية الرئيس

     

            صرح رئيس هيئة الأركان العامة للجيش التركي الجنرال يشار بويكانيت من جديد بأن الجيش يأمل أن يكون الرئيس القادم شخصا ملتزما بصدق بالقيم العلمانية للجمهورية وليس من يتملقها فقط بالكلام الكاذب. وقال بويكانيت للصحفيين ردا على سؤال بشأن ما إذا كان يتمسك بتصريحه يوم 12 أبريل/ نيسان بأن الرئيس ينبغي أن يكون علمانيا بحق « ما زلنا متمسكين بما قلناه، لقد قلنا ما قلناه عن اقتناع ». وكانت هذه أول تصريحات للجيش بخصوص الموضوع منذ حقق حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان نصرا مدويا في الانتخابات العامة يوم 22 يوليو/ تموز. هذه التصريحات تأتي قبل أربعة أيام من انعقاد أول جلسة للبرلمان التركي بعد الانتخابات، وستكون أول قضية رئيسية يواجهها هي انتخاب رئيس خلفا لأحمد نجدت سيزر. وكان الجيش التركي رفض ترشيح وزير الخارجية عبد الله غل لمنصب الرئيس خشية أن يقوض الفصل بين الدين والدولة في الجمهورية التركية، لكن هناك توقعات متزايدة بأن يعيد غل ترشيح نفسه بعد أن أكد يوم 25 يوليو/ تموز الحالي بأنه لا يزال يعتبر نفسه مرشحا للمنصب. النتائج النهائية من جهة أخرى  نشر المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا الاثنين النتائج النهائية الرسمية للانتخابات التشريعية التي جرت في 22 يوليو/تموز مؤكدا  الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية. وأكد رئيس المجلس معمر آيدين أن حزب العدالة والتنمية، المنبثق عن التيار الإسلامي حصل على 341 من مقاعد البرلمان الـ550. والأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان هي حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي،  ديمقراطي) مع 112 مقعدا. كما حصل حزب الحركة القومية في الواقع على 71 مقعدا، إلا أن أحد نوابه لقي حتفه في حادث سيارة الأسبوع الماضي ولن يحل محله أحد، كما صرح آيدين الذي نقلت كلمته العديد من الشبكات التلفزيونية. ولم يتمكن أي حزب آخر من اجتياز نسبة الـ10% المطلوبة على المستوى الوطني للتمثيل في البرلمان. وبقية أعضاء المجلس هم 26 نائبا مستقلا بينهم 21 نائبا كرديا من أنصار حزب المجتمع الديمقراطي الذي فضل دعم « مستقلين » للالتفاف على نسبة الـ10%. وكانت النتائج شبه الرسمية أعطت حزب العدالة والتنمية 46.4% من الأصوات وحزب الشعب الجمهوري 20.8% وحزب الحركة القومية 14.2%. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 31 جويلية 2007)

المثال «الإسلامي» والتماثل «العلماني»!!!!

