3 janvier 2005

أخبار العدالة

اعداد الأستاذ عبد الرؤوف العيادي

 مؤتمر القضاة

انعقد المؤتمر العاشر لجمعيّة القضاة التونسيين يومي 12 و13 ديسمبر 2004 وقد عكست لائحة المؤتمر الذي ترأسه الرئيس الأوّل لمحكمة التعقيب حالة الجمود التي تعاني منها أوضاع القضاة واستمرار السلطة التنفيذيّة في المماطلة ورفض القيام بأي إصلاح جدّي –فالمتأمّل من قائمة المطالب الجوهريّة التي تناولتها اللائحة- والتي عبّرت عن رفضها لمشروع الحكومة الأخير في التنقيح القانوني الأساسي  للقضاة ونظام المجلس الأعلى للقضاة –والتي تراوحت بين المطالبة بتوسيع قاعدة الانتخاب في تركيبة المجلس الأعلى القضاء (بما يعينه من رفع وصاية السلطة التنفيذيّة على القضاء) وتمتيع القضاة بسلم أجور متحرّك، واعتماد نظام الترقية الآليّة- وعدم نقلة القاضي إلاّ برضاه والتنصيص ضمن مشروع القانون الأساسي على أن القضاء سلطة بما يتلائم مع الدستور وتطوير عمل المحاكم إلى جانب المطالب ذات الصبغة الاجتماعيّة- إنّ المتأمل فيها يقف على حقيقة أزمة القضاء، وحاجته إلى إصلاحات عديدة وعاجلة.

 رئيس جديد

رئيس جمعيّة القضاة السابق والذي تربطه بوزير العدل علاقة صداقة لم يستجب لطلب صديقه الوزير في إعادة ترشيح نفسه لولاية جديدة وكانت مساعي الإدارة تلك في إطار تحاشي فوز المنافس الذي بدت حظوظه كبيرة ومعروف بتوجّهه المستقل عنها السيد أحمد الرحموني إلاّ أن القضاة حسموا الأمر لفائدة المرشّح الأخير.

 « حوار » جديد بأسلوب قديم:

!–

  السجون الخاصة

سامي نصر

بعد مرور المؤسسة السجنيّة بمختلف الأشكال التنظيميّة، جاءت فكرة الخوصصة لتحلّ محل الدولة في إدارة هذه المؤسسة وتسييرها. وبدأ أصحاب رؤوس الأموال يفكّرون في استثمار أموالهم في سوق السجون وذلك لما فيها من مكاسب وأرباح. بل أصبحت هناك شركات مختصة في هذا المجال. وعبر السجون الخاصة وقعت نقلة نوعيّة في موقع السجين أو الموقف تجاهه، فبعد أن كان السجين شخصا منبوذا تتحمّل الدولة والمجتمع أعباءه بداية من نتائج أعماله الإجراميّة المكلّفة وصولا إلى تكلفة تنفيذ العقوبة عليه، أصبح في نظام السجون الخاصة شخصا مرغوبا فيه ومصدر ربح لأصحاب رؤوس الأموال الذين عرفوا كيف يجنون ثمار الفساد والانحراف الإجتماعي.

.

 رهانات  2005

تحدّيات ثلاثة أمام الديمقراطيين

بقلم عمر المستيري

         معظم المحللين يعتبرون حصيلة العام المنصرم سوداوية بالنسبة إلى طموحات التونسيين مع تكريس حكم بن علي لنفوذه شبه المطلق ومروره من عقبة النيابة الرابعة دون صعوبة تذكر وبتزكية رسمية من كبريات الحكومات الغربية… هذا التشاؤم يتجلى أيضا لدى غلاة التجذّر اللفظي الذين توهّموا بقدرة الخطاب على إزالة الاستبداد في أكتوبر 2004 وذلك بمجرّد تبنّي الجماهير العارمة لمقترحاتهم البدائية. ندعو هؤلاء إلى التمعّن في حكمة سياسية – أظن أنّها ماركسية المصدر – ذكرها الناشط الإسلامي عبد الله الزواري (أنظر فحوى الحديث معه) « علينا أن نبدأ بأصغر مظلمة ونضع فيها كامل قوتنا لرفعها ليرى شعبنا ما قدمت المعارضة له ولو كان بسيطا. فالشعب يمكن أن يساند تحركا بسيطا لايكلّفه كثيرا… علينا تدريبه ليدخل غدا تحركا أرقى ثم في مرة لاحقة قد يخرج معك ليسهر في البرد احتجاجا على تزييف 1أو 2 بالمائة من الانتخابات…«  . هذا الكلام يتماشى تماما مع ما صرح لنا مؤخّرا أحد الديبلوماسيين الأجانب : « رموز المعارضة التونسية يطمحون إلى إدارة البلاد والحال أنّهم يفتقدون حتى لخبرة إدارة مجرّد بلدية… « 

