تستفيق تونس بعد سبات عميق، وبعد حالة من الإهمال الفكري والثقافي والتعتيم والتكتيم لفترة طويلة. ولست أبالغ إذا قلت أن الوعي الديني في تونس الزيتونة هي اليوم في الحطيط. ولعل تونس العربية المسلمة ذات الأغلبية المالكية هي في مؤخرة الدول الإسلامية لجهة الوعي الشرعي، فرصيد تونس من التعليم الشرعي كلية واحدة في تونس تدرس الثقافة الدينية (من البوذية إلى الإسلام)، ولا تدرس الإسلام أصولا وعلوما وفنونا. وبالمقابل يشهد الإسلام نصا وعلما وتاريخا هجمة شرسة من الأقلام والألسن العلمانية جهارا نهارا.
ورغم التغييب الطويل للعلماء والشيوخ والكتاتيب والأوقاف فإن الصف العلماني ينظر بتوجس وتخوف إلى « التيار الإسلامي »، يتخوفون على الديموقراطية والحداثة وحقوق الإنسان ومكتسبات المرأة. وحركة النهضة هي اليوم الموسوم الأول في تونس بلقب الإسلامي، ومع ذلك فرائدها « الشيخ » الغنوشي لا يفتأ يردِّد بأن حركته لا تحتكر الإسلام، وأن أحدا لم يفوضها للنطق باسمه في تونس. لكن الغنوشي وفي تصريحات وكتابات كثيرة يعطي لنفسه حق الفتوى، فيقول مثلا عن حرية المعتقد المنصوصة في ميثاق هيئة 18 أكتوبر أن الإسلام لا يمنع من ذلك، فالغنوشي بالنسبة للعلمانيين ليس إلا الممثل المباشر للإسلام.
« الإسلامي » إذاً صفة يطلقها العلماني الرسمي والمعارض على المنتمي لحركة النهضة، وقد كانوا قبل نظام بن علي يطلقون بدلا منها جملة من الألقاب، منها: الخوانجية والخمينيين والطائفيين والخوارج والإرهابيين. الإسلامي إذاً ليست نسبة إلى الإسلام من حيث هو دين سماوي دستوره القرآن وأسوته الرسول صلى الله عليه وسلم وقوانينه الشريعة الغراء. وليس الإسلامي كذلك صفة لخيار سياسي ملتزم بنصوص الإسلام العقائدية والشرعية، لأن حركة النهضة لم تصرح يوما بأنها تريد في حال وصولها إلى الحكم تطبيق الشريعة الإسلامية.
قد يقول قائل بأن التيار العلماني وقف ضد بعض مشاريع « الأسلمة » للدولة والإعلام التونسيين حين انتقد إشراف صخر الماطري على إذاعة الزيتونة وبنك الزيتونة، لكني أذكّر بأنه لا صخر ولا العاملين معه وصفوا بكونهم إسلاميين.
بعد هذا يمكن أن نخرج بنتيجة أن مصطلح « الإسلامي » هو لقب أطلقه العلمانيون على المسلم المنتمي لحركة النهضة الذي يحاور أو يعارض العلماني وينافسه في ساحات الفكر وفي أوساط النخبة المثقفة. فالرفض العلماني لما هو ديني بالغٌ مبلغَه، إذ العلمانيون يضِيقون بذي السَّمت الديني، المتخلق بأخلاق الإسلام وإن لم ينطق بآية أو حديث. إن هذا اللقب تعبير فاضح عن منتهى التطرف العلماني في رفض كل ما يمت للإسلام بصلة.
إن حركة النهضة ممثلة في شيخها الغنوشي حين توقع على عهود أو اتفاقات هيئة 18 أكتوبر، وحين تصف مجلة الأحوال الشخصية دون استثناء لبعض نصوصها بأنها اجتهاد إسلامي، إنما تقول ذلك انطلاقا من تصورات الائتلاف العلماني – النهضوي المعارض، وليس انطلاقا من ضمير الشارع التونسي المسلم، ولا استنادا لنصوص الإسلام، ولا استئناسا لاجتهادات المجتهدين قديما أو حديثا. هي فتوى سياسية على مقياس العلمانية التونسية، والرقابة الغربية، والضرورات النهضوية، وفريق النسوانجية البورقيبية وأبنائهم غير الشرعيين. ولو كانت فتوى شرعية لما سكت عنها علماء الإسلام في المشرق أو المغرب، إن راشد الغنوشي مع احترامي لنهجه الانفتاحي السلمي، ليس من المجتهدين ولا من الأصوليين ولا من الفقهاء ولا حتى من علماء الإسلام، إنما هو زعيم مسلم معارض لظلم السلطة التونسية على مدى أكثر من أربعين عاما.