هل أنجبت الأتاتوركيّة نقيضها؟؟؟

 
نصر الدّين بن حديد nasrbenhadid@yahoo.fr الأكيد والذي لا يقبل الجدل يكمن في تجاوز ما يمكن أن نسمّيه «الظاهرة الإسلاميّة التركيّة» لحدود هذا البلد، ومن ثمّة تصبح الأسئلة وتصير القراءات مطيّة لتحاليل عديدة وخلاصات متعدّدة، تُجمع ـ قطعًا ـ على اعتبار الانتخابات التشريعيّة الفارطة في صورة العلامة الفارقة، سواء في تعريف طبيعة «الذات التركيّة» أو في صياغة [أو إعادة صياغة] المقوّمات الحضاريّة والأدوات الماديّة لقيام هذه الدولة وضمان ديمومتها، وأيضًا والذي لا يقلّ أهميّة، قدرة التجربة التركيّة ـ وأساسًا حزب «العدالة والتنمية» ـ على إقناع المراقبين ـ والمتربصين أساسًا ـ بأنّ هذا الحزب لا يمارس التقيّة ولا يضمر ما لا يظهر، وبالتالي يمكن الوثوق ـ وثوقًا تامّا ـ إلى التزامه المطلق والدّائم والمستمرّ بما هي عليه القوانين التركيّة القائمة، التي صاغ أسُسَها مصطفى كمال ويرى العسكر أنفسهم أوصياء على هذه التركة ومؤتمنين على حمايتها وديمومتها… يبدو المشهد ـ من قراءة أولى ـ في غاية التناقض أو هو الجمع بين سرياليّة غالبة وعبثيّة فارقة، حين نرى حزبًا «إسلاميّا» يخرج من رحم «الديمقراطيّة الأتاتوركيّة». هذه الديمقراطيّة التي استندت للانقلابات العسكريّة عديد المرّات، حين شعر «حرّاس الهيكل» أنّ حسابات الحقل السياسي لا توافق أصول «البيدر الأتاتوركي»!!! كيف أمكن أو يمكن إذًا لهذا الحزب أن يعيش عقيدته الإسلاميّة وما تُلزم به من قناعات ضمن واقع يعتبر الدين من أمور الفرد الخاصّة التي لا يجوز إخراجها أو الخروج بها إلى المجال العام؟؟؟؟ كيف يمكن لهذا الحزب ومن ثمّة قادته وقواعده التوفيق بين متطلّبات الامتثال ـ إن لم نقل التظاهر ـ «القانوني والرسمي» بإملاءات العلمانيّة الأتاتوركيّة من جهة وما هي عليه القناعات سواء على مستوى الرؤية الإستراتيجيّة أو مجال التكتيك اليومي والمعيش؟؟؟ يبدو الواقع التركي منذ نشأة ما يمكن أن نسمّيه «الإسلام السياسي» في هذا البلد مرتبطًا بالتأويل والقراءة ومن ثمّة المزاج السلطوي، أكثر من ارتباطه بثوابت دستوريّة وقواعد تشريعيّة قادرة على الحسم في كلّ حالات الخلاف بين «المركز الأتاتوركي» من جهة وأيّ طرف يرغب في دخول معترك اللعبة السياسيّة… قراءة الخطاب وتأويل النصّ، وإن كان الأمر مستندًا إلى المرجعيّة الأتاتوركيّة الصارمة، إلاّ أنّه لم يكن ليخلو من قراءات الواقع التركي والمشهد الإقليمي، حين كان على العسكر ومن يقف معهم النزول من موقع المرجعيات وما تحمل من مطلق، إلى منطق الربح والخسارة وبالتالي القبول بتوسيع أو هو توسّع «هامش وجود» الطرف الإسلامي ضمن المشهد التركي… وجب القول كذلك، أنّ ما يسمّى «العلمانيّة الأتاتوركيّة»، وإن أخذها صاحب المشروع ـ أيّ مصطفى كمال ـ واستلهم أسسها من الواقع الأوروبي، إلاّ أنّه تصرّف عند التأسيس والممارسة لهذه «العلمانيّة المستوردة» كما يتصرّف أيّ حاكم «شرقي»، سواء عند نفي الرأي المخالف وإقصاء أصحابه عن مجال الممارسة السياسيّة، أو إجبار العامّة ـ جبرًا وقصرًا ـ على إتّباع نمط عيش جديد، وصولا إلى التأسيس لحالة من عبادة «القائد» وتقديسه، تأتي في قطيعة معرفيّة مع الأسس النظريّة والتنظيريّة [المستوردة] التي استند إليها المؤّسس!!! لم تشهد تركيا ـ كما هو حال أوروبا، على اختلاف التجارب والتباين الموضوعي القائم بينها ـ حالة مخاض حضاري أو هي بوتقة فكريّة أنتجت ما نراه أو يبرز في صورة «العلمانيّة»، بل جاء هذا التيّار ضمن حركة «انقلابيّة» [ضمن المفهوم العسكري]، وإن وجد التغيير ـ أو هي الرغبة فيه ـ مسوّغات تاريخيّة، ضمن عجز «الباب العالي» عن مجاراة الوضع الإقليمي والدولي ومن ثمّة رغبة النخب في حدود أو إحداث التغيير، الذي أتى ضمن واقع أملاه مصطفى كمال من خلال شرعيّة البندقيّة. من ثمّة جاءت العلمانيّة التركيّة ـ على الأقلّ القائمة راهنًا، كما هو حال مثيلاها في الواقع العربي الإسلامي ـ رغبة في النفي وتطلّع للمنع وتوق إلى الحراسة أو تطوّع للدّفاع، أكثر ممّا هو برنامج «إنساني» قادر على الفعل والبذل والتأسيس وتحقيق التوافق والتأسيس للتعايش، ومن ثمّة جاءت الرغبة في «تديين العلمانيّة» [أيّ جعلها في مقام الدين] والتعامل معها في صورة «المقدّس» الذي لا يقبل السؤال أو الدحض أو حتّى الخضوع لما يمكن أن تأتي به الديمقراطيّة من متغيّرات تحكمها لعبة الكمّ وقوانين العدد وموازين المنطق الانتخابي. استطاع طيب رجب اردوغان ومن معه، إثر قراءة متأنية وعقلانيّة للواقع التركي وللتجربة «الأربكانية» أساسًا، تحديد مجال الممكن ومن ثمّة الملاءمة بين النظرة الإستراتيجية لهذا الحزب من جهة وما يتطلّبه الواقع التركي أو الإقليمي أو الدولي من انضباط أو هو التأقلم مع ضروريات المرحلة… لم تأت الدعوة للحزب عبر «أسلمة الشعارات» [كما كان الحال بدرجة معيّنة زمن أربكان]، بل من خلال العمل والإصرار على تحقيق الانجازات الاقتصاديّة والمكاسب الاجتماعيّة، وكذلك القطع مع الممارسات السياسيّة السابقة من رشوة وفساد إداري، ومن ثمّة توسّعت دائرة التأثير وقاعدة الحزب الانتخابيّة، لتشمل قطاعات واسعة ممّن لا ينطبق عليهم توصيف «الإسلاميين» [التقليدي]، ضمن ما اعتمدناه أو اعتدناه من تعريفات على مدى العقود السابقة. يمكن لأنصار هذا الحزب أيضًا أن يسجلّوا نقطة فوز أخرى، حين أنزلوا المؤسّسة العسكريّة من سدّة الحارس «المقدّس» إلى مرتبة الشريك/المنافس، وبالتالي لم يعد للجيش تلك القدرة أو هي الشرعيّة على إلغاء الواقع السياسي بجرّة بندقيّة، مهما كانت الأسباب التي يمكن أن يقدّمها ومهما جاءت التعلاّت التي يمكن أن يتستّر بها… صارت الديمقراطيّة ـ في جانب متزايد ـ مرتبطة بواقع المشهد السياسي وجدليّة الفعل وردّ الفعل بين الأحزاب، وما تقتضيه أو تؤسّس له جدلّية الصندوق الانتخابي. يمكن الجزم كذلك أنّ المشروع «الأتاتوركي»، الذي رأى في أوروبا هويّة وواقعًا ومستقبلا، لم يستطع فصل تركيا عن جذورها الشرقيّة ولم يستطع كذلك إقناع العمق الأوروبي بأنّ الهويّة الجديدة/المصطنعة لتركيا تمكّنها من أحقيّة دخول النادي الأوروبي الذي جاء الإعلان صراحة ومن عدّة مرجعيات بأنّ أصوله غربيّة ومسيحيّة، أيّ في تناقض تامّ بل قطيعة عضويّة مع الأصول المؤسّسة للهويّة التركيّة، كما يجزم كلّ من المستشار الألماني السابق هلموت كول والرئيس الفرنسي السابق فالري جسكار ديستان والرئيس الفرنسي القائم نيكولا ساركوزي وغيرهم كُثّرٌ… يسجّل فوز حزب العدالة والتنمية العريض، بداية الإجابة عن سؤال يؤرّق الواقع الغربي، وأساسًا دوائر الحكم ومراكز البحوث في أوروبا، بخصوص قدرة هذا الحزب على التعايش مع «الجار الأوروبي» خارج منطق «الصدام والقطيعة»، الغالب راهنًا. من ثمّة يأتي الإصرار الأوروبي على مباركة «التوجّه الديمقراطي التركي»، علّ الممارسة تؤسّس لثوابت ومرجعيات، تصير بفعل التقادم والممارسة في مقام الإجماع ، ليكون الخوف ـ لدى أغلب دوائر صناعة القرار في أوروبا ـ من فشل التجربة التركيّة، وما يحيل عليه الأمر من صعود الراديكاليّة أو الجهاديّة، أكثر بكثير من المكاسب التي قد تغري بها عودة المؤسّسة العسكريّة إلى السلطة مباشرة أو من خلال أحزابها السياسيّة… أيضًا تأتي الرغبة الغربيّة ـ والأمريكيّة خصوصًا ـ في تسويق المثال التركي على أنّه نقيض «الإسلام الراديكالي أو الجهادي»، على اعتبار أنّ حزب العدالة والتنمية وكامل الطيف الإسلامي السابق له في تركيا، رفض في قطع ممارسة العنف، بل قابل عنف السلطة باللطف حينًا وبالتراجع أحيانًا، ومن ثمّة يصير التسويق الغربي والأمريكي لهذا الأنموذج، رغبة في إعادة صياغة صور الصراع وأشكاله، سواء في فلسطين، أو لبنان أو العراق، حين وجب على حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وكامل التنظيمات المقاومة للوجود الأمريكي في العراق، أن تتحوّل إلى مجرّد أحزاب سياسيّة وتقطع ـ نهائيّا ودون رجعة ـ مع ما يراه الغرب وما تسمّيه الولايات المتّحدة الأمريكيّة «العنف» أو «الإرهاب»… أيضًا، على مستوى الواقع العربي، المحموم بأسئلة الإسلام السياسي، يأتي المثال التركي مغريا ـ في طوبائيّة، لا يمكن إنكارها ـ بتحويل الصراع بين الأنظمة من جهة والتنظيمات الإسلاميّة، والذي بلغ حدود الدم والزجّ في السجون والحرب الأهليّة، من جدلّيّة النفي إلى منطق «الديمقراطيّة»، مع ما يُلْزِم به الأمر من «مصالحات وطنيّة» تراها الولايات المتّحدة أحد الأبواب التي يمكن أن تغلق الطريق أمام الحركات الراديكاليّة والجهاديّة… بين عموميات الواقع الإسلامي وخصوصيّات المشهد سواء في تركيا أو غيرها، تأتي الأسئلة أو هي التفاصيل القادرة على قلب المعادلة من نقيض إلى أخر. حين وجب أن نضع التجربة التركيّة في معادلة الوضع هناك، دون القدرة على سحبها على هذه الدولة أو تلك، ودون القدرة كذلك على القول أو الجزم بعدم تأثير هذه التجربة في المشهد الإسلامي برمّته، عندما بدأت عديد الحركات ـ منذ سنوات ـ في إعادة قراءة مسيرتها والقول ـ بل هو الاعتراف ـ بأنّ أقصى ما تمكّن منه المواجهة يأتي دون المكاسب التي توفّرها حالة التعايش السلمي مع الأنظمة، مع ما يستلزم الأمر ـ على مستوى الخطاب والممارسة ـ من قطع مع أساليب النفي والتخوين… الإسلاميون يصرّون ـ في فخر ـ بأنّ مخالب الأتاتوركيّة الفولاذيّة عجزت عن اقتلاع تركيا من عمقها الإسلامي، وبالتالي وجب على الأنظمة الرافضة للإسلام السياسي، أن تعيد حساباتها، خاصّة ونحن نشهد على مدى الواقع العربي «أسلمة» للمجتمع ضمن عجز الأنظمة أو عدم قدرتها على تقديم «البديل الحضاري»، إذا استثنينا طبعًا الجمعيات المنادية بالعلمانيّة والمدافعة عن اللاّئكيّة، التي تجمع من جهة على خطر هذه «الأسلمة الزاحفة» وعلى عجز الدولة منفردة على مقاومة هذا المدّ أو الزحف، سواء كانت جاهلة أو متواطئة، وأيضًا على وجوب قيام حلف واسع وعريض، تكمن مهمّته الأولى في إيقاف عجلة «الأسلمة»، ومن ثمّة التأسيس للنقيض، الذي ينحصر ويبدو من خلال بعض المرجعيات الفلسفيّة والأسس الأخلاقيّة، دون القدرة ـ أو هي الرغبة ـ في تقديم برنامج واضح، يفصل في جلاء بين الرغبات والأهداف من جهة وطرق الوصول إليها… سواء اكتفينا بالمشهد التركي أو وسعنا الرؤية لتشمل المعادلة العربيّة الإسلاميّة، يأتي هذا الواقع مترابطًا، سواء على مستوى الفعل والتراكم البطيء أو عند حصول الانقلابات الحادّة أو اندلاع الحروب الإقليميّة أو غيرها، ومن ثمّة لا يجوز في الآن ذاته أن نجعل من هذا نظير ذاك، أو نفصل هذا عن ذاك. نجاح التجربة التركيّة أو فشلها، مع ما يحفّ بهذا اللفظ أو ذاك من غموض أو ما يأخذهما إليه التأويل من وجوه، سيكون له قطعًا عظيم الوقع على استقرار هذه الدولة التي بدأت تتطلّع للعب دور الريادة، على المستوى الاقتصادي وما يتبع ضرورة من مستويات أخرى، وأيضًا على مستوى المشهد العربي الإسلامي بكامله، في العلاقة القائمة بالإسلام [الدين والسياسة ونمط المجتمع] وتطبيقاته القائمة أو المحتملة، أو هي المفروضة أو المرفوضة.

