TUNISNEWS
4 ème année, N° 1283 du 24.11.2003
المجلس الوطني للحريات بتونس:الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بجندوبة المولدي الجندوبي- من متضرر إلى متهم.
المؤتمر من أجل الجمهورية: تهاني العيد المنبر الديمقراطي للإصلاح والتنمية في تونس: تهنئة بعيد الفطر المبارك رويترز: باول يزور الجزائر والمغرب وتونس في ديسمبر الشرق الأوسط: موسى: القمة العربية لن تنقل من تونس للقاهرة
الشيخ الهادي بريك: لا عيد للجار إلا في دار جاره ولا للرحم إلا في دار رحمه ولا للغني إلا في دار الفقير عبد الحميد الحمدي: عاشقُ القرآن يترجّل
نوفل المعاوي: رد وجيز على » قومي سوري » متطاول على القرآن الكريم في شهر القرآن الكريم « !!! مختار بن حفصة: الدين الخارجي لتونس : مقاربة مواطنية عبد الباري عطوان: درس جديد للحكام العرب
Luiza Toscane: Le prisonnier Lotfi Farhat est en grève de la faim
AFP: Radia Nasraoui poursuit sa grève de la faim malgré un état de santé détérioré
AFP: Paris « en contact régulier » avec Tunis au sujet de Radia Nasraoui Radhia Nasraoui: Que de mensonges !Réponse aux« précisions » d’une « source officielle » AP: Le secrétaire d’Etat américain Colin Powell en tournée dans le Maghreb les 2 et 3 décembre AFP:Tunisie – l’Algérie ; Ratification d’un accord sur la délimitation des frontières maritimes La Tribune : Clin d’oeil de la Tunisie au touriste algérien : les opérateurs algériens invités de l’Office tunisien du tourisme Taoufik Ben Brik: Radhia est morte Taoufik Ben Brik: Gris et chuchotements ou Radhia d’Australie
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows). |
المجلس الوطني للحريات بتونس
تونس في :20 /11/2003 بلاغ:
الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بجندوبة المولدي الجندوبي : من متضرر إلى متهم.
مثل صبيحة اليوم 20/11/2003 السيد المولدي الجندوبي الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بجندوبة ( الممثلية الجهوية للنقابة الوطنية » الإتحاد العام التونسي للشغل » ) و الكاتب العام لفرع جندوبة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ؛ أمام محكمة ناحية بوسالم في القضية الجناحية عدد 16538 و تم تأجيلها إلى يوم 18/12/2003 لعرضه على الفحص الطبي . و لقد أعلن عديد المحامين من مختلف النظمات الحقوقية نيابتهم عنه ومثل المجلس الأستاذان سعيد المشيشي عضو هيئة الإتصال المكلف بالجمعيات والهادي المناعي ، و قد لوحظ تواجد مكثف لأعوان البوليس السياسي أثناء الجلسة . و معلوم أن السيد المولدي الجندوبي كان تعرض يوم 15/08/2003 إلى الإعتداء بالعنف الشديد من طرف كل من محمد الحبيب بوعلي و شقيقه محسن وهما نقابيان ينتميان إلى الحزب الحاكم و إلى الشعبة المهنية ( وهي خلايا للحزب المذكور داخل المؤسسات ) و ذلك عند إشرافه على موتمر النقابة الأساسية بالمركب الفلاحي ببوسالم . و على إثر الإعتداء رفع شكوى إلى النيابة في الغرض إلا أنه دعي في القضية كمتهم بتبادل العنف الشديد عوض إستدعائه كمتضرر . إن المجلس الوطني للحريات بتونس يندد بشدة بما تعرض ويتعرض له السيد الجندوبي من مضايقات من طرف السلطة جراء مواقفه المناظلة من أجل الحريات العامة وبالخصوص من أجل إستقلالية وحرية العمل النقابي . كما يدين تواصل الإعتداءات بالضرب على مناضلي الحريات وتوضيف القضاء لتلفيق التهم الكيدية لهم . ويعبر عن تضامنه الكامل مع السيد الجندوبي ومع كل مناضلي الرابطة و الإتحاد العام التونسي للشغل . الناطق الرسمي باسم المجلس الأستاذ محمّد نجيب الحسن
Le prisonnier Lotfi Farhat est en grève de la faim Lotfi Farhat, incarcéré à la prison de Gabès, est en grève de la faim depuis mardi 18 novembre, pour protester contre la négligence sanitaire dont il est victime. Il est diabétique et souffre de troubles de la vue. Pour protester contre l’interdit de correspondre avec sa famille résident en France dont il ne reçoit aucun courrier depuis de longs mois. Pour protester contre le refus qui lui a été opposé de reprendre des études… Lotfi Farhat avait été arrêté le 2 août 2000 au port de la Goulette alors qu’il rentrait en Tunisie en vacances, accompagnée de son épouse. Il avait été détenu au secret au-delà de la durée légale de garde à vue et torturé. Il a été condamné lors d’un procès inique le 31 janvier 2001 par le tribunal militaire de Tunis à sept ans d’emprisonnement et cinq ans de contrôle administratif. Transféré de prison en prison, il a subi les affres de tous les détenus d’opinion : privation de soins, de correspondance, du droit à reprendre ses études, à la visite directe. Son épouse et ses deux enfants vivent en France. Il ne connait pas son fils né après son arrestation. Luiza Toscane
المؤتمر من أجل الجمهورية حتى تتحقق السيادة للشعب والشرعية للدولة والكرامة للمواطن 23-11-03 تهاني العيد