وقد يظن العلمانيون أنهم في ساعة من غفلة وضعف الإسلام في تونس أمكنهم أن يحِلوا حراما أو يحرموا حلالا، لكنهم سيقفون أمام صخرة تأبى التحطيم، صخرة تحطمت على سطحها فلسفات الغرب قاطبة وخشعت لتماسكها وصلابتها دعوات هدامة على مر الدهور والأزمان، ألا وهي القرآن الكريم، فالشعب التونسي عربي مسلم برغم المشككين والمحرفين والمرجفين وسيعي نصوص كتاب الله العزيز وسيلتزمها ويطبقها مهما أفتى السياسيون وافترى العلمانيون. إنني أطالب وأدعو من خلال منبر تونس نيوز الحر لأن لا يكون لاتفاقات هيئة 18 أكتوبر أي اعتبار في اختيار أعضاء المجلس التأسيسي وفي كتابة الدستور الجديد. وأطالب بضرورة عرض ما ادُّعِي أنه من مكتسبات المجتمع المدني بالتساوي مع اشتراط أمانة من يتقدم لحكم تونس على دين الناس كما على دنياهم، حتى لا ننعت إنجازات النظامين السابقين السياسية والاقتصادية بالفساد ثم نزكي الإنجازات الثقافية العلمانية المعادية في كثير منها لصريح دين الدولة والشعب.
وأدعو من خلال منبر تونس نيوز إلى حرية الدعوة والبيان في وسائل إعلام الدولة وفي المساجد. فالإسلام الذي هو أعظم مكتسبات التونسيين منذ قرون يُطعن في الصميم ويشكك في نصوصه وأحكامه بدعوى الحداثة والديموقراطية التي لم نر منها شيئا بعد، ويراد لديننا بالمؤتمرات والندوات والحوارات « السياسية » أن يكون شأنا فرديا لا علاقة له بالشأن العام، وهو ما يعد مخالفة شرعية تاريخية عظيمة تسجل على حساب ثورة الشعب التونسي المسلم. لبيب الفاهم
هيلاري كلينتون في تونس : عين على نفط ليبيا …مماطلة محسوبة… وانتظار للحسم
بقلم: محمد بوعود انطلقت أوّل أمس الأربعاء، زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للمنطقة، بعد مرورها على باريس في طريقها إلى كل من تونس ومصر. وتأتي هذه الزيارة، في ظرف زمني وسياسي معقّد تشتدّ فيه التجاذبات داخل مؤسسات القرار الدولية، بين رافض للتدخّل العسكري في ليبيا، وبين مناد بضرورة ذلك، وفي أسرع وقت ممكن.
زيارة كلينتون تكتسي أهمية بالغة، نظرا لعدة معطيات سياسية وعسكرية وأدوار يجب أن تلعبها دول الطوق، من أجل تسهيل تدخّل الإدارة الأمريكية في ليبيا ومن أجل أن تتجنّب أكثر ما يمكن من خسائر، سواء مالية وبشرية، أو خسائر على المستوى السياسي، خاصة وأن الانتخابات الأمريكية لم يبق لها كثير من وقت.
*عين أمريكا على النفط
لم يدر بحسبان الإدارة الأمريكية، رغم علمها المسبق وتورّطها الأكيد في أحداث الانتفاضة الليبية، أنها ستتحوّل إلى حرب مسلّحة، وأنها ستستمر كل هذا الوقت، لقد كانت تعتقد أن نظام الزعيم الليبي لن يصمد طويلا أمام الهبّة الشعبية، وأن الأمور ستُحسم بسرعة لصالح الثوّار، وسيبقى حال الغاز والنفط على حاله.
لكن قدرة النظام على الصمود، وعودته للمسك بزمام الأمور ميدانيا، أربك حسابات أمريكا، وأدخل بلبلة كبرى على أسواق الطاقة في العالم، وجعل واشنطن تعيد حساباتها.
فالنفط الليبي ليس باليسير، ومكانته في السوق العالمية ليست بالبسيطة ولا الهيّنة، ولا يمكن تعويضه، خاصة بعد التهديدات العلنية التي أطلقها الزعيم الليبي معمّر القذافي ونجله سيف، بخصوص مصير آبار النفط وحقول الغاز، في صورة حدوث أي تدخّل عسكري أجنبي.
فأمريكا لا تستطيع، في كل الأحوال، الاستغناء عن السوق الليبية وليس للعالم بديل عنها، إذا ما تعرّضت للتدمير أو الحرق، أو وقعت تحت أيدي جماعات متطرّفة، وهو أمر يؤرق الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين، خاصة ايطاليا وألمانيا اللتان تعتمدان على موارد الطاقة الليبية بشكل كبير. وقد ظهر جليا موقفهما المعارض لأي تدخّل عسكري، كما عارضت من قبل كل من روسيا والصّين، مسألة استصدار قرار من مجموعة الثمانية يقضي بفرض حظر جويّ على ليبيا.
السيدة هيلاري كلينتون، سوف تبحث إذن، في تونس ومصر، بعد مرورها بباريس طبعا، اعتمادا على ما لهذه العاصمة من تأثير على البلدين، سوف تبحث كل الامكانيات التي باستطاعة كل من البلدين تقديمها لتأمين قواعد تحرّك آمنة ضدّ ليبيا، سواء لناحية العمل العسكري، أو لناحية اقامة مناطق لجوء محاذية للحدود الليبية يمكن استعمالها يوما آخر ضدّ النظام الليبي.
