23 avril 2005

من أحوال الامة في ذكرى المولد الشريف

بقلم: الشيخ راشد الغنوشي

تمر هذه الايام فيما يشبه الصمت الذكرى الثامنة والسبعون بعد الاربعمائة وألف على مولد الفتى العربي محمد ابن عبد الله في أسرة لم يكن ينتظره فيها من رصيد عدا اليتم والفقر، اللّهم غير شرف العائلة، بما لم يكن يرشحه في أفضل الحالات لأكثر من تاجر متوسط في أسواق العرب، أو سادن من سدنة البيت، ولا كانت مكة التي شهدت مولده – ولم يكن من بين سكانها من يفك الخط أكثر من بضعة نفر-.

ما كان لأكبر مفكر استراتيجي أن يتخيل مجرد تخيل أو يحلم أن تكون منطلقا – عبر ذلك الفتى اليتيم – لتحولات ستغير اتجاه التاريخ وجملة المعادلات لا في جزيرة العرب وحسب فتتوحد تحت لوائه بعد أقل من ربع قرن من نبوته عليه السلام، بل جملة المعادلات السياسية والدينية والثقافية والعسكرية في منطقة تمتد من الصين الى جبال البريني صانعة نظاما دوليا على أنقاض النظام القديم مؤسسا على أساس تجديدي لتراث النبوات التوحيدي. فكان القوة الفاعلة في مجرى التاريخ لأكثر من عشرة قرون.

ورغم أن هذا المنتظم الحضاري الجديد دخل في معادلات صراع واستيعاب وهضم ورفض وتفكيك وتركيب للعالم القديم، فانتصر هنا فتقدم واندحر فتراجع في منطقة أخرى إلا أنه كلما ظن خصومه أنهم قد همّشوه وأخرجوه أو كادوا من المعادلة الدولية سرعان ما تنبعث فيه روح التجدد والاصلاح احياء لروح الاجتهاد والجهاد فينتفض رادّا غزاته على أعقابهم كما حصل في إثر سقوط آخر خلافة اسلامية ووقوع بلاد الاسلام تحت سنابك الغزاة، أو كما حصل أيضا خلال الحرب الباردة حيث دفع الاسلام الى الهامش تستخدمه هذه القوة أو تلك لمصلحتها فيحارب حربها، حتى إذا انتصر المعسكر الغربي نصّب الاسلام عدوا ووجه اليه السهام، إلا أن ذلك لم يفعل إلا أن ملأ الاسلام غضبا وعبّأ قواه للدفاع عن كيانه شأن العقائد الكبرى ليس يضنيها أمر أشد من التهميش والاهمال، أما استهدافها فيحييها ويعبئ طاقاتها كما هو حال الاسلام اليوم إذ يعيش حالة امتداد وفوران تبلغ حد الغضب، وهو ما فرض على خصومه أن يقروا بفشل خططهم  لتهميشه أو مسحه من الخريطة الكونية ولم يجدوا بدا -وهم يرون عمارته الفائضة على كل ساحات العمل الاجتماعي والسياسي وذواء المشاريع العلمانية التي صدروها الى عالم الاسلام- من الاعتراف به عاملا لا غناء عنه في التعامل مع عالم الاسلام وضمان مصالحهم فيه وضمان أمنهم واستتباب السلم. فتنافسوا في توجيه الدعوة إلى حركاته للحوار، ما أوقع الانظمة التابعة في حالة رعب.

إن مسيرة الاسلام لم تتوقف قط، هي بين طور فيضان وطور انكماش وتحفز، وهي اليوم في حالة امتداد لا يعيقه غير الاستبداد وفساد الحكام وعائق زيادة الغضب لدى ثلة من أبنائه عن الحد المعقول، ما وفر مزيدا من الفرص لأعداء الاسلام لتشويهه ومحاصرة أقلياته وتخويف الشعوب منه. ومع أن الاسلام ظل منذ مائتي سنة يتلقى حملات متلاحقة إلا أنه لم يستسلم قط وظل يقاوم ويحقق هنا أو هناك انجازات ليست بالقليلة:

أ‌-      إن معتنقيه ظلت أعدادهم في ازدياد ولأول مرة في التاريخ فاقوا عددا كل أتباع لأية ديانة أخرى. ولأول مرة في التاريخ ترتفع مآذنه في كل أرجاء المعمورة وتصبح لهم عوالم جديدة يتصاعد تأثيرهم فيها. حتى ترى هذه الايام في بريطانيا مثلا تنافسا بين السياسيين على اجتذاب الصوت المسلم فيقف ممثلوا وممثلات الاحزاب أمام المساجد يوم الجمعة يوزعون منشورات أحزابهم الانتخابية على المصلين. وفاق عدد المرشحين المسلمين المائة. النوعية الاسلامية أيضا في تحسن: وعيا أفضل وأرشد بالاسلام وبالعصر وتقنياته وعلومه ولغاته. إن فعالية شباب المقاومة لا تعود الى تفوق معنوي على عدوهم فحسب بل أيضا الى تفوق في استخدام التقنية الحديثة خلافا لجيل آبائهم وأجداهم من المقاومين. إن نسبة المهندسين بينهم عالية.

إن عدد اتباع الدين الجديد وهو جوهر حضارة الاسلام وروحها العميقة والممتدة لم يتراجع في أي ظرف بل ظل مواصلا تمدده أكان ذلك في ظل دولة تحتكم اليه أم كان في غيابها مكتسبا في كل جيل بل كل يوم أرضا جديدة. لقد تنافس في فتوحات الاسلام وتوسيع داره الفاتحون والتجار وربما يكون دور هؤلاء الاخيرين في تشكيل ما يسمى اليوم بدار الاسلام أهم من دور الأولين، وذلك في غياب مؤسسة رسمية للتبشير أو التحدث باسم السماء، فمسؤولية استمرار هذا الدين عهد  بها صاحب الدعوة وهو يودع أمته موجها خطابه الى مائة ألف حاج، على مشارف مكة – بعد عشر سنوات فقط على خروجه منها مطاردا- الى أمته أفرادا وجماعات « فليبلغ الشاهد منكم الغائب » (صحيح مسلم). كل مسلم مسؤول أمام الله:  « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » (متفق عليه) مسؤول عن النهوض بأمانة الاسلام قياما بشرائعه في ذات نفسه وفي أسرته، تعلما وتعليما، ونشرها في محيطه بحسب وسعه، غير محقّر من نفسه ومن علمه حتى ولو لم يتجاوز غير آية، فيكون مسؤولا عنها عملا بها وتبليغا « بلّغوا عني ولو آية » (البخاري) و » لا تحقرنّ من المعروف شيئا » (رواه مسلم). وإذا كانت رسالة المسيح عليه السلام قد تحولت عبر التاريخ الى مؤسسة هي جسد المسيح على رأسها رجل دين ذو سلطة مطلقة، فإن رسالة الاسلام التوحيدية رفضت فكرة التجسيم أصلا، لا في رجل دين مهما عظم، ولا في دولة مهما صلحت، ولا في مؤسسة علماء، إذ لا عصمة – في منطق الدعوة التوحيدية- لشيء من ذلك، والخطأ وارد على الجميع، الامة فقط كل الامة هي الحاملة – نهاية- للامانة. وإجماعها هو الجدير بالثقة ‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سألت ربي عز وجل أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة ‏ ‏سألت الله عز وجل أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها وسألت الله عز وجل أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها وسألت الله عز وجل أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها (مسند أحمد). وهو ما يجعل المنظور الاسلامي العقدي أكثر المنظورات ملاءمة للفكرة الديمقراطية. قال تعالى: « وأمرهم شورى بينهم » (الشورى)، أي أن الشؤون العامة في الامة ما ينبغي أن ينفرد بالتقرير فيها أو يحتكرها أحد، فـ  » ‏كل ابن ‏ ‏آدم ‏‏ خطاء وخير الخطائين التوابون » (الترمذي)، والسبيل الأقوم لتقليص الأخطاء ودرك الحقيقة هو المناقشات العامة والحوار توصلا للاجماع.