إخوتي أخواتي في الوطن . أي أمنية أتمناها لكم باسم كل الجمهوريين بمناسبة هذا العيد ،لا تكون جملا آلية خارجة لتوها من مخزون ألفاظ صنعها التقليد وحافظ عليها الروتين . وفي الوضع البائس اليائس الذي نعيش، لا أرى أمنية تفرض نفسها بقوّة ، قدر القطع مع حالة أصبحت خاصيتنا الوطنية الأولى وفي كل المستويات: الاهتراء. ومن معاني الكلمة الإعياء ، الإرهاق ، الإحباط ، التسليم ، الاستسلام وخاصة توقفّ القدرة على العطاء والتجديد . ومن عواقب الحالة أصابت فردا أو نظاما أو شعبا إن طال به المرض، التعفن ، التفسخ ، التفكك ،التذرّر والتلاشي. هذا الاهتراء هو اليوم وضع سلطة تآكلت شرعيتها ، تآكلت مصداقيتها ، تآكلت هيبتها وليس لها من مشروع غير مواصلة السياسة التي أوصلتها إلى الحالة التي هي عليها : الإمعان في القمع ، المزيد من الفساد، مواصلة التضليل والتزييف. هذا الاهتراء هو اليوم وضع طبقة سياسية تآكلت مشاريعها، تآكلت نضاليتها ، تآكلت شخصياتها وليس لها من سياسة غير التي أوصلتها إلى الحالة التي هي عليها : الإمعان في المهادنة ، المزيد من الصراع الشخصي العقيم ، مواصلة تجاهل شارع لم تعتبره يوما طرفا وإنما تهديدا . هذا الاهتراء هو اليوم وضع مجتمع تآكلت قدراته الشرائية، تآكلت قدرته على الدفاع عن حقوقه، تآكلت قدرته على الحلم والأمل ، وليس له من سياسة غير التي أوصلته إلى الحالة التي هو عليها : الإمعان في الخوف، المزيد من الاستقالة ،مواصلة انتظار الفرج من طارئ ومجهول قد لن يأتيا أبدا. هذا الاهتراء هو منبع مشاعر تعصف بنا وتعصف بيننا ولّدت ولا تزال تصرفات مدمّرة سمّمت حياتنا والمناخ العامّ : الذاتية المفرطة ، الأنانية ، النفعية ، الانتهازية ، انعدام الثقة في الناس والقيم ، الإحباط ، القرف، كره الذات والآخر، الخصومات الشخصية المتواصلة ، إرادة الفرار. لكن إلى أين؟ لا ينفع أن يوجد أشخاص داخل المجتمع وداخل الطبقة السياسية وربّما حتى داخل السلطة، نذروا أنفسهم للحفاظ على الشرف ، على الأنفة ، على الجرأة ، على الأمل ، على التضحية ، على مواصلة الطريق مهما كان خطرا أو طويلا. إنهم بمثابة لهب نور ضعيف يصرّ على مقاومة ريح هوجاء وغزو الظلام . إنّهم بمثابة قطرات الماء التي تحاول التوجه نحو الشاطئ والموجة العارمة التي تحملها على قمتها تتجه إلى أعماق المحيط. هذه الموجة لن تعكس اتجاهها إلاّ إذا ساهم كلّ واحد منكم في عكسها، فليس هناك اليوم منقذ أو مسئول وإنما نحن جميعا هذا وذاك. يمرّ الأمر ضرورة بالاستنجاد بالقوة الهائلة المعطّلة داخلنا ، بإرادة الحياة التي ترفض وضعا لا يؤدي في آخر المطاف إلا إلى انتحار جماعي بطيء …… بثورة داخل الذات تؤدي إلى التقائها مع الذات الأخرى ، إلى ربط الجسور ، إلى رصّ الصفوف ….. إلى العودة لروح الشابي والدغباجي وحشاد . هذه القوّة هي التي أتمنى لكم بمناسبة عيد عاد ولم يعد بأي تجديد ، أن تجدوها في أعمق أعماقكم ، أن تفجّروها ، وأن تجعلوا منها شعلة من لهب ونور تبدّد كلّ الظلمات ، أن تهببوها لتونس الحبيبة لتكون جزءا من الطاقة الجبارة التي ستعيد التأسيس والبناء على أنقاض الخراب الروحي والسياسي الذي تسببت فيه 16 سنة من دكتاتورية آن الأوان لأن ترحل حتى تكون لنا أعياد جديرة بالاسم وبالاستبشار والفرح . وإن لبعد العسر يسرا وبعد الجزر مدّا. د. منصف المرزوقي
المنبر الديمقراطي للإصلاح والتنمية في تونستهنئة بعيد الفطر المبارك يتشرف المنبر الديمقراطي للإصلاح والتنمية بتهنئة الشعب التونسي والأمة العربية والإسلامية بعيد الفطر المبارك، سائلين المولى عز وجل أن تعود هذه المناسبة السعيدة على وطننا العزيز وأهله بما ينشر الوئام ويشجع على العفو ويدعو إلى الإصلاح، لما فيه مزيد من عزة تونس ورفعة شعبها وتقدمه. الأمين العام د.خالد شوكات
Radia Nasraoui poursuit sa grève de la faim malgré un état de santé détérioré AFP, 24 novembre 2003
TUNIS, 24 nov (AFP) – L’avocate tunisienne Radia Nasraoui a annoncé lundi qu’elle poursuivait sa grève de la faim entamée le 15 octobre malgré son état de santé dégradé pour demander la fin des harcèlements dont elle se dit l’objet ainsi que sa famille et ses clients. « Je me vois obligée de poursuivre la grève parce que les autorités n’ont pas répondu à mes demandes qui sont simples, claires et légitimes », a déclaré Me Nasraoui en recevant la presse internationale à son domicile. Mme Nasraoui a perdu plus de 13 kilos et paraissait très affaiblie par un jeune de 41 jours lundi. « Je suis prête à me sacrifier pour la défense de ma liberté et ma dignité », a-t-elle ajouté d’une voix faible. Elle a insisté sur sa volonté de poursuivre son action de protestation. « Je ne demande pas l’impossible. Qu’on me permettre d’être en contact avec les miens à l’étranger, qu’on arrête de me filer et qu’on fasse faire une enquête sérieuse sur le saccage de mon cabinet, sur le vol de mes dossiers », a poursuivi l’avocate en accusant la police politique. Mme Nasraoui a fustigé « l’attitude de déni » des autorités tunisiennes envers ses revendications et salué les témoignages de soutien reçus en Tunisie et à l’étranger. « Que de mensonges! » écrit-elle dans un document en réponse aux précisions des autorités concernant les raisons qui l’ont amenée à entreprendre une grève de la faim. Elle y évoque par le détail des tracasseries multiples dont des agressions policières, le triple saccage de son cabinet, l’incendie de la porte de son appartement, les pressions sur sa famille et ses clients, la présence continue de la police politique aux alentours de son cabinet et les plaintes sans suite en justice. « Je subis (…) un triple encerclement: professionnel, social et familial, le but étant on ne peut plus clair, de me réduire au silence pour me transformer en complice de la torture et des violations systématiques des droits de l’Homme », a-t-elle affirmé. Me Nasraoui était entourée de membres de son comité de soutien, des personnalités politiques et défenseurs des droits de l’Homme dont l’écrivain islamologue Mohamed Talbi, venu s’incliner devant « le sacrifice de Radia pour la défense des sans voix ». Le président du conseil de l’ordre des avocats tunisiens, Béchir Essid, de retour de Paris lundi, a répété que la situation de Me Nasraoui était symptomatique des menaces qui pèsent sur les avocats en Tunisie.