 


«العثمانية الجديدة» تُصالح الإسلام مع الحداثة

 
صلاح سالم (*) تنبع جاذبية النموذج التركي من سيره الجدلي الناجح، حتى الآن، باتجاه صياغة جديدة للهوية الحضارية، تتجاوز الأتاتوركية كـ «أصولية علمانية»، كما تتجاوز «العثمانية التقليدية» التي مثلت الهوية الإسلامية لتركيا طيلة أربعة قرون، وذلك باتجاه «العثمانية الجديدة» كصياغة للهوية يتصالح داخلها الإسلام مع الحداثة، تبدو ملهمة سواء للقوى والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في البلدان العربية، أو للثقافة العربية العامة بإمكانية المصالحة التاريخية بين الشرق العربي الإسلامي وبين الغرب الحداثي، وذلك عند نقطة توازن لا تتنكر لقوة حضور الغرب في عالمنا المعاصر ولا لجاذبية قيمه الفكرية والسياسية، ولكنها في المقابل تضع هذا الحضور في موضعه، وترده إلى أصله باعتباره تجربة في التاريخ، وإن كانت زاهرة، لكنها ليست وصفة سحرية للتقدم كما تصورتها النخبة الكمالية. فعندما يصوت نصف الأتراك لحزب «العدالة والتنمية» ذي النهج الليبرالي، والأصول الإسلامية على نحو يمكنه من تشكيل حكومة منفردا فلا يعني ذلك سوى الحضور القوي للإسلام المعتدل، والذبول التاريخي للعلمانية المتطرفة. وعندما ينجح الحزب في زيادة نسبة أصوات منتخبيه من 34 في المئة قبل أربع سنوات، الى 46 في المئة اليوم فلا بد أنه يلبي بازدياد مطامح شعبه، وأن صيغة الهوية «العثمانية الجديدة» التي يجسد الحزب مرحلتها الثالثة «الناضجة» تبدو الأقدر على توجيه دفة المستقبل كونها صيغة توازن تحقق التوافق بين ثنائيات عدة، من قبيل: الدين والعلم، الإيمان والعقل، العرق والإنسانية، الماضي والحاضر. ومن قبيل: الدولة والمجتمع، الوطن والأمة، الشرق والغرب. وهذه الصيغة في الحقيقة هي محصلة لعمليتين جدليتين طويلتين شديدتي الأهمية، الأولى يمكن تسميتها بالجدل الداخلي / الذاتي والثانية بالجدل الخارجي/ التاريخي. أما العملية الأولى فيمثلها ذلك الجدل داخل النزعة الإسلامية نفسها، والذي نما في اتجاه اعتدالي من مرحلة جبهة «الشرق الأعظم» بقيادة نسيب فاضل في الستينات والذي حاول تنهيج دعوته الى إعادة بناء «إمبراطورية الشرق الإسلامي» ولو من خلال العمل السري بل المسلح، ما كان يعني أن وجهته كانت الى الماضي، بأكثر مما هي الى العصر، وتخاطب العثمانية التقليدية، بأكثر مما تخاطب الروح القومية الحديثة. وبدافع من جذريتها وماضويتها، كان فشلها وانسلاخ نجم الدين أربكان، تلميذ نسيب فاضل، والمهندس الحقيقي للصحوة الإسلامية التركية، والذي دشن المرحلة الثانية الأكثر اعتدالاً في مسار العثمانية الجديدة في الثمانينات والتسعينات تحت مسمى «النظام العادل» الذي تم تركيبه على أكثر من حزب سياسي بدءا من «السلامة الوطني» الذي أسسه أربكان أوائل السبعينات، وصولا الى «الرفاه» الذي دخل باسمه، للمرة الأولى، في ائتلاف حاكم منتصف التسعينات فشل في الحفاظ على قيادته له تحت ضغوط العلمانية والجيش التي أدت الى سقوط الوزارة، وتفكيك الحزب، وتجميد زعيمه. وبعد فترة اضطراب قصيرة داخل الحركة الإسلامية، فإن تلك الحركة شهدت صراعا على قيادة حزب «الفضيلة» وريث «الرفاه»، بين رجائي قوطان المقرب من أربكان، وممثل جيل «الرفاق»، وبين عبدالله غول، ممثل الجيل الشاب، ثم انقسام «الفضيلة» بين حزب «السعادة» ذي النهج الأكثر محافظة والأقرب الى أربكان، وبين حزب «العدالة والتنمية» ذي النهج الأكثر ليبرالية بزعامة رجب طيب أردوغان تلميذ أربكان الأكثر كارزمية، وبدأت المرحلة الثالثة من حياة العثمانية الجديدة، وخصوصاً مع صعود «العدالة والتنمية» الى موقع السلطة منذ عام 2002، ونجاحه في تعزيز مواقعه في الانتخابات الأخيرة. أثبتت العثمانية الجديدة قدرة هائلة على التجدد بل والتمدد أيضا، فأدت – على حد وصف أحد المحللين الأتراك – الى نهاية طبقة سياسية كاملة تصدرت الساحة التركية في نصف القرن الماضي بإلهام الأيديولوجية الكمالية. غير أن هذه التركيبة العثمانية في مراحلها الثلاث «جبهة الشرق الأعظم، والنظام العادل، و»العدالة والتنمية» كانت مضطرة دوماً الى تقديم تنازلات متوالية بغية التوافق مع الروح التركية الحديثة، وصولا الى نقطة التوازن الحرج بين مكوناتها وغاياتها النهائية. فقد اضطرت الى تجاوز «المنهج» الثوري والعنيف معا لخليل فاضل في جبهة الشرق الأعظم، وكان ذلك ضرورة تاريخية في الحقيقة. كما اضطرت مرة أخرى الى تجاوز «الغاية» الحضارية ذات الطابع الشمولي لأربكان في «النظام العادل» والذي أراد استقلالا صناعيا واقتصاديا لتركيا عن الغرب، يوفر لها نوعا من الاستقلال الحضاري، ويُمَكِّنها من تبوؤ مقعد القيادة في عالم الشرق الإسلامي الفسيح، بدلا من اختناق أنفاسها في قاع الصندوق الأوروبي الضيق، وربما المغلق. ومن ثم فلا غرابة أن دعوة أربكان الأثيرة «العاقلة» الى تشكيل مجموعة الدول الثماني الإسلامية الكبار التي ضمت مع تركيا مصر وإيران ونيجيريا في القلب الإفريقي، ودول الجناح الآسيوي مثل باكستان وبنغلاديش وإندونيسيا وماليزيا تجمدت تماما برحيله عن السلطة، وكان ذلك بمثابة ضرورة سياسية لا تاريخية. كما تبدو مضطرة في مرحلتها الثالثة، حتى وهي في سدة الحكم، الى التنازل عن هدف «التطبيع الكامل مع الإسلام»، إذ لا يزال الحجاب مشكلة تثير هاجس العلمانيين، وكذلك المدارس الدينية، بل وموقع رئاسة الدولة الذي يريد الجيش حرمان أي شخص ذي خلفية إسلامية من الوصول إليه، وهي قضية ثقافية ستثير معركة سياسية في الفترةالمقبلة، ناهيك عن قضية التوجه الخارجي سواء نحو الشرق العربي الإسلامي، أو الغرب الأوروبي، حيث تبقى عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي وعلاقتها مع الولايات المتحدة في بؤرة الاهتمام، مع جنوح طبيعي وعقلاني الى جعل العلاقة مع الغرب غير ضاغطة أو مورطة لتركيا في سلوك عدواني تجاه الشرق. وبرغم أن مشكلة الحجاب كحرية «شخصية» في اللباس تعد حقاً، وحرمان المرأة منه يتجاوز التقاليد التاريخية للعلمانية الى نوع من «الأصولية العلمانية»، فإن حزب «العدالة» لا يتعجل التغيير ولا ينزع الى المواجهة، ويذعن كثيرا لحساسية العلمانيين الى درجة تجعل زعيمه أردوغان متهما من الحركة الإسلامية التركية بـ «التواطؤ مع العلمانية»، أو الخضوع لها، بل تدفع بعض المتشددين