TUNISNEWS
7 ème année, N° 2195 du 26.05.2006
إدانة للهجمة القمعية في تونس – تجمع بساحة حقوق الإنسان بباريس المجلس الوطني للحريات بـتونس: الاعتداءات البوليسية الوحشية على المحامين رسالة خطيرة من السلطات التونسية إلى المجتمع المدني رسالة هيئة 18 أكتوبر بباريس لمؤتمر الرابطة التونسية التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بـيــان من « المبادرة / الائتلاف الديمقراطي التقدمي » التنسيقية المغربية لمساندة الديمقراطيين التونسيين تدين منع الوقفة التضامنية مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان د منصف المرزوقي على قناة الجزيرة «الشرق الأوسط»: اتحاد المحامين العرب ينتقد تعامل السلطات التونسية مع المحامين بي بي سي: تونس: نقابة المحامين تصعد مع السلطة حوار خاص مع السيد محمد القوماني بمناسبة المؤتمر السادس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سليم بوخذير: كلمات غير خاضعة من أيام الجوع صـابر التونسي: عريضة تعزية صـابر مرابـط: تونـس ذاك الـسجن الكبيـر علي شرطاني: في ثقافة البناء والهدم برهان بسيس: الفريـق المحتـرف الشروق: تساؤلات حول قضية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مجلة حقائق : في السياسة الدينية للدولة التونسية الحياة: الحكومتان السورية والتونسية تحصلان على تمويلات من البنك الإسلامي للتنمية مجلة « حقائق: كيف يمكن ان نفهم ظاهرة عودة بعض مظاهر التدين في المجتمع التونسي وخاصة لدى الاوساط الشبابية؟ مجلة « حقائق: الـشـبـاب الـتـونـسـي والـتــدين مجلة « حقائق: هؤلاء شباب يبحثون عن معنى لحياتهم في مجتمع شاعت فيه القيم الفردانية لكن تدين بعضهم هش مجلة « حقائق: المفكر هشام جعيّط :هذه أسباب أزمة الثقافة الإسلاميّة د.أحمد القديدي: المسلمون قوة عظمى نائمة. فمن يوقظها؟ أبو يعرب المرزوقي : مفارقات الخطاب الإسلامي المعاصر (1 من 2)
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
إدانة للهجمة القمعية في تونس
تجمع بساحة حقوق الإنسان بباريس
الثلاثاء 30 ماي 2006
على الساعة السادسة والنصف مساء
Parvis des droits de Lhomme
Place du Trocadéro
Metro .Trocadéro
ردا على التصعيد البوليسي غير المسبوق والذي يشنه نظام الاستبداد في تونس ضد المحاماة و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وسائر القوى المدنية والمعارضة.
وتعبيرا منا على تضامننا وانخراطنا في معركة الحريات والديمقراطية التي تشهد زخما نوعيا في الفترة الأخيرة وتوسيعا لصدى تضحيات التونسيات والتونسيين من اجل تونس أفضل,تونس الحرية ,والكرامة والعدل ,فان الهيئات والأحزاب والجمعيات المبادرة بهذا الإعلان العاجل ,تدعو كافة التونسيات والتونسيين وكل القوي المناصرة للشعب التونسي ,للتجمع مساء يوم الثلاثاء 30 ماي والتجند لأخذ كل المبادرات الملائمة لمواكبة الأحداث الجارية في تونس.
انه واجبنا في مشاركة التونسيين لفك التعتيم وعزل الدكتاتورية الجاثمة على تونس .
الجمعيات
اللجنة من اجل الحريات وحقوق الإنسان بتونس
جمعية العمال المغاربيين بفرنسا
جمعية التضامن التونسي
فدرالية التونسيين مواطني الضفتين
جمعية صوت حر
المجلس الوطني للحريات بتونس
اللجنة العربية لحقوق الإنسان
المنتدى الثقافي العربي الأوروبي
اتحاد العمال المهاجرين التونسيين – باريس وضواحيها
تجمع أبناء وعائلات المساجين السياسيين
الهيئات والأحزاب السياسية
هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بباريس
التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات
حركة النهضة
المؤتمر من اجل الجمهورية
الحزب الديمقراطي التقدمي
الناصريون الوحدويون
حزب العمال الشيوعي التونسي
الاعتداءات البوليسية الوحشية على المحامين رسالة خطيرة من السلطات التونسية إلى المجتمع المدني
رسالة هيئة 18 أكتوبر بباريس
لمؤتمر الرابطة التونسية التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
تشهد تونس موجة غير مسبوقة من القمع تستهدف تجفيف ينابيع الصمود في المجتمع ,حيث صمم نظام الاستبداد في الفترة الأخيرة علي تجريد الشعب التونسي من قواه ونخبه الحية ,فكان حظ الجامعيين و المثقفين والمبدعين التهميش و العداء ,وحاصر إرادة الاستقلالية المتنامية في صفوف القضاة وخنق أنفاس أحزاب وتيارات المعارضة الحقيقية وفي القلب منها مكونات هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات , وواصل سياسة العزل والرقابة الأمنية المنهجية تجاه التحركات الاجتماعية والحركة النقابية العمالية والشبيبة الطلابية ,وخص نساء ورجال الدفاع ,محاميات ومحامو تونس بحملة أمنية وإعلامية وبعنف بوليسي مذل,وأمعنت الدكتاتورية قي تصعيد نهج قطع الأوصال والقضاء على كل مقومات المناعة داخل المجتمع, وذلك في مناخ من التخويف والتعتيم .
ولان الشاهد الأكبر ,الحائز على مكانة رمزية على الصعيد الأخلاقي والسياسي ,هو الرابطة التو نسية للدفاع عن حقوق الإنسان ,انبرت الدكتاتورية طامعة في تصفية ما تبقي من فعاليات مدنية مستقلة ومعارضة جادة من وراء ظهر الرابطة وفي غيابها باعتبار مصداقيتها إذ هي احدي العلامات اللامعة للضمير الوطني.
السيد الرئيس المناضل مختار الطريفي
الأصدقاء عضوات وأعضاء الهيئة المديرة
مناضلات ومناضلو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
وانتم عازمون على عقد مؤتمركم الوطني السادس يومي 27-28 من هذا الشهر ,فإنكم تخوضون في واقع الأمر معركة وجود,وتخطون بذلك صفحة جديدة متميزة في النضال التونسي الطويل من اجل الحرية والإصلاح .
ولأنكم الشاهد الذي يصر الاستبداد في تونس على شطبه.واجبكم الإدراك بأنكم الأقوى والأبقى,لان المؤسسة التي تشكلون شرايينها وتديرون اليوم حظوظها ,لها الشرعية والمصداقية و الاعتبار داخل تونس زيادة على جمهور غير هين من الأصدقاء والمناصرين على الساحات المغاربية والعربية والعالمية.
نحن كتونسيات وتونسيين منضوين في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بباريس ,لا نعد أنفسنا أنصارا لكم فقط بل شركاء أوفياء :
حتى إنجاز مؤتمركم بكل حرية واستقلالية …حتى احترام استقلالية القضاء والكف عن استعماله في تسويغ القرارات السياسية في ثوب قضائي ظالم ….حتى رفع الطوق الأمني على فروعكم داخل البلاد وإنهاء محاصرة مقراتكم …حتى يكف البوليس ومليشيات النظام الحاكم عن إهانة وتعنيف مناضلاتكم ومناضليكم ……حتى تصمت الصحافة المأجورة عن حملاتها المشينة ضد النشطاء ورموزكم …….حتى تفتكون حق الاجتماع والنشر والاتصال والتنقل داخل الوطن وخارجه…وحتى نحقق جميعا وفي صفوف متراصة ,اخلاء السجون من كافة المساجين السياسيين ونفرض سن قانون العفو التشريعي العام ….حتى نكسر واقع دولنة الإعلام وننشر حرية التعبير والتنظم للجميع.
إننا رديف لكم ولكل القوى المناضلة من اجل أن ينعم شعبنا بكل حرياته وبكل مقدراته وبكامل سيادته.
إنها معركة طويلة النفس ,معركة إعادة الأمل لبنات وأبناء تونس ….ولأنها كذلك ,فهي معركة حرية بان تخاض .
نتمنى لمؤتمركم- إذا ما أنجز- كل التوفيق ,ونحن في كل الأحوال و من موقعنا, كلنا إصرار لمواصلة دعمكم حتى إنجازه وتحقيق كل أهدافنا المشتركة المشروعة.
باريس في 26 ماي 2006
هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بباريس
بـيــان من « المبادرة / الائتلاف الديمقراطي التقدمي »
د منصف المرزوقي على قناة الجزيرة (الخميس 25 ماي 2006) مداخلة الدكتور منصف المرزوقي في حصاد اليوم الإخباري لقناة الجزيرة يوم الإربعاء 24 مايو 2006
اضغط على الوصلة التالية للإستماع « نحن أمام نظام في النزع الأخير … تتصارع فيه العصابات على الوراثة … وهناك ربما شق من النظام يريد أن يزايد على شق آخر .. أو ربما هناك شق يستعد لوراثة هذا النظام .. نحن الآن في تونس في أزمة عميقة وخطيرة .. والمحاماة هي الجزء الظاهر من جبل الجليد.. »
(المصدر: موقع المؤتمر من أجل الجمهورية بتاريخ 26 ماي 2006)
التنسيقية المغربية لمساندة الديمقراطيين التونسيين
تدين منع الوقفة التضامنية مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المقررة أمام سفارة تونس
وتحيي شجاعة المشاركين والمشاركات في الوقفة ومقاومتهم للتعسف والقمع
الرباط في 24 ماي 2006
عن الجمعية المغربية
لحقوق الإنسان
|
عن المنظمة المغربية
لحقوق الإنسان
|
عن المنتدى المغربي
للحقيقة والإنصاف
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
عن التنسيقية المغربية لمساندة الديموقراطيين التونسيين
|
عن جمعية هيئات
المحامين بالمغرب
|
عن فرع منظمة العفو الدولية بالمغرب
|
الوقفة التضامنية ليوم الأربعاء 24 مايو 2006 مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان:
2. البانكرطات بالعربية
3. الشعارات الشفوية
1. تحيى حقوق الإنسان
|
في تونس وكل مكان
|
|
12. الحرية حق مشروع
|
وبنعلي مالوا مخلوع؟
|
2. هذي وقفة نضالية
|
مع تونس التضحية
|
|
13. المؤتمر حق مشروع
|
// ؟
|
3. شعب تونس الشقيق
|
ما زلنا على الطريق |
|
14. شعب تونس قمعتوه
|
والمؤتمر منعتوه
|
4. هاذ وقفة التضامن
|
مع تونس ضد فرعون
|
|
15. الطريفي يا صديق
|
لازلنا على الطريق
|
5. كلنا فدا فدا
|
للرابطة (لتونس) الصامدة
|
|
16. بنعلي باركا
|
من القمع والهرماكا
|
6. تحيا تونس الشقيقة
|
والرابطة الصديقة
|
|
17. بنعلي يا قماع
|
الرابطة (تونس) لن تركع
|
7. بالنضال والتضامن
|
الحرية لازم تكون
|
|
18. بنعلي يا فرعون
|
الرابطة في العيون
|
8. بالنضال والصمود
|
الحرية ستعود
|
|
19. // |
تونس في العيون
|
9. الحرية الحرية
|
للمعتقل السياسي
|
|
20. من تونس للرباط
|
ما نعيشو تحت السباط
|
//
|
للمعتقل التونسي
|
|
21. على دلعونا، على دلعونا
|
حكام العرب اللي قمعونا
|
10. بن علي كن على بال
|
المعتقل يخرج فالحال
|
|
22. إذا الشعب يوما أراد الحياة،
|
فلا بد أن يستجيب القدر
|
11. سوا اليوم سوا غدا
|
المؤتمر ولا بدا
|
|
ولا بد لليل أن ينجلي
|
ولا بد للقيد أن ينكسر
|
//
|
الحرية ولا بدا
|
|
ولا بد للظلم أن ينجلي
|
ولا بد للشعب أن ينتصر.
|
//
|
الحقوق ولا بدا
|
|
|
|
اتحاد المحامين العرب ينتقد تعامل السلطات التونسية مع المحامين
تونس: نقابة المحامين تصعد مع السلطة
حوار خاص مع السيد محمد القوماني بمناسبة المؤتمر السادس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
كلمات غير خاضعة من أيام الجوع
* سليم بوخذير
* هنيئا مريئا ..
لم يناولني أحد من أحبتي أيّ قطعة مهما كانت هيّنة من أنواع الأكل طوال 35 يوما من الإضراب عن الأكل ، إلاّ واحدا فقط في هذه الدنيا تجرأ على أن يطعمني ، و كان ذلك يوم عيد حرية الصحافة بالذات « من فرط تحضّره » !
أنا أعني زين العابدين بن علي كرّم الله وجهه الذي أرسل لي يومها أصحاب الأيادي المليحة …. الذين أوكلوني وبكل حماس و بالمجان …………..طريحة !
( شكرا عزيزي الدكتاتور ..)
* قيمة مضافة ..
المسألة بسيطة جدا :
فأنا أريدها صحافة تعبّر عن صوت الشعب …. و الحكومة مثلي تماما هي أيضا تريدها صحافة تعبّر عن صوت الشعب .. ، ولكن مع إضافة رفعة على حرف الشين و فتحة فوق حرف العين !
* إلى أسامة الرمضاني ( رئيس الوك..(كّ)..لة )
فعلا ، أنت الأوّل على الإطلاق في مجالك ….أنت المتفوّق الأكبر إقليميا بل و عالميّا في إختصاصك …، فعلا أنت الأوّل في القارّات الخمس و أنت الأبرع و الأنجح ، و بلا منافس ………………في سوق النّخاسة الصحفيّة!
( سعدها بيك تونس.. )
* إلى عبد الحميد الرياحي/ رئيس تحرير .... الدينار بجريدة « الشروق »
« زميلي العزيز » ….لا داعي لأن تنفخ كثيرا في صورة الإختلاف الذي بيني و بينك فتصوّره على أنّه إختلاف كبير ….بينما إختلافنا هو في الواقع بسيط بسيط للغاية صدّقني و أبسط بكثير ممّا تتصوّر..
…. فببساطة ، أنا أنتمي و أدافع عن حزب يقوده دكتور ….، و أنت يا صاحبي تدافع عن حزب يقوده دكت..ات…ور ، ألا ترى كيف أنّ الفارق بيننا لا يتجاوز مجرّد حرفين لا غير !
* أسير………برتبة عاشق !
الأولى …… بلدي
و الثانية….. بلدي
و الثالثة ….. بلدي
و الرابعة ….. بلدي
و العاشرة ….. بلدي
شمس الشموش ……تونس
و فيض المسك و العنبر
و شهد و ندى و سكّر ….
………….تونس
و عطر و شذى
في كل مدى …
و نور و عبير
و أنا أسير ….
…….حبّها تونس
* * * *
و مهما جُعنا ..
و مهما ضعنا..
لازم تنوّر ..
بشائر تصوّر..
مواسم ربيع ..
و ضحكة رضيع..
و أغاني و ملاحم..
و فجر قادم ……
…….للغالية تونس
* الشموع …. و لا الركوع !
يكون الظّلام دائما بالغ الإتّساع .. مترامي الأطراف.. و يأتي من الجهات الأربع .. ، و لكن يكفي أن ينطلق نور واحد من مصدر واحد يكون صغيرا بالمقارنة مع حجم الظّلام و من جهة واحدة ، حتّى يذيب تماما كلّ الظلام بجهاته الأربع في أقلّ من لحظة واحدة !..
هذا هو بإختصار، الدرس الذي علمتني إيّاه الشموع الصغيرة جدا التي رافقتني طوال رحلة الجوع ضدّ الخضوع ، بعد أن قطع عنّي جنود الظلم و الظلام الكهرباء …
الشموع وحدها علّمتني أنه مهما كنت صغيرا فإنّه بإمكانك و بيسر كبير، قهر كلّ الظلام الذي من حولك ، لكن بشرط أن تؤمن بحق النّور عليك في أن تحترق من أجله و لو قليلا …
( شكرا للشموع على الدرس …)
* في البال أغنية ..
.. فهمت أخيرا لماذا يحبّها بن علي أغنية « عالجبين عصابة » ………. فكيف لا يحبّها و هو رئيسها ؟
* تونس في ليالي الجوع ضدّ الخضوع من 5 أفريل إلى 9 ماي 2006
بسم الله الرحمان الرحيم
إنـــــا لله وإنـــا إليــــه راجعــــــون
يا أيتها السياسة المقيتة ارجعي إلى وكرك غير مأسوف عليك وادخلي الماضي ولا تعودي!
بقلوب مطمئنة بوعد الله ونصره ننعي « الآنسة »(*) سياسة والدة!؟ أخينا متألق السياسي وبهذه المناسبة « السعيدة » أدعو إخواني أقارب « الآنسة » سياسة وأبنائها؟! وأبناء جهتها إلى الوقوف جانب أخينا متألق السياسي في محنته بفقده للغالية والشد من أزره وتهنئته بذلك!
وندعوه لاحتساب فقيدته الغالية عند السلطان الجائر الذي لايسلم منه أحد، والسياسة سابقة للموت والسياسيون لاحقون ما دام في الوجود « قمعون »!
وكل نفس ذائقة الموت!
نسأل الله أن يثبت إخوان « الآنسة » سياسة وأقاربها وذويها وأن لايفتنهم بعدها ولا يحمّلهم وزرها وأن يعينهم على الحق وإتيان السياسة من أبوابها، حتي يلحقوا بفقيدتهم وهم غير مبدلين!
ونسأله أن يخلف « الآنسة » سياسة في بنيها وأهلها وذويها خيرا!
الممضون على العريضة:
ـ سياسي مستقل، ابن عم الفقيدة
ـ سياسي، أخ السياسي المستقل
ـ سياسي، تربطه قرابة بالفقيدة
ـ سياسي، ابن خالة متألق
ـ سياسي تارك، من جهة الفقيدة
ـ سياسي، ابن أخت تارك
ـ سياسي متسيس
ـ سياسي بوجادي، تربطه بالفقيدة رابطة بعيدة
ـ سياسي، من عرش « سياسة »
ولمن أراد أن يمضي على العريضة ويلحق إسمه بقائمة المعزين ـ يشترط أن يكون قريب « الآنسة » أو ابن جهتها ـ يتفضل بإرسال إسمه ونوعية القرابة التي تربطه بالفقيدة على العنوان التالي:
بريد المعزين السياسيين!
شارع الجهوية العزائية!
زنقة تضييق الواسع!
منزل: الله يغفرلنا ويهدينا!