|
الجدول الأول : تنوّع حجم الدين الخارجي لتونس (مليار دولار) |
السنة |
1970 |
1975 |
1980 |
1985 |
1990 |
1995 |
1996 |
1997 |
1998 |
حجم الدين |
541 |
1.109 |
3.527 |
4.884 |
7.691 |
10.986 |
11.390 |
11.355 |
12.099 |
معدّل النموّ السنوي % |
– |
+15.4 |
+26 |
+6.7 |
+9.5 |
+7.39 |
+3.67 |
-0.30 |
+6.55 |
المصدر : البنك العالمي « جدول ديون العالم » 1993 و1994 و1995. وجامعة الدول العربية : « التقرير الاقتصادي الموحّد » 1998. ووزارة التنمية الاقتصادية، 1997، المخطط التاسع للتنمية 1997-2001 – وزارة المالية – المعهد الوطني للإحصاء- البنك المركزي التونسي- صندوق النقد الدولي، أكتوبر 1998.
بالفعل، إنّ إلقاء نظرة سريعة على هذا الجدول تؤكّد أنّ تونس شهدت في عشرية الثمانينات وبداية التسعينات أزمة اقتصادية خانقة (وأزمة سياسية لا يتسع المجال لتحليلها) ويمثّل الارتفاع المتواصل لحجم الدين الخارجي مؤشّرا بارزا عليها وهو ارتفاع لا تبرهن عليه هذه الأرقام مجرّدة بل لا نتبيّن ذلك إلاّ متى ربطناها بالسياق التاريخي الذي تمثل فيه الثمانينات مرحلة فاصلة بين عصريْن من التداين : مرحلة السبعينات والتي كان فيها حجم الدين مرتفعا باعتباره مصدرا رئيسيا للتمويل (لاحظ جيدا ارتفاعه بنسبة 26 %في 1980 (ولكنه كان إلى حدود هذا التاريخ بنسبة فوائض ضعيفة. ومرحلة ما بعد السبعينات التي عصفت فيها الأزمة بتونس وبمختلف بلدان الجنوب. فلئن لم تبلغ نسبة نموّ الدين الخارجي القدر الذي كانت عليها في السبعينات فإنّ عبء هذا الدين قد ازداد دون شكّ وهو ما يفسّر هذه الأزمة والتي تجلّت مظاهرها في تدهور قيم التبادل (تدهور قيمة الدينار مقارنة بالعملة الصعبة) خاصة بعد التخفيض في قيمة الدينار مع حكومة رشيد صفر في 1986. وليس غريبا أن يقترن ذلك التاريخ ببداية تطبيق برنامج التعديل الهيكلي الذي كانت مؤسسات بروتن وودز تشترط في تحقيقه البدء بالتخفيض من قيمة العملة المحلية، كما أدّى الارتفاع في الحجم ونسب الفائدة معا إلى نضوب المدّخرات من العملة الصعبة. وبطبيعة الحال وبما أنّنا اعتدنا أن نشتمّ من وراء كلّ أزمة من هذا النوع رائحة الفساد فإنّ أزمة الثمانينات قد زاد في تعميقها سوء التصرف والرشوة وتحويل الأموال إلى البنوك الأجنبية وهو ما كان التونسيون يتهامسون به عصرئذ. إنّ ذلك هو ما يزيد تأكيد شرعية إلغاء الديون لأنّها غير شرعية (مفهوم الديون المريبة La dette odieuse).
وبعيدا عن لغو سياسيي تلك الفترة وهذيان مستشاريهم وخبرائهم في خطبهم عن الإقلاع الاقتصادي و »التنمية المستديمة » فإنّنا نجد الأرقام تصدع لوحدها بالحقيقة فالبلاد في الثمانينات هي بصدد الغرق لا الإقلاع وكانت قد انتهجت طريقا آخر غير طريق التنمية المستديمة. فمن مؤشرات الأزمة أنّ إجمالي الدين في علاقته بالناتج الوطني الخام قد قفز من 51.02% سنة 1982 إلى 70.23% سنة 1986. كما أنّ كلّ مؤشرات الدين قد تدهورت خلال تلك الفترة ( الدين / الصادرات، الدين / النموّ وهو ما سنتبيّنه في قسم لاحق).
وبما أنّ الأمر يتعلّق بأزمة عامّة وعميقة فإنّه كان يجب البحث عن سبل الخروج منها بعيدا عن النظام النيو-ليبرالي وذلك بالتركيز على المصالح الحيوية للمضطهدات والمظطهدين الذين سحقهم هذا النظام الذي لم « يهبهم » طيلة عشرات من السنين إلاّ الإقصاء والفقر والبطالة. ولكن قائمة هؤلاء لن يرتفع عددها فحسب بل ستزيد الآلة الجهنّمية التي ابتدعتها « عبقرية » مهندسي الرأسمالية من سحقهم وقد تمّ ذلك حين أسرعت الحكومة التونسية، ودون مشاركة أو مساهمة مواطنية، إلى تطبيق برنامج التعديل الهيكلي سنة 1986 وهو ما يعني انقيادا كليّا من طرف جنود النويو-ليبرالية المحليين لأوامر ضبّاطهم في صندوق النقد الدولي و البنك العالمي الذين كانوا قد خطّطوا بعد للاستراتيجية الهجومية للحرب التي سيخوضونها.