الى التشكيك في «ضميره» الإسلامي، ما يعني أن العثمانية الجديدة بلغت قدرتها القصوى على التكيف، مع حدها الأقصى من النجاح. وأما العملية الثانية فتتمثل في الجدل الإسلامي – العلماني، التي تخضع مساراتها بشكل واضح لمفهوم الجدل الهيغلي بين النقائض الموجبة والسالبة، إذ يمثل نموذج الخلافة العثمانية الصورة الأولى أو الأصلية للهوية التركية. وهي صورة استمرت قائمة نظريا حتى إعلان الجمهورية عام 1923 وسقوط الخلافة رسميا عام 1924. ولكن المنطق الجدلي للتطور التركي يؤكد أن الصورة النقيض أو السلبية/الأتاتوركية كانت تتخلق في رحم الأولى منذ بداية الثلث الثاني للقرن التاسع عشر وتحديدا منذ بداية عصر التنظيمات في 1839، ثم تنامت مع إعلان أول دستور عام 1876، مرورا بتكوين جمعية «الاتحاد والترقي» التي أجبرت السلطان عبدالحميد على إعادة العمل بالدستور عام 1908، ثم الحرب التحريرية التي قادها كمال باشا أتاتورك انطلاقا من فضاء الدولة الوطنية وليس الامبراطورية التاريخية كزعيم وطني حرر الأرض التركية في مواجهة المحتل الفرنسي والإنكليزي بعد الحرب العالمية الأولى. واستمرت هذه الصورة في النمو لنحو قرن قبل أن تسود وتعلن عن نفسها على المسرح السياسي التركي، ونمت تلك الصورة من السلب نحو الإيجاب لأسباب موضوعية، يأتي على رأسها التراجع التركي المستمر في مواجهة أوروبا منذ فشل الحصار الثاني لفيينا عام 1683 وبداية مسلسل الهزائم أمام روسيا ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ومنها تفكك الأبنية التاريخية القائمة على الإقطاع الديني العسكري الذي جسدته العثمانية التقليدية مع تراجع العصور الوسطى وزحف العصور الحديثة على أنقاضها. وهو ما تجسد تاريخيا وسياسيا في بروز أوروبا كقوة حديثة متقدمة مهيمنة على اقدار العالم منذ القرن الثامن عشر على الأقل، وعلى تخوم الخلافة العثمانية، وهو ما أدركته الخلافة وبدأت في التكيف معه، ومحاولة تحديث نفسها باستعارة النمط الأوروبي. وكان في قلب هذه العملية التاريخية الجيش العثماني نفسه الذي مثل الأداة العملية في التحديث سواء على صعيد وسائل قتاله وأنماط تدريبه ووسائل عيشه ونظام الحياة والملبس داخله، أو على صعيد قيامه هو نفسه بمحاولة زرع التحديث في الخلافة نفسها ثم وهو الأهم، نهوضه بعملية التحرير الوطني وإعلان الجمهورية تدشينا لتركيا الدولة القومية الحديثة، وهي اللحظة التاريخية نفسها التي شهدت انقلابا في اتجاه الجدل بين طرفي الصورة فباتت العلمانية الأتاتوركية هي الصورة الأصلية أو القطب الموجب للجدل بديلا للعثمانية التقليدية التي أخذت في التواري تحت سطوة عملية التغريب العنيفة التي قامت بها النخبة الأتاتوركية من خلال الجيش والبيروقراطية التركية، التي حاولت إلغاء رموز الهوية التركية، بدءا من الخلافة الإسلامية نفسها عام 1924، ثم إلغاء الطربوش وحل الطرق الدينية عام 1925 وتبني القانون السويسري عام 1926، وإلغاء اعتماد الإسلام كدين رسمي للدولة عام 1928، وتغيير حروف الكتابة من العربية إلى اللاتينية عام 1928، ورفع الأذان بالتركية عام 1932. غير أن سطوة عملية التغريب من خلال علمانية متطرفة لا تأخذ الموقف المحايد من الدين كما في السياق التاريخي/الغربي بل تعتبر رفض الدين ومعاداته على المستوى الاجتماعي والطقوسي هدفا لها استفز في مواجهة العلمانية الأتاتوركية الصورة الأخرى «السلبية» لهذا الجدل ممثلة في نزعة عميقة وإن كانت خافتة لإحياء الإسلام الذي كانت عملية التغريب قمعته فقط من دون قدرة على اقتلاعه من وجدان الإنسان التركي، باعتباره معينا للهوية والخلاص الفردي والروحي في مواجهة قسوة عملية التحديث وتعثرها في الوقت نفسه. وبالطبع لم يكن الإسلام الذي انبعث سالبا هذه المرة في الجدل حول الهوية، هو الإسلام الموروث بمكوناته ومقولاته ومفرداته التقليدية، بل الإسلام الحديث ذو العمق الوطني والقومي التركي، والروح الديموقراطية النامية والتوجهات الاجتماعية التقدمية والاقتصادية المتحررة، وهي المقومات التي جعلته منذ تسعينات القرن الماضي، طرفا قويا مؤثرا في الجدل حول الهوية. غير أن هذا التطور التاريخي العميق، الذي يجني ثماره حزب «العدالة والتنمية»، لا يعني أسلمة تركيا من ناحية، إذ يبقى الحزب ليبراليا في أغلب التصورات المعلنة عن رموزه وإن انتفت عنه معاداة الإسلام كمعتقد وتقاليد في المجتمع التركي بما يعني أنه يسعى إلى تجذير الإسلام في المجتمع وليس إلى فرض الإسلام السياسي على الدولة فهو ينتصر للعلمانية في خبرتها الأوروبية، على الكمالية التي تمثل نوعا من الأصولية العلمانية المعادية للدين في السياسة والمجتمع معا. كما لا يعني استقرار الوضع نهائيا للحزب كـ «بنية سياسية عملية» قابلة للتحول أو التفكك، ومن ثم التجاوز بعد أعوام أو عقود، وإن كان يؤكد على استقرار «العثمانية الجديدة» كـ «صيغة ثقافية توازنية» للهوية داخل إطار يتسع تدريجيا لقطاع أوسع بكثير من النخبة الإسلامية الأولى في الستينات، بل ومن التيار الإسلامي الحالي الذي يمثل القاعدة الانتخابية لـ «العدالة والتنمية»، وستميل إلى أن تكون وعيا وسطيا معلقا على الفضاء السياسي بأكثر من كونها ايديولوجية حزب سياسي معين في مواجهة آخر نقيض بالضرورة، فربما يتغير الحامل التاريخي لها ويحمل مسميات أخرى في العقود التالية، ولكن مع بقاء مضمونها الاعتدالي ورؤاها التوازنية في وضع أفضل ومتنام باستمرار في ساحة التعبير عن الهوية التركية. ذلك أن الظاهرة في مجملها هي ظاهرة تاريخية في الإحياء الثقافي لمجتمع عانى من علمانية متطرفة ومن قسوة الحداثة وإحباطاتها، كما عانى سلفا من تخلف تاريخي وتراجع حضاري بعد تفوق ساحق، ومن ثم فإن المنطق الجدلي يؤكد صعوبة الارتدادات العنيفة نحو أي من طرفي الجدل، الموجب أو السالب، بل ويقود إلى اندماجهما الحتمي في مركب إسلام عقلاني، تأسس على قاعدة إدراك عميق لدى النخبة لحقيقة أن العقل لا يلغي الروح وان تغيير الملبس لا يضمن تغيير الواقع، فعادت تبحث لنفسها عن جذور تربطها بالأرض، وعن قلب يوازن عقلها الجامح، وباختصار عن صورة تعادلية تستطيع من خلالها القول، إنها مسلمة بقدر ما هي عصرية، أو ربما عصرية بقدر ما هي مسلمة. (*) كاتب مصري (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 31 جويلية 2007)