…………………………. …………………………..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) لم يفتني أن تكون آنسة ولها أبناء!؟
صـــابر التونسي
تـونـس ذاك الـسـجــن الكـبـيــر
في ثقافة البناء والهدم
بقلم:علي شرطاني
فهاهو الإسلام الذي كان يخوض المعركة من قبل مع القوى المحلية في مكة من ضعف ومع القوى الإقليمية من قبائل العرب في الجزيرة العربية ومع القوى الدولية الفارسية والرومانية والبيزنطية وغيرها،أصبح يخوضها اليوم كذلك من ضعف مع القوى المحلية العلمانية اللائكية العبثية والتقليدية العدمية الرجعية المحافظة في النظام العربي وفي باقي الأنظمة في العالم الإسلامي والتي لا تخفي علاقتها بقوى الإستكبار العالمي الغربي الصليبي الصهيوني والتي هي علاقة إلحاق وتبعية، تماما مثلما كانت علاقة الكثير من القبائل العربية بإمبراطوريتي الروم والفرس في ذلك الوقت. وهو الذي اليوم في طريقه عاجلا أو آجلا إلى الحلول محل هذه الأنظمة التي ثبت للكل فسادها واستحالة إصلاحها. وهو الذي يحمله المنهزمون مسؤولية الإخلال بالتوازن الدولي الذي كانوا يتفيؤون ظلاله المحرقة، وهو الذي كان له دور كبير في ذلك فعلا. ولا يمكن إلا أن يكون الأمر كذلك. وهو الذي في طريقه، تأكيدا للوعد الإلهي إلى إضعاف برنامج العولمة، وإضعاف القوى الدولية الحاملة للوائها والرافعة لرايتها، حتى يأتي اليوم الذي يسقطها فيه، وما ذلك على الله بعزيز،وأن غدا لناظره لقريب. وهو اليوم الذي يراه قصيرو النظر بعيدا مثلما كانوا يرون سقوط المعسكر الشرقي برمته بعيدا، بل كان يبدوا لهم مستحيلا، وكنا نراه ممكنا، حتى انهار فجأة على رؤوسهم وهم في غفلة من أمرهم. ولم يقع الإهتمام جديا من أي جهة بالأسباب الحقيقية للسقوط ، ولقوانين هذا السقوط ،وللأسباب الحقيقية لذلك، وللقوى الداخلية والخارجية المختلفة التي كان لها دور في ذلك السقوط السريع المفاجئ … وإذا كانت هذه القوة الدولية قد انهارت، وإذا كان هذا المعسكر قد تحلل، فإن طائفة من المعجبين والملتحقين به مازالوا يذرفون عليه الدموع. والذي زادهم التياعا وحرقة، أن الأصولية الإسلامية هي التي كان لها الدور الكبير في إسقاطه حسب تصريحات غورباتشوف آخر قياصرة البلاشفة. ومن ثمة ازداد غيضهم على الإسلاميين، وازدادوا حقدا عليهم، وازداد عداء البعض منهم للإسلام. وهم الذين كان ينبغي أن يسقطوه وفق قول القائلين في الثقافة الغربية أن عهد الأديان قد ولى، وأن الدين في ما أفادتهم به النظرية الماركسية العلمية عامل استغلال وتخلف وانحطاط ، وأفيونا للشعوب، وليس عامل ثورة وتقدم وحضارة وعدل بين الناس.
وإذا كان الصراع قد بدأ بين الوجهين للثقافة الغربية الواحدة التي انقسمت في إطار التطورات السريعة التي شهدها الغرب في ما مضى من تاريخه المعاصر القريب، ومازال يشهده إلى مدرستين مختلفتين: واحدة مثالية مؤمنة، وأخرى وضعية مادية كافرة ملحدة. وتلتقي المدرستين في اعتماد القوانين الطبيعية، واعتبار الطبيعة هي مصدر الإلهام الوحيد للعقل في وضع القوانين والأسس النظرية للمناهج المنظمة لحياة الإنسان في هذا الكون، مع إلغاء المدرسة المادية الوضعية العقلانية الملحدة للدين أصلا، وإنهاء المدرسة المثالية العقلية المؤمنة لأي دور للدين في نظام الدولة العلمانية اللائكية الحديثة، والقول بفصله عنها، واعتباره مسألة شخصية يجب التعامل معها بعيدا عن إدارة الشأن العام، وهو الطرح الأكثر تطرفا، والذي تمثله المدرسة الفرنسية، مع إعطاء دور أكبر للدين في باقي مكونات المجتمع الغربي- فإنه بالتحاق الحركة الإسلامية بساحات الصراع المحلي والإقليمي والدولي، فقد أصبح الصراع دائرا بين ثقافتين مختلفتين، وثلاث عقائد مختلفة.
1 – الثقافة الغربية بوجهيها الوضعي والمثالي الشيوعي المادي الملحد، والليبرالي الرأسمالي المؤمن.
2 – وبين الثقافة العربية الإسلامية القائمة على عقيدة التوحيد.
وإذا كان النسيج الإجتماعي في أوطان شعوب الغرب الصليبي اليهودي قد أصبح يعيش على وقع ثلاث عقائد رئيسية كبرى- إذا ما استثنينا الأقليات العرفية والدينية والأثنية- وهي العقيدة اليهودية والعقيدة المسيحية وعقيدة الإلحاد الشيوعي. فإن النسيج الإجتماعي العربي الإسلامي في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين قد انضافت إليه كذلك إضافة إلى التنوع العرقي والديني والطائفي والأثني الذي كان الإسلام في البلاد ذات الأغلبية الإسلامية قد أوجده، والذي حافظ عليه- عقيدة الإلحاد التي جاءت بها حركة الإستعمار الغربي لأوطان هذه الشعوب، بدون اعتبار أن العقيدة المثالية الليبرالية هي عقيدة أخرى، لأن مسلميها يدينون بالإسلام، ولكن على الطريقة اليهودية المسيحية، ولأن مسيحييها ويهودها وغيرهم ممن هم على الديانات والنحل الأخرى يدينون بدياناتهم كما جاءت المدرسة المثالية داعية لهم للإيمان بها.
وإذا استثنينا الأقليات الدينية في النسيج الإجتماعي في تونس، وهو البلد الأقل على الإطلاق منه في أي بلد عربي وإسلامي آخر- إذا ما استثنينا السعودية وربما بعض دول الخليج- فإن الصراع بعد أن أصبحت العلمانية هي الأصل وأصبح الإسلام بفعل الإستعمار هو الإستثناء في إطار النظام السياسي للدولة العلمانية الحديثة في مرحلة ما بعد الإستعمار الفرنسي المباشر لبلادنا- ظل دائرا بين رافعي راية الموروث الثقافي الإستعماري العلماني اللائكي، وبين حاملي الثقافة العربية الإسلامية الأصلية الأصيلة. وبين المؤمنين بعقيدة التوحيد في إطارها الثقافي
والأصولي الإسلامي، والمؤمنين بعقيدة الإلحاد التي تجد لها أصلا في التوراة من الشيوعيين والمقتسمين(1) الذين يقولون بالفصل بين عقيدتهم الإسلامية والمنهج السياسي العلماني على الطريقة المسيحية اليهودية التي أكدت الفصل بين ما لقيصر وما لله، كما أوضح المصلحون ذلك من خلال نصوص الإنجيل.
في هذا الصراع المحموم بين أصحاب الثقافتين وأصحاب هذه العقائد المختلفة ذات الصلة بهما يسعى العلمانيون اللائكيون الذين تجمع بينهم ثقافة الغرب، ولا تفرق بينهم عقيدتي الإسلام والإلحاد، لفرض الثقافة العلمانية وقواعد المنهج العلماني اللائكي الوضعي المادي منه والمثالي باتجاه علمنة المجتمع التونسي الذي هو في النهاية مجتمع عربي إسلامي، وفرض الهوية العلمانية عليه. وذلك ما يريده الغرب الصليبي اليهودي ويسعى دائما إليه، وهذا ما تعمل على فرضه بالقوة العسكرية على الطريقة الإستعمارية القديمة المباشرة قوات التحالف الغربي الصليبي في كل من أفغانستان والعراق، وبالقوة البوليسية والإستخباراتية وبالضغوطات المادية عبر الأنظمة العلمانية والتقليدية والنخب الداعمة لها . ويسعى الإسلاميون الملتزمون بالمنهج الأصولي الإسلامي وبعقيدة التوحيد فيه، للوقوف في وجه ضحايا الغزو الثقافي من هؤلاء تأكيدا لثقافة الشعوب العربية الإسلامية التي هي في الأصل ثقافتها، وتثبيتا لها على عقيدتها التي هي عقيدة التوحيد التي لا يجوز لها فيها أن تقول ولا أن تقبل بقول الفصل بينها وبين الدولة، أي بالفصل بينها وبين الحياة، لا لأسلمة المجتمع- الذي روج العلمانيون الذين يمثلون حركة تكفيرية حقيقية ويعملون بكل الوسائل والأساليب، ومع كل الجهات والقوى الدولية والإقليمية والمحلية الداخلية والخارجية، من حيث يقصدون أو لا يقصدون، ومن حيث يريدون أو لا يريدون، ومن حيث يعلمون أو لا يعلمون على تكفيره، على أن الإسلاميين يكفرون المجتمع والشعب والمخالف لهم في الرأي وفي العقيدة، وينصب العلمانيون أنفسهم بذلك ومن خلال مواقعهم ومواقفهم تلك، ومن خلال ثقافتهم ومناهجهم تلك مدافعين عن ضحاياهم من هذه الشعوب والمجتمعات والمخالفين لهم والمختلفين معهم – ولا لفرض الإسلام عليه لأنه مسلم بطبعه، ولكن لأسلمة المؤسسات المعلمنة من خلاله، والتي يعمل العلمانيون المقتسمين منهم والملحدين على علمنة المجتمع الإسلامي غير العلماني في الأصل وعلى علمنة الإسلام نفسه كأسلوب لفرض العلمنة عليه من خلالها.
فعملية الفرض التي تتحدث عنها العلمانية العالمية الغربية الأصيلة والعلمانية المحلية « العربية الإسلامية » الهجينة الدخيلة هي تماما كعملية الإعتراف بالآخر المخالف والقبول به تماما.
ففي الوقت الذي يقتضي فيه الأمر، وتصح القاعدة أن يتم اعتراف من بالسلطة بمن هم خارجها، من المخالفين لهم في الرأي، والقبول بالمعترفين بهم منهم والقابلين بهم على الأقل، كان مطلوب علمانيا لائكيا في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، من المخالفين في الرأي ممن هم خارج السلطة من الإسلاميين خاصة، الإعتراف بمن هم في السلطة والقبول بهم، مقابل عدم الإعتراف بهم وبأي حق سياسي لهم في أوطانهم كذلك الذي يعترف به بعض العلمانيين بعضهم لبعض أحيانا، وفق خطة أو تفاهمات أو صفقة معينة غالبا ما يكون للأجنبي رأي فيها إن لم يكن طرفا في ذلك، وهم الرافضون في الحقيقة ومن خلال السلطة لأولئك المخالفين لهم في الرأي وهم غير القابلين بهم.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الحركة العلمانية الديمقراطية الأصيلة في الغرب، والمحلية الإستبدادية الهجينة الدخيلة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين على فرض قواعد المجتمع العلماني والمنهج العلماني على الشعوب العربية الإسلامية أصلا وغير العلمانية، وإلغاء قواعد المجتمع الإسلامي والمنهج الإسلامي الذي هو المنهج الطبيعي والأصيل لشعوب الأمة بالقوة، من خلال المؤسسات والمناهج المختلفة التي فرضتها عن طريق حركة الإستعمار، توجه أصابع الإتهام من خلال أمر واقع فرضته إلى مختلف مكونات الحركة الإسلامية بالعمل على فرض رؤيتها ومنهجها وفهمها للكون والإنسان والحياة على الشعوب- وهي التي تعمل مقابل سعي الحركة العلمانية على علمنة الإسلام وعلمنة المجتمع بذلك من خلال تلك المؤسسات- على أسلمة تلك المؤسسات نفسها من خلال توعية الشعوب المسلمة أصلا بالإسلام لإنهاء عملية علمنة الإسلام والمجتمع الإسلامي من خلالها، والإنتهاء إلى التناسق والتكامل المطلوب بين المجتمع ومؤسساته في إطار هويته الحقيقية وثقافته العربية
الإسلامية ونمطه الحضاري المتميز،باتجاه بناء علاقة تعاون وتكامل وشراكة مع الفكر الإنساني وثقافة الغرب
وحضارته، لتحل علاقة التكامل والتسامح والحوار والمجادلة بالتي هي أحسن التي جاء بها الإسلام والتي يؤمن بها المسلمون والإسلاميون إيمانا مبدئيا صادقا محل علاقة الصراع والتنابذ والتصادم التي يؤمن بها الغرب
الصليبي الصهيوني وأتباعه وصنائعه وامتداده في الحركة العلمانية الهجينة الدخيلة الغريبة التابعة في أوطان
شعوب أمة العرب والمسلمين وفي أوطان سائر الشعوب المستضعفة والمقهورة في العالم.
وإذا كان الغرب الصليبي اليهودي قد نقل الصراع إلى أوطان شعوب الأمة عبر الحركة العلمانية التغريبية الهجينة الدخيلة، وعمل على أن يظل متواصلا فيها من خلالها للإنتهاء عبرها إلى المنافع والمصالح المطلوبة والأهداف المرجوة التي يمكن الإنتهاء إليها من خلال هذا الصراع الناجم عن الخلاف بين المكونات الأصيلة للمجتمع والمكونات الدخيلة عليه والوافدة إليه والتي كانت ضحية الغزو الثقافي الذي ظل متواصلا عبر هذه النخبة، فإن المسؤولية تبقى ملقاة على عاتق هذه النخب التي يراد لها أن تظل متنابذة متصارعة، وتبقى كلها جميعا هي الخاسر الوحيد، ويظل الضرر الناجم عن الصراع المتواصل بينها بالطريقة التي هو قائم بها اليوم في ما بينها لاحقا بالأوطان والشعوب، ويبقى الرابح والمنتفع الوحيد في ذلك هو الأجنبي الذي لا يريد في الحقيقة خيرا بهذا الطرف ولا بذاك، ولا لهذا الطرف أو لذاك، أو لهذه الشعوب والأوطان أو لتلك.
وأنا أقول: كفانا بحثا عن حلول لمشاكلنا، وتجاوز عجزنا، ومعالجة قضايانا عند الأجنبي المعادي الذي اتخذناه صديقا، وهو لا يصلح للصداقة ولا يمكن أن يكون صديقا. فهذه الصداقة هي لصالحه ولغير صالحنا، ولذلك أوجدها وسيظل عاملا على الإبقاء عليها. ومن الوقت الذي تصبح فيه لصالحنا معه، ولا أقول لصالحنا ولغير صالحه، فانه سينهيها حتما، ويحل محلها أي علاقة أخرى يتحقق له بها من المصالح والمنافع والأرباح مالا يتحقق لنا. فهو صديق مصالحه وصديق أمنه واستقراره، وصديق نفوذه عبر ثقافته وحضارته، وصديق نفسه وشعوبه وأوطانه. وهو الذي أقام هذه الحضارة على أساس عنصري من التفوق العرقي للرجل الأبيض والتفوق المطلق للديانة المسيحية واليهودية العنصرية المحرفتين.
ولمن أراد بناء وإقامة علاقات صداقة حقيقة بعيدا عن هذه الصداقة المغشوشة، فثقافتنا ثقافة أخوة إنسانية وثقافة تسامح وتراحم وعفة وفضيلة ورحمة، وليست ثقافة رذيلة وفساد وميوعة وانحلال وتصادم ونقمة، وليست ثقافة قائمة على النفع والكسب المادي فقط ،وحضارتنا حضارة إنسانية وحضارة صداقة واحترام وإخصاب، وليست حضارة عنصرية وتفوق عرقي وديني واستغلال واستعمار واغتصاب.ونحن مع صداقة الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة المتبادلة،إن من موقع الضعف أو من موقع القوة .والضعيف له حقوقه وعليه واجباته، والقوي له حقوقه وعليه واجباته في إطار النفع العام والكرامة والشرف الإنساني ،بعيدا عن سياسة الإمتهان التي يزاولها الغرب مع أصدائه اليوم من موقع الهيمنة والقوة، حيث لا حقوق للضعيف مع القوي ولديه، ولا واجبات عليه لدى الضعيف، ولا اعتراف له بعلاقة يكون فيها لكل ذي حق حقه. فالصحيح أنه بقدر ما نحن في حاجة إلى هذا الغرب القوي اليوم، فهو كذلك على حالة الضعف التي نحن عليها في حاجة إلينا، مع اختلاف الحاجات. إلا أن الأكيد والثابت، أنه بقدر ما لدينا حاجات ملحة لديه، فإن له حاجات ملحة لدينا. والعلاقة الحقيقية الصحيحة أن تكون العلاقة علاقة تكامل وتعاون وتبادل للمصالح والمنافع. إلا أن الأكيد كذلك أن هذا المستوى الحضاري المتقدم الذي جعل الغرب القوي نفسه فيه، يجعله في حاجة إلينا أكثر مما نحن في حاجة إليه، وهو الذي يعلم ذلك، ونحن الذين لا يعلم الكثير أو البعض منا ذلك، ولا يريد ولا يهمه من مواقع مختلفة ولاعتبارات مختلفة أن يعلم، بل و فينا من لا يريد أن يعلم ذلك أصلا. إلا أننا حين نعلم جميعا ذلك ونعيه، و حين يصدق الغرم منا، نستطيع أن نتخلى عن الكثير من حاجاتنا الأكيدة التي لا تتوفر لدينا إلا من خلاله ومن عنده، حتى ما كان ضروريا منها، والتي هو بصدد الضغط بها علينا دائما أمام فرط حاجتنا إليها ولضرورتها الملحة، ولحاجته الأكيدة لتوفيرها بيعا إلينا،وهو الذي لا يستطيع أن يتخلى حتى عن القليل من حاجاته الأكيدة والملحة مما ليس حتى ضروريا منها، لأنه أقام حياته و أوضاعه على مستوى من الحركة غير قابلة للوقوف أو التوقف أو الإيقاف. فإذا وقفت أو توقفت تلك الحركة أو أوقفت فإن الحياة تتعطل عندها في كل مستوياتها عنده. ويلحقه عندئذ من الأضرار ما لا يلحقنا حتى في حال استعماله القوة التي يرهبنا بها ونصاب بالرهبة أو يصاب البعض من الحريصين على أي حياة عندنا من استعمالها ضدنا. لأننا لم نبلغ بعد ذلك المستوى من التقدم الحضاري. ولم تقم حياتنا وأوضاعنا بعد على ذلك المستوى من الحركة، مما يجعلنا في أسوإ الحالات قابلين بأدنى مستوى من العيش وقادرين عليه، في الوقت الذي لا تستطيع شعوب الغرب والرجل الأبيض هناك أن يقبل بذلك المستوى ولا يكون قادرا عليه. إن من الأسباب التي جعلت مأساتنا قابلة للإزدياد، هو فهمنا للصداقة كما يفهمها الغرب، وقبولنا بها. وهو الفهم الذي أقامت عليه النخبة المتغربة الهجينة الأوضاع في أوطان شعوب الأمة. فكان من ذلك، التعويل على قوى الهيمنة الغربية الإستعمارية في إيجاد حلول لمشاكلنا التي أوجدها لنا، والتي أوجدتها هذه النخبة من خلال علاقة التبعية والإلحاق والإستجداء التي أبقت عليها معه باتجاه التماثل الإجتماعي والإندماج الثقافي والحضاري.