ب‌- ومع أن المسلمين فقدوا وحدتهم السياسية ومزقت دار الاسلام الى عشرات من الدويلات الضعيفة فإن شعور الوحدة لدى أتباع هذا الدين قد استمرت قوية مخترقة عشرات اللغات التي يتحدثون بها والدول التي ينتمون اليها والطبقات والأعراق التي ينحدرون منها بأثر وحدة العقيدة والقبلة وجملة أركان الاسلام، حتى أنك ترى المهتدي الجديد ما أن تسري في كيانه معاني الايمان حتى يتحول جزء من الجسم الاسلامي « إنما المومنون أخوة » (الحجرات). « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه » (رواه البخاري) و »مثل المومنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد » (رواه مسلم). ورغم غياب الكيان السياسي الاسلامي الجامع – عدا منظمة ضعيفة منظمة المؤتمر الاسلامي- فإن مشاعر الوحدة لا تزال قوية بين أتباع دين يقترب عددهم من المليار ونصف يمتدون في جميع أرجاء المعمور ويروادهم الامل في تعزيز هذه الوحدة الشعورية بأشكال أرقى سياسية واجتماعية. ولقد أسهمت ثورة الاتصال الحديثة وبالخصوص الفضائيات وما تنقله من دماء المومنين المسفوحة في تأجيج مشاعر الوحدة. وربما يمثل الحج أكبر مؤسسة للوحدة الى جانب بقية المحركات (العبادات) العاملة دون كلل على توثيق روابط المؤمن وتجديدها عموديا مع السماء مع ربه، وأفقيا مع إخوانه المؤمنين.

ج- إن الثقة التي أولاها صاحب الدعوة لكل مسلم في القيام على الامانة والميراث النبوي والامتداد به في المكان وفي الزمان عبر الاجيال الجديدة على اعتبار أن الحساب يوم القيامة حساب فردي، فكل انسان يقف بين يدي ربه دون ترجمان مجردا من كل ما يعتز به من متاع الدنيا الذي خلفه وراءه، إن تلك الثقة لم تبلغ درجة الحلم المثالي في إمكانية إيكال الافراد الى ذواتهم بعد تفقيههم في الدين بحجة كفاءة ذلك لصلاحهم ووزع بعضهم عن ظلم بعض فهذا الدين واقعي يعلم ما في طبيعة الانسان من تدافع بين قوى الخير والتسامي وبين قوى الشهوات والعدوان والتسفّل ولذك لم يكتف بالدعوة الى جملة من العقائد والشعائر والاخلاقيات وإنما أحاطها بسياج من الشرائع وجه الامة الى إقامتها تحقيقا لأعظم مقاصد الشرع : إقامة العدل بين الناس من طريق إقامة نظام حكم تحت إشراف الامة، يأخذ على يد الظالم وينتصف للمظلوم وينتصر للضعيف على القوي، نظام لا تجتمع فيه سلطة المال والحكم في يد واحدة. الامة هنا هي صاحبة السلطة تكل إدارتها الى من ينهض بها – تحت إشرافها- كما أنها هي المالكة – مستخلفة عن الله – للثروات العامة يديرها الافراد تحت نظرها تحقيقا للمصلحة العامة.