مؤشرات الدين
بعد تقويم قويّ وشامل للوضع المالي الذي بدأ مع تطبيق المرحلة الأولى من برنامج التعديل الهيكلي (1986-1995) فإنّ الأوضاع لم تتحسّن إطلاقا كما وعدنا بذلك بل إنّ ما لاح في الأفق هو بوادر استفحال الأزمة – وخاصة في بعدها الاجتماعي- وليس منافذ الخروج منها. ولئن لم نكن أعداء الخطابة فإنّنا نصاب بالغثيان حين نسمع كلاما يحاول ايهامنا بأنّ التونسيين سيدخلون » عهدا جديدا » من الرفاه والرخاء لم يكن من حظّ أجدادهم وآبائهم أن عرفوا مثله ذلك هو ما ستحققه برامج التعديل الهيكلي التي ستكون الحقنة المناسبة لداء عشرية الثمانينات ولكنّهم في الحقيقة نسوا أن يعقّموا إبرة الحقن!!.
بالفعل لقد أصيب الاقتصاد التونسي بفقدان المناعة حين ارتبط هيكليا بالنظام النيو-ليبرالي عن طريق التعديل الهيكلي الذي ادّعى أصحابه أنّه سيتجاوز الأزمة وذلك بضمان السيولة اللازمة لتسديد الديون عن طريق الضغط على النفقات العمومية وتشجيع الصادرات ومنح قروض جديدة لإعداد بنية تحتية ملائمة لجلب الاستثمار الأجنبي وتحفيزه وتحويل الإنتاج الفلاحي من فلاحة القوت وضمان الغذاء إلى الإنتاج الفلاحي الموجّه للتصدير، إنّه في كلمة برنامج هجوم كاسح وشامل على مصالح عدد كبير من السكان فلم يضمن إيقاف نزيف الدين ولا تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويكفينا إلقاء نظرة سريعة على علاقة الدين بالصادرات وبمعدّل النموّ حتىّ لا يكون كلامنا مجرّد لغو دوغمائيين أصيبوا بحمّى النقد.
1- الدين/الصادرات :
إذا كان منطق التعديل الهيكلي يقيم حججه على أنّ تشجيع الصادرات أمر ضروري لامتصاص عجز الميزانية وضمان تسديد الدين، فإنّ التجارة الخارجيّة أبعد ما تكون عن تحقيق ذلك إذ اصطدمت بضيق السوق الخارجية وانكماشها ثمّ إنّ تحرير التجارة لم يمكّن من توسيع السوق الخارجية نظرا إلى أنّ هذا التحرير كان عالميّا – هذا هو الدور الذي تلعبه منظمة التجارة العالمية – وبالتالي الاصطدام بمشكل المنافسة القويّة التي تفرضها الدول الغنية.
ثمّ إن تونس تبدو في النصف الأوّل من التسعينات في حالة من العجز التجاري متفاقم نظرا لتدهور قيم التبادل وعدم استقرار العملة التي يتمّ بها تسديد الديون وخاصّة الدولار الأمريكي واليان الياباني والدينار الكويتي.
ولم تتدعّم المبادلات التجارية قليلا إلاّ في سنة 1999 بفضل تطور في تصدير المنتوجات الغذائية ومنتوجات الطاقة والارتفاع الخفيف لعائدات السياحة في نفس السنة وقد تجسد هذا التحسّن في الاستقرار النسبي لعجز الميزان التجاري الذي بلغ 3.140 مليون دينار (تونسي) مقابل 2.971 مليون دينار في 1998.
ولكنّ ذلك كان ظرفيا، فالحكومة التونسية التي ما فتئت تمجّد التزاماتها المالية إزاء المؤسسات المانحة التي لم تبخل على هذا التلميذ النجيب بشهادات الشكر والإطراء وكانت أيضا تطنب في الحديث عن المنوال التونسي في التنمية القائم على سياسة » الازدهار » التي بلغت حدّ « الامتياز » (وهذا المنوال هو في الحقيقة الأخ الشقيق للنموذج التونسي في الديموقراطية ! ) .إنّها تفعل كلّ ذلك ولكنّها تتغاضى عن بيان أنّ ما تحقق ما كان له ليتمّ لولا الهجوم العنيف على القطاع العامّ. تماما كما تعتبر أنّ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر قد عرف ارتفاعا هامّا بفضل الخوصصة ولكنّ متى كان مفهوم الاستثمار يعني بيع مؤسسات عمومية قائمة وطرد مكثّف للعمّال منها ؟ لا شكّ أنّ المفهوم التونسي للاستثمار لا يعني بعث مشاريع اقتصادية وخلق مواطن شغل جديدة.
إنّ الدين الخارجي استمر في امتصاص عائدات الصادرات على نحو متواصل والجدول التالي يمثّل شاهدا على هذه الوضعية :
الجدول الثاني : تطوّر نسبة تغطية الصادرات للدين (1970-1998) |
السنة |
1970 |
1980 |
1988 |
1989 |
1990 |
1993 |
1994 |
1995 |
1996 |
1997 |
1998 |
النسبة المائوية |
64.7 |
90.1 |
140.5 |
136.3 |
132 |
133.5 |
119.6 |
119.6 |
119.8 |
124 |
138.1 |
2- الدين / النموّ
يؤكّد الخطاب الرسمي أنّ الالتجاء إلى الموارد الخارجية بما في ذلك الدين بقي السبيل الرئيسي لبلوغ نسق من النموّ يصل إلى 6% أثناء عدد هامّ من السنوات قصد تحقيق تحسين لمستوى العيش ولكن ذلك أبعد ما يكون عن التحقّق ولم يكن هذا الخطاب إلاّ ادّعاءات باطلة لم يثبتها الواقع وهو خطاب لم تقتصر عليه الحكومة التونسية وحدها بل قرأناه في تقارير صندوق النقد الدولي و البنك العالمي وسمعناه من أفواه قادة الدول الغنيّة (حديث الرئيس الفرنسي شيراك عن « المعجزة التونسية » ). إنّها معجزة جعلت من تونس « نمرا » جديدا. ولكن ما ينقص هذه التصريحات حقا هو أنّ هذا النمر » كان من ورق » أو من صنع الخيال ! إنّ مثل هذه البيانات تجعل النضال المناهض للعولمة النيو-ليبرالية وترجمتها المحليّة نضالا يجب أن يشمل كذلك الكشف عن زيف التصريحات وفضح الخطاب المزدوج الذي جعلته هذه العولمة جهازا إيديولوجيا للسيطرة وهذا هو ما نبّه إليه كريستيان دي بري المحرّر بجريدة لومند ديبلوماتيك ومقدّم كتاب « البورصة أو الحياة » لتوسّان ونرى من المفيد الاستشهاد بهذه الفقرة الطويلة لأنّ الخطاب الرسمي في تونس لا يروّج إلاّ هذه « البضاعة » الفكرية معتبرا عموم الشعب مغفّلين يصدّقون ما يسمعون وخاصّة متى تعلّق الأمر « بالمعجزات » التي لا تقبل الدحض :
» إنّ الأشخاص القادرين على الإفلات من الخطاب المهيمن ينخفض عددهم شيئا فشيئا. وقد انضمّت الأغلبية الكبرى من المفكرين إلى هذه الإيديولوجيا خدمة لها وكانوا قديما في تعبئة يعارضون السلطات القائمة أمّا اليوم فإنّهم مأجورون على نحو كبير ككلاب حراسة للنظام الجديد. إنّها لكهانة متعجرفة ووقحة تماما، جعل لها المدافعون عن القدر الليبرالي أجرا باهظا، إنّهم اكليروس تقاطعات نهاية التاريخ، ونسّاك دعاة قتال، وباحثو محاكم التفتيش يستقصون كلّ مقاومة، وسدنة المحرقة التي يلقى فيها المعارضون، ومحتكرو الصوت والصورة، والمبشرون بالتعاليم الدينية الجديدة للسوق، ومخترعو « المعجزات » الاقتصادية، إنّها- إذا أردنا أن نستعير عبارة فولتيير- خرافات يحكيها لئام أنذال للحمقى ».