        إذا تناولنا تقييم سنة 2004 بأكثر واقعية وحدّدنا رهانها في إحداث أكثر خسائر داخل المنظومة الاستبدادية لتفطّنّا أنّ النيابة الرابعة قوبلت شعبيا بفتور غير مسبوق وأحدثت إلى حد ما نوعا من الإحباط لدى أنصار السلطة التي اهترأ خطابها إلى أبعد الحدود حتى صارت غير قادرة على مواجهة أي منافسة ميدانية. كما جاءت التزكية الغربية مرفوقة بأكثر تحفظات من الماضي وفوق أي اعتبار آخر فهي عرفت أرقى درجة من الرفض المعنوي. ببساطة معركة النيابة الرابعة وإن لم تكن معركة حقيقية بل رمزية إنما كانت مناسبة لكشف مواطن خلل السلطة في معالجة رهانات 2005 التي قد تكون أعسر بكثير من سابقاتها.

أو

 2.               الانتخابات البلدية.

تتدارس ثلاثة من أهم الأطراف التي اعترضت – كل بأسلوبه – على النيابة الرابعة، وهي التكتّل والتقدّمي والمبادرة، مسألة المشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة. مزيّة الانتخابات البلدية الأفضل هي كونها لا يسفر عنها تعيين سلطة – تنفيذية أم تشريعية – ذات بعد وطني وبالتالي فإنّها تعفينا من التجادل حول هل أنّ المشاركة فيها تعني آليا تزكية مؤسسة صورية أم لا. من أهمّ استنتاجات « انتخابات » أكتوبر الماضي أنّ السلطة أصبحت تفضل تجنّب النزول للفضاء العام للتنافس مع خصم له حدّ أدنى من المصداقية وبالتالي فهي تفضّل تبني خصومها موقف المقاطعة التي تساعدها أكثر على الإفلات من امتحان عصيب. كما أنّ تراكم المشاركات الجدّية من شأنه أن يمحو الوقع السيّء الذي خلّفه عقد كامل من المشاركات الصورية وأن يدعّم خبرة المعارضة ويدقّق معرفتها بالميدان وأن يرفع من مقدرتها على استغلال مواطن ضعف السلطة. المزيّة الأخرى للانتخابات البلدية هي كونها تسمح للأطراف المعارضة بتكييف مشاركتها حسبما تختاره من مستوى التجنّد – من الرمزي إلى الشامل – لهذه المعركة وحسبما تقدّره من أفضلية جهوية.

السيناريو الأمثل يكمن في أن تتوصّل الأطراف المذكورة التي لها تقارب كبير على مستوى الأرضية إلى ترشيح قائمات موحّدة في عدد محترم من الدوائر. غير أن عوائق متعدّدة – التخلّص من موروث من التناحر يتطلّب مرحلية – تقف في وجه هذا التصوّر ويضفي عليه شيئا من اللاواقعية. تبقى إمكانية التنسيق في دعم القوائم الموجودة في دائرة معيّنة وتغذيتها من قبل الأطراف التي لايمكنها التقدّم بها. أمّا الحدّ الأدنى الذي من دونه قد تضمحل آفاق تقدّم قريب للديمقراطية في بلادنا فهو يتمثّل في إبرام صفقة بين هذه الأطراف تضبط بها التزامات واضحة للتعاون على مقاومة التزوير الانتخابي.