لا يمكن للنخب المتغربة في الحركة العلمانية اللائكية أن تجد رؤية خاصة ولا برنامجا مستقلا، وهي السائرة في ركاب الغرب والمستلهمة لفكره وثقافته. وهي المتمسكة بنمطه الحضاري والمجتمعي بحلوه ومره. وهي العاملة على فرض نمطه الإجتماعي ونمط عيشه، وليس لها أي معنى للتقدم والتصور وكسب رهان الحداثة غير ذلك المعنى. ومن ثمة كان تعويلها على الأجنبي، وسيظل مهما اختلفت وتباينت مواقفها معه أحيانا وفي بعض القضايا ومن خلال بعض المواقع، طالما لم تتخذ لنفسها أرضية فكرية ومرجعية ثقافية وعقدية غير أرضيته الفكرية ومرجعيته الثقافية والعقدية.
يقول الرفيق: محمد الأخضر اللالة: » فحدث أن تم لسنوات عديدة الوهم بأن الغرب سيكون في نصرة القوى الديمقراطية والتقدم في بلادنا، فالخلط بين التضامن بين الشعوب وقوى التقدم والديمقراطية في العالم وقد بددت الحرب على العراق واحتلاله أوهام من يعتقدون انه من الممكن إقرار الديمقراطية بالإعتماد على القوى الإمبريالية »(2)
كان ينبغي أن يكون هذا مفهوما ومعلوما منذ عقود من الزمن. منذ اجتياح الغرب الإستعماري للعالم ولأوطان شعوب الأمة وسائر الشعوب المستضعفة في العالم. وكان ينبغي أن يكون هذا الذي يراه الرفيق محمد الأخضر اللالة وغيره من العناصر في مختلف مكونات الحركة العلمانية اللائكية منذ تسليم الغرب الذي لا يملك، فلسطين العربية الإسلامية للصهيونية التي لا تستحق، ومنذ حرب السويس سنة 1956 وحرب 1967 وحرب 6أكتوبر 1971، والغزو الصهيوني للبنان. وللكثير من الأجزاء مما تسمى بدول الطوق بمنطقة الشرق الأوسط ، ومنذ حرب الشيشان والبوسنة والهرسك، والحرب الأفغانية السوفياتية الأولى، والحرب الأفغانية الأمريكية الثانية، ثم يأتي احتلال العراق أخيرا وليس آخرا إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه وعلى هذا المستوى من التدهور في المنطقة وفي العالم، وإذا ما استمرت هيمنة العلمانية الإستبدادية المتوحشة على الشعوب في أوطان ألأمة. فإذا كانت مشاكل الحركة الإسلامية كثيرة وشديدة التعقيد في واقع معقد، ولعله مرشحا لمزيد التعقيد لا قدر الله، فإن النخبة المتغربة في الحركة العلمانية اللائكية الهجينة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين هي المشكلة. وهي التي تقف- وبعلاقاتها الإستراتيجية مع الغرب والتعويل عليه- وراء كل المصائب المنصبة على رأس الأمة.
وهي صانعة الفساد، والمنتجة للإستبداد، والمعيقة لحركة التحرر وتطلع الشعوب نحو خطة تنموية جادة تخرجها من واقع التخلف والإنحطاط والتعويل على الغير في كسب أسباب قوتها واستقلالها السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي…
وإني لأعتقد جازما أنه مخطئ حقا من يقول أن أزمة أمة العرب والمسلمين ليست أزمة ثقافية. ولا يقول بذلك إلا القاصرون في الفهم، والجاهلون أو الإنتهازيون الذين يريدون للرداءة أن تستمر آخذة بتلابيب الأمة، ولا يرون حاجة لتحديد المشكلة الأساسية التي مازالت محافظة بمقتضاها على واقع الفرقة والتشتت في مواقع التخلف والإنحطاط – من مواقع المستفيد من خلال هذه الرداءة، أو الجاحدون والمنكرون للحقيقة، والذين لا يريدون لمشاكلنا أن تجد طريقها إلى الحل والمعالجة، ولا للأمة أن تخرج من هذا النفق المظلم الذي ظلت مراوحة فيه مكانها بين الإستعمار والإحتلال والإستبداد والفساد، لأن تحديد السبب الرئيسي ليس في مصلحتهم، وبعقلية الربح والخسارة ينظرون إلى أن تحديده سيكون لغير صالحهم ولكن لصالح غيرهم، أي لصالح الشعوب والأوطان والأمة. أو الخونة والعملاء الذين لا يريدون لهذه الأمة أن تقوم. أو المستقيلون المحبطون اليائسون المنهزمون الذين يعلمون ولكن بعدت عليهم الشقة، ولا يرون أن الحل ربما يبدأ من مجرد إدراك المشكلة الرئيسية.وإذا كانت المشكلة ثقافية بالأساس، فعلى أبناء شعبنا أن يدركوا ذلك ويقولوا به ويؤكدوه.و سيكونوا بذلك مصدر إلهام لباقي نخب ومثقفي وشعوب الأمة. وإن كان ذلك ما يقول به في الحقيقة الكثير من عناصر هذه النخبة ومن مثقفيها في العالمين العربي والإسلامي. إلا أن الأمر يبقى في حاجة لمزيد التأكيد وتحديد المعالم، لأنه ما من نخبة من أي موقع ترى المشكلة مشكلة ثقافية، ولكن عن أي ثقافة نتحدث وأي ثقافة نريد؟
الإختلاف الثقافي:
– فالعلمانيون اللائكيون بمختلف فرقهم وتشكيلاتهم وبطونهم منقسمون على أنفسهم بخصوص قضايا الأمة. فكان
القوميون العرب الذين تحصنوا بالإقليمية وعملوا بالتجزئة والإنفصال، وأقروا القطرية وأكدوا الحدود المصطنعة وثبتوها وأبدوها وسط هتافات ولغط إعلامي وشعارات مغشوشة ملغومة تدعوا إلى الوحدة العربية لا يبدون فيها اهتماما إلا بالأمة العربية فقط ، ولا ينظرون إلى مشكلة الأمة على أنها أوسع من ذلك الحيز ولا يهمهم في النهاية أمر الأمة حين تأخذ امتدادها الطبيعي الأوسع، ليكون العرب في محيطهم الإسلامي الأشمل. وينظرون إلى أن
مشكلة الشعوب العربية في الأقطار العربية التي هي في النهاية شعب عربي واحد في قطر عربي واحد أو منطقة عربية واحدة كانت موحدة ويجب أن تعود موحدة، هي مشكلة ثقافية عربية قومية ليس الإسلام إلا كأي مكون من
مكوناتها وكأي مقوم من مقومات شخصيتها. وكان باقي ما تبقى من مكونات الحركة العلمانية اللائكية من يسار ماركسي بمختلف مجموعاته ومن بعض الليبراليين الذي لم يشكلوا يوما تيارا قويا أو
تنظيما أو حركة أو حزبا واضحا في خياراته وبرامجه وتوجهاته الليبرالية الديمقراطية في أوطان الأمة العربية ولا في أوطان الشعوب الإسلامية، لا إيمان لهم بالأمة الإسلامية، وإن كانوا يلتقون بعض الشيء مع مكونات اليسار القومي العربي في الحركة القومية العربية في المنزع القومي العربي، ولا كبير اهتمام لهم بقضايا الأمة الإسلامية ولا بمشاكلها ولا بعلاقاتها بباقي مكوناتها في المنطقة العربية ولا بشعوب الأوطان في المنطقة العربية، ولكنهم حصروا اهتمامهم في القطرية واعتبروا، وخاصة طائفة اليسار الماركسي أنه وإن كانت المشكلة ثقافية بالأساس فلا يمكن أن تتجاوز المنظور الوطني والحدود القطرية الوطنية، ولا شأن لهم تاريخيا بباقي العلاقات والأبعاد سواء كانت عربية أو إسلامية إلا أن تكون علاقة إلحاق بالغرب وتبعية له شرقا أو غربا، فإن المشكلة الثقافية عندهم هي مشكلة ثقافة وطنية يجب معالجتها بعيدا عن بعدها العربي والإسلامي. وهم ينظرون إليها على أنها مشكلة كل شعب في وطنه يجب معالجتها باتجاه توحيد عمال العالم لإقامة النظام الديمقراطي الشيوعي العادل على خلفية ضرورة العمل وبكل جدية وحزم على هدم كل البنى التقليدية القديمة والتي يجب أن يكون الدين في مقدمتها، والتي تتم عبر مرحلة حتمية اجتياح الرأسمال عبر حركة استعمارية ليبرالية رأسمالية أمبريالية يرى الشيوعيون أنها ضرورية لإنجاز مهمة الهدم، والتي تليها مباشرة حركة العمال التي هي مدعوة لهدم ما تبقى من بنى تقليدية قديمة وعلاقات اجتماعية وعلاقات إنتاج كان النظام الرأسمالي الأمبريالي لم يتم هدمها، أو بنى بورجوازية ورأسمالية وعلاقات إنتاج ظالمة وثقافة إستغلالية يرون أن الدين من أخطرها. هذه الثقافة التي ينظرون إليها على أنها تمثل القديم الذي مازال يقوم عائقا أمام المشروع الثقافي الحداثي أو التحديثي التنويري الوطني أو سمه ما شئت مما شاكل هذه التسميات. وأنه لا قيام لهذه الشعوب في أدبياتهم وتصوراتهم وفي ثقافتهم و في قناعاتهم بدون إتمام عملية هدم القديم وفرض الجديد التقدمي التنويري الرافض لوجود أي علاقة مع المشاريع الماضوية ذات العلاقة بالهوية العربية الإسلامية للأمة. وهو طرح مختلف فرق طائفة اليسار الماركسي أساسا، ويقتفي أثرهم في ذلك مع بعض الفوارق القليلة اليسار القومي العربي. وقد كان من الفوارق التي اشتد فيها التنازع في ما بينهم في فترة السبعينات من القرن الماضي في تونس مثلا، اللغة التي يجب أن يكتب بها المشروع، ففي الوقت الذي كان يصر فيه القوميون البعثيون خاصة في تلك الفترة من تاريخ البلاد على أن تكون لغة المشروع عربية، يشدد اليسار الماركسي على أن تكون لغته فرنسية. وفي الوقت الذي ظل اليسار الماركسي محافظا فيه عن الصفة الإنسانية والبعد الأممي العالمي للمشروع الثقافي، اتجه اليسار القومي العربي لإعطائه بعدا عربيا قوميا اشتراكيا وحدويا، كرس به الفوارق الإجتماعية، ومكن فيه للطائفية والقبلية والفئوية والنزعة العرقية العنصرية للقومية العربية، وأعاد فيه في بعض الأحيان وفي بعض المناطق تثبيت الحدود وتأكيدها، وأكد به الإقليمية والقطرية والشعوبية والإنفصال… وليس هذا في الحقيقة مشروعا ثقافيا واحدا، ولكنهما مشروعان متقاربان مع بعض الإختلافات التي تتراوح بين الأساسية حينا والثانوية أحيانا. ففي الوقت الذي يبقي فيه المشروع القومي العربي مكانا للدين في حياة شعوب الأمة العربية على معنى فصله عن الحياة السياسية واستبعاده من الإشراف على تنظيم الشأن العام وعن الدولة عموما، كان المشروع الثقافي الماركسي يقوم دائما على إلغاء الدين وعدم الإعتراف بأي وجود حقيقي له أصلا، ولا يؤمن بأي وجود له في حياة الإنسان فضلا على أن يقول له بدور ما في الحياة التي لا معنى فيها لغير المادة والمادة فقط.
ومن المفارقات الغريبة وعلى ما بين الفريقين والمشروعين الثقافيين من اختلاف، فقد كان التياران ميممان وجههما المعسكر الشرقي، وحليفين استراتيجيين وصديقين له. فقد كانت قبلتهما على اختلاف في العقيدة بينهما واحدة. أما المشروع الثقافي الليبرالي المثالي الذي التهمته المشاريع الثورية لليسار القومي العربي والماركسي اللينيني، فقد كان الأضعف، والذي ارتبط بالنظام التقليدي المحافظ الرجعي في المنطقة العربية أكثر منه بأي نظام آخر ولم يتجاوز مفهومه لليبرالية مستوى ونمط العيش البورجوازي، والثراء الفاحش، والرفاه المادي. فكانت ليبرالية بورجوازية رأسمالية بدون ثقافة ديمقراطية. وقد كان ذلك ضمن الإنقسام الذي حصل في المنطقة بعد ثورة أكتوبر 1917 وقيام المعسكر الشرقي، وبتسليم فلسطين العربية الإسلامية للحركة الصهيونية، والإنقسامات التي شهدتها الحركة القومية العربية التي كان لها دور كبير في ذلك، وبعد الصفعة التي وجهتها لها قوى الإستعمار الغربي الحليف الإستراتيجي لها في منطقة الشرق الأوسط ،والتي كان يعول عليها في احتلالها للمنطقة وإخضاعها لنفوذها في تحرير العرب مما اعتبرته الحركة القومية وقدم لها على أنه استعمار تركي عثماني، وترك المنطقة محررة موحدة لها تحت تصرفها.
وفي الواقع، واستنادا لحقائق وطبائع الأشياء، فلا الثقافة الإشتراكية لليسار القومي العربي كانت ثقافة اشتراكية حقا، ولا اليسار القومي العربي كان اشتراكيا فعلا. ولا الثقافة الماركسية اللينينية كانت ثقافة شيوعية حقا، ولا اليسار الماركسي اللينيني كان شيوعيا فعلا. ولا الثقافة الليبرالية المثالية الرأسمالية كانت ثقافة ليبرالية ديمقراطية حقا، ولا النظام التقليدي المحافظ العدمي كان نظاما ليبراليا ديمقراطيا فعلا. فقد كانت كلها توجهات ثقافية وكيانات وتيارات سياسية هجينة دخيلة تابعة متصارعة في ما بينها، فاقدة للإستقلالية وللموقف المستقل والقرار المستقل. مستمدة قيمتها من القيمة التي يمنحها لها الأجنبي. ومستمدة نفوذها من النفوذ الذي يتيحه لها الأجنبي الغربي والشرقي. فهي كلها، إما حاملة للمشروع الثقافي الليبرالي الرأسمالي الإستبدادي والاشتراكي الشيوعي الغربي بشرقه وغربه، أو واقعة تحت نفوذه وتبعيتها له وواقعة تحت تأثيره الثقافي والسياسي، وهيمنته الإقتصادية ونفوذه العسكري. فهي في النهاية مشاريع ثقافية غربية واحدة مستمدة بعضها من بعض، في إطار التطورات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية التي شهدها الغرب الناهض في مراحل مختلفة من تاريخ حضارته الحديث.
ومعتنقوها من النخبة العربية الإسلامية هم علمانيون لائكيون تغريبيون، أو تقليديون محافظون واقعون كلهم تحت التأثير الكامل والمباشر لقوى الهيمنة الدولية، وتجمع بينهم الحركة العلمانية اللائكية الهجينة، وتلتحق بهم تأثرا بالغرب ووقوعا تحت هيمنته النخبة التقليدية المحافظة، وهي النخبة المرتهنة للغرب الصليبي الصهيوني واقعا، ولكنها ظلت محافظة على خصوصية تقليدية محافظة تحكمها ثقافة الأعراف والعادات والتقاليد التي تصطدم فيها مع الذين كان تأثير الغزو الفكري الثقافي الغربي الإشتراكي الشيوعي خاصة عليهم أكبر. وهي التي كانت منقسمة على نفسها بين التأثر بالثقافة الغربية في بعدها الليبرالي الرأسمالي غير الديمقراطي أي الإستبدادي في إطار الملك العضوض ذات الطبيعة العائلية أو القبلية أو الطائفية أو العشائرية أو الفردية الإستبدادية كلها، وبين الميل إلى الثقافة العربية الإسلامية حيث تلتقي أحيانا وتفترق أخرى مع النخبة العربية الإسلامية في الحركة الإسلامية في عموم أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين.
أما الإسلاميون في مختلف مكونات الحركة الإسلامية في حركة الإسلام باختلاف تياراتها وفصائلها وتنظيماتها ومظاهرها ورموزها وشخصياتها المنتظمة والمستقلة، فإنها ترى أن مشكلة شعوب الأمة في أوطانها هي مشكلة ثقافية أساسا. وإن هذه المشكلة هي الأزمة الحقيقية. وهي المعيق الأساسي لتقدم الأمة ونموها ووحدتها وتطورها. وهي تعلم أن التغريب والغزو الثقافي قد فعل فعله، وزاد في تقطيع أوصال أبناء الوطن الواحد ومختلف شعوب الأمة. وأن أكبر وأخطر اختراق نجح الغربي المستعمر في جعله في النسيج الإجتماعي العربي الإسلامي هو فرضه لواقع ثقافي، وهيكلة إدارية، ومنظومة قانونية، ونظام إداري في أوطان شعوب الأمة، ووضع الأمور- وهو يغادر تلك الأوطان التي جاس خلال ديارها عقودا من الزمن- بين يدي نخبة مؤمنة به ومشبعة بفكره الإستعماري المثقل بروح الهمجية والعنف والإرهاب التي كانت تحكمه في القرون الوسطى ومازالت، وثقافته العنصرية، لتتولى الإجهاز على ما تبقى من الثقافة الأصلية الأصيلة لهذه الشعوب، مستفيدة:
– من الصراع الثقافي الذي أوجدته عصور الإنحطاط التي عم فيها الجهل والأمية والخرافة والأسطورة والشعوذة والدروشة وما شابه ذلك مما لا علاقة له بالثقافة العربية الإسلامية للأمة.
– ومن الإنبهار بما حمله الغزاة الغربيون معهم من علوم ومعارف وتقنية وإنتاج صناعي وقوة عسكرية مدمرة.