 

هاري بوتر خرج أيضاً منتصراً…

 
محمد الحدّاد (*) فيما كان الجدال صاخباً وعنيفاً بين العلمانيين والقوميين والإسلاميين حول الانتخابات التركية والدلالات الظاهرة والخفية للانتصار الساحق الذي حققه «حزب العدالة والتنمية» ومدى تأثير ذلك في مستقبل المنطقة، سجّل هاري بوتر انتصاراً أكثر إثارة في رأيي، ففي يوم واحد اشترى مليون ومائتا ألف شخص الرواية الخيالية للبطل المتدرب على السحر وحدث ذلك في زمن قيل إنّه زمن تراجع الإقبال على القراءة وضمور الاهتمام بالمكتوب. ومن المرجّح أنّ عشّاق هاري بوتر يشعرون بسعادة أكثر في الدنيا، ولو اهتموا بالانتخابات التركية والفلسطينية وغيرها لعكّروا صفو حياتهم، ومن كانت القراءة شغله الرئيسي وفرضت عليه ظروف الحياة أن يقضي أيامه بين نصوص الفلسفة والأيديولوجيا والتاريخ والسياسة فلا بأس أن يجرّب قضاء يوم في قراءة رواية خيالية تخرجه من النصوص الجافة والمواقف المتعصبة وتدخله في عالم الخيال بضع ساعات. روايات بوتر، شأن كلّ روايات البطولة الخيالية، مواجهة بين الشر والخير، بين الباطل والحقّ، لكنها لا تعقّد أمامك عمليّة الاختيار فالأخيار دائماً هم الأكثر جمالاً وجاذبية تنساق إليهم النفوس مطواعة ومن دون تفكير كبير ومن دون أن تكره نفسك على حبهم والتعاطف معهم. وأنت تتنبّأ بالنتيجة منذ البداية لكنك تستمتع بأن لا شيء ينحلّ بيسر وإلا لانتهت الرواية منذ الصفحات الأولى. ولا يزعجك أن تطول المعركة بين الخير والشرّ بل تتمنى أن تطول أكثر ليزيد استمتاعك، ولعلك تتمنى أن لا تنتهي القصة عند حدّ. وتعاطفك مع البطل يجعلك تتمنى له أن يقع في الورطة بعد الأخرى كي تتسلى بمتابعة مغامراته فعلى رغم كرهك الأشرار فإنّك تعلم أن الرواية لا تقوم من دونهم ولو انقرضوا جميعاً وبسرعة لانقطعت لذة القراءة. اعتذر لقلة الجديّة. وأدرك أنّ أيديولوجيينا منهمكون في حزم بالغ بتحليل قضية الانتخابات التركية والأمر عندهم جلل وخطر. الأصوليون يرون ما حدث في تركيا دليلاً باهراً على أن الشعوب لو ترك لها الاختيار لأقبلت على الأحزاب التي تنهل من المخزون النفسي للجماهير، وأن هذه الأحزاب لو تركت لها فرصة الحكم لحصلت على نتائج اقتصادية واجتماعية من نوع الذي حققه «حزب العدالة والتنمية». والعلمانيون يرون ما حدث في تركيا دليلاً باهراً على أن الأصولية تتقدّم بخطى حثيثة وهو ما كانوا حذروا منه منذ عقود وإذا لم يُسمع لهم مجدّداً ولم يتم الإسراع بالمقاومة والتصدّي فسيتأخر الوقت وتكثر الخروقات. جالت في خاطري بعض الأسئلة منها: لماذا لا يعترف الأصوليون بأن الانتصار الذي يتحدثون عنه لم يكن ممكناً إلاّ في بلد علماني، لم يتحقق مثله في الجزائر ولا فلسطين ولا اليمن ولا الأردن، نجح فقط في بلاد كمال أتارتورك، هل هي صدفة؟ تصورت لحظة أن يدرج الإسلاميون والقوميون في الدورة القادمة لمؤتمر الحوار القومي – الإسلامي هذه القضية على جدول الأعمال ويجعلوا من توصيات المؤتمر الالتزام بالدفاع عن العلمانية والدعوة إلى إحلالها في كل المجتمعات العربية حتى نشهد تداولاً في السلطة على نمط ما رأينا في تركيا. لكن أخشى أن هذا التصور هو إحدى النتائج غير المرغوبة لقراءة القصص الخيالية. خطر لي أن انخرط بجدية في الجدال السائد لكن خشيت أن أحشر بين العلمانيين التقليديين الذين كتب بعضهم قبل أربع سنوات أن تركيا ستنفجر أو تصبح تحت قبضة الملالي وتصوروها جزائرية أو «حماسية» (نسبة إلى انقلاب حركة حماس) أو خمينية وظنوا أنهم فطنوا لما غاب عن ملايين الناخبين الأتراك. ماذا يقول هؤلاء لو عرضت عليهم مقالاتهم من جديد؟ كان ثمة خيار آخر: أن ندعو إلى تفكير أكثر عمقاً في قضية العلاقة بين العلمانية والديموقراطية والمجتمعات العربية لكن هذا الخيار يبدو موغلاً في الخيال وأكثر بعداً من الواقع من شخصية هاري بوتر فلن يهتم أحد بمثل هذه الدعوات وكلٌ يرى أنه صاحب الحقيقة. وربما لم يكن ليزعجني لو كنت تركياً أن يتولى الحكم «حزب العدالة والتنمية» لكني لا أريد لأي بلد عربي أن يقع في براثن الأحزاب العربية المدعوة بالإسلامية لأن مسارها مختلف وبرامجها لا علاقة لها بالحزب التركي، والفارق هو أنه لا يوجد حزبي إسلامي عربي إلا وهو مهيأ لممارسة العنف ويعتبر الجهاد (ضد أعدائه السياسيين) جزءاً من العقيدة. أما حزب السيد أردوغان فهو حزب سياسي عادي ليست وراءه تنظيمات سرية أو مسلحة وليس في برنامجه تطبيق الشريعة ولا إحياء الخلافة وهو يعترف بإسرائيل ويسعى جاهداً إلى انضمام تركيا إلى المجموعة الأوروبية، وزعماؤه من التلامذة النجباء لاقتصادات السوق ينفذون برامج البنك الدولي الذي أشاد بسياستهم الاقتصادية. وفي النهاية لا أرى سبباً للاعتذار لضعف الجدية في هذا المقال لأن أيديولوجيينا الجديين هم أيضاً في ورطة في تحليل هذا الحدث ومن محاسن الروايات الخيالية أنها تسمح للذهن بالاسترخاء الموقت ولذلك فوائد جمة بخاصة في فصل الصيف وروايات بوتر تحديداً تذكر بأن المسارات دائماً طويلة ومعقدة والمفاجآت واردة. ومن الفضائل الأخرى للإقبال على الروايات الخيالية أنها تخفّف من حدّة التعصب لما يراه كل منا الحقيقة. (*) كاتب وجامعي من تونس (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جويلية 2007)