3.               تبعات تبخّر قطاع النسيج 

تصادف بداية 2005 مع نهاية مفعول الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بتجارة النسيج (تعدد الألياف). هذا الموعد يعني بالنسبة إلى مصانع النسيج بتونس نهاية الامتيازات التي تمتّعت بها طيلة عقود لتسويق منتوجها داخل السوق الأوروبية. والحال أنّ هذا المنتوج الذي أسّس حيويته التجارية بصفة مطلقة على تكلفة اليد العاملة النسائية التونسية الزهيدة انهارت قدرته التنافسية بالكامل أمام المنتوج الآسيوي (والصيني بالذات) المعتمد على المرتبات البخسة. نشكّ أن السلطة أعدّت القطاع بما فيه الكفاية لمواجهة هذه الرجّة المعلنة منذ سنوات عديدة. ولاريب أنّ الأشهر المقبلة ستشهد تصاعدا في وتيرة غلق المؤسسات وتسريح العاملات بصفة عشوائية ودون احترام أدنى الحقوق الاجتماعية مثلما بدأت تؤشّر له بعض الحالات خلال العامين الماضيين. من الأكيد أنّ العاملين والعاملات لن يستسلموا إلى التضحية بحقوقهم والتسليم في تطلعاتهم التي تعنيها العولمة المتوحّشة ممّا ينبئ بتنشيط سريع للجبهة الاجتماعية التي حرص بن علي على تجميدها منذ تولّيه السلطة وهذا يعني بالضرورة عودة قوية لاتحاد الشغل على الساحة وإخفاق ماسعى إليه الحكم في تقزيمه بشتى الطرق. 

إنّ أزمة قطاع النسيج المعلنة تعني أيضا – نظرا إلى ثقل هذا القطاع داخل الاقتصاد الوطني من حيث حجم التشغيل وقسطه من الصادرات – وأكثر من أي شيء آخر نهاية نمط التنمية المتبع منذ أكثر من ثلاث عقود والذي نجحت السلطة في صرفه عن أنظار الرأي العام وحصر تطويره على تأثير وصفات المؤسسات المالية الدولية والمصالح الطفيلية لحفنة من المقرّبين. من هذا المنظار ستكون التقلّبات الآتية فرصة لفرض إعادة نقاش للخيارات التنموية الرسمية وبلورة بدائل واقعية لها بتعبئة الفعاليات الوطنية.   

اختبار للمعارضة

لا تكفي الأزمات الاقتصادية ولا التحركات الاجتماعية لإجبار الاستبداد على القبول بإدخال إصلاحات جدّية على نمط الحكم والتخلّي عن الانغلاق المطلق التي يفرضه على الفضاء العام. لقد عرفت بلادنا مثل هذه الفرص في أكثر من مناسبة خلال نصف القرن الأخير لكنّها لم تكن جميعها إلاّ فرصا استغلّها الحكم لتطوير أسلوبه والتأقلم مع تطور المجتمع وإحكام قبضته عليه. الشرط الأساسي الذي غاب إلى حدّ الآن في إحداث التغيير يكمن في إفراز قيادة سياسية قادرة على توظيف جميع الفعاليات والتحلّي بالرشد السياسي. توفير هذا الشرط ليس رهين الإعلانات ولا الترشّحات الفردية أوالفئوية… بل يتطلّب المرحلية والتراكم و تركيز الآليات. لنبدأ بكسب الخبرة في سدّ الشقق والمنافذ التي يغتنمها الاستبداد كي يمدّد في أنفاسه.

(المصدر: مجلة « كلمة تونس » الإلكترونية، العدد 31) 

افتتاحية الموقف:

سنة الحقيقة والإنصاف

يشهد المغرب الشقيق هذه الأيام حدثا غير مسبوق ولا مألوف  في عالمنا العربي والإسلامي. الحدث يتمثل في تنظيم حصص للاستماع إلى شهادات ضحايا التعذيب تبثها على الهواء الإذاعة والتلفزة الوطنيةالمغربية.

عدد الشهود مائتان. والشهادات تشمل الحقبة التاريخية الممتدة بين عام 1960 و سنة 1999، تاريخ  ارتقاء الملك محمد السادس العرش المغربي.  هذه الشهادات تجري  في كل المناطق  وتحت إشراف « هيئة الحقيقة والإنصاف » التي بادر الملك محمد السادس ببعثها سنة 2003. وتتركب « هيئة الحقيقة والإنصاف » هذه  من سبعة عشر عضوا، جميعهم من قدماء المساجين ونشطاء حقوق الإنسان، ويرأسها السيد إدريس بن زكري الذي قضى سبعة عشر عاما من عمره نزيلا بسجن القنيطرة السيئ السيط. هذه الهيئة تلقت شهادة  أكثر من عشرين ألف ضحية سجلتها، بالصوت والصورة ، واختارت مائتين من بينهم ليقدموا  شهاداتهم على الهواء  وبحضور ممثلي الصحافة والمراقبين الدوليين.  وينتمي هؤلاء الشهود إلى  مختلف الأجيال ويمثلون مختلف العائلات الفكرية والسياسية التي تعرضت للقمع والتعذيب خلال الأربعين سنة الماضية.