– ومن غياب فكر إسلامي مستنير وثقافة إسلامية واضحة.
– ومن عدم وجود حركة إسلامية منظمة واعية وراشدة تعيد النظر في القديم من الموروث الفكري والثقافي والمعرفي، وتستفيد من الجديد الوافد، لتقدم البديل وتتصدى للفكر بالفكر وللثقافة بالثقافة وللسلاح بالسلاح.
فكان طبيعيا بذلك أن تستمر الأوضاع في أوطان شعوب الأمة المفككة والمقطعة أوصالها على هذا النحو، ولتزيدها الحركة العلمانية اللائكية الملتهمة للجاهز الفكري والثقافي الغربي تفكيكا وتقطيعا، تمكينا لثقافة الغزاة، وهدما لثقافة الهداة الذين هدوا العالم ووضعوه على طريق الحضارة التي أصبحوا من أكبر ضحاياها، والدعاة إلى الإصلاح في حركة الإصلاح التي انطلقت مبكرا للنهوض بالأمة ومحاولة تدارك أمر ضعفها وسقوطها وانهيارها، ولتواصل مسيرتها الحضارية، وليتواصل دورها الحضاري في غير انقطاع على أساس ثقافتها الأصيلة، وعلى أساس مقومات شخصية شعوبها وامتدادها في تاريخها وتواصلا مع نسقها ونمطها الحضاري وطبيعة مجتمعها العربي الإسلامي، مثلما كان عليه أمر الأمة الصينية والهندية واليابانية وغيرها من الأمم العريقة في الحضارة والتي استطاعت أن تواكب التحول والتطور الحضاري على أساس ثقافتها الأصيلة، وعلى أساس مقومات شخصية شعوبها.
وإذا كان طبيعيا واستنادا إلى ما تقدم، أن تتواصل الأمور على هذا النحو من الرداءة، فإنه من الطبيعي جدا أن تكون ردة الفعل المناسبة في الأوقات المناسبة. فما أن استفاقت أجيال أبناء الأمة عن الخراب الإستعماري والدمار العلماني اللائكي والتقليدي الأعمى الذي كان حليفا له، وعن استمرار التغريب العلماني والتحريف التقليدي حتى، انحدرت من رحم المجتمع العربي الإسلامي الخاضع للتغريب والتحريف والتزييف والتكفير العلماني التقليدي أجيال رافضة لإلحاقها بالنسب الحاصل من رضاعة هذا التغريب وذاك التحريف الفكري والثقافي، لتصحيح نسبها ونسبتها للأمة على الأسس والأصول والقواعد الشرعية، مستفيدة:
– من حركة الإصلاح العربية الإسلامية التي انطلقت منذ منتصف القرن التاسع عشر، والتي قطعت الحركة « الوطنية » التغريبية المتعاملة مع العدو الغربي الغازي والمتعاونة معه على ذلك أمامها الطريق، وحولت وجهتها وأجهضتها، آخذة منها شرعية ليست لها بدونها، لتستعين بها على التمكين للمشروع الثقافي الغربي الإستعماري الذي كان يتغذى من تخلف الفكر التقليدي الخرافي الجامد للنخبة التقليدية المحافظة.
– ومن إيجاد علاقة مباشرة مع القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته الطاهرة ومن التاريخ ومن التراث والفكر الإسلامي ومن التجربة الحضارية الإسلامية الناجحة..
1 – المقتسمين: الذين يجعلون القرآن عضين: (يقبلون منه ما يريدون ويتركون منه ما لا يريدون)
2 – مجلة الطريق الجديد:العدد:22/23 جانفي / فيفري 2004
الفريــــــق المحتـــــرف
تساؤلات حول قضية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
في بحث ميداني عن المراهقين:
63% من الشباب تروم التمسّك بالقيم الدينية
شمل البحث الميداني المتعلق بصحة المراهقين المتمدرسين الذي اعدته ادارة الطب المدرسي والجامعي بالتعاون مع المنظمة العالمية للصحة 4172 مراهقا تونسيا متمدرسا، منهم (2140 ذكورا و2031 اناثا). تتراوح اعمارهم بين 12 و20 سنة وهي عينة ذات دلالة من تلاميذ التعليم العمومي والخاص والتكوين المهني من 154 مؤسسة. وفي باب الشعور بالانتماء والقيم شعر الشباب المستجوب بالانتماء اولا الى العائلة ثم الى الدين في المرتبة الثانية ثم الى الشعب التونسي فالمؤسسة التربوية. ويعتبر معظمهم أنهّم عصريون متفتحون واصحاب مواقف توفيقية.
ويرى الكهول المستجوبون وعددهم 779 فردا من المقربين من الشبان و219 استاذا و50 عاملا في الصحة و22 منشطا بدور الشباب ان عدة عوامل منها الدين ووسائل الاعلام والتقاليد لها تأثير على الشباب بنسب متفاوتة. وفي الترجمة الفرنسية لهذا البحث الميداني والتي توقف عندها الاستاذ فتحي التوزري رأى ان 93% من الشباب المستجوب ترى ان الدين محدد هام و63% تراه هاما جدّا في نحت السلوك والالتزام بقيمه وتتضاءل هذه النسب حسب السن لتصل الى 52.1% لدى الشباب بين 18 و20 عاما .وتحتل اعادة تفعيل القيم الاجتماعية والدينية الموقع السابع في سلم مطالب الشبان بعد حرية التعبير وتفعيل فضاءات الحوار والاحترام من قبل الآخر الاكبر سنّا.
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1065 بتاريخ 25 ماي 2006)
في السياسة الدينية للدولة التونسية
كيف يمكن ان نفهم ظاهرة عودة بعض مظاهر التدين في المجتمع التونسي وخاصة لدى الاوساط الشبابية؟
تكمن مشروعية التساؤل في الملاحظة العينية ذاتها ولا اقصد بذلك مواقع العبادة وحدها وانما كذلك ما نلمسه من بعض التحولات في السلوك العام واحاديث المقاهي والفضاءات الخاصة على حدّ سواء.. لاشك ان مقاربة جدية لهذه الظاهرة، في غياب الدراسات السوسيولوجية والنفسية الكافية، تبدو معقدة بعض الشيء وذلك للاسباب التالية:
ـ التدين ظاهرة طبيعية في مجتمعنا مما يجعل قيس نسبة ارتفاعها من عدمه امرا غير ميسور
ـ نفس الظاهرة السلوكية كارتداء مايسمى بالحجاب تعود الى دوافع متعددة جدا تتراوح بين الاقتناع الذاتي والاكراه مرورا بالموضة العائلية والبحث عن الزوج وحتى اخفاء المهنة الاصلية كما هو معروف عند بعض بائعات الهوى… فتعدد الدوافع وتنوعها المفرط يجعلنا في حقيقة الأمر امام ظواهر شتى لا ظاهرة واحدة كما يبدو للوهلة الاولى.
اما السبب الثالث والاهم فهو ما نقصد بالضبط من وراء كلمة «تديّن»؟ هل هو الاقبال على ممارسة الشعائر وخاصة منها الصلاة؟ هل هو تعميق التجربة الروحية للفرد؟ لقد سعينا في الملف الذي انجزناه في عددنا هذا حول ظاهرة التدين عند الشباب ان نستفيد من آراء المختصين في علم النفس والاجتماع والحضارة الاسلامية حتى نضيء هذه الظاهرة من جوانب متعددة، ونود هنا فقط التنويه الى بعض النقاط منها : الدين ام التديّن؟ قد يرى بعضهم انه لا فرق بين المفهومين، لكننا نعتقد ان تحديدا دقيقا لمجاليهما قد يساعدنا على فهم ادق لهذه الظاهرة.
للتدين وجهان: الاول يخص علاقة الفرد بربه وهو جوهر الدين وهو بهذا المعنى ينتمي للدائرة الخاصة للفرد لا يجوز لاحد ان يتدخل فيها او يدعي تنظيمها. والوجه الثاني هو طريقة عيش المتدين في المجتمع وفق ما يعتبره انعكاسا مباشرا لتدينه كإقامة الشعائر بصفة جماعية وارتداء ملابس خاصة ـ للنساء والرجال على حد سواء ـ يعتقد من ورائها أنه يحصل على ثواب ما هذا الوجه الثاني هو بطبعه اجتماعي ـ وعند بعضهم سياسي ـ فتنظيمه طبيعي وتدخّل الدولة فيه ـ في حدود بطبيعة الحال ـ باعتبارها القوة الوحيدة الممثلة للمجموعة الوطنية محبذ ومعقول.
والتدين بهذا المعنى يتأثر بالثقافة الدينية السائدة دون ان يتماهى معها دائما، والثقافة الدينية في مجتمع ما تهم المجتمع باسره لافئة دون أخرى. وهنا لابد من التذكير بأن الدولة الاستقلالية التونسية كانت لها سياسة دينية محددة تتمثل في تعصير المناهج وطرق تدريسها والتمييز بين التقاليد الدينية وبين القانون والدستور اللذين يشيران اليها لكنهما بقيا في جوهريهما مدنيين اي لمقاومة مظاهر التخلف الاجتماعي حتى لو تغلف بتبريرات دينية تقليدية. المشروع الكبير الذي جاءت به الدولة الاستقلالية الحديثة والذي يتواصل الى اليوم هو حماية التدين كعلاقة روحية سامية بين الانسان الفرد وربه من انحراف التسيّس، اي التدين كمظهر خارجي احتجاجي.
ولابد ان نقف قليلا عند هذه النقطة لانها تمثل في نظرنا جوهر التصور التونسي. للتدين ولاشك مظاهر اجتماعية وثقافية شتى وهي ان لم تكن مرتبطة بذلك الجانب الروحاني الفردي الذي تحدثنا عنه فإنها لا تنفيه ولا تسيس الدين اي لا تجعل منه اداة في صراع حزبي ولا محورا يفترق حوله المواطنون.. وهذه مسألة قد يجد بعض اخواننا العرب والمسلمين صعوبة في فهمها تحت شعار ان الاسلام دين ودولة ، عقيدة وشريعة… لقد بينت التجربة في العقود الاخيرة في العالم الاسلامي انه كلما وظف الدين لغايات الصراع على الحكم الا وكان عامة المسلمين هم الضحية الاولى.. فعدم تسييس الدين والزج به في الصراعات الدنيوية لا يعني ـ كما يدعي ذلك دعاة الاصولية ـ فصله عن الحياة بدليل ان التدين في تونس وفي غيرها من البلاد العربية والاسلامية يعاش كظاهرة اجتماعية ويكيف الى حدما، جوانب من حياتنا اليومية ثم اننا لنعجب لمن يتمسك بدمج الدين في الدنيا ويستنكر بعد ذلك ان تكون للدولة سياسة دينية؟!
فهل يعني هذا انه يطلب الدمج لنفسه او لجماعته فقط ويمنع سائر المجموعة الوطنية من تطبيق سياسة تحوز رضى اغلب المواطنين؟ بقي ان نقول ختاما، قبل فسح المجال لاهل الاختصاص، ان التدين ظاهرة جدّ طبيعية في مجتمعاتنا. وككل ظاهرة هي معرضة للتغير والتطور شريطة ان لا ينحاز بها في دائرة تقسيم المجتمع وخوصصة مرفوضة لإرث حضاري وروحي لما يقارب المليار والنصف من البشر.
زياد كريشان
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1065 بتاريخ 25 ماي 2006)
الـشـبـاب الـتـونـسـي والـتــدين :
ظـاهرة تـحتاج إلـى دراسات عميقة لفهمها… وتـجاهلـها يؤدي الـى نتائج سلـبية
ما هي حدود الغريزة والممارسة العقلانية في موجة التديّن لدى الشباب الآن وهنا؟ كيف نفسّر عودة شبان وشابات متعلمين ومتعلمات ومن رواد مدارج الجامعة الى المقدّس فكرا وممارسة الآن وهل أن الظاهرة طبيعية؟
هذه الاسئلة وأخرى تعدّ فرضيات انطلقنا منها وطرحناها على عدد من اهل الاختصاص في المشهد الاجتماعي والنفساني فاتضح أنّ لكلّ مقاربته ورأيه اذ يوجد من اعتبر العودة غير طبيعية مثل الدكتور مهدي المبروك او من اعتبرها عادية لاسباب نفسانية حسب الاستاذ فتحي التوزري. ومنهم من تحاشى الاجابة وفضّل الصمت وهنا نتساءل عن دواعي هذا الصمت في حين ان الدراسات الاوروبية عن المسألة متعددة وعهدت بها الحكومات الى مكاتب دراسات مختصة.
هل يمكن ان نرجع اسباب الظاهرة الى عوامل خارجية فقط ام ان المتغيرات الداخلية وواقع البلاد الاقتصادي والاجتماعي يحيل على تشكيلات احتجاجية اجتماعية لدى فئة ما؟ وهل ان تفجر المشهد السمعي البصري تكاثر الحصص والقنوات الدينية يجرّ الى ذلك؟…
نلاحظ في الشارع التونسي كما في الاوساط العائلية عودة مكثفة للدين خاصة لدى الشباب (اناثا وذكورا) وهذا التكثيف في الشحنات الدينية لا نملك له احصائيات دقيقة سوى ما نلاحظه بالعين المجردة رغم ان بعض الاطراف ترى ان الامر عادي جدّا.
نظرة بلا خوف
ومع ذلك فالخوف موجود اذا ما نظرنا الى ردود فعل بعض المؤسسات والهياكل ذات العلاقة خاصة اذا ما تهربت هذه المؤسسة أو تلك من الاجابة والذهاب الى الامام في التقليل من انعكاسات هذه الظاهرة. وقد ننظر الى هذه الظاهرة بمنظار طبيعي عادي دون ميكروسكوبات وقد تساهم في تعديل السلوك حسبّ رأي البعض ـ قد تمر بشارع فيه جامع فيشد انتباهك هذا الازدحام من جيل الشباب على الطرقات والانهج المجانبة لهذا الفضاء التعبّدي خاصة ايام الجمعة. وقد تتقاطع في الطريق ذاته وعلى مرمى حجر من المجلة بشبان خرجوا لتوهم من صلاة الجمعة بجامع القدس فرادى او في شكل مجموعات صغيرة وقد تسأل بعضهم عن الممارسات التعبّدية لهذا الشباب او ذاك فيبادرك بالاجابة: «ان الامر طبيعي فاذا لم أكن في المسجد او في قاعة الدراسة أين سأكون؟»
فضاءات اخرى مفتوحة
وقد تسأل مواطنا هل له فضاءات اخرى يرتادها اضافة الى المسجد فيقول إنّه في المسجد يلقى كافة المتعة الروحية اما هذا الشاب الآخر فيقاطع زميله ليؤكد انه يروم احيانا الذهاب الى قاعة الالعاب المجاورة أو مقهى الحي لكن ذلك لا يتعارض مع ان يؤم الجامع بشكل يومي بعد آداء الواجبات المدرسية. اما ثالثهم الذي كان يرد باجابات مقتضبة فقد تحدّث عن رغبات اخرى طبيعية يقوم بها فهو يلتقي مع صديقاته في المقهى ويتجاذب معهن اطراف الحديث في امور عامة غير دينية تخص الانسان وفعله في الحياة وهو لا يفرّط في مقابلات الترجي الرياضي التونسي الهامة.
عبادة في الملاعب
وقد يقودك فضولك الى متابعة هؤلاء الشبان في مقابلاتهم الرياضية التي تجمع فريقهم بفريق آخر ومنها مقابلة الترجي مع جندوبة الرياضية التي انهزمت فيها جندوبة بهدف نظيف فما ان أعلن حكم المباراة عن انتهاء الشوط الاول حتى هرع بعض من الشباب اضافة الى الكهول الى الصلاة. هذا الطقس التعبّدي كان خارج فضاء الملعب. وعلى مرمى حجر من صراخ الاحباء وهتافاتهم النابية احيانا … «لكن الفرق بيني وبينهم، كما يقول هذا الشاب الذي فرغ لتوه من الصلاة، انني اشجع دون شتم المنافس ولا اصبّ جام غضبي على لاعبي فريقي عند الهزيمة». مشجع من طينة اخرى
ويضيف الشاب نفسه «ان صلاتي تنهاني فعلا عن المنكر كما على الفحشاء». و،هو الذي يواصل دراسته الجامعية باحد معاهد المحاسبة والتصرف بالشرقية ولا توجد ازمات مرّبها في سلم حياته الدراسية لكن رغبة الوالد في أن يراه معه في المسجد، وهو الامام الذي يصلي بالناس، قادته الى النهوض باكرا حسب حالاته الصحية ليصلّي مع والده.. «صباحا مساء وبعد المساء ويوم الاحد».. «اذ ان الصلاة عند المؤمنين كتاب موقوت». لكن هذا الشاب الآخر الذي التقيناه في هذا المقهى المختلط يرى ان الطقس التعبدي يخرجه من دائرة الفراغ والقلق والارق. فقد مر بظروف صعبة بعد وفاة والدته وفقدان صديق غادر العاصمة ليتابع دراسته في الخارج بعد ان فشل هو لا في الالتحاق بكلية باريس بل في تجاوز عتبة الباكالوريا.
خروج من ازمة
…
لذلك فان العبادة كانت مخرجا من دائرة الازمات وهو الآن قد ركّز كل جهوده على اللحاق بركب الناجحين بعد ما توفر له كما يقول من مناخ «تعبدي دفعه الى الهدوء ووفر له سكينة دائمة». وكان الحوار معه يدور بكل هدوء حتى قاطعتنا الفقرة الاخبارية في شكل موجز على قناة الجزيرة التي يدمن هذا الشباب مشاهدتها ومتابعة مراسليها وهو الذي يعدد الاصوات الاعلامية التونسية في هذه القناة بكل فخر واعتزاز. يحول الشاب نفسه وبنفسه الحوار بعد ان شاهد مظاهرات باكستانية حول الرسوم المسيئة للرسول الكريم فيوجه السؤال: ما هي الحدود بين تجاوز المقدّس وحرية الصحافة؟ ليؤكد ان لهذه الحرية حدودا وأن محمدا صلى الله عليه وسلّم فوق كل نقد وكل شبهة. الاعلام والمقدّس
ويضيف: «ان هذا موقف كل الناس والمسلمين خاصة منهم وحتى الملحدين لهم موقف». وفي موقع عام آخر كان الحوار حول القيم عامة ليلاحظ احد المحاورين ان التمسك بالقيم شأن شخصي وقد يكون هذا المتمسك بها لا يؤدي واجباته الدينية وسلوكه الاجتماعي سليم لكن صديقه يرى ان التعبّد يأتي ليضفي مسحة اخرى على السلوك السليم وفيه كما يرى راحة نفسية كبرى تتجاوز المشاكل الاجتماعية والنفسية كلها.