وتتجلّى النظرية الأمريكية في الاحاطة بليبيا وتطويقها من الشرق والغرب، بعد ضمان الحدود الجنوبية التي تسيطر عليها فرنسا في التشاد والنيجر، وهذا الطوّق الذي تحاول الادارة الامريكية فرضه على ليبيا، من خلال الضغط على كل من تونس ومصر، لجعلهما يعملان على إحكام الطوق عليها، وإضعافها، وبحث كل إمكانية لمساعدة المتمردين ودعمهم إعلاميا وسياسيا، ومحاولة جعل العاصمتين تعترفان بما يسمى مجلس قيادة الثورة في بنغازي، اقتداء بما فعلته فرنسا وجامعة الدول العربية، في خطوة رأى فيها الكثير من السياسيين والمراقبين أنها كانت متسرّعة ولم تراع الوضع الميداني على الأرض.
وتعتبر هيلاري كلينتون أن تردّد كل من تونس ومصر في دعم الثورة في ليبيا، غير كاف، وأنه على البلدين أن يساهما بفاعلية أكبر في إسقاط النظام الليبي، خصوصا بعد الصمت المطبق الذي ميّز مواقف الجزائر وتشاد والنيجر والسودان، وهي البلدان التي تحيط بليبيا، وتربطها علاقات جيّدة مع طرابلس.
*مماطلة أمريكية محسوبة
ما يجري في كواليس مواقع صنع القرار في الغرب، يبدو غامضا ويتميّز بوجود تناقض كبير بين مواقف أعضائه من مختلف المقاربات التي تصبّ في التدخل الأجنبي في ليبيا. فإضافة إلى المعارضة الروسية الصينية لقرار الحظر الجويّ، ومعارضة المانيا وايطاليا للضربات الجويّة، واستفراد فرنسا، بدعم تقليدي من بريطانيا، بالمضيّ قدما في كل الخيارات المتاحة ضدّ ليبيا.
وباستثناء الاعتراف اليتيم من فرنسا بمجلس قيادة الثورة، وتلك الدعوة البلهاء من جامعة الدول العربية لفرض حظر جوي على ليبيا، فان بقية المواقف، سواء الأوروبية أو الأمريكية، تظلّ تراوح مكانها في عدم الرغبة في التورّط في حرب لا يعرف نتائجها أحد من ناحية، وكذا الحيلولة دون انتصار النظام على المتمردين من ناحية أخرى.
وهذه المماطلة، محسوبة طبعا، فالإدارة الأمريكية تعرف جيّدا أن أي خطوة متهورة من جانب الغرب والولايات المتحدة، ستجعلها هدفا لغضب شعبي ليبي وعربي وعالمي، دون أن تحقّق لها نتائج ايجابية، وربّما قد تخسر فيها أكثر بكثير مما تجنيه.
في انتظار الحسم الميداني
ما حقّقته القوات الليبية الموالية للنظام من انجازات ميدانية في الأيام القليلة الماضية، جعل الجميع يعيد حساباته، فقبل أربعة أيام كان المتمردون في تاجوراء على أبواب طرابلس، أما اليوم فقد دحرتهم القوات الليبية بعيدا جدا إلى الشرق خلف جدابيا.
هذه المعارك، التي أثبتت ميدانيا أن المتمردين لا يتمتعون فعلا بهذه القوة والكفاءة التي تروّجها عنهم وسائل الإعلام، وان بإمكان القوات الموالية دحرهم بالكامل. كما أثبتت المعارك الأخيرة أن النظام استطاع أن يمسك بزمام المبادرة، وأن يقلب الأوضاع الميدانية لصالحه، كما استطاع أيضا أن يتدارك الأوضاع سياسيا وإعلاميا وتعبويا، ويبسط سيطرته من جديد على الأوضاع عامة.
وهي معطيات كلّها تمكّنت من جعل القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة تنتظر الحسم وتترقّب لمن ستؤول الأمور ميدانيا، حتى تعيد حساباتها وتراعي مع من ستكون مصلحتها.
(المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 177 بتاريخ 18 مارس2011)
الإصلاحيّون العرب بين القول والفعل
بقلم المولدي الشاوش الفكر الإصلاحي العربي، مر بعديد المحطات التي أثرت فيه سلبا أو ايجابا ، من الدعوة الوهابية في القرن الثامن عشر، والى يومنا هذا ، حيث تطور الفكر الاصلاحي العربي ، وأصبح له عديد الأوجه والطموحات في حياتنا الإجتماعية ، والثقافية ، والسياسية ، والإقتصادية بأوطاننا مشرقا ومغربا ، ومهما شح هذا المد الإصلاحي ، لا يخلو عصر من العصور ، وإلا ويظهر فيه فرد أو جماعة تدعو إلى ترميم حياة الناس، مما علق بها من آثار الجهل والجمود و الانغلاق ، من أجل القبول بالفكر النير، الذي يسهل الحياة ويفتح الدروب الواسعة، التي ضيقها من كان فكره متحجرا، لا يدرك مقاصد الشريعة الإسلامية، وما ترمي إليه من فكر جاد، ميزته الوسطية ، وتحقيق مصالح الناس، في بناء الذات والأوطان ، ودون تصادم مع عقيدة القرآن ، والهدف واضح . اذ الإصلاح هو كل ما يبعث على الصلاح والنفع للفرد والجماعة، والرقي بالفكر المعرفي، ومد جسور التواصل بين الناس، حتى تكون العلاقات مبنية على القيم الأخلاقية السامية ، التي تمتّن المعاملات الإنسانية في شتى فروعها وما أكثرها ! هذا باختصار ، ما كان يرمي اليه الفكر الإصلاحي العربي في خطواته الأولى . اذ يكاد لا يخرج عن المفاهيم الدينية وأحكامها حسب السياق التشريعي العام ، وما تخللته من اجتهادات عبر العصور، من هذا الفقيه أو ذاك ، لأن الشريعة الإسلامية لا تتصادم مع مصالح الناس في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها ، وحكمة كلها . كما اثبت ذلك ابن قيم الجوزية في كتابه إعلام الموقعين ج 3 . اما هل نجح هذا الفكر في جانب ، واخفق في آخر ؟ هذا موكول للمؤرخين والمنظرين على مر التاريخ ، وهذا ليس ما يشغلنا اليوم ، انما الذي أريد مناقشة قراءنا الأعزاء فيه ، هو القرن الذي يعتبر من القرون الذهبية بالنسبة للغرب ومن ماثلهم من نمور آسيا وغيرهم حيث هم الذين نالوا القسط الأوفر من النمو، والدخول إلى القرن الواحد والعشرين وهم في أوج الرقي والإزدهار قبل عديد الدول التي احلت كثافة سكانها ومساحاتها اغلب المناطق الجغرافية على الأرض ، والذي قادهم إلى هذه الفسحة الحضارية ، هو تعلقهم بالبحث العلمي الجاد، الذي طوّع لهم فك رموز التكنولوجيا والإنتفاع بها في خدمة شعوبهم، بما وفروه من اختراعات وانجازات علمية رائدة ومثيرة احيانا للأذهان وكأنها ضرب من الخيال ، اذ غزوا حتى الفضاء الخارجي، ونزلوا فوق سطح القمر، ودرسوا عديد الكواكب والأقمار والمذنبات المرئية وغير المرئية في السماوات العليا، ودرسوا بعضها دراسة مستفيضة، في كشف أغوارها وأسرارها، رغم ما يحيط هذه الإكتشافات من مفاجآت خطيرة ، إلا أن ذلك لم يثن عزائمهم الصّلبة ، رائدهم في ذلك توسيع دائرة البحث العلمي ، انه لعمل جادّ ورائع ، أضاف للبشرية رصيدا من المعارف كانت مجهولة ومعتمة . كما حققت هذه الأمم نجاحات في مختلف الميادين، والتي لوعددناها لضاق بنا المجال. فهذه الثورة العلمية المكتسبة لم تأت من فراغ، بل هي نتاج الدعوات الإصلاحية على امتداد قرون ، والى اليوم، والتي تزعمها الرواد من أهل الفكر المتألقين من فلاسفة ، وعلماء ، ونقاد ، ومنظرين والناتج معانقة الإبداع العلمي والتكنولوجي، من بداية اختراع المحرك البخاري، والقطارات، والغزل، والنسيج، والطائرات، والمركبات الفضائية وانتهاء بثورة الحواسيب ومحيط المعلومات الزاخر والمذهل في أدائه لعديد الوظائف وبامتياز، وكذلك الهاتف الجوال اعجوبة القرن العشرين والذي تطور أخيرا إلى ما يسمى بالهاتف الذكي متعدد الخدمات والوظائف، والذي لا يزال في بداية تسويقه سنة 2011 وأخيرا وليس آخرا تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين والتي تعرف ب »تكنولوجيا النانو » يقول الدكتور والباحث التكنولوجي مـحمد شريف الاسكندراني في كتابه تكنولوجيا النانو نشر عالم المعرفة الكويت عــــــــ374ــــدد أبريل 2010 كلمة : النانو هي بادئة منحوتة من اللغة اليونانية القديمة وتعني » قزم Nanos » وفي مجال العلوم يعني النانو جزءا من مليار ، فمثلا نانو ثانية ، وحدة لقياس الزمن وتختصر Nano sec يعني واحد على مليار من الثانية الواحدة وبالمثل يستخدم النانومتر الذي يختصر nm كوحدة قياس أطوال الأشياء الصغيرة جدا التي لا ترى إلا تحت المجهر الإلكتروني ، وتستخدم هذه الوحدة للتعبير عن أقطار ومقاييس ذرات وجزئيات المواد والمركبات والخلايا والجسيمات المجهرية مثل البكتيريا والفيروسات ، والنانو متر الواحد يساوي جزءا من ألف مليون (مليار) جزء من المتر او بتعبير آخر فإن المتر يحتوي على مليار جزء من النانومتر… وقد أدى هذا من التمكن من تصغير مكونات الترنزستورات لمستوى النانو إلى تضاعف كبير في سرعة وكفاءة الحواسيب، وزيادة قدرتها في تخزين المعلومات والبيانات . وهذه التقنية كما أشار المؤلف إلى تطبيقاتها المستقبلية زيادة على ما ذكرنا سوف تقتحم مجالات الطب والطاقة والغزل والنسيج وتكرير البترول والمنتجات الغذائية من بداية زراعتها إلى تجهيزها وتعبئتها والقائمة طويلة، أليس هذا مذهلا حقا ؟! بينما العرب لم يتحركوا قيد أنملة نحو الأفضل ، بولوج باحة العلوم والتعمق في أغوارها ، رغم الغنى الفاحش الذي عليه الخليج ، ومن ماثلهم في مناطق أخرى ، لكن هذه الأموال التي هي ملك للشعوب المكبوتة وليست لأصحاب السلطة والجاه لكنها للأسف تبدّد في الإستهلاك المفرط والآتي من وراء البحار ، علاوة على المآرب الخاصة ، وشراء الأسلحة والطائرات بمختلف أنواعها بأثمان خيالية ، ولقائل أن يقول : لمن تشترى ؟ هل سيحاربون بها « اسرائيل » ؟ طبعا لا ولا، اذن ما فائدة هذا الكم الهائل من الأسلحة ؟! الذي سيكون مآله الصدأ والعدم مثل سابقه وتبقى الخسائر المرة للشعوب المكلومة، والغنائم الباردة للغرب الكاسر .