لقد ذهبت أدراج الرياح كل الدعوات الفوضوية  الى إمكانية إقامة مجتمعات عادلة دون حاجة الى نظام دولة، كما أن الصورة المقابلة المتمثلة في إقامة دولة مطلقة – بأي خلفية كانت – تحتكر التصرف في رقاب الخلق وممتلكاتهم كانت نتائجها كارثية. صاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام كان من الانبياء القليلين الذين لم ينجحوا فقط في نشر دعوة بل نصب لها جهاز حكم يقوم على تطبيق شرائعها والدفاع عن حوزتها وهو النظام الذي لم يألفه قطاع واسع من العرب فعاودهم بمجرد وفاته عليه السلام الحنين الى عهد البداوة ذاهلين عن أن الدين الجديد لم يأت مجرد دعوة دينية بل جاء أيضا مشروعا حضاريا نقل العرب وكثيرا من الشعوب قريبة عهد بالبداوة من طور بدائي في الاجتماع البشري، مستوى القبيلة، الى مستوى حضاري أرقى، مستوى الحياة المدنية ضمن نظام دولة. كما أن أولئك الناكصين الى قفر البادية ذهلوا عن الحقيقة الاجتماعية أن المستوى الحضاري الادنى لا يمكنه عاجلا أو آجلا أن يصمد في وجه المستوى الاجتماعي الارقى فهزم جيش الدولة الموحد جيوش القبائل المتفرقة. كما أنهم ذهلوا عن وصايا النبي عليه الصلاة والسلام الحضارية، ومنها نهيه عن التبدّي بعد حضر فذلك معدود في الدين الجديد من كبائر الذنوب « من ‏‏ بدا ‏‏ جفا ‏ ‏ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن وما ازداد عبد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا » (رواه أحمد). ومن ثم لا عجب أن مصّر الاسلام الأمصار حيثما حل ركبه، وازدهرت فيها التجارات والاسواق والعلوم والمعارف التي استقطبت خيرة العقول من كل الحضارات واجدة في الفضاءات الفسيحة التي فتحها من التسامح والتعددية والمناظرات في كل شأن مبتغاها في تطوير كفاءاتها وتثاقفها. وهل الحضارة غير فضاء فسيح من العدل والسماحة والتعددية وتوقير العلم والنبوغ والابداع؟  حتى أن مجتمعات الاسلام لم تعرف قط حروبا عرقية ولا دينية إذ الدين لم يتجسد ولا حل في مؤسسة أو شخص حتى يكون  ما وراءه فاقدا لكل شرعية مستحقا للابادة. هنا تحارب الناس واقتتلوا ولا يزالون، ولكن ليس على الدين وإنما على السياسة، تنازعا على  الحكم ومنافعه. وهي الثغرة التي ظلت حتى الآن مفتوحة، بسبب عدم التمييز أو الخلط المتعمد أو غير المتعمد بين ما هو دين ثابت لا يحل الاختلاف فيه وهو واضح بين. قال تعالى « إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء » (الانعام) وقال جل من قائل: « أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه » (الشورى). وقال عليه الصلاة والسلام « الحلال بين والحرام بين » (رواه البخاري) فليس في هذا المستوى اختلف المسلمون منذ عصر الاسلام الاول وإنما في السياسة، مما هو من أمور دنيانا كما دعاها صاحب الدعوة: مواطن اجتهاد العقول، من مثل ما يتعلق بشكل الحكم جمهوري؟  ملكي؟ كيف ينتخب الحاكم؟ لدورة أم أكثر؟ ضمن استفتاء عام أم بواسطة مجلس منتخب؟ ما هي شروط أعضاء المجلس وصلاحياتهم..؟ وأمثال هذه المسائل من شؤون الاقتصاد وتنظيم القضاء والتعليم وإدارة الحروب والعلاقات الدولية مما هو بطبيعته متطور واكتفى فيه صاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام بتوجيهات ومقاصد عامة تاركا لعقول المسلمين أن يجددوا التفكير فيه بما يناسب عصورهم في ضوء نصوص الدين ومقاصده مستفيدين من كل تجربة حضارية، كما أفاد صاحب الدعوة وخلفاؤه من التراث الحربي والاداري والاقتصادي والسياسي لحضارات عصرهم. ليس هناك نظام اسلامي جاهز، وإنما سلم قيمي قمين بتوجيه العقول وعصمتها من الضلال والضرب في التيه.