صراع في الخارج
اما الطرف الثالث فقد حوّل وجهة الصراع الى الخارج قائلا: «انظر الى واقع الحال، حال العرب بين التشرذم والتطرف والتمزق وأرى ان الحل في الوحدة وفي التدّين وهذا لا ينطلق من اي منطلق سياسي» لكنه يتحدث عن الدين في شكله التعبّدي والعهدة عليه. ويتحدث هذا الشاب نفسه عن مشاكل عائلية قادت صديقه الى طريق التعبد. فوالده يعنّف امه على مرأى ومسمع من افراد العائلة والجيران. وقد فشل في تغيير موقفه بالكف عن اي سلوك مشين… وعندما لم يفلح ترك الامر واضحى غريبا في عائلته. أي دور للمنظمات والاحزاب؟
ولسائل ان يسأل عن دور المنظمات وهياكل المجتمع المدني في التأطير والرعاية ولعب دور الوساطة مع هؤلاء الشبان ممن تتقاذفهم «رياح الشمال والجنوب». هذه الرياح التي تهب على امواج الاثير وعلى الهواتف الجوالة والفضائيات التي تقيم الجدل من الارض الى السماء في حوارات ميتافيزيقية مبهرة هذا السؤال توجهنا به الى ناطق رسمي باسم احد الاحزاب الموكول لها بحكم سنوات فعلها التأطير والتعديل. ويقول السيد هشام الحاجّي: «تفرض المسؤولية الاخلاقية الانطلاق من الاشارة الى وجود تقصير واضح من الاحزاب السياسية في تأطير الشباب وتثقيفهم سياسيا والتعبير عن شواغلهم وتطلعاتهم،. ويمكن الوقوف على ملامح هذا التقصير او ضعف الاهتمام بين الشباب والاحزاب السياسية في عدة مؤشرات لعل من اهمها ضعف حضور الشباب في المشهد السياسي وتقلص النشاط الشبابي. وهذا العامل يفسر ـ ولوجزئيا ـ ما يمارسه الخطاب المتأسلم من جاذبية على الشباب ، لكنه لايذهب بعيدا في تفسير وضعية تحتاج الى امعان النظر والى مقاربة متعددة الجوانب. ولاشك أن عوامل وجدانية وانفعالية يمكن ان تفسر فعل هذه الجاذبية، فالخطاب الاسلاموي، بسيط وفضفاض ويكاد يكون فارغا من المحتوى السياسي لكنه يتحصن خلف شعارات مغرقة في العمومية. وهذا الاغراق يعطي نوعا من الشعور بالاطمئنان وباشباع وهمي فعليا لكنه فاعل في مستوى البنية النفسية نتيجة شعور الشباب بحدة ازمة النمو النفسي وبصعوبة تشكيل الشخصية الفردية، هناك ايضا تنامي ما يمكن تسميته بالاحباط الحضاري الذي يتغذى من علاقات الهيمنة التي تمارسها القوى المهيمنة عالميا على الشعوب العربية والمسلمة، ومن عدم ادراك عميق للعوامل الفاعلة في هذه العلاقة، ولا ننسى في جانب استعراض اسباب الانجذاب للخطاب الاسلاموي الدور الفاعل لوسائل الاعلام والاتصال العابرة للحدود والتي يسيطر على اهمها في الوطن العربي الراسمال النفطي الى جانب ضعف استبطان وتمثل المبادئ العقلانية في البرامج التعليمية ونعتقد في هذا الصدد انه من المفيد ان يقع التفكير في هذه المسألة على هامش الاحتفال بالمائوية السادسة لابن خلدون خاصة ان تدريس العلوم الانسانية في التعليم الثانوي يمكن ان يثري نظرة الشباب ويحصن وعيهم.
تسامح ومرونة
اما الباحث الاجتماعي خليل الزميطي فلا يعتقد في شعارات فضفاضة ترفع هنا وهناك بل يرى ان الظاهرة لدى الشباب موجودة ولا يمكن ان نغضّ عنها الطرف بل ان نقرأ اسبابها ومسبّباتها بعين العقل. وهو يعزيها الى عوامل خارجية بالاساس تعود الى تأثير الفضائيات العربية وهيمنة خطابها المتكلّس من جهة والذي يلبي حاجة ما لدى الشباب الى جانب ضرورة ربط الظاهرة «بإفلاس القيم» في العالم .وهذا الافلاس قد تغذيه وتمولّه مرجعيات اخرى تدعو الى السكينة والطمأنينة لدى الشباب وهو يلاحظ انه ثمة «تسامح» ومرونة في المعالجة وهو لا يدعو الى التشنج والتصعيد في هذه المعالجة مع اخراجها من شحنتها السياسية لتحويلها الى مخارجها الاجتماعية. العمل عبادة
ويرى الاستاذ خليل الزميطي من خلال متابعته المجرّدة لهذا الشباب الملتزم دينيا «وتعبديا» تحديدا ان أداءه الدراسي والمهني متميز وقد يعزى ذلك الى نظرة تعبدية لأن مالديه يؤكد ان العمل عبادة. الا ان تطويرآليات تأطير هؤلاء الشبان من داخل المسجد او الجامع وعبر برامج عقلانية تأخذ بعين الاعتبار حاجيات هؤلاء الشبان الروحية والنفسية من اجل الاخذ بأيديهم وهذا امر ضروري.
جهد الوزارة
ولذلك فان دور الائمة والوعّاظ هام اذا ما احسنوا الاخذ بأيدي هؤلاء الشباب الى الوسطية والاعتدال وهذا ما يطلب من سلطة الاشراف وتطلبه بدورها. كما لوزارة الشؤون الدينية مجهود مضاعف وبرامج طموحة للرعاية والالمام والاجابة عن اسئلة وتساؤلات هؤلاء الشبان.
خطاب ديني آخر
هذه اسئلة حول ممارسات دينية ومواقف الاسلام المتعددة منها ويرى الملاحظون ان المدّونة الفقهية المالكية في تونس قادرة على الالمام بمجمل هذه الاسئلة في هدوء الفقيه واعتدال المتقبل والمطلوب ايضا تحديث البرامج الدينية الاذاعية والتلفزية عندنا من اجل ممارسة تعبدية معتدلة.
ناجح مبارك
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1065 بتاريخ 25 ماي 2006)
الباحث في الشأن الديني عبد المجيد الشرفي :
هؤلاء شباب يبحثون عن معنى لحياتهم في مجتمع شاعت فيه القيم الفردانية لكن تدين بعضهم هش
يقارب الأستاذ عبد المجيد الشرفي من موقعه كمختص في الحضارة العربية والفكر الاسلامي أشرف على أكثر من خمسين أطروحة ورسالة وشارك في مثلها من لجان المناقشة، مسألة علاقة الشباب بالممارسات الدينية رغم أنه أشار الى ندرة الدراسات الاجتماعية بل انعدامها في هذا المجال البحثي الاجتماعي والنفسي. ويرى هذا الباحث أن شيوع الفردانية دون تعديل لها عبر المواطنة باعتبار ان لافردانية من خصائص الحداثة قد ساهم في وجود ظواهر مختلفة للمارسات الدينية خاصة لدى شباب يرغب في اثبات معنى لحياته وان كانت الفردانية من خصائص الحداثة فان الأستاذ عبد المجيد الشرفي قد قدم رؤاه الخاصة بهذا المبحث وربطها بالاسلام في كتابه » الاسلام بين لارسالة والتاريخ » وخاصة كتاب » الاسلام والحداثة » وفصل الحديث في الشأن الديني من خلال دروس كرسي اليونسكو للأديان القارنة نشير الى أن هذه الاشكالية واضحة في ذهن الباحث وانسابت أفكاره انسيابا…
لماذا ظلت عودة الشباب الى التدين اشكالية، وهل يمكن صهرها في اطار عودة المقدس فقط؟
هذه العودة اشكالية لأن الأدلة عليها ليست أدلة علمية مبنية على دراسات اجتماعية تبين مداها والكيفيات التي تبرز فيها ولهذا فان الحديث عنها لا يمكن أن يكون الا انطباعيا ولا بد رغم ذلك من تحليل العوامل التي تقف وراء هذه الظاهرة. وتبدو لي أن ما يسمى عودة المقدس انما له بالأساس بعد يتعلق بالبحث عن حلول لمشاكل الضياع والانشطار النفسي وعدم وضوح الرؤية في ما يتعلق بالتغيرات التي تسم المجتمعات الحديثة. اذا قلنا عودة الى المقدس الى التدين فمعنى ذلك أنه اندثر في وقت ما وعاد الآن ولكن هذه النظرة لا تعكس حقيقة هذا الواقع، اذ ما تشهده هو تحول في تجليات هذا المقدس أكثر مما هو عودة اليه. المقدس في المجتمعات التقليدية والمجتمع التونسي أساسا، في القديم كان يغمر كل مجالات الحياة ولكنه أصبح الآن يكاد يكون مقتصرا على الجانب التعبدي والشكلي الطقوسي بحيث لا يشمل السلوك الفردي والاجتماعي برمته.
لكن ماذا يقصد هؤلاء الشباب باطلاق اللحي والتمسك بالحجاب، هل ثمة نزوع الى تحقيق للذات؟ وهل يمكن الحديث في هذا الشأن عن أزمة مواطنة؟
هذا الذي يطلق لحيته وتلك التي تلبس الحجاب وهؤلاء الذين يؤمون المساجد في صلاة الجمعة خصوصا، انما يرغبون في اثبات معنى ما لحياتهم وهذا المعنى مهدك بعدة عوامل من أهمها شيوع الفردانية دون أن تعدل من هذه الفردانية التي هي من خصائص الحداثة دون أن تعدلها المواطنة وهي الشعور بالانتساب المسؤول الى وطن، الى مجموعة يكون للانسان فيها حقوق ثابتة وواجبات في الأن نفسه فعندما يشيع في الاعلام أن كل ما ينجز في المستوى الاقتصادي والاجتماعي انما هو منة من الدولة أو من بعض رموزها فان ذلك يؤدي الى فقدان روح المواطنة ويؤدي الى الاحتماء بما من شأنه أن يربط الفرد بمجموعة يقاسمها علامات الانتماء. الفهم التقليدي
تحدثت في أدبياتك ومنها «الاسلام والحداثة»عن القدرة المحدودة للفئات الشعبية على فهم النصوص وهي غير مؤهلة لنقد هذه النصوص وتاويلها كما أن اسلام بعض العلماء لا يخرج عن الحفظ والاحترام فهل أن الاشكال يكمن في الفهم التقليدي؟
هذا التدين الظاهري يستند في الحقيقة الى فهم تقليدي للدين عموما كما ترسخ على أيدي الفقهاء وأهل الحديث ولا يستند الى فكر ديني أعيد بناؤه على المعطيات التي أقرتها علوم الانسان والمجتمع في القرنين الماضيين.
تحدثتم سابقا عن الايمان الحر والمسؤول الذي يكمن به التوفيق بين الوفاء لرسالة الاسلام وقيم الحداثة فهل يستقيم الأمر مع التدين التقليدي الهش؟
هذه المظاهر المذكورة آنفا تعبير على تدين هش وعرضة لمختلف التأثيرات والتقلبات والادلة عديدة على الذين ينتقلون في هذا النطاق من النقيض الى النقيض وهم في كل الحالات انما يبحثون عن الاستقرار النفسي والانسجام بين مختلف المعلومات والمعطيات التي تتوفر لهم عبر قنوات الاعلام المختلفة وبهذه الطريقة يكون التدين الملاحظ تعبيرا في الدرجة الأولى عن الحاجة الى الانتماء الى التماهي مع مجموعة تعد بالخلاص وذلك في ظل مناخ لا يوفر للشباب بصفة خاصة الا نماذج النجاح الفردي كما يمثله أبطال كرة القم أو المغنون والمغنيات وتغيب فيه النماذج التي فيها ابداع وابتكار ونجاح لكنها نجاحات خفية عن الأنظار ولا يتم ابرازها في وسائل الاعلام الا بصفة عرضية جدا. السؤال الذي ينبغي طرحه في خصوص هذا التدين هو هل يوفر غذاء روحيا كافيا ومستجيبا لما يعيشه الانسان الحديث وهو في مهب الايديولوجيات والنظريات والفلسفات؟
اعتقادنا أن هذا التدين عاجز في شكله الحالي عن توفير هذا الغذاء الروحي عن الارتقاء بالمنزلة الانسانية الى مستويات أرقى يحقق بها الانسان ذاته في مجموعة وطنية أو قومية أو دينية أو غيرها. ومن الطبيعي أن يسهل اذ ذاك استعارته سياسيا في هذا الاتجاه أو ذاك ولكن لا ينبغي أن نعتبر كل هؤلاء المتشبثين بمظاهر التدين هم بالضرورة مسيسون أو مؤمنون بمقولات الاسلام السياسي.
لكن هل ثمة استغلال للظاهرة من قبل السياسيين؟
الاسلام السياسي سواء منه الرسمي أو المعارض يسعى الى استغلال الظاهرة ولكنه لا ينجح دائما في احتوائها ويبقى الخيار الديمقراطي هو الذي يفرز في نهاية التحليل للمجتمع الذي يختار أفراده ما يشاؤون عن وعي لا فقط من باب الهروب أو من باب لملمة شضايا الشخصية التي تعاني الارتباك.
ناجح مبارك
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1065 بتاريخ 25 ماي 2006)
استاذ علم النفس فتحي التوزري:
التدّفق النفسي لدى الشباب قد يصرّف دينيّا
يقول الاستاذ فتحي التوزري «ان الظاهرة تتقاطع مع مجالات بحوث اخرى. وهو يضم صوته الى صوت السيد مهدي المبروك. وحتى لا نسقط في الآراء القطعية غير العلمية لابد من دراسات ميدانية وهي الى الان غير متوفرة باستثناء دراسة طبية عن الشباب المراهق تناولت عرَضا موقع الدين في المجتمع وعند الشبان تحديدا.
وللدين وظائف نفسية هامة بعيدا عن طرح حضور المقدس نفسه وهو استجابة لحاجة وللقطع احيانا مع القلق النفسي الذي ينتاب الشبان وهو قلق وجودي في علاقة بالوضع المادي والاجتماعي والبحث عن موضع للذات». ولا ينفي الاستاذ فتحي التوزري التأثير النفسي للخطابات الاعلامية المتعددة والمتقاطعة «فضائيا وارضيا» خاصة ان لهذا التأثير علاقة بما يعيشه الشباب في سنّ معيّنة من تدفّق روحي ونفسي. فأحيانا يقود هذا التدفق الى الرياضة والفن واحيانا اخرى الى التدين.
ويعزي الاستاذ الباحث الاضطراب في السلوك الديني والنفسي الى عوامل تتعلق اساسا بالتنشئة. فتنشئة الشبان في تونس لا تقوم على معادلة الانفتاح والتدين والعلم بل انها تغلب عاملا منها على عوامل اخرى.
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1065 بتاريخ 25 ماي 2006)
المفكر هشام جعيّط :هذه أسباب أزمة الثقافة الإسلاميّة
الباحثون أصناف ثلاثة :
الأوّل لديه القدرة على التنقيب والتصنيف والتبويب بصفة شاملة ومنهجيّة. وهذه خصال تكفي لوحدها كي يرتقي صاحبها إلى أعلى المراتب الأكاديميّة.
الثاني يضيف إلى خصال الأوّل قدرة على الإبداع والإضافة في مجال تخصصه وتراه يتخلّص في كتاباته من المراجع والحواشي والمصادر وينتج فكرا خاصا يصبح بدوره مرجعا بالنسبة للصنف الأوّل. وهؤلاء المبدعون في مجال اختصاصهم قليل عددهم وهم يمثّلون حقيقة النخبة العلميّة لبلدهم.
أمّا الثالث فهو يضيف إلى خصال الثاني القدرة على الخروج من الدائرة الضيّقة للاختصاص ليبدع في عموم مجال الفكر وقد يكون أحدهم في الآن نفسه مؤرّخا وعالم اجتماع وصاحب رأي في الفلسفة. وهؤلاء يعدّون على أصابع اليد الواحدة، وهؤلاء هم المفكّرون حقّا… ولا يكاد يختلف اثنان في أنّ ضيفنا هذا الأسبوع هشام جعيط، هو من الصنف الثالث بامتياز.
هشام جعيط بدأ رحلته في دروب عالم الفكر منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة بإصداره كتابا مثّل حدثا سنة 1974 »الشخصيّة العربيّة الإسلاميّة والمصير العربي » وهو صاحب أهمّ كتاب بين المؤرخين العرب والمستشرقين حول العقود الأولى للتاريخ الإسلامي »الفتنة : جدليّة الدين والسياسة في الإسلام المبكّر هذا بالإضافة إلى عدة من مؤلّفات أخرى مثّلت إثراء نوعيّا للمكتبة العربيّة من بينها »أزمة الثقافة الإسلاميّة » و »الكوفة : نشأة المدينة العربيّة الإسلاميّة » و »أوروبا والإسلام : صدام الثقافة والحداثة ». وأقدم هشام جعيط منذ سبع سنوات على مشروع ضخم »في السيرة النبويّة » صدر جزؤه الأوّل سنة 1999 تحت عنوان »الوحي والقرآن والنبوّة » وهو الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على الجزء الثاني »تاريخيّة الدعوة المحمديّة » والذي سيصدر عن دار الطليعة ببيروت في أكتوبر القادم.
كان إذا لابدّ من بداية سلسلة الحوارات هذه مع هشام جعيط نظرا لمكانته لا فقط في الفكر التونسي بل وفي الفكر العربي والكوني على حدّ سواء. ونحن نريد من وراء هذه السلسلة إبراز إضافات ما يمكن أن نسميه المدرسة الفكريّة التونسيّة والتي تعدّ الآن العشرات من الباحثين في مختلف مجالات العلوم الانسانيّة والاجتماعيّة. استقبلني هشام جعيط في بيته وسط مكتبته بعد أن راودته على الحوار مرارا عديدة، فالرجل، وقد شارف السبعين، يعتقد أنّه أضاع وقتا ثمينا في الصحافة والتظاهرات العامّة… كان هشام جعيط محاطا بكتبه وأمامه رقعة شطرنج ضخمة فحدّثتني نفسي، والنفس أمّارة بالسوء، أن أبارزه لعلّي أبزّه في شيء… فقبل الرهان وسرى في عينيه بريق أدهشني فتراقصت خيلي ثمّ بيادقي رغم دفاعي المستميت عن شرف المهنة. ولم تكن إلاّ نصف ساعة أو تزيد حتّى ذهبت آخر أمالي أدراج الرياح وتذكّرت أنّي إنّما جئت لمحاورته حول أزمة الفكر والعالم الاسلاميين لا للحصول على بطولة وهميّة زائفة…!