إنّنا ندّعي أنّنا من تلك القلّة التي أفلتت من الخطاب الرسمي فلا تسحرنا الخطابات الرنانة عن التنمية الشاملة وتأهيل اقتصادنا ليكتسح الأسواق العالمية ولا نبقى فاغري الأفواه أمام طلاسم « دكاترة اليقين المطلق في القدر الليبرالي »، نقول ذلك لأنّ تونس لم تعرف نموّا اقتصاديا ولا هي استطاعت الخروج من كمّاشة الدين. فالديون التي منحت في ظرف متميّز بالانكماش المالي الذي يتجلّى في قروض تكون فيها قيمة العملة الصعبة متقلّبة (قد يرتفع حجم الدين-الأصل والفائدة- بمجرّد ارتفاع طفيف لقيمة الدولار أو غيره من العملات الصعبة). إنّ ذلك قد أفضى إلى نتائج وخيمة على مستوى التوازن المالي وبالتالي على الوضع الاجتماعي عموما فالبلاد غدت عاجزة عن اتباع مسار لمراكمة النموّ رغم مجهودات التعديل الهيكلي التي لم توفّق في جلب استثمارات كبيرة.
تبدو علاقة الدين الخارجي بالناتج الداخلي الخامّ مستقرة في السنوات الأخيرة وهو ما يبرهن على أنّ الاقتصاد الوطني بقي دائما مرتهنا بالموارد الأجنبية وأنّ عبء الدين يمثّل عقبة حقيقية أمام تحقيق التنمية وأنّ الإجراءات التي اتخذتها مؤسسات بروتن وودز لم تساعد البلاد على تجاوز الأزمة بل على التصرّف في هذه الأزمة على نحو يضمن تسديد الدين.
هذا هو ما أشار إليه تقرير الأمم المتحدة في 2000 حول تدفّق رؤوس الأموال في إفريقيا : » إنّ الالتجاء المتزايد للموارد الخارجية لم يقد بالضرورة إلى نموّ سريع يسمح برفع مستوى العيش وبتحرير الموارد الداخلية للاستثمار ».
الجدول الثالث : نسبة الدين من الناتج الوطني الخام |
1996 |
1997 |
1998 |
1999 |
2000 |
50.5 |
51.8 |
47.2 |
47.7 |
45.1 |
تؤكّد الإحصاءات أنّ ما قيل عن البلدان الإفريقية عامّة يشمل تونس كذلك، إذ أنّ نصف ما ينتجه التونسيون في النصف الثاني من التسعينات يتمّ تحويله مباشرة إلى خزينة الدائنين ويتأكّد كذلك ما جاء في تقرير الأمم المتحدة أنّ الدين هو عائق حقيقي أمام التنمية وتحسين مستوى العيش.
إنّه نهب مبرمج لثروات بلدان الجنوب ينضاف إلى النهب المباشر أيام الاستعمار (الدين التاريخي). وفي الفقرة الموالية نحاول دراسة هيكل الدين الخارجي لنحدّد بدقة هويّة أسياد العالم الجدد الذين واصلوا برنامج النهب هذا.
هيكل الدين الخارجي :
لقد عرف هيكل الدين الخارجي لتونس تغيّرا ذا دلالة هامّة. إنّ ديون السنوات الأخيرة (بعد نهاية المرحلة الأولى من برنامج التعديل 1986-1995) منحت في ظرف عالمي يتّسم بسيطرة الأسواق المالية والمؤسسات الدولية. وبالفعل فإنّنا نلاحظ انخفاضا في الديون الثنائية الأطراف، فحسب تقرير البنك المركزي التونسي لسنة 1999 فإنّ » قسط الدين الثائي الأطراف قد انخفض فيما بين 1998 و1999 ليتحول من 43.6% إلى 41.7% وذلك خصوصا بتأثير تعبئة الأسواق المالية وتذبذب العملات الرئيسية للديون » ص 27.
أمّا اللجوء إلى الديون المتعدّدة الأطراف (المؤسسات المالية الدولية) فقد شهد ارتفاعا إذ مرّ من 4.111 مليون دينار تونسي في 1998 إلى 4.816 مليون دينار في 1999 . ويمثّل البنك العالمي المانح الأول لتونس إذ يستأثر ب 15.1% من مجموع الديون المتعددة الأطراف.
إنّ هذا التغيّر في هيكل الدين الخارجي يعني أنّ الدين لم يعد يمنح في إطار « التعاون » بين الدول وإنّما فوّضت الدول الغنيّة إلى مختلف مؤسساتها إدارة الهجوم على بلدان العالم الثالث فكان أن عرف الدين الخارجي زيادة في عبئه بسبب تسديده بما أنّه أبرم بنسب فائدة مرتفعة ومتذبذبة.