خطوة أخرى،إذن،  يقطعها المغرب على طريق الحرية والانتقال إلى الديمقراطية . خطوة تثبت، لمن يساوره شك، نضج شعوبنا وقدرتها على تخطي العقبات ورفع تحدي الإصلاح والتغيير.

لم يختر المغرب إنكار وجود السجناء السياسيين  ولا  طمس حقيقة ما نالهم من ألوان العذاب والتنكيل. لم يخش  أن تفجر هذه الشهادات غرائز الانتقام  لدى المغاربة واختار بثقة واقتدار أن يظهرها للعالم تضميدا للجراح  واعتذارا للضحايا ومؤاساة لأهلهم   وطيا  لمرحلة أليمة وإيذانا بأخرى  جديدة تليق بتاريخ الشعب المغربي وبطموحات أبنائه.

خطوة، مهما كانت حدودها ونواقصها ، تسائلنا نحن معشر التونسيين وتسألنا إلام الصمت وعلام؟ إلام  إنكار حقيقة القمع والتعذيب الذي نزل بآلاف التونسيين من مختلف الأجيال والأفكار؟ إلام  الصمت عن مئات القابعين في السجون منذ أكثر من عقد ؟ إلام  الصمت عن آلاف المشردين والمقصيين  من قدماء المساجين، لا عمل ولا وجود أو كيان، عن آلاف المغتربين المحرومين من حنين الوطن وأنسه؟ إلام  نسكت عمن سلموا  الروح تحت رج الكهرباء و لسع السياط  في أقبية المحقق؟ وعمن لفظوا  النفس الأخير فريسة للمرض والنسيان في سراديب السجون؟

لا مدخل لنا للإصلاح والتغيير، ولا صدقية لخطابنا عن الحرية والديمقراطية ما لم نجعل من سنة 2005 سنة الحقيقة والإنصاف في بلادنا أيضا. لن يستعيد التونسي ثقته في نفسه ولن يخرج عن قنوطه وانكفائه وصمته ما بقي السجناء والمغتربون والمحرومون من الحقوق كافة يذكرونه في كل لحظة وخطوة ثمن المجازفة بالنفس والتفكير، مجرد التفكير في المشاركة في الحياة السياسية.

العفو العام ليس مطلبا فئويا ولا جزئيا ولا طائفيا، هو مطلب وطني وسياسي بامتياز،  غير قابل للتهاون أو التهوين لأنه يقف بيننا وبين الإصلاح و التغيير.

أحمد نجيب الشابي

المغرب يحاكم أربعين سنة من الاستبداد فمتى دور تونس ؟

أنور القوصري

يشهد المغرب منذ سنوات عديدة حركة مجتمع مدني متعددة الأطراف والمشارب طرحت قضية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي اقترفتها السلطات الأمنية خلال عشرات السنين منذ تاريخ الاستقلال سنة 1956 وهو ما تعبر عنه الصحافة « بسنوات الرصاص ».

فقبل وفاة الملك الحسن الثاني ومنذ بداية التسعينات أطلق سراح المساجين السياسيين وتعددت الجمعيات المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي لهم عما اقترف في حقهم من انتهاكات من اختطاف قسري وتعذيب ومحاكمات غير عادلة إلخ… وقد تشكلت حكومة ائتلافية شاركت فيها المعارضة بقيادة السيد عبد الرحمان اليوسفي تمكن خلالها المجتمع المدني والصحافة والمعارضة من كسب فضاءات جديدة للتعبير عن الرأي والتواجد على الساحة.

وقد بدأ مسلسل التعويض للضحايا منذ سنة 1994 إذ تحصل المعتقلون الذين بقوا على قيد الحياة بمعتقل تازمامرت على تعويض وقتي ثم وفي 1998 اتخذ الوزير الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي قرارا تم بمقتضاه إرجاع حوالي 700 موظف من قدماء المعتقلين في قضايا سياسية ونقابية إلى عملهم بأثر رجعي وتحصلوا على أجورهم والترقيات الإدارية وانعكاساتها المالية عن جميع سنوات الاعتقال.