أزمة الثقافة الإسلاميّة مفهوم مركزي في تفكيرك وقد خصصت لها كتابا كاملا. ألا تعتقد أنّ الأزمة هي عنصر إيجابي لأنّها تدلّ على نقطة تحوّل في مسار حضارة ما. لكنّ استعمالك لها يوحي وكأنّها استمرار لعصر الجمود والانحطاط..؟!
أنا لا أحبّ الحديث عن الانحطاط أو التقهقر، الأكيد أنّ مفهوم الأزمة يؤشر على وجود تحوّلات حاليّة لكنّ هذه التحولات تجد صعوبات لكي تتحقق بصفة إيجابيّة وإن تحققت جزئيّا فعادة ما يكون ثمنها باهظا. ثمّ إنّ أزمة العالم الإسلامي هي أزمة علاقة بالعالم الذي يحيط به أي بالحداثة في نهاية الأمر. إنّ العالم الإسلامي، والذي كانت له حضارة هامّة في تاريخ الإنسانيّة، هو المنطقة الوحيدة في العالم اليوم التي لم تنجح في تحقيق هذا التحوّل الإيجابي الذي تحدثّنا عنه. عندما نقارن العالم الإسلامي بالهند أو بالصين أو حتّى بأمريكا اللاتينيّة ندرك البون الهائل بيننا وبينهم
.
لكن إفريقيا السوداء هي في وضع أكثر سوءا من العالم الإسلامي ؟ !
إفريقيا السوداء والعالم الإسلامي هما المنطقتان الوحيدتان اللتان تشهدان اليوم تأخّرا عن بقيّة المناطق الأخرى، لكن هنالك فرقا كبيرا بين العالم الإسلامي وإفريقيا السوداء. العالم الإسلامي جغرافيّا، كان ومازال في مركز العالم وعلاقته بالعالم الأوروبي قديمة جدّا لكنّ إفريقيا السوداء إلى نهايات القرن التاسع عشر كانت منقطعة عن العالم وكذلك على عكس إفريقيا السوداء فقد أظهر العالم الإسلامي، تاريخيّا، طاقة إبداعيّة كبيرة وذلك خلال ألفيّة كاملة. لا يمكن مقارنة العالم الإسلامي، تاريخيّا، مع إفريقيا السوداء بل يمكن مقارنته بمجموعات كبرى كالهند أو الصين…
ماهي أسباب هذا العجز عن ولوج الحداثة ؟
هنالك ما يشبه العجز عن هيكلة الذات. .الصين والهند، على سبيل المثال، مجموعتان حضاريّتان لهما تاريخ لكنّهما اليوم تحت سيطرة دولة واحدة. لقد شهد العالم الإسلامي في بعض فتراته التاريخيّة دولا جامعة وموحدة كالخلافة (من الخلافة الراشدة إلى الدولة العباسيّة) والخلافة الفاطميّة ثمّ الإمبراطوريّة العثمانيّة. في وقت ما لم يشهد العالم الإسلامي سوى ثلاث دول كبيرة : العثمانيّة والفارسيّة والمغول في الهند. لكن بعد ذلك شهد العالم الإسلامي انهيارا ولم تبق هذه المجموعات الثلاث الكبرى بل أفرزت دولا وطنيّة يفوق عددها الآن الخمسين والعديد منها يمنعها حجمها الصغير من إنجاز نهضة ثقافيّة وسياسيّة حقيقيّة. أمّا الآن فإنّ القلب النابض للعالم الإسلامي يوجد في الشرق الأوسط وأقصد به المشرق العربي بالإضافة إلى الباكستان وتركيا وإيران والتي تلعب الآن دورا كبيرا داخل المشرق العربي ذاته. فأحد العناصر الأساسيّة الكامنة وراء عجزنا عن تحقيق النهضة أننا عالم ولسنا دولة واحدة أي هيكل رخو غير قادر على أن يصبح محرّكا للحداثة ولتأكيد الذات. وفي مستوى ثان هنالك مسائل تخصّ الإسلام ذاته تعوق تنمية إنسانيّة شاملة وهادئة كمسألة الجهاد ونفي الآخر، نحن نعيش نقصا فادحا تجاه الغرب وهذا ما يدفع إلى هيمنة الديني والسياسي دائما.
لكن هذه العوامل لم تمنع تاريخيّا من ظهور حضارة إسلاميّة عظيمة… ؟
لقد كان ذلك ممكنا في الماضي فقط، أمّا عندما وقف المسلمون على الفجوة القائمة بينهم وبين العالم الغربي فقد احتموا بنوع من الموقف الرافض والعدمي وهذا اعتراف بالعجز عن اللحاق بالغرب بواسطة العلم والتكنولوجيا والتنظيم السياسي والحريّة… أي بكلّ تلك المكاسب التي أسسها الإنسان المعاصر. نحن في علاقة لصيقة بالعالم الحديث منذ قرنين، وهنا استعمل مفهموم العالم الحديث لا الغربي فقط. بعد هذه الفترة الزمنيّة لا أرى أنّ أيّ دولة إسلاميّة كبيرة كمصر أو إيران أو تركيا قد تمكّنت من التحكّم في عناصر الحداثة
.
وهل يصحّ هذا الحكم على تركيا كذلك ؟
لقد تمكّنت تركيا نسبيّا من بعض عناصر الحداثة وذلك بفضل كمال أتاتورك الذي أدخل منذ ما يقارب عن القرن تحولا هاما مما سمح لتركيا بأن تكون قريبة من المستوى الأوروبي وبصفة أدقّ من البلدان الأوروبيّة الأقلّ تقدّما. أمّا بالنسبة للبقيّة فلا أرى حركة مماثلة في كبريات الدول الإسلاميّة. وينبغي الإقرار أنّ العالم الإسلامي وبالأخصّ العربي منه قد شهد في النصف الثاني من القرن العشرين هيمنة الأيديولوجيا والوهم. هذا هو حكمي الآن على المفاهيم التي هزّت العرب في هذه الفترة كالثورة وما شابهها وهي أوهام، لكنّها أوهام تتطابق مع المستوى الذهني للشعوب التي تبنتها بحماس وحراك كبيرين. لم يكن بإمكان القادة والزعماء فعل شيء آخر فتلك كانت ثقافتهم وقناعتهم… لقد خسرنا خمسين سنة كاملة… لقد أصبح أكيدا الآن أنّ كلّ الشعوب التي انخرطت في مسارات طوباويّة وثوريّة، كالاتّحاد السوفياتي مثلا، قد فشلت إلى حدّ الآن. نحن المغاربيون مثلا لم يكن بإمكاننا سوى طرد المستعمر من ديارنا لكن هذا دفعنا أيضا إلى انتاج خطابات طوباويّة وحكومات تسلطيّة.. ربّما لم يكن بإمكاننا أن نفعل شيئا آخر. وربّما كان هنتغتون على صواب عندما اعتبر أنّ المشكل الرئيسي للعالم الإسلامي ليس إيديولوجيا أو طوباويّا بل ديمغرافي فدولة كمصر كانت تعدّ أقلّ من 15 مليون ساكن في بداية القرن العشرين وهي تعدّ الآن أكثر من 70 مليون نسمة. فالضغط الديمغرافي يخلّف اختلالات اجتماعيّة وسياسيّة كبرى. وهنالك عناصر أخرى ولاشكّ فالمشكلة معقّدة جدّا لكنّ المحصلة اليوم هي أنّ العالم الإسلامي الذي يتكوّن من عدّة مجموعات لكلّ واحدة منها خصوصيّاتها المميّزة لم يفرز بعد دولا رياديّة قادرة على ولوج الحداثة دون التنكّر، بالضرورة، لخصوصيّاتها الثقافيّة والدينيّة إلى حدّ ما. عندما نتأمّل وضع دولة كتركيا نرى أنّها، من الناحية الماديّة والاقتصاديّة، مازالت بعيدة عن مستوى معيشة دولة كاليونان.، رغم أنّ تركيا هي الدولة الإسلاميّة الأكثر تقدّما، فهذا يدفعنا إلى التفكير. لا أريد أن أقسو كثيرا على المسلمين فأوروبا، مثلا، بدأت تتفتح على الحداثة منذ خمسة قرون وذلك بإبداع العلم والثقافة والدولة الحديثة، ولا أقصد هنا الجمهوريّة بل وحتى الدول الملكيّة الفرنسيّة قبل الثورة كانت حديثة.. ولا ننس أنّ أوروبا اليوم -بالمعنى الجغرافي- تعيش انحدارا بيّنا لكنّها مرّرت شعلة الحداثة الى مناطق اخرى كاليابان والولايات المتحدة الامريكية منذ نهاية القرن التاسع عشر. كل دول العالم هي دول حديثة بمعنى من المعاني بما في ذلك دول العالم الاسلامي لكن المطلوب هنا هو تحديد الحدّ الادنى من الحداثة المرجوة. فالحداثة ليست غاية في حدّ ذاتها وانما هي مطلوبة لانها تحقق حياة افضل… فالحداثة شملت الدول الاسلامية لكنها لم تشملها في العمق والعمق عندي هو قبول الآخر والسلم والحرية واستقلال الذاتية الفردية والعلم والتقنية.
لايكاد يختلف المثقفون العرب في توصيف ما ذكرتم لكنهم في أغلبهم يفسرون عجزنا عن ولوج عمق الحداثة بالاستعمار والهيمنة العربية اولا وعدم قيام الحكومات الاستقلالية بهذه المهمة ثانيا فالاسباب سياسية بالدرجة الاولى… فهل توافق هذه النظرة؟
لا اعتقد ان اسباب تأخرنا هي سياسة بالاساس. اعتقد انها اعمق من ذلك بكثير. اذا ما استثنينا مركز الامبراطورية العثمانية الذي كان محتكا كثيرا بأوروبا، العالم الاسلامي كان قبل الحركة الاستعمارية، متآخرا جدا بالنسبة للغرب. لقد شهد فترة فراغ كامل بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر للميلاد ونحن ندفع ثمن هذا الفراغ الى اليوم. نحن نتكلم عن مسؤولية السياسي، المحلي او الاجنبي، في وضع العالم الاسلامي اليوم. هذا صحيح… لكن لا ينبغي ان ننسى ان السياسة انما هي انعكاس لوضع ذهني ونفسي تقليدي. فالسياسة لا تقوم على فراغ. فالعالم الاسلامي لم يشهد نظاما يقترب من القمع الهتلري أو الستاليني.. فالنظم التسلطية عندنا، بصفة عامة، لم تمعن كثيرا في القمع وما كان بامكانها ان تفعل ذلك …نحن نحاكم اليوم، وبصفة بعدية، النظم الاستقلالية في العالم الاسلامي.. لكن لا ننسى ان هذه النظم قد عمدت الى بعض الاصلاحات وحاولت ان تغير الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وادخلت الى بلداننا عناصر عدة من الحداثة. في بداية القرن العشرين لم يكن احد يتحدث عن التنمية الاقتصادية او عن نظام مصرفي او صناعي… وهذا كاف لوحده لقيس مدى التغييرات التي اقدمت عليها الانظمة الاستقلالية… لكن ينبغي ان نقر في نفس الوقت ان هذه الانظمة لم تسمح بانعتاق مجتمعاتها تحت غطاء الخوف من الفوضى. وهذا ليس خاطئ تماما لانه ناتج عن التأخر الفكري والاجتماعي للعالم الاسلامي.
لقد قلت في كتابك «أزمة الثقافة الاسلامية » ان الفترة الدينيّة والتي دامت خمسين قرنا قد انتهت في كلّ مكان بما في ذلك الإسلام الذي تحوّل إلى قوّة هويّة تصارع من أجل البقاء والاعتراف مع الانحرافات الناتجة عن ذلك. فهل من تفسير لهذا الحكم ؟
هذا صحيح تماما. الحركات الإسلاميّة هي حركات سياسيّة وهي ليست حركات كلاميّة لاهوتيّة ولا فكريّة فلسفيّة وهي لا تهتمّ كذلك بتعميق التجرية الدينيّة. العالم الإسلامي يعيش الآن لحظة سياسيّة أي في نهاية الأمر لحظة صراع. إنّ ما يعتبره بعضهم عودة للدين في العالم الإسلامي إنّما هي لحظة سياسيّة بالأساس لا غير… نعم هي لحظة سياسيّة تسعى لبناء المجتمع على قواعد جديدة وذلك بالعودة إلى نماذج قديمة. الحركات الإسلاميّة هي تعبيرة معاصرة في المجتمعات الإسلاميّة لا علاقة لها البتّة بالمذاهب والآراء التي سادت في التاريخ الإسلامي وأكبر دليل على ذلك أن هذه الحركات تعيش وفق مبدإ ردّ الفعل أي أنها تعيش وفق تصرّف الآخرين معها. إنّها ليست ديناميكيّة داخل الإسلام ذاته، عدوّها هو الغرب وقيمه، هذا لا ينفي بالطبع أنّ جزءا من الشعوب الإسلاميّة تنظر لهذه الحركات باعتبارها حركات دينيّة، هنالك عودة نسبيّة للتديّن تهمّ فئات عديدة غير مسيّسة من المجتمع. وهنالك أقسام أخرى من المجتمع تشكو من الفقر وهي تجد في هذه الحركات ملاذا لها. والحقيقة أنّ هذه الحركات قريبة للأوساط الشعبيّة على عكس النخب العصريّة. هنالك حلقة مفرغة لابدّ من الإشارة إليها وهي الصعوبة الكبرى. إن لم أقل استحالة الحدّ من ظاهرة الفقر وذلك مهما كان النظام الحاكم. والفقر فقران : فقر موضوعي واخر ذاتي ذهني ينطلق من المقارنة مع ما يتمتّع به الآخر والأحلام غير المنجزة والرغبات المكبوتة. إنّ الصراع ضدّ الاستعمار وكذلك ضدّ دولة إسرائيل قد خلّفا في العالم الإسلامي عقليّة صراعيّة وقدرة على النضال تكاد تكون لا متناهية حتّى ولو أقررنا بأنّ جلّ الدول العربيّة والإسلاميّة غير معنيّة بصفة مباشرة بقضيّة دولة إسرائيل.
هنالك إيديولوجيا نضاليّة ومجاهدة بالمعنى العام لا بالمعنى الجهادي الذي نعرفه اليوم وقد تواصلت هذه الإيديولوجيا إلى اليوم وإن اتّخذت لذلك أشكالا جديدة. وهل هذا هو ما يمنع العالم الإسلامي اليوم من النهوض الفعلي ؟
إنّ هذه الإيديولوجيا النضاليّة هي من العوائق الأساسيّة للنهضة لأنّنا بقينا أسرى للاحتجاج والصراع وتأكيد الذات وكان ذلك في بداية القرن الماضي ضدّ أوروبا ثمّ تحوّل ضدّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة. إنّ تدمير منشآت أمريكيّة أو قتل عدد معيّن من الأشخاص لا يجعلنا نلتحق بمستوى نموّ وتطوّر من نعتبره عدوّنا. فنختار طرقا ملتوية نسميها جهادا أو استشهادا أو تضحية بالنفس ونسعى أن نجد في تراثنا الديني ما يدفعنا إلى ذلك. عندما قام الصليبيّون بحملاتهم العسكريّة في القرون الوسطي لم تفق الروح الجهاديّة إلاّ بصعوبة كبيرة وحتّى مع الاستعمار لم تنطلق حركات التحرر الوطني منذ البداية وحتّى عند تشكّلها وارتفاع مردوديّتها لم تكن حركات عنيفة بإطلاق. لقد حصل هذا فقط في الجزائر لخصوصيّات محليّة.
عندما نقارن تجربة العالم الإسلامي بتجربة بلاد كاليابان هل يمكن أن نقول إنّ مشكلتنا تكمن -على عكس اليابانيين- في عدم الإقرار بالهزيمة ؟
لقد اعترف اليابانيّون مرّتين بالهزيمة. مرّة أولى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما تفطّنوا إلى تأخّرهم مقارنة بالقوى الغربيّة فأقدموا على تحديث مجتمعهم ودولتهم وفق المقاييس الغربيّة والمرّة الثانية كانت مع نهاية الحرب العالميّة الثانية سنة .1945 وألمانيا أيضا اعترفت بالهزيمة، ما يمكن أن نقوله أنّ هزيمة اليابان وألمانيا كانت كبيرة جدّا بكلّ المقاييس بدرجة أنّه أصبح لا مناص من الاعتراف بها. لكنّ المسلمين عرفوا هزائم وانتصارات كذلك وبقينا نعيش وهم إمكان الانتصار، لقد شهد العالم الإسلامي انتصارات استقلاليّة وهذا ما حدا بنا إلى توهّم أننا أقوى من الغرب وبإمكاننا هزمه. نفس الأمر بالنسبة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في حرب قناة السويس سنة 1956 بدا له أنّه هزم الغرب. لو نأخذ مثال حركة القاعدة فهي قد اعتبرت أنّ عدوّها الأوّل هو أمريكا وبما أنّ أمريكا عدوّتنا فهي إذن معادلة وموازية لنا. ثمّ لا ننسى أنّ هناك نقطة ضعف في الغرب وهي الفردانيّة والإيمان بحرمة وقيمة الشخص وهذا ما يمنعه من التضحية بمواطنيه. أمّا في العالم الإسلامي وبإحياء مسألة الجهاد والاستشهاد أصبح بالإمكان تحقيق بعض الانتصارات (العمليّات الانتحاريّة) أمّا جلّ الدول الغربيّة، وخاصّة الأوروبيّة، وبعد ما عرفت فضاعات الحربين العالميتين أصبحت تجنح للسلم وتتحاشى ما استطاعت المواجهات الدمويّة. لكن لابدّ من الإضافة أنّ جلّ النظم في العالم الإسلامي لا تعمل من أجل إكساب مواطنيها الشعور بالفخر.
لو ننتقل من مجال السلطان إلى مجال المثقف، كيف يمكن للمثقف العربي أن يدعو شعبه للإقرار النهائي بالهزيمة الحضاريّة مع إعطائه أفقا للتفاؤل وللافتخار ؟
هنالك قيم إنسانيّة كالحريّة وحرمة الحياة… يجب أن تصبح الديمقراطيّة كالدّين بمعنى أن تصبح مدعاة للمفخرة والاعتزاز، المفخرة هي تحقيق حياة إنسانيّة أفضل، المفخرة لا تكمن في القوّة والغلبة أو في صنع قنبلة.. هذه كلّها أوهام وليست قيما. هب أنّ دولة كإيران حصلت على القنبلة النوويّة فهل هذا مدعاة للمفخرة ؟ المشكلة أنّ الجماهير في العالم الإسلامي بقيت جاهلة وبسيطة لأنّ الحكومات التسلطيّة ليست لها مصلحة في الثقافة وفي فتح الآفاق… وهل ما يجعل المثقّف عندنا غير قادر على الاقناع أوّلا لأنّ بعض هذه النظم تمنعه من الاتّصال بالجمهور والتعبير عن رأيه وثانيا لأنّ العديد من المثقّفين يفكّرون كالعامة تماما… وفي رأيي فإنّ الثقافة في انحدار خطير في العالم الإسلامي.