يا لها من حلقة جهنّمية حقّا فالاقتصاد وجد نفسه في مواجهة عائق أشدّ وطأة هذه المرّة حين تقلّصت الديون الثائية الأطراف وارتفعت الديون المتعددة الأطراف والخاصّة هذا فضلا على أنّ نصيبا منها يبرم بعنوان تأهيل المؤسسات لجعلها قادرة على المنافسة الأجنبية. فكان اللهاث وراء تسديد هذه الديون على حساب التنمية وتحسين الظروف المعيشية للفئات الشعبية المفقّرة. إنّها حلقة جهنّمية أفضت إلى أن تمّوّل أغلب مشاريع المخطّط العاشر الذي انطلق هذه السنة عن طريق الدين الخارجي (الديون التي أبرمت أخيرا كان أغلبها بهذا العنوان) وإلى إعداد الحكومة نفسها لمجابهة ما يمكن أن يحدث من غضب اجتماعي ناجم عن هذه السياسة (تضخّم ميزانية وزارة الداخلية)،وما ينشئ عن تملّص الدولة من النفقات المخصصة للخدمات الاجتماعية بهالة إعلامية حول التضامن وصندوق محاربة الفقر الذي لا نعلم عن تسييره ورقابته أيّ شيء).
ويقدّم الجدول التالي الأرقام التي استندنا إليها في الاصداع بالاستنتاجات السابقة.
الجدول الرابع : أوضاع الدين الخارجي بالنسبة إلى موارد التمويل الرئيسية (إلى حدود 31/12/1999) |
مصدر الدين |
الالتزامات |
بلدان الاتحاد الأوروبي ومؤسساته |
7.024.0 |
مجموعة البنك العالمي |
4.236.9 |
البنك الإفريقي للتنمية |
2.369.4 |
بلدان أمريكا الشمالية |
1.627.1 |
البلدان والمؤسسات العربية |
2.090.2 |
البلدان الآسيوية غير العربية |
2.644.0 |
الأسواق المالية |
2.746.3 |
بلدان ومؤسسات دولية أخرى |
911.5 |
المصدر : تقرير البنك المركزي التونسي، 1999
4- خدمة الدين :
ما انفكّ التسديد بعنوان خدمة الدين يرتفع منذ تطبيق برنامج التعديل الهيكلي. فقد سجلنا على امتداد المخطط الثامن (1992-1996) نسبة ارتفاع تقدّر ب3.5%.
وتتوزّع خدمة الدين على قسطين يشمل الأول 68% بعنوان فائدة عن الأصل و32% من الأصل يتمّ إخضاعه إلى فائدة أخرى.
إنّ ذلك هو دون شكّ من الآليات الرئيسية التي يقوم عليها النهب المبرمج ولا يمكن إلاّ أن يؤدّي إلاّ إلى ظاهرة اقتصادية انتحارية تتضح خصوصا في عدم الاكتفاء بتسديد الأصل فقط بل وأيضا في الارتفاع المشطّ للفوائد وتنويعها. إنّه ليس انتحارا اقتصاديا واجتماعيا فقط بل وسياسي أيضا عندما تتباهى الحكومة بالتزاماتها المالية وحسن سيرتها إزاء المؤسسات المانحة وتمّ ذلك خاصّة في سنتي 1998 و1999. أو عندما تغيّب المجتمع المدني بمختلف مؤسساته وتقتصر على تشكيل لجان محدودة العدد تعهد إليها بإعداد برامج الخوصصة والدين وغير ذلك من المسائل التي تهمّ حاضر كلّ التونسيين ومستقبلهم. إنّنا نرفض أن نكون مولّى علينا أو عاجزين عن مواجهة هذا القدر الذي لا يردّ -وفي هذا الإطار بالضبط تعتبر راد أتاك تونس أنّ النضال من أجل بديل تنموي لا يقلّ أهميّة في شيء عن النضال من أجل بديل سياسي ديموقراطي-.
فلنتأمّل حجم خدمة الدين الذي سدّد في 1998 وذلك حسب نوع الدين :
-
الدين الثنائي الأطراف : 44.6% (805مليون دينار تونسي)
-
الدين المتعدّد الأطراف : 43.7% (789 م.د.ت)
-
الديون الخاصّة : 11.7% (211 م.د.ت)
ويبيّن الجدول التالي تطوّر خدمة الدين في سنوات التسعينات :
الجدول الخامس : تطوّر خدمة الدين في المدى المتوسط والبعيد |
السنوات |
الأصل |
الفوائد |
المجموع (م.د.ت) |
||
مليون دينار تونسي |
نسبته المائوية من المجموع |
مليون دينار تونسي |
نسبتها لمائوية من المجموع |
|
|
1994 |
932 |
98.1 |
437 |
31.9 |
1.369 |
1995 |
982 |
66.3 |
499 |
33.7 |
1.481 |
1996 |
1.007 |
65.9 |
520 |
34.1 |
1.725 |
1997 |
1.102 |
66.8 |
547 |
33.2 |
1.649 |
1998 |
1.173 |
67.8 |
557 |
32.2 |
1.730 |
1999 |
1.227 |
68.0 |
578 |
32.0 |
1.805 |
المصدر : تقرير البنك المركزي التونسي- 1999
وبالفعل فإنّ كلّ هذه الأرقام هي خير شاهد على أنّ كلّ الإجراءات التي أخذت في إطار برنامج التعديل الهيكلي لم تمكّن إطلاقا من تجاوز الأزمة التي يعيشها الاقتصاد التونسي بقدر ما مثّلت تصرّفا فيها على نحو يمكّن من خلق الشروط الملائمة لتسديد الديون.
وهكذا يصبح الدين آلية لتحويل ثروات البلاد نحو الشمال وبالتالي التركيز الهيكلي لمراكمة فائض القيمة، وما على العمّال والاجراء إلاّ أن يعملوا طويلا للإيفاء بالالتزامات التي تعهّدت بها فئة قليلة وغير ممثّلة للمصالح الحيويّة لعموم الشعب. إنّه وضع شامل لكلّ بلدان الجنوب وهو ما حدا بفرنسوا ميتران -الرئيس الفرنسي الأسبق- بأن يعترف قائلا : » مقارنة بالمبالغ الهامّة المخصّصة للمساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف فإنّ تدفّقات رؤوس الأموال الواردة من إفريقيا نحو البلدان المصنّعة أكثر من تدفقات هذه الأخيرة نحو البلدان النامية ».