والى جانب شراء الأسلحة ، هناك تبديد فاجر لأموال الشعوب من طرف السلاطين والأمراء وغيرهم في بناء الأبراج المسرفة في العلو ، في الصحاري والبحار، هذه الإمارة ، أو تلك ، وقد تعرضوا للنقد اللاذع من عديد العلماء والمفكرين العرب .
أليس أجدر بهؤلاء وغيرهم أن يستثمروا هذه الأموال في العلم والثقافة ؟ بتأسيس مدينة علمية رائدة ينهل من حياضها المتفوقون من الجامعات العربية على الأقل ، وبذلك بتخريج العباقرة من العلماء والمبدعين والمبتكرين والمخترعين الذين يوسعون من المساحات الضيقة في حياتنا وما أكثرها !!! وعسى أن يكون هذا باعثا لصقل مواهبنا والدخول بها إلى عالم الحداثة من بابها الواسع ، خاصة ونحن على أبواب العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، ونحن لا نزال نعاني الجفاف والتصحر الفكريين لاننا لا نبرح راضخين إلى توجه عصيم يدعي امتلاك الحقيقة لوحده والذي أدى بنا إلى الخضوع التام إلى خطاب سياسي واحد في وطننا العربي ، وهذا لا يدعو إلى التفاؤل ما دمنا لا نستمع إلى الرأي المخالف ، لأن النقد البناء هو الذي يقربنا من الفكر الإصلاحي والديمقراطية وبالتالي توسيع الآفاق .
هذه ناحية ، ومن ناحية أخرى ، يجب أن نحد من هجرة الكفاءات العلمية إلى الغرب التي يستغلها هذا الغرب دون أن يدفع في تكوينها دولارا واحدا . لماذا هذا الإنهيار المتواصل للإصلاحيين من العلماء والمفكرين العرب ؟ الذين يعيشون التهميش ، وليس لآرائهم التنويرية في مختلف المجالات وزن من أصحاب القرار ، زد على ذلك التشرذم والنزاعات التي عليها أقطارنا مشرقا ومغربا، والذي عمق فينا هوة التخلف ، اذ لا روابط قومية جادة بيننا ، تربط الجميع بعضهم ببعض ، حتى يؤدوا واجبهم من أجل الرفع من مستوى هذه الشعوب في عديد المجالات خاصة في الميدان البحثي والترجمة اللذين هما حجر الزاوية في كل إصلاح .
فلنغرس في عقول الناشئة منذ الصغر ، حب العلم والتفوق فيه ، لكي نصل إلى المأمول ، ونحقق أهدافنا ، بإنجاب جيل من الشباب يشعر بأن دوره كبير في وطنه العربي باعتباره الركيزة الأساسية في البناء الفكري والتنموي ، لأن الرضا بالوضع البائس كساد لنا وبوار ، ولأن الحياة في كل الأقطار في سباق مع الزمن من أجل اكتساب القدرة على الإبداع وقهر التخلف .
وهذا لا يتحقق إلا بإتباع المفكرين الإصلاحيين العرب الذين ملأوا الساحات الوطنية والقومية بأفكارهم النيرة من خلال ما نشروه من مقالات صحفية وكتب عديدة ، كلها ترمي إلى معالجة الجسم العربي الذي أصابه القصور والترهل منذ قرون ، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ، إذ لو عددنا أسماء هؤلاء لضاق بنا المجال، إذ كل واحد منهم يمثل مدرسة إصلاحية بذاته ، حبذ لو وقع استغلال ذلك على الأرض لذللنا الصعاب وقهرنا التخلف الذي لازمنا طويلا .
الا أن أنظمتنا العربية وشعوبنا البائسة ما تزال قانعة بجهلها وبرصيدها الثقافي الموروث منذ قرون ، والمعرفة عندها لا تتعدى حدود تأمل هذا التراث وما سجله الأولون من أفكار تجاوزتها السنون ، ومن ثم العزوف عن التجديد والإبداع والتألق وهكذا يبقى زماننا امتدادا متجانسا خاو من المحطات الهامة التي تخفف من تخلفنا الذي لازمنا طويلا .