موسم الهجرة للبحث عن السلام

 
عادل الحامدي خيم الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني علي مجمل العمل العربي المشترك المتعثر بالاساس، وعلي الحراك السياسي في منطقة الشرق الاوسط الملتهبة علي الدوام، وبدات رائحة انسداد الافق السياسي والعسكري للتحالف في ميني فيتنام العربي تفوح في ارجاء المنطقة منذرة بانفجار سياسي وامني اقليمي لا تستطيع اكبر قوة سياسية وعسكرية في العالم الاحاطة به. فقد استفحل الخلاف الفلسطيني الداخلي وطغت تفاصيله الجانبية التي ابدع قادة العمل السياسي ممن امتهنوا صب الزيت علي النيران المشتعلة علي حقيقته باعتباره افرازا لفشل سياسة الرئيس جورج بوش الخارجية بامتياز، واستحال الامر الي نوع من العجز امام ارادة المقاومة العراقية، التي اشتد عودها مبكرا وبدت صلبة في رفض استمرار استقواء قسم من ساسة العراق الجدد بالقوات الدولية التي ازاحت رئيس دولة منتخبا واجتاحت دولة عضوا في منظمة الامم المتحدة وفق مبررات تبين لاحقا انها لم تكن سوي كذبة كبري لتمرير مشروع امبراطوري جديد لا يؤمن بتعدد الاقطاب في قيادة العالم، وهي الآن تجرب الخطة الامنية تلو الاخري في محاولات يري اغلب الخبراء انها لا يمكن ان تحقق اختراقا نوعيا للخط الرافض للمسار السياسي بالمفصل. وفي سيناريو اشبه ما يكون بمحاولة لتعويم الازمة الميني فيتنامية التي تنذر بهزيمة كبري لخيار استبدال الانظمة بالقوة العسكرية، ظهر التشرذم الفتحاوي ـ الحمساوي في مستوياته المختلفة الذي لم يكن يعكس خلافا آنيا بقدر ما كان يعبر عن تباينات فكرية وعقائدية وسياسية بامتياز فرضتها المرجعيات المختلفة ان لم اقل المتناقضة، وهو خلاف يختزل في جانب كبير منه صراعا اسلاميا ـ علمانيا شق نخبة العالم العربي منذ فجر العصر النهضوي العربي الحديث. وقد اسهم انفراد حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية اولا ثم بتزعم مشروع السلطة الوطنية بعد توقيع اتفاقات اوسلو، في تاجيل بروز الخلاف الي السطح، الي ان حان وقت الانتقال الي الاحتكام الي صناديق الاقتراع، في محاولة للتنفيس من حدة المازق الميني فيتنامي الناشئ في العراق، حيث قرر الحلفاء والوسطاء رعاية عملية انتخابية ديمقراطية تجريبية في ارض لا تزال تحت الاحتلال، فنطقت بذلك الخلافات الصامتة بين حركتي فتح و حماس ، وتحول رفاق النضال من اجل التحرير والاستقلال الي خطين متوازيين لا يلتقيان الا في الاحلام. تقاتل الطرفان حتي شبعا واثخن احدهما في الآخر ولم يتوقف تبادل اطلاق النار ولا التلاسن الذي لم تروضه حتي المناصب السياسية ومنطق الديبلوماسية الذي تفرضه تقاليد راسخة في العمل السياسي من حيث الالتزام بالهدوء في مواجهة المشكلات المستجدة وعدم الانفعال حتي وان كان الموقف يستحق اكثر من ذلك، ومارس قادة فتح و حماس بحق بعضهما ما لا يخطر علي بال احد من انصار اقدس القضايا وانبلها لدي كل صاحب عقل ودين، والاسرائيليون ومعهم الامريكيون ودول الغرب الديمقراطي ينظرون، في مشهد اقرب للخيال منه للواقع لم يأبه فيه احد لدماء تنهمر هذه المرة برصاص اجنبي تطلقه اياد فلسطينية، وكلما هدات الجبهة الداخلية الا وتحركت الدبابات الرابضة علي التخوم في انتظار اشارة لاستنزاف ما لم تستطع ان تناله الايدي الفلسطينية المحلية… يبدو الخلاف بين قادة النضال الفلسطيني في حركتي فتح و حماس في ظاهره خلاف بين منهجين في التعاطي مع الاحتلال، وتنافس تمليه يوميات الفعل الميداني التي لا تختلف في تفاصيلها عن يوميات العلاقات القائمة بين فرقاء العمل السياسي في العالم العربي، لكنهما في الباطن يحققان بصراعهما الذي تجاوز كل الخطوط، وابدع مراسيم رئاسية وسياسية لم يسبق لها مثيل، رغبة دولية في استمرار الصراع الذي يستفيد من غياب الارادة الدولية الجادة في انهاء هذا النزيف وعدم نضج فكرة تحويل حلم الدولتين الذي مضي علي الترويج له دوليا ما يزيد عن نصف قرن دون ان تتحول الوعود الي واقع ملموس. انقطع الحبل بين الرئيس محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فتداعت له دول المنطقة بالسهر والحمي، يوم ان احتضن منتجع شرم الشيخ المصري القمة العربية الرباعية الاسرائيلية، وتبادل عباس واولمرت قبلات الاعداء اللاهثين وراء سلام لا تريد بعض القوي الدولية ان يتم انجازه وتخليص العالم منه، فكل من الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي يتالم ولا حل عسكريا في الافق الا بحرب عالمية تفني النوع البشري، وليس علي الشعبين ان يتحملا هذه المسؤولية الثقيلة لوحدهما، بل يتوجب علي رعاة البقر والجمال ان يعوا ان المرحلة التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط لم تعد تتحمل المزيد من الدماء. لكن يبدو ان جرح القريب اكثر ايلاما من تاريخ دموي طويل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فظلم ذوي القربي اشد مضاضة كما تعكس ذلك لغة الرئيس عباس وعدد من انصاره المحيطين به الذين تمترسوا خلف رفض الحوار الا وفق شروط تصل حد المعجزة.. بالتاكيد ان الجرح الذي حدث في الساحة الفلسطينية والذي بدا كما لو انه بين حركتي فتح و حماس ، جرح غائر يصعب تجاوزه من الناحية السياسية بالسهولة الممكنة، لكن المؤكد ايضا ان القضية تبقي اكبر من الاحزاب ومن الاشخاص ومن الطموحات الذاتية لبعض قادة النضال الفلسطيني. ومع انني اربأ بقلمي ان ينساق الي تقديم الدروس لساسة هم اكبر من كل الساسة ومناضلين في زمن لا يملك من مقومات النضال والصمود غير قصائد الشعر القديمة، ولكنني اتحفظ عن اختزانهم كل هذا البغض السياسي الذي لو استخدم عشره في اعادة الوهج للقضية الفلسطينية لكانت الساحة السياسية مختلفة تماما عما هي عليه الآن، لكن مغانم السلطة ومغارمها التي شقت صفوف المسلمين منذ فجر التاريخ دون ان تجد طريقها الي الحسم السياسي، هي ذاتها التي حكمت صراع الفلسطينيين. ولان الشيء بالشيء يذكر، فان عودة الحياة الي قناة الحوار الفلسطينية ـ الاسرائيلية مستفيدة من خلاف الاهل ورفاق الدرب، فانه لا بد من تذكير الاسرائيليين بانهم ليسوا اكثر قوة من بريطانيا التي قبلت بانسلاخ تايوان عن امبراطوريتها وعودتها الي العملاق المسالم مع تاجيل التنفيذ. وانا لا اتطاول علي الواقع فاقارن بين الامبراطورية العجوز وبين اسرائيل الدولة الصغيرة، غير ان ذلك لا ينسي القادة الاسرائيليين ان كاتيوشا محلية الصنع قادرة علي زعزعة امنها واثارة الرعب في صفوف شعبها الذي عاش محاصرا منذ نشأته، والذي ينبغي ان يخرج من هذا الحصار وما الي ذلك لا سبيل غير المصالحة الاستراتيجية الكاملة مع بني عمومتهم من الجيران، فلا امان لاسرائيل ولا سلام للعرب بدون تحول في العقلية والسلوك لدي الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي، وبالتالي العربي، فما يرضي الفلسطينيين يجب ان يرضي حتما العرب والمسلمين ولن يتسني ذلك دون قيام هذا السلام المؤجل. اقول هذا وانا اكتب في الذكري السنوية الاولي لحرب تموز (يوليو) الاسرائيلية علي لبنان، التي اعادت الي الاذهان مشاعر الانتصار التي كانت سائدة في الشارع العربي ايام حرب اكتوبر عام 73، حين طلبت رئيسة وزراء اسرائيل غولدا مائير يومها من الرئيس الامريكي نيكسون الامداد العسكري الذي لم يتردد في اقامة جسر اعطي اسرائيل القدرة علي شن هجوم مضاد علي الجبهة المصرية واحداث ثغرة في منطقة الدفرسوار. ومع ان الرئيس الروسي بريجنيف قد هدد بمعاضدة المصريين والسوريين الذين حققوا اختراقات كبيرة في سيناء والجولان، الا ان اسرائيل وامريكا هددتا بفتح خزائن النووي مما ادي الي تراجع بريجنيف وقبول مصر بايقاف الحرب، والسؤال اليوم: من له الجرأة علي اعادة فتح خزائن النووي وضد من والجميع مستسلم طواعية؟ وهكذا يبدو جليا ان تفاصيل الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني او الفلسطيني ـ الاسرائيلي او العربي ـ الاسرائيلي الذي استعصي علي كل الحلول، ليس في النهاية الا تجليا لازمة مستحكمة في سياسة الرئيس جورج بوش الخارجية، ولا اجد ادق وصف لها مما انتهي اليه رجل الاعمال البريطاني من اصل باكستاني عمران خان في مقال له بصحيفة (الغارديان) البريطانية في معرض حديثه عن الحرب التي دارت رحاها بين حكومة الرئيس برويز مشرف وقادة التيار الاسلامي الذين تحصنوا في المسجد الاحمر، حين اعتبر ان التجديف وراء ضالة اسر قلوب الباكستانيين والعرب وكسب عقولهم عملية مستحيلة الحدوث ما دامت ازدواجية المعايير ماثلة امام الابصار بمثل هذه الوقاحة، وهل سينعم الدكتاتوريون بلذة الوجود علي اديم هذه الفانية بتفانيهم في خدمة اهداف الولايات المتحدة الامريكية والاستماتة في صون مصالحها، حتي وان وادوا كل امل في رؤية المهدي الديمقراطي اثناء المسار. وهل ان الارهابيين يوصمون بهذه الوصمة فقط عندما يكون الدم المراق غربيا؟ (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 31 جويلية 2007)