ليست هناك بوادر أمل ؟
على المستوى القريب لا أعتقد. الأمل الوحيد هو وجود بذور تغيير داخل المجتمعات قد تعطي أكلها في المدى المتوسّط، والمشكل الجوهري هو أنّ الدول الإسلاميّة التي هي الآن بصدد انجاز نوع من النمو الاقتصادي غير قادرة حاليّا على انجاز النمو الثقافي. ألا يسمح حدّ أدنى من النمو الاقتصادي بإحداث نقلة ثقافيّة في المجتمعات الإسلاميّة ؟ الاقتصاد وحده لا يكفي. لابدّ من إحداث تغييرات عامّة وكما يقول ابن خلدون : ومن حكمته أن خلق أجيالا… ربّما ما هو مستعص على الأجيال الحاليّة قد تقوم به الأجيال القادمة.
زياد كريشان
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1065 بتاريخ 25 ماي 2006)
المسلمون قوة عظمى نائمة. فمن يوقظها؟
د.أحمد القديدي
مؤتمران انعقدا الأسبوع الماضي يؤكدان بما يقطع الشك باليقين بأن الأمة الإسلامية قوة عظمى لا تقل عن الأمم الأخرى الصاعدة مناعة و مصادر و كفاءات و خبرات و معادن وطاقة و ثقافة و حضارة إلى جانب البحار و المحيطات و المضايق و الثراء الزراعي والتقدم التكنولوجي و العقول المبدعة و الضمائر الحية، بالإضافة إلى أنها تشكل أكثر من مليار و نصف من البشر، تجمع بينهم شهادة لا اله إلا الله محمد رسول الله.
مؤتمر قمة الدول الثمانية المسلمة الأكبر الذي انعقد في جزيرة بالي الاندونيسية يوم 13 مايو و أعاد لأذهاننا مؤتمر باندونج في نفس اندونيسيا عام 1955 و الذي كان زلزالا في العلاقات الدولية و الاستراتيجيات الاستعمارية وهو الذي ساهم في تقليم مخالب الإمبراطورية الفرنسية و البريطانية حين هب كل من عبد الناصر العربي و هوشي منه الفيتنامي و نهرو الهندي و تيتو اليوغسلافي و شوان لاي الصيني يؤسسون كتلة عدم الانحياز و تحرير الشعوب المولى عليها بالثورة العارمة العادلة.
جاء مؤتمر بالي اليوم ليجمع مواقف الدول الإسلامية القوية في القمة الخامسة لمنظمتهم وهي إيران و مصر و اندونيسيا و باكستان و تركيا و بنغلادش و نيجيريا و ماليزيا و تقرر تعزيز التعاون بين هذه الدول على أسس من التكامل لا على خلفية إرادة الإمبراطوريات الكبرى التي تسعى للهيمنة على العالم، كما قررت هذه الدول المسلمة مساندة طهران في جهودها المدنية للإفادة من حقها في طاقة نووية سلمية، و لم يهمل القادة المسلمون الكبار أيضا ملف التعاون العلمي و التكنولوجي المتقدم على قاعدة أن المسلم للمسلم أخ شقيق و ولي حميم.
و كان نداؤهم من أجل رفع التضييق عن الشعب الفلسطيني البطل موقفا مشرفا.
و على خلفية هذه القمة المباركة سمعنا أصوات الزعماء المسلمين ترتفع لتندد بالمناورات الصليبية المتشددة العلنية منها والسرية لتعطيل التنمية في عقر دار الإسلام و انفراد الغرب، و ربيبته المدللة إسرائيل بالقوة و التفوق و سمعنا تهديد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لأوروبا بعدم استعمال ما يسمى مجازر الأرمن لإقصاء تركيا من الاتحاد الأوروبي و سمعنا أصواتا عالية ترتفع لنصرة الشعب الفلسطيني الذي اختار حكامه بكل حرية و أصبح معرضا للانتقام الصهيوني بتهمة الإرهاب أي بنفس ما اتهمت به منظمة التحرير في زمن ياسر عرفات! و كتب القادة الثمانية في بيانهم بأن فلسطين دولة كاملة السيادة وبأن حكومتها الشرعية هي المؤهلة للاعتراف بأعدائها أو عدم الاعتراف بهم حتى يعترفوا هم بفلسطين.
جاء مؤتمر بالي ليرسم ملامح إستراتيجية إسلامية مستقلة القرار عازمة على الصحوة من رقدة العدم كما يسميها شاعرنا الكبير أبو القاسم الشابي متطلعة للمصير الأفضل الذي لن يكون سوى مصير القوة و المناعة و التأثير لا مصير التبعية و الضعف و العبودية. فالعالم اليوم هو عالم التكتلات الراسخة العتيدة لا الشعوب المنعزلة الضالة ، و البقاء في المستقبل للشعوب المتحدة لا للدويلات المتفرقة. و قد شعرت بتلك الحقيقة أوروبا فاتحدت و الشعوب الصينية فالتأمت و أمم أمريكا اللاتينية فشكلت منظمتها و روسيا حققت اتحادها و قبلها أمريكا التي خرجت من حربها الأهلية في شكل دولة فيدرالية واحدة. الكل توحد وهم مفرقون ما عدا الأمة الإسلامية الموحدة في الأصل و التي تفرق شملها و انفرط عقدها، وهي التي جاء كتابها بمبدأ التوحيد و شكلت أقوى خلافة على وجه الأرض! فمن الغبن والعبث و سوء الحال أن تتقهقر الأمة الإسلامية و توغل في شتاتها وهي التي ظلت موحدة على مدى أربعة عشر قرنا، و أن تتوحد أمم أخرى بينما يفرق بينها التاريخ و الجغرافيا واللغة و العقيدة.
المؤتمر الثاني هو مؤتمر الدوحة لعلماء المسلمين لمناصرة شعب فلسطين، و الذي دعا إلى مقاطعة المصارف التي تشارك في قطع المدد المالي عن فلسطين و في مؤامرات تجويع الشعب المحروم من وطنه منذ ستين عاما. و لو قرأتم أصداء ذلك المؤتمر لدى السفارات و وكالات المخابرات الغربية لتأكد لديكم أيها القراء الأعزاء بأن العالم يراقب عن كثب هذه المواقف الجريئة القوية و يقرأ لها حسابا، لأن المجتمعات المدنية المسلمة تجتمع و تناقش وتخاطب الرأي العام و تعزز مواقف حكوماتها إذا ما اتسمت تلك المواقف بالشجاعة والتعبير الأمين عن ضمائر شعوبها.
هذان المؤتمران هما بداية طريق الألف ميل، و لعل منظمة المؤتمر الإسلامي بفضل حفاظها على مجرد الرمز تتحمل أمانة الاستمرار في تحقيق الحلم الممكن و المشروع، إذا ما طورت ميثاقها ليشمل منظمات المجتمع المدني المسلم ولم تبق كما هي اليوم مجرد صدى رسمي لحكومات متعاقبة و أحيانا متناقضة، و تخلصت من الروتين الذي مع الأسف يصيب هذه المنظمات بداء الاحتقان و التكلس إذا ما فقدت وسائل الابتكار و الإبداع و التلاؤم مع العصر.
مفارقات الخطاب الإسلامي المعاصر (1 من 2)
** جهاد ينتهي إلي أفغنة العالم الإسلامي ليصبح مؤلفا من رؤساء عصابات أول ما تسعي إليه هو استعباد شعوبها
** دراسة رقعة الشطرنج العالمية مهمة فتاريخنا بدأ عالميا وعلينا منع تحول المسلمين الي حطب في حروب الاقطاب
بقلم: أبو يعرب المرزوقي (*)
قبل هجرتي الطوعية إلي جنوب شرقي آسيا كنت لا أنظر إلي الأوضاع الاسلامية إلا من منطلق الوضعية العربية. لذلك فإن التشخيص قد مر عندي بمرحلتين لعل من المفيد عرضهما عرضا سريعا. فقد كنت اعتبر أوضاع المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة منذ ما يسمي بالاستقلالات العربية يحددها بالأساس الاستقطاب الدولي الذي قسم الأمة إلي صفين احدهما اصطف مع امريكا وكان شعاره الاسلام والليبرالية والثاني مع الاتحاد السوفييتي وكان شعاره القومية والاشتراكية.
وفي هذا الاصطفاف كان كل منهما مخربا لفعل الآخر برعاية حركة سياسية معارضة جعلت الاسلاميين في حرب علي القوميين في البلاد العربية التي تحكمها أنظمة بشعارات قومية واشتراكية بزعامة مصر خاصة وبحماية سوفييتية وجعلت القوميين في حرب علي الاسلاميين في البلاد التي تحكمها أنظمة بشعارات اسلامية بزعامة السعودية خاصة وبحماية أمريكية.
وقد أنتج ذلك ظاهرتين محددتين للأوضاع الراهنة في الوطن العربي بما ولدتاه خلال الصدام وبما خلفتاه بعده منذ ما يسمي بنهاية الحرب الباردة. فأما الظاهرة الأولي فقد جعلت كل مقدرات الأمة المادية والروحية في خدمة استراتيجيات قطبي الصراع الدولي بدل التعاون علي بناء الأمة. ويبرز ذلك خاصة بحربي بداية هذا الصراع وغايته حربية اللتين أدتا إلي النكبتين الكبريين في تاريخنا المعاصر. فحرب اليمن بين الصفين ممثلين بمصر والسعودية أدت مباشرة إلي هزيمة 67 وحرب الكويت بينهما ممثلين بالعراق والسعودية أدت بصورة غير مباشرة إلي هزيمة 2003.
وإذا كانت الهزيمة الأولي قد أبقت علي حشاشة من حياة الرابطة العربية حشاشة مكنت من انقاذ ما يمكن انقاذه فأوصلت إلي نصر 1972 النفسي والرمزي فإن الهزيمة الثانية أنهت الرابطة العربية وقد تفتت أقطار الأمة الرئيسية بدءا بالعراق وختما بالله اعلم بأيها رغم بينونة الاتجاه عند علم العامل المستعمل للتفتيت: الصراع العرقي والطائفي في كل بلد عربي كبير مستعد لذلك بسبب سوء التدبير السياسي وضيق الافق الثقافي. والأمل هو ألا يكون انفصام الرابطة إلي الأبد وألا ينجح التفتيت: ذلك أن الحرب الأهلية العربية لم تعد عربية ولم يبق بعدها الدولي توظيفيا فحسب بل هي أصبحت كونية جوهريا. ففيها داخليا سيحسم الخيار بين محاولات استئناف الحضارة الاسلامية دورها التاريخي الكوني بقيادة عربية ذات منظور اسلامي وبين مجرد الاندراج في الحضارة الغربية. وفيها خارجيا ستتحدد شروط دور المسلمين في العالم بقيادة عربية ذات منظور اسلامي لما سنري من العلل اذا حققنا ما نشير إليه من الشروط.
وأما الظاهرة الثانية فهي بقايا معولي التخريب اللذين استعملهما الصفان في خدمة استراتيجية القطبين: أعني نوعي الارهاب العلماني والاصلاني. فالمعارضة اليسارية بعد نهاية القطب الذي كان يوظفها وضعف الاحزاب العربية القومية التابعة لهذا القطب ذهبت مباشرة للقطب الباقي للاحتماء به ولتبني ايديولوجيته بديلا من ايديولوجيتها التي كانت مقابلة لها تمام المقابلة فأصبحت معول تخريب مطلق لمقومات روح الأمة وثقافتها باسم الحداثة والعلمانية الليبرالية. والمعارضة الدينية بعد نهاية استغناء القطب الذي كان يوظفها عليها وبعد ضعف الاحزاب العربية الاسلامية التابعة لهذا القطب لم يبق لها من تذهب إليه فارتدت علي نفسها وعلي من أوجدها لتهديم مقومات محاولات البناء الحضاري الحديث باسم الاصالة والدين.
كلا الارهابين العلماني والديني أصبح معول تخريب لشروط استئناف الأمة دورها: الاول يهدم الشروط الروحية بالارهاب الايديولوجي والعمالة الصريحة والثاني يهدم الشروط المادية بالارهاب التكنولوجي والمقاومة النطيحة. لذلك وجدت أمريكا فيهما وسيلتيها الرئيسيتين لتحقيق استراتيجيتها. فالارهاب اليساري يساعدها في نشر أفكارها وربح المعركة الايديولوجية بما يضفيه علي ما تبشر به من إيديولوجيات من وهم النبع المحلي للاصلاح المغشوش الذي تريد فرضه. والارهاب الديني يساعدها لأنها تخيف به رأيها العام من العدو الخارجي الذي يهدد رفاهية الغرب وحريته وأمنه فيحقق لها التأييد الكافي من رأيها العام لحروبها فضلا عما يقدمه من تخريب يطيح بكل ما بقي موجودا من الشروط الدنيا للكيانات الاسلامية والعربية حتي تكون الفوضي أهم شروط اعادة البناء بحسب الخطط الامريكية.
ذلك هو توصيفي للوضع قبل هجرتي إلي ماليزيا واتصالي بطلبة من جل بلاد جنوب شرقي آسيا الإسلامية: من الصين وفيتنام والفلبين واندونيسيا وتايلندا وأجوارهما فضلا عن الهند وباكستان مع بعض طلبة البلقان من أوروبا الاسلامية المضطهدة. عندئذ بدأت اكتشف أبعادا أخري تتجاوز المشهد الذي تحدد من منطلق الوطن العربي. وأهم عناصر هذا المشهد ظاهرتان كذلك.
الحروب الصليبية لم تتوقف
فأما الظاهرة الاولي فهي تكذيب فكرة شائعة في الوطن العربي. فقد كنت أتصور الحروب الصليبية قد انتهت باسترداد القدس ومستعمرات الساحل الشامي. لكني اكتشفت أن الحروب الصليبية لم تتوقف إلي الآن وأنها تحرفت قلب العالم الاسلامي أو الوطن العربي الحالي لتتناهش أطراف دار الاسلام خاصة بعد ما فشلت في استرداد المغرب العربي بفضل الصمود العثماني أمام محاولات شارل الخامس الذي أخرجت الدولة العثمانية جيوش امبراطوريته من تونس في الربع الاخير من القرن السادس عشر للميلاد بعد احتلال دام نصف قرن.
وأما الظاهرة الثانية فهي بداية عرض خطير علته سوء فهم طبيعة الشكل الذي اتخذته الحرب في العدوان علي دار الاسلام بعد هذا التحرف وما تلاه من افتكاك الغرب مشعل الحضارة من المسلمين بعد صدامه بهم وتعلمه منهم تعلما مكنه من اصلاح العلاقة بين الدين والدنيا في تجربته الصراعية التي جرت في داره وفي دارهم مرتين في كلتا الحالتين: في حروب الفتح وحروب الاسترداد عنده وفي الحروب الصليبية المباشرة في الوطن العربي وفي حروب التحرف في العالم الاسلامي عندنا.
فهذه الحرب لم تعد حرب نزال يكفي فيها الحماس الديني وحركات الجهاد الفوضوي التي لا تختلف كثيرا عن محاولات الرد بالفوضي القرصانية التي لجأ إليها المسلمون في العصر العثماني المتأخر. إن هذا النوع من الجهاد يفسد الشأن الداخلي أكثر مما يحارب العدو بل هو أهم العوامل التي تعد للعدو أرضية الغلبة النهائية تماما كما حدث عند انفراط عقد الخلافة الاخيرة. فهو جهاد يلغي شروط بناء الدولة القادرة علي تمكين المسلمين من أدوات الصراع الفعلية التي تمكن الغرب بفضلها من افتكاك مشعل الحضارة وربح كل الحروب منذئذ: إنه ينتهي إلي أفغنة كل العالم الاسلامي الذي يصبح مؤلفا من رؤساء عصابات أول ما تسعي إليه هو استعباد شعوبها التي تتبدي بزوال الشروط الدنيا للدولة الحديثة. فكل من اصطدم مباشرة بالغرب من دون الادوات التي لا يمكن أن تتحقق من دون الدولة الحديثة والتعليم الحديث ساعد هو نفسه الغرب علي ارجاعه إلي القرون الوسطي فزاد تبعيته له رغم وهم الانتصار في حركات التحرير التي أصبحت في الحقيقة حركات تغريب وتبعية مطلقة للمستعمر الذي حاربته باسم الاسلام ثم صارت حربا عليه أكثر مما كان يستطيع هو أن يفعل.
لم نفهم ما فهمته الصين التي تحاور الغرب وتداوره لكي تعطي الوقت للوقت فيفعل مفعول التراكم الكمي والتغيير الكيفي الذي يجعلها قادرة علي المقاومة المغنية عن الحرب مع حلبه إلي العظم وتكوين ابنائها في مدارسه لافتكاك الريادة العلمية والتقنية منه. وعند الضرورة فإنها ستحارب بعد أن تكون قد استعدت لها بشروطها الحديثة. ولكن قبل ذلك هي تلهي أمريكا بحروب مع الاجوار حيث تساعدهم علي اضعاف أمريكا استعدادا ليوم الفصل فلا يكونون عندها إلا ادوات مناوشة لامريكا ومن ثم فهم أكثر استعمارا لهم من امريكا التي تحاربهم مباشرة. لذلك فمن السخف تصور فييتنام قد حاربت أمريكا أو هزمتها: إنما هي كانت أداة روسية وصينية لمشاغلة أمريكا تماما كما هو الشأن بالنسبة إلي كوريا الشمالية حاليا.
وتحاول ايران الآن نفس اللعبة باستعمال العراق وافغانستان. لكن النخب الايرانية واهمة: فما هو ممكن للصين غير ممكن لإيران لأن المسألة مسألة حجوم. الصينيون وحدوا المجال الحضاري الصيني ثم لعبوا هذه اللعبة. والايرانيون والعرب والاتراك والبربر والاكراد الخ… يهدمون المجال الحضاري الذي يمكن أن يمدهم بالحجم المؤثر فيكون لعبهم سخافات صبيان! وكل الذين يظنون أنهم انتصروا في حروب التحرير انهزموا فعلا لأنهم لم يفكروا لحظة واحدة في طبيعة الحرب التي يخوضونها وفي شروط النصر فيها.