» ان احصائيات السنوات الخمس الماضية قد دلت على أنه تم نشر ما يقرب من 305 ملايين ورقة بحث علمية وتكنولوجية كان نصيب دول الإتحاد الأوروبي منها 37% والولايات المتحدة 34% وآسيا الباسفيك 21% والهند 20% واسرائيل 10% بينما اكتفت أكثر من 22 دولة عربية بنشر أقل من 1% من مجموع ما نشر من أوراق بحثية » عن كتاب العربي الكويت العدد 67 يناير 2007 الباحثة ميثاء الشامسي .
من هذا المنطلق لا بد من مراجعة عامة لسلوكنا بهدف إيجاد أرضية خصبة لإنتاج جمهور قادر على البذل والإنجاز وهضم الأفكار ، ومناقشة القضايا ذات الصلة بالمعارف وتوسيع الحياة .
لقد آلمتنا وسائل الإعلام أخير حيث نعت لنا العديد من الإصلاحيين العرب الذين فارقوا دنيانا دون أن يروا بلادهم العربية وقد غمرها الفكر النابه والرفاه المادي والمعنوي بعد الجدب المريع في مختلف المجالات .
فقد غادرنا المفكر الجزائري محمد أركون الذي حمل لواء الفكر المستنير ، وصاحب الدعوة للحوار من أجل الإقتراب من كل ما يوسع من رصيدنا المعرفي وفرض وجودنا على الساحة الدولية .
كما غادرنا المفكر المغربي محمد عابد الجابري ، الذي واجه الفرنسة صونا للهوية العربية الإسلامية وقد عاش حياته داعيا للإصلاح والتغيير الإيجابي في نمط الحياة العربية .
كما رحل المفكر المصري الدكتور والفيلسوف فؤاد زكريا الذي ركز بحوثه على الفكر العلمي الذي يعتبره هو الفيصل لتخليصنا من أمنيتنا في هذا الميدان الحساس والذي لا حياة لنا بدونه .
فهؤلاء الأعلام الذين غادرونا حديثا وخلفوا في نفوسنا اللوعة و الآسى ، لكن عزاءنا أنهم فارقونا أجسادا ولم يفارقونا أرواحا ، لأنهم تركوا بصماتهم شاهدة عنهم في كتبهم العديدة وبحوثهم الرائعة التي سجلت فكرهم الجاد الذي لو سرنا على منواله لسجلنا قفزات رائدة نحو الضياء والشموخ ، وقهر المعوقات التي كبلتنا أجيالا وأجيالا .
وعزاؤنا أيضا يبقى في تلاميذهم ومريديهم الذين تشبعوا بأفكارهم النيرة والذين سيحملون الأمانة إلى الأجيال الحاضرة حتى تكون أكثر نهضة من الجيل السلف لأن جيل هؤلاء الأعلام السابقين ومن سار على هديهم من العلماء، والمفكرين، والأدباء، والشعراء الحالمين، لم يحققوا آمالهم بما كانوا يحلمون به من عزة وكرامة وتقدم للأمة العربية في مختلف نواحي الحياة .
إن القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين لم يحمل للأمة العربية الا المصائب والنكبات من احتلال فلسطين من طرف الصهاينة إلى احتلال العراق ، والى حروب لبنان وغزة ، وصولا إلى الإرهاب بالجزائر واليمن والصومال …
وما يجري الآن في السودان من مؤامرات الإمبريالية من أجل تفتيته وتأسيس دولة عميلة مثل إسرائيل في جنوبه، وهذا يعتبر من أعظم وأفضح التحديات الموجعة التي ترتكبها الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط ، والذي تريد تحوله إلى دويلات عميلة وساحات للحروب والصراعات الطائفية والدينية وبدون نهاية ، وهذا يجري ويا للأسف باسم الشرعية الدولية.