 
الباب المغلق
 
أحمد الخميسي باب موارب لمقاومة العدوان كتب يوسف إدريس حكايته في مسرحيته  » اللحظة الحرجة  » عام 1958 ، الثاني باب مفتوح لتطور المرأة كتبت لطيفة الزيات حكايته في روايتها  » الباب المفتوح » عام 1960 ، مع الأبواب التي فتحتها ثورة يوليو بقوة للتصنيع وتطوير الاقتصاد وبناء السد العالي وتحرير المرأة وتعميق الهوية الوطنية التي تجمع أبناء الأمة كافة وتعليم جيل بأكمله مجانا سيكون من بين أبنائه من ينقض على الثورة ليهيل التراب على مبدأ التحرر ، باذلا جهده ليس لمواجهة سنوات الظلام الطويلة في تاريخنا الطويل – فتلك هي القانون الطبيعي عندهم – لكن لتلطيخ لحظات النور القليلة، وهم لا يستخلصون من تراب الثورة انتفاضة الروح وكرامتها ، لكنهم يستخلصون قطع الوحل من الضوء ، ويبرزونها ليقولوا لنا إن الثورة ، وكل ثورة خطأ لا يفضي لشيء ، وأن الرضوخ والمذلة هما طريق التطور، وهي دعوة ترددت بعد كل ثورة . في خضم سنوات ثورة يوليو لم يكن أحد ليفكر ، أو يخطر له أصلا أن يسأل الآخر : الأخ مسلم بإذن الله ولا مسيحي ؟. فقد فتحت ثورة يوليو أبوابا كثيرة أمام التطور منها الباب الذي تعمق عبره الشعور بالهوية الوطنية . الآن سأصف لكم بابا مغلقا ، لم يكتب حكايته أحد، لأنها حكاية انحدار الشعور الوطني وتفتته مثل بقايا خبز على سطح منضدة . الباب المغلق باب شقة صغيرة في الطابق الأول بحي الظاهر يسكنها الأستاذ موريس محاسب في أحد البنوك وزوجته مدام جانيت التي تعمل في مدرسة لغات. الإثنان تجاوزا سن الإنجاب دون أن يكون لهما ولد، لكنهما قانعان بحياتهما التي تمضي في هدوء، في العمارة بواب من أسوان يسكن أسفل السلالم ، توفيت زوجته وتركت له ابنة وحيدة صغيرة هي هدى ، التي كانت تشتري للسكان وخاصة للأستاذ موريس حاجاته من المحلات القريبة . موريس وجانيت أحسا – وهما المحرومين من الأولاد – بعطف على هدى التي لا تطلب شيئا وتبتسم منبهرة من أي شيء تتلقاه. هدى كانت تجلس في ساعات العصر في صالة شقة الأستاذ موريس على حافة فوتيه تتفرج بالتلفزيون،وتأكل من الموجود، وأحيانا تبيت على أرض الصالة إذا عرض فيلم عربي طويل أو مسرحية . ولم ير أبوها في ذلك مشكلة ، فالشقة في الطابق الأول بجوار السلالم ، والأستاذ موريس رجل طيب وكبير في السن ، والبنت طفلة صغيرة في السابعة . وذات يوم، يموت أبو هدى في الليل على فرشته،وحده، بعد رجوعه من المستشفى بساعتين. وينتبه سكان العمارة فجأة إلي أنهم لا يعرفون للرجل لا بلدة ولا أقارب ولا عناوين سوى ذلك الجحر المعتم تحت السلم، بل ولا يعرفون حتى اسمه بالكامل ! ويتولى أبناء الحلال دفنه ، وتبقى هدى في صالة الشقة تبكى بعين وتتابع لقطات من الأفلام بعين ، ويطيب الأستاذ موريس ومدام جانيت خاطرها بالكلمات وقطع الحلوى . يوم بعد يوم، أصبحت إقامة هدى عند الأستاذ موريس أمرا مسلما به تقريبا. وشيئا فشيئا يتنقل الكلام في الشارع من محل المكوجي ، إلي محل البقال ، ومن صاحب البقالة إلي دكان العصير، ثم إلي المقهى ، وإلي البيوت وسكانها : الأستاذ موريس واخد البنت الصغيرة وح يخليها نصرانية ! ح يعلمها على طريقتهم ! صيدلي الأجزخانة المجاورة يناول الأستاذ موريس علبة دواء ذات يوم ، ويغمزه بالمرة بسؤال بريء من الظاهر : أخبار البت هدى إيه يا أستاذ موريس؟ مش الحمد لله بخير؟ . ويدرك موريس المقصود ، وينصحه زميل له بأن يطرد البنت لكي لا يصبح بقاؤها عنده مثار مشكلة في الشارع ، والحي ، وربما أبعد من ذلك النطاق. الأستاذ موريس ضميره يعذبه ، كيف يطرد طفلة إلي الشارع وهي بلا أهل؟ ولا سند؟ ولا أقارب؟ . لكن النظرات التي تلاحقه على امتداد الشارع تجبره على اتخاذ قراره، رغم دموع زوجته، لكن ماذا يقول للبنت؟ . يناديها ويشرح لها أنها لا تستطيع أكثر من ذلك المعيشة عنده وأن عليها أن تغادر الشقة، البنت تبكي ولا تفهم، مرة وأخرى ثم يجذبها من ذراعها بالقوة ويضعها خارج باب الشقة . البنت ملتصقة بالباب المغلق تخمشه كالقطة تبكي : أنا زعلتك في حاجة ياعم موريس ؟ والنبي دخلني . وتفر دموع عم موريس وراء الباب المغلق يقول : ما أقدرش يا بنتي .. والعدرا ما أقدر. والنبي ، والعدرا ، والنبي ، والباب مغلق ، وخلف كل ناحية شخص وحيد . ترى كم من باب كان مفتوحا ثم أغلق ؟ *** أحمد الخميسي . كاتب مصري Ahad_alkhamisi@yahoo.com