ومن بين المحطات النضالية الحقوقية تكوين المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف سنة 1999 الذي تأسس من طرف عدد من ضحايا الانتهاكات للمطالبة بجبر الضرر المادي والمعنوي لجميع الضحايا.

ثم وبعد تولي الملك محمد السادس الحكم سنة 1999، قرر إحداث « هيئة التحكيم المستقلة بهدف تحديد تعويض ضحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء والاعتقال التعسفي » (خطاب الملك يوم 20 أوت 1999 تاريخ تنصيبها)، إذ بعثت تلك الهيئة بمقتضى الأمر في 16 أوت 1999 وتكونت من تسعة أعضاء بينهم أربعة قضاة وأربعة محامين ثلاثة منهم كانوا عمداء سابقين وأستاذ جامعي. وقد قامت هذه الهيئة بتحديد تعويض إجمالي يفوق 94 مليون دولار لقرابة أربعة آلاف ضحية قدموا ملفاتهم في الآجال المحددة. ولكن بقي نقاش داخل المجتمع المدني وبين المجتمع المدني والسلطة المغربية يتعلق بجبر الضرر المادي لباقي الضحايا وكذلك خاصة بجبر الضرر المعنوي بمعنى أن ترد الدولة الاعتبار لهؤلاء، وهناك من يضيف على ذلك ضرورة تتبع الجلادين على ما اقترفوه من جرائم لطي صفحة الماضي.

وقد كان النقاش حادا في الساحة الحقوقية والسياسية. وفي ذلك الخضم نظمت المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب التي جرت بالرباط أيام 9 و10 و11 نوفمبر 2001. وتولى  تنظيمها كل من الجمعية لمغربية لحقوق الإنسان والمنظمة الغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بمشاركة فعاليات حقوقية وسياسية ونقابية وجمعوية وجهات رسمية ومؤسسات وطنية وشخصيات مدنية. وكان ذلك حدث بارز خلال سنة 2001. وقد أسفرت المناظرة عن جملة من التوصيات وشكلت لجنة متابعة مدعومة من طرف الفيدرالية العالمية لحقوق الإنسان والمركز الدولي للعدالة الانتقالية واتخذت أعمالها صيغا وأشكالا مختلفة.

فأصدر الملك بتاريخ 10 أفريل 2004 ظهيرا بعث بمقتضاه « هيئة الإنصاف والمصالحة » اختصاصها غير قضائي ولا تثير المسؤولية الفردية عن الانتهاكات مهامها البحث والتحري والتقييم والتحكيم والاقتراح.

وقد عهد لها بمقتضى قانونها الأساسي أن تجري بعد الاطلاع على أعمال الهيئة المستقلة للتحكيم السابقة تقييما شاملا لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وذلك بالاتصال مع الحكومة والسلطات العمومية والإدارية المعنية (بمن فيها الأمنية) وبالمنظمات الحقوقية والضحايا وعائلاتهم وممثليهم. ويشمل اختصاصها الزمني الفترة الممتدة من أوائل الاستقلال إلى سنة 1999، وعلى الهيئة في نطاق ذلك الاختصاص إثبات نوعية ومدى جسامة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان في سياقاتها وفي ضوء معايير وقيم حقوق الإنسان ومبادئ الديموقراطية ودولة الحق والقانون. ولها إجراء التحريات وتلقي الشهادات والاطلاع على الأرشيفات الرسمية واستقاء المعلومات والمعطيات التي توفرها أية جهة لفائدة الكشف عن الحقيقة. وكذلك مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد، وبذل كل الجهود للتحري بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها والكشف عن مصير المختفين مع إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة لمن ثبتت وفاتهم. ولها أيضا الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات. وكذلك التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت الضحايا أو ذوي حقوقهم، وذلك بمواصلة العمل الذي قامت به هيئة التحكيم المستقلة للتعويض سابقا، من أجل البت في كل الطلبات. والعمل على جبر باقي الأضرار التي لحقت بالأشخاص ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وذلك بتقديم مقترحات وتوصيات لحل قضايا التأهيل النفسي والصحي والإدماج الاجتماعي للضحايا الذين يستحقون ذلك واستكمال مسلسل حل ما تبقى من المشاكل الإدارية والوظيفية والقانونية والقضايا المتعلقة بنزع الممتلكات. وإعداد تقرير بمثابة وثيقة رسمية يتضمن خلاصات الأبحاث والتحريات والتحاليل المجراة بشأن الانتهاكات وسياقاتها وتقديم التوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وبضمان عدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان. وأخيرا تنمية وإثراء سلوك الحوار وإرساء مقومات المصالحة دعما للتحول الديموقراطي للبلاد وبناء دولة الحق والقانون وإشاعة قيم وثقافة المواطنة وحقوق الإنسان.