هذا هو الواقع المرير الذي يمارس على العرب بعد رحيل عبد الناصر والشهيد صدام والذي أوصلنا إلى هذا هو ضمور عقولنا التي أبت التأقلم مع مستجدات العصر ثقافيا،واجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا، ولازمتنا العطالة الفكرية قرونا أدت بنا إلى العزوف عن الإبداع والتجديد ، وتوقفت بوصلتنا عن الحراك ، ونحن نعزي أنفسنا بالماضي الذي أدركه التلف والذبول ، فمتى يعود وعينا ، وتتحرك بوصلتنا من جديد ونقابل التحديات بالإرادة القوية التي تقهر المستحيل . (المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 177 بتاريخ 18 مارس2011)
مات الملك ..عاش الملك
بقلم حياة بن الشيخ أخيرا ترك الشعب التونسي غرفة الإنعاش ليعود إلى الحياة الطبيعية نفض عنه غبار الصمت الذي حجب عن عينيه نور الحياة لأكثر من نصف قرن . بقيت الشعوب العربية المكبوتة مثله منددة بغيبوبة العالم العربي وعظامه توشك على التفتت وهي في قبضة الجبابرة . استفاقت الشعوب فتعرت الحكومات، حل الفراغ مكان الطمأنينة التي فرضتها وسائل القمع والقهر على هذه الشعوب الجريحة الغاضبة الطغاة يحلمون دوما بمدينة الأصنام أصنام جامدة لا تتحرك لا تضحك ولا تبكي ولا تهدد مكائد الغزاة ما دامت الأصنام في مكانها جامدة فلا خوف على المستبد الطاغية ليس هناك من كان يتصور زعزعة هذه الأصنام زعزعها الحدث قبل اليد فانطلقت بعد أعوام الركود والجمود مطالبة بالحياة مادام للحياة بقية . في انتصار الشارع التونسي في فرض كلمته ذعر وخوف لجميع الأنظمة العربية المستمدة قوتها من خمول الشعوب وضعفها الوراثي .هذه الأنظمة المتمسكة بالحكم عنوة دون حق أو شرعية الكل يحلم بترهات الحكم مدى الحياة مع توريث الأبناء . فقدت الجمهوريات معناها لتحل محلها سطوة التوريث بدفع الابن إلى نفس المصير والطريق الشائك » مات الملك عاش الملك » والحياة تسير بالجميع وجلة غير مقتنعة بما يجري لكن مع ذلك سائرة خائفة من لحظة انفجار الأسعار في غلائها تعلو إلى السماء والدخل الشهري دوما في انخفاض إلى أن وصل إلى الحضيض فاضطر الجميع للعيش في الخنادق كالجرذان بل هي حقا جرذان آدمية تبحث عن مخرج للهروب من الوحل دون جدوى والقطط تزداد سمنة وتخمة وانطلاقا . لكن كما لكل شيء نهاية أيضا العالم مذعور من انتفاضة تونس الناجحة لكن الجماهير العربية في كل مكان فرحة، أخيرا فتحت زنازين الرعب لتدخل عنوة عصر الشراكة الحقيقية . « شركاء نحن على هذه الأرض لا أجراء » كلمات رنانة لم تتخذ مكانها في عالم النهب والاستغلال والنفوذ وسطوة الحكم والرشوة. الأسطر تعبة والقلم تعب مما يكتب وأنا أكثر تعبا من المسنين التي عاشتها راضية او رافضة المهم سرت معها أبعدتني عن الحياة وكي تهب هذه الحياة لغيري كأن الحياة جاءت لتكون من نصيب البعض لا غير ومن بقي فما عليه إلا الموت إن أراد الحياة . مرت ثلاث وعشرين سنة وانا ميت يسعى كبقية الشعب أجد اللّقمة بصعوبة لا احد يجد ما يريد في هذا البلد المراوغ المستكين للطغاة الغاصبين . يدان خاويتان وفكر مشوش وإرهاب الكراسي يزداد سطوة وعنفا إذ في صمتنا قوة لهم وفي استكانتنا تخمة وبهجة لهم لا سند لفقير يعوي ألما لكن المساندة دوما للأنظمة الحاقدة على شعوبنا والمتلاعبة بمعاناة شعوبنا يشحذون باسمنا لكن العملة الصعبة تجد دوما مكانها في البنوك الخارجية وهي تخشى الاختناق بتلوث الهواء الداخلي الفاسد . لكن ما دور الولايات المتحدة وما مدى انزعاجها حين يسقط الحلفاء والعملاء ؟ أمريكا ومعظم الدول الأوروبية كانت دوما مساندة للأنظمة الدكتاتورية لان هذه الأنظمة هي ضمان بقاء الاستعمار والعنصرية فاستمرار الخضوع والتركيع حماية لسيطرة أمريكا على العالم الثالث عالم الفقر والصمت والخوف الدائم من الحاكم . فحلم السيطرة ما زال يراودها وهي كأغلب الأنظمة العربية تخشى صحوة الأصنام كما تخشى نفض الأتربة عن ذاكرة الشعوب كي لا تستفيق هذه الشعوب مطالبة بحقها في اتخاذ القرار وحرية التعبير والمزيد من المشاركة والحوار . الديمقراطية حق مكتسب للمواطن الأمريكي لكنها الثمرة المحرمة للمواطن العربي الذي لم يعرف غير القمع والإرهاب وان تغنى الجميع بتفتح أزهار الحرية والاستقلال التربة التي أخصبتها فالحرية بقيت حكرا على الغرب والإنسان الأمريكي هو جدير بما حرمنا منه طوال العمر حتما هو كذلك ما دام في العالم العربي من استعد للسجود والركوع والخضوع معتقدا أن خلود الكراسي ونعمة السلطة لا تكون إلا من خلال ركوعه لأكبر دولة عنصرية وان ادعت الحرية