ولأن المسلمين قد ابتعدوا – دون وعي منهم بسبب ما أصابهم من تخلف حضاري – عن تعاليم دينهم فقد ضعف شأنهم واستطال عليهم أعداؤهم وعملوا فيهم تضليلا وتمزيقا حتى تعددت بهم السبل فعادوا لا يحسنون التمييز بين ثوابت دينهم التي يجب أن يعتصموا بها وبين مواطن الاجتهاد التي يحل لهم فيها الافادة من كل تجربة حضارية مثل شؤون الحكم. فهم بين منبهر بما عند الآخرين زاهد في كل إرث الامة وإن يكن من جوهر الدين وبين معرض عما لدى الآخرين حتى وإن يكن خبرة حضارية مهمة قدمت حلولا مجدية لمعضلات أرهقت ولا تزال البشرية ومنها حضارتنا مثل مشكل الحكم حيث ظلت الشورى الاسلامية، مناط حكم الامة، مفرغة من كل مضمون ولعبة في يد المتجبرين حتى طوّر الغربيون فكرة الديمقراطية مستفيدين من إرثنا الحضاري. وكان الأولى أن نرحب بهذا التطور ونثني على أهله خيرا كما أوصى صاحب الدعوة إزاء كل حكمة ونعتبرها بضاعتنا التي ردت الينا على اعتبار أولوية الحرية مقصدا عظيما من مقاصد الشريعة ومدخلا لا بديل عنه لكل إصلاح.

حري بالامة وهي تحتفي بذكرى ميلاد أعظم رجل في تاريخها بل في التاريخ الانساني، ودينه يتعرض لأخطر حملة تشويه وتزييف تربطه ظلما وعدوانا بكل ما تبغض النفوس من بشاعة وارهاب وعداء مستحكم لكل ما جاهدت البشرية من أجله من حريات ديمقراطية وحقوق للانسان ومكانة للمراة وللفنون وسلم وسماحة وتعددية، حري أن تتذكر على الاقل وصاياه الاخيرة التي هي بمثابة إعلان عالمي لحقوق الانسان يحث على الاخوة والتراحم والانتصاف للفقراء والمستضعفين والحرب على المتجبرين والمترفين والنهابين للارزاق، مذكرا بالاستعداد للقاء الله عز وجل موصيا بالنساء خيرا. ولنختم هذه التحية لمن أرسله ربه رحمة للعالمين في ذكرى مولده  بقطف من كلماته النيرة من خطبته التوديعية:

 » أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، بهذا الموقف أبدا. إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام الى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا. وأنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. وقد بلّغت. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها، وإن كل ربًا موضوع ولكن لكم رؤوس اموالكم.. أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا…. واستوصوا بالنساء خيرا.. فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا أمرا بيّنا: كتاب الله وسنة رسوله. أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفس منه. فلا تظلمن أنفسكم. اللهم هل بلغت؟ « قالوا :اللهم نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اللهم اشهد ». (سيرة ابن هشام)           

الثابت أن أمتك- يارسول الله ياحبيب الله بأبي أنت وأمي- ليست بالصفاء والقوة التي تركتها ولكنها – وهي تحت القصف الشديد – ليست فقط لا تزال شديدة الحرص على رسالتك بل تزداد بها وعيا ومن أجلها تضحية ويشتد الطلب عليها والأوبة الى رحابها حتى وسط عتاة العصاة، عدا فئة الحكام نسأل الله أن يتداركها برحمة فيريحنا بها أو يريحنا منها. إنّ صوت الأذان لا يتوقف في أيام الاسلام هذه لحظة. شمس الاسلام بصدد أن تشرق على عالم هو اليوم أحوج الى رسالتك من يوم بعثت بها وقد علا صوت القوة والطغيان على صوت الحق وتحولت الرذيلة شريعة والقوة مشرعا، وفي غفلة وتواطئ من الحكام دنست مسراك أقدام الغزاة القذرة غير أن الثابت أن أمتك لم تستسلم إلا لبارئها تقاوم وتتصاعد مقاومتها فتية وفتيات.. وهي توشك أن توقف زحف التدهور لتبدأ مسيرة الصعود، بدء بشد عروة  الحكم الخلل الاعظم في بنيان الامة.

صلى الله عليك ياعلم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم.

(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 23 أفريل 2005)