إنّ مثل هذا القول يمثّل شاهدا، من قادة الدول الغنيّة نفسها، على أنّ مصير المليارات من البشر أصبح تتحكّم فيه عدد قليل من المؤسسات الدولية والشركات العابرة للقوميات. وأنّ أزمة الدين المستفحلة هي في نهاية المطاف أزمة شرعية هذه المؤسسات.
خلاصة
لقد أثبت منوال » التنمية » القائم على التداين فشله وعجزه التامّ عن تحقيق تنمية حقيقة ومستديمة ولئن جاءت برامج التعديل الهيكلي معلنة أنّها بديلة عن هذا الفشل وذلك بتقوية اقتصاديات بلدان الجنوب حتّى تكون قادرة على الخروج من الأزمة العميقة التي اندلعت في بداية الثمانينات فإنّ عشريتين من تطبيقها بيّنت أنّ النتائج كانت مخالفة تماما لما أعلنت عنه فكانت النتيجة المزيد من التداين والمزيد من التبعيّة للمركز الرأسمالي وهو ما انجرّ عنه تزايد الفقر وتدهور مختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
إنّ الصورة التي تبدو عليها تونس اليوم لا تختلف كثيرا عن تلك التي نرى عليها مختلف البلدان الفقيرة وهو ما يعني أنّ إلغاء ديون هذه البلدان هو المرحلة الأولى الضرورية في مسار إنشاء منوال تنموي بديل، وهو منوال عبّرت حركة المقاومة للعولمة الرأسمالية ومختلف الحركات الاجتماعية اليوم عن ضرورته. ولئن لم يكن هذا المنوال جاهزا بعد فإنّ التفكير فيه في صلب هذه الحركات المقاومة غدا مسألة ملحّة على جدول أعمالها فتفطّنت إلى أنّه لا سبيل إلى تنمية حقيقية دون توحيد الجهود وإعلان الهجوم المضادّ على معتد متّحد عالميا. كما أنّ ما يبعث على الأمل حقّا هو تلك المعرفة التي أصبحت تتحلّى بها تلك الحركات سواء بتحليل تاريخ الرأسمالية ودراسة آليات تطوّرها التاريخي أو الردّ على الأطروحات النيوليبرالية وبيان تهافتها مثلما هو الأمر فيما يخصّ ما قد ينجم عن إلغاء الديون من خوف من عدم وصول التمويل الخارجي.. أو بتجريد مختلف المؤسسات المالية الدولية من الشرعية أو الدعوة إلى محاكمة الشركات المتعددة الجنسيات استنادا إلى القانون الدولي لاعتدائها على حقوق أساسية (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الاعتداء على البيئة، إرشاء الحكّام المحليين…).
تتميّز الأطروحة النيوليبرالية بدوغمائية وجبرية مقيتة حينما تقول أنّه لا يمكن إيقاف القطار وهو في سرعته القصوى أو حين تذهب إلى ما هو أكثر من ذلك حين تقول لنا أنّه لا يمكن أن نفعل شيئا إزاء المنطق الاقتصادي المتبع حاليا ثمّ إنّه جاء على أنقاض أنماط أخرى قيل عنها اشتراكية أعلن التاريخ تهافتها. إنّ مثل هذه الدغمائية في التفكير هي التي تتهافت حين تصبح كلّ مناسبة يلتقى فيها « رجال الدين الجديد » إلى حرب حقيقية ضدّ حركات المقاومة لا يتوانى هؤلاء الأسياد عن « تكفيرهم » وتتهافت كذلك حين تنشر هذه المقاومة أطروحتها المتضمّنة للمصادر البديلة لتمويل التنمية ( استخلاص الديون التاريخية، إرجاع ما اختلسه الديكتاتوريين من مواطني العالم الثالث وتأميم ثرواتهم، العمل بقانون الضريبة التصاعديّة على الدخل، اصلاح النظام النقدي…).
إنّ وضع مخطّط لمشروع تنمية حقيقية وبديلة ، وهو من أهداف راد-أتاك تونس الأساسية، لا يمكن أن يتمّ إلاّ برفض النظام الحالي للدين وبطبيعة الحال رفض متمّمه برنامج التعديل الهيكلي. فالبرنامج البديل الذي يهدف منح حظوظ حقيقية في التنمية لبلدان الجنوب يجب عليه بكلّ تأكيد أن يقطع مع المنطق النيو-ليبرالي الرأسمالي المهيمن الذي لا يرى إلاّ مصالح الرأسمال العالمي على حساب حقّ حوالي خمسة مليارات من البشر في التنمية والكرامة.