تلك الصلوحيات المهام المناطة بعهدة هيئة الإنصاف والمصالحة لتي أرساها الملك والتي عين على رأسها السيد إدريس بن زكري سجين سياسي سابق قضى سبعة عشر سنة سجن في ظروف لا إنسانية والرئيس الأول للمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف وستة عشر عضوا آخرين. وبالرجوع إلى أسمائهم فإن نصف أعضاء الهيئة سجناء سياسيين سابقين ونصف من أعضاء اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان. ويلاحظ كذلك وجود السيد إدريس اليازمي بصفته الشخصية وهو الكاتب العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. وقد أعطيت لهذه الهيئة مدة سنة على أقصي تقدير للقيام بمهامها.

وقد تلقت الهيئة حوالي عشرين ألف ملف يتعلق بالتعويض للضحايا وقامت بتلقي آلاف الشهادات.

والملفت للانتباه وهو ما شكل حدثا جديدا وذي أهمية قصوى على المستوى الإعلامي والحقوقي والسياسي في المغرب، أن الهيئة قررت في نطاق اجتهادها لرد الاعتبار لضحايا الانتهاكات واسترجاع كرامتهم التي انتهكتها الدولة وحفظ الذاكرة الجماعية ومقاسمة الآلام والمعانات والتخفف من المخلفات النفسية الناتجة عن معاناتهم جراء الانتهاكات، إضافة إلى الدور التربوي البيداغوجي تجاه المسؤولين والرأي العام والمجتمع والأجيال الصاعدة مما يشكل لحظة ذات أهمية في مسار الإنصاف والمصالحة التي تأسست من أجلها، قررت تنظيم جلسات استماع عمومية تبث مباشرة في الإعلام السمعي البصري العمومي.

واستنادا على ميثاق شرف حدد التزامات مشتركة بين هيئة الإنصاف والمصالحة والضحايا المشاركين في جلسات الاستماع، التزمت الهيئة بتنظيم جلسات الاستماع العمومية على امتداد التراب الوطني تتعلق بتقديم شهادات من طرف ضحايا من مختلف الأجيال خلال العقود السابقة وتلامس مختلف أشكال الانتهاكات التي عانوا منها مع توفير شروط تغطية إعلامية واسعة ومتنوعة مقابل أن يلتزم الشهود المشاركون طوعا بمواكبة مختلف مراحل التحضير لجلسات الاستماع العمومية من أجل استيعاب فلسفتها والأهداف المتوخاة منها، وعدم استعمال الجلسات للدفاع عن جهة سياسية أو نقابية أو جمعوية معينة أو القدح فيها، وعدم ذكر أسماء الأشخاص الذين يعتبرهم الضحايا مسؤولين عن الانتهاكات التي تعرضوا لها وذلك انسجاما مع الصبغة غير القضائية للهيئة ومع مقتضيات نظامها الأساسي القاضي باستبعاد التطرق للمسؤوليات الفردية.

وهذا الشرط الأخير قد ولد نقاشا وجدلا، كان حادا في بعض الأحيان داخل الأوساط الحقوقية والجمعوية والسياسية والإعلامية، ذلك أنه تمسك العديد بضرورة ذكر أسماء الجلادين معتبرين ذلك جزءا هاما في الشهادة من شأنه المساهمة في رد الاعتبار وإرجاع الكرامة المنتهكة كما حصل في جنوب إفريقيا. في حين تمسك الآخرون وهم كثر أيضا بأن مهام هيئة المصالحة والإنصاف وميزان القوى في المغرب وبداية التجربة بوصفها أول تجربة من نوعها في البلدان العربية الإسلامية تفرض الالتزام بالضوابط التي وضعتها تلك الهيئة خصوصا وأنه نشرت في المغرب في السنوات الفارطة عشرات المؤلفات محتوية على شهادات ذكر فيها أسماء الجلادين، كما أن هذه الأسماء وردت في تقارير المنظمات الحقوقية والصحف، وفي كل الأحوال فإنه يبقى الحق لكل ضحية خيار التتبع القضائي.