ساركوزي السريع في العالم العربي

عبدالرحيم صابر (*) لم تمض إلا فترة وجيزة على انتخاب الرئيس الفرنسي الجديد، ساركوزي السريع (speedy Sarkozy)، حتى أطل علينا في العالم العربي بمبادرات جديدة ورحلات مكوكية له ولبعض وزرائه بمن فيهم الاشتراكي اليميني، برنار كوشنير المعروف بعلاقاته الوطيدة والجيدة ببعض ساسة ورجال المجتمع المدني في الشرق الأوسط ودول شمال افريقيا. لم تقتصر هذه الزيارات على الشخصيات الحكومية الفرنسية ولكن تعدتها لتشمل زوجة الرئيس، سيسيليا ساركوزي، معيدة إلى الأذهان دانييل زوجة الرئيس فرنسوا ميتران. وحيث فشل العديد من القادة السياسيين، سافرت زوجة الرئيس في تحد إلى ليبيا لتفاوض قائد «ثورة الفاتح» حول مصير الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني الذين قضوا أكثر من ثماني سنوات في السجن بتهمة تلقيح أطفال ليبيين بفيروس الايدز. ثم كان لبنان وجهة اهتمام الرئيس ساركوزي الأخرى في المنطقة، حيث أرسل وزير خارجيته في زيارات مكوكية للدفع إلى الأمام بالعملية السياسية التي تعيش فترة جمود. ثم دعا كل الفرقاء السياسيين، بما فيهم «حزب الله»، إلى مؤتمر في باريس للجلوس والتحاور والبحث عن مخرج للأزمة السياسية التي يعيشها لبنان منذ فترة طال أمدها. قرر الرئيس ساركوزي، وعلى غرار ميتران، أن تكون وجهة سفره الأولى بشمال افريقيا، إلى الجزائر، برفقة وزيري الخارجية والطاقة. وجاء الرد سريعاً من المغرب الذي ألف علاقة مميزة مع ممثل الحزب الديغولي بالإيليزيه، علاقة استمرت طيلة فترة حكم الرئيس جاك شيراك. كانت فرنسا وما تزال الحليف الأول سياسيا واقتصاديا للمغرب. إلا أن بدء رحلة ساركوزي المغاربية المكوكية من الجزائر لم تكن لتروق لمخاطبيه في المغرب، كما أنها تبعث برسائل مبطنة أو ظاهرة عن سياسة ساركوزي الجديدة تجاه المغرب العربي. لم تكلل رحلة ساركوزي للدول المغاربية بالنجاح المنتظر. فالمغرب «أجل» (وهو التعبير الديبلوماسي الملطف للالغاء) الزيارة، وفرنسا ومن خلال رئيسها الجديد ظلت متشبثة بعدم الاعتذار عن مآسي 130 سنة من الاستعمار الفرنسي للجزائر. قال الرئيس ساركوزي في الندوة الصحافية التي عقدت بالجزائر، إنه يتوجب على قادة الجزائر وفرنسا أن ينظروا إلى المستقبل بدل الحديث عن ماض لم يعشه هو. إلا أن الرئيس بوتفليقة، كعضو في جبهة التحرير الجزائرية، عاش ذاك الماضي وما يزال متشبثاً باعتذار فرنسي. كما أن ملف الصحراء، وحسب ردود فعل مسؤولين من البلدين، لم يتم التطرق إليه إلا بإيجاز. لم تمض على عودة ساركوزي إلا أيام حتى فتح بابا آخر في ليبيا، هذه المرة مخاطبا العقيد باسم الاتحاد الأوروبي حول احتجاز الممرضات البلغاريات. قال ساركوزي إن التفاوض مع ليبيا كان صعبا، لكنه نجح حيث فشل الكثير من القادة الأوروبيين، مثل توني بلير وأنغيلا ميركل وآخرين. نجح ساركوزي في إطلاق سراح الممرضات بعد ثماني سنوات من الأخذ والرد. من دون شك هناك صفقات تطمع ليبيا في تحقيقها من خلال علاقات جديدة مع قادة أوروبيين جدد، ساركوزي، ميركل، برودي، براون… لكن المهم في «الصفقة « الجديدة هو علاقات فرنسا بليبيا، التي لا محالة سيكون المستفيد منها هو المغرب. فليبيا منتج قوي للبترول والغاز، وربما سيجد ساركوزي ضالته التي افتقدها في رحلة الجزائر. كل هذه المحاولات والمبادرات، من طرف «ساركوزي السريع»، توجهت نحو دول أدارت لها الإدارة الأميركية ظهرها أو أقصتها عن قصد. فساركوزي الذي تركزت حملته الانتخابية على السياسة الداخلية، افتتح المئة يوم الأولى من وصوله لسدة الحكم بالتركيز على سياسة فرنسا الخارجية، على نقيض ما قام به الديموقراطيون في الكونغرس الأميركي، حيث ركزوا على السياسة الداخلية في المئة يوم الأولى. فلا عجب إن بادر ساركوزي إلى زيارة إيران وسورية في المستقبل القريب. إذاً فلننتظر لنرى ما سيقوم به ساركوزي السريع في تعاطيه مع سياسته الخارجية، التي يحاول أن يضع فيها بصماته وبصمات فرنسا في السياسة الدولية من دون عزل فرنسا عن باقي الدول الفاعلة. (*) باحث مغربي (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 30 جويلية 2007)

 


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.