فييتنام سيبقي إلي الأبد في ما هو عليه من حاجة إلي أمريكا حتي في خبزه اليومي لكونه قصر الجهاد علي القتال ولم يفهم أن النصر في الحروب العصرية ليس بالجيوش وحدها. وكذلك الجزائر التي تعيد في المغرب العربي نفس الاخطاء الناصرية في المشرق بخلق كيانات قزمية تحتاج إلي حمايتها وهي لا تعلم أنها ستصبح حصان طروادة الذي يقضي علي الجميع بمجرد أن يستعيض علي الحامي العربي بالحامي الاجنبي. وهذا لا يحتاج إلي توضيح أكثر. لذلك فأنت تري جل البلاد التي تدعي أنها استقلت تجري وراء الاستعمار لتعيده إليها فتفتح حدودها لكي يأتي الامريكان سواحا والفرنسيين والانكليز يتمتعون بمناخهم ويتذكرون مغامراتهم في بلادهم التي صارت مفتوحة دون قتال !.
والحقيقة أن الجميع وقع في هذه الأخطاء لانه لا يعمل بما أشار إليه القرآن الكريم عندما قدم عامل القوة العام علي القوة العسكرية في آية الاستعداد الرادع فاضطروا بعد الاهمال الذي أوصلهم إلي الحال التي هم عليها إلي حلول تكون نتيجها مساعدة للعدو لتحقيق النصر المطلق:
1- ما استطعتم من قوة و
2- من رباط الخيل.
لذلك فكل الذين تصوروا أنفسهم انتصروا في حروب التحرير اكتشفوا بعد أمد قصير أن التبعية ازدادت وأن نشر ثقافة المستعمر قد تسارعت بصورة جنونية باسم تحديث غبي.
ومثال واحد يكفي لفهم ذلك. فقد بقيت فرنسا في الجزائر ما يقارب القرن والنصف وبقيت في تونس ثلاثة أرباع القرن. فلم يتفرنس من ثقافة المغرب العربي أكثر من واحد إلي خمسة في المائة ممن استعملهم الاستعمار في ادارته. لكن الدولة المزعومة وطنية بدأت فأزالت كل مقومات الوطنية واستبدلتها بما حلم الاستعمار كامل حياته أن يحققه وعجز دونه. حققه هؤلاء القلة الذين كونهم الاستعمار وترك لهم مهمة الفرنسة بشعارات تخادع الجماهير حتي اكتشفت بعد ثلاثة عقود أن ما حاربت من أجله قد قضي عليه الاستقلال أعني: الهوية واستقلال الارادة.
ولم يسأل احد منهم عن الفائدة من تعميم الثقافة الفرنسية لان ذلك كان هدفهم إذ لا يمكن أن يكونوا جاهلين بأن الامم لا تتقدم بمجرد اخذ عرضيات الامم المتقدمة والتخلي عن هوياتها واستقلال ارادتها. كما لا أظنهم لا يرون كيف أن الذي يبني حقا يستطيع أن يبعث لغة ميتة بعد ثلاثة آلاف سنة ليسهم في الابداع العلمي والتقني (النخب اليهودية) والذي يهدم يقضي علي لغة كانت إلي عهد قريب لغة العلم والفلسفة العالميتين (النخب العربية)!
إنها حرب صليبية ما في ذلك من شك. لكنها حرب صليبية من نوع فريد لا يمكن الرد عليه بنفس الرد الذي استعمله المسلمون في الحرب السابقة خاصة إذا علمنا أن جدودنا لم يربحوها كما يصور لنا الفهم الرديء للتاريخ: فلو ربحوها لما آل أمرنا إلي ما نعلم في عصر الانحطاط ولما انتقل مشعل الحضارة إلي الغرب الذي نتصور أننا هزمناه. لم يكن هدف النخب المسيحية التي قادت الحروب الصليبية احتلال الأرض العربية والبقاء فيها: فذلك لم يكن إلا الشعار التجنيدي لشعوبهم إيهاما لهم بأن الهدف تحرير الارض المقدسة. أما الهدف الحقيقي فكان محاولة القضاء علي الفعالية الحية وافتكاك مشعل الابداع الحضاري من المسلمين حتي تنبعث أوروبا: وقد حققوا الهدفين. ونفس الخطة التي تطبقها أوروبا الحالية: فالهدف المعلن هو الديموقراطية والرفاهية والسلم في اوروبا لكن الهدف الحقيقي هو تحقيق الشروط التي تمكن أوروبا من استئناف دورها العالمي بعد أن قضت عليه الحربان العالميتان.
فمن يا تري ربح الحرب الصليبية في القرون الوسطي؟ ومن سيربح الحرب الحالية (والتي كان من المفروض أن تكون المبادرة لنا وأن تسمي حربا هلالية بنفس استراتيجية الحرب الصليبية الخفية التي وصفنا: أعني التحرير وافتكاك مشعل الابداع الحضاري تماما كما فعلوا لما تصدوا لنا في القرون الوسطي: استعمال العقيدة من اجل هدف سياسي حقيقي لتوحيد الامة شرطا في كل ابداع حضاري بات مستحيلا من دون حجم بشري يقاس بمليارات النفوس) فضلا عن كونها تتميز عن الحرب السابقة بالخصائص الثلاث التالية:
1 ـ فهي ليست مواجهة مباشرة بين طرفين يلعبان وهما متخارجان بل إن ما يحارب به العدو من جيوش من أهل البلد أكثر مما يحارب به من جيوش غازية.
2 ـ وهي ليست حربا بين لاعبين منفردين في الركح العالمي أي انها ليست حربا رأسا برأس بيننا وبين عدو واحد بل هي حرب تتعدد فيها الاطراف فلا تعرف فيها العدو من الصديق.
3- وهي أخيرا ليست حربا عسكرية بالاساس بل هي حرب تنافس علي أدوات السلطان والقوة التي لا يمثل الوجه العسكري منها إلا قمة الجبل الجليدي.
حصيلة التشخيصين بحسب التجربتين
فماذا كانت حصيلة التشيخصين؟ سؤال ظل يحيرني طيلة السنوات التي عشتها في ماليزيا. وقد حاولت صياغة جوابي عليه في عدة محاولات صحفية أهمها مقالان كتبتهما لمناقشة بعض آراء الاستاذين حسنين هيكل (وخاصة في محاضراته التي أذاعتها قناة الجزيرة وصلاح المختار وخاصة في ما يكتبه حاليا عن الحرب الامريكية العراقية). آراؤهما الاستراتيجية التي ما يزالان يبنيانها علي مسلمات مستمدة الحرب الاهلية العربية العربية ومن منطق قطبي الحرب الباردة اللذين غذياها أعني من منطلق خاطئ حول طبيعة اسرائيل وسر قوتها والدور الذي تؤديه في العالم الحالي.
وأول أخطائهما الاستراتيجية ظنهما مفهوم الشرق الاوسط الموسع مجرد خدعة أمريكية لمحاربة العرب ومساعدة اسرائيل لكأن اسرائيل التي صيرتها حنكة نخبها قوة عظمي تتعامل مع القوي العظمي الصاعدة معاملة الانداد لما لديها مما يمكن أن تطمع فيه (الصين والهند وأوروبا). اسرائيل ليست بحاجة إلي المساعدة أمام نخب عربية فاسدة وجامعات عربية لا يتجاوز العلم فيها مستوي الثانويات في العالم وقبائل بدوية ومافيات عسكرية تتناحر ولا يهمهما من شؤون الدنيا ولا الآخرة شيء: فهذا النوع من النخب من أفضل المساعدين للاسرائيليين. لم يفهما بعد أن ذلك تسمية دبلوماسية للجزء المفيد من العالم الإسلامي في الخطة الامريكية، تسمية تساعد علي تجنب شعارات الحرب الحضارية والدينية لكنها تعينها في العمق ليس بدوافع دينية أو حضارية حقيقية بل لأن هذين العاملين هما العاملان الوحيدان المتبقيان للصمود أمام السيطرة الامريكية المطلقة علي دار الاسلام، تسلحا أمريكيا بوسائل الصمود أمام الاقطاب الصاعدة والتي يمكن أن تنافسها عليها وعلي ما فيها من ثروات ومن موارد طاقة خاصة فضلا عن الموقع المتوسط بين الغرب والشرق غير الاسلامي الذي يتوقع أن يخرج منه القطبان المقبلان من خارج الغرب (الصين والهند) فضلا عن القطبين الغربيين الآخرين (روسيا واوروبا الموحدة).
إن دار الاسلام تتناهشها كل الاقطاب الحالية والمقبلة. وأمريكا تستعد للوقت الذي يعلن فيه هذا التناهش بالقول والفعل وهو ما لن يتأخر كثيرا لان شح الطاقة وازدياد استهلاك الصين والهند والحاجة المطلقة لاوروبا أمور لا يغفل عنها إلا فاقد البصر فضلا عن البصيرة. والمسلمون ليس في طوقهم محاربة العالم كله فضلا عن كون ذلك من علامات الغباء الذي يثبت فساد الاستراتيجية التي تتوخاها الحركات الاسلامية الحالية. علينا أن ندرس رقعة الشطرنج العالمية لان تاريخنا بدأ عالميا وسيظل كذلك. ولا بد من خيارات استراتيجية واضحة تحول دون المسلمين والتحول إلي مجرد حطب المعركة بين الاقطاب الصاعدة. ويقتضي ذلك تحقيق شرطي البقاء فضلا عن استئناف الدور الكوني:
الأول أن يزيلوا علل غلبة قوة الدفع علي قوة الجذب بين القوميات الاسلامية وذلك بالتخلص من الايديولوجيات التي أخذتها الحركات القومية العنصرية وخاصة بين قوميات الاسلام الرئيسية الاولي أي العرب والفرس والترك والكرد والبربر ثم بين قومياته الموالية أي الزنوج والهنود والمالويين والقوقازيين والبلقانيين.
فما ظل المسلمون مقدمين لما بينهم من خلافات وشقاق علي ما بينهم وبين العدو المشترك من خلافات فإن أمرهم لن يعتدل. ولن يستطيعوا ربح أي حرب: ذلك ما فهمته أوروبا فقدمت شروط النصر في المستقبل علي حزازات الماضي وتوحدت لكي تستعيد دورها التاريخي الكوني. وطبعا فمثلما أن اوروبا توحدت تقريبا بحسب حدودها المسيحية دون أن تبني ذلك بالضرورة علي شعارات مسيحية فإننا ينبغي أن نجد شعارات تمكن من التوحيد في نفس الحدود الاسلامية دون أن تكون الشعارات بالضرورة اسلامية. وتلك هي وظيفة الخيال السياسي المبدع لو كان لنا نخب غير فاسدة.
الثاني أن يرتبوا اعداءهم بحسب فرص التغلب عليهم وبحسب درجات الخطر الذي يمثلونه كما هو شأن كل الامم التي تقودها نخب حكيمة أي بحسب ما يتصورونه مآل معركة بروز الاقطاب المقبلة. وذلك هو شرط اختيار الحليف من بين الاعداء.
ففي التاريخ البشري ليس الحليف إلا العدو الذي يري من مصلحته ألا يعاديك مؤقتا لاستعمالك في حربه ضد عدو أكثر تهديدا وأخطر عليه منك. وهذه القاعدة يمكن للمسلمين أيضا أن يستعملوها في تحديد تحالفاتهم بشرط أن تكون جماعية لئلا تتحول إلي طلب حماية كما هو شأن كل الانظمة العربية الحالية: كلها تحتمي بامريكا لكونها فرادي وكان يمكن ان تكون في عقد جنيس لعقد أوروبا معها لو اجتمعت كلمتها علي الحد الادني من مصالح الامة الرئيسية وهي نوعان أحدهما يخص الحصانة الروحية أو حماية الثقافة الاسلامية والثاني يخص الحصانة المادية أو حماية دار الاسلام. فيمكن للمسلمين أن يستنبطوا خطة تجعلهم يحالفون من يبدو ألد الاعداء حاليا لعلمهم بحاجتهم إليه في المعارك المقبلة التي هي أخطر علي المسلمين من الحرب الحالية تماما كما فعلت أمريكا عندما حالفت ستالين ضد هتلر واليابان. ذلك هو منطق التاريخ: أما أن نبقي نتباكي علي الاطلال تشبثا بما فقدنا دون أن نفكر بما يمكن أن نفقد إذا واصلنا هذا السلوك الصبياني فإننا سنفقد كل شيء.
فإذا لم يفهم المسلمون تركيبة رقعة الشطرنج في شوط الحرب الجاري حاليا ولم يدركوا أنه لا معني له إلا من حيث هو معد للاشواط المقبلة وإذا لم يتوقعوا طبيعة المعارك المقبلة كما حصل للعرب عندما غفلوا عن طبيعة الصراع بين القطبين إلي ان خسر كلا الحزبين بعد فقدان الدور فإنه سيحصل لهم ما حصل للعرب الذين كانوا حطب المعركة أو أداتها بيد القطبين. فأمريكا استعملت الانظمة ذات الشعار الاسلامي لحرب الاتحاد السوفياتي. والاتحاد السوفييتي استعمل الانظمة ذات الشعار القومي لحرب أمريكا. فخرج الصفان العربيان صفري اليدين هما وما أحدثاه أعني حصاني طروادة للاقتتال الداخلي في خدمة العدو أو نوعي الارهاب اليساري المهدم لمقومات روح الامة والارهاب الديني المهدم لمقومات جسد الامة. والخوف هو أن يخرج المسلمون أصفار اليدين من المعركة الدائرة بصمت بين اقطاب العالم الاربعة الرئيسيين الذين سيتقاسمون أرضه وينتهكون عرضه: أمريكا والصين وأوروبا وروسيا فضلا عن الاقطاب الثانوية مثل قطب جنوب أمريكا وقطب شبه الجزيرة الهندية وقطب الجزر اليابانية؟
مقومات الخطاب الإسلامي ومفارقاته
تلك هي الاوضاع كما أراها من خلال الجمع بين التجربتين اللتين حللت بعد أن عشتهما فعلا في مرحلتي حياتي المتقدمة علي الهجرة والموالية لها. ومنهما استخرجت التشخيص الذي قدمت منه هنا هذه العجالة. فكيف عالجها الخطاب الاسلامي؟ ولنبدأ بتعريف المقصود بالخطاب الاسلامي. فهو يقبل الحصر بين حدين أقصي وأدني يمكن أن يكونا منطلق تعميق التحليل لفهم خصائصه:
1 ـ فأما الحد الاقصي فهو كل خطاب يتعلق بهذه الاوضاع يصدر عن منتسب إلي دار الاسلام حتي لو كان علماني التوجه. وهذا الحد أقصي كما لكنه أدني كيفا: أي أنه لا يمثل عمق المنظور الاسلامي رغم كوننا ندمج فيه كل المسلمين.
2 ـ وأما الحد الأدني فهو حصر الخطاب الاسلامي في خطاب الحركات الاسلامية بكل أطيافها في مذهبيها الرئيسيين سنة وشيعة.. وهذا الحد أدني كما لكنه أقصي كيفا: أي أنه يمثل عمق المنظور الاسلامي رغم كوننا نستثني منه النخب العلمانية.
والواقع أن هذين الحدين متداخلان ويتحادان بالتناظر العكسي. فكل خطاب علماني اسلامي بالسلب أي أنه يتحدد أساسا بما ينفيه مما يثبته الاسلامي. وكل خطاب اسلامي علماني بالسلب إي أنه يتحدد أساسا بما ينفيه مما يثبته العلماني. فيكون كلا الخطابين سلبــــيا بالأساس لكونه أهم ما فيه هو مسلوب ضـــدّه الذي بات ندّا تمثيلا لحال الفكر الاسلامي الراهن. لذلك غلب عليهما كليهما طابع التهديم أكثر من طابع البناء: احدهما يهدم الماضي باسم ما يتصوره مستقبلا حقا والثاني يهدم المستقبل باسم ما يتصوره ماضيا حقا.
فإذا اعتبرنا خطاب المسلمين غير الاسلامي ممثلا لحد الخطاب الأقصي أي الخطاب المعبر عن محاولات فهم أوضاع المسلمين وعلاجها دون تقيد بالمنظور الاسلامي فكيف يمكن تعريفه؟ هل هو خطاب فكر يعالج أوضاع المسلمين حقا أم هو خطاب فكر أشبه ما يكون بسلوك من لا يفهم في اصلاح السيارة التي يركبها فضلا عن ابداع بديل منها فيكتفي بتعويض القطع مستوردا إياها من دكان قطع الغيار (الذي هو سوق الفكر الغربي الماضية أي أيديولوجيات القرون الثلاثة السابقة من الأنوار إلي البوار) كلما توقفت عن الاستجابة لحاجته الملحة ؟ هل يمكن عندئذ أن نسمي ذلك فكرا وهو يقتات من فضلات دكاكين قطع الغيار القديمة في الاغلب: ذلك هو شأن كل الايديولوجيات المستوردة التي هدمت أهم معالم الحضارة الاسلامية فضلا عن ثروتها المادية التي تحولت إلي هشيم عمراني لا ينتج بل يستهلك ؟
وإذا اعتبرنا خطاب المسلمين الاسلامي ممثلا لحد الخطاب الادني أي الخطاب المعبر عن محاولات فهم أوضاع المسلمين وعلاجها بالتقيد بالمنظور الاسلامي فكيف يمكن تعريفه؟ هل هو خطاب فكر يعالج أوضاع المسلمين حقا أم هو خطاب فكر أشبه بما شبهنا به الفكر السابق ولا يختلف عنه إلا بالدكان التي يستورد منها قطع الغيار القديمة أي سوق الفكر الاسلامي الماضية: ذلك هو شأن كل التقاليد المستوردة من الماضي التي هدمت روحانية الاسلام فأعادته إلي تقاليد الجاهلية العربية والافغانية ؟
كلاهما يتصور الاستجابة الحينية للحاجة الملحة لخطابه الدعائي فعلا فكريا في حين أنها ليست إلا رد فعل سطحيا ليس له من الفكر ادني ذرة. لذلك فهو خطاب مرتجل لا يماثل فعل المهندس المبني علي نظريات رياضية تعالج الظاهرات الطبيعية بمقتضي قوانينها بــــــل هو جنيس لفعل مصلحي السيارات الرعوانيين الذين تعلموا استبدال قطع الغيار الســــــريع لفرط ما أفرطوا في افساد سيارات الحريف الوديع. ذلك تقريبا ما يسمي خطابا عند المسلمين الحاليين سواء كانوا علمانيين أو اسلاميـــــين: فلا يأخذنك العجب إنما هم كل من دب وهب فحمل الحطـــب وتدفأ بكل خشب !
(*) كاتب ومفكر تونسي، ماليزيا
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 24 ماي 2006)