 فقد انتظمت الجلستين الأوليتين يومي 21 و22 ديسمبر 2004 بحضور عدد كبير من ممثلين رسميين وفعاليات سياسية ومدنية وحقوقية وشخصيات وطنية وممثلين عن منظمات حقوقية عربية وأجنبية من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وقدماء مساجين سياسيين من مختلف الاتجاهات والأجيال.

وقد غطت الصحافة المغربية المختلفة والمتنوعة بشكل مكثف هذه الجلسات وتابعها الملايين من المواطنين المغاربة فكانت محل اهتمام الشارع في كل مكان. يحدث ذلك الآن في المغرب وللحديث بقية.

مائة مصباح من مشكاة النبوة

الحلقة الرابعة والثلاثـــون

أخرج مسلم ومالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال  » إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم « . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موضوعه : اليائس جرثومة تنخر المجتمع ببث يأسه والاسلام دين الامل في الله وفي الناس : قال العلماء بأن لفظ  » أهلكهم  » يؤول على وجهين إما بمعنى ساهم بقوله في هلاكهم فهي فعل ماضي وإما بمعنى أنه أشدهم هلاكا فهي على وزن المبالغة أفعل وكالعادة يختلفان المعنيان في البداية وفي المبنى ولكن يلتقيان في النتيجة وفي الجوهر . وللبداية من البداية لا بد من القول بأن غالب أسماء الله سبحانه وصفاته منتمية إلى دنيا الامل والرحمة لا إلى الغضب والانتقام فهو سمى نفسه الرحمان وإحتكر ذلك وحرمه حرمة الشرك والكفر والظلم على غيره الذي يصل ما يصل من معاني الرحمة والرأفة والحنان والقرب والرفق ولكن لا يصل إلى حد رحمة الرحمان سبحانه وذلك متأت من ذات الله سبحانه وذات مخلوقاته فهو لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين والانسان وحده يتعرض لموجات من الفرح والغضب قد تفسق به عن عقله وبصيرته فيطغى وذلك من مقتضى تكوينه المزدوج أما هو سبحانه فهو واحد أحد فرد لا يكنه الانسان ذاته فيفكر فيها ولكن يدله عقله لو تدبر في الكون والخلق والنفس والافق على أنه سبحانه ليس كمثله شئ لا في سمعه ولا في بصره ولا في رحمته ولا في غضبه حتى إنه سبحانه لم يسم نفسه مرة واحدة في القرآن الكريم الذي هو أحكم من السنة بالغ ما بلغت صحتها وصراحتها وحاكم عليها من فوق المعذب ولا المنتقم بل إنصرفت أسماء القهر وما في حكمها إلى قهره الاصلي بحكم ربوبيته لسائر مخلوقاته فهو قهر قدري بتعبير إبن تيمية لا شرعي ولكن سمى نفسه فيما لا يحصى من المواضع الغفار والتواب والحليم وسائر ما يفيد المبالغة والكثرة بل سبقت رحمته غضبه حتى قال بعض المحققين أن النار فانية بخلاف الجنة أما صفة الجبر فمعناها التوبة فالجبار هو المعوض والراتق أي التائب ولابد لك لما لا يتسع المجال له هنا وهو جولة واسعة في أسمائه وصفاته قم بنفسك بتقسيمها وترتيبها وأهمس إليك بالاكتفاء في ذلك بالقرآن ففيه الكثير ويعصمك من التيه في ضعيف الرواية وستظفر بنتيجة باهرة مؤداها أن صفة الرحمة أغلب له سبحانه حتى تعليقا على كفر الكافرين وإليك مثالا واحدا وعليك البقية ورد في سورة الاحزاب ولم يرد في غيرها تقريبا ترتيبا لجزاء على غير مقتضى السياق  » ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما « . وبذلك نقول بإطمئنان بأن الله لفرط رحمته سبحانه وحكمته وعدله بنى الكون بأسره على أساس الرحمة لا على أساس النقمة فكانت الشرائع والنبوات كذلك والرحمة من شأنها بعث الامل لا اليأس وبث الرجاء لا القنوط وتلك مسلمة كونية وبديهية دينية وثابت من ثوابت الخلق الاسلامي عقيدة وشريعة وعملا.