والديمقراطية . تزعزع تمثال الحرية في ساحة منهاتن لكنه عاد بشموخ ليستعيد مكانته بعد فتور أحداث 11 سبتمبر 2001 . يبقى الخطر الحقيقي الذي يواجه الاستعمار ككل يقظة الشعوب، صحوة الموتى الأحياء لمطالبة الجلادين بنصيبهم المغتصب ومحاسبة الجبابرة بعد أن اشتد عودهم فأصبحوا أقوى وألعن من الجبروت نفسه . ما يجهله الحكام العرب هو موقف أمريكا المتناقض والمنحاز للطغاة الذين ما زالوا وقوفا يجلدون شعوبهم بفخر واعتزاز لكن ما أن يقع الطاغية حتى تتسلل أمريكا هاربة من الحلبة لتقدم الشهية من بعيد للقادم الجديد هذه سياسة أمريكا المحلاة بديمقراطية مخادعة وحرية مزيفة . الوقوف بجانب الطاغية لا البكاء عليه سياسة المصالح لا تتقبل العطف ولا النواح وهي كدولة واقعية لذا لا داعي للمواقف السلبية المتخاذلة. وقد سمعنا بما وقع لحكومة مصدق وتأميم البترول وفرض الحماية الأمريكية على الشاه رضى البهلوي ليظل أسير السياسة الأمريكية انهزم شاه إيران أمام السطوة الأمريكية من أجل عرشه فقفز على نفسه بالخضوع الدائم وقضى على شعبه بالذل الدائم. لكن حين قامت الثورة الدينية التي قادها الخميني فشل الشاه في إطفاء لهيبها كما فشلت المخابرات المركزية الأمريكية في مواجهتها . رجل سقط وإن كان إمبراطورا تركته أمريكا وأسقطته المخابرات الأمريكية من حساباتها رحل على مصر ليعيش لاجئا حاملا دكتاتورية ميتة ليأتي الخميني منتصرا والدكتاتورية الدينية تتبعه. دكتاتورية فشلت أمريكا في احتوائها أو في السيطرة عليها ولا ننسى أزمة الرهائن فقد كانت وصمة ذل لأكبر بلد في العالم ولو لا حكمة الرئيس جيمي كارت لشهد العالم أفظع حرب عرفتها الإنسانية. تقابل العميلان في مصر الشاه والسادات ( الاثنان من أشذّ أعداء ناصر والعروبة) ومن أقرب أصدقاء أمريكا وإسرائيل لكن ما تفعل أمريكا بشاه انتهى أمره وما تفعل إسرائيل برجل لا بلد وبلا تاج أو صولجان؟ إن مات الشاه لاجئا بعد أن ضاع الملك وخدعته أمريكا مات السادات قتيلا شطب اسمه سريعا من قائمة العملاء لنبدأ البحث عن عميل غيره تعاويذ العزيز هنري كيسنجر مكشوفة ومخادعة والحماية الأمريكية تتلوّن كالحرباء حسب المصالح. واليوم ما أمر أمريكا مع من سقط وقد كان أحد صروحها وهو زين العابدين بن علي. بارك الرئيس الأميركي الانتفاضة التونسية لكنه لم يمد يده لانتشال جثة من وقع كالعادة اكتفت بمتابعة الأحداث وهي دوما المنتصر . لم تصنع الحدث لذا فالمواجهة أضمن سياسيا هكذا كان موقف فرنسا والرئيس ساركوزي التجاهل بعد المباغتة وما زالت الأحرف تلاعب آذان الجميع : « مات الملك .. عاش الملك » قتلت أمريكا صدام حسين ( شنق الشهيد لإرضاء مجنون البيت الأبيض الرئيس جورج بوش ) وقد جاء صدام إلى ساحة الحكم وهو صديق أمريكا وبريطانيا وعلاقته الاقتصادية جيدة مع رئيسة الوزراء آنذاك ألقى بنفسه في أتون حرب دامت ثماني سنوات مع إيران المجاورة دون أن .يجني ثمارا إنما لمجرد إرضاء أمريكا التي كانت خلف هذه الحرب لتدمير العراق وإيران في نفس الوقت وكسر شوكتها في نفس الوقت وقد كان من أقوى دول الخليج وأمريكا وبريطانيا ترفضان أية قوة يمكن أن تعجز عن السيطرة عليهما. ما كانت مهزلة الدمار الشامل غير ذريعة تخلصت بها أمريكا من صدام حسين بعد أن رفض المزيد من الانحناء. وها هي اليوم تسعى مع حليفة الشر بريطانيا لتفتيت إيران بذريعة امتلاك النووي. أمريكا صاحبة المبادئ الديمقراطية لا تقوم إلا بحماية الأنظمة الدكتاتورية ومحاربة البلدان الإفريقية ذات الميول الديمقراطية والرافضة أخيرا للتبعية. حتما عرفت نهاية زين العابدين بن علي وتأكدت من فشل مسعاها لو تدخلت لذلك تركته لمصيره في انتظار طاغية أخرى يشرق شمسها في سماء تونس الموعودة للطغاة. لكن بعد ما جرى لبن علي لن يتجرأ طاغية على العبث علانية والتسارع التونسي عرف طريقه وأهدافه ووضع قضاياه بين يديه وما عاد قادرا على الاستسلام. غادر غرفة الإنعاش نشطا معافي فهل يعود إليها ثانية وتعود العادة والتعود يسيرانه حسب مشيئتهما؟ لا اعتقد فبعد هذه العاصفة الهوجاء لا بد من تحول حقيقي يضمن الحياة بكامل وجوهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية . على الشعب أن يكون الرقيب الواعي ولا يسمح لأيّ طامع في السلطة باحتواء الثورة . احتواء الثورة من قبل الدخلاء يعني إهدار دماء الشهداء واستسلام للمهانة ثانية حسب هذا الشعب ما ردّد : مات الملك ..عاش الملك
(المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 177 بتاريخ 18 مارس2011)