مختار بن حفصة
فريق العمل حول الدّيْـن
راد أتاك تونس – أوت 2002
(المصدر: قائمة مراسلة راد – أتاك البريدية الألكترونية بتاريخ 24 نوفمبر 2003)
درس جديد للحكام العرب
2003/11/24
عبد الباري عطوان
قدمت المعارضة الديمقراطية في حورجيا درساً بليغاً لشعوب العالم الثالث واحزابه وسياسييه، عندما اجبرت الرئيس ادوارد شيفاردنادزه علي الاستقالة، والتنازل عن الحكم، دون اراقة نقطة دم واحدة، أو نهب مؤسسة عامة او خاصة واحدة. ويسجل للمؤسستين، الامنية والعسكرية، انحيازها الكامل للشعب، ووقوفهما علي الحياد، رغم نداءات الرئيس واستغاثاته المتكررة بالتدخل، فالزعماء يأتون ويذهبون في الدول الديمقراطية، اما الشعب فهو الباقي، وهو المصدر الوحيد للسلطات. هذه الثورات الشعبية ستصل حتماً الي المنطقة العربية، فقد بلغ الظلم مداه، وتوحشت الانظمة الديكتاتورية، وتغولت في نهب الثروات، ومصادرة الحريات العامة والخاصة، وتغييب القضاء العادل المستقل، واحتكار الوظائف والاعمال. والمأمول ان تكون هذه الثورات سلمية، ولكنها لن تكون كذلك، وللأسف الشديد، ليس لان الشعوب العربية متعطشة للدماء، ولكن لان الانظمة لا تقيم وزناً لهذه الشعوب، وتفضل التعامل معها بالحديد والنار، والمؤسستان الامنية والعسكرية جاهزتان دائماً لـ تأديب الشعب لمصلحة الفساد والديكتاتورية. وما يرجح خيار العنف، ويجعله الاكثر حتمية، ان الانظمة العربية في معظمها تقاوم الاصلاح، وترفض التجاوب مع نداءات القوي الديمقراطية، التي تطالب به، وحتي اذا تجاوبت، فانه تجاوب محدود، يقتصر علي اصلاحات تجميلية سطحية، وبهدف كسب الوقت، وامتصاص نقمة تعتقد الانظمة انها طارئة أو عابرة. المنطقة العربية دخل عليها اكثر من أربعة آلاف مليار دولار عوائد نفطية في السنوات العشرين الماضية فقط، ومع ذلك ما زالت الاكثر تخلفاً في العالم بأسره، فالخدمات الصحية شـــــبه معدومة، والتعليمــــية منـــهارة، والبني التحتية متآكلة، والتنمية لا مكان لها في قاموس الحكومات، والفساد هو القاسم المشترك في معظم الدول، ملكية كانت او جمهورية. مئات المليارات من الدولارات جري انفاقها علي شراء اسلحة، وطائرات حديثة، وعندما تعرضت دول للعدوان الاسرائيلي، توارت هذه الاسلحة والطائرات خجلاً، اما عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت فكان لابد من الاستعانة بالقوات الامريكية. دولة مثل المملكة العربية السعودية وصل متوسط الدخل السنوي للمواطن فيها حوالي ثمانية وعشرين الف دولار، انخفض حالياً الي اقل من سبعة الاف دولار في افضل التقديرات، بينما وصلت ديون الدولة الي مئتين وخمسين مليار دولار، ووصلت معدلات البطالة الي حوالي ثلاثين في المئة، وعندما تحاول مجموعة من المواطنين الاحتجاج تقابل بالقمع والاعتقالات والاتهامات بالخروج عن طاعة اولي الامر، وتواجه بتطبيق حد الحرابة اي القتل بحد السيف لانهم من المفسدين في الارض. الرئيس حسني مبارك يسقط علي المنصة وهو يلقي خطابه في مجلس الشوري، ويخرج علينا وعاظ السلاطين ليؤكدوا ان الرجل سليم معافي، ويعاني من زكام بسيط، وسبب انهياره عائد الي تعاطية جرعات اضافية من المضاد الحيوي. ويذهب وزير الاعلام المزمن الي ما هو ابعد من ذلك في النفاق عندما يفتي بان الرئيس كان صائماً. ونسي الوزير نفسه انه قال ان الرئيس أخذ جرعات من المضادات الحيوية، فكيف يكون صائماً، وفي الوقت نفسه يتعاطي حبوباً وادوية. وأي زكام هذا الذي يعالج بجرعات قوية من المضادات الحيوية.. افيدونا افادكم الله! اما رئيس فلسطين فليس افضل حالاً، فتارة هو مريض جداً، وتارة اخري يسحب مسدسه ويهدد بقتل نفسه، بينما ينشغل الورثة في الصراع علي تقاسم المناصب والسلطات، وكأن شارون لا يقتل اطفالاً، ويدمر بيوتاً ويفرض واقعاً علي الارض ببناء السور العنصري. في سورية صراع بين حرس قديم وحرس جديد وغياب كامل للحريات والتنمية. وفي لبنان حرب ضروس بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء. وفي الجزائر حرب اكثر ضراوة بين بوتفليقة وبن فليس. وفي المغرب هناك اجماع علي وجود فراغ في السلطة. وفي الاردن وزارة للشعب واخري موازية للبلاط. وامام هذه الاوضاع المتدهورة لا يوجد بديل آخر للعنف، وقد بدأ هذا العنف يطل برأسه بقوة في السعودية والمغرب، ويحصد ارواح عشرات الابرياء، وهناك من يقول بأنه زاحف نحو مصر ان آجلاً او عاجلاً. ويساهم تحالف السياسات الامريكية الاستفزازية مع الديكتاتوريات المحلية الفاسدة في ايجاد المناخ الملائم للعنف، فالاحتلال الامريكي للعراق، والدعم المطلق للارهاب الاسرائيلي في فلسطين اوجدا ظاهرة القنابل البشرية، والعمليات الاستشهادية، وهي ظاهرة امتدت الي استانبول وقبلها الرياض، وقطعاً ستتناسخ وتصل الي عواصم اخري. تنظيم القاعدة الذي هو أحد افرازات الديكتاتورية القمعية المحلية والاهانات الامريكية للعرب والمسلمين، بات مظلة، وايديولوجية تنضوي تحتها تنظيمات اسلامية صغيرة متطرفة تجد في العنف الدموي وسيلتها الوحيدة للتعبير عن احباطاتها ويأسها. قتل المدنيين عمل مدان، وجريمة لا يمكن تبريرها، ولكن من حقنا ان نسأل عما فعلته الانظمة لهؤلاء، هل حققت لهم حياة كريمة، وساوت بينهم امام القضاء وقطعت دابر الفساد، واوقفت التعذيب والاهانات في السجون والمعتقلات؟ الرئيس شيفاردنادزه اضطر في نهاية المطاف للرضوخ لمطالب الشعب، تماماً مثل سوهارتو في اندونيسيا، وماركوس في الفيلبين، والشاه محمد رضا بهلوي في ايران، وتشاوتشيسكو في رومانيا، ولكن الدكتاتوريين العرب يعتقدون انهم مخلدون في السلطة، ويرفضون الاعتراف بان هناك شيئا اسمه الشعب، ومن هنا يأتي الخوف من حمامات الدماء. كم كانت متواضعة الطائرة الرئاسية التي امتطاها الرئيس الجورجي وهو هارب من البلاد الي غير رجعة، بالمقارنة مع الطائرات الخاصة لرجال الاعمال، ولا نقول الزعماء العرب، وكم كانت صاخبة احتفالات الجماهير بانتصارها التاريخي في اطاحته من السلطة بالوسائل الديمقراطية! تري كيف سيكون حال الزعماء العرب اصحاب الطائرات الخاصة الفخمة وغرف نومها الفارهة، ودورات مياهها المذهبة، وهل سيجدون الوقت لامتطائها والمغادرة بامان الي منافيهم المريحة، حيث اودعوا عشرات المليارات من الدولارات؟!
(المصدر: صحيفة القدس العربي يوم 24 نوفمبر 2003)